المكتبة الشاملة - نثر الدر موافق...

350
ة ل م ا ش ل ا ة ب ت ك م ل ا طة س وا ب ا ي ل ا اب ي ك ل ا ا ر هذ ي صذ ت م ت) ت ن ر ت, ن/ ى الإ ل ع ة ل م ا ش ل ا ة ب ت ك م ل ا ة ح ف ص ى ل/ ل ا ا ق ت, ن لإ ل ا ي ه ط غ صا( اب ي لك ا ر ت, ن: الذر ق ف وا م وع ب مط ل ل ف لS و م ل ا و بS : ا عذ س ور ص ن مZ ن بZ ن شي ح ل ا ى ب الإ دار ر ش لن ا : دار ب ت لك ا ة ب م ل ع ل ا روب تh ن- Z ان ي لت/ - 1424 ه- 2004 م عة ت لط ا ى ل وS : الإ ق ب ق ح ت الذ : خ ذ ي ع ى ن غ ل ا{ وظ ف ح م عذد اء ز جS الإ/ 7 م ي ق ر ي[ لة ام ش ل ا ق ف وا م وع ب مط ل ل] حة ف ص"""""" م ق ر141 """""" َ الَ قZ ن/ : اً ا ي علَ Z كان ماَ ب S ت شZ ن م رس ض ع ط ا ق، ِ طة شل ل وا ى ف رة ت ش غ ل ا، ذم ق ل وا ى ف لإم س/ الإ، ر هِ ّ لص وا ولُ سَ رِ ل لة ال ى صل لة ال ة ب عل، م لِ ع ل واZ ن زاُ لق ا ب، ة ق ف ل وا ى ف ةَ ّ بُ ّ س ل ا، ذة جَ ّ ن ل وا ى ف ب ز ح ل ا، ِ ودُ ح ل واZ ونُ ع ما ل ا بَ لَ خ . د و بS ا ل ي ق لط اُ ر م عاُ Z ن ب لةS وابُ ّ ى ب ا ي لك ا ى علَ ة عاون مَ ال ق فُ لةَ ت ن S : ا Z نِ م لة تَ قَ Z مان ثُ ع ؟َ ال ق : لإ ى ن كت ل . و Z ن مِ مُ رةَ حض م ل قُ ة ر ض نَ نَ ال . ق اَ : ومَ كَ ع ت م Z ن م رة ضَ ت ؟َ الَ ق م ل: ُ ة ر ض ن نَ Z نُ زو ج اَ هُ م ل اُ صار تS والإَ ال . قُ ة عاون م ذ ق ل: Z كانُ ة ق حً ا ي ج وا، Z وكانُ ب ح ت م ه علي Z نS اُ روة ض ن ن ال . ق اَ مَ ف: َ كَ عَ ت م Z ن م ةَ رن ضُ ت اَ بَ ر متS اَ Z ن ي ي م S و م ل اَ عكَ م وُ ل هS ا امَ ّ ش ل ا ؟َ ال ق اَ ومS : ا ى نَ لَ طِ ةِ ذم بٌ رة ض تُ لة ؟َ جكَ ض فٌ رِ م عا ال ق ف: َ ت نS ا لة والZ مان ث ع وِ ةِ ول ف كَ كَ ّ ت ق ز عS : لإَ ذ ع بِ وب م ل ا نُ ن وُ ذ ي¸ ن ى ف و ى ب ا ي ج ما نَ ن دَ ّ وَ ر ادي ر ال ق فُ لةُ ة عاون م عَ : د ا هذَ ك ي ع، لُ ق و ى ل : ماُ اةَ ّ ق ب ز ه الذ Z نِ مَ كِ ل كُ ث ى عل ى عل Z ن ب ا ى بS ا ت ل طاَ ال ق فُ ل كُ ث: ور ح ع ل ا

Upload: others

Post on 29-Dec-2019

16 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

المكتبة الشاملة - نثر الدر موافق للمطبوع

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

الكتاب : نثر الدر ـ موافق للمطبوعالمؤلف : أبو سعد منصور بن الحسين الآبيدار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1424 هـ - 2004 مالطبعة : الأولىتحقيق : خالد عبد الغني محفوظعدد الأجزاء / 7[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]

"""""" صفحة رقم 141 """"""قَالَ : إن علياً كانَ ما شئْتَ من ضرس قاطع ، والسلطةِ في العشيرة ، والقدم في الإسْلام ، والصِّهر لِرَسُول الله صلى الله عليه ، والعِلْم بالقُرآن ، والفقْه في السُّنَّة ، والنَّجدة في الحرْب ، والجُودِ بالماعُون . دخَلَ أبوْ الطفيْل عامرُ بنُ وائلة الكنانيُّ على معاويةَ فقالَ لهُ : أْنتَ مِنْ قَتله عُثْمانَ ؟ قالَ : لا . ولكنني مِمنْ حضَرهُ فلم يَنْصرْهُ . قالَ : ومَا منعَكَ منْ نَصْره ؟ قَالَ : لمْ ينصرْهُ المُهَاجروُنَ والأنْصارُ . قالَ معاويةُ : لقد كان حقهُ واجباً ، وكان يجبُ عليهمْ أنْ ينصروهُ . قال : فَمَا منَعَكَ منْ نُصْرتَه يَا أميرَ المؤْمنينَ ومَعكَ أهْلُ الشَّام ؟ قالَ : أومَا طَلَبي بدمِهِ نصرةٌ لهُ ؟ فضَحكَ عامِرٌ فقال : أنْتَ والله وعثمان كقولِهِ : لأعْرفنَّكَ بعْدَ الموتِ تندُوبُني وفي حياتي ما زَوَّدْتَني زادي فقال لهُ معاويةُ : دَعْ هذا عنْكَ ، وقُلْ لي : ما بقَّاهُ الدهر مِنْ ثُكْلِكَ على علي ابنْ أبي طالب فقالَ : ثُكْلُ العجوز المِقْلاتِ ، والشَّيخ الرَّقوبِ قالَ : فكيْفَ حبُّكَ لَهُ ؟ فقالَ : حُبُّ أمِّ مُوسى لموسَى ، وإلى الله أشْكُو التَّقْصيرَ .

(5/141)

"""""" صفحة رقم 142 """"""الباب الحادي عشر كلام الخوارجمن كلام أبي حمزةَ : تَقْوى اللهِ أكرمُ سَريرة ، وأفضلُ ذَخِيرة ، مِنْها ثقَةُ الوَاثق ، وعليْها مِقَةُ الوَامِق . ليعمَل أمرؤ فِي فكَاك نَفْسِهِ وهو رخي اللبَب ، طويلُ السَبَب ، وليعْرفَ مَمدَّ يَدِه ، ومَوضِعَ قَدَمِهِ ، وليَحْذَر الزَّلَلَ والعلَ التي تقْطَعُ عَنِ العمَل . رحِمَ اللهُ عبداً آثَرَ التَّقْوىَ ، واستشْعرَ وشعارَها واجتنىَ ثمارها . باعَ دَارَ النفدِ بدار الأبَدِ . الدُّنْيا كروْضَة اعتمَّ مَرْعَاهَا ، وأعْجَبتْ مَنْ يَراهَا ، تمجُّ عروقُها الثرى ، وتنظفُ فروعها الندي ، حتى إذا بلغَ العُشْب إناهُ ، وانْتَهى الزبرج منتهاه ، ضعفَ العُمودُ ، وذوي العُودُ ، وتولي مِن الزَّمان مالا يُعود ، فَحنَتِ الرياحُ الورقَ ، وفرقتْ مَا أتسقَ ، فأصبحَ هشيماً تذروهُ الرياحُ وكان اللهُ على كل شيء مُقْتَدِراً . كان شبيب يقُولُ : الليلُ يكْفيكَ الجَبَانَ ونِصْفَ الشُّجَاع . أتى الحجاجُ بامْرَأة مِنْ الخَوارج ، فقالَ لِمنْ حَضَر : ما تروْنَ فِيها ؟ قالُوا : اقْتُلْها . فقالَتْ : جُلُساءُ أخيكَ خيرٌ مِنْ جُلسائكَ : قال : مَنْ أخي ؟ قالتْ : فِرْعُونُ : لما شاورَ جُلساءهُ في موسى ' قالوا أرْجِهُ وأخَاهُ وأبعثْ في المدَائِنِ حاشرين ' فأمَرَ بقَتْلِهَا .

(5/142)

"""""" صفحة رقم 143 """"""مرَّ رجلٌ من الخوارج بدار تُبنى ، فقال : مَنْ هذا الذي يُقيم كفيلاً ؟ أخذ ابنُ زياد بنَ أديَّةَ : أخَا أبي بلال ، فقطعه يديه ، ورجليه ، وصلبه على بابِ دارِه فقال لأهله وهو مصْلوبٌ : انظروا إلى هؤلاء الموكَّلين بي فأحسِنُوا إليهم فإنهم أضيافكم . أني عتابُ بن وَرْقَاء بامرأة من الخوارج فقال لها : يا عدوةَ الله ، ما دعاكِ إلى الخروج ؟ أمَا سمعتِ الله تعالى يقول : كُتِبَ القتل والقتال علينا . . . وعلى المحصنات جرُّ الذيول قالت : يا عدو الله ، أخرجني قلةُ معرفتك بكتاب الله . كان الجنيد بن عبد الرحمن يلي خراسان في أيام هشام ، فظفر بصبيح الخارجي ، وبِعده ، مِن أصحابه ، فقتلهُم جميعاً ، غيرَ رجل أعمى كان فيهم . فقال له الأعمى : أنا أدلُّك على أصحاب صبيح ، وأجازيك بما صنعتَ ، فكتب له قُوماً . فكان الجنيد يقتلهم حتى قتل مائةً . فقال له الأعمى عند ذلك : لعنكم الله . تزعُم أنه يحلُّ لك دمي . وأني ضالَ . ثم تَقبلُ قولي في مائة فتقتلهم . لا - والله - ما كتبتُ لك من أصحاب صبيح رجلاً وما هُمْ إلا منكم فقدَّمه ، وقتله . دخل أبو حمزة - واسمه يحيى بن المختار - مكة ، فصعد منبرها متوكئاً على قَوْس له عربية ، فحمد الله ، وأثنى عليه . ثم قال : أيُّها الناسُ ، إن رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يتقدمُ ولا يتأخَّرُ إلا بأمْرِ اللهِ وإذْنِه ووحيهِ ، أنَزلَ اللهُ له كتاباً بيَّنَ لهُ فيهِ ما يأْتي وما يتقي ، فلم يَكُ في شَكِّ مِنْ دينهِ ، ولا شُبْهة منْ أمْرهِ ، ثم قبضَهُ اللهُ إليهِ ، وقد علمَ المسْلمينَ معالم دينهِ ، وولى أبا بكر صلاتَهُمْ وولاه المسلمونَ أمر دُنْياهُمْ حيثُ ولاهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليْه وسلم أمْرَ دينهِم ، فقَاتَل أهْلَ الردِة ، وعملَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ ، ومَضى لسَبيِلهِ - رحمهُ اللهُ - وولي عمرُ بنُ الخطاب ، فسارَ بسيرةِ صَاحبهِ ، وعَمِلَ بالكتابِ والسُّنَّةِ ، وجبى الفيءَ ، وفَرضَ الأعْطِيةَ ، وجمَعَ الناسَ في شَهْرِ رمضانَ ، وجلدَ في الخَمْرِ ثمانينَ ، وغَزَا العدوَّ في بلادِهمْ ، ومَضَى لسبيلهِ رحمهُ اللهُ . وولي عثمان بن عفانَ فسارَ ستَّ سنين بسيرةِ صاحبيهِ ، وكانَ دُونَهَما ثم سَارَ

(5/143)

