الرهان القومي- أكتوبر1917 :

انقالب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية

إرنست ماندل

ترجمة: كميل قيصر داغر

الناشر: دار االلتزام

1

: هل هو انقالب أم1917الفصل األول- أوكتوبر ثورة اجتماعية

إن حملة اغتياب وتشهير حقيقية بحق ثورة أكتوبر تأخذ مجراه��ا حالي��ا، في الش��رق كم��ا في الغ��رب. وغالبا ما تأخذ نبرات حاقدة. إنها تقوم على تزويرات تاريخية وخراف��ات ال تق��ل إطالق��ا عن تزوي��رات الستالينية وخرافاتها. ومكافحتها ليست أمرا ال بد منه فقط من وجهة نظر علمية وسياسية. إن األم��ر يتعلق بعمل سالمة فكري ال غنى عنه. إن القتال ألج��ل الحقيق��ة ه��و أيض��ا قت��ال ألج��ل ح��د أدنى من

االحتشام في الحياة العامة. يهم في هذا الفصل األول، أن نتناول ثالثا من هذه الخرافات التي نلتقيها في أكثر األحيان على امتداد

الكتابات السجالية المعاصرة.خرافة االنقالب على يد أقلية

إن التضليل األول يتناول طبيعة ثورة أوكتوبر بال��ذات. فبحس��ب ه��ذه الخراف��ة، لم يكن أوكت��وبر غ��ير انقالب شيطاني، بقيادة معلم في المناورات هو لينين، حقته ش��لة ص��غيرة من الث��وريين المح��ترفين.

الفاشل، في موسكو، معبرة ج��دا من وجه��ة1991 آب/أغسطس 26إن التعليقات التي تلت انقالب إزال��ة م��ا ك��ان1991النظر هذه. فالبعض لم يترددوا في الكتابة أن انقالبا ثانيا )فاشال( أتاح في عام

.1917انقالب أول )ناجح( قد خلقه عام والحقيق��ة أبع��د م��ا تك��ون عن ذل��ك. فقل��د ك��انت ث��ورة أوكت��وبر نقط��ة ال��ذروة في إح��دى الحرك��ات الجماهيرية األشد عمقا في التاريخ. ففي أوروبا في تلك الفترة، كانت انتفاض��ة العم��ال األلم��ان ع��ام

، بمواجه��ة1936، ردا على انقالب كاب-فون لوتفيتز، والث��ورة القش��تالية )*( في تم��وز/يولي��و 1920 استيالء الفرانكويين العسكري الفاشي على السلطة، هما الوحي��دتان اللت��ان اتخ��ذتا اتس��اعا مش��ابها، لكن أكثر محدودية مع ذلك واقصر مدى زمنيا. إن المصادر التاريخية ال تترك أي شك بخصوص اتساع

. وال حاجة لالقتناع بذلك ألن نلجأ إلى كتابات من كانوا قري��بين إلى1917تمثيل البالشفة في أوكتوبر (. إن اتساع حركة الجماهير قبل ثورة أوكتوبر وخاللها وبعدها أمر بات ثابتا في أيامن��ا ه��ذه )1لينين )

( فلنكتف هنا بإيراد بعض الشهادات العديدة الصادرة عن خصوم للبلشفية.2كان ن.ن. سوخانوف ينتمي إلى التيار االشتراكي-الثوري. مع ذلك فهو يشدد على ما يلي:

كان البالشفة يعملون بعناد ومن دون كلل. كانوا مع الجماهير، وفي ال��ورش، طيل��ة النه��ار. عش��رات الخطباء، صغارا وكبارا ك��انوا ينش��طون في ب��تروغراد، في المص��انع وفي الثكن��ات، في أي��ام العط��ل. كانوا قد أص��بحوا بالنس��بة للجم��اهير عناص��ر من جماعته��ا الخاص��ة به��ا، ألنهم ك��انوا حاض��رين دائم��ا، يأخذون المبادرات في التفاصيل كما في األمور األهم داخل المنشأة أو المعسكر. باتوا األمل الوحيد، إذا لم يكن لشيء فألنهم إذ توحدوا مع الجماهير كانوا أسخياء في الوع��ود وحكاي��ات جن جذاب��ة على الرغم من بساطتها. كانت الجماهير تحيا وتتنفس باالنسجام مع البالشفة. كانت بين يدي حزب لي��نين

وتروتسكي". ”ك��ان من العبث الواض��ح الكالم على م��ؤامرة عس��كرية ب��دال من ث��ورة وطني��ة، في حين ك��انت تتب��ع الحزب الغالبية الكبرى للشعب، وفي حين ك��ان ق��د اس��تولى بالفع��ل على الس��لطان الحقيقي وعلى

(.3السلطة" )ويشير المؤرخ األلماني أوسكار أنوايلر، وهو ناقد صارم للشيوعيين، يشير من وجهته إلى أنه:

"كان البالشفة يحوزون األكثرية في مجالس النواب في كل المراكز الصناعية الكبرى تقريبا، كما في(.4معظم مجالس نواب الجنود في حاميات المدن" )

وال يتمكن مارك فيرون، وهو ناقد شرس آخر للبالشفة، من االمتناع عن مالحظة ما يلي: "في المقام األول، كانت البلشفية ناتج تجذر الجماهير وك��انت هك��ذا تعب��يرا عن اإلرادة الديمقراطي��ة ]...[. إن تجذر الجم��اهير يج��د تفس��يره الك��افي في انع��دام فعالي��ة السياس��ية الحكومي��ة )ال��تي ك��ان يشارك فيها االشتراكيون من��ذ أي��ار/م��ايو(، ال��تي أق��امت بين الطبق��ات الس��ائدة والطبق��ات الش��عبية إجراءات توفيق، تحت غطاء الضرورة. وب��دال من أن تع��دل المفاوض��ات النظ��ام الق��ائم ك��انت تؤب��ده

."]...[

2

"مذاك، حل االستيالء في المدينة كما على صعيد الجيوش، لذا فان أولئك الذين اعترضوا منذ البداي��ة على مبدأ التعاون بين الطبقات رأوا أنفسهم يكافأون على هذا الموقف، ومن بينهم األكثر تص��لبا، أي

البالشفة، المتبنون اتجاه لينين". "كان الشغيلة يطالبون بأن يحصلوا على ش��روط حي��اة أق��ل ال إنس��انية. ولق��د ك��ان رفض الم��الكين، الف��ظ أو المتحاي��ل، ه��و ال��ذي أدى إلى احتالل المص��انع، واحتج��از أرب��اب العم��ل، ثم االنتق��ام من

البرجوازية، بعد أوكتوبر ]...[". "كانت تلك الحركة تستند على قاع�دة ش�عبية س�بق أن أش�رنا إلى أش�كال تنظيمه�ا. وحين ش�اركت اللجان التي تعطيها بنيتها في الحركة التي أفضت إلى أوكتوبر، كان الخوف من القم��ع، والغض��ب من القادة الخونة، ك��افيين لتفس�ير موق�ف اس�تبدادي ]![ أولي، ال عالق��ة ل�ه باالس�تبداد البلش�في، لكن�ه

(.5متضامن مع الحركة التي يدب الحياة فيها" )وبالنسبة لدان، أحد القادة المناشفة الرئيسيين، فإن الجماهير، عشية أوكتوبر:

"بدأت تعبر بصورة أكثر فأكثر تواترا عن استيائها ونف��اد ص��برها في حرك��ات مته��ورة، وخلص��ت ]...[ إلى التحول نحو الشيوعية ]...[ تعاقبت اإلضرابات. حاول العمال أن يردوا على ارتفاع كلفة المعيشة السريع بزيادات في األجور. لكن كل جهودهم أخفقت بفعل الهبوط المتواصل لقيمة العملة الورقي��ة. فأطلق الشيوعيون في صفوفهم شعار "الرقابة العمالية"، ونصحوهم بأن يأخذوا بأي��ديهم هم بال��ذات إدارة المنشآت، بهدف الحيلولة دون "تخريب" الرأسماليين. من جهة أخرى، بدأ الفالح��ون يس��تولون على الملكيات الزراعية، ويطردون المالكين العقارين ويشعلون النار في قصورهم الريفية خوف��ا منأن تفلت من أيديهم تلك الممتلكات، من ذلك الحين حتى دعوة الجمعية التأسيسية إلى االنعق��اد...")

6) لقد تحققت ثورة أوكتوبر تحت شعار "كل الس��لطة للس��وفييتات" أي للمج��الس العمالي��ة، ومج��الس الجنود والفالحين. ويلخص المؤرخ بيريل ويليامز بهذه العبارات السيرورة التاريخية ال��تي أفض��ت إلى

أوكتوبر: "كانت الجماهير ترى في س�لطة الس��وفييتات ح�ل مش�كالتها، أك�ثر مم��ا في ب�رامج األح�زاب أو في الجمعية التأسيسية. والبالشفة وحدهم ك��انوا يم��اثلون حق��ا م��ع تل��ك الس��لطة الس��وفييتية ]...[. ك��ان

(.7حزبهم قادرا آنذاك على امتطاء الموجة الشعبية وصوال إلى انتزاع السلطة") فلنتذكر أن أنصار التوجه القائل "كل الس��لطة للس��وفييتات" حص��لوا في م��ؤتمر الس��وفييتات الث��اني

25 إلى 9% من التفويضات. وفي مؤتمر النواب الفالحين لعموم روسيا، الذي انعق��د من 69.6على ، ظهرت أغلبي��ة خفيف��ة )الش�تراكيين-ث�وريين يس��اريين وبالش�فة( لص�الح1917كانون األول/ديسمبر

سلطة الس�وفييتات. وق�د خلص الم��ؤرخ أن�وايلر، في مع�رض تفحص�ه لموق��ف الجم��اهير حي��ال ح�ل، إلى أنه:1918الحكومة السوفييتية للجمعية التأسيسية في كانون الثاني/يناير

"كان من النادر، في صفوف الشعب، أن يتم االحتجاج على التدابير القمعي��ة ال��تي يتخ��ذها البالش��فة.

ولم يكن السبب الوحيد وراء ذلك إرهاب معنوي ومادي، وهو إرهاب "ن��اعم" نس��بيا في تل��ك الف��ترة. إن واقع كون البالشفة استبقوا إلى حد بعيد قرارات للجمعي��ة التأسيس��ية ح��ول مس�ائل بحيوي�ة تل��ك الخاصة بالسلم واألرض، لعب دورا لم يكن أقل أهمية في هذا المجال ]...[. كانت الجماهير العمالي��ة والفالحية ]...[ أشد ميال إلعطاء موافقتها على التدابير الملموسة التي كان يتخذها األسياد الجدد ]...[ وبالرغم من ضعف السوفييتات، سواء على الصعيد التنظيمي، أو في الغ��الب على مس��توى التمثي��ل،

(.8كانت الجماهير تعتبرها "أجهزتها الخاصة بها" )

3

خرافة الطوبى القاتلة: االشتراكية في الحال؟ ثمة مخاتلة ثانية، تزوير ثان للتاريخ يعتبر أن البالشفة قاموا بانقالبهم ليخلقوا في روسيا في الحال أو في مهلة قص��يرة، مجتمع��ا مثالي��ا، جن��ة على األرض. "وض��عوا الط��وبى في الس��لطة"، وفق��ا لص��يغة المؤرخ السوفييتي الكسندر نيكريتش الذي كان عودنا م��ع ذل��ك على ق��در أك��بر من الموض��وعية في

(.9كتاباته السابقة ) في الواقع، ك�ان اله�دف من اس�تيالء الس�وفييتات على الس�لطة ه�و تحقي�ق أه�داف ملموس�ة ج��دا، دقيق��ة: إيق��اف الح��رب ح��اال، توزي��ع األرض على الفالحين، ض��مان ح��ق تقري��ر المص��ير للقومي��ات المضطهدة، تحاشي سحق بتروغراد-الحمراء ال��تي ك��ان كيرنس��كي يري��د تس��ليمها للجيش األلم��اني، وقف تخريب البرجوازية القتصاد، إرساء الرقابة العمالي��ة على اإلنت��اج، الحيلول��ة دون انتص��ار الث��ورة

المضادة. يمكن تولي��ف ه��ذه األه��داف بالص��يغة الماركس��ية الكالس��يكية: انج��از المه��ام التاريخي��ة للث��ورة الديمقراطية-)الوطنية(-البرجوازية بفضل إقامة ديكتاتورية البروليتاريا، أي ت��دمير الدول��ة، وقب��ل ك��ل شيء جهاز الدولة البرجوازي. ال شك أن الثورة شهدت تناميا سريعا باتج��اه تحقي��ق مه��ام اش��تراكية. لكن لم يكن ذل��ك ألن البالش��فة طوب��اويون، ب��ل ألن الجم��اهير العمالي��ة رفض��ت أي تقيي��د ذاتي في

. بما أنها ك��انت تحس بس��يادتها في الدول��ة1906تحررها، تماما كما كان تروتسكي قد توقع منذ عام وفي الشارع، لم تكن مستعدة للبقاء خاضعة في المنشآت، ول��ترك اآلخ��رين يس��تغلونها أيض��ا وأيض��ا

(.10وإلى األبد ) لقد تزايدت مبادرات الرقابة العمالية بشكل عفوي، في المنشآت، عشية ثورة أوكتوبر وغ��داتها. وق��د أفضت أيضا إلى مصادرات للمصانع وانتزاع لملكيتها، حين اتخذ الصناعيون ت��دابير ص�رف جم��اعي، ال

(.11بل إقفال ) لم يكن البالش��فة ي��أملون تحقي��ق "الط��وبى"، أي االش��تراكية ف��ورا في روس��يا. وفي الواق��ع، ك��انوا مجمعين على نبذ فكرة كهذه. لم يخف لينين يوما على الجماهير الروسية أن االستيالء على الس��لطة في روسيا، له وظيف��ة تاريخي��ة، بالنس��بة إلي��ه، هي تش��جيع الث��ورة العالم��ة وقب��ل ك��ل ش��يء الث��ورة األلمانية )عبر االستفادة من واقع أن موازين القوى كانت لص��الح البروليتاري��ا، في روس��يا، أك��ثر مم��ا

في أي بلد آخر في العالم(.لقد شدد جوليوس برونتال على األهمية التي كانت هذه المسألة تكتبها في نظر لينين:

"كل مستقبل الثورة العمالية العالمية، واالشتراكية، هو على المحك. هذه الحجة تتكرر عمليا في كل ، لالنتقال إلى العم��ل. ه��و1917المقاالت والرسائل التي يدفع فيها اللجنة المركزية، في خريف عام

يردد: "إن النضج المتزايد للثورة االشتراكية العالمية وطابعها المحتوم ال يمكن أن يرقى إليهما الشك ]...[. نحن على حافة الثورة العالمية. سنكون خونة حقيقيين لألممية إن لم ن��رد في لحظ��ة مش��ابهة، وفي شروط مالئمة إلى هذا الحد، على نداء الثورة األلمانية )على سبيل المثال ]الص��ادر عن بح��ارة[

(.12البحرية األلمانية( بقرارات" ) وبالطبع ال يجب أن نس��تنتج مم��ا قي��ل للت��و أن توجه��ا نح��و االش��تراكية لم يكن أساس��يا في ال��دعاوة البلشفية، وأنه لم يؤثر، على األقل بصورة هامشية، في التدابير الملموسة التي اتخذوها. ك��ان لي��نين

، أن "س��لطة الس��وفييتات"،1917والبالش��فة ي��رون آن��ذاك، خالف��ا لم��واقفهم قب��ل نيس��ان/ابري��ل و"السلطة العمالية" )أو العمالية-الفالحية( والتوجه االشتراكي، تعتبر عمليا مترادفات.

لكن لي�نين لم ينف�ك يش�دد على أن ذل�ك يع��ني فق��ط أن��ه يمكن –وينبغي- الب��دء ب��االنخراط في تل�ك الطرق، ال شيء أكثر. كان لينين يعرف أن مجتمعا اشتراكيا متطورا )بالمعنى التقلي��دي، الماركس��ي، للكلمة: مجتمعا خاليا من الطبقات(، ال يمكن أن يبصر النور إال بعد انتصار الثورة العالمية. وق��د ك��رر

أمام المؤتمر الثالث للسوفييتات:1918ذلك في كانون الثاني/يناير "ليس ل��دي أي وهم: اع��ترف أنن��ا دخلن��ا فق��ط في ف��ترة االنتق��ال نح��و االش��تراكية، وأنن��ا لم نبل��غ االشتراكية بعد ]...[. نحن بعيدون حتى عن إنه��اء ف��ترة االنتق��ال من الرأس��مالية إلى االش��تراكية. لم

(.13يخدعنا يوما األمل بإنهائها من دون عون البروليتاريا العالمية" )خرافة حزب-شلة من المتعصبين

4

1917وثمة المخاتلة الثالثة، التزوير الثالث للتاريخ. بحسب هذه المخاتلة، قامت ب���"انقالب" أوكت�وبر شلة صغيرة من الث��وريين المح��ترفين مفرط�ة في المرك��زة، حرض��ها على التعص��ب وحركه��ا لي��نين،

المتعطش للسلطة، ال بل للسلطة المطلقة. في الواقع، كان الحزب البلش��في ق��د أص��بح، خالل األش��هر الممت��دة من ش��باط/ف��براير إلى تش��رين األول/أوكتوبر، حزبا جماهيريا، يجمع الطليعة الفعلية للبروليتاريا الروسية: القادة الطبيع��يين للطبق��ة، المعترف بهم بوصفهم هذا من جانبها. كان عدد الثوريين المحترفين )المتفرغين( في صفوفه ص��غيرا

(. كان ذلك الح��زب، الح��زب الجم��اهيري األق��ل تبقرط��ا ال��ذي ح��دث أن عرف��ه14إلى ابعد الحدود ) ألف عضو. وكان يشتغل،300 ألفا إلى 250 متفرغ من أصل أكثر من 700العالم. كان يضم حوالي

فضال عن ذلك، بصورة ديمقراطية ج��دا: ك��انت النقاش��ات، واالختالف��ات في ال��رأي كث��يرة، وك��ان يتم(.15التعبير عنها، عموما، بصورة علنية )

هذه الحري��ة في التعب��ير لم تكن تتعل��ق فق��ط ببعض الق��ادة، ال��ذين ش��رحوا عالني��ة وجه��ات نظ��رهم بوصفهم أقلية، )كبوخارين والشيوعيين اليساريين( بم��ا في ذل�ك عن طري��ق ص��حف منفص��لة. ك��انت تتعلق أيضا بأجهزة حزبية بقضها وقضيضها. هك��ذا خالل أش��هر، أرس��لت لجن��ة فيب��ورغ الحزبي��ة، ع��ام

، محرضيها الخاصين بها في أسطول البلطيق، لالع��تراض على حجج لجن��ة ب��تروغراد المعت��برة1917متسامحة جدا حيال الحكومة المؤقتة.

لقد تعارض تياران بلشفيان علنيا خالل كونفرنسات لج��ان المص��انع، قب��ل ث��ورة أوكت��وبر. ك��ان يمث��ل األول ميليوتين والرين، الحاظيان بدعم ريازانوف ولوزوفسكي وشليابنيكوف. والثاني، الذي كان مثله

سكريبنيك وتشوبار، كان يصر بوجه خاص على المبادرة غير الممركزة في القاعدة. ، في الم��ؤتمر العاش�ر للح��زب1921ولقد بقي ه��ذا ال�تراث نش��يطا، ونج��د آث��ارا ل�ه ح�تى في ع�ام

الشيوعي، في حين كانت تشتد المعركة لمنع التكتالت داخل ح.ش )س��وف نع��ود الحق��ا للح��ديث عن ذلك المؤتمر(. وخالل النقاش، كان لينين قد هاجم كيسيليف بحدة، والمذكور كان من��دوبا انتق��د بعض السلطات التأديبية غير العادية ال�تي ك��ان مش��روع الق�رار يمنحه��ا للجن��ة المركزي��ة. وبم�ا أن كلمات��ه السجالية تجاوزت بشكل واضح ما كان يقصده بالفع�ل، لم ي��تردد في النط��ق على الف��ور بنق�د ذاتي.

قال: "أيها الرفاق آسف كيرا ألني استخدمت كلمة "رش��اش" )ض��د كيس��يليف(، وأق��دم وع��دا رس��ميا ب��أال أستخدم في المستقبل تعابير مجازية كهذه، ألنها تخف الناس مجانا، تم تجعل ردود فعلهم غ�ير قابل�ة للفهم )تصفيق(. ال أحد ينوي أن يرمي بالرشاش على أح�د، ونحن متأك��دون تمام�ا من أن��ه لن يك�ون

(.16على الرفيق كيسيليف وال على أي غيره، أن يفعل ذلك" ) كان الحزب البلشفي آنذاك حزبا مندمجا إلى أبعد الحدود بالمجتمع الروسي وق��واه الحي��ة. وه��ذا م��ا��رت ب��ه، بع��د س��ت س��نوات على الث��ورة، إزاء ص��عود التكت��ل الس��تاليني، أول أرض��ية برنامجي��ة ذك

للمعارضة اليسارية، في صيغة مذهلة: "كان الحزب تلك الجماعة المس��تقلة والحي��ة ال�تي ك��انت ت��درك برهاف��ة الواق��ع المتغ��ير ألنه��ا ك��انت

(.17مشدودة إلى ذلك الواقع بألف طريقة" ) إذا لم تكن ثورة أوكتوبر انقالبا، فهي لم تكن أيض��ا الم��آل البس��يط النتفاض��ة جماهيري��ة عفوي��ة. لق��د كانت أيض��ا ث��ورة أع��دها بص��ورة منهجي��ة ونف��ذها البالش��فة وحلف��اؤهم، أنص��ار س��لطة الس��وفييتات:

الفوضويون واالشتراكيون-الثوريون اليساريون. لم يكن األمر يتعلق بانتفاضة سرية وأقلية، بل بثورة جرى تنظيمها في وضح النهار، وبشكل أساس��ي

في إطار مؤسسات منبثقة من السوفييتات. كانت ناتج شرعية جديدة فرضت نفس�ها على الغالبي��ة الك�برى من الش��غيلة والجن��ود، ثم على قس�م مهم من الفالحين بع��د قلي��ل. ك��انت ش��رعية الس��وفييتات ومج��الس المص��انع تتغلب على ش��رعية

الحكومة المؤقتة وهيئة األركان العسكرية، وأرباب العمل والمالكين العقاريين. كان العمال يعترفون هكذا، في المنشآت، وأكثر فأكثر، بسلطة لجان المصانع، بدال من سلطة أرب��اب

(.18العمل ) وفي بتروغراد، بفضل التحريض والتنظيم اللذين قادهما ليون تروتس��كي بمه��ارة، ق��ررت ك��ل أف��واج الحامية، في جمعيات، أال تعود تعترف بأوامر هيئة األركان والهرمية العسكرية ب��ل ب��أوامر الس��وفييت

ولجنته العسكرية الثورية.5

أوكت��وبر25ضمن ه��ذه الش��روط بال��ذات، أمكن تحقي��ق اإلطاح��ة "التقني��ة" للحكوم��ة المؤقت��ة، في ، تلك اإلطاحة التي لم تهرق إال القليل من الدم: كلفت قتلى أقل مما تتسبب به عادة ح��وادث1917

(.19السير خالل نهاية أسبوع عادية، في بلدان أوروبا الرئيسية ) باختصار، ماذا كانت ثورة أوكتوبر؟ كانت ذروة حركة جماهيرية هائلة، قادها نحو انتزاع السلطة حزب عمالي طليعي مندمج بالجماهير بصورة وثيقة. حزب كان يسعى قبل ك��ل ش��يء ألن يحق��ق مط��البالسكان المباشرة األكثر إلحاحا، في حين يتطلع إلى أهداف اشتراكية عالمية وقومي��ة أش��د اتس��اعا )

20.)إحاالت

)*( المقصود الثورة االسبانية. وقشتالة هي منطقة واسعة في وسط شبه الجزيرة )م(. . ر.1984(انظر بوجه خاص دافيد ماندل، عمال بتروغراد واستيالء السوفييت على السلطة، لندن 1)

، ج��ون ري��د، عش��رة أي��ام ه��زت1981 الروسية، نيمفنبورغر فرالغسا نغس��تالت 1917روليتر، ثورة . وب��الطبع لي��ون تروتس��كي،1983. س.أ.سميث، بتروغراد الحمراء، كامبري��دج 1982العالم، باريس

.1950تاريخ الثورة الروسية باريس، ( انظر، عالوة على الكتب الثالثة الواردة في الهامش السابق، إ.ه.كار، الث��ورة البلش��فية، ب��اريس،2)

:1917، م.ف��يرو، ث��ورة 1963، ج.ك��ومت، الث��ورة الروس��ية نقال عن الش��هود، ب��اريس 1969-1974باريس ر.كوهن، 1976أوكتوبر، ،Die russiche Revolution in Augenzeugen berichten،

، ر.ميد فيديف، ثورة أوكت��وبر، ب��اريس1975. م.ليبمان، اللينينية في ظل لينين، باريس 1977ميونخ . وبين التحليالت المنشورة في االتحاد الوفييتي في الف��ترة م��ا بع��د الس��تالينية، فلن��ذكر بوج��ه1978

Rabociخاص في عالقة بدور الطبق��ة العامل��ة: أ.غ.إيغوروف��ا klas Oktjabr skoj revoljutcii، ،Raboci Klas vobe za pobedu iupraenie sovetsjkoj vlasti، ج.أ.تروكان، 1967موسكو

Kaja. وبخص���وص مؤل���ف م���ا قب���ل س���تالني، انظ���ر ب.ن.أ م���وزوف وآخ���رين: 1975موس���كو Revoliuucijai FabzavKomy 1927، موسكو.

.579 و528، ص 1955، أوكسفورد 2، الجزء 1917( ن.ن. سوخانوف، الثورة الروسية 3).231، ص 1971، باريس 1921-1905(أ.أ.انوايلر، السوفييتات في روسيا 4).164، 140-139، ص 1980(م.فيرو، من السوفييتات إلى الشيوعية البيروقراطية، باريس، 5) ، ص1926 برلين Geshichte der russischen Sozialdemokratie(دان، في مارتوف-دان: 6)

300-301..39، 38، ص 1987، لندن، 1921-1917( ب.وليامز، الثورة الروسية 7).273(أ.نيكريتش، مرجع مذكور، ص 8).1965(أ.نييكريتش، الجيش األحمر مغتاال، باريبس 9) (انظر في هذا العدد، بين شهادات عديدة، تل��ك ال��تي تبقى األك��ثر ت��أثيرا: فيكت��ور س��يرج، الس��نة10)

. وثم���ة ش���هادات أخ���اذة عدي���دة ج���رت اس���تعادتها في1917األولى للث���ورة الروس���ية، ب���اريس، كتاب.أ.سميث، بتروغراد الحمراء.

.223(س.أ.سميث، المرجع المذكور، ص 11).113، ص 1978، برلين-بون 2، الجزء Geshichte der Internationale(ج.برونتال، 12) "، األعم��ال1918 ك��انون الث��اني/ين��اير 11(لينين، "تقرير حول نشاط مجلس مفوض��ي الش��عب، 13)

.489، موسكو/باريس، ص 26الكاملة، الجزء (فيما يسعى فيرو للبرهنة على أنه كان هنالك منذ البداية اتجاه إلى تبقرط حركة الجماهير، يثبت14)

العكس، في الواقع. ففي الكونفرانس الثاني للجان المصنع التي كان البالشفة يستندون إليها بش��كل %، ونس��بة األعض��اء ال�ذين تس��ميهم93رئيسي، كانت نسبة األعضاء الذين ينتخبهم العم��ال مباش��رة

. ك��انت1917%. وفي الكونفرانس الثالث، ال��ذي تم في أوكت��وبر 7النقابات واألحزاب والسوفييتات (. ويص��عب أن نعت��بر كمبق��رط أو في118% )مرجع مذكور ص 12% و88هذه النسب على التوالي

% من أعضائه عمال مصانع، انتخبهم مباشرة زمالؤهم في العمل.88طريق البقرطة جسما (يشير تروتسكي في تاريخ الثورة الروسية إلى أن الحزب البلشفي عين كممثلين له في رئاس��ة15)

شخصا كان ستة من بينهم خصوما لالنتفاضة.14المؤتمر الثاني للسوفييتات آذار/م��ارس16(لينين، مالحظة حول مداخلة كيس��يليف بخص��وص الق��رار ح��ول وح��دة الح��زب. 16)

.289، ص 42، المؤلفات الكاملة، الجزء 1921 تش��رين26"، المنش��ورة في 46( استشهاد مأخوذ من األرضية البرنامجية المس��ماة "أرض��ية ال��17)

.7 ص 1975، لندن 1923. انظر وثائق معارضة 1923األول/أوكتوبر

6

(، المب��ادرات العدي��دة139،�� 86-85،�� 64-63،�� 60-58(أنظر في.أ سميث )مرج��ع م��ذكور، ص 18) للرقابة العمالية في المنشآت. كان الحراس الحمر في كل حال ينبثقون من الميليشيات التي أقامتها

تلك اللجان. ، يثبت أن1917 أوكت��وبر 25("بدا النجاح، من دون جهد تقربا، الذي حققته عملية ب��تروغراد في 19)

وراءه حقا الغالبية الالحقة من السكان. وحين كان البالشفة يفاخرون بواق��ع أن الث��ورة الم��ذكورة لم تكل��ف إال القلي��ل من الحي��وات البش��رية وأن معظم الض��حايا س��قطوا خالل مح��اوالت خص��ومهم أن

.155ينتزعوا منهم النصر الذي أحرزوه، كانوا على حق. "إ.ه�.كار، الثورة البلشفة، الجزء األول، ص ( يع��ارض بح��ق أطروح��ة العدي��د من الم��ؤرخين165-150(إن س.أ.سميث )مرج��ع م��ذكور، ص 20)

الذين يؤكدون أن البالشفة كانوا يعارضون فطريا الرقاب��ة العمالي��ة الممأسس��ة. لكنن��ا ناس��ف لكون��ه . ففي ه��ذا الص��دد، ال1921-1920يقدم هو ذاته بعض التنازالت، مستندا إلى "الس��نوات الس��وداء"،

يشر إطالقا إلى المواقف الالحقة لكل من لينين وتروتسكي، في المؤتمرين الث��الث والراب��ع لألممي��ة الشيوعية، وإلى مواقف تروتسكي، والمعارضة اليس�ارية واألممي�ة الرابع�ة لص��الح الرقاب��ة العمالي�ة،

. "1923بدءا بعام

7

الفصل الثاني: الرهان العالمي . فمن بين ك��ل1918-1914ال يمكن انتص��ار ث��ورة أوكت��وبر خ��ارج س��ياق الح��رب العالمي��ة األولى

الشعارات البلشفية، كان لشعار الوقف الفوري للح��رب، و"الس��لم من دون إلحاق��ات أو تعويض��ات"، أوس��ع ص��دى في ص��فوف الس��كان. وق��د ب��ات الملمح المم��يز الرئيس��ي، ال��ذي يف��رق البالش��فة عن األحزاب األخرى التي تنتسب إلى االش��تراكية، وإلى الث��ورة. إن الجن��ود، قب��ل ك��ل ش��يء، وغ��البيتهم

الكبرى من الفالحين، لم يكونوا يردون الحرب. إن تفكك الجيش، وكان في جانبه األساسي ال يزال مواليا للقيصر، نزع س��الح الحكوم��ة المؤقت��ة، ثم المحاوالت األخيرة للثورة المضادة. وهذا ما أتاح انتصار ثورة أوكتوبر وتوطدها. وقد س��لم ب��ذلك، فيهم دان يؤكد بصورة قاطعة أن: "إطال��ة الح��رب ع��ادت على ما بعد، المناشفة األكثر بعد نظر. فقيادي

(.1البالشفة بالنصر في الثورة الروسية" ) ، يس��مح1917أضف إلى ذلك أيضا، أن رد البالشفة والسوفييتات، بعد اكتساب السلطة في أوكت��وبر

بإصدار حكم في العمق بصدد سياسة الدولة الثورية الجديدة.حق الشعوب في تقرير مصيرها

إن أول خطاب ألقاه لينين أمام المؤتمر الثاني للسوفييتات، لعرض سياسة السلطة الجديدة المنبثقة من أوكتوبر، كان تقريره بصدد السالم. ونجد فيه تأكيدا شديد اللهجة لحق األمم في تقري��ر مص��يرها، ال تزال نبراته الديمقراطية ذات راهنية كبيرة حتى اليوم: "إذا جرى اإلبقاء قسرا على أم��ة في ح��دود دولة معينة، وإذا لم يتم منحها، رغم الرغبة التي أبدتها –ال يهم إذا كان قد تم التعبير عن تل��ك الرغب��ة في الصحافة أو في الجمعيات الشعبية، أو في ق��رارات األح��زاب، أو في عص��يانات وانتفاض��ات ض��د النير القومي- إذا لم يتم منحها حق أن تحسم، بتصويت حر ومن دون أي إك��راه، بع��د اإلجالء الكام��ل لجيش األمة التي هي مرتبطة بها أو عموم��ا لجيش أم��ة أق��وى، مس��ألة أش��كال وجوده��ا السياس��ي،

يكون ارتباطها عندئذ إلحاقا أي استيالء وعمل عنف".\ "إن مواصلة تلك الحرب لمعرفة كيف تتقاسم األمم القومية والغنية الش��عوب الض��عيفة ال��تي وقعت في قبضتها إنما هي، في رأي الحكومة )السوفييتية(، كبرى الج��رائم ض��د اإلنس��انية، وه��ذه الحكوم��ة تعلن رسميا عن استعداداها ألن توقع فورا شروط سلم تضع حدا لهذه الحرب، وهي ش��روط س��بقت

(.2اإلشارة إليها تقوم على المساواة والعدل لكل الشعوب من دون استثناء!" ) لقد وسعت الحكومة السوفييتية مبدأ حق الشعوب هذا في تقرير مصيرها ليشمل ك��ل المس��تعمرات ونصف المستعمرات خارج أوروبا. ولقد كان عمال ثوريا أحدث انعكاسات تاريخية هائل��ة. أعطى دفع��ا حاسما لحركات التحرر القومي الوليد في بلدان كالهند، والص��ين، واندونيس��يا، ن��اهيكم عن دعم مهم

لحركات مناهضة االمبريالية كانت قد باتت مهمة )تركيا(.\ وفي أحد التصريحات األولى التي أدلت بها الحكومة الس��وفييتية خالل مفاوض��ات الس��الم م��ع ألماني��ا

، ن��ادت بتوس��يع ح��ق األمم في تقري��ر1917 ك��انون األول/ديس��مبر 30في بريست ليتوفسك، بتاريخ مص��يرها، ال�ذي اع�ترف ب��ه ال�رئيس األم��ريكي ولس��ون، ليش��مل ك��ل البل��دان المس��تعمرة، ونص��ف المستعمرة. وفي الوقت نفسه، ألغت الحكومة كل المعاهدات غير المتكافئة مع الصين، السيما تل��ك المتعلق��ة بس��كة حدي��د الش��رق الص��يني، وح��ق الحص��انة السياس��ية للمواط��نين ال��روس في الص��ين ومونغولي�ا، وإي�ران. في ك�ل ح�ال، لق�د نص على ه��ذه المب�ادئ الدس�تور الس�وفييتي األول، دس�تور

.1918جمهوريات روسيا االتحادية االشتراكية السوفييتية لعام لقد كان رد فعل القوى المناهض��ة لالمبريالي��ة في آس��يا فوري��ا. ففي الص��ين، أطلقت على البالش��فة تسمية الهوانغ إي تانغ، "حزب األنسية األعظم". وأرسل ص��ن ي��ات ص��ن، القي��ادي الق��ومي الص��يني، رسالة تضامن إلى لينين. وفي إيران، نسبت الحركة الوطنية-الديمقراطية نفسها لثورة أوكتوبر، بع��د

أن سحب تروتسكي القوات والمدربين الروس من هذا البلد..1920كانت إحدى نتائج هذه السياسية مؤتمر شعوب الشرق المشهور في باكو، عام

وللمرة األولى في التاريخ، ألغت س��لطة الس��وفييتات أيض��ا الدبلوماس��ية الس��رية، مق��ررة نش��ر ك��ل الوثائق الدبلوماسية وكل المعاهدات السرية. ولقد قررت بوجه خاص، البدء فورا بمفاوض��ات الهدن��ة

مع كل الحكومات المتحاربة، المستعدة لالنخراط في هذا السبيل.8

: ثورة ألجل السالم1917أوكتوبر تالزم ه��ذا الن��داء م��ع ن��داء إلى ش��غيلة البل��دان االمبريالي��ة الك��برى لالنخ��راط في طري��ق الس��الم

واالشتراكية: إذ توجه الحكومة المؤقتة للعمال والفالحين في روسيا عرض السالم هذا إلى حكومات ك��ل البل��دان"

المتحاربة وشعوبها، تتوجه أيض��ا، وبوج��ه خ��اص، إلى العم��ال ال��واعين لألمم الثالث األك��ثر تق��دما في العالم وللدول األهم المنخرطة في الحرب الحالية: انكل��ترا وفرنس��ا وألماني��ا. لق��د ق��دم عم��ال ه��ذه البلدان أج��ل الخ��دمات لقض��ية التق�دم واالش��تراكية: األمثل��ة الرائع��ة للحرك��ة الش��ارتية في انكل��ترا، سلس��لة من الث��ورات التاريخي��ة ذات األهمي��ة القص��وى ال��تي حققته��ا البروليتاري��ا الفرنس��ية، وأخ��يرا النضال البطولي ضد القوانين االستثنائية، وجه��د طوي��ل من الص��البة واالنض��باط يش��كل مث�اال لعم��ال العالم بأسره باتجاه تشكيل منظمات بروليتارية جماهيرية في ألمانيا. كل ه��ذه األمثل��ة على البطول��ة البروليتارية والمبادرة التاريخية هي بالنسبة إلين��ا الض��مانة ب��أن عم��ال ه��ذه البل��دان س��وف ينج��زون المهام التي يتعين عليهم االضطالع به��ا الي��وم، وب��أنهم س��وف يح��ررون البش��رية من فظ��ائع الح��رب وعواقبها، وبأن هؤالء العم��ال س��وف يس��اعدوننا بنش��اطهم المتع��دد، والحاس��م، وبط��اقتهم، من دون تحفظ، على أن نخوض بنجاح وإلى النهاية النضال ألج�ل الس��الم، وفي ال�وقت عين�ه النض��ال لتحري��ر

(.3الجماهير المستغلة من كل عبودية وكل استغالل" )وبمثابة خاتمة، وردت بصورة أكثر وضوحا وتبينا أيضا الكلمات التالية:

(، اقترحنا ]في السوفييتات[ إطاحة أصحاب المصارف، والحال أنن��ا1917 آذار/مارس )14"في بيان ]قبل ثورة أوكتوبر[، ليس فقط لم نطح مص�رفيينا الخاص�ين بن��ا، ب��ل عق�دنا أيض�ا تحالف�ا معهم. أم�ا

اليوم فلقد اطحنا حكومة أصحاب المصارف". "س��وف تب��ذل الحكوم��ات والبرجوازي��ة ك��ل الجه��ود لكي تتوح��د وتخن��ق في ال��دم الث��ورة العمالي��ة والفالحية. لكن ثالث ن��وات من الح��رب علمت الجم��اهير كفاي��ة. تثبت ذل��ك" حرك��ة الس��وفييتات في بل�دان أخ�رى، وانتفاض�ة األس�طول األلم��اني ال�تي أخم�دها ي�ونكرز الجالد غلي�وم )...( س�وف تتغلب

(.4الحركة العمالية وترسم طريق السالم واالشتراكية" )هذا وقد خاطب تروتسكي شعوب أوروبا، التي ضربتها الحرب فأعلن ما يلي:

"على العم��ال والفالحين أن ين��تزعوا من األي��دي المجرم��ة للبرجوازي��ة قض��ية ]ح��ق تقري��ر[ الح��ربوالسلم، وأن يقبضوا عليها بأيديهم هم".

