ﺩْﻴِﺼﹶﻘﻟﺍ ﺞَُﻫَﻭ...١١ ، ﻲﻀﺎﻤﻟﺍ ﻥﺭﻘﻟﺍ ﺕﺎ...

264
١ ﹶﺼ ﺍﻟﻘ ¶ô Á ¹K?À א;pma&Y< אYð<ú 7 אíò Kא¥£ . ﺍﻟﺨﻁﻴﺏ ﻤﻭﺴﻰ ﺃﺤﻤﺩ

Upload: others

Post on 31-Jan-2020

4 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

١

وهج القصيد

א א א א

د أحمد موسى الخطيب. أ

٢

٣

وهج القصيد

א א א א

٤

العريب املقاوم دراسات يف الشعر: وهج القصيد

/ مؤلف من األردند أمحد موسى اخلطيب. أ

٢٠٠٩الطبعة األوىل،

حقوق الطبع حمفوظة

٥

حث العلمي جبامعة البترابعمادة الطبع بدعم من

. اآلراء الواردة يف هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن وجهة نظر اجلهة الداعمة

القصيدوهج

א א אא

د أحمد موسى الخطيب . أ

٦

٧

ياتالمـحــتـــو ــــوعـــــــــــوضـــالم لرقما

الصفحة

١٢-٩ الـمـقدمــــــة ١

نيويورك في عيون الشعراء العرب ٢. . . . . . א . א " א " א

٤٦-١٤

لمقاومةظواھر حديثة في شعر ا ٣. . . . . . . . . . . . א .

٩٢-٤٨

انتفاضة األقصى في األدب ٤ . . . . . . . . . א א .

א

١٣٠-٩٤

تداخل األجناس ٥ . . . . א . " א "

١٥٣- ١٣٢

صورة الشھيد الفلسطيني في الشعر العربي الحديث ٦. . . . . . . . . . א. א א א

١٦٨- ١٥٥

١٩١- ١٧٠ بين يدي ديوان االنتفاضة ٧

٢٣٠- ١٩٣ تجليات صورة المرأة في شعر إحسان عباس ٨

السمات اإلحيائية في تجربة الجواھري ٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . א.

٢٦٤- ٢٣٢

٨

٩

بسم اهللا الرحمن الرحيم اصر

ةـدمـقم

ي النصف الثاني من القرن ف "ماألدب المقاو"ة مصطلح الدراسات األدبي حقل لقد عرف

حيث بدأنا نقرأ ونسمع ،ات من القرن ذاته ه بدأ يتبلور وينتشر في الستينيولعل ، العشرين

،و " أدب المقاومة " ، و " شـاعـر المقاومة " ، مثـل " شعر المقاومة " ، مصطلحـات

فلسطين في مهاجرهم دباءوأ ، نجزونهفلسطين تحت االحتالل وما ي أدباء وكان المقصود

. أيضا

الشاعر العربي المعاصر ألن ؛جافي الحقيقةوي ، ةأو الفهم يفتقر إلى الدق وهذا القصد

مناسبة في كل الشعريةه ومشاركات ، في مقاومة هذا االحتالل البغيض كبير ة أسهم بدوربعام

ه في مقاومة دور كما كان لألدب العربي في لبنان بخاصة ، لكعلى أرض فلسطين تشهد بذ

ر ودوره مقد ، في سوريا –وما يزال –وكذلك كان شأن األدب ، االحتالل في جنوب لبنان

. في مقاومة االحتالل في الجوالن

، واالضطهاد ، والظلم ، بح ر القصو ع في هذا المفهوم ليشمل مقاومةويمكن التوس

. أو غير ذلك ، ما كان منها تحت االحتالل سواء ، على األرض العربية ، والتهميش

ألدب ا"ة العربية تحت مصطلح من التجارب األدبي تندرج كثير يمكن أن ، على هذا النحو

. م "قاوالم

المنشغلة بموضوع المقاومة ، المعاصرة الشعريةيدرس هذا الكتاب عددا من التجارب

مثل تجربة ، صريح فهناك تجارب شعرية منخرطة في المقاومة على نحو . بمعناها الواسع

ديثة لشعر المقاومة ذلك من التي قمنا من خاللها بدراسة الظواهر الح ، الشاعر أحمد الريماوي

. سها للمقاومة التي كر الشعريةخالل مجموعة أعماله

التي شكلت رة د الدوهي مراثي محم ، لمقاومبعينها من الشعر ا كما وقفنا عند تجربة

شعرية نظرا لما حظي به هذا الحدث من استجابات ، مة في تجربة الشعر المقاومهم محطة

١٠

ت دليل على ذلك ديوان محمد الدرة الضخم الذي تول وخير . على مستوى الوطن العربي واسعة

. ة ر إعالنها عن جائزتها ألحسن مرثيإث ، مؤسسة البابطين جمعه

صلة بانتفاضة المت الشعريةا من االستجابات جزءا مهم عديوإذا كان ديوان الدرة

التي ، الشعريةالتصدي لجمع التجارب فقد كان لنا شرف ، لثانيةوهي االنتفاضة ا ،األقصى

(ديوان وقد أطلقنا عليه .رجالح أال وهي انتفاضة، صاحبت انطالق االنتفاضة األولى

، ضافية ي هذا الديوان مقدمةدوجعلنا بين ي ، م١٩٩١وصدر منه طبعتان عام ،)االنتفاضة

- ا قد عقدنا العزم وكن . ة المتصلة بتجارب تلك االنتفاضةقضايا الفنيمن ال تناولنا فيها عددا

نترك بعدها أن رنانا آثولكن . يها من تلك المقدمة مستفيضة ننطلق ف على إعداد دراسة -حينها

فقد حظي الديوان بأكثر من دراسة أكاديمية ، وفي مدى علمنا . األمر لغيرنا من الدارسين

دارسات هذا ضمن نجعل هذه المقدمة نا أنيرأ ، لذا . الجامعات األردنية فحسب صة فيمتخص

انتباه المزيد من الدارسين إلى ديوان االنتفاضة الذي تلفنل كذلك ، الكتاب لما بينها من أواصر

. آنذاك العربية الشعريةنظرا لتمثيله لمعظم األصوات ، حقيقية لقصيدة االنتفاضة م صورةقد ذه التجارب خالد الكركي منسجمة مع ه وتأتي قراءتنا لحماسة الشهداء للدكتور

فقد حاولنا من خاللها تجلية "صورة الشهيد الفلسطيني في الشعر ، المنخرطة في المقاومة

، وفي زمنها ، كبير من األهمية في موضوعها الكركي على جانب ودراسة . العربي الحديث "

والشهيد في التراث العربي العربية تفتقر إلى مثل هذه الدراسة الشاملة لموضوع الشهادة لمكتبةفا

الملموس على قدرتهم م لهم الدليلن يقدشبابنا اآلن في مسيس الحاجة إلى م كما أن . الشعري

. فيه اإلنسانالمستلب من كرامة واسترداد ، ب صدع واقعهمأفي ر

، نا لديوان إبراهيم نصراهللا "فضيحة الثعلب "هذه التجارب دراست ضمنكما تندرج

رمزا لحضارة عدالتي ت ، الذي تناولناه من خالل موقف الشاعر العربي من مدينة "نيويورك "

وموقفها من قضايا ،وتقف في الخندق المعادي إلرادة شعوب العالم الثالث ، العولمة واالستقواء

األول وهي الداعم ، وقضية فلسطين بخاصة ليس بحاجة إلى بيان ، ية بعامةاألمة العرب

فنية للدور وقد جاء ديوان نصراهللا فضيحة . لسلطة االحتالل على أرض فلسطين واألكبر

وتجربة ، في رمزها الحضاري " نيويورك " ثلةمالواليات المتحدة مبه تنهض الرديء الذي

يأتي من وهو وعد ، ووعدا بهزيمة الشر وانتصار الخير ، دورها وإرادتها صارخة بالمقاومة ل

. ة أفق اليقين ال من أفق األحالم المجاني

١١

، ات القرن الماضيق زهران " في خمسينينلقد كتب صالح عبد الصبور قصيدته " ش

حدثا تاريخيا مهما فيه واستحضر ، م ١٩٥٧عام "ه األول " الناس في بالديحيث أصدر ديوان

والوجدان ، قا غائرا في الوجدان الجمعي المصري بخاصة يوترك أثرا عم ، م ١٩٠٦تم عام

تعبيرا عن ، عرية عربية واسعة نظرا لما حظي به من استجابات ش ، الجمعي العربي بعامة

–نجليزي الذي نكل احة الظلم الذي وقع على قرية " دنشواي " المصرية على يد المحتل اإلفد

وكان الوطني الشاب محمود درويش زهران ، وممتلكاتها ،شبابها في – دون أدنى وجه حق

. في طليعة الضحايا الشهداء

لينفخ في ، وما ارتبط به ، ف هذا الحدثالشاعر عبد الصبور يوظ في أن وال شك

ويتجلى ، الستشهاداو ، والتحدي ، هةحرضا على المواجالوجدان العربي بعد نكبة فلسطين م

حيث يقول : ، هذا الموقف في الجزء األخير من قصيدته

ا للحياهـكان زهران صديق

اه حياهـوعين مات زهران

قريتي تخشى الحياه؟ فلماذا

يرزح تحت االحتالل والعراق ، م١٩٤٧فقد كتبها عام ، أما مقصورة الجواهري

ان دية في الوجمدو صرخة والقصيدة . الجتماعي ذروتهاحيث بلغ الفساد السياسي و ،البريطاني

وتسوقه إلى ، وتعتصره ، هوخلع عباءة الذل التي تلف ، قي بخاصة لتحريضه على اليقظةاالعر

. صحاب النزوات والشهواتوعرضا مستباحا أل ، وتجعله لقمة سائغة لكل مغامر ، حتفه

وله :ومنها ق

تساق إلى حتفها بالعصا متى ترعوي أمة بالعــراق

ويعرقها الذل عرق اللحا تذر على الضيم ذرو الهشيم

كما دحرجت كرة ترتمى وتنـــزو بهـــا شـــهوة

الوجدان نار الغضب في جوتأجي ، صيرةبوالجواهري ال يكتفي برصد واقعه بعينه ال

فيقول : ، ظر د مصيره المنتويحد ، م رؤيته لهذا الواقعبل يقد ، العراقي

وكل مطاف إلى منتــهى لشر النهايات هذا " المطاف "

١٢

المقاومة الشعريةر حديثنا عن التجارب ثإ الشعريةويأتي تناولنا لتجربة إحسان عباس

شعريا مع نكبة فلسطين ف حسان قد توقإذا كان إو ، مها هذا الكتابالتي ض مباشر على نحو

بداعية أخرى أقدر إلى أجناس أدبية وأدوات إه وجد أن المرحلة بحاجة فذاك ألن ، م١٩٤٨عام

لقد غنى ، سقا مع طبيعة المرحلةرومانسي متغناؤه ال عديفلم ، الواقع بلمطال على االستجابة

عين ( ده قريتهسالذي تج ، يشيد فيه بعالم الريف الرعوي ، نسي عقدا من السنينناءه الروماغ

عالم ، لم المثالي الذي نشأ فيه وترعرع اه العنإ، وحبيبته الراعية المثالية هناك ، غزال )

، حين خرج من قريته المحدودة ، بالخطر يتهدده هذا العالم الذي أحس ، م العليايالمثل والق

إليه حين ارتطم هذا العالم الذي بدأ يفتقر ، وصفد االمدينة بعالمها المفتوح في حيف ما شطريمم

. ) العالم المثال أركاديا(كان عليه أن يدافع عن ، لذا .تشوهاته الحضارية بعالم المدينة بكل

الذي يتهدد عالم القيم ومة للقبحإنما هو مقا ، لم المدينة آنذاكاعرية إحسان لعت، إذا

. ال بالقرية والريف في المجتمع الفلسطيني مثم ، واألخالق

فكل تجربة منها ، أما بالنسبة للمنهج الذي سلكناه في دراسة هذه التجارب المتنوعة

. ولم نلتزم منهجا بعينه في دراستها ، ألنسباألليق بها وافرضت المنهج األولى و

، ميكون هذا الكتاب إضافة نوعية إلى مكتبة دراسات األدب العربي المقاو ونأمل أن

تحتذى في م بخاصة كيفيةوالشعر المقاو ، لعربي بعامةايجد فيه دارسو الشعر ونرجو أن

، ب النصوصبعيدا عن األحكام الجاهزة والمناهج السياقية التي تغي ، دراسة النص الشعري

وهو في حقيقة ، ه قد درس كل شيءالذي يوهم الباحث أن ، عن التناول األفقي للنص يداوبع

. األمر لم يدرس شيئا

، والمشغولة بالنصوص فحسب ، من الدراسات التي تنحو منحى رأسيا فهذه مجموعة

. والنفاذ عميقا إلى عروق الكالم ، وتعمل على تجاوز سطوح التجارب

الخطيب موسى أحمد

٢٠٠٩/ يونيوعمان /

١٣

١٤

برعراء العيون الشويورك في عني

نموذجاصر اهللا أراهيم نضيحة الثعلب" إلب"ف قصيدة

١٥

١٦

العربي والمدينة: الشاعر

ل الذي يشك موضوعاته الجديدة، المدينة في الشعر العربي المعاصر أحد موضوع عدي

على مستوى التشكيل –ولكنه قاسما مشتركا لمعظم الشعراء، -على مستوى الموضوع–

ة، وموقف اإلنسان العربي بعام . إلى آخرله خصوصيته التي تميزه من شاعر - والرؤية

ففي عصور البداوة كان العربي ال يتعاطف والشاعر العربي بخاصة من المدينة ليس جديدا،

. ق عالم الصحراء بكل مفرداته وأطيافه*مع المدينة، ويتعش

. هذا الموضوع يأتي اآلن نتيجة االنهماك العميق في روح العصر والحضارة ومثل

، هو دافع خارجي، جاء الدافع األول لهذا االهتمام أن )١(الدين إسماعيل يظن الدكتور عزو

، وبقصيدة "األرض الخراب" إلليوت لتأثر الشعراء المعاصرين بنماذج من الشعر الغربي نتيجة

بخاصة، بما يشيع فيها من نقمة على وجه الحضارة الحديثة، وما أحدثته من تمزق للنفس

، )٢(را، منذ أوائل حركة التجديد األخيرنسانية، وللعالقات اإلنسانية، وقد ظهر هذا التأثير مبكاإل

. )٣(ثم شاع واستفاض بين الشعراء، سواء منهم من قرأ إليوت، ومن لم يقرأه

ل موقفا من الحرب العالمية األولى، قصيدة "األرض الخراب" تشك ونحن نعلم أن

، والتقدم العلمي للنهضة الصناعية ، تلك الحرب التي جاءت نتيجة لهاوويالتها، وإدانة

مستقبلية مؤلمة للعالم على امتداد القرن ، وقدمت تلك القصيدة رؤية والمعرفي في الغرب

المدينة هي إال إذا وضعنا في االعتبار أن ، اللهم لم تكن موقفا من المدينة فالقصيدة . العشرين

. رة والتحضالمدني رمز

إحسان عباس فكرة تقليد الشاعر العربي للشاعر الغربي في تعبيره عن لذا، رفض

ل غيره من كون هذا الدافع الخارجي كما قل . )٤(الصدمة الحضارية التي أحسها في المدينة

الحضاري الحياة التي يمارسونها، واإلطار ظروف فالبد من أن تبريرا نهائيا لهذه الظاهرة،

الشعراء، هي التي التجربة التي يعانيها هؤالء ، وواقع الذي يعيش فيه شعراؤنا المعاصرون

. )٥(ارتفعت بهذا الموضوع إلى مستوى االهتمام

الموقف من المدينة عند الشاعر العربي (الوافد من الريف) هو ورأى إحسان عباس أن

كما –العديد من الشعراء المعاصرين وال سيما أن . )٦(ديدةعن "عدم األلفة" بينه والبيئة الج تعبير

١٧

يجعل منها ، وأن ى الشاعر العربي الرومانسي بالقريةيتغن فال غرابة أن . ريفيو النشأة -نعلم

ا بديال أو يجعل منها مجتمعا مثالي ، وأن ه في المدينةالذا ومهربا، بعيدا عن واقعه المشوم

بها ساكن المدينة اإلحباطات التي يحس ويرى علماء االجتماع أن . النقي ه غيرموازيا لواقع

في قاء" المعنويبفقدان "الن األولى متصلة فالصدمة . . إنما هي نتيجة صراع أساسي بين القيم

. )٧(عميق إلى صفاء الريف، وبعده عن الرذائل المدينة، يوازيها حنين

إلى الريف من المدينة، والحنين يمتزج النفور زعة الرومنسية أنلذا، ال غرابة في الن

. وإلى الطفولة، باعتبارهما عالما مثاليا شديد النقاء مع الحنين إلى األم

"وقد ظل هذا الحنين إلى القرية ينازع الشاعر العربي، ولم يتخلص منه، إال بعد عناء

عن ذلك الحنين لذاتها، ومستقلة عر العربي خالصةالمدينة في الش ثم صارت تجربة . كثير

بعامة والمدينة، أو بين الشاعر العربي بخاصة والمدينة بين العربي وهذه المصالحة . )٨(القديم

ينأى عن صحرائه الحبيبة، رنا بموقفهما من المدينة في العصر العباسي، حين أخذ العربيتذك

العراق، عين العالم، وكانت بغداد كان العراق فيه عين ي زمنالمدينة ف ه شطروبدأ يولي وجه

بهرة، وحينها غدت مفردات الصحراء ال ل "فاترينة" العالم الممن البصرة والكوفة يمث كل توكان

ذات طوابع مدنية، تمتح حضارته الجديدة، وهي حضارة حياته، فجعل يصوغ ل مقوماتتشك

ر موقف العربي من المدينة، وظهر ذلك في نتاج تغي عندئذ . مدينةقيمها من عالم ال منظومة

هم للبداوة، وكان أبو قهم بهذه الحياة الحضرية، ورفضدون على تعلالشعراء، حيث أخذوا يؤك

. عن البيان ه من موضوعة الطلل غنيدليل على ذلك، وموقف نواس خير

يات هذا ع في تجلالحظ مدى التنومن المدينة يالمعاصر لموقف الشاعر العربي لوالمتأم

. )٩(د أطيافه، ومدى تداخل حدوده وافتراقها عند الشعراء العرب المعاصرينالموضوع وتعد

هذه المدينة تأكل هزائمه ومصائبه وجوعه؛ ألن عن كل مسؤولة ويالحظ كيف اعتبرها الشاعر

يرفض أبناءه، وينفيهم للحلم الوطن، فهي وطن مزيفة أبناءها وتاريخها، وكيف اعتبرها صورة

. )١٠(الذات عن نفسها، ال غربة المسافات إلى مواطن الغربة، غربة

١٨

بالعديد من التجارب، التي جاءت تعبيرا عن موقف وقد حفل شعر الحداثة العربي

. يروت، عمانب دمشق، القاهرة، من العواصم العربية، مثل : بغداد، الشاعر العربي من عدد

. ل رمزا للحياة العربية المعاصرة، وتختزل طبيعة المرحلةتلك العواصم التي تشك

عن موقفه من المدينة الغربية في العديد من تجاربه، كما عبر شاعر الحداثة العربي

ربي بنارها اإلنسان الع باعتبارها رمزا للحضارة المادية الغربية، تلك الحضارة التي لم يكتو

الحضارة الغربية، الذين رأوا حضارتهم المادية، وهي تجور وحسب، بل عانى من ويالتها أبناء

بعيدا عن ذاته على أرواحهم، وتنشر الخوف والفزع والظلم على امتداد األرض، وتنفي اإلنسان

رأوها باستخدام العلم والتكنولوجيا، لقد رأوا حضارتهم وهي تزور الحقائق . يم وجودهوق

. ه من أكاذيبلفقوسمعوها وهي تكذب، وتصدق ما ت

األكثر حضورا في تجارب شعرائنا لندن، وباريس، ونيويورك، هي المدن ولعل

أخرى، من جهة ونها مراكز االستعمار من جهة، والفساد والخواء الروحييعدالمعاصرين، التي

السياب عن لندن:حقيقي، كما يقول زائف، وغير شيء حيث كل

هنا ال طير في األغصان تشدو غير أطيار . . .

من الفوالذ تهدر أو تحمحم دونما خوف من المطر

وال أزهار إال خلف واجهة زجاجية

يراح إلى المقابر والسجون بهن والمستشفيات

أال يا بائع الزهر

)١١(؟ . . أعندك زهرة حية

م زحام الشوارع والمدن، وحيث يموت وحيدا، غريبا، حيث يعيش اإلنسان وحيدا رغ

منفيا، مقهورا، كما تقول فدوى طوقان عن لندن:

وتلقفني في المدينة هذي الشوارع واألرصفة

مع الناس يجرفني مدها البشري

أموج مع الموج فيها، على السطح أبقى بغير تماس

ويكتسح المد هذي الشوارع واألرصفة

جوه، وجوه ، وجوه تموجوجوه، و

١٩

بغير تماس . . على السطح يقطن فيها اليباس وتبقى

هنا االقتراب بغير اقتراب

)١٢(وال شيء إال حضور الغياب

ما أبدى الشاعر العربي تعاطفا مع موسكو، وبرلين، وروما، ورب الثالث ويلي تلك المدن

القاسم المشترك لموقف الشاعر العربي بعضها، نظرا لموقفها السياسي من قضايا أمته، ولكن

عن القيم إنسانيا، وبعيدة مشوهة ها مدينةه ينظر إليها على أنالمعاصر من المدينة الغربية، هو أن

لتراجع الحضارة اإلنسانية الروحي، أو هي مؤشر ، والتراجعم الماديالتقد ها مدينةالروحية، وأن

. هاوسقوط

ونيويوركالشاعر العربي

غربية به عاصمة من شعرائنا، لم تحظ مدينة نيويورك قد حظيت باهتمام خاص ولعل

شعراء المرحلة، أمثال: الفيتوري، وأحمد عبد المعطي حجازي، أخرى، والتفت إليها أكابر

. . ومحمود درويش، وأدونيس، وإبراهيم نصر اهللا

–سياسية واقتصادية وعسكرية اعتبارها قوةب-ظهور الواليات المتحدة وال يخفى أن

ظهورها ارتبط بمصائب أمتنا، على المسرح الدولي جاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأن

)، وقد كانت أمريكا ٢٠٠٣باحتالل العراق وتدميره ( )، وانتهاء١٩٤٨ءا من نكبة فلسطين (دب

. ا، وال تتوانى عن إضعافها، ودعم أعدائهاتنعادي ألمطوال هذا الفترة في الخندق الم

وال يختلف اثنان في زعامة الواليات المتحدة للعالم خالل نصف القرن الماضي، وأن

ها األول واألكبر، فأصبحت هي الوريث ك االتحاد السوفياتي، عدوست بعد تفكهذه الزعامة تكر

. الوحيد لالستعمار القديم

بل لفرض نموذجها الثقافي على الس ي سعي الواليات المتحدة بكلكما ال يختلف اثنان ف

إعالمية عرف بمد العولمة، يدعمها في ذلك آلةة، فيما يالعالم الثالث بخاص ة، ودولالعالم بعام

. . عسكرية متفردة طائشة اقتصادية ال نظير لها، وقدرة هائلة، وقوة

٢٠

- في الوقت نفسه– نأخذ به، ونقبض منه، علينا أن مفر را، وواقعا الفغدت العولمة قد

نا ، ونقمةمنيت به أمت ها على هذا النحو ابتالءوكان ظهور . . ر الهوية والروح والقيممعلى ج

. حقوقنا المشروعة نا، ضدعانت منها وما زالت تعاني، نظرا النحيازها لعدو

د أقامت حضارتها ومدنيتها على جماجم ماليين أمريكا ق ويعلم القاصي والداني أن

الصهيوني على أرض فلسطين، لذا، فهي تدعم الوجود . رمالسكان األصليين من الهنود الح

ك من يتمس األرض وتفريغها من سكانها، وإبادة الذي يؤمن بسياسة األرض المحروقة، وإخالء

. بها من أهلها

رمز حضارتها، وهي نموذجها األعلى، الذي يختزل ، و أمريكا ونيويورك هي حاضرة

األسمنت، واإلسفلت، والمال، التي ال نبض فيها، وال حياة، قسماتها ومالمحها، فهي مدينة كل

"هارلم" وعبيد حاولت تمثيل ذلك، فما زال فقراء وال دفء، وال احترام آلدمية اإلنسان، وإن

. قيمة يف حضارتها المادية المفرغة من كلفي جبينها، ودليال على ز أمريكا وصمة

ر فيه عن هموم المثقف أ للشاعر العربي موضوعا شعريا مهما وخصبا، يعبكل هذا هي

. وهو موقف أكثر تركيبا وتعقيدا من موقف الشاعر العربي من المدينة بعامة . العربي ومعاناته

:الموت الملعونة عند محمد الفيتوري فهي غابة

نيويورك يا غابة الموت

ملعونة كيف أنت

فهذا الذي لطخته يداك

)٤٩٦(ديوانه، ص )١٤(. . جبينك أنت

فهذه إدانة لنيويورك "رمز حضارة اليانكي، التي قتلت الزنجي األسود، الذي بناها بعرقه

. )١٥(رت على عرقه وجهده"ت، وتطووكفاحه، ثم صادرت حقوقه، ونم

٢١

د المعطي حجازي على الخواء الروحي لنيويورك، وطغيان المظاهر ويركز أحمد عب

، فما نراه فيها من بريق خادع للحضارة ، ليس حقيقة سوى ة فيها، وتراجع إنسانية المرءالمادي

مية لروح اإلنسان: مشاهد عد

اآلن أنت في نيويورك . . .

قضيت سهرة طائشة

. . ثم خرجت تبحثين عن هالل رمضان

في الرقع التي تبقت من ثياب اهللا . .

فوق الناطحات والدمى

)١٦(والالفتات والدخان

محمود درويش لصديقه راشد حسين، الذي قتل في نيويورك، فقد جعل منها ا مرثيةأم

فهي ل قهاما لها بقتل صديقه، فهي مدينة الموت، الواعدة بالعدم، أو لنلنيويورك، وات إدانة

م، المتجسد في شوارعها ومعالمها، وغياب الجمال الحقيقي منها:حضارة الموت المتجه

. كانت نيويورك في تابوتها الرسمي تدعونا إلى تابوتها

في الشارع الخامس حياني، بكى

)١٧(. مال على نافورة اإلسمنت، ال صفصاف في نيويورك، أبكاني

نيويورك لم تكن في بؤرة شعوره، فقد ديقه، ويبدو أنكان درويش منهمكا في رثاء ص

ها طويلة، وكان دعن يمكن أن حضرت حضورا مقتضبا سريعا في أربعة مواضع من قصيدة

ه بالوحدة س إحساسحضورها يكر في ال شعوره، وأن هاجسها موجود حضورها يعني أن

والعزلة والعدمية:

شاحبا كالشمس في نيويورك

من أين يمر القلب؟ هل في غابة اإلسمنت ريش لحمام؟

والفجر ال يلسع . وبريدي فارغ

)١٨(. والنجمة ال تلمع في هذا الزحام

التي ، " /طباق) المهداة إلى صديقه (إدوارد سعيد) والمشغولة به٤أما قصيدته (منفى "

حضورا فيها من د كانت نيويورك أكثر(كزهر اللوز أو أبعد) ، فق الشعريةختم بها آخر دواوينه

. قصيدته السابقة

٢٢

) . . . يحاور فيها صديقه (إدوارد) الذي (يحب بالدا ، ويرحل عنها فهي قصيدة

م) ، ٢٠٠٢به ثانية في المكان نفسه عام ( ولقيه في نيويورك منذ ثالثين عاما ، ثم عاود اللقاء

. يل رحيل (إدوارد) بوذلك ق

، والجذور، والتشكل، والهوية، والحلم، بأسئلة الغربة وجاءت القصيدة مشحونة

. . . والمستقبل

وبكثافة الشعر، وقدرته الفائقة على الومض واالختزال ، أعلن درويش عن موقفه من

ففي استهالل القصيدة يوهمنا بحيرته أمامها .نيويورك في بعض المواضع من قصيدته الطويلة

ويتساءل : " هل هذه بابل أم سدوم؟" وهو . على طريقة (تجاهل العارف) في البالغة العربية

على يقين من حقيقتها ، ألنه يختمها بقوله :

"عندما زرته في سدوم الجديدة ،

في عام ألفين واثنين ، كان

يقاوم حرب سدوم على أهل بابل

لسرطان معا "وا

وجاء ذلك في عبارة . ن يعرف حقيقتهام وسكانها األصليون خير ، إنها سدوم الجديدة/الملعونة

وفلسفتها في تأسيس حضارتها ، وعلى فساد ، ها البعيدة على حقيقة سدوملها داللت خاطفة

حضارتها الحديثة وزيفها :

هنودا " ولكن سمعت

قدامى ينادونني :

ال تثق بالحصان ، وال بالحداثة "

داخلي (مونولوج) ، أما رؤيته لهذه الحضارة ، فقد جاءت في ومضة شعرية في ثنايا حوار

حيث يقول :

"فلنتقدم إذا !

كون التقدم جسر الرجوعقد ي

" . . إلى البربرية

و قبل أن يكتب كل من الفيتوري، و حجازي، و درويش، و نصر اهللا تجاربهم اللتي وقفنا

عندها، كتب أدونيس قصيدته "قبر من أجل نيويورك". و قد آثرنا تجاوز المسرد التاريخي في

٢٣

ى يكون الحديث عن تجربة أدونيس قريبا من الحديث عن تجربة نصر اهللا، و مهيئا التناول، حت

لها، نظرا لما بين التجربتين من تقاطعات و تقابالت ضمنية مهمة.

رت عن موقف م، هي أهم تجربة شعرية عب١٩٧١أدونيس التي كتبها عام قصيدة عدوت

) أربعا وعشرين صفحة من ٢٤شغلت القصيدة (فقد .الشاعر العربي الحداثي من هذه المدينة

للتعبير عن موقفه الشمولي من نيويورك، على المستوى ، وجعلها خالصة هو اسمي" "هذاديوانه

ها "ملحمة يعد مما حدا ببعض الدارسين أن . . ، واإلنساني، والثقافي ، والسياسي االجتماعي

شيء، جمع بين هارلم والفانتوم، ها أدونيس كلالمدينة في الشعر العربي الحديث، فقد جمع في

. . ، وولت ويتمان والبيت األبيض والهندي األحمر ، وماوتسي تونغ وغيفارا ودايان والنفط

، وهوشي منه وماركس ولينين وبين صاحب الزنج على بن محمد والنفري والمعري وفلسطين

، تكاد تحتوي تاريخ البشرية وجغرافيتها، لهذا المزيج الهائ إذانيويورك . . وعروة بن الورد

: نيكسون وبكاء ين: مرآة تعكس وجه وهذه واشنطن . ومع أنها مرآة ال تعكس إال واشنطن

. )١٩(". . نيويورك ليست لغوا بل كلمة ، إال أن العالم

ه كان مشغوال، إال أن الشعريةتجربته ، وضخامة ه، ودور ومع تقديرنا لصاحبها

، حريصا على تقديم أطيافه ، مشغوال بفضح واقع نيويورك بكل بالفكرة كثيرا في هذه القصيدة

ها، ولنأخذ جاللغة وتوه على حساب شعرية - أحيانا–جاء ذلك ، ال يبالي إن معرفية دسمة وجبة

: مثال قوله

ورأيت: . . "

بتسبورج (انترناشينال بويتري –أينما كنت

رم)، جون هوبكنز (واشنطن)،فو

هارفارد (كمبردج، بوسطن)، آن

آربر (ميتشغن، ديترويت) نادي

الصحافة األجنبية، النادي العربي في

مقر األمم المتحدة (نيويورك)

. )٢٠(. . برنستون، تمبل فيالدلفيا

ه ساخرا من راهن األمة العربية:من هذا قول وقريب

٢٤

هه؟ نهيء الحرب الثالثة، ونقيم المكاتب . هو العالم ينضج بين أيدينا وها . . "

األولى والثانية والثالثة والرابعة لنتأكد:

في تلك الناحية حفلة جاز - ١

في هذا البيت شخص ال يملك غير الحبر، - ٢

في هذه الشجرة عصفور يغني، - ٣

ولنعلن:

الفضاء يقاس بالقفص أو بالجدار، - ١

و بالسوط،الزمن يقاس بالحبل أ - ٢

النظام الذي يبني العالم هو الذي يبدأ بقتل األخ، - ٣

)٢١(القمر والشمس درهمان يلمعان تحت كرسي السلطان - ٤

جة شعريا، التي تحملها وبالرغم من ذلك، فالقصيدة تحفل بالعديد من المواضع المتوه

: بعيدا عن تلك التقريرية، التي لمسنا بعضا منها، مثل قوله قلتحل

ارلم""ه

ليس للمجاعة غير . ، أعرف خبزه الطيب لست آتيا من الخارج: أعرف حقدك

ألمح نارك تتقدم تحت . الرعد المفاجئ، ليس للسجون غير صاعقة العنف

، يحضنها عرش الهواء اإلسفلت في خراطيم وأقنعة، في أكداس من النفايات

". . البارد، في خطوات منبوذة تنتعل تاريخ الريح

، هذا الرمز في رمزها نيويورك ي حضارة أمريكا ممثلة، وهو يعر هشنا أدونيسيد

من ه يضم، إن هتضم أخرى في العالم أن لمدينة لب، وتناقضات ال ق الذي جمع خليطا عجيبا

، والسرير عناصر الفناء أكثر مما يحوي من عناصر البقاء والحياة، "نيويورك امرأة من القش

، كل حركة رفش ، وها هو السقف يهترئ : كل كلمة إشارة سقوط جح بين الفراغ والفراغيتأر

"..أو فأس

٢٥

مفزعة لهذا الواقع الحضاري المتأرجح بين الفراغ والفراغ، هكذا يقدم أدونيس رؤية

. وشك على السقوط واالنهيارالم

هبا إلى الوحل آتيا من الوحل والجريمة، ذا =SUBWAY + I .B .M"نيويورك

. والجريمة

هارلم، . نيويورك = ثقبا في الغالف األرضي ينبجس منه الجنون أنهارا أنهارا

. نيويورك تحتضر، وأنت الساعة"

كما يراها –نة بالزوال ؤذوال نكاد نغادر هذه الصورة المدهشة لهذه الحضارة الم

بين نيويورك (الكلمة) والعواصم العربية حتى يرجنا بعنف وقسوة، حين يقارن -أدونيس

فعلى الرغم من احتضار تلك الحضارة، . . (اللغو)، بين الفعل والالفعل ، بين الحضور والغياب

األمريكي في العالم؟ أليست هي سيادة النموذج الثقافي أليست العولمة . ها فعل ال لغوإال أن

ئنا أم أبينا؟ هذه هي ش . . واقتصاديا، وعسكريا، وإعالمياأمريكا هي صاحبة اليد العليا سياسيا،

فهي مجرد . من الحبر ولم تعد) مرة الحقيقة الماثلة أمامنا، أما عواصمنا العربية فقد (خرجت

. . لغو، وال تزال أصواتا وشيئا من الريح

ها كلمة تتردى، ولكنكان أدونيس قاسيا وجارحا في هذه المفارقة الساخرة بين حضارة

غارق في اللغو والغياب: ال لغو، وبين واقع عربي

مع ذلك، ليست نيويورك لغوا بل كلمة، لكن حين أكتب دمشق، . . "

ال تزال صوتا، . . بـل أقلد لغوا، دال ميم شين قاف . ال أكتب كلمـة

الزمن واقف . خرجت مرة من الحبر ولم تعد . أعني شيئا مـن الريح

حارسا على العتبة يسأل: متى تعود؟ متى تدخل؟ كذلك بيروت القاهرة

؟. . بغداد لغو شامل كهباء الشمس

ل كلمة، كلمة ملعونة هي د في عالقاته ليشكيتحقق اللغو ويتحد بين أن "فالمسافة شاسعة

. )٢٢(نيويوك، ولكنها كلمة"

٢٦

إبراهيم نصر اهللا ونيويورك:

، ووسمته الشاعر إبراهيم نصر اهللا "فضيحة الثعلب" التي شغلت ديوانه قصيدة أما

من وهي موقف . الموقف من المدينة في الشعر العربي الحديث ملحمة باالسم ذاته، فهي بحق

الذي يختزل كل ، (نيويورك) ال في نموذجها الفذثم، م(U .S .A)النموذج الحضاري األمريكي

. وعاهاتهامالمحها

ها ولكن ، من أجل نيويورك) مع تجربة أدونيس (قبر وقد نجد في هذه التجربة تقاطعات

. في بابها على مستوى الموقف والرؤية وأدوات التشكيل فريدة قصيدة تظل

أخرى، دراسة معنيا في هذا الدراسة بالمقارنة بين التجربتين، فهذا موضوع ولست

على العالقة المدهشة بين الموقف والرؤية وأدوات التشكيل م هذه الدراسة سينصباهتما ولكن

. عند نصر اهللا في هذه التجربة

، ونيويورك بخاصة مثل في الشعر العربي الحديث أدانت المدينة بعامة قصيدة ال أظن

ها، يرصد تفاصيل، ةعلى هذه الحضارة المادي ل فيها إلى شاهدلقد تحو . قصيدة نصر اهللا

االتساق لغوية جاءت شديدة ، وتشكيالت ، في تنوعات مدهشة ومالمحها، ويقلبها ظهرا لبطن

، ولم تتحول إلى تقرير ، ولكنها لم تفقد جذوتها واشتعالها هطالت قصيدت . مع موقفه ورؤيته

لها في بنية حلزونية شك، ي دا لهذا التجربةمنها، فقد ظل نصر اهللا محتش موضع في أي خبري

زة، وبذلك نجح في تقديم تجربة متمي . مدهشة، قابضا على جمر الشعر، مصطليا بناره ووهجه

، قيتة، التي اتسم بها معظم شعرنا العربي في هذه الحقبة األدبيةنأى بها عن تلك التجريدية الم

ومع أن حياتنا الراهنة تضج . مجردة باردة ففي الكثير من تجاربه ال يصدر إال عن ذهنية

وإن معظم ما . من كوكب آخر ها آتيةفإن الكثير من نصوصنا تبدو وكأن باالنكسارات المدوية،

ه نثرا رخوا يفتقر إلى اللغة المزدهرة، واألداء المفعم بالمفاجآت، والتصميم و كونيعديكتب ال

. "**. . الداخلي الطلق، وغنائية األسى

أطياف موقفه من نيويورك، ولكننا سنحاول تسمح مثل هذه الدراسة بالوقوف على كلال

. إلى تجلية رؤيته رصد الخطوط العامة لذلك، لنفرغ من ثم

٢٧

، فالعنوان ، يالحظ أن العنوان جاء تكثيفا للنص إن المتأمل لديوان فضيحة الثعلب

، جعل منهما أحدهما إلى اآلخر إضافة لكنو ، الثعلب)(، و )ن، هما (فضيحةييتألف من دال

.ه من اآلخرمنهما يمتح مدلول ، وكل (بالمضاف إليه) خاص األول المضاف واحدة، فالدال كلمة

ه صا باإلضافة، إيحاء بأنفا (بأل) ومخصعرللثعلب، الذي جاء م وفضح فهذه القصيدة إدانة

وعد بفضيحة لمن يستحقها، وأنه فالعنوان . (الفضيحة) بتلك اإلدانة معروف، وأنه جدير

على هذا النحو جاء العنوان عتبة . بطبيعته المستحقة، يعفي الشاعر من الحرج في اإلدانة

كما جاء "رسالة إجبارية موجهة إلى المتلقي، تستقطبه نحو النص، . للنص، واختزاال له

. )٢٣(وتستغويه، وتوجهه إلى مقصدية المؤلف"

فكما حرص الشعراء على تقديم تلك الصورة المكرسة لوجه المدينة، من خالل الحديث

العالقات اإلنسانية الحميمة اآللية فيها، وغياب قفرة، والوسائلها المها الشاهقة، وشوارعيعن مبان

ج والزينة، الناس فيها بعامل الزمن، باإلضافة إلى غرقها في زيف البهر بين سكانها، وإحساس

خطوطها لعوب مفتونة بنفسها، كذلك حرص نصر اهللا على رسم تلك الصورة بكل كأنها امرأة

. تسجيله لهذه المالمح أثناء من األسى واإلحساس بالغربة وتسري نبرة . . وألوانها وتضاريسها

لهذه الحضارة السرابية: هذه الصورة التي تقطر أسى لتأم

على أحد"ال أحد يتكئ فيك

والطوابق سباق القتلة لالبتعاد عن

األرض المشبعة بالصرخات والدم

الباحث عنك لن يجد روحه،

. . والحامل إليك ورده

لن يجد سوى شاهدة القبر

ظاللك يابسة على الكتف العاري

)٥٩٣وشوارعك ال توصل أحدا" (فضيحة الثعلب ص

ولكن . . ، وشمس، وعشب يها، من صباحمواطن للجمال ف وال ينكر نصر اهللا وجود

الموقف: دسي ل هذا الجمال، فيظل القبحالحضارة بآالتها وزحامها يحول دون تأم لألسف بشاعة

"عربات تمأل المكان

٢٨

وتتزاحم في الحلق

أيها الرجل،

ثمة صباح هنا في الضواحي

أترى؟ . . ثمة شمس

أيتها المرأة،

ثمة عشب هنا

ن؟هل تالحظي

أيها الشرطي،

)٦٠٢كيف تسمحون للعمي بقيادة العربات؟ (فضيحة الثعلب ص

درويش في قصيدته "من روميات أبي فراس الشاعر هنا بصياغات رنا تشكيالتوتذك

. )٢٤(الحمداني"

، يحرص نصر اهللا على إبراز الطابع وفي أكثر من موضع في القصيدة / الديوان

مكان، وهي بذلك تلغي للمزيد من دماء الضحايا في كل ، المتعطشة لهذه الحضارة العسكري

باستمرار: خاسرة هم إلى حروبهم، تسوقأبنائها وإنسانيت آدمية

"أيها الجندي،

أيها العمر األخضر المرهون للجنراالت،

من علمك أن القنبلة أجمل من الوردة،

. )٦٠٧ثعلب والرصاصة أكثر زهوا من البرعم؟ (فضيحة ال

ي النداء واالستفهام من تلك الصورة الممتدة، التي يحاور فيها الشاعروقد اكتفينا بصيغت

. أبناؤها أول ضحاياها عديو . . ة والقتل والدمركسهذه الحضارة القائمة على الع أبناء

ى امتداد تجربته، فارقة علفي استخدام أسلوب الم كبير وقد كان نصر اهللا بارعا إلى حد

، وشهوة القتل للقتل نف هذه الحضارةه من عمثال سخريت ذخ . تقطر سخرية وأغلبها مفارقات

فيها:

"أيها النائم،

٢٩

استيقظ

واحجز مكانك في صف القتلى

ولتكن فكرتك عن الحياة أكثر ليونة

كي ال ترهق الرصاصة وهي تعبر جمجمتك

)٦٠٨الثعلب ص " (فضيحة - تلك وصية القاتل -

في سلسلة من -في أكثر من موضع–ويفتن نصر اهللا في تصوير بشاعة هذه الحضارة

الحالة:واألسى، ساعيا إلى تقديم صورة المدينة ارقاته المدهشة، المثيرة للسخرية مف

من أي اتجاه تدخل . . "

ستجد الظلمة

سيغض الشمس عنك . . تموز

ويطعن رئتيك بهوائه المتفسخ

ماليين النوافذ

والكل يموت اختناقا

ماليين الخطى

وال من إيقاع يرشد الروح إلى يومها التالي

ماليين الشفاه

. )٦٠٤-٦٠٣(فضيحة الثعلب / ص بال أغنية"

اإلنسان ، وتصبح حقوق الضحايا، كما تطول مبانيها في مثل هذه المدينة تطول قائمة

ذه حيرة! كيف تنادي هم ها لمفارقةإن . . ر أحالم المرهقين والكادحين والشرفاءسرابا، وتتبخ

؟ لم يصرح نصر اهللا بهذا، غة من معانيهامفر ، وهي بالديموقراطية وحقوق اإلنسانالحضارة

ة دون شكولكن الصورة الممتدة لقائمة المستضعفين تفصح عن هذه المفارقة الذهني

"أيها المتعب

ال مكان لك سوى هذه الشرنقة المنسوجة

من فضالت نيويورك

أيتها الفقيرة

٣٠

ال فساتين لك سوى هذا العري

. )١٦١- ٦١٥الذي تلقيه على جسدك "أوهايو" (فضيحة الثعلب / ص

من ه يخشى أن تند صورة، وكأن ، والشاعر، والزنجي ويوالي نداءاته إلى : الهندي

ها ال ينبي ، ظاهر ، التي يحلو له أن يخاطبها كامرأة هذه الحضارة عة في ظلصور القهر الفاق

عن حقيقتها:

"يا امرأة

يا ذهب المدينة اليتيم

يا ذهب األغنية الفقيرة

فيك الكثير من البحر

وال أراه . . اسمع موجك يدعوني

فيك الكثير من السهول

وال أراه . . يلفني زهرك البري بشغبه

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

)٦١٣وال أرى سوى ارتفاع الناطحات" (فضيحة الثعلب /

، من خالل اقتنائها بخيوط الحياة ث، تحاول أن تتشب الواعدة بالموت ارةفهذه الحض

فنية مختلفة، ، ومذاهب عديدة ة لكبار الفنانين التشكيليين، الذين ينتمون إلى أقطارلألعمال الفني

دى، محاولتها تذهب س ولكن . . من أمثال : فان جوخ، وجوجان، ومونيه، وبول كلي، وبيكاسو

. ، واإلسمنت وروعة اإلبداع وديمومته والقبح ، والفن تناغم بين الحياة والموتفال

كئا على لعبة النفي ت، م من التجربة ثالث صفحات وتمتد هذه الصورة لتستغرق

واإلثبات، التي يستدعيها هذا الموقف:

لم يكن "فان كوخ" وحيدا . . "

مع أزهار سوسنه

كي تحمليه إلى هنا

وتزيني به متاحفك الصامتة

(لن يزهر اإلسمنت)

٣١

. . . . . . . . . . . . .

لن يتقدم "غوغان"

كليدفع صفرة الموت عن وجه

فهو يعرف ما تحته

. . . . . . . . . . . . . . .

ولن يستطيع "بيكاسو" زراعة الحلم في مكعباتك

وأنت تحشرينه في الزوايا

أسراك الجميلون في المتاحف

)٦١٢- ٦١٠ونوا وجهتك" (فضيحة الثعلب / لن يك

ها قامت على اغتيال الطبيعة ؛ ألن بوالمبدعين حس اإلبداع فهذه الحضارة لم تغتل

والبراءة والجمال:

وغابة . . كان ثم فضاء هنا . . "

قبل أن تقولي للنجوم المضيئة في أعلى السماء:

كوني أضوائي الشاحبة أو الساطعة في ظلمة المكان

هذه العربة

لن تكون الجندب

هذه المروحية

)٥٩٧(فضيحة الثعلب ص لن تكون الفراشة

ه الصورة الغتيال البراءة، م هذليقد (Flash Back)ويستغل نصر اهللا تقنية االسترجاع

ها بسلسلة طويلة من أساليب النفي واإلثبات، التي تتعاور على امتداد صفحة كاملة، ويدعم

. ة، للتأكيد على وثوقية موقفه وما يذهب إليهزها بتلك التوازيات النحويويعز

حيةنكون ض ، فهي تسعى ألن وإذا كان الهندي األحمر هو ضحية قيام هذه الحضارة

نصر اهللا يقبل بالتشابه والتماثل بينه لهذا الزمن، ولكن رنكون الهنود الحم ازدهارها، وأن

، التشابه إلى المصير ذاته الذي لقيه الهندي األحمر يمتد ه يرفض أن، ولكن والهندي األحمر

فهو بذلك يطرح رؤيته باإلضافة إلى موقفه من هذه الحضارة:

٣٢

أيها الهندي األحمر . . "

أحبك

ولكني لن أكونك

ولن تكونني

-تلك وصيتي-

تشبهني في كل شيء

يا ابن النسر

يا ابن األيل

أيها الحصان المجنون

)٦٠٩" (فضيحة الثعلب/ تشبهني ولن أكونك

، حين يحاور اآلخر من الحضارة األمريكية شخصي ر عن موقفالشاعر يعب ولعل

، وأساليب النفي واإلثبات والتعليل، فيقول: مستغال إمكانات المفارقة

"U .S .A

لم أكن بحاجة إليك

لذا أتيت

كولم آت إلي

ألنني خارج لهاثك

)٦٠٥- ٦٠٤أدور حولك كفريسة يقظة" (فضيحة الثعلب /

يكون المقصود بضمير ؟ وهل يمكن أن تنامينسحب هذا الموقف على أ فهل يمكن أن

، ونحن نرى صور االستالب واإلذعان في ذلك المتكلم هو (نا) الفاعلين أو (النحن)؟ أشك

جيدا أين مكانها تدركر عن موقف النخبة المثقفة، التي لم تروض، وه يعبولعل . . ةوالاليقظ

. رة الصحيح على رقعة الشطرنج المحي

هذه المدينة / الحضارة/ المرأة في أمس الحاجة ولكن نصر اهللا يدهشنا حين يفاجئنا بأن

ق بجناح، تحل بدونه حضارة ناقصة للدينا ما ينقصها، وتظ ، ألن حميمي معه / معنا إلى لقاء

، لتلطف من ، وإلى رصيدنا الروحي ة إليناملح ها بحاجة، فذلك ألن ، فحين نذهب إليها واحد

٣٣

، باإلضافة إلى أسلوب التعليل ، وكان الموقف بحاجة ةاإليمان والمحب شة لسكينةماديتها المتعط

إلى أسلوب النفي:

. . "حين نلتقي

ني بحاجة للسمفونية التاسعةلن تكو

كي تنامي معها خلسة أو عالنية

ولن تكوني بحاجة إلى "فاغنر"

كي ترتعش حروف اسمك وتضيء

سأملؤك محبة

لتنسي من عذبك

وأملؤك عطشا بي

. )٦١٤لئال تعودي للوراء" (فضيحة الثعلب /

ه ، ولكن راها مثلهحضارة وع، الذي أدان هذه ال غاير تماما لموقف أدونيسم وهذا موقف

وعواصمنا (لغوا) ، كما سيختلف معه في سائر موقفه ورؤيته، فنصر اهللا يقف ، يراها (كلمة)

: ، حيث يقول باسم النخبة المثقفة ، وهجمتها العولمية يا في وجه هذه الحضارةواثقا متحد

. . "ما الذي سيقوله الشاعر إذن

في ظل ارتفاعك

. . يقف واثقا ويقرأ قصيدته غير أن

كأن لم تكوني هنا

)٦١٩" (فضيحة الثعلب . . ولن تكوني

عن تحديه، يشف المشغول بالعديد من األسئلة بسؤال متدالم ويختم هذا المشهد الحواري

، فيقول: ق رصيده الحضاري في مواجهة هذه الحضارةوثقته بتفو

ك به ويصيب؟وما السهم الذي يمكن أن يرمي

. . غير أن يعود كما جاء

ممتلئا بحب سيدته الطيبة

٣٤

ومدنه الصغيرة المتعبة

ي لهذه الحضارة، تحدالواثق الم ل نصر اهللا رؤيته من موقفين يسجوعلى امتداد صفحت

قراءته الواعية لراهن هذه الحضارة فبعد . شعرية عربية أخرى ه في تجربةوهذا ما لم نلمس

م هذه الرؤية، حيث يقد ، حق له أن ، وتعريته لسوءاتها وتشوهاتها إدانته لها يقتها، وبعدوحق

يقول مخاطبا إياها:

"ارحلي أيتها المدينة

. وال تطأي سماءه

ارحلي في انكسارك المتسارع

واحملي حريتك في القتل معك

. . وحريتك في القيد معك

، اللذين سيردفهما بسلسلة من أساليب النفي والنداء ألمر والنهيي ايات أسلوبتجل الحظ

، ومنها قوله: بين الرؤية والتشكيل مدهش ساقفي ات

"لن تتقدمي في لحمنا

أيتها النصل

لن تتقدمي في حلمنا

أيتها الكابوس

. . ولن تخدعي جراحنا بهذا الهدوء المثالي

)٦٢٠ " (فضيحة الثعلب. . لمبنى هيئة األمم

ويأتي ختام قصيدته ذروة موقفه ورؤيته، قائال:

"U .S .A

فلتصدقي إذن

أن للقصيدة سرها

ولألغنية سرها

٣٥

ولعباد الشمس سره

ولطفل المظاهرة آالف األسرار"

القنبلة العنقودية، أسرار عرف هذه الحضارةفكيف ت : ، والتساؤل مثير للدهشة وهذا أمر

بالوقوف على أسرار ها مشغولةنأل، وال تعرف أسرار الحياة؟ أ النووية، والطائرة الخفيةوالقنبلة

ها الحقيقة:؟ بل هو كذلك ، إن الموت وصناعته

ها الرئيس"أي

ال ترهق األغنية بسؤالك عن معناها

لن تفهم الوردة

ال ترهق الريح بسؤالك عن وجهتها

لن تعرف المستقبل"

ى هذا النحو يأتي عنوان القصيدة/الديوان "فضيحة الثعلب" شبيها بمطلع القصيدة، عل

، كما يأتي منسجما مع موقف الشاعر ورؤيته، فهذه لما ستبوح به التجربة م ترجمةالذي يقد

داعنا عن حقيقتها، وهي (كلمة) كما يقول أدونيس، لهذه الحضارة التي تحاول خ التجربة فضيحة

بعنوان قصيدة أدونيس (قبر من ، فهي جديرة ملعونة كما يقول عبد اهللا رضوان كلمة هاولكن

فمهما . بعدالة توزيع الموت ، ومشغولة ناء والموتمحكومة بالف ها حضارةأجل نيويورك)، ألن

من ها الثعلبية يمكن إدراكها بشيء، فحقيقت تستر زيفها ببريق الشعارات راوغت وحاولت أن

. ل والبصيرة النافذةتأمال

بذلك ما قاله الشاعر الكبير (لوركا) في مقدمة كتابه (شاعر في نيويورك) عام وشبيه

م بعد أن أمضى فيها عاما واحدا : " إن أول عنصرين يلمسهما الزائر في المدينة الكبيرة ١٩٣٠

فللوهلة األولى ، يمكن أن . سى الهندسة واأل . هما المعمار فوق اإلنساني ، واإليقاع المحموم

حين ينظر المرء في روية أكثر إلى آلية الحياة االجتماعية يختلط اإليقاع بالبهجة ، ولكن

واالستعباد المؤلم لإلنسان واآللة على السواء ، فسوف يرى أنها ليست سوى نوع من األسى

(***) . ضاء عنها "هروب يمكن اإلغ وسائل والعصابات الذي يجعل الجريمة

٣٦

إلى ملك هارلم) أي زعيم السود الذين له بعنوان (أنشودة وسنكتفي بمقطع من قصيدة

يقطنون حي (هارلم) ، حيث يقول :

" أواه يا هارلم ! أواه يا هارلم ! أواه يا هارم !

ليس هناك من أسى يعادل عينيك المسحوقتين

يعادل دماءك ترجف غاضبة داخل الخسوف المظلم

يعادل عنفك القاني األصم األبكم تحت ظالل األضواء

.) ٤٦(شاعر في نيويورك ، ص يعادل مليكك العظيم الذي يرتدي ثياب البوابين"

:التشكيل الثعلب"، كان مدهشا ومقنعا في ما كان نصر اهللا مدهشا في كشف فضائح " ربقد

ل إلى األدوات األولى ، ليتحو ، فهو ينتقل من حركة إلى أخرى داخل تجربته تشكيالته األسلوبية

هذه الحضارة، ر عن حالة التشظي والتمزق إلنسانيعب أن –مثال -، فحين أراد واألليق للتشكيل

، الذي أخذ على حد، هو المتكلم / الشاعر نفسهمن طرف وا لجأ إلى أسلوب الحوار، وهو حوار

، وجاءت لغته في سياقات لغوية ، وتلك الحضارة ة تبصير اآلخر بزيف ذلك الواقعهمنفسه م

فيها إلى تقديم ، في صورة ممتدة سعى رار والمفارقة، تتكئ على النهي واإلثبات والتك متوازية

المدينة الحالة:

" . . . .

الريح ال تتبعي خطى

ثمة هاوية

ال تتبعي خطى النهر

ثمة ملح

ال تتبعي خطى الشرطي

ثمة قتل

ال تتبعي خطى المغني

)٦٠٦ثمة آلة" (فضيحة الثعلب

٣٧

مدى وثوقية الشاعر من خالل ، والحظ المضارع في سيل سياقات النهي دور الحظ

ية من خالل هذا االحتشاد ، وكيف أثرى إيقاعاته الخارجية والداخل هذه المتوازيات النحوية

. ، الذي يمكن الوقوف على الكثير منه على امتداد التجربة األسلوبي

ها إن . من صور السخرية من هذه الحضارة الماضية إلى حتفها ولنأخذ مثال صورة

، والمفارقة بدور في ، والتوازي النحوي ، واالستثناء ، التي نهض النفي الخسارات حضارة

: تشكيلها

. . . "ال يمر في سمائك العصفور

إال ليبكي ساللته

ال يمر بك الهواء

إال ليلم براءة نشيد محروق

. . . . . .

ال يمر الجندي

إال ليتزود بالرصاص

ال يمر بك القاتل

)٥٩٧/٥٩٨" (فضيحة الثعلب ص . . إال ليقيم

، للتعبير عن حالة تشكيل المفارقةر لكثيف لصيغ النفي المكر وقد يلجأ إلى استخدام

البعثرة وفوضى الحواس إلنسان هذه الحضارة:

"لم أنم جيدا هذه الليلة

سيارات الشرطة

عصافير "سان دياجو" الوحيدة

لم تصمت طوال النهار

لم تصمت طوال الليل

في الفجر كانت تمر تحت شباكي

لم تكن الشمس قد أشرقت

٣٨

لم أكن قد صحوت

)٦٠٨نمت" (فضيحة الثعلب ص لم أكن قد

لم يطل ليلي لكن لم بشار بمزاجها المنطقي ( وتطيف بنا ونحن نقرأ هذا المقطع صورة

لقد سادت التجربة صيغة النفي بكل أطيافها، ويمكن مالحظة . ) وأظنها كانت تلح عليه. . . أنم

، وبدا هذا ارة المدانة، ألن القصيدة هي رفض لهذه الحض ذلك من خالل دراستنا للموقف

، والشاعر ال يستخدمه بصيغة واحدة، كما الحظنا األسلوب هو األولى بهذا الموقف الرافض لها

في النماذج الواردة في الدراسة، ويمكن الوقوف على العديد من تلك الصيغ على امتداد محاور

. الموقف والرؤية

، لم يجد خيرا من الشرط المكرر ارةفحين أراد التعبير عن خيبات إنسان هذه الحض

ما هو روحي وإنساني، فاألشياء فرغت من قيمتها وحقيقتها فال مكان في نيويورك لكل . المنفي

وجماليتها:

"لم تحمني الوردة

وإن كانت صديقي

لم يحمني الناي

وإن كان صدري

لم تحمني األغنية

وإن كانت رئتي

)٥٩٨رمحي وحائطي األخير" (فضيحة الثعلب ص ولم يحمني البحر وإن كان

. بالعجز في مواجهة هذا الواقع القاسي جمدج إنسان م بها صورةمدهشة يقد مفارقة

والقصيدة الحداثية في رأي بروكس هي بنية درامية تقوم أساسا على االستعارة والمجاز وتتسم

. )٢٥(بالمفارقة

نصر اهللا في توليدها أبرز عناصر النص التشكيلية، يفتنلقد كانت المفارقة من . نعم

فهو يحاول من خالل االتكاء على المفارقة إلى كشف . كبرى وتفجيرها، حتى غدا نصه مفارقة

ولعل اعتماده على . زيف في هذه الحضارة التضاد والتناقض بين ما هو حقيقة وما هو محض

٣٩

لفهم التناقضات، التي تقوم عليها الحضارة سيلةهذا الشكل التعبيري يجعل من المفارقة و

. األمريكية

لذا، فقد نهضت المفارقة بدور كبير في بناء القصيدة، العتماده عليها في التعبير عن

، يثير في نفوسنا إحساسا بالسخرية حينا، موقفه ورؤيته، كما منحت تجربته مذاقا خاصا مميزا

، نظرا لشعورنا بأن ثالثا يبعث في نفوسنا إحساسا شفيفا بالرضا ، وحينا والتشفي حينا آخر

ق "جوته" حين قال: إن المفارقة هي ذرة وصد . المفارقة قد أعادت إلى الحياة توازنها المفقود

. )٢٦(المذاق الملح التي تجعل الطعام مقبول

. من تلك المفارقات بعدد ، فقد حفلت الدراسة إلى المزيد من النماذج ولسنا بحاجة

لمحا أسلوبيا، لت مكم األساليب اإلنشائية الطلبية، التي شك هذا النص ويستوقف قارئ

من سيل ه إزاءنفس ، وقد وجد الشاعر للتساؤل فنيويورك مثيرة . الشاعر ورؤيته سق وموقفيت

لحة في فضح زيفها:رغبته المر عن موقفه إزاءها، وعن ، التي تعب رةاألسئلة المحي

"من يسكن الغرفة المجاورة؟

من يعرف الطريق إلى الحقل؟

من يستطيع انتزاع وجهه من المرآة

ومالمحه من جليد المكان؟

)٦٠٥" (فضيحة الثعلب ص . . من يجرؤ على تجاوز عطلة األسبوع

يةغ)، ب. . . من عالمة الحذف ( ليتشك د، ويختمها بسطر، وتتعد هوتمتد تساؤالت

. تفضح هذا الواقع ، أو في البحث عن إجابة ي في مزيد منهاتوريط المتلق

لها نصر اهللا لهذه الحضارة القائمة على العسكرة، وقد مرت بنا تلك الصورة التي شك

. )٦٠٧(ص بي، واعتمد في تشكيلها على االستفهام التعج وإلغاء آدمية الفرد وإنسانيته

-أحيانا–، وقد تتجاور وتتعانق عنده الفت األمر والنداء على نحو كما انتشرت صيغ

عن موقفه: مع االستفهام والنهي، لتعبر مجتمعة

٤٠

"أيها البرلماني

ما ثمن الحرية؟

أيها الممثل

ما صعوبة دور الرئيس؟

أيها المهرج قلد المدينة

بهاأيها الثعلب مت في ح

أيها الشرطي تنازل عنها لرجل العصابة

أيها الطفل

)٦٠٥ال تزعجها ببراءتك" (فضيحة الثعلب ص

رنا ، يذك )٦٠٣ي األمر والنداء وحسب (ص وهناك مقطع طويل اتكأ فيه على أسلوب

، افتتحه بأسلوب استفهامي: شعبية معروفة ومتداولة في أدبيات األطفال بحكاية

ن للعمي بقيادة العربات"؟"كيف تسمحو

تبدأ بقوله ، وهي رحلة في رحلة عبثية دائرية لإلجابة عن السؤال ثم يمضي بعدئذ

(اسأل التاجر)، وتنتهي بالصيغة ذاتها بعد أن يسأل مكتب الدعاية، وإدارة التلفزيون، وصاحب

آلخر في رحلة منهم يحيل على ا ، والوزير، والشرطي، حيث كان كل ، والمصرفي المصنع

ضائعة بين االقتصاد واإلعالم والسياسة لقنسيزيفية، ال طائل من ورائها، فالحقيقة غائبة، أو ل

االقتصاد (الذي رمز له بالتاجر) في زمن ولعل . ضياعها رلون وز، ألنهم جميعا يتحم والسلطة

. قطع وختمه بهالعولمة هو المسؤول األول عن استالب هذا الواقع، فقد بدأ الم

يرى تلك األساليب (األمر، النهي، النداء، النفي، التكرار) في أسمى ومن أراد أن

) الذي ٦٢١-٦٢٠ياتها للداللة على رؤية نصر اهللا، فليقرأ الجزء األخير من قصيدته (ص تجل

. بلغ فيه ذروة التوفيق في اختيار تشكيالته اللغوية األولى واألليق

ين االسمية والفعلية، فهو بحاجة إلى دراسة مستقلة، عة استخدام الشاعر للجملتأما متاب

أو بينهما صدفة ، وال تأتي هذه المراوحة ألهمية هذا الملمح األسلوبي في تشكيل هذا النص

٤١

وهما األكثر ، فإن استخدم الجملة الفعلية، يعرف متى يكون فعلها أمرا أو مضارعااعتباطا،

. ر عن ديمومة واقع معيشه يعب؛ ألن الموقف دسي وقد كان المضارع . شيوعا

لت جزرا وسط بحر الجمل ، التي شك ت ببعض المقاطع، فقد استقل ا الجملة االسميةأم

انفعالية هائلة، ، فالشاعر وقع تحت وطأة ، ألن الموقف يتطلبه الفعلية، الذي أغرق القصيدة

نزع عنها ثوب الزيف، ، بعد أن ، واكتشف حقيقتها دمته تناقضاتها، وص حين زار نيويورك

. فكانت الجملة الفعلية أليق وأولى ما يخفيه من سوءات الذي يستر حينا، وال يستر أحيانا كثيرة

، التي يستهلها ، لجأ إلى الجملة االسمية ب الموقف وصفا لبشاعة نيويوركلكن حين تطل

إلى المقارنة، لذا أفسحت الجملة الفعلية المكان للجملة فكان الموقف أقرب، بأفعل التفضيل

االسمية لتشكل الصورة كاملة:

"إنها نيويورك

أكبر من العب

وأبسط من لعبة تشبهها الرصاصة

غامضة كمسدس قرب النهر

وأكثر هشاشة من حديث ملتهب

)٥٩٩بين قاطع طريق وعنق تحت السكين" (فضيحة الثعلب ص

: م فيها وصفا تجريديا للمدينة، حيث قد كما يمكن مالحظة ذلك في صفحة االستهالل للتجربة

"ها هي صورتك المنقوشة على بقايا األرض

". . ومالمحك النافرة فيما تبقى من فضاء

ونحن ال نختلف مع الناقد هربرت ريد في قوله إن (مجرد) الطول ال يجعل من القصيدة

فقصيدة نصر اهللا (موضوع الدراسة) لم تطل لمجرد الطول، ولم ينل . شعريا ضخما عمال

القصيدة الطويلة "هي الكشف الحقيقي في ميدان الشعر ، وأثبت أن طولها من توتر شعريتها

. )٢٧(العربي الحديث بعامة، واإلضافة الجديرة بمزيد من االهتمام في وقتنا الحاضر

٤٢

، وذلك في رحلة الشاعر العربي صيدة الطويلة آخر أطر القصيدةوقد كان إطار الق

ه في إطار القصيدة الجديدة مصباحا لبروز ، وكان هذا التطور نفس الستكشاف أطر عدة للقصيدة

. )٢٨(، وغلبتها على الشعر المعاصر النزعة الدرامية

، دةآفاقا متعد ح الشاعرتمن -كما الحظنا –ة النزعة الملحمي الطويلة ذات فالقصيدة

، باإلضافة إلى ضروب أو حقيقي ، وبما هو رمزي ، أو واقعي ه بما هو تاريخيتثري تجربت

. شتى من الخبرات اإلنسانية، وألوان المعرفة

، وكيف حاول جاهدا أن الموقف على لغة نصر اهللا وقد الحظنا كيف انعكست درامية

، باإلضافة من الذاكرة ، واستدعاء ، ومونولوج ، من حوار التعبير الدراميإمكانات كل يستغل

. إلخ . . ، ونهي ، ونفي ، من أمر، واستفهام إلى ألوان أساليب السرد الالزمة

، ، والصراع ، هي اإلنسان طابع درامي ذات قصيدة األساسية لكل والعناصر

على ة مشغولةالقولية بخاص ، والفنون فيه نصر اهللا، وهذا ما برع )٢٩(الحياة وتناقضات

، ومستلب ومقهور مأزوم ، وهو إنسان امتداد القرن العشرين بتجلية عالم إنسان هذا العصر

تفصيالت ما جوهري من كل، اختار نصر اهللا لذا . . الدائم ، والقلق ي، والتشظ ؤيعاني التشي

را عب، م ، في محاكمة موضوعية طالت فغدت ديوانا ه ويعريهندية لواقع هذه الحضارة ليحي

: كلما ازداد الشاعر نضجا ازدادت قدرته ، فكما يقول إليوت الشعريةبذلك عن نضج تجربته

. على الخروج من إطار مشاعره الذاتية إلى اإلطار الموضوعي

يدته، وهذا الشكل المعروف وقد اختار نصر اهللا "الشكل الحلزوني" معمارا لبنية قص

مرحلة فيها تكشف أفقا شعوريا لهذه التجربة أو ، وكل آخر القصيدة بعدا بعد ل فيه أبعادتتشك

جديد انطالقة إلى أفق الرؤية الشعورية األولى مركزا على الدوام لكل تظل أن الرؤية، شريطة

. )٣٠(في هذه الرؤية

، مفتتحا ، أو الحركات الرئيسية ةمن المحاور الكلي دته في عددلقد جعل نصر اهللا قصي

لت مركزا دائما لكل، التي شك (U .S .A)ة على رؤيته الشعورية كال منها بهذه اإلشارة الدال

٤٣

، أو موجات فرعية، يتشكل من حركات ، وكان كل محور كلي أفق شعوري جديد في القصيدة

يغلق الدائرة ، وذلك دون أن ى استقصاء تفصيالت الدفقة الشعورية الكليةيسعى من خاللها إل

. )٣١(إلى آفاق دفقة شعورية جديدة أمرا ممكنا وميسورا وطبيعيا الشعورية بحيث يكون االنطالق

م كشفه الشعري الطويل لفضائح الثعلب، هكذا أفاد الشاعر من طبيعة هذا المعمار ليقد

، وأن القصيدة الطويلة في شعرنا الحديث هي النوع الشعري البديل عن الملحمة ثبتا أنم

. من االستواء والنضج والتميز درجة –بفضل إسهامه الشعري هذا -ة قد بلغت القصيدة الملحمي

رت عن موقف تجربة شعرية عب أهم عد إبراهيم نصر اهللا صاحب، ن وبهذه القصيدة

من الحضارة لقن، أو ل ، ومن المدينة غير العربية بخاصة المدينة بعامةالشاعر العربي من

. ، وذلك على مستوى الموقف والرؤية والتشكيل في رمزها الكبير نيويورك األمريكية، ممثلة

٤٤

: هوامش الدراسة

محمد حمود، دار الكتاب . بيانها ومظاهرها: د . . * الحداثة في الشعر العربي المعاصر

. ٢٥٣، ص ١٩٨٦اللبناني،

عزالدين إسماعيل، . قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية: د . . الشعر العربي المعاصر )١

. ٣٢٦، ص ١٩٧٥، ٣دار العودة، بيروت، ط

. راجع قصيدة "الملك لك" لصالح عبد الصبور في ديوانه األول "الناس في بالدي" )٢

ألحمد عبد المعطي حجازي، وديوان "قلبي انظر مثال: الديوان األول "مدينة بال قلب" )٣

. الشعريةوغازلة الثوب األزرق"، لمحمد إبراهيم أبو سنة، وتجربة بدر شاكر السياب

، ص ١٩٧٨، ٢اتجاهات الشعر العربي المعاصر، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد )٤

١١٢-١١١ .