"""""" صفحة رقم 144 """"""في الستِّ الأواخرِ بما أحبطَ الأوائلَ ، ثم مَضى لسبيلهِ ، وولي علي بنُ أبي طَالب فلم يَبْلُغ من الحق قصْداً ، ولم يرفْع له منَاراً . ثُم مضَى لسبيله ، وولي معاوية بنُ أبي سُفيانَ لَعينُ رسولِ الله وابنُ لعينِه فاتخذَ عبادَ الله خولاً ، ومالَ اللهِ دُولاً ، ودينهُ دَغَلاً فالعنُوهُ لعنَهُ اللهُ . ثم ولي يزيدُ بن معاوية ، يزيدُ الخمورِ ، ويزيدُ القُرودِ ، ويزيدُ الفُهودِ ، الفاسقُ في بطنِهِ ، المأبُونُ في فَرْجِهِ ، ثم اقتصهُمْ خليفةً خليفةً . فلما انتهى إلى عُمَرَ بن عبد العزيزِ أعْرَضَ عن ذِكْرِهِ . ثم ولي يزيدُ بنُ عبد الملك الفاسقُ في بْطِنه المأبُونُ في فَرِجهِ الذي لم يؤنس منه رُشدٌ ، ولم يُرْعَ له عهْدٌ . وقد قالَ اللهُ في أموال اليتامى ' فإن آنستُمْ منهُمْ رُشداً فادْفعُوا إلَيهِمْ أموْالَهُم ' . فأمرُ أمة محمد أعظمُ يأكلُ الحرامَ ، وبِشرْبُ الحرامَ ، ويلْبس الحُلَّة قُومِّتْ ألفَ دينار قد ضُرِبتْ فيها الأبشارُ ، وهُتِكتْ فيها الأسْتَارُ ، وأخِذتْ مِن غير حِلِّها . حَبابة عن يمينِهِ ، وسلامةُ عن يَسَارهِ يُغنيانِه حتى إذا أخذَ الشرابُ مِنْهُ كلَّ مأخذ قَدَّ ثوبَهُ ، ثم التفَتَ إلى إحداهُمَاَ فَقالَ : ألا أطيرُ ؟ نَعمْ ، فِطِرْ إلى النَّارِ . وأما بنُو أمية فَفٍِرقَةٌ الضلالةِ ، بْطشُهمْ بطْشُ جَبْريَّة ، يأخُذُونَ بالظنة ، ويقْضُونَ بالهوى ، ويقتُلُون على الغضبِ ، ويحْكُمون بالشفَاعة ، ويأخُذُونَ الفَريضَةَ مِنْ غيرِ موضعها ، ويضعُونَها في غير أهْلِها ، وقد بيَّن الله أهْلَهَا فجعلَهُم ثمانيةَ أصناف . قالَ : ' إنِّما الصدقاتُ للفقراء ' إلى آخر الآية فأقبلَ صِنْفٌ تاسعٌ لَيْسَ مِنْهمَا فأخَذَها كلَّها . تْلكُمُ الأمةُ الحاكِمةُ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللهُ .خطبة قطري بن الفجاءةأمَّا بعدُ : فإني أحذِّرُكم الدنيا فإنها حُلوة خَضِرةٌ ، حُفَّتْ بالشهوات وراقتْ بالقليل ، وتَحبَّبتْ بالعاجلةِ ، وخلّبتْ بالآمال ، وتَزيَّنتْ بالغُرور ولا تَدْمَ حَبْرتها ، ولا تؤْمنُ فجيعتْها ، وغرارة ضرارة ، وحائلةٌ زائلةٌ ، ونافِدةٌ بائدةٌ ، أكالةٌ غَوَّالة ، لا تعْدُو - إذا تناهتْ إلى أمنية أهل الرغبة فيها ، والرِّضَا عنها - أنْ تكونَ كما قال اللهُ تعالى ' كماء أنْزَلَناهُ من السماء ، فاختلط به نباتُ الأرض فأصبحَ هشيماً تذروه الرياحُ وكان اللهُ على كل شيء مقتدراً .

(5/144)

"""""" صفحة رقم 145 """"""مع أن امرأ لم يكن منها في حَبْرة إلا أعقبتْهُ بعدها عبرة ولم يلْقَ من سرائها بطناً إلا منحتْه من ضَرائها ظهْراً ولم تَظِله غيمةُ رخاءٍ إلا هطلتْ عليه مُزْنةُ بلاء ، وحريةٌ إذا أصبحتْ له منتصرةً ، أنْ تُمسي له خاذلةً مُتنَكرة ، وإن جانِبٌ مِنْها أعذوذبَ واحد ولي أمر عليه منها جانبٌ وأوبى . وإنْ آتت امرأ من غضارتها ورقاً أرهقته من نوائبها تعباً . ولم يْمس منها امرؤ في جنَاح أمنٍ إلا أصبحَ مِنْها على قوادمِ خوف . غرّارةٌ غرورٌ ما فيها ، فانيةٌ فإن من عليها لا خيرَ في شيء من زاد منها إلا التقوى . من أقل منها استكثرَ مما يؤمنهُ ، ومن استكثر منهَا استكْثَر مِما يُوبقُه ويطيل حُزنه ، ويبكي عينَه ، كم واثقٍ بها فجعته ، وذي طمأنينة إليها قد صرعتْه ، وذي احتيال فيها قد خدعته ، وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيراً ، وذي نخوة قد ردْتهُ ذليلاً ، ومن ذي تاج قد كبتْه لليدين ، وللفَم . سلطانُها دُوَلٌ ، وعيشُها رنَق وعذبها أجَاجٌ وحُلوُها صَبرٌ ، وغذاؤها سِمامٌ ، وأسْبابها رِمامٌ ، وقطافُها سَلَع ، حيُّها بعَرَضِ موت ، صحيحُها بعَرَضِ سقم ، منيعُها بِعَرضِ اهتضَام . مليكُها مسلُوب ، وعزيزُها مغْلوبٌ ، وسليمُها منكُوب ، وجارها محروبٌ ، مع أنَّ وراء ذلك سكراتِ الموت ، وهولَ المطلعِ ، والوقوفَ بين يدي الحكم العدل ' ليجزي الذين أساءْوا بِما عَملوا ويجزي الذينَ أحْسنُوا بالحُسْنى ' . ألستُم في مساكن من كان قَبْلكم أطولَ أعْمارً ، وأوضح منكُم آثاراً ، وأعد عديداً ، وأكثفَ جُنوداً ، وأشدَّ عُنوداً . تُعبِّدوُا للدنيا أي تعبُّد ، وآثَرُوها أي إيثار ، وظعَنُوا عنها بالكُره والصغَار فهل بلَغكُم أنَّ الدنيا سمحَتْ لهم نفْساً بِفدْية ، أو أغْنَتْ عنهم فيما قد أهلكتْهُم بخَطْب ؟ بل قدْ أرهقتْهُم بالفوادح ، وضَعْضَعْتهُمُ بالنوائب ، وعقرتهُم بالفجائع . وقد رأيتُم تنكُّرَها لمنْ دَانَ لها ، وآثَرها وأخْلَدَ إليها حين ظَغنُوا عنها لفراقِ الأبَد إلى آخرِ المُسْند . هل زودتَهْمُ إلا السغَب ، وأحلَّتهم إلا الضّنْكَ ، أوْ نورت لَهم إلا الظُّلمةَ أو

(5/145)

"""""" صفحة رقم 146 """"""أعقُبتْهم إلا الندامة ؟ أفهذه تُؤثرون أمْ علي هذه تَحْرِصُون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ يقولَ الله عز وجل : ' مَنْ كان يُريد الحياةَ الدنيا وزِينتَها نُوَفِّ إليهم أعْمالهم فيها وهم فيها لا يُبْخَسُون ' فبئستْ الدارُ لمنْ أقامَ فيها فاعلُموا - وأنتم تعلمون - أنكم تَارِكُوها لا بُدَّ ، فإنما هي كما وصفَها اللهُ باللعب ، واللهو . وقد قال الله تعالى : ' أتبنْون بكُلِّ ريع أيةً تَعْبَثُون وتتَّخذُونَ مصانعَ لعلكم تَخْلُدون وإذا بطشتُم بطَشتُم جبارين ' . ذكر الذين قالوا : ' من أشدُّ منا قوةً ' ثم قال : حُملُوا إلى قُبورهم فَلا يُدعَون رُكْباناً ، وأنْزِلوا فلا يُدعَوْنَ ضيفَاناً ، وجعل الله لهم من الضريح أجْناناً ، ومن الترابِ أكْفاناً ، ومن الرفُّات جِيراناً ، وهم جِيرةٌ لا يُجِيبون داعياً ، ولا يمنعُون ضَيماً . إن خَصبوا لم يَفْرحُوا ، وإن قَحطوا لم يقُنطوا . جَميعٌ وهم آحاد ، جِيرةٌ وهم أبْعادٌ ، مُتَناءْون لا يزورُون ولا يُزَارُون . حُلماءُ قد ذهبتْ أضْغانُهم ، وجُهلاءُ قد ماتتْ أحقادهُمْ ، لا يُخشى فجْعهُمُ ، ولا يُرْجَى دَفْعُهمُ ، وكما قال الله تعالى : ' فتلْكَ مساكُنهم لم تُسْكَنْ منْ بعْدِهِم إلا قليلاً وكُنَّا نحنُ الوارِثين ' . واستبدلَوا بظَهْرِ الأرض بطْناً ، وبالسَّعة ضِيقاًُ ، وبالأهل غُربةً ، وبالنور ظُلمة ، ففَّارَقُوها كما جاءُوها حُفاةً ، عراةً ، فُرادى ، غيرَ أنْ ظعنُوا بأعمالهم إلى الحياد الدائمة ، وإلى خلود الأبَد ، يقولُ الله تبارك وتعالى : ' كما بدأنا أول خلق نُعيدُه وعداً علينا إنا كُنَّا فَاعِلينَ ' . فاحذَروا ما حذَّركُم الله ، وانتفعُوا بمواعظه ، واعتصمُوا بحَبْله . عَصَمنا اللهُ وإياكم بطاعته ، ورزَقنا إياكُم أداءَ حقِّه . قالوا : لما أخذ أبو بيهس الخارجي ، وقُطِعتَ يداهُ ، ورِجْلاهٌ ، تُرك يتمرغُ في الترابِ . فلما أصْبح قال : هل أحدٌ يُفْرِغُ على دَلْوين ؟ فإني احتلمتُ في هذه الليلةِ . هذا إن كان صَادقاً فهو عجيبٌ ، وإنْ كان قالهُ استهانةً بمَنْ فَعلَ ذلك فهو أعجبُ . قال بعضُهم : سمعتُ أبا بلال في جنازة وهو يقولُ : ألا كلُّ ميتةٍ ظنُونٌ إلا ميتةَ الشجاء . قالوا : وما ميْتةُ الشجاء ؟ قالَ : امرأةٌ أخذها زيادٌ فقطعَ يديْها ،

(5/146)

"""""" صفحة رقم 147 """"""ورجليها ، فقيل لها : كيف تريْنَ يا شجَاءُ ؟ قالتْ : قد شَغلني هولُ المطَّلَع عن بَرْدِ حَدِيدكم . قال الحجاج لامرأة من الخوارج : اقرئي شيئاً من القرآن . فقالتْ : ' إذا جاء نَصْر الله والفتْحُ ، ورأيتَ الناسَ ' ' يخرجونَ فقَالَ : ويحك يدخُلُون . قالتْ : قد دَخَلُوا ، وأنتَ تُخْرِجُهم . وقال الحجاجُ لأخرى : لأحصدنكُمْ حصْداً . قالتْ : أنتَ تحصُدُ ، والله يزرَعُ ، فانظُرْ أينَ قُدْرةُ المخلُوقِ من قدرةِ الخالق ؟ رأت أخرى منهُمْ رجلاً بضًّا فقالتْ إني لأرى وجهاً لم يُؤثِّرْ فيه وضوء السبرَات . كان شبيبُ الخارجي ينعى لأمة : فَيُقَالُ : قُتِلَ : فلا تُصَدِّقُ ، إلا أنْ قِيل لَها : غَرِقَ : فولولتْ ، وصدقَتْ . فَقِيلَ لَهَا في ذلكَ . فقالتْ : إني رأيتُ حين ولدتُهُ إنهُ خَرجَ مني نارٌ فعِلمتْ أنهُ لا يُطفئُهُ إلا الماءُ . وقَفَ رجُلٌ على أبي بيْهَسَ وقَدْ أمِرَ بقَطْع يديه ورجليه فقال : ألا أعْطيكَ خاتماً تتختُم بِهِ ؟ فقالَ لَهُ أبو بيْهسُ : أشْهَد أنَّكَ إنْ كُنت مِنَ العَرب فأنت مِن هذيل ، وإن كنت مِن العجَم فأنت بَرْبَري . فسُئِل عَنه فإذا هو منْ هذيل وأمهُ بَربْرِيَّةٌ . أتى رجُلٌ من الخَوارج الحسنَ البصري ، فقالَ لَهُ : ما تَقولُ في الخَوارج قالَ : هُمْ أصْحَابُ دُنيا ، وقَالَ : ومن أينَ قُلتَ وأحدهُمْ يمْشي في الرُّمح حتى ينكَسرَ فيه ، ويخرج من أهله ووَلَده ؟ فَقَالَ الحسنُ : حدثني عن السلطان أيَمْنعُكَ من إقَامَة الصلاة ، وإيتَاءٍ الزَّكَاة ، والحجِّ والعُمْرة ؟ ' قَالَ لاَ . قَالَ : فأرَاهُ إنما مَنَعَكَ الدنُّيا فقاتلتَ . نَزَلَ رجُلٌ من الخَوارج عَلى أخ لهُ منهُمْ في اسْتتارة منَ الحجَّاج ، وأرادَ صاحبُ المنزل شُخُوصاً إلى بلد آخَرَ لحَاجة لهُ ، فقَالَ لامرأته : يا زرقَاءُ أوصيك بضَيْفي هَذا خيراً وبَعُدَ لِوجهتهِ . فلما عَادَ بَعْدَ شهر قال لَهَا : يا زرقاءُ . كيف رأيْتِ