بعبارات أخرى، اعتبر البالشفة أنه تم تص��ور ث��ورة أوكت��وبر كوس��يلة لوض��ع ح��د للح��رب، ك��ان عليه��ابصورة متالزمة أن تشجع نمو الثورة االشتراكية العالمية وتسرعه.

را من وجهة النظر التاريخية؟ نعم، بال جدال. فالحرب العالمية كانت منعطفا حاسما هل كان ذلك مبر في تاريخ الرأسمالية. كانت بداية عهد سوف تنمو فيه مالمح النظام الم��دمرة، والهمجي��ة واالرتدادي��ة

نموا عظيما، بالنسبة لقدرته على الحفاظ على نمو دوري لقوى اإلنتاج. ك�انت الح��رب العالمي��ة األولى عش��رة ماليين ك��ائن بش�ري حص��دتهم آل�ة الم��وت، ومن بينهم زه��رة

(. كانت األولى في سلسلة5الشبيبة األوروبية، وذلك ألهداف ال يعترف أحد اليوم بأي مشروعية لها ) عاما، إلى الهمجية أوشويتز وهيروشيما.30من الكوارث سوف تقود البشرية، بعد

: ليس فق�ط ثوري��ون كلي��نين،1914لقد كان االشتراكيون األكثر بعد نظر قد توقع�وا ذل�ك قب��ل ع�ام وتروتسكي، وروزا لوكسمبورغ، بل معتدلون أيضا كجان جوريس. وبما أن ذلك النزاع القاتل كان ق��د بدأ، كان يجب العم��ل لوقف�ه في الح��ال، أي��ا يكن الثمن. لم يكن أي "ه��دف للح��رب" مع��ترف ب��ه أو

مخفي يبرر مواصلة المذبحة. لقد قاتلت حكومة السوفييتات ألجل السلم الفوري، خالل مفاوضات بريس��ت-ليتوفس��ك، م��ع ألماني��ا والنمسا-هنغاريا. كان عدد متعاظم من الشغيلة والجنود في كل البلدان قد بات ي��رفض الح��رب وه��و ما يفسر الصدى الواسع الذي لقيه الموقف) السوفييتي عبر الع��الم، الس��يما حين ع��بر عن��ه تح��ريض

تروتسكي على طاولة المفاوضات. لقد صرخ ممثلو ألمانيا والنمس��ا-هنغاري��ا من��ددين بانته��اك ك��ل قواع��د الدبلوماس�ية. كي��ف؟ مخاطب��ة الجن��ود من ف��وق رأس ض��باطهم؟ دع��وتهم لع��دم الطاع��ة، ال ب��ل العص��يان؟ دع��وة المس��تعمرات لالنتفاض؟ دعوة العمال إلى اإلضراب؟ أن يتولى ذلك وزير للشؤون الخارجي��ة، أليس دوس�ا باألرج�ل

لكل القواعد األساسية للحضارة ول�"حسن العشرة بين األمم"؟9

وسرعان ما ستحتذى الحكومتان البريطانية والفرنسية حذو خص��ومهما العني��دين في اإلمبراطوري��اتالمركزية، منددتين هما أيضا بالثوريين السوفييتيين.

بالمقاب��ل فبالنس��بة للش��عوب، ك��انت "الحض��ارة" و"قواع��د حس��ن العش��رة بين األمم" ال��تي ك��انت الحكومات المتحاربة تزعم امتالكها، حض��ارة مذبح��ة مجنون��ة، وت��دمير م��دن بكامله��ا، واض��طهاد غ��ير إنساني واستغالل. كانت "حضارة" الطاعون والموت. وكان لينين وتروتسكي يجسدان األمل بحضارة

أرقى، هي حضارة الحياة، والحرية، والحقوق المتساوية للجميع. كانت الدعاوة االمبريالية –الملتقية معها جزئي��ا االش��تراكية-الديمقراطي��ة اليميني��ة- أك��ثر حق��دا بم��ا ال يقاس من الدعاوة المعادية للشيوعية في عصر الحرب الباردة واليوم. إال أنها لم تلق إال ص��دى أق��ل

بكثير بين الجماهير الكادحة. كانت هذه األخيرة تالحظ في الواقع صدق السلطة السوفييتية.السلطة السوفييتية: األممية باألفعال

، ك��ان يلغي التمي��يز بين "مواط��ني1918لقد رأت تلك الجم��اهير أن أول دس��تور س��وفييتي، دس��تور البلد" و"األجانب". فكل شخص يقيم في روسيا السوفييتية، ويكون مستعدا للعمل فيها، ك��ان س�يمتع فورا بكل الحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت. وماكلين، أح��د ق��ادة الشوبس��تيواردس ]من��دوب ورشة[ في مصانع الذخائر في غالس��غاو، بس��كوتلندا، ال��ذي س��جنته الحكوم��ة البريطاني��ة ]ب��دعم من االش��تراكيين-ال��ديمقراطيين[، بس��بب اإلض��راب، تقلى من الحكوم��ة الس��وفييتية لقب قنص��ل ع��ام للجمهورية االشتراكية االتحادية لسوفييتات روسيا، وحصل بذلك بال��ذات على الحص��انة الدبلوماس��ية، وهو األمر الذي اجبر لندن على إطالق س��راحه. للم��رة األولى في الت��اريخ، ك��انت س�لطة دول��ة ت��بين األفعال أنها في خدمة الطبقة العاملة العالمي��ة. وق��د ك��ان البالش��فة يثبت��ون هك��ذا أنهم يبق��ون أمن��اء األفضل تقاليد الحركة االشتراكية. كانت األممية الثانية قد أخفقت بش��كل مأس��اوي في ه��ذا المج��ال

، حين وافق قادتها الرئيسيون على منطق الحرب، منتهكين بذلك أيم��انهم1914 آب/أغسطس 4في األكثر رسمية القرارات التي تبناها تنظيمهم خالل مؤتمرات متعاقبة.

بعد ذلك االستسالم التاريخي، فعلت ممارسة السلطة السوفييتية الجديدة، المتطابقة هذه المرة م��ع المبادئ، فعلت لحفز انبعاث عظيم للنزعة األممية لدى الجماهير أكثر من أل��ف خط��اب أو مقال��ة، أو كراس أو كتاب، وهذا بالضبط هو م��ا أت��اح خل��ق األممي��ة الثالث��ة، وأطل��ق حرك��ة هائل��ة من التض��امن

العالمي مع الثورة الروية المحاصرة.تراث اشتراكي: الثورة ضد الحرب

1907لقد وضعت السلطة السوفييتية الجديدة، في الواقع، موضع التنفيذ القرارات ال��تي تبنته��ا، في ، األممية الثاني��ة بال��ذات. لم تكن سياس��ة ال��رد االش��تراكي، إزاء التهدي��دات ب��الحرب، تكتفي1913و

بفضح خطر مذبحة ال سابق لها، عن طريق الدعوة للحيلولة دون المجزرة أو لوضع حدج لها. فبفضل الجهود المثابرة من جانب اليسار، الذي كان يقوده آنذاك كل من لينين ومارتوف وروزا لوكس��مبورغ،

( لألممية االشتراكية، كان القرار المصوت عليه باإلجماع يؤك��د م��ا يلي:1907في مؤتمر شتوتغارت ) "في حال اندلعت الحرب، م��ع ذل��ك، يك��ون على ]األح��زاب االش��تراكية[ أن تت��دخل إليقافه��ا بس��رعة

وتستخدم بكل قواها األزمة االقتصادية والسياسية التي خلقتها الحرب لتحريض الش�رائح الش�عبية األش�د عمق�ا وتس�ريع س�قوط

(.6السيطرة الرأسمالية" )، كانت األممية وجهت، في مؤتمر بال االستثنائي، تحذيرا رسميا للحكومات:1913وفي عام

"فلتعرف الحكوم��ات جي��دا أن��ه لن يك��ون في وس��عها، في وض��ع أوروب��ا ال�راهن، وإزاء االس��تعداداتالنفسية للطبقة العاملة، أن تفجر الحرب من دون التعرض بنفسها لألخطار.

"فلتتذكر أن الحرب الفرنسية-األلمانية تسببت بانفجار الكومونة الثوري وأن الحرب الروسية-اليابانية حركت ق��وى الث��ورة ل�دى ش�عوب روس��يا، ولتت��ذكر أن االنزع��اج ال��ذي تس��ببت ب��ه مزاي��دة النفق��ات العسكرية والبحرية أعطى النزاع�ات االجتماعي�ة في انكل��ترا وعلى امت�داد الق�ارة ح��دة غ�ير معت�ادة وفجر إضرابات هائلة. ستكون مجنونة إذا هي لم تشعر بأن مجرد فكرة ح��رب فظيع��ة تث��ير اس��تنكار

بروليتاري كل البلدان وغضبهم" "إن الشغيلة يعتبرون بمثابة جريمة إطالق البعض الن��ار على البعض اآلخ��ر لمص��لحة الرأس��ماليين، أو

إلشباع كبرياء السالالت الحاكمة أو ألجل تركيبات المعاهدات السرية".

10

"إذا كانت الحكومات، بإلغائها كل إمكاني��ة تط��ور ع�ادي، ت��رغم بروليتاري��ا أوروب��ا جمع��اء على القي��امبثورات يائسة، فهي التي ستتحمل كل مسؤولية األزمة التي تسببت بها ]...[."

" إن البروليتاريا تعي أن عليها يقوم في هذا الحين كل مستقبل البشرية وسوف تستخدم كل طاقتها(7لمنع إبادة زهرة كل الشعوب المهددة بكل أهوال المجازر الهائلة والمجاعة والطاعون" )

لقد لخص جان ج��وريس، وه��و وج��ه كب��ير في الحرك��ة االش��تراكية الفرنس��ية، ه��ذه الرس��الة بتع��ابيرمقتضبة، في الجملة النهائية لخطابه أثناء مؤتمر بال:

"إذ تزيد الحكومات من خطر الحرب، يجب أن ترى أن الشعوب يمكن بس��هولة أن تق��وم بحس��اباتها:إن ثورتها الخاصة بها سوف تكلفها من القتلى اقل مما تسببه حروب اآلخرين".

ولقد زايد فيكتور أدلر زعيم االشتراكية-الديمقراطية النمساوية، فأكد من جهته ما يلي: "إذا تم اقتراف الجريمة ]شن الحرب[، سوف يليه��ا عق��اب ت��اريخي: س��تكون تل��ك بداي��ة نهاي��ة حكم

المجرمين ". ه��ذه التحليالت وه��ذه االحتم��االت يمكن أن تب��دو غ��ير واقعي��ة، بص��ورة بعدي��ة على ض��وء أح��داث

. إال انه يجب اإلش��ارة إلى أن��ه ال لي��نين وال روزا وم��ارتوف، وال ج��وريس وأدل��ر،1914آب/أغسطس كانوا يتوقعون أن تعقب ثورة اندالع الحرب فورا –لقد انفجرت حقا ثورات بعد ثالث سنوات أو أربع.

غداة الحرب العالمية ، أما المجرمين الذين كان ين��دد بهم ع��ام1914صحيح أن أدلر هو نفسه استسلم، في آب/أغسطس

، وأنه فعل كل شيء، فيما بعد، للحيلول��ة دون الث��ورة ب��دال من اإلع��داد له��ا. وص��حيح أيض��ا أن1913 الجماهير، بما فيه�ا الجم�اهير االش�تراكية-الديمقراطي�ة، ت�ركت نفس�ها تستس�لم للموج�ة الش�وفينية

آنذاك. هذه الوقائع ال جدال فيها. لكنه من قبيل االستعجال أن نستخلص من ذلك أنها كانت تنبث��ق حتم��ا من ممارسة يومية إصالحية )تدمج اإلضرابات االقتصادية وتحضير نتائج انتخابية جيدة(، ال بل أن ك��ل ذل��ك

كان يعكس اندماجا متزايدا للبروليتاريا في المجتمع والدولة البرجوازيين. ؟ آلي حين1917ألنه كيف نفسر في تلك الشروط تحول موقف هذه الجماهير ذاتها انطالقا من عام

تسببت "األزمة االقتصادية والسياسية التي خلفتها الحرب" بالبؤس، والمجاعة، والطاعون، والمجازر، وإلغاء الحريات الديمقراطية، تماما كما كانت قرارات شتوتغارت وبال قد توقعت. كيف نفسر موج��ة اإلضرابات المتعاظمة، بما فيها إضرابات سياسية، ضد "سلم النهب" الذي فرضه األلماني لودندورف

؟1918على الثورة الروسية في برست ليتوفسك، في كانون الثاني/يناير ، إلى سلس��لة غ��ير منقطع��ة من الث��ورات. بص��ورة1918ه��ذا التح��ول أفض��ى، انطالق��ا من أوكت��وبر

متأخرة قليال، بالتأكيد، عما كان قد تأمل به البالشفة. لكن األمر ك��ان يتعل��ق م��ع ذل��ك بث��ورات فعلي��ة (،8حقا: ثورات في فنلندا، في ألمانيا، في النمسا، وفي المجر، وخلق س�لطة س��وفييتية في ب��افيير )

وأزمة ثورية في ايطاليا. كانت الثورة العالمية حقيقية ملموسة في ذينك العامين. لم تكن كذلك فق�ط بالنس�بة للبالش�فة، واالش�تراكيين-الث��وريين اليس�اريين، وقس�م مهم من اليس�ار االشتراكي "الوسطى" عبر العالم، بل بالنسبة للبرجوازية أيضا. ولق��د كتب ال��وزير األول البريط��اني،

لويد جورج، في هذا الصدد: "كل أوروبا مفعمة بروح الثورة. ثم ش��عور عمي��ق ليس فق��ط باالس��تياء، ب��ل بالس��خط والتم��رد ض��د شروط ما قبل الحرب. كل النظ��ام الق��ائم، في وجوه��ه السياس��ية، واالجتماعي��ة واالقتص��ادية، توج��ه

االتهام إليه جماهير السكان على امتداد أوروبا بأسرها". ، كتب الم��ؤرخ1920وبخصوص الوضع في ايطاليا، خالل موج��ة احتالل المص��انع في ايل��ول/س��بتمبر

غايتانو سالفيميني، من جهته: "لقد انتظر المصرفيون، وكبار الصناعيين، والمالك��ون العق��اريون الس��مان الث��ورة االجتماعي��ة كنع��اج

(.9تنتظر سوقها إلى المسلخ" ) وفي كتاب الماركسي النمساوي جوليوس برونتال، تاريخ األممية، لخص على الش��كل الت��الي الوض��ع

:1919إبان أول اجتماع بعد الحرب لألممية االشتراكية في لوسرن، في آب/أغسطس (.10"كانت أوروبا تتخمر. بدا أن الناس عشية صراعات حاسمة بين الثورة والثورة المضادة" )

11

وأضاف: "بعد اجتماع مؤتمر تأسيس األممية الشيوعية، مباشرة، حدث في أوروبا صعود ثوري بدا يؤك��د ص��حة

(.11تشخيص لينين" )وبخصوص ألمانيا، الحظ ما يلي:

"كانت امبريالية الدول الغربية قد فرضت حدودا على الثورة االجتماعية في ألمانيا. لكن ح��تى ض��من هذه الحدود، كانت متوفرة شروط ثورة اجتماعية لضرب سلطة برجوازية رأس المال الكبير، لتحويل الصناعة الثقيلة المركزة في أيد قليلة، مناجم الفحم والصناعة الكيمائي��ة، إلى ملكي��ة عام��ة، لتحطيم )قدرة( رأس المال المالي عبر فرض رقاب��ة الدول��ة على المص��ارف، لتحطيم س��لطة الي��ونكرز ع��بر توزيع الملكية العقارية الك��برى ]على الفالحين[، وبوج�ه خ�اص، لتط�وير جه��از لس�لطة الث�ورة –ق�وة مسلحة مجندة من بين الشغيلة االشتراكيين وبقيادة االشتراكيين، كما كانت حال الفولكسفيهر ال��ذي

(."12خلته االشتراكية-الديمقراطية النمساوية ) وفي التقرير الذي قدم��ه تروتس��كي في م��ؤتمر األممي��ة الش��يوعية الثلث، أورد حكمين مرت��دين إلى

-1919الماضي للبرجوازية األوروبية يؤكدن بالكامل صحة هذا التحليل للوضع ال��ذي ك��ان س��ائدا في نيس��ان/ابري��ل28. لقد كتبت الصحيفة اليومية الفرنسية الرجعية لوت��ان به��ذا الخص��وص، في 19201921:

"كان أول أيار من العام الفائت معدا ليكون بداية إضراب ع��ام من ش��أنه فتح الطري��ق إلى المرحل��ة األولى من الثورة. أما الي��وم فتس��ود الثق��ة الك��برى بخص��وص جه��د األم��ة للتغلب على ك��ل األزم��ات

المنبثقة من الحرب". وفي الوقت عينه، كتبت بخصوص ألمانيا الصحيفة اليومي��ة الناطق��ة بلس��ان البرجوازي��ة السويس��رية،

نيوزورشر زايتونغ: ، فلقد بات الوعي الحكومي من القوة بحيث تص��طدم1918 في شيء ألمانيا 1921"ال تشبه ألمانيا

الطرائق الشيوعية بمعارضة في كل شرائح السكان تقربا، مع أن ع��دد الش��يوعيين نم��ا بص��ورة غ��ير(.13محدودة، في حين لم يكونوا في األيام الثورية غير حفنة ضئيلة من الناس الموطدين العزم" )

صحيح أن الموجة الثورية لم تشهد سوى انتصارات مؤقتة خارج روسيا: إرساء جمهوري��ات س��وفييتية سريعة ال��زوال في المحج��ر وب��افيير. لق��د انه��زمت المرحل��ة األولى من الث��ورة األلماني��ة في ك��انون

. وتم وقف الثورة النمساوية بقرار من الحزب االشتراكي النمس��اوي )الوس��طي(،1919الثاني/يناير (.14الذي تفاوض على تسوية مع البرجوازية )

هزائم في أوروبا: مسؤولية اإلصالحيين عنها لكن تلك التسوية لم تكن تنبع من موازين قوى غ��ير مناس��بة موض��وعيا. إن علين��ا أن نش��دد في ه��ذا الص��دد، على مس��ؤولية ق��ادة ذل��ك الح��زب االش��تراكي الت��اريخي الرهيب��ة. ففي الواق��ع، إن اس��تيالء االشتراكيين النمساويين على السلطة -وكان آنذاك ممكنا تماما- كان عدل الوضع في أوروب��ا بش��كل أساسي لصالح الثورة، عبر ضمان التقاء جغرافي مع الجمهوريات السوفييتة في بافيير والمجر، التي ك�انت أقيمت ح�ديثا على ج��انبي النمس�ا. إن االش�تراكيين النمس�اويين، إذ رفض�وا اس�تالم الس�لطة، قطع�وا سلس�لة الث�ورة االش�تراكية، ول�و تص�رفوا بش�كل آخ�ر، ك�انت ع�ززت ك��ل من الجمهوري��ات البروليتارية الثالث الواحدة قوة األخرى، متسببة باندفاع ثوري كان يمكن أن ينتشر في أوروبا بأسرها

(15.) ، ثم ضربت بقس��اوة، فش��هدت ص��عودا جدي��دا أفض��ى إلى1918أما الثورة األلمانية، التي بدأت عام

ضد انقالب كاب-فون لوتفيتز، وتلته موجة ثالثة في عام1920اإلضراب العام المثير في آذار/مارس (.16، مع اإلضراب العام ضد حكومة كونو )1923

وبوجه خاص: إذا كان لدى البالشفة "أوهام" بخصوص الثورة العالمية، ك��ان يش��اطرهم تل��ك األوه��امالماليين من ذوي األجر عبر العالم.

، غ���ير حفن���ة من1919لم يكن هن���اك في الم���ؤتمر األول لألممي���ة الش���يوعية، في آذار/م���ارس المجموعات الثورية ال تمثل إال عشرات اآلالف من األشخاص، ال أكثر، خارج روسيا. لكن في األش��هر التي تلت، توسع التعاطف "مع موسكو" إلى حد أن غالبية الشغيلة المنظمين في العديد من البل��دان )اسبانيا، ايطاليا، فرنسا النروج، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا( وأقلية قوية في بل��دان أخ��رى )ألماني��ا قب��ل كل شيء( طلبت االنضمام إلى األممية الشيوعية. وفي النمسا، وبولوني��ا وسويس��را، لم يتمكن ق��ادة

12

األحزاب االشتراكية من إيقاف هذا المد الجارف إال بقطعهم، هم أيضا، م��ع االش��تراكية-الديمقراطي��ة اإلصالحية وتشكيل األممية المسماة "ثانية ونصف"، التي قدمت عهودا لصالح ديكتاتوري��ة البروليتاري��ا

(17.) يجب التشديد على أنه كانت لتحذر البرولياتاري��ا العالمي��ة العمي��ق، بع��د ث��ورة أوكت��وبر، ج��ذور خاص��ة

(. لقد عدل بعمق م��وازين الق�وى18بظروف كل بلد. لم يكن مجرد نتاج تصديري قادم من موسكو )العالمية بين الطبقات.

ولكي تحاول البرجوازية وضع السدود في وجه الموجة الثورية، ب��دعم من اإلص��الحيين، اض��طرت ألن عاما، وقبل كل شيء ي�وم25تقدم للبروليتاريا إصالحات مهمة كانت قد قاتلت ألجلها سدى أكثر من

ساعات واالقتراع العام البسيط. لقد كان التجذر من العمق بحيث ح��دث ح��تى إض��راب8العمل من عام في سويسرا، وأطلق ال��زعيم االش��تراكي-ال��ديمقراطي ترولس��ترا ن��داء إلى الث��ورة في هولن��دا،

وهما بلدان كانا قد بقيا حياديين خالل الحرب، وكانا أكثر استقرارا بكثير من باقي أوروبا. هذا التبدل في موازين القوى العالمية بين الطبقات أنقذ روسيا السوفييتية من اختناق عسكري ع��ام

، حين حال التهديد باإلضراب العام من جانب الحركة العمالية البريطاني��ة بأس��رها، دون ت��دخل1920 االمبريالية البريطانية إلى جانب القوى المعادية للثورة لكل من ويغان وفوش خالل الح��رب الروس��ية

(.19البولونية )بهذا المعنى الدقيق تماما، لم تكن آمال البالشفة في الثورة العالمية واهمة.

ال شك أن تلك اآلمال كانت مبالغا بها، إذا تحدثنا عن انتصارات حاس��مة وعلى الم��دى القص��ير. ولق��د اعترف لينين وتروتسكي بذلك بسرعة كافية. لقد اقترفنا –بصورة تنطوي على ش��يء من المفارق��ة- خطيئة المبالغة في العفوية. كانت الموجة الثورية تبدو آنذاك عميقة ج��دا بحيث بخس��ا بعض الش��يء

قيمة العامل الذاتي المتمثل بالقيادة الثورية، النتزاع النصر: . كان يبدو1919-1918"إن ما ينتظرنا ليس هجوما خوائيا وعفويا الحظنا طوره األول في أوروبا في

لنا )وكان ثمة بعض التبريرات التاريخي��ة ل��ذلك( أن ه��ذا الهج��وم يمكن أن يتواص��ل، في ف��ترة ك��انت البرجوازية فاق��دة فيه��ا للتنظيم، في موج��ات أش��د فاش��د عمق��ا، وأن وعي ش��رائح الطبق��ة العامل��ة القيادية سوف يتوضح، وأن البروليتاريا ستصل بهذه الطريقة إلى السلطة في مهل��ة ع��ام أو ع��امين. ولق��د ك��انت ه��ذه اإلمكاني��ة التاريخي��ة موج��ودة، لكنه��ا لم تتح��ول إلى واق��ع م��ادي. لق��د منح الت��اريخ البرجوازية –بمساعدة سوء نية البرجوازية )أو حسنها(، واحتيالها وتجربتها، وغريزته��ا ألج��ل الس��لطة-

(.20استراحة طويلة نسبيا، وقتا لكي تتنفس. لم تحصل المعجزة" ) لكن ال ج��دال في أن الجم��اهير ك��انت تري��د الث��ورة في سلس��لة واس��عة من البل��دان: وال��براهين والشهادات وفيرة بهذا الخصوص. وإذا لم تنتصر المعركة الثورية خارج روسيا، على الرغم من ذل��ك، فذلك ألنه لم تتوفر القيادة المناسبة، ال بل ألن القيادات المسيطرة داخل الحركة الجماهيرية تدخلت

بنشاط لمنع ذلك النصر. على الرغم من ترددات وتناقضات في التشخيص الذي قدمه برونتال، هذه هي الخالصة ال��تي توص��ل

إليها هو ذاته: "لماذا لم يحصل شيء من ذلك ]ثورة اجتماعية ممكن��ة[؟ ألن االش��تراكية-الديمقراطي��ة األلماني��ة لم تتدخل في الثورة كحزب ثوري، ألن غالبية قادتها الس��احقة، ن��اهيكم عن الجم��اهير ]قاع�دتها الخاص�ة

(.21بها[ كانت بعيدة عن التفكير بمنحى ثوري، ولم تكن معدة ذهنيا المتحان الثورة" ) لقد دفع الشعب األلماني، والبروليتاريا األلمانية والعالمية، والبشرية جمعاء، ثمنا رهيب��ا له��ذا اإلفالس،

المستند إلى جرائم. وهو ما سنعود إليه الحقا.إحاالت

.304(مارتوف-دان، مرجع مذكور، ص 1).256، ص 26(لينين، األعمال الكاملة، الجزء 2)-257، ص 26 تشرين األول/أوكتوبر"، المؤلفات الكاملة، الجزء 26(لينين، "تقرير عن السالم في 3)

260..260-259(المرجع ذاته، ص 4) (ال يستتبع هذا بالطبع أنه لم تكن هناك أسباب عميقة للحرب، السيما التنافس بين انكلترا وألماني��ا5)

على تقاسم غنائم تفكيك اإلمبراطورية العثمانية والسيطرة على الشرق األوسط، الذي ك��ان ق��د ب��دأ13

االشتباه بثرواته النفطية، عالوة على التنافس بين روسيا القيصرية والتح��الف الجرم��اني-النمس��اوي-المجري على السيطرة على البلقان.

)مجموعة الموسوعة االشتراكية(.58، ص 1931(ج.لونغيه، الحركة االشتراكية العالمية، باريس، 6).81-80(المرجع ذاته، ص 7) (بافيير منطقة ألمانية على حدود النمسا. وهذا الموقع الجغرافي مهم، ألنه كان هناك اندفاع ثوري8)

في الوقت عينه في بافيير، الواقعة غربي النمسا، وفي المجر، وعلى الحدود الش��رقية للنمس��ا، وفيالنمسا بالذات.

.31-30، ص 1927(ج.سالفيميني، الدكتاتورية الفاشية في ايطاليا، نيويورك 9).175(ج.برونتال، مرجع مذكور، ص 10).186(المرجع ذاته، ص 11).232(المرجع ذاته، ص 12) ، نيوي��ورك177(ل.تروتس��كي، الس��نوات الخمس األولى لألممي��ة الش��يوعية، الج��زء األول، ص 13)

1945. Die revolutionare Situation in Oeterreich im Jahre 1918(لقد بين ر.روسدولسكي 14)

und die Politic der Sozialdemokraten-Der Oesterreiche Jan uarstreik; 1918, Berlin على قاع��دة م��واد األرش��يفات، كي��ف ن��اور الق��ادة االش��تراكيون ال��ديمقراطيون1973

النمساويون، بالتشارك الوثيق مع الحكومة اإلمبراطورية، ليقنوا أوال ذلك اإلض��راب الع��ام الكب��ير في فيينا، وليخنقوه الحقا. ويعترف اوتو باور، أحد قادة الجناح اليساري في الحزب االشتراكي النمساوي،أن إيقاف اإلضراب العام قبل أن يتحول إلى ثورة اصطدام بمقاومة شديدة في صفوف البروليتاريا.

ف يجم��ع نصوص��ا لم��اكس أدل��ر: م.أدل��ر،15) (لعرض ه��ذا الموض��وع، انظ��ر مقدم��ة إ.بوردي��ه لمص��ن . وتبرر إيفون بورديه رفض الماركسيين النمس��اويين1967الديمقراطية والمجالس العمالية، باريس،

االستيالء على السلطة، باخسة في الوقت نفسه الطاقة الثورية العالمية آنذاك وخطورة النتائج، على الم��دى القص�ير ل�ذلك الخي��ار السياس�ي )في حين تش�دد على أن فش��ل المش��روع الماركس�ي

النمساوي "للثورة البطيئة" أتاح صعود الفاشية الالحق(. (خالل اإلضراب العام ضد انقالب كاب-فون لوتفيتز اليميني المتطرف، وللمرة األولى والوحي��دة،16)

ح��تى النقاب��ات اإلص��الحية دعت إلى تش��كيل حكوم��ة عمالي��ة "ص��رفة" تض��م الح��زب االش��تراكي- الديمقراطي والحزب االشتراكي-الديمقراطي المس�تقل )وس�طي(، األلم��انيين، والنقاب��ات. لق�د ق�اد الجنرال فون لوتفيتز، قائد قوات برلين، وولفغانغ كاب، مدير الزراعة في بروس��يا، انقالب��ا فاش��ال في

. أما حكومة كونو )على اسم المصرفي ولهلم كونو(، التي ش��كلت في نهاي��ة ع��ام1920آذار/مارس ، وكانت يمينية بوضوح، فكانت تقوم في الب��دء على ائتالف برلم��اني ي��تراوح بين االش��تراكيين-1922

الديمقراطيين واألحزاب البرجوازية، لكنها استبعدت االشتراكيين من المجلس الحكومي المصغر. (بلغت الموجة الثورية حتى مدينة سيتل البعيدة، في الواليات المتحدة، حيث انفجر إض��راب ع��ام17)

اتخذ أشكاال تنظيمية نصف سوفييتية. (اجتهد القيادي المنشفي اليساري، مارتوف، بعد ف��وات األوان، إلعط��اء تفس��ير "سوس��يولوجي"18)

Bolscevimo. وق��د أك��د ج.م��ارتوف: 1917للتجذر العم��الي الع��المي بع�د mondiale, Zinaudi Toronto 1960 ( أن هذا التجذر نقله بوجه خاص جنود وعمال1919 )األصل الروسي يعود إلى عام

غ��ير منظمين يتبن��ون وجه��ة نظ��ر "مس��تهلكين" معارض��ين وجه��ة نظ��ر "المنتجين" الخاص��ة بعم��ال اشتراكيين-ديمقراطيين تقليديين، من عمال متخصصين ونصف متخصصين. وهذه األطروح��ة ال يمكن أن تصمد أمام الوقائع. ففي ألمانيا، وليس في روسيا وايطاليا فق��ط، ك��ان ذوو األج��ر ال��ذين اخت��اروا األممية الشيوعية، شغيلة المصانع الكبرى، المتخصصين ونص��ف المتخصص��ين، قب��ل ك��ل ش��يء، في حين تلقى االص��الحيون دعمهم الرئيس��ي من الش��غيلة قليلي التخص��ص أو غ��ير المتخصص��ين، في ال��ورش الص��غيرة والمتوس��طة والقطاع��ات األق��ل تق��دما في االقتص��اد. إن االنفالق في ألماني��ا بين الحزب االشتراكي-الديمقراطي المستقل )ح.اد.م.( والحزب االشتراكي-الديمقراطي، أوال وبين يسار

، بين الح��زب الش��يوعي1923(، ومن ثم ع��ام 1921ح.ا.د.م. ويمينه في ما بعد، )ح��تى آذار/م��ارس واالشتراكية-الديمقراطية، كانت ل��ه بالض��بط القاع��دة االجتماعي��ة ذاته��ا. أم��ا بخص��وص روس��يا، فق��د برهن.أ.سميث ود.ب. كونكر على أن البالشفة تلق��وا قب��ل ك��ل ش��يء دعم العم��ال المتخصص��ين في

The workers’ revolution in russia 1917 The view fromالمنشآت الكبرى )انظر: كايزر، below ،1987، كامبريدج.)

