أسلمة املعرفة

املبادئ العامة وخطة العمل

تأليف إمساعيل راجي الفاروقي. د

األستاذ جبامعة متبل ، بنسلفانيا ، الواليات املتحدة األمريكية

ترمجة

عبد الوارث سعيد جامعة الكويت

دار البحوث العلمية بالكويت١٩٨٣

٢

متهيد

أحناء العامل هذه يفأن يقدموا للعلماء املسلمني " كر اإلسالمياملعهد العاملي للف "ءيسعد أمنا هذا يفيعتقدون أا أنسب هدية ميكن أن تقدم " أسلمة املعرفة"إا دراسة حول . اهلدية العزيزة

جملس املوضوع أعدمها رئيس يفإا مثرة حبثني . ..اهلجريالعقد األول من القرن اخلامس عشر الذين أكثر من مخسة عشر من علماء اإلسالم العامليني من استقاهعهد إضافة إىل ما األمناء ومدير امل

اجلامعة "اليت تبنتها كل من تلك احللقة ... " إسالم أباد "يف عقدت اليت حلقة البحث يفشاركوا يف دإسالم أبا مدينة يفواليت عقدت ،"اإلسالمي للفكر العاملياملعهد "و "إسالم أباداإلسالمية يف

. م١٩٨٢ يناير املوافق / هـ١٤٠٥شهر ربيع األول يقة مفادها أن تقدير املرء لواقعه تنبع من حق، هذا التمهيدتلي اليت ،إن األمهية الكبرية هلذه الدراسة

األسس هيواستفادته من ماضيه وقيامه بالتخطيط ليوجه مسار التغيري حنو األهداف املرجوة إمنا إن الله ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما : "اإلهليوإن احلكم . بقاء واالزدهاراملطلقة لضمان ال

فسهمهلو السنة املطلقة للتاريخ)١٢: الرعد(" ......بأن . وحتاول أن تقدم لألمة ،تعاىن من احنراف خطري يتهددها" األمة"علن بقوة أن تإن هذه الدراسة ل

أن حتمل مسؤولية ... كما تستحثها إىل األمام حنو الدور املقدر هلا، أكيدا يعيد إليها العافيةعالجا) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا( قيادة العامل

.) ١٤٣: لبقرةا(نال من املفكر املسلم أقصى ما يستطيع من ت أن يفذه الدراسة احلق هلارات تعطى وهذه االعتب

يف حتقيقها يف ويسهم لوجوده وتثري فيه إمكاناته الروحية فيبحث عن الغاية العظمى،االهتمام اجلاد . املستقبل

مت العامل عاإلسالمي الوعيموجة هائلة من اهلجري لقد شهد النصف األخري من القرن الرابع عشر أجزاء من هذه األمة على طريق التحرر يف ا اذهاختاليت مت فضال عن عديد من اخلطوات املهمة ، كله

يف شديدة متثلت إن هذا القرن نفسه قد شهد انتكاسة ف،ورغم هذه اخلطوات إىل األمام. الذايت جمال أي يف حيقق هدفه مل الذي االندفاع ذلك. ع عام عند املسلمني لتقليد احلضارات األخرىااندفن يوهن كما جنح يف أ ا من إسالمهاإلسالمي جتريد الطبقة العليا من اتمع يف جنح قد بل إنه، كان

...يت الرؤية اإلسالمية برؤية أجنبية وفدت إلينا مع الغزاة املستعمرينشلقد غ. .. من عزمية الباقنيوبدا املسلمون لعدة أجيال . بل أصبحت أشد خطرا،وملا رحل املستعمر بقيت هذه الرؤية األجنبية

يفو، املؤسسات املستوردة يف: كل مكانيف إنك لتراها واضحة ...غري قادرين على التخلص منها

٣

براجمهم يف و ، تصميم مكاتبهم وبيوم ومدميفو ، املسلمني والفرنسية بنيةانتشار اللغتني اإلجنليزي وفيما يعتنقون من أفكار عن احلقيقة ، يتبعوااليتاالقتصادية والسياسية هج ا املنيف ...الترفيهية

هو النظام األجنيب انتشار هذا التصور يف وكان العامل األول ....والطبيعة واإلنسان واتمعبالتعليم اآلخر نعتواو" حلديثا"بالتعليم ا أحدمها نعتو: فقد شعبوه إىل نظامني،التعليمي

وما مل يتم عالج هذا األمر . هذا التشعيب يعترب صورة مصغرة الحنطاط املسلمني..."اإلسالمي"" األمانة"ولتمكينها من أداء " األمة" فسيظل يدمر جهد كل مسلم يبذله إلعادة بناء ، والتخلص منه

. ائتمنها اهللا تعاىل عليهااليت اإلسالميحوا نظام التعليم أن يصليف املاضي حاول كثريون من كبار الشخصيات اإلسالمية لقد

ويعترب السيد . األجنيبالتعليم نظام يفوذلك بأن يضيفوا إىل مناهجه الدراسية املوضوعات األساسية أما مجال عبد الناصر فقد وصل إىل ذروة هذه ،ان والشيخ حممد عبده أبطال هذه احملاولةخأمحد

..".حديثة" إىل جامعة – اإلسالميتعليم أعظم حصن لل– حني حول األزهر ١٩٦١االستراتيجية عام اليتة أن تلك املوضوعات ي على فرض، جهود املاليني من أمثاهلمو ،لقد استقرت جهود هؤالء

وقليال ما أدركوا أن هذه ،ال ضرر فيها وأا ميكن أن متد املسلمني بالقوة" احلديثةب"تدعى هي ما ،كذلك" العلوم الطبيعية" وحىت ،"ةعلوم اجتماعي"و " إنسانيات"الدراسات األجنبية من

غريبة بنفس الدرجة عن رؤية – متكاملة للحقيقة وللحياة وللعامل وللتاريخ إال واجهات لرؤية يف تربط مناهج البحث اليتقة الدقيقة والضرورية العن العشيئا وقليال ما عرفوا . اإلسالمرؤية

ومن ،األجنيب العامل يف ذلك واملعرفة بنظام القيم احلقيقةيفتلك الدراسات كما تربط نظرياا ؛ ومن فمن ناحية ظلت الدراسات اإلسالمية اآلسنة على حاهلا مل متس...هنا كان عقم إصالحام

يف ينتجها اليت مهارة متميزة كتلك أي إنتاج إىل إليها أضيفالذيناحية أخرى مل يؤد العلم اجلديد األجنيببع البحث تجعل املسلمني عالة تأنه قد إذ ، حدث هو العكسذيالبل إن . ..األصليموطنه

أن يقنعهم بأن فيه –املوضوعية العلمية ب الطنانة مزاعمه حتت تأثري – لقد جنح ،والقيادة األجنبية . ومسها أنصار التقدم املتحمسون باحملافظة والتأخراليت مقررات اإلسالم -بل يناهض- يعلوالذياحلق

اإلصالح يف يتربأ علماء اإلسالم من أمثال هذه الطرائق السطحية والضارة لكيد آن األوان لق هيو. غ املعرفة احلديثة ذاا بالصبغة اإلسالميةبإن إصالح التعليم املرجو منهم هو ص. التعليمي

. ما اضطلع به أسالفنا ثقافيا وحضاريا– وإن كانت أرحب مدى – خصائصها يفمهمة تشبه بىن تصور وت أن ت– كمقررات دراسية –فالدراسات اإلنسانية والعلوم االجتماعية والطبيعية جيب

جيب . من جديد وأن تقام على أسس إسالمية جديدة وتناط ا أغراض جديدة تتفق مع اإلسالم يف و،استراتيجية منهجيته ويفأن يصاغ كل علم صياغة جديدة حبيث جيسد مبادئ اإلسالم

٤

يصبح مالئما يجيب أن يعاد تشكيل كل علم ك. أغراضه وطموحاتهيف و،ته ومشاكلهمعطيا : بأبعاده الثالثة" التوحيد" هو أساسيلإلسالم عرب حمور

جيب مبقتضاها أن تسعى كل العلوم إىل طلب معرفة احلقيقة يتلا هو وحدة املعرفة: البعد األول" عقلي" يقسم العلم إىل الذيلزعم اىل األبد من وهذا سوف يرحينا وإ،نقدي موضوعي عقليمبنهج

تصدق يف مطلقة بالتايلو "علمية"؛ أو يقسمه إىل دراسات عقلي غري الثاين مبا يوحى بأن "نقلى"و . ال تناسب إال أهلهاوبالتايل نسبية" ةاعتقادي" وأخرى العامل كله

"اهلادفة" اعتبارها الطبيعة يف كل العلوم مبقتضاها جيب أن تأخذاليت وهو وحدة احلياة: الثاينوالبعد وهذا سيقضى وإىل األبد على الزعم القائل بأن بعض العلوم عظيم ،للخلق وتعمل على خدمتها

