ﺀﺎﺒﻃﻷﺍ ﺕﺎﻘﺒﻃ ﰲ ﺀﺎﺒﻧﻷﺍ ﻥﻮﻴﻋ …ƒتاب عيون...

711
1 ﻋﻴﻮﻥ ﺍﻷﻧﺒﺎﺀ ﰲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﻃﺒﺎﺀ- ﺍﺑﻦ ﺃﰊ ﺃﺻﻴﺒﻌﺔ ﻋﻴﻮﻥ ﺍﻷﻧﺒﺎﺀ ﰲ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻷﻃﺒﺎﺀ ﺍﺑﻦ ﺃﰊ ﺃﺻﻴﺒﻌﺔTo PDF: http://www.al http://www.al-mostafa.com

Upload: others

Post on 14-Oct-2020

5 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 1

    عيون األنباء يف طبقات األطباء ابن أيب أصيبعة

    To PDF: http://www.alhttp://www.al-mostafa.com

    http://www.al

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 2

    بسم اهللا الرحمن الرحيم 

    المقدمة

    من فضله بسوابغ النعم، املوعد من احلمد للَّه ناشر األمم ومنشر الرمم، بارئ النسم ومربئ السقم، معائدعصاه بأليم العقاب والنقم، خمرج اخلالئق بلطف صنعه إىل الوجود من العدم، مقدر األدواء ومرتل الدواء بأمت الصنع وأتقن احلكم، وأشهد أن ال إله إال اللّه شهادة خالصة بوفاء الذمم، خملصة من موبقات اخلطل

    عبده ورسوله املبعوث جبوامع الكلم، املرسل إىل كافة العرب والعجم، والندم، وأشهد أن سيدنا حممداً الذي أنار بألالء نور مبعثه حنادس الظلم، وأباد بسيف معجزه من جترب وظلم، وقطع بربهان داللة نبوته

    داء الشرك وحسم، صلى اللَّه عليه صالة دائمة باقية ما ملعت الربوق ومهعت الدمي، وعلى آله أويل الفضل والكرم، وعلى أصحابه الذين جعلوا شريعته هلم أمم، وعلى أزواجه أمهات املؤمنني املربآت من الدنس،

    .وشرف وكرموبعد، فإنه ملا كانت صناعة الطب من أشرف الصنائع وأربح البضائع، وقد ورد تفصيلها يف الكتب اإلهلية

    ان، وقد قالت احلكماء أن املطالب نوعان خري واألوامر الشرعية، حىت جعل علم األبدان قريناً لعلم األديولذة، وهذان الشيئان إمنا يتم حصوهلما لإلنسان بوجود الصحة، ألن اللذة املستفادة من هذه الدنيا،

    واخلري املرجو يف الدار األخرى، ال يصل الواصل إليهما إال بدوام صحته وقوة بنيته، وذلك إمنا يتم للصحة املوجودة، ورادة للصحة املفقودة، فوجب، إذ كانت صناعة الطب بالصناعة الطبية ألا حافظة

    من الشرف ذا املكان وعموم احلاجة إليه داعية يف كل وقت وزمان، أن يكون االعتناء ا أشد، والرغبة يف يف حتصيل قوانينها الشكلية واجلزئية آكد وأجد، وأنه ملا كان قد ورد كثري من املشتغلني ا والراغبني

    مباحث أصوهلا وتطلبها، منذ أول ظهورها وإىل وقتنا هذا، وكان فيهم مجاعة من أكابر أهل هذه الصناعة، وأويل النظر فيها والرباعة، ممن قد تواترت األخبار بفضلهم، ونقلت اآلثار بعلو قدرهم ونبلهم،

    م، ومل أجد ألحد من أربام، ودلت عليهم مؤلفاا وشهدت هلم بذلك مصنفا ا وال من أنعم االعتناءكتاباً جامعاً يف معرفة طبقات األطباء ويف ذكر أحواهلم على الوالء، رأيت أن أذكر يف هذا الكتاب نكتاً

    وعيوناً يف مراتب املتميزين من األطباء القدماء واحملدثني، ومعرفة طبقام على توايل أزمنتهم وأوقام، م وحكايام، ونوادرهم وحماورام، وذكر شيء من أمساء كتبهم، ليستدل وأن أودعه أيضاً نبذاً من أقواهل

    بذلك على ما خصهم اللَّه تعاىل به من العلم، وحباهم به من جودة القرحية والفهم، فإن كثرياً منهم وإن هم قدمت أزمام، وتفاوتت أوقام، فإن هلم علينا من النعم فيما صنفوه، واملنن فيما قد مجعوه يف كتب

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 3

    من علم هذه الصناعة ووضعوه، ما هو تفضل املعلم على تلميذه واحملسن إىل من أحسن إليه، وقد أودعت هذا الكتاب أيضاً ذكر مجاعة من احلكماء والفالسفة، ممن هلم نظر وعناية بصناعة الطب، ومجالً من

    به على حسب طبقام أحواهلم ونوادرهم وأمساء كتبهم، وجعلت ذكر كل واحد منهم يف املوضع األليقومراتبهم، فأما ذكر مجيع احلكماء أصحاب التعاليم وغريهم من أرباب النظر يف سائر العلوم، فإين أذكر

    ذلك إن شاء اللَّه تعاىل مستقصى يف كتاب معامل األمم، وأخبار ذوي احلكم، وأما هذا الكتاب الذي عشر باباً ومسيته كتاب عيون األنباء يف طبقات قصدت حينئذ إىل تأليفه، فإين جعلته منقسماً إىل مخسة

    األطباء وخدمت به خزانة املوىل الصاحب، الوزير العامل العادل، الرئيس الكامل، سيد الوزراء، ملك احلكماء، إمام العلماء، مشس الشريعة، أمني الدولة، كمال الدين، شرف امللة أيب احلسن بن غزال بن أيب

    ، وبلغه يف الدارين إرادته، ومن اللَّه تعاىل أستمد التوفيق واملعونة، إنه ويل ذلك سعيد أدام اللَّه سعادتهوالقادر عليه، وهذا عدد األبواب الباب األول يف كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوثها، الباب الثاين

    .يف طبقات األطباء الذين ظهرت هلم أجزاء من صناعة الطب وكانوا املبتدئني اثالث يف طبقات األطباء اليونانيني الذين هم من نسل أسقليبيوس، الباب اخلامس يف طبقات الباب ال

    األطباء الذين كانوا منذ زمان جالينوس وقريباً منه، الباب الرابع يف طبقات األطباء اليونانيني الذين أذاع كان يف زمنهم من أبقراط فيهم صناعة الطب، الباب السادس يف طبقات األطباء االسكندرانيني ومن

    األطباء النصارى وغريهم، الباب السابع يف طبقات األطباء الذين كانوا يف أول ظهور اإلسالم من أطباء العرب، الباب الثامن يف

    طبقات األطباء السريانيني الذين كانوا يف ابتداء ظهور دولة بين العباس، الباب التاسع يف طبقات األطباء تب الطب وغريه من اللسان اليوناين إىل اللسان العريب وذكر الذين نقلوا هلم، الباب النقلة الذين نقلوا ك

    العاشر يف طبقات األطباء العراقيني وأطباء اجلزيرة وديار بكر، الباب احلادي عشر يف طبقات األطباء الباب الثالث الذين ظهروا يف بالد العجم، الباب الثاين عشر يف طبقات األطباء الذين كانوا من اهلند،

    عشر يف طبقات األطباء الذين ظهروا يف بالد املغرب وأقاموا ا، الباب الرابع عشر يف طبقات األطباء املشهورين من أطباء ديار مصر، الباب اخلامس عشر يف طبقات األطباء املشهورين من أطباء الشام،

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 4

    ألول الباب ا

    كيفية وجود صنَاعة الطِّب وأول حدوثها

    ول إن الكالم يف حتقيق هذا املعىن يعسر لوجوه أحدها بعد العهد به، فإن كل ما بعد عهده وخصوصاً أقما كان من هذا القبيل، فإن النظر فيه عسر جداً، الثاين إننا مل جند للقدماء واملتميزين وذوي اآلراء

    كلمني يف هذا ملا كانوا فرقاً وكانوا الصادقة قوالً واحداً ساداً يف هذا متفقاً عليه فنتبعه، الثالث إن املتكثريي االختالف جداً حبسب ما وقع إىل كل واحد منهم، أشكل التوجيه يف أي أقواهلم هو احلق، وقد ذكر جالينوس يف تفسريه لكتاب اإلميان ألبقراط، إن البحث فيما بني القدماء عن أول من وجد صناعة

    بإثبات ما ذكره مع ما أحلقناه به يف جهة احلصر هلذه اآلراء الطب مل يكن حبثاً يسرياً، ولنبدأ أوالً املختلفة، وذلك أن القول يف وجود صناعة الطب ينقسم إىل قسمني أولني فقوم يقولون بقدمه، وقوم

    يقولون حبدوثه، فالذين يعتقدون حدوث األجسام يقولون إن صناعة الطب محدثة، ألن األجسام اليت ثة، والذين يعتقدون الِقدم، يعتقدون يف الطب ِقدمه، ويقولون إن صناعة الطب يستعمل فيها الطب حمد

    قدمية مل تزل مذ كانت، كأحد األشياء القدمية مل تزل، مثل خلق األنسان، وأما أصحاب احلدوث فينقسم قوهلم إىل قسمني، فبعضهم يقول إن الطب خلق مع خلق اإلنسان، إذ كان من أحد األشياء اليت ا

    صالح اإلنسان، وبعضهم يقول وهم اجلمهور أن الطب استخرج بعد، وهؤالء أيضاً ينقسمون قسمني فمنهم من يقول إن اللَّه تعاىل أهلمها الناس، وأصحاب هذا الرأي على ما يقوله جالينوس وأبقراط ومجيع

    وم من أصحاب أصحاب القياس وشعراء اليونانيني، ومنهم من يقول أن الناس استخرجوها، وهؤالء قالتجربة وأصحاب احليل وثاسلس املغالط وفيلن، وهم أيضاً خمتلفون يف الوضع الذي به استخرجت ومباذا