(5/147)

"""""" صفحة رقم 148 """"""ضيفنا ؟ قالت ما أشغلهُ بالعمى عن كلِّ شيء وكان الضيفُ أطبقَ عينهُ فلم ينظُرْ إلى المرأة والمنزل إلى أنْ عَادَ زَوْجُهَا . اجتمعَ ثلاثةٌ من الخوارج فعقد اثْنَان لِواحِد ، وخَرجُوا يمْشُونَ خلْفَهَ يَلْتمِسونَ شيْئاً يركَبُهُ ، فجعَلَ الأثْنان يِتَلاحيان ، فالتَفتَ إليهمَا وقال : ما هذهِ الضَّوضاءُ التي أسمَعُهَا في عَسْكِري ؟ ؟ كبرَ رجُلَ منهمْ وهَرمَ حتى لم يكُنْ بهِ نهوضٌ ، فأخَذّ منزلاً على ظهر الطريق ، فكلما جاءَ مطرٌ وابتلتْ الأرضُ أخذَ زجاجاً ، وكَسَرهَ ، ورماهُ في الطريق ، فإذا مر إنسانٌ وعَقَرَ رجلَهُ الزُّجاجُ قَالَ الخارجي من وَرَاءِ البَاب : لأحُكْمَ إلا لِلَّهِ ثُم يقولُ : اللهُمَّ إنَّ هَذا مجْهُودي . لِقي رجلٌ بعضَ الخوارج بالموْقِفِ عشيةَ عرفةَ ، فَقال لهُ : مَنْ حج في هَذِه السنةِ منْ أصْحابكم ؟ فَقالَ : ما حَجَّ غيري . فقالَ لَه : إنِّما بَاهي اللهُ عزَّ وجَلَ ملائِكتَهُ في هّذِهِ السنةِ بشقِّ محُملِهِ . وأحْضَرا الحجَّاج رجُلاً من الخوارج ، فمنَّ عليهِ ، وأطْلَقُه ، فلما عَادَ إلى أصْحابِه ، قالُوا لَهُ : إنَّ اللهَ مخَلِّصُك مِنْ يدِهِ ليزيدَك بصيرةً في مذهبكِ ، فلا تُقصِّرْ في الخُروج عليْهِ . فقالَ . هيْهاتَ . غل يداً مطلقُها ، استرقَّ رقَبَةً معْتِقُهَا . نَظرَ رَجلٌ مِنَ الخوارج إلى رَجل مِنْ أصُحاب السُّلطان يتصدَّقُ على مِسْكين فقَالَ : انظْرْ إليهم : حَسناتُهم مِنْ سيِّآتِهم . قال المنْصُورُ لبعَض الخوارج - وقد ظَفِرَ بهِ : عرفني مَنْ أشدُّ أصحابي إقْداماً كَان في مبارزتِك . فقالَ : ما أعَرِفهُمْ بوجُوهِهم ، ولكني أعْرفُ أقْفَاءَهُمْ . فقُلْ لَهُمْ يُدْبروا حتى أصِفَهم ، فاغتَاظَ وأمَر بقتْلِهِ . قال الحجاجُ لرجل منهمْ : والله إني لأبْغِضُكُم . فقالَ الخارجيُّ : أدْخَل اللهُ أشدنا بُغْضاً لصاحِبهِ الجنةَ . وقيلَ إنَّ أوَّلَ مَنْ حكَّم عُروةُ بن أدَيَّة وهو عروة بنُ حُدير أحد بني ربيعةَ ابن حنظلةَ . وأديَّة جَدَّةٌ له وهو ممَّن نجا مِن حرْب النَهْرَوان ، وبَقِي إلى أن أتى به زياد فقتَلًهُ ثم دَعَا مؤْلاهُ ، فقالَ : صِفْ لي أمورَهْ . فقالَ : أأُطِنبُ أمْ أخْتصِر ؟ فقَالَ : بلْ

(5/148)

"""""" صفحة رقم 149 """"""اختَصِرْ فَقالَ : ما أتيتُهُ بطَعام بنهار قطُّ ، ولا فَرَشْتُ له فِراشاً بلّيْل قطُّ . وكان زيادٌ سألهُ عن مُعاوية فَسَبَّهُ ، وسألهُ عن نفْسهِ ، فقالَ : أولكَ لزينْةَ ، وآخركَ لدعْوة وأنتَ بعد عاص لربِّك . قالَ المبِّردُ : قد اسْتَهْوى رأيُ الخوارج جماعةً من الأشرَاف ، يُروْى إنَّ المُنْذِرَ بنَ الجارودِ كان يرى رأيهُمْ ، وكانَ يزيدُ بن أبي مسلم صاحبُ الحجَّاج يراهُ ونُسِبَ إليه عِكْرَمةُ مَولى ابْن عبَّاسِ ومالكُ بنُ أنس . وروى أنَّه كان يذكُرَ عثمانَ ، وعلياً ، وطلحَةَ ، والزُّبيرَ فيقولُ : واللهِ ما اقْتَتَلوا إلا على الثريدِ الأعْفَر . وأما أبُو سَعيد الحسنُ البصريُّ فإنه كان يُنْكرُ الحكُومةَ ولا يرى رأيَهُمْ . ذكَرُوا أنَّ عبدَ الملك أتوهُ برجل من الخَوارج ، فأرادَ قتله ، فأدخل على عَبد الملك ابن لهُ صغيرٌ - وهو يْبكي - فقال الخارجيُّ : دَعْهُ بيكِ فإنَّهُ أرْحبُ لِشدتُهِ ، وأصَح لدِمَاغِه ، وأذْهُبُ لصَوتِهِ ، وأحُرى ألا تأْبى عليهِ عينُه إذا حَفزَته طاعَةُ الله فاستدْعى عَبْرَتَها . فأُعجبَ عبدُ الملكِ بقولهِ . وقالَ لهُ مُتعجِّباً : أمَا يشغَلُكُ ما أنْتَ فيه عَن هَذَا ؟ فقالَ : ما يَنْبغي أنْ يَشْغَلَ المؤمِنَ عَنْ قول الحقِّ شيءٌ . فأمَرَ عبْدُ المَلكِ بحَبْسِه ، وصَفَحَ عَنْ قَتْلِهِ . كانَ جماعةٌ من الخَوارج تجمعَتْ بعْد حرب النَّهروان فَتأسفُوا علي خِذْلانِهم أصْحابَهُمْ ، فقَامَ مِنْهُم قائمٌ يقالُ لهُ المُسْتَوردُ مِن بني سَعْدِ ابن زيدِ مناة ، فحمدَ الله ، وأثنى عليه ، وصلى على محمد صلى اللهُ عليهِ ، ثُمَّ قالَ : إن رسُول اللهِ - صلى الله عليهِ - أتانا بالعَدْل تخْفقُ راياتُه ، وتَلْمع مَعَالُمه ويبلِّغُنَا عَنْ رَبِّهِ وينصَحُ لأمتِه حتى قبضَهُ اللهُ مخيراً مختاراً ، ثُم قَامَ الصدِّيقُ فَصدّقَ عن نبيهِ ، وقاتَل مَنْ ارْتدَّ عَن دِين

(5/149)

"""""" صفحة رقم 150 """"""ربِّهِ ، وذكَرَ أن الله عز وجَلَ قَرَنَ الصلاةَ بالزَّكاةِ ، فرأى تْعطيلَ إحداهُما طعْناً على الأخرى ، لا بل عَلَى جميع منازِلِ الدينِ ، ثم قبَضَهُ اللهُ إليه مَوفُوراً . ثم قَامَ الفارُوقُ ، ففرق بين الحق والباطل مسوياً بين الناس ، ولا مؤثراً لأقاربه ، ولا مُحَكماً في دين ربه ، وها أنتُم تَعلَمُون ما حَدَثَ : واللهُ يقولُ : ' وفضَّل اللهُ المُجاهدين على القاعدين أجرأ عظيماً ' وكان المستوردُ كثيرَ الصلاة شديدَ الاجتهاد ، وله آدابٌ محفوظةٌ عنْه . كان يقول : إذا أفُضيت بسرى إلى صديقي فأفشاه لم ألمه لأني كنْت أولى بحفظه . وكان يقول : لا تفْش إلى أحد سراً . وإنْ كانَ لك مخْلصاً إلا على جهة المشاورة . وكان يقول : كن أحْرصَ على حفْظ سر صَاحبك منكَ على حَقْن دَمك وكانَ يقول : أقَلُّ ما يدلُّ عَلَيْه عائب النِّاس معْرفته بالعيوب ولا يعيب إلا معيبٌ . وكان يقول : المال غير باقٍ فآشْتَر به منَ الحمْد ما يبْقى عليكَ . وكان يقول : بذل المال في حقه استدعاءٌ للمزيد من الجواد . وكانَ يُكثِرُ أنْ يَقولَ : لو ملكت الدُّنْيا بحَذافيرها . ثم دُعيت إلى أنْ أسْتقيلَ بها خطيئةً علي لفعَلْت . ولما أتى عبيدُ الله بن زياد بعروةَ بن أدية - وكانَ قد أصيبَ في سَريَّة للعلاء بن سُويْد في استتاره - قال له عبيدُ الله : جهزْتَ أخاكَ علي : فقال : والله لقد كنت به ضَنيناً وكانَ لي عزاً . ولقد أردت له ما أريده لنفسي ، فعزَم عزماً فمضَى عليه ، وما أحبُّ لنفسي إلا المقامَ وتَرْكَ الخروج . قال له : أفأنتَ على رأيه ؟ قال : كنَّا نعبد رباً واحداً . قال أما لأمثلنَّ بكَ . قال فاخترْ لنفسك من القصَاص ما شئْتَ . فأمرَ به فَقطعوا يَديْه ورجْلَيه . ثم قال : كيفَ تَرى ؟ قال أفسدتَ علي دنْياي وأفسدتُ عليك آخرتَك . وفي

(5/150)