.القيمة وبعضها حمايد أو عدمي القيمة اإلنساين جيب مبقتضاها أن تعترف كل العلوم بأن النشاط اليت فهو وحدة التاريخ: أما البعد الثالث

وهذا . التاريخيفوأن تعمل على خدمة أهداف األمة ، " األمةب" أو مرتبط اجتماعي ذو طابع كلهعلى [ مجيع العلوم – وعلى الفور –مربزا " اجتماعية"و " فردية"سوف يقضى على تقسيم العلوم إىل

. بع وذات ارتباط باألمةاإنسانية الط] أاوهذا التالؤم جيب أن يظهر . ب التفكري واحلياة والوجودومما ال ريب فيه أن اإلسالم مالئم لكل جوان

كتب من جديد حبيث كل علم جيب أن تيففالكتب الدراسية املستخدمة . كل علميفبوضوح تام جيب أن يتلقى املدرسون و بل ، من الرؤية اإلسالمية للحقيقةتكاملي موقعه كجزء يفتضع هذا

وأن يعاد تشكيل جامعات املسلمني ، كتب الدراسية اجلديدة املسلمون تدريبا على كيفية استخدام ال" املدرسة اإلسالمية" لقد كانت ... تاريخ العامليفوكليام ومدارسهم حبيث تستأنف قيادا الرائدة

أعطتها شخصيتها اليت هي أوجدت لنفسها أوقافا اليت هي استمدت حياا من رؤية اإلسالم هذه اليت القرن يف وكولون وأكسفورد واستقالهلا؛ مما جعلها منوذجا حتتذيه جامعات باريس القانونية املشتركة

كل جمال يفرائدة " املدرسة اإلسالمية" جعلت اليت هي كذلك فإن هذه الرؤية اإلسالمية ...العشرين، اوخصائصه تصاغ فيه الشخصية اإلنسانية الذي القالب كانت هي و،اإلنساينمن جماالت البحث

تراعى برنامج اإلسالم " املدرسة"وكانت هذه . الثقافة واحلضارةيفملخطط لكل إجنازات األمة اوهي عملية معايشة يتعايش التعليميوكان نشاطها . بصالة العشاءهي يبدأ يومه بصالة الفجر وينتالذي

سنن هو تطبيق– إال هدف واحد ميعملون معا وليس أمامهحيث فة دائمة صلب واملعلم بافيها الط عليه الذي يقوم على شخصية الشيخ املفعمة بالتقوى والتلميذ التربويكان منهجها . .. اخلليقةيفاهللا

أصل القبعة والرداء اللذين هيو" (العمامة"وكان افتتاحها بإلباس الشيخ تلميذه . أن حياكى شيخه جيب أن يتكلم ا ليتاوذلك رمزا إىل الثقة الكاملة ) الوقت احلاضريف حفل التخرج يفيلبسان

أعلى درجة وذلك نظرا للخطورة البالغة يفعليم تويات التكانت مس. التلميذ بإذن شيخه ونيابة عنه

٥

ممكنا ] أو اإلتقان[" اإلحسان"كان الوصول إىل هذا . الطالبيدي يفلوضع كرامة الشيخ ومسعته . طلب احلقيقة كانا ممحضني هللا وحدهيف والتفاين وألن العزمية ،ألنه قام على أساس الرؤية اإلسالمية

مطلع القرن اخلامس عشر يف فقد وجد املسلمون أنفسهم ، وعلى الرغم من كل هذا،ومع هذا ، ينمو منوا طبيعياتعليمي أيديهم خمططات لنظام يف وليس ، حماصرين بطوفان من الطالباهلجري

متكن األساتذة اليتعدام املخططات املعرفة على كل اجلبهات مع انيفبانفجار ] يواجهون[ استمر يرسل إىل الغرب اإلسالمي والنتيجة أن العامل ...واملؤسسات التعليمية من مواجهته بنجاح

هجرة " ولكنه ظل مع ذلك يعاىن فقده هلم نتيجة ، أعدادا متزايدة من شبابه ليتعلموا ويتدربوا إذ اإلسالمي صدمة للضمري اهلجريامس عشر كان مطلع القرن اخل، املأساةيفوزيادة ". األدمغة

السوفييت وغزو االحتاد ، إيرانيفه احلرب الدائرة بني العراق واجلمهورية اإلسالمية معزامنتتألفغانستان وغزو إسرائيل للبنان وضم مرتفعات اجلوالن وخمططات ضم فلسطني كاملة وحروب

يفواضطهاد الشعب املسلم ، كشمري وبنجالدش الصحراء الغربية املستمرة واستمرار احتالل وضم أن العاملني إلاض املسلمني أصبحوا ، من هذارمواأل). وهم يشكلون أكرب أقلية عرفها التاريخ(اهلند

. خطريفوأصبح مستقبل اإلسالم نفسه . على مستوى العامل هدفا لالام واالضطهاد والتشويهوليس مثة موقف عصيب إىل درجة املأساة أكثر . ..لمة وكآبة ظيف" األمة"ت كل هذه الظواهر لف

تشخيص دائها والبحث عن عالج يفوكل مههم أن يركزوا فكرهم " األمة"من أن يصبح مفكرو على املستوى اإلسالمي التاريخ يفمل تكن يوما مطلبا ملحا " اهللا أكرب"إن صرخة اجلهاد ...له

. أكثر منها اليومالفكريأسأل اهللا تعاىل أن حيفهم دائما ! التحديويرتفعوا إىل مستوى " األمة"ن ينهض مفكرو عسى أ

ال ما يرضى اهللا تعاىل ورسوله يف وأن يوفقهم إىل أن حيققوا ، دايتهومجيع املؤمنني) �( هذا ا. م١٩٨٢/ هـ١٤٠٢ذو احلجة

الفاروقي راجيإمساعيل سالمياإل للفكر العامليمدير املعهد

انسلفاني ب، تكويوين الواليات املتحدة األمريكية

٦

الفصل األول املشكلة

اعتالل األمة:أوال ومل يشهد هذا القرن أمة تعرضت ملثل . .. مؤخرة ركب األمميفتقف األمة اإلسالمية اليوم

لقد هزم املسلمني وقتلوا وسلبت منهم أوطام . ا تعرضت له األمة اإلسالمية من هزمية وإذاللمدخلوا عقيدم وأيفتنوا غلوا؛ وفعمروا واستدعوا فاست لقد خ... بل وأرواحهم وآماهلم،وثروام

الداخل يف وقام أعداؤهم من اخلارج مستعينني بعمالئهم... أديان أخرىيفبالقوة أو بالرشوة كل دولة وكل يفكل هذا حدث . رب وجردوهم من إسالمهمغفحولوهم إىل علمانيني أو عبيد لل

فقد ، كل ناحيةيف ورغم أن املسلمني كانوا ضحايا الظلم والعدوان ،اإلسالمي العامل يفركن يف أشد الصفحات سواداهي إن صفحتهم ، تشويه صورم وتلطيخ مسعتهميفسامهت كل األمم

خمرب ، عدواينعلى أنه " املسلم" أيامنا هذه على تصوير يف وقد دأبت وسائل اإلعالم ...عامل اليوم، متحجر الفكر ، متعصب ، مهجي، إرهايب، متمرد ، متوحش ، قاس ، مستغل ، خمادع ،

سواء وقد أصبح لذلك حمل الكراهية واالحتقار من غري املسلمني مجيعهم ...أيسقيم الر، متخلف ... متحضرين أم مهجيني، شرقيني أم غربيني، أم ماركسينيرأمساليني ،خلفنيتأكانوا متقدمني أم م

إال ما فيه من صراعات وانقسامات واضطرابات وتناقضات وحروب اإلسالميوال يعرفون عن العامل العامل " إن ، ائيةوجماعات وأمراض وب، وإال ما فيه من ثراء فاحش وفقر مدقع ،العامليدد السالم

ملويريد األعداء أن جيعلوا العا، ]املنتظر موته[ "الرجل املريض" نظر الناس اليوم هو يف" اإلسالمي جيعل هذه اهلزمية وهذا اإلذالل الذي واألمر ...يقف وراء كل هذه الشرور" دين اإلسالم"يقتنع بأن

وأا متلك أوسع رقعة من األرض املليار ،وق والتشويه أمورا ال تطاق أبدا أن تعداد هذه األمة يف وأن ، االستراتيجية أعظم من غريها وأن إمكانياا من املوارد البشرية واملادية و، املتصلة وأغناها

.وواقعي إجيايبو ، دين متكامل وصاحل"اإلسالم"عقيدا

٧

األعراض الرئيسية للمرض:ثانيا

:السياسيعلى الصعيد -١

إىل حنو مخسني " األمة" تفتيت يف لقد جنحت القوى االستعمارية ...منقسمة على نفسها" األمة" وقد أقيمت احلدود بني الدول اإلسالمية . وجعلت كال منها عدوا لألخرى، وحدة سياسية أو أكثر