    استخرجت، فبعضهم يقول أن أهل مصر استخرجوها، ويصححون ذلك من الدواء املسمى باليونانية لطب، وبعضهم يقول أن األىن وهو الراسن وبعضهم يقول أن هرمس استخرج سائر الصنائع والفلسفة وا

    أهل فولوس استخرجوها من األدوية اليت ألفتها القابلة المرأة امللك فكان ا برؤها، وبعضهم يقول أن أهل موسيا وأفروجيا استخرجوها، وذلك أن هؤالء أول من استخرج الزمر، فكانوا يشفون بتلك األحلان

    ه البدن، وبعضهم يقول أن املستخرج هلا احلكماء واإليقاعات آالم النفس، ويشفي آالم النفس ما يشفى بمن أهل قو، وهي اجلزيرة اليت كان ا أبقراط وآباؤه، وأعين آل اسقليبيوس، وقد ذكر كثري من القدماء

    أن الطب ظهر يف ثالث جزائر يف وسط اإلقليم الرابع أحداها تسمى رودس والثانية تسمى قنيدس،

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 5

    أبقراط، وبعضهم يرى أن املستخرج هلا الكلدانيون، وبعضهم يقول أن والثالثة تسمى قو، ومن هذه كان املستخرج هلا السحرة من أهل اليمن، وبعضهم يقول بل السحرة من بابل أو السحرة من فارس،

    وبعضهم يقول أن املستخرج هلا اهلند، وبعضهم يقول أن املستخرج هلا أهل أقريطش، الذين ينسب ول أهل طورسينا، الفتيمون إليهم، وبعضهم يق

    فالذين قالوا أن الطب من اللَّه تعاىل، قال بعضهم هو إهلام بالرؤيا، واحتجوا بأن مجاعة رأوا يف األحالم أدوية استعملوها يف اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة، وشفت كل من استعملها، وقال قوم أهلمها اللَّه

    جوا أن إمرأة كانت مبصر وكانت شديدة احلزن واهلم، تعاىل بالتجربة مث زاد األمر يف ذلك وقوي، واحتمبتالة بالغنظ والدرد، ومع ذلك فكانت ضعيفة املعدة، وصدرها مملوء إخالطاً رديئة، وكان حيضها

    حمتبساً، فاتفق هلا أن أكلت الراسن مراراً كثرية بشهوة منها له، فذهب عنها مجيع ما كان ا ورجعت ه شيء مما كان ا ملا استعمله برأَ ِبِه، فاستعمل الناس التجربة على سائر إىل صحتها، ومجيع من كان ب

    األشياء، والذين قالوا أن اللَّه تعاىل خلق صناعة الطب، احتجوا يف ذلك بأنه ال ميكن يف هذا العلم اجلليل اإلميان أن يستخرجه عقل إنسان، وهذا الرأي هو رأي جالينوس، وهذا نص ما ذكره يف تفسريه لكتاب

    ألبقراط، قال وأما حنن فاألصوب عندنا واألوىل أن نقول أن اللّه تبارك وتعاىل خلق صناعة الطب وأهلمها الناس، وذلك أنه الميكن يف مثل هذا العلم اجلليل أن يدركه عقل اإلنسان، لكن اللّه تبارك وتعاىل هو

    الطب أحسن من الفلسفة اليت يرون أن اخلالق الذي هو باحلقيقة فقط ميكنه خلقه، وذلك أنا ال جند استخراجها كان من عند اللّه تبارك وتعاىل، ووجدت يف كتاب الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن

    املطران الذي ومسه ببستان األطباء وروضة األلباء، كالماً نقله عن أيب جابر املغريب وهو هذا، قال سبب على ذلك أن هذه الصناعة موضوعة للعناية بأشخاص الناس، وجود هذه الصناعة وحي وإهلام، والدليل

    إما ألن تفيدهم الصحة عند املرض، وأما ألن حتفظ الصحة عليهم، وممتنع أن تعين الصناعة باألشخاص بذاا دون أن تكون مقرونة بعلم أمر هذه األشخاص اليت خصت العناية ا، ومن البين أن األشخاص

    العدد وكل معدود فأوله واحد تكثّر، وال جيوز أن تكون أشخاص الناس إىل ما ذوات مبدأ لوقوعها حتتال اية له ألن خروج ما ال اية له إىل الفعل حمال قال ابن املطران ليس كل ما ال يقدر على حصره فال

    وم هذه اية له، بل قد تكون له اية يضعف عن حصرها، قال أبو جابر وإذا كانت األشخاص اليت ال تقالصناعة إال ا ذوات مبدأ ضرورةً، فالصناعة ذات مبدأ ضرورة، ومن البني أن الشخص الذي هو أول الكثرة مفتقر إليها كافتقار سائرهم، ومن البني أيضاً أنه ال يأيت من أول شخص وجد علم هذه الصناعة

    ثرة على استنباطها من أجل أن استنباطاً لقصر عمره وطول الصناعة، وال جيوز أن جيتمعوا يف مبدأ الكالصناعة متقنة حمكمة، وكل أمر متقن ال يستنبط باالختالف بل باالتفاق، واألشخاص اليت هي أول يف

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 6

    الكثرة ال جيوز أن جتتمع على أمر متقن، من أجل أن كل شخص ال يساوي كل شخص من مجيع ر حمكم، قال ابن املطران هذا يؤدي أيضاً اجلهات، وإذا مل تتساو من جهة آرائها مل جيز أن جتتمع على أم

    يف باقي العلوم والصناعات إىل أا إهلام، ألا ذوات إتقان أيضاً وقوله أيضاً أن األشخاص ال جيوز أن جتتمع على أمر متقن، ليس بشيء، بل اجتماعها ال يكون إال على أمر متقن، وإمنا االختالف يقع مع عدم

    بان أن األشخاص يف مبدأ الكثرة ال يتأتى منها استنباط هذه الصناعة، وكذلك اإلتقان، قال أبو جابر فقدعند اية الكثرة لتباينهم وافتراقهم، ووقوع اخللف بينهم، ونقول أيضاً جيوز أن يشك شاك فيقول هل

    يتأتى عندك أن يعرف إنسان من الناس أو كثري منهم، منابت احلشائش والعقاقري، ومواضع املعادن اصها، وقوى أعضاء سائر احليوان وخواصها ومضارها ومنافعها ويعرف سائر األمراض والبلدان وخو

    واختالف امزجة أهلها مع تفريق ديارهم؟ ويعرف القوة اليت ينتجها تركيب األدوية، وما يضاد قوة قوٍة الطب فإن سهل من قوى األدوية، وما يالئم مزاجاً مزاجاً وما يضاده، مع ما يتبع ذلك من سائر صناعة

    ذلك وهونه كذب، وإن صعب أمره يف علمه من جهة املعرفة قلنا استنباطه ممتنع، وإذا مل يكن للصناعة الطبية البتدائها إال االستنباط أو الوحي أو اإلهلام، وكان ال سبيل إىل استنباط هذه الصناعة بقي أن تكون

    كالم مشوش كله مضطرب، وإن كان جالينوس موجودة بطريق الوحي واإلهلام، قال ابن املطران هذا قال يف تفسري العهد أن هذه الصناعة وحيية إهلامية، وقال فالطن يف كتاب السياسة أن اسقليبيوس كان

    رجالً مؤيداً ملهما، لكن تبعيد حصول هذه الصناعة باستنباط العقول خطأ، وتضعيف العقول اليت استنبطت أجل من صناعة

    أول العامل كان واحداً حمتاجاً إىل صناعة الطب كحاجة هذا العامل اجلم الغفري اليوم، الطب، ولنرتل أنوأنه ثقل عليه جسمه وامحرت عيناه وأصابه عالمات االمتالء الدموي، وال يدري ما يفعل، فأصابه من

    نفه فخدشه قوته الرعاف فزال عنه ما كان جيده فعرف ذلك، فعاوده يف وقت آخر ذلك بعينه، فبادر إىل أفجرى منه الدم فسكن عنه ما كان جيده، فصار ذلك عنده حمفوظاً يعلمه كل من وجده من ولده ونسله،

    ولطفت حواشي الصناعة حىت فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس، ولو نزلنا لفتح العرق، أن آخر، ممن طفت األذهان يف استخراج هذه صفته، اجنرح أو اخندش فجرى منه الدم فكان له ما ذكرنا من النفع، ول

    الفصد، جاز فصار هذا باباً من الطب، وآخر امتأل من الطعام امتالء مفرطاً فأصابه من طبيعته أحد االستفراغني، إما القيء وإما االسهال بعد غثيان وكرب، وقلق ووع ومغص وقراقر وريح جوالة يف

    ان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات البطن، فعند ذلك االستفراغ سكن مجيع ما كان جيده، وقد كفمغصه، فأسهله وقيأه اسهاالً وقيئاً كثرياً، وصارت عنده معرفة أن هذه احلشيشة تفعل هذا الفعل، وأن هذا احلادث خمفف لتلك األعراض مزيل هلا، فذكره لذلك الشخص، وحثه على استعمال القليل منه ملّا

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 7

    األعراض فأداه إىل غرضه منهما، وخفف عنه ما لقي من شر تعوق عليه القيء واإلسهال، وصعبت عليه تلك األعراض، ولطفت الصناعة ورقت حواشيها، ونظرت يف باقي احلشائش الشبيهة بتلك، ما منها

    يفعل ذلك، وما منها ال يفعله، وما منها يفعله بعنف، وما منها يفعله بضعف، وجاء صفاء العقول فنظر الكيفيات يسبق إىل اللسان منه، وأيها يتبعها، فجعل يف الدواء الذي يفعل ذلك أي الطعوم طعمه، وأي

    ذلك؛ سباره ويستخرج منه، وأعانته التجربة وأخرجت ما وقع له من القول إىل الفعل، وكذبت ما غلط فيه، وصححت ما حدس عليه حدساً صحيحاً، حىت اكتفى من ذلك، وإذا نزلت أن مسهوالً ال يعلم أي