"""""" صفحة رقم 151 """"""كتاب لنافع بن الأزرق كتبه إلى قعدَة الخوارج : ولا تطْمَئنُّوا إلى الدنيا فإنها غّرارةٌ ، مكَّارة ، لذتها نافذةٌ ، ونعيمها بائد . حُفت بالشهوات اغترارا ، وأظهرتْ حَبْرةً ، وأضمرتْ عَبرة ، فليس لآكلٍ منها أكلةٌ تسرُّه ، ولا شربة تونقه إلا دنا بها درجةً إلى أجله ، وتباعدَ بها مسافةً منْ أمله . وإنما جعلها الله دار لمنْ تزوَّد منها إلى النَّعيم المقيم ، والعيش السليم ، فلَنْ يرضى بها حازمٌ داراً ، ولا حكيم بها قراراً ، فاتقوا الله ، ' وتزودوا فإنَّ خَيْرَ الزادِ التَّقْوى ' والسلام على من اتبع الهدى . ولما حاربهم المهلّب يسلى ، وسليري فُقتِل رئيسهم : ابن الماخور اجتمعوا على الزبير بن علي من بني سليط ، وبايعوه ، فرأى فيهم انكسار شديداً ، فقال لهم : اجتمعوا . فحمد الله وأنثى عليه ، وصلى على محمد صلى الله عليه - ثم أقبل عليهم فقال : إن البلاء للمؤمنين تمحيص وأجرٌ ، وهو على الكافرين عقوبةٌ وخزي . وإن يُصبْ منكم أميرُ المؤمنين فما صار إليه خيرً مما خلف . وقد أصبتم فيهم مسلمَ بن عُبيْس ، وربيعاً لأجْذم ، والحجاجَ بن بَاب ، وحارثه بن بدر ، وأشجيتم بالمهلب ، وقتلتم أخاه المعارك . والله يقول لإخوانكم من المؤمنين : ' إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القومَ قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس فيوم سلى كان لكم بلاء وتمحيصاً ، ويوم سولاف كان لهم عقوبة ونكالاً . فلا تُغلبُنَ عن الشكر في حينه ، والصبْر في وقته . وثقوا بأنكم المستخلفون في الأرض والعاقبة للمتقين . ولما استرد مصْعبٌ المهلبَ من وَجْه الأزارقة ، وولاه الموصلَ شاور الناسَ فيمن يستكفيه أمْرَ الخوارج ، فقال قومٌ : وَلِّ عبيدَ الله بنَ أبي بكرة . وقال قوم : ولِّ عمر بن عبيد الله بن معمر . وقال قوم : ليس لهم إلا المهلبُ فارْدده إليهم . وبلغتْ المشورة الخوارجَ ، فأداروا الأمَر بينهم . فقال قطريُّ بن الفجاءة المازني : إنْ جاءكم عبيد الله بن أبي بكرة أتاكْم سيدٌ ، سمح ، كريم ، جواد ، مُضيعٌ

(5/151)

"""""" صفحة رقم 152 """"""لعسكره ، وإن جاءكم عمر بن عبيد الله أتاكم شجاعٌ بَطلٌ ، فارسٌ ، يقاتل لدينه ، ولملكه ، وبطبيعة لم أرَ مثلها لأحد ، فقد شهدتُه في وقائع فما نودي فِي القوم لحرب إلا كان أولَ فارس يطلع حتى يشدِّ على قِرنْه فيضربه . وإنْ ردّ المهلب فهو مَنْ قد عرفتموه ، إن أخذْتم بطرَف ثوب أخَذَ بطرفه الآخر ، ويمدُّه إذا أرسلْتموه ، ويرسله إذا أمْددتموه . لا يبدؤكم إلا أن تبدءوه ، وإلا أن يرى فرصةً فينتهزَها ، فهو الليث المبرُّ ، والثعلب الرواغ ، والبلاء المقيم . ولما قُتل مُصعب أتى الخبر الخوارجَ ولمْ يأْت المهلَّبَ وأصُحابه ، فتواقفوا يوماً على الخندق ، فناداهم الخوارج : ما تقولون في المُصعب ؟ فقالوا : إمام هدي : قَالوا : فما تقولون في عبْد الملك ؟ قالوا : ضَالُّ مُضل . فلما كان بعدَ يومين أتى المهلب قتلُ المصعَب ، وأنَّ النَاسَ قدْ اجتمعوا على عبد الملك ووردَ عليه كتاب عبد الملك بولايته . فلما تواقفوا نَاداهمُ الخوارج ما تقولونَ في مصْعب ؟ قالوا : لا نخبركمْ . قالوا : فما تقولونَ في عبد الملك قالوا : إمام هُدى . قالوا : يا أعْداءَ الله ، بالأمْس ضالٌّ مُضل ، واليومَ إمام هدي . يا عَبيدَ الدُّنْيا عليْكمْ لعنة الله . أتى الحجاج بأمْرأة منَ الخوارج فجَعلَ يكلِّمها ، وهي مُعْرضةٌ عنْه فقالَ لها بعْض الشُّرط : يكلمكِ الأمير وأنْت معُرضةٌ عنْه ؟ قالت إني لأستحي من الله أن أنظر إِلَى من لا ينظر إليه أتى زياد بامرأة منهم فقال : أما والله لأحصدنكم حصداً ولأخفينكم عداً قالت : كلا إِن القتل ليزرعنا قَال : فلما هَمَّ بقَتْلها تسترَتْ بثوبْهَا فقالَ : اتَتسْترينَ - وقد هَتَكَ الله ستْرَك ؟ قالَتْ : أي والله أَتَستر ولكن الله أبدى عورةَ أمكَ على لسانك ، إذْ أقرَرْتَ أنَّ أبَا سفْيَانَ زَنَى بها ، فأمَرَ بقَتْلهَا . وقال الحجَّاج لرَجل منْهمِ : أجَمعْتَ القرآنَ ؟ فقال : أمَتفرِّقاً كان فأجمَعه قالَ : أتقرؤه ظاهراً قالَ : بَلْ أقرؤه وأنا أبْصره . قَالَ أفتحفظه ؟ قالَ : أخَشيت فراره فأحْفَظه . قال : ما تَقول في أمير المؤمنين عَبدْ الملك ؟ قال : لعَنه الله ، ولَعَنكَ مَعَه . قالَ ، : إنكَ مقْتولٌ . وكيْفَ تلْقَى الله ؟ قالَ : ألقاه بعَملي وتلْقَاه بدمي . كَانَ عمْران بن حطان منْ أقُبح النَّاس وجْهاً ، وأسْمَجهم منظراً ، وكانتْ له امرأةٌ

(5/152)

"""""" صفحة رقم 153 """"""كأنَّها القمَرُ أديبةٌ ، فَصيحةٌ . فقالَتْ له يوْماً : أنَا وأنْتَ في الجنَّة جميعاً . قَالَ : وكيْفَ عَلمت ؟ قالَتْ : لأني ابتليت بكَ فصَبْرت ، وأعْطيتَ مثلىَ فشكرت ، والصابرون والشاكرون في الجنة . قَتَل زياد رجلاً منْ الخوارج بعْد أنْ سأله عَنْ عثمانَ فتبرأ منه ، وعن معاويةَ فسبه ، وعَنْ نفْسه فقَالَ : إنكَ أولكَ لزينة ، وآخركَ لدعوة وأنتَ بعْد - عاص لربكَ . فأمَرَ به فضربتْ عنه . ثم قال لمؤمن له : صفُ لي أمورَه قالَ : أأطنبُ أم أختصرُ ؟ قال : بل اختصر . فقالَ مَا أتيْه بطعام بنهار قطُّ ، ولا فرشت لَهُ فراشاً بليل قط . كان بالمدينة رجلٌ من الخَوارج قالَ بعْضهم : فرأيته يَحْذف قنَاديل المسْجدِ بالحصى ، فيكْسرها . فقلْت لَهُ : مَا تصْنَع ؟ قَالَ : أنَا - كما ترى - شيخٌ كبيرٌ ، لا أقْدر لهُمْ عَلَى أكْر من هَذَا ، أغرمُهُمْ قنْديلاً ، قنْديلَيْنِ فِي كلِّ يوم . وصلى الله عَلَى محمد وآله . وهذا مختصر عمله الصاحب رحمهُ الله وسماهالكشف عن مناهج أصناف الخوارجالحمد لله رب العالمين . وصلى الله عَلَى النبي محمد ، وآله أجمعين . سألتَ أن أذكرَ لَكَ ألقابَ طوائف الخوارجِ ، وذَرْواً من اختلافها . وأنا أثبتُ مَا يحضر حفْظي . عَلَى أنَّ هَذِهِ الألقابَ تجمع أصولاً ، وفروعاً ، فربَّ طائفة لحقها لقبٌ ثُمَّ تفرّد من جملتها فريق فلحقهم لقبٌ آخر . والذي يجمعهم من القول تكفير أمير المؤمنين - صلوات الله عَلَيْهِ وتكفيرُ عثمان ، وإنكارُ الحكمين ، والبراءةُ منهما ، وممَّن حكَّمهما أو تولى أحداً ممن صوَّبهما . وأول من حكم بصفيِّن عُروة بن حُدَير : أخو أبي بلال مرْداس ، وقيل عاصم للمحاربي ، وأول من تشرى رجلٌ من يشكُرَ ، وَكَانَ أميرهم - أولَ مَا اعتزلوا - عبد الله بن الكَوَّاء ، وأمير قتالهم شبت بن ربعي ، ثُمَّ بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي .ذكر ألقاب فرَقهم مع جمل منْ مذاهبِهمالأزارقة : أصحاب نافع بن الأزرق ، يبرءُون من القعَدة .

(5/153)

"""""" صفحة رقم 154 """"""النجدية : أصحابُ نَجْدةَ بنِ عامر الأسدي . تتولى أصحاب الكَبائر من الخوارجِ إذ لمْ يُصِروا . ومَن أصر منهُم فهو مُشرِكٌ عندَهُمْ . الإباضية : أصحابُ عبد الله بن إباضِ التميمي . فأما عبد الله بنُ يحيى الأباضي الملقَّب بطالب الحق فهُواَ منْسُوبٌ إليهمْ ومعهُ خَرجَ أبُو حمزَةَ الخارجي الصفرية : أصحابُ زياد بنِ الأصفرِ وقيلَ أصحابُ عبدْ الله الصفار العطرية : أصْحابُ عطيةَ بنِ الأسْود الحنفي منْ المنكرينَ عَلَى نَافع . العَجَاردة : أصحابُ عبد الكريم بن عجرد ، وهم عَطوية ، إلا أنهم يوجِبُونَ دُعاءَ الأطفال عند بُلُوغهم والبراءةَ منهُمْ قبْلَ ذَلِكَ . الميمْونيةُ : ميْمون هَذَا عبدُ لعبد الكريم بنِ عجرَد ويقولُ بالعَدْلِ ، ويَرَى قتْلَ السُّلطانِ خاصَّة ، ومَنْ رضى ظُلْمةَ ، وأعَانَهُ دُونَ سائر الناس ويحكى عنهم أن التزوجَ ببنات الأبنِ وبنات البنَات ، وبنات بنَات الأخَوات وبنات بني الإخوة جائزٌ ، وأن سُورة يوسُفَ ليستْ من القرآنِ . وأكَثرُ من بسجِسْتان ميْمونيةٌ ، وعجاردةُ . وقيلَ ميمون رجلٌ من أهلِ بلْخ . الخلفية : يقولُون بالجَبْرِ ، ويخالفُون الميْمونيَّةَ فِي العَدْلِ . الحمزْيَّة : أصحابُ حَمزة بن أدْرك . يقولُون . بالعَدْل . وَلَهُ فارَقُوا الخَليفيةَ . الخازمية : وهم الشعيبية أصلُهم عجاردة ، وهمْ أصحابُ شُعيب يقولُون : إنَّ الولاية والعَداوَة صفتَان فِي ذات القديم . وهُم مجْبِرة . المعْلومية : مِنَ الخَازميَّة يقولون : مَنْ لَمْ يَعْلمِ الله بجميع أسْمائه ، وعرَفَه ببعضها فَهُو عارفٌ بِهِ . المجْهولية يقولون : مَنْ لَمْ يعلم الله عَز وجل بجميع أسمائه فهو جاهلٌ بِهِ . الصلتية : عَجَاردةٌ أصحابُ عثمان بن أبي الصلْت . يقولُون : إذا استجاب الرجلُ للإسلام برِئْنا من أطْفالهم حَتَّى يُدْركوا . الثعالبة : عجاردةٌ ، وصاحبهُم ثعلبةُ ، خالفَ عبْد الكريم بن عجرد فيما قاله فِي الطفل .