. حبيث ختلق خالفات دائمة بني كل دولة والدول ااورة هلا أما ...ستمرار مناطق اخلالف هذه إلثارة أسباب التنافر والعداوة مؤامرام يستغلون بايفواألعداء

وجتد من ، ال وئام بني عناصر شعبها، فإن كل دولة إسالمية منقسمة بدورها على نفسها ،داخليات الوقت يوليس هناك دولة أعط. .. يدهايفبينها جمموعة معينة وضع السادة املستعمرون السلطات

؛ ومل يسمح ن منهم وحدة واحدةد الالزمة لتحقيق التكامل بني أبناء شعبها وتكوأو السالم أو املوار يصبح الوضع أكثر سوءا استقدم العدو عناصر ولكي ... معا وحدة أكربا دولتني أن تتحدا لتكونيأل

؛ أو عمل على يضمن وجود صراع مستمر بينهم وبني أهل البلدكي اإلسالميأجنبية إىل العامل جتعلهم بالضرورة أجانب بالنسبة إىل مواطنيهم اليت املسيحية الغربية يفبعض أهل البلد إدخال يف؛ أو دس بني غري املسلمني من املواطنني فكرة الشعور بشخصية متميزة مما يضعهم املسلمني

داخل جسم األمة وجعل منها دوال " أجنبية" خلق العدو كيانات ،وأخريا. مواجهة مع املسلمني أو ، حروب ال طائل وراءهايفادية دف توجيه طاقات املسلمني بعيدا عن البناء واسترتافها مع

لتكون قاعدة يستخدمها االستعمار إذا ما قرر أن حيتل تلك البالد ثانية من أجل مصاحل القوى الداخليمن ليس من بني الدول اإلسالمية دولة تشعر باألو ...االستراتيجية االستعمارية االقتصادية و

إن كل حكومات الدول اإلسالمية تنفق اجلزء األكرب من مواردها وطاقاا . اخلارجيوال باألمن . ولكن دون فائدة، الداخل وسالمتها من اخلارجيفلتأمني قوا

كل بلد على امتداد العامل يفقامت اإلدارة االستعمارية بتحطيم كافة املؤسسات السياسية ...كله باستثناء عدد قليل من األقطار وجد العدو أن حكامها على استعداد للتعاون معه اإلسالمي

من أهل البلد ممن " الصفوة"انسحاب اإلدارات االستعمارية عهدت بالسلطة إىل أوان وحني حان العسكريني أيدي يفأما القوة احلقيقية فقد بقيت . كان قد سبق تعبيدهم وصبغهم بالصبغة الغربية

أغلب يف –إن املسلمني . .. أول فرصة سنحتيفا على السلطة واغتصبوها ود فع ،دهموح من التشكيالت السياسية القادرة على إدارة جهاز جمتمعام حيكمهم العسكر وذلك خللو –احلاالت

أو ، بناءسياسي أو على حتريك اجلماهري ودفعها إىل املقاومة أو على قيادا للقيام بعمل ، احلكم . تعاون وذلك أضعف اإلميانيفحىت على العمل

٨

:االقتصاديعلى الصعيد -٢

إنتاجها من السلع واخلدمات . كل مكان أميونيفأغلبيتها الساحقة . ..األمة غري نامية بل ومتخلفة القوى من املستوردة ةشبع دائما عن طريق البضائع اجلاهز تاليتأقل كثريا من االحتياجات

جمال املتطلبات األساسية للحياة من أطعمة ومالبس وطاقة وآالت ال جند دولة يفوحىت . االستعمارية من هذه الدول جماعة إذا ما أي ومن املمكن أن تواجه ...إسالمية تستطيع االعتماد على نفسها

تعمل كل مكان يف. .. سبب أن توقف هذه التجارة الظاملة معهايقررت القوى االستعمارية أل بينما احتياجات ، رغبات ومطالب استهالكية ملنتجات االستعمارينيقخلاملصاحل االستعمارية على

ميدان املنافسة مع املنتجات احمللية للمسلمني يف و...املسلمني إىل آالت إنتاجية ال يلقى إليها أحد باال بالد يف تنمية صناعة ما يف وإذا ساعد االستعماريون ، طردها من السوقيفينجح االستعماريون

فبذلك ،املسلمني فإم جيعلوا معتمدة على ما لديهم من مواد خام أو مصنعة ال تتوفر إال عندهم معظم األحوال ال خيطط يفو، وختدم أغراضهم االستعمارية ، تصبح خاضعة هلم تعمل حتت رمحتهم

وإمنا لتواجه املتطلبات الكمالية ، ساسية بالد املسلمني لتواجه االحتياجات األيفللصناعات اجلديدة جمال الزراعة هو يف للمسلمني الذايتإن االكتفاء . .. خلقتها وسائل الدعاية االستعمارية املكثفةاليت

خمطط أي ال غىن عنه ليتمكنوا من مقاومة الذي إذ هو األساس ،العدو األول لالستعمارينيقتلعون من قراهم كل مكان جتد الفالحني املسلمني ييف . املستقبليف الوقت الراهن ويف استعماري

مشاريع ال أمان هلا كالبناء يف وإغراء الوظائف املؤقتة ، املدنيفنتيجة الوعود الزائفة حبياة أفضل إم يهاجرون ف الضرائبوجامعي األراضيونتيجة الستغالل مالك ، وصناعات السلع االستهالكية

وهم مستعدون ، مدن من األكواخ تعتمد أساسا على األطعمة املستوردةيفإىل العواصم ليعيشوا . مهرج يقودهمأيللسري وراء

كانت اليتمة ع شاء اهللا أن مينحها لبعض األقطار اإلسالمية مل تصبح الناليتإن كنوز البترول ومات إىل انتهاج سياسة البالد قليلة السكان قد دفعت احلكيفجدت غالبا واليت هذه الثروة ...ترجتى

واحلق أن هذه الثروات طائلة . زائفا" جتميليا" تطوير بالدهم تطويرا يفوإىل تبديد الثروات ، عنصرية سهل " ومن هنا فإا توجه حنو استثمار االهتمامات ال ميكن أن تستنفذها، إىل حد أن مثل هذه

وذلك ، أعداء اإلسالم ليصبحوا أكثر قوة وهناك تساعد، أسواق املال غري اإلسالميةيف" ومضمون ختطيط أو استثمار طويل أي جيعل من اإلسالمي كل بالد العامل يف السياسيألن عدم االستقرار

اليت اإلسالمي فإن مناطق العامل ، وعلى هذا... مستثمر حريصأياألمد خماطرة كبرية ال يقدم عليها الصناعة تبقى حمرومة من رؤوس األموال املمولةيف أو الزراعةيفتتمتع بإمكانات تؤهل لتطور مهم

٩

ا كلها إمن" األمة" لصاحل حقيقي ميكن أن تطور هذه اإلمكانيات إىل رخاء اليت إن رؤوس األموال .. . توجه إىل مواقع أخرى

: والديين يف على الصعيد الثقا-٣ وهذه ... مية واجلهل واخلرافة بينهم دام قرونا قد أدى إىل انتشار األالذيإن احنطاط املسلمني

وأن يتجه حنو ،بعقيدة قائمة على التقليد األعمى" ينعم" إىل أن العاديالشرور قد أدت باملسلم غري قليل استعدادا وهذا بدوره قد رىب فيه ...د روحه لشيخه أو أن يعب،فية والشكلية القانونيةراحل

والسياسي العسكرييث نفسه عليه أصيب بالذعر نتيجة لضعفه فحني فرض العامل احلد. ..يةلالزامأن ظنا منه أن ذلك سيعينه سريعا على اجلزئي فسارع لذلك إىل ضرب من اإلصالح ، واالقتصادي

أغراه بذلك منوذج ، لغربا إىل تقليد – دون وعى منه – فاجته ، ضاع منه األساس الذي يستعيدالتجربة الغربية الناجح وناصاملناطق اخلاضعة لإلدارة يف و...وه من الغربيني أو املستغربنيح

م من وسائل ا احلكأيديززت بكل ما حتت وع، فرضا " التغريب"رضت عملية االستعمارية فدعاة من فقد كان الزعماء املسلمون ، وسواء أكان ذلك عن حسن نية أو عن سوء نية...متاحة

وثقافة اإلسالمي إىل تعريض الدين – عاجال أو آجال – ستؤدى التغريب ال يعلمون أن تلك الربامجواألفكار الغربية عن اهللا ، والقوة الغربيني من ناحية اإلنتاج إن الروابط بني مظاهر ...شعوم للخطر

هذه الروابط -- ، وعن الزمان والتاريخ من ناحية أخرى،عن احلياة والطبيعة والعامل، وواإلنسان تعليمي والنتيجة أن قام نظام ... غمرة تعجلهميف حبيث مل يلحظوها أو يعقلوها كانت من الدقة

