مقدمةmedia.kenanaonline.com/files/0039/39289/الحرب... · web viewيعب ر...

1289
دمة ق م ، عام ي ب ر لع ا ج ي ل خ لل ا ما ش ي ف رب ح ل ا ب& دا ب1980 وى ق& ا ن م عدا ي ن ي ت ل لدو ة ي ل الدوود خد ل ر ا عب اكاب ت ت ش ا ، ب، رب شB تD ن ا ما رعان س ها ن& ا لاM . ا ران يM وا راق لع ا ما ه ، و ة ق ط ن م ل دول ا ر، م ح& لا ر ا ح ب ل وا رب لع ر ا ح ب ث ي ح،a لك ة، كد ارج ي خ لM ا دب ت م لة، وا واخ س و ج ي ل خل ل ي& ب ما ل ج ا ط س م ل ل ا ك ل م ش لت ة يq ب ر لع ا كة ل م م ل وا ت ي و ك ل ا كدولة اورة خ مً ، دولا ها ن را ب ن ن، ت ل وطا ة ي ن ع ل م، ا ل عا ل م دول ا ظ ع م ها ن خدا& ا ج& ب ا تD ت ن رب ي& ا ما ب ك. خدةB ب م ل ا ة يq ب ر لع ا راب ماM لا ا ودولة ن ي ر ح ب ل ا ودولة ة ودي سع ل ا ل خ د تل لدول ال ن م د عدب رب ط ضاء، وا و س ي خد عل رة ب ق ف ل وا. راف ط& لا ع ا ي م ح رب ح ب ث ي ق ل ي حت ر، خ ا و ب& ل ا ك ش ب ها ن خدا& ا ي ف ورط ت ل وا ها ي ف" " ي فار ر م ت سلا ا ها مكي ي ي حت ة، ي ب و س ب هاءة و نM ي ا لM ي ا سع ب، ي ب ر لع ا ج ي ل خ ل ا ي ف راع لص ا ب مة ت ه م ل ، ا راف ط& لا ل ا ك ت ي كاّ لاM ، ا ها ن اعا ت ص ها و ن ار ض ح ها و ن ا ت ح ل وى ت ح ل طه ا ف ي ي عل ول حص ل ا وعان ت ب ها، و ق طا ن ن م عان س و ي ، و رب ح لل ا عا سM ا ن م دان ب ر ي، لة وب ط رة ب ق ل لا، ط د ق ف ما. سه ق ي& راع ا لص ا ي لت دو. ولة ف مع ة ي ق ط ن م اب ت ;pma&س ا دون ن م ما، ه ن ما ج ه ل رض ع يB ب ي لت ا ;pma& هدافلا ا ن م رى، خ& لا ا دولة ال ي ف م ك خا لم ا ا ط ن لط ا ا ق سM ي ا لM ، ا ه ي عل م ل ا ;pma& هدافلا ا ن ع ر ط ن ل ا ض ع ي ي،سع ب رف ط ل ك د كان ق ف دب ت م ا ي لت ، ا رب ح ل ا لاب ب و ن م ما ه ن و ع س ة ي س ا ق ي ما ل ا ت ق ي ل ب ن& ا دون ن م طه ف س م ها، و مي& لا دة هد م، ة ق ط ن م لد ا ضاB ن ف لا رة م ، مد واب ت س ي ب ما ي وال ط رب ح ل ر ا م ت س لت،a لك ، كد اورة خ م لدول ا ي ال لM ا. ة ي ل الدو ها يq ت ت ه لا;pma& ول ال ث ح ب م ل ا ة ي ح ب ار ب ة ي ق ل خ ن ي ن لة وص م ل ا ق ط ا ت م ل ا ة ي م ه& ا ث ح ض ;pma& ل، و ن ا ت ق لم وا و ف ل وا رة س& لا ا نّ و ك ب ، و لا;pma& رض ر ا م ع ي سان بM لا ا& دا ب ن& اD د ت م ها ص& ن ضا ح ن م د ب ر م ل ا اف س كت ا ها، ب ي مت ه& ا دادب ، وار ورة م ع م لء ا ا رخ& ا

Upload: others

Post on 30-Jan-2020

7 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

مقدمة

مقدمة

بدأت الحرب في شمال الخليج العربي، عام 1980، باشتباكات عبر الحدود الدولية لدولتين يعدا من أقوى دول المنطقة، وهما العراق وإيران. إلا أنها سرعان ما انتشرت،

لتشمل كل المسطح المائي للخليج وسواحله، وامتدت إلى خارجه، كذلك، حيث بحر العرب والبحر الأحمر، وطالت، بنيرانها، دولاً مجاورة كدولة الكويت والمملكة العربية

السعودية ودولة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة. كما تأثرت بنتائج أحداثها معظم دول العالم، الغنية والفقيرة على حد سواء، واضطرت عديد من الدول للتدخل

فيها والتورط في أحداثها بشكل أو بآخر، حتى لقبت "بحرب جميع الأطراف".

كانت كل الأطراف، المهتمة بالصراع في الخليج العربي، تسعى إلى إنهاءه وتسويته، حتى يمكنها الاستمرار في الحصول على نفطه الحيوي لحياتها وحضارتها وصناعاتها، إلاّ

دولتي الصراع أنفسهما. فقد ظلا، لفترة طويلة، يزيدان من إشعال الحرب، ويوسعان من نطاقها، وينوعان من الأهداف التي تتعرض لهجماتهما، من دون أسباب منطقية معقولة.

فقد كان كل طرف يسعى، بغض النظر عن الأهداف المعلنة، إلى إسقاط النظام الحاكم في الدولة الأخرى، من دون أن يلتفتا لما تقاسيه شعوبهما من ويلات الحرب، التي امتدت

إلى الدول المجاورة، كذلك، لتستمر الحرب طوال ثماني سنوات، مدمرة لاقتصاد المنطقة، مهددة لأمنها، ومسقطة لهيبتها الدولية.

المبحث الأول

خلفية تاريخية

منذ أن بدأ الإنسان يعمر الأرض، ويكوّن الأسرة والقوم والقبائل، وضحت أهمية المناطق الموصلة بين أرجاء المعمورة، وازدادت أهميتها، باكتشاف المزيد من خصائصها

الجغرافية، ولا سيما مواردها المهمة، والأكثر ضرورة للحياة البشرية، بدءاً من المحاصيل الزراعية، إلى خامات الطاقة، من نفط وغازات طبيعية، هي، اليوم، أشد الموارد

الطبيعية حيوية.

حوت المناطق، المعروفة بالشرق الأوسط، كل مطالب البشرية، في العصور المتتالية، منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا. ففيها نشأت الحضارات الأولى. ومنها انتقلت المعارف

والعلوم إلى المناطق المتاخمة، في آسيا وأوروبا. وفيها تمرّ تجارة العالم، منذ استخدام الدواب، ثم السفن، عبْر البحار والأنهار، التي تزخر بها المنطقة. ومن

أراضيها، استُخرج أهم خامات الحضارة، ومصدر طاقتها، النفط.

فطِن وُلاة الأمر في المنطقة، وكذلك قادة الممالك والإمبراطوريات الأخرى، لأهمية تلك المناطق، التي تزيد السيطرة عليها من نفوذهم، ويعظُم مُلْكهم. فتسابقوا،

على مر العصور، إلى حيازة ممرّاتها وطرُقها ومواردها، ومنْع الآخرين من الوصول إليها، أو النفوذ عبْرها إلى حيث يتصلون بأطراف الأرض.

كانت تلك المناطق هي أُولى المناطق التي عرفت الديانات السماوية، وانتشرت فيها ومنها، ليصل نور الهداية إلى من يشاء الله له الهداية، فازدادت أهميتها، وتطورت

حضاراتها.

لقد كانت طبيعة تلك المناطق هي أُولى المؤثّرات في تاريخها، وما زالت هي أصل أحداثها التاريخية، والبعد الأساسي في الصراعات، الدائرة على أرضها، بين شعوبها،

تارة، وضد غزاة من خارجها، تارة أخرى.

أولاً: جغرافية الإقليم، وآثارها التاريخية

1. دور المَوقع، تاريخياً

يقع الإقليم، الذي يضم دولتَي العراق وإيران، الآن، في منطقة متوسطة، بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ومنطقة الشرق الأقصى، في آسيا، وكلتاهما من المناطق

ذات التاريخ القديم. وقد جعله ذلك المَوقع بُعداً برياً، وهمزة وصْل بين مناطق الحضارات العظيمة في شمالي أفريقيا وجنوب أوروبا وغربيها

[1]

، وبين مناطق الحضارات الشرقية القديمة، في آسيا

[2].

أدى اعتراض المَوقع الجغرافي لذلك الإقليم، خطوط هجرات القبائل، من وسط آسيا، إلى استقرار بعضها في المنطقة الشرقية منه (إيران)، حيث بسطوا نفوذها شرق الهضبة

الإيرانية وغربها، وأسست إمبراطورية كبيرة، سيطرت على طرُق التجارة الرئيسية، بين الشرق والغرب، مئات السنين. ولم تفقِد أهميتها، باكتشاف الطرُق البحرية، إذ

تحولت الثغور البحرية إلى مراكز رئيسية للتجارة، واتصلت ببدايات الطرق البرية القارّية السابقة ونهاياتها، في كل من الخليج العربي وشرق البحر الأبيض المتوسط.

واستمرت التجارة الدولية، تنساب من تلك الثغور، إلى داخل الهضاب، الشامية والإيرانية، عبْر سهول العراق، متجهة إلى وسط آسيا وشرقيها. (

اُنظر خريطة الموقع الجغرافي للعراق وإيران).

ظَل المَوقع يبسط نفوذه المهم، وينقل إلى شعوب المنطقة معارف الحضارات ومنتجاتها وثرواتها، مما جعل المناطق، التي تمرّ بها الطرُق التجارية، من أغنى شعوب العالم

القديم، حتى حفْر قناة السويس، في الأراضي المصرية، التي وصلت المحاور البحرية مباشرة، بعيداً عن الطرُق البرية القديمة، فقلّت أهميتها، وضعفت مناطقها. وتزامن

ذلك مع بداية ضعف، سياسي وعسكري، أوقع الإقليم في أتون صراع القوى العظمى، لِمَوقعه المهم بين المعسكرات السياسية المتصارعة، منذ بداية القرن العشرين

[3].