، ك��ان ق��د تنظم مجلس عم��ل بمس��عى من لجن��ة النقاب��ات1920(في التاسع من آب/أغسطس 19) البرلمانية واللجنة التنفيذية لحزب العمال، والمجموعة البرلمانية في هذا الحزب لتحذير الحكومة من أن "حربا يتم تحضيرها من جانب الحلفاء ضد رويا السوفييتية بصدد المسألة البولونية. ولقد أعلن أن

14

حبرا كهذه ستكون جريمة ال تغتفر ضد البشرية. وقد ح��ذر الحكوم��ة إذا من أن ك��ل الق��وة الص��ناعية للشغيلة المنظمين س�وف تس�تخدم إلفش��ال تل�ك الح�رب... وأن مجلس عم��ل س�وف يتش��كل على

13الفور التخاذ كل التدابير الضرورية بهدف تطبيق هذا القرار".أك��ثر من أل��ف من��دوب اجتمع��وا في آب/أغسطس في مؤتمر وطني بهدف تشكيل مجال عمل محلية والتحضير إلض��راب ع��ام. ه��ذا وق��د

مدينة.350تشكلت مجالس عمل في أكثر من .219(ل.تروتسكي، المرجع ذاته، ص 20).232(برونتال، مرجع مذكور، ص 21)

15

الفصل الثالث: الرهان القومي ، أي قبل ثورة أوكتوبر بثماني��ة أش��هر. في1917لقد تمت إطاحة النظام القيصري في شباط/فبراير

ذلك الحين، بالضبط، ولدت السوفييتات، مجالس العمال، والجن��ود. م��ع ذل��ك، لم يكن البالش��فة، في بداية تلك المرحلة الحاسمة، يحوزون األكثري��ة في الس��وفييتات ولم يكون��وا في مواق��ع الس��لطة. إن قوى سياسية، برجوازية ليبرالية ومنشفية، هي التي شكلت الحكومة المؤقت��ة وس��نحت له��ا الفرص��ة إلثبات قيمتها. والحال أنها تكشفت عاجزة عن حل المشكالت الشائكة ال��تي طرحه��ا الوض��ع إن ه��ذا

العجز هو الذي يفسر تزايد نفوذ البالشفة التدريجي وظهور وضع جديد ثوري في الخريف. لم يكن السلم الفوري المهمة الوحيدة التي واجهت الحكومة المؤقتة. كان الس��كان يحس��ون بإلح��اح مشكالت أخرى، وكانت السوفييتات قد التزمت بحله��ا من دون إبط��اء ]دون أن يع��بر ذل��ك دائم��ا عن

نفسه بالتحاق واع بسلطة السوفييتات من جانب الجماهير[. ك��ان ذل��ك ص��حيحا بوج��ه خ��اص على ص��عيد مس��ألة األرض، ومس��ألة الب��ؤس العم��الي، ومس��ألة

المؤسسات السياسية. ففي هذه الميادين الثالثة الرئيسية للحياة االجتماعي��ة-السياس��ية، ك��انت روس��يا تج��ر خلفه��ا إرث��ا من الهمجية، والتخلف، تنضاف إليه انعكاسات تصنيع شديد السرعة، ومتوحش، ومفروض بعصا االستبداد

السلطوي. إن فضل ثورة أوكتوبر التاريخي يكمن في أنها أتاحت التنظي��ف الس��ريع ل��زرائب أوجي��اش )*(، ال��تي

أنتجتها القصيرية، وكانت تعاني منها الغالبية العظمى للشعب الروسي، أسير شروط ال إنسانية. يكفي أن نصف هذه الشروط لنالح��ظ مج��ددا نف��اق، ال ب��ل س��خرية ك��ل من يحمل��ون ث��ورة أوكت��وبر

مسؤولية البؤس الذي امتد في روسيا وتوسع حتى بداية العشرينات.المسألة الزراعية

مع عبء ثقيل جدا جرى تحميله للفالحين. كان يمكن تقدير أن1861لقد تالزم إلغاء القنانة في عام مليون روبل ذه��بي. لكن ف��رض648المردود المرمل لألراضي التي تلقاها الفالحون آنذاك يصل إلى

مليون روبل. وكان على الفالح أن يدفع فضال عن ذل��ك ض��ريبة867عليهم مبلغ إجمالي للتخالص هو أك��ر(. وه��و م��ا يس��اوي2.7 روبل بالدسياتين )الدسياتين قياس مس�احة يس��اوي 1.56زراعية بقيمة

ملي��ون روب��ل، في حين أن المالكين الخاص��ين النبالء وال��برجوازيين لم يكون��وا170بص��ورة إجمالي��ة روبل كضريبة بالدسياتين.0.23يدفعون، من جهتهم، إال

%100 و50 تراوحت المب��الغ ال��تي ك��ان على الفالحين أن ي��دفعوها م��ا بين 1902وفقا لتحقيق عام من الدخل الصافي للمزرعة، بحب قياسات هذه األخيرة.

فضال عن ذلك، فخالل توزيع األراضي، كان المالكون العقاريون ق��د تملك��وا أراض��ي جي��دة، ك��انت في السابق بتصرف الفالحين، حيث أنهم لم "يمنحوا" هؤالء، في أغلب األحيان، غير حق ش��راء األراض��ي

األقل خصبا. مقاب��ل ه�ذه الض�ريبة الباهض��ة، لم يحص�ل الفالح�ون عملي�ا على ش�يء من الدول�ة القيص�رية. ففي المناطق الداخلية من روسيا الوسطى بقيت شروط الحي��اة والعم��ل على م��ا ك��انت علي��ه قب��ل أل��ف سنة. لم يكن مردود الهكتار فيها غ��ير رب��ع قيمت��ه في بريطاني��ا العظمى، وأق��ل من الخمس بالنس��بة لمتوس���ط الم���زارع الفالحي���ة )أي من دون أن نأخ���ذ بالحس���بان الحق���ول ال���تي يس���تثمرها النبالء

(.1والبرجوازية( ) ضمن هذه الشروط، كان ضغط الريع والضريبة المرفوض دفعها، عام��ا بع��د ع��ام، يمن��ع الفالحين من تخزين احتياطي. وهو األمر الذي أدى من جهة، إلى استنفاد تدريجي لخصب األرض عن طريق ف��رطب من جه��ة االستثمار ]نرى هكذا أن تاريخ المشكالت البيئي��ة ال يع��ود إلى العه��دذ الس��تاليني![ وتس��ب

.1891أخرى بمجاعات دورية، لدى كل موسم سيئ. واألسوأ كان موسم عام ولقد كان أخطر بكثير من هذا العبء المالي، غير الممكن احتماله بحد ذاته، النقص في األرض. فقلد

دس��ياتين.7 إلى 6.5أمكن تقدير أن مساحة مزرعة قادرة على ت��أمين الغ��داء لعائل��ة فالحي��ة ك��انت ]لكن[ الفالحين المشتغلين بتلك األراضي التي كانت في السابق ملكا للنبالء أو أميرية لم يحص��لوا إال

16

دسياتين. ونظرا للحركة الديمغرافية والنزوح الريفي المح��دود ج��دا، ك��ان متوس��ط4.9 و3.17على دسياتين3.1 و1861 دسياتين عام 4.83مساحة األرض الموجودة بتصرف كل فالح راشد يصل إلى

. حوالي خمسة ماليين راشد في الريف لم يكونوا قادرين فعال على استخدام قوة عملهم،1905عام ملي��ون70 إلى 60حتى عند أسفل مستوى من اإلنتاجية المتوسطة. كان الفالحون بحاج��ة إجم��اال ل�

دسياتين أرض إضافية. ، وإزاء المئة واثني عشر ملي��ون دس��ياتين تقرب��ا ال��تي ك��انت في تص��رف1905والحال انه، في عام 145 مليون دسياتين بين يدي النبالء، واإلكليروس والبرجوازية، و101.7الفالحين، كان هنالك مليون��ا

م��رة15 دس��ياتين )50أراضي دولة وأراض أميرية. أما المشاريع الزراعية التي يزيد الواحد منها عن مليون دسياتن.80أكبر من المزرعة الفالحية المتوسطة( فكانت تشغل لوحدها ما مجموعه

والخالص��ة واض��حة: لم يكن في وس��ع الفالحين أن يحص��لوا على األرض ال��تي تنقص��هم إال باإللغ��اءالجذري للملكية الكبرى للنبالء والبرجوازيين.

طالم��ا بقيت تل�ك الث��ورة الزراعي�ة من دون تحقي��ق، لم يكن في وس�ع الفالحين إال أن يس�تمروا في استئجار أراض عائدة للمالكين الكبار. وفي نهاية القرن التاسع عشر، في المنطقة المس��ماة "األرض

% في الج��زء40 و30% من أراض��يهم للفالحين، وم��ا بين 50الس��وداء" )قلب روس��يا(، أج��ر ه��ؤالء % من الموسم.50الباقي من البلد. كان سعر إيجار األرض مرتفعا جدا، ويبلغ أحيانا

إذ أضفنا ثمن إعادة الشراء، وعبء الضريبة وعبء الري��ع، نحص��ل على عبء إجم��الي على الفالحين ع��دد األحص��نة1898 و1888يستتبع اإلفقار المحتوم لغالبية العائالت في الريف. لقد انخفض ما بين

مليونا. وزاد عدد24.5 إلى 34.6 مليونا؟، وعدد األبقار من 17 إلى 19.6التي يمتلكها الفالحون من % خالل الفترة نفسها )كل هذه األرقام مأخوذة من تحقيقات22المزارع المفتقرة إلى حصان بنسبة

رسمية في تلك الفترة(. ،1908يصحح تيودور شانين بروية، بال ريب، اإلحصاءات التي استخدمها لي��نين في نص��ه العائ��د لع��ام

بعنوان "البرنامج الزراعي لالش��تراكية-الديمقراطي��ة خالل الث��ورة الروس��ية األولى"، فيق��دم الج��دول وفقا للملكية:1905التالي لتوزع الفالحين في وروسيا األوروبية حوالي عام

دسياتين أو أكثر. 15من عائالت الفالحين موسورين تملك 15.8%- -51.8

دسياتين.15و7من عائالت الفالحين تملك ما بين دسياتين.7 من عائالت الفالحين الفقراء تملك أقل من 32.4%-

)يتعلق األمر في كل مرة بالملكية بالعائلة ال بالفرد من السكان(..1905 و1897وهو يستخلص أنه كان هناك في روسيا كمعدل في الفترة ما بين

% من السكان الفالحين(.7.6 إلى 5.1% من المزارعين الرأسماليين )من 1.2 و0.8بين % من السكان الفالحين(4 إلى 3% من العمال من دون أرض )من 6 و8بين

% من الفالحين األغنياء3.9 و2.6- بين % من الفالحين الموسرين10.7 و12.4- بين

فالحون متوسطون51.8%- (.2% من الفالحين الفقراء )26.4 و24.2- بين

كان الفقراء يمثلون إذا ثلث سكان األرياف. كانت الهمجية والبؤس اللذان كان الفالحون يعيشون فيمهما في ظل القيصرية يعبران عن نفس��يهما بوضوح في مستوى استهالكهم. فعلى أساس الشخص الواح��د، ك�انت المزرع�ة الفالحي�ة المتوس��طة

روب��ل للحاج��ات الثقافي��ة-2.5 روب��ل في الع��ام للبس، و5.5تخصص، خارج نفقات الغداء والس��كن، روب��ل لحاج��ات مادي��ة أخ��رى. ك��انت عائلت��ان فالحيت��ان مؤلف��ة ك��ل منهم��ا من س��تة1.4الروحي��ة، و

نس��مة في الري��ف القيص��ري، تس��تهلكان الق��در نفس��ه ال��ذي يس��تهلكه12أشخاص، أي ما مجموعه )وفي تل��ك الف��ترة،12 إلى 1. أي فرق من 1905عامل أمريكي واحد )من دون عائلته( حوالي عام

كان استهالك عامل أمريكي، بالطبع، أدنى بكثير مما هو اليوم(.17

إن تصدير روسيا الكثيف للقمح، وك�ان مص�درا رئيس��ا لعمالته��ا الص�عبة قب��ل تص�دير النف�ط، لم يكن ممكنا إال ألن ضغط الريع والضريبة كان يجبر الفالح على بيع القمح حتى إذا لم يكن يأكل حين يجوع. ولو كان أمكن القمح أن يغطي كليا حاجات االستهالك لديه، لكانت روس��يا أص��بحت بل��دا مس��توردا ال

مصدرا له. في الكتاب حول روسيا الذي بات كالسيكيا، والذي كتبه المحافظ جدا الس�ير دونال�د م��اكنزي واالس، ممثل االستبليشمانت البريطانية لواقع تحت إغرائها، يلخص هذا األخير تدهور وض��ع الفالحين ال��روس

0.9بالمعطيات اآلتية: إن متأخرات الضرائب السنوية )أي مقدار الضرائب غير المدفوعة( ارتف��ع من في1899 روبال ع��ام 22، ف��إلى 1893 روب��ل ع��ام 6 إلى 1882روب��ل بالش��خص ال��ذكر ع��ام

(.3المقاطعات السبع لمنطقة األرض السوداء )البؤس المديني

لم يكن البؤس العمالي والمديني أقل حدة. وتكفي اإلشارة في هذا الص��دد إلى ش��روط الس��كن. إن مدين��ة القائم��ة على131أناتول كوب يستند إلى المؤل��ف الس��وفييتي ج. ب��وزيس ليؤك��د ان��ه في ال���

األرض التي شكلت الجمهورية االشتراكية االتحادية لسوفييتات روسيا )ج.ا.ا.س.ر(: 213 ألف بيت، الموج��ودة في 195% فقط من البيوت موصوال بشبكة ]مجارير[. ومن أصل 9"كان

% منه��ا فق��ط ك��انت12.5مدينة في ج.ا.ا.س.ر. والتي ك��انت له��ا قب��ل الث��ورة ش��بكة توزي��ع للم��اء، (.4موصولة بالشبكة" )

3.6 في ب��تروغراد، مقاب��ل 8 في موسكو، وح��والي 8.7، كان عدد األشخاص بالشقة 1912في عام (.5 في باريس )2.7 في فيينا، و4.2في برلين، و

ك�ان ي��وم العم��ل المتوس�ط يبل�غ مع�دل عش�ر س�اعات، من دون حس��بان س�اعات إض��افية عدي��دة. إلى ثالث��ة أض��عاف األج��ر الس��نوي1909وبحسب المؤرخ بروكوبوفيتش، كانت بتروغراد تحتاج ع��ام

، ك�انت1908المتوسط إلعالة أسرة بشكل محتشم. كان البؤس العم�الي كب�يرا ج�دا إذا. ففي ع�ام % على الس��كن21% من مداخيلها على الغذاء )غير الكافي في ك��ل ح��ال(، و48أسرة عمالية تنفق % على األلبس��ة. ولتلبي��ة الحاج��ات األخ��رى وقب��ل ك��ل ش��يء العناي��ة الطبي��ة15)البائس عموم��ا(، و

% من األجر الهزيل.15والتعليم، حتى البدائي، لم يكن بقي إال بالكاد % )20، انخفض األجر الفعلي للعامل الروسي بنسبة 1902 و1892كان بوكروفسكي يقدر أنه بين

(. وفي طبعة الحقة موس�عة لمؤلف��ه، يص��نف ه��ذا الم��ؤرخ الش��يوعي، ال��ذي امتدح��ه لي��نين كث��يرا،6شروط الحياة البائسة للعمال الروس في نهاية القرن التاسع عشر:

من العمال كانوا أميين ]...[ وفي فبارك موسكو، كانت شغيلة النسيج مجبرين دائما تقريب��ا63.7%" على النوم على نولهم. كانت كل العائلة تنام في الواقع على تلك األنوال التي طوله��ا م��تران ونص��ف وعرضها متران. كان عليهم أن ينظفوا الغرف الوسخة بثيابهم. وكان أرب��اب العم��ل يقول��ون للط��بيب

إن الشغيلة "يحبون" العيش هكذا ]...[". "إن الطبيب الذي حصلنا منه على ]هذه[ المعلومات عن عمال النسيج أصبح مفتشا، ولنق��ل ع��ابرينر موقفه فورا. فبعد عامين، وصف السكن العم��الي لغالبي��ة منش��آت حكوم��ة إن هذا الواقع الجديد غي

فالديمير على الشكل التالي: تلوث، هواء رديء، عائلتان في غرفة لها أو نافذتان ]...[" "كان العامل ]الروسي[ يتغذى آنذاك بشكل اقل جودة من ]األلماني[ بعد الح��رب االمبريالي�ة، وس�ط الح��رب األهلي��ة والحص��ار. ك��ان غ��ذاؤه المعت��اد يتك��ون من اللحم المملح، والس��مك الم��دخن. اللحم الطازج الوحيد المتوفر كان جلد الذبيحة وأكارعها وبطنها ]...[ ض�من ش�روط الحي��اة والس��كن ه�ذه،

ام��رأة من أص��ل أل��ف134كانت األمراض تص��يب العم��ال. وفي ورش النس��يج في موس��كو، ك��انت مصابة بالسل. فضال عن ذلك، كان هناك "وباء" يس��ميه األطب��اء "رض��يا" و"بروليتاري��ا" بالكام��ل: إن��ه الجروح ]...[. وفي منشأة نسيج ]كبرى[، لم تكن تبقى، في مهلة ثالث سنوات، غير عاملة من أص��ل

(7ثالث لم تصب بجروح" ) كان معدل موت األطف�ال في األحي�اء العمالي�ة بش�كل أساس�ي في ب��تروغراد يص�ل على األق�ل إلى ضعف معدل موتهم في األحي��اء "المختلط��ة". وح�والي رب��ع األطف��ال المول�ودين في العاص��مة ك��انوا

(.8يموتون قبل بلوغهم العام ) إذا اعتبرنا أن هذه األوصاف ذات المصادر الماركسية مبالغ به��ا، ه��اكم حكم م��ؤرخ برج��وازي معت��دل

جدا:18

"غالبا ما يؤكدون أن أكواخ بريطانيا بلغت درجة من الالإنسانية ال يمكن أي مجتم��ع آخ��ر أن يض��اهيها. وهذا صحيح بمقدار ما كان البؤس األشد في انكل��ترا، وس��كوتلندا، يتناس��ب م��ع الش��رائح االجتماعي��ة الدنيا ]...[ لكن كل العمال البريطانيين لم يكونوا ينتمون إلى الشرائح الدنيا، في حين أن تل��ك ك��انت حالة كل الشغيلة الروس تقريب��ا ]...[. لم يكن ثم��ة ت��درج في روس��يا: ك��ان العم��ال عبي��دا م��أجورين

(.9بالمعنى األدق ولم تكن أجورهم تسمح بإعالة أسرة" ) لق��د كتب األس��تاذ الج��امعي من أص��ل روس��ي، ني��وكالس ف. ريازانوفس��كي، ال��ذي ي��روج اس��تخدام

مؤلفاته في الجامعات الغربية ما يلي: "]...[ رغم تشريع العمل، ورغم واقع أن األجور زادت، في الس��نوات ال��تي س��بقت الح��رب العالمي��ة األولى )وهذا ما يصر المؤرخون السوفييتيون على نفيه بحدة(، ك��ان العم��ال ال��روس يبق��ون يائس��ين على وج��ه العم��وم. إن بروليت��اريي روس��يا اإلمبراطوري��ة، ال��ذين ك��انوا يحص��لون على أج��ور س��يئة، ويسكنون في أكواخ مزدحم��ة بص��ورة ال يمكن تص��ورها، ش��به أم��يين ومح��رومين من أي غنم، ك��انوا يق��دمون مثال ممت��ازا على تل��ك الي��د العامل��ة الفق��يرة والمس��تغلة، المميزة لمراح��ل األولى من

(.10الرأسمالية، والتي وصفها ماركس بالكثير من القوة في رأس المال" )ويورد األستاذان االنكليزيان كوشان وأبراهام، فضال عن ذلك واقعا يكاد يمكن تصديقه:

، يحظ��ر دخ��ول الم��دارس الثانوي��ة على1887"]...[ كان توجيه نشره ديلي��انوف، وزي��ر التربي��ة ع�ام األوالد من الشرائح االجتماعية ال��دنيا: ]...[ إن أوالد الخ��دم، والطب��اخين، والك��واءات، وص��غار التج��ار وأشخاصا من النوع نفسه، ما عدا ربم��ا أولئ��ك ال��ذين يكون��ون موه��وبين بش��كل اس��تثنائي، ال ينبغي،

(.11بالتأكيد، سحبهم من البيئة االجتماعية التي ينتمون إليها" ) ، كانت أجور الي��د العامل��ة النس��ائية1914كان فرط استغالل العامالت خطيرا بوجه خاص. ففي عام

%40، كانت قد هبطت إلى أق��ل من 1916توازي نصف قيمة أجور اليد العاملة الذكورية. وفي عام (12.)

هل يمكن أن نجادل بصورة جدية في أن ثورة أوكت��وبر ق��امت بعم��ل مفي��د وص��حي ب��أن أزالت ه��ذهالمخازي جذريا؟

الدولة القيصرية % من نفق�ات الموازن��ة ك��انت80كان لدور الدولة القيصرية القائم على االضطهاد بعد م��الي دقي��ق:

مخصصة للجيش وجهاز القمع. هذا البزل الطفيلي من الدخل القومي كان يتم بش��كل أساس��ي على حساب الفالحين )لكن أيضا على حساب العمال، عبر الضريبة غير المباش��رة(. ك��ان تموي��ل الص��ناعة

يتم قبل كل شيء بفضل تثميرات أجنبية. لم تكن الصناعة الروسية قادرة على المنافسة في السوق العالمية. إن ضيق السوق القومية، بفع��ل فقر غالبية السكان الالحقة، لم يكن يمكنه هو اآلخر أن يضمن أسواقا كافي��ة. فض��ال عن ذل��ك، ك��انت المنتجات المستوردة أرخص من منتجات الصناعة الروسية، وذات نوعي��ة أفض��ل. من هن��ا ك��انت تنتج سياسية حماية مبالغ بها ونزعة إلى التوسع العسكري الثابت باتجاه الشرق والجنوب الشرقي. ك��انت بلدان كتركيا، وإي��ران، وأفغانس��تان، والص��ين، وكوري��ا، مج��برة بالتهدي��د أو بق��وة الس��الح على ش��راء منتجات روسية. لقد جرى الكالم في ه��ذا الص��دد، بح��ق، على "رأس��مالية )امبريالي��ة( على الطريق��ة القوقازية". وانتهت األمور بشكل سيئ مع الح��رب الروس��ية –الياباني��ة، في تزوش��يما، حين انه��زمت

الجيوش الغربية. لكن الجانب األكثر اضطهادا واألشد قمعا في القيصرية كان يعبر عن نفس��ه في مجم��ل المؤسس��ات )أو غياب المؤسسات( التي شكلتها األوتوقراطية وم��ا ك��انت تمثل��ه بالنس��بة لش��عوب اإلمبراطوري��ة:

غياب الحقوق والحريات الديمقراطية، العسف البيروقراطي األقصى، االضطهاد المتفاقم: "مع ظهور انتليجنس��يا قومي��ة في ك��ل ش��عوب األقلي��ات تقريب��ا، ك��ان على الحكوم��ة إم��ا أن تع��ترف بالحاجة إلى حكم ذاتي محلي ما في المناطق الحدودية سهلة المكس��ر، أو أن تح��اول اكتس��اب ه��ذه القوى الجديدة لمعتقداتها الخاصة بها. وفي األخير، بدأت سياسة روسية نشيطة ج��دا. ففي أوكراني��ا، وروسيا البيضاء، وليتوانيا وبولونيا، جرى الحد من تعليم اللغة المحلية في المدارس أو حظره، وفرض استخدام الروسية. وفي المقاطعات البلطيقية ]...[، وحفزت الحكوم��ة تمي��يزا مش��ابها ض��د الس��كان

األلمان ]...[".

19

"من المرجح أنه كان قد جاء اآلن دور اليه��ود ال��روس ليع��انوا أس��وأ أن��واع الع��ذاب. ]حص��لت م��ذابح رهيبة[ يبدو أن ثلث اليه�ود هلك��وا، وثلثهم ه�اجروا، وثلثهم ج��رى اس�تيعابهم، وفق��ا لبوبي�د ونوس�تيف

]الممثل العلماني لكنيسة األورثذكسية وأحد أمثلة قصة دوستويفسكي، المحق الكبير[". "إن النصر الظاهري على النزعة القومية اإلس��المية في م��ا وراء القوق��از لم يفع��ل غ��ير إعط��اء ثق��ة كافية إلنتليجنسيا جورجيا وأرمينيا كي تنخرط في التحريض الثوري. وفي آس��يا، لم يكن يمكن ال��دعم المتزايد الذي أعطته الحكومة لحركة تبشير عدواني إال أن يغيظ التقليديين المسلمين ضمن السكان المحليين ]...[. كانت آس��يا الوس��طى والش��رق األقص��ى أرض��ا مخت��ارة لمغ��امرين إمبري��اليين روس،

(.13ومستفيدين مشبوهين وحكام مزيفين ]...[" ) ، أطل��ق الفالح��ون والعم��ال والقومي��ات1917هل ثمة ما يدهش في أنه، خالل ث��ورة ش��باط/ف��براير

المضطهدة صرخة إجماع: كفى! كفى! كفى! األرض، وحق تقري��ر المص��ير، وي��وم العم��ل من ثم��اني ساعات والرقابة العمالية، حاال! لكن الحكومة المؤقتة راوغت، وترددت، ومددت المه��ل، وأجلت ح��ل هذه المسألة حتى ما بعد أعمال الجمعي��ة التأسيس��ية، ال��تي ج��رى ت��أخير االنتخاب��ات الخاص��ة به��ا بال

انقطاع. هل ثمة ما يدهش في أن الجماهير أخذت، ضمن هذه الشروط، مصيرها بيديها، أكثر ف��أكثر، وس��عت ألن تحل بنفسها مشكالتها الحيوية، وتعرفت إلى نفسها في السياسية البلشفية وسلطة السوفييتات،

في حين أن هذه األخيرة حلتها بين ليلة وضحاها؟

20

إحاالت )*(أوجياس ملك أسطوري في اليونان في اليونان القديمة نظف هيراقليس زرائبه الشاس��عة بتمري��ر

نهر ألفي فيها )م( وما يليها.34، ص 1969، باريس 1905(كل هذه المعطيات نجدها في كاب تروتسكي، 1).101، 98، ص 1985 الجزء األول، لندن Russia as a ’developing society(ت.شانين، 2)واالس، 3) د.ماكنزي )Russia on the Eve of War and Revolution،أ.بالك إصدار سيريل ،

.346، ص 1961نيويورك، .261، ص 1975، باريس، Changer la vie, changer la ville(أ.كوب، 4) ،50 ص St. Petersburg and Moscow on the eve of the revolution(جايمس ه�.بايكر، 5)

ه�.كايزر The Workers" Revolution in Russia, 1917 - The view from belowدانييل .1987كامبريدج يونيفرسيتي برس،

.275، ص 1929، هيرشفيلد، ال يبزيغ Geschichlelands(م.بوكروفسكي، 6).252-249، ص 1920، بوشر جيلد غوتنبرغ، برلين Russiçche Geschichie(م.بوكروفسكي، 7).13(س.أ.سميث، مرجع مذكور، ص 8)The(إدوارد كرانكش��ا و، 9) Shadow of the Winter Palace ،ص1978، هارموندس��وورث ،

344.Histoire(ن.زيازانوفس������كي 10) de la Russie 464-463، ص 1987، ب������اريس.

The( ليونيل كوتشان وريتشارد إبراهام 11) Making of Modern Russia،هارمون��د س��وورث , .223، ص 1983

.48-47(س.أ سميث، مرجع مذكور، ص 12).197-196، 224-223(كوتشان-أبراهام، مرجع مذكور، ص 13)

21

الفصل الرابع، الرهان السياسي إن إدان��ة ث��ورة أوكت��وبر تق��وم، في الغ��رب كم��ا في الش��رق، وعلى وج��ه العم��وم، على فك��رة أن "االنقالب" البلشفي حال دون مأسس��ة الديمقراطي��ة وتوطي��دها، وأن��ه أفض��ى انطالق��ا من ذل��ك إلى

، كم��ا في األس��ابيع واألش�هر1917"نظام توتاليتاري". وبحسب هذا الزعم، كانت الخيار في أوكت��وبر التالية، بين الديمقراطية والديكتاتورية.

يتعلق األمر مرة أخرى بمخاتلة وتزوير تاريخيين فاقعين. ففي الواقع كان تق��اطب الق��وى االجتماعي��ة والسياسية قد بلغ الذروة في روسيا. وقد كان ذلك التقاطب قد بلغ حدا لم يترك معه أي حيز لتجربة

، المطبوع��ة بتج��ذر1917ديمقراطية برجوازية ممأسسة، ال بل طويلة األم��د. من��ذ أي��ام تم��وز/يولي��و المطالب الشعبية، كانت األحزاب البرجوازية –والزمر العس�كرية ال�تي ك��انت مرتبط��ة به��ا- ق��د تبنت

مسارا قمعيا بشكل واضح. من الس��ماء. ك��ان يعكس تف��اقم1917لم يس��قط انقالب كورنيل��وف العس��كري في آب/أغس��طس

الصراعات االجتماعية-السياس��ية، ولق��د زاد فش��له من ح��دة التعطش ل��رد مض��اد للث��ورة من ج��انبالطبقات المالكة وخدامها. وقد بدا ذلك مباشرة عشية ثورة أوكتوبر وغداتها.

لقد أخذ حقد الطبقات المالكة الروسية حجما نادرا ما عرفه ]حقد طبقي[. ويمكن مقارنته مثال بحقد ، وحق��د الرجعي��ة االس��بانية خالل ص��يف ع��ام1871البرجوازية الفرنسية خالل كومونة ب��اريس، ع��ام

1936.يشير جاك سادول بفطنة إلى أنها:

"]...[ تريد إرساء ناظم اس�تبدادي يغ�رق الث�ورة في ال�دم، وي�ذبح اليه��ود، والبالش�فة، واالش�تراكيين(.1والكاديت، وينفيهم خلط ملط" )

الرجعية الروسة واالمبريالية األلمانية كان ذلك الحقد الطبقي عميقا إلى حد أنه، في مهلة أشهر قليلة، بات النبالء والملكيون "الوطنيون"، الذين سبق أن استشاطوا غيظ��ا بس��بب قل��ة حم��اس الجن��ود لهج��وم كيرنس�كي على جبه��ة غاليس��يا

، عبروا عن تمنيهم وصول الق��وات األلماني��ة إلى ب��تروغراد لس��حق1917البولونية في حزيران/يونيو (. وهو ما يشير إليه أيضا جاك سادول مرة أخ��رى2البؤرة الثورية وأصبحوا موالين لأللمان بشراسة )

بقوله: "]...[ منذ وصول ]السفير األلماني[ ميرباخ إلى موسكو، شعر الملكيون باالطمئنان والراح��ة. وك��انت الزيارة األولى التي قام به��ا الس��فير األلم��اني للدوق��ة الك��برى، ام��رأة أخ نق��وال الث��اني. وم��ذاك رأى ملكيين آخرين جديرين بالذكر. وكان األمر يتعلق بداهة بتحضير عودة قيصرية إلى العرش. كان أنصار الملكية المطلقة مستعدين للقبول بكل شيء من دون حياء، والسيما ب��الحلف العس��كري م��ع ألماني��ا

(.3واستقالل أوكرانيا" )وقد أكد ذلك كليا عضو في السفارة األلمانية هو الفريهر كارل فون بوتمر:

"منذ بعض الوقت، تنشط الحلق��ات الملكي��ة كث��يرا وتفتح لن��ا قلبه��ا ]...[. وبمناس��بة ه��ذه النقاش��ات، التقيت سلسلة من الشخصيات الهامة التي تتعاطف معنا. إن كالمها يذهب كل��ه في االتج��اه عين��ه: ال

(.4يسعنا شيء من دونكم. عليكم أن تتدخلوا مباشرة، فتتمكن عندئذ من العمل" )القمع المضاد للثورة

لم يكن ذل��ك الحق��د الطبقي يس��تهدف من جه��ة أخ��رى البالش�فة وحلف��اءهم، في المق�ام األول، ب��ل الجماهير الشعبية بوجه خاص، بدءا بالفالحين "المنفل��تين من عق��الهم" في ق��راهم، مش��ترطا إع��ادة

"النهابين" إلى صوابهم. ك��ان ال��برجوازيون والنبالء، ب��دعم م��تردد من األح��زاب اإلص��الحية، والس��يما االش��تراكيين-الث��وريين اليمنيين، هم الذين فجروا الحرب األهلية غداة ثورة أوكتوبر. لقد أبدوا قساوة بال حدود خالل س��نوات

1918-1921. يستشهد الصحفي األمريكي أ.ر.ويليامز، الذي قام في روسيا خالل الثورة، بالمقطع التالي من مق��ال

:1919 أيلول/سبتمبر 17المحرر ن.شيفرين للصحيفة اليومية المناهضة للبالشفة، اليوم، بتاريخ 22

"كما تعلمون، لقد غ�ير البالش�فة اس�م الفي�الق القديم��ة. فق�وات موس�كو كتب على ظه�ور أفراده�ا الحرفان األوالن "ك.ل". كارل ليبنخت. لقد أس��رنا ]نحن جيش الش��مال األبيض[ أح��د ه��ذه الفي��الق، ووضعناه أمام المحكمة الحربية. إن المحاكمات أمام الجبه��ة البيض��اء قص��يرة ج��دا، فك��ل جن��دي يتم استجوابه وإذا اعترف بأنه شيوعي، يحكم عليه فورا بالموت إما شنقا أو بالرصاص. والحمر يعرف��ون

ذلك تماما". "يق��ف المالزم ك أم��ام الفيل��ق األس��ير ويعلن: "من منكم ش��يوعيون حقيقي��ون، فليب��دوا ش��جاعتهم ويتقدموا". يلي تلك الكلمات صمت ثقيل وممض. يتقدم أك��ثر من نص��ف الفيل��ق في ص��ف م��تراص، فيتم الحكم عليهم باإلعدام رميا بالرصاص. لكن قبل اإلعدام، على كل جندي أن يحفر ق��بره الخ��اص

به ]...[". "توجه األوامر على المحكوم عليهم بأن ينتزعوا ثيابهم ]...[ لكي ال تتلطخ ثي��ابهم العس��كرية بال��دم أو تتمزق بالرصاص، فيتخلص الشيوعيون ببطء من قمصانهم ويربطون ألبستهم على ش��كل ط��رد ]...[ ثم يحفرون قبورهم وهم عراة ]...[ يصدر أمر، ويلمع وميض في الليل، وتدوي الطلقات ]...[ ال يزال الشيوعيون واقفين، منتصبين تماما. صلية ثانية. الطلقات تصيب القلب مباشرة، وتنبجس س��يول من

(.5الدم ]...[") تسبق الرواية حتى في أدق التفاصيل الطرائق التي ستستخدمها الق��وات الخاص��ة النازي��ة، ق��وات ال�

S.Sحين ستحتل القوات األلمانية االتحاد السوفييتي، خالل الحرب العالمية الثانية: المذابح ض��د ،)*( . المفوضين السياسيين واليهود المجبرين على حف��ر قب��ورهم. ويتعل��ق األم��ر فض��ال عن ذل��ك، بأس��رى حرب. هاكم ما كان وجه "المدافعين عن الديمقراطية" ضد "الديكتاتوري��ة البلش��فية". ي��ذكر الفريه��ر

فون بوتمر في كتابه المذكور سابقا أن: "التشيكوسلوفاكيين ]أسرى الحرب ال��ذين س�لحتهم االمبريالي��ة ض��د س��لطة الس��وفييتات في ص��يف

[ والسيبريين يتصرفون بصورة عديمة الذمة تماما حيال أعضاء السوفييتات الذين كانوا يقعون1918(.6في قبضتهم. إن العدد الكبير من اإلعدامات ترك تأثيرا عميقا في نفوس كل البالشفة" )

هذا ويالحظ أيضا الكاتب األلماني ألفونس باكيه، مراسل الفرانكف��ورتر زايتون��غ في روس��يا، أن��ه بع��د ، أع��دمت الث��ورة المض��ادة أعض��اء الس��وفييت1918احتالل ياروس��الف الم��ؤقت، في تم��وز/يولي��و

البالشفة، بمشاركة نشطة هذه المرة من االشتراكيين-الثوريين. هل يجب أن نذكر بأنه في الفترة نفسها، قتل إرهابيون اشتراكيون-ثوريون يساريون قياديين بالش��فة بين األكثر أهمية، السيما فولود ارسكيي وأرويتسكي؟ واقترفت اش��تراكية-ثوري��ة يس��ارية، هي ف��انيكبالن، محاولة اغتيال ضد لينين كادت تكلفه حياته. وقد كان مؤلفون بالشفة على حق حين أكدوا أنه:ل "الجيش الشعبي" األبيض المزعوم ]...[ تحت رشقات البنادق التشيكوس��لوفاكية، خل��ف "لقد تشك

(.7جبال من جثث زهرة البروليتاريا الخالصة في سيبريا واألورال" ) إن محاوالت األحزاب التوفيقية خلق نظام اسم نظام "الجمعية التأسيسية" أخفقت بس��رعة. أع��ادت انقالبات وضع السلطة بين يدي ديكتاتوريين عسكريين من أمثال األميرال كولتشاك أو الجنرال رانغل

(8.)