تمع أجياال من يفيصبهذا النظام وسرعان ما بدأ ، يلقن القيم واملناهج الغربيةلماينعر ا أعىن ، وقد صاحب هذا اجلهل شك من حراس التراث، اإلسالمياخلرجني اجلاهلني بتراثهم

رفية أو الشكلية القانونية أو النية على الرغم من التراثية اجلامدة أو احلالذين كانوا حسين ،"العلماء"لتقسيمها ما بني دعاة " األمة"وهكذا بدأت الفجوة تتسع بني صفوف ... نزعوا إليهااليتالصوفية

الستعمارية يت القوى ان وقد ع... جانب ومناهضني للعلمانية من جانب آخريفلمانية والتغريب للع . املتجمعيف القرار صانعة هيبالوضع حبيث أصبحت الفئة األوىل

أيدي االستعماريني مباشرة أو على أيديسواء على ... هدفا للهجوم إسالميأصبح كل شيء و وسنته ) �(أو صدق الرسول ، القرآينومل ينج من هذا اهلجوم حىت النص . ..أهل البالد أدوام من

كان اهلدف هو ... ميادين الثقافة واحلضارةيفأو أجماد إجنازات املسلمني ، " الشريعة"مال أو ك، وإفساد اإلسالمي ثقة املسلم بنفسه وبأمته وبعقيدته وسلفه الصاحل وذلك لتدمري وعيه يفغرس الشك

. ومةشخصيته اإلسالمية وجعله نتيجة لذلك أكثر خضوعا تعوزه القدرة الروحية الالزمة للمقا ...وعوضا عن ذلك مأل االستعماريون وأدوام حياة املسلم اليومية مبا يصبغه بصبغة الثقافة الغربية

١٠

فالصحف والكتب واالت واإلذاعة املسموعة والسينما واملسرح واملواد املسجلة ولوحات صارت احلكومات لقد. كلها متطره يوميا بوابل من تلك املؤامرات، اإلعالنات والالفتات الضوئية

عواصمها مرصعة بالعمارات ذات الشقق أو املكاتب يفاإلسالمية تفتخر مبا لديها من شوارع واسعة اخللقي واالحنطاط السياسي وذلك دون أن يشعروا باخلجل من الفساد ، الغريبالفخمة على الطراز

لصاالت العامة ليشاهدوا صارت العلية من املستغربني يترددون على ا... مأل مدم وقراهمالذي يف على حني يقرأ عنها أبناؤهم وبنام ،"دراما"أو حفلة موسيقية أو " أوبرا"ويستمعوا إىل فيلم أو كل هذا مع كل ما يفكرون فيه أو أو التبشريية دون أن يدركوا تناقضلمانية املدارس والكليات الع

ة ضد بيئتهم وأرضيتهم غرابيفبينهم وقفوا أنفسهم من " تغريب" فأولئك الذين أكملوا ...ونهديؤ ، ذواميف ت للحياة فقد حتطماإلسالميأما الثقافة اإلسالمية املتكاملة ووحدة النهج ... اإلسالمية

دخلت املؤسسات والتقاليد وبكل وقاحة أ... بيوم وعائالميفو ،عملهميف فكرهم ويفو يفالنساء املسلمات بأنفسهم إىل ذرى الفضيلة والفعالية من أن تسمو فبدال ...االجتماعية الغربية

العرى املتزايد والتربج: الغريب على مظاهر االحنطاط ن إذ ن يتهالك،اتمع كما أراد هلن اإلسالم والتهرب من ، لذات مل على ااألناينالنكباب أو ،الفردي دف التحلل االقتصادياالستهالك و ،

.ا مطالب احلياة املتزايدة تفرضهاليتالواجبات تتورم اليت مراكزنا احلضرية ... عواصمنا لفن املعمار وال لفن ختطيط املدن اإلسالمينييفال أثر

تتعرض لتجربة الثورة هي وقعت فيها املدينة الغربية واليتبسرعة تكرر كل األخطاء والنقائص ...زين متاما عن االستفادة من أخطاء اآلخرين وكأننا أصبحنا عاج،الصناعية قبل قرنني من الزمان

مزيج غريب من كل األساليب مما يعكس اضطراب أفكارنا هيمنا إبيوتنا وما فيها من أثاث وتنسيق . عن هويتنا وخصائصنا

لقد نزل املسلم بنفسه إىل درك اهلمجية وذلك على الرغم من ادعائه غري ذلك إىل ،وباختصار مبتوتة الصلة طا من أساليب شىت وليلقد أصبحت حياته خ. .."الغرب"غة حد صبغ نفسه بصب

للعصور " مسخا ثقافيا" جعلها ، بالغريب وال هو اإلسالمي لقد جعل من نفسه شيئا ال هو ب...مباضيه .احلديثة

الداءكمن م:ثالثا

.. . السائدالتعليميمنا هو النظام هذه األمة إيف أن مركز الداء ومنبعه يفليس هناك أدىن ريب : د عملية تغريب النفس عن اإلسالم املدارس والكليات تولد وتؤييف. ..إنه التربة اخلصبة لتربية العلل

وهناك ، ل الشباب املسلمعجن ويشك فيه يالذي هو املعمل التعليمي إن النظام ...عن تراثه وأسلوبه

١١

يف وتفصم الرابطة بني املسلم وماضيه وتوضع ، خة للغرب قالب هو صورة ممسويفيصاغ وعيهم يف بثها هذا النظام اليتونتيجة للشكوك ... التطلع ملعرفة تراث أسالفهيفوضع حرج رغبته الطبيعية

أن يقف مع أسالفه على أرض مشتركة لينطلق منها حنو بعث يفأعماق وعيه تصاب بالتبلد رغبته . إلسالم جديد ومالئم للعصر

:اإلسالمي العامل يف الوضع الراهن للتعليم -١ أما فيما ، مت حىت اآلنالذي أسوأ حاالته على الرغم من التوسع اهلائل يف اإلسالمي العامل يفالتعليم بأشد – التقليدية منها والعلمانية –فلم تكن املدارس والكليات واجلامعات " أسلمة التعليمب"علق يت

لساحقة من الشباب اغلبية األ كما أن ، الدعوة إىل مبادئها الالإسالميةيفليوم عليه اهيجرأة مما التعليمي وملا كان النظام ...نا ذه املبادئ منها اليوما يوم من األيام أكثر افتنيفاملسلم مل تكن

ها النظام بعد عن ظل اإلدارات االستعمارية فقد احتل مساحة هائلة من املساحة وأيف قد نشأ لماينالع حمروما من االستفادة من الفردي الذايت مجلته قائما على اجلهد يف اإلسالمي ظل التعليم ...اإلسالمي

كانت " العلمنة" وحيثما توفرت تلك االعتمادات فإن متطلبات .. .حلكوميةاالعتمادات املالية ا إىل شعبتني الدراسيج كان هذا يؤدى إىل تقسيم املنه...تفرض نفسها باسم احلداثة والتقدم

معتربين األزهر هو ، !)كذا" (حديثة"واألخرى " إسالمية" تدعى إحدامها –متقابلتني بل متعارضتني الشعبة اإلسالمية فتبقى على حاهلا دون تغيري بدعوى احملافظة ومن أجل فأما ...التقليديالنموذج

عن اإلسالمي ختطط إلبعاد التعليم ومن ناحية أخرى ألن العلمانية، من ناحية، مصاحل مكتسبة املعاهد خلرجيياالحتكاك بالواقع وبالتطورات احلديثة وذلك حىت ال يشكل خرجيوه عناصر منافسة

كل هذا خطط له دهاقنة االستعمار بعد درس ومتحيص. ..لمانيةالع...فعة الكربى للنظام أما الدولة طريقا هلا ومنهجا وصبت فيه االعتمادات املالية فقد جاءت بعد االستقالل إذ تبنته الدلماينالع

إن سيادة قوى ... بدعوى القومية والوطنيةلماينالع بل وأغرقت من هذا املنهج ، احلكومية كل ذلك ال ، وما ينتج عن ذلك من إبعاد املدرسني والطالب عن اإلسالم" العلمانية"و " التغريب"

عمل يكبح مجاح هذا أيعات بكل قوة ومل يقم أحد ب الكليات واجلاميفيزال يعمل عمله كانت هناك روح ئذ زمان،احلق أن الوضع اآلن أسوأ مما كان عليه أيام االستعمارو ...االحنراف

أما اآلن فقد . كل النفوس تقريبايف تفعل فعلها إسالمياملقاومة والبحث عن التحرير وعن حل اجلملة إىل الوعود يف ذلك ومرد، كل القياداتيفالثقة سادت روح االستخفاف والبالدة وانعدمت