(5/154)

"""""" صفحة رقم 155 """"""الأخْنَسيَّة : أصحابُ ، الأخْنَس يحرِّمون البنات ، والغيلة ويقفون عَمَّن فِي دار التَّقية حَتَّى يعُرفوه . العبْدية : رأوا أخْذَ زكاةِ أمْوالِ عبيدهم إذا استَغَنَوا ، وإعْطاءهُم إذا افتقروا . الشَّيبانيةُ أصحابُ شَيبان بن سَلَمة . الزيادية : أصحابُ زياد بن عبد الرحمن . العُشريَّة : وهم الرشيدية ، كانوا يرون فيما سُقي بالأنهار الجارية نصف العْشر ، وخالفت الزياديةَ فِي إيجابها العُشرَ . المكرمية : أصحاب أبي مكرم . قالت : تارك الصلاة كافرٌ . ومن أتى كبيرةً فهو جاهلٌ بالله . وقالت بالموافاة . الفُدَيكية : أصحاب أبي فُديك الَّذِي غلب عَلَى عسكره نجدةُ ، وأنكر عَلَيْهِ . الحَفْصيَّة وصاحبهم حَفْصُ بن أبي المقدام وهم إباضيّة : زَعم أنَّ مَنْ عَرف الله ثُم أنكر الأنْبياء أو غير ذَلك فهو كافر . وَلَيْسَ بمشْرك . اليزيدية : رئيسهم يزيد بنُ أنيسة يتولى الإبَاضيَّة كلَّها . والمحكِّمة الأُولى . ويزعم أن الله يبعثُ رسولاً من العجم ويُنْزل عَلَيْهِ كتاباً بغيْر شريعتنا ويكونون صابئبين . الحارِثية : أصحابُ الحارث الإباضي . يقولُون بالعدلِ وأنَّ مخالفيهم كفارٌ غيْر مشْرِكين تحلُّ مناكحتُهم ، ويحرم سبيهم . ودارُ مخالفيهم دارُ توحيد إلا عسكرَ السُّلطان فإنه دارُ بغي . وأنِّ مُرْتكبي الكبائر موحَّدون غير مؤمنينْ . الواقفية : وقفتْ فِي جَوازِ بيع الأمَةِ مِنْ مُخالفيهم ، ويُسمونَ : صاحب المرأةِ . الضحاكية : يقالُ لهم : أصحابُ النِّساء . وجوزوا تزويج المرأةِ المسلمة مِنْ كُفّارِ قومِهِم فِي دار التَّقية . البَيْهسيَّة : أصحابُ أبي بَيْهَس هَيْصم بن جابر . كفَّر مَنْ حرَّم بيعَ الأمَة من المخَالفين . وكلُّ ذنْب لَمْ يحكُمْ اللهُ تعالى فِيهِ حُكْماً مُغلظاً فهو مغْفُورٌ عنده .

(5/155)

"""""" صفحة رقم 156 """"""الْعَونْيَّةُ : تقولُ : إذا كفَرَ الإمامُ كفرتِ الرعيةُ : الغائبُ ، والشاهد . السؤالية : تقُولُ : مَنْ أقام الشَّهادتين ، وواليَ أولياء الله ، وعادي أعداءهُ فهو مُسْلِمٌ إلى أن يُبْتَلى فِي غير ذَلِكَ . التَّفْسيريةُ : رئيسُهم الحكم بن يحيى الكوفي . ومِنْ قَوْلهم : إنِّ مَنْ شَهد شَهادة أخِذَ بتْفسيرها وكَيْفيَّتها . الصالحية : أصْحابُ صالح بن مسَرح . الشَّمراخية : مِنْ قولهم : إنَّ قتْلَ الأبوين المخَالِفّيْن حرامٌ فِي دار التقيَّة ، ودار الهجرة . البدعية : يقْطعونَ عَلَى أنفسِهم وموافِقيهم أنَّهم فِي الجنَّةِ . الخشَبيَّة : رئيسُهم أبُو الخَشب . المغْروريًّة : صُفريةٌ وموضِعُهم البيضاءُ من المغرب ، وصاحِبُهم المغْرورُ بنُ طالُون . والبلاد الَّتِي يغْلِبُ عَلَيْهَا الخارجيةُ الجزيرةُ وأطرافُ الموْصلِ . وشهرزور ، والبحرين وسِجِسْتانَ ، وتَاهرت . وكثير مِن أذْرَبيجانَ . وهم يُلقَّبون بالخوارج لخروجِهم عَلَى الإمام العادل عَلَيْهِ السلام ، والمَارقةِ لإخبار النبي صلى الله عَلَيْهِ وسلم وَعَلَى آله لأنهم . يَمْرقُون من الدِّين ، والحَرُورية لنزولهم حَروراءَ . والمُحكمة لقولها كثيراً : لا حُكْمَ إلا لله . ولقَّبتْ أنفسَها : الشُّراة ، أي أنا شريْنا أنفسَنا فِي طاعة الله . ومضَغوا كتبهم عبد الله بن يزيد ، ومحمد بن حرب ، ويحيى بن كامل ، واليمانُ بن دياب . وأصولُ الخوارج الإباضيَّةُ ، والأزارقةُ والصُّفرية ، والنجدِية . فإذا ذكِرتْ فِرقةٌ مِن هَذِهِ الفرق عُلِم أنها مُباينةٌ للفِرَق الثَّلاثِ . ثم سائرِ الألقاب تتبيَّن بتفْصيلِ مقالاتِهم ، وإلى الله نبْرأ من جماعتهم ، ونسأله أن يصلي عَلَى النبي . وابنِ عمه الرضى ، وأهلِ بيته الذين أذهبَ الله عنهم الرِّجسَ وطهرَّهم تطهيرا .

(5/156)

"""""" صفحة رقم 157 """"""أدْخِلَ رجلٌ من الشُّراة إلى الحجاج فاسْتحقرهُ ، ثُمَّ قال لَهُ : ويْحكَ مَا أخرجَك ؟ ؟ فواللهِ مَا أظنُّك تعْرِفَ مواقِيتَ الصَّلاة . فقال : ذاكَ لو اتكلتُ عَلَى تعْليمك يَا حجّاجُ ، كنتُ بالحري أن أنزلَ بهذهِ المنزلةِ . قال : مَا أخْرجَكَ ؟ قال : مَخافَةُ يوم أنا وأنتَ إلى نصير . قال : وَمَا ذَالك اليوم ؟ قال : أول آخِرٌ ، وأخِرٌ أولٌ . مستقبلٌ أول ، مستدْبِرٌ آخِر . لا بعدَهُ أجَلٌ ولا فِيهِ عمَل ، ولا فِيهِ مسْتغِيثٌ ، ولا إلى غيره مَذْهب ، يأْمَنُ فِيهِ الخائفُ ، ويخف فِيهِ الأمِنُ ، ويعزُّ الذليلُ ويذلُّ فِيهِ العزيزُ وَفِي مِثْل هذا مَا أقْلقَ مِثلي عن الفِراش ، والأئمةُ تعْدِلُ ، فكيْفَ إذا كانتْ تَضِلُّ وتُضلِّلُ ؟ فاقضِ مَا أنتَ قاضٍ . قال : أجزِعتَ من الموتِ ؟ قال : واللهِ مَا جزعتُ مِن قضاءِ ، ولا أسفتُ من بلاءٍ ، ولا كرهت لربي لقاءً ، وللموت مَا خلقتُ ، ومالي حاجةٌ إلا فِيهِ . فهل يجزعُ الرجلُ من قَضاء حاجتِهِ ؟ قال : أمَا والله لأعجِّلنَّ لَكَ من العذابِ الأدْنَى دُونَ العذابِ الأكبر . قال : أمَا واللهِ لو علمتُ أنَّ بيدك تعْجيلَه لعلمْتُ أنَّ بيدك تأْخيرَه . قال : والله لأقتُلنَّك . قال : لا يعزُّ اللهُ بقتلي باطِلاً ولا يُبطِلُ بِهِ حقاً . ولئن قتلْتَني لأُخاصمنَّكَ بحيث يزولُ عنْكَ وعن أبي الزَّرقاء عزُّكُما ولا يدْفعُ عنكُما سلطانُكُما ، وحيثُ لا يُقْبل لكما عذْرٌ ولا تنفعكُما حجُةٌ . أمر بقَتْله .

(5/157)

"""""" صفحة رقم 158 """"""الباب الثاني عشر الغلط والتصِحيفقال بعضهم : خَالِفْ تَذْكُرْ . فقيل لَهُ : إنَّما هو تْذْكَر فقال ، : هَذَا أول الخِلاف . وقرأ بعضهم فِي كتاب : أنَّ النبي عَلَيْهِ السلام بَلعَ قَدِيداً ، وإنَّما بلَغ قُدَيداً . وقرأ آخَر : أنَّه كَانَ يُحِبُّ العسل يومَ الجمعة ، وإنمَّا هو الغُسْلَ وقرأ آخر : أنه كَانَ يكره النَّوم فِي القِدْر ، وإنَّما هو الثَّوم . وقرأ آخر : ولا يرِث جميلٌ إلا بُثينةَ ، وإنما هو لا يُورَّثُ حميلٌ إلا ببيِّنة وقال آخر : إذا أردْتَ أن ننعظ فادخل المقابرَ ، وإنما هو تتَّعِظُ وقرأ رجل عَلَى ابن مجاهد : بل عَجَنْتَ ، ويَسْجرون . فقال : أحْسَنْتَ ، مع العَجْن يُسْجَرُ التَّنُّور . كتب صاحبُ الخبر بأصْبهانَ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر : إنَّ فلاناً القائدَ يلبس خُرلخيةً ، ويقعد مع النساء : فكتب إلى العامِل : ابعث إلى بفُلان وخرلخيته . فَصّحفَ القارئُ . وقرأ : وجزَّ لِحْيَتهُ ، ففعل ذَلِكَ بِهِ ، وأشْخصَهُ . علِّق سترٌ عَلَى بعض أبواب أمِّ جعفر ، وَكَانَ أمر أنْ يُكَتب عَلَيْهِ المسيدة الميمونة المباركةِ فأغفلَ الناسخُ الراءَ . ودخل الرشيد فقرأهُ الميمونةِ المناكة فأمَرَ بتمْزيقه . وكان كافي الكُفاة يكرهُ أن يكونَ فِي مخاطباتِ النِّساء حراستُها ونظرها وعقلها ، ويقول : لا يُؤمَنُ أنْ يُصَحَّفَ فيقرأ : حِراسْتُها ، وعَقْلُها ، ويظْرها .

(5/158)

"""""" صفحة رقم 159 """"""وكان حمَّادٌ الراويةُ لا يقرأُ القرآنَ فاستقرى فقرأ ، ولمَ يَزِلَّ إلا فِي أربعة مَواَضِعَ : عذابي أصيبُ بِهِ منْ أسَاءَ . وَمَا كَانَ اسِتغفارُ إبراهيم لأبيه إلا عن مَوْعدة وعدها أباه . ومِن الشَّجر ومما يغْرسون . بل الذين كفَروا فِي غِرَّةٍ وشِقاق . وقد رُوي أنه صحَّفَ فِي نيِّف وعشرين موْضعاً كلها متشابهة وأنا أذكُرها جميعاً مِنْ بعدُ بإذن الله . غضب كاتِبُ المأْمون عَلَى غُلامه فرماه بالدَّواة ، وشجَّه ، فلما رأى الدَّمَ يسيل قال : صدق الله تعالى : والذين ' إِذَا مَا غَضِبوا هم يَغْفِرون ' فبلغ ذَلِكَ المأمونَ . فأنَّبه . وقال : ويلَكَ أما تُحسنُ أن تقْرأ آيةً من القُرآنِ ؟ فقال بلى والله إني لأقرأُ من سُورة واحدة ألفَ آية . قال بعضُهُم : قرأ عبدُ الله بنُ أحمدَ بن حَنبل فِي الصَّلاة : اقرأ باسم ربِّك الَّذِي خُلِق . فقيل لَهُ : أنت وأبوك فِي طرفي نقيض . زعَم أبُوك أن القرآنَ لَيْسَ بمخْلوق ، وأنت قَدْ جعلْت ربَّ القرآنِ مخلوقاً . وحكى أنَّ المحامِلي المحدِّث قرأ : وفاكهةً وإبا . فقيل لَهُ : الألفُ مفتوحةٌ . فقال : هو فِي كتابي محفوظٌ مضْبوطٌ . وحكِي أنَّ ابنَ أبي حاتم قرأ : فصيامُ ثلاثة أيام فِي الحج وتِسْعة إذا رجعتم ، تلك

(5/159)