    وأي األغذية ينفعه أو يضره، استعمل باالتفاق مساقاً يف غذائه فانتفع به ودام عليه فأبرأه، فأحب األدوية أن يعلم مباذا أبرأه، فتطعمه فوجده حامضاً قابضاً، فعلم أنه ال خيلو من أن يكون محضه نفعه أو قبضه،

    به، فوجده ال يفيده ما أفاده فذاق غريه مما فيه محوضة حمضة فقط، واستعمله يف غريه ممن به مثل ما كانهو، فعمد إىل شيء آخر طعمه قابض فقط، فاستعمله يف ذلك الشخص بعينه، فوجد فائدته فيه أكثر من فائدة احلامض املطلق، فعلم أن ذلك الطعم مفيد يف تلك احلالة ومساه قابضاً، ومسى ذلك استفراغاً، وقال

    ة ورقت حواشيها يف ذلك، حىت استخرجت العجائب، إن القابض ينفع من االستفراغ، ولطفت الصناعواستنبطت البدائع، وأتى الثاين فوجد األول وقد استخرج شيئاً جربه فوجده حقاً، فاحتفظ به وقاس

    عليه، ومتم حىت استكملت الصناعة، ولو نزلنا جميء خمالف وجدنا كثريين موافقني، وإذا غلط متقدم سدد م حمدث، هكذا يف مجيع الصناعات، كذا الغالب على ظين، قال قال حبيش متأخر، وإذا قصر قدمي متَّ

    األعسم أن رجالً اشترى كبداً طرية من جزار ومضى إىل بيته، فاحتاج أن ينصرف يف حاجة أخرى، فوضع تلك الكبد اليت كانت معه على أوراق نبات مبسوطة كانت على وجه األرض، مث قضى حاجته

    ا قد ذابت وسالت دماً فأخذ تلك األوراق وعرف ذلك النبات وصار يبيعه وعاد ليأخذ الكبد فوجدهدواء للتلف حىت فطن به وأمر بقتله، أقول هذه احلكاية كانت يف وقت جالينوس، وقال إنه كان السبب يف مسك ذلك الرجل ويف توديته إىل احلاكم حىت أمر بقتله، قال جالينوس وأمرت أيضاً يف وقت مروره

    أن تشد عيناه حىت ال ينظر إىل ذلك النبات، أو أن يشري إىل أحد سواه فيتعلمه منه، ذكر ذلك إىل القتل يف كتابه يف األدوية املسهلة،

    وحدثين مجال الدين النقاش السعودي أن يف حلف اجلبل الذي بأسعرد، على اجلانب اآلخر منه قريباً من ايخ أهل املدينة أتى إىل ذلك املوضع، ونام على نبات امليدان، عشباً كثرياً، وأن بعض الفقراء من مش

    هناك، ومل يزل نائماً إىل أن عرب عليه مجاعة، فوجدوه كذلك، وحتته دماً سائحاً من أنفه ومن ناحية املخرج، فأنبهوه وبقوا متعجبني من ذلك، إىل أن ظهر هلم أنه من النبات الذي نام عليه، وأخربين أنه

    ورأى ذلك النبات، وذكر من صفته أنه على شكل اهلندبا غري أنه مشرف خرج إىل ذلك املوضع

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 8

    اجلوانب، وهو مر املذاق، قال وقد شاهدت كثرياً ممن يدنيه إىل أنفه ويستنشقه مرات، فإنه حيدث له رعافاً يف الوقت، هذا ما ذكره، ومل يتحقق عندي يف أمر هذا النبات، هل هو الذي أشار إليه جالينوس أو

    قال ابن املطران فأقول حينئذ أن النفس الفاضلة املفيدة للخري، نظَرت حينئذ فعلمت، وكما أن غريه،الدواء فعل ذلك الفعل، فال بد وأن يكون خلْق دواء آخر ينفع هذا العضو، ويقاوم هذا الدواء، ففتش

    ألول مث الثاين، فإن دفع عليه بالتجربة، ومل يزل يطلب يف كل يوم أو يف كل وقت حيواناً فيعطيه الدواء اضرره فقد حصل مراده، وإن مل ينفع فيه طلب غريه، حىت وقع على ذلك الدواء، ويف استخراج الترياق

    أعظم دليل على ما قلت، إذ مل يكن الترياق سوى حب الغار وعسل، مث صار إىل ما صار إليه من الكثرة يف مدد طويلة، فإن قلت من أين علم أن الدواء والنفع، ال بوحي وال إهلام، ولكن بقياس وصفاء عقول و

    ال بد له من ضد، قلنا إم ملا نظروا إىل قاتل البيش، وهو نبات يطلع فإذا وقع على البيش جففه وأتلفه، علموا أن مثله يف غريه فطلبوه، والعامل الفطن يقدر على علم كيفية استخراج شيء من املعلومات إذا نظر

    ي وضعناه له، وقد عمل جالينوس كتاباً يف كيف كان استخراج مجيع الصناعات، فيه، على قياسنا الذفما زاد فيه من النحو الذي ذكرنا، أقول وإمنا نقلنا هذه اآلراء اليت تقدم ذكرها على اختالفها وتنوعها،

    ا ترى لكون مقصدنا حينئذ أن نذكر جل ما ذهب إليه كل فريق، وملا كان اخلُلف والتباين يف هذا على مصار طلب أوله عسراً جداً، إال أن اإلنسان العاقل إذا فكر يف ذلك حبسب معقوله، فإنه جيد صناعة الطب

    ال يبعد أن تكون أوائلها قد حتصلت من هذه األشياء اليت قد تقدمت أو من أكثرها، وذلك أنا نقول أن أا قد ختتلف عندهم حبسب صناعة الطب أمر ضروري للناس منوطة م حيث وجدوا ومىت وجدوا، إال

    املواضع وكثرة التغذي وقوة التمييز، فتكون احلاجة إليها أمس عند قوم دون قوم، وذلك أنه ملا كانت بعض النواحي قد يعرض فيها كثرياً أمراض ما ألهل تلك الناحية، وخصوصاً كلما كانوا أكثر تنوعاً يف

    م تبقى متهيئة لألمراض، ورمبا مل يفلت منهم أحد يف سائر األغذية، وهم أدوم أكالً للفواكه، فإن أبداأوقاته من مرض يعتريه، فيكون أمثال هؤالء مضطرين إىل الصناعة الطبية أكثر من غريهم، ممن هم يف نواحي أصح هواء، وأغذيتهم أقل تنوعاً، وهم مع ذلك قليلو االغتذاء مبا عندهم، مث أن الناس أيضاً ملا

    يف قوة التمييز النطقي، كان أمتهم متييزاً، وأقواهم حنكة، وأفضلهم رأياً أدرك وأحفظ ملا كانوا متفاضلنيمير م من األمور التجريبية وغريها، ملقابلة األمراض مبا يعاجلها به من األدوية دون غريه، فإذا اتفق يف

    دة مبثابة من أشرنا إليه أوالً بعض النواحي أن يكون أهلها تعرض هلم األمراض كثرياً، وكان فيهم مجاعة عفإم يتسلطون بقوة إدراكهم وجودة قرائحهم، ومبا عندهم من األمور التجريبية وغريها على سبيل

    املداواة، فيجتمع عندهم على الطول أشياء كثرية من صناعة الطب، ولنذكر حينئذ أقساماً يف مبدئية هذه الصناعة بقدر املمكن، فنقول

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 9

    القسم األول

    ن أحد األقسام في ذلك أنه قد يكون حصل لهم شيءأ

    منها عن األنبياء واألصفياء، عليهم السالم، بما خصهم اللَّه تعالى به من التأييد اإللهي

    روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال كان سليمان بن داود عليهما ني يديه، فيسأهلا ما امسك؟ فإن كانت لغرس غرست وإن كانت السالم، إذا صلى رأى شجرة نابتة ب

    لدواء كتبت، وقال قوم من اليهود أن اللَّه عز وجل أنزل على موسى عليه السالم سفر األشفية، والصابئة تقول أن الشفاء كان يؤخذ من هياكلهم على يد كهام وصلحائهم، بعض بالرؤيا وبعض

    كان يوجد مكتوباً يف اهلياكل ال يعلم من كتبه، ومنهم من قال أا كانت باإلهلام، ومنهم من قال أنه خترج يد بيضاء مكتوب عليها الطب، ونقل عنهم إن شيت أظهر الطب، وأنه ورثه عن آدم، عليهما الصالة والسالم، فأما اوس فإا تقول أن زرادشت الذي تدعي أنه نبيهم، جاء بكتب علوم أربعة

    دت باثين عشر ألف جلد جاموس، ألف منها طب، وأما نبط العراق والسورانيون زعموا أا جلوالكلدانيون والكسدانيون وغريهم من أصناف النبط القدم، فيدعي هلم أم اكتشفوا مبادئ صناعة

    الطب، وأن هرمس اهلرامسة املثلث باحلكمة كان بينهم ويعرف علومهم، فخرج حينئذ إىل مصر وبث لوم والصنائع، وبىن األهرام والربايب مث انتقل العلم منهم إىل اليونانيني، وقال األمري أبو الوفاء يف أهلها الع

    املبشر بن فانك؛ يف كتاب خمتار احلكم وحماسن الكلم؛ أن االسكندر ملا متلك مملكة داراً، واحتوى على قلها إىل اللسان اليوناين فارس، أحرق كتب دين اوسية وعمد إىل كتب النجوم والطب والفلسفة، فن

    وأنفذها إىل بالده، وأحرق أصوهلا، وقال الشيخ أبو سليمان املنطقي قال يل ابن عدي إن اهلند هلم علوم جليلة من علوم الفلسفة وأنه وقع إليها أن العلم من مثَّ وصل إىل اليونانيني، وقال الشيخ أبو سليمان