2. الانعكاسات السياسية لجيولوجية المنطقة

تدلّ الدراسات الجيولوجية لسطح الأرض في الإقليم، على تأثيره في التاريخ السياسي لمناطقه، إذ يختلف في الجزء الشرقي منه (إيران) عن الجزء الغربي (العراق). كما

أنه يملك مفاتيح الاتصال والحركة، شرقاً وشمالاً، أو جنوباً وغرباً، مما كان له أثره في تفاعل الإقليم، سياسياً، مع الأحداث الدائرة فيه وحَوْله، التي تفسر

لنا تاريخ النزاعات الطويل في المنطقتين العراقية والإيرانية، وارتباطهما، تاريخياً، منذ زمن بعيد.

3. جيولوجية المنطقة الإيرانية

يغطي معظم المنطقة الإيرانية هضبة مرتفعة، يصل ارتفاعها إلى 1200م فوق سطح البحر. وهي ذات قمم جبلية كثيرة. ويسهل تقسيمها، طبوغرافياً، إلى أربع مناطق واضحة

المعالم، مختلفة السمات:

أ. سلاسل الجبال الضخمة (جبال زاجروس وألبرز)، التي يبلغ ارتفاعها 3300م، وهي على شكل ذراعين تكونان معاً ما يشبه الرقم 2. يقع رأسها المدبب شمال غربي إيران.

وتمتد بذراعها الجنوبية (جبال زاجروس) نحو الجنوب الشرقي، إلى داخل الحدود التركية، والقوقاز الروسية، موازية للحدود العراقية، وساحل الخليج العربي. بينما تبدو

الذراع العلوية (جبال ألبرز) كحائط، شمالي المنطقة، تتفرع منه سلاسل جبلية أخرى، منكسرة إلى داخل الأراضي، الأفغانية والتركمانستانية، المجاورة.

ب. الهضبة الإيرانية، الواقعة داخل فراغ الرقم (2) بين الذراعين، تمتد بسلاسل فرعية من الجبال، ثم تنبسط، تدريجياً، حتى جنوب أفغانستان وباكستان، مكوّنة منطقة

صحراوية، خالية، في معظَمها، من أي تضاريس.

ج. إقليم خوزستان، وهو الجزء الواقع أسفل الذراع الجنوبية للرقم (2). ويُعَدّ امتداداً للسهل العراقي المنخفض، غرب المنطقة.

د. الشريط الساحلي على بحر القزوين، وهو الجزء الأعلى من الذراع الشمالية للرقم (2). ينخفض قليلاً عن سطح البحر، مكوّناً منطقة مناخية، منفصلة عن البيئة المحيطة.

تمتد التكوينات الطبوغرافية السابقة، إلى داخل دول الجوار الجغرافي لإيران. ولا يعني ذلك سهولة التنقل عبر الحدود، بل إن الحدود الإيرانية، تُعَدّ نموذجاً للطبيعة

الحارسة. ففي الغرب، تقف الحدود الإيرانية على حاجز مرتفع من الصخور، في منطقة ساحل الخليج العربي الشرقي. بينما ترتفع الممرات، القادمة من السهل الساحلي لبحر

قزوين، إلى أكثر من سبعة آلاف قدم، مما يعزل هذا السهل عن المناطق الداخلية للبلاد. وفي الشرق والشمال الشرقي، تقف التلال الكثيرة، والصحراء القاحلة، الممتدة

طويلاً، عائقاً للمرور إلى الدول المجاورة. (

اُنظر خريطة تضاريس المنطقة الإيرانية).

4. جيولوجية المنطقة العراقية

معظَم المنطقة العراقية سهل ذو سطح مستوٍ، خالٍ من المناطق الشجرية الكثيفة، أو من المرتفعات الجبلية ـ بشكل عام ـ. وهو ينقسم إلى ثلاثة أقاليم، ذات سمات مميزة:

أ. المنطقة ما بين نهرَي دجلة والفرات.وهي تمتد على طول امتداد النهرين، من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي. وهي تميل إلى الارتفاع، في الغرب والشمال الغربي،

نحو مصادر المياه، عبْر سورية، إلى تركيا، وعلى الرغم من كون السهل أرضاً مفتوحة، تقريباً ـ يسهل فيها الحركة بشكل عام ـ إلاّ أن الجزء الجنوبي منها، يكثُر

فيه البحيرات والمستنقعات، التي تُصعّب الحركة. وهي السمة عينها للأرض الواقعة في شمالها ـ لسبب آخر ـ حيث يعوق الحركة كثرة السبخات، والرمال الناعمة. وتضيف

شبكة القنوات المائية، التي يعتمد عليها الري والصرف للأراضي المزروعة في السهل، عائقاً جديداً للحركة خلال الإقليم السهلي

[4].

من وجهة أخرى، فإن منطقة ما بين النهرين، يمكِن تقسيمها إلى قسمين، يفرق بينهما خط وهمي، يمتد من كركوك إلى الرمادي:

(1) العراق الأعلى، وهو الجزء الشمالي، حيث مراكز إنتاج النفط الرئيسية، في الموصل وكركوك. وأرضه ذات تعاريج شديدة، مع انتشار للتلال في شرقيها، بارتفاع حتى

500م عن سطح البحر. وتتسع منطقة الوديان لمجرى نهرَي دجلة والفرات، ويزداد ميلها حدّة. كما يكثُر فيها قنوات الري، التي تكون ممتلئة بالمياه، في موسم الأمطار.

(2) العراق الأدنى (الأسفل)، الجزء الجنوبي، وهو مستوي السطح، في غالبه. ويكثر فيه المدن المزدحمة بالسكان، أهمها العاصمة بغداد، والبصرة، المركز الصناعي والتجاري

المهم. كما يكثُر فيه المستنقعات، وأفرع الأنهار، والبحيرات، إضافة إلى قنوات الري، مما يقصر الحركة خلال هذا الجزء على الطرُق المعروفة، والتي غالباً ما تصبح،

هي الأخرى، غير صالحة للتحرك بيُسْر، في موسم الأمطار. يغلب على سطح هذا الجزء التربة الطفلية، التي تصبح لزجة، شتاء، وتثير سُحُباً ترابية كثيفة، صيفاً.

ب. منطقة الصحراء العربية السورية.وهي تشغل غربي العراق وجنوبه الغربي. وهي ذات سطح مستوٍ، في غالبه. بينما يراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 450 و800 م، مما

يجعلها أكثر ارتفاعاً من منطقة ما بين النهرين. ويتكون سطح تلك الصحراء من الصخر الرملي. وتنحدر منها مجاري المياه، نحو سهل الفرات، بعمق. ويكثُر في المنطقة

الصحراوية الجروف ذات الحافات الحادّة، المعيقة للحركة.

ج. المنطقة الجبلية (شمالاً وشمال شرق).وهي مكونة من المنحدرات الغربية لجبال زاجروس، الممتدة من داخل الأراضي الإيرانية، والأجزاء الجنوبية لمرتفعات كردستان،

وهما يتكونا من سلاسل من المرتفعات، يتعدى ارتفاعها ألفَي متر فوق سطح البحر، متوازية أحياناً، ومتقاطعة أحياناً أخرى، تحجز بينها وديان طولية، تتجه جنوباً

وشمالاً، وتتقاطع مع الوديان المتجهة شرقاً وغرباً، بعض هذه الوديان عميقة، مما يعزل الجبال والمرتفعات بعضها عن بعض. يمتد من جبال كردستان روافد نهر دجلة،

مثل الزاب الأعلى، والزاب الأسفل، ودبالا. كما تغطي الثلوج تلك المنطقة في فصل الشتاء. (

اُنظر خريطة تضاريس العراق).

5. الظواهر الجوية في الإقليم الإيراني ـ العراقي

تتمتع الهضبة الإيرانية بشتاء معتدل، وصيف حارّ. ويكون الليل أكثر اعتدالاً من النهار. وتراوح درجة الحرارة بين 45 و55 درجة مئوية. بينما تصل نسبة الرطوبة إلى

20% صيفاً، وقد تنخفض الحرارة شتاء إلى الصفر. وفي خرسان وأذربيجان، يكون الصيف أكثر اعتدالاً، بينما الشتاء أكثر برودة. الإقليم الساحلي (الساحل الشرقي للخليج

العربي) أكثر احتمالاً مع زيادة في نسبة الرطوبة، تصل إلى 90%.

تسقط الأمطار في إيران شتاءً، وأحياناً في وسط الصيف، في شكل رذاذ خفيف. ويستقبل شمال غربي البلاد كمّاً أكبر من الأمطار، تستغل في زراعة الكثير من المحصولات.

وهناك دائماً احتمالات لحدوث سيول غامرة، عندما تزيد كمية الأمطار عن معدلاتها، فتؤدي إلى غمر الطرُق وقطْعها، كما تقضي على المحصولات، وتخرب القرى. تكون الأمطار

في إقليم القزوين الشمالي، في أعلى معدلاتها على البلاد، وتستمر طوال العام مع دفء المنطقة، لارتفاع درجات الحرارة، مما يساعد على انتشار الأمراض والحميات.

وتسود الرياح الشديدة المحملة بالأتربة (إلى درجة الإظلام)، لفترة تصِل إلى خمسين يوماً في السنة، وهي منتظمة في جنوب شرقي إيران.

يتميز العراق بشتاء قصير، بارد، وممطر. وصيف طويل، حارّ، وجافّ. تصل درجات الحرارة في المناطق الصحراوية إلى 50 درجة مئوية، ولكنها تهبط كثيراً خلال الليل. والجو

غير مستقر في الربيع. بينما تزداد برودة الخريف، تدريجياً، تمهيداً لاقتراب الشتاء. وتهب الرياح في الربيع ومعظَم الصيف. وهي جافّة، وباردة، تستمر عدة أيام،

قد تتواصل عشرين أو أربعين يوماً. وهي محملة برمال ناعمة، وساخنة، وتسمى رياح السَّموم، لسخونتها الشديدة، وكثافة الرمال الناعمة، التي تحجب الرؤية تماماً).