23

ديكتاتورية بيضاء أو سلطة سوفييتات لم يكن الخيار الملموس بين ديمقراطية برجوازي��ة وديكتاتوري��ة بلش��فية، ب��ل بين ديكتاتوري��ة مض��ادة للثورة وسلطة السوفييتات. ليس من شك في الطابع ال��ديكتاتوري للث��ورة المض��ادة. لم يكن الخي��ار الملموس بين ديمقراطية برجوازية وديكتاتورية بلشفية، ب��ل بين ديكتاتوري��ة مض��ادة للث��ورة وس��لطة

السوفييتات. إن جون ريس نقل بشكل جيد سياسة اإلرهاب التي كانت تتبناها القوى الرجعية: "كلما كان اإلرهاب أشد، كلما كانت انتصاراتنا أعظم، هكذا ك��ان يعلن كورنيل��وف. يجب إنق��اذ روس��يا

حتى إذا كان علينا ألجل ذلك أن نشغل النار في نصف )األراضي( ونهرق دم ثالثة أرباع الروس". (. إن مشهد المناطق9كان الهتمان )**( سيمونوف موضوعا تحت سلطة الجنرال األبيض كولتشاك )

الواقعة تحت سيطرته لم يكن يترك أي التباس بخصوص طبيعة حكمه: "نساء ورجال بريئون مشنوقون بالدزينات على أعمدة التلغراف، قرب عاص�مته، ك�انت قوات�ه ت��رش

بالرشاشات شاحنات مألى بالضحايا في حقول اإلعدام على امتداد سكة الحديد". وبأوامر من قيادي أبيض آخر هو الب��ارون أورغ��ان-س��تيرنبرغ: "ك��ان رج��ال ونس��اء يموت��ون بض��ربات العصي، أو مشنوقين، أو بقطع الرأس، أو بتقطيع أعضاء الجس��م، ض��حايا ع��دد ال يحص��ى من أعم��ال التعذيب األخرى التي كانت تحول كائنا حيا على ما سماه أحد الشهود "كتلة ش��وهاء من ال��دم". وق��د وصف عضو في جهاز أورغان ستيرنبرغ الطبي أمرا كتبه البارون على أنه "ناتج دماغ مريض لشخص

(.10مختل ومجنون سلطة متعطش للدم البشري" )المذابح ضد اليهود )البوغروم(

، كانت أوكرانيا مسرحا ألسوأ أنواع البوغروم، تلك المذابح المقترفة ضد الجماعات1921-1918في اليهودية، التي حدث أن عرفتها أوروبا حتى "الحل النهائي"، على يد النازيين. وبحسب زفي جيتلمان،

ألفا. وق��د تالزمت150 أوكرانيا. وقدر الكاتب عدد الضحايا الكلي ب� 1200تمت ألفا مذبحة من بينها تلك المذابح مع فظاعات لم يكن لها مثي��ل: "ك��ان الرج��ال ي��دفنون ح��تى العن��ق، ثم يقتل��ون بح��وافز الجياد الموجهة نحوهم، أو يمزقون إربا بواسطة جياد تشد في اتجاهين مختلفين، وك��ان أوالد يحق��ون على ج��دران أم��ام بص��ر وال��ديهم، وك��انت النس��اء الحوام��ل أه��دافا مفض��لة، بحيث يتم قت��ل أجنتهن

(.11أمامهن. وقد جرى اغتصاب آالف النساء. والمئات بينهن أصبن بالجنون من جراء تلك التجربة" ) هذه المذابح نظمها ببرود وعن سابق تصور وتصميم القادة المناهضون للثورة. وكم��ا الح��ظ المؤل��ف

االنكليزي بروس لنكولن، وهو ذاته مفرط في الرجعية: "لم تعد المذابح ضد اليهود انفجارات عفوي��ة للحق��د ال��ديني والع��رقي. ك��انت اآلن ح��وادث محس��وبة ببرود، موسومة باغتصابات جماعية، ووحشية قصوى وتدميرات لم يسبق له��ا مثي��ل. في نهاي��ة ش��هر

امرأة، من بينهن نس��اء350آب/أغسطس فقط، اغتصب البيض، ضمن جماعة كريممشوك اليهودية، (.12حبالى، ونساء وضعن للتو مولودا، وحتى نساء محتضرات، على وشك الموت" )

لقد كانت الثورة المضادة تعتمد على جيش االحتالل األلماني. وحين استولى ه��ذا األخ��ير على مدين��ة ، نشر الحق��ا في ص��حيفة1918 تشرين الثاني/نوفمبر 16أوذيسا وضواحيها، اصدر إعالنا، مؤرخا في

نيو ناشريشتن، الناطقة بلسانه، والتي أكدت بوجه خاص ما يلي:ة إعادة النظام وتحرير البلد من الغاصبين البالشفة ]...[ كل العناص��ر "لقد دخلنا األراضي الروسية بني المض��رة بروس��يا، أي البالش��فة ومن ي��دعمونهم، تعلن من��ذ اآلن أنهم خ��ارجون على الق��انون. ومن

(.13يستقبلهم سوف يحول إلى المحكمة العسكرية")ع إلى ما ال نهاية له: إن الئحة الفظائع التي ارتكبها البيض يمكن أن توس

شخص��ا أطل��ق عليهم الرص��اص أو ش��نقوا في مدين��ة ي��امبورغ650"المذابح التي ارتكبها يودن��تيش ) ( ]...[، والعصابات البلطقية واأللم��ان الت��ابعون لف��ون در غول��تز، في1919وحدها في آب/أغسطس

ضحية تقريبا، ]...[ وكولتشاك )ألف جندي أحمر أحرق��وا أحي��اء في ب��يرم خالل انس��حابه4000ريغا )(")]...[14.)

الثورة المضادة االجتماعية كان ل�"البديل السياسي" من سلطة المجالس، بالطبع، مضمون اجتماعي-اقتص��ادي مح��دد، كم��ا هي الحال خالل أي ثورة اجتماعي��ة. ثم��ة حيث أق��ام ال�بيض ديكت��اتوريتهم، ج�رى إلغ�اء مكاس�ب أوكت��وبر بسرعة، إذا لم يكن على الفور. استعاد المالكون العقاريون ملكية حق��ولهم. وألغيت حق��وق األقلي��ات

24

القومية. وجرى اضطهاد السوفييات بشراسة. كما جرى اإلنكار الجذري لحقوق العمال الديمقراطية.هذا هو ما تسبب بهزيمة البيض.

"كان عامل أساسي وراء هزيمة كولتش�اك ه�و معنوي�ات قوات�ه الهابط�ة. ك�ان أم��را متك�ررا أن يف�ر الجنود خالل معرك��ة لالنض��مام إلى معس��كرات الش��يوعية. وك��ان عام��ل آخ��ر ه��و عج��زه عن كس��ب السكان، الذين وإن لم يكونوا موالين إطالقا للشيوعية، كانوا يفضلون س��لطة الس��وفييتات في نهاي��ة

المطاف" "كان هنالك أسباب كثيرة وراء انتصار الجيش األحم��ر في الح��رب األهلي��ة، لكن معظمه��ا يتلخص في واقع بسيط: إن الشعب، منظورا إليه ككل، ك��ان يفض��ل، على ال��رغم من ع��دم ش��عبية الش��يوعيين، نظام سوفييتات على اإلمكان��ات األخ��رى المتاح��ة. لم يكن الفالح��ون يحب��ون ه��ذه الجبه��ة، وال تل��ك، وكانوا يتمنون بوجه خاص أن يتركوا لحالهم، لكن لحظة االختي��ار، ك��انوا يفض��لون الش��يوعيين، ال��ذين

(.15يعطونهم األرض، على البيض الذين يأخذونها منهم، أو يهددونهم باستعادتها") هذا إذا، هو ما جعل البيض ينهزم��ون. لم يس��تطيعوا الحص��ول على قاع��دة ش��عبية أو إع��ادة تكوينه��ا. كانت جيوشهم في معظمها جيوش ضباط، من دون قدرة على تطويع مجن��دين، أو ح��تى إرادة ذل��ك.

ومن الواضح إلى أي حد كان هؤالء الضباط يخشون الفالحين.طريق ثالثة؟

إن خصوم أوكتوبر، غالبا ما يك��ون رد فعلهم، إزاء ه��ذا التش��خيص ال��ذي يص��عب الج��دال بش��أنه، في اتجاهين متعاكسين تماما. فالبعض يعترفون بأنه لم تكن هناك قاع�دة لنظ�ام ديمق�راطي )برج�وازي( في روسيا، سواء ألسباب اجتماعي��ة )ع��د اس��تقرار أقص��ى، غي��اب للطبق��ات الوس��طى ال��تي تش��كل ال��دعامات التقليدي��ة للديمقراطي��ة(، أو ألس��باب إثني��ة-ثقافي��ة )غي��اب التقالي��د الديمقراطي��ة في اإلمبراطوري��ة الروس��ية، واتج��اه الجم��اهير للمراوح��ة بعن��ف بين الس��لبية المستس��لمة واالنفج��ارات

م بها(. الفوضوية وغير المتحك ضمن هذه الشروط، كان "االنحراف التوتاليت��اري" ل��دى البالش��فة محتوم��ا، في ال��وقت نفس��ه ال��ذي

يبقى فيه، أيا يكن، أسوأ من نظام استبدادي يميني. بالنسبة آلخرين، كانت هنالك، بعد كل حساب، إمكانية طريق ثالثة. وبحسب هؤالء، لو لم تتم إطاح��ة نظام كيرنسكي بواسطة "االنقالب البلشفي" كان يمكن أن يستقر، شيئا فشيئا، ع��بر ممارس��ة قم��ع

(. فبعد دع��وة الجمعي��ة التأسيس��ية لالنعق��اد16معتدل ضد أقصى اليمين وأقصى اليسار في آن معا ) وتوزيع األراضي على الفالحين بطريقة منظمة وشرعية، كان يمكن أن تس��تقر ديمقراطي��ة برجوازي��ة

شبيهة بتلك التي قامت في بولونيا، مع تقييدات بالتأكيد لم تعرفها أوروبا الغربية. ليست هذه الرؤية واقعية. فهي تبخس تقدير الطابع المنفج��ر للتناقض��ات االجتماعي��ة. فاالعتق��اد ب��أن الرأس��ماليين ك��ان يمكن أن يوافق��وا على تش��ريع اجتم��اعي يه��دم ق��درة مص��انعهم على المنافس��ة، والظن أن مالك األراضي كان يمكن أن يقبل��وا بتوزي��ع أراض��يهم، بحج��ة أن جمعي��ة تأسيس��ية منتخب��ة باالقتراع العام كانت حققت إصالحات كهذه، إنم��ا ه��و من قبي��ل تجاه��ل دروس الت��اريخ األوروبي في

العشرينيات والثالثينيات ]من هذا القرن[.فخالل تلك السنوات، لم يتم فقط التضييق الشديد من مدى الديمقراطية البرجوازية، ال بل إلغاؤها – ما عدا على صعيد محدود جدا –في بولونيا وبلدان البلطيق، وتقييدها بقوة في فنلندا. لقد ألغيت أيضا

.1917في ألمانيا وايطاليا، واسبانيا، وهي بلدان ثالثة أكثر تطورا بكثير من روسيا عام لقد اعترف القادة المناشفة هو ذاتهم بذلك. فدان كتب من جهته أنه:

"بعد أن قومت ]اللجنة المركزية المنشفية[ موازين الق�وى الفعلي��ة، أفض��ت إلى اس��تنتاج أن انتص��ار العناصر التي كانت تزحف إلى بتروغراد –بغض النظر عن نواياها الذاتية- كان عنى حتما انتصارا أسوأ

الثورات المضادة".1917ثمن أوكتوبر

كان الخيار الوحيد إذا هو الت��الي: إم��ا انتص��ار الث��ورة االش��تراكية أو انتص��ار ث��ورة مض��ادة بين األش��د دموية، تحمل إلى السلطة هتلر روسيا أسوأ أيض��ا من هتل�ر األلم��اني ال��ذي عرفن��اه. على ض��وء ه��ذا التشخيص وكل ما يس�تتبعه، تمكن اإلجاب��ة عن مس�ألة معرف�ة م��ا إذا ك�ان الثمن ال�ذي دفعت��ه ث��ورة

، كلفت الشعب الروسي1917أوكتوبر مرتفعا جدا. إن جوابنا هو كال حازمة. كان هزيمة الثورة، عام وأوربا ثمنا أبهظ بكثير مما كلف االنتصار.

25

لكي يزور خصوم أوكتوبر الحساب� يلجأون إلى لعبة ش��عوذة اس�تخدموها ض��د الث��ورة الفرنس��ية. إنهم يجمعون خلط ملط ضحايا الثورة وضحايا الثورة المضادة، إسقاطات الث��ورة االقتص��ادية وإس��قاطات

الثورة المضادة. فيم يمكن تحميل الثورة الفرنسية المسؤولية عن ض��حايا ح��روب ن��ابليون؟ وفيم يمكن تحمي��ل ث��ورة

أوكتوبر تبعة ضحايا إرهاب البيض وبوغروماتهم؟ يزعم سفطائيون أن الحرب األهلية واإلرهاب األبيض ليس��ا س��وى ن��اتجين للث��ورة. والج��واب ب��ديهي: أليست الثورة بحد ذاتها، ناتج النظام القديم؟ يتم االصطدام هنا بتصور مد تاريخي ال ترتب��ط مراس��يه في الزمان والمكان، تصور ال يتيح، في نهاية المطاف، استخالص أي استنتاج. فهذه الطريقة، إذ تؤكد إرادة فهم الحرك��ة التاريخي��ة في مجمله��ا، تحجب في الواق��ع المس��ؤولية الدقيق��ة لق��وى اجتماعي��ة

وسياسية محددة، في عالقة بأفعال خاصة.حكم أخالقي وحكم مسبق طبقي

إن للمشكلة من جهة أخرى بعدا ال ينبغي السعي لطمسه. ففي زمن الث��ورة، يك��ون الش��عب الك��ادح عموما مدفوعا بادئ ذي بدء نحو ردود فعل شهمة. لكن إزاء الح��رب األهلي��ة، وحين يج��د نفس��ه وق��د استفزه واعتدى عليه تك�رارا خص��ومه الطبقي��ون، يمي�ل أيض��ا إلى اس�تخدام العن�ف المباش�ر، ال ب��ل "المتوحش" أحيانا. لقد سبق أن ذكر بابوف، في رسالة إلى زوجته، يعل��ق فيه��ا على إع��دام األم��يرة دوالمبال بعد االستيالء على الباستيل، بأن هذه التجاوزات هي الناتج الحتمي إلى ابعد الح��دود لق��رون

(. واألم��ل ض��من ش��روط كه��ذه ب��أن تب��دي17من اص��طادم الش��عب بعن��ف مض��طهديه وقس��اوتهم ) الجماهير، في كل الظروف، احتراما دقيقا لحقوق الرجل والمرأة، هو من قبيل المطالبة حقا بحدوث

معجزة. وفي األخير، إن ما تخفيه اإلدانات المجردة، األخالقية الزائفة، للعنف الثوري، من دون اعتبار الس��ياق التاريخي الدقيق، إنما هو حكم طبقي مسبق ب��الغ الفجاج��ة. إن العن��ف التقلي��دي للممس��كين بزم��ام السلطة "طبيعي". إنه يمثل "أهون الشرين"، مهما يكن مداه واتساعه. والجواب االحتجاجي للشعب المنتفض هو "أسوأ"، تحديدا، حتى إذا كان مداه أض��يق بم��ا ال يق��اس من م��دى ج��واب الم��الكين. إن

النفاق باد للعيان. هذا الحكم المسبق الطبقي يخفي غالبا خوفا من الجم��اهير ح��افزه االجتم��اعي ب��ديهي مج��ددا. وكم�ا

يقول مؤرخ فرنسي معتدل باألحرى: ، اهتمت االنتليجنسيا والدول��ة باس��تمرار بت��أطير الش��عب، خوف��ا من طاقت��ه الكامن��ة1861"بعد عام

الفوضوية والمدمرة. إن خوفهما المشترك )الناجم عن الجهل( منعهما من أن يكون��ا عن ه��ذا األخ��ير فك��رة موض��وعية، تق��وم على معرف��ة ملموس��ة بحق��ائق البل��د. ل��ذا فق��د استس��لمتا، كلتاهم��ا،

(.18للستيخينوست )القوة األولية( الشعبية في أوائل القرن العشرين") واألكالف، الالحق��ة، للنظ��ام1917ومن الخطأ بالدرج��ة نفس��ها، أن ي��راد جم��ع أكالف ث��ورة اوكت��وبر

الستاليني. فالستالينية. فالستالينية هي في الواقع ناتج ثورة مضادة بيروقراطية حقيقية. والخلط بينله "الترمي��دور االثنين يكشف بخس تقدير، ال بل نفيا، التساع هذه األخيرة، للقطع الج��ذري ال�ذي ش��ك

(.19السوفييتي" –الثورة المضادة البيروقراطية- بالنسبة ألوكتوبر والفترة التي تلته مباشرة ) لقد كانت كلفة الستالينية مأساوية بالنسبة للبروليتاريا السوفييتية والعالمي��ة. ويمكن الي��وم أن نقيس

مداها. إن اتساع هذه الثورة المضادة الستالينية يعبر عن المأساة التاريخية التي حدثت أك�ثر بكث��ير مم��ا عن تحليالت دقيقة للمسؤولية المزعومة ألفك��ار لي��نين )ال ب�ل أفك��ار م�اركس( عن ج��رائم س�تالين. لق�د اغتال ستالين في العشرينيات والثالثينيات مليون شيوعي، فهل يمكن أن نؤكد بصورة جدي��ة أن ذل��ك ليس سوى "تفصيل تاريخي"؟ أليس من البشاعة بمكان أن نساوي بين الجالدين والض��حايا، من دون

(؟20تمييز )إحاالت :

.288، ص 1930، باريس، Notes sur la révolution bolchévique(ج.سادول 1) (كان كيرنسكي، اإلصالحي، رئيس الحكومة المؤقتة. ولق�د ك��ان الوض��ع داخ��ل الق��وات المس��لحة،2)

وإرادة السالم لدى الجنود يصالن إلى ح��د أن��ه لم يكن يتوص��ل إلى تنظيم هجم��ات عس��كرية وفعال��ة

26

بمواجهة القوات األلمانية، وهو ما كان اليمين يأخذه عليه بقوة. فلنذكر ب��أن قس��ما كب��يرا من بولوني��اكان قد دمج باإلمبراطورية الروسية.

.322(المرجع ذاته، ص 3).56، ص 1922، توبنحن Mit Graf Mirbach in Moskau(ك.ف.بوتمر، 4).234-233، ص 1922، برلين Durch die russische Revolution(أ.ر.وليامز، 5)

كح��رس شخص��ي لهتل��ر، ثم1925، أو أفواج الحماية. تأسست منذ ع��ام Shutz-Staffel)*(اختصار كلفت الحقا بحراسة معسكرات التجميع، واألراضي التي احتلها الرايخ )المعرب(.

.62(بوتمر، مرجع مذكور، ص 6)(7 )Illustrierte Geschichute der russischen Revolution 539، ص 1928، برلين. ، "كان ق��د أعلن األم��يرال كولتش��اك ]...[" قائ��دا أعلى لك��ل1918 تشرين الثاني/نوفمبر 17(في 8)

روسيا "]...[ وقد واف��ق ممثل�و بريطاني��ا وفرنس�ا على االنقالب ]...[ ش�جب االش�تراكيون-الثوري�ون، المتخفون في أوفا، ف��رق المتط��وعين، لكنهم ك�انوا ع�اجزين عن المض��ي أبع�د من ذل�ك. وق��د أق��ام بعضهم سالما هشا مع الشيوعيين. أم��ا االش�تراكيان-الثوري��ان العض�وان في لجن�ة اإلدارة، زينوف�ييف وأفكستييف، فأجبرا على الهجرة، وهرب تشيرنوف في األخير إلى الخارج )ل.شابيرو، مرجع م��ذكور،

(.175ص )**(الهتمان زعيم قوقازي في عهد االستقالل )المعرب(.

(فلنذكر بأن تعبير "األبيض" مستخدم إجماال للدالل��ة على المع��ادين للث��ورة، خالف��ا ل���"الحم��ر". إن9)جنراال أبيض هو إذا جنرال في الجيش المناهض للثورة.

.1991، خريف 52(جون ريس، "دفاعا عن أوكتوبر"، انترناشونال سوشاليسم، العدد 10)A(ز.جيتلم��ان 11) Century of Ambivalence-The Jews of Russia and the Soviet

Union..323-322، ص Red Victory، 1989(لنكولن، 12) (. ورد االستش��هاد في كت��اب ب.ب��رايس، المراس��ل في روس��يا للص��حيفة اليومي��ة الليبرالي��ة13)

.465، ص 1921 هامبرغ، Die Russiche Revolutionالبريطانية مانشستر غارديان La(موريزي، 14) Renaissance du livre Chez Lénine et Trostky ،ص1922، ب��اريس ،

129..148، 176(ل.شابيرو، مرجع مذكور، ص 15) (خالفا ألسطورة ]رائجة[ كان نظام كيرنسكي قمعيا للغاي��ة، وإن بطريق��ة أق��ل دموي��ة من نظ��ام16)

إيبرت-نوس��كه. فعش��ية أوكت��وبر، ك��ان ثم��ة أك��ثر من عش��رة آالف س��جين بلش��في أو متع��اطف م��عالبالشفة في سجون كيرنسكي، معظمهم من الجنود.

الفرنسية. صاغ من يسار الراديكالية الديمقراطية وجهة1789(بابوف هو رجل سياسة في ثورة 17).1797نظر شيوعية. مات على المقصلة في عام

.176، ص 1982، باريس، Comprendre l’Ancien Régime Russe(م.راييف، 18) (لقد عالجنا هذه المشكالت، بما فيها مشكلة الطبيع��ة النوعي��ة الخاص��ة للترومي��دور الس��وفييتي،19)

. إن1992 لندن، Power and Mony-A marxist Theory of Bureaucracyفي مؤلفنا الجديد: . ه��ذه1815 و1789عبارة "ترميدور" تدل، أصال، على ثورة سياسية خالل الث��ورة الفرنس��ية م�ا بين

)ك��ان "ترمي��دور" ش��هرا في تق��ويم ذل��ك العص��ر(، فككت1794الثورة المض��ادة، ال��تي ب��دأت ع��ام األشكال الديمقراطية والشعبية المنبثقة من االنتفاضة ض��د النظ��ام الق��ديم، من دون أن تعي��د النظ��ر في طابع�ه ال�برجوازي. وعلى س�بيل المماثل�ة، ي��دل "الترمي�دور الس��وفييتي" على الث��ورة المض�ادة الستالينية التي صفت الديمقراطي��ة االش��تراكية، وأرس��ت ديكتاتوري��ة بيروقراطي��ة، من دون أن تعي��د

الرأسسمالية على روسيا. (يعطي المؤرخ م.فيرو األرقام التالي��ة ال�تي تع�بر عن تح��ول الح��زب الش��يوعي الس��وفييتي. بين20)

، هب��ط ع��دد العم��ال بين1925 والس��تة أش��هر الثاني��ة من ع��ام 1924الستة أش��هر األولى من ع��ام %. أليس ه��ذا بليغ��ا؟ )م.ف��يرو، مرج��ع م��ذكور، ص43.8 إلى 64.5المرشحين لعض��وية الح��زب من

( إن هذا لينبئ بتحوالت أشد عمقا أيضا.246

27

الفصل الخامس - التوجه البلشفي: تحليل نقدي كان ثورة أوكتوبر، في الجانب األساسي منها، ناتج التناقضات االجتماعية الموض��وعية ال��تي اكتس��بت دينامية متفجرة ال يمكن كبحها، وتطور موازين القوى بين الطبقات والشرائح االجتماعية العامل��ة في هذا اإلطار. لقد نتجت أيضا من نشاط الحزب البلشفي لحل عقد التناقضات هذه بم��ا ي��ؤمن مص��لحة

الجماهير الكادحة والبروليتاريا العالمية. بعد أن قلنا هذا، وعلى ضوء التطور الالحق لروسيا السوفييتات ولالتحاد السوفييتي، يجب أن نتساءل إذا لم تكن بعض السياس�ات ال�تي مارس�ها الح��زب البلش�في بع�د االس�تيالء على الس�لطة، ش�جعت

سيرورة االنحطاط البيروقراطي في أول دولة عمالية. ، لم يطلق��ه توج��ه ه��ذا1930 و1920ال شك أن ه��ذا االنحط��اط الب��يروقراطي، في األع��وام م��ا بين

الحزب، أو يتسبب به بش��كل أساس��ي. ه��و أيض��ا يم��د ج��ذوره في التناقض��ات الموض��وعية للمجتم��ع الس�وفييتي والوض�ع الع�المي الل�ذين كان�ا س�ائدين في ذل�ك الحين. وم��ع ذل�ك، ف�القرارات الخاص�ة بالحزب البلشفي والمواقف الملموسة لهذا الحزب –أو لشتى مكون��ات قيادت��ه- في ف��ترات مح��ددة، وبخصوص مشكالت محددة، كان لها هي أيضا تأثيرها على سيرورة تبقرط النظ��ام. ينبغي أن نح��اول

إذا أن نفهم ما هي األخطاء التي أمكن اقترافها.حظر األحزاب السوفييتية

كان األخطر بين تلك األخطاء هو حظر األحزاب الس��وفييتية في ال��وقت نفس��ه ال��ذي ك��انت الس��لطة . وم��ع أن تروتس��كي ك��ان قلي��ل1920-1918الثورية قد كس��بت في�ه نهائي�ا الح��رب األهلي��ة ألع�وام

االندفاع إلى النقد الذاتي بخصوص قرارات القيادة والحكومة التي كان العضو األكثر نف��وذا فيه��ا بع��دلينين، فلقد صاغ في هذا الصدد حكمين صريحين.

أن:1936كتب عام "حظر أحزاب المعارضة أدى إلى حظر التكتالت ]داخل الحزب البلش��في[، وأدى حظ��ر التكتالت إلى حظ��ر التفك��ير بش��كل مغ��اير لتفك��ير ال��زعيم المعص��وم عن الخط��أ. وك��انت نتيج��ة تراص��ية الح��زب

(.1البوليسية اإلفالت البيروقراطي من العقاب، الذي بات بدوره سببا لكل أنواع اإلحباط والفساد" )��د1938وبعد عامين، وفي البرنامج االنتقالي، الذي كتبه عام لكونفراس تأسيس األممي��ة الرابع��ة، أي

بصراحة التعددية الحزبية: "ال يمكن تصور دمقرطة السوفييتات من دون إضفاء الشرعية على األحزاب الس��وفييتية. إن العم��ال

(.2والفالحين، هم بالذات، سوف يبينون باقتراعهم الحر أي أحزاب يعتبرونها سوفييتية") ، حزبا سوفييتيا، ألن ه��ؤالء حص��لوا على1920وال جدال في أن العمال كانوا يعتبرون المناشفة، عام

عدد مهم من النواب، السيما في شاركوف وموسكو. والمالحظ��ة ذاته��ا تنطب��ق من جه��ة أخ��رى علىالفوضويين.

إن حظر األحزاب السوفييتية، وحظر التكتالت داخل الحزب الح��اكم، ال��ذي تاله بش��كل منطقي )ك��ل تكتل هو في الواقع حزب آخر في حالة الكمون(، كانا متصورين بال شك كتدبيرين مؤقتين، م��رتبطين بظروف خاصة، وكانا سيلغيان إذا حين يتحسن الوض�ع الموض�وعي. وينبغي ب�الطبع أن نتس�اءل م�اذا

كانت النتائج المحددة لهذه القرارات المحددة التي اتخذت في فترة محددة. لكن علينا أن نثير سؤاال آخر، متميزا بوضوح، وذا مغزى أعم: م��ا ك��انت نت��ائج النظري��ات ال��تي ج��رى تقديمها لتبرير أعمال حظر كهذه، وإن تكن ظرفية؟ نقدر أن التبريرات النظرية تسببت، على الم��دى

األطول، بأضرار أكثر بكثير من التدابير بحد ذاته، وأنها ال تزال تسبب أضرارا إلى اليوم.

28

الخطر االستبدالي إن حظ���ر األح���زاب الس���وفييتية يق���وم على تص���ور اس���تبدالي لبن���اء االش���تراكية-وللسياس���ة االشتراكية/الش��يوعية عموم��ا. علم��ا أن��ه تص��ور ن��دد ب��ه تروتس��كي دائم��ا بق��وة )إال خالل "الس��نوات

(، وأن لينين كافحه هو اآلخر خالل قسم كبير من حياته.1921-1920السوداء" بحسب هذا التصور، تك�ون البروليتاري�ا في غالبيته�ا ض�ئيلة ال�وعي، بحيث ال تس�تطيع حكم البل�د )إن االشتراكيين-الديمقراطيين من الرأي عينه ويضيفون ح��تى: بحيث ال تس��تطيع قي��ادة نقاب��ة(. وفي م��ا بعد، جرى إدخ��ال حج��ة جدي��دة: حج��ة انحطاطه��ا الطبقي وفس��ادها )بم��ا في ذل�ك بواس��طة األرب��اح

المفرطة الكولونيالية(. إن نقطة االنطالق هذه سرعان ما تقود إلى االس��تنتاج القائ��ل إن الح��زب يجب أن يحكم بالنياب��ة عن الطبقة العاملة الموجودة بالفعل. وجهاز الحزب، ال بل قيادت��ه، ال ب��ل "قائ�ده المعص�وم عن الخط�أ"، هم عندئذ األدوات الحاسمة لتغيير المجتمع. لقد ع�بر س�تالين عن المض�مون الفعلي لالس�تبدالية في

صيغة ال تحتمل أي التباس: "الكوادر يقررون كل شيء". إن المذهب االستبدالي المتعلق بالحزب يغذي تصورا عموديا، ودوالنيا، وأبويا وتسلطيا للسلطة، حتى حين يتم تحاشى أسوأ تجاوزات الس��تالينية وجرائمه��ا. يمكن بالتأكي��د أن يح��اط بع��دد مهم من البن��ود التقليدية: الحزب )قيادة الحزب( يحكم بالنيابة عن الطبقة العاملة لكنه يعتم��د عليه��ا، يعبئه��ا، يس��جل

ردود فعلها، يصحح أخطاءه الخاصة على ضوء الممارسة، الخ. لكن كل ذلك ال يعدل في شيء الموقف األساسي. فليس�ت الطبق�ة العامل�ة هي ال�تي تحكم، وتتخ�ذ

القرارات ديمقراطيا. إن أقلية صغيرة تقود مكانها. ضمن هذه الشروط، تكون السوفييتات قد فرغت على الق��ال من مك��ون حي��وي لمض��مونها. يمكنه��ا، عن��د االقتض��اء، أن تلعب دور أداة قت��ال فعال��ة ض��د الع��دو الطبقي، لكنه��ا لن تع��د ت��ؤمن الممارس��ة

المباشرة للسلطة بواسطة البروليتاريا و)أو( الجماهير الكادحة في مجملها. من دون تعددية حزبية، في الواقع، ال يمكن السوفييتات أن تعرف ديمقراطي��ة حقيق��ة. ال يمكنه��ا في

الواقع أن تختار بالفعل بين بدائل متنوعة على صعيد السياسة االقتصادية، االجتماعية، الثقافية، الخ. بمق��دار م��ا يتخ��ذ إلغ��اء الديمقراطي��ة الس��وفييتية وجه��ا قمعي��ا، لم يع��د ذل��ك القم��ع يس��تهدف فق��ط البرجوازية الكبيرة، والمتوسطة والصغيرة. إنه يصيب أيضا الطبق��ة العامل��ة. يمكن التأكي��د ح��تى أن��ه بقدر ما تكون البروليتاريا كب��يرة الع��دد، ومهين��ة من وجه��ة النظ��ر االجتماعي�ة، بمق��دار م��ا تك��ون هي

المستهدفة في الواقع.التحرر الذاتي

إن تصورا كهذا، توجها سياسيا كهذا، يتعارض��ان م��ع م��ا كان��ه إس��هام م��اركس الرئيس��ي في النظري��ة االش��تراكية )بم��ا ف��ه نظري��ة التنظيم الث��وري(: فك��رة التح��رر ال��ذاتي والتنظيم ال��ذاتي المتن��امي للبروليتاريا. سوف يكون تحرر الشغيلة ناتج عمل الشغيلة أنفسهم، ال عمل النقاب��ات أو األح��زاب، أو الحكومات آو الدول. فهذه األخيرة أدوات ال غنى عنها في هذه العملية التاريخي��ة، لكنه��ا ال يمكن أب��دا أن تحل محل النشاط الخاص بذوي األجر والشرائح األخرى المستغلة أو المضطهدة. ال يمكن تجاه��ل

الدور التحرري األساسي لهذا النشاط الذاتي. إنه من قبيل تجاه��ل ال��دور المح��رك للمص��الح المادي��ة واالجتماعي��ة في الت��اريخ، أن يتم اف��تراض أن اإليديولوجية االستبدالية خلقت تنين البقرطة. إن وجود البيروقراطية العمالية باألحرى ه��و ال��ذي أنتج اإليديولوجية االستبدالية. لكن ما أن ولدت هذه اإليديولوجي��ة، ح��تى ش��جعت ب��دورها عملي��ة التبق��رط

الموضوعية.

29

موقف روزا لوكسمبورغ هذا ما كانت قد فهمته روزا لوكسمبورغ حين حذرت القادة البالشفة من الخطر، في تعليقاتها األولى على الثورة الروسية: "لكن إذ يتم خنق السياس��ية في ك��ل البل��د، من المحتم أن تنش��ل الحي��اة أك��ثر فأكثر في الس��وفييتات بال��ذات. فمن دون انتخاب��ات عام��ة، ومن دون حري��ة غ��ير مح��دودة للص��حافة واالجتماع، من دون صراع حر بين اآلراء تموت الحي��اة في ك��ل المؤسس��ات السياس��ية، تص��بح حي��اة

(.3ظاهرية، حيث البيروقراطية تكون العنصر الوحيد الذي يبقى نشطا") .1918إن هذا االستشهاد من لوكسمبورغ ال يصف بشكل صحيح حال الحياة العامة في روس��يا ع��ام

فلقد كان ثمة آنذاك تنوع وصراع أفك�ار سياس�ية ب��الغ الحيوي��ة، م�ع نش�اط ش�رعي أو ش�به ش�رعيللمنظمات العديدة. لقد كتبت روزا كراستها في الجن، ولم تكن تمتلك معلومات كافية.