    لماء اإلسرائيليني أن الذي استخرج صناعة الطب يوقال ولست أدري من أين وقع له ذلك، وقال بعض ع بن المخ بن متوشاخل،

    القسم الثاني

    أن يكون قد حصل لهم شيء منها بالرؤيا الصادقة

    مثل ما حكى جالينوس يف كتابه يف الفصد، من فصده للعرق الضارب الذي أُمر به، وذلك أنه قال إين الذي بني السبابة واإلام من اليد اليمىن، فلما أصبحت أمرت يف منامي مرتني بفصد العرق الضارب

    فصدت هذا العرق وتركت الدم جيري إىل أن انقطع من تلقاء نفسه، ألين كذلك أمرت يف منامي، فكان

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 10

    ما جرى أقل من رطل، فسكن عين بذلك على املكان وجع كنت أجده قدمياً يف املوضع الذي يتصل به ما عرض يل هذا غالماً، قال وأعرف إنساناً مبدينة فرغامس، شفاه اللَّه الكبد باحلجاب، وكنت يف وقت

    تعاىل من وجع مزمن كان به يف جنبه، بفصد العرق الضارب من كفه، والذي دعا ذلك الرجل إىل أن يفعل ذلك رؤيا رآها، وقال يف املقالة الرابعة عشرة من كتابه يف حيلة الربء قد رأيت لساناً عظم وانتفخ

    مل يسعه الفم، وكان الذي أصابه ذلك رجالً مل يعتد إخراج الدم قط، وكان من أبناء ستني سنة، حىتوكان الوقت الذي رأيته فيه أول مرة الساعة العاشرة من النهار، فرأيت أنه ينبغي يل أن أسهله ذا احلب

    حلنظل، فسقيته الدواء حنو الذي قد جرت العادة باستعماله، وهو احلب املتخذ بالصرب والسقمونيا وشحم االعشاء، وأشرت عليه أن يضع على العضو العليل بعض األشياء اليت تربد، وقلت له افعل هذا حىت أنظر ما

    حيدث، فأقدر املداواة على حسبه، ومل يساعدين على ذلك رجل حضره من األطباء، فبهذا السبب أخذ العضو نفسه إىل الغد، وكنا نطمع مجيعاً أن يكون الرجل ذلك احلب، وتأخر النظر يف أمر ما يداوي به

    قد تبني فيه حسن أثر الشيء الذي يداوي به وجنربه عليه، إذ كان فيه يكون البدن قد استفرغ كله، والشيء املنصب إىل العضو قد احندر إىل أسفل، ففي ليلته رأى يف حلمه رؤيا ظاهرة بينة، فحمد مشوريت

    الدواء، وذلك أنه رأى النائم آمراً يأمره بأن ميسك فيه عصارة اخلس، واختذ مشوريت مادة يف ذلك فاستعمل هذه العصارة كما أمره وبرأ برءاً تاماً، ومل حيتج معها إىل شيء آخر يتداوى به، وقال يف شرحه

    ن لكتاب اإلميان ألبقراط وعامة الناس يشهدون على أن اللَّه تبارك وتعاىل هو امللهم هلم صناعة الطب ماألحالم والرؤيا اليت تنقذهم من األمراض الصعبة، من ذلك أنا جند خلقاً كثرياً ممن ال حيصى عددهم

    أتاهم الشفاء من عند اللَّه تبارك وتعاىل، بعضهم على يد سارافس، وبعضهم على يد اسقليبيوس مبدينة يع اهلياكل اليت لليونانيني أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس، وهي مدينيت، وباجلملة فقد يوجد يف مج

    وغريهم من سائر الناس، الشفاء من األمراض الصعبة اليت تأيت باألحالم وبالرؤيا، وأريباسيوس حيكي يف كناشه الكبري أن رجالً عرض له يف املثانة حجر عظيم، قال وداويته بكل دواء

    يف النوم كأن إنساناً أقبل عليه ويف مستصلح لتفتيت احلجر، فلم ينتفع البتة وأشرف على اهلالك، فرأىيده طائر صغري اجلثة، وقال له أن هذا الطائر امسه صفراغون، ويكون مبواضع السباحات واآلجام، فخذه واحرقه وتناول من رماده حىت تسلم من هذه العلة، فلما انتبه فعل ذلك، فأخرج احلجر من مثانته متفتتاً

    مما حصل أيضاً من ذلك بالرؤيا الصادقة أن بعض خلفاء املغرب مرض مرضاً كالرماد، وبرأَ برءاً تاماً، وطويالً، وتداوى مبداواة كثرية فلم ينتفع ا، فلما كان يف بعض الليايل رأى النيب صلى اهللا عليه وسلم يف

    نومه بقي نومه وشكى إليه ما جيده، فقال له صلى اهللا عليه وسلم ادهن بال، وكل ال، تربأ، فلما انتبه من متعجباً من ذلك ومل يفهم ما معناه، فسأل املعربين عنه، فكل منهم عجز عن تأويله، ما خال علي بن أيب

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 11

    طالب القرياوين، فإنه قال يا أمري املؤمنني إن النيب صلى اهللا عليه وسلم أمرك أن تدهن بالزيت وتأكل منه ه عز وجلّ من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال فتربأ، فلما سأله من أين له معرفة ذلك، قال من قول اللَّ

    غربية يكاد زيتها يضيء ولو مل متسسه نار، فلما استعمل ذلك صلح به وبرأ برءاً تاماً، ونقلت من خط علي بن رضوان، يف شرحه لكتاب جالينوس يف فرق الطب ما هذا نصه قال وقد كان عرض يل منذ

    الرأس، ففصدت فلم يسكن، وأعدت الفصد مراراً وهو باق على سنني صداع مربح عن امتالء يف عروق حاله، فرأيت جالينوس يف النوم، وقد أمرين أن أقرأ عليه حيلة الربء، فقرأت عليه منها سبع مقاالت فلما

    بلغت إىل آخر السابعة، قال نسيت ما بك من الصداع؟ وأمرين أن أحجم القمحدوة من الرأس، مث فربأت من الصداع على املكان، وقال عبد اللّه بن زهر يف كتاب التيسري إنين كنت استيقظت فحجمتها،

    قد اعتل بصري من قيئ حبراين افرط علي، فعرض يل انتشار يف احلدقتني دفعة، فشغل بذلك بايل، فرأيت وكنت فيما يرى النائم من كان يف حياته يعين بأعمال الطب، فأمرين يف النوم باالكتحال بشراب الورد،

    يف ذلك الزمان طالباً قد حذقت، ومل تكن يل حنكة يف الصناعة، فأخربت أيب فنظر يف األمر ملياً مث قال يل استعمل ما أمرت به يف نومك، فانتفعت به، مث مل أزل استعمله إىل وقت وضعي هذا الكتاب يف تقوية

    نه قد يعرض أحياناً لبعض الناس أن يروا األبصار، أقول ومثل هذا أيضاً كثري مما حيصل بالرؤيا الصادقة، فإ يف منامهم صفات أدوية ممن يوجدهم أياها، فيكون ا برؤهم، مث تشتهر املداواة بتلك األدوية فيما بعد،

    القسم الثالث

    أن يكون قد حصل لهم شيء منها أيضاً باالتفاق والمصادفة

    م األفاعي يف الترياق، والذي نشطه لذلك وأفرد مثل املعرفة اليت حصلت الندروماخس الثاين يف إلقائه حلوذهنه لتأليفه، ثالثة أسباب جرت على غري قصد، وهذا كالمه، قال أما التجربة األوىل، فإنه كان يعمل عندي يف بعض ضياعي يف املوضع املعروف ببورنوس، حراثون حيرثون األرض للزرع، وكان بيين وبني

    هم ألنظر ما يعملون، وأرجع إذا فرغوا، وكنت أمحل هلم معي على املوضع حنو فرسخني، وكنت أبكر إليالدابة اليت حتت الغالم زاداً وشراباً لتطيب أنفسهم، ويتجلدوا على العمل، فما زلت كذلك إىل أن محلت

    الغداء يف بعض األيام، وكنت قد أخرجت إليهم بستوقة خضراء، وفيها مخر، مطينة الرأس مل تفتح، مع أكلوا الزاد قدموا البستوقة وفتحوها، فلما أدخل أحدهم يده مع كوز ليغرف منها الشراب زاد، فلما

    وجد فيها أفعى قد رأ، فأمسكوا عن الشراب، وقالوا إن هاهنا يف هذه القرية رجالً جمذوماً يتمىن املوت به، فمضوا من شدة ما به، فنسقيه من ذلك الشراب ليموت، ويكون لنا يف ذلك أجر إذ نرحيه من وص

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 12

    إليه بزاد وسقوه من ذلك الشراب، متيقنني أنه ال يعيش يومه ذلك، فلما كان قريب الليل انتفخ جسمه نفخاً عظيماً وبقي إىل الغداة مث سقط عنه اجللد اخلارج، وظهر اجللد الداخل األمحر، ومل يزل حىت صلب

    وت الطبيعي الذي هو فناء احلرارة جلده وبرأ وعاش دهراً طويالً من غري أن يشكو علة، حىت مات امل الغريزية، فهذا دليل على أن حلوم األفاعي تنفع من األوصاب الشديدة واألمراض العتيقة يف األبدان،

    وأما التجربة الثانية فإن أخي أبولونيوس كان ماسحاً من قبل امللك على الضياع، وكان كثرياً ما خيرج يف الصيف والشتاء، فخرج ذات يوم إىل بعض القرى على سبعة فراسخ، إليها يف األوقات الوعرة الرديئة

    فرتل يستريح عند أصل شجرة، وكان الزمان شديد احلر، وأنه نام فاجتازته أفعى فنهشته يف يده، وكان قد ألقى يده على األرض من شدة تعبه، فانتبه بفزع وعلم أن اآلفة قد حلقته، ومل يكن به على القيام طاقة

    األفعى، وأخذه الكرب والغشي فكتب وصية وضمنها امسه ونسبه، وموضع مرتله وصفته، وعلق ليقتلذلك على الشجرة، كي إذا مات واجتاز به إنسان، ورأى الرقعة يأخذها ويقرأها ويعلم أهله، مث استسلم