وفي الشمال، يسقط المطر بمعدل أعلى من الجنوب والغرب، اللذين يندر فيهما الأمطار، للطبيعة الصحراوية للهضبة السورية.

ثانياً: خلفية تاريخية

1. ظهور الفرس، في التاريخ القديم

كان ظهور الإيرانيين الأوائل، عام 900 ق. م، حينما استطاعت قبائلهم الوصول إلى الهضبة الإيرانية، وأن تحل بها محل الجماعات الأولى التي كانت تسكنها

[5].

خضعت القبائل الإيرانية، في البدء، للدولة الأشورية، وعرف من حل منها بغربي البلاد باسم الميديين. أمّا من حل بجنوبيها، فعُرف باسم الفرس. واستطاعوا، بعد فترة،

الاستقلال، ثم قهروا أشور، ووسعوا ملكهم، ليشمل جزءاً كبيراً من آسيا الصغرى.

استطاع قورش ـ وكان نائباً لملك ميديا ـ توحيد الميديين والفرس، والاستيلاء على السلطة. وقام بعدة غزوات ناجحة، انتهت إلى ظهور الإمبراطورية الفارسية العظمى

الأولى، في تلك الأنحاء (عام 553 ق.م)، وتمكّن من غزو المستعمرات اليونانية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في آسيا الصغرى. وحاصر بابل العظيمة، واستولى عليها،

بعد أن حوّل مجرى نهر الفرات، وأعاد بعض اليهود المنفيين في بابل، منذ أن قهرهم ملكها نبوخذ نصر، إلى فلسطين.

في عصر دارا، المعروف، لدى الفرس، باسم داريوش، عبرت الجيوش الفارسية البوسفور، لاستكمال الحرب ضد الإغريق، القوة المناوئة للفرس. والحروب (الفارسية ـ الإغريقية)،

التي بدأت عام 553 ق.م، مع بدء تكوين الإمبراطورية الفارسية العظمى، في عصر قورش العظيم، ومن بعده ابنه قمبيز، ثم دارا الأول، وحتى انتهاء تلك الإمبراطورية

[6]

على يد الفاتح المقدوني، الإسكندر الأكبر (330 ق.م)، يَعُدّها المؤرخون أولى الحروب العظمى، التي دارت في كل من أوروبا وآسيا، وشارك فيها دول عديدة من الجانبين.

2. الروابط التاريخية بين العرب والفرس

وفد العرب من بلادهم إلى وادى الفرات، في بداية القرن الثالث الميلادي. وأقاموا به لخصوبة أرضه. واتخذت قبائل تنوخ، ذات الأصل اليمني، من تلك الأراضي سكناً لها.

وتزامن ذلك مع قيام الدولة الساسانية في فارس، حيث استولى أردشير على الحكم، وقد حاول أن يطرد العرب من تخوم دولته، بالقوة، إلاّ أنه فشل. فعمد إلى الحيلة والسياسة،

ومنح العرب الأراضي المقيمين بها، فظهرت إمارة الحيرة (عام 240م)؛ إذ أراد أردشير أن تفصل تلك الإمارة العربية بين حدود فارس الجنوبية الغربية والمناطق العربية

المتاخمة، حتى تصدّ عنها غارات القبائل العربية، التي تشنها من فترة إلى أخرى، وتمنعهم من اقتطاع مناطق أخرى

[7].

استمرت العلاقة بين عرب الحيرة والفرس قائمة، على أساس الاستقلال الكامل للإمارة، في كافة شؤونها، مقابل الولاء لكسرى الفرس وصدّ الغارات العربية. وقد أُعفيت

من دفْع الإتاوة، كما شاركت الفرس في حربهم ضد الروم. وقد اتسعت حدود الإمارة في عصر أمرئ القيس، لتشمل هضبة العراق والشام والجزيرة والحجاز. ويرجع الفضل إلى

أهل الحيرة في نقْل الحضارة الفارسية إلى بلاد العرب، إذ اتّجروا بينهما. كما كانوا يعملون في تعليم القراءة والكتابة. وساعدوا على نشر النصرانية بين القبائل

العربية. وعملوا كرسل ووسطاء بين العرب والفرس، في بعض الأوقات.

لم تكن العلاقات العربية ـ الفارسية كلها على وتيرة واحدة. فالعلاقة مع عرب الحيرة، قامت على التعاون المتبادل. بينما كانت متوترة مع القبائل العربية، التي تغِير

على المدن والقرى الفارسية، القريبة من الحدود. ويذكر التاريخ موقعتين بين العرب والفرس قبل الإسلام. انتصر الفرس في الأولى، وهي موقعه يوم الصَّفْقَة

[8].

بينما انتصر العرب في الأخرى، وهي موقعة ذي القار

[9].

3. فتح العرب المسلمين لفارس

خرج العرب المسلمون بالدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية، لنشر الدعوة، وتبليغ الرسالة إلى الأمم والدول المجاورة. فقلبوا موازين القوى، وغيّروا مفاهيم

العلاقات الدولية. وتوحدت القبائل العربية تحت راية الإسلام، بعد طول خصومة، وتحركت الجيوش الإسلامية العربية لفتح الأمصار.

بدأ بنو شيبان، وعلى رأسهم المثنى بن حارثة، الصراع بين العرب والفرس. وكانت قبيلتهم تقطن في منطقة البحرين، ويمتد نفوذها من البصرة إلى جنوب ساحل الخليج. فكانت

الأقرب إلى أرض العراق

[10].

وكانت حدودها من حدثية الموصل، على نهر دجلة، إلى عبدان جنوباً، ومن العذيب إلى حلوان (شرق خانقين في إيران الحالية).

انتهز المثنى بن حارثة حروب الرِّدة، التي شارك فيها مع قومه إلى جانب الحق. بينما عاون الفرس المرتدين من العرب، في منطقته، في البحرين، وقرر الإغارة على أرض

السواد، حيث يكثُر فيها العرب، الذين يقاسون ظلم الحكام الفرس. تقدَّم المثنى، يقود ثمانية آلاف مقاتل، حتى بلغ مصبّ نهرَي دجلة والفرات في الخليج. وهاجم مدينتَي

دهشتا باذاردشير والأبله فخربهما، ثم عرّج على الحيرة، واشتبك مع قبائلها

[11].

وافقت أعمال المثنى ما استقر عليه رأي أبي بكر، الخليفة الراشد الأول، ووافق عليه الصحابة والمسلمون، من توجيه جيوشهم، بعد الانتهاء من حروب الرِّدة، إلى خارج

الجزيرة العربية لنشر الدين الإسلامي. فجمع الجند تحت قيادة خالد بن الوليد، الذي تحرك بهم إلى العراق

[12].

وأمر أبو بكر، أن يقوم عياض بن غنم بمساندته، بعد أن يفرغ من دومة الجندل.

التقى المثنى، بجنوده الثمانية آلاف، جند خالد، العشرة آلاف، في معسكرهم في الخفان

[13].

وسرعان ما اشتبكت القبائل العربية المسلمة مع قوات الفرس. ودارت عدة مَواقع حربية، تمكّن، خلالها، المسلمون من هزيمة جيش ساساني قوي، فاق عدده مائة وعشرين ألفاً،

في موقعة القادسية، التي دامت أربعة أيام (15 هـ / 636م)، واستولوا على المدائن، وانتشروا في الهضبة الإيرانية

[14].

في عصر الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب t، استطاع العرب تدمير جيش ساساني آخر، فاق عديده مائة وخمسين ألفاً، في موقعة نهاوند (21 هـ / 641م). وخضعت، بعدها،

فارس للعرب. وهرب كسرى إلى سمرقند، محتمياً بخاقان الترك، الذي أجاره، وحشد جُنده لحمايته

[15].

انتهز كسرى الفرس، يزدجرد، فرصة موت عمر بن الخطاب، وثورة أهل خراسان، وحاول أن ينظّم صفوفهم ويسلّحهم، إلاّ أن القوات الإسلامية في الإقليم، أخمدت الثورة، وطاردت

يزدجرد حتى وجدته مقتولاً. وانتهي، بذلك، عصر المجوسية في المنطقة. ودخل العراق وفارس في الدين الإسلامي. وهاجر العديد من القبائل العربية، من شبه الجزيرة العربية،

إلى المناطق المفتوحة، واستقرت بها.

4. نهاية المملكة الساسانية، الصِّلات العراقية ـ الإيرانية، بعد الفتح الإسلامي

ارتبط العراق وإيران، تاريخياً، حتى بدا أن أحداثاً تاريخية واحدة، ومشتركة، تصنع أقدارهما. فقد استمر شرقي الأراضي العراقية ضمن حدود الإمبراطورية الفارسية.

بينما شكلت إمارة الحيرة العربية، الخاضعة للنفوذ الفارسي، الجزء الغربي من الأراضي العراقية. وظل الأمر كذلك، حتى فتح العرب المسلمون كلتا المنطقتين، فارس

والعراق، ودخلتا في الدين الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب

[16].

طوال عصر الخلفاء الراشدين، ومن بعده العصر الأموي، ظلت المنطقة، التي شملت إيران والعراق ولاية واحدة، الولاية الشرقية للدولة الإسلامية. وخضعت لوالٍ واحد،

كان مقره، دائماً، في العراق

[17].

بعد مصرع يزدجرد، آخر أكاسرة الفرس، وسقوط الدولة الساسانية (31 هـ/651م)، تزوجت بناته الثلاث بخيرة شباب المسلمين: الحسين بن علي

[18]

ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر بن الخطاب. وقد أنجب الحسين بن علي من زوجته الفارسية علياً زين العابدين. وتُعَدّ تلك المصاهرة أحد أهم تشيّع أهل فارس لآل

علي بن أبي طالب. وعندما وقعت واقعة كربلاء، في عصر يزيد بن معاوية، الأموي، (في شهر محرم من عام 61 هـ/681م) بين الحسين بن علي وأنصاره وبين جند الأمويين،

التي انتهت باستشهاد الحسين، تركت نتائجها وآثارها في المسلمين، حتى وقتنا هذا. وكان الشيعة عامة، والإيرانيون خاصة، أكثرهم تأثراً بها. وترجع كراهية الإيرانيين

للأمويين، في بعض منها، إلى تلك الموقعة. بل يمكن القول أن الإيرانيين المتشيعين للحسين بن علي، قد كرهوا، كذلك، أهل العراق، الذين خذلوا الحسين، بعد أن عاهدوه

على نُصْرته، وكانوا سبباً في خروجه من المدينة المنورة، التي كان آمناً فيها من بطش الأمويين، إلى الكوفة، مدينتهم، التي وعدوه أن ينصروه، عندما يصل إليها.