. ٣٢٧معنوية: ص قضاياه وظواهره الفنية وال . . انظر: الشعر العربي المعاصر )٥

، يشكك الدكتور محمد حمود في هذا ١١١انظر: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، ص )٦

التعليل الذي قدمه الدكتور إحسان عباس، ويرى فيه تبسيطا واختزاال لمعاناة حادة

زلزلت وجدان الشاعر الحديث، وأحدثت ارتباكا في قيمه ومقاييسه، فتمزقات اإلنسان

ضارية أو العصرية أكثر تعقيدا وأكثر تنوعا من تمزقات اإلنسان الغربي العربي الح

. )٢٥٦المعاصر (راجع : الحداثة في الشعر العربي المعاصر، ص

. ١١٣-١١٢انظر: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، ص )٧

. ٣٢٨الشعر العربي المعاصر، ص )٨

نظر: المدينة في الشعر العربي لمزيد من التفاصيل، والوقوف على العديد من الشواهد، ا )٩

. ٢٠٠٣الحديث، عبد اهللا رضوان، وزارة الثقافة، عمان،

انظر: أسئلة القصيدة العربية الحديثة في ليبيا، الجزء األول: قصيدة الشباب: جميل )١٠

، وخير نموذج يمثل تلك الصدمة الهائلة، هو موقف ٥٠، ص ١٩٩٩حمادة، دار الكرمل،

حجازي من مدينة القاهرة، حين انتقل إليها فتى في السادسة الشاعر أحمد عبد المعطي

عشرة من عمره، فرأى فيها صورة المدينة الكبيرة، كما يقول إليوت عنها "وحش" ضرير،

. أو هوة للموت تبتلع من فيها، وتحيل الفرد إلى قزم

. ٢٥٥، المجلد األول، ص ١٩٧١ديوان بدر شاكر السياب، دار العودة، بيروت، )١١

. ٥٧٤، ٥٧٣، ص ١٩٧٨يوان فدوى طوقان، دار العودة، بيروت، د )١٢

٤٥

. ٢٠٢-١٧٩راجع : المدينة في الشعر العربي الحديث، ص )١٣

. ٤٩٦، ص . ت. محمد الفيتوري: األعمال الكاملة، دار العودة، د )١٤

. ١٩٢المدينة في الشعر العربي ، ص )١٥

، ١٩٧٨اآلداب، بيروت، ديوان "كائنات مملكة الليل": أحمد عبد المعطي حجازي، دار )١٦

. ١٩ص

.٦٠٥، ص ١٩٩٤ديوان محمود درويش: المجلد األول، دار العودة، بيروت، )١٧

٦٠١الموضع نفسه : ص )١٨

. ٢٧٤الحداثة في الشعر العربي المعاصر، ص )١٩

. وقد نشرت ٢٩١ص ،٥، ط٢م، ١٩٨٨دار العودة، بيروت األعمال الكاملة: أدونيس، )٢٠

لطبعة األولى من األعمال الكاملة في ديوان (وقت بين الرماد في ا ١٩٧١هذه القصيدة عم

و الورد).

. ٢٩٢الموضع ذاته، ص )٢١

١٩٦المدينة في الشعر العربي، ص )٢٢

علي جعفر العالق، دار أزمنة للنشر، عمان، . فأين األشجار؟: د . . ** ) ها هي الغابة

. ٣٢، ١٦، ص ٢٠٠٧

بسام قطوس، وزارة الثقافة، عمان، . ياء العنوان: دراجع في غواية العنوان: سيم )٢٣

. ٦٠، ص ٢٠٠٢٢٤( ديوان : لماذا تركت الحصان وحيدا، محمود درويش، رياض الريس للكتب والنشر، )٢٥

. ١٠٣، ص ١٩٩٦ ٢لندن، ط –بيروت

لوركا ، ترجمه : ماهر البطوطي ، الهيئة العامة . غ . شاعر في نيويورك : ف***)

. م٢٠٠٧هرة ، القا ،للكتاب

هادي نهر، بحث مقدم في المؤتمر . االستقبال العربي المعاصر (للنص الموازي) د )٢٦

) بعنوان: استقبال العرب للنظريات النقدية ٢٠٠٧الدولي الرابع للنقد بجامعة البترا (إبريل

. الحديثة

٤٦

مان، خالد سليمان، دار الشروق، ع . راجع في وظيفة المفارقة: المفارقة واألدب: د )٢٧

. وما بعدها ٣٤، ص ١٩٩٩

إبراهيم خليل، دار المسيرة، . راجع: النقد األدبي الحديث: من المحاكاة إلى التفكيك: د )٢٨

. ٨٠م، ص ٢٠٠٣عمان،

. ٢٦٧قضاياه وظواهره الفنية، ص . . الشعر العربي المعاصر )٢٩

. ٢٤٠المرجع ذاته، ص )٣٠

. ٢٨٤انظر : المرجع السابق ذاته ص )٣١

. ٢٦١لشكل الحلزوني للقصيدة: المرجع السابق نفسه، ص راجع طبيعة ا )٣٢

٤٧

٤٨

ظواهر حديثة في شعر المقاومة

نموذجاتجربة أحمد الريماوي أ

٤٩

٥٠

علن عن حضورها مع نهاية عقد ، وت طريقها تشق الشعرية *أحمد الريماوي تجربة أتبد

، اصطلح على تسميته لحدث هام ضخم في حياة أمتنا ، وقد جاء هذا التفجر مرافقا اتالستيني

اإلبداعيةه كما جاءت انطالقت . م أثرا وخطرا١٩٤٨، ولعله يفوق (نكبة) )١٩٦٧بنكسة (

يتمثل في حصوله على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية مع حدث خاص متزامنة

. واالجتماعية

، وواقع تات متراكم، وش ، وحلم مستلب على نكسة تكرس نكبة الشاعر هكذا تفتح وعي

نعدم خيوطا من ووسط هذا الليل المقيم ال . ال نظير لمرارته فلسطيني ، وراهن ريرعربي م

التي بدأت تضمد ، تنا الخالدة التي ال تموتمل في روح أللسالكين، تتمث ، تمنح األمل ضياء

، الذي تفجر عام ل أيضا في نضال الشعب الفلسطيني، وتتمث ها لجولة قادمةنفس دعجراحها، وت

. عيد إلى األذهان أسطورة طائر الفينيق، الذي يحترق ليتجددي، ل م١٩٦٥

أن يجعل موهبته في خدمة قضاياه - م المثقفالمتعل وهو –لذا كان لزاما على شاعرنا

، وكيف ه بقضيته الوطنيةغل نفسيالحظ كيف ش الشعريةلتجربته لوالمتأم . الوطنية والقومية

، حتى ديوانه األول (يا ابنة عليه مشاعره وفكره فقد ملكت . الصوفي أخلص لها إخالص

التجارب ل إليه بعضتتسل وكان المتوقع أن . شيئا الوطني نكاد نظفر فيه بغير الهم الكرمل) ال

شاعرنا لكن . مواهب الشعراء، وتنشط بها في مرحلة المحاوالت األولى إليهال الذاتية، التي تمي

، وما زال يحمل قيثارته ، وانحاز إلى خندق الثورة والنضال فتى يافعا ه وفنه لقضيتهذر نفسن

، ليسكب ذوب روحه ونفسه كؤوسا من العشق المصفى لعيون وينتقل بها من خندق إلى خندق

. ل ضفائرها(جفرا) ولي

ها ، لينشر ما سهل هذا الموقف المطرد على الريماوي اختيار ما شاء من تجاربهورب

ذا يصعب على ولكن صنيعه ه . إبداعها راعاة لتاريخم من الدواوين دون تباعا في سلسلة

ه تجاوزا لألول بكامل عدين الديوان الثاني ال إ، بمعنى الشعريةر تجربته د تطوـصرالدارس

قصائد ، نجد أنه يضم١٩٨٤ المنشور عام -مثال-ففي ديوانه الرابع . ا أو فنيا، وهكذاتاريخي

ما عثرنا على ورب . )١٩٨٠، وأخرى كتبها عام ( )١٩٦٩تنتمي إلى بدايات تجربته عام (

. ارب الديوان األولا بعض تجتجارب في ديوانه الثالث (يا كرم الزيتون األخضر) تفوقها فني

، وفارسا من واحدا من جمهور العازفين في أوركسترا الثورة إاللم يكن الريماوي

فقد مضى على . ، والصاروخ ، التي كان لها فعل الرصاصة، والقذيفة فرسان الكلمة الموقعة

٥١

من "فمنهم من قضى نحبه ومنهم ، طريق طويل صعب شققته مواهب شعرية ثورية مقدرة

، وسميح القاسم، ، ومعين بسيسو، وتوفيق زياد، ومحمود درويش ينتظر" أمثال: كمال ناصر

. وفدوى طوقان، وأحمد دحبور

في شعر المقاومة:

ا مفهوم المقاومة والثورة وعيا حقيقيا، كما وعاه أبناء جيله من شعراء لقد وعى شاعرن

أما بالنسبة الثورة األكبر محمود درويش حين قال: "ره لهم شاعر ، كما قر المقاومة الفلسطينية

ه إن . إنسانية غير متحركة طاقة فالحنين . ها تعني ساحة صراع ومستقبلفإن ، ألبناء جيلي

التغيير، ثم ها الرفض واإليمان بالقدرة علىلأشكاال متدرجة، أو عوقد أخذ الصرا . سالح سلبي

جعلت مواطنا بال وطن، في إطار وعي جماعي ال يحاصر القوى والظروف التي الصراع ضد

إلى ، بانتماء نفسه بالذكريات، بل يطلقها باستشراف حياة أخرى، عن طريق الممارسة اليومية

هكذا . قوة من قوى الصراع إلىارتبط االنتماء إذا، ال تتحقق فعاليته إال األرض / الوطن

. )١(أدركنا في جيل مبكر"

للواقع، رفض -كما فهمه شعراء المقاومة الفلسطينيون - ر المقاومة والثورة عوش

صور القمع واالضطهاد عارم ضد األلم، وغضب عنوتعبير ، وإيمان بالقدرة على تغييره

. . في استشراف حياة أخرى وأمل . . واالستالب

م من خالل دور الشعر المقاوه ل، وفهمالريماوي الثوري وعي ستملأ ت أنرلقد آث

ع وقته في برؤية واضحة ال لبس فيها، ولم يض الشعري اإلبداعفهو يلج عالم . تجاربه األولى

برؤيا فعل واحد، الثورة ة، كذلك الشعر والثوروالثائر واحد "فكما أن الشاعر ، البحث عن ذاته

فهو . )٢(". . ويقودانه إلى عناق ما يأتي معا يوقظان الحاضر، . . رؤيا بفعل والشعر . .

من التحدي ، ولمزيد اإلبداعية، بل يتخذ منها حافزا لتوهج تجربته مناضل ال يستسلم آلالمه

:)٣(فهو يقول من بواكير تجاربه . والبذل الثوريين

ولكني أمج اآله عنوانا إلى الكسل

أمج اآله إال دافعا للوحي للعمل

مرشدا للذات في سبلي أمج اآله إال

٥٢

، وال بد من ، ال يجدي نفعا ها فعل سلبي، ألن يمجوا (اآله) نعم، فمن حقه وشعبه أن

وحرارة على طريق تحرير األرض: فعل أكثر إيجابية

إنا شربنا من كؤوس المر ما يكفي

واليوم من أعماقنا

. )٤(فنعطي الوجود حرارة الصي

، وإضعاف ه بالحرمان يستطيع إذالل الشعب الفلسطينيأن -ماواه- فقد ظن المحتل

االقتالع:وه صمد صابرا لكل محاوالت التصفية ولكن . روحه الوطنية المقاومة

. )٥(لكنني كالطود باق رغم حرماني

القادر ه كان صبرولكن، الفلسطيني وصبره على ألوان االستالب عجزا تولم يكن صم

قبلة:ر موقفه لوثبة م، ويقد ، ويعيد حساباته المتأمل، الذي يقرأ الراهن

فإن عيون أطفال التشرد رغم ما فيها

تنقب في مآسيها

تحدق في عيون الغيب

)٦( تسألها: متى نبطش؟

، على م باألملولمفعتجاوز الراهن إلى المستقبل ا مسكون بأمل والريماوي مناضل

تها:الرغم من رمادية المرحلة وضبابي

م باألملوشذى المستقبل المفع

يغازلني على عجل

يرفرف فوق أهدابي

)٧(. . لكي أمضي بال وجل

وها هو ذا في ديوانه قبل األخير (الفتات على سياج الضوء) يواصل غناءه المؤطر

، مع الفارق في امتالك األدوات، سق بأنغام المحاوالت األولى، والمت بتلك الرؤية الثورية

٥٣

حيث خرج من المباشرة والتقريرية في تجاربه األولى إلى لغة الكثافة . . واستواء اللحن

نا هذا الجزء من وحسب . . اللة ، وتوهج الرموز، وطرافة الصور، وخصوبة الد واالكتناز

الالفتة الثانية:

قلت انتظر

آتيك من ليل الشتات

محمال بالورد

بالطل الوسيم

بحلم أطفال الحجارة

آتيك باألمس الولود

مدججا بالضوء

بالعزف المكحل

بابتهاالت القلوب

تزف لآلتي البشارة

آتيك من مطر الجياع

بحزمة الرعد الخفي

فال تقل هذا زمان اللغط

المصادر في سواد القحطوالشرف

بالقيم المعارة

لك من هالل الروح أخضره

ومن وادي نبات الصمت زعتره

"قفا نبك" التزم حد اليباس

هويتي حجر ومقالع وغارة

، ونكصوا على أعقابهم، ولم يتخل الريماوي عن هويته تلك حين تنكر اآلخرون لها

بطبعه "وليس شاعرا من ليس ثائر الحقيقي فالشاعر . ومتاهاتها السرابية ودخلوا دهاليز السياسة

٥٤

إن السياسة . تصبح نظاما تصبح سياسة ها منذ أنالذي يواجه الثورة، هو أن والخطر . ثائرا

. )٨(شيء" يعيد النظر في كل لحظة، بينما الشعر شيء كل تقبل كل

فانتظر،

للشعب ميزان،

ولألحالم أوطان،

. )٩(وقلب الشعر بوصلة الرهان

، بعنوان "يوليس ونرجسة اإلياب" لنرى قلب الشعر وبوصلة ر تجربة لهل آخولنتأم

الرهان:

أنا أحمد الولهان يسكنني الهوى

. . . آتيك أقطف أنجمي

. . . من منجمي

!يا دار عبلة بالحلول تيممي !

ترغمي . . . وعمي نزوال

. . . تتحجمي

إن السياج انهار من لفح الغزل

وكل أحالم السنونو والحجل . . بين الغراب

وكل ألوان المواسم . . . بين الجراد

وكل أشعار الحمائم . . . بين العقاب

بين المغارم والمغانم

ئمغلفت كل المآثم بالوال

يا دار عبلة بالجوى

صقر يجوب مشاعري متسائال:

ألكل طير ما نوى؟

٥٥

الشعر واألرض:

ها، يسبق الفعل حينا، ها وسامرمم طريق الثورة إال وكان الشعر قنديلة من األلم تسلك أم

مي (شي الن فان): يقول الشاعر الفيتنا . ، ويتسق معه بالضرورة ، ويرافقه حين يتفجر له يعدو

، في هذه والسالم قريب جدا من الحرب ، فيها قريب جدا من الحياة عندنا في بالد الموت"

التي تواسينا، فبدون ه بمثابة المستشار، الحبيب، المرأة، األمالدقائق الشعر ضروري جدا، إن

")١٠(لبندقيةالشعر ال يعود الشعب يقوى على العيش، كما ال يقوى على العيش بدون ا

، تناول الشعر م بخاصةيتبلور مفهوم األرض عند الشاعر الفلسطيني المقاو أن وقبل

، كما تغير ، ومراحله المتعددة، من خالل عدة أطر العربي (األرض) عبر رحلته الطويلة

ية ، ولمعطياتها االجتماع مفهوم األرض لدى الشاعر العربي الحديث تبعا لثقافة المرحلة

، جمالي وصفي فحينا تناول الشعر العربي القديم (األرض) من خالل إطار . )١١(والسياسية

لي عاطفي، وحينا ثالثا تناولها من خالل إطار الحنين إلى زوحينا آخر من خالل إطار غ

. نعدم أطرا أخرى لو أردنا استقصاء ذلك ما الورب . األوطان

. . م ليست ترابا، وسكانا، ومناخا، وأشجارالسطيني المقاوعند الشاعر الف واألرض

، ذات رمزي مفهوم عنده ذات األرض . . ، وليست جغرافيا فقط واألرض ليست تأريخا فقط

باإلضافة إلى مفهومها النفسي . . اقتصادي، وكذلك سياسي ، وذات مفهوم حركي مفهوم

)١٢(رويش:، كما يقول محمود د والسيكولوجي

. . ليس المكان مساحة فحسب

. . إنه حاله نفسسية أيضا

. . وال الشجر شجر

. )١٣(إنه أضالع الطفولة

أرضنا ذرة من تراب ن في التحام هذا الشعر بكلتكم شعرنا الموضوعية أهمية "إن

، رغم الرأس مرفوع ا الذي يظل، وإنسانه ، وأطاللها ، وجبالها ، ووديانها ، بصخورها الغالية

وال يزال ، إنسانها الذي قاوم . . يديه وإرادته من قيود ، وما يشد ما ينوء به كتفاه من أعباء

. )١٤(، ومحاوالت طمس الكيان والكرامة القومية واإلنسانية" االضطهادويقاوم الظلم

٥٦

الذي ينشده الشاعر تصبح األرض هي الهدف أن -كذلك واألمر-وليس عجيبا

، أو إلى مجموعة رموز للوطن ه إلى مجموعةتتحول موضوعات ، وأن مالفلسطيني المقاو

، والجد، ، واألخت ، واألم فالحبيبة . . بوابات يدلف من خاللها إلى حضرة الوطن وأبهائه

مجموعة ، التي يصل إليها من خالل تتحول عنده إلى رموز لألرض . . ، والطفولة واألب

، والصفصاف ، والبرتقال ، والعنب ، والسنابل ، والقمح ، أكثرها حضورا الزيتون مفردات

. . ، ودم الشهيد ، والحجل والسنونو، والدوري

فهي غيمته . متميزة واضحة - الطويلة الشعريةتجربته عبر-الريماوي بأرضه وعالقة

. )١٥(في تجاربه األولى ، كما صورها حياته ووجوده ، وسر وخيمته

آه يا أرضي ومهدي

أنت لي في الدهر درة

هآه يا أرضي التي تبدو لبعض الناس تجر

كل تبر الكون عندي

ال يوازي منك ذره

ال يوازي منك شعره

صوفية في آخر رها برؤية، كما صو الحاضرة ، وهي الغائبة بذاتة وهي المتحدة

:)١٦(حيث يقول تجاربه،

هل تدركين؟

. . معنى غيابك في

معنى أن أكون

نايا تميس

معنى غيابي فيك

معنى أن تكون

رجعا يصب النور من دن الشموس

٥٧

الحبيبة واألرض/ الوطن:

سيان سيدتي

اعتزالي النشغالي فيك

أو فرط احتمالي

أرى في الكون شيئاأن

من محياك الجليل

ا إليك أطوي الشعر طي

سيان سيدتي

انصهاري فيك

أو رجع انتشاري

النفطاري في الهوى

. )١٧(ا ميتا وحي

القرب، بها على الحبيبة، والريماوي مشغول وه ، والوطن هنا هي الوطن فالحبيبة

، متحد معها إلى حد االنصهار ، مسكون بها المحها في الكون أنى اتجه، يرى م وعلى البعد

. فيها

، ولكن من تجارب الحب والغزل، وبخاصة في ديوانيه األول واألخير م العديدفهو يقد

ارتباطا ، بل تأتي عنده مرتبطة ، كما نألفها في ديوان الغزل العربي عاطفته ال تأتي مجردة

"واتحاد الشاعر بالمكان هو سر . لحظة من حياته ضيته التي يعيش معها ولها كلوثيقا بق

، )١٨(ح"الوجد والعذاب المبر ، مثلما هو في الوقت نفسه سبب ، أمام الزمن صالبته أمام الموت

المكافحين ه حب، إن ، وليس ضربا من رومانسية الحالمين وحبه ليس ضربا من الدعة والترف

هم لها ، ويتخذون من حب ، الذين يجدون في حبهم لألرض (المحبوبة) مالذا وخالصا شردينالم

حافزا إلى مزيد من التحدي والنضال:

وهل يهوى الذي سلبت أراضيه؟؟

وال شىء يالقيه

سوى الحرمان

فال نبت، وال أرض

٥٨

وال طير يغرد فوق تربته

على األغصان

ء يعزيهفال شي

سوى حب

سوى قلب

سوى الوجدان

لذا هيا تعال يا سنا عمري

نسير الدرب

)١٩(درب العنف والثأر

، وتغييب الهوية، العدو في تكريس الحرمان واستالب الوطن وكلما ازدادت ممارسات

يصبح الحرمان ، وحينئذ أكثر في قلب الريماوي ، ويشتعل الحب يزداد التشبث باألرض

، وضمانة لديمومة توهج مشاعره والتهابها: والعذاب مطلبا للشاعر

كلما أبعدت كأس الحب عني

تسكريني

كلما عذبت قلبي

زاد حبي واشتياقي

إن سمحت اآلن رقي

واسمعيني

آه يا محبوبتي

ال بأس إن أعلنتها

إن قلت يوما

عذبيني

عذبيني

)٢٠(عذبيني

٥٩

، وتقاذفتهم موانىء ، مهما نأوا عنها األرض باألبناء ر عالقةكيف يصو إليهوانظر

في - على البعد-، وحضورها الدائم ، فالحبل السري بينها وبينهم لم ينقطع الرحيل والغربة

هداء:على طريقها الموشوم بدم الش ، وما حققوه من إنجازات وجدانهم وفكرهم سر ثورتهم

. . . آه يا حادي الــ

لي بطرف الجزيرة حورية

سلمت شعرها للصواري

. . . تلوح

مافاتها قط أنا افترقنا

لنحفر في البحر سفحا

ونزرع فكره

وأنا احترقنا

لنشعل جرحا

)٢١(ونقطف ثوره

، لما لهذه الصورة من داللة الخصب عذراء ة(الوطن) امرأ ويصور الريماوي األرض

من الصفات المرتبطة بالمرأة المثال في ذاكرة ، وقد كثف في وصفها بالعذرية جملة والديمومة

، إنما امرأة ها عنده ليست "نؤوم الضحى"ولكن . . ، وفي وجدان المتلقي العربي تراثنا الشعري

، عيونها واعدة فاتنة ومع ذلك فهي امرأة آسرة . . الجراح أرقها وهن األسر والصلب ونزف

ومسارب روحه وفكره: نار الثورة في لغته ه وتفجيرعلى إلهام له بأمل ال يخبو، وقادرة

أبصرت خارطة الوطن

عذراء أرقها الوهن

حوالدمع طل الورد والقم . . . مأسورة

واآله ملح القلب والجرح . . . مهدروة

. . . ودماؤها . . . مشدودة

مسك الكروم ورعشة الصبح

وأنينها . . . مطعونة . . . مصلوبة

يصلي الغزاة بمولد الفتح

أحسو بنار عيونها عبق األمل

٦٠

وعيونها وعد األزل

قنابل والشظايابال . . . لعيونها صغت القصائد

بالسنابل والمرايا . . . لعيونها صغت القصائد

)٢٢(بالزالزل في الحنايا . . بالمشاعل . . . لعيونها صغت القصائد

يجعل من صورة األرض/ المرأة "جيوكاندة" الشاعر يحاول في هذه الصورة أن لعل

، ورعشة ، وظل الورد األسر ظالل، و ، فقد تقاطعت فيها خطوط األلم واألمل، والوهن جديدة

. . ، وسالم السنابل ، ودوي القنابل والشظايا الصبح

افة معادال قفي "أن الشاعر العربي يكون ثوريا عندما يخلق باللغة في ميدان الث وال شك

. )٢٣(لما يخلقه الثائر بالعمل في ميدان الحرب"

، فإن الشعراء العرب الفلسطينيين "إلزا" بفرنسا الوطنل لويس أراجون حبيبته فكما تمث

وكان . . الوطن بةب مخاطتخاط وكانت الحبيبة . . لوا فلسطين بشخصيات حبيباتهمقد تمث كافة

. )٢٤(الحبيبة ب مخاطبةخاطالوطن ي

شعراء فلسطين وأبرزهم في الربط بين الحب وقضيته محمود درويش أسبق عديو

ويمكن القول إنه حين . تلقائي ، حتى أصبح يصدر عنه في تجاربه على نحو لوطنية اإلنسانيةا

) "قدم تفسيرا رائعا لحلقة كانت مفقودة في تلك الفترة التي ١٩٦٧أصدر ديوانه (آخر الليل

األدب العربي في األرض المحتلة بخاصة من الغزل إلى الشعر القومي دفعة شهدت قفزة

. )٢٥("واحدة

والريماوي -فلسطين بخاصة ، وشعراء العرب المعاصرون بعامة هكذا جعل الشعراء

، ، وصلوا في محرابها ، وفتنوا بمحاسنها معادال لألرض والوطن الحبيبة -واحد منهم

صلون إلى لحظة ، حين ي الحلول ، واتحدوا معها على طريقة الصوفيين في طقس والتصقوا بها

. سامي واالنتشاء والسعادة الشاملة، في حالة من الت لعابد بالمعبودفناء ا

٦١

، ال ضربا من الرومانسية على هذا النحو تحول الحب عندهم إلى أصالة نضالية

. . ، ومتاهات الشتات جير الغربةالسلبية، التي يلوذ بها الشاعر من ه

نوعية في تجارب شعراء المقاومة نقلة والعام هذا المزج وااللتحام بين الخاص عديو

، تجعلها أكثر رحابة ، حملها من مضونها الوجداني الضيق إلى آفاق وطنية لتجربة الحب

يتوحد في -كما يقول فالديمير دبروف-الرفيع الغزل العصري فشعر . ، وخصبا وإنسانية

. )٢٦(غ السعادة الشاملةو، وفي الجهد المبذول لص الشعوب رارتباطاته بحركة تحر

صور أخرى لألرض/ الوطن:

. ال من وراء الغربة"ال نكاد نظفر بصورة األم / األرض إال في ديوانه الرابع "مو

. ، وتأتي صورتها في تجربة أخرى مضفرة بصورة رائعة للجد منه بتجربة حيث تنفرد األم

أبناء الدنيا في تقديم ألوان الهدايا ففي قصيدته "عيد األم" يصور لنا كيف يتباهى

آخر تليق بموقفه النضالي: ه فهديتها من نوعألمهاتهم، أما أم

وأنا أتفانى في أنف

ألقدم روحي طائعة

فالحب عطاء

ال نهر دموع

، يشفعون بها هداياهم، وإذا تغنى األبناء في هذه المناسبة بمشاعر الفرح والطرب

، التي تضمن اهتزازها بوعد الخصب: غناؤه لرموز األرض/ األمفالريماوي

ال ضير عليكم إن همتم

إن طرتم فرحا ورقصتم

وأنا أتغنى بالشهداء

لحقول القمح

لفوح الروح

آلهة غصن روحية

٦٢

دوا توح ، وقضوا نحبهم بعد أن ن وقعوا في دفتر عشقهام ثم يمضي مصورا بطوالت

، لعالم أعمى، أو ، ودروس الفداء ، وخطوا بدمائهم الزكية شريعة الحب أحياء وأمواتا معها

لعالم يتعامى:

في عيد األم أتوا طوعا

في عيد األم بنوا شرعا

وعيون العالم مسبيه

الجد هي التي تحتضن التجربة ه "المطلق المخفور في زنازين الشقاق" فصورةأما قصيدت

ا، والشاعر/ الحفيد يلعب دور الراوي، له ، مجاورة معها ، وصورة األم جاءت متداخلة هاكل

، وليخفف ئ من روعها، ليهد م/ األرضم خالصاته لأل، ليقد ، ويسبر أغواره يقرأ مالمح الجد

و يتخذ وه . ، وليمألها أمال باآلتي "ال تقلقي أماه" "ال تغضبي أماه" "استبشري أماه" من غضبها

واحدة في ، الذي قدم مالمحه دفعة استهالال لصورة جديدة للجد مرة من عبارات الرجاء هذه كل

أول التجربة على طريقة السير الشعبية:

جدي على الشباك واقف

والوجه أفق قرمزي

عيناه سهم ناطق

واألنف كبر يعربي

وعلى الجبين ممالك

الشقي تهوي على الخد

وعلى موانئ صمته

رعد يهز األسطحه

عصف يدج األضرحه

ويداه مجذاف الخواطر والفكر

تلهو بحب المسبحه

، بكل عبقه استلهام الشاعر لروح التاريخ العربي -من خالل صورة الجد-جليا ويبدو

فلسطينية/ العربية الموغلة في الزمن، فالجد هنا هو التجربة ال . ، وبكل قيمه النبيلة وعنفوانه

، والتراث الذي ، وهي الحكمة المتوارثة ثبات الحاضر وصموده ، وهي رمز وهي الماضي

:ة، ويبعث فيه الثقإلى أرضه وأهله الشاعر يشد

٦٣

ال تقلقي أماه

ويروى بالرموش . . جدي يقرأ اآلتي بكف الريح

. . ة الصمت المهجر في زنزان . . المطلق المخفور

. . . في توابيت الشقاق على سفائن بحرنا

على استشراف اآلتي من خالل قراءة الماضي ، القادر أمته ضمير الحقيقي فالشاعر

: واستلهامه، والوعي بمعادالت الراهن المعقدة

ال تغضبي أمــــاه

جدي فوق أجداث الهزيمة واقف

لةيرعى الخيول المقب

جدي حوار الريح لألغصان

كفاه الهضاب تشققت

يرقيهمو بالبسملة

جدي عناد الموج للشطآن

. . . بالوجه المقطب همه

. . . في صحوة . . . في هزة

تنهي سبات المرحلة

، يورق األمل في مالمح الوجه المسكون بالقلق تطمينات الحفيد لألم وبعد سلسلة

، ويتقنون ها بأن األحفاد يحسنون القراءة في سفر األجداد، فقد أصبحت لديها قناعات والغضب

مع حكمتهم الخالدة: حقيقي ، وهم قادرون على تواصل الوضوء من نار مياههم

أمي على أهدابها

رقصت نوافير األمل

أمي افتحي األبواب للفرسان

رشي عطر وحدتنا على األهداب

ومضا للمقل

وتجملي بتجلد الجد المثابر

وهومتكئ على كوم المتاعب

٦٤

ينصب األركان طودي المناكب

يرفع البنيان فطري المواهب

ولهان والبحر امتداد القلب

في ملكوته نامت عروس

شعرها للبدر شال

بعيونها سكن الجمال

ثرية بدالالتها المتسقة مع رؤيته الثورية، خصبة للجد، لقد رسم الريماوي صورة

الرغم من كونها استثناء بين تجاربه، ولم يكرسها في وعلى . للمقاومة منذور ه كشاعروموقف

. تها، وكثافة رموزها، وخصوبة لغتهاها وتلقائيها امتازت بعفويتدواوينه، إال أن

خذ من ذاكرة ، يت وم باألرض/ الوطنالشاعر الفلسطيني المقاوعي وفي إطار تجسيد

فاستدعاء ذكريات . ، ليظل للوطن حضوره المكرس ة في نضاله الدائبمهم الطفولة الحية أداة

للزمان، واتحاد بالمكان: ، هي إعادة خصوصيتها الطفولة المبعثرة بكل

لكم أتلذذ حين تعاودني الذاكرة

لمزراب بيتي

. . . لكانون نار

لقصة جدتنا الساحره

لغمغمة القطة الماهره

ترتل آية حب األمان

وفحوى اللجوء . . وزهو الحنان

فحينا تناجي، وحينا تموء

ونحن نهيم على ذكر عنتر

في الليلة الممطره

. . . كأنا نعيد الزمان

)٢٧(نعيد المكان

٦٥

العربي قديما كان الذاكرة ، والشاعر اكرة الحية ألمته ووطنهبعامة هو الذ والشاعر

هذا الوصف بالنسبة للشاعر الفلسطيني يتجاوز ذلك لكي يصبح ، ولكن الحية لقبيلته ومجتمعه

، مهمة الشعراء في العالم وأكبر من مهمات كل ، ألن مهمته أخطر الصوت والذاكرة الدينامية

. لدائمة لقابلية االندماج في المكان اآلخرالمقاومة المستمرة وا

دورا سلبيا ، ال ما إيجابياتلعب دورا مقاو -وهي أساس الذاكرة-فإن الطفولة ، ومن هنا

ومن مجموعة الطاقات المبعثرة والكامنة عن ذكريات الطفولة، ومن . . اندماجيا فولكلوريا

، وفي تتكون األداة الخارقة في مواجهة المنفى، التجارب المختزنة عن صورة البيت األول

. )٢٨(تجسيد الوعي المعرفي بالوطن البعيد القريب

عارم باللذه وحين يعود الريماوي إلى ذاكرة الطفولة ليستدعي مخزونها في إحساس

يلوذ به، ، يجعل من عالم الطفولة مهربا سلبيا ذلك موقفا رومانسيا منه عدي، ال والمتعة الروحية

، لذا يروق ، واستحضار المكان الفلسطيني وزمانه في التحدي والمقاومة إيجابي بل هو موقف

:بعينها من موجات تداعي الذاكرة أن يردد جملة ، ومع كل موجة في تجربته مفصل له في كل

سابق لكلمة الذاكرة مع تغيير طفيف يتصل بالفعل المضارع ال ، "لكم أتلذذ حين تعاودني الذاكرة"

. (تعاودني، تغازلني "مكرر"، تغالبني، تدغدغني)

)٢٩(ه البعضناة والنصفة، نفينا عنها ما ظنفإذا تعاملنا مع هذه التجربة بشيء من األ

سم يت -وسنتناول ذلك- المقاومة وشعر . ال تتعارض مع العمق فالبساطة . ومباشرة فيها سذاجة

من التجربة ، نظرا لطبيعة كل يكون مباشرا أحيانا ضيره أن، وال ي بالوضوح والبساطة

والمتلقي معا:

حنيني للحظة لهو

ونحن نفتش بين السنابل

ق شومرعن عر

حنيني لشوي العصافير ظهرا

على ظهر بيدر

للحظ سعيسعة بين أوراق فول

تعيد الشجون المدثر

قللحظة بر

لساعة رعد

ليوم مطر

٦٦

ونحن نغني، ونصرخ بين الشجر

أال يا سما أمطري

بيتنا من حديد

فزيدي وزيدي ألنا جيمعا نحب المطر

وأمي تنادي وما من مجيب، وما من أثر

نفس البسيطة ، فرحة ال األطفال والشعراء ، إنه فرحة جميل أصيل من الفرح هذا نوع

، كما بل تصرخ بالبهجة . . ، وال تضفي عليها أي لون من التعقيد التي ال تخفي مشاعرها

. )٣٠(تصرخ باألسى في لحظات الحزن والضيق

شعراء المقاومة الفلسطينية و - الطفولة في تجربة الريماوي بخاصة أن ذاكرة والمالحظ

، ربما ألن أكثر تتصل بالبيئة الريفية الكادحة داتمفر ستدعي جملةي ما أكثرهي - بعامة

، واألقدر األرض إلىاألقرب ها البيئةما ألن، ورب شعراء فلسطين هم من أبناء القرى ال المدن

على تقديم عناصر هويتها:

هنالك في ساحة الدار بئر

وبهو خطير . . . وقن

. . وطابون خبز

.. . وتبن

وكوم من الحطب اليابس

أال فأنسي

أيا روح ال تعبسي

فها أنذا في حمى الذاكرة

أهيم على آهة ساحره

رحم اهللا شوقي حين قال:

نازعتني إليه في الخلد نفسي د عنه بالخل لتغوطني لو ش

٦٧

ه ، ويعطيه أهميت هو الذي يخلق المكان ن، واإلنسا نسبي في المكان/ الوطن أمر فالجمال

من نوع حميمي ه ارتباط، ولكن بيئة محلية كادحة ، فارتباط الريماوي ليس بمفردات وجماله

آخر كما يقول ابن الرومي:

مآرب قضاها الشباب هنالكا وحبب أوطان الرجال إليهمو

ذكرتهمو إذا ذكروا أوطانهم

الصبا فحنوا لذلــكا عهود

، يخلصه من جور الليالي ق نجاة لهوالطفولة الحية عند شاعرنا إلى ط ةوتستحيل ذاكر

على استحضار الزمان والمكان بكل ها قادرة، ألن جوء، وشتات الل وأساها في منافي الهجرة

واالستالب: هفي التشوي ةه الحثيثالمحتل ومحاوالت ليه يدإتمتد نأ، قبل نقائه وبراءته

وها أنذا اآلن أسبح بالذاكره

وأنسج وقع الرؤى الحاضره

بأبيات شعر

رةتذيب ثلوج ليالي األسى الجائ

التشكيل اللغوي:

، لذا سنقف عند بعض ستفيضةلغوية م لدراسة تجربة الشاعر دراسة ال يتسع هذا البحث

. ، وهو المقاومة في شعر الريماوي الموصولة بموضوع البحثالظواهر اللغوية

دة متعد ففي دراستنا لشعر المقاومة، وقفنا على تعبيره عن الثورة بمضامين ومعان

، والمواجهة، ، وااللتحام ، والحقد ، والتمرد، والصبر ، والتحدي ، والغضب كالرفض

تنتمي إلى مرحلة الصراع المسلح مع الصهاينة كما شاع في لغته مجموعة ألفاظ . . . والصمود

، والقنابـل، والـدوشكا ، ، والسمنوف ، والكرلو ، مثل الكتيوشا )٣١(الغاصبين

كما انتشر في تجاربه التي عاصرت االنتفاضة مفردات، . . بي جي ، واآلر والقذائــــف

. . . ، والملتوف متراس، وال ، واإلطارات ، والنقيفة ، والمقالع ، والحجر مثل الشبل

أمرا طبيعيا لشاعر وظف تجربته لخدمة قضيته عديوانتشار مثل هذه المفردات وتلك

. الوطنية، وللتعبير عن موقفه النضالي، ورؤيته الثورية

٦٨

، وذات صلة وثيقة بموضوع البحث، هي الظاهرة التي تستحق التوقف في تجربته ولكن

دعا ولم يكن منحى الريماوي هذا ب . الفت أللفاظ الشعبية/ الدارجة على نحواستخدامه الواضح ل

بين شعراء المقاومة الفلسطينية، فهي ظاهرة مطردة في الشعر الفلسطيني المعاصر، تتفاوت من

، ولكنها تبدو أشد ، وعبد الرحيم محمود عند إبراهيم طوقان آلخر، نجدها واضحة شاعر

وعبد ، الدين المناصرة وعز ، ، ومحمود درويش ، وسميح القاسم يق زيادوضوحا عند توف

. ، وهارون هاشم رشيد اللطيف عقل

وقد نجد نظيرا لهذا مع تفاوت في الدرجة لدى شعراء التجربة الجديدة في الوطن

عتقدوا أن حيث ا . )٣٢(، وعده بعضهم من أهم ما تنبه له الشعراء الشباب في مجال اللغة العربي

، وهي لغة اإلنسان القبيلة يجعلهم يتحدثون بلغة استعمالهم لغة الحديث اليومي من شأنه أن

، التي Language of the Common Man، التي أطلق عليها "وردزورث" اسم االعتيادي

رف ، بوصفها ردا على اللغة الكالسيكية المليئة بالزخا تبنتها حركة الشعر العربي الحديث

. )٣٣(، مما يجعل اللغة أداة توصيل غير جماهرية ق في العبارةاللفظية والتصنع والتأن

في تجربة شعراء المقاومة أسبابها ودواعيها، فاستخدام شعراء فلسطين ةولهذه الظاهر

إنما يهدف -في اللغة الفصحى وإن كان لبعضها أصل -للكثير من األلفاظ الدارجة في أشعارهم

، يحاول بشتى الطرق شرس ، أمام عدو ، وتثبيتهم لها هم بجذورهم العربية الفلسطينيةثشبإلى ت

مالبسهم ألوان أطعمتهم و شيء، حتى في ، وطمس مالمح هويتهم في كل اقتالعهم من وطنهم

عدا كانت لغة الشعب وألفاظه تولم . التقليدية التي يسرقها لعرضها كمدلول تراثي صهيوني

هم وبحرهم الذي يغرفون ، فكانت ركيزت ، مال إليها الشعراء في شعرهم القذائف عله وق سالحا

وال نغفل أن كثيرا منهم . القول وسالح الكلمة ، وتضيف جانبا جماليا اجتماعيا لفن منه

. )٣٤(استخدموا األلفاظ الدارجة إيمانا بالواقعية في أشعارهم

، فقارئ شعره ال يكاد يخطئ غة الدارجة في تجربتهعماله للوأكثر الريماوي من است

التي قلما تعرفها ، ، حين يواجه تلك المفردات ذات النكهة المحلية نسبته إلى الشعر الفلسطيني

، والكركز الحذري، ، والحجل ، كالشنانير ، مثل أسماء بعض الطيور اللهجات العربية األخرى

، والشيح، ، والميرمية ، مثل الزيتون وأسماء بعض النباتات . . لقمير، وا ، والدوري والحسون

يات، مثل حاكورة، واستخدام بعض المسم . . ، والزيزفون ، والسعيسعة ، والشومر والزعتر

، والقناني، ، والزوادة وحبلة، وخابية، وحطة، وكعكوز، وسنسلة، وصفط الحلوى، والحنون

، ومنقوشة نسف، مثل الم واستخدام أسماء عدد من األكالت الشعبية . . بكة، والد والمطبقانيات

واستخدام بعض األفعال والصفات، . . ، والمسخن ، والمفتول ، والكردوشة ، والقصعة الزعتر

٦٩

. . ، والتعنتر والمشنشل . . ، وذرى ، وشلوح ، وشلح ، وفش غال ، وشرش مثل طشطش

، ولوز ، مثل تين الخليل ه أن يضيف بعض الكلمات إلى أماكن فلسطينيةوأحيانا يروق ل

. ومنحلة الكرمل ، الجليل، وبسمة مرج ابن عامر

ما زاد عن غيره في استخدام األلفاظ الشعبية الدارجة في عناوين قصائده، مثل ورب

. سهسة الطابون"، "عرق الميرمية"، "منقوشة زعتر على أنغام المزراب وه "طوابين الوطن"

، فيها غناء عن الكثير من األلفاظ الدارجة وهذه المفردات ذات النكهة الفلسطينية المحلية

. ، التي تشتبك أو تشترك فيها اللهجة الفلسطينية مع غيرها من اللهجات العربية لديه

ناصر ، وع ، واألرض وإذا كان تشبث الريماوي ورفاقه من شعراء المقاومة بالجذور

ل حرصهم على عملية التفاعل مع غفن ال نستطيع أن فإننا ، الهوية الوطنية وراء هذا الصنيع

. نشر في الصحف، ولي لقى في المحافل والمنتدياتفشعر المقاومة كتب لي . جمهور المتلقين

هم فهم كذلك ، التي يصدر عنها ه العملية حاضرا من خالل الرؤيةهم على هذويبدو حرص

."هذه الرؤية التي تنتمي إلى الطبقة العريضة في المجتمع ، للعملية اإلبداعية وصلتها بالجمهور

وطبقة . وهذا االنتماء تحدده طبيعة الظروف التي يعيشها الشاعر مع أبناء جلدته

ثقافة والتعليم، ها من ال، تتناسب مع حظ بسيطة واضحة الداللة والمعالم الكادحين تحتاج إلى لغة

. )٣٥(، التي تشدها وتستفزها في عملية التفاعل مع النص وأحيانا تحتاج إلى اللغة الشعبية

، وحرصه ، والتصاقه باألرض في سعيه الدائب للتشبث بالجذور -ولم يكتف الريماوي

قيه بالمزيد من يالحق متل ، بل يظل بهذا الحشد من األلفاظ الدارجة - على التفاعل مع المتلقين

الشعبي في اإلنسانؤى التي تعيش مع ، التي تستطيع اختزال المواقف والر تعبيراته الشعبية

، وسميح القاسم، ، أمثال درويش شأنه في ذلك شأن أقرانه من شعراء فلسطين . بيئته وتفكيره

. )٣٦(انويرى سميح القاسم أن توفيق زياد هو رائدهم في هذا الميد . وتوفيق زياد

، لما لها من حضور في نا اهتماما ملحوظا باستخدام األغنية الشعبيةبدي شاعروي

لذا نجد أن وعي الشاعر بهذا يدفعه إلى . به ، ولما لها من ارتباط قوي الوجدان الجمعي

٧٠

. ، وخلجات نفسه إلى جماهيره من زاوية ما تحب استخدام األغنية وسيلة في نقل أفكاره

. ي الذي يقطعه باتجاه جمهورهتسعف الشاعر فنيا لدى تشكيلها الحس -إذن- األعنية الشعبية ف

، ويهديها تاج مملكته المشغول بأنامل قلبه الولوع، فهو حين يغازل الحبيبة/ األرض

، ترددها الحباري والجواري: يصوغه لها من أغنية حرى

تصدح ميجنا

يا ميجنا

ا دوخت كل الدنىهذى عتاب

فكت ضفائر صمتها

)٣٧(فردت سنابل من ذهب

، ليخلعها واألغنية الشعبية هي النبع الذي يمتح منه الريماوي ضروب البهجة والجمال

على الحبيبة:

تهدي لها دلعونة العشاق

فرحتها

وطرحتها

وإكليل العجب

فلسطين )٣٨(، ويلذ لبعض شعراء يبة في الموال الشعبياألرض/ الحب "وجفرا" هي رمز

سيال من تحايا الصباح، ليهاإوفي قصيدة شاعرنا "صباح العشق يا جفرا" يسوق . مخاطبتها به

، يجعل "الميجنا" في موضع القلب من نسيج تجربته: وهي جملة من مفردات العشق الفلسطيني

صباح الميجنا المياسة األنسام

فها ظريف الطوليعز

ترسلها صبايا الدوح

في البندر

، لما ، وقدرتها على تفجير عشق األرض كما يستثمر الريماوي طاقات األغنية الشعبية

، ومسارب الروح: لها من ارتباطات وجدانية قوية وعميقة في أودية القلب

هيا . . . يا "ظريف الطول"

شنف األبصار

٧١

ي جرار الشعرعتق ف

عطر األرض

واكشف عن محار الومض

)٣٩(في قاع الشفق

العشق ، وتعويذة الحضور الحي لألرض في وجدان المتلقي الشعبية عنده هي ضمانة واألغنية

، وتحفزهم إلى مزيد من التوثب والنضال: التي تمأل قلوب أبناء األرض باألمل

"أوف مشعل"

. . . ت النسيان هز

هلت

زكت الحرمان

عجت

معدنت راح التفاني

طوبت روح األماني

باسم شبل

باسم زهره

)٤٠(جرسها في الروح شاهق . . "أوف مشعل"

، وأنه أبناء فلسطين الذين يدركون جيدا دور الشعر الشعبي في المقاومة وشاعرنا أحد

ولن ينسوا أبدا مصرع شاعرهم ..ذكاء روح النضال والتشبث باألرضوسائل الفعالة في إأحد ال

، وهو على رأس تجمع الشعبي "حميد" في "أم الفحم" في أواسط الخمسينيات بأيدي الصهاينة

للوقوف في وجه آالف من المواويل، والعتابا، وهم على يقين أن مصرعه كان محاولة . شعبي

. )٤١(التي كان يزرعها في طول الجليل وعرضه ضد االغتصاب وحكمه . . والميجنا

، ويرفعونها عاليا وعدا المقاومة يلتقطون راية الموال من "حميد" شعراء والءوها هم أ

الريماوي من قصيدته "الشهيد يرش ، فيقول ، ورعدا للقصاص من ظالمهم للخالص من آالمهم

ضياءه ملحا":

وأنا المتيم المناص

٧٢

يممت قلبي

للذي فطر الرصاص

يشدو بآالم الخالص

يا ميجنا

بثي على برق المنى

رعد القصاص

، باإلضافة هذا المنحى في شعر الريماوي وجمهور شعراء المقاومة وال تخفى أهمية

، بل على من تجاربهم فنياص ال يتنق ، وهو قصد إلى قصدهم إلدخال العامية في تجربتهم

، ، ويمثل ضمانة لتفاعلهم مع جمهورهم العريض ، يأتي متسقا مع موقفهم النضالي العكس

مدهشة على مخاطبة تلك المناطق الوجدانية العميقة في نظرا لما لهذه الوسائل التعبيرية من قدرة

. بنية النفس المسكونة بعشق األرض

عر الريماوي:الوضوح والمباشرة في ش

، وتقليال من قيمتها ال من أصالتهاي، ون اتهاما لتجربته عديكان ، وإن هذا العنوان إن

، ال يكاد يفلت ، ورؤيته الثورية شديد الصلة بموقفه النضالي لكنه في الحقيقية ملمح . . الفنية

. مهما سما قدره فلسطيني منه شاعر

، وتجسير تنا للغة الشاعر كيف سعى إلى االقتراب من متلقيهوقد الحظنا في دراس

، وبتوظيف األغنية الشعبية حينا ، وكيف راح يالحقه باستخدام األلفاظ الدارجة حينا العالقة معه

، بعيدا عن الرصانة والمتانة بمعانيها التقليدية إلى لغة الحياة اليومية ، مما جعل لغته أقرب آخر

، دون ، من أقصر الطرق ، لتخاطب جمهورا عريضا تتقاطع مع اللغة العادية غةإنها ل . .

. . ، ومنطق تفجير اللغة الدخول في دوامات الحداثة

قصائدنا بال لون

بال طعم، بال صوت

إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت

اذا لم يفهم (البسطا) معانيها

٧٣

فأولى أن نذريها

)٤٢(للصمت . . ونخلد نحن

، الذي اعتمد في أغلب قصائد هذا صوت شاعر الثورة األكبر "محمود درويش"

وربما كان الهدف . المراحل األولى من شعره األسلوب المباشر في التحريض على الثورة

أثيره علىه تتحدد بت، ومهمت أن الشعر عنده مهمة األسلوبفي اتباع درويش هذا األول والمهم

. عن أرضها وحقها ، لتهب بالتالي مدافعة ، وإثارة نار الحقد في صدورها الجماهير

، على ولعل وعي درويش بذلك كان وراء ازوراره عن استخدام األسطورة في تجربته

، لما ، ولم يقووا على مقاومة فتنتها فوها في تجاربهمالرغم من أن معظم شعراء المرحلة قد وظ

الحقيقية التي ال خالف فيها أن ولكن . ، وإثرائها ، وتكثيفها لها من قدرة على اختزال الرؤية

، ، تحتاج إلى قارئ مثقف ، وأمعنت في الرمز التجارب التي أسرفت في توظيف األسطورة

. وال تخاطب شعبا بكل فئاته ومستوياته الثقافية

ال . . ، والقلوب والعقول ، البيوت تضيء كل مصابيح المقاومة يريدون تجاربهم وشعراء

منظم بعد ، فقد ظهر شعراء المقاومة على نحو ر إال في منتجيهاتؤث ال نيةتكون أعماال ف أن

يتزامن مع حركة المقاومة المسلحة ، وهو ظهور ١٩٦٧هزيمة الخامس من يونية (حزيران)

. المنتظمة

جديدة، ، التي قدمت لألمة العربية قوة المقاومة لفدائي معا روحوا وكما مثل الشاعر

منحتها مزيدا من القدرة على الحركة واالنتقال من راهنها المرير إلى موقف آخر أكثر أمال

، اعترف متميز قوي ، برافد ، فإن تجربة شعر المقاومة قد رفدت نهر الشعر العربي وتفاؤال

، أمثال نزار قباني، الذي اهتز من أعماقه أمام هؤالء الشعراء رهم بهبتأث كبار شعراء المرحلة

يتعلم منهم، ويجعلهم مثال أعلى لدور الفنان ، ووقف أمامهم يعطيهم العهد الصادق أن المناضلين

. )٤٣(في حياتنا العربية

لمباشرة فيها سمة ، التي تجعل من الوضوح وا ها الخاصةإذن للقصيدة المقاومة مناخات

، ويصبح الحكم على تواضعها فنيا تسرعا وإجحافا، تقلل من أصالتها ، ال مثلبة مميزة لها

٧٤

- مثال-وما أكثر ما استهدف به شعر االنتفاضة . ، وجمهور متلقيها يغض الطرف عن طبيعتها

. ، دخلت إليه من هذا الباب الضيق )٤٤(من أحكام ظالمة

، إذا كانت قريبة من الشعريةر من خطورة التقليل من شأن التجربة بغي أن نحذ"لذا ين

شعرية ال وهو قمة - محمود درويش ، وتذوقهم، وقد رأينا أن ، ومستوى أفهامهم وعي الناس

تهم لصالح النص كيف هجرا شكلي -، وكذلك سميح القاسم جدال في مكانتها األدبية العالية

. ")٤٥(ي الواضحالشعري االنتفاض

، ورمزية الفراغ والجدب، ، واإللغاز ه عن الغموضفنحن نحمد لشعر االنتفاضة ابتعاد

المعاناة والواقعية ، هي حداثة من نوع جديد والدخول بالشعر العربي "إلى حداثة . . والحذلقة

ها ، وال سيما أن ةبخصائص الكلمة المناضل هم عن وعيالشعراء في فن ر، فصد )٤٦(الثورية"

، فاستعاد الشعر العربي إعالمية وثفافية جماهرية تصل إلى جمهور المتلقين من خالل قنوات

)٤٧( . . ي مطالب الجماعة روحيا وفكريا ، وأخذ يلب مكانته الفاعلة في الحياة

إال نا نفتح الباب واسعا لتجارب شعرية ليس لها من الشعروال يعني حديثنا هذا أن

الوضوح إذا اقترن بالخطابية ، ولكن حقا ال تعارض بين الوضوح والعمق . العروض الخليلي

. والنثرية وبساطة اإليقاع أفسد الشعر

زمنية ليست ، تمتد حقبة ، متعددة السمات االتجاهات شاعرنا متنوعة وتجربة

أن قصائده التي قالها بعد عملية ر، غي واضحة المعالم تطويرية بالقصيرة، وقد شهدت محطات

. بازرة في مسيرته الفنية السالم تعد انعطافة

ل ه لم تكن تشكباألولى يالحظ أن الصياغة في أكثر تجار هواوينفي د هلتجربت لوالمتأم

ي ولنستمع إليه ف . يقاع إلى حد السذاجة، وبساطة اإل ، والخطابية تحديا له، فوقع في المباشرة

:)٤٨(يخاطب ثورة "فتح" ، وهو ديوانه األول

رغم قيد العاديات البربرية . . فتح يا ضوءا تجدد

ما علمنا بعد هذا الهول

في البريه . . ميالدا توقد

٧٥

مثل ميالدك يا فتح األبيه

مت سلتي وفيها انتشار األسماء الموصولة ا ل، وتأم ه لحبيبته/ فلسطينهذا خطاب ومثل

:)٤٩(بالنثرية التجربة

لتعلمي حبيبتي

بأنني لوهلتي

من نورك اهتديت؟

وأنت وحدك التي

بوحيك اقتديت؟

وأنت منهلي الذي

من نبعه استقيت؟

ومن معينه الجلي

نهلت وارتويت

قع العديد من تجارب دواوينه ، حيث و إلى مزيد من االستشهادات ولسنا في حاجة

من أدواته، فجاء انفعاله أكبر . يفن ، التي ال تشي باحتشاد هذه البساطة الثالثة األولى ضحية

شعراء المرحلة الكبار، كما لم ، كما وقع تحت تأثير للكثافة واالمتالء وجاءت صياغاته مفتقرة

لكن هناك بعض التجارب التي . عليه يستطع فيها أن يتخلص من سطوة التراث الذي تربى

جلي إال في ديوانه الخامس "هلت جديدة في شعره، والتي لم تتبلور على نحو أرهصت لمرحلة

، وظهور أثر ه إلى االكتناز في اللغة، ونزوع ه ألدواتهحيث يتجلى امتالك . من صبرا عشتار"

وثرائها بعيدا عن إيقاعاته ، مع استواء والرمز ، والميل إلى استخدام األسطورة الثقافة والقراءة

وتنتمي . ، التي تفسد اإليقاعات الداخلية الحميمة اإليقاعات الخارجية ، وصخب سذاجة التقفية

. المقاومة الفلسطينية في لبنان هذا الديوان إلى مرحلة محنة تجارب

ما فيه تجاربه التي تنتمي إلى م، وأه ثم يأتي ديوانه السادس "الفتات على سياج الضوء"

، التي ال تمثل مر االنتفاضة، والعام األول من ع مرحلة ما بعد خروج المقاومة من بيروت

. بداعيةنعدها طورا جديدا في مسيرته اإل ، بل يمكن أن تكريسا لمنحاه في ديوانه السابق فحسب

٧٦

، التي تعبر تجاربه عن هموم يا جفرا"ومما ال شك فيه أن ديوانه األخير "صباح العشق

، نلمس منها كيف أصبح التشكيل الشعريةبارزة في تجربته انعطافة عدي، بعد مرحلة السالم ما

، مما ، يحتشد له الريماوي على مستوى الموقف واألداة ، وكيف غدا تحديا الشعري معاناة

طامح، فهو شاعر . ه في كل مرحلةه على تجاوز نفس، وقدرت يؤكد على طموحه الفني

تتوازى مع تجارب بأن هذا جعل تجاربه األخيرة جديرة كل . ومناضل مسكون برغبة االنتصار

له "يوليس ونرجسة ولنستمع إليه في آخر تجربة . شعراء الصف األول من شعراء المقاومة

اإلياب":

هيا انشري بنلوب ثوبك

بعد لسع االنتظار

رقصت حمامات اللوى

عزف الفنار

شوق البيادر للسنابل

للعنادل

شوق المنازل الحتفاالت الطيور إلى الدوالي

. . . شوق الليالي

خلوة العشاق في كنف الهالل

شوق المحار لرعشة

تلد الاللي

ييا دار عبلة باللقاء تنعم

وترنمي

وعمي سجاال تسلمي

ضحك النهار

ه ، فإن ، حتى وصل بها إلى هذا المستوى وإذا كان شاعرنا قد ألح على تطوير تجربته

واضحة، ، الذي يحرص على مخاطبة جمهوره العريض، من خالل لغة المقاوم قد ظل الشاعر

يقع في ، دون أن ةرالرموز، في بساطة متفج وشفافية ، مق الداللةال يتعارض وضوحها مع ع

، ووقعت مت تجاربه األولىس، التي و يقاعاإل، وسذاجة ، والنثرية والخطابية ، التقريرية

. لها بالتالي ضحية

٧٧

الصورة في شعر الريماوي:

يدة، مقومات القص ، إيمانا منه بكونها من أهم خاصة عناية الشعريةلى للصورة ولقد أ

عنده بحاجة والصورة . شهرتها وخلودها ، وضمان كبير في تمتين بنيتها التي تساهم إلى حد

. ، ودالالتها ، وأدواتها إلى دراسة مستقلة تتناول أنواعها

مركبة ، وصور تقليدية وأخرى عصرية ، وصور وكلية ها بين جزئيةفقد تعددت أنواع

. ل الحواسراس، وحينا باالستعارة والتشخيص وت حينا بالتشبيهلها يشك . . وأخرى انتشارية

، وذلك هاكما أن لألسطورة حظ . خذ من الرمز سبيال إلى تشكيلهاوفي بعض تجاربه يت

. استعانته بتوظيف التراث في تشكيلها إلى باإلضافة

، بما عنده لشعريةاة للصورة الفني لذا سنتناول في هذا المحور من الدراسة المالمح

. يخدم موضوع البحث

ذات خصوصية ه للصورة الفنية من مفرداتل لتجربته تشكيلما يلفت انتباه المتأم لوأو

من عالم ، أو مفردات تجربة له من عناصر مكانية فلسطينية فال يكاد يخلو نسيج . فلسطينية

، التي بتلك النكهة الخاصة مسكونةتجاربه مفمعظ . . القول فيها ، أو من دارج طبيعة فلسطين

، لفتنا لها، وأ معايشتنا لتجربته عد طولوب . في الوجدان الفلسطيني رةتجعل قصائده متجذ

، وذلك المعجم التعبيري والتصويري على تلك البصمات الخاصة فأصبح يسيرا علينا التعر

الوسائل فهو يكرس موقفه بكل . مالنضالي المقاو هذا ينسجم مع موقفه وكل . . لهذا الشاعر

د عناصر تلك الهوية، ه يؤكإن . . ، بأسماء المدن والقرى ، بالصورة بالكلمة . . الشعرية