أولئك القادة يف يراها الناس اليتوإىل النماذج السيئة ، ال يعقبها سوى اخليبة اليتالزائفة املتكررة شيء أي وليس هناك حكومة إسالمية وال إدارة جامعية وال مؤسسة خاصة تفعل ...املفلسني أخالقيا ال يزال يعمل على سلخهم من الذي أو إلنقاذهم من هذا التعليم ، الشباب املنهارةلعالج أخالقيات

١٢

أعداد يف وما يستتبع ذلك من توسع ، الدول الغنيةيفإن برامج اإلنشاءات الضخمة . إسالمهم وما أقل ما يوجه... إمنا توجه كلها خلدمة قضية العلمانية، الطالب والكليات واإلمكانيات املساعدة

لصبغة اإلسالمية للتعليم وتوجيه ا أعىن حتسني ، حقيقي" تطور"من تلك االعتمادات إلحداث هو ما يتسابق الغريب كل مكان جند أن منوذج التعليم يف ...الطالب واهليئة التدريسية توجيها إسالميا

. سرعة مذهلةيفإليه اجلميع

: انعدام الرؤية-٢ مهما تكن ، وإمنا صورة مهزوزة منه، املنشودالغريب النموذج إن احملصلة النهائية لذلك ليست

-اإلسالمي شأنه شأن النموذج – التربية يف الغريبإن النموذج . تزعم غري ذلكاليتالدعاوى الكثرية عزمية تنفث فيه احلياة ويقوم على ..يقوم أساسا على رؤية حمددة ولكنها مباينة للرؤية اإلسالمية

واملكاتب واملكتبات واملختربات وفصول الدراسة والقاعات الكبرية املباين إن ...ؤيةليحقق هذه الر ومن طبيعة الرؤية أا ال ، تعج بالطالب ليست سوى أدوات مادية ال قيمة هلا بدون رؤية واضحةاليت

هلذا و. ضية فقط ميكن أن تقتبسر وإن كانت مظاهرها اخلارجية والع، د أو تستنسخميكن أن تقل اإلبداع أو االمتياز يفلمانية مل ينتجوا شيئا يوازى خالل هذين القرنني من التربية العيففإن املسلمني

والنتيجة احلتمية ...مدرسة أو كلية أو جامعة أو جيال من العلماء املتميزينمل ينتجوا – الغرب يفما مؤسسات يفمشكلة اخنفاض املستوى – هذه املشكلة املستعصية على احلل هيلغياب هذه الرؤية

وهذه ، تبعث فيه احلياة"روح" إن البحث األصيل عن املعرفة ال وجود له دون ...اإلسالميالعامل وذلك ألا تتولد من الرؤية الواضحة للنفس وللعامل ، بالذات ما ال ميكن اقتباسههيالروح

إن القيادات ... اليوماإلسالمي العامل يفالتعليم وهذا هو ما يفتقده نظام ... من الدينأي ، وللحقيقةسبب اجلهل ب أي – كما أا باختيارها ، الغريبالتعليمية عندنا ليس لديها بالطبيعة رؤية الرجل

ليس لديها ثقافة أو قضية ، إا قيادات مادية املرتع... ال متتلك الرؤية اإلسالمية–واخلمول والسلبية وذلك ، مصدر اإلهلام للجامعات الغربية طيلة القرنني املاضينيهي القومية لقد أصبحت...تشغلها

وجعلت من األمة ،]بزعمهم [الذي ماتبإله املسيحية " األمة"قد استبدلت " الرومانسية"ألن ؛ ومن مث فإن سوى اهللا" حقيقة مطلقة" أما بالنسبة للمسلم فليس هناك ...واألصيلة" طلقةاملاحلقيقة "

اليت ومهما تكن الرابطة ...ء املطلق لألمة أو للدولة عنده ليس أمرا مستحيال فقط وإمنا هو كفرالوال لدى الذيبنفس املعىن " قوميا" فمن غري املمكن بالنسبة له أن يكون ، تربط املسلم بتراثه وماضيه

. ختلص من مسيحيتهالذي األورويب أعىن األستاذ احلاصل على ،اإلسالمييف العامل ات اجلامعيفأنظر إىل املثل األعلى للمدرس

املتوسط، الغرب وخترج مبعدل متوسط أو دون يف لقد تعلم ...الدكتوراه من إحدى اجلامعات الغربية

١٣

بل ألهداف مادية ، جل وعال مبعىن أنه مل يطلب العلم ابتغاء مرضاة اهللا، وملا مل تكن دوافعه دينية ومل ، الغربيففإنه مل حيرص على نيل كل املتاح من العلوم ) ن تقديرأو قومية على أحس(أنانية

كما مل يتمثل ما تعلمه وال حاول بالطبع إعادة ، جماالميفيستطع أن يتفوق على أساتذته الغربيني إطار الرؤية اإلسالمية للمعرفة وللحقيقة على غرار ما فعل أسالفه الذين تعلموا علوم األمم يفتقييمه

هذا في اكت، وبدال من أن يفعل ذلك. ..لقدمية من يونان وفرس وهنود وصبغوها بالصبغة اإلسالميةا. ..األستاذ بالنجاح ونيل الدرجة مث العودة إىل بلده ليحصل على منصب يهيئ له الثروة والرفعة

مد من آفاق ه من كتب أثناء الدراسة إذ مل يعد لديه اآلن وقت أو طاقة أو دافع ليأويكفيه ما قر إهلائه عن التطلع إىل مثل تلك يفبل إن ظروف عمله ومعيشته لتزيد . ..معرفته إىل أبعد مما حصل

... كفاءة وأضعف دفاعاهمن أن يتخرجوا على يديه وهم أقل الطبيعيبته فمن ل أما ط...اآلفاق العليا الغريبط املستويات ويصبح التعليم وهكذا ب... نظرهم أبعد وأضأليف صار الغريبل األعلى حىت املث

. الغربيف بالد املسلمني صورة مهزوزة حلقيقته يف نسخ مما عند الغربيني لكن مع هي البالد اإلسالمية حاليا إمنا يف تدرس اليتإن املواد واملناهج

، عوامل الضعف ذه الصورة تصبح منهي و... بيئتها األصليةيف متدها باحلياة اليتافتقارها للرؤية الطالب تأثريا سيئا معاديا يف تؤثر – شعوري بشكل ال – ال روح فيها تظل اليتهذه املواد واملناهج

إا جتعل . لإلسالم من حيث إا تقف كبدائل للمواد واملناهج اإلسالمية وكعوامل للتقدم والتحديث يف يظن نفسه العلم مع أنه الذيغرور منوذجا للشباب املاإلسالمي جامعات العامل يفمن اخلريج

. احلقيقة ال يعرف إال قليال ذلك ألن مثل هذا ، علوم الغرب أمرا بعيد املناليفوهكذا تصبح إمكانية تفوق الطالب املسلم

كما يتطلب منه أن يكون ، جمال الدراسةيفالتفوق يتطلب من الدارس تصورا شامال موع املعارف هذا االستيعاب الشامل . حتركه ليستوعب هذه املعارف مث يتجاوزها ويزيد عليهامدفوعا بفكرة

أما بدون قضية . واألخريان ال يتولدان إال من االلتزام بقضية،والتفوق مثرة للدوافع والفكرة احملركةوإذا مل يستوعبها فكيف . جمال دراستهيففال ميكن أن ينهض الدارس ليستوعب جمموع املعارف

وإذا مل توجد . وليس للمسلم من قضية يلتزم ا سوى اإلسالم! نه أن يتجاوزها ويتفوق عليها؟ميكوإذا ...لغرب إىل استيعاب شامل للمعرفة ايفهذه القضية فمحال أن يصل املدرسون الذين تعلموا

الم؟ هذه املتطلبات الضرورية للتفوق فهل ميكن أن مينحوها لط– اجلامعات يف كمدرسني –فقدوا وهذا يؤدى م وبطالم إىل ، إم عادة يقنعون باستنساخ ما حصلوه من معارف جزئية أو بترمجتها

. مستوى األداء على أحسن االحتماالتيفضعف جامعات العامل يف أن األساتذة يفمي تتمثل يقينا سالاإلالعامل يفلتعليم الكربى لأساة املإن

كل بالد يفإن الطالب . ..يهم الرؤية اإلسالمية وال حتفزهم قضية اإلسالم ال تسيطر علاإلسالمي

١٤

معلومات – فيما يتصل بالرؤية اإلسالمية – يدخلون اجلامعات وكل ما تسلحوا به اإلسالميالعامل ن وواضح أن هذا ال يكو... املدرسة االبتدائية أو الثانويةيف بيوم أو يفضئيلة عن اإلسالم تلقوها

فإن الطالب املستجد يدخل وهو كالصفحة البيضاء من حيث ، ومن هنا..".قضية"د وال يوج" رؤية" ...الواضحة" األفكار واملبادئ" لكنه بالتأكيد خلو من ، بعض العواطفإنه قد حيمل ..".املبادئ"ال جميف" علمال" له هه مبا يقدمتلبث أن تنهار حني تواجلن – إن وجدت –ف طهذه العواف