فكان أن لحِق به جُند الخليفة الأموي، عند كربلاء، فلم يناصره العراقيون عليهم

[19].

استطاع أبو مسلم الخراساني، ومن معه من الجنود الإيرانيين (من إقليم خراسان)، حوالي ثمانين ألفاً، إسقاط الدولة الأموية، وإقامة الدولة العباسية (عام 133هـ/750م).

وحظِي الإيرانيون بنفوذ واضح، لدى الخلفاء العباسيين، الذين كانوا يحكمون من مقرهم في بغداد، في العراق

[20].

وتولّى البرامكة، ذوو الأصل الفارسي، الوزارة أكثر من خمسين عاماً

[21].

ومن طريقهم، تمازجت الحضارتان، العربية والفارسية، وأسهمتا معاً في بناء الحضارة الإسلامية الرفيعة، التي عرفت في العصر العباسي، واستمرت أكثر من خمسة قرون.

ظل العراق وفارس، منذ دخولهما الإسلام، منطقة حكم واحدة، معظَم الوقت، تتنازعها الدول والدويلات، التي قامت في أوقات ضعف الخلافة العباسية، وحتى سقوطها

[22]

، على يد القبائل المغولية، التي أهلكت آلاف المسلمين في القطرَين وما جاورهما من بلاد مسلمة حتى هزمها المصريون، في معركة عين جالوت، وأوقفوا فتوحاتها، فانسحبت

إلى شمال غرب إيران، واستقرت بمراغة، واعتنقت الإسلام، في عصر غازان، حفيد هولاكو (695 هـ/1295م)، الذي أعاد الحضارة الإسلامية ـ الفارسية، ورعاها في مناطق

حُكمه.

[1]

الحضارات الفرعونية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والعثمانية.

[2]

حضارتا الصين والهند.

[3]

الصراع على النفوذ بين روسيا القيصرية وبريطانيا العظمى، حتى منتصف القرن. ثم بين الاتحاد السوفيتي (بعد الثورة البلشفية عام 1917) والولايات المتحدة الأمريكية،

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عام 1945).

[4]

يبلغ طول نهر دجلة 1950كم، ويراوح عرضه بين 100 و200م، وعمقه بين 3 و6 م، وسرعة التيار فيه تصل إلى 1.5 م/ثانية. بينما يبلغ طول نهر الفرات 2700كم، ويراوح عرضة

بين 100 و150م، وعمقه بين 3 و5 م، وتصل سرعة التيار فيه إلى 1.5 م/ ثانية. ويكوّن النهران أهم الممرات المائية، التي تربط الأراضي العراقية بتركيا وسورية، شمالاً

وغرباً، وبالخليج العربي، جنوباً. وهما صالحان للملاحة جنوب بغداد، وبصورة أقلّ حتى الموصل شمالاً.

[5]

لا يُعرف عن خصائص القبائل الإيرانية الأولى وأصولها، إلا أنها تتحدث لهجة هندية ـ أوروبية.

[6]

تُعرف، في التاريخ، باسم العصر الأكميني.

[7]

كانت سياسة أردشير هذه مع العرب توفر له التفرغ لحروبه مع الروم والبيزنطيين، التي استمرت طوال فترة وجود المملكة الساسانية.

[8]

سميت بيوم ذي الصَفْقَة، لأن كسرى أصفق بابا حصن المشقر، في البحرين، على بني تميم، وأمر جنده بقتلهم. فهلك منهم عدد كبير.

[9]

ذو قار هي عين ماء، كان يردها قبائل بكر بن وائل العربية. حدثت عندها الموقعة الكبرى، التي انتصر فيها بنو بكر وحلفاؤهم من القبائل العربية. وفيها انحاز بعض

قبائل عرب الحيرة، الموالية للفرس، إلى العرب في تلك الموقعة. وانسحب بعضها من القتال، ليكشف جانب الفرس ويخذلهم.

[10]

يسميها العرب المسلمون الأوائل أرض السواد؛ إذ كانوا يطلقون لقب السواد على كل ما هو أخضر، وذلك لكثرة الخضرة الزراعية في أرضها.

[11]

مدينة دهشتا باذاردشير من أهم بلاد العراق، في عصر الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب. وكانت تسمى خزانة العرب (وهي البصرة القديمة). بينما مدينة الأبله هي

البصرة الحالية.

[12]

بلغ عددهم عشرة آلاف جندي.

[13]

موضع قريب من الكوفة.

[14]

وجّه أبو بكر سلسلة من الحملات القوية إلى العراق وسورية، في الوقت نفسه، تمكنت من هزيمة الجيوش، البيزنطية والساسانية.

[15]

هو يزدجرد، كسرى الفرس، في ذاك الوقت، الذي كان يحمل معه خزائن مملكته، على أمل أن يستطيع، بالمال، حشد قوات جديدة واستعادة عرشه.

[16]

تقع طيسفون، عاصمة إمبراطورية الفرس الساسانيين في الأراضي العراقية. وسميت، بعد الفتح الإسلامي، المدائن، إذ كانت مكونة من ثلاث مدن.

[17]

كان قصر الوالي على منطقتَي العراق وإيران، في الكوفة، في معظم الأحوال. لذلك، سميت الولاية باسم تلك المدينة (ولاية الكوفة). وهي المدينة نفسها، التي ارتأى

علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين وآخرهم، نقْل مقر الحكم إليها، في سابقة لنقْل عاصمة الدولة من المدينة المنوّرة، منذ وفاة الرسول r.

[18]

هي شهر بانو أي سيدة المدينة.

[19]

دفن شهداء كربلاء في مكان الواقعة. ويوجد فيها قبر الحسين بن علي، الإمام الثالث للشيعة. ودفن أبوه، علي بن أبي طالب، الإمام الأول للشيعة، في النجف. أمّا قبر

موسى الكاظم، الإمام السابع لديهم، ففي حي الكاظمية، في بغداد. وتسمى تلك الأماكن `العتبات المقدسة` لدى الشيعة، الذين يتوقون إلى زيارتها والتبرك بها، سنوياً،

ويحاولون أن تكون تحت سيطرتهم، وهي كلها في العراق، الآن.

[20]

أنشئت بغداد عام 146 هـ ـ 763 م، على هيئة دائرة. وظلت عاصمة الخلافة العباسية حتى غزاها المغول (عام 656 هـ ـ 1258م)، وأسقطوا الخلافة العباسية.

[21]

كانت نكبة البرامكة، في عصر هارون الرشيد (عام 187 هـ ـ 804 م) بعد أن استفحل نفوذهم، وعظم خطرهم على الدولة.

[22]

ظهر العديد من الدويلات، التي تمكن أمراؤها، لفترة، من الاستقلال بأقاليمهم (ومنها خراسان وطبرستان الإيرانيان)، عن الحكم العباسي، مثل الطاهريين والصفاريين

والسامانيين، في خراسان، والزياديين والبوهيين والغرنويين، في طبرستان (شمال إيران والعراق).

المبحث الثاني

الصراعات الإقليمية وتدخل القوى العظمى

أولاً: الصراعات الإقليمية، ومحاولات الاستقلال

لم يهدأ الصراع بين الأقطاب العالمية والأقطاب الإقليمية، على بسْط النفوذ والسيطرة على المنطقة، التي بدأت شعوبها، من جهتها، في التطلع إلى أن تحظى باستقلالها

وشخصيتها الخاصة.

1. العصر الصفوي

استمرت المنطقة الإيرانية (الفارسية)، لفترة طويلة، قرابة ثمانية قرون، تحت سيطرة القبائل الوافدة من الشرق، آسيا الوسطى. فقد تنازعتها القبائل المغولية، والتترية

التيمورية، ثم الشيبانية التركمانية، حتى استطاع الشاه إسماعيل هزيمة القبائل المنافسة له، والاستيلاء على المنطقة، عام 906هـ (1500م). ومدّ نفوذه إلى العراق

وفارس وكرمان وهمدان وخراسان. وأعاد بناء دولة إيرانية قومية، وأحيا الروح الساسانية القديمة.

أعلن الشاه إسماعيل المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة الصفوية، في إيران. واستعمل القوة والقسوة لإجبار السُّنيين على تغيير مذهبهم. وهو أول انفصال مذهبي،

منذ دخول المنطقة في الإسلام. فأصبحت المناطق الإيرانية شيعية المذهب، بينما تمسك العراق بالمذهب السُّني.

عاصر هذا التحول المذهبي انهيار الخلافة العباسية، وظهور دويلات إسلامية صغيرة، وكثيرة، على أطرافها، والتي كان شرق إيران إحداها، وقد أدى التحول المذهبي للدولة

الصفوية، إلى عداء الأتراك العثمانيين لها. وكان سلاطين آل عثمان، قد أسسوا دولتهم، واتخذوا من القسطنطينية عاصمة لهم، وسميت إستانبول

[1].

وأعلنوا خلافتهم على سائر المسلمين السُّنيين. وقد وجدوا أن الدولة الصفوية، في شرق العراق وإيران وحتى خراسان، قد أصبحت كتلة شيعية، تفصل بين السُّنيين في وسط

آسيا والهند وأفغانستان، والسُّنيين في تركيا والشام وغرب العراق ومصر.

2. الصراع الصفوي ـ العثماني

حاولت الدول الأوروبية، وعلى رأسها إمارة البندقية، إقامة حلف معادٍ للعثمانيين. فاقترح مجلس شيوخها على حكام الدويلات الإيرانية، الدخول معهم في هذا الحلف،

حتى يمكِنهم تشتيت جهود العثمانيين الحربية، وتخفيف الضغط في الميدان الأوروبي، مقابل حصول هذه الدويلات على الأسلحة النارية، التي كانت البندقية تمتاز بصناعها.