مخاطبا الحبيبة/ األرض: ليهإولنستمع . . واالستالب ويخشى عليها التشويه

. . . لك يا غزالة

ومضه المعجون

زعتره من نوار

يهدب موج زهر البرتقالة "حطة"

. . . لك رعده األخاذ

. . . بالدفء المرصع

من ضياء كرومه

)٥٠(للجيد من حمر القطاف قالدة

٧٨

كيف يضفر صورة الحبيبة واألرض معا: لوتأم

. . . على ضفة نهدها

شعلة االرتقاء

. . . على ضفة خصرها

روضة االنتماء

. . . جدائلها

من قطوف تضيء النقب

تفوح بشهد الصمود

. . . مهدلة

)٥١(فوق عجز العرب

كيف تنتشر مفردات الطبيعة الفلسطينية، حين يخاطب الحبيبة (جفرا): وانظر

صباح الوعد يا جفرا

صباح اليانع األخضر

. . . صباح الشوق

حناء القلوب

ها الفواحوند

راح الشيح والشومر

)٥٢(صباح الزيت والزعتر

. ةي، شأنه في ذلك شأن شعراء المقاومة الفلسطين عنده ليست موضوعا مستقال والطبيعة

الوطنية، اإلنسانيةهي ذات صلة حميمة بتجربتهم ، إنما جمالية فهى في تجربتهم ليست غاية

. ، وفيها تصب ها تنبعومن

، وقفنا عند إحدى تلك الصور التي حالفه التوفيق وفي تناولنا لصورة الحبيبة / الوطن

. المرأة/ الوطن بالطبيعة ، مزج فيها صورة نادر فني بتشكيلها في ثراء

٧٩

، وال سيما حين حرص ق عناصر الحياة والخصب في الصورةفيها يالحظ تفو لوالمتأم

، ةبالوجدان الفلسطيني بخاص على تشكيلها من خالل مجموعة مفردات ترتبط بشكل حميمي

، ، والسنابل ، والقنابل ، ومولد الفتح ، ورعشة الصباح ، والكروم مثل الورد، والقمح

. . . والشظايا، والمشاعل

، "ففي ظلها يزحت أبناءها لهذا التموربما كان للطبيعة الفلسطينية خصوصيتها التي رش

، ولذلك لم يكن من الغريب أن تكون هذه من الشعر النقي الصافي ينطلق خيال اإلنسان إلى عالم

فالطبيعة الجميلة المتنوعة تمأل . األرض بالذات مهدا لكثير من الشعراء والحكماء واألنبياء

. )٥٣( ". . ، وترفع العقل إلى تأمالت غنية خصبة القلب بالعواطف الكبيرة

من الصور الجزئية، التي تتشكل من مجموعة وتبرز في تجربة الريماوي تلك الصور

، بحيث ال تتم الصورة فيها من خالل تراكم الصور التي تتناسل فيها الواحدة من رحم األخرى

، بل من خالل تناميها، كقوله: الجزئية

يهاجمني طيفك الكرملي

تهيج بحاري

لؤلؤة في محارييغوص ليزرع

. . . وينثر مرجانه

حول خلجان روحي

أوسمة تشتهيها النوارس

يلقي بمرساته عند شاطئ ناري

ويعلن بدء انتهاء الصراع

على قمم االنتظار الطويل

ليرسي الشراع

. . )٥٤(على همهمات رحيل الرحيل

ويمكن الوقوف على المزيد من . خترناه منهانا ما ا، وحسب الصورة أبعد من ذلك وتمتد

. ، التي يترك للمتلقي فيها حرية التحليل والتخيل )٥٥(مثيالتها في تجربته

٨٠

، فيلجأ إلى رسمها بواسطة مجموعة وربما سلك سبيال مختلفا في تشكيل صوره الكلية

ومن ذلك . . ، وتعميقا لها ابتفاصيله ، وإحاطة ، إثراء للصورة من الصور الجزئية المتالحقة

:)٥٦(قوله في قصيدته "الصعود إلى حلم المقاتل" مخاطبا الحجر الفلسطيني

وأنا أضمك شامخا

كالضوء في عز الظهيرة

كالصوت في وهج المسيرة

كالحقل يقطر بالدرر

. . . يكالوعد يرو

نبتة الفرح الفتية

في ليالي القهر

من نهر القدر

، وبخاصة في ديوانه "الفتات ويمكن تلمس المزيد من هذه الصور على امتداد تجربته

حيث تتشكل الصورة من مجموعة عناقيد من الصور شديدة الصلة بموقفه )٥٧(على سياج الضوء"

. النضالي

. لحديثةوفي مثل هذا النوع من الصور، ربما تجاورت الصورة التراثية مع الصور ا

، وال يحتاج ونقصد بالصور التراثية تلك الصور الجاهزة التي تستدعى من مخزون الذاكرة

ولنتأمل . ي الصورةتشكيلها إلى احتشاد فني يتجاوز بها المألوف الحسي في العالقة بين طرف

:)٥٨(في رسم صورة طفل االنتفاضة -مثال-قوله

طفل تسامى

طالع كالسرو

مى من رياح الغدريح

أزهار المواقع

يانع كالحب

تغبطه عصافير تنطنط في دمانا

شاسع كالقلب

في يخضوره نبتت رؤانا

. . . قاطع كالسيف

٨١

تحرسه المبادئ والشرائع

:)٥٩(ومثلها قوله عن طفل االنتفاضة

قد جاء شامخا

كالحور كالكينا

يغرينا كالكرم

، وحينا آخر يلجأ إلى ، فحينا يستعين بالرمز ع أدوات الريماوي في تشكيله لصورهتتنو

وربما كان الرمز هو أكثر أدواته شيوعا . ف التراث في أحيان أخرى، وقد يوظ األسطورة

ي في ، فهو رمز رمزي في االعتبار األول خطاب -عموما-، "ألن الخطاب األدبي واستخداما

أي أنه جهد تعبيري يحتشد . في حلقاته الجزئية النامية -أيضا-، ورمزي محصلته النهائية

لكي تحافظ على غنائية )٦٠(بالدالالت الرمزية التي تتفاوت حيوية وفرادة من شاعر إلى آخر"

. الشعر، وتنأى به عن األداء التقريري المباشر

، إذ إنه أي (الرمز) أساسيا للتعبير عن موضوعها ونام للقصيدة عيقد ويمكن للرمز أن

. أو الموضوع الشعري الفكرة لخدمةيمتلك طاقة هائلة

، ورأينا كيف أثرى تجربته من خالل وقفنا على صورة الحبيبة/ األرض وقد سبق أن

ذات صلة قه بأرضه من خالل رموزر عن تعلفقد عب . مه المقاو، التي تتسق وموقف هذه الرؤية

: ، والسنابل ي، والدور ، كالزيتون ، ومصدرها الطبيعة الفلسطينية حميمة باألرض

زيتونة الزمن الشهيد

تلوح خلف سراب نظرتنا

كما لو أن عصف الحزن يلفحها

غصون فرحتها هنا شبح يجد

. . . م هنا ورق تبس

هاهنا دمع ترقرق

فيهاليس أحجية صراع الذات

. . نحن في زمن التنازل

. . . نحن في زمن التآكل

)٦١(آه يا زيتونة الزمن الشهيد

٨٢

وربما . هلشعب، وانتمائه صاق الشاعر بأرضهيشي بمدى الت )٦٢(هذه الصورة ومثل

: استخدم الريماوي "الزيتون" رمزا لهمومه القومية العربية

أبصرت خارطة الوطن

ت على أوراقهازيتونة حزن

فتسمرت في أرضها

السوس يمخر في العروق

فطهرت أعماقها

والريح تعوي في الشقوق

فشذبت أطرافها

موج الغريب يجوبها

زبدا بصاعق رعدها

)٦٣(والبوم من زمن يعاقر خمرة من زيتها

، ولم يعتمد عليها في اوين األولىلم يول الريماوي األسطورة أدنى اهتمام في ثالثة الدو

تخليه عن حرجه هذا، ديوانه الرابع "موال من وراء الغربة" يقدم إلينا بداية ، لكن تشكيل صوره

من وعيه ولعل عزوفه عن استخدامها كان بدافع . واستكشاف طاقات األسطورة التعبيرية

فقد تواصله الحميم بها، ي ، ال يريد أن جماهيرية عريضة ها تخاطب قاعدة، وأن بطبيعة تجربته

شاعر الثورة الفلسطينية األكبر محمود دوريش لم يلجأ عبر تجربته اإلبداعية وال سيما أن

. الطويلة إلى استخدام األسطورة إال نادرا

، ال يتجاوز كونها صورة جزئية في سياق بدأ استخدام شاعرنا لألسطورة بسيطا ساذجا

عناقيد الصور التي يشكل بها صورة "جده":من تيار

جدي سيد األسياد منجله وتر

والميجنا راح الغصون شذا العمر

سيزيف إيقاع البقاء على كمان العزم

ابتدئ في فك لغز الحب . . . جفف حبة العرق

)٦٤(أنت المنتظر

٨٣

عن نزوع واضح إلى األسطورة في ويأتي ديوانه التالي "هلت من صبرا عشتار" معلنا

إلى - وقد نجح . يجعل منها رمزا كليا يستوعب القصيدة ه لم يستطع أن، لكن العديد من تجاربه

وبخاصة في تجربته ، في تحقيق ذلك في ديوانه التالي "الفتات على سياج الضوء" - ما حد

ه األخير "صباح العشق يا جفرا" نا ديواأم . )٦٥(تصاهر ورد مغدوشة" . . . "طيور إيثاكا

، وتعد قصيدته وعيا ونضجا ، وبدا استخدامه لها أكثر ها الواضح فيهفلألسطورة حضور

، حيث قام بتوظيف األسطورة توظيفا في هذا المجال "يوليس ونرجسة اإلياب" أعالها قامة

. مل قصيدتهيجعل منها رمزا كليا يحتضن مج ، واستطاع أن دالليا

. ويلجأ في استخدامه لألسطورة إلى إضاءة رموزها في الهوامش على طريقة السياب

، )٦٦(عت مصادرها عنده ما بين مصريةتنو ، ، لذا بعينها وال يقف استخدامه لها عند ثقافة

. وغير ذلك . . )٦٩(، ويونانية )٦٨(، وفينيقية )٦٧(وبابلية

ه في بعض تجاربه األخيرة إلى توظيف طاقات ، وميل ز حيناه للرموال يعني استخدام

وغل في رموزه بحيث فهو ال ي . ، وبالتالي بجمهوره ي بوضوحهه يضح، أن سطورة فنيااأل

، ولم تتحول عنده إلى ه لم يسرف في توظيف األسطورةكما أن . يهاه على متلقتستغلق تجارب

ه لرموز أساطيره رغبةما كانت إضاءاتورب . واحدة تجربةرمز كلي يستوعب القصيدة إال في

ما حققه ما كان هذا أهم، ورب ال ينفي الخصوبة والعمق ، وهو وضوح منه في اطراد وضوحه

. الريماوي في تجاربه األخيرة

هناك عناصر تراثية عربية ف، الذي رفد تجربته ى جانب هذا المصدر التراثي الثروإل

، )٧١(، والسهروردي)٧٠(، مثل حي بن يقظان ، أفاد منها في التعبير عن موقفه المية خصبةوإس

د ، ومولد السي صلة بصورة السيدة العذراء، وبخاصة تلك اآليات المت وبعض الصور القرآنية

ا من ، الذين أفادوا كثير قياسا بشعراء المرحلة ها مع ذلك قليلةولكن . )٧٢(المسيح عليه السالم

بارزة في تشييد المبنى ، حتى أصبح هذا المنحى سمة توظيف العناصر التراثية في تجاربهم

توظيفه لتلك العناصر التراثية قد ظل بسيطا كما أن . الرمزي لرؤيا الشاعر العربي الحديث

تلك استخدامها، وتنميتها باستمرار، حتى تستطيع إلى تكرارها، ومعاودة محدودا، فلم يسع

. ، من خالل ما يخلقه بينها من وشائج الرموز احتضان تجربته مجتمعة

٨٤

:الخاتمة

، وهو يصدر في تجربته لقد نذر الريماوي نفسه وفنه لخدمة قضاياه الوطنية والقومية

مسكون فهو شاعر . مطرد بمفهوم المقاومة والثورة منذ المحاوالت األولى عن وعي الشعرية

.والثائر معا يتوحد فيه الشاعر . . . النصر، وحلم الوصول ، وشوق التحدي ورغبة، بالنضال

. . . تصبح الثورة نظاما وسياسة الذي يأبى أن ، والثائر شىء الذي يعيد النظر في كل الشاعر

ه إلى مجموعة بوابات ، لذا تحولت موضوعات تتمحور تجربة الريماوي حول األرض

...، والطفولة ، واألب ، والجد ، واألم فالحبيبة ... اللها إلى حضرة الوطن وأبهائهيعبر من خ

عنده، هذه الرموز وأكثرها أهمية وربما كانت الحبيبة أكبر . تتحول عنده إلى رموز لألرض

والعام ، فيلتحم الخاص االنصهار فيها ، وحيث يتحد بها إلى حد حيث تتماهى المرأة بالوطن

. وإنسانية أكثر رحابة ، تجعل تجربة الحب في آفاق وطنية رحبة عنده

، كما أن بوابات الوطن وكنا نود لو ألح على صورة الحبيبة/ الوطن على امتداد تجربته

، لتصبح اتجاها واضحا في إلى المزيد من اهتمامه حتى تتسع أكثر األخرى كانت بحاجة

. ثورةتجربته المنذورة للمقاومة وال

، وال االهتمام تستحق الفت ظاهرة استخدامه لأللفاظ الشعبية / الدارجة على نحو عديو

، التي نجد مع هذا المنحى التعبيري في تجربة شعراء المقاومة الفلسطينية ها تأتي متسقةسيما أن

ه له الشعراءما تنب عد من أهم، وت لها نظيرا لدى شعراء التجربة الجديدة في الوطن العربي

. ق في العبارة، باعتبارها ردا على اللغة الكالسيكية المليئة بالزخارف اللفظية والتأن الشباب

ثه بجذوره العربية الفلسطينية ويأتي هذا المنحى في استخدام اللغة عند شاعرنا بدافع تشب

ه على تحقيق ، وحرص بته المقاومةلوعيه بطبيعة تجر ، كما يأتي استجابة شرس عدو إزاء

. عريض من المتلقين عملية التفاعل مع جمهور

في ، لما لها من حضور كما وظف أيضا طاقات األغنية الشعبية الفلسطينية شعريا

، ولما لها من قدرة على تفجير عشق األرض في الذات الفلسطينية، وجدان اإلنسان الشعبي

. ال والشعر الشعبي في المقاومةالفاعل للمو إدراكا منه بالدور

٨٥

، جعل من الوضوح والمباشرة مةكما أن وعيه بطبيعة المناخات الخاصة للقصيدة المقاو

من نوع تنحو بالشعر العربي إلى حداثة -كما الحظنا - ، وهي سمة مميزة لتجربته سمة

، واإللغاز، ورمزية الفراغ ا عن الغموض، بعيد المعاناة والواقعية الثورية حداثة . جديد

تنأى -في الوقت ذاته -، وهي مقفيها بين الوضوح والع ال تعارض وهي حداثة . . بدوالج

. ، وبساطة اإليقاع ، والنثرية عن الوقوع في الخطابية

ه ا تجاربن، التي لم تقنع ه لم ينجح في تحقيق هذه الحداثة في دواوينه األولىأن والحقيقة

. . . ، وسذاجة اإليقاع ، والخطابية ، فوقع في التقريرية افيها باحتشاده فني

، تجعل تجاربه متجذرة ذات خصوصية محلية ل عنده من مفرداتالفنية تتشك والصورة

. زتعبيري وتصويري متمي ، وتجعلها ذات معجم في الوجدان الفلسطيني

انسجاما جاء هذا كل . والطبيعة في وطنه هيمية العالقة بين صوركما الحظ الدارس حم

. . . مع موقفه النضالي، وتكريسا لعناصر الهوية المستهدفة بالتشوية واالستالب

يال إلى م - في تجاربه األخيرة- ومن خالل تتبع أدواته في تشكيل صوره، الحظنا

، باإلضافة إلى توظيف بعض العناصر تعبيرية، وتوظيف طاقات األسطورة ال استخدام الرمز

يسرف في استخدام الرمز واألسطورة إلى حد ، لكن دون أن من التراث العربي واإلسالمي

تناس لطبيعة تجربته م ، غير ، ودون أن يضحي بوضوحه وبعالقته بجمهوره اإللغاز واالنغالق

. مةالمقاو

، فهو ه إبداعيانفس ز، وتجاو اإلضافة جديدة على بةتجر ومازال الريماوي قادرا في كل

. . ، والتجدد ، واالستمرار بمنطق االشتعال بنارها المحكومة ، الموشوم ابن الثورة الفلسطينية

مجيد "فأنت شاعر :أحمد عبد المعطي حجازي حين قال لمحمود درويش وصدق الشاعر

، لن يستجيب لك الشعر إال وأنت على تلك ما دعوتها، هذه هي فرسك ك مناضل ك شاعرألن

. )٧٣(الفرس الخطرة"

٨٦

ه هذا القول في شخص درويش لكل شعراء المقاومة، الذين نذروا أنفسهم ه يوجوكأن

، ومهما كانت فرسهم سرا، مهما كان الدرب طويال ع وتجربتهم للتعبير عن موقفهم النضالي

. نافرة عصية

٨٧

راسةهوامش الدحصل على . م في مجدل الصادق/ اللد١٩٤٥* الشاعر أحمد يوسف الريماوي ولد عام

وماجستير في التاريخ ، ليسانس دراسات فلسفية واجتماعية، ودبلوم دراسات إسالمية عليا

ن الهيئة اإلدارية يرأس اآلو . على درجة الدكتوراة في التاريخ ٢٠٠٨كما حصل عام ، الحديث

: له من الدواوين . لصحفيين الفلسطينيين بالسعوديةللكتاب وا

. ت. د -السعودية -نادى جدة األدبي -) يا ابنة الكرمل ١(

. م١٩٧٩ - مطبعة ميسلون بدمشق - ) أنغام فوق سجن الكبت ٢(

. م١٩٨١ -مؤسسة النبراس بدمشق -) يا كرم الزيتون األخضر ٣(

. م١٩٨٤ -مطبعة الخالدي بعمان -ل من وراء الغربة ) موا٤(

الكرمل للدراسات والطباعة والنشر بدمشق -) هلت من صبرا عشتار ٥(

. م١٩٨٥ -

. م١٩٨٨ -بالدمام - مطابع النور -) الفتات على سياج الضوء ٦(

. ) صباح العشق يا جفرا ٧(

المؤسسة العربية - منظمة التحرير الفلسطينية - وميات الحزن العادى ي -محمود درويش )١

. ٥٤ص - ١٩٧٣ -للدراسات والنشر

، ص ١٩٨٧بيروت -المؤسسة العربية للدراسات والنشر -مجنون التراب -شاكر النابلسي )٢

٧٢ .

. ١٩ص -يا ابنة الكرمل )٣

. ٨٢ص - موال من وراء الغربة )٤

. ٧٦ص -يا ابنة الكرمل )٥

. ٤٢ص -يا كرم الزيتون األخضر )٦

. ٢١ص -يا ابنة الكرمل )٧

. ٧٢ص - مجنون التراب )٨

. ١٥ص - صباح العشق ياجفرا )٩

. ٦٢، ص١٥٩العدد -أدب المقاومة -مجلة المعرفة السورية -نجاح العطار )١٠

راجع في ذلك : )١١

عربيـة للكتابالدار ال-األرض في شعر المقاومة الفلسطينية -محمد القاضي-

. وما بعدها ٢٣ص ،١٩٨٢ تونس

٨٨

دار الكتب -محمود درويش شاعر األرض المحتلة -حيدر توفيق بيضون -

. وما بعدها ٥٥ص - ١٩٩١بيروت -العلمية

. بعدها وما ٢٤٤ص -مجنون التراب -

. ٢٤٤ص - مجنون التراب )١٢

. ٤٠ص - يوميات الحزن العادي )١٣

. ٢٢، ص١٩٧١ -بيروت -دار العودة - محمود درويش : شيء عن الوطن )١٤

. وما بعدها ٩٢ص -أنغام فوق سجن الكبت )١٥

. ٢٠ص - صباح العشق يا جفرا )١٦

. ٥،٦ص -الفتات على سياج الضوء )١٧

- ١٩٧٨-الكويت-عالم المعرفة-اتجاهات الشعر العربي المعاصر -إحسان عباس . د )١٨

. ١٠٨ص

. ٥٢ص -ا ابنة الكرمل ي )١٩

. ٣٢- ٣١ص -أنغام فوق سجن الكبت )٢٠

. ٤٧ص -على سياج الضوء تالفتا )٢١

. ٥٧ص - هلت من صبرا عشتار )٢٢

. ١٢٥ص - ١٩٨٦ -بيروت-المؤسسة العربية -رغيف الحنطة والنار -شاكر النابلسي )٢٣

عة دار المعارف للطبا - الثورة في شعر محمود درويش -انظر: ياسين أحمد فاعور )٢٤

. وما بعدها ١٠٨ص -١٩٨٩- سوسة بتونس -والنشر

أدب المقاومة في فلسطيــــن المحتـلة -وغسان كنفاني-

. ٢٢،٤٢ت) ص . بيروت(د -) دار اآلداب١٩٦٦-١٩٤٨(

. ١٥٣ص -ورغيف الحنطة والنار-

. ٤٦١ص -ومجنون التراب -

. ٢٢ص -فلسطين المحتلة أدب المقاومة في )٢٥

-١٩٩٥-عمان - دار الكرمل- الشعر والقضية. . محمود درويش- راجع: نادي الديك )٢٦

. ١٤٠ص

. ٦٧ص -هلت من صبرا عشتار )٢٧

. ١٣٠-١٢٩ص-١٩٩٢-بيروت -دار اآلداب -صدمة الحجارة-عبد العزيز المقالح . د )٢٨

٨٩

١١٦ص- ١٩٨٧-القاهرة-ة مطبعة األمان -القصيدة المهاجرة -محمد الشنطي . انظر: د )٢٩

. وما بعدها

. ١٨٠ص- راجع: محمود درويش شاعر األرض المحتلة )٣٠

القاموس اللغوي لشعر المقاومة عنده: )٣١

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص كتيوشا

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص الناتو

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص الكرلو

. م الزيتون األخضريا كر ٤٤ص السمنوف

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص الملتوف

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص الخنجر

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص الدوشكا

. يا كرم الزيتون األخضر ٤٤ص آر بي جي

. يا كرم الزيتون األخضر ٥٢ص الرشاش

. يا كرم الزيتون األخضر ٦٠ص المدافع

. يا كرم الزيتون األخضر ٦٢ص الميليشيا

. صباح العشق يا جفرا ٥٠ص المدافع

. صباح العشق يا جفرا ٢٧،٣١ص أطفال الحجارة

. الفتات على سياج الضوء ١١، ٧ أطفال الحجارة

. الفات على سياج الضوء ٢٠، ١٨، ١٧، ١٥، ١٣، ٨ الحجر

. صباح الخير يا جفرا ٢٨، ٤٣، ٣٥، ٣١، ١٢ الحجارة

. صباح الخير يا جفرا ٣٥، ٣١، ٢٠ المقالع

. الفتات على سياج الضوء ٨ المقالع

. الفتات على سياج الضوء ٨ إطارات

. الفتات على سياج الضوء ٢٠، ١٨ قنبلة

. الفتات على سياج الضوء ١٠ النقيفة

. الفتات على سياج الضوء ٢٧ المتراس

. صباح العشق يا جفرا ٤٩ النقيفة

. صباح الخير يا جفرا ٢ الرصاص

٩٠

. صباح الخير يا جفرا ٢٣ انتفاضة

. صباح الخير يا جفرا ٣٥ الذخائر

مطبعة -بغداد-١٩٥٨الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى -انظر: يوسف الصايغ )٣٢

. ١٥٢ص- م ١٩٧٥األديب

ضمن ملف مهرجان -التحديات التي تواجه القصيدة العربية-الستار جواد عبد . انظر: د )٣٣

. ٢٦٥ص - ١٩٨٩بغداد - وزارة الثقافة واإلعالم -المربد الشعري التاسع

راجع في ذلك: )٣٤

دار الفكر-الجانب االجتماعي في الشعرالفلسطيني -محمد شحادة عليان -

. ٣٠٥ص -١٩٨٧- عمان

المؤسسة العربية-في فلسطين المحتلة الشعريةالحركة -صالح أبو إصبع. د -

. وما بعدها ٢٩٤ص-١٩٧٩-بيروت-للدراسات والنشر

القاهرة -دار سعاد الصباح- ثالثون عاما مع الشعر والشعراء- رجاء النقاش -

. ٦٥ص -١٩٩٢

بيروت- دار اآلفاق الجديدة-يث دب الفلسطيني الحدحياة األ -عبد الرحمن ياغي -

. ٢٩٠ص-١٩٨١

. ٢٤٢ص -١٩٩١دمشق-مؤسسة النوري - لغة الشعر عند سميح القاسم-جمال يونس )٣٥

. ٦ص- ١٩٧٠ -بيروت -دار العودة -األدب واألدب الشعبي -انظر: توفيق زياد )٣٦

. ٨٩ص - صباح العشق يا جفرا )٣٧

عمال الكاملة، المؤسسة من األ ٤٦، ص٢٢انظر: ص . ناصرةمثل الشاعر عز الدين الم )٣٨

. م١٩٩٤، ١العربية للدراسات والنشر: بيروت، ط

. ٨٦ص -الفتات على سياج الضوء )٣٩

. ٨٩ص - المصدر نفسه )٤٠

. ١٧ص -انظر: أدب المقاومة في فلسطين المحتلة )٤١

. ٢٥ص -١٩٨٤بيروت - دار العودة- محمود درويش: أوراق الزيتون )٤٢

. ٣٠٢ص -رض المحتلة حمود درويش شاعر األم )٤٣

. ١٢٧راجع: صدمة الحجارة ص )٤٤

٩١

- ١٩٩٥ - عمان -دار الكرمل -االنتفاضة والشعر الفلسطيني -إبراهيم خليل . د )٤٥

. ٣٧،٣٨،٦٨ص

. بعدها وما ١٥٠ص -الشعر والقضية . . محمود درويش -وانظر أيضا:

- القاهرة -الهيئة العامة للكتاب-عراستشراف الش-صبري حافظ . و د -

. ٢١٣ص-١٩٨٥

. ١٥٦،١٥٧ص -والثورة في شعر محمود درويش -

. ١٦ص-١٩٨٨ -بيروت-منشورات نزار قباني -ثالثية أطفال الحجارة -نزار قباني )٤٦

. ٢٢ص- ١٩٩١ -مطابع النور بالدمام -ديوان االنتفاضة-أحمد الخطيب . راجع: د )٤٧

. ٢٦ص -ابنة الكرمل يا )٤٨

. ٥٩ص - المصدر نفسه )٤٩

. ٥٣ص -الفتات على سياج الضوء )٥٠

. ١٢٦ص- المصدر نفسه )٥١

. ٢٠ص - صباح العشق ياجفرا )٥٢

. ١٦٦ص-شاعر األرض المحتلة . . محمود درويش )٥٣

. ٥ص- صباح العشق ياجفرا )٥٤

. ١٨، ١٧، ٩ص -انظر: المصدر السابق نفسه )٥٥

. ٣٥،٥٥،٥٦ص -شتار هلت من صبرا ع -

. ٥٤،٥٥،٨٧،٩١،٩٣الفتات على سياج الضوء ص -

. ١٤ص-الفتات علىسياج الضوء )٥٦

. ٢٢،٤٧،٥٥،٥٦،٧٧ص - المصدر نفسه )٥٧

. ٣٦ص- هلت من صبرا عشتار )٥٨

. ٤٣ص- المصدر نفسه )٥٩

رموزه وأساطيره الشخصية (مهرجان المربد -الشاعر العربي الحديث-علي جعفر العالق )٦٠

. ٧٥ص- ١٩٨٩بغداد -الشعري التاسع) وزارة الثقافة واإلعالم

. يجد: يجني ثمارها بعنف متوسال بعصا طويلة •

. ١٣ص - صباح العشق ياجفرا )٦١

. ١٦ص -انظر: المصدر السابق نفسه )٦٢

. ١٢٨ص-والفتات على سياج الضوء

٩٢

. ٥٨،٥٩ص- هلت من صبرا عشتار )٦٣

. ١٥ص- موال من وراء الغربة )٦٤

. ٢١ص-تات على سياج الضوء الف )٦٥

. ٢٣ص -وزيريس" هلت من صبرا عشتار أ"انهت )٦٦

و "انجيدو" الفتات على ٤٠ص -"هلت من جرحى عشتار" المصدر السابق نفسه )٦٧

. ٦١سياج الضوء، ص

. "طائر الفينيق" من قصيدة يوليس ونرجسة اإلياب (آخر تجاربه) )٦٨

. ٢١، صر إيثاكا" الفتات على سياج الضوءيو"ط )٦٩

. ١٠ص -ات الدايند" صباح العشق يا جفرا تيو"ف

. ١٥،٣١ص -و"سيزيف" موال من وراء الغربة

. ٥٦ص -الفتات على سياج الضوء )٧٠

. ١٨ص - صباح العشق يا جفرا )٧١

. ٩ص - هلت من صبرا عشتار - انظر )٧٢

. ٤٦، ص٤ص -صباح العشق يا جفرا -

. م٢٢/٢/١٩٧١العدد -مجلة روز اليوسف -بد المعطي حجازي أحمد ع

٩٣

٩٤

دبـى في األصقاأل فاضةانت

نموذجاأة في الشعر د الدرحمراثي مم

٩٥

٩٦

بعنوان "انتفاضة األقصى في دراسة تقديم -االنتفاضة انإب - ليس من اليسير اآلن

ر استجاباتها عن تتأخ ، ومسرح قصيرة، ورواية األدبية السردية من قصةاألنواع ؛ ألن األدب"

برصد أثره على ، لتقوم من ثم أطول في معايشة الحدث الضخم ، فهي بحاجة إلى وقت الشعر

على مواجهة ه هو األقدروحد والشعر . العالقات االجتماعية واإلنسانية ، وشبكة نسيج الحياة

، وها نحن ذا نراه مجددا في وهذا ما الحظناه إبان االنتفاضة األولى . دتهسخونة الحدث وج

. انتفاضة األقصى

التي كان الشهيد "محمد الدرة" الشعريةنا على التجارب ينصب جهد ، آثرنا أن لذا

لتي ا ، وجسدت القصائد لهذه االنتفاضة ة قد غدا رمزاالفتى الدر خافيا أن يعدولم .هامحور

. لحركة شعر انتفاضة األقصى المباركة خصته باالهتمام والرثاء صورة

، الذي جاء استجابة لالنتفاضة الشعر العربي التصدي لجمع فيض لقد كان للباحث شرف

بذلك "ديوان ما، مقد ه ودرسهتمحيص ، ومن ثم ، تلك الوثبة التاريخية المشهودة األولى

. لحركة شعر االنتفاضة ين صورةضعت بين أيدي المهتمقة التي و، تلك الوثي االنتفاضة"

، التي كان الفتى الشهيد "محمد الدرة" الشعريةوطالما نحن بصدد الحديث عن التجارب

م، ٢٨/٩/٢٠٠٠رت بتاريخ النتفاضة األقصى التي تفج ، وهي تجارب جاءت تلبية هامحور

المد الشعري يحضرنا القول بأن -على تلك البداية بعد مرور سبعة أشهر قدةوما زالت مت

الشعري الذي رافق انتفاضة األقصى وأوفر من المد الذي واكب االنتفاضة األولى كان أكثر

بدعة شعرا في دعم الحجر هذا تقليال من قيمة الدور الذي تنهض به الكلمة الم عديوال . الحالية

. الفلسطيني المناضل

، وأبعد ع المتشائمين، فكانت ضد توق الوثبة األولى انبثقت من رحم اليأس لوم أنفمن المع

ها هو الجيل الذي راهن عليه الجيل الذي حمل عبئ ما أن، وال سي وأكبر من أحالم المتفائلين

حالة لذا ، شكلت تلك الوثبة . ؛ فقد راهن على وعيه ووالئه ألرضه وقضيته الصهيوني العدو

فا، يا وكغير مسبوق كم ، فجاءت االستجابات اإلبداعية عربيا على نحو رية غير عاديةشع

، والتفاف الجمهور العربي حول القصيدة توحيد المشاعر العربية فكان لتلك االنتفاضة فضل

٩٧

ةالشعري، زاحم القصيدة من الرواية والقصة القصيرة منافسا خطيرا غدا كل العربية بعد أن

. ينمكانتها لدى جمهور المتلق

ها قد حققت من شروط ، رأينا أن بلغ عدد القصائد التي اجتمعت لدينا ثالثا وعشرين قصيدة

دتنا فقد عو . يا، واستبعدنا بعض التجارب المتواضعة فن للدراسة الجودة ما يجعلها صالحة

، انطالقا من دورها لشعر االنتفاضييض اما يصل إليها من ف العربية على نشر كل الصحافة

، أو قيمتها الفنية، ، دون النظر إلى أسماء أصحابها ر في إفساح المجال أمام تلك التجاربالمقد

. ها دفق المشاعر النبيلة فيها وطيب النواياوحسب

ن، ، مثل : األردن، وفلسطي التي بين أيدينا تنتمي إلى عدد من األقطار العربية والتجارب

ونحن على يقين . مترجمة لشاعرة أمريكية ، ومنها قصيدة ، وسورية ، والسعودية والعراق

، لكن ما بين ها لم تصل إليناهناك تجارب أخرى لشعراء من أقطار عربية أخرى، لكن بأن

. ا لم تصل إليه أيديناعم أيدينا فيه غناء

ها وبعض . وشعر التفعيلة، وقصيدة النثر ، ع شكل هذه التجارب بين الشعر العموديلقد تنو

طريقها على ، وثالثة ألصوات شعرية بدأت تشق ، وأخرى لشعراء معروفين لشعراء كبار

ل دراسة في الموقف، والثاني ين : األوتكون الدراسة في محور وقد رأينا أن . دروب اإلبداع

. دراسة في التشكيل

في الموقف : دراسة

ها دما يوح ، ولكن ، كما سنرى من خالل الدراسة الفنية لها هذه التجارب فنياتفاوتت لقد

. سةمفرداته المكر م بكلها تنتمي إلى األدب المقاو، وكون ها حول استشهاد الفتى الدرةتمحور

بالموقف ، فمن تعريض ه المتنوعة، له أطياف ممقاو أصحابها فيها عن موقف رفقد صد

، إلى تصوير استشهاد "الدرة" واغتيال الهجمة الصهيونية الشرسة ، إلى إدانة ي المتخاذلالعرب

–، انطالقا من رؤية متفائلة بالنصر والتحرير، تصل ، باإلضافة إلى الدعوة للجهاد براءته

. اليقين حد -أحيانا

٩٨

على أدوات ه الجليأثر -كما سنرى –عة م بأطيافه المتنووقد كان لهذا الموقف المقاو

. ، والبناء ، واإليقاع ، والتصوير التشكيل لهذه التجارب على مستوى اللغة

لصور ل إدانة، يشك في اغتيال طفولته ة العدوصدي، وق كان مشهد استشهاد "محمد الدرة"

ق ال تصد . . يصرخ قائال " يا دمي ، مما دفع ناصر شبانة ألن التخاذل والعجز العربي

، وبها اختتم مقطوعاتها ، واستهاللها قصيدته عنوان ، فكانت هذه الصيحة رصاص الكالم"

، ، وتضج بالسخرية من حالة التردي النضالي العربي تقطر مرارة ، وهي صرخة الخمس

بال دعم في هذه الحرب الظالمة : وحيدا الذي يجعل الدم الفلسطيني عاريا

يا دمي … …

نا غداة غدفال تنتظر

كي نخبئ عوراتنا خلف أوراق

توت الشهامة

إنا رضينا بما قسم النفط

للشهداء

من الواجبات السريعة

وإذا كان ناصر شبانة قد شغل نفسه على امتداد القصيدة بهاجس تعرية الراهن العربي،

:ةبا الدراط، فيقول مخ دين ويسخر معافالشاعر عباس أمير يكتفي بسطر واحد من قصيدته لي

. وال أحد يجير سوى مالثمة اللحى خلف الموائد . .

، وتطلعه إلى مالذ عربي أو حصار الموت له ة" لحظةوهذا محمد ضمرة يخاطب "الدر

معتصم :

تـرجع خالياسرنـو تفـأليا ال تلتفت كل الجهات حبيسـة

نوط مداوياوالموت صار لدى الق إنـا يتامــى فالبالد ترملت

ولما انتشلنا مجدنا المتهاويـــا لوالك أنت لما تفجــر غيظنا

حيث انطرحنا للغزاة مواليــا فلقد مشينا في جنازة يومنــا

٩٩

ها إدانة، فتكاد تكون قصيدته كل ا الشاعر السعودي عبدالعزيز بن عبداهللا العزازأم

، ومنها يقول : ا أوقعه في المباشرة والخطابية، مم وتعريضا بالتهاون والتواني العربي

يكشـر عن نيوب بالتيـاح فيـا عربـا تعـاموا عن عدو

والتـالح وشـأنهم التفرق تعــاموا، ثم نامـوا، ثم ماتوا

كمنتظر العطايا من شحـاح ومن يطلب من العرب انتخاء

متها الداعية إلى األخذ بخاصة على مقد، و ويتكئ الشيخ عائض القرني على بائية أبي تمام

، حيث يقول : طب الجوفاء، والخ ي عن "رصاص الكالم"، والتخل بأسباب القوة

في متنـه الحسم للبهتان والكذب السيف أمضى من التهريج والخطب

)١(أبي لوالموت بالعز معشوق لك والثـأر يبعثـه األبطال إن صدقوا

وال الحروف ولو كانت من الذهب الفصحى مصيبتنـاال تنجد اللغـة

ل بين الشهيد حميمي رهيف متخي وفي تجربة عدنان النحوي التي بناها على حوار

: ، يقول االبن ألبيه متسائال ، وذلك حين استحكمت حلقة الموت من حولهما ووالده

د نزيدــقأرض، نحن المليار أو قلت لي يا أبي : ماليين هم في الـ

فق أو نجيدــأو مش يأبـبـ ـهل يرانا األرحام في األرض؟ هل هب

، وأين األخوال؟ أين الجدود؟ـم أين إخواننـا؟ وأين بـنـو العمـ

، أو ر حجم الخيبة التي تصدم هذا الفتى حين يبحث عن مالذتصو وهي تساؤالت

وكأني بالشاعر يستحضر أجواء مسرحية صمويل بيكيت . ةمعتصم من أمتيه العربية واإلسالمي

ما ال ، فقد وقع ضحية ده "الدرة"س، الذي يج الفلسطيني اآلن فهذا حال . "في انتظار جودو"

. ل الكبار وزرها أمام جيل المستقبل، يتحم ، ووقع ضحية شعارات مضللة يجيء

س أيمن العتوم مثل هذا المعنى بقوله :ويكر

غير العد والرقم . . مليون مليون واهللا ما في العرب لو حشدواواهللا

، وقد سلك أكثرها لهمجية العدو الصهيوني إدانة -في مجملها –التي بين أيدينا التجارب

محمود درويش يتجاوز تلك لكن . سبيل المباشرة والصراحة في تصوير بشاعة هذا العدو

، مستغال تقنية المونولوج، من التعبير اإليحائي ن إلى ضربالمباشرة التي وقع فيها اآلخرو

١٠٠

الحيوان يعد، ، التي تضعنا أمام عدو ، ليحدث تلك المفارقة المدهشة واالستدعاء من الذاكرة

المفترس أرقى منه سلوكا وغريزة :

محمــد

لكنـه . يرى موته قادما ال محالة

يتذكر فهدا رآه على شاشة التلفزيون،

وحين . فهدا قويا يحاصر ظبيا رضيعا

. دنا منه شم الحليب، فلم يفترسه

ا سائر التجارب، فقد وقعت في المباشرة حين سعت إلى تصوير بشاعة العدو وهمجيته، مأ

الشاعر العراقي علي الطائي : ها مباشرة قولوربما كان أقل

سلبوا منك الشباب والشيخوخة مرة واحدة

. النار على فتوتك العزالءوهم يفتحون

كفرقة تنفيذ حكم اإلعدام

. رأيناهم يجرون الحاضر أمام الجميع إلى القتل

بتقديم صورة هم انشغاالوكان الشاعر الفلسطيني المغترب في فرنسا (أحمد منصور) أكثر

باشرة :، حيث يبدأ برسم صورة يتوسل لتشكيلها بلغة تتراوح بين اإليحاء والم العدو الهمجية

شاهدتهم باألمس

في عز نار الشمس

ال يرمشون الرمش

في حصد الصغار

ال يعرفون الحس

. في جز الكبار

، وأبطال ، ومصاصي الدماء رنا بدراكوالثم يمضي بعد ذلك إلى تقديم صورة لهم تذك

أفالم الرعب :

فالدم ال يرويهمو -

لحم ال يكفيهمو وال

جباههم يا والدي لمع الفؤوس -

تنقض من معاقد الرؤوس

أصداغهم خناجر

١٠١

عيونهم مجامر

أنيابهم تبارقت حراب

تسابقت للنهش في الرقاب

، وأفاعي ال تعرف سوى مفترسة ال تروضها اتفاقيات السالم ويراهم أيمن العتوم ذئابا

، ال يفهم إال لغة القوة : البشرمن ، ونوعا دمويا الغدر خلقا

يروض الذئب في شعب من الغنم والحالمون بترويض الذئاب كمن

فليس تنفث غير السم في الدسـم هاــهي األفاعي وإن أغراك ملمس

وكم تصيح بمن هم عنك في صمم ف ملطخـــةــتمد كفا إلى ك

يــر النار والضرموال يخاطبـون بغ ال يسمعون سوى قرع السيوف

ي عن آدميتهم: واكتفت الشاعرة األمريكية بيغي أبوجابر برميهم بالجنون، واتهامهم بالتخل

رجال مجنونون يقتلون األبرياء

هل ثمة حل لهذه الثورة العارمة ؟

أم أن قدر اإلنسان أن يكون فريسة

عيونهم، وصموا آذانهم لمن أغلقوا

عن رؤى الطبيعة الخالبة، والسماء الزرقاء المسالمة،

وحقول القمح المرتعشة، واألزهار الفواحة؟

النص األصلي يتحمل هذا الوزر؟ ولم ، أم أن ها إلى الترجمةوال ندري أهذه التقريرية مرد

، ص تجربته من هذه المباشرةيخل يستطع الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي أن

، وبخاصة حين يلتفت بين الحين واآلخر والتقريرية، والبساطة في التعبير على امتداد قصيدته

إلى صورة العدو :

إن جنديا يهوديا على الساحة عربد -

. . وتمادى وتوعد

أن جيشا من بني صهيون، -

لإلرهاب يحشد

توقدأن نار الظلم والطغيان

أن آالف الخنازير

١٠٢

. . على المنبع تورد

، ورسم ذلك المشهد، ةها الفائقة بتصوير استشهاد الدرولعل أجمل ما في هذه التجارب عنايت

في مالمسة مهم ، والمقروءة قد نهضت بدور ، والمسموعة وسائل اإلعالم : المرئية ال سيما أن

، وكيف تكور بلحظة ، وهي تعرض صور استشهاده لحظة دافئة فيناتلك المواطن العميقة ال

، فقد ، ولكن عبثا حاول ح األب بيده العزالء المرتعشة، وكيف لو بخاصرة أبيه ثامتشب

، وصاغ ، قاال بعضه حميمي دار بين االبن وأبيه حوار وعندئذ . . استحكمت حلقات الموت

، وحالة تفاصيلها ودقائقها خاصة بكل ها لحظةإن . ته أكثرهالشاعر العربي من وجدانه ومخيل

. رحبة من تجليات اإلبداع ، منحت الشاعر آفاقا شعرية نادرة

، ما قبل الموت م حوار، وبرعوا في توه الشعراء في تصوير مشهد الشهادة هذا لذا، افتن

، فتخيلوا ذلك لى أبعد من ذلك، وذهبوا إ ، أو حوار اللحظات األخيرة أو ما قبل الشهادة

. ، وهو على مشارف الشهادة، وتخوم الموت المونولوج الذي دار في نفس الفتى الصغير

ر الهول ، فصو شعرية كثيفة ر عن هذه اللحظة بكل زخمها في ومضةفمحمود درويش يعب

ذاك الحوار ، و الموت الذي غدا يستشعره يقينا ، وهاجس الصغير وخوفه ، وضعف حدقالم

: ، حيث يقول في استهالل قصيدته ل بين االبن وأبيهالحميمي المتخي

محمــد

يعشش في حضن والده طائرا خائفا

من جحيم السماء : احمني يا أبي

من الطيران إلى فوق ! إن جناحي

. والضوء اسود …صغير على الريح

من تفاصيل مشهد الهمجية مع جانب وفي المقطع الرابع من القصيدة تمتزج صورة العدو

أو موازنة بين صورة فهد يحجم عن افتراس ظبي صغير، ، من خالل عملية موازاة الشهادة

ي وقد استعان درويش في ذلك بتقنيت . ةر الدرمال يتورع أن يقتل صبيا في مثل ع وصورة عدو

: ، وختم تلك الموازنة بقوله االسترجاع والمونولوج الداخلي

محمـد -

مالك فقير على قاب قوسين من

. ة صياده البارد الدميبندق

١٠٣

كان في وسع صياده أن يفكر باألمر -

ثانية ويقول : سأتركه ريثما يتهجى

. . فلسطينه دون ما خطأ

ز الشاعر عدنان النحوي على حوار اللحظات األخيرة، وبه يستهل قصيدته :ويرك

خائف ! والرصاص حولي شديد ليـك ! فإنيضمنـي يـا أبي إ

ـب علينا رصاصهم ويزيـد ضمني ! واحمني ! فما زال ينصب

، فيقول في المقطع األخير منها : وبه يمضي إلى نهاية القصيدة

وطوته عنـا فياف وبيـد ! وغاب منه نداء . . . ! يا . . يا أبي

في ذراعي أبيه سهم حقود أسكتتــه رصاصة ورمـــاه

وهكذا أتاح . ، وولوج بوابة الشهادة فهو يرسم باللغة وعالمات الترقيم بداية الصمت األبدي

ا ، مم ، فأقام تجربته على تقنية الحوار ما قبل الرحيل للشاعر النحوي أفقا إبداعيا خصبا حوار

. ي شعره الموسوم بالجزالة، جعلته يتجاوز المألوف ف وشفافية منح القصيدة حيوية

، هو الذي أوحى ألحمد منصور بعنوان ، وما رافقه من حوار منظر االستشهاد ويبدو أن

فهو . وبه استوى بناؤها . ، وكان الحوار هو عصب تجربته قصيدته " افتح لخوفي خاصرة "

ذلك الحوار الحميمي لحظة االستشهاد، فيقول : يستهلها به مصورا

ي تهاوت ضمنيروح

ني يديكبه

نياش يقضالرش رش

ع فؤادي ساعديكرد

كرمة لبكني بصاغرز

ما بين وادي عاتقيك

على قلب ةفبابا ! أنا ش

. كمصلوب عليك

استخدامه أن ى، وال يخف ويمضي بهذا الحوار المشحون بلغة المجاز عبر مقاطع تجربته

. ذكية إلى طفولة الدرة المستهدفة بالموت لكلمة (بابا) إيماءة

١٠٤

، ويصر الشاعر على المقطع السابع من القصيدة صوت األب إال في مستهل عوال نسم

، حيث يقول على لسان األب : استخدام تلك اللغة المحكية في بالد الشام

. خافقي "طخوا" معك …وك يابا" "طخ

، علما بأن ي هذه التجربة أو في سواها من التجاربس استخدام األلفاظ الدارجة فولم يتكر

لها أسبابها ، وهي ظاهرة في تجربة شعراء المقاومة في فلسطين هذا المنحى يشكل ظاهرة

وإن كان –، فاستخدام شعراء فلسطين بخاصة للكثير من األلفاظ الدارجة في أشعارهم ودواعيها

، وتثبيتهم ثهم بجذورهم العربية الفلسطينيةإلى تشبإنما يهدف –لبعضها أصل في اللغة الفصحى

. )٢(بل اقتالعهم من وطنهم ، وطمس مالمح هويتهم ، يحاول بشتى الس شرس ، أمام عدو لها

، ففي تفاصيل المشهد ما يغنيه، لقطة الموت أما الشاعر محمد القيسي فلم يشغله حوار

، ومنه ةقصيدته الطويلة تصويرا الستشهاد الدر، فقد جعل المقطع الثاني من ويثري تجربته

يقول :

هذا البكاء الذي ال شفيع له،

خلف متراسه األبوي،

فأية تلويحة توقف النار،

أية تلويحة توقف النار!

يبكي محمد، يبكي محمد، يبكي

يشد على الرغبات األخيرة في دمه،

قبل أن يستكين إلى فخذ والده،

. . يغطي الدخان المكان و

التعبير التجربة في اعتمادها واقعية ، ولكن ق في تجنب الوقوع في شرك الخطابيةفوقد و

. واكتنازا كانت بحاجة إلى لغة أكثر كثافة

فهو يفتتح تجربته باالعتراف بتواضع ، ةمدهشة الستشهاد الدر م عباس أمير صورةويقد

يقول :الشعر أمام هذا الحدث، ف

إن الذي سالت به أرض القصيدة لم يكن يعني دمك،

ى له يعني دمك !أن

، حين اعتذر عن كتابة قصيدة قولة الشاعر عبدالعزيز المقالحمع م هذا القول متسقا تيويأ

، وكتبوها باأليدي واألقدام أطفال الحجارة سرقوها من أقالم الشعراء ؛ ألن االنتفاضة األولى

١٠٥

فحسب، لغويا ليست تركيبا الشعرية ، والصورة كتب بالكلماتعنده ال ي فالشعر . ةالمكسور

. )٣(احتجاج صامتة ، وقد تكون حركة عظيما لكنها قد تكون موقفا

، فهو يجعل ة في لقطة الموتعلى صوت الدر هم التركيزوإذا كان اآلخرون قد جعلوا هم

، وعلى الرغم من اتكائه لذي ال نسمع سواه على امتداد التجربة، ا األب المكلوم مبتغاه صوت

إيحائية ه ينجح في استخدام لغة، إال أن بها هذا النوع من الحوارعلى األساليب الطلبية التي يتطل

وقد بلغ الغاية بقوله : . . ، والومض ، واالكتناز شديدة التوتر

؟ ماذا ترى؟مكتقد ك في المكان، أم اقترحتظل أألم

. . بناظريك ك كي أليقمتدما قوأ

ر قلبمن البنادق قد وقد قربت

في يديك؟ الطفولة دقترثم س

. ني عليكمفي خصري، وعل الوردي كرأس ر، احشأبني

إلى جهاتك ني إليك، وألجئ الحجر العنيدم، قدأبني

ني إليك إذا انكشفت،، لملمأبني

. أطرافي عليك لدو

من التحام هو ضرب ، هذا النحو علىولعل تركيز الشاعر على صوت األب

، وهذا هو اإلحساس ل تجربته في فقد صغيره، وتمث ده مع صوت األبالشاعر وتوح

عودف عن افتدائه عاجز واألب ، ، وهو يعاين استشهاد االبن اأب من الذي سكن كل

، ال سبيل إلى تفيض بزخم من التساؤالت والهواجس إنها لحظة . شبح الموت عنه

. ، وامتالء لغته واكتنازها ضهمو التعبير عنها إال من خالل الشعر بكل

" إلى )٤(الرحمن العشماوي في السمو بتجربته "هو رامي أو محمد ق الشاعر عبدوفولم ي

تصويره للحظة االستشهاد بتلك المعاناة فال نظفر في . ، أو إلى ما هو دون ذلك هذا المستوى

، حيث يقول : الشعريةخاصة تليق بهذه اللقطة في البحث عن لغة

هو رامي أو محمد

صورة المأساة تشهد :

أن طفال وأبا كانا على وعد من الموت محدد

مات رامي أو محمد

مات في حضن األب المسكين،

والعالم يشهد

١٠٦

. . مشهده أبصره الناس

وكم يخفى عن األعين مشهد !

، ولم سياقاتها النثريةو، فلم تغادر تقريريتها داللتها المعجمية وهكذا ظلت لغته أسيرة

. ، فحرمت القصيدة من إيقاعها الداخلي أيضا ترتفع إلى مستوى الموقف

ة الموت، العزيز بن العزاز للقط ، كان تصوير الشاعر عبد هذه البساطة في التعبير ومثل

حيث يقول:

رصاص كالرياح ره طـتم فهذا الدرة المقتول طفــال

من القتل الشنيع المستباح حمـاه أبوه بالجسـم اتقاء

بادروه بانتطـاح كن ـول ورـتوارى بين (برميل) وس

ة، الدرمن قصيدته الطويلة لتصوير استشهاد كبيرا ويفسح الشاعر أيمن العتوم جانبا

بأبيه العاجز عن حمايته، -بعد إصابته–ث الطفل ه لتشبما جاء في تلك الصورة وصف وأجمل

حيث يقول :

موت خالل الوجه ملتطم عن موج تشبث الطفل واألنفاس الهثــة

في سمـاء الموت والعدم صرخة أو لعــل خيط حياة سوف ينقذه

وغام الصوت في . . حبيبي أبي فصاح والرعب يمشي ملء أضلعه

ف الفتى أباه يكل ل وصيةولكن أيمن العتوم زاد عن اآلخرين في تصوير المشهد بأن تخي

، فيقول : ال محالة أيقن أنه راحل ، وذلك بعد أن لها وتنفيذهامبتبعة ح

نم ميتا وحدي فال تنمأفإن أنا سأقضي دفاعا عن حمى وطني

هدية، إن هذا العيد عيد دم البيت واحملني لوالدتي وعد إلى

، فبه افتتح ومثل هذا النهج كان صنيع موسى حوامدة، الذي ألهب مشاعره هذا الحدث

هاجسه على امتدادها، ، وظل ال تنتظر كبش السماء"، وبه اختتمها . . ، يا أبي قصيدته "أبي

في ، ونحن وقوف لنا له يقدمون أرواحهم فداءه وأمثا، وكأن صوت الفتى هو المسموع وظل

. . انتظار ما ال يجيء

١٠٧

لم يكن بيني وبينك يا موت سوى أبي

والشكر للرصاص الذي يعرف اللحم الطري

يعرف معنى العيد ويوم الفداء

. أنا كبش يا أبي، فال تنتظر كبش السماء

، انتهينا إليها أثناء استشهاد الدرة، ونحن بصدد الحديث عن صورة مهمة مالحظة ةثم

لها في تجارب أندادهم ، وهي مالحظة لم نظفر بمثيل لنا لتجارب بعض الشعراء العراقيينتأم

ه في العراقي عندما واجه مشهد استشهاد الدرة رأي نفس فالشاعر . في األقطار العربية األخرى

، واستهداف لسطين هو حصار العراقف فحصار . . ، ودمه ؛ رأى حصاره، وجرحه المشهد

واحد، ، العدو إذن . أشكال الموت أطفال فلسطين بالقتل هو استهداف أطفال العراق بكل

محمد اخ مخاطباچرومن ذلك قول الدكتور حكيم ال . . والهدف واحد، والجرح النازف واحد

الدرة :

إني نسيت –عفوك –قرأت بعينيك

حصاري

فراتوشحة ماء ال

وجئتك ألثم جرحي

دمائي . . ألن دماك

فنم هانئا ، فوق صدر العراق

، من ، هي فليحة حسن واحدة من جيل الشعراء الشباب في العراق من هذا قول بيوقر

:قصيدتها "الشهيد البطل"

سأجمع هذي الدماء التي

ما تزال تحط الرحال

لكيما أقول

بأن تفاصيلنا واحدة

بيننا فارقوثمة ما

بسيط ، بسيط

هو الجرح يا صاحبي

غير أني صداه !

١٠٨

للواقع، المقاومة "رفض ، وأدب ياتها من أفق المقاومةالتجارب التي بين أيدينا تمتح تجل

، واالضطهاد، ، وغضب عارم ضد صور القمع عن األلم ، وتعبير بالقدرة على تغييره وإيمان

. " )٥(راف حياة أخرى وأمل في استش . . واالستالب

الكثير منها كان صريحا في الدعوة إلى النضال، وحين نتأمل هذه التجارب نالحظ أن

ت عن هذه المفردة من أدب سائر التجارب قد تخل وهذا ال يعني أن . ، ومعانقة الموت والجهاد

معادالت الراهن الذي ب يخلق فينا وعيا ه أناألصيل حسب فالفن . ، أو قد تناستها المقاومة

بأن يكشف طالباليس م والفنان . يكشف عن عالقة الفرد بالحياة من حوله نعيش، وحسبه أن

. واحد ، ويصف الدواء في آن الداء

إلى النضال غوثي لم تكن الدعوة فيهما صريحةرفقصيدتا محمود درويش ومريد الب

فقد . ، ولكنهما تصبان في الغاية ذاتها مر، من خالل أساليب الطلب وأفعال األ والمقاومة

األصيلة هي الشعرية والتجارب . ةإيحائية لبقة في مواجهة حدث استشهاد الدر استخدما لغة

من ، وتظل تطرح علينا سيال ، تحاورنا ونحاورها التي تشغلنا بنفسها بعد فراغنا من قراءتها

. ، ال أن يجيب عنها سئلةيثير فينا األ الفن أن ة، ومهم األسئلة

ألم على النضال عيبا الصريحة إلى الجهاد ، والتحريض ، ال تعني الدعوة وفي المقابل

، تنامه فيه الشعراء إلى جماهير عريضة من أبناء أم، يتوجمقاو ، فهذا أدب بسائر التجارب

وقد تعود المتلقي العربي على هذا . اويبخن وعيهم الفني ، وليس أدبا ممن تتفاوت مستويات

، ومنذ أن وريةنا أبي تمام في الوجدان العربي يوم فتح عمى صوت جددو الصوت منذ أن

من فوق صهوة حصانه في حضرة سيف الدولة المنتشي بانتصار -أنشد جدنا األكبر (المتنبي)

". . رائعته ذائعة الصيت "على قدر أهل العزم - "الحدث"

ز ، التي تشق طريقها بقوة على دروب التمي ةالشاب الشعريةمن أصواتنا صر شبانة واحدفنا

بهذه اإلدانة، ، وفي الوقت ذاته لم يكتف يللراهن العربي المترد ، جعل قصيدته إدانة اإلبداعي

آفاق والمهانة إلى فة الذلدوالدعوة إلى الخروج من ص التي تعني في وجهها اآلخر التحريض

اعتماد الدم الفلسطيني على ضرورة -على امتداد تجربته-د ، بل نجده يؤك البذل والتضحية

نفسه :

١٠٩

وكن يا دمي الحر

في ساحة العرس وحدك

أنت الذي قمت فينا تصلي

. ونحن نيام

دعوة في ال افذ أنموذجا عدي، في تراثنا الشعري سابقا ويستلهم الشيخ عائض القرني موقفا

، حيث يقول : ، وذلك باتكائه على (بائية) أبي تمام إلى األخذ بأسباب القوة

المجد يا قوم للهنديــة القضب واكسر يراعك صاح الدهر مرتجال

ة، فاشتر البارود بالكتبـرصاص مليون ملحمة خرساء تحرقهــا

ق مع قصيدة علي وفم ناصاخ إلى الجهاد من خالل تچرالحكيم ال وتأتي دعوة الدكتور عبد

محمود طه "أخي جاوز الظالمون المدى" ، حيث ختم قصيدته بهذه اللقطة الكثيفة من حوار

لحظة الموت :

. . أبي ، جاوز الظالمون الـ

بلى ، ولدي قد سمعت الندا

فحق الجهاد

وحق الجهاد

وحق الفدى،

، فيقول : ةهيد محمد الدرويخاطب عباس أمير " طفل االنتفاضة " في شخص الش

مكد ابجس

،مكللتع ة، بي حاجامعلك مثم اقترح

،مكم نباتات الروابي أن تطال توسعل

م صالة الراكعين على التوضؤ في دمكعل

ق فوق منكبها غباراتم نياشين القيادة أن تعلعل

. م مأتمكالطفولة كي تعل

، يلقي علينا دروس للتضحية افذ ، ومعلما للجهاد ساميا مالعدا مفالشاعر يرى الدرة قد غ

. الفداء النبيل

١١٠

معنى "الدرة سا، مكر مما ذهب إليه عباس أمير قريب ويذهب حسام اللحام إلى معنى

، فيختتم قصيدته بامتزاج الدعوة إلى الجهاد بتلك الرؤية اليقينية الستشراف النموذج والقدوة"

. ويبقى رصاص المسدس ، ، حين يموت رصاص الكالم أفضل غد

في تجربة محمد -أيضا –ويمتزج التحريض على المقاومة بالرؤية المستقبلية المتفائلة

، حيث يقول في ختام المقطع األول : وإيحاء ، ولكن على نحو أكثر شفافية القيسي

هيئي الفلذات فما من عذاب،

يشابه هذا العذاب،

من جنون وما

واحذري أن تشقي ثيابك،

أو تقعدي عند بابك،

. منتحبة

هيئي أي شيء لنا

وارفعي الرقبة

. ارفعي الرقبة

، ويصوغها في وتستغرق الدعوة إلى الكفاح الشطر األول من قصيدة الشاعر أيمن العتوم

(ال تبرح، واحم ساليب النهي أ، يستهلها بسلسلة من أفعال األمر و سياقات شعرية خطابية

) ولعل . . ، وقف، وال تدع ، وجابه ، واقبض على الجمر ، وانقش دماك القدس، والتحم

أجملها قوله :

أنا انتهينا، أتيناهم من العدم نقضي عمالقة حتى إذا حسبوا

استطاع فإنه، وإذا كان الشاعر غازي الذيبة قد اتكأ على أفعال األمر في دعوته النضالية

قوله : مثال ، ولنأخذ جو من تلك الخطابية الزاعقة في تجربة أيمن العتومأن ين

خذ رسم قدسك شارة

لالنعتاق من السكينة والسكون

وخذ نهارك بعد صلية حرقة في القلب

الصاع واذهب كي ترد

فالخفراء في جبل المكبر

. . لم يعودوا غير وهم رابض في الخوف

١١١

بدور ، يقر ديني متسامح دعوته إلى النضال والمقاومة عن موقف ويصدر وليم الصناع في

، حيث يقول : المسلمين في تاريخ األقصى

دس تصرخ إذ تريد تحرراـفالق ش واألسير مقيدـعي ال طاب

نحكي الحكاية ثانيا، كي نشكرا لو جاء (خالد) أو (صالح) فإننا

عد، التي ت مة والجهاد تلك الرؤية التفاؤليةبهذه الدعوة إلى المقاو وثيقا ويتصل اتصاال

أمته الحي القادر على بخاصة هو ضمير ، والشاعر مجوهرية في األدب المقاو مفردة

. ته وتاريخهاه العميق بماضي أم، ووعي استشراف اآلتي من خالل قراءته المستأنية للحاضر

وليس لدينا وقت للسقوط أو االنكسار، . . وهذا ما دفع درويش إلى القول "إننا نصرخ وننزف

، وبحوافز تشد ، إن لم نتسلح بتفاؤل تاريخي إننا نخوض المعركة …أو االنهزام النفسي

. )٦(، فكيف نمضي؟" العضد في معركة التحدي

وحين نقرأ قصيدة درويش "أبد الصبار" من ديوانه " لماذا تركت الحصان وحيدا؟" نجد

تفاؤلية تأتي من وهي رؤية . ، وقيام دولة فلسطين ، والتحرير يقينية بالعودةأنفسنا أمام رؤية

، ويأتي ختاما ، ال من خالل مقطع فيها يلحقه الشاعر بدعوته إلى الجهاد خالل مجمل القصيدة

األرقى عديومثل تلك التجربة . مبنائية تفرضها واجبات األدب المقاو ه وحدة، وكأن لقصيدته

ها تخاطب عقل المتلقي العربي ووجدانه ، وألن ، ألنها تحترم وعي المتلقي العربي سمىواأل

. معا

ها قد التزم ، وإن كان معظم لم نجد في التجارب التي بين أيدينا قصيدة الرؤية المتفائلة

قول غازي الذيبة : ، مثل أفضل ، يمنحنا األمل في استشراف غد ، أو ما أشبه بمقطع ختامي

ت إلى أوكارها الطيرفحتى إذا خ

صعد الغناء من الحناجر

والمساء بصمتك الغافي تردد

يا أيها الولد الندي

ستقوم بعد هنيهة

لترى الظالم وقد تبدد

، حين يخاطب "الدرة" اليقين ، فتصل حد المتفائلة في ختام قصيدة عباس أمير ا الرؤيةأم

معلم النضال النموذج بقوله :

١١٢

موتك واحد، نم بنود الذلة الرقطاء فقرة : أعل

ظلك واحد، عمرك واحد، ثم أن نثم أ

. . ولذا، فدربك واحد، ال لن يجزأ

دربك، مثل عمرك، مثل موتك، مثل ولذا، فأرضك مثل

. . ظلك، لن تصير إلى اختصار، أو تجزأ

، حيث يقول بعد أن عراقي علي الطائي قصيدتهوبمثل هذه الرؤية اليقينية يختتم الشاعر ال

سابق منها عن إمكانية "سقوط المطر" وسط هذا الهول المحدق : تساءل في مقطع

فهل ستنزل األمطار؟

ستنزل األمطار

. ستنزل األمطار يا فتى المطر

، "العاديات خيل المعتصم وصالح الدين وكلما حلمنا بتحرير األقصى راودتنا صورة

وقع هنا ، وترفع ظلما ، وهي ترسم بسنابكها مجد أمة ورية وحطينضبحا" على ثرى عم

. س األقصى الصعداءمن المعاناة في ظل حمالت الفرنجة يتنف ، فبعد قرن وآخر هناك

ه ثانية؟ ويجيب الشاعر أيمن العتوم بأن علينا : هل يمكن أن يتكرر المشهد الذي يلح والسؤال