ليس لدى هذا الطالب شيء أنه حنييف" موضوعية"وأحكام " حقائق"و " مبادئ"التخصص على أنه إن ". الفكري" واضح ميكنه من املواجهة على هذا املستوى إسالمييدفع به عن نفسه من حنو تصور

نظره يفسيكون تأصل لديه اإلحلاد أو العلمانية أو الشيوعية فإن اإلسالم مل ي خترج وإذاهذا الطالب أما اإلسالم النابض ... بينه وبني أسرته أو الناس من حولهشخصي فيقد احنسر إىل جمرد رباط عاط وعلى مستوى ... تالئم وحتل كل مشكلة فإنه ال يدرى عنه شيئااليتباحلياة الغىن بأفضل املبادئ

تقدم اليتألفكار واملبادئ األجنبية اه يواجاإلسالمي جامعات العامل يفجند الطالب " الفكرة واملبدأ" يواجه جبنديأشبه إنه يكون ، فتيالجتدي قاعات الدرس بوسائل دفاع ال يف الكتب أو يفإليه

س يدراإلسالمي العامل يفوليس هناك مكان . ..بالسيف والرمح جنديا آخر مدججا بالدبابة واملدفع ، الغربيف لطالب املدارس الثانوية الغريبس التصور موع الطالب كما يدراإلسالميفيه التصور

. .. الطالباملستوى من التناسق والشمولية واجلدية وااللتزام الفائقني بالنسبة جلميعنفس ذلك أعىن ب الدراسي جزءا من الربنامج اإلسالمي جتعل مثل هذا التصور اإلسالمي العامل يففليس هناك جامعة

. الطالب وتفرضه على مجيعساسياأل

١٥

الفصل الثاين الواجب املطلوب

يف القرن اخلامس عشر اهلجري هي حل مشكلة التعليم ، وليس هناك " األمة"إن أعظم مهمة تواجه

أمل يف بعث حقيقي لألمة مامل يتم جتديد النظام التعليمي وإصالح أخطائه ، واحلق أن ما حنتاج إليه اإلسالمي وتقسيمه إىل ] يف العامل[إن هذه الثنائية يف التعليم . إمنا هو إعادة تشكيل النظام من جديد

جيب أن يدمج النظامان . جيب أن تزال ويقضى عليها إىل األبد " علماين"و " إسالمي"نظامني " الفكري"ويتكامال يف نظام واحد وأن يشبع بروح اإلسالم ليصبح جزءا وظيفيا ال يتجزأ من برناجمه

النظام اجلديد أن يكون تقليدا للغرب وال أن يترك حرا خيتط لنفسه أي طريق جيب أال يسمح هلذا. كذلك جيب أال يتهاون معه حبيث يصبح أداة خلدمة االحتياجات االقتصادية أو العملية . كان

جيب أن تناط بالنظام التعليمي . للطالب من أجل معارف مهنية ، أو تقدم شخصي ، أو منفعة مادية ، وتربية اإلرادة لتحقيقها يف " نقل الرؤية اإلسالمية" ميكن هلذه الرسالة إال أن تكون رسالة ، وال

,الزمان واملكانيف جمموعها تنفق على التعليم " األمة"إن القيام مبثل هذه املهمة الشك أمر صعب ومكلف ، لكن

م األخرى يف العامل اليوم، نسبة من جممل ناجتها القومي وميزانيتها السنوية أقل بكثري مما تنفقه األموحىت يف الدول الغنية اليت ترصد ميزانيات غنية للتعليم فإن معظم ما ينفق يكون على املباين

أن " األمة"إن على . واإلداريات وليس على البحوث واألنشطة التعليمية بكل ما يف الكلمة من معىن تجتذب أفضل العقول ولتعينهم على أن حيافظوا تنفق على التعليم أكثر بكثري مما تفعل اليوم، وذلك ل

". طالبه"أو " أهل العلم"على النعمة واملرتلة اليت أنعم اهللا تعاىل عليهم ا إذ جعلهم

توحيد نظامي التعليم: أوال ينبغي أن يوحد النظام التعليمي اإلسالمي، املكون من املدارس االبتدائية والثانوية والكليات

هذا التوحيد جيب أن يصطفي للنظام . النظام العلماين يف املدارس العامة واجلامعاتواجلامعات معمصادر التمويل احلكومية وااللتزام : اجلديد املوحد ما يتمتع به كل من النظامني من مزايا ، أعين

عدم مالءمة: كما جيب أن يكون هذا التوحيد فرصة للتخلص من نقائصهما وهي . بالرؤية اإلسالميةالكتب الدراسية القدمية ونقص كفاءة املدرسني يف النظام التقليدي ، والتشبه بالغرب العلماين يف

. مناهجه ومثله يف النظام العلماين

١٦

هذه املزايا ميكن أن تتوفر للنظام اجلديد إذا ما وافقت احلكومات املعنية على أن ختصص له البد من اختاذ اخلطوات الالزمة جلعل هذا . رة خانقة االعتمادات الالزمة دون أن متارس عليه سيط

من الناحية املالية، وذلك باحلث على إجياد - إن مل يكن مستقال متاما- النظام التعليمي اجلديد مؤمنااليت تعرفها الشريعة " األوقاف"وتلك هي . أوقاف ينفق على النظام أو بعض جوانبه من ريعها

الفضل يف ضمان استقالهلا يف املاضي " مدرسة"لقد كان ألوقاف كل . مة وحتميها من أجل صاحل األومتكني أساتذا وطالا من أن يطلبوا العلم ابتغاء مرضاة اهللا تعاىل وحده، وهذا هو الشرط

" املدرسة"كما كانت مؤسسة الوقف هي اليت أعطت . الضروري لوجود أي حبث ناجح عن احلقيقةهي " الوقف"اليت قامت على أساس " املدارس"تلك . يزة ألول مرة يف التاريخشخصيتها الثانوية املتم

.اليت كانت النموذج الذي أنشئت على مثاله اجلامعات األوىل يف الغرب حني أسست منذ مثانية قرون ولكن نتيجة لالنفجار املعريف وللزيادة يف عدد الطالب أيضا فقد أصبحت النفقات الالزمة للتعليم

ومن هنا يكون من . الوقت احلاضر كبرية جدا حبيث ال تستطيع األوقاف وحدها أن تواجههايفولكن على الدولة أن يكون لديها القدر الكايف من . الضروري ختصيص نسبة سنوية من امليزانية العامة

على احلكمة لتتفاوض مع رجال التعليم حول مقدار املعونة احلكومية وأن تأمتنهم على استخدامهاوإذا كانت اجلامعات احلكومية يف الغرب تفعل هذا، فمن اللغو أن يزعم أحد أن . أفضل وجه ممكن

إن األمة اليت ال حتترم املتعلمني . املسلمني امللتزمني بتعاليم القرآن غري قادرين على فعل الشيء نفسهحي والثقايف وال متكن شباا من أبنائها وبناا وال تبذل من نفسها لتنقل إليهم تراث أسالفهم الرو

إنه الدليل على . من أن يضيفوا إىل تقاليدهم ويثروها، مثل هذه األمة ال خري فيها وال مستقبل هلاالطغيان أال تأمن الدولة رجال التعليم فيها على القيام بوظائفهم دون رقابة بوليسية على املؤسسات

املتخصصون يف التعليم إىل أن يتلقوا من احلكام كما أن من أدلة التدهور أن يضطر . التعليمية .السياسيني تعليمات عن ماذا يدرسون وكيف يديرون شؤوم األكادميية

غرس الرؤية اإلسالمية: ثانيا

ينتظر من هذا االحتاد بني النظامني أن يؤدي إىل شيء أبعد من جمرد توفري الوسائل للنظام باملعرفة " العلماين"إن من املنتظر منه أن يزود ... ية للنظام العلمايناإلسالمي وحتقيق االستقالل

بالنسبة للتعليم االبتدائي والثانوي جيب وضع حد جلرمية . باملعرفة احلديثة" اإلسالمي"اإلسالمية و من حق كل شاب مسلم . ترك الشباب املسلم حتت أيدي املبشرين ورجال التعليم غري املسلمني

إن األمة كلها، . نظامه األخالقي وتشريعاته وتارخيه وثقافته: يما دينيا كامال عن اإلسالمأن يتلقى تعل

١٧

أو أي جزء منها، وكذلك القادة فيها مسؤولون قانونا ومعرضون للعقاب أمام اهللا إذا هم أخفقوا يف . توفري هذا التعليم األساسي عن اإلسالم لكل شاب مسلم

إن الطفل جيد من والديه أو من املسؤول عنه من . ال عن تعليم الكبار أيضا ومثل هذا متاما يقأما البالغ فهو . الرعاية ما يقيه من ارتكاب منكر يكرهه اإلسالم ومن التعدي على حدود الشريعة