استمرت المفاوضات لإقامة هذا الحلف عشر سنوات (1463 ـ 1473) إلاّ أنها فشلت، نظراً إلى طول المسافة بين المنطقتين، والتغيرات في ميادين الحرب. ناهيك بأن البنادقة

وحلفاءهم، في ألبانيا وجنوه والمجر، تيقّنوا من فتح الجبهة الشرقية، من دون تدخل منهم.

ينحدر الصفويون من أردبيل. وهم من القبائل التركية المسلمة. ويسود بينهم المذهب الخلاصي (المسياني)، وهي طريقة دينية، لا سُنية، ولا شيعية، كانوا شيوخها. وهو

ما ساعدهم على السيطرة على قبائل المنطقة في تيكه وكرمان وطوروس. وقد أزعج ذلك السلطان العثماني، بايزيد، فقام بحملة اعتقالات واسعة في المناطق الحدودية، أعقبها

ترحيل السكان، المعروف عنهم ميولهم الصفوية

[2]

، إلى المناطق المنتزعة حديثاً من البندقية، في الموره.

استطاعت جيوش بايزيد، أن تشتت تجمعاً للمتمردين الكيزيلباش، في الأناضول. إلاّ أن الصراع على السلطة، في استانبول، أغرى إسماعيل شاه، عام 1512، ببدء تمرد ثانٍ،

بتدخله لمساندة بعض الأمراء العثمانيين المتصارعين، قبْل أن يحسم سليم الأول الصراع لمصلحته، ويرتقي العرش العثماني، في العام نفسه.

بعد أن استقر الأمر لسليم الأول، واستعادته السلطة في أرجاء الإمبراطورية، انقلب بجيوشه، شرقاً، لمعاقبة إسماعيل شاه، بمساندته لخصومه، من جهة، ودعوته للمذهب

الشيعي، من جهة أخرى. وهو ما رآه سليم الأول خطراً على ولاياته الأناضولية، وتأكد ذلك من تمرد الكيزيلباش المستمر.

بعد أن حصل سليم الأول على فتوى بخروج الشاه إسماعيل وأتباعه على الجماعة الإسلامية، مضيفاً شرعية الحرب ضده

[3]

، قاد حملة قوية، عام 1514، تتميز بضخامة العدد، واستخدام الأسلحة النارية العصرية، والكفاءة القتالية العالية، ضد وحدات الفرسان الصفوية، القليلة العدد، والضعيفة

التسليح، إذ إنها لا تستخدم أسلحة نارية، من مدافع أو بنادق، إلاّ أنها ذات فاعلية رهيبة في القتال.

وقع الصدام المرتقب، في أغسطس 1514، في تشالديران. وحصدت المدافع العثمانية الكيزيلباش المندفعين في هجمات متتالية، ومستمرة، حتى النهاية، أدت إلى خسائر جسيمة

في الطرفين وانتهت إلى هرب الشـاه إسماعيل، تاركاً عاصمته، تبريز، لتسقط في أيدي العثمانيين، الذين لم يستطيعوا المضيّ في مطاردته، لوعورة المنطقة الجبلية،

وقسوة المناخ الشتوي، الذي حل بعد صيف صعب، غير عادي، ورفْض الجنود الإنكشارية متابعة القتال

[4].

واكتفى السلطان سليم بهذا القدر من القتال والمطاردة، وتأكد من عدم قدرة الشاه إسماعيل على تجهيز جيش جديد، في وقت قريب. فعاد السلطان إلى عاصمة ملكه.

نهَج سليمان القانوني، خليفة سليم الأول (1520م)، سياسة سلفه نفسها، بفرض حصـار اقتصادي على الحدود مع الصفويين، في الشرق، لخنقهم اقتصادياً، ومنْعهم من التجارة

مع أسواق بورصا وحلب الشهيرة، خاصة أنه كان في حاجة إلى هدوء نسبي، في تلك الجهات، ليتفرغ لحربه في المجر والصرب والنمسا.

وعلى الرغم من عقد هدنة بين الصفويين والعثمانيين، عام 1523م، إلا أن وفاة إسماعيل شاه، في العام التالي، وصغر سن خليفته، طهمسب

[5]

، أدخل المنطقة الإيرانية في صراع، سعياً وراء ممارسة السلطة، باسم الشاه الجديد. ودفع الصراع بعض الأمراء الصفويين إلى اللجوء إلى العثمانيين، ليساندوهم. بينما

طالب آخرون الشاه، والذي كان قد بلغ العشرين عاماً، بالتدخل لحماية ولاياتهم من العثمانيين، الذين أسرعوا إلى تعزيز جيوشهم بمَدد جديد، على رأسه السلطان العثماني،

ففتح بغداد، من دون قتال، عام 1534م، واجتاز جبال زاجروس بعناء، ووصل إلى تبريز، وأنشأ الحصون للدفاع عن الحدود الشرقية للإمبراطورية، قبْل عودته إلى إستانبول

(1536م).

اعتلى الشاه عباس الكبير، القوي الشخصية

[6]

، العرش الصفوي (996هـ/1587م). وعمل على استرجاع ما فقَده الصفويون من أراضٍ، إذ استولى العثمانيون على أذربيجان، في الغرب. وسيطر الأوزبيكون على خراسان، في

الشرق

[7].

بدأ الشاه عباس بمهادنة العثمانيين حتى طرد الأوزبكيين من خراسان. ثم استدار، غرباً، واسترد أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، من العثمانيين، الذين كانوا يواجهون صعوبات

في أوروبا

[8].

دفعت الفوضى، التي اجتاحت الدولة العثمانية، الشاه عباساً إلى الاستيلاء على بغداد (1624)، وقتْل سكانها السُّنيين، ثم غزو كردستان، وصدّ هجمات العثمانيين المضادّة،

وكسر حصارهم لبغداد (1625 ـ 1626)، قبْل أن يتمكن السلطان مراد الرابع (عام 1638) من استرداد الأراضي العراقية. وعقد معاهدة مع شاه إيران، صفيّ الأول، الذي

خلف الشاه عباس الكبير، حددت الحدود الغربية لإيران، واستمرت حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

كانت الحروب بين الصفويين الشيعة، والعثمانيين السُّنة، نقطة تحوّل مهمة في العلاقات الإيرانية ـ العراقية، خاصة أن العثمانيين، سيطروا، معظَم الوقت، على العراق

وما فيه من أماكن مقدسة لدى الشيعيين، وهي المعروفة بالعتبات المقدسة. وقد ظلت تلك المقدسات مطمعاً وهدفاً للصفويين في حروبهم ضد العثمانيين، أو سبباً لإثارة

الحروب ضدهم، تبادل الطرفان، خلالها، السيطرة على منطقة البصرة، أكثر من قرنين، حتى تغلّب العثمانيون على الصفويين، واستقر احتلالهم للعراق. وبقيت آثار تلك

الحروب في وجدان شعوب المنطقة، توجّه العلاقات بين دولها، حتى تحولت إلى إرث نفسي، بين الإيرانيين والعراقيين.

3. العصر الإفشاري

لم تغيّر سياسة نادر شاه، الذي اعتلى عرش إيران، عام 1149هـ (1736م)، وأسّس الدولة الإفشـارية، من الشعور العدائي لدى الطرفين، على الرغم من إعلانه المذهب السُّني

مذهباً رسمياً للبلاد. وكانت حـركته السياسية تلك، تهدف إلى إزالة الانقسام المذهبي، في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وإزالة الكتلة الشيعية الفاصلة بين أجزائه.

وأدى اضطهاده زعماء الشيعة إلى نتائج عكسية.

إلاّ أن سياسة نادر شاه القاسية، أدّت إلى زيادة العداء له وللإيرانيين، من الشعوب المـجاورة. فقد غزا أفغانستان، وتوغل فيها إلى كابول. ثم دخل الهند، حتى دلهي،

في الشرق، وشمالاً، حتى بخارى وكل أوزبكستان. وأنشأ أسطولاً بحرياً إيرانياً في الخليج. واستولى على جزيرة البحرين (1151هـ/1738م). واحتل البصرة والموصل (1156هـ/1743م).

ثانياً: تدخل القوى العظمى، ونشأة الدولة الحديثة، في العراق وإيران

بدأ الاتصال بالعالم الخارجي مباشرة ـ الدول الأوروبية العظمى ـ في عهد فتحعلي شاه، ثاني ملوك إيران من القاجار، الذين أسقطوا الدولة الزندية، التي خلفت الدولة

الصفوية

[9].

عقد فتحعلي شاه معاهدة تحالف مع فرنسا عام 1222هـ (1807م). كان نابليون بونابرت يأمل أن تفتح له هذه المعاهدة الطريق البري القديم، لغزو الهند، درة التاج البريطاني،

عدوه اللدود. وكان الشاه يأمل أن يحصل، بموجبها، على أسلحة وبعثات تدريب عسكرية، لتحديث الجيش الإيراني

[10].

كما وُقعت معاهده كلستان مع روسيا القيصرية عام 1229هـ (1813م)، لتسوية الصراع على الحدود (إقليم جورجيا). ومعاهدة دفاع مع بريطانيا العظمى (1230هـ/1814م)، لم

تكن ذات فائدة لإيران، وإن بقيت سارية المفعول حتى عام 1274 هـ (1857م).

نقضت إيران معاهدة كلستان مع روسيا، وحاربتها. وعلى الرغم من الانتصارات الأولية، فقد مُنيت بهزائم قاسية، بلغت أوجَها، عندما وصلت الجيوش القيصرية إلى تبريز،

وأجبرت إيران على توقيع معاهدة جديدة ـ معاهدة تركمان جاي ـ عام 1244هـ (1828م). تنازلت، بموجبها، عن أراضٍ جديدة، في إقليمَي إربوان ونخجوان ـ ونصّت على تعويض

كبير للروس، مع حقهم في الرقابة البحرية على بحر قزوين، وامتيازات أخرى كثيرة، منها امتيازات اقتصادية وجمركية خاصة.