"""""" صفحة رقم 160 """"""عشرةٌ كاملةٌ . كان اسمَ أبي العتاهية : زيدٌ فنقش عَلَى خَاتِمه أيا زيد ثق فكَانَ الناس يتنادَلُوَنَه : أنَا زِنْدِيق . قال بعضُهم : سمعتُ ابْنَ شاهين المحدِّثَ فِي جامع المنْصور يقول فِي الحديث : نهى النبيُّ عَلَيْهِ السلام عن شقيق الحطب . فقال بعض الملاحين : يَا قومُ ، فكيف نعملُ والحاجةَ ماسةٌ ، وهو شقيق الخطب . قال : وسمعتُه مرة أخرى وهو يفسِّر قولَه تعالى : ' وثيابَك فَطَهِّر ' فقال : قيل لا تَلْبسها عَلَى غدرة . وهو لا تلبسها عَلَى عَذِرة . وكان كيسانُ مستمِلي ابن الأنباري ، وكانَ أعْمى القلبِ فَسُمع ابنُ الأنباري وهو يقول : كيسانُ يسمعُ غيرَ مَا أقولُ ، ويكتبُ غير ما يسمعُ ويقرأ غيرَ مَا يكتُبُ ، ويحفظُ غيرَ مَا يقرؤه . وحكى عنه أنه كَانَ يكتبُ مَا يسمعُ فِي الخزف ، ويجمعهُ فِي حُبِّ ، فاشترى راويةَ ماءٍ فغلطَ السَّقَّاءُ بيْنَ حُبِّ الماء وحُبِّ الخَزف ، فصبَّ الماءَ فِي حبِّ العِلْم فرأيْنا كيسانَ وَقَدْ وضع يدَه على رأسه ، وذهب علمه كلُّه . وقالوا تقدَّمتِ امرأةٌ إلى عمرَ فقالت : أبا غَفَر حَفْصٍ اللهُ لكَ . فقال : مالك : أغْفَرتِ ؟ قالت : صلَعَتْ فرقتُك . قرأ الباغنْدي : وكلُّ شيءٍ فَعلُوه فِي الدُّبُر فصِيح بِهِ مِنْ جَوانِب المجِلس . فقال : يَا قومُ لا تضجُّوا فالباءُ منْقوط . وروى أبُو ربيعة المحدِّثُ أن النبي عَلَيْهِ السلامُ كَانَ يغْسِلُ

(5/160)

"""""" صفحة رقم 161 """"""حُصى الحمار . قيل : وَلَمَ ذاكَ يَا أبا ربيعةَ ؟ قال كَانَ يُظْهر تواضُه بذلك . والخبر أنه كانَ يغْسِلُ حَصَى الجمار . قال بعضُ المحدِّثين : حدثني فُلانٌ عن فُلان عن سَبْعةَ وسبعينَ ، يريد عن شُعبَة وسفيان . كَانَ يزْدَانفَ ذار فِيهِ لُكْنةٌ ، وَكَانَ يجْعلُ الحاءَ هاءً ، أمْلى عَلَى كاتبٍ لَهُ : والهَاصلُ ألفُ كُرٍّ . فكتبها الكاتِب بالهاء . كما لفَظَها ، فأعادَ عَلَيْهِ الكلام ، فأعاد عَلَيْهِ الكاتب الكتاب ، فلما فطن لاجتماعهما عَلَى الجهل ، قال : أنتَ لا تُهْسِن تكتبُ ، وأنا لا أهسِنُ أمْلي . فكتُبْ : الجاصل ألف كُر فكتبها بالجيم معجمةً . قالتْ أمُّ ولد لجرير لبعَض ولدِها : وقَع الجرْدانُ فِي عجَان أمِّكم . أبْدلتْ الذال دالاً وضمت الجيمَ ، وجعلت العجين عِجَاناً . وإنما أرادتْ وقَع الجرذانُ فِي عَجين أمِّكم . ودخل رجلٌ عَلَى آخَرَ وهو يأْكل أتْرجّاً ، وعَسَلاً . فأراد أنْ يقول السَّلامُ عليْكُم . فلفَظ عَسَليكم . ودخلت جاريةٌ روميةٌ عَلَى بعضهم لتسأَل عن مَولاتها ، فبصُرتْ بحمار قَدْ أدْلى ، فقالتْ : قالتْ مولاني كيفَ أيْر حِمَاركم ؟ قال بعضُ الجَّهال إلى عالِم ، وسأله عَنْ قول الشَّاعر . يوم تُبدي لَنَا قتيلةُ عن جيد فقال : مَا العَنْجيدُ ؟ وسأل عن قولهِ تعالى : ' والهدْى مَعْكوفاً ' فقال : مَنْ كَانَ كُوفاً من أصحاب البني عَلَيْهِ السلام . وسأل آخرُ عن قولِهمْ : ' زاحم بِعَوْد أوْ دَعْ ' فقال : مَا الأوْدَع ؟ .

(5/161)

"""""" صفحة رقم 162 """"""كات أحْمد بنُ موسى بن إسحاقَ من قُضاة السُّلطان بأصْبهانَ ، فأملى يوماً عَلَى أصحاب الحديث : حدثني فلانٌ عَنْ فُلان عن هِند أنَّ المعتُوهَ يُريد عن هنْد أنَّ المغيرةَ . وكانَ أهل البصرة يرْوون عن علي عَلَيْهِ السلامُ أنه قال : إِلاَّ إنَّ خراب بصْرتِكمُ هَذِهِ يكونُ بالريح ، فما أقْلعُوا عن هَذَا التَّصحيفِ إلا بعدْ مائَتي سنة عند خرابها بالزنْج . وقيل فيما روي عن النبي عَلَيْهِ السلام أنَّهُ قال : تختَّموا بالعقيق . إنما هو ' تَخيمَّوا بالعقيق ' ، لواد بالمدينةِ . وروى بعضُ جلَّةِ المحدِّثين : أنَّ مرحباً اليهودي قتلهُ عَلَى يوم حُنَيْن وإنما قتَله يوم خيْبرَ . وروى آخرُ : الجارُ أحقُّ بصُفَّتِه ، يريد بصقَبهِ . وروى آخر : لا بأْسَ أنْ يصلي الرجلُ وَفِي كُمِّه سِنَّورةٌ ، وإنَّما هي سبُّورة وهي الألواحُ من الآبنوسِ يكتبُ فِيهَا التَذكرة . وروى آخر : عمُّ الرجل ضيقُ أبيه . إنما هو صِنْو . وروى آخرُ : لُعِن اليهود ، حرمتْ عليهم الشحومُ فحملُوها . وإنما هو فجمَّلُوها ، أذَابُوها . وروى بعضُهم : أنَّ الحارثَ بن كَلَدة كَانَ يقولُ الشمسُ تثقل الريح ، وإنّما هو تَتْفُلُ الريح . وقالوا : كَانَ يجْلسُ فِي مًقثاة . وإنما هو فِي مَقْناة . وروَوْا : أنه نهى عن لُبْس القَسي وإنما هو القُسِي لضَربٍ من الثياب ورووا أن أعرابياً أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وَعَلَى يده سخلة تبْعَر . وإنَّما هو تَيْعُر من اليَعَار . وهو صوتُها . قال بعضُهم : قال الرياشي لي يوماً - وَقَدْ جئتُ مِنْ مجلس ابن أبي الشَّوارب : أرني مَا أملي عليكُمْ ، فأريْتُه ، فمرَّ بِهِ هَذَا الحديثُ : آخِر مَا يجازفُ بِهِ المؤمن عَرقُ جَبينه .

(5/162)

"""""" صفحة رقم 163 """"""فقال الرياشي : مَا أحوجَ هؤلاء إلى بعض عِلْمنا إنما هو يُحارفُ ، والحريفُ الشَّريك ، يقالُ : فُلان حَريف فلان ، أي شريكُه ومُحاسِبُه . وقال بعضُهم : حضرتُ رجلاً من الكُبراء - وَقَدْ قرأ فِي المصحفَ : يَا عيسى ابنَ مريم اذكُرْ نِعْمتي عَليك وَعَلَى والديك . وقرأ بعضهم : والعاديات صُبْحاً . وقال آخر : فكذَّبُوهما فَغدرْنَا بثالث وقيل : إنّ سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامِله عَلَى المدينةِ : أحْص المخنثين : يريدُ : عُدَّهم . فقرأ الكاتب : أخْص ، فَخَصَاهُمْ . ومِمَّنْ أخَجلَهُ التصحيفُ فِي مجالس الخُلفاء أحمدُ بنُ أبي خالد وزير المأْمون ، فإنَّه حضر مجْلسَه للمظالم يقرأ عليْه القصصَ ، وَكَانَ فَهماً ، فمرت بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا : فُلان البَريدي ، فقرأها : الثريدي فقال المأمون أبو العباس جائعٌ . هاتُوا لَهُ ثَريدةً . فقُدمتْ إليه ، وأكْرهَهُ عَلَى أكلها ، وغسَلَ يدَه ، وعاد إلى تصَفّح القصَص ، فمرتْ بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا فلان الحمصي فقرأها الخبيصي . فقال المأْمون : كان غداءُ أبي العباس غيرْ كاف ، لا بُدَّ للثريدة من أن تُتَبع بخَبيصة . فقُدمت إليه ، وأكلها . ومنهم شجاعُ بنُ القاسم . قرأ عَلَى المتوكّل : حَاضِرُ طيئ 0 فقرأه جاء ضريطي . كان للمتوكل صاحب خَبر يقال لَهُ ابنُ الكلْبي ، وَكَانَ يرْفَعُ كلٌ مَا يسمعهُ من غثٍّ وسمين ، وجِدٍّ وهَزْل ليَمين كَانَ حلّفَه بِهَا ، فرفَع يوماً وعربْدت علَيهْا

(5/163)

"""""" صفحة رقم 164 """"""وجرحَتها فِي صَدْغَها ، ولمْ ينقُط . الغيْنَ ، فقرأها المتوكِّلُ فِي صَدْعِا . ثُمَّ قال : إنَّا لله تعطل علي ابن الكبي مَناكُه . وقرأ علىَ عُبيدِ الله بن زياد كاتبُهُ كتابَ عبيدِ الله بن أبي بكرة : أنَّه وجَد ابنَ أديَّةَ مع جماعة من الخارج فِي شُرْب . فقال ابنُ زياد : كيفَ لي بأن يكُون الخوارجُ يرون الشُّرْب . وإنما هو سَرَب .الحروفُ التي ذكر أن حَمَّادا صحَّفَها من القرآنوأوحى ربُّك إلى النحل أن اتخذي من الجبالِ بيوتاً ومن الشجر ومما يغرسون وَمَا كَانَ استِغفَارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن مَوعدةٍ وعَدَها أبَاه . ليكون لهم عَدْواً وحَربَا وما يجْحد بآياتنا إلا كلُّ جبَّار كَفُور . وعزَّزُوه ونصروه وتُعززُوهُ ونُوقّرُوه . لكل امرىءٍ يومئذ شأنٌ يعْفيه . بالفاء هم أحْسنُ أثاثاً وزشياً عذابي أصيب بِهِ مَن أسَاءَ . يوم يُحْمى غَليُها فِي نار جهنم .

(5/164)

"""""" صفحة رقم 165 """"""فبادوا ولاتَ حينَ مناصٍ ونَبْلُو أخياركم صِيغَة الله ، ومَن أحسنُ مِنَ الله صيغة فاستعانهُ الَّذِي مِن شِيعتهِ سلامٌ عليكُم لا نتَّبعُ الجاهلين قل إن كَانَ للرحمن وَلدٌ فأنا أول العائذِين . حكى أبو حاتم أنه كَانَ يقرأ شعرَ المتلمس علي الأصمعي ، وأرادَ أن يقولَ : إغنيتُ شأني فأغنُوا اليومَ شأنكُم واستحمقُوا فِي مِرَاس الحربُ أو كِيُسوا . قال : فَغلطتُ ، وقُلْتُ : أغنيتُ شأني . قال : فقالَ الأصمعي بالعجلة : فأغنوا اليومَ تَيْسكُم ، وأشارَ إلي ، فَضحِكَ جَميعُ الحاضرين . وقَدِم محمدُ بنُ الحسن الفقيهُ العِرَاقَ ، واجتمع الناسُ عَلَيْهِ يسألونَهُ ، ويَسْمعُون كلامَهُ ، فَرْفَع خَبُره إلى الرِشيدِ ، وقيلَ لهُ : إنِّ معهُ كتَابَ الزيديةِ فَبعثَ بمنْ كَبَسهُ وحملَهُ وحَملَ معه كُتبَهُ ، فأمَر بتفْتيشِها ، فقال مُحمدٌ : فَخشيتُ عَلَى نَفْسي من كتاب الحيل من الرشيد . فقال لي الكاتبُ مَا ترجمةُ هَذَا الكتاب ؟ فقالت كتاب الخيل فرمى بِهِ .ونذكر الآن بعض مَا أُخذ من العلماء مِنَ التصَّحيفقال كيسانُ : سمعتُ أبا عبيدة ينشد :

(5/165)