لكنها تقدم هنا تشخيصا نقديا ملفتا للنظر ونبويا التجاهات النمو على مدى أبع��د، الس��يما انطالق��ا من - "تك��ون البيروقراطي��ة العنص��ر الوحي��د ال��ذي يبقى1918. وكونها ص��اغته من��ذ ص��يف 1920-1921

نشطا"- يدل على بعد نظر وقدرة على التحليل النظري فائقين.ونحن نقدر أن روزا كانت محقة أيضا حين كتبت أن:

"الخطأ األساسي لنظرية لينين-تروتس��كي ه��و أنهم��ا، على غ��رار كاوتس��كي، يعارض��ان الديمقراطي��ة بالدكتاتوري��ة ]...[ فكاوتس��كي يتخ��ذ ق��راره لص��الح الديمقراطي��ة، ب��الطبع، ولص��الح الديمقراطي��ة البرجوازي��ة ]...[. وعلى العكس، اتخ��ذ لي��نين وتروتس��كي قراره��ا لص��الح الديكتاتوري��ة ]البروليتاري��ة[ ]...[. إنها رسالة البروليتاري��ا التاريخي��ة، حين تص��ل إلى الس��لطة، أن تخل��ق في مك��ان الديمقراطي��ة البرجوازية ديمقراطية اشتراكية، ال أن ت��دمر أي ديمقراطي��ة. والح��ال أن الديمقراطي��ة االش��تراكية ال تبدأ فقط في األرض الموعودة، في حين تكون خلقت البنية التحتية لالقتصاد االشتراكي، بمثابة هدي��ة ميالد للشعب الطيب الذي يكون في غضون ذلك قد ساند بإخالص حفنة ال��ديكتاتوريات االش��تراكيين. إن الديمقراطية تبدأ في الوقت نفسه الذي يبدأ فع��ل ت��دمير الس��يطرة الطبقي��ة ]البرجوازي��ة[ وبن��اء االشتراكية. تبدأ مع لحظ�ة اس�تيالء الح��زب االش�تراكي على الس�لطة. ليس��ت ش�يئا غ�ير ديكتاتوري��ة

البروليتاريا. "أجل، اجل: ديكتاتورية! لكن هذه الديكتاتورية تكمن في طريقة تطبيق الديمقراطي��ة، ال في إلغائه��ا، في مصادرات وطيدة وحازمة للحقوق المكتسبة والشروط االقتصادية للمجتم��ع ال��برجوازي، ال��تي ال يمكن أن يتحقق من دونها التغيير االشتراكي. لكن هذه الديكتاتوري��ة يجب أن تك��ون عم��ل الطبق��ة ال أقلية صغيرة من القادة باسم الطبقة: بمعنى آخ��ر، ينبغي أن ت��أتي، ت��دريجيا، من مش��اركة الجم��اهير النشطة، أن تبقى تحت تأثيرها المباشر، أن تخضع لرقاب��ة الجمه��ور بكامل��ه، أن تك��ون نتاج��ا للتربي��ة

(.4السياسية المتزايدة للجماهير الشعبية" ) إال أن روزا لوكسمبورغ أقل بعد نظر بكثير حين تنتقد، في الكراسة نفسها، توجهات الحزب البلشفي وسلطة الس��وفييتات بخص��وص مس��ألة القومي��ات والمس��ألة الفالحي��ة. فهي تتب��نى بص��ددها مواق��ف دوغمائية ال تأخذ بالحسبان الضرورات السياسية، وال الضرورات االقتصادية، سواء منه��ا المباش��رة أو التاريخي��ة )بخص��وص ف��ترة االنتق��ال(. هي تنتق��د الش��عرات المركزي��ة لح��ق تقري��ر المص��ير ولتوزي��عاألراضي على الذين يشتغلونها، في اإلصالح الزراعي، على أساس أنها "برجوازية صغيرة" وانتهازية.

ومع ذلك، لو أن البالش��فة عارض��وا الرغب��ة في تقري��ر المص��ير ل�دى الش��عوب المدموج��ة قس��را في اإلمبراطورية القيصرية، لو كانوا قد عارضوا التعطش إلى األرض لدى الغالبية العظمى من الفالحين،

، وم��ا يح��دث حالي��ا،1928لكانوا خسروا السلطة حتما. إن ما حدث في االتحاد السوفييتي بع��د ع��ام يثبت ذلك بشكل مأساوي.

ففي الواق��ع، إذا ك��انت القي��ادة البلش��فية والك��وادر البلش��فيين ق�د أخط��أوا في ه��ذا المج��ال –لي�نين وتروتسكي أقل من اآلخرين بكثير- فلقد كان ذلك بنتيجة عصبوية يسارية ال انتهازية مفرط��ة. ويمكن فضال عن ذلك أن نرد ضد روزا، بخصوص هذه المسائل، حجة "التوازي" مع استدالل كاوتسكي. ذلك

أن كاوتسكي هو اآلخر يتهم لينين وتروتسكي باالنتهازية حيال الفالحين.التحالف العمالي والفالحي وشيوعية الحرب

يصعب أن نحكم إلى أي حد كانت سياسية مصادرة القمح على ي��د الس��لطة الس��وفييتية المحاص��رة، المسماة سياسة "شيوعية الحرب"، أمرا ال ب��د من��ه، إلى ه��ذا الح��د أو ذاك على األق��ل، في األع��وام

30

. لكنه من المؤكد أن تلك السياسة كانت ته��دد أك��ثر ف��أكثر بض��رب التح��الف العم��الي-1918-1920(.5الفالحي، وهو قاعدة السلطة السوفييتية بالذات )

وليس أقل تأكيدا أن تلك السياسية كانت تفضي إلى تراجع أكثر فأكثر حدة على صعيد ق��وى اإلنت��اج،وقبل كل شيء إنتاج المواد الغذائية، وهو تراجع كان يهدد كامل االقتصاد الروسي باالنهيار.

% تقريب��ا، وقطي��ع الخي��ل بنس��بة30كان اإلنتاج الزراعي، الحبوبي بشكل أساسي، قد تراج��ع بنس��بة %60%، واإلنت��اج الص�ناعي بنس�بة 28%، وقطيع الخن��ازير بنس�بة 20%، والقطيع البقري بنسبة 25

% من المنتجات5تقريبا. ونتيجة مبادلة الكمية نفسها من القمح، لم يعد الفالح يحصل على أكثر من . من هنا رفض بيع القمح مقابل الم��ال ال��ذي ال قيم��ة1918-1917الصناعية التي كان قد تلقاها في

له عمليا. ومن هنا االضطرار إلى مصادرة القمح. لكن من هنا أيضا حصول سقوط مطلق إلنتاج القمح ال تراجع بسيط للفالحين نحو اقتصاد البقاء. وإذا كان إنت��اج القمح ق��د انخفض، ك��ان هن��اك، على الم��دى الطوي��ل، ق��در متن��اقص من األش��ياء الممكن

مصادرتها. ترتب على ذلك اتجاه معمم إلى المضاربة والسوق السوداء، جاء بوجه خاص لغ��ير مص��لحة الش��رائح

األشد فقرا. ك��ان تروتس��كي، قائ��د الجيش األحم��ر خالل الح��رب األهلي��ة، على رأس جيش مؤل��ف من ماليين الفالحين، في الجانب األساسي منه، وكان يسافر باستمرار عبر البلد الشاسع بمجمله. وبسبب ذل��ك، أدرك أفضل من لينين وقادة الحزب اآلخرين اهتمامات الفالحين المباش��رة. ك��ان ق��د اق��ترح إذا قب��ل لينين بسنة، التخلي عن "شيوعية الحرب" لصالح التب��ني المبك��ر لسياس��ة أك��ثر مران��ة، هي "ال��نيب"

(.6)"السياسة االقتصادية الجديدة"(. ولقد اصطدم آنذاك بمقاومة لينين وغالبية القيادة ) إننا نؤيد في هذا الصدد حكم المؤرخ السوفييتي روي ميدفيديف الذي رأى أن محاولة متابعة سياس��ة

االجتماعي��ة، بم��ا في ذل��ك انتفاض��ة1921مصادرة القمح، بعد نهاية الح��رب األهلي��ة، تس��ببت بأزم��ة (.7كرونش���������طاط. لق���������د ك���������ان ذل���������ك خط���������أ خط���������يرا، كلف غالي���������ا )

فضال عن ذلك، كانت البروليتاريا قد ضعفت، في ظل "شيوعية الحرب"، ليس فقط عدديا ب��ل ك��ذلك % من الطاق��ة30، لم يكن المنتج الصناعي ليستهلك خالل اإلنت��اج إال 1921ماديا ومعنويا. ففي عام

. وق�د أدى1917-1916، وأقل من نص�ف م�ا اس�تهلكه في 1914-1913التي كان قد استهلكها في ذلك إلى هبوط جذري في إنتاجية العمل.

لقد أض��فى البعض طابع��ا مثالي��ا على سياس��ية "ش��يوعية الح��رب"، ع��بر التش��ديد على االنتق��ال إلى أشكال إنتاج وتوزيع "شيوعية مباشرة"، إن كريتسمان، الذي نستعير منه المعطيات اإلحص��ائية ال��تي

(.7أوردناها، قب��ل قلي��ل، يتكلم في ه��ذا المج��ال على "س�نوات بطولي�ة للث��ورة الروس�ية الك�برى" )وكثيرون بين القادة البالشفة من حذوا حذو البعض جزئيا.

فهؤالء الذين جعلوا من الضرورة قانونا، حولوا اكراه��ات النقص ]في الم��واد الغذائي��ة[ والتقن��يين إلى نظريات. وأضفوا طابعا مثاليا على العودة إلى االقتصاد "الطبيعي" )لمزي��د من الدق��ة اقتص��اد ثالثي:

اقتصاد معاش، واقتصاد مقايضة، واقتصاد نقدي(. إن كل التراث الماركسي وكل عقل البروليتاريا السليم يقفان مع ذلك ض��د "ش��يوعية الب��ؤس" ه��ذه، مهما تكن جذابة ومثيرة –بالنسبة للمستقبل!- "النماذج" المس��اواتية ج��دا ال��تي تمت بلورته��ا وج��رى

(. إن ه��ذا "النم��وذج" لم يطل��ق دينامي��ة ق��ادرة على إخ��راج البل��د من المجاع��ة8تطبيقه��ا آن��ذاك ) من اس�تعادتها بص��ورة1934-1928المتنامي��ة. ولق��د تس��بب ببلبل�ة في النف�وس تمكن س��تالين في

تهكمية والضرب على أوتارها.مسألة مفاوضات السالم

إن الحرب األهلية وحرب التدخل من جانب الدول االمبريالية ضد روس��يا الس��وفييتات، وبوج��ه خ��اصمن جانب االمبريالية األلمانية، تفسران جزئيا أصول "شيوعية الحرب" وانحرافتها.

لكننا نقع هنا على خطأ مهم آخر اقترفته، خالل مفاوضات برسيت-ليتوفسك، غالبية القادة والكادرات البلشفية، باستثناء لينين الذي بلغ آنذاك قمة بعد نظره السياسي، ونحن نقصد التأخر في عقد الصلح المنفصل مع اإلمبراطوري��ات المركزي��ة. فلق��د ك��ان هنال��ك ف��رق أساس��ي بين ش��روط الص��لح ال��تي عرضتها تلك اإلمبراطوريات خالل المرحلة األولى من مفاوضات بريست-ليتوسفك، التي افتتحت في

31

، والشروط المنتزعة بعد وقف السوفييتات لتل��ك المفاوض�ات واس��تئناف1917كانون األول/ديسمبر الجيش األلماني تقدمه.

فالشروط األولى كان يقبل بها قسم مهم من الرأي العام العمالي والمديني البرجوازي الص��غير. أم��ا الثانية فجرى اإلحساس بها، بشكل واسع، كإذالل قومي وخيانة لمصالح بروليتاريا االتح��اد الس��وفييتي والبروليتاريا العالمية. فضال عن ذلك، كانت تستتبع إشراف ألمانيا اإلمبراطوري��ة على أوكراني��ا وقم��ع الحركة الفالحي��ة األوكراني��ة. ولق��د ك��انت ردود الفع��ل عنيف��ة م��ذاك، وتس��ببت بض��رب التح��الف بين البالشفة واالشتراكيين-الثوريين اليساريين، وحفزت الحرب األهلية بشدة. لقد رفض��ت غالبي��ة اللجن��ة المركزي��ة والك��وادر البلش��فية التوقي��ع الس��ريع لش��روط الص��لح الناجم��ة عن المرحل��ة األولى من مفاوضات بريست ليتوفسك. ويمكنها أن تتذرع لصالحها –كما تروتس��كي لص�الح موقف�ه الوس�يط "ال حرب وال سلم"- بواقع أن موقفها كان يتطابق مع مشاعر غالبية سكان المدن. لكنه لم يكن يتط��ابق

مع مشاعر غالبية الفالحين، ناهيكم عن جنود جيش في حالة تفكك قصوى. وبوج��ه خ��اص، لم يكن ذل��ك الموق��ف يفض��ي إلى أي ب��ديل ملم��وس اإلطاح��ة الفوري��ة لحكم آل هوهنزولرن وآل هابسبورغ؟ من يمكن أن يضمن ذلك؟ التنظيم الفوري ل�"حرب ثوري��ة"؟ وه��ل ذل��ك

(؟9ممكن بواسطة جيش ال وجود له ) لقد كانت النتيجة الوحيدة لرفض التوقيع الفوري لشروط الصلح إتاحة الفرصة أمام الجيش األلم��اني ليحتل أراض��ي جدي��دة شاس��عة، وبوج��ه خ��اص لين��تزع من جمهوري��ة الس��وفييتات أوكراني��ا، وثرواته��ا الهائلة. كان لينين قد نبأ بذلك، يوما بعد يوم. ونحن نرى مجددا أن الثمن الذي اضطرت الثورة لدفعه

كان باهظا جدا، لقاء الخطأ المقترف.اإلرهاب األحمر

إن مسألة اإلرهاب –وخلق التشيكا، أو الشرطة السياسية السرية- وثيقا االرتباط بنتائج صلح بريس�تليتوفسك. كالهما عصي على التفسير إال إذا سلط عليه ضوء تلك األحداث.

إن مسألة اإلرهاب –بغض النظر عن مسألة التجاوزات غير المقبولة التي رافقت��ه- أق��ل وض��وحا مم��ا كي نالح��ظ ذل��ك. ففي1936يزعم البعض. ويكفي الرجوع إلى تجربة الحرب األهلية االسبانية لع��ام

ذلك الحين، لم يكن الستاليون وح��دهم من طبق��وا ت��دابير إره��اب أحم��ر واس��عة النط��اق، ب��ل ك��ذلك الفوضويون واالش��تراكيون-ال��ديمقراطيون، س��واء في اليمين، أو "الوس��ط"، أو اليس��ار، ن��اهيكم عن

الكثير من المجموعات العمالية المستقلة وغير المنظمة. لم يكن لديهم خيار. فحين تكون إزاء عدو عنيد، قاتل، يتولى التعذيب، وال يتراجع أمام أي شيء، ويحول نس��اء المناض��لين وأطفالهم إلى رهائن، ويطلق الرصاص بصورة جماعي��ة على س��جناء الح��رب والخص��وم السياس��يين، عليك أن تتخذ بعض التدابير الثأرية للحد من الخسائر. إن العقل السليم هو الذي يأمر بذلك. فليك��ف القتلة قبل غيرهم، عن ارتكاب أعمال القتل، إذا كانوا يري��دون تحاش��ى أن ي��دفعوا هم أنفس��هم ثمن��ا

مرتفعا لقاء جرائمهم. يجب أن نالحظ من جهة أخرى أن لينين كان قد بذل جهودا كب��يرة لالمتن��اع عن اللج��وء إلى اإلره��اب

غداة ثورة أوكتوبر. أعلن بوجه خاص: "يأخذون علينا أننا نبادر إلى القيام بتوقيفات. أجل، هذا أمر يحدث. فلقد أوقفنا الي��وم م��دير مص��رف الدولة. يأخذون علينا ممارسة اإلرهاب، لكنه ليس إرهاب الثوريين الفرنس��يين ال��ذين ك��انوا يقطع��ون بالمقصلة رؤوس أناس منزوعي السالح، وآمل أال نصل إلى هذا الحد. آمل ذلك ألننا أقوي��اء. حين كن��ا نقبض على أناس، كنا نقول لهم إننا سنطلق س��راحهم إذا تعه��دوا بع��دم التخ��ريب. وهي تعه��دات يتم

(.10تقديمها") بيد أن األمور اتخذت المنحى التالي: تصرف المناهضون للثورة بتهكم وانعدام ذمة كلي، على ال��رغم من شهامة البالشفة بادئ ذي بدء. فالجنراالن كراسنوف وكاليدين وغيرهما، وتالم��ذة الض��باط ال��ذين تم إيقافهم خالل ثورة أوكتوبر، أطلق سراحهم مقابل الوعد بأن يمتنعوا عن أي عمل مناهض للحكم.

ولقد حنثوا فورا بالوعد المعطى، وحملوا السالح وتسببوا بمقتل آالف العمال.لقد اقترف الشعب هذه األخطاء مرة، مرتين، ثم رد بقساوة، فهل يجب أن يدهشنا ذلك؟

بين األعمال المتهكمة بوجه خاص ل�"ضحايا اإلرهاب" الحقا، يش��ير أ.ر. ولي��امز إلى اس��تخدام ال��بيض(.11شاحنات للصليب األحمر الجتياز خطوط الجبهة وإيصال ذخائر إلى الجيوش البيضاء )

32

ويروي وليامز أيضا تجليا مؤثرا لروح الشهامة ل��دى الث��ورة، خالل االس��تيالء على قص��ر الش��تاء. ك��ان تالمذة الضباط قد استسلموا. وكان الجمهور غاضبا، الس�يما بع�د اكتش�افه غ�رف التع�ذيب في أقبي�ة القصر. صرخ أنطونوف-افسينكو، الذي كان يق��ود فص��يل الح��رس الحم��ر: "األول بينكم ال��ذي ي��ؤذي

أسيرا، سوف أطلق عليه الرصاص". وقد خلص إلى إقناع الحشد: "أتعرفون إلى أين يقود هذا الجنون؟ حين تقتلون حارسا أبيض أسيرا، فأنتم تقتلون الثورة، ال الث��ورة المضادة. لقد أعطيت عشرين سنة من حياتي في المنفى وفي السجن ألجل ه��ذه الث��ورة )...(. إنه��ا تعني شيئا أفضل، تعني الحياة والحرية للجميع. انتم تعطون إذا دمكم وحياتكم للثورة، لكن عليكم أن تعطوها أيضا شيئا آخر ]...[: عقلكم وفطنتكم. عليكم أن تضعوا التزامكم ألج��ل الث��ورة ف��وق إرض��اء أهوائكم. لقد تجرأتم فمضيتم ب��الثورة إلى النص��ر. واآلن عليكم، باس��م ش��رفكم، أن تعط��وا البره��ان

(.12على شهامتكم. انتم تحبون الثورة. والشيء الوحيد الذي أطلبه منكم هو أال تقتلوا ما تحبون" ) لكن بعد التعرض ألعمال العنف الوحشية من جانب المناهض��ين للث��ورة، تغ��ير المن��اخ. فه��ل يجب أن

يدهشنا ذلك؟ ، ج��رى إعط��اء تق��دير1920في كل حال، علينا أن نح��دد م��دى اتس��اع اإلره��اب. فح��تى آذار/م��ارس

شخصيا. ويقدره موريزي��ه ب��أكثر قليال8620رسمي للعدد اإلجمالي لضحايا اإلرهاب األحمر الذي بلغ من عشرة آالف. وبعد هزيمة الجيوش البيضاء لكل من دنيكين وكولشاك، ألغت الحكوم��ة الس��وفيتية عقوبة اإلعدام خالل أشهر عدة، ولم تتم إعادة العمل بها إال بعد الهج��وم البول��وني على أوكراني��ا في

.1920أيار/مايو كان الجو في روسيا السوفييتية بعيدا جدا عن ذلك الخ��وف الش�امل ال�ذي يص�فه مؤرخ�ون كث�يرون. ويمكن إدراك ذلك لدى قراءة الرواية ال��تي يق��دمها موريزي��ه، كش��اهد عي��ان، لمحاكم��ة ض��ابط أبيض

:1921/تموز/يوليو 14كبير، هو غالكين، أمام محكمة موسكو الثورية في "ال أظن أني رأيت يوما جمهورا أو قضاة أكثر تعاطفا م��ع المتهم مم��ا في ذل��ك الي��وم. إن األربعمائ��ة عامل أو جندي الذين كانوا يت��دافعون في تل��ك القاع��ة، والقض��اة الثالث��ة والم��دعي الع��ام، وكلهم في

عام��ا،35ريعان الشباب، كانوا يتطلعون جميعهم بنوع من الصداقة إلى ذل��ك الرج��ل القص��ير الب��الغ المرتدي ثيابا رثة، والذي كان يحرسه نائب ضابط طيب القلب، وفقا للقاعدة، وهو يمسك بمس��دس. ولم يكن هناك أي حاجز بينهم وبينه. كان أربعة جنود مس��لحون، مهتم��ون بوج��ه خ��اص بالمناقش��ات، يذرعون بشكل غامض المساحة الطليقة التي كان يمألها مقعد البستان المخص��ص للمتهم، وطاولت��ه

المدافع )عنه( وطاولتنا". "بدال من جلسة مخيفة لمحكمة ثوري��ة، ك��ان يتب��ادر إلى ال��ذهن أنن��ا إزاء س��جال حماس��ي بين أن��اس

(.13مختلفين بصدد حل مشكلة ضميرية" ) صدر حكم خفيف على غالكين، ثم سرعان ما حصل على العف��و، م��ع أن��ه حم��ل الس��الح ض��د س��لطة السوفييتات. لكنه كان يؤكد كرهه للطغاة المناهضين للثورة، بعد تجربته إياهم. وقد صدقته المحكم��ة

لمجرد قوله ذلك.التشيكا

إن موضوع التشيكا مختلف تماما عن المسألة التي تح��دثنا عنه��ا للت��و: ت��دابير إرهابي��ة منتظم��ة خالل حرب أهلية قاسية. إنها تستتبع خلق مؤسسة، أو جهاز، مع االتجاه الحتمي لكل مؤسسة ولك��ل جه��از

ألن يصبح دائما، ويتنصل من كل رقابة. يمكن إطالق النار على مع��ذب فاش��ي بع��د محاكم��ة علني��ة، وإن مختص��رة. ال يمكن إخض��اع ش��رطة

سياسة سرية لرقابة علنية. إن أرشيفات التشيكا، التي بدأت تنتشر بفضل الغالسنوست )سياسة "الشفافية" أيام غروباتش��وف(، تبين إلى حد بعيد أن الدودة كانت في الثمرة من��ذ الب��دء. وذل��ك على ال��رغم من الش��رف الشخص��ي لفيليكس دزيرجنسكي، أول قيادي للتشيكا، الذي ال يش��تبه أح��د بأن��ه ك��انت لدي��ه نواي��ا ق��ذرة. تكفي اإلشارة على واقع أن أعضاء التش��يكا ومخبريه��ا ض��منوا الحص��ول على عالوة )حص��ة من "الغنيم��ة"( مقابل كل مورد إثراء يصادر لدى "مضارب" أو مس��ؤول عن "ج��رائم اقتص��ادية". ليس من ش��ك في

وجود دينامية مفسدة. واألمر نفسه يقال عن اتجاه التشيكا لإلفالت من أي رقابة. لقد تأكدت تلك الدينامي��ة الخط��رة مبك��را جدا. وثمة حادثة توضحها تمام��ا: ك��ان لي��نين يكن أك��بر التق��دير وأعظم الص��داقة للقي��ادي المنش��في

33

اليساري مارتوف. وقد استدعاه ذات يوم إلى الكرملين، وسلمه جواز سفر مزورا وق��ال ل��ه : "غ��ادر البالد فورا، أو ستلقي التشيكا القبض عليك في غضون أيام قليل�ة، ولن يك�ون في وس�عي منعه��ا من

ذلك". مع ذلك، يسلم ج.ليغيت، الرجعي المعادي جدا للنظام البلشفي، بأن هذا االستغالل لم يكن إال ظرفيا

في البدء: "في التعارض المحت��وم بين عن��ف التش��يكا التعس��في ومنظوم�ة الش�رعية الس�وفييتية ال�تي بلورته�ا مفوضية الشعب للعدل، أحرزت التشيكا الغلبة في ك��ل م��رة ك��ان فيه��ا النظ��ام مه��ددا. وحين ك��انت

(.14األزمة تخف، كان ذلك يتم لصالح المفوضية") كان لينين بالذات يؤيد بحزم قيام دولة قانون وضرورة خطو خطوات حاس��مة في ه��ذا االتج��اه. وفي

، ك��ل من دزرجنس��كي وك��امينيف بخص��وص إص��الح مص��الح الش��رطة1921نزاع تع��ارض في��ه، ع��ام السياسية بعد نهاية الحرب األهلية، دعم لينين كامينيف الذي ك��ان يق��ترح الح��د من ص��الحية التش��يكا بحيث تقتصر على مشكالت التجسس، واالعتداءات السياس��ية، وحماي��ة س��كك الحدي��د ومس��تودعات

المؤن. كان يجب أن يكون كل نشاط قمعي آخر من اختصاص مفوضية الشعب للعدل.ينبغي أن نالحظ أيضا أن التشيكا لم تكن إطالقا صنيعة الح��زب البلش��في أو لي��نين. إن االش��تراكيين- الثوريين اليساريين هم الذين لعبوا الدور األساسي في خلقها. لكن يبقى صحيحا م��ع ذل�ك أن االتج��اه لالستقالل، وللتملص أكثر فأكثر من الرقابة، كان موجودا منذ بدايات التشيكا. ويستخدم فيكتور سرج

بهذا الخصوص تعبير "االنحطاط المهني". لذا نخلص إلى أن خلق التشيكا كان خطأ بال ريب.إحاالت

.75، ص 1963(ل.تروتسكي، الثورة المغدورة، باريس 1) ,L’agonie du capitalisme et les tâches de la 4eme Internationale(األممية الرابعة، 2)

programme de transition ،56، ص 1983 باريس. . كانت روزا لوكسمبورغ قيادة65، ص 1964، باريس، La Révolution Russie(ر.لوكسمبورغ، 3)

ثورية ومنظرة ماركسية بولونية، نشيطة جدا في الحركة العمالية األلمانية. وقد اغتالتها الرجعية ع��ام1919.

. ك��ان كاوتس��كي المنظ��ر والقي��ادي األك��ثر اعتراف��ا ب��ه على ص��عيد69-67(المرج��ع ذات��ه، ص 4)االشتراكية-الديمقراطية األلمانية واألممية الثانية.وهو سوف يصبح إصالحيا.

("شيوعية الح��رب" هي التس��مية المعط��اة للتوج��ه السياس��ي-االقتص��ادي المس��تخدم خالل ف��ترة5) (، وكانت تتميز بروح المساواة فيها، وبدولنة جذري��ة وت��دابير اس��تثنائية،1920-1918الحرب األهلية )

كالمصادرات القسرية لألغذية لدى الفالحين. (دافع تروتسكي، بعد فشل اقتراحه المبكر باعتماد النيب، ولبعض الوقت، عن "عسكرة" االقتص��اد6)

. لق��د1920كاقتراح بديل. أما السياسة االقتصادية الجديدة، أو "النيب"، فوضعت في الممارسة عام مثلت قطيعة عميقة مع اقتصاد األوامر لفترة شيوعية الحرب، عبر تحريرها السوق واإلنت��اج الفالحي،

وتشجيعها نوعا من نمو الصناعة الصغيرة الخاصة، وعرضها استقبال توظيفات أجنبية.La(روي ميدفي���ديف، 7) Révolution d’octobre ،في آذار/م���ارس210، ص 1978، ب���اريس .

، تمردت حامية كرونشطاط، وهي ميناء على بحر البلطيق، وبما أن المفاوض��ات م��ع الس��لطة1921 م��نيت بالفش��ل، فلق��د س��حق الجيش األحم��ر العص��يان. نحن ال نس��عى ألن نحل��ل، في ه��ذا البحث، المش��كلة ال��تي طرحه��ا تم��رد كرونش��طاط وقم��ع الس��لطة الس��وفييتية ل��ه. ذل��ك أنن��ا ن��رى، آخ��ذين بالحسبان أن الحرب األهلي��ة لم تكن انتهت بع�د، أنن�ا إزاء مس�ألة حكم سياس�ي، تك�تيكي، ال مس�ألة مبدأ. إن صعوبة الج��دال، في ه��ذا الموض��وع، تكمن في واق��ع أن معظم من انتق��دوا ق��رار البالش��فة يسندون حكمهم بشكل أساسي إلى تقديرات سياسية بصورة خاصة: طبيعة المطالب، طبيعة الق��وى السياسية المتواجهة، الخ. لكننا نرى أنه، في حالة حرب أهلية، تكون طبيعة كل من القوى االجتماعية

المتواجهة )و"منطق" كل منها( هي الحاسمة. والحال أن المعلومات في هذا الصدد، التي بحوزتن�ا حالي�ا، ال ت�تيح اس�تخالص نت�ائج نهائي�ة. فبحس�ب البعض، والسيما الفوضويين، كان بح��ارة كرونش��طاط عم��اال بش��كل أساس��ي، كم��ا الح��ال بخص��وص

. وكان تمردهم يشكل امتدادا لالحتجاجات العمالية في بتروغراد وأم��اكن أخ��رى.1918-1917بحارة وم��ا ك��ان مطروح��ا إذا إنم��ا ه��و مش��كلة الديمقراطي��ة الس��وفييتية، البروليتاري��ة. وبحس��ب اآلخ��رين،

البروليتاريون قد زالوا إلى حد بعيد من القلعة. كانوا قد1918-1917والسيما تروتسكي، كان بحارة أبن��اء الفالحين1921سقطوا في الجبهات، أو امتصهم الجيش األحمر وجهاز الدولة، الخ.وكان بحارة

المتوسطين واألغنياء. وكان تمردهم يشكل امت��دادا ل��رفض الفالحين "ش��يوعية الح��رب" ومص��ادرات34

القمح. كان ينبغي التفاوض معهم، لكن عدم الخضوع لدينامية اجتماعي��ة ك�ان يمكن أن تع�زز التهدي�د المضاد للثورة الذي تتعرض له بتروغراد، وهو تهديد محلي وعالمي، ألن ذوبان الجلي��د ك��ان يمكن أن

يفتح ميناء كرونشطاط أمام أسطول البلطيق األبيض.فيينا-Die Heroische Periode Der Grossen Russischen Revolution(ل.كريتسمان، 8) ،

.1929برلين، (حذر ماركس وانجلس من "شيوعية البؤس" البدائية هذه، التي ال تفعل غير تعميم النقص والقل�ة،9)

وتفضي حتما إلى انبعاث كل "الخراء القديم". تش��رين17(لينين، خطاب في جلسة سوفييت ب��تروغراد للن��واب والجن��ود ومن��دوبي الجبه��ة في 10)

.307 ص 26، األعمال الكاملة، الجزء 1917الثاني/نوفمبر وما بعدها.112(أ.ر.وليامز، مرجع مذكور، ص 11).126(المرجع ذاته، ص 12).429(موريزيه، مرجع مذكور، ص 13).171، ص 1981، أوكفورد The Cheka: Lenin’ss Politacal police(ج-ليغيت، 14)

35

الفصل السادس: مفاهيم لينين التنظيمية هل فتحت تصورات لينين التنظيمية الطريق أمام تجاوزات ثورة أوكتوبر والديكتاتورية الستالنيية؟

إن إحدى األطروحات، التي يشيع تقديمها من جانب نقاد البلشفية، تقول إن التجاوزات ال��تي ط��رأت –حل الجمعية التأسيسية، اإلرهاب، إطالة م��دة ش��يوعية الح��رب- ناتج��ة في التحلي��ل1917منذ عام

األخير من تصورات لينين التنظيمية. يمكن أن نلخص هكذا التصورات ال��تي ينس��بها ه��ؤالء المؤلف��ون إلى لينين، ويعتبرونها مصادر الشر األخيرة: الثورات "يصنعها" الحزب الث��وري، وليس الجم��اهير. ه��ذا الحزب ينبغي أن يتكون من زمرة ضئيلة العدد من الث��وريين المح��ترفين ممرك��زة إلى أبع��د الح��دود. إنه، بذلك، متحرر إلى ح�د بعي�د من رقاب�ة الطبق�ة العامل�ة، وه�ذه الطبق�ة ع�اجزة عن االرتف�اع إلى

(.1مستوى العمل السياسي الثوري، ناهيكم عن بلوغ الوعي السياسي الثوري ) إن كتابا آخرين، كلويس فيشر، يقومون بخطوة إضافية ويقولون إن تص�ورات لي��نين التنظيمي�ة ه�ذه، كما جرى التعبير عنها بصورة كالسيكية في ك��راس م��ا العم��ل؟ أوحت به��ا مالمح بس��يكولوجية قليل��ة الدماثة للشخص المذكور: حقد أعمى على القيصرية والطبق��ات المالك��ة، التعطش إلى الث��أر بس��بب إعدام األوتوقراطية لشقيقه، االقتناع بأن العنف، واإلره��اب، و"إب��ادة الع��دو"، تلعب دورا أساس��يا في

كل ثورة. كل هذه التأكيدات، أيا تكن تنويعاتها، هي في أحسن األح��وال رؤى وحي��دة الج��انب للواق�ع الت��اريخي،

ولكتابات لينين واألعمال التي ألهمها أو قادها.لينين والسلطة

قبل كل شيء، إن صورة للينين متوترا، مثل مهووس أحادي، نحو االس�تيالء على الس��لطة الشخص��ية المطلقة، ال تتناسب إطالقا مع ص��ورة الش��خص كم��ا تب��دو من الش��هادات المتع��ددة ألولئ��ك الل��واتي

والذين عاشروه. ويالحظ في هذا الصدد نيكوالي فالنتينوف، النقدي جدا حيال الزعيم البلشفي، أنه: "خطأ خطير جدا، ويقترفه كثيرون، ال بل الجميع تقريبا، أن يتم اعتب��ار لي��نين كرج��ل حدي��دي، ال قلب له، وال ينتج غير قرارات سياسية، غير مبال إطالقا بجماالت الطبيعة، وغير حساس حياله��ا. لق��د ك��ان

(.2يعبد الحقول، والمروج، واألنهار، والجبال، والبحر والمحيط" ) إن األهمية المحدودة باألحرى ال�تي ك�ان يوليه��ا لي�نين ل�دوره الشخص�ي إنم��ا يكش�فها رد فعل�ه حين

اقترحت اللجنة المركزية البدء بنشر أعماله الكاملة: "لماذا؟ هذا غير نافع إطالقا. فمنذ ثالثين عاما، تمت كتاب��ة ك��ل م��ا ك��ان يمكن تخيل��ه، وال ج��دوى من

(.3نشر كل ذلك") إن أسطورة لينين متهكم وعديم الذمة في "الصراع ألجل الس��لطة" تس��تند بوج��ه خ��اص إلى اف��تراء

ل بالتأكيد القائل إنه قبل ب�"الذهب األلماني" عام لتموي��ل ال��دعاوة البلش��فية.1917سافل كفاية تمث الثورية.1917لقد شكل ذلك االفتراء قاعدة لالضطهادات – ضد البالشفة غداة أيام تموز/يوليو

وفي ما يشكل، فضال عن ذلك، إحدى أفضل سير لينين، يبرهن رونالد و. كالرك عن ال أدري��ة في ه��ذا الصدد، حين يتوصل تقريبا على التلميح بأن��ه ال دخ��ان من دون ن��ار. ال ب��ل روى –من دون أن يس��تبعد

مليون مارك ذهبي "ج��رى توظيفه��ا" في50بالكامل- تأكيد موظف في وزارة الخارجية األلمانية، أن (.4الحركة البلشفية )

لكن رونالد كالرك ذاته يورد بشكل عابر البرهان األكثر دمغا على الطابع غير القائم على أساس له��ذا االفتراء: كانتا البراف��دا، جري��دة البالش��فة الرئيس��ية، بحاج��ة دائم��ة إلى الم��ال. وق��د أطلقت ن��داءات

(. فكيف يمكن حركة تلقت عشرات الماليين من5ضاغطة ومتواصلة لجمع عشرات ألوف الروبالت )الماركات الذهبية أن تكون معدمة إلى هذا الحد؟

1907-1905ما العمل؟ والسنوات ! للحكم على تصورات لي��نين1902ثم إنه يستحيل االستناد إلى كرا ما العمل؟ وحده –المكتوب عام

التنظيمية. ال يمكن انتزاع األطروحات التي يدافع عنها هذا الكت��اب، م�ع بعض المبالغ�ة بال ريب، ال�تي اعترف بوجودها لينين ذاته في ما بعد، من سياقها التاريخي المحدد، الخاص بح��زب ص�غير يعم�ل في

السرية األكثر دقة.