كانت هذه المعاهدات، الفرنسية والروسية والبريطانية، بداية لعصر تدخل القوى العظمى في المنطقة، وفقْد دولها لشخصيتها المستقلة، إضافة إلى التبعية السياسية، معظَم

الوقت، والاحتلال العسكري، بعض الوقت، من تلك القوى العظمى، إذ أصبحت المنطقة (أفغانستان ـ إيران ـ العراق) منطقة تعارض مصالح ـ منطقة ارتطام جيوبوليتيكي ـ

بين القوى العالمية المتصارعة. فروسيا القيصرية ( ومن بعدها الاتحاد السوفيتي، بعد الثورة البلشفية، 1917) تطمع في الحصول على ميناء في المياه الدافئة، في بحر

العرب، من طريق بلوخستان، شرق إيران، أو في الخليج العربي، من طريق إيران. وبريطانيا العظمى، التي وجَّهَت كل جهودها لحماية الطرق الموصلة إلى الهند، أعظم مستعمرة

ظفرت بها، على مدى تاريخها الاستعماري، عمدت إلى السيطرة على كل سواحل الخليج العربي، وخليج عُمان، وبحر العرب، مما يتعارض مع مصالح روسيا السابقة، كما لا يتفق

ورغبة نابليون في الوصول إلى الهند، براً أو بحراً.

كان موقف الإمبراطورية العثمانية مشابهاً لِما يدور في الشرق، في الدولة الإيرانية. فقد أدى تنافس الدول الأوروبية العظمى في فرض السيطرة والنفوذ، إلى تمزُّق

تدريجي للإمبراطورية العثمانية. بدأ في منطقة البلقان الأوروبية، حيث تذرع الروس بحماية الأرثوذكس والسلاف، بهدف السيطرة على البلقان، والوصول إلى مياه البحر

الأبيض المتوسط. بينما سعى البريطانيون إلى حماية طريق الهند، بالسيطرة على الممرات البحرية، المارّة بالبلاد العربية (البحر الأحمر) في حين يحاول النمساويون،

ومعهم الألمان، فيما بعد، كبح جماح الروس، بمساندتهم للبوسنة والهرسك. وتنزل الجيوش الفرنسية، بقيادة نابليون بونابرت نفسه، إلى ساحل مصر، في محاولة للوصول

إلى الهند، من طريق البحر الأحمر، بدلاً من طريق العراق ـ إيران السابق. وتقاتل الجيوش العثمانية في فلسطين، ضد الفرنسيين

[11].

بينما تحاول جيوش أخرى وقف تقدُّم الجيوش الروسية في البلقان. وينجح السلطان سليم الثالث في عقد معاهدات صداقة مع كافة الدول.

1. تنافس الدول الكبرى في النفوذ في المنطقة

أرهقت الحروب المستمرة الإمبراطورية العثمانية. وأدى انشغال سلاطين آل عثمان وأمرائهم بالصراع على السلطة، إلى محاولة الولاة التمرد والاستقلال بولاياتهم، خاصة

في الولايات الشرقية والإغريقية. بينما ساد الولايات الأوروبية عصابات، نشرت الرعب والفوضى في بعضها. وساند الروس والنمساويون تمرد البعض الآخر لزيادة المصاعب

للعثمانيين

[12].

واتخذ بعض الحركات طابع الإصلاح الديني، والذي كان يعني ضعف النفوذ الديني للخلافة العثمانية

[13].

ومع اقتراب انتهاء القرن التاسع عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية قد مُنيت بخسائر كبيرة في البلقان، وتراجع العثمانيون عن جزء كبير من ولاياتهم الأوروبية، لمصلحة

بريطانيا وروسيا، بينما استقل بعض تلك الولايات

[14].

إضافة إلى نقْص الموارد المالية، نتيجة هذا التراجع، والتعويضات عن الحرب، التي فُرضت على تركيا. ووضح أن الدولتين المدافعتين عن مصالح تركيا، هما متنافستان

في تقسيمها، تدريجياً.

اتخذ التنافس الروسي ـ البريطاني في الجانب الشرقي للدولة العثمانية ـ المسرح الإيراني ـ صورة أخرى، إذ اعتمد على الجانب الاقتصادي، لمواجَهة الطلبات المتزايدة

للنشاط الصناعي الحديث، من المواد الخام والأسواق الجديدة. وطُبقت سياسة التدخل السياسي للحصول على الامتيازات الاقتصادية. وأسرع رجال المال الإنجليز إلى عقد

الصفقات مع إيران، لتمويل مشروعات البنية الأساسية والمؤسسات المصرفية واستقلالها. وأكتفي الروس بتقديم القروض الباهظة الفائدة، والإشراف على إعادة تنظيم وتدريب

الجيش الإيراني وتسليحه، على النمط الروسي

[15].

وشهد العقدان الأخيران من القرن التاسع عشر، تزايد النفوذ الأجنبي داخل إيران. فقد استولى الجيش الروسي على طشقند وسمرقند وبخارى وخيوه. واعترفت إيران بحق روسيا

في مدينة مرو المهمة، في اتفاقية أخال (1300هـ ـ 1882م). وفتحت سفارة أمريكية في طهرن، في العام نفسه. كما ظفرت عدة دول أجنبية بحقوق وامتيازات لرعاياها.

حاول حكام إيران وقف النفوذ الأجنبي، وتحسين نُظُم الإدارة في الدولة، إلاّ أنهم أخفقوا. وفي الوقت عينه، بدأ نفوذ رجال الدين الشيعة وسيطرتهم على الدولة، في

التزايد. وزاد من سوء الموقف تزايد الاقتراض من روسيا، لدفْع مصروفات الرحلات الأوروبية للطبقة الحاكمة، مقابل وقف الامتيازات الممنوحة للدول الأخرى، خاصة بريطانيا،

ومنها امتيازات الجمارك والسكك الحديدية والطُرق والدخان وغيرها. وبدا أن الجو العام في الدولة مهيأ لظهور ثورة قوية، تطالب بحركة دستورية، تحدد المسؤوليات

والواجبات، وهو النظام البرلماني الجديد، الذي ظهر عام 1324هـ (1906م)، وإن كانت الحركة الدستورية ناجحة تماماً.

ظل النفوذ الروسي في إيران متفوّقاً على نظيره البريطاني، مغذياً أطماع إيران القديمة في أفغانستان، ومحرضاً لها على إثارة القبائل الهندية، ضد الاحتلال البريطاني

لبلادهم. وتدخلت فرنسا لعقد صلح. وتم ترسيم الحدود الشرقية لإيران مع أفغانستان (1321 ـ 1324هـ / 1903 ـ 1906م). من جهة أخرى، عقدت بريطانيا وروسيا اتفاقاً

ودياً، لاقتسام مناطق النفوذ في إيران بينهما، والذي قضى بأن تكون المناطق الجنوبية للإنجليز، والمناطق الشمالية للروس، بينما تبقى المنطقة الوسطى منطقة حياد

عازلة. واضطرت الحكومة الإيرانية، تحت ضغط الدولتين، إلى الاعتراف بهذه المعاهدة. كما اعترفت بها روسيا، عام 1911. وعلى أثر ذلك، توقّف التنافس الأجنبي في إيران،

إلى حين. (

اُنظر خريطة تقسيم إيران).

2. الحركات القومية

أسفرت الضغوط الأوروبية، في نهاية القرن التاسع عشر، وازدياد نفوذها لدى حكام المنطقة وولاتها، بل احتلالها بعض الولايات، عن ظهور شعور قومي، تطوَّر إلى حركة

وطنية، في معظَم بلاد الشرق الأوسط، سواء تلك الخاضعة للحكم العثماني أو المستقلة عنه. ولم تشذّ إيران والعراق عن تلك الظاهرة، التي بدأت تتبلور بفاعلية، في

نهاية العقد الأول من القرن العشرين.

اختلف نظام الحكم في الدولتين، فإيران مستقلة، شكلاً، وخاضعة للنفوذ الأجنبي، واقعاً، مع تدهور في سيطرة الشاه على البلاد. والعراق تحت الحكم العثماني، الذي

يعاني ضعفاً واضحاً، ويسير من سيّـئ إلى أسوأ، ويطارد حكامه أولئك المنادين بالإصلاح الدستوري والحقوق الوطنية في الاستقلال.

تشابهت الظروف، الداخلية والخارجية، لإيران والعراق، على الرغم من اختلاف نظام الحكم فيهما، وخضعت منطقة الشرق الأوسط كلها، ومعها إيران والعراق، للعوامل نفسها،

من عنف الضغط الأجنبي، والتنافس بين الدول، التي تتزايد ضغوطها، كما تتزايد أعدادها، بدخول الولايات المتحدة الأمريكية وبروسيا وفرنسا، منافسة لروسيا القيصرية

وبريطانيا العظمى. وأدى ذلك التنافس إلى تغلغل النفوذ الأجنبي، وانهيار الحالة الاقتصادية، وفوضى سياسية، أُثرت في الجانب الاجتماعي لشعوب المنطقة عامة، وتهيأت

المنطقة لتكون مسرحاً لأحد أكبر أحداث القرن الجديد.

3. الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)

حتى عام 1870، كانت سياسة إمبراطور بروسيا، الحكيم، بسمارك، البُعد عن أي نشاط استعماري، يمكِن أن يقلب عليه القوى الاستعمارية الكبرى، فيعرقل بناءه لقوّته الناشئة.

وعلى ذلك، فقد اقتصر نشاط ألمانيا على إرسالياتها الدينية، في مناطق محدودة.

تحولت السياسة الألمانية، في عهد الإمبراطور غليوم الثاني

[16]

، وكشفت عن أطماعها الاستعمارية، وبَنَت قاعدتها السياسية الشرقية، على أساس اتخاذ الدولة العثمانية، معبَراً للوصول إلى مناطق السيادة والنفوذ في العالم، بالسيطرة

على طرُق التجارة البرية، وبعيداً عن السيطرة البحرية لبريطانيا العظمى.