: يراه ممكنا

خيل المغيرين من أحفاد معتصم غدا تعود إلى ساحاتها ألقـا

ساحة الحـرم يحطين ثانية ف وتلتقي بصالح الدين موعدنا

عن ، بعيدا عن رؤيته المتفائلة ويجعل ناصر شبانة المقطع األخير من قصيدته تعبيرا

األمل والنصر، تفيض بالصور والرموز الدالة على ، في لغة ضجيج السياقات الطلبية

واستشراف الغد المرتجى :

ها هي القدس

راحت تمسد شعر الصغار

تقلم أظافرهم بالحجارة والنار

تكحل أجفانهم بالدماء المحالة

بالجمر

كل صباح انتظار

كي يزرعوا األرض

١١٣

بالبرتقال وبالغار

دراسة في التشكيل :

، لذا كانت الضرورة تستدعي آلخر للموقفأدوات التشكيل هي الوجه ا نحن على يقين أن

وقد آثرنا . م بتنويعاته المتعددة، ونحن بصدد الحديث عن الموقف المقاو أن نشير إليها أحيانا

، لنبلور مالمح التشكيل المشتركة بين مجموعة من تفصيلي أن نرجئ الحديث عنها على نحو

ما يجمع هذه وكل . ى بيئات شعرية مختلفة، ممن ينتمون إل كبير من الشعراء التجارب لعدد

ين في االعتبار تفاوت هذه االستجابة بين ، واضع لموقف بعينه ها جاءت استجابةالتجارب أن

. تجربة وأخرى

، تلك أن انتفاضة األقصى هي امتداد لالنتفاضة الفلسطينية األولى وينبغي التنويه بداية

خاصة على يات، فمنحتها تجل قصيدة الشعر العربية االنتفاضة التي تركت بصماتها على

، ، وأساليب جديدة في التعبير ، ولغة جديدة ، وشحنتها بمضامين جديدة مستوى الموقف

تنأى وهي حداثة . " )٧(، وهي "حداثة المعاناة والواقعية الثورية ودخلت بها إلى حداثة جديدة

، وتقترب بها من وعي الجمهور اق في الرمزية، واإلغر بالقصيدة عن اإلمعان في الغموض

، التي ال يمتلك تهافتة، دون أن تفتح الباب واسعا لتلك التجارب الم )٨(العربي العريض

. أصحابها سوى النوايا الطيبة

ف ، والتلط هذه التجارب التي جاءت على مركب الوضوح والمباشرة وبين أيدينا بعض

مثل تجربة ، ، ظنا منهم أن الوضوح يتعارض مع العمق عامجماهيري في مخاطبة وعي

، ومثل قصيدة ، التي وقعت في مأزق التقريرية الرحمن العشماوي "هو رامي أو محمد" عبد

، وقصيدة "كم شهيدا قد رزقنا" لشفيق عجاج بن مفرج، "يا درة تاج فلسطين" لرياض العزة

ولعل عبدالعزيز المقالح كان يقصد . عبد األمير وقصيدة "أغنية صغيرة لمحمد الكبير" لعامر

. )٩(مثل هذه التجارب التي سحقتها المباشرة في االنتفاضة األولى

، وبساطة سذاجة التعبير ا سائر التجارب فقد امتازت بالوضوح دون أن تقع في فخأم

. ، ودون أن تفقد قدرتها على اإليحاء اإليقاع وشحوبه

١١٤

، وفليحة اخچرال، وحكيم ، ومريد البرغوثي، وعباس أمير د درويشوكانت تجارب محمو

،األكثر توفيقاكانت ، ، وحسام اللحام ، ومحمد القيسي ، وغازي الذيبة ناصر شبانةو ، حسن

. ، وأيمن العتوم ، وعدنان النحوي ، وعلي الطائي أحمد منصور يليها في ذلك تجارب

، التي قالها إبان االنتفاضة األولى، رون في كالم عابر"نا يذكر قصيدة درويش "عابكل

(عاموس كينان) للقول حاقدا يهوديا ، ودفعت ناقدا الكنيست اإلسرائيلي –حينها –وزلزلت

، وبساطتها هذه القصيدة جاءت في وضوحها الغامض . بأنها "قصيدة خرقاء لشاعر مشبوه"

فقد قفز . )١٠(وصل إليه محمود درويش في تجربته السابقة في سياق ما مغايرا التعبيرية عمال

أخرى في ، لوال أن االنتفاضة قد أعقبتها انتفاضة يتحقق بها إلى مستوى مستقبلي ما كان له أن

وهي التي دفعت الشاعر الكبير نزار قباني إلى القول في افتتاحية ديوانه . )١١(جسد القصيدة

إن أطفال . . " كان علي أن أكون معهم، أو أكون ضد الشعر"ثالثية أطفال الحجارة" :

. "، ومن مرحلة إلى مرحلة الحجارة نقلوا الشعر العربي من حال إلى حال

، صاغها بلغة صاغ درويش تجربته الجديدة "محمد" ، ففي مثل ذلك الوضوح الغامض

حيث . . ج التوهتالمس شواطئ أدب السرد دون أن تنال من قدرتها على حميمية مدهشة

يقول منها :

محمد

مالك فقير على قاب قوسين من

من . بندقية صياده البارد الدم

ساعة ترصد الكاميرا حركات الصبي

الذي يتوحد في ظله :

وجهه، كالضحى، واضح

قلبه، مثل تفاحة، واضح

وأصابعه العشر، كالشمع، واضحة

. . والندى فوق سرواله واضح

ل بها درويش هذه ، التي يشك االنتفاضة الجديدة التي اقترحتها قصيدة ي اللغةفهذه ه

؛ الستقصاء هائل من الصور التي تتصادم معا ، من خالل حشد الصورة االنتشارية المدهشة

. )١٢(الحدث من جوانبه كافة

١١٥

، مع توسلها ، وشفافية ، وحميميةا تجربة مريد البرغوثي، فال تقل عن سابقتها دفئاأم

فقد اقتربت لغته من اللغة المحكية دون أن تفقد . ، واتكائها على تقنية الحلم بالنسق القصصي

.لى ما يشبه شعر الهمسإ، منحى البرغوثي في تجاوز قصيدة األذن ، مكرسة بالغتها الجديدة

ه التجارب، ، ونداء في أغلب هذ ، واستفهام ، ونهي لقد شاعت األساليب الطلبية من أمر

، وحكيم ، والبرغوثي ، مثل تجارب درويش ها القوي في لغتها إال القليل منهاولم ينج من مد

. ، وحسام اللحام ، وعلي الطائي وفليحة حسن ، اخچرال

، وقصيدة م بعامةنالحظ مثل هذه األساليب التعبيرية في تجارب الشعر المقاو وقد ألفنا أن

، ومن شاء فليرجع إلى "عابرون في كالم تى غدت من لوازمها اللغوية، ح االنتفاضة بخاصة

، ليجد تراكم أفعال األمر ، و "تقدموا" لسميح القاسم في االنتفاضة األولى عابر" لدرويش

ضجيج الخطابية والشعر وال يعني ذلك أنهما وقعا ضحية . مثير للدهشة وتكاثرها على نحو

، بل يعني أن االنتفاضة قد غيرت لغة الخطاب الشعري اء الشعر، الذي يفتقر إلى م السياسي

، "وأعطت هذا الخطاب صيغته اآلمرة بما تحمله هذه الصيغة من في القصيدة الفلسطينية

لقد نجحت االنتفاضة حتما في تطهير اللحظة الحاضرة . دالالت مترعة باألمل والحدس العميق

حالة من –والفلسطيني بخاصة –الوعي العربي ، وأشعلت في من حاالت اإلحباط والقلق

)١٣(" . الحيوية المتفجرة بالفخر واالعتداد بالنفس

على هذا النحو يمكن أن نفسر شيوع الصيغ الطلبية في بعض التجارب دون أن تقع ضحية

عليها، ، ويمكن أن يسوغ لهم االتكاء سوى الفراغ والجدب ، التي ال تفضي إلى شيء الخطابية

ما يمثل هذه التجارب قصائد وخير . من تلك الحيوية المتفجرة بالفخر واالعتداد بالنفس انطالقا

وأحمد من ناصر شبانة " يا دمي ال تصدق رصاص الكالم" وعباس أمير " واحد موتك "، كل

. م"عظم، ومحمد القيسي "عند باب ال منصور " افتح لخوفي خاصرة"

، دون وعي ، والشعارات السياسية رب وقعت ضحية الخطابية المجلجلةبعض التجا ولكن

من عبدالعزيز بن العزاز ، وتمثلها تجارب كل بقيمة األساليب الطلبية في قصيدة االنتفاضة

، ورياض العزة "يا ، وأيمن العتوم "عيد الدماء" ، ومحمد ضمرة "من سواك راميا" "أشالء درة"

، وعبدالرحمن العشماوي "هو فيق عجاج بن مفرج "كم شهيدا قد رزقنا"، وش درة تاج فلسطين"

، فقد تأرجحت ال تنتظر كبش الفداء" ..موسى حوامدة "أبي، يا أبي أما تجربة . رامي أو محمد"

)١٤( ."، ثم وطنيا ثانياأوال "فالشعر يجب أن يكون شعرا . بين هذه المجموعة وسابقتها

١١٦

، "وكون زة، ال يكفي لتقديم تجربة شعرية متمي ان نبيال عظيمافالموضوع وحده مهما ك

، والمباشرة، ، عندما تصبح النية الطيبة قد يملك بعض الشعراء فنيا هذا الشعر جماهيريا

إن اللعبة الفنية في شعر المقاومة تصبح . والخطابة الرنانة هي العناصر الرئيسية في شعرهم

)١٥( . " . . أكثر انفضاحا

قول الشاعر عبدالعزيز العزاز : ولنأخذ مثال

مكارم عزكم ذات السماح فيا عرب استفيقوا واستعيدوا

بامتيـاح وعـودا للعطايا الكالم بال فعـالدعوا عنا

؟ كسعد أو صالح شكيمته شهم همامباسلفهل مـن

حللكفا وقومـوا كرامتنا أال هبــوا لنصرتنا أعيدوا

، مما يحول ، الذي يمأل الفم واألذن، يفتقر لماء الشعر وروحه ويبعفمثل هذا الضجيج الت

. نا وعقولنا، قبل أن يخاطب وعي دون مالمسته لتلك المناطق العميقة من وديان قلوبنا

ل ناصر شبانة مثال :أما قو

يا دمي ال تصدق رصاص

الكالم

وكن يا دمي الحر وحدك

نت الذي قمت فينا تصليأ

ونحن نيام

ال تقشر بالغة أيامنا

ال تحدق بمرآة أحالمنا

ال تروج شعاراتنا في الغمام

يا دمي كن مزيجا من النار والقار

للثائرين الكسالى

وكن للشهيد الذي أشعل

األرض بالعشق

. تعويذة كي ينام

١١٧

، كما يقول توماس ، ومهارة شكل، و ، وخيال من الفن ينطوي على حيوية فهذا ضرب

. ، والتحريض ، والهتاف ، وليس مثل ذلك الفن الدعائي الصارخ بالشعارات )١٦(مونرو

طبيعة هذه التجارب نشير إلى أن ، ينبغي أن وطالما نحن بصدد شيوع األساليب الطلبية

ي بعض تلك ، كانت تستدع لحدث بعينه، هو استشهاد "محمد الدرة" التي جاءت استجابة

األساليب، مثل النداء واالستفهام، باعتبارهما من لوازم الحوار الذي أداره الشعراء بين الشهيد

، وتماسك عدد من تلك التجارب حيوية بأدواته كان وراء وهذا الحوار . وأبيه في لقطة الموت

. بنائها

عربي في طوره البدوي وإذا كانت "نا" الفاعلين، أو ضمير "النحن" من مألوف شعرنا ال

، حيث تمتزج ذات الفرد باآلخرين أو الضمير بعد ذلك عنها تماما ، التي لم يتخل لي بخاصةبالق

في تجارب االنتفاضة الضمير الجمعي هذا قد عاد إلى الظهور جليا فالمالحظ أن . الجمعي

مثل تجارب ناصر شبانة، ، ، وها نحن ذا نراه في عدد من القصائد التي بين أيدينا األولى

ولعل تجربة غازي . العزيز بن العزاز وعبد ، ، وأيمن العتوم ، وغازي الذيبة وعدنان النحوي

، ليعبر من خالل ما يمثل هذا التماهي بين ذاته واآلخرين الذيبة "نرمي عليهم خوفهم" خير

الضمير الجمعي عن جماهير الفعل، فيقول :

دةمن رآنا عند مفترق الشها -

نحتمي بصدورنا من ليلهم

ونعوقهم

نرمي عليهم خوفهم؟

وأننا جزنا حدود األبجدية -

وارتفعنا عن مخاوفنا

قرأنا في كتاب النار

. . أشعار الفينيقيين

إلى ماء، لتشمل الوطن العربي من ال وجماهير الفعل قد تتسع ألبعد من حدود فلسطين

، ال يعني الوقوف في وجه الهجمة الصهيونية الشرسة م أنشعراء األدب المقاو من ، إيماناماءال

. كعربي مشتر ، بل هو هم المناضل الفلسطيني وحده

، هما محمد القيسي ، لم نظفر بها إال في تجربتين لشاعرين فلسطينيين بقيت مالحظة أخيرة

، واألماكن الفلسطينية في قصيدتيهمامن أسماء المدن عدد ، أال وهي ورود وموسى حوامدة

١١٨

، والجلزون، ، والخليل ، وحي المغاربة ، وباب الخليل ، وبوابة القدس ، واألقصى مثل القدس

هذه أسماء ألماكن في مدينة ومن الواضح أن . ، وطريق اإلسراء ، والمصرارة وبيت جاال

ن هذه االنتفاضة هي انتفاضة إلى أ ءىيومفهل أراد الشاعر بذلك أن . هاالقدس وما جاور

فيها؟ أم أراد أن يمتحن الذاكرة بوصفها العالقة الجدلية الوحيدة األقصى التي سقط "الدرة" شهيدا

بينه وبين المكان البعيد القريب؟

بكل –، حيث سعى الشاعر الفلسطيني موهذه مالحظة مطردة في الشعر الفلسطيني المقاو

، وسعي العدو الستالبه بتغيير ، هذا المكان الذي يعاني االحتالل المكانثه بلتأكيد تشب –بل الس

، بل يتقدم ليقاوم في معركة والتحريض م ال يكتفي بالتعبئةوكأن الشعر المقاو . اسمه ومالمحه

. أدوات الصراع الممكنة شرسة مفتوحة على كل

ذا، كانت صورة "الدرة" في ، ل كان استشهاد "محمد الدرة" هو محور هذه التجارب وقلبها

، وكانت الصور ، فتصدوا لها يشكلونها من مجموعة ضخمة من الصور الجزئية بؤرة اهتمامهم

، وجدنا جانبا وحين تأملناها . على ما عداها ها كان طاغيا، وحضور الموقف التشبيهية سيدة

، مما يمنح متباعدة طراف، التي تقيم عالقات بين أ منها يتشكل وفق معايير الصور العصرية

، مثل قول مع الموقف ، ويجعلها متسقة ها وطرافتها وقدرتها على التوهجهذه الصور دهشت

. . ووهجا . . اخ "سيبقى صالةچرم الي، وقول حك درويش "محمد دم زاد عن حاجـة األنبياء"

وقول محمد القيسي ، ، وقول حسام اللحام " محمد غيمة من بكاء، ودماء من رحيق" ونبضا"

به مثل ، وقول فليحة حسن "كان لقائي سريعا "محمد رعب السموات في الحدقات الصغيرة يلمع"

، التي شكلت صوره ، ومثل قول موسى حوامدة به مثل دمعة" كان لقائي بطيئا . . طلقة

تسعى إلى ، ، التي حاول من خاللها تكوين صورة انتشارية من التشبيهات المتراكمة عنقودا

استقصاء صورة الشهيد بكل جوانبها :

أنا صقر الذرى يا أبي -

رعدة األنبياء

باب المدى

زكاة الفقراء

طهارة الحدود

اسمي خاتم الذل والهزيمة -

فاتح النصر وترنيمة الرجاء

١١٩

، مثل قول درويش آخر من تلك الصور التشبيهية يتشكل على نحو مألوف كما وجدنا جانبا

، كالعين ، كالكسيح ، وقول أحمد منصور "حمل أنا، كالكسير ، وجهه كالضحى" "محمد مالك

، نهر ، أنت هيكل مجد ، وقول الشيخ عائض القرني "كأنه بدر ، كالسمك في الماء في األجفان

، وقول السيل" ، لكنهم كغثاء ، شهداء القدس كالحمم ، وقول أيمن العتوم "رصاص الغدر الدماء"

، ويجعلهم كمذرور ، شكيمته كسعد أو صالح ، نار الحقد عبدالعزيز بن العزاز "كمثل الصقر

. الرياح"

، التي ما زالت والمالحظ أن هذا النوع من الصور التشبيهية حفلت به التجارب العمودية

ها بعض التجارب حديثة ويمكن أن نضيف إلي . ، وإيقاعا ، وتصويرا تنهل من معين التراث لغة

هما ترم، وقصيدة شفيق عجاج بن مفرج اللتين ح ، مثل قصيدة عبدالرحمن العشماوي الشكل

ص لهما من تجربة الشكل الجديد في الشعر سوى التخل ، فلم يبق الخيال والنثرية وهج التقريرية

، فال نرى في النثره لتقريرية ، حيث استسلم العشماوي وصاحب من وحدة الوزن والقافية

جديدة بين ها عالقاتر فيها صاحب، يفج عصرية ، وال لغة حديثا شعريا هما بناءيتجربت

. هما في مزلق الواجبات االجتماعيةا، فوقعت تجربت عناصرها

منها إلى رسم عدد قالحلكن حين يرد مثل هذه الصور عند درويش نجده يسعى من خالل ت

، كما هو الحال داخل السياق العام للتجربة الجزئية منعزلة ال تظل هذه الصور، ف صورة كلية

. ، ويوقعها في شرك األلفة هاد هذه الصور طرافتفق، مما ي في استخدام التجارب السابقة لها

، وهم يبحثون عن لغة من الشعراء عدد هاجس السيد المسيح مصلوبا وقد كانت صورة

وهذه الصورة الرمز كثيرة الدوران . عن الظلم الفادح الذي وقع على محمد الدرة تليق بالتعبير

الشاعر ذلك ألن . ، وبخاصة في شعر محمود درويش مفي تجربة الشعر الفلسطيني المقاو

فقصة الصليب . هو وشعبه وأرضه أنه مصلوب العربي الذي يعيش في األرض المحتلة يحس

هي رمز –، الذي يمثل الدعوة إلى الرحمة والعدل لقتل السيد المسيحه اليهود منذ أن أعد –

نجد مثل هذه الصورة في بعض مراثي الدرة، و . )١٧(الفداء والتضحية من أجل خالص اإلنسان

:ومنها قول درويش . ، وناصر شبانة ، وعلي الطائي ، وأحمد منصور من محمود درويش لكل

١٢٠

محمد

في يسوع صغير ينام ويحلم

يقونةأقلب

صنعت من نحاس

ومن غصن زيتونة

ومن روح شعب تجدد

من مشهد الشهادة، " قد أسعفتهم في تصوير جانبوإذا كانت صورة "السيد المسيح مصلوبا

لقومه في رحلة الضياع مادة صافقد وجد بعضهم في صورة النبي موسى (عليه السالم) مخل

–، وهم يرونه "محمد الدرة" طفل الحجارة بنموذجه الفذ، يتراسلون معها في تصوير خصبة

، ومن ذلك قول محمد ضمرة : لشعبه وأمته من ضياعهما المحتوم صامخل – أيضا

مثل الفـرات لكـل عجـز شـافيا ليفجـر مـاءهفاضرب إذن حجرا

ــا وافتح بموج البحر دربـا موصـال للعــابرين وخــل صــوتك حادي

وقول عباس أمير :

ومطمئنا كنت تسري، تضرب الحجر المطل على عصاك، وتحسر اآليات عن معنى

يشف، عن اثنتي عشرة عينا، وانفجرت

كأنما، كنت اقترحت نبوءة لتفجرك

الحوار الممتد في األولى قد ، ومريد البرغوثي أن وقد الحظنا في تجربتي عدنان النحوي

ة الثانية أغنى عنها الحس الدرامي الذي لف، وفي التجرب أغنى عن الصور الخيالية الجزئية

مع مالحظة نزوع البرغوثي إلى الصور البصرية في . ها من خالل تقنية الحلمالتجربة كل

، مثل قوله : قصيدته

فهذي حقيبته المدرسية مثقوبة

بالرصاص،

على حالها،

ودفاتره غيرت لونها،

. والمعزون ما فارقوا أمه

، وتسعى إلى ا مخاطبة جمهور عريضتغيهذه التجارب التي كانت ت نإبقي أن نقول

عن توظيف األسطورة واالعتماد على الرموز، ، قد استغنت تماما تشكيل وعيه النضالي

١٢١

تضيء كل مصابيح –كما أراد لها أصحابها –، وجاءت امات الحداثةوتجنبت الدخول في دو

بنصيحة درويش شاعر المقاومة األكبر : مالع . . ، والقلوب البيوت ، والعقول

قصائدنا بال لون

بال طعم، بال صوت

. . إذا لم تحمل المصباح

من بيت إلى بيت

إذا لم يفهم البسطا معانيها

فأولى أن نذريها

للصمت . . ونخلد نحن

وثالثة من ، ، وأخرى من شعر التفعيلة ، فمنها تجارب عمودية ةعت مراثي الدرلقد تنو

-، وإنما ما يعنينا من هذه التجارب وليس هذا ما نحن بصدده في دراسة اإليقاع . قصائد النثر

. لذلك بهاأو تجن ، ما يسمى بقصيدة األذن أولخطابية مزلق افي طها هو مقدار تور -إيقاعيا

لى نحو، وشاعت فيها األساليب الطلبية ع مسياسي مقاو فهذه تجارب انبثقت من موقف

خطابية ، مما وضع أكثرها في مواجهة ابتالء الهبة بت إلى كثير منها لغة، وتسر ملحوظ

وقد . . بحاجة إلى موهبة ، ولباقة، وذوق – وال شك –وتجاوز هذه المحنة . مالشعر المقاو

. أثناء دراسة الموقف ودراسة اللغة إلى شيء من ذلك –أحيانا –أومأنا

، مثل قصائد ر قليلةسمن هذا االمتحان الع التجارب التي برئت تماما ول بأنويمكن الق

وقد استطاعت هذه . ، وحسام اللحام ، وفليحة حسن ، وعلي الطائي ، والبرغوثي درويش

محمود درويش قد بدأ ومن الواضح أن . متحقق المعادلة الصعبة في الشعر المقاو التجارب أن

أكثر من مخاطبته لمشاعرهم منذ أن أصدر ديوانه "لماذا تركت الحصان يخاطب وعي متلقيه

ص من المرتكزات الصوتية ، والتخل ، وتبسيط اللغة ، فبدأنا نلحظ ميله إلى هدوء النبرة وحيدا؟"

. المجلجلة

مع التحقيق الصحفي الذي تماما أما الشاعر البرغوثي فتجربته التي بين أيدينا تأتي متسقة

مشروعه الشعري يتمثل في محاولة االبتعاد عن قصيدة ، وصرح فيه بأن راي معه مؤخجرأ

لتلك با، تجن ، وأنه يسعى جاهدا إلى "تبريد اللغة" ، ومفرداتها الالهبة األذن بضجيجها اللغوي

١٢٢

ج، ، وتصلح للرجل السياسي ال للبرام ، التي تصلح للغزل الكاذب ال للحب اللغة العالية الصوت

ما ، وإن أهم هين، فهي شيء معقد ، وال يعني ذلك أن البساطة أمر وتصلح للدعاء ال للصدق

)١٨( . يمكن أن يصل إليه الشاعر هو أن يجعل تعقيد النص يفضي إلى البساطة

لذا، فقد تهيأ لهذه التجارب من اإليقاع الداخلي ما أغناها عن صخب اإليقاعات الظاهرة،

. ئعينا ومشاعرنا على نحو حميمي دافمالمسة و وجعلها أقدر على

، واستخدامها وهناك مجموعة أخرى من التجارب تفاوتت بتورطها في اللغة العالية الصوت

ولعل . نا نظفر فيها بإيقاعات داخلية متفاوتة في ثرائها، لكن لتلك األساليب الطلبية الخطابية

، وغازي ، يليهما تجارب ناصر شبانة اخچرال ، وحكيم قصيدتا محمد القيسي أكثرها توفيقا

. ، وأحمد منصور ، وعباس أمير الذيبة

الفت، ها منه على نحو، وتراجع حظ وهناك بعض التجارب التي شحب فيها اإليقاع الداخلي

، ، ورياض العزة ، وشفيق بن مفرج ، وعامر عبد األمير مثل قصائد عبدالرحمن العشماوي

ك ضرورة (تسجيل في شر ، ولكن مرده الوقوع ذلك إلى اللغة العالية الصوت ولم يكن مرد

. ، أو لتواضع الموهبة موقف)

، وعبدالعزيز ، وعائض القرني ، ومحمد ضمرة من أيمن العتوم أما القصائد العمودية لكل

على –جارب ولم تستطع تلك الت . نسيجها الصوتي مما يمأل الفم واألذن العزاز، فقد لوحظ أن

وشكلت تجربة عدنان النحوي حالة . أن تثري إيقاعها الداخلي -الرغم من موسيقاها الظاهرة

ه في دور - هاالذي شغل القصيدة كل–، وربما كان للحوار الحميمي بين االبن وأبيه استثنائية

. إثراء إيقاعها الداخلي

، أنه قد اختار لها لمحمود درويشل إيقاع قصيدة "محمد" لقد استرعى انتباهنا أثناء تأم

ونحن نعلم أن الشعراء . ، وهي تكافئ كلمة (محمد) إيقاعيا تفعيلة المتقارب (فعولن)

، ولكن تجربة درويش بحاجة إلى وقفة ي المتقارب والمتداركبتفعيلت المعاصرين يحتفون كثيرا

، وهي عنوان القصيدة، مد"، هي "مح فهو يفتتح مقاطع قصيدته السبعة بكلمة واحدة . خاصة

، يكشف عن ، أو عبارة بعينها أكثر من سواها بعينها وهذا اإللحاح من الشاعر على كلمة

١٢٣

، ال مجرد صدفة أو من البناء العضوي للقصيدة امهم ، وبهذا يصبح التكرار جزءا اهتمامه بها

قصيدته، إيقاع يقترح الشهيد بعد أن، ال نست ها"محمد الدرة" بؤرت يكون ففي تجربة . )١٩(حلية

من اللوازم الموسيقية الضابطة إليقاعها مقطع منها ضربا اسمه لكل وأن يصبح استهالل

.دالموح

قصائد أخرى تقيم بناءها اإليقاعي ، وجدنا ثالث ذلك في سائر التجاربس وحين حاولنا تلم

، لكل الصوت ت عن اللغة العاليةسة التي تخلوهي من التجارب الهام ، على تفعيلة (فعولن)

. اخچر، وحكيم ال ، وفليحة حسن من مريد البرغوثي

ن تكشف عن صلة أعمق وأبعد من إيقاعية مستأنية لمراثي محمد الدرة يمكن أ ولعل دراسة

، يث عضوي، وبناء حد تقليدي ل أبنية هذه المراثي، نجد أنها تتراوح بين بناءوحين نتأم ، ذلك

. وبين تجارب أخرى تحاول البناء العضوي فيخونها التوفيق

، الذي يقوم على منطق ا التجارب العمودية، فقد غلب عليها ذلك البناء الكالسيكيأم

ها تلك المجموعة من القصائد ل، فأو أما التجارب األخرى ذات البناء الحديث العضويو .التراكم

ت على استفراغ ، وألح ل بين االبن وأبيه في لقطة الموتلحوار المتخيالتي اتكأت على تقنية ا

أحمد منصور، ل ذلك تجاربما يمث وخير . متماسكا عضويا ، مما هيأ لها بناء طاقة الحوار

تمتاز بكثافتها، ، فهي قصيدة اخچرأما قصيدة الدكتور حكيم ال . ، وعدنان النحوي وعباس أمير

ص دور بين الشاعر الذي تقم ، ولكنه حوار ، باإلضافة إلى تقنية الحوار ة الومضواعتمادها لغ

. متميزا ، مما أتاح لتجربته بناء األب وبين الفتى الدرة

يرتكز على تقنيات عضويا ما بناء، فقد قد وأما الشاعران الكبيران درويش والبرغوثي

، واالستدعاء من الذاكرة، واعتمد ي المونولوج، حيث اعتمد درويش على تقنيت السرد الحديث

ر ببعض األعمال السردية القصيرة التي ها حلم، وتذككل ، فالقصيدة البرغوثي على تقنية الحلم

، وتنقلنا من عالم الحلم الجميل ث المفارقةاألخيرة منها لتحد ل بتقنية الحلم، وتأتي اللقطةتتوس

اقع األليم:ة والوإلى دنيا الحقيقة المر

وعند الصباح تهامس أهل الجوار بأن -

الرواية

١٢٤

محض خيال،

فهذي حقيبته المدرسية مثقوبة

. . . بالرصاص

ثم كيف يعود الشهيد إلى أهله، هكذا، -

ماشيا

تحت قصف مساء طويل ؟!

، حكمائي كانت وراء بنائه المتنامي المت تجربة علي الطرطروح السرد التي أ كما أن

ث اه نهاية منطقية لتراتب األحد، كأن فجاء ختام القصيدة الذي كشف عن رؤيته المستقبلية

، ولم تكن الرؤية قد اتضحت : ، حيث يقول في المقطع الرابع وتناميها

البرد يحاصر األرض المحتلة من جميع الجهات

نزل األمطار؟فهل ست

لو تنزل األمطار !

: هه يختم قصيدته بقولولكن

فهل ستنزل األمطار ؟

. ستنزل األمطار يا فتى المطر

، ولكنها لم توظف تلك ومن التجارب الحديثة التي سعت لتحقيق شروط هذا البناء العضوي

يدة االنتفاضة من حوار، ومونولوج، واستدعاء من التقنيات التي منحها حدث الشهادة لقص

، وفليحة حسن، ، وغازي الذيبة تجارب ناصر شبانة . . ، وحلم ، وحس درامي الذاكرة

. وحسام اللحام

، هي شعرية ، فقد استعان بتكرار جملة ولعل تجربة ناصر شبانة بحاجة إلى وقفة قصيرة

، وفي ختام ، وذلك في استهالل القصيدة كالم"قصيدته " يا دمي ال تصدق رصاص ال عنوان

وإيقاعيا طير مقاطعها بجملة شعرية تضمن لها بناء فكرياأمنه لت ، في محاولة مقاطعها الخمسة

، بقدر ما التنامي والتآزر المقاطع ال تتواشج بمنطق ل للتجربة يالحظ أنولكن المتأم . محكما

. تتواصل بمنطق التوازي

عضوي ق في تحقيق بناءوفها لم ت، ولكن أن نشير إلى تلك التجارب ذات الشكل الحديثبقي

من التكثيف لحاجتها إلى مزيد ، نظرا محكم قائم على منطق التنامي بين عناصرها الفنية

١٢٥

ومن أصحاب تلك التجارب موسى . لغوي ، ومن ترف بها من زوائد لغوية لتخليصها مما ألم

دة تتمثل في موكانت مشكلة موسى حوا . ، وعامر عبد األمير الرحمن العشماوي وعبدحوامدة،

ص من بعض التكرارات التي ال ، وتخل ى عن هذه الرغبةفلو تخل . شيء يقول كل رغبته بأن

. أنضج وأكمل تخدم بناءه اإليقاعي والفكري الستطاع أن يحقق لتجربته بناء

١٢٦

: الخـاتمـة

وهي . لحركة شعر انتفاضة األقصى "محمد الدرة" التي بين أيدينا صورةتقدم مراثي

، وشعر التفعيلة، ، وتتنوع في شكلها بين الشعر العمودي ة أقطار عربيةتجارب تنتمي إلى عد

، وانتماؤها إلى دموح مشترك، وتمحورها حول موضوع دها هميوح ، ولكن وقصيدة النثر

. األدب المقاوم

ه من ، كانت له تجليات مسياسي مقاو مستوى الموقف، فقد صدرت عن موقففعلى

، وتصوير استشهاد الدرة، ، وإدانة الهجمة الصهيونية الشرسة التعريض بالخذالن العربي

ولعل مشهد استشهاد الدرة كان . من رؤية متفائلة بالنصر والتحرير والدعوة إلى الجهاد انطالقا

. الشعراء في تصويره بكل دقائقه فافتن ، عنايةأكثر هذه التجليات

، وغدا على هذا النحو أخذت قصيدة انتفاضة األقصى تتشكل من مجموعة من المحاور

سين بذلك تقاليد فنية ، مكر ، أو بتحقيق أكثرها الشعراء ملتزمين بتحقيق تلك المضامين كافة

، تلك النمطية التي لم ك النمطيةها في شر، ولكنها تقاليد تكاد توقع لقصيدة انتفاضة األقصى

. ، ومريد البرغوثي محمود درويش يت، مثل تجرب يفلت منها إال النادر من تلك التجارب

ه الجلي على أدوات التشكيل لهذه التجارب على مستوى م أثروقد كان لهذا الموقف المقاو

. ، والبناء ، واإليقاع ، والتصوير اللغة

، وهي انتفاضة األقصى هي الدورة الثانية النتفاضة الحجر األولى فيه أنومما ال شك

، فمنحتها ، تلك االنتفاضة التي تركت بصماتها على قصيدة الشعر العربية امتداد طبيعي لها

، وأساليب جديدة ، ولغة جديدة ، وشحنتها بمضامين جديدة تجليات خاصة على مستوى الموقف

. ها إلى حداثة جديدة، ودخلت ب في التعبير

ها مزلقل، كان أو أثناء تشكيلهم لتجاربهم ولذلك واجه شعراء مراثي الدرة أكثر من تحد

، دون أن يقع في شرك واحد فكيف يمكن للشاعر أن يكون واضحا وعميقا في آن . الوضوح

على التوهج؟ ، ودون أن تفقد التجربة قدرتها ، وبساطة اإليقاع وشحوبه سذاجة التعبير

١٢٧

، باستخدام فكيف يستجيب الشاعر لمطالب الموقف تعبيرا . وكان ثانيها مأزق الخطابية

، الذي يمأل الفم ويبعالضجيج الخطابي الت مجموعة من السياقات الطلبية دون أن يقع ضحية

، وولوج مسارب روحه؟ ، ويحول دون مالمسة وعي المتلقي واألذن

، يتمثل في توريط كثير من تلك التجارب فيما السابق إلى ابتالء آخر وقد أفضى المأزق

الصوت، ، والعالية ، التي يتوسل مبدعوها لتشكيلها بتلك اللغة الالهبة ى "بقصيدة األذن"سمي

. وبالتالي لم تستطع موسيقاها الظاهرة أن تثري إيقاعها الداخلي

د أفضت إلى جملة مالحظات على مستوى هذه التجارب ق نبأ، يمكن القول وعدا ذلك

، ويمثل بعضها مللتقاليد الفنية لتجربة الشعر المقاو ، يمثل بعضها تكريسا الموقف والتشكيل

، وهي على ، وانتفاضة األقصى المباركة ، يتصل بحدث استشهاد الدرة جديدا فنيا اآلخر منحى

النحو التالي :

ه، ، الذي رأى فيه حصار شهد استشهاد الدرةالتحام الشاعر العراقي بخاصة بم -

. . . ودمه وجرحه،

لكن مع . حد اليقين – أحيانا –، التي تصل الرؤية المتفائلة في ختام مراثي الدرة -

. متفائلة في مجملها رؤية عدغياب القصيدة التي ت

؛ ليعبر نحن"، أو ضمير "ال امتزاج ذات الفرد بالضمير الجمعي من خالل "نا" الفاعلين -

. الشاعر عن جماهير الفعل العربي التي قد تتسع ألبعد من حدود فلسطين

، مما دفع بعضهم إلى إيراد أسماء عدد من تشبث الشاعر الفلسطيني بخاصة بالمكان -

. المدن واألماكن الفلسطينية

ى للتعبير عن فداحة الظلم الذي وقع عل توظيف صورة المسيح (عليه السالم) مصلوبا -

لقومه في رحلة صا، والتراسل مع صورة موسى (عليه السالم) مخل "محمد الدرة"

. في "محمد الدرة" المث، م ، للتعبير عن أثر طفل الحجارة في شعبه وأمته ضياعهم

حوار لقطة الموت / الشهادة بين االبن وأبيه أثرى الكثير من التجارب بالحيوية، -

ها عن استخدام الدرامي بعض ما أغنى هذا الحس، ورب ، وبتماسك بنيتها والحميمية

. الصور الجزئية

١٢٨

بها الدخول في دوامات ، وتجن استغناء هذه التجارب عن توظيف األسطورة والرمز -

. لمخاطبة قاعدة جماهيرية عريضة الحداثة سعيا

لغتها، تجاوز بعض التجارب "قصيدة األذن" إلى قصيدة يسعى صاحبها جاهدا إلى تبريد -

. اثري داخليا ، التي تضمن لتلك القصائد إيقاعا إلى تلك البساطة المعقدة وصوال

لبناء عدد من قصائد شعر التفعيلة، إيقاعية اتخاذ تفعيلة بحر المتقارب (فعولن) وحدة -

فالدراسة ال . ما؟ رب فهل اقترح الشهيد إيقاع قصيدته . وهي تكافئ كلمة (محمد) إيقاعا

. ستبعد ذلكت

، مثل عضوي لتجاربهم استعانة بعض الشعراء بتقنيات السرد الحديث لتحقيق بناء -

. ، والحلم، والحس الدرامي ، واالستدعاء من الذاكرة ، والحوار الظاهر المونولوج

. أكثر هذه التقنيات مما يتطلبه مشهد استشهاد الدرة والمالحظ أن

١٢٩

هوامش الدراسة :

، ففي األصل " لك أبي" ، روضي في الشطر الثاني من البيتهناك خلل ع )١

. ولعل الصواب ما أثبتناه

راجع في ذلك : )٢

–دار الفكر بعمان –الجانب االجتماعي في الشعر الفلسطيني –محمد شحادة عليان -

. ٣٠٥ . ص – ١٩٨٧

عربية المؤسسة ال –في فلسطين المحتلة الشعريةالحركة –صالح أبوأصبع . د -

. وما بعدها ٢٩٤ . ص – ١٩٧٩ –بيروت –للدراسات والنشر

دار اآلفاق الجديدة بيروت –حياة األدب الفلسطيني الحديث –عبدالرحمن ياغي . د -

. ٢٩٠ . ص – ١٩٨١ –

–القاهرة –دار سعاد الصباح –ثالثون عاما مع الشعر والشعراء –رجاء النقاس -

. ٦٥ . ص – ١٩٩٢

–دراسة في قصيدة االنتفاضة . . صدمة الحجارة –بدالعزيز المقالح ع . د راجع : )٣

. ١٥٥-١٥٤ . ص – ١٩٩٢ –بيروت -دار اآلداب

حين استشهد محمد الدرة، أذاعت بعض وكاالت األنباء خبر استشهاده باسم رامي، لذا، )٤

. رثاه بعضهم على أنه رامي، مثل محمد ضمرة في قصيدته "من سواك راميا"

–أحمد الخطيب . د –شعر أحمد الريماوي نموذجا –ديثة في شعر المقاومة ظواهر ح )٥

. ص – ١٩٩٦ –منشورات االتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين بالسعودية

١٨ .

تونس –دار الجنوب للنشر –تقديم توفيق بكار –مختارات شعرية –محمود درويش )٦

. ٣١١ . ص – ١٩٨٥

– ١٩٨٨بيروت –منشورات نزار قباني –ثالثية أطفال الحجارة ديوان –نزار قباني )٧

. من المقدمة

دار الكرمل للنشر –االنتفاضة الفلسطينية في األدب العربي –إبراهيم خليل . نظر : دا )٨

. ٧٣، ٤٩، ٣٧ . ص – ١٩٨٩ –والتوزيع

١٣٠

. ١٢٧ . ص –نظر : صدمة الحجارة ا )٩

. ٦١ . ص –راجع : المرجع السابق )١٠

. ٢٩ . ص –: االنتفاضة الفلسطينية في األدب العربي راجع )١١

المؤسسة –مجنون التراب –راجع في مفهوم الصورة االنتشارية : شاكر النابلسي )١٢

وانظر : حيدر توفيق . ٦٢٩ . ص – ١٩٨٧ –بيروت –العربية للدراسات والنشر

بيروت –ة دار الكتاب العلمي –شاعر األرض المحتلة . . محمود درويش –بيضون

. ٨٩ . ص – ١٩٩١ –

. ٨٩ . ص –راجع : صدمة الحجارة )١٣

بيروت –المؤسسة العربية للدراسات والنشر –رغيف الحنطة والنار –شاكر النابلسي )١٤

. ١٣٨ . ص – ١٩٨٦ –

- ٢٧١ . ص – ١٩٧١ –بيروت –دار العودة –شيء عن الوطن –محمود درويش )١٥

٢٨٢ .

–ترجمة محمد علي أبو درة وآخرين –الفنون التطور في –نظر : توماس مونرو ا )١٦

. ٢٤١ . ص – ١٩٧١ –القاهرة –الهيئة العامة للكتاب

شاعر األرض المحتلة . . مود درويش مح –رجاء النقاش -راجع : )١٧

. ٢١٠ ص

عمان –دار الكرمل –الشعر والقضية . . محمود درويش –نادي ساري الديك -

. ١٢٨ . ص – ١٩٩٥ –

. ٢٧/٤/٢٠٠١الجمعة –صحيفة الرأي األردنية )١٨

–بيروت –دار العلم للماليين –قضايا الشعر المعاصر –نظر : نازك المالئكة ا )١٩

. ٢٩٠، ٢٧٦ . ص – ١٩٨٣

١٣١

١٣٢

جناسل األداخت

أنموذجا بورهران" لصالح عبد الصق زنقصيدة "ش

١٣٣

١٣٤

رانهز قنش

في جبهة األرض الضياء وثوى . . .

ومشى الحزن إلى األكواخ، تنين له ألف ذراع

كل دهليز ذراع

يا هللا . . من أذان الظهر حتى الليل

في نصف نهار

كل هذي المحن الصماء في نصف نهار

مذ تدلى رأس زهران الوديع

كان زهران غالما

أمه سمراء، واألب مولد

ه وسامهوبعيني

وعلى الصدع حمامه

وعلى الزند أبو زيد سالمه

ممسكا سيفا، وتحت الوشم نبش كالكتابه

اسم قريه

"دنشواي"

شب زهران قويا

ونقيا

يطأ األرض خفيفا

وأليفا

كان ضحاكا ولوعا بالغناء

وسماع الشعر في ليل الشتاء

١٣٥

ونمت في قلب زهران، زهيره

ساقها خضراء من ماء الحياه

تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبله

حينما مر بظهر السوق يوما

. . ذات يوم

مر زهران بظهر السوق يوما

واشترى شاال منمنم

ومشى يختال عجبا، مثل تركي معمم

ما أحلى الشباب . . ويجيل الطرف

عندما يصنع حبا

ما يجهد أن يصطاد قلباعند

كان يا ما كان أن زفت لزهران جميله

وغالما . . كان يا ما كان أن أنجب زهران غالما

كان يا ما كان أن مرت لياليه الطويله

ونمت في قلب زهران شجيره

ساقها سوداء من طين الحياه

فرعها أحمر كالنار التي تحرق حقال

ر بظهر السوق يوماعندما م

ذات يوم

مر زهران بظهر السوق يوما

ورأى النار التي تحرق حقال

ورأى النار التي تصرع طفال

كان زهران صديقا للحياه

ورأى النيران تجتاح الحياه

مد زهران إلى األنجم كفا

ودعا يسأل لطفا

١٣٦

سورة حقد في الدماء . . ربما

تعدى على النار السماءربما اس

وضع النطع على السكة والغيالن جاءوا

وأتى السياف (مسرور) وأعداء الحياه

صنعوا الموت ألحباب الحياه

وتدلى رأس زهران الوديع

إن ما دعت إليه الكالسيكية القديمة أو الجديدة من مفهوم نقاء النوع، قد انزاح عن

ة الشعر والنثر أنواعا كثيرة ، مما ولد تحت ثنائي مفهومه، إذ إن األنواع األدبية قد تداخلت معا

. ث عنها أرسطوغير األنواع القديمة، التي تحد

أشكاال تعبيرية جنس خلخل المفهوم الكالسيكي للنوع، وذلك بزعمهم أن لكللقد ت

، وأشكاله مفرداته ، بل تشمل ، وال تقتصر هذه األشكال على تكوينه حسب ضرورية محددة

. )١(لتصويرية الفنية، وأدواته ا البالغية

، ضمن ثنائية الشعر النقاد في الغرب إلى تجاوز مفهوم الجنس األدبي لقد دعا بعض

، ويرى أن التقسيمات حسب نظرية ن دعوا إلى نفي مفهوم الجنس"كروتشه" مم عديو . والنثر

عن أي ، ومستقلة يالوعي الفرد األدبية هي إنتاج ، لذلك، فاآلثار مدرسية األجناس تقسيمات

قريتي من يومها لم تأتدم إال الدموع

قريتي من يومها تأوي إلى الركن الصديع

مها تخشى الحياهقريتي من يو

كان زهران صديقا للحياه

مات زهران وعيناه حياه

؟. . . فلماذا قريتي تخشى الحياه

١٣٧

كما يرى "ويليك" و "وارن" أن موقف "كروتشه" من إشراك مجموعة من القصائد . قانون

. )٢(والمسرحيات والروايات تحت اسم واحد، هو رد فعل ضد مبالغات التسلط الكالسيكي

وصرامة من "كروتشه" في الدعوة إلى نفي ةولعل "موريس بالنشو" كان أكثر حد

. ه يقول بالشيء ونقيضهجناس، إال أناأل

وهو صاحب . ، وغير محدد الهوية أدبي ويرى "بارت" كذلك أن النص ال ينتمي لجنس

، فهو يستفيد منها، مصطلح "التعالي النصي" والذي مفاده أن النص متعال على األجناس األدبية

. )٣(جنس ينضوي تحت أيه البمعنى أن . ، ولكنه متعال عليها معها ومتداخل

. جديد محدث، غير قابل للفهم ، هو شكل هذا النص المتعالي ولكن "ويليك" يرى أن

، وسهلة ، قريبة المأخذ للكاتب من الصفات األسلوبية ، تكون في متناول اليد ل جملةفالنوع يمث

. )٤(جود، ثم يمدده تمديدا جزئيا أيضاالجيد يتمثل جزئيا النوع كما هو مو الفهم للقارئ، والكاتب

. مرفوض جنس من األجناس قانون اط" أن النقاء المعملي أليولهذا، يرى "إدوار الخر

، كما عرف القصيدة" في نتاج يحيى الطاهر عبد اهللا مثال –ويقول : إنه عرف جنس "القصة

–، ويرى أن استيالء األجناس تي يكتبها هوالنص الشعري في األعمال القصصية والروائية ال

)٥(. لحيويته ومصدرإمكانية إلغناء النص –إن صح هذا التعبير

، كما في انتهاك النوع الذين ال يجدون غضاضة –مثل تودوروف –بعض النقاد ولكن

. دون عواقب مه ال يتبدون مخاوفهم من هذا االنتهاك ، ويرون أن، ي نتهك القوانين اللغويةت

د على أهمية قوانين النوع وهو يؤك . ولعل العواقب التي يقصدها "تدوروف" هي الفشل

من الذاكرة الجمعية للمتلقين، ، كما أنه جزء ، إذ يشكل النوع سلطة وخصوصية وحضورها

)٦(. ك بين القائل والمخاطب (المتلقي)فهو مشتر

ه "مكسيم جوركي" حين كان يحذف صفحات كاملة من قصصهولعل هذا يذكرنا بما كان يفعل

. )٧(المفرطة ال تتالءم مع أسلوب النثر وخصوصية النوع الشعريةف . ؛ ألنها "جميلة للغاية"

١٣٨

فهي ال تحدد عدد األنواع . بكل وضوح : إن نظرية األنواع الحديثة وصفية ونود أن نقول

فهي تفترض أن بالمستطاع "مزج" األنواع التقليدية . اعد معينةتاب بقو، وال توصي الك الممكنة

، كما كانت ، وترى أن باإلمكان إنشاء األنواع على أساس الشمول أو الغنى وإنتاج نوع جديد

. )٨(تبنى على النقاء

أن تخلو خلوا تاما من النثر مهما كانت درجة الشعرية، ال يمكن للمرسلة وعلى العموم

لغته إيصالية حسب؛ ألن النص السردي القصصي تكون ، وكذلك النثر فال يمكن أن رافهاانح

. )٩(ليس صورة تحاكي الواقع المرجعي

، سنتناول ، التي شكلت نظرية األنواع الحديثة وفي ضوء هذه المفاهيم والمقوالت

متزاجها مع أنساق ، لنرى مدى تداخلها وا ق زهران" للشاعر صالح عبد الصبورنقصيدة "ش

، ولم تقع في المحظور الذي ، ومع ذلك احتفظت بجوهر نوعها أخرى وأجناس أدبية سردية

. خوفنا منه "تودوروف"

الشعر القصصي ها ميادين، لعل أهم للشعر العربي ميادين جديدة لقد فتح الشعر الحر

فنحن ال ننفي وجود . على استحياء ، أو تناولها ، الذي عجز الشعر التقليدي عنها والدرامي

، ولكننا نادرا ما نجد تجربة الحس الدرامي في الشعر العربي الكالسيكي على امتداد عصوره

، وبعض ، كما في بعض مغامرات عمر بن أبي ربيعة الغزلية ذات طابع درامي شمولي

. ، وبعض تجارب شعر الطرد مغامرات أبي نواس الخمرية

) ، والملحمة Beast Epicعلى لسان الحيوان والطير (الخرافة الشعرية أما القصة

(Epic Poetry) أما القصة الشعبية . ، فال وجود لهما في شعرنا القديم(Ballad) وهي ،

، ولهذا النوع تاريخ طويل في ، قابلة للتداول السريع والشفهي أحيانا بسيطة في العادة قصة

، فيرى بعض الباحثين أن هذا )١٠(، وغيرهما" "وولتر سكوت" و "كيتس"اآلداب األوروبية منذ

ه الشاعر في النسيب قصة، واستعبار فمقدمة ، صص وجد في األدب العربي قديماالنوع من الق

، ولكنه يرى أن فن "الباالد" فن الرحلة إلى الممدوح قصة ، ووصف ه القديم قصةعلى حب

. )١١(واحتواه األدب العربي حديثا ، ابتدعه األوروبيون

١٣٩

، أخذ ز الشعري الغربينجبدأ الشاعر العربي في العصر الحديث اتصاله بالم فمنذ أن

، فنظم محمد عثمان جالل، وإبراهيم العرب، وأحمد يلج هذه الميادين الغائبة في شعرنا القديم

ن شاعرنا في االتصال باألدب وحين أمع . شوقي قصصا شعريا على لسان الحيوان والطير

، وأحمد زكي أبو : عبد الرحمن شكري ي االتجاه الرومانسي، ورائد الغربي على يدي مطران

. ي الشعر الملحمي والقصصي، أخذ في اقتحام مجال شادي

، التي تنفر من ة االشتراكيةالواقعي يوليو أدباء مصر بخاصة نحو ٢٣وقد وجهت ثورة

، فكان هذا عايشة التجارب التي يعيشها المجتمع، وتجنح إلى الجماعية، وم ومانسيةالذاتية الر

، واتخاذ القصة إطارا ، وتغير مجرى القصيدة العربية ل األدبالجديد دافعا إلى تحو الواقع

، وظهر في تجارب ، والتعبير عن انفعاالته حتى يقترب من الواقعية لمعالجة تجارب الشاعر

. )١٢(، التي تنحو هذا المنحى القصائد الجديد عشرات الشعر

الشعريةمن أصول الحركة عديلصالح عبد الصبور )١٣(فديوان "الناس في بالدي"

التي تلت ديوانه األول هذا، قد الشعريةوعلى الرغم من أن أعماله . الجديدة في الوطن العربي

، واتساع مداها، ، وشمولها الشعريةاحية عمق الرؤية ، سواء من ن تجاوزت هذا الديوان كثيرا

، فإن هذا الديوان يحتل مكانة ، والتكنيكات الفنية التي تجسدها هذه الرؤية أو من ناحية األدوات

بارزة على طريق هذه الحركة ، ، ويمثل عالمة الجديدة الشعريةخاصة في تاريخ الحركة

ماتها الفنية ، وتحديد قس ائدة التي أسهمت في إرساء دعائمهاباعتباره واحدا من األعمال الر

جلية في ، وتبدو النزعة الدرامية واضحة)١٤(، وتركت بصماتها على مسار تطورها والفكرية

، التي يبنيها بناء دراميا معتمدا على استعارة بعض أدوات الكثير من قصائد هذا الديوان

. )١٥(األجناس الدرامية وتكنيكاتها

، والصراع، األصوات د، وفي مقدمتها تعد المسرحية من فن ة تقنياتفهو يستعير عد

. ، و "أناشيد الغرام" ، و "رسالة إلى صديقة" كما في تجاربه "رحلة في الليل" . والحوار

ص واضحا بينها بعينها ، كما في تجربة "لحن" حيث يبدو التنا وقد يستلهم أعماال مسرحية

فقد ، المسرحية وكما تداخلت بعض تجاربته مع فن . ومسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير

، ، واالرتداد (الفالش باك)، والمونولوج : أسلوب القص استعار بعضها تقنيات القصة ، مثل

١٤٠

تكأ في ، و"ذكريات"، "وحياتي وعود" وغير ذلك من القصائد التي ا كما في "رحلة في الليل"

. تشكيلها على أحد عناصر الفن القصصي، وبخاصة التقنيات العصرية لفن القصة

أما في قصيدة "شنق زهران" ، فقد حاول أن يتجاوز البناء التقليدي السائد للقصيدة

، سعيا منه إلى ي السيرة الشعبية والروايةكئ على فنشعري يت ، وذلك من خالل بناء العربية

منه إلى تقديم بنية تعتمد البناء الواقعي غير المجازي جديدة للقصيدة ، ومحاولةفتح آفاق

. للصورة

ح السائد في رواية ت، ذلك المفت صالح عبد الصبور سيرة زهران (بفعل الكينونة) يستهل

ي ، الذي يلج به الراوي أبهاء السيرة، وينقل المتلقي إلى زمن بعيد أو موغل ف السيرة الشعبية

القدم:

" . . . "كان زهران غالما

نموذجا لبغي عد)، التي ت١٩٠٦حقيقي لحادثة دنشواي الشهيرة ( وزهران هو بطل

تلك الحادثة التي أجمع الشعراء العرب على . . ، وبطش السلطة، وتزوير الحقيقة المحتل

، والعربي لمصري بخاصةفي الوجدان الشعبي ا ، وما تزال قارة ، وإدانتها التجاوب معها

مشابه في مصر والوطن العربي، واقع سياسي على التواصل مع كل ، وغدت قادرة بعامة

إلى المواجهة ، ودعوة ه في الواقعالستحضار صور التشو ذكرها وسيلة وأصبح مجرد

. . .والتغيير

لم يلتزم بها التزاما ، ولكنه السيرة الشعبية استعار عبد الصبور في قصيدته آليات فن

ها ترفضه، ، وكأن الحياة كل ولد غريباي في السيرة الشعبية يتطلب أن )١٦(البطل رفيا، فميالدح

، حتى ، التي يحاول فيها تجاوز صعوبات الحياة وعقباتها من المغامرات ه سلسلةوتصبح حيات

. يحقق في النهاية ذاته وهدفه النبيل

، تلك النبوءة آخر تلعب النبوءة دورها قبل والدة البطل ومن جانب ، هذا من جانب

هناك أبطال لم تذكر ولكن . لع األب أو األم على الدور الخطير الذي سيلعبه االبنطالتي ت

. ، والظاهر بيرس ، وهؤالء األبطال هم: الزير سالم، والزناتي خليفة السيرة شيئا عن ميالدهم

١٤١

مد الحجاجي ذلك إلى احتمال أن السيرة المطبوعة للزير سالم هي بقية لسيرة ويرجع الدكتور أح

كما يرى أن الزناتي خليفة قد برز دوره منذ اللحظة التي هاجم فيها . أكبر وأشمل منها

، وقتلهم في تونس، لتبدأ رحلة جبر القريشي حاكم تونس السابق إلى بني هالل األشراف

. زناتي خليفةليساعدوه على الثأر من ال

، وبداية مرحلة ، فلم يظهر في السيرة إال مع نهاية مرحلة الطفولة أما الظاهر بيبرس

. )١٧(المراهقة

، بل استهالل السيرة، ولم تكن جملة المفتتح "كان زهران غالما" هي استهالل القصيدة

. أخرى معه وهذا لنا وقفة . ألن افتتاح القصيدة كان من حيث انتهى البطل

بعينها (حين كان غالما) مستفيدا من بعض إذا، يبدأ عبد الصبور سيرة بطله من لحظة

. ، وتغريب البطل ، التي تجاوزت النبوءة، ولحظة الميالد ريالس

، ولكننا نفهم من )١٨(طلق على المولود الذكر منذ والدته وحتى مشيبهت لغة والغالم

إلى البطل المنذور –في إشارة خاطفة –، وأنه أومأ شاعر أراد مرحلة المراهقةالقصيدة أن ال

. لدور المخلص للجماعة

عبد الصبور ، لكن رموقيند ألبوين مولومن المعروف في السيرة الشعبية أن البطل ي

نفسه بسلسلة يكتفي بأن يجعله منحدرا من أبوين مصريين "أمه سمراء واألب مولد" ، ولم يشغل

من األمم هو نتاج ة"فالبطل الشعبي في أدب أم . نسب األسرة أو القبيلة، ألنه يقدم بطال واقعيا

كما . امتزاجا تاما لهذه الخلطة ممتزجة فهو نتاج . . وواقعها الثقافي . . لواقعها االجتماعي

في سيرة سرجون األول البابلي ، كما ورد ذرية األماختلف مع ما جاء في بعض السير من ع

. )١٩(وعلى لسانه"

زه، على تمي ة، الدال مضي شاعرنا في تحديد السمات الجسدية والمعنوية لزهرانثم ي

، شأنه شأن األحالم ه يعيش في الالشعور الجمعي؛ ألن وعلى تمثيله للنموذج األصلي للجماعة

السير فأبطال . مكان ، وكل زمان إلنسان في كليراها ا ، والتي يمكن أن ذات الطابع الجمعي

١٤٢

شديدة –كما سنرى عند عبد الصبور – ، وهي ذات واألساطير يسعون إلى تحقيق الذات الكاملة

، ويتطلع إليه أبناء ، وتعيش المستقبل الذي يعيشه ماضيها االرتباط بواقعها، وتحمل سمات

: الحاضر

"وبعينيه وسامه

حمامهوعلى الصدغ

وعلى الزند أبو زيد سالمه

ممسكا سيفا، وتحت الوشم نبش كالكتابه

اسم قريه

"دنشواي"

شب زهران قويا

ونقيا

يطأ األرض خفيفا

وأليفا

كان ضحاكا ولوعا بالغناء

وسماع الشعر في ليل الشتاء"

جسدية، ر الشعبية من عالماتيشاعر يعي ما اتصل ببعض أبطال السوال يخفى أن ال

، كما كانت على خد ، على خده شامة ه "غالما ذكرا ، كأنه البدربن ذي يزن ولدته أم فسيف

. )٢٠(، ألن ملوك التبابعة تعرف بها من قديم الزمان" أبيه

رة أبطال السي ، أحد من التراسل بين زهران وأبي زيد سالمة ويخلق عبد الصبور حالة

لتلك الشخصية العربية ن زهران هو امتدادإ ، أي يصل بطله بماضيه ، وهو بهذا الهاللية

د على عروبتها من خالل تلك الومضة الدالة بقوله "وسماع الشعر في ليل وقد أك . المخلصة

ون نزار قباني "أن يك نا قولفالشعر هو الفن القومي األول لألمة العربية، وحسب ، الشتاء"

نحن محاصرون . ال يكون ، بل المعجزة أن اإلنسان شاعرا في الوطن العربي ليس معجزة

. )٢١(مون على كتابة القصائد"، ومرغ بالشعر

١٤٣

، وكيف تنامى ذلك االرتباط مع شاعرنا كيف ربط بين بطله ومستقبل حاضره لولنتأم

مراحل زهران العمرية:

"ونمت في قلب زهران زهيره

اقها خضراء من ماء الحياهس

تاجها أحمر كالنار التي تصنع قبله"

، وبدأت فكرة الوالء للواقع وهمومه تتسرب إلى ور كبيرلد فزهران بدأ يعي أنه منذور

. أولي طري واعد ، وهو وعي روحه وعقله

للبحث -واعيا– ، يدفعه ، وترسيخا لجذوره في واقعه وتأكيدا لواقعية بطله وإنسانيته

عن نصفه اآلخر :

"ومشى يختال عجبا، مثل تركي معمم

ما أحلى الشباب . . . ويجيل الطرف

عندما يصنع حبا

عندما يجهد أن يصطاد قلبا"

، فالحب أتي من أفق الوعي بتطور شخصية البطليوهذا الترتيب لمحاور السيرة

، واالرتباط منهما حافزا ضروريا ومهما لتحقيق الذات كل عديوالمرأة في كثير من السير

ص به، عنده هاجسا يترب ، وسيصبح الموت كما أن البطل الذي سيتحدى أعداء الواقع . بالمكان

. . ، واستمرارها ، وخصبها ، والمرأة هي رمز الحياة بحاجة إلى أن يصل نفسه بالحياة

: وهم جذور البطل الضاربة في تربة الواقع ، هم أوتاد الحياة واألبناء

"كان يا ما كان أن زفت لزهران جميله

وغالما . . كان يا ما كان أن أنجب زهران غالما

كان يا ما كان أن مرت لياليه الطويله"

١٤٤

يليق بمرحلته العمرية، ، من الوالء والوعي بدوره ا لطوردعوهنا يصبح زهران م

، وقادرا على د لعناصر الحياة في الواقعيجعله بعد ذلك قادرا على إدراك الخطر الحقيقي المهد

: المواجهة والتحدي

"ونمت في قلب زهران شجيره

ساقها سوداء من طين الحياه

فرعها أحمر كالنار التي تحرق حقال"

، يقترب به من الذات الكاملة وهذا المستوى من اإلعداد الجسدي والروحي لزهران

م ظ، والن م األخالقيةي، ومن صورة الفتى الحلم المنذور لتغيير الق ومن النموذج األصلي للجماعة

االجتماعية والسياسية السائدة في مجتمعه:

"مر زهران بظهر السوق يوما

ورأى النار التي تحرق حقال

ورأى النار التي تصرع طفال"

وكما تقول الدكتورة نبيلة إبراهيم "بأن شخوص الحكاية الشعبية تنمو من الثورة العارمة

، وبالزمان ، وبما حوله ، ومن إحساسه بالقوة اآلسرة التي تربطه بمن حوله في نفس اإلنسان

، وليس في وسعها أن قاتم ، وهي تتحرك خالل ذلك في واقع ، وبالحوادث التي يعيشها والمكان

، حين يجتاح ، وتدرك حدود مسؤوليتها إعدادها زهران تبلغ ذروة فشخصية . )٢٢(نفصل عنه"ت

، واستعداده بمقدار وعيه بالخطر الداهم -هنا–د زهران تتحد وقيمة . من حوله الحياة الشر

. ، وقدرته على تغيير معادالت الراهن المقلوبة لمواجهته

"كان زهران صديقا للحياه

ورأى النيران تجتاح الحياه"

يتجه ، ثورة نفسه العارمة، وحين يصبح الخيار المطروح "أكون أو ال أكون" وفي لحظة

: راعةالض ف، مادا أك إلى السماء

"مد زهران إلى النجم كفا

ودعا يسأل لطفا

سورة حقد في الدماء . . ربما

١٤٥

اء"ربما استعدى على النار السم

شعبي مصري/ عد اإليماني لبطلالب ، الذي يدرك أهمية ذكية من الشاعر وهي لفتة

على طريق تحقيق الذات البطل أقصى ما يراد لها من نضج عد تبلغ ذات، وبهذا الب عربي

دمنا، عنا، فتصتوق تأتي األحداث ضد وحينئذ . ياته، وتقديم النموذج األصلي في أبهى تجل الكاملة

ده، ئت، فتمتد إليه يد البغي ل "زهران" ال يمنح الفرصة للمواجهة ، فالبطل وتمأل نفوسنا قتامة

نبيلة ، وما يتطلع إليه من أهداف ق ذاتهيحق ، وذلك قبل أن ، وحلم الجماعة فيه حلمه وتجهض

. لتغيير الواقع

، ودارت جدان الجمعي المصريمن األبطال الذين ارتبطوا بالو رنا هذا بعددويذك

، وحسن ونعيمة، ، وأدهم الشرقاوي ، مثل: ياسين وبهية ر الشعبيةيمن الس أسماؤهم في عدد

، وغياب العدل ضد االستعمار، أو الظلم هم تحريضا مباشرا أو غير مباشرريس عدممن ت

. ن والشرف، ويموت البطل فيها من أجل الوط ، وبشاعة الواقع االجتماعي

باإلضافة إلى الغاية –الشعبية ريالسفي منظومة األسماء تلك من أبطال الحظوالم

هم ينتمون إلى الطبقة الكادحة العريضة في ، فكل ه المستوى االجتماعي لألبطالشابت –والمصير

. المجتمع

بد الصبور شخصية ف ع، ويوظ ، وقدرته على اللمح واإليجاز ذلك بكثافة الشعر ويتم

ين، من التراسل بين صورت ، ويخلق بذلك حالة بظلم "شهريار" السياف "مسرور" المرتبطة

ذارى السلطة الغبية الغاشمة الموكلة بأرواح الع يمثل يد –في الليالي –فمسرور . ينوزمن

ل سيف السلطة ومسرور (هنا) يمث . ، واالمتداد ، والخصب ، المهددة لمصدر الحياة البريئات

قتل بطل الجماعة، المنذور لتخليصها من رداءة واقعها ، هو السبيل إلى المستبدة، التي تتوهم أن

، وهو الضمانة الستمرار الواقع بكل تشوهاته: اغتيال الثورة وروح المقاومة

"وضع النطع على السكة والغيالن جاءوا،

هوأتى السياف (مسرور) وأعداء الحيا

صنعوا الموت ألحباب الحياه

١٤٦

وتدلى رأس زهران الوديع"

، مستفيدا من تكنيكات الرواية التجريبية، حين لنا الشاعر إلى استهالل قصيدتهوهنا ينق

، ثم يأتي سائر الرواية من خالل تقنية التداعي أو يبدأ الروائي تجربته بالحدث الضخم

. دائرية تنتهي األحداث من حيث بدأ في حركة ، إلى أن االستدعاء من الذاكرة

"شنق البطل" ودفنه على القصيدة كان تصويرا مجازيا مدهشا لوقع عملية واستهالل

ر لنا غة االنزياح المدهشة، يصولتفاصيل حياتها، وب في الجماعة، التي سكنها الحزن، وتغلغل

عقد آماال كبيرة د، وتلك المصيبة، والتي كانت تقالف تلك القاعدة الجماهيرية العريضة المعنية بهذا

على بطلها لتغيير واقعها:

"ومشى الحزن إلى األكواخ تنين له ألف ذراع

كل دهليز ذراع"

البطل الشعبي، الحالمة بخالصها صانعة -غالبا–ة هي المقهورة من األم وهذه الشريحة

. خروج من دوائر الظلم واالستبدادمن رداءة واقعها، والمتطلعة إلى ال

أن وبشنق زهران، ودفنه، وبطوفان الحزن الهائل الذي أصاب الجماعة، توشك السيرة

. ها رهنا بانتصار البطلتنتهي، ولكن على غير المعهود في السيرة الشعبية، التي يكون اكتمال

القصيدة إدانة ؛ فإذا كان سائروهنا يلتقط عبد الصبور الخيط ليقدم الجانب اآلخر من موقفه

للجماعة، التي استسلمت للحزن للسلطة المستبدة وظلمها، فإن الجزء األخير منها هو إدانة

يعبر عن الشعورها:الحتذى، ونموذجا أصيت والهزيمة لمقتل بطلها، ولم تتخذه قدوة

"قريتي من يومها لم تأتدم إال الدموع

تأوى إلى الركن الصديعقريتي من يومها

قريتي من يومها تخشى الحياه"

فرد في المجتمع هو إلى المواجهة والتحدي، وأن يكون كل ويجعل ختام قصيدته دعوة

كبرى في حياتهم: زهران كان قيمة "زهران" ؛ ألن

١٤٧

"كان زهران صديقا للحياه

مات زهران وعيناه حياه

حياه؟"فلماذا قريتي تخشى ال

مع واقع بطل ويرى "لورد راجالن" أن البطل الشعبي ال يخلفه أبناؤه، ولكن هذا تضاد

حلون محله، وفي حالة عدم وفاته يظهرون كمن السيرة الشعبية العربية، فأبناؤه في حالة وفاته ي

. )٢٣(يحتلون مكانته"

ك فيع، دون الوقوع في شرر مقاومة من طراز م لنا عبد الصبور تجربةوهكذا يقد

وية، مستعينا بإمكانات السيرة الشعبية، وما يمتاز بعالمباشرة والخطابية في مثل هذه التجارب الت

عبر عن ال عن النموذج األصلي للجماعة، والم ومن تعبير . للذات الكاملة ها من تصويربه بطل

. شعورها الجمعي

سردية حديثة، تقوم عبد الصبور قد استعار تقنية جد أنل بناء التجربة، سنوحين نتأم

سردية التجربة من خالل تقنية على البدء بالحدث الضخم، وهو حدث النهاية، ثم يأتي سائر

حديثة أخرى، وهي االستدعاء من الذاكرة، وتتوالى أحداث السيرة من خاللها، حتى تضع

تلك االحتفالية البربرية ألعداء الحياة، الذين اغتالوا ل في تمثالمتلقي أمام الحدث المأساوي الم

وحلم للجماعة، وتعود بنا وعد ل مشروعه شكالحياة، وال ذنب له سوى أن زهران الوديع رمز

إلى بدايتها، حين يكرر الشاعر قوله: القصيدة ثانية

وتدلى رأس زهران الوديع

هذا االغتيال البربري، الذي شكل جانبا مهما وحين يصور لنا حزن الجماعة وانكسارها ل

من لوحة البداية:

"قريتي من يومها لم تأتدم إال الدموع

قريتي من يومها تأوي إلى الركن الصديع"

رنا عبد الصبور ببناء القصة عند "تشيخوف"، وبهذا النهج البنائي العام للتجربة، يذك

وتمضي في حركة دائرية تشبه حركة عقارب الساعة، وما . بدأعنده تنتهي من حيث ت فالقصة

١٤٨

درامية متنامية مثيرة للتشوق، ومثيرة السيرة في حركة بين البداية والنهاية، تتوالى أحداث

ماذا؟ حتى نفرغ من تلقي التجربة، وباعتماد الشاعر على تقنيات السرد الحديثة، للتساؤل: ثم

. التراكم تالحمة، تعتمد التنامي ال منطقعضوية م ذات بنية دم تجربةالسيرة الشعبية، ق وآليات

على أخرى، فمن زهران الغالم الذي بدأ يحس م فيها لوحةنقد االستحالة أن فغدا صعبا إلى حد

بيب الوالء للوطن، إلى زهران الفتى الحالم بالمرأة، فزهران الزوج واألب، الواعي في قلبه د

. وره نحو وطنه وأرضه، إلى زهران صديق الحياة، الذي يجد نفسه في مواجهة أعداء الحياةبد

. بالحيوية والحياة وارةالعضوية الم الدرامي لقصيدته تلك البنية وهكذا ضمن الحس

مفعمة بنكهة الشعري المتكئ على الحس الدرامي باستخدام لغة ق هذا البناءوقد تحق

م يقد الشعبية، وألفاظها، وتكويناتها اللغوية، وأسماء بعض أبطالها، واستطاع بذلك أن السيرة

ها من تلك األلفاظ المألوفة، وتلك فهي تمتح وضوح . مقتجمع بين الوضوح والع تجربة

السياقات المكرسة في لغة السيرة الشعبية، وتظفر بعمقها من خالل تحويل تلك اللغة العادية إلى

ولنعد إليه، وهو يقدم طفولة زهران: . رةجات داللية ثمكتنزة، ذات تمو زرمو

"كان زهران غالما

دنشواي" . . . . . . .