    لق عليها للموت، وكان بالقرب منه ماء قد حصل منه فضلة يسرية، يف جوبة يف أصل تلك الشجرة اليت عالرقعة، وكان قد غلبه العطش، فشرب من ذلك املاء شرباً كثرياً فلم يلبث املاء يف جوفه حىت سكن أمله وما كان جيده من ضربة األفعى مث برأ فبقي متعجباً ومل يعلم ما كان يف املاء، فقطع عوداً من الشجرة

    أيضاً شيء يؤذيه، فوجد فيه أفعيني قد اقتتال وأقبل يفتش به املاء، ألنه كره أن يفتشه بيده لئال يكون فيهووقعا مجيعاً يف املاء ورءا، فأقبل أخي إىل مرتلنا صحيحاً ساملاً أيام حياته، وترك ذلك العمل الذي كان

    فيه، واقتصر مبالزميت، وكان هذا أيضاً دليالً على أن حلوم األفاعي تنفع من ش األفاعي واحليات ما التجربة الثالثة فإنه كان للملك يبولوس غالم، وكان شريراً غمازاً مخاناً فيه كل والسباع الضارية، وأ

    بالء، وكان كبرياً عند امللك حيبه لذلك، وكان قد آذى أكثر الناس، فاجتمع الوزراء والقواد والرؤساء زن درمهني أفيوناً على قتله، فلم يتهيأ هلم ذلك ملكانته عند امللك، فاحتال بعضهم وقال اذهبوا فاسحقوا و

    وأطعموه أياه يف طعامه، أو اسقوه يف شرابه، فإن املوت السريع يلحق الناس كثرياً، فإذا مات محلتموه إىل امللك، وليس به جراحة وال قلبه، فدعوه إىل بعض البساتني، فلم يتهيأ هلم أن يفعلوا ذلك يف الطعام

    قالوا نتركه يف بعض البيوت وخنتم عليه، ونوكل الفعلة فسقوه يف الشراب، فلم يلبث إال قليالً أن مات، فبباب البيت، حىت منضي إىل امللك نعلمه أنه قد مات فجأة ليبعث ثقاته ينظرونه، فلما صاروا بأمجعهم إىل

    امللك نظر الفعلة إىل أفعى قد خرج من بني احلجر، ودخل إىل البيت الذي فيه الغالم، فلم يتهيأ هلم أن ويقتلوه ألن الباب كان خمتوماً فلم يلبثوا إال ساعة والغالم يصيح م مل قفلتم علي الباب؟ يدخلوا خلفه

    أعينوين قد لسعتين أفعى ومد الباب من داخل وأعانه قوام البستان من خارج فكسروه فخرج وليس به املهلكة، هذا مجلة ما قُلْبه، وكان هذا أيضاً دليالً على أن حلوم األفاعي تنفع من شرب األدوية القتالة

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 13

    ذكره أندروماخس، ومثل هذا أيضاً، أعين ما حصل باالتفاق واملصادفة، أنه كان بعض املرضى بالبصرة، وكان قد استسقى ويئس أهله من حياته وداووه بوصفات كثرية من أدوية األطباء، فيئسوا منه وقالوا ال

    ن اتزود من الدنيا وآكل كل ما عن يل وال حيلة يف برئه، فسمع ذلك من أهله، فقال هلم دعوين اآلتقتلوين باحلمية، فقالوا له كل ما تريد فكان جيلس بباب الدار فمهما جاز اشترى منه وأكل، فمر به

    رجل يبيع جراداً مطبوخاً فاشترى منه كثرياً، فلما أكله انسهل بطنه من املاء األصفر يف ثالثة أيام ما كاد نه عندما انقطع القيام زال كل ما كان يف جوفه من املرض، وثابت قوته فربأ، به أن يتلف إلفراطه، مث أ

    وخرج يتصرف يف حوائجه، فرآه بعض األطباء فعجب من أمره، وسأله عن اخلرب فعرفه، فقال أن اجلراد ليس من طبعه أن يفعل هذا، فدلين على بائع اجلراد فدله عليه، فقال له من أين تصطاد هذا اجلراد؟ فخرجبه إىل املكان، فوجد اجلراد يف أرض أكثر نباا املازريون، وهو من دواء االستسقاء، وإذا دفع إىل مريض منه وزن درهم أسهل إسهاالًذريعاً ال يكاد أن يضبط والعالج به خطر، ولذلك ما تكاد تصفه األطباء،

    فعلها، وأكل اجلراد فعويف فلما وقع اجلراد عى هذه احلشيشة، ونضجت يف جوفه، مث طبخ اجلراد، ضعف بسببها،

    ومثل هذا أيضاً، أي مما حصل من طريق املصادفة واالتفاق، أنه كان بافلوللن من سليلة اسقليبيوس ورم حار يف ذراعه، مؤمل أملاً شديداً، فلما أشفى منه ارتاحت نفسه إىل اخلروج إىل شاطئ ر كان عليه

    ها عليه تربداً به فخف بذلك أمله، فاستطال وضع يده عليه، وأصبح النبات املسمي حي العامل، وأنه وضعمن غد فعمل مثل ذلك فربأ برءاً تاماً، فلما رأى الناس سرعة برئه علموا أنه إمنا كان ذا الدواء وهو على

    ما قيل أول ما عرف من األدوية، وأشباه هذه األمثلة اليت قد ذكرنا كثرية،

    القسم الرابع

    د حصل شيء منها أيضاً بما شاهده الناسأن يكون ق

    من الحيوانات واقتدى بأفعالها وتشبه بها

    أن اخلطاف إذا وقع بفراخه الريقان، مضى فجاء حبجر "اخلواص"وذلك مثل ما ذكره الرازي يف كتاب الريقان، وهو حجر أبيض صغري يعرفه، فجعله يف عشه فيربأوا، وأن اإلنسان إذا أراد ذلك احلجر طلى

    فراخه بالزعفران، فيظن أنه قد أصام الريقان، فيمضي فيجيء به فيؤخذ ذلك احلجر ويعلق على من به الريقان، فينتفع به، وكذلك أيضاً شأن العقاب األنثى، أنه إذا تعسر عليها بيضها وخروجه، وصعب حىت

    تقلقل يف داخله، فإذا تبلغ املوت، ورأى ذكرها ذلك طار وأحضر حجراً يعرف بالقلقل، ألنه إذا حرك

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 14

    كسر مل يوجد فيه شيء، وكل قطعة منه إذا حركت تقلقلت مثل صحيحه، وأكثر الناس تعرفه حبجر العقاب، ويضعه فيسهل على األنثى بيضها، والناس يستعملونه يف عسر الوالدة على ما استنبطوه من

    لشتاء يف ظلمة بطن األرض، العقاب، ومثل ذلك أيضاً أن احليات إذا أظلمت أعينهن لكمون يف اوخرجن من مكامنهن يف وقت ما يدفأ الوقت طلنب نبات الرازيانج، وأمررن عيون عليه فيصلح ما ا، فلما رأى الناس ذلك وجربوه، وجدوا من خاصيته إذهاب ظلمة البصر إذا اكتحل مبائه، وذكر جالينوس

    هو الذي دل على علم احلقن، وزعم أن هذا يف كتابه يف احلقن عن أرودوطس، إن طائراً يدعي أيبسالطري كثري االغتذاء ال يترك شيئاً من اللحوم إال أكله، فيحتبس بطنه الجتماع األخالط الرديئة وكثرا فيه، فإذا اشتد ذلك عليه توجه إىل البحر، فأخذ مبنقاره من ماء البحر مث أدخله يف دبره، فيخرج بذلك

    بطنه، مث يعود إىل طعامه الذي عادته االغتذاء به، املاء األخالط احملتقنة يف

    القسم الخامس

    أن يكون حصل شيء منها أيضاً بطريق اإللهام

    كما هو لكثري من احليوانات، فإنه يقال أن البازي إذا اشتكى جوفه عمد إىل طائر معروف يسميه كما تشاهد عليه أيضاً اليونانيون ذريفوس، فيصيده ويأكل من كبده فيسكن وجعه على احلال، و

    السنانري، فإا يف أوقات الربيع تأكل احلشيش، فإن عدمت احلشيش عدلت إىل خوص املكانس فتأكله، ومعلوم أن ذلك ليس مما كانت تغتذي به أوالً، وإمنا دعاها إىل ذلك اإلهلام لفعل ما جعله اللَّه تعاىل سبباً

    صحة املأنوس إليها بالطبع، فتكف عن أكله، وكذلك لصحة أبداا، وال تزال كذلك إىل أن حتس بالأيضاً مىت ناهلا أذى من بعض احليوانات املؤذية ذات السموم وأكلت شيئاً منها فإا تقصد إىل السريج

    وإىل مواضع الزيت فتنال منه، ذلك يسكن عنها سورة ما جتده، وحيكى أن الدواب إذا أكلت الدفلي يف رع إىل حشيشة هي بادزهرللدفلى فترتعيها، ويكون ا برؤها، ومما حيقق ذلك ربيعها أضر ذلك ا، فتسا

    حالة جرت من قريب، وهي أن اء الدين بن نفادة الكاتب حكى أنه ملا كان متوجهاً إىل الكرك كان يف طريقه بالطليل وهي مرتلة كثرية نبات الدفلى، فرتل هو وآخر يف مكان منها وإىل جانبهم هذا النبات، فربط الغلمان دوام هنالك؛ وجعلت الدواب ترعى ما يقرب منها وأكلت من الدفلى، فأما دوابه فإن

    غلمانه غفلوا عنها فسابت ورعت من مواضع متفرقة، وأما دواب اآلخر فإا بقيت يف موضعها مل تقدر رها يف ذلك املوضع، على التنقل منه، وملا أصبحوا وجدت دوابه يف عافية ودواب اآلخرين قد ماتت بأس

    وحكى ديسقوريدس يف كتابه أن املعزى الربية بإقريطش إذا رميت بالنبل وبقيت يف أبداا فإا ترعى