. إنه غرض مستهدف من قبل الدعايات غري اإلسالمية داخل اجلامعة وخارجها. خلو من هذه املتابعةات الدرس ويف القراءات املقررة تعرض عليه باستمرار أفكار ومبادئ أجنبية باسم العلم ففي قاعهذه األفكار وأمناط السلوك غري اإلسالمية يزعمون له أا حقائق علمية وأا مبينة على . والتقدمية

. الوالديةهذا الطالب املسلم قدم إليه اإلسالم أيام حداثته من خالل صوت السلطة . حقائق موضوعيةهلذا كان . أو تقديرها قدرها" املوضوعية"وقتها مل يكن عقله قد نضج بالقدر الكايف لفهم الدعاوى

وواضح أن التزامه هذا . ارتباطه باملوقف اإلسالمي ناشئا عن العاطفة وليس عن اقتناع مدعم بالدليلو " املوضوعية"و " علميةال"باإلسالم ال ميكن أن يثبت أمام انقضاض احلقائق اليت تلبس ثوب

وهلذا السبب فإن طالب اجلامعة املسلم ال يلبث أن يستسلم هلذه الدعاوى العلمانية ويؤمن ". احلداثة"ا نتيجة لغياب أي عرض لقضايا اإلسالم يناهض تلك الدعاوى، مدعوما بنفس القوة من

النحو تبدأ عملية سلخ طالب وعلى هذا". احلداثة"وبنفس املستوى من " العلمية"و " املوضوعية"فبعد أربع سنوات من هذا التأثري التغرييب داخل اجلامعة ، والتأثري . اجلامعات املسلمني عن دينهم

اآلخر الذي يساويه ورمبا يفوقه، والذي يأيت من وسائل اإلعالم أو من قرنائه وجمتمعه، يتم القضاء ك أن يصبح من الناحية الثقافية ماديا متشككا وال عجب بعد ذل. على الوعي اإلسالمي لدى املسلم

، ال هو باملسلم وال هو بالغريب رغم أنه يف وطنه، ويكون على استعداد للسري وراء كل من يليب له . شهواته اآلنية

: فرض تدريس احلضارة اإلسالمية) ١(

جلامعة هو فرض إن الترياق الوحيد املمكن القادر على مقاومة عملية السلخ تلك على مستوى ا بصرف النظر –فعلى كل طالب يف اجلامعة . تدريس احلضارة اإلسالمية على مدى السنوات األربع

إن كونه مواطنا أو فردا من هذه األمة يفرض عليه أن . أن يدرس هذه املادة املقررة–عن التخصص وكيف ميكن أن . وألفة حبضاراحيصل قدرا حيا وناميا من املعرفة بتراث األمة ومن التشبع بروحها

وحىت لو كان الطالب ينتمي إىل إحدى األقليات غري ! يكون مواطنا من ال ميتلك هذه املعرفة؟فما دام قد ارتضى هو أو . املسلمة ، فإن ذلك ال جيعله يف حل من حتصيل هذا املتطلب األساسي

املعرفة الضرورية باحلضارة اليت ينتمي إليها والده أن يكونوا مواطنني يف دولة إسالمية، فالبد من توفرو " ثقافيا"ال يترك شخص ما دون أن يؤقلم . موطنه وبالروح واآلمال اليت تزكيه هو ومواطنيه

١٨

مثل هذه الدراسة هي اليت ميكن أن حتصنه ضد . مع اإلسالم واتمع الذي يعيش فيه" اجتماعيا"ومثل هذه . قارع احلجة باحلجة والربهان املوضوعي مبثلهالغزو الفكري والعقائدي، إذ متكنه من أن ي

الدراسة هي وحدها اليت ميكن أن تعده ليسهم بأصالة يف حياة األمة الثقافية وتقدمها؛ إذ من خالل اإلسالم والطريق اليت سوق " قناعة"هذا املنهج وحده سوف يعرف جوهر احلضارة اإلسالمية و

عن – ونفسه بالتايل –؛ وسوف يعرف أيضا كيف مييز أمته األمة– أو تود تسلكها –تسلكها . اآلخرين وكيف يعتز ذا التميز وحيرص على صيانته وعلى جذب اآلخرين لالقتراب منه

وكيف يكون على وعي . إن دراسة احلضارة هي الطريق الوحيدة لتنمية معىن الشخصية يف الفردعرف الروح الذي بعثت فيهم احلياة ، وبعثت احلياة يف كل أعين من ال ي! بذاته من ال يعرف أسالفه؟

ما أجنزوه يف ميادين الفنون والعلوم ، ويف حيام السياسية واالقتصادية ونظامهم االجتماعي وجتربتهم اجلمالية ، وكيف يكون على وعي بذاته من ال تتحرك مشاعره آلالمهم ومآسيهم أو ألجمادهم

إن الوعي بالشخصية الذاتية ال يتأتى إال حني يقارن املرء مثل هذه ! هلم؟وانتصارام وال تلهمه آماإن معرفة الذات فقط . املعرفة بأصوله وتراثه مبا يعرفه عن الشعوب واجلماعات األخرى وحبضارم

ملعرفة الفرق بينه وبني اآلخرين، ليس فقط يف املطالب املنفعية ولكن يف النظرة إىل ] هي األساس [جمال املدنية واحلضارة اللتني : هذا هو اال الكامل لإلسالم . ويف احلكم األخالقي والروحيالكون

بنامها اإلسالم ومنامها على امتداد العصور، والوصول إىل ذلك ال يتم إال بدراسة اإلسالم وحضارته زمننا هذا البد أن يف" عصريا"ولكي يكون املرء . مث بالدراسة املقارنة للديانات واحلضارات األخرى

يكون واعيا حضاريا ، أي واعيا بطبيعة تراثه احلضاري وبالروح الذي أوجد مظاهره املختلفة ومبا وبدون هذه املعرفة ال ميكن . مييزه عن بقية تيارات التاريخ احلضاري وجباذبيته واجتاهه حنو املستقبل

فالقوى . ا أن متتد به احلياة يف هذا العاملللمرء أن يكون فعاال يف حتديد مصريه، بل ال ميكن يقين أن تصل إىل أي فرد وتتجاوزه دومنا – خالفا للماضي –احلضارية املتنافسة يف هذا القرن تستطيع ميكنها أن تفسد عقله وأن حتوله إىل وجهة نظر عواملها . حاجة إىل غزو أو احتالل عسكري لبالده

ومن املؤكد أن هذه القوى تتنافس . سواء أكان واعيا ذا أم المث حتيده وحتتويه ليصري لعبة يف يدها وإحراز اإلسالم الظفر غدا أمر ميلك املسلمون اليوم البت فيه . فيما بينها للسيطرة على العامل

ومن . وفيما إذا كان املسلمون سيصبحون صناعا للتاريخ أو جمرد موضوعات يكتب عنها التاريخوكل إنسان . رية الدائرة يف العامل اليوم لن تترك أحدا مبنجاة من إصابتهااملؤكد أن املعركة احلضا

البد له من أن يتأثر ذا الطرف أو ذاك من األطراف املتنافسة ما مل يقم هو نفسه مبعاجلة احلضارة . الغازية فيصبح، لذلك، مؤثرا يف اآلخرين

المية ستبقى حية ما دامت تدرس يف أقسام إنه ال يليق باملسلمني أن يعتقدوا أن احلضارة اإلسوالواقع أن إنشاء املسلمني أقساما . الدراسات اإلسالمية ومعاهدها ويف كليات الشريعة أو جامعاا

١٩

للدراسات اإلسالمية يف جامعام لدليل على احنطاطهم ، وأن تلك األقسام ليست دائما سوى نسخ ات الغربية حيث تكون دراسة اإلسالم جمال ختصص لقلة من أقسام الدراسات االستشراقية يف اجلامع

إن الطريق إىل دراسة الشريعة جيب . ممن حيتاج إليهم اتمع لتدبري شؤون عالقاته بالعامل اإلسالمي، وذلك على الرغم من أن احلاجة إىل متخصصني يف الشريعة يقومون أن يفتح أمام كل أفراد األمة

. سلمني ستظل تتطلب ذلك التدريب الرفيع الذي تقدمه كليات الشريعةبالفصل يف اخلالفات بني املإن كل فرد جيب أن يكون لديه علم حيوي بعلوم الشريعة فذلك هو املنهاج املعياري أو منهج

.الوجود اإلسالمي زد على هذا أن معرفة اإلسالم وحضارته ليست أمرا خيص القلة وحدهم، إذ ليس املتخصصون

إنه لكل البشرية، وقد وضع لريتفع بكل . الذين يعنيهم التصور اإلسالمي أو حيتاجون إليهوحدهم همإن اإلسالم ليبغض تفرقة الناس إىل رجال دين ورجال . من أخذوا به إىل مستوى أعلى من الوجود