فالكلمات في الشعر ال تصلح . آخر الشعر شيء ، ولغةالتداولي اليومي شيء فاللسان

في الشعر ة الحياة اليومية اتجاهلغ واستخدام . ما، ولكن لها غايات في ذواتها لتعيين شيء

الشاعر دعيالحديث، بدأ تياره على يد الشعراء الرومانسيين في الغرب، وتكرس بعد ذلك، فلم

س. بارك هذا المنحى الشاعر "ت ج من استخدام مثل هذه اللغة، وال سيما بعد أنالمعاصر يتحر

تيارا لغويا واضحا في تجربة شعراء إليوت" في مطلع القرن الماضي، وشكل هذا المنحى .

والتجربة . من تأثيث الذاكرة، والتأكيد على الهوية المقاومة الفلسطينية بخاصة، وكانه ضرب

إلى المواجهة والتحدي، والتحريض على م، والدعوةالتي بين أيدينا تندرج ضمن الشعر المقاو

. الثورة

بنسيج لغوي، يتوجه به إلى قاعدة عريضة من لذا، وجد عبد الصبور نفسه مطالبا

. )٢٤(المتلقين، وهذه إحدى الظواهر اللغوية الحديثة في الشعر العربي المقاوم

١٤٩

الذي الشديدة، وذلك البخل نشير إلى تلك الكثافة وال يفوتنا عند الحديث عن اللغة أن

. مرات عديدة على امتداد التجربةالتقتير، مما دفع الشاعر إلى استخدام عالمة الحذف يصل حد

فهذه . خصوصية وتميزا الشعريةاللغوي هو من أكثر مالمح اللغة وهذا االقتصاد

حيل األلفاظ إلى غت نثرا الحتاجت إلى صحفات عديدة، ولما قبلنا من الناثر أن ييالتجربة لو ص

. كثيفة متوهجة، وأن يحدث فيها كل تلك االنزياحات رموز

وحين نتأمل المقطع الثاني الذي يتحدث فيه عن طفولة زهران ونشأته:

". . . "كان زهران غالما

السجع في لغة السيرة (وسامه، التقفية، التي تعيد إلى الذاكرة إيقاعات تستوقفنا إيقاعات

فه، ال اإليقاع وتكل) والتي سرعان ما يغيرها، حتى ال يقع في ابتذ. . . حمامه، كتابه، قريه

. وحرية في اإليقاع ليضمن لتجربته مرونة

كئ ، فإن عبد الصبور يت)٢٥(مكرسة في الشعر العربي المعاصر وإذا كان التكرار ظاهرة

على هذه الظاهرة األسلوبية إلثراء إيقاعه، ويفيد من طبيعة اللغة في السيرة الشعبية لتحقيق هذا

. . ه لتلك الالزمة األسلوبية في السيرة الشعبية "كان يا ما كان ثال ـ تكرارـ م تأمل . . الثراء

ه في ختام الشبه من هذا الملمح األسلوبي ، قول وقريب . " التي يكررها في ثالثة أسطر متتالية

. " التي يكررها أيضا ثالث مرات. . . تجربته "قريتي من يومها

الجملة لسيرة الشعبية في تشكيل تجربته كان وراء شيوعاتكاء عبد الصبور على ا ولعل

االعتماد على الصورة فعل الكينونة بخاصة، وتراجع الفعل الماضي لها، وبروز الفعلية، وسيادة

. البالغية الجزئية

ظ أن الفعل المضارع لم يبرز في التجربة إال في الجزء األخير من القصيدة، والمالح

ه للتعبير عن سبيل وكان المضارع . عن موقف الشاعر ورؤيته ي عبر بقوةوهو الجزء الذ

. ديمومة موقفه، واستمرارية رؤيته

١٥٠

هذه التجربة المتميزة لعبد الصبور، على الرغم من تداخل حدودها ، وهنا نود القول بأن

الشعر، فنية، تنتمي لفن ي السرد: الرواية والسيرة الشعبية، إال أنها ظلت تجربةوامتزاجها مع فن

. والتصوير ، ولم تفقد جوهر هويتها على مستوى اإليقاع، واللغة، والبناء

من أثرى إيقاع القصيدة بعدد ها "فاعالتن" ، والشاعرمن شعر التفعيلة، وتفعيلت فالتجربة

باستخدام أسلوب التكرار ها اإليقاعي ف ثراءدة، وضاعة بدال من القافية الموحاإليقاعات الحر

، الشعريةإحدى ضمانات جوهر هويتها وهذه العناصر اإليقاعية مجتمعة . على امتداد التجربة

. من العناية بعناصر اإليقاع ال يصل إلى هذا الحدفإنه فمهما بلغ النثر من السمو اإليقاعي،

ها، ولغةتالحياة وعصري ةعلى لغ - هنا– والتصوير، فمهما اتكأت التجربة أما اللغة

شيوع االنزياحات اللفظية والداللية، يجعل هذه التجربة إال أن . . ها، وعاديتهاالسيرة وبساطت

ى من وقوفنا أمام العنوان "شنق وهذا يتبد . الوالء واالنتماء لجنس الشعر وجوهره شديدة

ي إلى عوالمه وأبهائه، والمهيئ لتلقفضي الم النص، والمدخل ل عتبةالذي يشك ، زهران"

تجلياته، وموقف صاحبه كما يبدو من خالل تأملنا للعديد من االنزياحات على امتداد القصيدة،

مثل: (جبهة األرض، ومشى الحزن، األكواخ، الحزن تنين، ونمت في قلب زهران زهيرة،

، قريتي تأوي إلى الركن الصديع، ساقها خضراء، تاجها أحمر كالنار، قريتي لم تأتدم إال الدموع

مالحظة ذلك من خالل لغة السيرة المنتشرة في القصيدة، ويمكن . إلخ) . . قريتي تخشى الحياة

كيميائية جديدة، فشحنها بطاقات داللية، أدخلها في باب الرموز، الشعري منحها طبيعة فالسياق

على الصدغ حمامة، وعلى الزند أبو زيد د، ومثل : (كان زهران غالما، أمه سمراء، األب مول

التوهج، القصيدة شديدة فلغة . إلخ) . . سالمة، كان ضحاكا ولوعا بالغناء ، وسماع الشعر

تعلو لغة وهذه لغة . نا تفسيرا نهائيا لهاعي أحديد االكتناز واالمتالء والحيوية، يصعب أن شديدة

إلى منطق العقل والفكر، أقرب فالنثر يظل . اية صاحبها بهاالنثر، وتسمو عليها، مهما بلغت عن

راقص، يبدأ من الواقع ليتجاوز هذا الواقع ويغايره، ينطلق من العادي والمألوف والشاعر

. والممكن، ليصل إلى المدهش، ويفارق المألوف والعادي، ويقف على تخوم المستحيل

وبعد ؛

فقا جديدا ومهما، استحدثه الشاعر العربي أ عديلعربي الحديث، الدرامي في الشعر ا فالحس

ز الشعري الغربي، ووعيه لدعوات النقاد في الغرب المنادية بسقوط الحواجز نجبعد اتصاله بالم

بين األجناس األدبية، والثورة على تلك الحدود الوهمية بين الفنون، فاستعارت الرواية إمكانات

١٥١

وانفتح الشعر على المسرحية، والسيرة ، والرواية ، لمسرحية، والشعروا ، الملحمة

. إلخ . . والقصة

غير معهود في األزمنة الكالسيكية، وأدى هذا االنفتاح إلى إثراء تلك الفنون على نحو

أن يفضي هذا التداخل، وذلك االمتزاج، إلى من القلق لدى بعض النقاد، خشية وإلى إثارة حالة

. بعينه أدبي ال ينتمي إلى جنس تهديد هوية األجناس األدبية، أو إلى موتها، فتنتهي إلى نص

ال خوف أن –وهذا ما الحظناه من خالل دراستنا لقصيدة شنق زهران –نا نرى ولكن

، فظلت تجربة عبد الصبور منتمية على جوهر الجنس األدبي من هذا التداخل، وذلك االنفتاح

. ، وبناء ، وتصويرا ، وإيقاعا ؛ لغة الشعر بقوة أدواته التشكيلية نإلى ف

عليه، إال أن ل في بعض جوانبه امتدادا ألنساق أخرى سابقةيمث وإذا كان هذا العمل

. ه عن أعمال أخرى، بما يضمن له هويتهه وخصوصيته، وانفصالزفي تمي الفردية كامنة

عن النظر في أنساق أخرى تداخلت معه، مما يضمن لنا هذا العمل بمعزل يمتقو وبالتالي ال يتم

. على إرهاف حاسة التلقي لديه وتطويرها المتلقي من دائرة المستهلك السلبي، والعمل إخراج

هذا قد تمرد على جنسه، إال أن –بتداخله بأجناس أخرى -العمل األدبي فإذا كان

. انتمائه لجنس بعينه ه لهويته، وعدمالتمرد ال يعني فقدان

١٥٢

:هوامش الدراسة

ناصر يعقوب، . م): د٢٠٠١-١٩٧٠وتجلياتها في الرواية العربية ( الشعريةانظر: اللغة )١

. ٤٩م، ص ٢٠٠٤المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت وعمان،

لدين صبحي، المؤسسة راجع : نظرية األدب: رينيه ويليك وأوستن وارن، ت : محي ا )٢

. ٢٩٥م، ص ١٩٨٥، ٣العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط

انظر: الدرجة صفر للكتابة: روالن بارت، ت: محمد برادة، دار الطليعة للطباعة والنشر، )٣

. ٥٧-٤٨م، ص ١٩٨٢بيروت،

. ٢٤٧راجع : نظرية األدب : مرجع سابق، ص )٤

. ١٨٥ص . م١٩٩٣ر اآلداب، بيروت ، راجع: الحساسية الجديدة: إدوار الخراط، دا )٥

انظر : المبدأ الحواري: تزفيتان تودوروف وميخائيل باختين، ت: فخري صالح، المؤسسة )٦

. وما بعدها ١٦٠م ، ص ١٩٩٦، ٢العربية للدراسات والنشر، بيروت ط

: جان كوهن، ت: محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال الشعريةراجع : بنية اللغة )٧

. ١١٨، ١١٧م، ص ١٩٨٦، الدار البيضاء، للنشر

. ٢٤٧، ص ٢راجع : نظرية األدب: مرجع سابق، ط )٨

. ٥٣وتجلياتها في الرواية العربية، مرجع سابق، ص الشعريةانظر: اللغة )٩١٠( Encyclopedia Britanica Volume 2 . 993-994-1962 . ر أحمد كمال زكي، القاهرة ، مقال للدكتو١٩٥٢، ديسمبر ٧٢٨مجلة الثقافة: العدد )١١

٨٦- ٨٥، القاهرة، ص ١٢راجع : فن الشعر: الدكتور محمد مندور، المكتبة الثقافية، عدد )١٢

. م١٩٥٧الناس في بالدي: صالح عبد الصبور، دار اآلداب، بيروت، )١٣

قراءات في شعرنا المعاصر: على عشري زايد، دار العروبة بالكويت، ودار الفصحى، )١٤

. ٣٩م، ص ١٩٨٢القاهرة،

. وما بعدها ٦٩انظر: المرجع نفسه، ص )١٥

انظر في تفاصيل "مولد البطل في السيرة الشعبية": )١٦

أحمد شمس الدين الحجاجي، دار الهالل، . مولد البطل في السيرة الشعبية: د -

. م١٩٩١، ٤٨٤العدد

نبيلة إبراهيم، دار نهضة مصر، القاهرة، . أشكال التعبير في األدب الشعبي: د -

. فصل الخامس (ميالد البطل)م، ال١٩٧٣

. ٨٩، ٨٨مولد البطل: مرجع سابق، ص )١٧

١٥٣

. ) انظر: مادة "غلم" في اللسان، وفيها: والعرب يقولون للكهل: غالم نجيب"١٨

. ٨٧) مولد البطل: مرجع سابق، ص ١٩

. ٨٧ص، ) المرجع نفسه٢٠

١٦م، ص ١٩٨٢ ،٦قصتي مع الشعر: نزار قباني، منشورات نزار قباني، بيروت، ط )٢١

. (الشعر قدري)

. ١٢٣أشكال التعبير في األدب الشعبي: مرجع سابق، ص )٢٢

. ٨٧مولد البطل: مرجع سابق، ص )٢٣

انظر : ظواهر حديثة في شعر المقاومة "شعر أحمد الريماوي نموذجا" : الدكتور أحمد )٢٤

العام للكتاب الخطيب، والدكتور محمد صالح الشنطي، منشورات الهيئة اإلدارية لالتحاد

. وما بعدها ٤٥م، التشكيل اللغوي ص ١٩٩٦والصحفيين الفلسطينيين، السعودية،

، ص ١٩٨٣راجع: نازك المالئكة : قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للماليين، بيروت، )٢٥

. وما بعدها ٢٦٣

١٥٤

١٥٥

ربي الحديثعر العفي الش هيد الفلسطينيالش صورة

:فــي قـراءة

للدكتور خالد الكركي "هداءماسة الش"ح

١٥٦

١٥٧

من التقدير، فقد احتفى م بالكثير١٩٩٨صدوره في أبريل نيسان هذا الكتاب منذ يظح

هم النقدية في الصحف اليومية والدوريات، تفيض بالحديث عنه، ون به، وتوالت مقاالتالمهتم

. وا لعرضه، ونقده، وتثمينهن تصدم ك لكلوكان اإلعجاب والرضا هما القاسم المشتر

فاوة؟ هذا الرضا، وذاك اإلعجاب ، وتلك الح الذي يطرح نفسه بإلحاح : ما سر والسؤال

! ولكن ما أقل ما يحتفى عام على امتداد خريطة الوطن العربي فما أكثر الكتب التي تصدر كل

إزاءه! ، وتتوقف الجماعة به منها

يمكن تقديم جملة من االفتراضات الوجيهة لتفسير هذا عن هذا التساؤل، ولإلجابة

وهو ، نعزو ذلك إلى موضوع الكتاب ( الشهادة والشهيد) التقدير، وذاك اإلعجاب ، فيمكن أن

. ية المترعة باإليمانتنا، وبانتصاراتها، وبجروحها المتحدمشديد االتصال بوجدان أ موضوع

. الغار التي تزين مفرقها ، وأكاليل ةاألميد هذه لى جالفخار ع والشهيد أوسمة فالشهادة

، كان له أبلغ تنامصدور هذا الموضوع في هذا الزمن الصعب الذي تعيشه أ كما أن

. غير مباشر قوي في مجمله توجيه ، فالكتاب تلقيناألثر في هذه االستجابات عند جمهور الم

ة لموضوع الشهادة والشهيد لى مثل هذه الدراسة الشاملة والجادفإذا كانت المكتبة العربية تفتقر إ

، هم ، فإن شبابنا وأبناءنا الذين نراهن عليهم في صراع الوجود والحضارة في تراثنا الشعري

م لهم الدليل الملموس على قدرتهم في تغيير واقعهم المتهافت، سيس الحاجة إلى من يقدفي م

. ستلبة فيهواسترداد كرامة األحياء الم

ا صالحا لتقدير فسراإلسالمي لصاحب الدراسة م ويمكن أن يكون األفق العروبي

أرحب وأوسع ، ات الضيقة إلى أفقطريفقد استطاع أن يتجاوز تلك الق . الجماعة وإعجابها

. أشمل وأكمل قا لها رؤية، محقة النظرةها دراسته عن محدوديمنز

فهو ب لهذه الدراسة ، ولم ال ؟ارس قد أسهمت أيضا في االستقبال الطيالد شهرة ولعل

ر، وضوعيته ، وهو أستاذ أكاديمي مقدمنهج علمي منضبط، معروف بم جاد، وصاحب دارس

سياسة المع، له حضوره الكثيف في الحياة األكاديمية، والثقافية، ومثقف متميز، ورجل

. والسياسية

نا نعدو الحقيقية وال أظن ل من أهميتها،ها، وال نقلالمطروحة لها وجاهتاالفتراضات كل

١٥٨

. لتقدير الجماعة -إلى حد ما - ونجانب الصواب حين نجعلها مجتمعة مفسرة

ه اإلعجاب والرضا، هو المنهج الذي اختط ه، والذي نعده مناطولكن األخطر من هذا كل

نا الدكتور إحسان وقد أصاب أستاذ . ل بها في مواجهة موضوعهالتي توس الدارس لنفسه، واللغة

عباس كبد الحقيقة، حين قال في مقدمته للكتاب "إن الدكتور الكركي قد اهتدى إلى مفاتيح جديدة

من الداخل مجاال لرؤيته ، حين جعل العمل الفنيالشعريةفي تشكيالت الرموز الناقدة والصور

. "وأنه قد اختار الفن مدخال لهذه الظاهرة النبيلة . . دةه السديالناقدة، وأحكام

نعم، لقد نأى بنفسه عن الوقوع في شباك المناهج النقدية الحديثة، ال عجزا عن تمثلها،

ها الزئبقية المراوغة ال تصلح لتناول موضوع، ولغتها الغامضةودراية بأن أدوات اولكن وعي

راد له أن ينفي القارىء من خالل تلقين، وال يعريض من الم جمهور كهذا، يراد له أن يصل إلى

من األرقام، قيتة، وتحيل النص إلى مجموعةتعالمة، تلتفت إلى نفسها في نرجسية ملغة م

. والخطوط، والمعادالت الرياضية المجردة

م)، عن ١٩٩٨سان آخر، صدر في الوقت ذاته (أبريل/ ني وهنا ينبغي أن نتوقف أمام كتاب

من البنيوية إلى التفكيك" للدكتور عبدالعزيز . سلسلة المعرفة الكويتية بعنوان " المرايا المحدبة

بين "المرايا المحدبة" و "حماسة الشهداء"، ولكن العجلى تستبعد وجود عالقة فالنظرة . حمودة

. وثيقة ين من عالقةابالنظرة المستأنية المتأملة ال يخفى عليها ما بين الكت

عنيفة في مجال النقد األدبي، ستظل لها أصداؤها "المرايا المحدبة" رجة حدث كتابلقد أ

ين ين النقديللمشروع دراسة فالكتاب . سيرة حركة النقد األدبيالقوية في حياتنا الثقافية، وفي م

من الصخب ألخيرة في العالم الغربي، والكثيرمن الجدل في األربعين عاما ا اللذين أثارا الكثير

. ين من القرن العشرين في العالم العربيين األخيرفي العقد

أكد -الرفض لهما من موقف -وية والتفكيك ييات النقدية للبنالتجل ففي محاولته لتقريب

ستعارة إنجازاتأن اغتراب الحداثي العربي ال يرجع إلى ما يسمى بأزمة المصطلح، وإنما ال

تماما لواقعنا غايرنبتت في مناخ ثقافي وفكر فلسفي م للفكر النقدي الغربي، وهي منجزات نظرية

ا أدى في نهاية المطاف إلى فشل هذين المشروعين في تحقيق داللة النص، أو تقديم مم العربي،

. مقنعة للمدارس النقدية التي تمردا عليها بدائل نقدية

١٥٩

ن البنيويون يطمحون إلى تحقيق علمية النقد، فاعتمدوا على النموذج اللغوي، الذي لقد كا

بآلية الداللة، ونسوا ماهية -لقد انشغلوا في حقيقة األمر . فشل في تحقيق الداللة أو المعنى

" ؟انهمكوا في تحديد األنساق، واألنظمة، وكيف تعمل، وتجاهلوا " ماذا يعني النص . الداللة

. )١٠و ٩(انظر: المرايا المحدبة ص . ناء للغةجالبنيويون في نهاية األمر إلى سفتحول

األنظمة، ست على رفض علمية النقد، والشك في كلأما استراتيجية التفكيك، فقد تأس

ءة، فاستبدلوا بالنموذج اللغوي ذاتية القرا . والقوانين، والتقاليد، والتحول إلى ال نهائية المعنى

والتمرد على نهائية النص أو إغالقه، كما استبدلوا علمية النقد بأدبية اللغة النقدية، فأضافوا إلى

وفي نهاية المطاف، . نقدية، تتعمد لفت النظر إلى نفسها بعيدا عن النص فوضى الداللة لغة

ون فشلوا في فالبنيوي . وصل التفكيكيون إلى نفس ما انتهى إليه البنيويون، وهو حجب النص

. )١٠تحقيق المعنى، والتفكيكيون نجحوا في تحقيق الالمعنى (انظر: المرايا المحدبة ص

على هذا النحو خلصنا الدكتور عبدالعزيز حمودة من شعورنا باالنبهار، وإحساسنا

ه في بالعجز: العجز عن التعامل مع تلك الدراسات البنيوية، وفهم أهدافها، بل فهم وظيفة النقد ذات

. فة التي أغرقونا فيها لسنواتظل المصطلحات النقدية المترجمة، والمنقولة، والمنحوتة، والمحر

هذا ناهيك عن تلك البيانات والجداول اإلحصائية، والرسومات المعقدة من دوائر، ومثلثات،

لدراسة التي تبعد المتلقي عن النص األدبي موضوع ا . . وخطوط متوازية، ومتقاطعة، وساقطة

. ، وتشعر بجهله وتخلفه عن اللحاق بركب الدراسات األدبية والنظريات النقدية الحديثة

من تلك البهلوانيات، ال عن الدكتور الكركي لم يتورط في شيء أن ومن حسن الحظ

بعدم جدواها في " إضاءة النص" وتقريبه من جمهور المتلقين، بأدواتها، ولكن عن وعي جهل

كما يقول الدكتور إحسان -يما فشل فيه نقاد البنيوية والتفكيكية، وامتازت محاولته فنجح ف

. . مرحلة باالستقصاء والشمول في النظر، مع استشراف الذرى الفنية الشاهقة في كل -عباس

والوعي الشديد بالبعدين الزماني والمكاني اللذين ينتظمان أجزاء الظاهرة وتفرعاتها، مع حرية

من الداخل مجاال ة في التجاوب مع العناصر الجمالية للتجربة، حين جعل العمل الفنيمطلق

فإذا كان كتاب . حماسة الشهداء) مقدمة ١٣( انظر: ص. لرؤيته النافذة وأحكامه السديدة

نجزات الدراسات األدبية والنظريات النقدية المرايا المحدبة" قد نبه على ضرورة مراجعة م"

للنص والمتلقي باعتبار الناقد وسيطا بينهما، فقد ثة، وأكد أهمية تثمينها وتقويمها خدمةالحدي

لطموح صاحب المرايا المحدبة، عملية نموذجية، مجسدة جاءت دراسة "حماسة الشهداء" تجربة

. ف عن اللحاق بركب النظريات النقدية الحديثةمنتصفة لشعوره بالجهل والتخل

١٦٠

الدكتور عبدالعزيز حمودة قد نعى على أصحاب تلك الدراسات األدبية وإذا كان

. . والنظريات النقدية لغتهم، وما تتصف به من غموض، والتواء، وتعال، وزئبقية، ونرجسية

ذلك، فسما بها إلى مدارات را له لغته التي نزهها عن كلي الكركي مقدفأظنه سيشد على يد

حتى أن األستاذ فهد النص المدروس، هامة - ولين ويسر واضعفي ت -الشعر، فزاحمت

، الشعريةطالق صفة "الديوان" على هذه الدراسة، " ألن ارتواءه بالجملة إفي دالريماوي لم يترد

ه بالروح الخالدة، والمعنى المطلق، قد ارتقى بالكتاب إلى ه بالموسيقى الداخلية، واحتفالوتجمهر

ال ) ولكنه تحول٢٨/١٠/١٩٩٨الشعر" (صحيفة المجد وتحول بالنثر إلى فضاء مرتبة الديوان،

فذكرنا بنهج . و الفكري معا يضفر األدبي تها وموضوعيتها، فقد استطاع أنيحرم لغته علمي

. يوسف خليف . شوقي ضيف، ود . طه حسين، ود . أساتذتنا أمثال د

شوقي بزيع "العائد" التي يستهلها الشاعر بهذه لتعقيبه على قصيدة -مثال - ولنستمع

متميز، وميزته سريعة في نص حيث يقول: هذه قراءة ، "تمشي جنازته الهوينا" :االفتتاحية

في حداثة رؤيته وإيقاعه، وفي النافذة التي فتحها على دروب جديدة للقصيدة العربية التي تخرج

ين: حداثة ءإبهام الرمزية، وسلبية السريالية، إلى فضاوخنوع الرومانسية، و من عزلة التقليد،

-في زمن نضال متصل واألمة -لىوالشهيد أ ن غيروحداثة الصورة واإليقاع، وم ، الرؤية

. )١٣٩حماسة الشهداء، ص أن يكون عروق الذهب في القصيدة العربية الجديدة" (انظر

سة الشهداء" لتذكرنا بنشأة المذهب األدبي عند العالقة بين" المرايا المحدبة" و" حما إن

عن -على اختالف أقطارهم -علن يصدر األدباء م مسبق، ودون قرار اتفاق وناألمة، فد

أدبي، تجسده تجاربهم على د، محولين الفكر النظري المجرد السائد إلى فكرأدبي موح موقف

ي تجاربهم تجاوزا للمألوف والسائد، وتكريسا لمنحى اختالف النوع األدبي الذي تنتمي إليه، فتأت

. جديد في الحياة األدبية

المرايا المحدبة كان مشروعه يتلجلج في صدره وعقله منذ بضع سنين، وكذا فصاحب

واحد، ومثلت األولى رفضا للدراسات حماسة الشهداء، وصدرت الدراستان في آن صاحب

م النموذج العملي البديل لتلك وجاءت الثانية لتقد . وغيبته لت النصاألدبية الحداثية، التي اغتا

الدراسات المرفوضة، دون أن تخوض في الفكر النظري النقدي، فكما كانت الدراسة في مجملها

أيضا –توجيها قوميا مقدرا في هذا الزمن العربي الصعب، يمضي بعكس االتجاه السائد، فهي

ن اضطراب المصطلح النقدي، وحجب النصوص وتغييبها ، والتعالي على نقدي في زم توجيه -

. تلتفت إلى نفسها أكثر من التفاتها إلى التجربة المدروسة جمهور المتلقين بلغة

١٦١

حدد الدكتور الكركي زمن بحثه (دراسة رؤية الشهادة والشهيد في الشعر العربي

-قحوهو م -ه قد رأى لماضي والحالي ، إال أنين االحديث) في الزمان الجديد الممتد عبرالقرن

البصر، ويعود بنا إلى المنابع األولى لنهر الدم والفداء منذ استشهاد سمية والدة عمار ابن ديم أن

ياسر (رضي اهللا عنهما)، واستشهاد حارثة بن سراقة أول شهداء بدر، ليمضي مع الموت

عند بعض روافد نهر الدم الصاعد مع الزمن، تلك االختيار/ الموت العصي، ليتوقف قليال

اتجاه، لتكتب بدم الشهداء صفحة الروافد التي رافقت أمواج الفتح اإلسالمي، وهي تنداح في كل

. من خلود هذه األمة

هيب الممتد من بعينه من المشهد الم أتوقف عند جانب في هذه المقالة أن ني آثرتلكن

أال وهو صورة الشهيد الفلسطيني، كما قدمها الدكتور ى خارطة الوطن الكبير،الماء إلى الماء عل

االتصال بصراع شعب فلسطين مع قوى متصلة كل وهو صورة . الكركي من خالل" حماسته"

. باإلمبريالية العالمية البغي الصهيونية، التي أناخت بكلكلها على أرضهم، معززة

ن خضبوا بدمائهم تلك األرض المباركة، ولم يكن م يم ثبت لكللم يكن الكركي معنيا بتقد

عند انعكاسات األحداث على مرآة الفن ه الوقوفلألحداث ذاتها ، إنما كانت بغيت ه التأريخهم

أحياءهم أنهم ليسوا أمواتا بل وحسب الشهداء لم يحظوا برثاء الشعراء لهم ، فبعض . الشعري

للشهادة م رؤيةظمت فيهم مراث لم تسم قامتها لتقدالشهداء ن وبعض . قونرزهم يعند رب

قد اتكأوا على مصارع - وهم كثر -هذه لم يتوقف عندها، ورأى أن أصحابها والشهيد، ومثل

ها لم تصل إلى بالحماسة والرثاء، لكن -أحيانا -الشهداء ليقولوا شعرا، وقد فاضت قصائدهم

. ةمللدين واأل على فهمها باعتبارها حياة وال كانت قادرة علياء الشهادة،

وهي ، للشهادة والشهيد دمت رؤيةوكان مطلبه المراثي التي ق هكانت غايت ، إذن

للدين واألمة، وصعودا إلى ذروة الرضا فهم أصحابها الشهادة باعتبارها حياةتلك المراثي التي

. موتباختيار المواجهة حتى ال

التي حققت ذلك في رثاء شهداء فلسطين، رافقت ثالث موجات عالية الشعرية والتجارب

م، والثانية إبان الثورة التي انطلقت عام ١٩٤٨من الصراع مع العدو: األولى ما قبل نكبة عام

. م وما تالها ١٩٨٧م ، والثالثة زمن االنتفاضة ١٩٦٥

فنية شامخة، إلبراهيم طوقان ذروة ءاثاء الحمرففي المرحلة األولى تقف قصيدة الثال

العدو، وهي في بنائها الفني، ولغتها، وصورها، وإيقاعها واحدة المواجهة ضد تؤسس لحاالت

١٦٢

، وهي قصيدة من أعلى القصائد المعاصرة موقعا في شعرنا الحديث الذي عبر عن الشهادة

هم: فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير، الساعات الثالث، التي رحل فيها ثالثة شهداء

. م١٩٣٠حى الثالثاء السابع عشر من حزيران موا شنقا ضعدالذين أ

زة في أولى ومتمي ، فإنها محاولة درامي داخلي القصيدة لم تتحول إلى بناء ومع أن

الشهداء الخروج من نصوص الرثاء ووصف البطولة إلى قراءة الجانب اإلنساني من مواقف

فقد كان الحتكام طوقان التلقائي إلى . شعرية جديدة في الرؤية والتشكيل واإليقاع بروح

ه البالغ ، وصور البالغة ذات الصلة بالبطولة والصبر والشهادة أثر الموروث الديني، والتاريخي

لشهادة ها نموذجا متميزا في قراءة هذه الساعات النادرة في تاريخ افي جعل القصيدة كل

.والشهداء

ام، ابن سوريا وفي المرحلة ذاتها تطالعنا صورة " الشهيد اإلمام " عز الدين القس

، الذي كان يرى االنتداب البريطاني االنتداب الفرنسي ك في ثوراتها القومية ضدالمشار

ستشهاده عام د مستقبل األرض العربية، فقدم با، يتهد والخطر الصهيوني في فلسطين فعال واحدا

بل الغاية من ، ومثال فريدا لن من رفاقه نموذجا فذا م على أرض فلسطين مع عدد١٩٣٥

، حيث امتزج فارعة الطول من مواكب الشهداء على أرض فلسطين الشهادة، فغدا إماما لسلسلة

. م ١٩١٦م الدم العربي متجاوزا في تدفقه تلك الحدود التي اصطنعتها مؤامرة سايكس بيكو عا

واسعة من النضال اسمه على مساحة ام" أن يمتدلقد استحق الشيخ الشهيد " القس

في ، أو بعد ذلك بزمن ر استشهاده، وأن يحظى بالعديد من المراثي إث الفلسطيني والعربي

. زلتصوير حضوره الثوري المتمي محاولة

بالشهيد ، والفخر هاده تجمع بين تمجيد البطولةاستش يلت في رثائه سنةالتي ق فالقصائد

، كما أن صورة الشيخ المقاتل قد أوحت إلى الشعراء بالتماس على رحيلهم ورفاقه، واألسف

كما غلبت على المراثي المبكرة له . الصورة الشاملة للمناضلين الشهداء في التراث اإلسالمي

. ، ويقاتل تحت راية القرآن ف الشريف منارااإلسالمية للشهيد الذي يحمل المصح الصورة

، والقصائد األولى لرثائه بعامة ولعل الصورة التي قدمتها قصيدة فؤاد الخطيب بخاصة

د في إعالن ، الذي ال يترد ما تزال إلى اليوم هي النموذج/ الرمز لصورة المناضل اإلسالمي

ورسالة، في وجدان الشيخ ثورة حاضر فاإلسالم ، من أجله موقفه إلى جانب الحق، والتضحية

ال تنام على أمة ام ضميرلقد غدا القس . الثائرين ، والمروءة ، والشهادة هي عالماتوالصبر

: كريمة واسما تستعيده األمة رتبة ، ولقب الشيخ غدا المية غدت شرفاه اإلسيم، وصورتض

١٦٣

رفا تقصر عندهـا التيجـانش ت عمامتك العمائـم كلها ـأول

نبذت قديـم عهودهـا األوطان وجعلت السم الشيخ أرفع رتبة

زي الملوك وما ارتدى الفرسان واليوم حين رأتك قد ذكرت بها

صيته إلى لتقديم شخ ات في محاولةام، وتعود إلى الثمانينيالتي قيلت في القس أما القصائد

تحريضي، كما في قصيدة محمد القيسي (عز الدين القسام ام فيها وطنيالقس األمة، فحضور

. جزء من حديث ليلة باردة) بخاصة.

ام تمضي قوافل من الشهداء، يحتل سعيد العاص، وعبد الرحيم الحاج وعلى خطى القس

في تاريخ النضال الفلسطيني، بارزة محمد، وفرحان السعدي، وعبدالقادر الحسيني مكانة

. م ١٩٤٨ات حتى عام يوبخاصة في سنوات النضال الصعبة منذ منتصف الثالثين

ام من "جبلة" خرج سعيد العاص من خاصة، فكما خرج القس ويشكل سعيد العاص حالة

وكما تعددت االستجابات . "حماة" واستشهدا بعد نضالهما في سوريا وعلى أرض فلسطين

عمر أبو ريشة له ها مرثيةكان أفضل الستشهاد األول، فقد حظي الثاني بمراث عدة، ةالشعري

متماسك، وذات أفق رها، وإيقاعها، وقافيتها نصبعد استشهاده بعام، وهي بصو ١٩٣٧عام

ها:نضالي ثوري، ويمكن تصنيفها في إطار الشعر القومي، ومطلع

د والندى والسماحجبل المج نام في غيهب الزمان الماحي

ه بالرثاء شاعران كبيران، هما الشاعر القروي أما الشهيد فرحان السعدي، فممن خص

وهما شاعران كالسيكيان، غلبت . م، والشاعر المصري أحمد محرم١٩٣٧من مهجره عام

رف بنزعته اإلسالمية، فهو يرى فرحان السعدي شهيد على األول نزعته القومية، والثاني ع

م، معل رسا، ويراه مدرسة الجهاد، فالشهيدبل موسم، ويرى استشهاده ع مقام له مأت، ال يقح

ه من دمه:ودروس

وأراه حقا أن يقام الموسـم لك يا شهيد الحق قام المأتم

عرس أتيح لنا وما من ريبة في العرس يجري في نواحيه الدم

د لم يصادف مغنما هون عليك، دم الشهيـد المغنـمقل للمجاه

لرفيق نضال الشهيد عبدالرحيم الحاج محمد حيم محمود مرثيةروللشاعر الشهيد عبدال

١٦٤

زفون وعليهم حلل من نجيع الحرب، يروون الثرى من فيها أبطاال ي م، يرى الشهداء١٩٣٩عام

. صيرون تعاويذ الحمى من المكر وكيد الحسوددمائهم، ويحنون السهل به، في

ة العار، فضحى بروحه، حتى ال ر ومرارسوقدوة، وهو ال يطيق األ هنا نموذج والشهيد

. بروح المرحلة ووجدان الناس القهر آخذة تظل حالة

كبير في حركة الشعر العربي الحديث، وقد عبدالقادر الحسيني فله حضور أما الشهيد

يكون بين مراثيه قصيدة أن بومن عج . متدا زمنا طويال بعد استشهادههذا الحضور مظل

بجريدة الجمهورية العراقية القائل، وهي منشورة ها مجهولة، والرؤية، لكنواإليقاععالية البناء،

ني ها "ذكرى شهداء فلسطين " بمناسبة استشهاد البطل عبدالقادر الحسيم، عنوان١٩٦٨عام

ومطلعها:

غاب عن غيلها الليوث الضياغم لمن الدار أقفرت والمعالم

النص، كذلك النداء على األمة أن تنهض كما مأساة فلسطين معظم وقد استغرقت صور

نهض أولئك الفتية من "بقية السيف" في فلسطين باألمور العظائم، ومن هؤالء الحسيني، وشهداء

. النضال العربي في فلسطين

ومن القصائد التي عبرت عن حضور الحسيني الشهيد في الشعر العربي بعد زمن

للشاعر عبدالمنعم الرفاعي، وأخرى لو قامتها، قصيدةطويل من استشهاده، وامتازت بنضجها وع

خيرة من الشهيد عبدالقادر إلى شريكته الوفية أم بعنوان "الرسالة األ لناهض منير الريس، وثالثة

" للشاعر عزالدين المناصرة ، وأخرى للشاعر الجزائري الشهيد الربيع بو شامة، موسى

وقد أهدى . لوطنه م روحه فداءللحسيني وهو يقد لفكرة االستشهاد، وتصوير ه تجسيدوقصيدت

جندي عربي مجهول استشهد في حمى اهللا والوطن قصيدته إلى روح بطل القسطل، ثم إلى كل

. بفلسطين

عالية مع انطالق الثورة ه يبلغ ذروةل الدم في عروق الشعر بعد ذلك، ولكنويتواص

، وتتدافع النضال، ويزداد الدم غزارة ات، حيث تتسع قاعدةيالفلسطينية في منتصف الستين

من بمشاركة عدد . ه، وخصيوصتهالفداء مداه، وألق فافه، ويبلغ مشهدمواكب الشهداء على ض

كما يذكرنا . ثال: منتهى الحوراني، وشادية أبوغزالة، ودالل المغربي، وغيرهنالت، أمالمناض

. الرحيم محمود في شخص عبد غسان كنفاني، وكمال ناصر بصورة الشاعر الشهيد ممثلة

الصف مع هذا الزخم النضالي، فيشارك فيها شعراء متسقة الشعريةوتأتي االستجابات

سطيني، أمثال: محمود درويش، وفدوى طوقان، وسميح القاسم، األول من أعالم الشعر الفل

١٦٥

ممتازة من أعالم م معهم نخبةأسه كما . وأحمد دحبور، ومعين بسيسو، وهارون هاشم رشيد

الشعر العربي، أمثال: الجواهري، ونزار قباني، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وسعدي يوسف، وعلي

. . . الجندي

كثيرة، ولكن التجارب الشعريةما قبل النكبة كانت االستجابات ه في مرحلةظ أنوالمالح

الناضجة التي قدمت فهما للشهادة والشهيد كانت قليلة، كما أن عددا من شعراء العرب الكبار لم

. ١٩٦٥هذا بعكس المرحلة التالية التي واكبت انطالق الثورة عام . فيها يسهموا بشيء

تلك المراثي، وما قدموه من رؤى متميزة للشهادة والشهيد، الوقوف عند أصحاب وألن

من القواسم المشتركة في الرؤية بين تلك يتجاوز طموح هذه العجالة، فسنحاول بلورة مجموعة

المراثي، تتمثل في التحريض على الفداء والثورة، وتصوير الشهداء برجال يزورون الموت،

ه يأتي من منابع د البؤس عن سود المنازل في فلسطين، وأنيص الشهيد مناضل ويرى بعضهم أن

. معا النهار وجبال النار

إلى الهجاء، فيهاجم التهريج المخجل، -كما يفعل فايز خضور -وقد يلجأ بعضهم

ظل خراب وأصحاب الياقات وأرباب المحظيات، ويرى أن صديقه الشهيد ليس إال الضد لكل

م أشبه ما يكون ١٩٧٣الغارة اإلسرائيلية على بيروت عام هم شهداءويرى بعض . قائما بعده

ه البحر األسود؛ ألنه البحر الذي يجيء ورأى آخرون البحر األبيض بأن . بموت الخيول الجميلة

. زاة، وعلى شواطئه تتكسر األحالمبالغ

هداء كما حفلت دواوين بعضهم ( وبخاصة ديوان فدوى طوقان) بالعديد من صور الش

الغد شعرية فذة، تشبه الفتات تعلن أن الثورة مستمرة، وأن الجيل الجديد هو صانع في لوحات

باآلصرة القوية بين ويعبر سعدي يوسف في مرثيته لوائل زعيتر عن إحساس . الحر الجديد

الشاعر والشهيد، بين ابن العراق وابن فلسطين:

مرت يداك على الرمل

لى الرمل مرت يداي ع

ها نحن نسأل أشجارنا

أنـت تسأل زيتونـة

نخلة :. . وأنا

. هلى تركنا على الرمل غصنا

١٦٦

متميزة في رؤيتها أما أحمد دحبور فيقدم في مرثيته لفؤاد زيدان ورفاقه تجربة

خل وشفافيتها، إذ ينشر الفهد ذات ليلة أسراره اآلدمية في الريح، ويختلط دمه بالندى، وتتدا

ووجه الثالثة يعبق بالفهد: مالمح رفاقه،

قبضته أنشبت عطرها في المدى: . . هذا هو الفهد

من نخيل العراق إلى بردى،

وفلسطين في كامل الزينة العربية ، كاملة

أبرق الفهد أن العرائس يسرحن في قلبه،

. كاملة –وفلسطين في حلم كامل

خاصة : فهي تأخذ الفكرة الشهادة والشهيد رؤية وتشكل قصائد محمود درويش في

وهي تقرأ . . األساسية إلى قصائد كثيرة، حيث يقاتل الناس، ويزرعون، ويحزنون، ويموتون

الرحيل في سياق اللحظة التاريخية الصعبة لها، سواء أكان الموت جماعيا كما في تل الزعتر،

ضاف إلى ت . الدين قلق د ماجد أبو شرار، وعزأم كان موتا في الغربة، كما في حالة استشها

درويش الهائلة على انتزاع الشعر من مناجمه العميقة، حتى تكون القصيدة لغة هذه وتلك قدرة

. . داأسمى، ورمزا أشمل ، وإيقاعا أعلى، وتشكيال متجد

هادة لم تعدفي شعره بناء الدم لعبور الجسر إلى الوطن المحرر، وصورة الش فالشهادة

إلى زتجاو اختيار، والخلود مناقب، وتعبيرا عن مشاعر األسى والعتاب، فالشهادة رثاء، وذكر

. وما بعدها) ٣٢٣(انظر : حماسة الشهداء ص . هذا االختيار عباءة المستقبل، والشعر

ل شامخة من ذرى النضا ) وشهداؤها ذروة١٩٨٧كانون أول ٨وتمثل االنتفاضة (

أروع ضاف إلى موجات النضال السابقة، لعلوالتحدي للشعب الفلسطيني، وزخما ثوريا متميزا ي

الء الجيل ه تفجر قويا على أرض فلسطين، وجاء ضد توقع العدو الذي شكك في وما فيه أن

غدت حتى. . جين بالحلم، والحجر، والمقالعالجديد لقضيته، وكان بفضل سواعد أطفالها المدج

. سنوات االنتفاضة نموذجا إنسانيا نادرا للثورة الشعبية

تعيد للشعر وأن تنا التفاف أبنائها حول القصيدة،مد أللقد استطاعت االنتفاضة أن تجد

من نوع دوره الفاعل في الحياة، بعد أن خلصته من غموضه وإلغازه، ودخلت به إلى حداثة

(انظر : مقدمة ديوان . حداثة المعاناة والواقعية الثورية -قباني كما يقول نزار -جديد

١٦٧

. االنتفاضة للدكتور أحمد الخطيب)

تنا مشعراء أ - في حينه - الحدث قد شغل اويمكن القول دون أن نجاوز الحقيقة إن هذ

لالنتفاضة ومفرداتها هم جاوز اإلسهام بأكثر من قصيدة إلى حد تخصيص ديوانجميعا، وبعض

لم نعهدها من قبل، فالمناضل طفل، والشهيد طفل الشهيد جدت فيها خطوة ؟ فصورةال ولم ،

صغير، أو تلميذ مدرسة، أو فتى يافع في عمر الورد! فهذا ممدوح عدوان يقول من قصيدته

"حجر" :

فاضرب حجر. . لم يبق صمت ساتر

واصرخ فإن الصوت أصبح من حجر

يريح لم يبق من دمع

حجر. . فآه لو أن الفتى الباكي

الفتى الذي يواجه الموت، وهو يمتشق حجرا، االنتفاضة صورة ست قصائدرلقد ك

الخالص لحرية دمه بوابة ن خذلوه، ويرى أنويحمل صليب تشرده ومنفاه، وينوء بسكاكين م

. وطنه

قوية بين أبطال إيجاد آصرةوقد حرص الشعراء في مراثيهم ألبطال االنتفاضة على

، حاملي رايات كما صوروا شهداءها على أنهم من طيور أبابيل . الحجارة وأبطال تراثنا التليد

ه باب الشهيد إلى الفرح، فقد كانوا يلحون على تلك أما حين صوروا الموت بأن . جعفر الطيار

. المشاهد التي شاعت في صورة الشهيد من قبل

في ديوان واحد، –من ثم -، جعلها اني الذي خص االنتفاضة بثالث قصائدأما نزار قب

، ويختصر حركة التاريخ في لحظة فهو يرى طفل االنتفاضة ثائرا يسند األمة من االنهيار

إنسانية نادرة، فيقول:

يرمي حجرا

يبدأ وجه فلسطين

يتشكل مثل قصيدة شعر

يرمي الحجر الثاني

١٦٨

فوق الماء زجاجة عطر تطفو عكا

يرمي الحجر الثالث

تطلع رام اهللا بنفسجة من ليل القهر

. . حتى يظهر وجه اهللا، ويظهر نور الفجر

القومي الفن ن الشعر هوإمة الشعر، ونا أنإنا نجاوز الحقيقة حين نقول وبعد، فال أظن

. ا نافسته فنون القول األخرى من رواية ومسرحتنا، وأن الشعر هو ديوان العرب مهمماألول أل

ونهر الدم . . يه حركة الثورة، والنضال، والتحدفقد الحظنا كيف واكبت استجابات

شعرية فذة، وبخاصة حين يتجاوز ق من شرايين الشهداء ليستوطن عروق الكالم في صورتدفالم

إلى تقديم رؤى شعرية، تليق بالشهادة بوصفها ة، والبيانات السياسيةها الخطابية والتقريريأصحاب

. قيمة إنسانية إسالمية ، هي األنبل واألسمى

فيها على يكتب ، وأن على نبعه دري دم الشهداء على اإلبداع أن وإذا كان من حق

.، وإيقاع جديد ، ولغة عالية قصائد لها من دمهم األرجوان، ومن عطر حضورهم رؤى جديدة

اإلبداع على الدارسين أن يقفوا إزاء هذه التجارب ليجمعوها، ويجلوها، ان من حقفقد ك

شمولية في التناول كما فعل يصلوا إلى رؤية ويضيئوا جوانبها، وهذا ما فعله كثيرون دون أن

، وقدرة على اإلبحار في عالم ، وخبرة نادرة متميزة الدكتور خالد الكركي، تسعفه في ذلك ذائقة

وقادرا على تحويل هذه الرحلة المحفوفة . . ، متمكنا من أدواته ما بدروبه العصيةنص، عالال

د في االنحناء تقديرا لجهده، ، وال يترد ه فيهايمل القارىء صحبت ، ال جميلة بالمخاطر إلى نزهة

. اء وأحسنهالجز فجزاه اهللا عن أرواح شهدائنا خير . ، واحترامه لجمهور المتلقين وعلمه

١٦٩

١٧٠

*دي ديوان االنتفاضةي بين

١٧١

١٧٢

ة في الثامن من شهر الشعب العربي الفلسطيني في األرض المحتل لقد انطلقت انتفاضة

أسبوع واحد على تفجرها، أخذ المخزون الثقافي لدى مضي م)، وبعد١٩٨٧ديسمبر (كانون أول

. . ز الطاقات اإلبداعية المتفجرة شعرا ونثرايعز –على امتداد الوطن العربي –ابنا وأدبائنا تك

تي اآل اليومية والدوريات األسبوعية والشهرية المجال واسعا لسيل الفن وأفسحت الصحف

ومنذ . لهذه األحداث الساخنة المتالحقة ، وكان الشعر هو الشكل الفني األكثر مالءمة قالمتدف

ز، كتنأ ظالل دوحة الشعر في الصحافة العربية، وأخذنا نقطف بواكير الثمر المأنا نتفيبد أن

لعظم، ال في قصائد نزار قباني، وهارون هاشم رشيد، وسليمان العيسى، ويوسف اونتهاداه، ممث

ها ودراست الشعريةجمع هذه المادة ا أنأيقنمنذ ذلك الوقت ، وهالل الفارع، وحيدر محمود

األدنى من البذل، قياسا بما يقدمه أطفال الحجارة في فلسطين واجبا قوميا، يمثل الحد عدي

.المحتلة

يعود إلى براءة طفولته ن أراد أن يكتب شعرا حقيقيا، فما عليه إال أنم ا أنكما أيقن

، تلك الحجارة التي ةقصائده الجميلة مثل أطفال فلسطين بالحجار -من ثم –وشجاعتها، وليكتب

عاة عند الغزاة الصهاينـة، ديرمونها شموسا وأقمارا تعري زيف الحضارة والمدنية الم

، بين وسائل التحدي المتواضعةوفالمواجهة اليومية المستمرة بين أدوات القتل المتطورة

..هم وطراوة عظامهمبراءت أطفال فلسطين بكلو تهمصلفهم وال إنساني الجنراالت الصهاينة بكل

. يجعل من االنتفاضة عمال شعريا خارقا

الذي تتحول معه ينعدم فيها التكافؤ بين الحجارة والرصاص إلى الحد ها مواجهةإن

الفلسطينية ليست مثل بقية حجارة األرض، فقد والحجارة . شعرية ملتهبة االنتفاضة إلى حالة

يهودي تطأه قدم وهو يأبى أن . . وينفعل ويقاوم ا يحسالفلسطيني كائنا حي أصبح الحجر

غضب الفلسطيني من . . معا بغيض، فالحجر الفلسطيني تصطرع فيه مشاعر الغضب والحب

الفلسطيني لمقدساته، وجبلـه، وسهله، وقع تلك األقدام الهمجية فوق ثراه الطهـور، وحب

ر عن قوة هذا الحجر بعجزه يعب )١(الـحمقالعزيز الالشاعر عبد حتى إن . . وداره، وزيتونـه

من ني لم أكتب قصيدة الحجارة بعد أربعة أشهر، فهو يقول: "إن يكتب قصيدة الحجارة عن أن

األطفال في فلسطين قد كتبوها يوما بعد يوم، ، ألن ثورة الحجارة، وفي يقيني أنني لن أكتبها

، وبالموقف الشامخ، سرقوها من أقالم الطفولي العظيم ، وبالغضب كتبوها بالحجارة، وبالدم

المعاني دعوا فيها كلوالشعراء، وكتبوها باأليدي واألقالم المكسورة، وباألصابع المحروقة، وأ

، ويبحثون في ظاللها عن جمال التضحية وشموخ الجميلة التي كان الشعراء يتحدثون عنها

١٧٣

ف الثوري الهادف إلى تشكيل الحاضر وصياغة نالوطن وخصوصية الع الفداء، عن حب

:)٢("، ويأتي قول أحد شعراء االنتفاضة مصداقا لقول المقالح حيث يقول. . المستقبل

شعرا ولكن من فـم األحجــار تركوا المدارس والدروس وأنشدوا

الفعل اليومي نا أن، فيقين الشاعر هي الكشف واالرتياد والتنوير وإذا كانت وظيفة

شهره العاشر، يكون -حينئذ–لعصافير فلسطين قد أوفى على الغاية، ومع بلوغ الحلم الفلسطيني

فيها تركيبا لغويا الشعريةشعرية رائعة، ليست الصورة روا ملحمةأبطال الحجارة قد سط

المدببة، جارةها الشعري الحنسيج احتجاج شموخ عظيم، وحركة ها موقففحسب، ولكن

. . والزجاجات الحارقة ،والمقاليع

. . والنابغة فلسطين "أبطال الحجارة" هم أحفاد امرئ القيس، وطرفة، وزهير، وعصافير

مة القومي األول لأل هو الفن والشعر . الشعري ونوابغه طويلة جدا من أعالم الفن وسلسلة

. ه الدموية شعردورت العربي إنسان شعر، واإلنسانمحكوم بال العربي وطن العربية، والوطن

. مواطن عربي، فإن سائال سحريا سوف يتدفق "بحيث إذا أخذنا دبوسا وأدخلناه تحت جلد أي

ئل أخضر اللون، ذهبي وإنما هو سا . وال هو من مشتقات النفط . . هذا السائل ليس نفطا

هذه هي عالقة العربي بالشعر على . فنحن نولد شعراء، )٣(ه الشعرج، اسمالتوه الشعلة، أبدي

. العصور مر

)٤(وحين كتب الشاعر السعودي عبد اهللا الصيخان قصيدته التي أسماها "الحجر الفلسطيني"

، كان يصدر عن هذه العالقة الوطيدة بين العربي والشعر، فقد كان قبل االنتفاضة الكبرى بعام

فيها، وكانت تنا ومثقمها في "المربد" بالعراق على مأل من شعراء أصوته قويا واثقا حين أنشد

، وإذا تأملنا مقطعا وقتنا كان اللون األسود سيد لهذه الرؤية المتفائلة في زمن دهشتنا عظيمة

منها رأينا كيف أرهصت للفعل الكامن، والحدث اآلتي على أرض فلسطين:

هو الحجر الفلسطيني

سيد وقتنا هذا

وأجمل ما يزف به الحبيب إلى الحبيبة

يبارك أرضها رب السموات الجميلة

ما خانت وال النت

١٧٤

وال أعطي مفاتنها لقبعة الصديد

أحبك يا زمن الرفض

أحبك

أول اإلسراء أنت وآخر اإلسراء

الصيخان كان ينطلق من خالل هويته ، أدركنا أن الحجارة عندما انطلقت ثورة ولكن

، ويختزنه طويال في دورته بدع يتوقع الحدث وينتظره، وأن الشاعر الم الحضاريةالثقافية و

، ال يأتي إال لتمكين الشاعر ، حتى لكأن الحدث عندما يأتي بعد ذلك الدموية وجهازه العصبي

. من إطالق صوته المحبوس

كتوبر رنا بالصيحة التي أطلقها "أمل دنقل" بعد حرب أالصيخان هذه تذك وإرهاصة

ة المصالحة مع غب، وأوصى فيها العرب من م)٥("ال تصالح" سماة، في قصيدته الم م١٩٧٣

، ومستعيرا تلك العبارة ، موظفا ذلك الحدث الموغل في الزمن من تاريخ أمته بريةالدولة الع

يقطر من الدم، و في ظهره ناشب أخاه األمير الزير سالم، والرمح الخالدة التي أوصى بها كليب

بكثير لفكرة الصلح البغيضة مع الكيان الصهيوني، ولنستمع إلى أمل سابقة جنبه، وكانت وصية

، حيث يقول: المقطع السادس من قصيدة أمل

ال تصالح

ولو ناشدتك القبيلة

)٦(باسم حزن "الجليلة"

أن تسوق الدهاء،

القبول –وتبدي لمن قصدوك

سيقولون:

. يطول ها أنت تطلب ثأرا

ما تستطيع: –اآلن –فخذ

. . قليال من الحق

. في هذه السنوات القليلة

١٧٥

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيل فجيل

. . وغدا

سوف يولد من يلبس الدرع كاملة،

يوقد النار شاملة،

يطلب التأثر،

يستوقد الحق،

من أضلع المستحيل

ال تصالح

ولو قيل إن التصالح حيلة

. رإنه الثأ

. . تبهت شعلته في الضلوع

. . إذا ما توالت عليها الفصول

ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

فوق الجباه الذليلة!

بنار الشعر وكيمياء الحرف، فها هو ذا جيل المسكون رحم اهللا هذا الفتى الجنوبي

من ى، حتى يستوقد الحقتلظ تظل نارها االنتفاضة الباسلة، قد لبس الدرع كاملة، وأقسم أن

الخماسيةبصمته رسم العارأضلع المستحيل، قبل أن تبهت شعلة الثأر في الضلوع، وحتى ال ي

من خالل هويته الثقافية –، استشرف فيها الشاعر شفيفة لقد كانت رؤية . . باه الذليلةفوق الج

لم يمت أمل لى قصيدته ، فيقول: "ويعلق جهاد فاضل ع . ته ومستقبلهامأ غد –والحضارية

، وبعدها يتحول أمل دنقل إلى دنقل، وعبارته هذه ستظل شعارا حتى يزول هذا العدو يوما

. )٧("ة على الموتصيأسطورة ع

١٧٦

أن يتلمس –بشيء من الروية واألناة –إلبداعات شعرائنا قبل االنتفاضة يمكنه لوالمتأم

، وأحمد ، من أمثال أحمد الشويخات (من السعودية) ن ذكرنافاضة عند غير متهاجس االن

. ، ومريد البرغوثي (من فلسطين) الريماوي

بعد مرور ثالثة أشهر )٨(فقد نشر الدكتور أحمد الشويخات قصيدته "شهرزاد أين كنا غدا"

وقد . م)١٩٨٥/ أبريل (نيسان) ١٤٠٥لها بتاريخ (شعبان ه ذي، ولكن من انطالقة ثورة الحجارة

، ولكن التاريخ المذكور في نهايتها حال ، وهممنا بضمها إلى ديوان االنتفاضة تأملناها كثيرا

، الذين من مثقفينا المسكونين بنار الشعر ووجع أمتهم والدكتور الشويخات واحد . دون ذلك

األول من قصيدته ولنستمع إلى المقطع . . ز الزمنعلى الكشف واالرتياد وتجاو يمتلكون القدرة

حيث يقول: ، لنرى كيف أرهص لثورة الحجر

مرة قال لي

غير أني نسيت

فصبر جميل

* * *

مرة قال لي

والحبال استراحت على كتفي

فاجأتني ارتعاشات أجنحة الضوء حين ارتفاع القوارب في المـــد:

سرب جــراد !

ومستنقع للنداءات

بين المياه ، وبين البياض ،بين الجبال ، و

وبين الســواد!