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 15

    النبات الذي يقال له املشكطرامشري، وهو نوع من الفوتنج فيتساقط عنها ما رميت به، ومل يضرها شيء منه،

    دي، أن اللقلق يعشش يف أعلى القباب واملواضع وحدثين القاضي جنم الدين عمر بن حممد بن الكرناملرتفعة، وأن له عدواً من الطيور يتقصده أبداً، ويأيت إىل عشه ويكسر البيض الذي فيه، قال وإن مث

    حشيشة من خاصيتها أن عدو اللقلق إذا شم رائحتها يغمى، فيأيت ا اللقلق إىل عشه وجيعلها حتت بيضه، كر أوحد الزمان يف املعترب أن القنفذ لبيته أبواب يسدها ويفتحها عند هبوب فال يقدر العدو عليها، وذ

    الرياح اليت تؤذيه وتوافقه، وحكى أن إنساناً رأى احلباري تقاتل األفعى، وتنهزم عنها إىل بقلة تتناول بالقتال، منها، مث تعود لقتاهلا، وإن هذا اإلنسان عاينها فنهض إىل البقلة فقطعها عند اشتغال احلباري

    فعادت احلباري إىل منبتها ففقدا وطافت عليها فلم جتدها فخرت ميتة، فقد كانت تتعاجل ا، قال وابن عرس يستظهر يف قتال احلية بأكل السذاب، والكالب إذا دودت بطوا أكلت لسنبل وتقيأت

    احلشائش املتشاة يف واستطلقت، وإذا جرح اللقلق داوى جراحه بالصعتر اجلبلي، والثور يفرق بني صورها، ويعرف ما يوافقه منها فريعاه، وما ال يوافقه فيتركه، مع مه وكثرة أكله وبالدة ذهنه، ومثل هذا كثري، فإذا كانت احليوانات اليت ال عقول هلا أهلمت مصاحلها ومنافعها، كان اإلنسان العاقل املميز

    ذا أكرب حجة ملن يعتقد أن الطب إمنا هو إهلام وهداية املكلف، الذي هو أفضل احليوان، أوىل بذلك، وهمن اللَّه سبحانه خللقه، وباجلملة فإنه قد يكون من هذا ومما وقع بالتجربة واالتفاق واملصادفة أكثر ما

    حصلوه من هذه الصناعة، مث تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس حبسب ما شاهدوه، وأدم إليه فطرم، ع تلك األجزاء اليت حصلت هلم ذه الطرق املتفننة املختلفة أشياء كثرية، مث إم تأملوا فاجتمع هلم من مجي

    تلك األشياء واستخرجوا عللها واملناسبات اليت بينها، فتحصل هلم من ذلك قوانني كلية ومبادئ منها التعليم من الكليات إىل يبتدأ بالتعلم والتعليم، وإىل ما أدركوه منها أوالً ينتهي، فعند الكمال يتدرج يف

    اجلزئيات، وعند استنباطها يتدرج من اجلزئيات إىل الكليات، وأقول أيضاً وقد أشرنا إىل ذلك من قبل، أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا خمتصاً مبوضع دون موضع، وال يفرد به قوم دون آخرين إال حبسب

    هم مصطلحون على أدوية يألفوا ويتداوون األكثر واألقل، وحبسب تنوع املداواة، وهلذا فإن كل قوما، وأرى أم إمنا اختلفوا يف نسبة صناعة الطب إىل قوم حبسب ما قد كان يتجدد عند قوم فينسب

    إليهم، فإنه قد ميكن أن تكون صناعة الطب يف أمة أو يف بقعة من األرض، فتدثر وتبيد بأسباب مساوية أو وط الية، واحلروب املبيدة، وامللوك املتغلبة، والسري املخالفة، فإذا أرضية، كالطواعني املفنية والقح

    انقرضت يف أمة ونشأت يف أمة أخرى، وتطاول الزمان عليها نسي ما تقدم، وصارت الصناعة تنسب إىل األمة الثانية دون األوىل، ويعترب أوهلا بالقياس إليهم فقط، فيقال هلا مذ ظهرت كذا وكذا وإمنا يعين يف

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 16

    احلقيقة مذ ظهرت يف هذه األمة خاصة، وهذا مما ال يبعد فإنه على ما تواترت به اآلثار وخصو صاً ما حكاه جالينوس وغريه، أن أبقراط ملا رأى صناعة الطب قد كادت أن تبيد، وأنه قد درست معاملها عن

    واها ونشرها وشهرها بأن آل اسقليبيوس، الذين ابقراط منهم، تداركها بأن أظهرها وبثها يف الغرباء، وقأثبتها بالكتب، فلهذا يقال أيضاً على ما ذهب إليه كثري من الناس، أن أبقراط أول من وضع صناعة

    الطب وأول من دوا وليس احلق، على ما تواترت به اآلثار، إال أنه أول من دوا من آل اسقليبيوس األطباء من بعده واستمر إىل اآلن، واسقليبيوس لتعليم كل من يصلح لتعلمها من الناس كافة، ومثله سلك

    األول هو أول من تكلم يف شيء من الطب على ما سيأيت ذكره،

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 17

    لثاني الباب ا

    طبقات األطباء الذين ظهرت لهم أجزاء من صناعة الطِّب

    وكانوا المبتدئين بها

    اسقليبيوس

    يبيوس، كما أشرنا إليه أوالً، هو أوملن ذكر من قد اتفق كثري من قدماء الفالسفة واملتطببني على أن اسقلاألطباء وأول من تكلم يف شيء من الطب على طريق التجربة، وكان يونانياً، واليونان منسوبون إىل

    يونان، وهي جزيرة كانت احلكماء من الروم يرتلوا، وقال أبو معشر يف املقالة الثانية من كتاب األلوف سمى يف قدمي الدهر أرغس، وكان أهلها يسمون أرغيوا، ومسيت املدينة بعد أن بلدة من املغرب كانت ت

    ذلك أيونيا، ومسوا أهلها يونانيني باسم بلدهم، وكان ملكها أحد ملوك الطوائف، ويقال أن أول من اجتمع له ملك مدينة أيونيا من ملوك اليونانيني كان امسه أيليوس، وكان لقبه دقطاطر، ملكهم مثاين عشر

    ، ووضع لليونانيني سنناً كثرية مستعلمة عندهم، وقال الشيخ اجلليل أبو سليمان حممد بن طاهر بن سنةرام السجستاين املنطقي يف تعاليقه أن اسقليبيوس بن زيوس، قالوا مولده روحاين، وهو إمام الطب، وأبو

    ثر اليونانية؛ قال وبقراط أكثر الفالسفة؛ قال وأقليدس ينسب إليه، وأفالطون وأرسطوطاليس وبقراط وأككان السادس عشر من أوالده، يعين البطن السادس عشر من أوالده؛ وقال سولون أخو أسقليبيوس، وهو

    أبو واضع النواميس، أقول وترمجة اسقليبيوس بالعريب منع اليبس، وقيل أن أصل هذا االسم يف لسان ى ما وجد يف أخبار اجلبابرة بالسريانية، ذكي اليونانيني مشتق من البهاء والنور، وكان اسقليبيوس، عل

    الطبع، قوي الفهم، حريصاً جمتهداً يف علم صناعة الطب، واتفقت له اتفاقات محيدة معينة على التمهر يف هذه الصناعة، وانكشفت له أمور عجيبة من أحوال العالج بإهلام من اللَّه عز وجل، وحكي أنه وجد علم

    مية، يعرف يكل ابلن وهو للشمس، ويقال أن اسقليبيوس هو الذي أوضع الطب يف هيكل كان هلم بروهذا اهليكل ويعرف يكل اسقليبيوس، ومما حيقق ذلك أن جالينوس قال يف كتابه يف فينكس أن اللَّه عز

    امسه ملا خلصين من دبيلة قتالة كانت عرضت يل، حججت إىل بيته املسمى يكل اسقليبيوس، وقال كتابه حيلة الربء يف صدر الكتاب مما جيب أن حيقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب جالينوس يف

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 18

    اإلهلي يف هيكل اسقليبيوس، على ما حكاه هروسيس صاحب القصص، بيت كان مبدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم عندما يسألوا، وكان املستنبط هلا يف القدمي اسقليبيوس، وزعم جموس رومية أن تلك

    الصورة كانت منصوبة على حركات جنومية، وأنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة، وكان دين النصرانية يف رومية قبل عبادة النجوم، كذا حكى هروسيس، وذكر جالينوس أيضاً يف مواضع

    ا إىل طب كثرية، أن طب أسقليبيوس كان طباً إهلياً، وقال أن قياس الطب اإلهلي إىل طبنا قياس طبنالطرقات، وذكر أيضاً يف حق اسقليبيوس يف كتابه الذي ألفه يف احلث على تعلم صناعة الطب أن اللَّه

    تعاىل أوحى إىل أسقليبيوس أين إىل أن أمسيك ملكاً أقرب منك إىل أن أمسيك إنساناً وقال أبقراط إن اللَّه اسقليبيوس كان معظماً عند اليونانيني، وكانوا تعاىل رفعه إليه يف اهلواء يف عمود من نور، وقال غريه إن

    يستشفون بقربه، ويقال أنه كان يسرج على قربه كل ليلة ألف قنديل، وكان امللوك؛ من نسله تدعي له النبوة، وذكر أفالطون يف كتابه املعروف بالنواميس عن اسقليبيوس أشياء عدة من أخباره مبغيبات،

    أهلي، وشاهدها الناس كما قاله وأخرب به، وقال يف املقالة الثالثة من وحكايات عجيبة ظهرت عنه بتأييدكتاب السياسة أن أسقليبيوس كان هو وأوالده عاملني بالسياسة، وكان أوالده جنداً فرهة وكانوا عاملني

    بالطب، وقال إن أسقليبيوس كان يرى أن من كان به مرض يربأ منه عاجله، ومن كان مرضه قاتالً مل .ياته اليت ال تنفعه وال تنفع غريه، أي يترك عالجه لهيطل ح