كانت البداية استعانة الدولة العثمانية بفنيِّين وخبراء ألمان، في مشروعات التحديث والبنية الأساسية. ثم تطورت إلى الاستعانة بضباط ألمان على تنظيم الجيش العثماني

وتدريبه، وقد صادف أن العثمانيين كانوا يرغبون في إحياء الطرُق البرية، لربْط أطراف الإمبراطورية وحدودها، وجعلها القاعدة الأساسية في سياستها التجارية، حتى

تبتعد عن سيطرة بريطانيا على البحار. وأدى تطابق وجهات النظر، الألمانية والعثمانية، إلى البدء في مشروع سكة حديد، يمتد من العاصمة إلى بغداد. وعارض الروس المشروع،

إذ خشوا تهديداً مستقبلياً لحدودهم في القوقاز إذا وصلت السكك الحديدية إلى ديار بكر، وتحوّل مسار الخط، غرباً، ليصل إلى حلب، فالموصل، ثم بغداد

[17].

وازدادت هوة الخلاف بين ألمانيا وبريطانيا العظمى اتساعاً لتضارب مصالحهما. بينما ازداد التقارب بين بريطانيا وفرنسا، إذ عمدت حكومة لندن إلى تجميع القوى ضد

ألمانيا، لإعادة التوازن في أوروبا. وفي إطار تلك الإستراتيجية، عقدت إنجلترا معاهدة مع فرنسا، 1904، ثم مع روسيا، 1907، بموجبها قسمت مناطق النفوذ، في أفغانستان

وإيران.

شهد مشروع الخط الحديدي التركي إلى بغداد، قمة الصراع السياسي بين الدولتين المتنافستين. وواصل السلطان عبدالحميد طموحة إلى إنشاء خط سكة حديد إلى الحجاز بإشراف

الألمان وتنفيذهم

[18].

وقد عاون الخطان على ربْط أجزاء الدولة العثمانية، شرقاً وجنوباً، في أكثر الأماكن أهمية وحساسية.

اتجه الألمان، شرقاً، إلى إيران، في محاولة للاستفادة من كراهية الإيرانيين لاتفاق 1907، البريطاني ـ الروسي. واتخذوا من التجارة وسيلة لتوثيق صِلاتهم بإيران،

فعمدوا إلى غمْر الأسواق بالمنتجات الألمانية، وأمدوا الجامعات بالأساتذة والهبات، وتغلغلوا في صفوف الجيش والشرطة. وقد قابلت بريطانيا تزايد النفوذ الألماني

في إيران، بزيارة بعثة عسكرية من الهند إلى المنطقة، والتخطيط لاحتلال البصرة، عند قيام الحرب، ووضع إمكانات شركة النفط الإنجليزية الإيرانية، بما فيها السفن،

في خدمة البحرية البريطانية

[19]

(1912). وأبرمت اتفاقيتين مع شيخ المحمرة

[20]

، العربي، وأمير البحرين (1911) لحمايتهما ضد العثمانيين، مقابل عدم الارتباط باتفاقيات مع دول أخرى، إلاّ بعد موافقتها.

اندلعت نيران الحرب، واشترك فيها معظَم الدول الأوروبية، وكثير من الدول والولايات، الآسيوية والأفريقية، كتابع للدولة المستعمرة أو المسيطرة. وبدا أن الحلف

الثلاثي، يقود الجانب المتحالف. بينما ألمانيا والنمسا، تقودان المعسكر الآخر، الذي انضمت إليه تركيا العثمانية بدافع من المصلحة القومية، والنفوذ الألماني

في البلاط العثماني، والخصومة مع أطراف الحلف الثلاثي، وعلى رأسها روسيا، التي كانت مناطق الحدود معها ما زالت ساخنة.

كانت الحرب العالمية الأولى حرباً ضروساً، شارك فيها دول عديدة، في حرب عامة، كل لمصلحتها الخاصة أو لظروفها الدولية والإقليمية. وقد بدأت أعمال القتال ضد تركيا،

بمحاولة الأسطول البريطاني اختراق مضيقي البوسفور والدردنيل، للاتصال بروسيا. ثم محاولة إنزال حملة برية ضخمة في غاليبولي، ولم تنجح المحاولتان. بينما تقدم

الروس، عبر القوقاز، إلى أرمينيا. واستولوا على مَواقع الجيش التركي، في أرضروم وطرابزون، لكنهم ارتدوا عنهما، لصعوبة الإمداد، ووعورة الأرض.

حاول الإنجليز، خلال الحرب، استغلال وجود قواتهم في مصر، بالاستيلاء، على الولايات العثمانية الشرقية. واستطاعوا، بعد عدة محاولات، الاستيلاء على العراق (مارس

1917). بينما تقدمت القوات الروسية، عبْر غرب إيران، فاحتلت كرمنشاه وخانقين (أبريل 1917). إلاّ أن قيام الثورة البلشفية، في العام نفسه، أضطرها إلى الانسحاب

من المنطقة التي سارع الإنجليز إلى احتلالها

[21].

وبنهاية عام 1918، كانت الجيوش الإنجليزية، تسيطر على الولايات العثمانية، في مصر وفلسطين والشام والعراق، إضافة إلى إيران. وانتهت الخلافة العثمانية، وقسِّمت

الأسلاب على المنتصرين. وحددت اتفاقية سايكس ـ بيكو (1916)، مسبقاً، مناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا وروسيا، التي تعدلت بعد الثورة الروسية، لتقتصر مناطق

النفوذ على لندن وباريس. (

اُنظر شكل اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916).

أبقت بريطانيا، طبقاً لاتفاقية سايكس ـ بيكو المعدلة، جنوب شرق العراق حتى الخليج العربي، تحت سيطرتها المباشرة. إلى جانب تمتعها بمنطقة نفوذ غرب المنطقة السابقة،

وحتى الحدود المصرية. وهو ما يعني اتصال مناطق نفوذها الجديدة بالمناطق السابقة، شرقاً، في إيران، وغرباً، في مصر، لتظل مسيطرة على كافة الطرُق الموصلة إلى

مستعمرتها، الجوهرة، في شبة الجزيرة الهندية

[22].

وعلى الرغم من إعلان شاه إيران حياد بلاده، إلاّ أن وجود قوات أجنبية فيها، جعلها مسرحاً للقتال، أحياناً، أو ميداناً للمؤامرات السياسية. وفي النهاية، فإن الإنجليز،

سارعوا إلى احتلال المناطق، التي تركها الروس، إضافة إلى الاستفادة من المعاهدة مع شيخ المحمرة. وحاول الأتراك الحيلولة دون اتصال الإنجليز بالروس، في إيران،

بإرسال قوات تعمل على الفصل بينهما. إلاّ أن الإنجليز، بمعاونة من الإيرانيين أنفسهم، أحبطوا المخطط التركي، وأجبروا الألمان على اللجوء إلى حماية القبائل الإيرانية،

حول "قم"، المدينة المقدسة لدى الشيعة

[23].

أسفرت الحرب العالمية الأولى عن عدة معاهدات، أملى فيها المنتصر شروطه ودعم مصالحه. وقبِلها المنهزم صاغراً. ففي أكتوبر 1918، عقدت معاهدة سيفر بين تركيا والحلفاء،

اتُّفق بموجبها على تقسيم الأملاك العثمانية، والسيطرة على الممرات الإستراتيجية، في الدردنيل والبوسفور، وتشجيع القيادات التركية الجديدة على تحديث تركيا،

نحو العلمانية

[24].

اجتمع الحلفاء، في 25 أبريل 1920، في سان ريمو، وأصدروا قرارات الانتداب على المنطقة العربية، وهو ما سبق أن اتفق عليه لويد جورج وكليمنصو، رئيسا وزراء خارجية

إنجلترا وفرنسا. وعوضت إنجلترا الأمير فيصل بن حسين، شريف الحجاز في ذلك الوقت، عن فقْده لإمارته في سورية، التي احتلتها فرنسا، بإقامة حكومة في العراق، وترشيحه

ملكاً عليها. كما بحثت مع الأمير عبدالله، في إمارة عربية، في شرق الأردن، بمساعدة بريطانيا. ما لبث أن انتقل إليها بالقبائل التابعة له

[25].

ترك الاتفاق على تقسيم المنطقة العربية، منطقة الموصل ضمن النفوذ الفرنسي. إلاّ أن إنجلترا، بعد انتهاء الحرب، رأت حرمان الفرنسيين منها، حتى لا يكون لهم نفوذ

في مركز إستراتيجي حساس، قد يكون معبَراً إلى الهند، إضافة إلى كونها إحدى مناطق إنتاج النفط، الذي ظهرت أهمية السيطرة على منابعه. فأوعزت إلى العراقيين وفيصل،

الذي أصبح ملكاً على العراق، أن يطالبوا بالموصل، على أساس أنها جزء من الأراضي العراقية. وسرعان ما حركوا قواتهم واحتلوها. وتتابعت المعاهدات والاتفاقات، بين

العراق وتركيا، حتى قررت عصبة الأمم

[26]

ضمها إلى العراق، مع وضعها تحت انتدابها، لمدة 25عاماً.

وكما كانت أحداث التاريخ في فارس والعراق متشابهة قديماً، كذلك تشابهت نتائج الحرب العالمية الأولى في شأنهما. فلم تكن بريطانيا لتترك إيران خارج سيطرتها، وهي

المعبَر إلى الهند، وتطل على البحار الموصلة إلى جنوب أفريقيا ووسطها وجنوب شرق آسيا. فأصبحت هي عينها هدفاً، خاصة بعد اكتشاف النفط في أراضيها. فعادت، لدى

توقّف الحرب، إلى التنافس مع الاتحاد السوفيتي في النفوذ في إيران، مستغلة عدم تقبّل الكثيرين الأيديولوجية الشيوعية، التي اعتنقتها الثورة البلشفية في روسيا،

وخاصة زعماء الدين في المنطقة، من الشيعة والسُّنة، على حد سواء. وفي المقابل، حاول السوفيت اكتساب الحكومة الإيرانية إلى جانبهم، فأعلنوا، في يناير 1918، تنازلهم

عن كل الامتيازات، التي كانت لروسيا القيصرية، وكذا الديون المتراكمة من القروض وفوائدها. بل أبدوا استعدادهم للتعاون معها على إخراج القوات، البريطانية والتركية،

من أراضيها، مع وعْد بسحب قواتهم أيضاً، متى تم ذلك.