"""""" صفحة رقم 166 """"""ما زالَ يَضْربُني حَتَّى خَزِيتُ لَهُ . . . وحالَ من دُونِ بَعْضِ البغْيةِ الشَّفَقُ قال : فقلتُ خزيت خَزيتَ ؟ ؟ وضحكتُ ، فغضبَ وقال : فكيف هو ؟ قلتُ : إنما هو خَذِيتُ . قال : فانْخَزَلَ وَمَا أحارَ جَواباً . وروى أيضاً أبُو عُبَيْدة أبياتَ لقيط فِي يوم جَبَلةَ يَا قَومُ قَدْ حرَّقْتموني باللَّوْم . . . وَلَمْ أقاتِلْ عامرا قبلَ اليوْم سيان هذَا والعِنَاقُ والنّوم . . . والمَشْرَبُ الباردُ فِي ظلِّ الدَّوْم وقال يعني فِي ظل نخل المُقْل : فقال الأصْمعيُّ : قَدْ أحالَ ابنُ الحائِك لأنه ليسَ بنجد دَوْمٌ . وجبلةُ بنجْد ، وإنما الرَّاوية فِي الظل الدّوم ، أي الدَّائِم . وروى الأصمعي بيت أوس بن حَجَر أجَوْنُ تدَارَكْ ناقتي بِقرى لَهَا . . . وأكبرُ ظني أنَّ جَونْاً سَيفْعلُ فقال ابْنُ الأعرابي : صَحف الدعي ، وإنّما هو تدَارَكْ نَاقَتي بقُرَابها ، أي مَا دُمتُ أطْمعُ فِيهَا . وفي مَثلٍ للعرَب : ' الفِرارُ بقراب أكيسُ ' . وروى بيتَ الحارث بن حلزة عَنَتاً باطلاً وظلْماً كما تُعْتَ . . . زُ عن حَجْرة الربيضِ الظباءُ وقال : العَنزة : الحَربةُ يُنحر بِهَا . فرد عَلَيْهِ أبُو عَمْر وقال : إنما هو تُعتر ، ومن العَتيرة وهي ذَبيحةُ الصَّنم روى بيتُ الحُطيئة : وغَررتني وزعمْتَ أنْ . . . نَكَ لا تَنِي بالضَّيفِ تأْمر

(5/166)

"""""" صفحة رقم 167 """"""وقال أبو عمرو : إذا صحفتُم فصحفوا مِثلَ تصحيفه وإنَّما هو لابنٌ بالصيفِ تَامِرٌ . وروى بيت عنترة : وآخَر منهمُ أجْررْتُ رُمْحي . . . وَفِي البَجَليِّ مِعْبلةٌ وَقيِعُ فقال كيسانُ : لَهُ : إنما هُو فِي البجْلي - بإسكان الجيم - منسوبٌ إلى بجْلةَ بطْن مِنْ بَني سُلَيم وروى لذي الرُّمِة : عين مطحْلبةُ الأرجاء طَاميةٌ . . . فِيهَا الضّفادعُ والحِيتانُ تصّطخِبُ . فقيل : هو يَصْطحبُ ، لأن الحيتانَ لا تصْطخبُ ، ولا صوتَ لَهَا . وروى لرؤبةَ : شمطاءُ تَنْوي الغيظ حين تَرأمُ فقيل : إنما هو تَبْوى ، أي تجعلُه بمنزلةِ البو روى أبو عمْرو بن العَلاء بيتَ امرئ القيس تأوبني دائي القديمُ فَغلِّسا . . . أحاذرُ أن يشتد داني فأنكَسَا فقال أبو زَيد : هَذَا تصحيفٌ لأن المتأوبَ لا يكونُ مغَلساً فِي حالِ واحدة لأن غلس : أتى فِي آخِر الليل ، وتأوبَ جاء فِي أوله ، وإنما هُو معلساً ، أي اشتد وبرح . وروى المفضَّل للمخَّبل : وإذا ألمَّ خيالُها طَرفتْ . . . عيْني فماءُ شُئونها سَجم

(5/167)

"""""" صفحة رقم 168 """"""فقال لَهُ خلفٌ : إنَّما هو طُرِفَتْ عَيْني . فرجَع عنْهُ . وروى لامرئ القيس : نَمُسُّ بأعْراف الجيادِ أكُفنّا . . . إذا نَحنُ قمنا عَنْ شِواءٍ مَضهَّب فقال له خلفٌ : إنَّما هُو نمشُّ ، وهو مسحُ اليَد . ومِنْه - قِيلَ للمنديل : مَشُوشٌ . وأنشد - والأصمعيُّ حاضرٌ . وذاتِ هدمٍ عَارٍ نَواشِرُها . . . تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جَذَعا فجعل الذَّال معجمة ، وفتحها ، وذهب إلى الأجْذَاع . فقال الأصمعيُّ : إنما هو : توْلَباً جَدِعا بالدَّال غير معجمة مكسورة ، أي : سيئ الغِذاءِ . فضجَّ المفضَّلُ ، ورفع صوتَه ، فقال له الأصمعيُّ : لو نفخْتَ في شَبُّور اليهودِ لمْ ينفَعْك . تكلَّمْ كَلامَ النَّمل وأصِبْ . وروى بيْنَ الأراكِ وبني النَّخل تشْدخُهم . . . رزقُ الأسِنَّة في أطرافِها شَامُ فقال الأصْمعِيُّ : يا أبا العباس : لعل الرماحَ استحالَتْ كأَفْر كُوبات ، فهي تشدخُ . فقال : كيفَ رويتَهُ يا أبا سَعيد ؟ فقال : تَسْدحُهُمْ . والسَّدْح : الصَّدْع . وقد أخِذَ على الخليل في كتابه العين حروفٌ كثيرةٌ منها : يومُ بغُاث بالغَيْن المنقوطة ، وهو يومٌ مشهورٌ بين الأوس والخزرج ، وهو بعاثٌ بالعين غير المنقوطة .

(5/168)

"""""" صفحة رقم 169 """"""وقال في حرف الخاءِ : فَخَجَجْنَا . وهو بالحاء غير منقوطَة . وقال : الخضبُ : الحيَّة وإنما هو : الحِضْب . وقيل : إنَّ ذلك من غَلط اللَّيث على الخَليل . وكان الأصمعيُّ ينكر على الخليل روايتَه لهذا البيتِ . أفَاطِمُ إني هالِكٌ فَتَبيَّني . . . ولا تَجْزعِي كلُّ النِّسَاء يَتيُم وقال : إنَّما تَئِيمُ مِنْ آمَتِ المرأةُ تَئِيم إذا ماتَ زَوْجُها . وأنشد أبو الخطاب الأخْفشُ قالتْ قتيلةُ مَالهُ . . . قد جُلِّلَتْ شيباً شَوَاتُهْ فقال أبو عمرو : صَحَّفتَ ، وإنَّما هُو سرَاتُهْ . فسكَتَ أبُو الخطَّاب ثم أقْبل على القوُم ، وقال : بلْ هُو صحَّفَ ، وإنما هي شَواتُه . والشَّواةُ : جلدةُ الرأسِ . وذكر أنّ ابنَ الأعْرابي أنْشد بيْتَ جَرير - وعندهُ عبد الله بن يعقوب - وبُكرةَ شَابك الأنياب عاتٍ . . . مِنْ الحيِّاتِ مَسْموم اللُّعاب فقال له عبد الله : إنما هو نُكْزَةُ ، مِن قوْلهم : نَكَزتْهُ الحيَّةُ وذكر عبد الله بن يعقوب أنَّه سمعَ ابنَ الأعرابي يقول : تَلَع الشيبُ في رأسه فذهب به إلى أعلى الرأس ، من التلعةِ . فقال : إنما هُو بلَّعَ : أي طلَع . ويُقال منه : بَلَّع النَّجم . ومنه اشتقاقُ سَعْد بُلَع .

(5/169)

"""""" صفحة رقم 170 """"""وذكر عسل بن ذكوان أن ابنَ الأعرابي صحَّفَ بيت الهُذَلي أرقتُ له مثل لمْع البشِير . . . يقلِّبُ بالكفِّ قُرْصاً خَفيفاً وإنَّما هُو فَرضاً ، أي تُرْساً وكان يخالف ابن الأعرابي الأصمعي في بيت للحطيئَةِ ، ويدعى كُلُّ واحد منهما على الآخر التصحيف . والبيتُ . كَفَوْا سَنَتَيْن بالأضْيافِ نَقْعاً . . . علَى تلك الجفان مِن النقى هذه رواية ابن الأعرابي . والنّقْعُ عنده : النّحر . والنَّقى : الحُوارى . فيقول كَفَى الأضْيافَ ، جمع ضْيف سَنَتَيْن وروايةُ الأصْمعي : كُفُوا سَنِتِينَ بالأصْيَافِ بُقْعاً . . . على تلكَ الجفار من النفى وسَنِتينَ عندَه : من أسْنَتَ القومُ : من أسْنَتَ القومُ : إذا أجْدبُوا ، والأصْيافُ : جمع الصَّيف ، والبُقْع : يعني أنَّهم بُقْعُ الظُّهُور . من النفي : نَفِي الأرْشِيةِ ، إذَا اسْتَقَوْا للناسِ . والجفارُ : جمع الجَفْر . وهي البئرُ البعيدةُ الماء وروى الكسائي كأنَّ تحتَ رَيْطهَا القَشِيب . . . أعْيسَ مِنْها ، لاَ مِنَ الكَئيب فبلغتْ روايتُه أبَا عبيدة . فقال : أبْلغُوهُ أنَّ الرِّوايةَ : أعْيَس مُنْهالاً مِنَ الكثِيب فهو منهالٌ . فقال الكِسَائي : أصاب الشَّيخُ ، وأخطأْتُ أنا . وروى الفراءُ .

(5/170)

"""""" صفحة رقم 171 """"""يا قَاتلَ اللهُ صِبياناً تجيءُ بهم . . . أم الهُنَيِّينَ مِنْ زَنْدٍ لها وارى فقيل له : إنَّما هُو أمُّ الهُنَيْبِر وهي الضَّبَعُ . ويقال لها أم عامر . فقال : هكذا أنْشَدَنيه الكِسَائي ، فأحال على الكسائي . حكى أبو الحسن الطوسي ، قال : كُنَّا في مَجْلِس اللحياني وهو عَلى أن يُملي نَوادِره ضِعْفَ مَا أمْلى . فقال : ' مُثَقَّلٌ اسْتَعَان بذَقنِهِ ' فقامَ ابنُ السكِّيتِ إليه - وهو حَدثٌ - فقال : يا أبَا الحسن : إنَّما تقول العربُ : ' مُثقَّلٌ اسْتَعان بدَفيْهِ ' ، لأن البعيرَ إذا رَامَ النُّهوضَ استعانَ بجنْبيْه . فقطَع الإمْلاءَ . فلمَّا كانَ في المجلس الثاني أمْلَى : تقولُ العربُ : ' هو جاري مُكَاشِري ' فقام إليه ابنُ السكِّيت . وقال : أعَزك اللَّهُ ، إنما ' هو جَاري مُكاسِري ' . أي كسْرُ بيْتي إلى كسْر بيته . فقطع الإملاءَ ، وما أمْلَى بَعْدَ ذَلك . وقال : مَن احتجَّ عَن اللحْياني : البعيرُ إذا رَام النُّهوضَ اسْتَعانَ بعُنُقه وذَقنِه . والمثلث علَى ما رَواه اللحياني صحيحٌ . وروى ابنُ السِّكيت . هَرِقْ لها مِنْ قَرْقَرىَ ذَنْوبا . . . إن الذَّنوب تَنْفَعُ المغْلُوبَا

(5/171)