أمر هنا حجر تائه في اخضرار المياه؟ -

ومن غسق القاع طحلبتان بعينيـــه؟ -

مــر إذن

على قدميه اقتراب

على شفتيه ابتعـاد

شهرزاد، اسفحي وجهك اآلن في قدحي

واكسريه

١٧٧

وقصي علينا

حكايته ، شهرزاد

منيت لو جادت الذاكرةوكنت ت

* * * * *

تصاهر ورد . . قصيدة الشاعر أحمد الريماوي " طيور إيثاكا أن –أيضا –وال يخفى

ه األخير (الفتات نها ديوان، التي ضم م١٩٨٧المنشورة في يناير (كانون الثاني) )٩(مغدوشة"

ة التي تحمل بشارة الثورة ، والنصر، القليل الشعريةمن تجاربنا ةواحد عدعلى سياج الضوء) ت

ته وصدقها "ورد في األسطورة وقد صدرها بهذه اإلضاءة التي تومئ إلى شفافية رؤي . . والعودة

قاتل عشر سنوات في طروادة، ونفي عن مدينته إيثاكا لعشر، ولكن باإلرادة أن أدوسيوس

مقطع من قصيدته: عاد إليها منتصرا" يقول أحمد الريماوي في . . والتصميم

. . أوذيس

. . عرج نحو قمة حزنك البسام

. . وافتح شرفة الصمت

. . المشنشل باألزير

. . على روابي النار

واحضن غنوة المتراس

. . من يخش انشطار الوقت

يرهبه انفطار الذكريات الضارية

أوذيس كن ما كنت

. . كن أنت . . ال

. . كن كونك الوضاح . . ال

. . ا سوف يأتيكن م

١٧٨

. . أنت أجنحة الرحيل من الرحيل

. . وأنت أحجية الخروج من الخروج

وأنت أغنية الصعود

. . . إلى ضفاف الهاوية

يكتب بروح المقاتل المسكون باألمل –خالل دواوينه كافة –الريماوي والمعروف أن

. . شرى، وتشي بالحدث اآلتي على أرض فلسطين، ولكن قصيدته هذه جاءت تحمل الب والتفاؤل

بعدها، ويطول صمته عاما كامال في انتظار والدة الفعل من رحم المستحيل، ويصمت الشاعر

قصيدتيه "الصعود إلى حلم ألطفال الحجارة ي حينئذ، ويغن ، وتصدق الرؤية ق الحلمويتحق

ه األخير، ويشفعهما بالقصيدة ذه وتلك ديوانر به، ويصد "الفتات على سياج الضوء"المقاتل" و

. شرى التي خصصناها بهذه الوقفةالب

ه ليست األولى في حياتنا العملية، فقد سبق لنا ات ودراستجمع الشعر من الدوري وتجربة

) ١٨٨٢-١٨٢٨نهضنا بهذا العمل في أطروحتنا للدكتوراه" الشعر في الدوريات المصرية ( أن

ما بين معروف دمت ما يربو على مائتي شاعرتلك الدراسة التي ق )١٠(توثيق ودراسة"

.ومجهول

، دها في الوطن العربيصعوبة هذا العمل لكثرة الصحف وتعد –مسبقا –ا نعلم لقد كن

مع االنتفاضة / الثورة، والحتفال الصحف العربية بهذا المد الشعري، ة كافةمولتفاعل شعراء األ

من عدد عتطو ولكن . ح صفحاتها له، بغض النظر عن شهرة صاحبه وشاعريتهوإفسا

ما، فقد أذكت االنتفاضة دنا على المضي قعاألصدقاء والغيورين باإلسهام في هذا العمل، شج

في - حينئذ–عملنا هذا باإلضافة إلى أن . . القومي، وهيأت النفس العربية للبذل والعطاء الحس

والدوريات العربية الصحف كة العربية السعودية قد سهل علينا ذلك، حيث تصلنا بانتظامالممل

الخليج العربي في بعامة و الخليجية بخاصة، ونحن نعلم الدور الكبير الذي نهضت به صحف

س، واألنباء، والوطن، والشرق األوسط، والرياض، واليوم، والمدينة، بهذا المجال، مثل الق

. إلخ . . وعمان ، ادواالتح

ون بجمع هذه المادة، فكانوا نا معنيين بشعر االنتفاضة أنهتمكما أصبح معروفا لدى الم

تصلنا من جهات –أحيانا –يبعثون إلينا بما تصل إليه أيديهم من قصائد، فكانت القصيدة الواحدة

١٧٩

رين على إلينا، لحرص المحر القصائد الجيدة والعالية لن تضل طريقها واقتنعنا بأن . ةعد

على نشرها، فجاءتنا من تسابقت الصحف -مثال–نزار نشرها، والهتمام الناس بها، فقصائد

، والكويت، وكذلك قصيدة محمود درويش "عابرون في ، ومصر األردن خالل صحف ومجالت

عر األقصى سعاد الصباح "سمفونية األرض" وبعض قصائد شا الدكتورةكالم عابر" وقصيدة

. وغيرهم . . يوسف العظم، وهارون هاشم رشيد، وهالل الفارع

، لعدم انتظام جدا ما يصلنا من الصحافة األردنية ضئيل قنا أنالذي يؤر وكان الشيء

بجمع هذه المادة، فنهض بها )١١(، وعالم فاضل يورغ وصول أعدادها إلينا، فقررنا تكليف أخ

، ومن خالل ، من خالل مجموعات الدوريات بمكتبة الجامعة األردنيةهوأحسن على أكمل وجه

ما – مشكورة–مت له ، والرأي ، والشعب) التي قد ور الصحافة األردنية (الدستورزيارته لد

عن المتابعة فيك حتى طلبنا منه أن أعانه على النهوض بهذا الواجب القومي، وظل يعمل بدأب

مت أصواتا عديدة وانتهى إلى ما يقرب من مائتي قصيدة ومقطوعة، قد . صحيفة اليومية لكل

في بعضها ضارب ، جذور من األردن وفلسطين المحتلة، وأخرى من خارج الوطن المحتل

. أعماق التراب الفلسطيني

نظفر ا نطمح أن، كن بدأنا متابعة الكلمة الشاعرة المكرمة لهذه الثورة المباركة ومنذ أن

كم الشعر أن –واالنتفاضة تدخل شهرها الرابع –نا وجدنا ، ولكن ديوان شعري لالنتفاضةب

، كما وصلتنا بالبريد –مشكورا –ن بعث إلينا بشعره هناك م ، باإلضافة إلى أن المنشور كبير

– ، والحظنا شيئا مهما مرئية وأخرى مسموعة لندوات شعرية لدعم االنتفاضة وتأييدها أشرطة

ه أصداء للتجارب الشعر الذي أخذ يصلنا في الشعر الرابع أكثر مؤداه أن -لعلنا على صواب فيه

التي واكبت االنتفاضة في شهورها األولى، وغلبت على العديد من تلك التجارب الشعرية

) وحين نشر نزار قباني قصيدته الثالثة (دكتوراة شرف في كيمياء الحجر . طية والتكرارمالن

كما الحظنا أن تجربة االنتفاضة بعد . قد اكتملت بضلعها األخير "ة أطفال الحجارةثالثي" أيقنا أن

األثر واتساعه في الحياة االجتماعية ، وعمق القدم ، ورسوخ أن قيض اهللا لها االستمرارية

. ، والمسرح إلى أشكال فنية أخرى كالقصة ، والرواية ، غدت بحاجة واالقتصادية والثقافية

، وحسن خليل حسين لديوان "ملحمة )١٢(وجاء نشر نزار لديوان "ثالثية أطفال الحجارة"

مصداقا لما ذهبنا إليه ، وحافزا لألشكال الفنية األخرى للنهوض بدورها )١٣(الدم والحجارة"

والوطن ، الثقافي في التعبير عن زخم التجربة العظيمة التي تعيشها األرض المحتلة بخاصة

. العربي بعامة

١٨٠

نا فيما يتصل هم غاية ١٩٨٨نجعل منتصف شهر إبريل (نيسان) عام رنا أنه، آثلهذا كل

يتصل باالنتفاضة فلم يخضع ر بعد ذلك من شعرشأما ما ن . بهذا الجزء من ديوان االنتفاضة

باالحتفاظ ببعض تلك التجارب ، فقمنا في اختيار هذا الديوان عليهالمعايير االنتقاء التي اعتمدنا

. الرفيعة الشعرية

يق واألنسب لهذا الجزء لالصورة النهائية التي رأيناها األف قليال عند نتوق وهنا ينبغي أن

تابعنا الشعر المنشور في الدوريات العربية هنا وهناك، وقمنا فبعد أن . من شعر االنتفاضة

منه أيا كان ط في مقطوعةر، وآثرنا أال نف ضخم لفبتصويره أو استنساخه، جعلناه في م

م، برعور الت، وأخرى في ط غير مألوفة وال معروفة لتقديم أصوات كاتبها، فقد وجدناها فرصة

المنوط القومي بالواجبور الصحافة العربية في النهوض ا شعريا شاهدا على دنا أردناه ملفألن

ور الكلمة شاهدة على د ، وأردناه وثيقة على األرض العربية صيريم ، وتفاعلها مع حدثبها

. . ل مسؤوليتها الوطنية كشفا، وحفزا، وتأييدا، وتخليداالمناضلة في تحم

يربو ن ذا الذي سيتحمل نفقات طباعة ديوانتأتي الرياح بما ال تشتهي السفن، فم ولكن

ن ثم؟ ناهيك عن مراجعته وما تكبد ثمن شرائه ميي سن ذا الذة بكثير؟ ومفحي صعلى ألف

طي، وس بنا وجوه الرأي في هذه المسألة انتهينا إلى موقفوبعد أن قل . . مضن تحتاجه من جهد

ه ، كما أن ال يقف عند أعالم الشعر العربي والمعروفين فحسب انتقاءوهو ، االنتقاء يقوم على

. متواضعة فنيا ب شعريةال يتسع فيشمل تجار انتقاء

ر األخير عمال شاقا التصو ه غدا وفقفي بادئ األمر سهال ميسورا، ولكن وكان العمل

لشاعر كبير، مرهقا بدنيا ونفسيا، فكيف نستبعد ما هششنا يوما لتلقيه؟ وكيف نستبعد قصيدة

م ١٩٨٨حتى منتصف إبريل –بعضهم يمثل شعره في االنتفاضة ونقبل أخرى له؟ وال سيما أن

ديوانا شعريا، من أمثال يوسف العظم، وهارون هاشم رشيد، وهالل الفارع، وحيدر محمود، –

هذا عدا عن نزار قباني وحسن خليل حسين . . وعدنان النحوي، وعبد الرحمن العشماوي

ي من قسم قسم في كل –ختار من شعر أولئك اللذين نشرا ديوانيهما، لذا آثرنا أال يزيد الم

. شعرية متكاملة عن قصيدتين باستثناء نزار قباني الذي يمثل في ثالثيته حالة –الديوان

آخر من ، فعاودنا التمحيص الستبعاد جزء وافر من الشعر وانتهينا بعد ذلك إلى كم

مكتملة لحركة التي يمكنها تقديم صورة الشعريةمن التجارب دة، وصوال إلى عددالقصائد الجي

شعر االنتفاضة، وكان هذا الجانب من عملنا أكثر إرهاقا من سابقه، لما نما بيننا وتلك التجارب

١٨١

أصحاب تلك فكم تمنينا لو كان بمقدرونا استئذان . دة من وشائح وجدانيةالمستبع الشعرية

ونذكر في هذا . لعذرالقصائد واالعتذار لهم مسبقا، وها نحن ذا نستدرك ما فاتنا فنستميحهم ا

ي الفاضل الشاعر إبراهيم طه مصطفى، ربدة للممن بين تلك القصائد المستبع الصدد قصيدة

ولهذه القصيدة . أسماها "المقداد" قدم فيها صورا من بطوالت أطفال الحجارة أحفاد المقداد

ء لقريته (فرخا) ، ، ألنه جعل الجزء األخير منها غنا ز في النفسخصوصيتها ووقعها المتمي

نا، وملعب صبانا، ومراح لهونا، وعلى أرضها وفرخا هي قريت . . وشوقا إليها، وحنينا خالصا

الشوق فينا حنينه، نك كام، وحر لذا أشجانا غناؤه . . نشأنا، وفيها األهل والربع ومثوى األحبة

:)١٤(وبخاصة حين تغنى ببعض مالعبها، فقال

وقلبي أراه انشق حطمني الوجد ولـم أك غادرا -افرخ –أحبك يا

على والدي الفالح شيمته الكـد أذوب على ذكر الحبيـب مناديـا

يحن فطيم الثدي إذ منع الشهـد مثلما –صخر الكراكف –أحن إلى

فلو كنت في خلد لقلت هو الخلد يا ملعب الصبا –جنة الينبوع –فيا

أليس رهيف الحس يحرقه الصد هناك شربت الحب من ماء نبعـه

، فال نعرف أين أن نشير إلى أن بعض القصائد قد وصلتنا خلوا من البيانات كما نود

–كما استبعدنا . ، ولم نتجاوز هذا المعيار إال نادرا ؟ لذا اضطررنا الستبعادها شرتومتى ن

ها بالبوح عن لواعج الحنين إلى ل أصحابغورة في تلك الفترة، وشبعض القصائد المنش -أيضا

را ثكان الحنين للوطن أ وإن . إلى الوطن السليب أو التباكي عليه قهم التشوالوطن، وجعلوا هم

من خامد األمل بالعودة إلى الوطن، فالذت النفوس بذكرياتها، وتاقت إلى كته االنتفاضةلما حر

. ب الفلسطيني، إال أننا استبعدنا تجارب الحنين الخالصة في هذا الجزءرائحة الترا

وفق بناه، وقد رت بالشعر العمودي ، األول خاص وقد جعلنا الديوان في ثالثة أقسام

قصيدة ومقطوعة، إحدى وخمسين )٥١(، ويشمل هذا القسم الترتيب األبجدي لحروف الروي

. وأربعين شاعرا أربعة وقدم هذا القسم . بيتا بعمئة وخمسين) ألفا وأر١٤٥٠(ويبلغ عدد أبياتها

بناه وفق الترتيب األبجدي ألسماء ا بالشعر الحر، ورتالثاني، فقد جعلناه خاص ا القسمأم

. قصيدة لثمانية وخمسين شاعرا خمسا وستين )٦٥(أصحابه، وهو يضم

١٨٢

لى العربية، وهي تجارب محدودة، جاءت إلينا بالشعر المترجم إ ، فخاص الثالث ا القسمأم

ولكنها على محدوديتها . من تشيلي، وفيتنام، وفرنسا، ومن شاعر يهودي في فلسطين المحتلة

الداللة على عدالة قضيتنا، وعلى فشل منظومات التضليل الصهيوني عبر أربعة عقود من عميقة

. اغتيال الضمير اإلنساني

يجتمع هذا الحشد من الشعراء ذوي المنازع الفنية المختلفة، : كيف وقد يسألنا سائل

نا لصيغة (قد يسألنا) وما تحمله من دالالت واحد؟ واستخدام ر الثقافية المتفاوتة في مركبطواأل

ولسنا في حاجة . عن التبرير المنهجي لهذا الصنيع نا لم نسأل بعدم واالحتمال، ال يعني أنالتوه

. قومية مصيرية ك، وقضيةهذا الحشد من الشعراء يصدرون عن هم مشترإلى القول إن

نا نؤمن بالحدود التي تفصل ه تسمح لنا بذلك، كما يشفع لنا أنوالتوج ية الموضوع والهمحادفأ

عاة اإلقليمية تلك الحدود الوهمية لكل دولة عربية، فلسنا من دبالوطن العربي عن غيره، ال

. اللغة والتراث والدين والتاريخ والمصير المشترك تعارض ووحدةالضيقة، التي ت

وح الحجارة الفلسطينية لمكنوناتها، يأتي شعرائنا على امتداد الوطن العربي لب واستجابة

ها، وكيفما لتها، وكيفما حلتأكيدا لوعي المثقف العربي "بأن قضايا األمة العربية كيفما استعرضت

. )١٥(بكلمة واحدة هي فلسطين ص بدءا ووسطا ومنتهىها تتلخ، وجدتها، ونشرتهافصلت

تنا في العصر الحديث كما شغلتهم ثورةمفنحن ال نذكر موضوعا قد شغل شعراء أ

، كما فعلت مع شعر الشعريةنا العربية قد أفسحت صدرها لنشر المادة الحجارة، ولم نعهد صحافت

ير من صور هذه العناية، مثل حرص بعض الصحف على نشر عددوقد الحظنا الكث . االنتفاضة

من القصائد بخطوط أصحابها كما فعلت مع قصائد نزار قباني، وسليمان العيسى، وعبد الرحمن

وال ننسى . بقصيدة شعرية –على أهميتها –أو شغل الصفحة األخيرة من الصحيفة . العشماوي

المجلة رسام نة األرض" لسعاد الصباح، وكيف افتنشرت قصيدة "سمفوني مجلة "الجيل" يوم

وكانت الصحف تحرص أن . للغالف وفنانها في جعل طفل الحجارة وعنوان القصيدة صورة

. تشفع صور االنتفاضة بقصائد الشعر، فكأنها تقدم الخبر والرأي معا

ة الشاعرة لضروب الكلم دفحدث وال حرج عن تسي ؛ ا عن المالحق الثقافية واألدبيةأم

ر ث، هي الفرح الصعب المصنوع من شتاء جيل ع نا الجديد"فاالنتفاضة هي عمر . الفن األخرى

)١٦(". . أخيرا على السر، على الشعلة، وعلى الطريق

١٨٣

وعرفوا طريقهم إلى الفرح الصعب، فإن ركان أبطال الحجارة قد أدركوا السفإذا

فكما حررت . قته الوطيدة بنار الشعر األبدية التي تسكن روحهاالنتفاضة قد أعادت للعربي عال

. . ، وأقالمنا ، وعقولنا إرادة شعبنا على أرض فلسطين، فقد حررت أرواحنا االنتفاضة

، التي استعضنا بها مةلهورفعت الوصاية عن طاقاتنا المبدعة، فأصبحت االنتفاضة حسناءنا الم

.صهم من تشابه أيامهمالشعراء الذي كسر رتابة حياتهم، وخل عن ليلى وهند ودعد، وغدت عشق

بها، دالذي أثرى تجاربهم بعد ج . . التوتر العالي الضروري لإلبداع هم الذي بلغ بهم حدعشق

فكانوا جميعا بمثابة "أوركسترا" هائلة . . جها، وللحرف كيمياءه الخالدةوأعاد للغة اكتنازها وتوه

رائعة على غرار سيمفونية األرض، التي أبدعتها سواعد أطفال الحجارة تعزف سيمفونية

الشعريةما في أطفال الحجارة أنهم قاموا بانقالب في ذاكرتنا " أهم:يقول نزار قباني . الطرية

قبلهم، كنا في حالة غيبوبة، . واللغوية والقومية والثقافية، وأحدثوا (خضة) في دورتنا الدموية

. بخراطيم المياه، وأخرجونا من غرفة العناية الفائقةفرشونا

فأعادوا إلى أطرافنا الدفء . . قبلهم، كان الشارع العربي باردا كاألسماك المجمدة

. . والحرارة

)١٧(."وجاؤوا هم، فأعطونا هوية وانتماء، وأعادوا إلينا أسماءنا العربية . . قبلهم، كنا يتامى

، كانت ور الصحافة المشرف في تكريم االنتفاضة فنياى القول بأن دويدعونا اإلنصاف إل

عديالمتواضعة فنيا، التي الشعريةله بعض اآلثار السلبية، التي تمثلت في نشر بعض التجارب

غزارة اإلنتاج لتلبية حاجة الصحف لهذه المادة، كما أن . محاوالت متعثرة للكتابة دها مجربعض

دورا مهما في توسيع دائرتها الجماهيرية ، قد وسمت العديد من - وال شك – التي لعبت

بعض الشعراء المعروفين لم تسلم بالخطابية والتقريرية والمباشرة، حتى إن الشعريةالتجارب

طبيعة الموضوع الحماسي الذي يتصدون للتعبير عنه قد أسهمت ويبدو أن . قصائدهم من ذلك

. ومثل هذه القضايا الفنية المهمة بحاجة إلى دراسة فنية للديوان لتجليتها . شكفي ذلك وال

شعر االنتفاضة إلى الوضوح، ا ما نحمده لالنتفاضة وللصحافة العربية فهو نزوعأم

بالشعر العربي والدخول . . واالبتعاد عن الغموض واإللغاز ورمزية الفراغ والجدب والحذلقة

)١٨("المعاناة والواقعية الثورية ، هي حداثة ع جديد"إلى حداثة من نوهم الشعراء في فن رفصد

ها تصل إلى جمهور المتلقين من خالل قنواتبخصائص الكلمة المناضلة، وال سيما أن عن وعي

ي مطالب ، وأخذ يلب ، فاستعاد الشعر العربي مكانته الفاعلة في الحياة إعالمية وثقافية جماهيرية

١٨٤

ه على الحياة الثقافية بعد أن تراجع دوره أمام ، وعادت له هيمنت ماعة الروحية والفكريةالج

الشعر غدا الشكل نإوبهذا نستطيع القول: . األشكال الفنية األخرى كالقصة القصيرة والرواية

ويؤكد شاعر المقاومة محمود درويش على رواج الشعر جماهيريا، . الفني األكثر حضورا

ويؤكد هذا بقوله: إن . ه على القيام بدوره الفاعل في إلهاب الحماسة الوطنية بين األفرادرتوقد

، وهي تقوم نابل وأصابع الديناميتقكبيرة كما تنقل ال القصيدة في األرض المحتلة تنقل بسرية

عابرون في نا قصيدة محمود درويش"وحسب . )١٩(م المقاومة وتقاليدهايبدور كبير في إرساء ق

) من مجلة "اليوم السابع" وعنها نقلتها سائر الصحف ١٩٤كالم عابر" التي نشرت في العدد (

:)٢٠(، والتي يقول في المقطع الرابع واألخير منها العربية

أيها المارون بين الكلمات العابرة

كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا

ل المقدسوأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العج

أو إلى توقيت موسيقى المسدس !

فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا

ولنا ما ليس فيكم : وطن ينزف شعبا ينزف

. . وطنا يصلح للنسيان أو للذاكرة

أيها المارون بين الكلمات العابرة

آن أن تنصرفوا

وتقيموا أينما شئتم، ولكن ال تقيموا بيننا

آن أن تنصرفوا

أينما شئتم، ولكن ال تموتوا بيننا ولتموتوا

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا الماضي هنا

ولنا صوت الحياة األول

ولنا الحاضر ، والحاضر ، والمستقبل

١٨٥

. . . واآلخرة . . ولنا الدنيا هنا

فاخرجوا من أرضنا

. . من بحرنا . . من برنا

. . من جرحنا . . من ملحنا . . من قمحنا

واخرجوا من كل شيء،

من ذكريات الذاكرة

. . أيها المارون بين الكلمات العابرة!

، وانهالت ردود الفعل الصهيونية المتشنجة الصهيوني ت هذه القصيدة الكيانفقد هز

ى ارتس) كما تلق، وهآ ، ودافار ، وبديعوت أحرنوت ريفالغاضبة عبر صحف العدو (معا

رئيس وزراء الكيان الصهيوني، فقد تجاوز جا تشنأم . عيدها عددا من رسائل التهديد والوصاحب

"إن من الواضح أن مثيري الشغب :توقع، حين حمل القصيدة إلى الكنيست، وخطب قائال كل

وليس من . ، ال يرغبون في السالم أو في االتفاق وأولئك الذين يحرضونهم، والمتعاطفين معهم

مه أحد شعرائهم محمود وأفضل طريقة لوصف أهدافهم ما قدالصعب تخمين رغباتهم الحقيقية،

معتدال لسبب غريب ال يمكن عدي، و ى وزير الشؤون الثقافية في المنظمةسمدرويش الذي ي

أقرأ القصيدة في الكنيست، لكنني ال أريد أن أعطيها شرف الظهور في كان يسعدني أن . تفسيره

سليم العقل قادر على فهم التلميحات، يحتاج إلى جهد وما من أحد . محاضر جلسات الكنيست

، ولكنها تحثنا على أخذ موتانا لفهم قصيدة الشاعر التي ال تطالبنا بالخروج من األرض بأكملها

)٢١(. معنا"

المناضلة في فلسطين المحتلة طالما لعهم وجنونهم، فالكلمةحدود ه وال يعنينا هنا استقصاء

، ونظروا إليها على علوها في عداد الديناميت والرصاص وملح البارودأرقت مضاجعهم، فج

:قال موشيه ديان وزير الحرب الصهيوني السابق ذات يوم . فلسطيني مكتوب بالشعر ها ميثاقأن

ممن ومحمود درويش واحد . )٢٢(قصيدة تكتبها فدوى طوقان تصنع عشرة فدائيين" "إن كل

. تات الفلسطينيقسرا خارج الوطن المحتل ليعيش جحيم الش يف، فندفعوا ثمن الكلمة المناضلة

ب لها ألففالعدو الصهيوني ال يجهل دور الكلمة المناضلة في معارك تحرير الشعوب، بل يحس

من شهداء فلسطين طالته يد الغدر ، فكم من شهيد ع عن تصفية أصحابهاحساب، وال يتور

فرسان الكلمة، من أمثال عبد الرحيم محمود، وكمال ناصر، وغسان اآلثمة، ألنه كان فارسا من

١٨٦

" فالشاعر الفلسطيني مقاتل أوال، وقبل كل شيء، ملتزم بقضيته، قضية . . كنفاني، وعلى فوده

، بالطريقة التي يراها أكثر ف سالحه من أجل الدفاع والمواجهة والهجوم، يوظ شعبه، ووطنه

، ظل ملتزما ، فهو على مدار العقود التي سلك فيها دربه هذا قومهوصوال وتواصال مع أهله و

)٢٣(. بخطه العربي"

وإن كبر مقتا على "شامير" أن يقرأ قصيدة محمود درويش بعد أن حرفها وقومه كعادتهم،

فإنا نشير عليه أن ينشد بالعبرية لشاعر يهودي يستوطن فلسطين المحتلة، ويعيش حلم الوطن

، وأسدلت الستارة على المشهد ، ولكن حجارة االنتفاضة أيقظته من أوهامه اآلمنة والدولة

. . ، وأحالمه ، وأمنه ، زيف وجوده ، وإذا به يواجه الحقيقة المرة األخير من حلمه الوردي

. . . ولنستمع إلى المقطع األول من قصيدة "حاييم حيفر" التي أسماها "سنرحل جميعا إلى

: )٢٤(حيث يقولأمريكا"

ها هو التصويت قد انتهى

وقاعات الكنيست تنعى من كان فيها

فلنرحل إلى أمريكا اآلن

وأمانينا . . فلقد لملمنا حقائبنا

* * *

والسادة . . يا حضرات السيدات

من فضلكم . . من فضلكم

فلكل مكانه . . ال تتزاحموا

أوال . . زعماء األمة

دوركم . . . وأنتم وفق

أزواجا . . أزواجا . . فليتفضل اآلن

حضرات السادة الوزراء

١٨٧

عفوا ال تضغطوا هكذا

على رئيس الوزراء

* * * *

بدأ األدباء والشعراء في –م ١٩٤٨منذ تاريخ إنشاء الكيان الصهيوني عام –وألول مرة

كانت هذه القصيدة التي تتحدث عن وإذا . الكيان الصهيوني بالحديث عن مغادرة أرض فلسطين

ن مدى الذعر الصهيوني من ثورة الحجارة بعد ، تبي ، والخروج من فلسطين الهجرة إلى أمريكا

، لألديبة والمحامية اليهودية "فلسيا )٢٥(، فإن كتاب "عصر الحجارة ثالثة أشهر من انطالقتها

ثت فيه عن القسوة العشوائية ، فقد تحد انين مدى ما أحدثته االنتفاضة في الوعي اإلنسالنجر" يبي

، وموقفها بعدائها للصهيونية ، "وفلسيا النجر" معروفة والفاشية المستشرية في الكيان الصهيوني

، وكذلك اليهود ، وتكريس وقتها للدفاع عن المتهمين الفلسطينيين نصف من الحقوق العربيةالم

. المعادين للسياسة الصهيونية

، التي المترجمة الشعرية، فإلى جانب التجارب نجر" بدعا في هذا الصددوليست "ال

، أو لم تصل ، هناك العديد من التجارب التي لم تصل إلينا حواها الجزء الثالث من هذا الديوان

إليها أيدينا لشعراء وروائيين وفالسفة وكتاب غربيينمنها يوميات فلسطينية للروائي )٢٦(

، وأخرى ، وشهادة للشاعر الفرنسي المعروف "يوجيف غيوفيك" خوان غويتسولو"، " اإلسباني

، وشهادات أخرى للشاعرة الفرنسية للروائي الفرنسي "كلود أولييه" تحت عنوان (رأيت ما أراه)

نقرأ نا أنوحسب . "جنفييف كالنسي" والشاعر "جان روسلو" والشاعر التركي "أوزدمير" وغيرهم

، وهو أحد أقطاب الفكر الفرنسي الالحق "لجان دة الفيلسوف الفرنسي "جيلدولوز"من شها فقرة

فقد كتب تحت . س عمق األثر الذي أحدثته االنتفاضة في الوعي اإلنساني، لنتحس بول سارتر"

، "لم تشرع أوروبا بتسديد الدين الالمتناهي الذي تدين به عنوان (حيثما يستطيعون رؤيتها)

وقد خاض الشعب . ده عنهاما جعلت شعبا آخر بريئا (الشعب الفلسطيني) يسد، وإن لليهود

أبدا . . ، وعن حياته ، وعن أحجاره الفلسطيني وحده حربا لم تنته إلى اآلن ليدافع عن أرضه

. )٢٧(". . إلى النسيان . . ، أو يقذفوا بهم إلى الليل يدفعوهم أبعد لن يقدر اإلسرائيليون أن

، ولكننا ال تدانيها متعة أخرى ، وشعر االنتفاضة متعة عن أطفال الحجارة ثوالحدي

. رف السائد لمثلهامضطرون ألن نكفكف النفس حتى تظل هذه المقدمة في إطار الع

١٨٨

أنتم . . ، وأقمارها ، ونجومها ، قناديل فلسطين نمضي نقول ألطفال الحجارة وقبل أن

أنتم األمل الطالع من رحم . . رج من مواسم الجدب والقحط، والعشب الخا ، والغيث البرق

شكرا . . أنتم الشعراء أيها األطفال . . أنتم الحاضر والمستقبل . . أنتم الحلم . . اليأس

نا القومي ، وتوقظون بها حس ، وتخصبون تجاربنا لحجارتكم الصغيرة تذكون بها مشاعرنا

، وتوقدون نار الشعر األبدية التي تسكن خاليانا وتحكم كزةالمستوطن في حجر العناية المر

. . ، وتعيدون لنا عالقتنا الوطيدة بها وجودنا

، ومألت فقد أعادت للغتنا امتالءها وسحرها وكنوزها األسطورية . . شكرا لحجارتكم

بالورد، محملة –على غير المعهود في هذا الزمن الردئ –، فجاءت قصائدنا نفوسنا باألمل

. . ، والبشارة ، والزعتر البري ، مكحلة بالحلم ، والضوء والطل

ولعل "الفتات" أحمد الريماوي تأتي مصداقا لهذه األجواء الجديدة في القصيدة العربية،

:)٢٨( حيث يقول من الالفتة الثالثة

قلت انتظر

آتيك من ليل الشتات

محمال بالورد

بالطل الوسيم

ال الحجارةبحلم أطف

آتيك باألمس الولود

مدججا باألمس الولود

مدججا بالضوء

بالعزف المكحل

بابتهاالت القلوب

تزف لآلتي البشارة

١٨٩

آتيك من مطر الجياع

بحزمة الرعد الخفي

فال تقل هذا زمان اللغط

والشرف المصادر في سواد القحط

بالقيم المعارة

ضره لك من هالل الروح أخ

ومن وادي نبات الصمت زعتره

"قفا نبك" التزم حد اليباس

وغاره . . ومقالع . . هويتي حجر

نا نأمل أن نكون قد بذلنا من الجهد ما يليق ، فإن وحين نضع هذا العمل بين أيدي قرائنا

تمثل وثيقةكما نأمل أن نكون قد وضعنا بهذا العمل . المعبر عنه ، وروعة الفن بزخم الحدث

ئ لشعر االنتفاضة وقصيدة الحجارة راجين من اهللا أن يهي . حركة شعر االنتفاضة واتجاهاته

. . المزيد من الجهود المخلصة لجمع هذه المادة ودراستها

١٩٠

هوامش الدراسة :

، م١٩٩٢، وكانت الطبعة الثانية عام ١٩٩١صدر هذا الديوان عن مطابع النور بالدمام، عام *

. وهو من منشورات لجنة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بالسعودية، وسفارة فلسطين بالرياض

. فاضةتوفي العام التالي أصدر كتابه (صدمة الحجارة)، وهو دراسة في شعر االن )١

، وصاحب القصيدة اكتفى بذكر اسمه األول "سميح"٥٧٦٧، العدد ٢/٦/١٩٨٨القبس )٢

. م١٩٨١/ منشورات نزار قباني / بيروت لبنات ٩لشعر : ص نزار قباني: ما هو ا )٣

١٩٨٨عبد اهللا الصيخان، هواجس في طقس الوطن ، منشورات دار اآلداب ببيروت )٤

ت). أمل دنقل: أقوال جديدة عن حرب البسوس / المستقبل العربي / القاهرة (د )٥

. اتل جساس، وأخت الق الجليلة: يقصد جليلة البكرية زوجة القتيل كليب )٦

م٢٦/٥/١٩٨٨جهاد فاضل: مقالة بعنوان (حرب البسوس من زاوية عصرية)، القبس )٧

٥٣٩٣م، العدد ٢٠/٣/١٩٨٨أحمد الشويخات: شهرزاد أين كنا غدا/ اليوم الثقافي . د )٨

م، وهذا ١٩٨٨أحمد الريماوي : الفتات على سياج الضوء /مطابع النور بالدمام )٩

. وما بعدها ٢١انظر القصيدة ص . ر الريماويالديوان هو السادس للشاع

. م١٩٨٧انظر هذه الدراسة الصادرة عن دار المأمون بالهرم / القاهرة )١٠

المشار إليه هو الدكتور حامد الخطيب الذي كان يعمل حينها محاضرا بكلية اآلداب )١١

. بالجامعة األردنية

. م١٩٨٨باني، بيروت نزار قباني: ثالثية أطفال الحجارة، منشورات نزار ق )١٢

حسن خليل حسين: ملحمة الدم والحجارة ، دار الحارثي للطباعة والنشر بالطائف )١٣

. م١٩٨٨

. بيتا ٦١، وقد بلغت أبياتها ٢/٣/١٩٨٨إبراهيم طه مصطفى : الرأي األردنية )١٤

٥٨٦٣، العدد ٩/١٩٨٨- ٨محمد جاسم الصقر: رسالة قومية إلى رئيس قومي / القبس )١٥

م١٩٨٨/ ٥/ ٣٠/ ٣٤٧١ش : حنين إلى الشعر / الشرق األوسط / ع محمود دروي )١٦

. م١٩٨٨: منشورات نزار قباني، بيروت ١٣نزار قباني: ثالثة أطفال الحجارة: ص )١٧

. ١٦نزار قباني: ثالثية أطفال الحجارة : ص )١٨

محمود درويش: موقع الشعر العربي على خريطة الواقع / الشرق األوسط / العدد )١٩

. م١٩٨٨/ ٥/ ٢٩/ ٣٤٧٠

١٩١

/ ٨/ ٧٤١٣محمود درويش: عابرون في كالم عابر / ملحق الدستور / العدد )٢٠

. م١٩٨٨

. م٨/٤/١٩٨٨: ٧٤١٣ملحق الدستور : العدد )٢١

. م١٩٨٧يناير (كانون الثاني) ٢٠: ٢٦٢: العدد ٣٨المجلة: ص )٢٢

. م٢٠/١/١٩٨٦هارون هاشم رشيد : الشرق األوسط : )٢٣

. م١٠/٣/١٩٨٨أمريكا اليوم (نقال عن القبس) . . إلى حاييم حيفر : سنرحل جميعا )٢٤

. م١٩٨٨دار كوارنيت بلندن An age of stoneفلسيا النجر: عصر الحجارة )٢٥

والصحفيين : التي يصدرها االتحاد العام للكتاب٢٩انظر: مجلة الكرمل: العدد )٢٦

دد للحديث عما وقد خصصت هذا الع . بيسان للصحافة والنشر الفلسطينيين عن مؤسسة

. أحدثته االنتفاضة في الوعي اإلنساني

. المرجع نفسه )٢٧

. ٨، ٧أحمد الريماوي: الفتات على سياج الضوء : ص )٢٨

١٩٢

١٩٣

باسر إحسان ععرأة في شالم ورةص ياتجلت

١٩٤

١٩٥

ويحظى عندهم بتقدير ، يجمع جمهور األكاديميين والمثقفين على مكانة إحسان عباس

، ومؤرخا، ، وناقدا ومحققا ؛ مفكرا ، نظرا لدوره الكبير واهتماماته المتعددة خاص عز مثيله

. . ، وأستاذا جليال ، ومبدعا ومترجما

، وقلما خطر ببال هيبين بصورة األكاديمي المهتمالراحل الكبير في أذهان الم ارتبط اسم

وقد ظل . عارفي فضله أن وراء تلك الصورة يتخفى إحسان عباس الشاعر طالبه والكثير من

أطروحتها ١٩٩٦ه هذا مجهوال أو كالمجهول حتى أنجزت الباحثة النا مامكغ عام اهتمام

وهي أول دراسة تتناول مجمل . )١(دراسة تحليلية" :للماجستير بعنوان "شعر إحسان عباس

المقاالت للدكتور ، منها بعض إال ببعض الدراسات الجزئية قة، ولم تكن مسبو الشعريةتجربته

لبكر عباس بعنوان "إحسان عباس والبحث عن بطل" ، ، باإلضافة إلى مقالة إبراهيم السعافين

. ق فيها إلى عالقة شعر إحسان عباس بحياتهتطر

اس فضل كبير في إلقاء الضوء على تجربة إحسان عب والدكتور السعافين صاحب

رة عن "شعر إحسان عباس بين الرعوية ، ودراسته المقد ، من خالل مقاالته تلكالشعرية

، وتوجيهه لتلميذته النا مامكغ لدراسة )٢(مقدمة في قراءة شعره" . . والرؤية الرومانتيكية

، ولم يكن ، كما استمعت إليه محاضرا في (الفينيق) عن رعوياته بإشرافه الشعريةتجربته

، ولعله آخر ١٩٩٩، فقد خرج إلى النور عام شر حينئذيوان إحسان الوحيد (أزهار برية) قد ند

. م٢٠٠٢ه عام شر من نتاجه قبل أن يلقى وجه ربما ن

-١٩٤٠جت بين عامي (، التي توه الشعريةوعلى الرغم من قصر عمر تجربة إحسان

القضايا والموضوعات التي عالجها، خصبة على مستوى ها كانت تجربة، إال أن )١٩٤٨

، ومنحت رة من حياتهخصبة "تهيأت له منذ فترة مبك ، ترفدها ثقافة والرؤية وأدوات التشكيل

من الشعراء الرومانتيكيين الذين اكتفوا بالتعبير الساذج عن الذي افتقده عدد شعره العمق

، ربما أفقرت معجم الشعر محددة ، من خالل دورانهم في حقول داللية عواطفهم ومشاعرهم

. )٣(تلوكها األلسنة" العربي حتى أصبحت رواسم مقررة

، فنحن نذكر أن عا في ديوان الشعر العربي المعاصردولم يكن عمر تجربته القصير ب

عمر تجربة الشاعر الكبير عبد ، وأن تجربة الشاعر إبراهيم المازني كانت أقصر من ذلك

، وإذا كان هذان الشاعران قد انسحبا من المشهد ز عقدا من السنينجاويلم الرحمن شكري

١٩٦

، فتجربة أبي القاسم الشابي شاء سيف الموت أال تزيد عن عقد من منهما بذلك الشعري رغبة

. السنين

وكان هذا شأن شاعرنا الذي توقف . رةإبداعية مقد وعلى الرغم من ذلك فقد تركوا تجربة

"كنت أنظر إلى هول الكارثة التي ، )١٩٤٨لشعر بمحض إرادته إبان نكبة فلسطين (عن قول ا

غارق في ه ال قيمة لشعر، ومع ذلك أرى أن ت بوطني فأجدها أعظم من أن يصورها الشعرحل

ويبدو أنه . )٤(، إذا أنا لم أحاول توجيه الشعر نحو تلك المشكلة العامة" الذاتية واألحزان الخاصة

، واعيا أنه حين وضع ملكته ه لم يفلح، لكن بذل قصارى جهده لتوظيف موهبته لخدمة قضيتهقد

. )٥(د قتل تلك الملكةبين شقي هذا الصراع كان يتعم الشعرية

سة، اد إلى الثورة على التقاليد الكالسيكية المكروكما كان المازني وشكري يسعيان مع العق

، لكنهم لم يفلحوا على نحو رومانسية على مستوى النظرية واإلبداعي فكر المدرسة الوذلك بتبن

، باإلضافة ، وبخاصة على مستوى التشكيل رد في تقديم تجربة شعرية رومانسية خالصةمط

ا دفع المازني ، مم إلى ضيقهم من استمرار التفاف الذائقة العربية حول القصيدة الكالسيكية

ف أيضا من ساحة اإلبداع، ودفع العقاد إلى ما يشبه التوق نهائي وشكري إلى االنسحاب على نحو

، فلم يكن يريد شعرية نوعية كذلك كان إحسان عباس يسعى إلى تقديم تجربة . تمؤق على نحو

، يكرر ضاف إلى قائمة الشعراء الرومانسيين الحالمينشعري ي د صوتيكون مجر أن

، وال نعرف منهم من ، وأكثر تنوعا وأخصب منهم ثقافة ، فهو أعمق موضوعاتهم وأدواتهم

، كما لم يتح لهم مثله االتصال )٦(تواصل مثله مع تجربة الشعر الرعوي الالتيني واإلنجليزي

ه حين أدرك عجزه عن توظيف فنه في خدمة ، ولكن )٧(بمجمل التجربة الرومانسية اإلنجليزية

، يرى أنه أكثر ، ليواصل دوره في ميادين أخرى ئينها ، آثر االنسحاب على نحو قضيته

أن التجربة الرومانسية قد استفرغت إمكاناتها -بوعيه النقدي –ولعله كان يرى . جدوى فيها

ها وفرصتها في مواجهة بة بإعطاء التجربة الواقعية حقها مطال، وأن في التعبير عن هموم الواقع

االتجاه الواقعي قد بدأت إرهاصاته مع نهاية الحرب العالمية ، وال سيما أن رداءة الواقع العربي

. الثانية

متنوعة خصبة ، وجدت نفسي أمام تجربة حين تصديت للكتابة عن إحسان عباس شاعرا

، وهناك النقد االجتماعي، ، فهناك المرأة والطبيعة والقرية والرعاة المضامين واالهتمامات

، وثنائية الحياة والموت والروح ، مثل عالم الروح أو عالم النار ديةألفكار وجو وفيها مالمسة

. والجسد

١٩٧

، وتناول الدكتور فقيأ النا مامكغ تناولت مجمل تجربته على نحو وقد الحظت أن

، هو بعينه أقف عند موضوع أن ، لذا، آثرت السعافين تجربته من جانبيها الرعوي والرومانسي

كبير من تجربته ، نظرا الستئثار هذا المحور عنده بجزء صورتها في شعرهيات المرأة وتجل

. في ديوانه، واألكثر حضورا ، فهو األبرز واهتمامه

، مما جعل هذا ، وتعددت تجليات صورتها تقريبا من ديوانه شغلت المرأة ستين قصيدة

، ورؤيته لها، موقفه منها الستكناه ، تمنح الباحث فرصة يا بدراسة مستقلةالموضوع حر

. والوقوف على أدوات تشكيله لصورتها في تجلياتها المختلفة

"ربما كان إحسان عباس من النقاد القالئل الذين جعلوا موقف الشاعر العربي الحديث من

، وال سيما قضية كهذه ذات تداخالت وتفرعات تجعلها أحيانا قضية نقدية تجربة الحب قضية

، والمجتمع، ، والمدينة ، تجدها تمتزج بقضية الموت تغلغل في قضايا أخرى كثيرة، ت ثانوية

ينقل عاطفة مفردة بسيطة، يعد، لم الشعر الذي يعبر عن الحب ، ألن )٨(والثورة وغير ذلك

. )٩(وإنما ينقل غابة متشابكة الغصون من العواطف والمشاعر"

إلحسان عباس هي ما جعلت هذه القضية تستمر ويبدو أن "طبيعة التكوين النفسي والثقافي

موقف ، كما أن ضجاما ونمعه منذ بدايات اهتماماته األدبية إلى أكثر دراساته وأبحاثه النقدية تقد

كبير في توجيهه له دور –كما يظهر من سيرته وأشعاره المبكرة –إحسان عباس من المرأة

. )١٠(طار الشعر العربي الحديث"ذات أهمية في إ قضية لجعل مسألة الحب

ن جت مم، فتزو ، نجده يستهلها بقصة مريم التي استجابت لنداء قلبها فحين نتأمل سيرته

، فقرت قصتها في وجدان الطفل، سة في البيئة الريفيةباألعراف والتقاليد المكر ، مستهينة تحب

وبين هذه . مخاطبا إياها بحكمة الشيوخ ، ليختتم بها سيرته فيه طوال رحلة الحياة لتظل فاعلة

، يفيء إليه فيها هاجسا جميال ، ويظل الحب طويلة، تظل المرأة النهاية وتلك البداية رحلة

يلتمسه في تجارب الشعراء الرومانسيين أو في قصص . الشاعر في رحلة العمر الصعبة

–حينا يعيش التجربة، ويكتوي ونجده . ، مثل علي السعدي أصحابه من المحبين المجروحين

–م ١٩٤٦-١٩٤١للمرأة بين عامي كما أن . بنار تلك الراعية المثالية "نوار" -في مطلع صباه

. ها الواضح في سيرته وشعرهحضور –خالل عمله في مدينة صفد مدرسا

١٩٨

هما نقيضا واحدة من ل كللصورة المرأة عنده تستوقفه صورتان كبيرتان لها، تشك لوالمتأم

، التي يتخذ منها ، األولى هي تلك الصورة المثال في تجربة الشاعر الرومانسي لألخرى

. ، وينص لها صورة مثالية يتعبد في محراب حسنها الشاعر مهربا ومالذا

نلتقي بهذه المرأة في أبهى تجلياتها: )١١(ففي قصيدة (هيكل المثل)

نا حيي المقـالفيا هيكلي لو تبوح السنين فإن كلي

خلعت عليك رداء الشباب وأفنيت فيك رواء الليال

إلى الولوج بالشاعر إلى آفاق دعاةة والحياء مرة بالعففهذه العالقة العذرية المؤط

الصوفية، تلك العالقة األسمى في الحب:

وعصبت صوفيتي بالخلود وأترعت أنشودتي الكمال

دخلتك كنت المثال وكنت أحب المعاني العذاب فلما

ملحة في حياته لضمان أمنه وسالم مثل هذه المرأة المعبودة / المثال ضرورة ووجود

:)رتيناالم(رفت في شعر الك المنقذ كما عها المرأة المروحه، إن

أتيتك والروح عريانة لتغرق في سكرات الجمال

وأسبح في سجدة كالزمان ألني أعانق فيك الجالل

، كما تمتزج المرأة ب الكآبة واأللممن سح ئما ما تلقانا عنده في هذه التجارب أطيافودا

أحيانا فيها بالطبيعة:

وغنت بك الناي بين المروج وروى الرباب سناك الرمال

وحدث عنك الصباح المساء وعانق فيك الجنوب الشمال

على مستوى التعبير والتصوير، وات مألوفةها بأدل، شك رومانسية خالصة فهذه تجربة

. ي "صلوات في هيكل الحب"ها بقصيدة الشابويذكرنا عنوان

١٩٩

، وبخاصة في تجاربه التي كتبها لحبيبته من تجاربه ونلتقي بهذه الصورة المثال في كثير

يا الرعوي، ، تلك الراعية المثالية التي تنتمي إلى مجتمع أركاد "نوار" ابنة قريته "عين غزال"

، فخفق لها قلبي، فتاة بدا لي أنها جميلة لقيت يوم أن فقد "حدث ذات . ثل الرفيعةعالم القيم والم

. )١٢(". . ، أو لمحة وأصبحت أحرص على أن أراها اتفاقا أو تعمدا

وربما كان االسم "نوار" اسما غير حقيقي، ولعله يحيلنا به إلى اسم زوج الشاعر الكبير

، حيث يقول: فاضلة عفيفة ، وكانت سيدة ، وندم لفراقها قها، التي طل فرزدقال

غدت مني مطلقة نوار ندمت ندامة الكسعي لما

، حين فقد راعيته المثالية ذات صباح فهو الندم ذاته الذي اعتمل في نفس إحسان بعد أن

، فاختفت على إثر ذلك من حياته ازلأحجم عن قتل ثعبان في القرية ظهر على سطح أحد المن

، وكانت ستطير لو أقدمت ، ألني لم أقدم على الحية "لقد طارت نوار من عالمي إلى األبد

. )١٣(عليها"

ه دعوته إلى "نوار" لتشاركه العودة إلى الطبيعة في ففي تجربته "إلى الراعية" يوج

: )١٤(، فيقول دينة ومطالبها الملحةبعيدا عن ضجيج الم . . بساطتها، وعذريتها، وصفائها

حبيبين فـي ربوة نائيـه تعالي نعش تحت ظل الهوى

دعوناه بالمقـل الرانيـه إذا التفت الفجر خلف الظالم

وجبنا ربوع الهوى الغافيه وسقنا القطيع علـى هينـة

بغنوة أحالمنـا الهاديـه ورحنا نوشوش زهر الحقول

كطفلين في عيشة راضيه طروبين نلعب فـوق الربيـع

يبلـل مهجتي الظاميـه وصوتك كالسحر في مسمعـي

توسدنـا المهجـة الغاليه وهـذي الطبيعـة أم لنـا

ل الصورة من ، وتتشك األسى واأللم وفي المقطوعة األخيرة من القصيدة تلقانا أطياف

زين:معجم تعبيري وتصويري ح

٢٠٠

تلـدد حيرانـة داميــه هنـا مهجـة تعالـي فـإن

ونظرة حزن إلى الداليـه شـط الغديـر لها وقفة عند

وفي الضاحيه -قبيل المساء– في ظالل الهضـاب وترنيمة

وقد صرعت حلمـه قاسيـه وفي الكوخ، إطراقة المستريب

وأنـت الحبيبـة يـا راعيه المستهامتعالـي تعالـي أنـا

إن حياة إحسان المليئة بالحرمان المادي والحرمان العاطفي دفعته للبحث عن منافذ

إن موضوع الحب عنده يشتبك مع جملة . ، أو توقه إليها ، تعيد إليه حريته ومهارب

أبهى تجلياته، يف في ، وبالر ، و نلتقي بالطبيعة المثال ؛ فهنا نلتقي بالراعية المثالية موضوعات

، ترمز إلى حياة االعتزال ونظرة الرعوية من أيام فرجيل فصاعدا"، وفي صورته الرعوية

، يكون العالم الرعوي ملجأ ا يميز المدينةب على المكاسب والمنزلة مموالراحة بعيدا عن التكال

ة وخالص من زحمة ، وبساطته راحة مرغوب ؛ فحدوده الضيقة تمثل تحديد الرغبة رحيما

. )١٥(األمور في العالم الكبير"

ده على المدينة التي حرمت اإلنسان سكينته وإحسان عباس على هذا النحو يعلن تمر

الفطرية، وجارت على روحه، وحالت بينه وسجيته، وسطت على عفويته، وقلبت المفاهيم من

. حوله

س في التجربة مكر ى الريف موقفق والحنين إلو، والت على المدينة دوهذا التمر

، إذا وضعنا في االعتبار "أن من أهم عدا آخره يكتسب عند إحسان ب، ولكن الرومانسية بعامة

، وإذا كان من المتوقع ه الريفيةرت في شعر إحسان عباس تأثيرا بالغا هي نشأتالعوامل التي أث

فليس من . . ؤيته للحياة والناس في فترة الحقةة هذا التأثير في سلوكه أو في رتخفت حد أن

أن يخفت أثر هذه النشأة الريفية في شعره الذي كان كله قريب عهد –، بطيبعة الحال المتوقع

، ، كان يتغنى بالوطن فإحسان بتغنيه بالريف في هذه القصيدة وغيرها . )١٦(بهذه الفترة

. بنون الحياة بالصدق والعزموبالجذور الحقيقية التي أنجبت بشرا أنقياء ي

، ويضمن بها ها الغائبة، وعذوبت دةتها المفتقإلى حياته براء عيد إحسان بالراعية المثالوي

. . ، مسكونة بالحزن صباح مساء ه تلدد حيرانة دامية، فمهجت حياته المضطربة توازن

٢٠١

فنا صوره ل، الذي أ لبسيطذلك الموضوع ا يعدوالمرأة عند شاعرنا لم الحب فموضوع

. موضوعات مهمة ، تلتبس فيه وتشتبك جملة ه موضوع كبير، إن وآلياته في تراثنا الشعري

، ولعله بلغ ذروة األداء في بالذ والمهرشاعرنا في رسم صورة المرأة المثال والم ويفتن

في سيل األماني الطفلية ة، مدهش في فكرتها وتشكيلها فهي مدهشة . )١٧(تجربته "ليتني طفل"

، بل يلوذ بطفولته فالشاعر ال يكتفي بالمرأة مهربا هنا . العفوية البريئة التي شكلت القصيدة

، ومعجم لفظي يتخلى عن ر، ذات تشكيل إيقاعي متطو ومعبودته معا في بنية شعرية درامية

: شعره ، التي تطالعنا في جل من ثقافة إحسان التراثية كثير

ليتني طفل أناديها فـال تنفر

وإذا كلمتها حنت على طهري

وإذا ما غبت عنها أقبلت تسأل

لم أسق أيامي من . . ليتني

ون يخبون فيها مهما تقدم بهم أجمل ما في الشعراء الكبار هذه الطفولة التي يظل لعل

طوة عقله الكبير، اد هي تلك التي غابت عنها سضل تجارب العقأف العمر، ونحن نذكر أن

، الذي بخاصة بحاجة إلى هذا الطفل الحالم والشعر . واستسلم فيها لمشاعره المرهفة، وأحالمه

. ، مثل أي فنان تشكيلي عبقري يبني عالما مدهشا من الرؤى في لمسة واحدة

" . . صيدته االثنتي عشرة بعبارة "ليتني طفلفالشاعر إحسان يستهل عددا من مقطوعات ق

الصور الممكنة ، يقلب كل ثا بهذه المحبوبة، متشب ذابثم يمضي مستسلما لسيل األماني الع

: ى لو حدث أهله عن تفاصيل إعجابه بها دون حرج، ويتمن غرير لعالقة بريئة يحلم بها طفل

وإذا حدثـت أهلي كل صبـح ومسـاء

ترنو كيف تغدو كيف تبدو في صفاء كيف

كيف تحكي كيف تمشي كيف تختال إزائي

لم يقولـوا أنـت مفتـون بحـس ورواء

٢٠٢

إذا لج بالذكر، وأصبح شهود ه، كما الصوفيه، وسيطر على حواسلقد حاصره معبود

ب لمعذوكما هو حال الصوفي الراضي بقرب الشهود وهما، ا . بتغاهحضرة الربوية أقصى م

ببعد الحبيب حقيقة، فهذا حال شاعرنا في ختام تجربته:

كم تمنيت وقلبي عب في الحرمان عبا

كـم تمنيت وروحي تتالشى فيك حبا

ثم أصحو وعذابي لم يجد في األرض قلبا

لست مجنونا، ولكن هارب في الحلم رعبا

يلتبس ) ١٨(يدته "من وحل األزل"، ففي قص ى هذه الصوفية في تجارب أخرى عندهوتتجل

أوضح ، حيث يقول: العادي بالعشق اإللهي على نحو الحب

على ألوان حسنك بالظالل أحب الحب فيك فقد تراءى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عبدت لديك أخبية الجمال أعيش له فإن أحرم جنـاه

. ". . منها بالفعل المضارع "أحبك خمسة ، استهل الشاعر بياتفي ثمانية أ وتقع التجربة

س في أسلوبي مكر ه ملمح، فإن بارزة في تجربة الشعر العربي المعاصر وإذا كان التكرار سمة

، حيث يلجأ الشاعر إلى تأكيد سيرورة مشاعره ، وفي شعر العشق اإللهي ذريالع تجربة الحب

. وديمومتها

، وما يتطلبه من أدوات لتشكيل تجربته موقف الصوفي من المرأة المثالومثل هذا ال

):١٩قوله(

تخطر في ثوب من النور غامر أراك على مرآة دهري بعيدة

تلوح وتخفى فهي بنت السرائـر أرك ولكن أنت جنية الهوى

وبعض شقائي أن مغناك خاطري أراك ولكن ال أراك حقيقـة

٢٠٣

، كمن يعزف فيها ه كان يفتن، وكأن المثالية عنده وتتنوع وتتعدد أطياف صورة المرأة

نظفر بمالمح الصورة ، ونستطيع في أكثر صوره تلك أن من األلحان واحد مجموعة على وتر

–، وقد نلقاها أحيانا ، منذ أن أرسى تقاليدها الشاعر األموي العذرية القارة في الوجدان العربي

: التي يستهلها بقوله )٢٠(تجربة "في لحظات"، كما في واضحة صريحة

طفال وخلى مهجتي ملعبا من ذا الذي يا (مي) رد الهوى

، ويظل اسم (مي) ، والعذول ، والعطش ، والوفاء ، والهجر فتنتشر فيها صور الحرمان

لها:ر التنويعات النغمية ه اإليقاع الرئيسي الذي يؤط، وكأن ر على امتداد القصيدةيتكر

حسبتها تخفق كـي تذهبـا وحرقة يا (مي) ال تنطفـي

ونلقم العاذل ما أجلبــا أمس افترقنا ندري بالجنـا

تبث فينا زجرها المغضبـا مستوثق البغض على فرقة

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ن أهربـاأن تنفري مني وأ ما بيننا يا (مي) ما يقتضي

على عيون الناس أن تكذبـا تقيـة تلـك تخيرتهــا

لعل ورد الوصل أن يعذبـا وجرعة الهجر تمززتهـا

حر الصدى يستعذب المشربا ووارد الخمـس إذا هـزه

ثقافة إحسان ونالحظ في مثل هذه الصورة ذات المنحى العذري في تشكيلها حضور

مة "شاعر الحب والصحراء" ، وشاعر المعجم البدوي، ذي الر هي صاحبة و (مي) ، التراثية

في مدرسة ، فقد اتصل به وهو طالب في حياة شاعرنا الشعريةوديوانه كان من أول المؤثرات

، دون أن يفهم كثيرا من ألفاظها ومعانيها، م بقراءة قصائده، وجعل يترن عليه حيفا، وأكب

، ولهذا كنت أردد غزلياته كثير الغريب بخاصة في وصف الصحراء صعبمة و"فشعر ذي الر

. )٢١(في مي وخرقاء حتى حفظت معظم الديوان"

٢٠٤

، ولكن الحس الشعريةعنده ببعض قصص مطران )٢٢(وتذكر تجربة "حورية الغاب"

مشغول إحسان ؛ ألن ، والحركة الداخلية في القصيدة عنده أوضح الدرامي عند األخير أقوى

يقول منها: ، إذ وانبها في عناقيد من الصور، واستقصاء ج بامتداد الصورة الوصفية

أخفتت غربة األماني لحونه ذكروها بأن في الغاب غصنـا

ومص الزمان منـه فتونـه وتعرى عطفاه من ورق الحسن

على جهمة الروابي الحزينه شاحب كالخريف جرره الصيف

ولـف الدجـى عليه سكونه الفجر دمعه فـوق كفيـه سكب

، إذ يصبح الشاعر غصن ، كما يتوحد بالحبيبة د الشاعر بالطبيعةوفي القصيدة يتوح

يقول القصيدة بعبارة ر، وقد صد تحنو عليه ، فيسألها الشاعر أن ، والحبيبة تحمل فأسا الغاب

وحيه الرعاة غناء الزمن "فيبدو الحبيب والحبيبة على تناقض: "إلى الشيخ القديم الذي يست فيها

إذ )٢٣(رة في آن" اءة المدمفاعلية الزمن البن ين في تكامل الفعل تجاهالصورة الظاهرية متوحد

: يقول

من يديها تظله بالسكينـه ذكروها لعل لمسـة رفـق

ـرة ورعونــهفللفأس ش فيداها لم يخلقا لعصا الفـأس

فثنى الكون عن سناها عيونه هي من موجة الصباح أطلت

حامال زهره لها وغصونـه كم تمنى الغاب الحفي رضاها

الخامس من ديوانه المعنون بـ "على مشارف الجحيم" بقصيدة "أنا ويستهل إحسان القسم

فنحن ما زلنا نتأمل أطياف صورة المرأة . ة على ما نحن بصددهالتي لها داللة مهم، راهب"

إلى تلك الصورة البرزخية التي جمعت بين المرأة المثال والمرأة ، ولم نصل بعد المثال والمالذ

. غرقة في الشبقيةة الم، التي سينتقل بعدها إلى تلك الصورة الحسي النقيض

هذا ، وعنوان البرزخية ) إيذان بقرب الصورة١٩٤٣هذه القصيدة (التي كتبها عام فكأن

لحالة اليأس التي انتهى إليها تجسيد فالقصيدة . ص بذلكرهالقسم "على مشارف الجحيم" ي

. الشاعر

٢٠٥

، فالشاعر يستهل تجربته بسيل ، كما يقول علماؤنا ينوإذا كان اليأس هو إحدى الراحت

وتسخطي، . . نظر الحقد ، ال تنظري من أساليب النهي واألمر (ال توقظي قلبي، ال تبسمي

التعلق بسراب م، ال يريد مزيدا من وه ) نافضا بها يديه من عالم المرأة. . وتلذذي بتألمي

: ، وتوهج فنه لشرارة إبداعه ، لكنه ضمانة مضوهو خيار مؤلم م . عالمها

إن األسى للفن أرفق مرضع ال توقظي قلبي على فجر الرضا

نوعية في موقف إحسان من المرأة عام هي بداية انعطافة -نرى فيما–فهذه القصيدة

:)٢٤(للمرأة في واقعه ، حيث كان يحس بافتقاد م١٩٤٣

فوق النفوس إلى قرارة مضجعي هذا ظالم اليأس يسرق خطوه

شفتاه سلسال الرؤى في منبعـي ال تسأليه متى وكيف تحسست

لصالة بأدمعـيوجبلت ذرات ا أنا راهب أطفأت شمع سكينتي

وأتى يمزق بالبراثن أضلعـي شبح الندامة قد تلمس وحدتـي

م في قصيدة ١٩٤١، وموقفه منها عام كبير بين موقف الشاعر من المرأة هنا هناك فرق

كيوبد يحاول ثانية ، وأن ، إذ يعترف فيها بأولى تجاربه الفاشلة مع المرأة )٢٥"إلى كيوبد"(

، ثم ، ولكن الشاعر يروغ منه باللجوء إلى الطبيعة (معبده المحبوب) يترويعه بسهمه الذهب

: قصيدته ضد توقعنا بدعوة كيوبد إلى مغامرة جديدة يأتي ختام

تعال على جناح النور ترعاك أغاريـدي

وفي مركبة (الشنار) بين تضاحك الغيـد

تعال اغرس نقي الحب في قلبي وفي وهمي

ان تصـدح باألناشيـدوخل عرائـس الغدر

رة على مستوى بنائها في رومانسية متطو ل عنده من إيقاعاتهذه تتشك والتجربة

عفوي تلقائي، ، وتتدفق على نحو منها ع الروي داخل كل، يتنو مجزوء ، ذات وزن مقطوعات

. كئ على نفسه في تشكيلها، وصور يت عصرية في لغة

٢٠٦

ا في موقف إحسان من المرأة، صال مهمفم -كما ألمحنا –، كان م١٩٤٣ويبدو أن عام

فقد وقفنا على عدد من التجارب (سيدتي، والدفء المروع، وانتظري أوبتي) كتبها في العام

المرأة عنده ، فلم تعد ة تقتحم عليه صورته المثالذاته، والحظنا كيف بدأت تلك الخطوط الحسي

:)٢٦(، ودفئا يحلم به اهجسدا يتشه -أيضا–، بل غدت روحا خالصا

سعري النار وابعثي في عروقي من لظاها لهاثها المشبوبا

أججيها وأيقظي في دمائي غضبة تصبغ الضنى والشحوبا

فزع الدفء فاغلقي كوة الكوخ وولي إلى الفراش هروبـا

، ال من بين صورتين هي األكثر داللة على موقفه المتأرجح )٢٧(ولعل قصيدة "سيدتي"

تخذا شكل ، م ، ولكن من خالل تشكيله لتجربته حيث تداخل خطوط الصورتين وحسب

، فجاءت القصيدة تعبيرا فنيا دقيقا للرغبة في الثورة سة، دون أن يلتزم ببنائها التقليديالمخم

: قوله، ولنأخذ مثال على موقفه القديم ولحالة التشظي والتأرجح في موقفه الجديد

يا لألمل سئمت من نفسي ومن جمودها

لو كان حواما على نهودهـا لو كان شعري حلية لجيدهـا

على الشفاه الظامئات للقـبـــل

واحترقي فانتفضي يا نفس من إغفاءتي

هاتي الهوى وصافحي لجاجتي ال تنعمي بعد الصبا براحـة

على الغناء في اللظى واعتنقـي

، فبدأنا نطوي على إرهاصات الصورة النقيض للمرأة -أيضا–وقد انطوت هذه الصورة

لفظي ، وأخذنا نستمع إلى معجم ، ونغادر عالم أركاديا الذي نبتت فيه صفحة الراعية المثالية

ال في قناعات إحسان نحو ، التي أحدثت تحو ، الشراب) ينتمي للمدينة ، الكؤوس جديد (اللهو

، مثل قوله: ةالمرأ

بل حجب وكان ما بين فؤادينا حجاب

٢٠٧

وكنت للتأمالت والعذاب فأنت كنت للهوى والشراب

ونظرة المغمور في دنيا الكتب

، نرى لزاما علينا أن نتوقف قليال إزاء صورة األم، وقبل أن ننتقل إلى الصورة النقيض

، ووداع ، وغريب القليل (إلى منبع الحنان ، ولكن هذا التي لم يمنحها الكثير من تجاربه

إحسان حين يئس من المرأة مالذا ، ويبدو أن أخير)* كان داال على مكانتها في نفسه وحياته

: ، إذ يقول ، بحث عنه في منبع الحنان األصيل وخالصا حقيقيا

فسوى عطفها نسيج خيـال اذكرا لي الحنان في قلب أمي

فالحبيبات من هراء الليالي تبيهـاليس لي من حبيبة أج

ها اإليقاعية وطريقة كتابتها ، فكما جاءت تشكيالت أما قصيدته "غريب" فقد احتشد لها فنيا

، واتساقا مع جهود الرومانسيين العرب في لتثوير السائد في شكل القصيدة الكالسيكية محاولة