36

لم يرفع لينين هذه األطروحات يوما إلى مستوى النظرية العامة في التنظيم، الص��الحة لك��ل البل��دان )بما فيها روسيا( وفي كل زمان، بغض النظر عن العصر والشروط الملموسة التي ينم��و فيه��ا ص��راع

الطبقات. كانت التصورات البديل التي اقترحها المناشفة آنذاك تبخس تقدير م��ا تش��كله الالش��رعية من إك��راه، والتهديد الذي كانت تمثله بالنسبة الستمرار النش��اط الطبقي، ودور المرك��زة السياس��ية –الض��رورية لكن الصعبة- لتجربة النضاالت المتشذرة، وبوجه خاص الطابع األساسي للنضال من أج��ل االس��تقالل السياسي، وفي ما بعد ألجل هيمن�ة الطبق�ة العامل�ة في الث��ورة. إن االنش�قاق إب�ان الم�ؤتمر الث��اني

، كمان ينطوي مذاك بصورة كامنة على بذور التمايز السياس��ي المرك��زي الالح��ق1903للحزب عام بين البالش�فة والمناش�فة بخص�وص دور البرجوازي�ة الروس�ية في الث�ورة )ب�ات االنقس�ام بين ه�ذين

(.6( )1912التيارين داخل حزب العمال االشتراكي-الديمقراطي الروسي رسميا عام ، ما العمل؟ نجد مقاطع ذات منحى "لوكسمبورغي-تروتسكي" بشكل واضح:1902حتى في كراس

"ليس من معنى لتظيم الث��وريين المح��ترفين إال في عالق��ة بالطبق��ة الثوري��ة حق��ا، ال��تي تنخ��رط فيالقتال بشكل عفوي )...("

"من المرجح أن الجميع يوافقون على أن مبدأ الديمقراطية الواسعة، يستتبع شرطين صريحين: أوال، العلنية الكاملة وثانيا، االنتخابات لكل الوظائف ][. سوف نسمى الحزب االشتراكي األلم��اني منظم��ة

( ][.7ديمقراطية، الن كل شيء يتم فيه عالنية، حتى جلسات مؤتمر الحزب ) المهمة جدا، وسع لينين لهذا التصور أكثر أيض��ا، بص��ورة ناق��دة لل��ذات جزئي��ا،1909بعد تجربة ثورة

عبر استخدام ص�ورة" القض�يب المل�وي ج��دا في اتج��اه م��ا". بم��ا أن خص�ومه "ل�ووا القض��يب" –أيالمحاجة- "في اتجاه ما"، كان عليه أن يلويه في االتجاه اآلخر إلعادة التوزان(:

]...[ على ال��رغم من االنش��قاق، أعطت االش��تراكية-الديمقراطي��ة الجمه��ور1907 إلى 1903"من أوسع المعلومات حول وضعها الداخلي )محاضر المؤتمر الثاني المشترك، والمؤتمر الثالث البلشفي، والم��ؤتمر الراب��ع أو م��ؤتمر اس��توكهولم المش��ترك(. على ال��رغم من االنش��قاق، ع��رف الح��زب االشتراكي-الديمقراطي، قبل األحزاب األخرى، أن يستفيد من فترة الحرية الع��ابرة لتحقي��ق منظم��ة شرعية مع نظام ديمقراطي مثالي، ومنظومة انتخابية وتمثيل في المؤتمر تبعا لع��دد أعض��اء الح��زب

(.8المنظمين ) ( في واق�ع أن1907-1905"طبعا، يمكن السبب األساس�ي له��ذا النج��اح )نج��اح البالش�فة في ث�ورة

الطبق��ة العامل��ة، ال��تي ش��كل أفض��ل عناص��رها االش��تراكية-الديمقراطي��ة، تتم��يز ألس��باب اقتص��ادية موضوعية عن كل طبقات المجتمع الرأسمالي بق��درة أك��بر على التنظيم. ل��وال ه��ذا الش��رط، لك��انت منظمة الثوريين المحترفين لعبة، مغامرة، واجهة ال شيء خلفها ]...["، ويعبر لينين عن فكرته بشكل

أوضح أيضا حين يؤكد أنه:"يبدو لي أن الرفيق رادين على خطأ حين يطرح ]...[ هذا السؤال:

سوفييت النواب العمال أو الحزب؟ أعتقد ]...[ انه يلزم إطالقا لهذا الح��ل:س��وفييت الن��واب العم��ال والحزب معا ]...[ يبدو لي أن على سوفييت النواب العمال بوصفه منظمة مهنية أن يتجه لضم ن��واب العمال، والمستخدمين، والخدم، والمأجورين في الزراعة، الخ. كل أولئك الذين يريدون ويس��تطيعون النضال معا لتحسين معيشة الشعب الكادح، كل أولئك الذين يمتلكون شهامة سياسية أولي��ة، الجمي��ع

(.9ما عدا المائة السود ) ، اتفقنا جميعا على مبدأ المركزي��ة الديمقراطي��ة، وعلى ض��مانة1906")وفي المؤتمر التوحيدي لعام

حقوق كل أقلية وكل معارضة مستقيمة، وعلى استقالل كل منظمة حزبية، وعلى االعتراف"ب��أن ك��ل(.10كوادر الحزب يجب أن يكونوا منتخبين وقابلين للتنحية، وملزمين بتقديم حساب عن عملهم" )

"إن مبدأ المركزية الديمقراطية واستقالل )المنظمات( المحلية يعني بالض��بط حري��ة النق��د، بالكام��ل(11وفي كل مكان، طالما ال يعيق وحدة عمل محدد ]...[")

"ليس من ح�ق اللجن��ة المركزي�ة إطالق��ا أن تش�ترط على منظم�ات الح�زب تبني قراره�ا )...(. ك�ل أعضاء الحزب مجبرون على النظر إلى المسألة بكل اس��تقالل وبك��ل روح نقدي��ة وعلى تأيي��د الق��رار الذي يحل المشكلة في رأيهم، بالصورة األصح في إطار قرارات المؤتمر التوحي��دي )...( إن منظم��ة الحزب تقوم اآلن على قاعدة ديمقراطية. وهذا يع��ني أن ك��ل أعض��اء الح��زب ينتخب��ون المس��ؤولين،

(.12وأعضاء اللجان، الخ، )...( أن كل أعضاء الحزب يحددون ما يجب أن يكون التكتيك )...(.")37

إن مؤلفا كلويس فيشر يع��رف مص��ادره تمام��ا. إال أن يتغاض��ى عن س��ابق تص��ور وتص��ميم عن ه��ذه (. وفي ه��ذا إثب��ات مكش��وف13المقاطع من كتابات لينين، ومقاطع أخرى كثيرة تتخذ المنحى ذات��ه )

الفتقاد الشرف الفكري وهو معتاد على ذلك في كل حال. كمراسل أجنبي، السيما للمجلة األمريكي��ة1936 و1923لقد أقام في االتحاد السوفييتي ما بين عام

The Nationوبهذه الصفة امتدح محاكمات موس��كو. وه��و األم��ر ال��ذي ك��ان مفي��دا ج��دا لس��تالين . (. وفي السيرة التي كتبها عن لينين بع��د ثالثين عام��ا، أورد على العكس أن:14والستالينية العالمية )

"أعمال الثأر التي مارسها س��تالين ض��د تروتس��كي أغ��رقت روس��يا في حم��ام من دم. إن محاكم��ات موسكو خالل الثالثينيات، التي كانت تستهدف تروتسكي في الواق��ع، كلفت البل��د حي��اة قادت��ه الكب��ار

جاء دور قادة روسيا العس��كريين وب��اآلالف، أفض��ل م��دراء المص��انع، والكت��اب،1937)...( وفي عام والمخططين، واإلداريين، )...( سوف يستحيل إلى األبد قياس ما عادت به ه��ذه السياس��ية المجنون��ة

(.15من كوارث على روسيا )...(" ) مح��امي تل��ك "السياس��ة المجنون��ة" ال ي��رى أن��ه من1938-1936ذل��ك ال��ذي جع��ل من نفس��ه في

الضروري صياغة كلمة أسف واحدة، أو اعتذار، أو نقد ذاتي. إنه يفضل االنتقال إلى الجهة األخرى منالمتراس.

باألمس كان ستالين العبقري مواصل )سياسة( العبقري لينين. واليوم، الطاغية س��تالين نت��اج ف��رعي لميل لينين إلى السلطة الشخصية والعن��ف. نالح��ظ م��ا يش�ترك ب��ه ه��ذان الموقف��ان التعادلي��ان: في

التحليل األخير، ستالين يتحدر من لينين، البارحة ألجل الخير، واليوم للشر.حزب غير وحيد االتجاه

نقع هنا على تزوير تاريخي أكثر عمومية بكثير، نجده لدى كتاب آخرين عديدين يعالجون تاريخ روس��يا)1923-1918السوفييتات في السنوات (. أين كان إذا هذا الحزب البلشفي المزعوم أن��ه وحي��د16

االتجاه، منبثق من ذلك االستحواذ اللينيني المزعوم للمركزة المفرطة؟ في الواقع، لم ير يوما ح��زب عم�الي ينط�وي على ه�ذا الق�در من االختالف�ات في ال�رأي ومن حري��ة التعب��ير، بم��ا في��ه التعب��ير العل��ني، إال الح��زب البلش��في في تل��ك الف��ترة –وبالتأكي��د ليس الحزب��ان االشتراكيان- الديمقراطيان األلماني أو النمساوي حتى في أفضل أوقاتهما. وفي وسعنا إيراد أح��داث

ال حصر لها، نكتفي بإيراد ما يلي منها: - خالل النقاش حول مالءمة ثورة أوكتوبر عمد زينوفييف وكامينيف، وكان من أعضاء اللجنة المركزية

الرئيسيين، إلى اتخاذ موقف علني ضد قرار األكثرية، في مقال ظهر في جريدة ماكسيم غوركي. - خالل النقاش حول تشكيل حكومة تحالف كل األحزاب العمالية، غداة المؤتمر الث��اني للس��وفييتات، اتخذ ستة أعضاء في اللجنة المركزية وعدد من أعضاء مجلس مفوضي الشعب موقفا علنيا ضد قرار

(.17األكثرية. ال بل استقالوا من مناصبهم إلعطاء معارضتهم وزنا أكبر ) - صوت ريازانوف ولوزوفسكي، وكان��ا قي��اديين بلش��فيين، ض��د ح�ل الجمعي��ة التأسيس��ية، في ك�انون

، في اجتماع للجنة التنفيذية المركزية للسوفييتات.1918الثاني/يناير - خالل توقيع صلح بريست-ليتوفس��ك، اص��در "الش��يوعيون اليس��اريون" المتحلق��ون ح��ول بوخ��ارين،

صحيفة يومية للدفاع عن موقفهم األقلي عالنية. - إن االتجاه المسمى "مركزيا ديمقراطيا" بقيادة "الشيوعي اليس��اري" أوسينس��كي داف��ع في مجل��ة

عن مشروع للتسيير العمالي للصناعة مختلف تماما عن مش��روع غالبي��ة1918كومونيست منذ عام اللجنة المركزية، وقد بدأ يضعه في الممارسة، وإن بصورة تتسم بالحياء.

،1920- عمدت المعارضة العمالية بقيادة شليابنيكوف ومياسنيكوف وكولنتاي، والتي تأسس��ت ع��ام على الدفاع عالنية عن مواقفها األقلية.

أيضا، اقترح القيادي في التشيكا إ.فاردين )ميغالدزه( بوجه معارض��ة لي��نين، إض��فاء1921- في عام الشرعية على كل األحزاب والتجمعات المعارضة التي تقبل بمنظومة الحكم الس��وفييتية. ك��ان ينبغي ال��ترخيص لهم بتق��ديم ل��وائح مرش��حين منفص��لة إلى انتخاب��ات الس��وفييتات، وبحي��ازة ص��حافة ح��رة

(.18تتناسب مع أحجامهم ) وترمز على هذا الجو الحر رواي��ة رواه��ا ايل��يين-زينيفس��كي، مف��وض الش��عب الملح��ق بال��دفاع. ففي

، انعق���د أول ك���ونفراس للجن���ود والبح���ارة في الجيش األحم���ر. ول���دى افتت���اح1918آذار/م���ارس 38

الكونفراس، قدم اقتراح بانتخاب رئاسة ش��رف مؤلف��ة من لي��نين وتروتس��كي وزينوف��ييف. ف��اعترض الفوضويون. وقد تم تبني االقتراح، لكن فقط بغالبية ضعيفة، إذ إن ع��ددا مهم��ا من البالش��فة ص��وتوا

مع الفوضويين. وضد معارضة قادة الوفد البلشفي، وايليين-زانوفسكي، ممثال الحكومة، فرض��ا كتل��ة من الفوض��ويين والبالشفة اليساريين أن يتمتع الكونفرانس بسلطات تشريع وقرار، وفرضت الكتلة نفسها أيضا زيادة

(.19مهمة في رواتب الجنود والبحارة كانت الحكومة أعلنت إنها غير قادرة على تنفيذها ) ويمكن االعتراض بأن لينين وقف بعنف –عنف لفظي بش��كل أساس��ي ال يفض��ي إلى أي ت��دبير قمعي

إداري- ضد تلك التخليات عن االنضباط. هذا صحيح، لكن ذلك يبقى خارج األشياء الجوهرية. ألن ما تثبته هذه األحداث، هو أن الحزب المنبث��ق من تصورات لينين التنظيمية، كان من جهته غير وحيد االتجاه، وأن الكثيرين من القادة والكوادر فيه، أكانوا عماال أو مثقفين، احتفظوا باستقالل فكري كبير، وبروح نقدية مفرطة الحدة، وأن ممارسة هذا الحزب اليومية كانت تعكس هذا االستقالل النقدي أكثر بكثير مما أي تربية مونوليتية )وحيدة االتجاه(

أو مفرطة في المركزية. ينبغي أن الحظ فضال عن ذلك إن الهام لينين لم يكن مختلفا بشكل أساس��ي. ففي الم��ؤتمر العاش��ر

، خالل حظ��ر التكتالت، ع��ارض اق��تراع حظ��ر االتجاه��ات أيض��ا. أك��د1921للح��زب، في آذار/م��ارس بوضوح أنه حين يكون الحزب منقسما على مشكالت مهمة، يستحيل منع انتخ��اب قي��ادة على قاع��دة

برامج اتجاهات متمايزة. وهو بالذات، ومرارا، حين بات في وض��ع األقلي��ة داخ��ل القي��ادة، ق��رر تجاوزه��ا وس��عى لتنظيم اتج��اه

أقلي، ال بل دافع عالنية عن مواقف أقلية.ال يمكن إخفاء هذه الوقائع من دون تشويه تاريخ روسيا السوفييتات في أيام لينين.

توتر داخل اللينينية صحيح أن في كتابات لينين وممارسته مالمح مختلفة أيضا، أبوية، وسلطوية، واستبدالية. ففي الواقع، إن مجمل نظرية لي��نين وممارس��ته التنظيمي��تين يب��دو تحت س��يطرة حرك��ة رق��اص أوض��حها وأعطى صورة عنه��ا ك��ل من مارس�يل ليبم��ان، وب��ول ل�وبالن، والبحث الممت��از لس��تيفن ك��وهن، ال�ذي س�بق

(.20االستشهاد به ) يمكن، في تقريب أول، أن نلخص على الشكل التالي نظرية حركة الرقاص هذه: في أطوار الص��عود الث��وري، واالن��دفاع الص��اخب لحرك��ة الجم��اهير، تتغلب الن��برات الديمقراطي��ة، ال ب��ل الفوض��وية، في كتابات لينين وممارسته. وفي أطوار االنحسار الث��وري، انحط��اط نش��اط الجم��اهير، تتغلب موض��وعة

المركزية وحلول الحزب محل الطبقة. إن تفسير هذه االزدواجية بالماكيافلية في غير محله وغير صحيح. إنه ينطل��ق من مس��لمة ذات ط��ابع

(.21علمنفسي ال يمكن البرهان على صحتها إطالقا ) يمكن إذا اقتض��ى األم��ر اس��تبدال ه��ذه المس��لمة بمعادله��ا السوس��يولوجي. إن لي��نين ال��ديمقراطيين. أم��ا لي��نين المف��رط في المركزي��ة والفوضوي قد يتصرف تحت ضغط الجمهور والطليع��ة العم��الي

واالستبادالي فيبحث عن حل براغماتي في وضع ال تفعل فيه الجماهير عمليا. لكن هذا التفسير السوسيولوجي ال يعطي هو اآلخر لينين حقه. هو ال يعطي صورة عن مجم��ل ت��اريخ

. وهو ال يسمح بوجه خاص بفهم العنف شبه اليائس الذي اتسم ب��ه رد فع��ل1923-1918روسيا في ، بمواجه��ة التبق��رط المتزاي��د للدول��ة والح��زب1921، إذا لم يكن من��ذ نهاي��ة 1922لينين ب��دءا بع��ام

)تبقرط وعاه آنذاك(. وهو ال يفسر "معركة لينين األخيرة" تلك ضد البيروقراطية الجرموزي��ة )*(. والعنف مواجهته النهائية مع ستالين، وال النبرات المشجية حقا التي لجأ إليها في تلك المناسبة:

"أنا مذنب جدا، على ما أظن، أمام عمال روسيا ألني لم أتدخل بما يكفي من الق��وة والقس��وة...." )22)

إن أي تفسير "سوسيولوجي" ال يمكن أيضا إال أن يتجاهل واقعة تاريخية، تص��عب م��ع ذل��ك المجادل��ةق��اص" كم��ا ص��اغها ليبم��ان. فيها، عارض بها بول لوبالن بصورة سليمة الرواية الميكانيكية جدا ل���"الر

، وفي النضال ضد االتجاه "التصفوي"، أعاد لينين، على حد1911، و1908في سنوات الردة، ما بين

39

داخ��ل1912بعيد، جمع وتكوين الكوادر البلشفية التي سمحت لحزب��ه ب��أن يح��رز الهيمن��ة من��ذ ع��ام الحركة العمالية الروسية.

االستقالل الفكري إن المثال الروسي يوض�ح قاع�دة تاريخي�ة أعم: في الف�ترات غ�ير الثوري�ة بالض�بط تول�د المق�دمات المنطقية البرنامجية، السياسية أو التنظيمي��ة ل���"اخ��تراق" الح��زب الث��وري خالل الص��عودات الالحق��ة

للنضاالت. إن األطروحة القائلة بأن الحزب الذي تصوره لينين كان حزبا يس��يطر في��ه بش��كل أساس��ي مثقف��ون

(. ي�دافع عن ه�ذا23برجوازيون، ال عمال، إذا لم يكن مؤلف�ا من ه�ؤالء، ال تمتل�ك أي أس�اس فعلي ) الرأي، على سبيل المثال، ألفرد ميير، ال�ذي يؤك��د أيض�ا أن المركزي��ة الديمقراطي��ة ك��انت منظوم�ة:

(.24"اشتغلت جيدا طالما كان الحزب بقيادة زعيم قوي، يحكم بيد من حديد" ) إن هذا التأكي��د الث��اني ال يتناس��ب م��ع الوق��ائع أك��ثر مم��ا يفع��ل األول. وللبره��ان على العكس، يكفي

االستشهاد ب� بيريل وليامز، المعادي جدا مع ذلك للبالشفة ولينين: "لقد تزايد عدد أعضاء الحزب بالتناغم مع صعود شعبية البالشفة. عبر هذه السيرورة، تح��ول الح��زب إلى حد أنه لم يعد يمكن التعرف إليه. ففي أوكتوبر، كان قد أص��بح حزب��ا جماهيري��ا، بعي��دا عن تجم��ع

، أو عن الفكرة التي تكون عنه غالبا. يصعب إحص��اء أرق��ام األعض��اء، لكن1903النخبة المثقفة لعام ( إلى حدج تخطي ربع المليون. وفي أوكتوبر، كان1917يبدو أنها تضاعفت عشر مرات، خالل العام )

الشغيلة يمثل��ون غ��البيتهم الك��برى ]...[ ومن جدي��د، خالف��ا لالعتق��اد الش��عبي، لم يكون��وا منظمين أو موحدين بشكل وثيق، مع أنهم كانوا يتمتعون على األرجح بانس��جام أك��بر، وبال ريب بقي��ادة أق��وى من قيادة خصومهم. لكن كانت هناك فروق كبيرة في المس��اعي بين اللجن��ة المركزي��ة، "والنخب ال��دنيا" المحلية في لجان المقاطعات والسوفييتات، و"النخب ما تحت الدنيا" في المنشآت. كان المناض��لون

(.25القاعديون، والمتعاطفون معهم، يميلون للعمل باستقالل ملحوظ" ) هذا الوصف الشريف يعطي صورة عن االشتغال الفعلي للحزب البلشفي أص��ح بكث��ير من الخراف��ات المتنوعة حول "المركزي��ة الديمقراطي��ة" في ظ��ل لي��نين. إن��ه يس��مح ب��أن نفهم لم��اذا اض��طر لي��نين

، في بداي��ة ث��ورة1906-1905لالصطدام بقسوة ب�"رجال اللجان" هؤالء أربع مرات على األقل: في . في الم��رار الثالث األولى، انتهى1922-1921، عش��ية أوكت��وبر، انطالق��ا من 1917ش��باط/ف��براير

الصدام سريعا لمصلحته، بفضل الدعم الذي حصل عليه من طليع��ة عمالي��ة واس��عة، بم��ا في��ه خ��ارج الحزب. أما في المرة الرابعة، فقد غاب ذلك الدعم، مع النتائج المأساوية المعروفة التي ترتبت على

ذلك.نحو تصور منسجم

لم يقدم لينين يوما تصورا إجماليا، متماسكا كليا عن الحزب ومبادئه التنظيمية. لكن يبدو، على ض��وء المعطيات التاريخية، أن��ه ك��ان يتق�دم خط��وة فخط��وة في ه��ذا االتج��اه. إن الوح��دة الديالكتيكي��ة بين النشاط الذاتي للطبقة ودور حزب الطليعة، التي هي عنصر في سيرورة التوضيح ه��ذه، ك��انت تتأك��د

(.1921-1919 )يقول البعض 1921-1920تدريجيا، إال في "السنوات السوداء". يؤكد مؤلف كليوبولد هايمسون أن المثقفين والماركسيين الروس لم يتمكن��وا يوم��ا من ح��ل مش��كلة التناقض بين العفوية والوعي، بين عمل الجماهير وعمل الطليعة الملهم والمنظم. م��ع ذل��ك، ق��دمت ثورة أوكتوبر هذا الجواب، الذي تبرزه الصيغة المصورة والكالسيكية التي قدمها تروتسكي في كتاب��ه

تاريخ الثورة الروسية: "من دون منظمة قائدة، ق��د تتب��دد طاق��ة الجم��اهير مثلم��ا البخ��ار ال��ذي ال تحتوي��ه أس��طوانة م��زودة

(.26بكباس. بيد أن الحركة ال تأتي من األسطوانة وال من الكباس، بل من البخار")ق خالل ف��ترة مح��دودة، أنتج ع��واقب: نموذج��ا من يبقى أن المث��ال التنظيمي ل��� م��ا العم��ل؟ وإن طب المسؤولين، "رجال اللجان"، غير القادرين كيرا على التكيف مع حرك��ة جماهيري��ة ص��اخبة. إن رفيق��ة

لينين، كروبسكايا، تكتب في هذا الصدد أن: "رجال اللجان" كانوا عموما أشخاصا واثقين كفاية من أنفس��هم. ك��ان يمكنهم أن ي��روا الت�أثير الكب��ير ال��ذي يمارس��ه عم��ل اللج��ان على الجم��اهير، وعموم��ا لم يكون��وا يع��ترفون بديمقراطي��ة داخلي��ة في الحزب. إنهم قد يتحججون بأن الديمقراطية الداخلية في الح��زب ال تق��دم إال مش��اكل م��ع الش��رطة. "نحن مرتبطون بالحرك��ة الفعلي��ة". في أعم��اق ذاتهم، ك��انوا ي��زدرون ب��األحرى مناض��لي الح��زب في

40

الخارج ]أي في المنفى[ الذين، في رأيهم، لم يكونوا يجدون شيئا أفضل من التخاصم في م��ا بينهم – "ينبغي إجبارهم على العمل ضمن شروط روس��ية". ك��ان رج��ال اللج��ان، ينتق��دون الت��أثير المس��يطر لمركز الخارج ]أي لينين[. في الوقت نفسه، ك��انوا يرفض��ون أي تجدي��د. لم تكن ل��ديهم ال الرغب��ة وال

(.27القدرة على التكيف مع شروط تتغير بسرعة" ) إال تبعا لك��ل ه��ذه1923 و1918على كل حال، ال يمكن فهم التاريخ الفعلي لروسيا السوفييتات بين

العناصر المتناقضة، ال لخطيئة أصلية ما عند لينين. إن من يريد االهتمام بتحديد أصول الستالينية يجب أن يبحث عنها بادئ ذي بدء في القوى االجتماعي��ة والعالقات في بينها، وهو أمر يتناسب مع مبادئ المادية التاريخية أك��ثر من ع��دم االهتم��ام إال بمي��دان األفكار. لكن بخصوص المصادر الفكرية، ال تشكل تصورات ستالين التنظيمية امتدادا لتصورات لينين:

إنها تمثل على العكس نفيها الفظ واإلرهابي.إعادة إرساء الديمقراطية السوفييتية

، وك�انت بل�دا مس�تنزفا،1920كيف كان باإلمكان التصدي بفعالية لسيرورة التبقرط في روسيا ع�ام أصابته المجاعة، وكانت منظومة النقليات فيه مفككة بالكامل، م��ع طبق��ة عامل��ة انخفض ع��ددها إلى

، أو يكاد. طبقة عامل��ة في الطري��ق إلى1917أقل من النصف، إذا لم يكن إلى ثلث ما كان في عام التسريح السريع، ال بسبب نهاية الحرب األهلية، بل الضرورة المطلق��ة للحص��ول فردي��ا على الم��ؤن. في شروط مادية واجتماعي��ة كه��ذه، ك��انت اإلع�ادة الفوري��ة للديمقراطي��ة الس��وفييتية، ال ب��ل القي��ام

بخطوات حاسمة نحو التسيير العمالي، طوبى فاقعة. كان على قيادة الحزب والدول��ة أن تعطي األولوي��ة إلع��ادة إطالق اإلنت��اج ال��زراعي قب��ل ك��ل ش��يء،

ولرفع إنتاجية العمل، وإعادة التوظيف واالستخدام. كان خطأ لينين وتروتسكي أنهما نظرا للشروط االستثنائية المؤقت��ة وعمماه��ا. من��ذ بداي��ة ال��نيب في

، كان قد جرى إيقاف التن��اقض الع��ددي للطبق��ة العامل��ة وانح��داراها الطبقي. ك��ان ق��د1921-1922جرى عكس االتجاه.

ع ال��ترميم في تل��ك الف��ترة بال��ذات، ك��ان يمكن توس��يعا ت��دريجيا للديمقراط��ة الس��وفييتية أن يس��رس��ها البطيء مج��ددا. لكن إذ ح��د الق��ادة االجتم��اعي-السياس��ي للطبق��ة العامل��ة، بم��ا يس��هل تسي السوفييتيون في تلك الفترة بالضبط وبصورة صارمة ما كان باقي��ا على ص�عيد الديمقراطي�ة، ف��اقموا

س لدى البروليتاريا والحزب ) (.28على العكس من خطر الالتسي يستحيل الحكم إلى أي حد كان يمكن "مسارا جديدا" فعليا" أن يتوج بالنجاح. لكن النت��ائج المأس��اوية

واضحة جدا بحيث يمكن الوص��ول إلى االس��تنتاج الت��الي:1921للسياسية التي جرى إتباعها في عام .1922 لم يعد كذلك انطالقا من عام 1920ما كان طوباويا عام

إحاالتBolchevism(ان س��تيفين ف.ك��وهن 1) and Stalinism :في: روب��رت س. ت��وكر( Stalinism-

essays in historical interpretation ،يستشهد بعدد كبير من الم��ؤلفين ال��ذين1977 نورتن ) يعبرون عن هذا الحكم. والمصادر كيرة جدا بحيث يصعب نقلها هنا. فلنشر فقط، على سبيل المث��ال، إلى المؤلفين ميرل فاينسود، هنا ارندت، روبرت دانييلز، ميكاي��ل ك��اربوفيتش، اوالم، ب��ارنغتون م��ور، ارثر ب.ميندل، زبيغنييو برجنسكي، روبرت ه���.ماكنيل، الكسندر سولجنستين. واستشهاد واحد ك��اف إلعطاء فكرة توليفية عن حكمهم. وهو مأخوذ من م��يرل فاينس��ود، "من الج��نين التوتاليت��اري س��تولد

التوليتارية الناجزة"..1968 اوكسفورد يونيفرسيتي برس، Encounters With Lenin(ن-فالنتينوف، 2).1924 هامبرغ، Lenins Literarischs Erbe( ل.ب. كامنييف، 3)227المرجع ذاته، ص 4)(المرجع نفسه.5) ( فضال عن ذل��ك، لق�د ج�رى عملي��ا نس��يان أن المناش�فة، وليس لي��نين، هم ال�ذين خلق�وا مفه��وم6)

المركزية الديمقراطية..489( لينين، ما العمل؟ المؤلفات الكاملة، الجزء الخامس، ص 7)-1905. في 103-102، ص 13 عام��ا"، المؤلف��ات، الج��زء 12(لي��نين، مقدم��ة لمجموع��ة "في 8)

، شهدت روسيا موج��ة مهم��ة ج��دا من النض��االت الثوري��ة. ك��انت تل��ك التجرب��ة، بالنس��بة لك��ل1907 المنظمات، تجربة عظمى، بالحجم الطبيعي، امتحانا –رائزا لصحة برامجه��ا ولنوعي��ة بناه��ا. إن تط��ور

41

تلك المنظمات الالحق- وتطور النظام القيصري –انطبع بعمق بتلك السنوات األساس��ية. انظ��ر بوج��ه The roots of otherness: Russia’s Turn of century, Revolution asخاص- ت شانين،

Moment of truth, Volume 2,Russia 1905-1907. . "المائة السود"31-11(لينين، "مهماتنا وسوفييت النواب العمال"، المؤلفات، الجزء العاشر، ص 9)

هي التسمية المعط��اة لجمعي��ة الش��عب الروس�ي، إح��دى المنظم��ات الرئيس��ية ألقص��ى اليمين ال�تي لمهاجمة القوى الثورية. كانت هذه المنظمات تري��د أيض��ا الرج��وع1907-1905تأسست خالل ثورة

عن تدابير اإلصالح الدستورية ال�تي اتخ��ذها النظ��ام تحت ض��غط األح��داث في تش��رين األول/أوكت��وبر1905.

(لي��نين، خط��اب إلى ح��زب من��دوبي الم��ؤتمر التوحي��دي، أعض��اء التكت��ل "البلش��في" الق��ديم،10).327المؤلفات، الجزء العاشر، ص

.467-466، ص 10(لينين، "حرية النقد ووحدة العمل"، المؤلفات، الجزء 11).531، ص 10(لينين، "على العمال أن يقرروا"، المؤلفات، ج 12).1966(لوي فيشر، لينين، باريس: بورجوا 13) ( بمناسبة "محاكمات موس��كو" بالض��بط. في الثالثين��ات، استص��در س��تالين األحك��ام على غالبي��ة14)

الكوادر الثورية في الحزب الشيوعي وتولى تصفيتهم بهدف توطيد حكم البيروقراطية..462( المرجع ذاته، ص 15) (يسهب هايمسون، من جهته، بخصوص بنوة لينين المزعومة حي��ال الش��عبوي/اإلره��ابي تاش��يف.16)

لكنه ال يقول كلمة عن مواقف فيكتور ادلر وكارل كاوتسكي حول ضرورة إدخ��ال ال��وعي االش��تراكي من الخارج، أي بواسطة مثقفين، إلى الطبقة العاملة. يمكن البرهان م��ع ذل��ك، ب��دعم من النص��وص، على أن تلك هي البنوة الحقيقية للمقطع المشهور الذي جرى انتقاده كثيرا، الوارد في كراس لي��نين،

) )انظر ل.هايمسون العمل؟ The Russian Marxists and the origins of Bolchevismما .16، ص 1966بوسطن،

(هذا الحدث غير المعروف غالبا يستحق التفصيل: "حين صادق المؤتمر الثاني للس��وفييتات على17) أوكتوبر، كان ثمة تفكير عام، حتى بين البالشفة، بأن الحكومة25استيالء البالشفة على السلطة في

الجديدة ستضم ممثلين من كل األحزاب السوفيتية. وقد ح��از اق��تراح م��ارتوف، ال��ذي طلب أن يض��ع المؤتمر فورا على جدول األعمال هذه النقطة –إرساء نظام من هذا النوع-، حاز دعم لوناتشارسكي، وتبناه المندوبون باإلجماع )...( وكانت القيادة البلشفية الوسيطة تؤيد هذا االقتراح بق��وة. لق��د ج��رى صد لينين في ب��تروغراد، وك�انت منظم�ة مدين��ة موس�كو، بقي�ادة ريك�وف ون��وجين، ت�دعم زينوف�ييف وكامنييف عالنية. كان مكتب موسكو المناطقي، المميز بتلوينه اليساري، قد قرر القب��ول ب��ائتالف إذا

تش��رين الث��اني/نوفم��بر، ب��دأت النقط��ة المتعلق�ة2احتفظ البالش��فة بأغلبي��ة المقاع�د الوزاري��ة. في باالئتالف تصبح ملحة حين تبنت اللجنة التنفيذية المركزية )للسوفييتات( قرارا ينص على انه يجب أن يحصل البالشفة على نصف المقاعد على األقل. ولقد ص��وت ك��ل اليمين البلش��في ض��د ش��رط الح��د األدنى ه��ذا –ك��امينييف، زينوف��ييف،... –فض��ال عن نص��ف مجلس مفوض��ي الش��عب تقريب��ا )ريك��وف، لوناتشارسكي، نوجين، ميلبوتين، تيودوروفيتش( وآخرين من بينهم لوزوفسكي والمنشفيان السابقان ريزانوف ويورينيف )...(. في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، انفجرت األزمة. كانت اللجنة التنفيذية المركزي��ة تن��اقش ت��دابير للحكوم��ة به��دف كم أف��واه الص��حافة غ��ير االش��تراكية، وق��د انض��م ممثل��و المعارضة البلشفية الخائفون من خطر قيام نظام ديكتاتوري، إلى أولئك ال��ذين ك��انوا ي��دينون القي��ود التي فرضت على الصحف التي لم تكن ت��دعو للعص��يان عملي��ا. ق��دم الرين )...( مش��روع ق��رار به��ذا

، مع عدد من االمتناعات ]...[ وقد غادر األعضاء الخمسة22 صوتا ضد 31المعنى، وقد رفض بأكثرية المنتق��دون للي��نين داخ��ل اللجن��ة المركزي��ة الجلس��ة ]...[ وأعلن��وا ]...[ فلتعش حكوم��ة األح��زاب السوفييتية ]...[ انضم شليابنيكوف، مفوض الشغل، إلى هذه المجموع��ة في تص��ريح ورد في��ه: "نحن ندافع عن الموقف القائ��ل ان��ه ض��روري تش��كيل حكوم��ة اش��تراكية من ك��ل األح��زاب الموج��ودة في

Theالس��وفييتات ]...[. النص م��أخوذ من ر.دان��ييوف "" Conscience of the Revolution .66-64، ص 1969نيويورك،

.206(االستشهاد وارد في س.فاربر، مرجع مذكور، 18)The(أ.ف. ايلين زينيفس��كي، 19) Bolcheviks in Power, Reminiscences of the year

.51-48، ص 1948، لندن 1918 ، هيومانيتز برس،Lenin and th Revolutionary party(م.ليبمان، مرجع مذكور، ب.لوبالن، 20)

، س.كوهن، مرجع مذكور.1990 (.في رأي ل.هايمسون، كان لينين مقتنعا، أك��ثر من م��اركس و"الماركس��يين األروذكس��يين" ب��أن21)

األهواء تلعب دورا مركزيا في الخيارات الفردية واالجتماعية. لكنه كان يحذر بعمق ه��ذه األه��واء، بم��ا42

فيه��ا أه��واؤه ه��و. من هن��ا تص��لبه اإلي��ديولوجي. إن بعض االحباط��ات الشخص��ية، الس��يما في عالقت��ه (. لكن هايمس�ون187-186،� 139ببليخانوف، فعلت فعلها فيه به�ذا الخص�وص )مرج�ع م�ذكور، ص

ذاته يعترف بأنه في نهاية المؤتمر الثاني لحزب العمال االشتراكي الديمقراطي الروسي، تبنى لي��نين موقفا تصالحيا حيال المناشفة، السيما مارتوف. كان مستعدا للتراجع عن اقتراحه تعديل تركيب لجنة

(.183-182تحرير اإليسكرا، وتصلب مارتوف ال تصلبه هو تسبب باالنشقاق )المرجع ذاته، ص )*(الجرموزية هي المجهزة بجراميز )جمع جرموز(، أو مجسات، وهي زوائد مفصلية قابل��ة االنمغ��اط

واالنكماش توجد عند بعض الحيوانات تمكنها من القبض على فريتها أو التماس طريقها )م(. ح��ول "مس��ألة1922 ك��انون األول-ديس��مبر 30(إنه��ا الجمل��ة األولى من مذكرت��ه المؤرخ��ة في 22)

، ص36القوميات أو الحكم الذاتي" حي ينتق�د بعن�ف سياس�ية س�تالين في ه�ذا المج�ال )المؤلف�ات .1978 باريس، le dernier combat de Lénine(. حول تلك الفترة، انظر م.ليفين، 618

The(ح��ول ت��ركيب الح��زب البلش��في ذي الغالبي��ة العمالي��ة الس��احقة، انظ��ر، 23) Worker’s Revolution in Russsia- Th View from Below.مرجع مذكور

.126 و60(أورد هذا االستشهاد ب.لوبالن، مرجع مذكور، ص 24).29-28(ب. وليامز، مرجع مذكور، ص 25).35، ص 1950 باريس، Histoire de la Revolution Russe(ل.تروتسكي 26).125-124، ص 197 نيويورك، Reminiscences of Lenin(ن.ك.كروبسكايا، 27) ، بالضبط، حظر الم��ؤتمر العاش��ر للح��زب التكتالت، وح��د من1921(فلنذكر بأنه في آذار/مارس 28)

، الذي تمثل بموج��ة1924الديمقراطية داخل الحزب. فضال عن ذلك، إن "فوج لينين" المشهور لعام تطوي��ع أدخلت إلى الح��زب مئ��ات األل��وف من العم��ال غ��ير الحاص��لين على تربي��ة سياس��ية وغ��ير

المتمرسين بتجربة النضال، ساهم بشكل متناقض في نزع تسيس الحزب والبروليتاريا.