    وقال األمري أبو الوفاء املبشر بن فاتك يف كتاب خمتار احلكم وحماسن الكلم إن أسقليبيوس هذا كان تلميذ هرمس، وكان يسافر معه، فلما خرجا من بالد اهلند وجاءا إىل فارس، خلفه ببابل ليضبط الشرع فيهم،

    س هذا فهو هرمس األول، ولفظه أرمس، وهو اسم عطارد، ويسمى عند اليونانيني قال وأما هرمأطرمسني، وعند العرب أدريس، وعند العربانيني أخنوخ، وهو ابن يارد بن مهالئيل بن قينان بن أنوش بن

    شيث بن آدم عليهم السالم، ومولده مبصر يف مدينة منف منها، قال وكانت مدته على األرض اثنتني نني سنة، وقال غريه ثالمثائة ومخساً وستني سنة، قال املبشر ابن فاتك وكان عليه السالم رجالً آدم ومثا

    اللون، تام القامة، اجلح، حسن الوجه، كث اللحية، مليح التخاطيط، تام الباع، عريض املنكبني، ضخم األعضاء، إذا مشى أكثر العظام، قليل اللحم، براق العني أكحل، متأنياً يف كالمه، كثري الصمت، ساكن

    .نظره إىل األرض، كثري الفكرة، به حدة وعبسة، حيرك إذا تكلم سبابتهوقال غريه إن اسقليبيوس كان قبل الطوفان الكبري، وهو تلميذ أغاثوذميون املصري، وكان أغاثوذميون

    وس هذا هو البادئ أحد أنبياء اليونانيني واملصريني، وتفسري أغاثوذميون السعيد اجلد، وكان اسقليبي .بصناعة الطب يف اليونانيني، علمها بنيه وحذر عليهم أن يعلموها الغرباء

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 19

    وأما أبو معشر البلخي املنجم فإنه ذكر يف كتاب األلوف أن اسقليبيوس هذا مل يكن باملتأله األول يف أنه كان تلميذ صناعة الطب وال باملبتدئ ا، بل أنه عن غريه أخذ، وعلى ج من سبقه سلك، وذكر

    هرمس املصري، وقال إن اهلرامسة كانوا ثالثة أما هرمس األول وهو املثلث بالنعم فإنه كان قبل الطوفان، ومعىن هرمس لقب كما يقال قيصر وكسرى، وتسميه الفرس يف سريها اللهجد، وتفسريه ذو عدل، وهو

    م، ويذكر العربانيون أنه اخنوخ وهو الذي تذكر احلرانية نبوته؛ وتذكر الفرس أن جده كيومرث وهو آد .بالعربية أدريس

    قال أبو معشر هو أول من تكلم يف األشياء العلوية من احلركات النجومية، وإن جده كيومرث وهو آدم علمه ساعات الليل والنهار، وهو أول من بىن اهلياكل وجمد اللَّه فيها؛ وأول من نظر يف الطب وتكلم فيه،

    نه كتباً كثرية بأشعار موزونة وقواف معلومة بلغة أهل زمانه يف معرفة األشياء األرضية وأنه ألف ألهل زماوالعلوية، وهو أول من أنذر بالطوفان، ورأى أن آفة مساوية تلحق األرض من املاء والنار، وكان مسكنه

    الربايب وهو صعيد مصر، ختري ذلك فبىن هناك األهرام ومدائن التراب، وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبىناجلبل املعروف بالربابر بأمخيم وصور فيها مجيع الصناعات وصناعها نقشاً وصور مجيع آالت الصناع،

    وأشار إىل صفات العلوم ملن بعده برسوم حرصاً منه على ختليد العلوم ملن بعده، وخيفة أن يذهب رسم من درس الكتب، ونظر يف العلوم، ذلك من العامل، وثبت يف األثر املروي عن السلف أن أدريس أول

    .وأنزل اللَّه عليه ثالثني صحيفة، وهو أول من خاط الثياب ولبسها ورفعه اللَّه مكاناً علياًوأما هرمس الثاين فإنه من أهل بابل، سكن مدينة الكلدانيني وهي بابل، وكان بعد الطوفان يف زمن

    بن كوش، وكان بارعاً يف علم الطب والفلسفة، نزيربال الذي هو أول من بىن مدينة بابل بعد منرودوعارفاً بطبائع األعداد، وكان تلميذه فيثاغورس األرمتاطيقي، وهرمس هذا جدد من علم الطب والفلسفة

    وعلم العدد ما كان قد درس بالطوفان ببابل، ومدينة الكلدانيني هذه مدينة الفالسفة من أهل املشرق، .د، ورتب القواننيوفالسفتهم أول من حدد احلدو

    وأما هرمس الثالث فإنه سكن مدينة مصر وكان بعد الطوفان، وهو صاحب كتاب احليوانات ذوات السموم وكان طبيباً فيلسوفاً وعاملاً بطبائع األدوية القتالة واحليوانات املؤذية، وكان جواالً يف البالد طوافاً

    ا، وله كالم حسن يف صناعة الكيمياء نفيس يتعلق منه إىل ا، عاملاً بنصبة املدائن وطبائعها وطبائع أهلهصناعات كثرية، كالزجاج واخلرز والغضار وما أشبه ذلك، وكان له تلميذ يعرف باسقليبيوس، وكان

    .مسكنه بأرض الشام

    رجع الكالم إلى ذكر اسقليبيوس

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 20

    ا شاهده الناس من أفعاله ظن وبلغ من أمر أسقليبيوس أن أبرأ املرضى الذين يئس الناس من برئهم، وملالعامة أنه حييي املوتى، وأنشد فيه شعراء اليونانيني األشعار العجيبة، وضمنوها أنه حييي املوتى، ويرد كل من مات إىل الدنيا، وزعموا أن اللَّه تعاىل رفعه إليه تكرمة له وإجالالً، وصريه يف عديد املالئكة، ويقال

    .أنه إدريس عليه السالم حيىي النحوي أن أسقليبيوس عاش تسعني سنة، منها صيب وقبل أن تفتتح له القوة اإلهلية مخسني سنة، وقال

    وعامل معلم أربعني سنة، وخلف ابنني ماهرين يف صناعة الطب، وعهد إليهما أن ال يعلما الطب إال ده كذلك وأمرهم ألوالدمها وأهل بيته، وأن ال يدخال يف صناعة الطب غريباً، وعهد إىل من يأيت بع

    بأمرين أحدمها أن يسكنوا وسط املعمور من أرض اليونانيني، وذلك يف ثالث جزائر منها قو جزيرة .ابقراط، والثاين أن ال خترج صناعة الطب إىل الغرباء، بل يعلمها اآلباء األبناء

    السبب يف قال جالينوس وأما صورته فصورة رجل ملتح متزين جبمة ذات ذوائب، ومما يبحث من أمرتصويره ملتحياً وتصوير أبيه أمرد، فبعض الناس يقول إنه صور وصيغ ذه احلال، ألنه يف وقت ما أصعده

    اللَّه إليه كان كذلك، والبعض قال إن السبب يف ذلك أن صناعته حتتاج إىل العفة والشيخوخة، وبعض ذا تأملته وجدته قائماً متشمراً جمموع الناس قال إن السبب يف جتاوزه، يف احلذق بصناعة الطب، أباه، وإ

    الثياب، فيدل ذا الشكل على أنه ينبغي لألطباء أن يتفلسفوا يف مجيع األوقات، وترى األعضاء منه اليت يستحى من تكشفها مستورة، واألعضاء اليت حيتاج إىل استعمال الصناعة ا معراة مكشوفة، ويصور

    ن شجرة اخلطمي فيدل بذلك على أنه ميكن يف صناعة الطب أن آخذاً بيده عصاً، معوجة ذات شعب، ميبلغ مبن استعملها من السن أن حيتاج إىل عصا يتكئ عليها؛ أو ألن من أعطاه اللَّه تبارك وتعاىل بعض

    العطايا يؤهل إلعطاء عصا، مبرتلة ما وهب إليفاسطس وزوس وهرمس، وذه العصا جند زوس يقر أعني ينبه ا أيضا النيام، وأما تصويرهم تلك العصا من شجر اخلطمي، فألنه يطرد وينفي من حيب من الناس، ف

    كل مرض، وقال جالينوس وأما أعوجاجها وكثرة شعبها فتدل على كثرة األصناف والتفنن املوجود يف وان صناعة الطب، ولن جندهم أيضاً تركوا تلك العصا بغري زينة وال يئة، لكنهم صوروا عليها صورة حيطويل العمر، ملتف عليها وهو التنني، ويقرب هذا احليوان من اسقليبيوس ألسباب كثرية، أحدها أنه

    حيوان حاد النظر، كثري السهر، ال ينام يف وقت من األوقات، وقد ينبغي ملن قصد تعلم صناعة الطب أن هو حاضر، ومبا من شأنه أن ال يتشاغل عنها بالنوم، ويكون يف غاية الذكاء ليمكنه أن يتقدم فينذر مبا

    حيدث، وذلك أنك جتد أبقراط يشري ذا الفعل يف قوله إين أرى أنه من أفضل األمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر، وذلك أنه إذا سبق فعلم وتقدم، فانذر املرضى بالشيء احلاضر مما م، وما مضى وما

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 21

    يستأنف، لعصا، املاسك هلا اسقليبيوس، قول آخر وهو هذا قالوا هذا احليوان، وقد يقال أيضاً يف تصوير التنني على ا

    أعين التنني، طويل العمر جداً، حىت أن حياته يقال أا الدهر كله؛ وقد ميكن يف املستعملني لصناعة الطب أن تطول أعمارهم، من ذلك أنا جند دميوقريطس وأيرودوطس عندما استعملوا الوصايا اليت تأمر ا

    الطب طالت حيام جداً، فكما أن هذا احليوان، أعين التنني، يسلخ عنه لباسه الذي يسميه صناعةاليونانيون الشيخوخة، كذلك أيضاً قد ميكن الناس، باستعمال صناعة الطب إذا سلخوا عنهم الشيخوخة