ليأس الشاعر تجسيد -من جانب آخر–فهي ، الخروج على الشكل المكرس في البناء اإليقاعي

، بعد أن أفنى شطرا من عمره واهما ، والمرأة الحقيقية في حياته من البحث عن الحب الحقيقي

: ، وسوء الطالع الكثير الكثير ، وبعد أن لقي من قسوة الحياة حالما

آه يا أم أموثوق إلى النجـم رجائـي

صخر القضاءأم ترى األيام شدته إلى

المحبات كموج البحر جاشت بالريـاء

فثنت في شاطئ العمر عن الحب عزائي

أي أحالم مع العشرين تخفى وتغيب

أي يأس طاف بالرأس فلباه المشيب

إن أيامي حمالن وهذا البؤس ذيب

وحرمانه ، ، وبأحزانه المتراكمة رومانسي شاعر بانكسارات روح والقصيدة حافلة

: ، مما يضاعف من إحساسه بالغربة ، وأحسن حاال حظا من حوله أسعد قيم، والناسالم

٢٠٨

يا رفاقي ضحك النهر إلى زهـر الربيع

ورنا الشعب إلى الشعب وحيا في خشوع

هذه الدنيا! فما للحزن يجري في دموعي

آه يا قلبي، أتحويك على ضيق ضلوعي

بل هذا النصيـبهـذه األيام ال ترحم

رقص الناس وغنوا وأنا الحزن الكئيب

أنا والفردوس داري بعد أحبابي غريب

أنا محروم أنا النار تلظى في نجيعـي

(راعيا مفعما هه حين كان في ظل أم، وحال اآلن ان بين حاله (راعيا مغتربا)وشت

، تخفيفا لوطأة الغربة عليه، به اآلن، ذلك المهرب الجميل الذي يلوذ بالغبطة) في أركاديا

: ، إذ يقول من القصيدة ذاتها ية في الزمن الرديءوترميما لروحه المتشظ

وأنا راع تلهيت بشعـري وغنائـي

فوق كفيك أيا أماه أدركت وجـودي

وعلى صدرك أغفيت على لحن النشيد

لياتها المتعددة، فهو يؤمن وحين يتحول إحسان عباس إلى الصورة النقيض للمرأة في تج

جبل عليها، ب والتحول طبع في اإلنسان، وفطرةالتقل توقعه؛ ألنه على يقين أن ها لم تأت ضدأن

لذا، يلتمس للمرأة عذرا بتقلب مشاعرها، فال يدينها، بل ربما ذهب إلى ما هو أبعد، إذ يرى أن

قصيدته "تقلب / عدوت . الثبات مستحيل تحكم حركة األشياء من حولنا، وأن هناك حتمية

فكرية، تصور تعديال لقناعاته المتصلة بعالمه الرعوي المثالي في أركاديا، " وثيقة١٧٣: الديوان

، إذ يقول: فإحسان يبدو فيها موضوعيا محكوما بالعقل والمنطق

من في البرية ال يحور وال يمل وال يخون

٢٠٩

يجنـح للسكـون امالثائر المتشـدد الهج

آن يثقله السمـاعـع المتلهف الظمـوالسامـ

والعـف بعد مرارة التسويف يدركه الطماع

في طبعنا حب المروق ونحن عبدان الطباع

ة من القناعة والفهم د تلك الحال، يجس ولعل اختياره لمجزوء الكامل ذي التفعيلة الموحدة

. واضح ، يعزز ذلك اتكاء الشاعر على الجملة االسمية على نحو العميق لطبيعة النفس اإلنسانية

ولكن إحسان لم يصل إلى هذه الحالة من الهدوء والمصالحة مع النفس إال بعد ثورة

منال تنكرت لقيم ، التي "تحولت عنده من راعية مثالية إلى حبيبة بعيدة ال عاتية على المرأة

، من ، وال بمثل الحب السامي بعاطفة الشاعر تجاهها آبهة ، وتزوجت غير الحب المثالي

سوى ، ال يملك إزاءه حيلة ، إلى امرأة منصرفة عنه في اختيار آخر راعية تقبل وتصد

. )٢٨(اإلغراق في مشاعر الغيرة والذل واالنقياد والضعف في نهاية المطاف"

، والوقوع في عوامل لتدفعه بقوة إلى ثورته تلك على المرأة م جملة١٩٤٣عام وتشتبك

، واالعتذار عنه في ، مما اضطره الستدراك ذلك إال المرأة المبتذلة ، فلم ير مأزق التعميم

: "ونسيت تلك المرأة المكافحة في الريف التي تقف إلى جانب الرجل، أخريات العمر حين قال

نماذج النساء اللواتي يحملن المسؤوليات بشهامة أكبر من ؛ نسيت كل عباء الحياةل معه أوتتحم

. )٢٩(، وإخالص أنزه من إخالصه" شهامة الرجل

، وأمعن في صلته بالمدينة، ور الوظيفة في صفدم إلى ط١٩٤٣لقد انتقل إحسان عام

فكان عليه باعتباره شاعرا يبحث ، ؛ فلمس تشوه القيم وانقالبها ه في الريفورأى فيها ما لم ير

، كما يقول إلياس أبو ، ألن الوقوف على الحياد جريمة عن فرادته وخصوصيته أن يحدد موقفه

. )٣٠(شبكة"

وفي هذه الفترة ، كانت المرأة بالنسبة إليه ولزمالئه من الشباب المتخرجين هي مادة الحلم

، ونرسم للمرأة صورا تبعدنا مشاعرنا الحقيقية، "ولكننا كنا نكابر أو نتظاهر بغير والحقيقة

وهذا دليل على افتقاده للمرأة في واقعه، . )٣١، وكنا نتفنن في هذه الناحية( ، وتبعدها عنا عنها

. مما دفعه إلى التطرف في موقفه منها

٢١٠

، دون أن تعير عواطفه أدنى التفات كان ها من غيره، وزواج ولعل انصراف حبيبته عنه

. ، وثورته عليها راء تغيير موقفه من المرأةو

، ودون االلتفات إلى ، دون مشورته ن ال يحبم مم١٩٤٣تزويجه عام وال ننسى أن

ولم تفلح . ما يكون برصاصة الرحمة التي أطلقها العطف األبوي عليه ، كان أشبه أبسط مطالبه

كيف يقبل ؛ومن عجب . زمه حتى النهايةالتسلط األبوي عن المضي في ع ينتوسالته في ث كل

أو يستسلم شاعر رومانسي لمثل هذا الموقف العقالني الكالسيكي؟! فكان لهذا االغتيال لطموحاته

. األثر في نفسه وفنه وأحالمه أبلغ

، أو ه بديوان "أفاعي الفردوس" إللياس أبي شبكة في العام ذاتهإلى هذا وذاك اتصال فأض

، باإلضافة إلى ديوان لألستاذ محمود شاكر بعنوان "ديوان البغضاء" ، وتأثره البالغ به قبله بقليل

بأثر ديوان "أفاعي -دون مواربة –وهو يصرح . كان قد قرأه في مجلة الرسالة قبل ذلك

، ووجدت "لقد أعجبتني قصائده التي يعيد فيها قصصا مستمدة من العهد القديم : فيهالفردوس"

: لما كانت المرأة غير موجودة في عالمي واقعيا، بل هي ، وقلت في نفسي رأة بالغةفيها ج

. )٣٢(، فإن البغض أقرب إلى تصوير حالتي في موقفها مني، وموقفي منها" بعيدة نائية

ه عن مفرقها وجيدها إحسان العارمة على المرأة، ونزع هذه الدوافع ثورة وكان جماع

من أفاعي أبي شبكة المفضية يرى فيها إال حية يعد، فلم خلعها عليها من قبلالغار التي أكاليل

على ، فأخذ يلح ، متأثرا في ذلك بالحكم األخالقي على المرأة عند أبي شبكة إلى (سدوم)

. )٣٣(تصوير الجانب السلبي المزعوم فيها

وقفه الجديد والنقيض م يقدم إحسان إحدى عشرة تجربة، يعبر فيها عن م١٩٤٣ففي عام

، واللهب العارم، ، وأضحية العيد ، ورماد ثورة، وصالة إلى القمر ، وهي: أنثى من المرأة

، علما ، وعارية ، وعلى الشاطئ ، وجنون ، وإلى كليوباترة ، وحارة البحر وضحكة صفراء

، كان عام إذن . وحتى توقفه شعريا مثل هذا العدد -انطالقا من هذا الموقف–بأنه لم يكتب

. ، وضعه على حافة الجنون في موقفه من المرأة ا في حياته وفنهصال مهمف، م م١٩٤٣

، وشغل ةإبداعية فذ أبي شبكة بطاقات من المرأة شعر يءالجر وكما شحن هذا الموقف

لى هذه الفكرة اإللحاح ع ، فقد أدرك إحسان أن ، وقسم الذائقة األدبية حوله الناس والدارسين به

منح شعره -وال ريب–إلحاحه عليه ولكن . )٣٤(يجعل ذلك الشعر ثقيال ال تقبله النفس بسهولة

، ولو نشر هذا الشعر في حينه لكان من أمره ما كان من أمر أبي شبكة، إبداعية هائلة طاقات

٢١١

، وال القدرة التعبير ، وال الجرأة في المدهشة ، وال الصورة الدرامي فإحسان ال ينقصه الحس

قارئ شعره هذا أنه (نواسي) جديد، بعث ليجدد سيرة التهتك في يظن . على السخرية والتهكم

، وأنه صاحب باع ، كما تعكس تجاربه هذه قدرا كبيرا من المصداقية واإلقناع الشعر العربي

هل حقا عاش إحسان هذه : مما يدفع القارئ ألن يسأل نفسه . طويل في مثل هذه المغامرات

التجارب؟ وانخرط في عوالمها؟ إنه السؤال الملح نفسه لقارئ "أفاعي الفردوس ألبي شبكة"،

، ورفض فكرة تهتكه، ، ومنهم من تبنى موقفا مغايرا تماما كهعلى تهت فمن الدارسين من أصر

ابة عن هذا السؤال معلقة حتى ، وسندع اإلج)٣٥(، وموقفه األخالقي على رهبانيته وتدينه وأصر

. نفرغ من الوقوف على أطياف هذه الصورة الجديدة للمرأة

، تعددت كذلك أطياف صورة المرأة صورة المرأة المثال عت عنده أطيافكما تنو

، فتصدمه أمام مطالبها المادية ، يظنها روحا خالصة ، فحقيقة المرأة / الحبيبة تصدمه النقيض

وحسيتها:

)٣٦(هذي الليالي من دم الحس بت ليالي الروح وانبثقت ذه

، وفيها يقدم صورة المرأة البغي، هذا اللون من التجارب كانت قصيدة "أنثى" استهالل

، وال يرى فيها ، فيصور فسقها وشبقها وخداعها هجوما ضاريا على المرأة ، ويشن الشهوانية

:)٣٨(، وفيها يقول)٣٧(الفساق إال مرتعا وخيما أو مباءة اللذة من

تتشهى الدماء في العشاق أنت أنثى وكل أنثى هلوك

وخمر تلوح في األشداق تلك آثار لثمة فوق خديك

وهجات من شهوة محراق وبقايا الحياء قد لوحتهـا

ــوح عهرا وتلك عين النفاقـذاك ثغر ملوث بالدم المسفـ

ــدان أفاقا على يد الفساقـوليــ وعلى صد رك الخفوق

، ويذهب إلى تعميم الحكم ة وهذا العنفيبدأ إحسان ثورته بهذه الحد المدهش أن والشيء

وفي التجربة بعض ، ه وقع تحت تأثير ديوان "أفاعي الفردوس"ومن الواضح أن . على المرأة

، إذ ". . ، واذهبي يا سدوم . . فعىنت أأ، مثل: " األلفاظ والتعبيرات التي تشير بقوة إلى ذلك

: يقول

٢١٢

دي ولكنه وبيل المـذاق أنت مستنقع يهيج ظما الصا

كـل نفس بسمها الدفـاق أنت أفعى حديدة الناب تفني

ولغت في دم الوفاء المـراق اذهبي يا سـدوم إن عيونـا

التالقي وال تذكـري أماسي لن تجيدي الخداع فاجتنبي أمسي

بين بعنوان "األفعى" وأخرى بعنوان "سدوم" وهي األكثر شهرة شبكة قصيدة فللشاعر أبي

:)٣٩(قصائد ديوانه "أفاعي الفردوس" والتي يقول فيها

مغناك ملتهب وكأســك مترعـة فاسقي أباك الخمر، واضجعي معه

لمرضعــهما تذكرين به حليب ا لم تبق في شفتيك لذات الدمـا

نى وازني، فإن أباك مهد مضجعهـقومي ادخلي يا بنت لوط على الخ

" من . . "ذاك ثغر ملوث بالدم المسفوح عهرا:وال يخفى ما بين البيت الثاني وقول إحسان

. تقارب في الصورة والداللة

ذا يواصل ، فها هو عنده الحكم على المرأة في قصيدة "أنثى" استثناء ولم يكن تعميم

، المتنكرة لكل القيم الرعوية، ، الغارقة في اللذة ، المسكونة بالشبق هجومه الشرس على المرأة

:)٤٠(فيقول من قصيدته "رماد ثورة

زجرت فيك الغيرة الهادره لما تلظت ثورتـي الثائــرة

فأي أنثى لم تكن عاهـره؟ وقلت: يا نار الدما اخمــدي

ثى" بصنيعها هذا، إنما تعجل من نهايتها المحتومة:وهو يرى أن "األن

عفى على اإلخالص زور اللسان

أين الوفا في الجسد المثمــل

في حومة اإلغراء كل البيــان

فعجلي نحو الفنـا عجلـــي

يقول: ، إذ رنا بنهاية قصيدة "سدوم" إللياس أبي شبكةلتجربته يذك وهذا الختام

٢١٣

أبغي هذا العصر ، خمرك فاغرفي واسقي ذراري الورى، واستسلمي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذرية المهد األثيــم المجــرم حتى يدب الموت فيك وتمحــي

مثل (اللهب العارم، حقيقة ، ويكرس إحسان صورة المرأة النقيض في العديد من تجاربه

، وصورة شفة، ، وعارية ، وعلى الشاطئ ، ونهاية صورة حب، صورة من الهوى الكاذب

ولكن . ) وغيرها. . ، وإلى كليوباترة ، جارة البحر ، جنون ، أضحية العيد صالة إلى القمر

بعض التجارب ينتمي أن ظكما يالح ، هاتعميم الحكم على المرأة ال يطرد فيها كل ظ أنالمالح

، عدا عن نشأته في قرية ي حيفا وصفدواضح لحياته في مدينت ، وهذا أثر لعالم البحر - مكانيا–

. قريبة من البحر

"األم المبتذلة" في قصيدة "دمعة مقدسة"، وفي صورة المرأة النقيض تستوقفنا صورة

:)٤١(دعوة إلى الفجور والفسق واالبتذال والتجربة

فهذاك طفلك طفـل غبـي ربت وما العيب أن تشربيش

أال فاشربي واضحكي والعبي على ظمأ قد رزقت الحيـاة

فإن الحيــاة على مركـب أال فاقطفي كل ما تقدريـن

قبلة على الحياة وملذاتها تطوف بأجواء طرفة بن العبد القلقة الم وكما نالحظ، فروح

، يستعين بالمفارقة م، اختلطت بمزاج متهك جوديةو زعة، فسيطرت على القصيدة ن القصيدة

، ومن ذلك قوله: للتشكيل أداة

حبال الهوى المكرب ووهي أال فاشربي قبل فوت الزمان

تغضبـي وإن كان حقك أن وال تغضبي لبكاء الغريـر

ـيـور أبـونعم الحليل غي وزوجك أعلم بالمكرمـات

أس الجمال فلم يرتــبـبك بـادرآك قرعت قلوب الع

ي إلياس أبي ، وهي بذلك تتعالق بقصيدت وأكثر القصيدة حديث إلى طفلها الغبي البريء

، وفي هيكل الشهوات) ، وصورة األم المرضع العاشقة في معلقة امرئ القيس، شبكة (األفعى

ومن هذا الحديث الطويل قوله:

٢١٤

تسحب بغير الخطيئة لم فال تبتئس فذيول النساء

وعشاقهن علـى مشرب ويسقين أبناءهن الحياة

وآثامهن علـى المنكب ويحملنهم بأكف الحنان

، فقد امتزجت صورة الزوج الغبي ه البغيم/ الطفل االبن بصورة أ وكما اشتبكت صورة

س تجارب (أنت لي، وزوج غبي، ، وجاء ذلك في خم بصورة الزوجة الشبقة المحبة للشاعر

. ، وسر بابل) ، ويا للندم وألفيت سيدها لدى الباب

ه من ، موقف رومانسية مثالية وهي تجربة ، بعنوان "أنت لي" شبكة قصيدة وللشاعر أبي

، وسخريته عن موقف إحسان في قصيدته "أنت لي" ونزوعه الحسي إليها المرأة فيها مختلف

:)٤٢(، إذ يقولمن زوجها المغفل

حـرة عاطـرة كالمنـدل ال تغضبي إن قلتها . أنت لي

لتلظى صدره، وهو الخلي زوجك الغائر لو يعلمهــا

وهو في جنبك مثل المنجل وغدا في حلمه يحصـدني

يوثق الحب بحبـل األجل ويهم الغر في غفوتــه

سان بالشاعر الروماني "كاتولس" الذي الجلي التصال إح ويبدو من هذه الصورة األثر

"وقد أفادني اتصالي بشعره ، وقصائد له ، وأمضى وقتا طويال يترجم مقطعات غف بشعرهش

، وبخاصة ظاهرة النفاق االجتماعي، ، حولتها إلى نقد بعض الظواهر االجتماعية نزعة هجائية

وقد شفع األبيات السالفة من قصيدة )٤٣(كما رسخ لدي صورة المحبوبة الغادرة والزوج المخدوع

: في الداللة على تأثره بالشاعر الروماني "كاتولس" إذ يقول غاية عد"أنت لي" بأبيات أخرى ت

مهجتي في ثغرك المشتعل يذكر يوم احترقــت ليته

وعلى كفك تاهـت قبلـي وعلى صدرك غنت صبوتي

عم الغيرة مثل الحنظليط وهو قد أغفلنـا ثـم جثـا

وأوافيــه بقلب أعـزل باســم كنت ألقاه بوجـه

، والنفاق االجتماعي، ، والزوج المغفل الزوجة الغادرة حيث تجتمع فيها معا صورة

كتبها إبان دراسته في - التي التفت فيها إلى الزوج الغبي المغفل–سائر تجاربه ظ أنوالمالح

٢١٥

علينا بعض لط، حتى لت المصرية الساخرة تلك الروح - كما يبدو –فتسللت إليها ، القاهرة

ففي األولى . )٤٤، وسر بابل"( ما يصور ذلك قصيدتا "زوج غبي ، وخير ألفاظها وصورها

بديا إمكانات هائلة من ، م كئا على أسلوب المفارقة، مت مخدوع غبي يحدثنا طويال عن زوج

: ، تذكرنا بأجواء الرسم الكاريكاتيري ، مشكال قصيدته من خطوط لى السخريةالقدرة ع

يحدث عن حصان ذات دين وراح الزوج في عجب عجيب

ثم يمضي في تصوير غباء الزوج ومفهوم الحصان عندها، حتى يقول:

وقطع الليل في صد وليـن تدينها السجود علـى المعاصي

وهدهدتي على غنج اللحون أسي ودنيوشرب الخمر من ك

ط قارئها، ليمضي معها حتى النهاية، ور، ت داخلية الدرامي قصيدته حركة وقد منح الحس

، إذ يقول: فةره ذروتها هناك فيما يشبه الط، وتبلغ سخريت القصة القصيرة ها لقطةوتشبه نهايت

لمصونوحبيها سوى الزوج ا تسامع كل ذي أذن بفسقـي

لديـه نابيا مثل القـــرون ولو لمس الجبين أحس شيئا

، وفي في الداللة على الروح المصرية التي سكنته ه الثانية "سر بابل" فهي آيةا تجربتأم

قصيرة سنوردها ، وهي أرجوزة ، ووعيه بالرسم الساخر ره بالشاعر الروماني "كاتولس"تأث

، وفيها يقول: كاملة

أعيـا إذا حدث من باقل يا ستــي وال سبـةزوجك

تدافع الموج إلى الساحل يندفـع النـاس إلـى داره

ولعنـة اهللا على الباطل إذا لغا فالحق في قولـــه

داركـم كالبرج من بابل قولي لنا ما السر حتى غدت

لحبائـل الحابـل النابـ تجمعت فيها اللغى والتقــت

ال خوف من ناطوره الغافل أنعم بكـرم بابلي الجنــى

خادعة ضمن صورة من صورة المرأة الم وإذا كنا قد وقفنا في النماذج السابقة على شيء

، بحيث تكون هذه بة المتلونةفي تصوير المرأة المتقل ، فإن إحسان يفتن الزوج المخدوع

، وعة من تجاربه (رحيل، وإلى الطين، وصوت في الدجىمجم ، وبؤرة ههم الصورة مبلغ

. ، وخليلة) ، وعنبر ، وكرم البغض وتأبد ، والفجر الكاذب

٢١٦

، فكان أولها (رحيل عام هذه التجارب قد صحبته طوال رحلته اإلبداعية ظ أنوالمالح

ة التي شغل هذه التجارب ينتمي إلى المرحل وأكثر . )١٩٤٨، وآخرها (خليلة عام م)١٩٤١

. فيها بالثورة على المرأة

، فقد حاول ، وهي تحمل طوابع هذه المرحلة قصيدته (رحيل) من بدايات تجاربه عدوت

، ولعل في إيقاعها الداخلي ، ولكنها ليست غنية إيقاعي خارجي ملحوظ فيها فيها إحداث تطوير

دليل إذ يقول: ها خيرمطلع

أنت لغيري وأنا للعذاب ال أستطيع العيش في قربك

، حين ية هذه القصيدة ترجع إلى تصويرها لصدمة الشاعر األولى في المرأةأهم ولكن

ل نذر الغضب والثورة على ، ومن هناك بدأت تتشك عابئة بمشاعره ، غير تزوجت من غيره

يلوذ بالطبيعة المثال ، وأن عليه أن المرأة ال تصلح مالذا ومهربا ، وحينها بدأ يدرك أن المرأة

):٤٥بمفرداتها الرعوية المدهشة(

لدى منزل األمل المقفر دعيني أعد قد نبا بي المقام

وشبابة النغم المسكـر هناك قطيعي الذي قد تركت

تغيرت ، وإن ، مخلصا لها ميمر القويظل الشاعر في تجاربه األولى قابضا على ج

:)٤٦(، ومن ذلك قوله في قصيدة تأبد ه، وتنكرت له ولحب الحبيبة

من أنت ؟ هذا الدير مطوي على الشفاه على الحزن

ال تقحميـه فأنـت للمـرح الجمـوح وللفتــن

أنا راهـب فيـه أتقيتـك واتقيـت يـد الزمـن

أنا ال أحبك، أنـت يقظـى غيـر أني فـي وسن

ء طلقها الجمالمن أنت ؟ هذي صورة نكرا

أواه! مـا أقصاك عن مثل الحقيقة والكمال!

ها لعوب، بل ألن ه إلى زواجها من غيرهوتقلب المرأة في تجاربه التالية ليس مرد

تحركها غرائزها ، فهي امرأة إلى أخرى ، كالنحلة في تنقلها من وردة نمجبولة على التلو

٢١٧

سوى ذلك : شيء وال تبحث عن المتعة واللذة ، قيمها ومنظومة لهاعق غياب المجنونة في

أفلتت مني إلـى صدر النديم التي كانت تساقيني الغرام

)٤٧(ذهبت تعتنق الساقي الوسيم والتي صفا لها ذوب الغرام

:)٤٨(أخرى له بعنوان (عنبر) يقول مكرسا هذه الصورة ومن قصيدة

عر؟ـم أشـة اللص ولـفي خف الدجىار أخنتني تحت ست

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رجعة المزهر –صرت لغيري لكنما أنت كما كنت لـي

، إنها ، وبالدخول في لعبة التلون با بخلع عباءته الرعويةد الشاعر نفسه معها مطالووج

. ، وأجواء حضارتها الزائفة أورثته هذا حياة المدينة التي

من كفها يا شد ما ألقـى هذا الهوى جرعته رنقــا

)٤٩(عاطيتها من مثل ما أسقى لما تبــدت لي حقائقهــا

، جاءت ختاما لصورة المرأة له بعنوان "خليلة" قليال عند تجربة وقد آثرنا الوقوف

لها يالحظ الفرق الكبير فنيا بينها لوالمتأم . رحلة القاهريةالمخادعة، وهي تنتمي إلى الم

وتجربة (رحيل)، التي كانت استهالل تجاربه لهذه الصورة، حيث نجده قد امتلك أدواته، وغدا

على المفارقة أصبح أوضح، وعفوية، واالتكاء أكثر تلقائية الداخلي أثرى، واألداء اإليقاع

:)٥٠(قوله، ومنها والداللة أعمق

مغلق النفس ال يحس بريبـه أتعس الناس يا صديقي محب

ويرى الكون في عيون الحبيبه يحسب العمر فوق ثغر رقيـق

قـد رآه حقيقـة مقلوبــه هو ذاك الـذي رآه ولكــن

مـن دماء تـبددت مسكوبــه ثغرها فوقـه الحيـاة ولكـن

قد طوت عهدهم كطي السبيبه رجال والذي في العيون كون

ونقيضها، واحدة له الصورة ، عندما تجتمع في تجربة ناكويدهشنا إحسان أحيانا ويرب

، أو عندما تجتمع في التجربة الواحدة أطياف متعددة لصورة المرأة ، وضحكة صفراء) (ثنتان

، ويجعلنا نتساءل: كيف ذات ليلة، أو حين ينظم قصيدتين متباعدتين في المرأة (بيدر احترق)

. يمكن تفسير هذا التناقض؟

٢١٨

يقول: "إن ، إذ منه ، أو عن جانب قد نجد في "غربة الراعي" اعترافا يجيب عن تساؤلنا

شخصيتي كانت تعاني ، بل األقرب الذي يمثله الشعر أن موقفي من المرأة لم يكن عدائيا

ا ين متباعدتين جد) قصيدت١٩٤٣نظمت في يوم من األيام ( ، يدل على ذلك أني انفصاما إزاءها

في الثانية المرأة المتصنعة المتكلفة، رصووأ . . . ها (هيكل المثل)إحداهما عنوان . . في المرأة

وحين انتهيت منهما كان شعوري . . عن هذا الموقف ، وهي نائية ةالتي تظهر سمات المحب

، ولكنه لم يأت بشقيه في في قصائد كثيرة ر موجود، ومثل هذا التصو بأنني صادق في الحالين

. )٥١(وقت واحد إال في تلك الليلة"

؟ وهل نفهم م١٩٤٣المرأة عام ل من موقفه تجاهعديفهل نفهم من هذا أن إحسان بدأ

ه أة المثال؟ أو أنه أخذ يقتنع بوجود المرأة النقيض بجوار المر، وأن أيضا أن وعيه قد بدأ يتشكل

على هذه ؟ وبناء ها وتقواها"ها "فجورقد بدأ يدرك ثنائية النفس اإلنسانية التي ألهمها رب

ه يعترف ، وال سيما أن مقبول ، أو غير اجتماع الصورتين أمرا غير ممكن يعد، لم التساؤالت

في –، ولكنها حلمهم ةانت ماد، وك دفحديثه وأصدقائه في ص في سيرته أن المرأة كانت محور

، ولكننا كنا نكابر أو نتظاهر "كانت المرأة مادة الحلم والحقيقة ، عنهم كانت بعيدة - الوقت نفسه

، وكنا نتفنن في هذه ، وتبعدها عنا ، ونرسم للمرأة صورا تبعدنا عنها بغير مشاعرنا الحقيقة

. )٥٢(الناحية"

، ة التي أثارها ديوان "أفاعي الفردوس" ألبي شبكةجويمكن أن نضيف لذلك تلك الض

، وخطايا جسدية صارخة ، ففي "أفاعي الفردوس" شهوات وذلك األثر الذي تركه في نفسه

ي شمشون ودليلة، إلى أسطورت ويومئ ، إلى بودلير في "أزهار الشر"، وعنف يعود بنا حمراء

ويرى بعض الدارسين أن أبا . )٥٣(ئة في اإلنسان"ر الخطيولوط وابنتيه اللتين ترمزان إلى تجذ

، وأن يزلزل عد المستقبلي للشعر الحديثيستوعب الب شبكة كان يحاول في بعض قصائده أن

. )٥٤(رف بها التقليديونمنظومة األفكار المتناسقة التي ع

هل الشعر؟ و إلى تحقيق ذلك الدور في فن -مثل أبي شبكة –فهل كان إحسان يتطلع

الصارخة في حسيتها عنده ضربا من معانقة الحرية؟ ونحن نعلم ظروف حياته كانت التجارب

ن ، والظلم الذي مارسته السلطة األبوية عليه بتزويجه مم ، والحرمان الذي كان يعيشه الصعبة

ة ، سوط اللذة الحسي لهبانه بسياطهما، وت لحان على وجدانه، هما "ثنتان" ت إذن . ال يحب

، وسوط الوضاءة والبراءة ، وهو بينهما متردد حائر: المحمومة

فألن فـي اللـذات ما يصبـي ثنتـان إن أرض انتهاكهمـا

٢١٩

وتفلتت تختـال فـي جنبـي تلك التي طويـت على لهب

حتـى لحقـت فحطمـت غربي وغريرة كانـت تالحقنـي

خرى رضى عجبيوأربغ في األ إحداهما أخشـى سكينتهـا

وأحـس فيهـا لـذة الغضـب وأجيب في األخرى نداء دمي

هذا التردد فهـو مـن ذنبــي وإذا ذممت فمـا أذم سـوى

)٥٥(لكنني أخشى علـى قلبـي سحر الوضاءة لست أفرقـه

ي نداء لبيأ؛ ، وحيرة الشاعر إزاءهما من هذه التجربة على تجاور الصورتين فليس أدل

، أم يستجيب لنداء الروح والبراءة؟ الغريزة والجسد

، ولكن الشاعر ال يبدي حيرة ربكوفي قصيدة "ضحكة صفراء" نرى مثل هذا التجاور الم

:)٥٦(، فيقول للمرأة الروح "آنية السناء" م أمرهه حس؛ ألن كبيرة

في الناس من خير ونور روحي اطلبي غيري فكم

ارم ضيعت رشـدي فـــي معاقــرة الخمـــورأنا عــ

مبتذلة: ها بغيا المرأة األخرى "فلن يظلها" ألنأم

وألنت ماجنة تلظى مثل أنفاس الكؤوس

إني أحسك شعلة غنى لها عصب النفوس

فتلمظي طعم الحيا، حتى يمزقك البغـاء

فلن أظلك إنني شبح المساء . الفجر أنت

، وضروريات ه من مواضعات الفنو كونيعدل نفهم من هذه التجربة وتلك أن األمر ال فه

. بعينها؟ ، وأنه ال يعني امرأة اإلبداع الشعري

يظل ، فن حقيقي وال شك ، هو فن ا يجيب عنهاالفن الذي يثير من األسئلة أكثر مم إن

المراودة بيننا وبينه فعل ، ويظل اتيحه بسهولة، فهو ال يسلم مف قادرا على محاورتنا وإثرائنا

. عالقتنا به عنوان

٢٢٠

، حيث الحب ، عالم الرعاة المثالي الطليق في أركاديا يكون هذا أثرا للحب وهل يمكن أن

)٥٧(؟الطليق هناك دون قيود من شرف أو أفكار تظلل بالخجل

، يصور المرأة عليها ة وهو ساخط، ولعله كان ينشد اللذة الجسدي هذا وذاك ممكن كل

مثالن ت، يقدم المرأة في قصيدة واحدة بصورتين ينفرنا من العهر والرذيلة ، وهو يريد أن البغي

، وقد ذهب الدكتور شوقي ضيف إلى ه يقول بأن الفضيلة تجاور الرذيلة، فكأن نقيضين متطرفين

، ويحذر ا علق بها من رجستطهير نفسه مممن أبي شبكة على المرأة إنما هو ضرب ثورة أن

، يريد أن ه ممثل، فهو في هذا كل أن أبا شبكة يحكي عن صورة حقيقية تظن اك أن: "إي قائال

. )٥٨(من الناس" لفح وجوه كثير، التي ت الشهوة الجنسية العارمة يعرض عليك صورة

، يتمثل في توظيفه ي عند شاعرنانف ف قليال إزاء ملمحنتوق ونرى من الواجب أن

، ولها صلة ، التي تحظى بشهرة واسعة في التراث اإلنساني من األعالم واألساطير لمجموعة

. ، وسعة اطالعه دليال على ثقافة الشاعر عد، وت وثيقة بصورة المرأة في أطيافها المختلفة

من التراث الديني –ف يوظ، ففي تقديمه لصورة الزوجة المخادعة والزوج المخدوع

الشاعر تغيظ زوجها فحبيبة . ة سيدنا يوسف (عليه السالم) مع زوجة العزيزقص -اإلسالمي

إذ يقول من قصيدة "ألفيت سيدها لدى الباب": ، ا لهاوهو ال يبدي حب ، بإبداء إعجابها بالشاعر

هيهات يرضى كل مرتاب لم يرض عني زوجها أبدا

بلهيب غيرته وأعصابـي دث غير عابئـةكانت تح

وتحدثت عنـي بإعجـاب ألقت إلي بنظرة عجـب

زم الحياء علي أثوابــي وتبسمت لما بـدوت وقد

)٥٩(ألفيت سيدها لـدى الباب وكأنني لما بـدا خجلي

، ولم ةظ أن توظيفه لفعل المراودة يأتي في صورة جزئية من التجربولكن المالح

. تستغرق القصة التجربة بكاملها

مع قصة سيدنا يوسف (عليه السالم) في قصيدته "أضحية النصي ويتكرر هذا التعالق

ا ، مم ، فبناها على الحوار تجربته ، وكاد أن يجعل من أجواء القصة وأحداثها محور العيد"

ان عدي، وهما فعالن امتداد التجربةالماضي واألمر على ، فشاع فعال ةداخلية ثري منحها حركة

:)٦٠(، إذ يقول الدرامي في القصيدة المعاصرة من لوازم الحس

٢٢١

وانسق لي الزهر وأوراقها اذهب فهيئ باقـة حلــوة

واجمع إلى عيدي أطباقها وصفف الحلوى كما أشتهي

وأحكمت في الدار إغالقها فرحت أجرى فجرت وجهتي

تحبس إشفاقها -ضارية- دمـي وأغمدت خنجرها في

، مبررا لها مشروعية صريحة لصاحبته للوصال وفي قصيدة "الثمرة المحرمة" دعوة

، فنحن أبناء نا حواءمم بين أبينا آدم وأحرنا جميعا أبناء ذلك اللقاء الم، ألن ارتكاب الخطيبة

:)٦١(يجري منا مجرى الدم ، والخداع الخطيئة

دم المخدوع بالتبسممنذ أبينا آ

وأمنا حواء ذات الحلم والتحلم

يجري الخداع في دمي : على المدى وفي دمك

اهللا يـا ابنـة الخـطا : اهللا فـي لثم فمــك

التراث الديني في تشكيل إحدى كاء علىضجا في االتعمقا ون وهنا يبدو الشاعر أكثر

، وجاء في ختامها: ، فظلت قصة آدم وحواء هي المحور البنائي لها تجاربه الحسية

كأنما أنــت التـي : وجدت قبل القدم

اهللا يا ابنة الخطــا : البد من لثم لفـم

، تلك الراعية ف اسم "نوار" في إطار الصورة المثاليةالدراسة كيف وظ والحظنا أثناء

، فاختفت ، حين أحجم عن قتل الحية في قريته فه، وسوء تصر هالمثالية التي فقدها بسوء حظ

. ، إذ فقد زوجه "نوار" ، فكان ندمه شبيها بندم سلفه الفرزدق من حياته

، وذلك حين عرضنا ف اسم (مي) في إطار الصورة المثاليةوالحظنا أيضا كيف وظ

) التي مطلعها :١٤٤حظات / الديوان : لقصيدته (في ل

من ذا الذي يا (مي) رد الهوى طفال وخلى مهجتي ملعبا

٢٢٢

مة، ذلك الراعي الكبير، عاشق مي ا مع شاعره األثير ذي الرمحاوال أن يقيم تناص

. والصحراء

هويه ، وتست إلى التاريخ الفرعوني -في تشكيل صورة المرأة البغي–ويعود إحسان

، ويصرف نظره عن صورتها ، كما صورتها المصادر الغربية صورة كليوباترة الشبقة العاهرة

، مخالفا بذلك موقف أحمد شوقي ملكة مصرية وطنية –كما جاءت في المصادر العربية –

. المدافع عنها في مسرحية "كليوباترة"

يخلق حاول فيها إحسان أن، في خمسة أبيات وجاءت تجربة "إلى كليوباترة" مقطوعة

هها إلى امرأةه يوجمنها أن لم يبد ، وإن رة وشبقية صاحبتهتمن التراسل بين عهر كليوبا حالة

: )٦٢(، إذ يقول بعينها

فشقي جيوب العهر يا حية الـوادي ادي ـعلى رنة األغالل جف الدم الس

واألشراك يا شر صيــاد وخالك لقد راح موقوف الحياة على الهـوى

سقاها الدم المسفوح كالرائح الغـادي وكان إذا صاحت عروقك شهــوة

وكم قد سقيت السم من ثغرك الصادي فزعت إلى السم الذي يصرع الرجا

فمـا انقـاد اكتافيو لخدعة قــواد ساحــر لئن راع انطونيو تميمة

في الميثولوجيا اليونانية والرومانية مصدرا خصبا إلثراء تجاربه الوجدانية، نا ويجد شاعر

صل ببعض رموز ، فهو ال يكتفي بالسائد والمألوف فيما يت ويشي استخدامها بخلفيته المعرفية

مع "إله الحب"، ففي قصيدته الطويلة "إلى كيوبد" التي بناها على شكل حوار . تلك الميثولوجيا

:)٦٣(، فيقول بة لكيوبدلك الصورة األثيرة المحبيتجاوز ت

إله الحب كم صورت لي في شكلك القاسي

وكم قيدت خوفا منك في صدري أنفاسي

وفزعت من النوم وقـد لحت على أفقـي

وقد نمت (ديانا) عـن مكاني لك في رفق

٢٢٣

قة كيوبد في األسطورة، هنا يعود إلى حقي والشاعر . القمر وأخت أبولو ةوديانا هي رب

ه (فينوس) باالنتقام لها من منافستها في الجمال ، الذي كلفته أم ح المؤذيفهو الطفل المجن

... )٦٤(يال لمخلوق وضيع مبتذل، وقالت له: اجعل في أحشاء تلك الفتاة المتغطرسة م (سايكي)

، تا ظن، وكان الجرح أعمق مم ، فدفعته عنها بسهم ه من أذاه فأصابها ذات يومولم تسلم أم

. )٦٥(مما أوقعها في عشق أدونيس

ا مع صورة (سايكي) بعد أن مس كيوبد المقطوعة الرابعة من التجربة تقيم تناص ولعل

، وعندما استيقظت من النوم زهرم الريح الغربية إلى واد ، فحملها (زفيروس) إله جنبها بسهمه

، ووجدت ينبوعا ت قربها بستانا من األشجار الباسقة الضخمة، ورأ منتعشة، نظرت حولها

: وفيها يقول . . )٦٦(ق بالمياه الصافية البلوريةيتدف

إله الحب من يدريك كيف أعيش في الوادي

هنـا في معبدي المحبوب قد بعثرت أحقادي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . .

هنا أهتز للنور ولحـن البلبـل الشـادي

وألقي نظرة الهادي على البحـر من الربوه

ه ينص تمثاال ، وكأن حسية مثالية للمرأة وفي قصيدته "جار البحر" يقدم إحسان صورة

د يجس ه، أو كأن ر خلع أبيها (ساتورن)، التي كان البحر من نصيبها إث لحورية البحر (نبتون)

:)٦٧(حسي مدهش لفاتنة البحر تلك ، إذ يقول بعد وصف لهة الجمال (فينوس)إصورة

مـن قمقم مستبهم السحر حوريـة نبتـون أطلقها

لمـا أحس برقة الفجـر مال النسيم إلى غدائـرها

غصن الخلود وهالة البشر خرجت إلى الدنيا وفي يدها

. . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . .

فينوس قد طلعت من البحر وتخالها والماء يحضنهـا

٢٢٤

، واألمل بلقائه يوما د الحبيب الغائبويفيد إحسان في التعبير عن إحساسه بالفجيعة لفق

يرجو فالشاعر . ما ببناء قصيدته على ثنائية االتصال واالنفصال من خالل ثيمة "الصياد الغائب"

، إذ نراه في قصيدة "انتظار طويل" نقيض الشعر المأساوي إلى عالم الحبيبة ليتحول عالملقاء

غائب يحيل حياة الشاعر إلى عالم من ة حبيب، فثم يعبر عن ثنائية االتصال واالنفصال"

، ليضمن يعود إليه حبيبه ى الشاعر أن، ويتمن)٦٨(الحرمان والكبت والقيود والقلق واالضطراب

، إذ يقول: ، ولنفسيهما هدوءهما همايهما توازنروحل

فأشكو إليك هجرك سـرا كم تمنيت أن أالقيك في الروض

ثم أهدي إليك قلبي شكرا وأواسي علـى يديك جراحـي

ثـم نبكي لنغسل األلم الماضي وننفـي األحزان للكـون جهـرا

طـراوأكف الدموع مـن فـوق خديـك بمنديلـي المضمـخ ع

نغمات ألهمتها فيك شعرا وأغني وفـي هـواك غنائي

وتأتي في آخر الليل فجرا هي ترنيمتي تطوف مع الليل

اه ، الذي رب ا مع أسطورة أورفيوس "المغني العازف"أن الشاعر يقيم تناص ن الجليوم

موسيقاه من الناس حريقاوم س يمكن أن ، فأتقنه، حتى ال شيء مه العزف على القيثارةأبوه وعل

الراعي تقع زوجته في حب زواجه من (يوريدس) بقليل وبعد . والوحوش والجمادات

لآللهة -دون جدوى –، فيصدح بحزنه ، فتموت هربها معه تلدغها أفعى ، وأثناء (أريستوس)

، ولعل إحسان )٦٩(ه لم يفلح، ولكن من عالم األموات م األهوال إلعادتها ثانية، ويتجش والناس

. بتلى بعشق امرأة تهب قلبها لسواهكان يتمثل نفسه أورفيوس الم

ولم –، نعلم الشعريةالتطواف في حدائق تجربته فبعد هذا ! رحم اهللا شاعرنا إحسان

دخل عالم اإلبداع . موقف ورؤية ه شاعر، وأن شعرية كبيرة ه صاحب موهبةأن -نكن ندري

وطا طويال على دروب التجديد كانت التجربة الرومانسية العربية قد قطعت ش . ، وتركه فتيا فتيا

، ويكون صوت نفسه، ز العربينجه عرف كيف يفيد من الم، ولكن والثورة على الكالسيكية

الوهج ه المادي والمعنوي بكل، ويرفده حرمان ، تسعفه ثقافته وقراءته ووعيه فاتكأ على ذاته

٢٢٥

، فعرف كيف يتجاوز الخاص إلى ه الذاتيكثيرة إلى جانب هم شغلته هموم . داعالالزم لإلب

، إذا ، حين وأد موهبته وصوته وطنه وأمته ، وكيف يمزج هذا بذاك، وكيف يكون ضمير العام

يتضاءل أمام ما –ومهما نقول –ما يقول ، وأن ي كل مطلبه الوطنيرأى أن الشعر ال يلب

. . . ، وبكى ، وارتطم بصخرة الواقع، فنزف ، وحلم ، حيث نشأ اديايحدث على أرض أرك

ها لم تكن بمعزل عن مفردات حياته الضرورية على ، ولكن همومه كانت المرأة أحد

كبيرة من وجسد هذا االشتباك في مجموعة . ، والوطني ، واالجتماعي المستوى الذاتي

. لت ديوانه في المرأةالتجارب، شك

الك الهابط من السماء، الم ؛ فهي تارة ين كبيرتين متناقضتينالمرأة في صورت موقد

هي األفعى وتارة . ، والمالذ اآلمن في زمن ال يرحم والراعية المثالية في ريف أركاديا

. مية والموتد، المفضية إلى الع ، الصاعدة إلى هاوية الجحيم المسكونة بنار الشهوة

، يذكرنا بالعطش الدائم ، فغنى لها غناء رومانسيا الروح ألولى صديقةفي ا كانت المرأة

، وبتطلع الصوفيين ، وبالمهارب المثالية في تجارب الرومانسيين الكبار في تجربتنا العذرية

، يحبه، ، والثانية كانت نموذجا إنسانيا أقرب إلى الواقع وتوقهم إلى شهود حضرة الربوبية

ها بهذا االنشطار مشب . عليه حربا ال هوادة فيها ، ويشن دل معه مراوغة الخداع، ويتبا ويخشاه

العائلية ، ، التي أسهمت في خلقها الصورة ، داال على عمق المعاناة الداخلية ه أبا شبكةمعاصر

. القسري ها ذلك الزواجمودع

أحيانا الصورة ونقيضتها في ما تجاورت ، ورب دةها المتعدوكان لكل صورة منها أطياف

ربك م تين على نحو، وأحيانا أخرى ربما تزامنت هذه وتلك في تجربتين مستقل ة الواحدةبالتجر

اران: ا يدفعنا إلى القول بأنه كان يرى أن حضارة اإلنسان وتاريخه يتنازعهما تي، مم ومدهش

، وما من أفعى عدن –فق رؤيته و –واألول متحدر . ، وثمة تيار عدن سدومي عدمي تيار

ل انتهاكا واغتياال لعالمه ، التي تشك ، يرمز إلى جميع مظاهر الحضارة ترمز إليه من شر

. ة أركادياالرعوي المثالي في جن

الفجيعة الحضارية من خالل جرأته الملحاحة يكون شاعر فهل كان شاعرنا يسعى ألن

ال؟ م، ول ه لهذا الدورر نفسه وفنه نذ، ولعل ماأطيافها؟ رب على رسم صورة المرأة النقيض بكل

ه لم ولكن . ، تشبه الكوميديا السوداء مرة وهو الشاعر القادر على فضح عاهاتنا في سخرية

ر أن ، فآث ه لم يحتمل قلق الروح الهائل الذي كان يستوطنه، ولعل في الشوط إلى نهايته يمض

٢٢٦

، بالباحث والعالم الزاهد في متع الحياة من خالل المقبل على الحياة بجنونيغيب الشاعر النهم

، أليس القائل من قصيدة "حقيقة الحب": عمله الدؤوب

جشع الشوق في دمي باللجاج كلما قلت قد شبعـت تمـادى

فحسبي ذواق ملح أجــاج؟ ذقت كل الطعوم من لذة الجسم

٢٢٧

: الدراسة هوامش

ر إحسان عباس دراسة تحليلية، دراسة مخطوطة بكلية الدراسات النا مامكغ: شع )١(

. م١٩٩٦العليا بالجامعة األردنية،

إبراهيم السعافين: إحسان عباس بين الرعوية والرؤية الرومانتيكية، مقدمة في )٢(

ضمن كتاب "في محراب المعرفة" دراسات مهداة إلى إحسان . قراءة شعره

(وقد . م١٩٩٧غرب اإلسالمي ببيروت، عباس، دار صادر ببيروت، ودار ال

. اطلعت عليه الباحثة النا مامكغ مخطوطا)

. ١٥المرجع نفسه، ص )٣(

م، ص ١٩٩٦إحسان عباس: غربة الراعي (سيرة ذاتية)، دار الشروق، عمان، )٤(

١٩٠ .

. ١٩٠انظر: المرجع نفسه، ص )٥(

. ١٣٩انظر : المرجع نفسه ، ص )٦(

النا مامكغ: شعر إحسان عباس، ص ، وانظر :١٢٣انظر : المجرع نفسه، ص )٧(

١٢ .

عباس عبد الحليم عباس، إحسان عباس: بين التراث والنقد األدبي، وزارة الثقافة، )٨(

. ٢٤٣، ص ٢٠٠٢عمان،

)، الكويت، ٢إحسان عباس: اتجاهات الشعر العربي المعاصر، سلسلة المعرفة ( )٩(

. ١٧٥م، ص ١٩٧٨

. ٢٤٤عباس عبد الحليم عباس: ص )١٠(

. ٢٦٦، ص ١٩٩٩: أزهار برية، دار الشروق، عمان، إحسان عباس )١١(

. ١١٩غربة الراعي: ص )١٢(

. ١٢٠المرجع نفسه: ص )١٣(

. ٢٣، ٢٢أزهار برية: ص )١٤(

٢٢٨

عبد الواحد لؤلؤة: موسوعة المصطلح النقدي، المؤسسة العربية للدراسات . د )١٥(

. ٤٣١، ص ١٩٩٣والنشر، بيروت،

. ١٥ية الرومانتيكية، ص إبراهيم السعافين: إحسان عباس بين الرعوية والرؤ )١٦(

. ٨٦- ٨٤أزهار برية: ص )١٧(

. ١٥٢، وانظر : قصيدته "من تراها" ، ص ١٥٠أزهار برية: ص )١٨(

. ٢٢٤المصدر نفسه، ص )١٩(

. ١٤٤المصدر نفسه: ص )٢٠(

. ٧٩غربة الراعي: ص )٢١(

. ٩٨المصدر نفسه، ص )٢٢(

. ١٩إبراهيم السعافين: إحسان عباس بين الرعوية والرؤية الرومانتيكية، ص )٢٣(

. ١٥٤ر: غربة الراعي، ص انظ )٢٤(

. ٧٢أزهار برية: ص )٢٥(

. (الدفء المروع) ٨١المصدر نفسه: ص )٢٦(

. (سيدتي) ٩٣المصدر نفسه: ص )٢٧(

. ٢٠٧، ٢٠٤، ٢٠٣المصدر نفسه : ص ( * )

. ٢٩النا مامكغ: شعر إحسان عباس دراسة تحليلية، ص )٢٨(

. ١٥٤غربة الراعي : ص )٢٩(

المرأة، دار نوبليس، بيروت، جوزيف الخوري طوق: إلياس أبو شكبة، شاعر )٣٠(

. ١٣١م، ص ٢٠٠٠

. ١٥٢غربة الراعي: ص )٣١(

. ١٥٤المصدر نفسه: ص )٣٢(

. راجع: المصدر نفسه والموضع ذاته )٣٣(

. انظر: المصدر نفسه والموضع ذاته )٣٤(

٢٢٩

شوقي ضيف: دراسات في الشعر العربي المعاصر، دار المعارف، . انظر: د )٣٥(

. ١٧٧-١٥٨القاهرة، ص

. ١٦٠أزهار برية : ص )٣٦(

. ٢١إبراهيم السعافين: إحسان عباس بين الرعوية والرؤية الرومانتيكية، ص )٣٧(

. ٢٢٠أزهار برية : ص )٣٨(

إلياس أبو شبكة: المجموعة الكاملة، المجلد األول، دار رواد النهضة ودار )٣٩(

. ٢٣٢، ص ١٩٨٥األوديسية، بيروت

تتمها ونجد مثل هذا التعميم في قصيدة "جارية" التي يخ . ٩١أزهار برية ص )٤٠(

جواري -وإن كرمن–بقول: توحي إلى العشاق أبلغ عبرة : أن النساء

. ٢٣٤المصدر نفسه: ص )٤١(

. ٢٢٢المصدر نفسه : ص )٤٢(

. ١٣٩غربة الراعي: ص )٤٣(

. )٢٥٣)، وسر بابل (٢٤٩أزهار برية: زوج غبي (ص )٤٤(

. ١١٨المصدر نفسه: ص )٤٥(

. ٨٣المصدر نفسه: ص )٤٦(

. ٢٤٠المصدر نفسه : ص )٤٧(

. ٢٥٠ه: المصدر نفس )٤٨(

. ٢٤٦المصدر نفسه: )٤٩(

. ٢٥١المصدر نفسه : ص )٥٠(

. ١٥٣غربة الراعي: ص )٥١(

. ١٥٢المصدر نفسه: ص )٥٢(

جوزيف الخوري طوق: إلياس أبو شبكة الشاعر الصوفي الرومانسي، دار )٥٣(

. ٥٢م، ص ٢٠٠٠نوبليس، بيروت،

. ٦٨المصدر نفسه : ص )٥٤(

٢٣٠

ألخرى) وبها هكذا وردت في الديوان (وأربغ في ا . ٢٤٣أزهار برية: ص )٥٥(

. يستقيم المعنى دون الوزن، فلعل الصواب (وأريغ في األخرى)

. ٢٢١المصدر نفسه : ص )٥٦(

. ٢٦النا مامكغ: شعر إحسان عباس دراسة تحليلية، ص )٥٧(

. ١٦٤شوقي ضيف: دراسات في الشعر العربي المعاصر، ص )٥٨(

. ١٨٧أزهار برية: ص )٥٩(

. ٢٢٣المصدر نفسه: ص )٦٠(

. ١٩٨المصدر نفسه: ص )٦١(

. ٢٣٣مصدر نفسه: ص ال )٦٢(

. ٧٢المصدر نفسه: ص )٦٣(

أدموند فولر: موسوعة األساطير، ترجمة حنا عبود، األهالي للطباعة والنشر، )٦٤(

. ٥٧م، ص ١٩٩٧دمشق،

. ٤٨المرجع نفسه: ص )٦٥(

. ٥٨المرجع نفسه: ص )٦٦(

. ٢٣٣المرجع نفسه: ص )٦٧(

، ١٨، ١٧إبراهيم السعافين: إحسان عباس بين الرعوية والرومانتيكية، ص )٦٨(

وقصيدة "انتظار طويل" لم ترد في ديوان الشاعر "أزهار برية" ويبدو أن

. إحسان قد أطلع السعافين عليها

. ١١٧، ١١٦أدموند فولر: موسوعة األساطير، ص )٦٩(

٢٣١

٢٣٢

واهريبة الججرائية في تياإلح السمات

نموذجاورة" أصق"الم قصيدة

٢٣٣

٢٣٤

،ريقة في علوم الدين ، واألدب ، والشعرفية عنج م من أسرة١٩٠٠عام لد الجواهريو

وكان أبوه عالما . ر عريقة ماجدة ، مثل آل كاشف الغطاء ، وآل الحبوبيسمشتبكة العروق بأ

ه عباءة العلماء وعمتهم ، وهو حدثيكون كذلك ، فألبس من علماء النجف، وقد أراد البنه أن

. وكالما و سكوتا يكون طفال كبيرا شيخا في سلوكه ؛ حركة ن عليه أندون العاشرة ، فكا

، واألمالي ، أمثال نهج البالغة على كتب التراث يحفظها ، وأكب قرأ القرآن صغيرا

، ودواوين الشعراء الذين استولوا على ، ومقدمة ابن خلدون الكاتب ، وأدب والبيان والتبيين

كما درس النحو و الصرف و البالغة على أيدي مشايخ النجف . العمرمشاعره طوال رحلة

. المعروفين

األمثال ، وظلت تسعفه و تلبيه ه المذهلة على الحفظ في بلد الحفظ مضربوكانت قدرت

فتح عيونه ليرى شاعر العراق و ، ضخم من تلك المادة المحفوظة على امتداد حياته بمخزون

الديوان لخضراء آلل الجواهري بأن، وهو يعطي اإلشارة ا حبوبي في بيتهمالكبير محمد سعيد ال

)١(. لهم

لد فيه ، ونشأ، وإلى جانب الخصوصية الدينية والثقافية واألدبية لهذا المكان، الذي و

،والحجاز حتى الربع الخالي متدة إلى نجدللصحراء العربية الم ه ، فالنجف تعد بوابةولمع نجم

تجد بين ، ويندر أن من طباع البدو وأشعارهم وحكاياتهم وقد أورثتها هذه الصلة شيئا غير هين

. )٢(، وقصائدهم وباللهجة البدوية نفسها البدو وأشعارهم شيوخها من ال يجيد حداء

ي ظاهرة التبدي ف - إلى جانب عالقته الوطيدة بدواوين الفحول -وقد أورثته هذه الصلة

. شعره ، والميل إلى استخدام الغريب من األلفاظ ، مما ستكشف عنه هذه الدراسة

،ا، فحينا يجعل شعره في خدمة السلطة السياسية الحاكمةعاش الجواهري حياته شاعرا غيري

والملك ، من فيصل األول ) ، واتصل بكل١٩٣٠-١٩٢٧حيث عمل في التشريفات الملكية (

، ثم بعبد بنوري السعيداتصل كذلك ، و األمير عبد اإلله العهد ، وولي فيصل الثاني، و غازي

وحينا آخر يجعل شعره في مواجهة السلطة للدفاع عن . ان الحكم الجمهوريالكريم قاسم إب

٢٣٥

ويأتي فهمه . )٣(مصالح شعبه، فعاش حياته مثل شوقي محاوال إرضاء البالط والناس معا

الشاعر ، باإلضافة إلى أن على هذا النحو متسقا مع موقف شعراء اإلحياء كافة لوظيفة الشعر

. العربي عبر عصورنا األدبية وحتى نهاية عصر اإلحياء كان دائما مرتبطا بسلطة

، التي ظهرت في العصر العربية القوية الشعريةاألصوات الجواهري من أهم عدي

الثلث األخير من القرن زها البارودي فيق نجمه قد ركعر قبل تألوكانت راية الش . الحديث

بمثله عبر لم تحظ يحقق لمصر سبقا ، واستطاع بذلك أن التاسع عشر على ضفاف وادي النيل

ثم جاء أحمد شوقي مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن . تاريخنا األدبي الطويل

، فمضى به على طريق اإلحيائية، نهضة الشعر الحديث ليكرس الدور المصري في، العشرين

، والصورة، ، واللغة ونضج على مستوى البناء راد له من اكتمالليصل إلى أقصى ما ي

. واإليقاع

، وفي قهج شهرته وتألو، وشوقي في أ ظهر الجواهري على مسرح اإلبداع الشعري

بجهود ، ممثلة في ساحة الشعر داؤها تتردد بقوةالوقت ذاته كانت صيحات التجديد قد بدأت أص

، ومدرسة ، ومدرسة المهجر في الواليات المتحدة األمريكية من مدرسة الديوان في مصر كل

لذا نعد . ضخم من شعراء مصر واألقطار العربية األخرى لو التي انتظم في سلكها جمهورأبول

ة في محاولة استعادة مجد العراق لزعامة الفنة الجادالمشاركة العراقي ظهور الجواهري بداية

رة من ي مجموعة مقدقت بعد ذلك على يد، وتحق ، تلك المشاركة التي بلغت مداها القومي األول

، وبلند ، وعبد الوهاب البياتي ، وبدر شاكر السياب شعراء العراق أمثال : نازك المالئكة

. الحيدري

، وعلي من محمد رضا الشبيبي ى درب الشعر العراقي كلوقد سبق الجواهري عل

من الزهاوي و ، وعاصره كل ، ومحمد سعيد الحبوبي ، ومحمد باقر الشبيبي الشرقي

.الرصافي

–من الزمان رابة قرنل تجربة الجواهري على امتداد قحين نتأم –الذي يستوقفنا لكن

موجات التجديد في ! على الرغم من معاصرته لكل كذلك إحيائيا وانتهى ه قد بدأ شاعراأن

، وإنجازات ي مطران وشوقيبإرهاصات التجديد في تجربت ، مرورا شعرنا العربي المعاصر

٢٣٦

إلى اتجاهات الشعر الحديث التي بدأت انطالقتها بتجربة ، ووصوال ي الديوان وأبوللومدرست

. نازك المالئكة في الشعر الحر

، وأقام في ، فطوف في اآلفاق حياة الجواهري ضافة إلى هذا فقد اتسعت حركةوباإل

كامتمس ومع ذلك ظل . لع على حركات التجديد المتسارعة هناكواط ، بعض دول أوروبا

، بل ال جديدة في نسيج تجربته كنا ال نعدم خيوطا ، وإن بمنهجه الكالسيكي في تشكيل تجاربه

ها ظلت نادرة، ولكن الت التجديدية في التشكيل مثل: أفروديت وكاليجوالنعدم بعض المحاو

. منحاه الكالسيكي ( اإلحيائي )، وتجربته التي كرست وغريبة في ديوانه الضخم

وستعمد هذه الدراسة إلى تناول مقصورته التي مطلعها :

ورغم أنوف كـرام المــال برغم اإلبــاء ورغم العلــى

أضف . من مالمح فنه كبيرا التي تعكس قدرا، وهي إحدى قصائده الطوال المشهورة

على طريق اإلبداع طويال وطاش قطع ، بعد أن م١٩٤٧ه قد نظمها عام إلى هذا وذاك أن

. )٤(الشعر ةمعلومة في كتاب ات كيفيةيات والخمسيني، واستقرت له في األربعين الشعري

ا ، مم ، فلم يترك للجيل الجديد متسعا للمنافسة آنذاك الشعريةه بلغ قمته ويمكن القول بأن

أقصى ما يراد لها من نضج -يهعلي يد–ت ، التي بلغ اضطرهم للثورة على األشكال السائدة

، ثالثة بدار الكاتب المصري لنشر ديوانه في طبعة وكان في عام نظمها يستعد )٥(. وقوة

)٦(.م ١٩٣٥، وعام ١٩٢٨وبإشراف الدكتور طه حسين، وذلك بعد أن طبعه مرتين من قبل عام

ففي عام . ضااته اإلبداعية معار، فقد بدأ حيمن معارضاته الكثيرة واحدة والمقصورة

)٧(. من معارضاته في ثمانين صفحة بعنوان (حلبة األدباء) م نشر مجموعة١٩٢٣

وتأتي . في مطاولة أسالفه ورغبته ، ه الواضحة على طبيعة تجربتهوللعنوان داللت

ي شاعره بساماة أبي الطيب المتنمن ذلك ؛ لتؤكد على رغبته في م بعد ربع قرن المقصورة

نه من أدواته ه أراد بعد تمك، ولعل هقدوت - عن وعي وقصد–، ومثله األعلى الذي جعله األثير

أن يعارض فأحب ،)٨(وجزالة ، ، ولغة ، وضخامة يطاول أستاذه قامة واتساع شهرته أن

ة وثالثة ائمها ، بلغت أبيات وثالثين بيتا بمثيلة لها ، التي لم تجاوز ستة مقصورته اليتيمة

، وحظيت باهتمامه الكبير في كتابه في ديوانه الضخم - أيضا–ت الوحيدة ، وظل وخمسين بيتا

٢٣٧

، كما فكر المستعرب ها من عيون الشعر العربي الحديثعدي"ذكرياتي، وكان الدكتور طه حسين

)٩(. العشرقات فرغ من ترجمة المعل ) بترجمتها بعد أن١٩٩٥ – ١٩٥١(البارز جاك بيرك

قطع الشعر العربي شوطا ه نظمها بعد أنألن ؛ وتأتي أهمية اختيار المقصورة للدراسة

، الرومانسي الطريق للتجربة الواقعية فقد أفسح المد . على طريق التحديث والتجديد بعيدا

لك ، بعد ت م١٩٤٧عام وبدأت نازك المالئكة تقديم أولى تجاربها على درب الشعر الحر

–كما فعلت نازك – ل مجرى الشعرحوها لم تستطع أن ت، ولكن اإلرهاصات الكثيرة التي سبقتها

. يداجد شعريا لتكون اتجاها

مات اإلحيائية في تجربة الجواهري من خالل هذه وستحاول الدراسة الوقوف على الس

. ، والموسيقى ، والصورة ، واللغة القصيدة على مستوى البناء

)١( يقوم على انعدام القصيدة العربية في التراث على نحو على مستوى البناء، فقد تبلور بناء

وهذه . ، مع استقرار تلك البني اإليقاعية الجليلة الوحدة العضوية ، وانعدام الوحدة الموضوعية

كما لم تنج . د أو التذمررمن موجات التم المرتكزات البنائية العامة " لم تسلم من النقد، ولم تنج

) ١٠(. "اقوي الذي لم يمس الخطوط العريضة مسا، لذلك من التحوير الطفيف تبعا

وهل التزم فيها الموضوعية من مقصورة الجواهري؟ وهنا نتساءل : هل غابت الوحدة

د اإليقاعية المكرسة في العضوية؟ وهل التزم فيها بالتقالي بوحدة البيت؟ وهل انعدمت فيها الوحدة

القصيدة العربية؟

ما نقصد تلك ، إن حين نتحدث عن الوحدة الموضوعية في القصيدة العربية في التراث القديم

فاألخيرة غلب . "، ال تلك القصائد والمقطوعات الطويلة نسبيا )١١(مة البناء حكالقصيدة " الم

–في ظاهرها –ها تلك القصائد المحكمة فقد غلب عليها أن ا، أم واحد ها ذات موضوععليها أن

. ، عدا قصائد الرثاء التي لم يخرج الكثير منها عن الموضوع الواحد تفتقر للوحدة الموضوعية

ره في الحياة العربية القديمة، الموضوعات في القصيدة المحكمة له ما يبر تعدد وكان التزام

لتفسير هذه الظاهرة، إلى اتخاذ المنهج االجتماعي سبيال )١٢(ين المحدثينمما حدا ببعض الدارس

، وفسروا هذا المتعدد من إلى رفض فكرة الغرض والموضوع )١٣(في الوقت الذي ذهب آخرون

في –ولكن هذا . من وحدتها الفنية ال يحرم القصيدة ، فهو تعدد خالل موقف الشاعر أو رؤيته

حتى وقد ظل هذا المنهج ملتزما . د الموضوعات في القصيدة العربية القديمةعدال ينفي ت –رأينا