43

الفصل السابع: الرهان االستراتيجي تثير ثورة أوكتوبر السؤال االستراتيجي األساسي الذي يواجه أي حركة عمالية اش��تراكية: كي��ف يجب أن يتصرف في وضع ثوري حزب ينتسب إلى الطبقة العالمة واالشتراكية )أو الشيوعية(؟ ويحيل ه��ذا السؤال إلى سؤال آخر، أوسع وأش�مل، ه��و ذل�ك المتعل�ق باإلس�تراتيجية االش�تراكية )أو الش�يوعية(

(.1على المدى البعيد، وهو سؤال لن يتطرق إليه هنا ) ال تقع الثورات من السماء، ال يمكنها أن تفصل آليا عن الفترات التي تس��بقها، وال��تي نض��جت خالله��ا شيئا فشيئا الشروط التي تفجرها. كذلك األمر، فإن ما تكونه وما تفعله عندئذ األحزاب ال��تي تنتس��ب إلى الطبقة العاملة، ينتجان في جانب أساسي منهما من تركيب تلك األح��زاب ونش��اطها في مراح��ل ما قبل ثورية أو غير ثورية )مع أنه ال يمكن إنكار أن الثورة بحد ذاتها يمكن أن تعدل بش��كل ملم��وس

بعض تلك التحديدات(.ط، لكن بص��ورة مفي��دة، الفلس��فتين اإلس��تراتيجيتين المتعارض��تين يمكن أن نلخص، على نح��و مبس��

بصورة أساسية خالل ثورة ما بالصيغة التالية: غما الحتمية أو اإلرادوية.حتمية وإرادوية

تقوم المقاربة الحتمية على فك��رة أن "الش��روط الموض��وعية" و"م��وازين الق��وى" تح��دد عملي��ا ك��ل شيء، وان مجرى األح��داث مس��تقل إلى ح��د بعي��د عن ق��رارات األح��زاب وقادته��ا، وأن ه��ؤالء تكمن بشكل أساسي في رسم الحدود بين ما هو "ممكن موضوعيا" وما تبقى )الذي يك��ون نزع��ة مغ��امرة

وأوهاما(.مذاك ينبغي امتالك شجاعة القول للجماهير إن سلسلة من تطلعاتها غير قابلة للتحقيق.

. وق��د ك��ان كفالؤهم الرئيس��يون في الخ��ارج هم1917كان المناشفة يجسدون هذا التوجه خالل عام الماركس�يون النمس�اويون ال�ذين دخ�ل زعيمهم ومنظ�رهم أوت�و ب�اور في الت�اريخ على أن�ه النم�وذج

األصلي بالذات للماركسي المؤمن بالحتمية. على العكس، تقوم المقاربة اإلرادوية لإلستراتيجية في الفترة الثورية على الفكرة القائلة بأنه، مهم��ا كان وزن العوامل الموضوعية )االقتصادية، واالجتماعية، والتراث التاريخي والثقافي( التي تحدد جزئيا مجرى األحداث، فليس هذا األخير محددا سلفا بالكام��ل. إن العم��ل الملم��وس للطبق��ات االجتماعي��ة )وكتلتها الرئيس�ية( ونش��اط األح��زاب وقادته�ا وت��وجههم ال�دقيق يمكن أيض��ا أن ي��نزل بثقل��ه بص�ورة

حاسمة على مجرى األحداث.جبرية ثابتية )*(

ليسس المقصود أن نعارض بمقاربة جبري��ة )مماثل��ة م��ع "الحتمي��ة"( فلس��فة ال أدري��ة )**( أو غائي��ة(. إنن��ا نتكلم هن��ا على إرادوي��ة تح��ترم الض��غوط التاريخي��ة-2للتاريخ )قد تتم مماثلتها ب�"اإلرادوي��ة"( )

المادية الكبرى. جعلت من الخط��أLinéaire وخطي��ة Mécansiteالمقصود ه��و تحاش�ي الس��قوط في جبري��ة أولي��ة

(. إدراك3فضيلة، عبر استبدالها بجبرية أغ��نى، تق��وم على ديالكتي��ك للعوام��ل الموض��وعية والذاتي��ة )Déterminismeلل�"ممكنات"، التي عبرن�ا عنه�ا بمفه��وم "الجبري��ة الثابتي�ة Paramétriqueفهم ،

للتاريخ يسمح بأن نأخذ في الحسبان ما يكون "كامنا"، "المضر". ك��ان م��اركس ق��د اس��تخدم تص��وراكهذا في الجزء األول من رأس المال.

ليس مجرى األحداث محددا سلفا بالكامل، كما ليس عديم التحديد بالكامل. فالنهاية الممكنة للث��ورةتتأرجح ضمن حدود معينة سلفا. الرجوع إلى نظ�ام ش�به إقط��اعي، وال ازده��ار رأس�مالية قائم��ة1917لم يكن ممكنا في روسيا عام

على الديمقراطية البرلمانية، وال البناء الناجز لمجتمع اشتراكي ال طبقي. لكن في هذا اإلطار المحدد سلفا، كان يمكن عمل الجماهير واألحزاب وقادتها أن يفضي إلى عدة احتماالت: انتصار ثورة مض��ادة برجوازية مفرطة في الرجعية )ما كان يمكن أن تكون إال دموية، قمعية، بما في ذل��ك ت��دمير الحرك��ة العمالية وكل نشاط مستقل للجماهير العمالية والفالحية(، انتصار الثورة بفضل اس��تيالء الس��وفييتات

44

على السلطة، بم��ا ي��تيح بداي��ة بن��اء مجتم��ع جدي��د )ع��بر دمج دعم الث��ورة العالمي��ة أو اس��تقباله علىاألقل(.

لقد كانت المقاربة الحتمية، في جزء كبير منها، ن��اتج "ماركس��ية" األممي��ة الثاني��ة، المس��تلهمة أفك��ار (. ك��ان تس��تتبع4كاوتسكي. وهي تصور مطبوع بقوة بجبرية أوالية واقعة تحت تأثير نص�ف داروي��ني )

أن االشتراكيين، حتى ولو واجههم انفجار ثوري، لم يكونوا بق��ادرين، في الواق��ع، إال على أن يخض��عوالسير األحداث العنيد.

كانت المقاربة اإلرادوية تستتبع، على العكس، أن االشتراكيين واعون إمكانية التأثير بص��ورة حاس��مة في النهاية التاريخية، بواس�طة عملهم الخ�اص بهم. لكن تع�ود للبالش�فة م�يزة الس�عي للقي�ام ب��ذلك الرئيسية. وكان ذلك هو الدرس الرئيسي الذي استخلصته روزا لوكسمبورغ من أحداث أوكتوبر، وه��و

درس دفع بها إلى تلطيف انتقاداتها للينين وتروتسكي ودعم الثورة الروسية بحماس: "ما يمكن حزبا أن يقدم��ه، في اللحظ��ة التاريخي��ة، من ش��جاعة، وق��وة عم��ل، ورؤي��ة خاطف��ة ثوري��ة ومنطق، قدمه لينين وتروتسكي ورفاقهما بسخاء. كل الش�رف الث�وري والق�درة على العم�ل الل�ذين افتقدتهما الديمقراطية االشتراكية في الغرب تمتع بهما البالشفة. لم تنقذ ثورة أوكتوبر بالفعل الثورة

الروسية وحسب، بل أنقذت أيضا شرف االشتراكية العالمية".وأيضا:

"إن المهم هو أن نميز في سياسة البالشفة ما هو أساسي مما هو ثانوي، الج��وهر من الع��رض. ففي هذه الفترة األخيرة التي بتنا فيها عشية المعارك الحاسمة في الع��الم بأس��ره، ك��انت المش��كلة األهم بالنسبة لالشتراكية وال تزال القضية الراهنة الحارقة التالية: ليس هذا التفص��يل التك��تيكي أو ذاك ب��ل قدرة البروليتاريا على العمل، قوة العمل لدى الجم��اهير، إرادة امتالك الس��لطة في االش��تراكية على وج��ه العم��وم. وعلى ه��ذا الص��عيد ك��ان أمث��ال لي��نين وتروتس��كي، م��ع أص��دقائهم، أول من س��بقوا البروليتاريا العالمية بمثالهم، هم إلى اآلن الوحي��دون ال��ذين في وس��عهم أن يهتف��وا م��ع أول��ريخ ف��ون

هوتن)***( "لقد تجرأت"". "هذا هو الجوهري وما يبقى من سياسة البالشفة. به��ذا المع��نى، يبقى لهم الفض��ل الص��امد أب��دا في التاريخ المتمثل في كونهم قادوا البروليتاريا العالمية عن طريق انتزاع الس��لطة السياس��ية وط��رحهم في الممارسة مشكلة تحقيق االشتراكية، ناهيكم عن كونهم دفعوا بقوة إلى األم��ام تص��فية الحس��اب بين رأس المال والعمل في العالم. وفي روسيا، لم يكن باإلمكان أك��ثر من ط��رح المش��كلة، لم يكن

(.5ممكنا حلها. وبهذا المعنى، فإن المستقبل هو لل�"بلشفية" في كل مكان")هل كان ينبغي االستيالء على السلطة؟

طبعا، ال ينبغي أن نضخم المعارضة بين هذين الخيارين، الحتمية أو اإلرادوي��ة، ح��تى إذا بقي��ا مختلفينبشكل أساسي. إن تبسيطا كبيرا جدا للمشكلة يمكن أن يعكر الماء ويجعل االختيار أشد صعوبة.

ثمة بهذا المعنى إمكاني��ة إس��رافات مغ��امرة، انقالبي��ة، "بالنكي��ة"، في المس��ار "اإلرادوي": مح��اوالت(.6استيالء على السلطة من قبل أقليات ال تتمتع بدعم غالبية ذوي األجر )

لكن وجود انحرافات كهذه وما تمثله من خطر ال يمكن أن يقوم عذرا للتنصل من الخيار االستراتيجيالفعلي الذي كان ينطرح عشية أوكتوبر في روسيا.

كان البالشفة يتمتعون بوضوح بدعم غالبية البروليتاريا. كان الشعب يريد بشكل صريح تغي��يرا ج��ذريا، ثوريا. كان يلزم ضمن هذه الشروط الدقيقة انتزاع السلطة، نعم أم ال؟ إن الماركسيين الث��وريين في

وفي السنوات الالحقة، بأن الجواب هو1917أيامنا هذه ال يزالون مقتنعين، مثل نظرائهم في عامك نعم بال أدنى ريب.

الجبرية، الخيارات السياسية، التجربة في فترة قريبة، أدى التفحص النقدي لتكتيك البالشفة، في السنوات ال��تي تلت انتص��ار أوكت��وبر، إلى مواجهة تتعلق بطبيعة الجبرية التاريخية بين جون ريس وصاموئيل فارير. فاألول يتهم الثاني ب��التخلي عن كل جبيرة مادية، ألنه يقدم مروحة من البدائل، يحلل خيارات أخرى كان يمكن أن تك��ون ممكن��ة،

.1923 و1918بما يخص السياسية االشتراكية الثورية في روسيا ما بين "ال تط��رح الماركس��ية أن اإلرادة السياس��ة أو االي��دولوجيا يمكن أن تلعب، في ك��ل الظ��روف، دورا أساسيا. إن الدرجة التالية التي يمكن للشغيلة وفقا له��ا أن "يص��نعوا ت��اريخهم الخ��اص" تتوق��ف على

45

( ك�انت1917وزن العوامل الموضوعية ال�تي تض�غط بثقله�ا عليهم ]...[. وفي روس�يا )بع�د أوكت�وبر حدود عملهم الصمود في وجه حصار، في ظ��ل إكراه��ات أك��ثر ف��أكثر وثوق��ا. إن ك��ل ذرة من اإلرادة والوعي السياسي كان يجب أن تستخدم للدفاع عن الدولة العمالية وتحاشي إطاحتها. ك��ان "العام��ل ال��ذاتي" يقتص��ر حين��ذاك على االختي��ار بين االستس��الم لل��بيض أو ال��دفاع عن الث��ورة بك��ل الوس��ائل

(.7المتوفرة لديهم") لكن هذه الطريقة في طرح المشكلة تعاني من ضعفين أساسيين. فأوال، هي ال تجيب عن االع��تراض األساسي، المتمثل في أن الديمقراطية السوفييتية قد خنقت بشكل نهائي في لحظة حظر األح��زاب السوفييتة، بعد الحرب األهلي��ة، وليس حين ك��ان الخي��ار إم��ا االستس��الم أم��ام ال��بيض، أو ال�دفاع عن الثورة بكل الوسائل. لقد جرى خنقه��ا إذا بع��د النص��ر، في حين لم يع��د أي جيش أبيض موج��ودا على

أرض روسيا السوفييتات. كانت التدابير المتخذة آنذاك تستلهم الفكرة القائلة إنه لما كان قد تحقق النصر في الح��رب األهلي��ة، فسوف تتناقض تعبئة البروليتاريا الثورية. وكان زوال التعبئة هذا يخاطر بأن يهدد، في رأي البالش��فة، السلطة الس��وفييتية، أك��ثر مم��ا ك��انت ق��د فعلت الجي��وش البيض��اء.إن ج��ون ريس ال يش��ير إلى ه��ذا

التفسير. وهو ال يكشف إذا طابعه غير المنطقي والخاطئ. ثم ي��ذوب ريس مش��كالت ملموس��ة في ص��يغة مج��ردة وعام��ة. لم تكن المس��ألة هي معرف��ة م��ا إذا ينبغي، عموما، استخدام "كل الوسائل" للدفاع عن سلطة السوفييتات، ومنع إحراز البيض نص��را م��ا. إن السؤال المطروح هو معرفة ما إذا كان هذا التدبير الملم��وس أو ذاك يس��هل المواص��لة الظ��افرة

للحرب األهلية، أو يجعلها أصعب.-1919هل كانت تلك هي حال تأسيس التشيكا؟ ه��ل ك��انت حال�ة اإلبق��اء على مص�ادرات القمح في

وزيادة حدتها، وعموما حالة تجاوزات "شيوعية الحرب"؟ هل كانت تل��ك ح��ال حظ��ر األح��زاب1920السوفييتية؟

والحال أن السلطة السوفيتيتة، وقادة الحزب البلشفي، كانوا يمتلكون هنا الخيار بالتأكي�د: أن يتخ��ذواتلك التدابير أو ال يتخذوها. هل كانوا على حق؟ هل أخطأوا؟

إن ريس يحاكم كما لو أن السؤال ال ينطرح قط. ومما يثير الفضول انه ال يورد الحجة الرئيسية ال��تي يمكن أن تفسر، على األقل، إلى حد بعيد، سلوك البالش��فة في ه��ذا الص��دد، إذا لم تكن ت��برره كلي��ا.

تلك الحجة التي صاغتها روزا لوكسمبورغ في كراستها حول الثورة الروسية. كانت الثورة االشتراكية، عالوة على البدء ببناء مجتمع الطبقات فيه، يشكالن تجرب��ة جدي��دة كلي��ا. لم يكن يوجد في هذا الحقل أي كتاب وجيز يتضمن قواعد موضوعة سلفا يكفي الرجوع إليها. لقد كانت الثورة الروسية مختبرا تاريخيا هائال، مثيرا ومأساويا في الوقت عينه. ال يمكن التقدم إال عبر التجربة،

إال بتلمس الطريق. إن الممارسة وحدها يمكن أن تبرهن إذا كان هذا التدبير الملموس أو ذاك س��ليما أو خاطئ��ا. ونحن ال نتكلم هنا على االتجاه العام. ك��ل مقارب��ة دوغمائي��ة تنطل��ق من ترس��يمات موض��وعة س��لفا هي غ��يرمنتجة )كما الحال مع كل توجه دوغمائي صرف(. كالهما يتهربان من الخيارات اإلستراتيجية الكبرى.

إن أشياء كثيرة تكون واضحة بعد فوات األوان، لكنه��ا لم تكن ك��ذلك إطالق��ا في لحظ��ة حص��ولها. لم يكن في وسعها أن تكون كذلك. وكما كان يقول نابليون بونابرت: "ننخرط، ثم نرى". لقد أحب لي��نين

ترداد هذه الكلمات التي وردت على لسان معلم في التكتيك.األخطاء والديمقراطية االشتراكية

ألن األمور على هذه الحال، بالضبط، تحتاج الثورة احتياجا حيوي��ا للديمقراطي��ة الس��وفييتية التعددي��ة، لتعدد األحزاب، لحياة سياسية نشطة، للحق العلمي في النقد وتدخل الجماهير. ألنه إذا كانت الثورة، وبدء بناء مجتمع الطبقي، هما مختبر هائل، فاألخطاء محتومة: يكون حيويا آنئذ امتالك أواليات ال ت��تيح تحاشي األخطاء –فذاك مستحيل- بل إصالحها بأسرع م��ا يمكن، ثم تحاش��ي تكراره��ا في المس��تقبل. لقد كان لينين يذكر هو ذات��ه أن الطريق�ة ال�تي يتص�رف به��ا ح��زب حي�ال أخطائ�ه الخاص�ة ب��ه تح�دد

مستقبله. وضمن هذا السياق بالضبط تكتسب الديمقراطية السوفييتية كل قيمتها.الديمقراطية والمساواة االجتماعية

في رأينا أن صاموئيل فاربر على حق بمواجهة جون ريس بما يخص الطريقة العام��ة للمقارب��ة. لكن، مجددا، هو ليس على حق إال بصورة عامة ومجردة وليس في عدد كبير من األحكام الملموس��ة ال��تي

46

يصوغها. إن��ه يس��تخدم، في الواق��ع، بص��ورة مب��الغ به��ا ج��دا، مق��اييس ش��كلية ص��رفة للديمقراطي��ة،مقاييس تتكشف، في الممارسة، أقل ديمقراطية بكثير مما يمكن االعتقاد للوهلة األولى.

يلح فاربر بشدة على أهمية "دول�ة الق�انون": ض��رورة الق��انون المكت��وب، المب��دأ القائ��ل ب��أن متهم��ا(.8يفترض بريئا طالما لم يتم البرهان على كونه مذنبا، الخ )

1979لقد أدخلت حركتنا معظم هذه المبادئ في األطروحات التي تبنتها، خالل مؤتمريه��ا في ع��امي ، تحت عنوان الديمقراطي��ة االش��تراكية وديكتاتوري��ة البروليتاري��ا. لم ننتظ��ر إذا اله��زات ال��تي1985و

(.9حصلت في أوروبا الشرقية، أو نشر كتاب فاربر إلثباتها والدفاع عنها ) لكن فاربر ال يعالج سلس��لة من المش��كالت األخ��رى ال��تي، وإن لم تكن ش��كلية فهي حقيقي��ة للغاي��ة، مشكالت تخاطر بإعاقة ض�مان حق��وق الرج��ل والم��رأة، بال اس��تثناء، طالم��ا بقيت ظ�اهرات بض��اعية ونقدية )أي خالل كل فترة االنتقال(: قابلية فس��اد القض��اة، ض��رورة الح��د من ع��دد المح��امين ال��ذين يمكن فردا أن يلجأ إليهم، وإال فإن من يملكون ماال أكثر تكون ل�ديهم إمكان��ات دف��اع أك�بر مم��ا ل�دى اآلخرين، مجانية الوصول إلى الدفاع، ض��رورة رقاب��ة عام��ة دقيق��ة، وبالت��الي إلغ��اء المب��دأ القائ��ل إن "القضية المحكوم بها" ال يمكن أن يعاد النظر فيها، تعديالت جوهري��ة في أص��ول المحاكم��ات تجعله��ا أكثر شفافية بالنسبة لجمهور المواطنين والمواطن��ات، تعميم مب��دأ إمكاني��ة ع��زل القض��اة )إذا إلغ��اء

المبدأ القائل بأنهم غير قابلين للعزل( وتوسيع مبدأ محاكم المحلفين إلى الحدود القصوى. ليس واضحا تماما لماذا قد تقوض تغييرات حقوقية عميقة كهذه حقوق األفراد، أو "دولة القانون"، أو تحد منه��ا. إنه��ا، في الواق��ع، ش��روط ض��رورية إذا أردن��ا أن يتمكن الجمي��ع، ال أقلي��ات ذات امتي��ازات وحسب )بما فيها بيروقراطيون ومثقفون( من التمتع بالكامل بحقوقهم الشكلية! كما لو بصورة ف��إن

االنتقادات الصارمة ل�"العدالة الثورية" ترفضها دوغمائيا، كما لو بصورة مبدئية. إن الالمساواة االجتماعية أمام القضاء فضيحة مشهورة تماما في "دول الق��انون" الخاص��ة بن��ا. وثم��ة ثالثة أحداث قريبة زمنيا تؤكد ذلك، إذا اقتضى األمر، بصورة مذهلة باألحرى. لقد ج��رت تبرئ��ة األم��ير فيكتور-عمانوئيل، المطالب بعرش ايطاليا، من تهمة قتل شاب ألماني بعد محاكمة دامت أح��د عش��ر

)!( عاما. أكان حظي مواطن ذو دخل متوسط باإلمكانية نفسها إلطالة المحاكمة بهذا المقدار؟ عاما )!(، ربح التروتست هيتاش��ي دع��وى ض��د أح��د مس��تخدميه،24وفي اليابان، بعد محاكمة دامت

ح بعد رفضه أن يشتغل ساعات أضافية. وقد صرح بهذا الخصوص محام هو األستاذ كواهيتو، الذي سرأسس مكتب مساعدة لذوي األجر:

"إن هذا القانون، كالكثير من القوانين األخرى، غامض بصورة متعمدة. والقرار الذي اتخذ الي��وم غ��ير سليم ألن الشغيلة في اليابان لن يتمكنوا، بع��د اآلن، من رفض الس��اعات اإلض��افية، وألن الكاروش��ي

من ذوي الياقات البيض��اء4)الموت من اإلرهاق خالل العمل( سوف يزداد" ]...[. إن واحدا من أصل يخشى اآلن الوفاة من اإلرهاق في العمل، وفقا إلحصاء تم أخيرا في طوكيو على يد شركة صيدالنية،

هي النيبون كاياكو ]...[" "واضح أن المحكمة العلي��ا ح�ابت رأس الم��ال الكب��ير وأنه��ا تفك��ر ب��أن الق�وة االقتص��ادية تق�وم على

(.10الساعات اإلضافية. لقد أعطت األولوية لالقتصاد على الحياة البشرية" ) أما عائلة كن��دي ف��أنفقت في أق��ل من س��تة أش��هر ملي��ون دوالر لل��دفاع عن عض��و في العائل��ة متهم

(. هل يمكن أن يفعل الشيء نفسه إنسان عادي؟11باالغتصاب ) ال شك أن الواليات المتحدة وايطاليا واليابان هي دول رأسمالية وليست مجتمعات ما بعد رأس��مالية. لكن ذلك ال يغير شيئا في واقع أن هذه الحاالت الثالث تبين التباس مفهوم "دولة القانون". إنه��ا تثبت أن استقالل السلطة القضائية يمكن أن يدخل في نزاع مكشوف مع تكافؤ الفرص، حيث تكون هن��اك ال مساواة في الثروات، والمداخيل والوض�ع االجتم��اعي، وهي ظ�اهرات س�تبقى قائم��ة خالل مرحل�ة

االنتقال التي يحيل إليها فارير.حكومة تحالف

إن لمشكلة اختيارات العمل الممكنة، بالطبع، حجما أكبر بكثير من حجم االختيارات الممكنة للتكتي��ك البلشفي، وهي أضيق بكثير بال ريب. وهي تنطرح قبل ك�ل ش��يء على أولئ��ك ال�ذين يقول�ون بش�كل

إلى اليوم، ومن بليخانوف إلى إيريك هوبسباوم: ما كان ينبغي استالم السلطة، لقد1917حازم، من كانت ثورة أوكتوبر "قبل أوانها".

47

ماذا كان ينبغي فعله بالتالي؟ انتظار تتمة األحداث مكت��وفي األي��دي؟ ت��رك الث��ورة المض��ادة تنتص��ر؟ تسليم البلد لعسكر غليوم الثاني؟ إن اإلصالحيين الروس والعالمين ال يقدمون شيئا متماسكا، ما عدا

أوهاما غير معقولة بخصوص ديمقراطية برجوازية مستحيلة. لقد دافع الوسطيون من نموذج مارتوف وأوتو باور/هيلفردنغ بصورة مترددة وخجول، عن ح��ل ب��ديل.ما سماه مارتوف "حكومة ديمقراطية ثورية موحدة": تحالف كل األحزاب المنتسبة إلى االشتراكية.

كان جناح من البالشفة بكامله ينادي أيضا بمشروع كهذا )كما رأينا في الفصل السابق(. كان مع ذل��ك مشروعا غير قابل للتحقيق بشكل أساسي، وذلك ليس تبعا "لعصبوية" مفترض��ة ل��دى البالش��فة، ب��ل

ألسباب أعمق بكثير. ففي الواقع، لم ي��رد االش�تراكيون-الثوري��ون اليمي��نيون والمناش�فة اليمي��نيون إطالق��ا، أن يتخل��وا عن سياسة "الدفاع الوطني"، أي عن مواصلة الحرب، وهو األمر الذي كانت ل�ه مس��تتبعات حتمي��ة. وق�د كتب بهذا الخصوص المنش��في من يس��ار الوس��ط، دان، وك��ان ه��و أيض��ا نص��يرا )أك��ثر ف��أكثر ت��رددا(

ل�"الدفاع الوطني الثوري": "إن مواصلة الدفاع عن البلد، بانتظار توقيع صلح ديمق��راطي، ك��ان يتطلب إبق��اء جيش يض��م ماليين األشخاص قيد االس�تعداد، وفع�ل ك�ل ش�يء لتحاش�ي تفكك�ه. ك�ان ينبغي، وبالت��الي، تأجي�ل اإلص�الح الزراعي إلى ما بعد اجتم��اع الجمعي��ة التأسيس��ية. إن مص�ادرة ثوري��ة ألمالك المالكين الكب��ار وتوزي��ع األراضي كانا تسببا بفرار ماليين الجن��ود الفالحين ال��ذين ال يكون��ون بق��وا في الجبه��ة في ذل��ك الحين

("]...[12.) بتعابير أخ��رى، لم تكن غالبي��ة المناش��فة، عالوة على االش��تراكيين-الث��وريين اليمن��يين، على اس��تعداد للقبول بالصلح الفوري، وبالتوزيع المباش��ر للملكي��ات الك��برى، وبالرقاب��ة العمالي��ة على اإلنت��اج. لق��د وافق وزير العمل المنشفي سكوبيليف على إعادة سلطة الفبارك والمدراء في المنشآت، وكان ذلك

شرطا لجمعية أرباب العمل. فعلى أي برنامج كان ينبغي إرساء ائتالف حكومي؟ لقد وضع "التوفيقيون"، فضال عن ذلك، كشرط لتشكيل حكومة من هذا النوع، حكومة "جبهة عمالي��ة متحدة"، طرد لينين وتروتسكي من هذه الحكوم�ة. وب�الطبع، ك�ان ذل�ك ش�رطا ال يمكن أن يقب�ل ب�ه

البالشفة، الذين كانوا حاصلين، أيا يكن، على األغلبية المطلقة للتفويضات إلى مؤتمر السوفييتات! ك�ان يمكن، عن��د الل�زوم، إرس�اء حكوم�ة تح��الف بين البالش�فة، واالش�تراكيين-الث�وريين اليس�اريين، والمناشفة اليساريين )األمميين المتحلقين حول مارتوف(. والبالشفة لم يكونوا يعارضون ه��ذا الح��ل. علما أنه تحقق جزيئا، ألن حكومة ائتالف بين البالشفة واالشتراكيين-الثوريين اليساريين تشكلت حقا.

لكن مجموعة مارتوف هي التي رفضت، منذ اللحظة األولى، االنخراط في هذه الطريق.االمتناع عن العمل؟ المثال األلماني

يمكن الخروج باالستنتاج القائل إنه كان من األفضل عدم االنخراط في طريق ثورية ما كان يمكن أن تفضي إال إلى الفشل. وهذا الموقف ليس إال في الظاهر موقفا على غرار ذلك الذي اتخ��ذه بيالطس

البنطي )****(. في الواقع، حين يرفض الناس الفعل ي��ؤثرون في األح��داث بالق��در نفس��ه ال��ذي ي��ؤثرون ب��ه فيه��ا إذ يفعلون، ألنهم يختارون الوضع القائم ويتركون الطريق مفتوحة أمام الخصم الطبقي ال��ذي يمكن��ه أن يتخذ المبادرة كما يحلو له. إن السكوالستيكيين على حق حين يقولون إن هناك خطاي��ا امتن��اع، عالوة

على الخطايا التي يتم ارتكابها. ويمكن إبراز هذه المسألة األساسية للخيار االستراتيجي بالصورة األكثر وض��وحا عن طري��ق المقابل��ة

، وس��لوك1918بين س��لوك االش��تراكية-الديمقراطي��ة األلماني��ة، الح��ائزة على األغلبي��ة خالل ث��ورة USPD )ك��ان يمين الح��زب االش��تراكي-ال��ديمقراطي المس��تقل، 1917البالشفة ع��ام ، يتخ��ذ موقف��ا

وسيطا شبيها بموقف مارتوف في روسيا(. ،SPDفلندع جانبا مشكلة التركيب االجتماعي لقي��ادة الح��زب االش��تراكي-ال��ديمقراطي األلم��اني، ال���

والمصالح المادية الممثلة. ولندع حتى جانبا مس��ألة التحف��يز الفعلي ألعض��اء ه��ذا التي��ار األك��ثري. إن(.13كشف الحساب التاريخي الكارثي للنزعة اإلصالحية واضح تماما )

لق��د رفض الح��زب االش��تراكي-ال��ديمقراطي اس��تالم الس��لطة. رفض أن يتخي��ل إمكاني��ة تق��دم نح��و االشتراكية، مهما يكن معتدال. رفض أن يطهر بصورة جدية جهاز الدولة الم��وروث من اإلمبراطوري��ة،

48

السيما فروعه العسكرية والقضائية والدبلوماسية. انتقل بنسبة مئة بالمئة إلى جانب النظ��ام الق��ائم،الذي كان مستعدا، في األكثر، إلصالحه بحياء.

تجس��دت ه��ذه السياس��ة بش��كل ملم��وس بط��رق كث��يرة. عق��د اتف��اق التف��اهم )التع��اون الطبقي( الممأسس بين البيروقراطية النقابية وأرباب العمل، تشكيل حكومة ائتالفي��ة م��ع البرجوازي��ة، تص��فية المجالس العمالية ليس فقط ك��أجهزة س��لطة سياس��ية ب��ل ح��تى ك��أجهزة رقاب��ة عمالي��ة وازدواجي��ة سلطة داخل المنشآت، وبوجه خاص، االتفاق السري مع هيئة األرك��ان اإلمبراطوري��ة، بحف��ز مش��ترك

من إيبرت زعيم االشتراكية-الديمقراطية، والجنرال غرونز: "لم يكن أن نناقش اليوم موضع التحالف المعقود في أيام تشرين الثاني/نوفمبر تلك بين المستش��ار إيبرت وقادة الجيش، حتى إذا لم يكن يمكن األخذ قطعا برواي�ة االتف�اق اله�اتفي بين غرون��ر وإي��برت

تشرين الثاني/نوفمبر. فمنذ العاشر من نوفمبر، أبرق الماريشال هندنبورغ إلى الق��ادة10-9في ليل العسكريين بأن هيئة األركان قررت التعاون مع المستش�ار "لتحاش�ي امت��داد البلش��فية اإلرهابي�ة إلى

ألمانيا".(.14"]كتب[ الجنرال غرونر بعد سنوات: "لقد تحالفنا ضد البلشفية" )

لكن ما كان إيبرت ونوسكه وغرونر يسمونه "البلشفية" كان، في ألمانيا، حرك��ة ش��عبية واس��عة ج��دا تعترض على المجتمع البرجوازي، بغض النظر عن وجود حركات مغامرة وأقلوية من أقص��ى اليس��ار.