    إكليل متخذ اليت تفيدهم إياها األمراض، أن يستفيدوا الصحة، وإذا صوروا أسقليبيوس جعل على رأسه من شجر الغار، ألن هذه الشجرة تذهب باحلزن، وهلذا جند هرمس إذ مسي املهيب كلل مبثل هذا

    اإلكليل، فإن األطباء ينبغي هلم أن يصرفوا عنهم األحزان كذلك كلل اسقليبوس بأكليل يذهب باحلزن، كليل الذي يتكلل به األطباء أو ألن األكليل كان يعم صناعة الطب والكهانة، رأوا أنه ينبغي أن يكون اإل

    واملتكهنون إكليالً واحداً بعينه؛ أو ألن هذه الشجرة أيضاً فيها قوة تشفي األمراض، من ذلك أنك جتدها إذا ألقيت يف بعض املواضع هربت من ذلك املوضع اهلوام ذوات السموم وكذلك أيضاً النبت املسمى

    ى حب الغار، إذا مرخ ا البدن فعلت فيه شبيهاً بفعل قونورا، ومثرة هذه الشجرة أيضاً وهي اليت تسماجلند بيدستر، وإذا صوروا ذلك التنني جعلوا بيده بيضه، يومون بذلك إىل أن هذا العامل كله حيتاج إىل

    .الطب، ومثال الكل مثال البيضةه تبارك وتعاىل، فنقول أنه وقد ينبغي لنا أن نتكلم أيضاً يف الذبائح اليت تذبح باسم أسقليبيوس تقرباً إىل اللَّ

    مل يوجد أحد قرب اللَّه قرباناً باسم أسقليبيوس، يف وقت من األوقات، شيئاً من املاعز، وذلك ألن شعر هذا احليوان ال يسهل غزله مبرتلة الصوف، ومن أكثر من حلمه سهل وقوعه يف أمراض الصرع ألن الغذاء

    .، مييل إىل الدم السوداوياملتولد عنه رديء الكيموس، جمفف غليظ حريفقال جالينوس بل إمنا جند الناس يقربون إىل اللَّه تبارك وتعاىل باسم أسقليبيوس ديكة، ويرون أيضاً أن

    سقراط قرب له هذه الذبيحة فبهذه احلال علم هذا الرجل اإلهلي الناس صناعة الطب، قنية ثابتة أفضل دمييطر، قال حنني يعين باستخراج ديونوسس اخلمر، وذلك كثرياً من األشياء اليت استخرجها ديونوسس و

    أن اليونانيني يرون أن أول من استخرج اخلمر ديونوسس ويومي الشعراء ذا االسم إىل القوة، اليت إذا .غريت املاء يف الكرمة أعدته ليكون اخلمرة والسرور املتولد عنها يف شراا

    ب اليت يتخذ منها، وهلذا جندهم يسمون هذه احلبوب ذا وأما استخراج دمييطر فاخلبز وسائر احلبو .االسم، وقد تسمي الشعراء ذا االسم أيضاً األرض املخرجة للحبوب

    وأما استخراج اسقليبيوس فيعين به الصحة، وهي اليت ال ميكن دوا أن يقتين شيء من األشياء اليت ينتفع

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 22

    .ا أو يلتذ .هذان ال ينتفع به ما مل يكن استخراج اسقليبيوس موجوداًقال جالينوس وذلك أن ما استخرجه

    وأما صورة الكرسي الذي يقعد عليه اسقليبوس فصورة القوة اليت تستفاد ا الصحة، وهي أشرف وإذا تأملت صورة أسقليبيوس وجدته قاعداً متكئاً على رجال مصورين حوله، وذلك واجب ألنه .القوى

    من بني الناس، ويصور عليه تنني ملتف حوله وقد خربت سبب ذلك فيما ينبغي أن يكون ثابتاً ال يزول .تقدم

    ومن اآلداب واحلكم اليت ألسقليبيوس مما ذكره األمري أبو الوفاء املبشر بن فاتك يف كتاب خمتار احلكم وقال املتعبد بغري معرفة كحمار .وحماسن الكلم قال أسقليبيوس من عرف األيام مل يغفل االستعداد

    .طاحون يدور وال يربح، وال يدري ما هو فاعلال .وقال فوت احلاجة خري من طلبها إىل غري أهلها

    وقال إعطاء الفاجر تقوية له على فجوره؛ والصنيعة عند الكفور أضاعة للنعمة؛ وتعليم اجلاهل ازدياد يف .اجلهل؛ ومسألة اللئيم أهانة للعرض

    .ئة خمافة الضرر، وال يدع الذنوب خمافة اآلخرةوقال إين ألعجب ممن حيتمي من املآكل الردي .وقال أكثروا من الصمت فإنه سالمة من املقت، واستعملوا الصدق فإنه زين النطق

    وقيل له صف لنا الدنيا فقال أمس أجل، واليوم عمل، وغداً أمل، وقال املشفق عليكم يسيء الظن بكم، قليل النصيحة لكم، والزاري عليكم كثري العتب لكم، وذو البغضاء لكم

    وقال سبيل من له دين ومروءة أن يبذل لصديقه نفسه وماله، وملن يعرفه طالقة وجهه وحسن حمضره، .ولعدوه العدل، وأن يتصاون عن كل حال يعيب

    أيلق ويقال له أيلة، قال سليمان بن حسان املعروف بابن جلجل أن هذا أول حكيم تكلم يف الطب ببلد وهو أول من استنبط كتاب األغريقي هليامس امللك، وتكلم يف الطب، وقاسه وعمل به، الروم والفرس،

    وكان بعد موسى، عليه الصالة والسالم، يف زمان بذاق احلاكم، وله آثار عظيمة وأخبار شنيعة وهو يعد يف كثرة العجائب كاسقليبيوس،

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 23

    لثالث الباب ا

    قليبيوسطبقات األطباء اليونانيين الذين هم من نسل أس

    وذلك أن أسقليبيوس كما ذكرنا أوالً ملا حصلت له معرفة صناعة الطب بالتجربة وبقيت عنده أمور منها، وشرع يف تعليمها ألوالده وأقاربه، عهد اليهم أال يعلموا هذه الصناعة ألحد إال ألوالدهم، وملن هو

    من ولد وقرابة ستة وهم ماغينس، من نسل اسقليبيوس ال غري، وكان الذي خلفه اسقليبيوس من التالميذوسقراطون، وخروسيس الطبيب، ومهراريس املكذوب عليه املزور نسبه يف الكتب األوىل، وأنه حلق

    سليمان بن داود وهذا حديث خرافة ألن بينهما ألوف من السنني، وموريدس، وميساوس، وكان كل ة، إذا كان الطب إمنا خرج له بالتجربة، واحد من هؤالء ينتحل رأي استاذه اسقليبيوس وهو رأي التجرب

    ومل يزل الطب ينتقل من هؤالء التالميذ إىل من علموه من األهل، إىل أن ظهر

    غورس

    هو الثاين من األطباء احلذاق املشهورين الذين اسقليبيوس أوهلم، على ما ذكره حيىي النحوي وذلك أنه اعة الطب من اليونانيني على ما تناهى إلينا مثانية وهم قال األطباء املشهورون الذين كان يقتدى م يف صن

    أسقليبيوس األول، وغورس، وميتس، وبرمانيدس، وإفالطن الطبيب وأسقليبيوس الثاين، وأبقراط، وجالينوس، وكانت مدة حياة غورس سبعاً وأربعني سنة منها صيب ومتعلم سبع عشرة سنة؛ وعامل معلِّم

    .اة أسقليبيوس األول، إىل وقت ظهور غورس مثامنائة ومخسني سنةثالثني سنة، وكان منذ وقت وفوكان يف هذه الفترة بني أسقليبيوس وبني غورس من األطباء املذكورين سورندوس، ومانيوس،

    وساوثاوس، ومسيساندس، وسقوريدس األول، وسيقلوس، ومسرياس، وانطيماخس، وقلغيموس، .وأغانيس، وأيرقلس، وأسطورس الطبيب

    ظهر غورس نظر يف رأي التجربة وقواه وخلف من التالميذ من بني ولد وقريب سبعة وهم مرقس، وملا وجورجيس، ومالسطس، وفولس، وماهالس، وأراسطواطس األول، وسقريروس، وكان كل واحد من

    هؤالء ينتحل رأي أستاذه وهو رأي التجربة، ومل يزل الطب ينتقل من هؤالء إىل من علموه من ولد .ىل أن ظهروقريب إ

    مينس ومينس هو الثالث من األطباء املشهورين الثمانية الذين تقدم ذكرهم، وكانت مدة حياته أربعاً

  • ابن أيب أصيبعة-عيون األنباء يف طبقات األطباء 24

    ومثانني سنة منها صيب ومتعلم أربعاً وستني سنة، وعامل معلِّم عشرين سنة، وكان منذ وقت وفاة غورس غورس ومينس من األطباء املذكورين إىل ظهور مينس مخسمائة وستني سنة، وكان يف هذه الفترة اليت بني

    أبيقورس، وسقوريدوس الثاين، وأخطيفون، وأسقوريس، وراوس، واسفقلس، وموطيمس، وأفالطن األول الطبيب وإبرقاط الزول ابن غنوسيديقوس، وملا ظهر مينس نظر يف مقاالت من تقدم، فإذا التجربة

    ربة بال قياس ألا تكون خطراً؛ وملا تويف خلف خطأ عنده، فضم إليها القياس، وقال ال جيب أن تكون جتمن التالميذ أربعة وهم قطرطس، وأمينس، وسورانس، ومثيناوس القدمي، ورأي هؤالء القياس والتجربة، ومل يزل الطب ينتقل من هؤالء التالميذ إىل من علموه وخلفوه، إىل أن ظهر، برمانيدس وبرمانيدس هو

    الثمانية الذين تقدم ذكرهم، وكانت مدة حياته أربعني سنة، منه