٢٣٨

موضوعات ، وغدت الذين اختلفت حياتهم عن حياة الجاهليين والعباسيين ، عند المتأخرين

. حياتهم وطبيعة متسقة القصيدة غير

: )١٤(ها، التي مطلع لمقصورة المتنبي لقد نظم الجواهري مقصورته معارضة

ــى ــية الخيزلـ ــل ماشـ ــذبى أال كـ ــية الهي ــل ماش ــدى ك ف

، تحقيقا)١٥(المعارضات من أبرز مظاهر تأثر اإلحيائيين بالقدماء ومن المعلوم أن

القصائد المعارضة تجارب شعرية متميزة أن ونالحظ دائما . ق معالرغبتهم في التقليد والتفو

، وهي المقصورة بي واحدة من أفضل تجاربه وأعالها قامةالمتن ، ومقصورة لشعراء كبار

. ، وكذلك الجواهري اليتيمة في ديوانه

ما يلتزم موضوع القصيدة المعارضة ، لكن اإلحيائيين " لم ض غالباوالشاعر المعار

ني في طرق المعا يلتزموا مفهوم المعارضة التزاما حاسما ، بل كانوا يتركون ألنفسهم الحرية

"، مع مالحظة حرصهم على تمثل الموقف النفسي )١٦(واألغراض من حيث نوعها وترتيبها

. )١٧( ، كما هو الحال مع شوقي مثال للتجربة المعارضة

،وجنده، فوصف طريقه وصل الكوفة فارا من كافور وقد نظم المتنبي مقصورته بعد أن

، ثم شفعه فقد استهل قصيدته بالفخر بالنفس أما الجواهري . وافتخر بنفسه، وهجا كافور

، يه، والجسر على ضفت والقمر من فوقه بها دجلة ، خص ة للعراقلوحات وصفي بمجموعة

رة لتلك القرى ، والحقول المعط المكان ، والليل وقد لف ونقيق الضفادع وحركتها على شاطئيه

، وتحريضه لرفض بالتعريض بشعب العراق ، وأردفه ثم عاد إلى فخره بنفسه ، المتناثرة

، وختمها بحديث إلى ساخر ألصنام البغي من االنتهازيين والوصوليين وأتبع ذلك بهجاء ،واقعه

، فهو حري بذلك لما حقيقية روه إذا دالت لهم ذات يوم دولةيتذك شباب العراق طالبا منهم أن

. بيل مه من شعر في هذا الس، وبخاصة لما قد بذل

، ين هو الفخر بالنفسك بين القصيدتالمشتر القاسم الموضوعي فمن الواضح أن

لم هوضعنا في االعتبار أن وصف فرار ، إذا ما والمتنبي في قصيدته لم يخرج عنهما . والهجاء

الجواهري قد ونجد أن . فرد في مواجهة دولة ، فهو فرار يكن سوى فخره بفروسيته وشجاعته

،، وزاد عليهما تلك الصور الوصفية للطبيعة العراقية ي قصيدة المتنبير كثيرا حول موضوعدا

–وإذا كانت قصيدته . ، وتحريضه له على تغيير واقعه باإلضافة إلى تعريضه بشعب العراق

تلك نفسية تشد من آصرة ، فهي لم تخل ذات بنية موضوعية متعددة –في ظاهرها

٢٣٩

، كما ن الكثير من تجارب شعرنا القديمأ، شأنها في ذلك ش ي بنية فنية واحدةالموضوعات ف

. )١٨(يرى ابن قتيبة

الموقف ، فإن متطابقة تماما ه لموضوعات قصيدة المتنبي غيروإذا لم تكن معارضت

لما ، تفيض نفسه حسرة فالمتنبي يخرج من مصر حزينا . ين يكاد يكون متطابقاالنفسي للتجربت

بعد . . ، حزينة ، خائبةوالجواهري بدأ بنظم قصيدته في ليلة بائسة . حصده من مرارات هناك

، وقد من العراق ه الخروج، فكانت نيت فقد األمل في دعم السلطة له لدخول المجلس النيابي أن

. يقةبتلك الحق –ي مقصورته التي جعلها بين يد – )١٩("الزنكوغرافية " وشت تلك الصورة

، ومعنونة بتوقيعه لةمذي ر سوى خمسة عشر بيتاـلم تكن أول األم قصورةـفالم

ومطلعها : …" بـ" عند الوداع

ــراق ــبات الع ــى هض ــالم عل وشــطيه والجــرف والمنحنــى س

دة في موضوعاتها المتعد يشد يط نفسيمن خ الجواهري لم تخل فإذا كانت مقصورة

، فلنتقدم ، وشأن كبار مدرسة اإلحياء الشعري ، شأنه في ذلك شأن أسالفه ة موضوعيةوحد

ه كان يعي هذا البناء عضوية ؟ وال سيما أن ق لتجربته وحدة: هل حق أخرى ونسأل أنفسنا خطوة

. الفني الخاص

ألدبي رين بالفكر ااد مدرسة الديوان متأثكما طرحه نق –مفهوم الوحدة العضوية إن

ال نكاد نظفر به في تراثنا الشعري إال على –، وكما استقر مفهومه في نقدنا الحديث الغربي

ق من خالل بناء متنام متالحم ، تتناسل فيه المعاني والصور، وتمضي فهو يتحق ، استثنائي نحو

، على آخر جزء م، يصعب فيها تقد بنائية كالجسد الحي وحدة ر فيصاعد متطو في خط

. )٢٠(دون اإلخالل بسالمة التجربة ووحدتها جزء ر فيها حذفويتعذ

، ذلك ، وعند شعراء اإلحياء للبناء السائد في تراثنا الشعري قيضايأتي ن وهذا البناء

امم ، )٢١(، وما بعدها ا قبلهافنية بنائية مستقلة عم خذ من البيت وحدة، الذي يت البناء التراكمي

، وذلك ، أو حتى حذفه على أخر تقديم بيت ، أو على آخر موضوع يجعل من الممكن تقديم

. ، في إطار القصيدة ذات الموضوعات المتعددة ضمن الموضوع الواحد

؟ بمفهوم الوحدة العضوية الذي يطرح نفسه : هل كان الجواهري على دراية والسؤال

؟ ين ساد في تجربتهءالبنا وأي

٢٤٠

وهو . الشعريةبمنطق التنامي في التجربة الجواهري كان على وعي من الواضح أن

ذكر ، وكلمة ت فكرة ولدفكرة ت" فيه رت من البناء التقليدي إلى بناءتجربته قد تطو يرى أن

،والفني ، واألدبي ، الفكري بتناسلها القصيدة متكاملة لكي تكون وموقف يذكر بموقف، ، بكلمة

، األولى قصيدة " قف ين بعينهماق هذا البناء في تجربتد على تحقكما نجده يؤك . ")٢٢(وبتسلسلها

ففي األولى يرى صعوبة . "" والثانية قصيدة "جعفر أبو التمن . . ها التربا ة وامسح خدعربالم

. ")٢٣(، وتداخل نسيجهال إطالتها " لفرط تالحمها ، وفي الثانية يعل تجزئة البيت واآلخر منها

متحقق، ين التجربتين في ديوانه يجد مفهوم الوحدة العضوية غيرل لهاتالمتأم ولكن

والمقصورة ، تجاربه ، ومثلهما سائر ز فيهما ذلك البناء التراكمي التقليديه لم يجاوويالحظ أن

أو ما قصد تناسب، إن اخلها، وتد ه حين تحدث عن تالحم بعض تجاربهويبدو أن . منها واحدة

، تعمل على تآخي تلك نفسية أو فكرية ما قصد وجود آصرة، أو رب تالؤم أجزاء النظم

التراكم هو السمة التي تحكم يظل منطق ، لكن دة في إطار القصيدة الواحدةالموضوعات المتعد

، التي ال صور الجزئيةلها من خالل مجموعة من الالتي يشك ، تلك الصور الوصفية الممتدة

قوله : ، ولكن تتراكم دون أن تتالحم على نحو تتناسل

ــد ــا أجـ ــل إال حمامـ ــجا الليـ هــديال وترجيــع كلــب عــوى ســـدبا ــت جنــ ــة طارحــ ــا وجندبــ ــحيال ثغـ ــا وسـ ــا زقـ وبومـ

ــم ــي جمعهـ ــؤذن فـ ــا يـ إال بأن قـد مضـى الليـــــل وديكـــا تلــــوذ النجــــوم بأذيالــــه ــت إذا دن ــا ، ودن ــت إذا هف هفــباح ــول الص ــور غ ــى أن تض ــوى إل ــه فانضـ ــزال بـ ودب الهـ

، لكونها صورا نا ال ننكر عليه ما بين تلك الصور الجزئية من قواسم مشتركةولكن

؟ أال يمكن حذف واحدة أو واحدة على األخرى أال يمكن تقديم لكن . عالم ليلي أو مفردات ،ليلية

؟ ةأكثر دون أن تختل الصورة الممتد

فهم القدماء للبناء الفني للقصيدة قد انعكس على تجارب الجواهري، ومن الواضح أن

م على في بناء القصيدة بناء يقو ة، فجهدوا ما وسعتهم الحيل )٢٤(كما انعكس على شعر اإلحيائيين

. هم التي يسعون إليها ا بعده غايتا قبله وعمالبيت عم فكان استقالل ، البيت

)٢(

٢٤١

، والمقصورة بخاصة لتجارب الجواهري بعامة ل، فالمتأم ا على مستوى اللغةأم

ه ومن المعلوم أن . مختلفة ، التي تنتمي إلى عصور األلفاظ والتعابير التراثية عنده يستوقفه تيار

، دون عصر ، فلم يتوقف عند عصر الصلة بتراثنا الشعري على امتداد عصوره كان شديد

، هذا باإلضافة إلى إشارته في أكثر من اإلحيائيين في نظرتهم غير المتحيزة شأنه في ذلك شأن

–، تلك القدرة التي فاجأت موضع من سيرته إلى قدرته المذهلة على حفظ الشعر واستظهاره

)٢٥(. ن حوله وأدهشتهم م -را مبك

، قد ، المعززة بتقديره وإكباره إلبداعات أسالفه هذه الصلة القوية بالتراث ويبدو أن

ن إ، ويمكن القول ص من سلطة تلك النصوص المسيطرةيتخل جعلت من الصعب عليه أن

، فبنى قصائده وبهافي در ، والسير ه الهائل من تلك النصوص قد سهل عليه احتذاءهامخزون

بذلك ، كما هو –أحيانا –لم يصرح ، وإن ، وعارض عددا من قصائدهم معاييرهم البنائية قوف

، وكانت حافظته ، وصورهم ، وأساليبهم هم، وصيغهم، كما استعار ألفاظ الحال في المقصورة

استخدامها قد انحسر ، ولعل صرهبألفاظ ال عالقة لها بع – أحيانا- ، وتمده القوية تسعفه وتلبيه

، التي استخدم ، وسنكتفي بتقديم الدليل من مقصورته موضوع الدراسة في األعصر العباسية

، مثل : أو استثناء ال ندرة ها عنده ظاهرةل استخدامفيها عددا من تلك األلفاظ والتعابير، شك

، لعس الشفاه، ، نجم تغور لىجم اد، ن ، آذي، ماء صرى ، جمر الغضا، حلسا(شوك القتاد

، خطم الصعب، ، قروم ، سدوف ، بوما زقا ، سفع الذكا ، ليل طخا ، فدم ، تمترى مهيل النقا

ما كان تيار األلفاظ والتعابير ورب…) ، جسا ، شبا حسوه ، السقب ،شأى ، وجا، ال جذب البرى

فعلى الرغم من عودة اإلحيائيين إلى كل . األبرزرة هو المنتمية إلي العصور العباسية والمتأخ

عودتهم إلى العصور العباسية والمتأخرة، ، إال أن دون سواه العصور دون تحيز إلى عصر

انتشار ألفاظ تلك ، بدليل لعلها كانت أكثر من عودتهم إلى العصريين الجاهلي واإلسالمي

ما ورد في مقصورة ولنأخذ مثال . جاربهمأوضح وأبرز في ت العصور وتعبيراتها على نحو

، بريق ، حلم العذارى ، سمع الدنى ، تستفيض عطفا : ( ترعاك عين الزمان، مثل الجواهري

، تمشي على ، الرطب الغض ، وشي العروس ، طعم الكرى ، مر الجنى ، ظالل المنى المنى

، تدغدغ أضواؤه، ، يد طرزت ، سالم على قمر الصبايا المالح ، زهو ، تمشي رخاء هونها

، غول الصباح، ، فلك من سنا ، جمال الغدير ، قب الصدور ، ذوب الشعاع موشية تجتلى

مس ، ، تألأل ، لذع النوى ، عهد الغواني ، غالئل غانية ، حبل الضياء عاطرات الحقول

، خياال سرى، حى، رفيف الض ، غبار السنين ، نار الضحى ، فحم الدجى الندى، كف القضاء

٢٤٢

، ومن لخإ. …، وعث البلى طيب الشذا ، ، زهور الربى ، طهر الطفولة ، أفياء بريق الغنى

. يض من ذلك شاء المزيد فالمقصورة فيها ف

التي وردت في ، وعشرين كلمة من ألفاظ القافية نشير إلى استعارته ألربع نا أنوال يفوت

، أصبح واضحا جليا وثالثين بيتا مقصورة المتنبي تبلغ ستة نا أنوإذا ما علم . مقصورة المتنبي

هذا ناهيك عن أن بعض ، ، ومدى استسالمه لتلك السطوة هسطوة التراث الشعري عليمدى

ها ألفاظ مشتركة في ، ولكن ترد إلى ألفاظ القافية في مقصورة ابن دريد ألفاظ القافية يمكن أن

، ومقصورة الجواهري اتخذت من وزن مقصورة المتنبي إطارا ن دريدمقصورة المتنبي واب

. كان يستعير من مقصورة المتنبي هح أن، مما يجعلنا نرج إيقاعيا لها

الشعر العربي المعاصر كان قد أن في حين يتكرس هذا المنحى في تجربة الجواهري

، وشعراء الديوان وأبوللو، المهاجروطا كبيرا على طريق تصفية لغته على يد شعراء قطع ش

، التى ال من تلك األلفاظ والسياقات التراثية الجاهزة –إال في القليل النادر -فتخلصت تجاربهم

، وكانوا قد اقترحوا معجمهم التعبيري العصري ذا الطابع الذاتي تنتمي لمرحلتهم الحضارية

زت باستخدام ، التى تمي االتجاه الواقعي داعاتوتال هذه اإلنجازات الرومانسية إب . )٢٦(الشعوري

، وأصبحت لغة شوائبها ، لغة تخلصت من كل تقترب من لغة الحديث المتداول بين الناس لغة

، قادرة على أن تماثل التجربة في واقعيتها متحضرة تواكب العصر في فكره وروحه

. )٢٧(وشاعريتها في الوقت نفسه

، بل أن يكتشف مطلوبا من الشاعر تكرار لغة معروفة وسائدة ويرى أدونيس "أنه ليس

جاهزة يستعيرها من مخزون على لغة اتكاء الشاعر ه أراد أنولعل . )٢٨(غير معروفة" لغة

. ، وتميز التجربة ، وحرارة الحياة اإلبداع ه حيويةد لغتفق، ي الذاكرة

ال تتقوقع في الشعريةاللغة نا نرى أن، ولكن حن ال نطالبه باالنقطاع عن تراثهون

، بين ها صلة الرحم بين مختلف المذاهب واالتجاهات، وال تخرج عليه، إن أحضان الموروث

عالم صغير والكلمة . ، وبين الحاضر والمستقبل ، بين الماضي والحاضر األصول والفروع

، ويشحنها غها من معناها التقليدي، الذي يفر ، الذي هو الشاعر منضو في ظل العالم األكبر

. )٢٩(شاعر قاموسه الخاص به ، حتى أصبح لكل بمعنى جديد

" إن الكلمة النافذة الصالحة الباقية هي تجربة : ، ويقول ذلك جيداوكان الجواهري يعي

ه ، وهو إلى ذلك كل ، وحس مرهف ، وإدراك عميق ، ومعاناة شاقة ن، ومراس متمك قاسية

، وعلى مالحاة المزيج بحيث يبدو صرفا خالصا، ، وعلى المزج ة على التحويل والتطويرقدر

٢٤٣

يكون في أن هذا هو كلمة السر ل، ولنق ، هذا هو سر الكلمة على الخلق واإلبداع إنها قدرة

. )٣٠(أو ال يكون ا أديباالفرد من

، قاسية ، ومراسا متمكنا جربة؟ وهل كانت " ت ولكن هل كانت الكلمة كذلك في تجربته

"؟ . . ومعاناة شاقة

، وإن كانوا قد فوا عند لغته لم يجيبوا عن هذا السؤالالذين توق )٣١(الدارسين ظ أنالمالح

، ك قد تقرأ قصيدة الجواهري فتحسبها من روائع األدب القديمهم بأنفيقول أحد . داروا حوله

، يرى أن وفي موضع آخر .)٣٢(من استعماالت ، وما جد العصرجاءت بها طبيعة لوال عبارات

)٣٣(. رر القصائد في هذا الباب من شعر المتنبي وأبى تمام"تجارب الجواهري "تعيد إلى ذهنك غ

على هذه القصيدة بدا لعينيك أنت إذا ألقيت نظرةو":وحين يتوقف أمام إحدى قصائده يقول

، ويسـتدل بقوله : "سمعك القصائد القديمة المحجلة ببنائها ومادتها منها بناء شامخ يعيد إلى

وستشجين إذ ترين مع البزل القناعيس حيرة ابن اللبون

، وقد اقتنصها من قول : والبزل والقناعيس وابن اللبون ذات إطار قديم فيعقب قائال

! )٣٤(شاعر قديم

األلفاظ قد أقتنصها من معجم لغوي تراثي ارتبط بمرحلة حضارية سابقة هذه أن والحق

عرف ما ي ل، وكان حضور مثيلها في دواوين بعض العباسيين يشك على مدنية بني العباس

لنماذج محاكاة ، أو لمزاج علماء اللغة آنذاك ا استرضاء، التي كان حضورها إم بظاهرة التبدي

الوقوع في منطقة حرجة بين التاريخ ىي انتهت بأصحابها أحيانا إلوالت، رةموروثة مقد

.والواقع

القرن وبالمثل كان للحركة النقدية اللغوية التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية

ها في انسياق شعراء أثر -التي لم تتصور الشعر إال سائرا في ركاب الشعر القديم -العشرين

ر هؤالء وكان تيار األلفاظ البدوية من أبرز مالمح تأث . ى تقليد الشعر العربي القديماإلحيائية إل

)٣٥( . التراثيين بالنموذج الشعري القديم

مهارة الشعراء –من جهة –فصاحة الجواهري تستلهم نإآخر وأقصى ما قاله دارس

، تلك العناية التي بلغ بها البحتري العناية بداللة الكلمة وموسيقاهاالعباسيين وذوقهم الصناع في

)٣٦(بسطوة المتنبي على اللغة وجهارته وفخامة هديره –من جهة أخرى –، مشفوعة رفيعا مدى .

٢٤٤

، حريصا على أن يشحن تجاربه إلى الحرية والتمرد زاعاشاعرنا كان ن يبدوأن

اث دهشة المتلقي من خالل تلك ، متطلعا إلى إحد ، وذاتية ، وقومية : وطنية بمضامين جديدة

لكنه لم يكن يسعى إلى إحداث الدهشة من خالل العصيان اللغوي على ما . المضامين الساخنة

، ولم تكن تلك انتظار ما ينتظر –لغويا –ه فكانت تجارب… ، ومكرس ، ومعروف هو مألوف

تتحقق فالحداثة . ها من جديدلغة سابقة وتعيد صياغت اللغة ذات التوتر العالي التي تتجاوز كل

، ، وطرح المزيد من األسئلة، وإثارة القلق والدهشة باكتشاف الشاعر لمزيد من الرؤى

، ، في حفنة من جمر الشعر وتجاوز المعارضة والتقليد إلى تقديم نفسه وزمانه وإحساسه بلغته

. )٣٧(، وال يضيف إلى الجديد ن رماد التكرار الذي يشوه القديمال م

، والشاعر الشاعر إن وضع الزيت الجديد في اإلناء القديم يوقع التجارب في المحاكاة

دخلت ، وإن ه ال يدعها تمارس سلطة الشكل على إبداعه، ولكن هو من يستوعب نماذج السلف

. )٣٨(وعجينتها" الشعريةكالخمائر في خبز القصيدة

حدث نصوص مع نص التناص بأنه تعالق هذا ما عناه بعضهم عندما عرف ولعل

مع فضاء بنائه ، ويتصيرها منسجمة لها، يجعلها من عندياته ، أو هو ممتص بكيفيات مختلفة

) ٣٩(ومع مقاصده .

، الذي يمثل تيار األلفاظ و التعبيرات التراثية ال يفارقه في شعره العمودي ظ أنوالمالح

ه في تلك التجارب الثالث (أفروديت ، والشيخ والغابة ، وكاليجوال) لكن، و الشعريةأغلب تجربته

واعيا ، فهو يقتحمها ، ال يكاد يستعين بشيء من ذلك التي اقتحم فيها تجربة شعر التفعيلة

. ، والبناء ، والصورة ، واللغة بخصوصيتها وجدتها على مستوى الموقف

)٣(

قد سبقت اإلشارة إلى افتقار تجربته للوحدة العضوية، ف ا على مستوى الصورة الفنية،أم

، القائم على البيت كوحدة بنائية ا أسلمه إلى ذلك البناء التراكمي السائد في تجارب أسالفهمم

. ، والتصوير ، والمعنى مستقلة على مستوى اإليقاع

سادت الصورة ، حيث ه على طبيعة الصورة ووظيفتها عندهوكان لهذا النهج البنائي أثر

ى حدود البيت أو األبيات القليلة إلى وظيفة ، الذي ال يتعد ، ذات األثر المحدود البالغية الجزئية

٢٤٥

، حيث كانت الصورة عندهم جزءا وشأنه في ذلك شأن أسالفه . عضوية تتصل بمجمل التجربة

الذي عكس ، ثبعكس الشاعر الحدي . كثر من ذلكأ، وال شيء أو عنصرا في القصيدة الكلية

، ويريد من الصور أن حالة التعقيد الموجود في كل ر عن كله يريد صورا لتعب، ألن الوضع

)٤٠(. تؤدي الهزة التي هي غاية الشعر

النصوص يروعنا كم، ، وما استعان به من صور في تشكيلها وإذا تأملنا مقصورته

، ن يبدو عسيراأدبي معي صوص الغائبة في نصكان تحديد الن وإن . الغائبة المستعادة فيها

. )٤١(وذلك بسبب انفتاح هذا النص على عوالم ال يمكن تحديدها

ه ال يعود إلى أن–في دراستنا للتجربة على مستوى البناء واللغة -وكما سبق أن الحظنا

–طمئنين ر م، فكذلك نقر ، على الرغم من معارضته لمقصورة المتنبي شعري بعينه عصر

. زدون تحي الشعريةالعصور ه يعود إلى كلأن -فيما يتصل بالصورة الفنية

ر المتأخر من الشعراء بالمتقدمين ضمن مبحث السرقات األدبية، وحين نظر نقادنا في تأث

السرق ، وأن معظم)٤٢(يدعي السالمة منه من الشعراء أن انتهوا إلى أن هذا الباب ال يقدر أحد

، والمعاني في باب المعاني ، وأن الصور الفنية أدخل)٤٣(الشعري كان من كنوز الصور الفنية

(ت هـ) ذلك قبل خلفه الجاحظ١٤٢قفع (وقد أدرك ابن الم . مبذولة للقاصي والداني

.)٤٤(هـ)٢٥٥

فتن في وقد يتسامحون مع المتأخر إذا أحسن التصرف في المعنى الذي أغار عليه، وا

.إخفائه

: ، مثل قوله نرد بعض صور الجواهري الجاهزة إلى العصر الجاهلي ه من اليسير أنولعل

تراثية مغرقة فهذه كنايات . الخطب ألقى الجران" و"حط بكلكله " وكنايته عن نفسه "بابن القيون"

لصور تلك الصورة التشبيهية هذه ا ومثل . تنا، وترتبط بمرحلة البداوة من حياة أم دمفي الق

الحسية العتيقة التي عبر بها عن ذل الشعب العراقي واستالبه:

ــومها ــذل خيش ــى ال ــر عل كما خطم الصعب جذب البرى وق

، جعلت في لحم أنفه ه بعير صعب المراس، كأن د استكان شعب العراق وخضع ذليالفق

. طرة عليهحلقه تسهل قياده والسي

، بعض الصفات التي تتصل بصورة المرأة النمطية في تراثنا الشعري ومن ذلك أيضا

. مثل " لعس الشفاه " و "بيض الطلى "

٢٤٦

صورة المرأة عن "المرأة في شعر الجواهري " أنويرى الدكتور داود سلوم في دراسته

غلوا بوصف جسدها وصفا الذين ش ، بعامة في شعره ال تخرج عن صورتها عند أسالفه القدامى

)٤٥(. حسيا صارخا

: )٤٦(ونراه يحـاول توليد صورة جديدة من قول النابغة الذبياني

فإنك كالليل الـذي هـو مـدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

فيقول في تصويره عاطرات الحقول في قرى العراق :

ــدا ــا واح ــا عالم ــأن به ك

عــد المنتــأى تالقــى ، وإن ب

ر عن فزعه وحتمية مصيره إزاء ، وهو يعب هذا التشكيل من صورة النابعة فأين بساطة

مكن والمعقول في عالم البشر؟ فال نراه قد التي تجاوزت نواميس الم ، قدرة النعمان وسطوته

. ، وإنما اكتفى بالوقوف عند سطوحها دقيق تمثل صورة النابغة على نحو

"رمى :، مثل قوله يبذل جهدا كبيرا في تحويلها نجده يمتح من الصور القرآنية دون أن ثم

ولى تحوير لآلية فالصورة األ ، دنى فادلى"ا"ونجم عليها وقوله، "عن يدي غيره إذ رمى

ثم دنا": لقوله تعالى استعادة والثانية ،)٤٧(مى" ر ولكن اهللا تمير إذ تميالكريمة "وما ر

)٤٨"(فتدلى

الخطاب طيئة ضمن مقطوعتـه التي استصرخ فيها ابنونراه يقـف أمام صورة للح

)٤٩(ليطلق سراحه، التي يقول فيها: رضي اهللا عنه )(

زغب الحواصل ال ماء وال شـجر؟ ماذا أقول ألفـراخ بـذي مـرخ

صف حاله:جديدة ، فيقول في و يحورها، ويولد منها صورة ويحاول أن

لوال الشعـور وزغـب القطــا وحولك مثل فـراخ الحمـــام

عادية، صورة –من صيغة االستفهام مجردة –، التي بدت فال نلمس جديدا في صورته

. ال تبعث على الدهشة

:)٥٠(ة لعلي بن الجهم، حيث يقولباهتة لصورة فذ كيف اكتفى بظالل ثم انظر

جلبن الهوى من حيث أدري وال أدري فة والجسـر عيون المهابين الرصـا

فيقول:

يتيح الهوى مـن عيـون المهــا على الجسر ما انفك من جانبيـه

٢٤٧

)٥١(ه يستحضر صورة أبي العتاهية المشهورة: وال يخفى أن

إليــــه تجــــرر أذيالهــــا أتتـــه الخالفـــة منقــــادة

حين يقول :

ــى ــا والغن ــول الخن ــر ذي ــو عل يج ــى وتهف ــالل المن ــه ظ ي

ها قوله :ومثل

ــادة ــامع منقـ ــا تجـــيء المطـ ــم يش ــاء أو ل ــه إذا ش إلي

من الذاكرة، ، بل استدعاها جاهزة في تحوير هذه الصورة وال نراه قد بذل أدنى جهد

. ذكر فيها فلم يولد جديدا ي

تها، ودقتها،حين وصف وحيوي ابن الرومي المدهشة ببساطتها، وتلقائيتها، وتعجبه صورة

: )٥٢(بقوله ازاخب

يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصـر ما أنس ال أنس خبازا مررت بـه

ــالقمر ما بين رؤيتهـا فـي كفـه كـرة ــوراء ك ــا ق ــين رؤيته وب

فيأتي بظالل شاحبة للصورة بقوله : ، فيحاول توليد صورة جديدة منها

مـــدحوة تمتطـــي ح قـــوراء ومستســلمين يــرون الكفــا

. وال ندري كيف تمتطي تلك ( القوراء المدحوة ) ؟! إال إذا كان التلفيق قد أداه إلى ذلك

ا حين يقول : أم

ــا ــن حبه ــور م ــم تغ ــادلى ونج ــى ف ــا ادن ــم عليه ونج

: )٥٣(ه قد لفق البيت من صورتين: األولى من صورة لسان الدين بن الخطيب فيبدو أن

ــا أو ربمــاغــارت ا ــهب بن أثرت فينـا عيـون النـــرجس لش

. لى " دتنا فد مالثانية من اآلية الكريمة " ث والصورة

ن من مقصورة المتنبي المعارضة قوله " أني الفتى " حيث يقول : ويضم

٢٤٨

ى"إذا جـد ، يعلـم ، "أنـي الفتــ وبــ " المتنبــيء أن البـالء

: )٥٤(وذلك إشارة إلى قول المتنبي

ــالعراق ــن ب ــتعلم مصــر وم ــى ل ــي الفت ــم أن ــن بالعواص وم

: )٥٥(ويحاول تحوير صورة للمتنبي من مقصورته ذاتها، يقول فيها

ــنامهم ــوم بأص ــل ق ــد ض وأمـــا بـــزق ريـــاح فـــال وق

فيقول :

ــدى وأصـــنام بغـــي يصـــبونها ــثال يقتـ ــدعونها مـ ويـ

ا الشطر ، أم األول ما ذهب إليه المتنبي بإيجاز في الشطر زفالصورة تفصيل لم يجاو

، الذي إلى كافور اإلخشيدي فهو إشارة –حيث مناط السخرية –الثاني من البيت عند المتنبي

تنبي إال في ه الم، وهذا ما لم ير شبهه بلونه األسود وغروره بزق ريح تنقاد الناس إليه وتعظمه

. مصر

تعد ، جاهزة أخرى ، تلقانا صور وإذا تجاوزنا هذه الصور التي أمكن ردها إلى منابعها

، فقدت لتكرارها ، كثيرة الدوران في تجارب الشعراء لقارئ الشعر العربي مألوفة

هي خلق " رةصو كل ، ألن ، وقدرتها على إحداث الدهشة لدى المتلقيوفرادتها ،خصوصيتها

. ) ٥٦(لعالقات جديدة في طريقة جديدة من التعبير" … جديد

داجي –يهفو لجرسك سمع الدنى –ه : ( ترعاك عين الزمان ومن تلك الصور المألوفة قول

والذكاء يلمع كحد –يدمي كحز المدى –تروح على مثل شوك القتاد –بريق المنى –الخطوب

) . . نار الضحى –فحم الدجى –مر الجنى –طعم الكرى –الظبا

، كما تستوقفنا تلك الحسية ة نالحظ سيادة الصورة التشبيهيةل صوره بعاموحين نتأم

، التي ال تحوجه إلى ، وتلك اآللية البسيطة في تشكيل الصورة المعهودة في تجارب اإلحيائيين

إحسان . كما يقول د-، فتأتي ي الصورة، أو حسية بين طرف أكثر من التقاط عالقة شكلية

٢٤٩

ه في تشبيهه الرطب فوق ومن ذلك قول . محدودة متماسكة ذات حواف صلبة* واضحة -عباس

النخيل:

ــى على الرطب الغـض إذ يجتلـى ــروس وإذ يجتن ــي الع كوش

"هضبات العراق وشطيه والمنحنى " : ه لضوء القمر فوقومن ذلك تصوير

ــدا ــأن ي ــا ك ــرزت فوقه ــى ط ــية تجتل ــن موش ــن الحس م

وتبلغ الحسية والشكلية أقصى درجاتها حين يقول :

ـ ــ ــا قوتتي ــك ي ــأن بعيني ـن صـاغهما "جـوهري" جـال ك

، التي أراد بها اإلطراف وانتزاع اإلعجاب إال صدى لتلك وليست هذه الصورة المنحوتة

. )٥٧(الصورة المشهورة للوأواء الدمشقي:

وردا وعضت على العناب بـالبرد فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت

، مثل قوله: ( تلك اللفائف من صور القصيدة س هذه الحسية والشكلية في كثيرويمكن تلم

. كالصوى ) . . كاألقحوان ) و ( تلك الشراشيف كالياسمين ) و ( تدلت عناقيد

، وغدت ورها ال يكاد يجاوز بيان المعنى، فد خيالي متواضع روتبدو هذه الصور ذات أث

، ال تمتد إلى جزئيات القصيدة األخرى لتتالحم ذات وظيفة تزيينية شكلية في األغلب األعم

. موقفا كليا يخدم التجربة –بالتالي –م لتقد ، معها

بصلة ، ال تمت راحل حضارية، وم شعرية كثر هذه الصور ينتمي إلى بيئاتأكما أن

؟ فمن الحياة الجديدة المعاصرة رل بهذه الصور القديمة ليصوفكيف يتوس . لواقع الشاعر

، وتقوم ، وتطمئن إليها الواضح أن وعيه الشعري ال يجاوز السلفية " التي ترتكن إلى الذاكرة

، وكامل، وهي ال تفعل تب وتامشيء مر لفا ، كل، فحقيقتها موجودة س بإلغاء الحواس والزمن

. )٥٨(شعر" شعر ولكل ه األصل في كل، أن ه النص ذاتهغير اجترار ما تعتقد أن

أن القصيدة تخلو -هذه الدراسة وهو مناط - عنا للسمات اإلحيائية في شعرهوال يعني تتب

: قوله -مثال–لنا أم، فلو ت ، التي تتجاوز تلك السمات اإلحيائية من الصور الطريفة

وتمشي رخـاء عليها الصبـــا ودجلة تمشي على هونهـــــا

٢٥٠

تخوض منهــا بمـاء صـرى ودجلة زهو الصبايا المـــالح

ـه و الندى تريك العراقي في الحالتيـــــ ـن يسرف في شحـ

ا وإليــها رنـــاعليها هــف سالم على قمـــر فوقهـــا

)٥٩(وتمسح طياتهــا والثنــــى صدرهــــا تدغدغ أضـواؤه

، وجدتها وميلها الواضح إلى تشخيص ، وحيوية الصورة لوجدنا أن زخم الخيال

ه ، فإن وهذا شأنه عندما يتخيل بحب . الشبه بالتجربة الرومانسية ، يجعلها قريبة عناصر الطبيعة

) ٦٠(. يخلق ما يتخيله "وإن ما نخلقه بحب يكون قيمة حقيقية ممتدة"

، فال نكاد نلمح فيما ينتجه ةا عندما يقع تحت وطأة إغراء محاكاة الصورة التراثية الفذأم

تبدأ حركتها من النفس، د أن، فالبالغة الب حقيقية ، أو أثرا لتجربة انعكاسا لنفسيته -عندئذ–

. مع المشاعر واألحاسيس فتنبت

، وبالصور العصرية تهتم اهتماما أساسيا بالقوة العاطفية وراء القصيدة فالبالغة ، لذا

)٦١(. ، وبحسن اختيارها وأناقتها أكثر مما تهتم باأللفاظ المجردة، ربما التي ترسمها القصيدة

)٤(

ه الذي حدده قدامة بن جعفر للشعر بأن، فعلى بساطة المفهوم ا على مستوى الموسيقىأم

كبير للموسيقى في الصياغة على تقدير ه يدلإال أن )٦٢("قول موزون مقفى يدل على معنى"

. فقد خصها بما يعادل نصف المفهوم ، الشعرية

عن الوظيفة اإليحائية ، فتنم الشعريةور اإليقاع في الصياغة ه لدابن عبد رب ا إشارةأم

، لم يقدر اللسان على ، حيث يقول "زعمت الفالسفة أن النغم فضل بقي من المنطق له

، فلما ظهر عشقته ، فاستخرجته الطبيعة باأللحان على الترجيع ال على التقطيع استخراجه

)٦٣(. ، وحنت إليه الروح" النفس

، التي تجعل ربه لوا مع هذه اللمحة الذكية البن عبددامى لم يتواصنقادنا الق لكن

ما هو عميق ، وأقدرها على التعبير عن كل موسيقى الشعر "وسيلة من أقوى وسائل اإليحاء

ا على وظل اهتمامهم منصب ، )٦٤(يعبر عنه" ا ال يستطيع الكالم أن، مم وخفي في النفس

٢٥١

، يعبر فيه الشاعر أو باعتبارها قالبا محكما ، الموسيقى باعتبارها نظاما صارما يتضمن المعنى

إيقاعية مستقلة داخل القصيدة البيت الشعري وحدة ، وظل ، وخواطره ، وأحاسيسه عن أفكاره

، وباختالف المعنى تتنوع موسيقى ، وذلك ألن "موسيقى الشعر ال تنفك عن معناه العربية

بيت في معناه ، بل وجودها رهين بال ، أو تفعيلة مستقلة فال وجود لمقطع صوتي… اإلنشاد

)٦٥(. وموقعه من إخوانه

كل ، وبعث وتقليده عام في استلهام التراث بشكل حركة اإلحياء متمثلة لقد كانت طبيعة

، ألن االحتكاك الحضاري والثقافي بين المصريين والعرب بعامة وبين األوربيين م فيهقي هو ما

ين : االندفاع في صفوف ، فهم بين أمر تقمصوهاحضارية لي أدى إلى "محاولة االلتجاء إلى قيمة

يختاروا وقد كان من الطبيعي أن . ، أو الرجوع إلى التراث العربي القديم الحضارة األوربية

)٦٦(. "بالتراث قويا عنيفا - على هذه الصورة–كهم ، وكان تمس الموقف الثاني

راث يبحثون عن أسرار عظمته إلى الت جه شعراء اإلحياء كافةيت فكان طبيعيا أن

، في شيء ، يحاكونها في كل يعمدوا إلى القصائد العالية فنيا الذائعة الصيت وخلوده، وأن

. ، وفي البناء وفي الصياغة ، المعاني

هم بموسيقى ر، كان تأث شعراء اإلحياء حين كانوا يعارضون تلك القصائد ظ أنوالمالح

وحينا آخر كان . وه إلى التأثر بمعانيهايعد، ال ند الموسيقى المجردةتلك التجارب يقف حينا ع

، نظرا ألن استعارة الشاعر اإلحيائي لإلطار العروضي، رهم يتجاوز الموسيقى إلى المعنىتأث

من الصيغ التي تضم الموسيقى الداخلية ، كان يسمح بتسرب كثير المتمثل بالوزن والقافية

ما ، ورب ، وقد يحدث ذلك مع اختالف المضمون بين القصيدتين يدة الجديدةوالمعنى إلى القص

. تراثية من هنا وهناك دون الخضوع لشاعر بعينه تسربت صيغ

، المتقارب إطارا موسيقيا لها ، فقد التزم الجواهري بحر وبالنسبة لقصيدة المقصورة

، فوقف عند حدود ا التزاما مطابقاه لم يلتزم بمضمونه، لكن مقصورة المتنبي وهو وزن

. الموسيقى الخارجية المتمثلة بالوزن والقافية

ها المكرس على امتداد ، التي كان لها حضور من األوزان القومية المتقارب واحد وبحر

يكون كثير عصورنا األدبية الكالسيكية "وشرط تسمية الوزن الشعري بالوزن القومي هو أن

٢٥٢

واحدا من األوزان العربية المألوفة في شعرنا القديم المتقارب ظل ، وبحر )٦٧(فا"الشيوع مألو

، وحافظ، ، وشوقي ، واستمر كذلك في عصر اإلحياء عند البارودي التي تستريح اآلذان إليها

ي "مجنون ليلى" و "مصرع سائر األوزان المألوفة عند شوقي في مسرحيت ونراه يتصدر

)٦٨(. كليوباترا"

وإذا تجاوزنا الموسيقى الخارجية لمقصورة الجواهري للتحدث عن الموسيقى الداخلية،

نبه إلى صعوبة الحديث عن ن ، ينبغي أن وما يمكن أن نتلمسه من السمات اإلحيائية لتجربته

. الموسيقى الداخلية في الشعر بعامة

فعلى مستوى . قى األقدمينر اإلحيائيين بموسيلتأث المعارضات صورة من المعلوم أن

، وهي تجارب فذة ضةالموسيقى الخارجية الحظنا التزامهم باإلطار اإليقاعي للتجارب المعار

ا على مستوى الموسيقى الداخلية أم . ، اتخذوا من األوزان القومية إطارا لتجاربهم لشعراء كبار

االلتزام و االنفالت، فنرى بعض القصائد "فقد تختلف هذه القصائد فيما بينها اختالفا يتراوح بين

، ونرى بعضها يلتزم المضمون ال تلتزم إال الموسيقى الخارجية المتمثلة في الوزن و القافية

، وهناك بعض ا البعض اآلخر فيكاد يلتزم المفهوم الحاسم للمعارضة، أم التزاما أكثر وضوحا

غير أن التوحد في الموسيقى الخارجية قاد ، القصائد اتحدت في الوزن والقافية دون الغرض

. )٦٩(ر في مواضع كثيرة بالموسيقى الداخلية"إلى التأث

، الحظنا تقاربا في مضمونها مع مقصورة المتنبي، وفي دراستنا لمضمون التجربة

ع أثر قصيدة المتنبي في مقصورةوحين نتتب . وانتهينا إلى تماثل الموقف النفسي في التجربتين

ه لم ، نجد أن الجواهري على مستوى الصياغة ؛ نظرا لما للصياغة من صلة بموسيقاها الداخلية

. )٧٠(يتسرب إليها إال النادر من صيغ قصيدة المتنبي

مقصورة الجواهري قد برئت في موسيقاها الداخلية من التأثر وهذا ال يعني أن

ر من هنا وهناك غير ت "فغالبا ما يكون التأث، شأنها شأن سائر المعارضا بصياغات األقدمين

)٧١(. أو غرض بذاته" خاضع لشاعر

٢٥٣

يال من األلفاظ والتعابير ، الحظنا س وفي دراستنا للتجربة على مستوى اللغة والتصوير

ر ال تنتمي لعصر بعينه، وهي في حقيقتها صور مختلفة من تأث ، التي والصور الجاهزة

. قدمين في الجانب الموسيقيالمقصورة بصياغات األ

نشير إلى ، ينبغي أن عنا لسمات اإليقاع اإلحيائية في تجربة الجواهريتتب وفي إطار

، حتى النزعة الخطابية، تلك النزعة التي تقتضي أن يكون الشعر بحيث يمأل الفم عند إنشاده

ين من قالها للتمييز بين لون ، (يمأل الفم) للشاعر أبي نواس وعبارة . يمأل اآلذان عن سماعه

، وثانيهما كان خارج ، أحدهما كان مناط التقدير واإلعجاب عند نقاد عصره أدائه الشعري

. )٧٢(ه يمأل الفم ما تقدمني أحد"، وهذا ما جعله يقول : "لو كان شعري كل المنافسة

ويلة في صورتها ، كان على الشاعر اصطناع األوزان الط لء الفموحتى يكون الشعر بم

- كما توحي عبارة أبي نواس–ويبدو . ق اإلشباع الصوتي عن هذا الطريق، حتى يتحق الكاملة

التي تتطلب من ، الصلة بالموضوعات الغيرية عند الشاعر هذه النزعة الخطابية شديدة أن

. ، لكي يحدث التأثير المطلوب لدى جمهور المتلقين صاحبها االحتشاد لموقف خطابي

ذات الشعريةة دراسة متخصصة لإليقاع عند الجواهري أن أغلب تجاربه وستكشف أي

ظل ، ه شاعر غيريعنه أن والمعروف . ، كما هو الحال بالنسبة للمقصورة إطار قومي مأنوس

، كما ه كان يعول على بناء إيقاعات مجلجة تمأل الفم واألذن، وأن طوال حياته مرتبطا بسلطة ما

وهذه . را، حتى غدت موسيقاه ملمحا متميزا مقد هو الحال عند أسالفه في عصور القوة

، قةسوم، يتأتى من انتقاء ألفاظ م النزعة الخطابية ال تتحقق إال بفضل نسيج صوتي خاص

ا في عد دخوله، ألن الكلمة المنتقاة ذات الرنين لم تكن كذلك إال ب متجانس تلتحم في سياق لغوي

، وكذلك مجموعات األصوات ال تتجاوب إلحداث الرنين إال ضمن سياق بنية الكالم الشعري

. شعري

مثال هذه األبيات التي وردت ضمن تعريضه بخنوع الشعب العراقي وصمته ولنأخذ

)٧٣(حيث يقول : واستالبه ،

ـرة ؟بها : كيـف إيقاظـها أو متــى وأغفـت فلـم أدر عـن حيـ

علـى الذل ، أي خيـال تــرى ؟ ولـم أدر مـن طيـب إغفائــها

كـرى ، أم صبيا بريئـا غفــا ؟ أهمـا تغشـاه بعـد العنــــا

عليهـا مشـت فيـه نار الضحـى؟ متـى تستفيـق وفحـم الدجــى

٢٥٤

من اعتماده على عدد ، باإلضافة إلى ، مع تكرار بعضهافهذا الحشد من صيغ االستفهام

س أمثالها ، يمكن تلم خطابية عالية هذا يوفر لهذه األبيات نبرة ، كل مواضع النبر القوية فيها

. في مقصورته بخاصة

حرصه على تقديم سياق شعري تتجانس فيه ل، وتأم ثم انظر إلى استهالل قصيدته

)٧٤(أعلى درجات اإليقاع، حيث يقول : ، رغبة منه في تحقيق ، وتتجاوب فيه األصوات األلفاظ

ورغم أنـوف كـرام المــــال برغم اإلبــاء ورغم العلـــى

ـض عطفـا تحوطك حوط الحمى ورغم القلـوب التـي تستفيــ

ر حرف األلف والراء أربع ، وتكر الميم خمس مرات ر في البيت األول حرففقد تكر

، والءم بين ر كلمة (رغم) أربع مرات في البيتين، وكر ى والمالوجانس بين العل مرات،

. أصوات قوله "تحوطك حوط الحمى"

"يضع بين أيدينا مفتاحا للفكرة المتسلطة على –كما تقول نازك المالئكة –وإذا كان التكرار

، اعر، وهو بذلك أحد األضواء الالشعورية التي يسلطها الشعر على أعماق الش الشاعر

آخر ينهض بدور مقدر في إثراء اإليقاع، فهو من جانب ، )٧٥(فيضيئها بحيث نطلع عليها"

وقد الحظنا ذلك بتكراره لكلمة . الخطابية العالية ، التي تتطلبها النبرة وتحقيق تلك التوازنات

ثل تكرار ، م ، ويمكن الوقوف على العديد من صور التكرار فيها (رغم) في استهالل المقصورة

، )٧٦(، وتكرار (ويا ليت) في أربعة أبيات متتالية محور فيها صيغة (سالم على) في استهالل كل

)٧٧(. وتكرار النفي والنهي في عدد من األبيات في الجزء األخير منها

التعقيب : وأدبية ، ، وثقافية ، ودينية ذات خصوصية جغرافية -وال تزال–كانت مدينة النجف

وكان الجواهري . التمسك بأهداب العادات والتقاليد جعلت منها مجتمعا محافظا متمسكا أشد

، باإلضافة إلى ما حباه اهللا به من قدرة فريدة على حفظ تلك النشأةصادقة لهذه البيئة و ثمرة

لذي ظل ، ومثله ا حتذىه المفكانت التجربة الكالسيكية نموذج . ، وبخاصة القديم منه الشعر

ومعاصرته للعديد ، الطويلة الشعرية، وعمل على تكريسه، على الرغم من تجربته يسمو إليه

٢٥٥

وتكاد محاوالته على طريق تحديث أدوات . تجديد على األرض العربية وخارجهامن موجات ال

. سها، ولم يكر ، ولم يوسعها ، فلم يوالها ذكرالتشكيل لتجربته ال ت

، وبهمومه القومية حينا ، فقد التزم بقضاياه الوطنية حينا ه لمضامينهكر عليه تجديدنوال ن

عن، فلم ي الزيت الجديد في األواني القديمة ه صب، لكن هموم نفسه أيضا ، ولم ينس أخر

، الذي بعثته ، فظل مخلصا للنموذج الشعري الموروث بأدوات التشكيل عنايته بمضامينه

، ومحمود صفوت الساعاتي، ، وعلى أبي النصر ، ممثلة بعلي الليثي اإلحياء األولىمدرسة

وإبراهيم ، ، وخليل اليازجي براهيم اليازجي، وإ ، وحسن حسني الطويراني وصالح مجدي

ثم مضت مدرسة . وقد انتهت جهود هذه المدرسة بظهور البارودي حامال للوائها . . األحدب

ممثلة بالرصافي، ، ما بدأته سابقتها على درب البعث واإلحياء مكرسة اإلحياء الثانية

وقد وصل شوقي بإنجازات هذه . وغيرهم . . ، وحافظ إبراهيم وإسماعيل صبري، والزهاوي

، والصورة، ، واللغة واكتمال على مستوى البناء راد لها من نضجالمدرسة إلى أقصى ما ي

. واإليقاع

الحظنا مدى إخالصه ، الجواهري من خالل قصيدته " المقصورة " تجربة لناوحين تأم

ه قد ظل وفيا لتراثه، ، وأن إلنجازات مدرسة اإلحيائيين الكبار على مستوى البناء والتشكيل

، بل لم يتخلص من سلطة النموذج الموروث عليه ، ولم يستطع أن ، وألساتذته الملهمين ولبيئته

. ، وذاتية ، وقومية : وطنية كتفى بشحن تجاربه بمضامين عصرية، وا ذلك ردي

إلى موهبة كبيرة مثل ) بحاجة١٩٣٢شوقي (ت الشعر العربية بعد لقد كانت مسيرة

، كما فعلت نازك ، وتمضي بها إلى آفاق أرحب ، تستجيب لدعوات التجديد موهبة الجواهري

، ، وبلند الحيدري، وصالح عبد الصبور البياتي ، وبدر شاكر السياب، وعبدالوهاب المالئكة

،وانتهى كذلك ، فبدأ كالسيكيا ر السالمة في الفنه آثلكن . وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم

لبعض مقوالته على –نظريا –، وتبنيه على الرغم من وقوفه على الفكر النقدي الحديث

. مستوى البناء واللغة

ر بما طرأ من تطو ، وهو على وعي الشعريةه بقواعد األصولية كر تمسولكن كيف نفس

؟ ر هذه الجماهيرية العريضة لتجربة الجواهرينفس ؟ وكيف يمكن أن لحركة الشعر العربي

٢٥٦

، لم تمنعه أن فمن الواضح أن الكالسيكية التي اعتبرها الجواهري طريقا لبناء قصائده

واقعه يلبي مطالب ، وأن ه العامينخرط في هم ، وأن ة الحدثيستجيب من خاللها لراهني

، ودفعه إلى التساؤل عن تلك وهذا ما أدهش شاعرا كبيرا مثل محمود درويش . وعصره

يكون ، وأن ، بلغة كالسيكية يبني شعره بناء كالسيكيا ، فقد استطاع أن المفارقة في شعره

. )٧٨(معاصرا في الوقت ذاته

، وهم أبناء المدينة ه هذا تجديدا لما فعله بعض شعراء بني العباسصنيع عديرى هل ت

، في محاولة ، وذلك حين ألحوا على لغة البدو واألعراب الغارقون في ترف الحضارة الجديدة

، في فة بتلك الهجمة الشرسة للثقافات األخرى، والمستهد منهم للتمسك بعناصر الهوية المهددة

؟رأب الصدع في الجدار العربيمنهم ل محاولة

، واقعه في العراق ، وهو يرى انكسارات النبيل من الجواهري ال نستبعد هذا القصد

، كما ال نستبعد دور المتلقي العربي والتفافه حول وفي سائر األقطار العربية المهيضة الجناح

ما في تأييد قواعد األصولية ، ورب النبيلة القصيدة الجواهرية في التأكيد على مقاصد شاعره

فمضى . ه يرى ما أصاب القصيدة العربية من انكسارات بدعوى التجريب، والسيما أنالشعرية

، على الرغم من موقفه سلطة شعرية قوية ، وصاحب شعرية متجولة الجواهري عاصفة

. ت التاريخالكالسيكي المكرس في مرحلة غدت الكالسيكية فيها من مفردا

ق التاريخ التراثي في أرفع بدائما بع مشحونة الشعريةالجواهري هكذا كانت مسيرة

كذلك بحرارة التاريخ المعاصر الحي والموضوعي في أبرز همومه وقضاياه تجلياته، ومشحونة

. ومعاركه المحتدمة

عانق مع الخبرات الجديدة الحية تت ها ذائقة، ولكن ال مراء فيه ذائقته التراثية أمر سوخفر

، والقضايا الموضوعية التي ينخرط بالهموم الذاتية وبفضل هذا االشتباك الحاد . لواقعه وعصره

وهكذا يجمع شعره بين التواصل … دأصيل وعريق متجد ه بوهج إبداعي، يحتفظ شعر فيها

بين المعرفة وإرادة العقل ، و ، وبين الذاتي والموضوعي واآلني ي، بين التاريخ والتفاصل

)٧٩(. ، بين الواقع والممكن والمستحيل ، بين الحقيقة والحلم والتجاوز

٢٥٧

هوامش الدراسة :

م ، ١٩٨٨راجع في ذلك : ذكرياتي : محمد مهدي الجواهري ، دار الرافدين ، دمشق ، )١

جميل عطية ، . الفصل األول ، وانظر : الجواهري شاعر من القرن العشرين : د ١ج

. )٤٤-٣٣، ص ( ١٩٨٨منشورات الجمل ، ألمانيا

، ١، وراجع : ذكرياتي ، ج ٣٦ين ، صانظر : الجواهري شاعر من القرن العشر )٢

. ٢٩ص

وراجع : حكايات مع األدباء محمد مهدي الجواهري: سليم . ) ٧٦-٤٥المصدر السابق : ص( )٣

١٤، ص ١٩٨٩، ، لندن، رياض الريسطه التكريتي

. ١٢١انظر : ذكرياتي : الجزء األول ص )٤

، بيروت والنشر، جبرا،المؤسسة العربية للدراسات إبراهيم أنظر:الناروالجواهر:جبرا )٥

. ٣٤، ص١٩٨٢

. ١٣٨محمد مهدي الجواهري ، ص… حكايات مع األدباء )٦

. المصدر نفسه )٧

. ٢٦انظر : النار و الجواهر ، ص )٨

. ١٠٣عر من القرن العشرين ، صراجع : الجواهري شا )٩

. ٢٦٧ص ت). ، دار األندلس ، بيروت (د إبراهيم السعافين . مدرسة اإلحياء والتراث : د )١٠

الدين عز. الرؤية والفن ، د. . راجع مفهوم القصيدة المحكمة البناء : في الشعر العباسي )١١

. ٤٠٩ ، ص ١٩٨٠، دار المعارف بالقاهرة إسماعيل

المثال ال الحصر : انظر على سبيل )١٢

٢٥٨

، ١٩٦٦ ٢ر المعـارف بالقاهرة ،طشوقي ضيف ، دا . في النقد األدبي : د -

. ١٥٥، ١٥٤ ص

محمد مندور ، مطبعة نهضة . الشعر المصري بعد شوقي ( الحلقة األولى ) : د -

. )٢٠-١٩ت) ص( . مصر بالفجالة ( د

األدب العربي في العصر الجاهلي : محمد مصطفى هدارة ، دار المعرفة -

. وما بعدها ١١، صـ ١٩٨٥اإلسكندرية ، ، الجامعية

يوسف خليف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، . الروائع في الشعر الجاهلي : د -

. وما بعدها ١٩، ص ١٩٨٣

ثال ال الحصر :انظر على سبيل الم )١٣

إبراهيم عبد الرحمن ، دار العودة ببيروت ، . قضايا الشعر في النقد األدبي : د -

. وما بعدها (الفصل الثالث) ٧٧،ص ١٩٨١، ٢ط

، ٢مصطفى ناصف ، دار األندلس ببيروت ،ط . قراءة ثانية لشعرنا القديم : د -

. ٥٣،٥٤، ص ١٩٨٣

، ٢مصطـفى ناصف ، دار األندلس ببيروت ، ط . دب العـربي : ددراسة األ -

. وما بعدها ٩٥ (الفصل الثاني ) ص

. ت) . األرقم ببيروت (د تحقيق عمر فاروق الطباع، دار ديوان المتنبي بشرح البرقوقي، )١٤

. ١٣٦المجلد األول ، ص

العربي دعيبس ، دار الفكر سعد . : دالتراثي في الشعر العربي الحديث راجع : التيار )١٥

١٨٥، ص ١بالقاهرة، ط

. ٢٧٧مدرسة اإلحياء والتراث ، ص )١٦

٢٥٩

القاهرة،ب المعارف وادي،دار طه. د والمسرحي: الغنائي شعر شوقي انظر: )١٧

. ٦٩ص

، بالقاهرة ، دار المعارفد محمد شاكرتحقيق أحم ،ةن قتيباب، انظر:الشعر والشعراء )١٨

. ٧٨ص ١، ج ١٩٩٦

. ٤٥٤ انظر : ذكرياتي ، ص )١٩

٤، دار الشعب بالقاهرة ، ط المازني وإبراهيمراجع : الديوان : عباس محمود العقاد )٢٠

. ١٣٠ ص ١٩٧٧

. ٥١٩ ، ص ١٨٨٦، بيروت األدبيةلمطبعة انظر : مقدمة ابن خلدون ، ا )٢١

. ١٢١ ص ١، ذكرياتي ، ج )٢٢

. ٤٢١، ٤٢٠ : المرجع نفسه ، ص انظر )٢٣

. وما بعدها ٢٩٠راجع : مدرسة اإلحياء والتراث ، صـ )٢٤

. ٧٠، ص ٥٢ص ٢، ذكرياتي : ج )٢٥

عبدالقادر القط ، دار . انظر : االتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر : د )٢٦

. وما بعدها ٣٥٠ ، ص ١٩٨١ ٢العربية ، بيروت ، طالنهضة

المصرية عاصر : رشيدة مهران ، الهيئة راجع : الواقعية واتجاهاتها في الشعر العربي الم )٢٧

. ٣٢٤، ٣٢٢، صـ ١،١٩٧٩العامة للكتاب باإلسكندرية ، ط

دار سعادوانظر : ثالثون عاما مع الشعر و الشعراء : رجاء النقاش ، -

. وما بعدها ٦٥،ص ١٩٩٢القاهرة) –(الكويت ، الصباح

. ١٢٩ م ،ص١٩٧٨س : دار العودة ، بيروت زمن الشعر : أدوني )٢٨

٢٦٠

،عبدالحميد جيده . : د راجع : االتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر )٢٩

. ٣٤١م ، صـ ١٩٨٠، ١نوفل ، بيروت ، ط مؤسسة

١١٦ت) صـ. ت (ددار الثقافة بيرو إبراهيم السامرائي ، . لغة الشعر بين جيلين : د )٣٠

)(نقال عن مقالة للجواهري منشورة بالجزء األول من مجلة اتحاد األدباء بالعراق-

انظر على سبيل المثال : )٣١

. ١٢٦-١١٣ لغة الشعر بين جيلين : ص-

عالم عدنان العوادي ، وزارة الثقافة واإل . لغة الشعر الحديث في العراق : د-

. )٣٤٦-٣١٣م (صـ١٩٨٥ - بغداد

. ١٢٤انظر : لغة الشعر بين جيلين ، صـ )٣٢

. ١١٨ انظر : المرجع نفسه ، ص )٣٣

. ١١٩ انظر : المرجع نفسه ، ص )٣٤

شوقي ضيف ، دار المعارف بالقاهرة، . انظر : شوقي الشاعر العصر الحديث: د )٣٥

سعد دعبيس، . دحديث : لعربي الوراجع : التيار التراثي في الشعر ا . ١٠٥م ، ص ١٩٧٧

. وما بعدها ١٧٣، ص ١٩٨٣دار الفكر العربي بالقاهرة ،

. ٣٤٨ لغة الشعر الحديث في العراق ، ص انظر : )٣٦

،خالد الكركي . ي الشعر الحديث " دحماسة الشهداء " رؤية الشهادة والشهيد ف )٣٧

. ٤٧،ص١٩٩٨المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت ،

وأنظر أيضا: ما هو الشعر ! : نزار قباني ، منشورات نزار قباني ، -

. ٦١، ص ١٩٨١بيروت ،

٢٦١

، مة، النادي األدبي الثقافي بجدةنذير العظ . الشعر العربي الحديث : د إلىمدخل )٣٨

. ٣٠ م ، ص١٩٨٨ ، ط

لعام ١٩،٢٠ان كاصد ، مجلة أسفار ، العراق ، ع انظر : إشكاليات التناص : سلم )٣٩

١٣،ص ١٩٩٥

. ١١١ ، ص ١٩٥٩، ٢ر الثقافة ببيروت ، طفن الشعر : إحسان عباس ، دا )٤٠

أحمد الزعبي ، مكتبة الكتاني ، إربد، . انظر : النص الغائب نظريا و تطبيقيا : د )٤١

. ٨، ص ١٩٩٣

، ٢/٢٨٠م، ١٩٣٤ني ، التجارية بمصر ، العمدة : ابن رشيق القيروا )٤٢

،صطفى هدارة ، لجنة البيان العربيمحمد م . مشكلة السرقات في النقد العربي : د )٤٣

. ٢٤٩ص م ،١٩٥٨

عبداإلله الصائغ، المركز . انظر : الخطاب اإلبداعي الجاهلي و الصورة الفنية : د )٤٤

. )٢٦-٢٥، ص(١٩٩٧ي العربي ،الدار البيضاء وبيروت ، الثقاف

. ٧٩نقال عن : الجواهري شاعر من القرن العشرين ، ص )٤٥

. ٨١ ، ص ١٩٩٦هـ / ١٣٧٩در ، بيروت ، ديوان النابغة الذبياني : دار صا )٤٦

. سورة األنفال ١٧آية : )٤٧

. سورة النجم ٨آية : )٤٨

. ٢٠٨م ، ص١٩٥٨، ١ط نعمان أمين طه ، ديوان الحطيئة : تحقيق )٤٩

وانظر ١٤١ ، ص ١٩٤٩يق خليل مردم ، بيروت ، ديوان علي بن الجهم : تحق )٥٠

. القصيدة الرصافية في مديح المتوكل

٢٦٢

. ٦١٢ل ، مكتبة دار المالح ، دمشق ، صديوان أبي العتاهية : تحقيق شكري فيص )٥١

سين نصار ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،ح . ديوان ابن الرومي : تحقيق د )٥٢

١١١٠-٣ ،١٩٧٦ .

،١٩٩٤، ١الموشحات األندلسية : إعداد أنطوان القوال ، دار الكتاب العربي ط )٥٣

. ١٦٨ص

. ١٤٠ ، ص ١ديوان المتنبي : ج )٥٤

. ١٤٢ ، ص ١المصدر نفسه : ج )٥٥

. ٢٦٠ فن الشعر ، صانظر : )٥٦

. ٤٢المصدر السابق ، ص *

، ١٩٩٣ن ، دار صادر ، بيروت ، ديوان الوأواء الدمشقي : تحقيق سامي الدها )٥٧

. ٨٤ص ، ٢ج

م ،١٩٨٥نشر ، بيروت حداثة السؤال : محـمد بنيس ، دار التنوير للطباعة وال )٥٨

٢٣ص

. ٥٦٤، ص١اتي ، جذكري )٥٩

. ١٣، ص ١٩٩٤شكري عياد ، أصدقاء الكتاب ، القاهرة ، . د . الكاتب و عالمه )٦٠

. وما بعدها ٧٠راجع : ثالثون عاما مع الشعر و الشعراء ، ص )٦١

. ١٣م، ص ١٩٣٤نقد الشعر: قدامة بن جعفر ، المطبعة المليجية ، القاهرة ، )٦٢

هـ ، ١٣٠٥ة الشرقية ، القاهرة ، العقد الفريد : أحمد بن عبد ربه ، المطبع )٦٣

٣/١٧٧ .

٢٦٣

د ، مكتبة دار العلوم،علي عشري زاي . عن بناء القصيدة العربية الحديثة : د )٦٤

. ١٦٢، ص١٩٧٩ ، القاهرة

وراجع: . ٤٦٧ص م،١٩٨٧بيروت، دار العودة، هالل، محمد غنيمي. النقد األدبي الحديث:د )٦٥

ة ـلمؤسسة العربيامحي الدين صبحي، ترجمة ، نظرية األدب: رينيه ويليك وأوستن وارين

والوزن السالسة، واإليقاع ، وانظر دراسته عن١٨١م، ص١٩٨٧بيروت، للدراسات و النشر

. )١٧٧- ١٦٥ص(

. ٤٢٩مدرسة اإلحياء والتراث ، ص )٦٦

. ١٨٨، ص ١٩٧٢ة األنجلو المصرية ، إبراهيم أنيس ، مكتب . موسيقى الشعر : د )٦٧

. )٢٠٨- ١٩٢المصدر السابق ، ص( )٦٨

. ٣٩٩انظر : مدرسة اإلحياء و التراث ، ص )٦٩

. من هذه الدراسة وما بعدها ٢٣١راجع : ص )٧٠

. ٤٠٤مدرسة اإلحياء و التراث ، ص )٧١

الموشح : أبو عبداهللا محمد بن عمران المرزباني ، تحقيق البجاوي ، لجنة البيان )٧٢

. ٤٠٩، ص ١٩٦٥العربي ،

. ٥٦٨، ص ١ذكرياتي ، ج )٧٣

. ٥٦٣المصدر السابق ، ص )٧٤

، ١٩٨٦قضايا الشعر المعاصر : نازك المالئكة ، دار العلم للماليين ، بيروت ، )٧٥

. ٢٣٥ص

. ٥٦٥، ص ١ذكرياتي ، ج )٧٦

٢٦٤

. ٥٧٠المصدر السابق ، ص )٧٧

١٩٩٧-٧- ٣١بيروت العشرين: محمود درويش ، السفير، أهم شاعر كالسيكي في القرن )٧٨

، ١٩٩٨)١(١٩قف بي فلست بمأتم الرثاء : محمود أمين العالم ، مجلة المدى ، دمشق العدد )٧٩

. ٥٦ص