، أو1919يشهد على ذلك اإلضراب العام دفاعا عن المجالس العمالية في شباط/فبراير-آذار/م��ارس ، التعبئة الجماهيرية الهائلة ضد محاولة انقالب كاب-فون لوتفيتز.1920في آذار/مارس-نيسان/أبريل

اإلصالحية والثورة المضادة في الفترة الثورية، تكون النتيجة الطبيعية شبه المحتومة لرفض اس��تالم الس��لطة تورط��ا في الث��ورة المضادة. لم يعد الخيار عندئذ بين الفعل واالمتناع عن الفعل، بل بين العمل الثوري والعم��ل المض��اد للثورة. يتوصل اإلصالحيون إلى قمع الحركة العفوية آو شبه العفوية أو المنظم��ة للجم��اهير الكادح��ة،

(.15مواجهينها بادئ ذي بدء بالمناورات واألكاذيب، ثم بالعمل العنيف ) إن دور غوستاف نوسكه، الوزير االشتراكي-الديمقراطي، شهير بهذا الخصوص بشكل مفجع. فهو لم

يتردد في أن يكتب: "لم يقدم أحد أدنى اعتراض حين عبرت عن رأيي بأنه يجب إعادة النظام بقوة الس��الح. اص��در وزي��ر الحرب، الكولونيل رينهاردت، أمرا يعين بموجبه الجنرال هوفمان قائدا أعلى ]...[ وقد ق��دم اع��تراض مفاده أن الجنرال سيكون غير شعبي إطالقا مع العمال ]...[ وشددت على ضرورة اتخاذ ق��رار. ق��ال أحدهم: "أال يمكنك أن تتولى األمر بنسفك؟ فأجبت باختصار وبح��زم: "ليس ل��دي اع��تراض. ينبغي أن

("16يلعب أحدهم دور كلب دومي، ولست خائفا من االضطالع بهذه المسؤولية" ) نوسكه ذاته لم يتردد أيضا في األمر بأن يلص��ق على ج��دران ب��رلين، بع��د م��رور ع��دة أش��هر، اإلن��ذار

التالي: "تجبرني فظاظة ووحشية )هكذا( السبارتاكيين الذين يقاتلوننا على إعطاء األمر الت��الي: ك��ل ش��خص

(.17يضبط حامال سالحا في الصراع ضد الحكومة يطلق عليه الرصاص في الحال" ) لقد تم تبرير هذه المجازر باسم العداء لل�"بلشفية". ويمكن أن نالحظ ليس من دون تهكم وس��خرية، أن هؤالء األشخاص أنفسهم يغتاظون من اإلرهاب األحم��ر الموج��ه ض��د ال��ذين "يض��بطون وس��الحهم بأيديهم في الص�راع ض�د الحكوم�ة" )م��ع ذل�ك، فتروتس�كي لم يفك�ر يوم�ا بإع�دام أعض�اء الجي�وش

البيضاء، ولم يمارس ذلك(. لكن الواقعة األساسية ليست هنا. هاكم قادة أحزاب تنتسب إلى االشتراكية يزعمون ألنفسهم الح��ق بمنع جماهير واسعة من تنظيم إضرابات أو تش�كيل م�واكب ح�تى منزوع�ة الس�الح، باس�م أولوي��ات،و"مبادئ، وأحكام سياسية ال يشاركهم فيها إطالقا الناس أجمعين، وال تصدر أيضا عن عصمة بابوي��ة )

18.) لق��د اع��ترض المناش��فة، ح��تى اليس��اريون منهم، بأقص��ى ط��اقتهم، على مب��ادرات الرقاب��ة العمالي��ة الصادرة مباشرة عن المنشآت في روسيا. ال بل أعطوا أنفسهم حق قم�ع ه�ؤالء الش�غيلة حين ك�انوا يرفضون االنصياع ألحكامهم. هذه الغطرس�ة األبوي��ة والمدعي�ة تص�در عن التوج�ه االس�تبدالي نفس�ه الذي يحكم السلوك الستاليني. إن هذه المقارنة بين تصرفات إصالحية وتصرفات الستالينيين تستحق

اإلبراز.49

*** فلنكرر القول: كل ذلك يتناقض تماما مع مذهب ماركس وتوجهه، المتم�وحرين ح�ول مفه��وم التح��رر

الذاتي للطبقة العاملة. لقد حدس ماركس وإنجلز بهذه النزعة االستبدالية ومس��تتبعاتها، حين دان��ا، في رس��التهما المش��هورة

، موق��ف البي��ان اإلص��الحي ل���"الثالث��ة من زوريخ" )هوش��برغ1879المؤرخ��ة في أيل��ول/س��بتمبر وبرنشتاين وشرام( بعبارات ساخرة جدا.

"إذا أردنا أن نكسب لقضيت�]نا[ )كما يأم��ل الثالث��ة من زوريخ( الش��رائح العلي��ا من المجتم��ع، يجب أال نخيفه��ا، أي��ا يكن الثمن. يعتق��د الثالث��ة من زوريخ أنهم ق��اموا باكتش��اف مطمئن: "]يجب[ أن يظه��ر الحزب أنه ليس مستعدا للدخول في طريق الثورة الدامية والعنيفة، لكنه عازم... على سلوك طريق الشرعية، أي اإلصالحات". ]إن الخالصة المنطقية لهذه الحج��ة هي إذا ان��ه[، إذا أظه��رت ب��رلين ذات

آذار/م��ارس ]أي بانفج��ار ث��وري[، س��وف18يوم مجددا أنها مرباة تربية من السوء بحيث ال تقوم ب يكون على االشتراكيين-ال��ديمقراطيين، ب��دال من المش��اركة في النض��ال بوص��فهم" رعاع��ا يتحرق��ون لتسلق المتاريس" ]تعابير اس��تخدمها "الزوريخي��ون"[، أن "يس��لكوا على العكس طري��ق الش��رعية"، ويه��دموا المت��اريس، وإذا دعت الحاج��ة أن يس��يروا برك��اب الق��وات المجي��دة ض��د الجم��اهير الص��ادة

(.19والفظة واألمية )هاكم سلوك اإلصالحيين إيبرت-نوسكه المتوقع والمدان قبل أربعين عاما من الوقائع!

كان التبرير الرئيسي الذي قدمه االشتراكيون-الديمقراطيون األلم��ان، بخص��وص سياس��ية المعارض��ة التي انتهجوها الستالم السلطة االشتراكية خالل أزمة ثورية، انه يجب الدفاع عن الديمقراطية، ال ب��ل الدفاع عنها أيا يكن الثمن، بما في ذلك ضد ماليين العمال –ال يهم هنا إذا كان ه��ؤالء يش��كلون أغلبي��ة

]ضئيلة[ أو أقلية كبيرة ضمن البروليتاريا والجسم االنتخابي. (. لكن إذ ينخرط��ون في20ألجل ذلك، عليهم البدء بتجاهل أو إنكار واقع وجود تهديد مض��اد للث��ورة )

طريق القمع، إذ يستخدمون لهذه الغاية جهاز الدولة القديم للطبقات المالكة، يفتحون هكذا س�يرورةدين هكذا الطريق التي قادت إلى السلطة الدموية للدكتاتورية النازية. توطيد لل�"نخب"، معب

بالضبط، تم إع�داد ك�ل1923-1920، و1919-1918لقد ولدت جمهورية فايمار الرايخ الثالث. وفي شيء، في قمع الثورة والجماهير األلمانية –في وقت لم يلعب في�ه اإلص�الحيون دورا س�لبيا وحس�ب،

(.21بل انخرطوا بنشاط في معسكر الثورة المضادة ) ( البشرية خمسين مليون قتيل.1945-1939لقد كلفت الديكتاتورية النازية والحرب العالمية الثانية )

هاكم ما كان البديل الملموس لثورة أوكتوبر. هاكم في الواق��ع الت��برير الت��اريخي األك��ثر إذه��اال له��ذهالثورة

إحاالت(نأمل أن نخصص له الحقا واحدا من دفاتر أمستردام.1)

، وهي كمي�ة مح��ددة تتوق��فParamètre تأتي من كلم��ة ثابت��ة أو Paramétrique)*( صفة الثابتية عليها دالة من المتغيرات المستقلة )المعرب(.

)**(فلسفة ينكر القائلون بها قيمة العقل وقدرته على المعرفة )المعرب(. (تعت��بر الالأدري��ة ان��ه ال يمكن معرف��ة الواق��ع م��ا وراء المظ��اهر )أي أنه��ا م��ذهب يعلن م��ا ال يمكن2)

معرفته في غير متناول اإلنسان( أو يعت��بر أي ميتافيزق��ا غ��ير نافع��ة. إن غائي��ة هي مجموع��ة ت��أمالت العالم، أو اإلنسان أو، هاهنا، التاريخ. تتجه إذا لتفس�ير مج��رى الت��اريخFinalitéتتناول مسألة قصدية

انطالقا من "قصدية" مفترضة. (إن تعبير "األوالية" يشير إلى تيار في الفكر المادي يبالغ جدا في اخ��تزال التف��اعالت، الس��يما بين3)

العوامل االجتماعية المتنوعة، عبر تحديد سالسل صلبة ألسباب موص�لة إلى نت��ائج. وه��و يهم��ل بوج��ه خاص البعد التاريخي في تحليل المجتمعات. وتجد األوالية أصلها في علوم الطبيعة في القرن الث��امن عشر التي كثيرا ما كانت تستخدم المقارنات مع اآلالت، وبوجه خاص مع ميكانيزم صناعة الس��اعات. فوفقا لتصور أوالي للمادية التاريخية، يحدد تطور قوى اإلنتاج وتناقض��ات عالق��ات اإلنت��اج االقتص��ادية تعاقبا وحيدا، محتوم��ا، للمجتمع��ات )المجتمع��ات المش��اعية البدائي��ة، العبودي��ة القديم��ة، اإلقطاعي��ة، الرأسمالية، االشتراكية(. إن التصور الديالكتيتكي )األكثر أصالة( للمادي��ة التاريخي��ة ي��دمج التحدي��دات واإلكراهات االجتماعية-االقتصادية. لكنه يأخذ أيضا بالحسبان وزن العوامل األخ��رى الخ��اص به��ا )مثال:الدول، الثقافات، اإليديولوجيات(. وهو يشدد بوجه خاص على ال�دور الفاع�ل للص��راعات االجتماعي�ة-

50

السياسية، لصراعات الطبقات. وهو ما يسمح له بفهم أم مجرى التاريخ إنما يحدده التفاعل بين ه��ذهالعوامل المختلفة، وليس المنطق الحديدي بوجه الحصر للتناقضات االقتصادية.

(شارل داروين عالم طبيعة وعالم أحياء انكليزي من القرن التاس��ع عش��ر مع��روف بأعمال��ه ح��ول4) تطور األنواع الحية عن طريق االنتقاء الطبيعي. ونظرياته، أو الداروينية، غنية جدا لكن جرى تفسيرها

أحيانا بصورة تبسيطية للغاية )مع الداروينية الجديدة( وأسيء تطبيقها في مجال العلوم اإلنسانية. ( مشهور بهجماته الحادة، في بداي��ة اإلص��الح الي��دين، ض��د1523-1488)***(فارس وأنسي ألماني )األمراء واألساقفة )المعرب(.

.71-70 وص 39(روزا لوكسمبورغ، الثورة الروسية، مرجع مذكور، ص 5) الس��بارتاكية في ألماني��ا، ومحاول��ة1919(تدخل في هذه الفئة كل من انتفاضة كانون الثاني/يناير 6)

أخذ السلطة في فيينا، بالنمسا، بقي��ادة بتله��ايم، بع��د ذل��ك بقلي��ل، وبوج��ه خ��اص "عم��ل آذار/م��ارس "، في ألماني��ا مج��ددا، وانقالب الح��زب الش��يوعي البلغ��اري ض��د ستامبولينس��كي. لق��د أعطى1921

أوغست بالنكي، وكان ثوريا فرنسيا مهما ج��دا في الق��رن التاس��ع عش��ر، يس��تلهم الش��يوعية، أعطى اسمه لل�"بالنكية"، المنظور إليها على أنها إرادة االستيالء على السلطة عبر االستناد إلى أقلية فاعل��ة

وطرائق تآمرية.، مرجع مذكور.54، العدد International Socialism(ج.ريس، 7).162-159، ص 1990، بوليتي برس، Before Stalinism(س.فاربر 8) (جرى تقديم القرار، "الديمقراطية االشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا" بادئ ذي ب��دء، في الم��ؤتمر9)

. وق��د ج��رى تبني��ه، في الم��رة األولى، بتص��ويت1979العالمي الحادي عش��ر لألممي��ة الرابع��ة، ع��ام استهاللي، ثم أعيد نقاشه، واشتغاله، ثم تم تبنيه نهائيا في المؤتمر الع��المي الث��اني عش�ر في ك��انون

، أيل��ول/س��بتمبر17/18. أنظر بخصوص هذا النص، األممية الرابعة، العدد الخ��اص 1985الثاني/يناير 1985.

(10 )The Times، . "الياق�ة البيض�اء" مس�تخدم، مقاب�ل "الياق�ة1991 تشرين الثاني/نوفمبر 29 الزرقاء" الذي هو عامل منتج.

(11 )The Sunday Times Magazine، 1/12/1991..298(مرجع مذكور، ص 12)

)****(الحاكم الروماني في فلسطين الذي غسل يديه من دم المسيح، لكنه لم يحل دون ص��لبه علىأيدي رجال الدين اليهود )المعرب(.

. ولن1919-1918(نشر بيير برويه )مرجع مذكور( ببليوغرافيا واسعة ج��دا عن الث��ورة األلماني��ة 13)oنشير هنا إال إلى ذكري��ات ريتش��ارد م��ولر، قائ��د الث��وريين من تي��ار bleuteفي ب��ريلن، وم��ذكرات

نوسكه، وفيليب شايدمن، وسيفرينغ، والجنرال غرونر، وكتب بونوا-ميشين، وبيتر فون اورتزن، وب��ولفروليش، وبول ليفي، وفرانز بوركنو )أنظر العناوين في البيليوغرافيا(.

.173، ص 1917، باريس )Révolution en, Allemagne )1917-1923(بيير برويه 14) (بخصوص المناورات واألكاذيب بمواجهة السكان، أنكر إيبرت بوقاحة أن يكون يريد إدخال ق��وات15)

(حين واجهه الم��ؤتمر األول لمج��الس العم��الUSPDمن الجيش إلى برلين )وهو ما كان يتهمه به ال) والجنود. قال إنه ليس هناك غير مسألة إعادة القوات من الجبهة، وإن ه��ذه الق��وات س��تجتاز ب��رلين.

وفي الواقع، لقد أدخل إلى برلين قوات عشر فرق بقيادة الجنرال لوكي..1920، برلين Von Kiel bis Kapp(غوتاف نوسكه، 16). كان السبارتاكيون حركة ثورية ألمانية.273(استشهاد أورده برويه، مرجع مذكور، ص 17) (بالنسبة للقراء الذين تلقوا تربية كاثوليكية، من المف�ترض أن أحك��ام الباب��ا ال تخطئ، وه��ذا بلي��غ18)

الداللة على الطابع الديمقراطي للكنيسة الكاثوليكية المسيحية جدا. ،Correspondance(م��اركس وإنجلس، "إلى أ.بيب��ل، و.لينبنخت، وب��راك، وآخ��رين، الي��بزغ" 19)

.324-323، ص 1981باريس/موسكو، (إنها إحدى حجج لينين في مساجلته ض��د كاوتس��كي: "الث��ورة البروليتاري��ة والمرت��د كاوتس��كي"،20)

. نص كاوتسكي، "ديكتاتورية البروليتاريا" وارد مع نص لي��نين في إص��دار28المؤلفات الكاملة، الجزء . ال يشير كاوتسكي في هذا النص، في القسم ال��وارد عن روس��يا إلى أخط��ار1972، باريس، 10/18

الثورة المضادة إطالقا. (حول دور "النخب" األلمانية، التي تركتها االشتراكية-الديمقراطية في مكانها، في صعود النازي��ة،21)

Entsehungانظر بوج�ه خ��اص: ارث��ر روزن��برغ، und Gechichte Derweimarer Republik، .Hammer oder Ambossايفيلين اندرسن،

، بعد تن��ازل غلي��وم الث��اني عن1918 تشرين الثاني/نوفمبر 9أقيمت جمهورية فايمار في ألمانيا، في العرش بمشاركة من العديدين في االشتراكية-الديمقراطية.

51

أرسلت حكومة يشارك فيها االش��تراكيون-الي��دمقراطيون ق��وات في س��اكس إلقال��ة حكوم��ة يقوده��ا(.775-773اشتراكيون-ديمقراطيون يساريون وتتمتع بدعم شعبي واسع )مرجع مذكور، ص

ف أنه ع��اجز عن التص��دي لألزم��ة االقتص��ادية واالجتماعي��ة. بعد قمع هذا النظام الثورة األلمانية، تكش هتلر إلى السلطة، فأقام الديكتاتورية النازية على مراحل.1933دعا في عام

52

خاتمة لقد هاجمت الرجعية الروية والعالمية ثورة أوكتوبر بأقصى العن��ف، خالل الس��نوات ال��تي تلت النص��ر

البلشفي، مؤكدة أن هذا األخير لم تكن له غير آثار تدميرية صرفة.غنى ثقافي عظيم

Leكانت الصحف الفرنسية، ومن بينها Tempsبوجه خاص، تندد، في أعم��دة بكامله��ا، ب���"البربري��ة األسيوية" التي خنقت، يجب زعمه��ا، ك��ل حي��اة فني��ة وأدبي��ة، وعلمي��ة في روس��يا الس��وفييتات. وفي

، ألغت األكاديمية الفرنسية للعلوم تقري��را ك��ان وجه��ه إليه��ا الس��يد فيكت��ور ه��نري،1920تموز/يوليو ، أيض��ا، نش��رت1925المكلف بمهمة في روسيا، بخصوص النشاط العلمي في هذا البل��د. وفي ع��ام

The Timesالصحيفة اليومية اللندنية، مذكرة للقي��ادة البحري��ة البريطاني��ة تؤك��د فيه��ا أن الحكوم��ة (.1السوفييتية لم تقدم لروسيا غير الدم والبؤس والمجاعة )

ويلخص النبيل الريفي البروسي كارل فون بوتمر الحجة المركزية لحملة االغتياب هذه حين يكتب:"ال تظهر أي قوة بناءة".

"ال تظهر في أي من األمكنة قوى خالق��ة". إن الحكوم��ة "ال تس��تمر قائم��ة إال بوس��ائل إجرامي��ة، من(.2دون التمكن من تحقيق أي انجاز")

في الوقت نفسه الذي كتب فيه فون بوتمر هذه السطور، الحظ بيري��ل ولي�امز بص�ورة أك��ثر ش�هامةأن:

"الجميع بين اختيارات على الصعيد الفني ونقاشات فكرية مكثفة بخصوص المسائل الثقافية أدى إلى(.3والدة مرحلة من النشاط الفني المكثف واالحتالم الطوباوية في سنوات الثورة والحرب األهلية")

ثالث��ة أض��عاف م��ا ك��ان في1918ولقد أشار، على الصعيد العملي، إلى أنه بات هناك في نهاية ع��ام (.4روسيا من متاحف قبل الثورة )

في الواق��ع، لق��د أدهش العالم بأس��ره ازده��ار المس��رح والس��ينما في االتح��اد الس��وفييتي، والرس��م والملص��قات والنحت الطليعي، وتنظيم الم��دن والهندس��ة المعماري��ة، وعلم النفس، وطب األم��راض النفسية، وتحليل الظرف االقتصادي وعلم التاريخ، ناهيكم عن األدب. هذا االزدهار تج��اوز نظ��يره في "األعوام الذهبية" المشهورة أللمانيا فايمار، التي كانت قاعدة االنطالق فيها والثروة المادة أوسع بم��ا

ال يقاس.ازدهار التربية والتعليم

بذلت الثورة أيضا جهدا هائال لمحو األمية وتوس��يع التعليم. فموازن��ة التعليم الع��ام، ال��تي ك��انت بلغت 2.9 مليون��ا، ارتفعت إلى 940 وال��تي زادته��ا ث��ورة ش��باط/ف��براير إلى 1916 مليون روبل عام 195

. وارتف��ع ع��دد1919 على ي��د البالش��فة، ثم إلى عش��رة ملي��ارات في ع��ام 1918ملي��ار روب��ل ع��ام .1919 ع��ام 62238، إلى 1918 ع��ام 52274 إلى 1917 ع��ام 38387الم��دارس االبتدائي��ة من

والتعليم ما قبل المدرسي، الذي كان معدوما عمليا في ظل القيصرية، بات يشمل مئتي أل��ف طف��ل(.5 )1921 ألفا عام 561 و1921عام

إن البروفيسور نورمان ستون، الذي ال يخشى الظهور بمظهر مثير للسخرية، ال ي��تردد في التأكي��د أن ، على طريق تحديث ناجح لروسيا. ي��ورد في ه��ذا الص��دد "ازدهاره��ا1917القيصرية كانت، قبل عام

(.6العلمي والثقافي") والحال أن لم يكن في روسيا القيصرية، كحد أقصى، إال عدة آالف من رج��ال العلم. وك��انت الغالبي��ة الساحقة من السكان أمية. وبفضل العمل الذي بدأته ثورة أوكتوبر، كان هناك في بداي��ة الثمانيني��ات،

مليون م��واطن )ومواطن��ة( م��ع14.8 مليون حائز الشهادة الثانوية، 125أكثر من مليوني رجل علم، (.7% من ذوي األجر حائزون شهادات تعليم ثانوي )80شهادات ما بعد التعليم الثانوي. وأكثر من

أما بخصوص القفزة الصناعية إلى األمام، أيا يكن ثمنها، فكشف الحساب ليس أقل وضوحا.ثورة أنسية

هاكم مدى صحة ما يقال عن "غياب االنجازات" بخصوص ثورة أوكتوبر!53

لكن لنغادر المي��دان الم��ادي، لاللتف��ات إلى الحق��ل األخالقي وال��روحي، ال��ذي امتدح��ه كث��يرا خص��ومالثورة، لي من دون نفاق.

حتى فون بوتمر مضطر لالعتراف بأن الثورة، إذ حظرت أي بيع للكحول، جعلت السكر يختفي عملي��ا(.8من المدن الكبرى. لم ير أي سكير في موسكو أو بتروغراد )

حين نعرف كم ضرب وباء اإلدمان روسيا قبل أوكتوبر-وبعد إعادة احتكار الدول��ة ل��بيع الكح��ول، فقيظل ستالين- وحين نعرف أضراره في روسيا الحالية، ندرك بسهولة أهمية هذه المسألة.

بالمعنى نفس��ه، يش��عر الص��حفي ألف��ونس غول��د ش��ميدت ب��األمن المطل��ق في ب��تروغراد وموس��كو.الشوارع هادئة. وفي عز المجاعة، تمر شاحنات الطحين، وال يهاجمها أح��د. ال نهب لمخ��ازن الم��ؤن )

9.) وقد عبرت أنية الثورة عن نفسها أيضا في تعددية ثقافية أخالقية س��خية، وم��ؤثرة وش��به س��اذجة. إن

(10الكاتب األلماني ألفونس باكيه ناقد نمام للثورة ال يستطيع مع ذلك االمتناع عن التعاطف معه��ا. ) وهو يروي أنه في ال��ذكرى األولى للث��ورة، دونت على الج��دران البيض��اء لثكن��ة األكاديمي��ة العس��كرية القديمة الئحة طويلة بأسماء "المقاتلين ألجل الحري��ة". وك��انت الالئح��ة تض��م أس��ماء فيكت��ور هوغ��و، آميل زوال، إيبسن، آميل فرهارن، نكراسوف، سالتيكوف، ميكالوفسكي، بايرون، ش��وبان، كول��تزوف، قسطنطين، مونييه، موسورغكسي، بوشكين، رمسكي كورساكوف، س��كريابين، بيب��ل، الس��ال، ج��ان جوريس، بليخانوف، سبارتاكوس، غراكوس بابوف، غاريبالدي، روبسبيير، دانتون، ج��ان ج��اك روس��و،

(.11روبرت أوون، هرزن، باكونين، فولتير، بيستيل، وآخرين كثيرين أيضا ) ج��رى إص��دار مؤلف��ات لك��ل من بوش��كين، ول��يرمونتوف وغوغ��ول، وتولس��توي،1919-1918وفي

وتورغن��ييف، ودوستويفس��كييي، وغونتش��اروف، وغريغ��وريفش، وأوستروفس��كي، وريل��ييف، وزوال، وأناتول فرانس، وميريميه، ووالتر سكوت، ورومان روالن، وأوالر، ولوي بالن، وجان جوريس، وبيب��ل،

25وبليخانوف، وكاوتسكي، )واألخيران خصمان عنيدان لثورة أوكتوبر(، وذلك بإص��دارات ت��ترواح بين (.12ألف نسخة ومئة ألف )

في الوقت نفسه، حفزت الث��ورة مش��اركة جماهري��ة هائل�ة في الحي��اة الثقافي��ة. ففي أول أي��ار/م��ايو ، شارك عشرون ألف شخص في بتروغراد في المشهد المسمى "تحرير العمل"، ال��ذي ي��روي1920

المعركة التاريخية ألجل التحرر، من تمرد عبيد العصر القديم حتى الثورة الروسية. وقد ج��رى تص��وير(.13فيلم "المدرعة بوتمكين" لسرج إيزنشتاين بمشاركة آالف المواطنين والمواطنات في أوذيسا )

الروح الطبقية بين هذه الروح البروليتارية-الشعبية وطبيع��ة الث��ورة بال��ذات في المي��دان المؤسس��ي، ثم��ة تراب��ط ال

مجال لنكرانه. فلنستشهد مرة أخرى بألفونس باكيه، الذي اع��ترف أي��ا يكن، به��ذه ال��روح في م��ا تنط��وي علي��ه من

جوهري: "إن اإلسهام األول، الذي ال نظير له، للثورة الروسية هو أنه��ا خاض��ت، بجذري��ة تام��ة وبي��د من حدي��د، المعركة ضد أنانية الرأس��مالية، س��واء في ش��كلها الخ��اص أو ال��دوالني. إن م��يزة البلش��فية هي أنه��ا

أتاحت حصول ذلك )...(". "إن انهيار أوروبا يتم تحت أعيننا اآلن، لكن أساس إعادة بنائها بات قائم��ا. فلنح��اول أن نفهم بص��ورة

عميقة أفكار الثورة ولنستمد منها األمل في المستقبل".وهذه الخاتمة ذات الراهنية األخاذة:

"ذات يوم، على س�بيل المث�ال، س�يكون في وس�ع ش�غيلة ]الم�دن المحاذي��ة لنه�ر ال�رين وهي[ ب�ال وستراس��بورغ، ومانه��ايم، وماي��انس، وروه��رورت ]ربض منجمي[، وايم��ريش وروت��ردام أن يش��كلوا مجلسا مشتركا للح��وض الرين�اني. ويمكنهم هك�ذا التحس�يس بت��أثيرهم في تحوي�ل ه�ذا المح��ور إلى طريق نهرية أوروبية كبيرة، ما وراء حدود الدول وحق من هم فوق ]...[. ويمكن فكرة مجالس كهذه

(.14أن تخدم أيضا، بطرق كثيرة، الهدف األوروبي، أي بناء اقتصاد مشترك والسالم" ) ثمة هنا روح طبقية، بال ادني شك. ولهذا السبب، يضعها في مقعد االتهام الممسكون بسلطة الملكية الخاصة، وسلطة الثروة. وهي تبقى، بالنسبة إلينا، مطابقة لمتطلبات العدل االجتم��اعي، والمعطي��ات

التاريخية، قابلة للدفاع عنها كليا من كل النواحي، بدءا بوجهة النظر األخالقية.54

لقد الحظ الفونس غولد شميدت هذه الروح الطبقة في بتروغراد: "االنطباع األول: مدينة بروليتاري��ة. (." ويالح�ظ ألف�ونس باكي�ه من جهت�ه أن: "مج�الس15العامل يسود. العام�ل يس�يطر في الش�ارع )

مؤلفة حصرا من بروليتاريين تحكم في المنشآت، واألحياء المدينية، والقرى، والمقاطعات واألق��اليم"(16.)

لقد وزعت الحكومة البلشفية أسلحة على العمال في ك��ل م��دن البالد عملي��ا، خالل الح��رب األهلي��ة. أليس ذلك دليال على أن األمر لم يكن يتعلق بحكومة عشيرية أو بدعة؟، ب�ل بحكوم��ة طبق�ة، مقتنع�ة

بالتمتع بثقة غالبية هذه الطبقة؟ لقد أكد الكثير من المؤرخين أن البالشفة خسروا التحام الطبقة العامل��ة بهم ال ب��ل دعمه��ا بع��د عق��د

. حتى ناقد عط��وف، ك��وليم ج.روزن��برغ،1918صلح برست-ليتوفسك وشن اإلرهاب األحمر في عام (. لكن تعاكس هذا التأكيد الدعوة النظامية لتعبئة عم��ال المص��انع في الجيش األحم��ر،17يؤكد ذلك )

بهدف الدفاع عن سلطة السوفييتات. ففي الواقع، لبت الغالبية الساحقة من الشغيلة ه��ذه ال�دعوة ) ،1919،�� 1918(. ال شك أنه كانت هناك تقلبات في موقف الطبق��ة العامل��ة حي��ال البالش��فة في 18

. لكن أيا يكن الوجه النقدي لدعم غالبية الشغيلة، فلقد ظلوا يحظون بهذا الدعم.1920 كان الجيش األحمر مشبعا، من جهة أخرى، به��ذه ال��روح الطبقي��ة البروليتاري��ة. ك��انت تربي��ة الجن��دي

تضم بوجه خاص المقاطع التالية: "ينبغي أن تكون بين رفاقك. قادتك إخوة لك أكثر خبرة وأكثر ثقافة. ينبغي أن تطيعهم في المعرك��ة، في التدريب، في الثكن��ة، في العم��ل، وحالم��ا تخ��رج من الثكن��ة، تك��ون ح��را بش��كل مطل��ق ]...[ إذا سئلت، كيف تقاتل؟ أجب: أقاتل بالبندقية، والحربة، والرشاش، وكذلك بكلمة الحقيقة ال��تي أخ��اطب

(.19بها جنودا أعداء هم عمال وفالحون، كي يعرفوا أنني لست عدوهم في الحقيقة، بل أخ لهم") فلنذكر، بين شهادات كثيرة أخرى تؤكد وجود هذه الروح الطبقية، واقعة أورده��ا س.أ.س��ميث. فحين

، الحد من االستخدام في مصانع الذخيرة ومصانع بوتيل��وف1917لزم في نهاية كانون األول/ديسمبر في بتروغراد، وضع العمال لوائح أولويات. لم يؤخذ بالحس��بان أي انتس��اب ح��زبي، بم��ا في ذل��ك إلى

(.20الحزب البلشفي )

55

الرجاء لقد عبر عن المعنى التاريخي لثورة أوكتوبر، بشكل مثير لإلعجاب ماكسيم غوركي، الذي ك��ان ناق��دا

صارما لها مع ذلك: "كل من يرى بشرف أن تطلع البشرية المتع��ذر كبت��ه إلى الحري��ة، والجم��ال، وحي��اة يوجهه��ا العق��ل، ليس حلما بال جدوى، بل قوة حقيقية يمكنها، بذاتها، أن تخلق أشكال حياة جديدة –أنه بحد ذاته رافعة يمكن أن تحرك العالم-، كل إنسان شريف ينبغي أن يعترف بالدالل��ة العام��ة لنش��اط ه��ؤالء الث��وريين المنطقيين. ينبغي تصور الثورة كمسعى واسع إلعطاء ش��كل لألفك��ار الخالق��ة ولألجوب��ة ال��تي تخيله��ا

مفكرو البشرية األفذاذ.(.21"تعالوا معنا، للقاء الحياة الجديدة التي نعمل لها ]...[ إلى األمام نحو الحرية وجمال الوجود")

يبقى تبرير إضافي للثورة، قدمه المؤلف المن��اوئ بشراس�ة للبالش�فة، ليون��ارد ش�ابيرو، على قاع�دة:1920ذكرياته الشخصية، في حين كان ال يزال فتى غرا في بتروغراد، في نهاية عام

"كانت الحياة قاسية جدا. وكان مستوى التغذية يحاذي المجاعة ]...[. مع ذلك فإن ذكرياتي، المت��أثرة بال شك بالراشدين الذين كانوا حولي، هي ذكريات الحم��اس واإلث��ارة، )ه��ذه( الحي��اة الجدي��دة، حي��اة الرجاء، كانت تبشر بمستقبل عظيم. على الرغم من الحرمان��ات وفظاظ��ة النظ��ام، لم يكن الش��عور

(.22، قد مات بعد" )1918باالبتهاج، الذي آثاره سقوط الملكية، في آذار/مار ليس من كالم أفضل من هذا الكالم.

، ال بل في1810إن التاريخ قاض صارم لكنه عادل، ينبغي فقط منحه الوقت الالزم النجاز عمله. في الفرنسية، ماعدا في بعض األوساط الثورية1789، لم يكن باقيا الكثير من التعاطف مع ثورة 1815

، كان الحكم بصددها ق��د تغ�ير بعم��ق.1889، لكي ال نقول في عام 1848الضيقة جدا. لكن في عام ونحن على قناعة بأن األمر سيكون مشابها، في ما يتعلق بالحكم على ثورة أوكتوبر.

إحاالت(1 )The Times 17 1925 تشرين الثاني/نوفمبر..132، 131، 102(ك.فون.بوثمر، مرجع مذكور، ص 2)80(ب.وليامز، مرجع مذكور، ص 3).94(المرجع ذاته، ص 4).179(موريزيه، مرجع مذكور، ص 5).1991 كانون الثاني/يناير Sunday Times، 5(ن.ستون، 6).1981، موسكو، Uroven Obrazovanniya Naseleniya SSE(ف.ب.تومين 7).47(مرجع مذكور، ص 8).1920، برلين، Moskau 1920(أ.غولد شميدت، 9) (إن باكيه هو الذي أطلق في أحد كتبه االته��ام الش��ائن المش��هور ض��د س��لطة الس��وفييتات بأنه��ا10)

"شركت النساء". وهو يورد في هذا الصدد مرسوما مزعوما لفوضويي ساراتوف، وه��و مرس��وم ن��ددبه هؤالء فورا على أنه استفزاز فظ.

Der(أ.باكي���ه 11) Geidt Der Russischen Revolution وألج���ل69، ص 1920 مي���ونيخ . المعلومات حول األشخاص المتشهد بهم هنا، انظر المعجم.

.195-194(موريزيه، مرجع مذكور، ص 12).93-93(بيريل وليامز، مرجع مذكور، ص 13).52،-51/ 40(أ.باكيه، مرجع مذكور، ص 14).20(أ.غولد شميدت، مرجع مذكور، ص 15)(16 )Der Geidt Der Russischen Revolution 75 مرجع مذكور، ص. (و.ج.رونزنبرغ، "العمل الروي والسلطة البلشفية. األبعاد االجتماعية لالحتجاج في ب��تروغراد بع��د17)

" مرجعThe Workers Revolution in Russia 1917, The View from Belowأوكتوبر " .98مذكور، ص

وأ.موريزيه.33-32(انظر بوجه خاص في هذا الصدد ايلين-زينيفكي، مرجع مذكور، ص 18).111(اندريه موريزيه، مرجع مذكور، ص 19).244-243، مرجع مذكور، ص Red Petrograd(س.أ.سميث، 20).243-242(استشهاد وارد في أ.ر.ص 21)

56

.219(ل.شابيرو، مرجع مذكور، ص 22)تسلسل األحداث

1903*المؤتمر الثاني لحزب العمال االشتراكي-الديمقراطي الروسي.

*االنقسام بين بالشفة ومناشفة.1904-1907

(1905-1904*الحرب الروسية-اليابانية )(1907-1905*صعود الثورة الروسية وهزيمتها )(1907*مؤتمر شتوتغارت لألمية الثانية )

1907-19012*سنوات رجعية وضعف )ح ع ا د ر(

(1912*انشقاق البالشفة والمناشفة إلى حزبين منفصلين )1913-1914

(.1912*مؤتمر بال لألممية الثانية )*صعود ثوري للنضاالت العمالية في روسيا.

*بداية الحرب العالمة األولى.*أزمة األممية الثانية.

1914-1917*سنوات امتداد الحرب العالمية. مذبحة ال نهاية لها؟

1917*ثورة شباط/فبراير: إطاحة القيصرية. ظهور ازدواجية السلطة.

*أيام تموز/يوليو: ثورة أم ثورة مضادة؟*ثورة أوكتوبر: إرساء سلطة السوفييتات.

*حركات ضد الحرب في البلدان المتحاربة.1918-1920

*حل الجمعية التأسيسية.*جمهورية المجالس في فنلندا.*توقيع صلح برست-ليتوفسك.*نهاية الحرب العالمية األولى.

*بدايات الحرب األهلية المعممة.(.1918*أول موجة ثورية في ألمانيا )

*صعود ثوري في النمسا.(.1919*اغتيال لوكسمبورغ وليبنخت في ألمانيا )

*تأسيس األممية الثالثة.*المؤتمر األول لشعوب الشرق في باكو.*جمهورية المجالس في هنغاريا وبافاريا.

(.1920*انقالب كاب-فون لوتفيتز في ألمانيا )1921-1924

*تمرد كرونشطاط.*نهاية الحرب األهلية. المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي. بداية النيب.

*موجات جديدة للنضاالت في ألمانيا وإيطاليا.*وصول الفاشيين )موسوليني( إلى السلطة بايطاليا.

(.1923*فشل نهائي للثورة األلمانية )(.1924( ثم وفاته )1922*مرض لينين )منذ

1925-1935*اإلرساء التدريجي للنظام الستاليني.

(. التجميع القسري في األرياف.1928*نهاية النيب )*أزمة اقتصادية عالمية.

(. إرساء النظام النازي بألمانيا.1933*هتلر مسستشارا )(.1927-1925*صعود الثورة الصينية الثانية وهزيمتها )

1936-193957

(. هزيمة الجمهوريين.1939-1936*الحرب األهلية االسبانية )(.1937*انتصار انتخابي للجبهة الشعبية في فرنسا )

*محاكمات موسكو. بداية التطهيرات الكبرى.(.1939*بداية الحرب العالمية الثانية )

58