"""""" صفحة رقم 172 """"""فقال ثَعْلب : إنما تَنقَع : أي تُرْوِي . قال ابنُ دُرَيد : وجدتُ للجاحظ في كتاب البيان تصحيفاً شَنيعاً ، فإنَّه حدَّثني محمدُ بنُ سَلام ، قال : سَمِعتُ يونُسَ يقولُ : ما جاءنا مِن أحدٍ مِنْ روائع الكَلام ما جاءَنَا عن النبي صلى الله عليْهِ وسلَّمَ . إنَما هُو عن البتِّي : عن أبي عثمان البَتِّي . فَأَمَّا النبيُّ عليه السلامُ فلاَ شَكَّ عِنْد المِلِّي والذمي أنَّه كَانَ أفْصَحَ الخَلْق . أنشدَ أبُو البيدْاءِ الرَّماحي أبَا عَمْرو ولو أنَّ حياَّ للمنَايا مقاتِلاً . . . يكونُ لقاتَلْتٌ المَنِيَّةَ عَنْ مَعْن فتي لا يقولُ الموتُ مِنْ حرّ وَقُعِهِ . . . لك ابنُكَ خُذْه ليس مِنْ سمتي دعْني فقال له أبو عَمْرو : صحَّفتَ ، إنّما هُو : قِتالاً يقُولُ . روى الكلابي بيتَ عمرَ بن أبي ريبعةَ . كأن أحورَ مِنْ غزلان ذي بقر . . . أهدى له شَبَهُ العينين والجِيدَا فقال ابنُ الأعرابي له : صحفْتَ . إنَما هُو سِنةُ العْينيْنِ . روى عن قَتَادة قال : حضرتُ الحسن - وقد سُئِل - عن قوله جلّ وعز ' جَعَل ربُّكِ تَحْنَكِ سَريّاً ' فقال : إن كان لسَرياً ، وإن كانَ لكريمأ . وقالوا : مَنْ هو ؟

(5/172)

"""""" صفحة رقم 173 """"""قال : المسيح . فقال له حميدُ بن عبد الرحمن : أعِدْ نَظَراً ، إنما السَّريُّ : الجدولُ فتمعَّرَ له ، وقالَ : يا حميدُ ، غَلَبتْنَا عليك الإماءُ . قال إبراهيم بن حمزةَ : سمعتُ عن أبي دأب ينشد لأبي ذؤيب الهُذلي . ويوم بذاتِ الدَّير . . فقلت له : وما لُهذَيل والدّيَارات ؟ إنَّما هو بذات الدَّبرْ ، وهي أكَمةٌ في بلادِهم . فقال : لا أدْري ، كذا سَمِعتُه . قال : ثم سمعتُه من قائلٍ ذلك العامَ في المسجد الحرامِ يُنْشده بذاتِ الدَّبْر .هذه حروف وكلمات من المصحف الذي يستعمله الناس عمداً لا سهواًكتب أبو تمام الطائي رُقعة إلى محمد بن عبد الملك بن صاحل يسأله فيها مُحالاً ، وكتب على عُنْوانها حبيب . فأخذه محمد ونقطة خبيث . ورفع آخر رقعةٌ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ، وعليها حريث بنُ الفارس وكان اسمَ الرجل ، فجعلَه محمد خريتَ في الفراش وكتب تحته : بئسما فعلْتَ . ونهض الحسنُ بن وهب ذاتَ ليلة من مجلسِ ابنِ الزَّيات بنيه أي بت به . وَقف رجلٌ على الحسن البصري فقال : اعتمِرُ ، أخْرجُ ، أبادِرُ . فقال الحسن : كذبوا عليه ، ما كان ذلك . يريد السائلُ : أعثمانُ أخرج أبا ذرٍّ ؟ ومن تصحيف محمد بن طاهر : متملْمِل . يريد : مَنْ ملَّ مُلَّ . وقال المعتصم يوما لطَّباخ له فَارسي : حَاسبت رشيد . فقال : زِنْ نبيذ أراد

(5/173)

"""""" صفحة رقم 174 """"""المعتصمُ : جاء شَتيت رسيد ، أي أدَركَ غَدَاؤك وقال لأخر : رسيد ، أي أدْرَك . وقال المتوكِّلُ يوما ليحيى بنِ ماسَوَيْه : بعتُ بيْتي بِقَصْرَين . فقال له يحيى : أخِّر الغِذاء . أراد المتوكل : تعشَّيتُ فضرني . فأجابه ابنُ ماسويه بالعلاج .ومن هذا الجنس حروف وكلمات من المصحف عمداً لا سهواًالخِنْصر : الحبُ ضَر . مَتَى ألج ببيتِ هند ؟ : ميِّت الحب شهيدَ . نرجس طري : برح بي نظري . بمطرف تَستُري : نَمَّ طَرفي بسِرى . طَسْتٌ حَسنٌ : طبيبي : حبيبي . القَبَعْثَريَ وحَلُبس : ألفْتِ غَيْري وخلَّيتني فنعت بتكْفيلي : في عيْنيكَ قتْلى . وحموه حدَّثك بشأني : حمر خَدَّيك سباني خشخاشٌ : حبيبٌ خانَني . مِشمشةٌ ثقيلةٌ : مَنْ يَنَمْ يُنبَّه بقُبلة - صِينية حَسنةٌ : صَبٌّ نبَّه حَبيبه . محبرَةُ آبنوس : مُحِب زَها ببوس . كلنى بيمينك فبعْني بحبتَّين : كلُّ شيء مِنْك في عَيْني حَسنٌ . لببُ سرج مُضِري : ليس ترحم ضُرى . مَسعودٌ : متى تعود ؟ الثوبُ يماني بثوب : ألْتوتْ ثم اسْتوتْ سَعيد بنُ جبير : نَبْتٌ عند نرْجس . فرُّوج مُسَمَّن بحبِّة : تودُّ جَمْش مَنْ تُحبه . تحت الفيل مِرْوحةُ خَيش : تحبُّ القُبل مِن وجُهٍ حَسَن . حَبَشٌ بن حنين : حبيبي بتَّ بخير . سكْباج : ثنيك باخ . كشكيَّةَ : كنت نكتة . قلْنُسوة خَضْرا : قلبي يتوهجُ ضُراً . لمازحٍ مقَالٌ يضم : لمَّا رَحمَ قال : نعَمْ . سوقي جرَّ بعيري : فتش تجرِّبُ غيْري . ضرَب عَيْني بنواتين : صريعٌ بين نِسْرين . وآسٍ مسلم بن قيس : متى يُلِمُّ بي بنُو أمية . أليتُ بربي قد خضعتُ راهباً : الشُّربُ بقدح صغير أهْنأ . أسرتْني بيدي : اشربْ سيِّدي . ومن المقلوب : ظلمتنا : أنت ملط . كرهَتَنا : أنت هِرك . دعُوتنا : أنْتَ وغْد . أرحتنا : أنت خرا . جَفَوتنا : أنْتَ وقح :

(5/174)

"""""" صفحة رقم 175 """"""ووقع بعضُ الوزراء : غَرَّك : عرك فصَار : قصار . ذلك : دلّك . فاخْش : فَاحش . فعْلك : فعلَّك . بهذا : تهدأ . وقع محمدُ بن عبد الملك بن طاهر إلى ابنه : يا بُني : يا بْني : مصيبة : مضْنية . أمرضى : أمْرُ صبي . مجذورٌ : محذورٌ . عليْه : عِلَّته . بقرع : يفرع قلْبي : لمُبِّي . وأله : وإلهٌ . أحمرُ : أحمدُ . وقدْ : وفَد وصَيفٌ : وصنَّف رجَاله : رجّالَة يحتلُّ : بخيل وقَّع بعضهم على رُقْعة رَجل : هذا : هذّا . كان محمد بن نفيس غيوراً ، فأخُبر أنَّ جاريةً له كتبتْ إلى خَاتمها : مَنْ ثَبَتَ نبتَ حُبهُّ . فدعاها فَوقَفها علَى ذلك ، فقالت : لا - والله - أصلحكَ الله ، ما هُو ما قِيلَ لك ، ولكني كتبتُ على خاتَمي : من يَتُبْ يُثَبْ جَنةً . ومِنَ الغلطِ . قول نحيت وكان الحجاجُ وجَّه إلى مطهر بن عمَّار بن ياسر عبدَ الرحمن بن سلي الكلْبي . فلما كان بحُلوان أتبعه مدَداً ، وقدم إليه بذلك كتاباً مع نحيت الغلط - وكان يقال له ذلك لكثرة غَلَطِه - ، فمرَّ بالمدَدِ وهُمْ يُعرضُون بخَانقين . فلما قَدِم علَى عبد الرحمن قال : أينَ تركت مدَدنا ؟ قال : تركتُهم يُخنقُون بعَارضين . قال : أو يُعَرضُون بخانقين . قال : نعم : اللهم لا تُخانِقْ في باركين . ولما ذهب ليجْلسَ ضَرط ، وأراد عبد الرحمن أن يقولَ له : ألا تفدي ؟ فقال : ألا تضْرطُ ؟ قال : قد فعلتُ ، أصْلحَك الله - قال : ما هذا أردتُ قال صدقتَ ، ولكن الأميرَ غلط كما غلطنا . قال بعضُهم : سمعتُ بعضَ الكتاب الأكَابر يقولُ : أنا أسْتَاكُ بالعراق يريدُ بالأراك . وقال آخر : سمعتُ بعضَهم يقولُ : جَعْدة الطريق فأنكَر صاحِبُه ، وقال : الجعْدةُ هو ما يوضع فيه السِّهام . وقرأ الخطيبُ في المسْجدِ الجامع : والسَّماءِ والطَّارق . فقال : يخرج مِنْ بين التُّرب والصّلائب . وقال الوَليد بنُ عبد الملك لسُليمانَ بن خالِد بن الزُّبير يوماً - وعروةُ جالسٌ عنده - ما سِنُّك ؟ فقال : قُتِلتُ أيام وُلد مُصْعبٌ .

(5/175)

"""""" صفحة رقم 176 """"""الباب الثالث عشر نوادر من النحو واللحنسمع رسولُ الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجُلاً قرأ ، فلَحنَ فقال أرشدوا أخاكم . قال الأصْمَعي : قلتُ لأبي مَهْديّة : كيف تقولُ : لا طِيبَ إلا المسكُ قال : فأينَ أنت عن العنبر ؟ قلتُ : فقل لا طِيبَ إلا المسكُ والعنبر . فقال : أين أنت عن البان ؟ قلتُ : قُلْ لا طِيبَ إلا المِسكُ والعنبرُ والبَانُ . قَال : فأيْنَ أنْت عن أدْهان محُمر ؟ قال قلتُ : فقل لا طيبَ إلا المسكُ والعنبر والبانُ وأدهانُ محمَرّ . قال : فأين أنت عن فارة الإبل صادرةً ؟ عمِلَ بعضُ النَّحُويين كتاباً في التَّصغير ، وأهداهُ إلى رئيس كان يختلفُ إليه ، فَنَقص عطَّيتَه ، فصنَّف كتاباً في العطف ، وأهدَاهُ إليه ، وكتب معه : رأيتُ بابَ التصغير قد صغرني عِنْد الوزير ، أرجُو أنْ يعطِفَهُ على بابُ العطفِ . سمعت الصاحبَ - رحمة اللهُ - يقول : كان سببُ اتصال ابن قريعَةَ القاضي بالوزير أبي محمد المهلبي أن ابنَ قريعةَ كان قَيِّمَ رحى له ، فرفعَ إليه حِساباً ، فيه درهمان ودانقان ، وحَبَّتان ، فدعاهُ ، وأنكرَ عليه الإعرابَ في الحساب . فقال : أيُّها الوزيرُ ، صارَ لي طَبْعاً ، فلستُ أستطيع له دَفْعاً . فقال : أنا أزيلُه عنك صَفْعاً . ثم استداناهُ بعد ذلك ، وقرَّبُه . قال نحوي لرجل : هل ينصرفُ إسماعيلُ ؟ قال : نعم . إذا صلى العشاءَ فما قُعوده ؟

(5/176)

"""""" صفحة رقم 177 """"""وحكى أن جماعةً عند محمد بن بحر اختلَفُوا في بناءِ سَراويل ، فدخل البرقيُّ . وقال : فيم كنتُم ؟ قالُوا : في بناء سَراويلَ . فما عندَك فيه ؟ قال : مثلُ ذراع البكْر أو أشدُّ . قال النوشجَانُ : حضرتُ مجْلِسَ المبرِّدِ ، فسمِعنا وَاحداً يقول : في حرامِ أصْبهان . فقال أبو العباس : هذا قد شتمَك على مذْهب قول الله تعالى : ' واسْأَلِ القريةَ ' . سمع ذو الرُّمة رجلاً يقول : على فُلان لعْنةَ اللهِ . فقال : لم يرْضَ بواحدة حتى شفَعَها بأخْرى . وذلك أنه لما سَمِعهُ مفتوحاً قدَّر أنَّه أرادَ التثنيةَ : لعنتَا الله . قيل لرجل كان يكْثُر اللَّحنُ في كلامِه : لو كنتَ إذا شككتَ في إعراب حَرْف وتخلصْت مِنْه إلى غيْره ، مِنْ غير أنْ تُزيلَ المعنى عن جهت