سارعت بريطانيا إلى إبرام معاهدة مع إيران، في أغسطس 1919، تعترف، في مادتها الأولى، باستقلالها، وسيادتها على أراضيها. ثم قيّدتها في باقي المواد، لتجعل من

نفسها مراقباً على الأحوال المالية، والإدارة الحكومية، والنواحي العسكرية، والمرافق. ثم احتكت بالقوات السوفيتية، واشتبكت معها. وحاول كل طرف إقصاء الآخر عن

إيران، عندما قاد رضا خان بهلوي، الضابط في فرقة القـوزاق الإيرانية، انقلاباً عسكرياً، محتلاً العاصمة طهران، فعجلت بريطانيا بسـحب قواتها إلى العراق، الذي

أصبحت أكثر أهمية لديها. وأدى رفض المجلس النيابي الجديد، في إيران، للمعاهدة السوفيتية، المعلنة منذ عام 1919، إلى سحْب السوفيت لقواتهم كذلك، بعد أن اطمأنوا

بخروج الإنجليز منها أيضاً. وتمكّن الجيش الإيراني الجديد من دحْر ثورة للشيوعيين المحليين، في شمال البلاد

[27]

وطرْد آخر شاه من القاجار. وألغى رضا خان الملكية، وأعلن الجمهورية (1923)، وتولى رئاستها، ثم أعاد الملكية، على أن يكون هو الملك، بعد استشارة زعماء الشيعة،

في قم. وأعلن نفسه شاهنشاه

[28]

، في نهاية عام 1925، وقضى على نفوذ شيخ المحمرة، العربي، وعلى النفوذ الإنجليزي في الجنوب، وقبائل البختياري المناوئة، وفرض، للمرة الأولى، منذ زمن بعيد، سيطرة

على كل البلاد الإيرانية.

لعل أبرز نتائج ما بعد الحرب العالمية الأولى، أن أصبح هناك دولتان في المنطقة، إحداهما عربية، والأخرى فارسية، ولكل منهما ملك ذو توجهات وطموح توسعي.

[1]

دخل العثمانيون القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، في 29 مايو 1453م، في عهد السلطان محمد الثاني.

[2]

معظمهم من الكيزيلباش (الرؤوس الحمراء) أشد أنصار إسماعيل شاه.

[3]

كانت الفتوى لشيخ الإسلام، صاري جوريز، أعلى مرجع ديني في الإمبراطورية العثمانية، بناء على طلب من السلطان سليم الأول.

[4]

تمكن جيش عثماني آخر من إخضاع المنطقة كلها، عام 1516م، وطرد الصفويين منها نهائياً.

[5]

الابن الأكبر لإسماعيل شاه، وكان يبلغ العاشرة من العمر، حين وفاة والده.

[6]

يُعَدّ من الملوك العظام في تاريخ إيران، لشخصيته الفذة وذكائه. كان ذا مظهر جذاب، لتناسق بنْيته وهندامه ونشاطه وشجاعته وعدله، مما أكسبه حب الشعب والأمراء،

في فترة وجيزة. وقد دوّن الرحالون الإنجليز أخباره، وسجلوا سنوات حكمه باستفاضة، في زياراتهم بلاطه.

[7]

الأوزبكيون قبائل آسيوية، من أصول تركية، مثل العثمانيين. يقطنون في وسط آسيا وغرب أفغانستان.

[8]

سانده على ذلك تمرد القبائل الكردية والدرزية، في شمال إيران والعراق وسورية.

[9]

في نهاية عصر الدولة الصفوية، استقل الأمراء بأقاليمهم، وكونوا دولهم الخاصة، التي اقتتلت حتى ظهر بعضها على بعض، فترة من الوقت، قبْل أن تسقط هي الأخرى.

[10]

كان حكام إيران يهدفون إلى تقوية جيوشهم، حتى يمكنهم استرجاع جورجيا من روسيا القيصرية، التي استولت عليها منذ عدة أعوام سابقة على المعاهدة (1216هـ ـ 1801م).

إلا أن نابليون، اتفق مع روسيا القيصرية، مما دفع الإيرانيين إلى عقد معاهدة مع روسيا (معاهده كلستان) تنازلوا فيها عن جورجيا، كأمر واقع.

[11]

سعى البريطانيون إلى احتلال مصر، لتأمين طريق الهند، بعد جلاء الفرنسيين منها (حملة فريزر 1807). وتصدى لهم الشعب المصري وواليه، محمد علي. وأجبروا على الانسحاب.

[12]

أراد الروس من مساندتهم البلغار والصرب، إحياء انتفاضة قومية سلافية لإيجاد نفوذ متزايد لهم في الدول البلقانية، إضافة إلى جذب انتباه العثمانيين إلى المناطق

الأوروبية، في الوقت التي تحاول فيه روسيا زيادة نفوذها في الولايات والدول العربية، من الخليج العربي، من دون تدخّل جاد من العثمانيين.

[13]

ظهرت الحركة الدينية في شبة الجزيرة العربية، حيث دعا محمد بن عبدالوهاب (1703 ـ 1792) إلى تنقية الإسلام من البدع. وقد سانده أمير نجد على دعوته. وتطلب الأمر

تدخّل قوات محمد علي باشا، والي مصر، في حرب دامت سبع سنوات، نيابة عن العثمانيين. كما نهج على منهاج الوهابية دعاة آخرون، تأثروا بها، مثل السيد أحمد في البنجاب،

وطائفة المسلمين في زنجبار والشوطاني في اليمن، والسنوسية في شمالي أفريقية وغربيها، ولقيت تلك الحركات الإصلاحية مقاومة من الحكام الإقليميين، أو سلطات الاحتلال.

[14]

شملت 21 ألف كم2. يقطن فيها نحو 5.5 ملايين نسمة، أي ما يعادل خمس سكان الإمبراطورية تقريباً. وقد وضعت مصر تحت حماية بريطانيا، وتونس تحت حماية فرنسا. وأصبحت

تركيا العثمانية دولة آسيوية، ذات ممر أوروبي وساحل أفريقي، في ليبيا فقط.

[15]

حصل البارون البريطاني، رويتر، على امتيازات، لإنشاء سكك حديدية وطرق للسيارات، واستغلال الثروة المعدنية والنفط وشبكة للبرق، واستغلال منشآته لمدة سبعين عاماً،

والإشراف على أعمال الجمارك لمدة 24سنة. بينما حصل الروس على إنشاء لواء من القوزاق الفرس وقيادته، في طهران والمدن الشمالية، وفتح مصرف روسي في العاصمة، وحقوق

الصيد في بحر قزوين.

[16]

خلف بسمارك في الحكم، عام 1888. وكان ذا أطماع استعمارية توسعية.

[17]

حاولت الشركة المنفذة عقد اتفاق مع أمير الكويت، عام 1900، لتكون نهاية الخط الحديدي، هي ميناء الكويت، لربط الخليج العربي بشرق البحر الأحمر. وتوقف الاتفاق

بظهور سفن الأسطول البريطاني، أمام سواحل الكويت. ولم تستطع الشركة عقد أي اتفاق، في شأن أي ميناء آخر في الخليج، للسبب نفسه.

[18]

دعا السلطان عبدالحميد إلى تمويله بمساهمة من الدول الإسلامية. واكتمل وبدأ تشغيله عام 1908.

[19]

كانت الشركة قد أتمت حفر مائتي بئر نفط، في إيران. ومدت خط أنابيب حتى عبدان، على الساحل.

[20]

إمارة عربية، تتبع إيران، على الحدود مع العراق.

[21]

مع نهاية عام 1917، كانت القوات البريطانية في مصر، قد ردت الهجمات التركية. ثم تقدمت، عبْر سيناء، إلى فلسطين، وأمنت الخط الحديدي للحجاز. ودخل اللنبي، القائد

البريطاني الجديد، بيت المقدس، في ديسمبر من العام نفسه، ليعلن: "اليوم، انتهت الحروب الصليبية".

[22]

قبْل مرور عام ونصف، كانت بريطانيا قد وضعت مصر تحت الحماية المباشرة، وأعطت الصهيونية وعد بلفور (نوفمبر 1917)، لإنشاء وطن قومي في فلسطين.

[23]

نزحت مجموعة من رجال الدين والسياسة إلى مدينة "قم"، حيث كونوا جماعة "اجتهادي إسلام"، بزعامة سلمان مرزا. ونزح إليها، كذلك، المفوضيتان، الألمانية والنمساوية.

[24]

ألغيت الخلافة العثمانية في مارس 1924، بعد انتهاء الحرب التركية ـ اليونانية. وسبق ذلك إلغاء السلطنة، وإعلان الجمهورية (1922)، وانتخاب مصطفى كمال (أتاتورك)

رئيساً للجمهورية (1923).

[25]

كان الأميران فيصل وعبدالله، أكثر مرونة، سياسياً، من والدهما، الشريف حسين؛ لذا فازا بمُلكي العراق وشرق الأردن، تحـت الانتداب البريطاني، الذي خضعا له، وتقبّلا

معونته. بينما انتهت إمارة الحجاز، التي كان يحكمها الشريف حسـين، حينما اجتاحتها القبائل السعودية، أثناء توحيد المنطقة، بوساطة آل سعود، أمراء نجد. وانتقل

الشريف حسين إلى المنفى، وحققت إنجلترا أطماعها في بسط نفوذها، من غرب الهند، بامتداد متواصل، إلى أفغانستان فإيران فالعراق فشرق الأردن ففلسطين فمصر إلى قناة

السويس.

[26]

كونت كمنظمة دولية، عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بهدف الحؤول دون حرب عالمية، مرة أخرى، وحل المشكلات سلماً، ودبلوماسياً.

[27]

تدعى ثورة جيلان، التي كان كوتشيك خان، قد أعلنها جمهورية بلشفية، بمعاونة السوفيت، 1918.

[28]

تعني، بالفارسية، ملك الملوك.

ا