سالمية ولذا فالرؤية اإل. دنيا، ويصر على أن واجب كل الناس أن يعرفوا احلق ويعملوا به ويدعوا إليهومىت مل يصبح كل فرد حمصنا ضد . حيتاجها اجلميع لتحميهم من املبادئ األجنبية اليت تغزو وعيهم

أضف إىل هذا أن اإلسالم هو الدين الشامل الذي تالئم . األمراض، فالضحية هي األمة وال شكإنه . افيا أو روحيارؤيته كل نشاط وكل جهد إنساين سواء أكان بدنيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثق

. دينا أخرويا فقط يقنع بأمور الالهوت تاركا ما وراء ذلك لقيصر– كاملسيحية أو البوذية –ليس ليس هناك ما ميكن أن يقال أو يؤدى يف أي متجر أو مصنع أو مكتب أو مرتل أو مسرح أو حقل،

ومن . ئرة اختصاص اإلسالمومن باب أويل يف أي قاعة للدرس أو خمترب، دون أن يكون داخال يف دا له ، بل حكم هنا فإن حصر هذا التصور اإلسالمي الشامل يف قسم واحد أو كلية واحدة إمنا هو بتر

هذا التصور جيب أن يكون هو املبدأ األول املوجه واملسيطر يف كل فرع من فروع . عليه باملوت . املعرفة ويف كل مهنة وكل عمل إنساين

إىل منهج دراسي ميتد على مدى أربع سنوات ويكون جزءا من – بناء على هذا – إننا حنتاج وجيب أن . الذي يدرسه مجيع الطالب بصرف النظر عن ختصصام أو مهنهم" األساسي"الربنامج

يهدف هذا املنهج إىل تعريف الطالب املسلم يف السنة األويل مببادئ اإلسالم كجوهر للحضارة سنة الثانية إىل التعريف باإلجنازات التارخيية للحضارة اإلسالمية كثمرات للمبادئ اإلسالمية ؛ ويف ال

األوىل لإلسالم شهدها الزمان واملكان ؛ ويف السنة الثالثة إىل التعريف بوجوه االتفاق واالفتراق بني ريف بتفرد احلضارة اإلسالمية واحلضارات األخرى يف اجلواهر واملظهر ؛ ويف السنة الرابعة إىل التع

احلضارة اإلسالمية كخيار حي وحيد ملعاجلة املشكالت األساسية للمسلمني وغري املسلمني يف عاملنا .املعاصر

٢٠

: املعارف احلديثة" أسلمة") ٢(إا خلطوة عظيمة إىل األمام إذا ما فرضت اجلامعات والكليات يف العامل اإلسالمي مقررات دراسية

إن ذلك سيمد . سالمية كجزء من برنامج الدراسات األساسية جلميع الطالبإجبارية يف احلضارة اإلالطالب باإلميان بدينهم وتراثهم وسيزرع يف نفوس الثقة بأنفسهم لينهضوا ويواجهوا مشكالم

. لكن هذا ال يكفي. احلايل ، ويتغلبوا عليها مث ينطلقوا حنو الغاية اليت كلفهم ا اهللا تعاىلو الغاية اإلسالمية والعمل على جعل كلمة اهللا هي العليا يف الزمان واملكان ال غىن هلما إن االنطالق حن

وقد وجدنا املسلمني قبل أن . هذه املعرفة هي هدف العلوم املختلفة. عن معرفة العامل احمليط بنا يسقطوا يف الضعف والنوم يطورون العلوم وحيددون بوضوح عالقة اإلسالم بكل واحد منها من

حيث القيم واألنظار املتعلقة باحلياة ، وقد جنحوا كذلك يف جعلها جزءا ال يتجزأ من بناء املعرفة هلذا حققوا إجنازات رائعة يف كل امليادين ، كما استخدموا هذه املعرفة بكفاءة لريتفعوا . اإلسالمية

اث العلماء واملثقفني وحني ركدت ريح املسلمني قام غري املسلمني فأخذوا تر. مبثلهم اإلسالميةاملسلمني وكيفوه مع نظرم للحياة وأقاموا على ذلك خمتلف العلوم ، وأضافوا إليه مسامهات ذات

واليوم، هاحنن جند أن غري املسلمني . قيمة مث استغلوا كل تلك املعارف اجلديدة فيما حيقق مصاحلهمسلمني وإجنازام ونظرم للعامل ومشاكلهم واليوم جند مؤلفات غري امل. أساتذة لكل العلوم بال منازع

إن شباب املسلمني اليوم . ومثلهم العليا هي اليت تدرس للشباب املسلم يف جامعات العامل اإلسالمي . ويف جامعات املسلمني يتم صبغهم بالصبغة الغربية وعلى أيدي األساتذة املسلمني

صصني من علماء املسلمني أن يتقنوا كافة الشك يف أن على املتخ. إن هذا الوضع جيب أن يتغريالعلوم احلديثة وأن يفهموها حق الفهم وأن يصبح يف حوزم وطوع أمرهم كل ما ميكن أن

يلي ذلك أن عليهم أن يدجموا هذه املعارف اجلديدة ... هذا شرط ضروري وأويل. تقدمه من فوائدة التفسري والتكييف لكل مكوناته طبقا ملا يف بناء التراث اإلسالمي عن طريق احلذف والتعديل وإعاد

ومن الواجب أن حتدد بوضوح جهة التالقي و املالءمة بني اإلسالم . متليه قيم اإلسالم ونظرته للعاملويف النهاية، عليهم . كما جيب أن يأ املثل اإلسالمية. وفلسفة كل علم ، أعين مناهجه وأهدافه العليا

املثل وأن يعلموا األجيال اجلديدة من املسلمني وغري املسلمني كيف كطالئع أن يعطوا من أنفسهم يقتفون خطوام ويوسعون من آفاق املعرفة اإلنسانية ، وأن يكتشفوا املزيد من قوانني اهللا يف اخللق ،

.ويؤسسوا طرقا جديدة لوضع إرادته وتكاليفه موضع التحقيق يف واقع احلياةعىن بالتحديد أسلمة العلوم ، أو مبعىن أوضح ، إنتاج كتب دراسية أ( إن مهمة أسلمة املعرفة

وال نعرف مسلما من . هلي من أصعب املهمات) جامعية يف حنو عشرين علما طبقا للتصور اإلسالمي. قبل قد درسها بعمق يكفي إلدراك متطلباا إدراكا واضحا وحتديد خطواا ومقاييسها التنفيذية

٢١

نا السابقون هو العمل على اكتساب معرفة الغرب وقوته ، بل إم مل كل ما فكر فيه مصلحوإن جيلنا احلاضر فقط هو . يكونوا مدركني ملا بني معارف الغرب والرؤية اإلسالمية من تناقض

وإن العذاب الروحي الذي صبه التناقض علينا .الذي أدرك هذا التناقض إذ عاشه يف حياته الفكريةزع مدركني متاما ملا حيدث أمام أنظارنا من استالب للروح اإلسالمي يف جعلنا ننتبه يف فقد

ونضع ألول مرة يف جامعات املسلمني ومن هنا ضنا ننذر العامل اإلسالمي وحنذره من اخلطرالتاريخ خطة مفصلة إليقافه ومقاومة آثاره مث وضع التعليم اإلسالمي من جديد يف مساره الصحيح

. املقدرةحىت يؤدي إىل غايته ومن املؤسف جدا أن العامل اإلسالمي حمروم حىت اآلن من مركز علمي تتم فيه مناقشة مثل هذه

إننا حباجة إىل جامعة تكون مبثابة مركز رئيسي للفكر اإلسالمي، فيها تتم عملية أسلمة . القضايا العلياث تتناول مناهج كل من املرحلة العلوم ووضع النتائج موضع االختبار يف فصول دراسية وحلقات حب

املعهد العاملي للفكر "التعاون مع " إسالم أباد"وقبل أن تبدأ جامعة . اجلامعية ومرحلة الدراسات العليا، مل جند أي معهد تعليمي يف العامل اإلسالمي قد حرك ساكنا حنو أسلمة املعرفة أو إعداد "اإلسالمي

الستخدام يف الكليات أو حىت إعداد األدوات الضرورية كتب إسالمية يف املواد الدراسية تصلح لورغم ذلك، فإن املرء يسمع يف كل مكان عن احلاجة إىل . للبحث من أجل تأليف هذه الكتب

وعلى املستوى الرمسي حيث تتوفر قوة اختاذ القرار، . رجاله ومؤسساته، مناهجه وكتبه: أسلمة التعليم . يصدر عن اجلهالء أو يستهدف تضليل اجلماهريال جيد املرء أكثر من الكالم الذي

إن هذه املهمة هي أنبل املهمات وأمسى حتقيق لإلدارة اإلهلية وأول الواجبات األخالقية إن ديانات العامل وضة الغرب الرأمسايل والشرق الشيوعي مل تبدأ منوها وتطورها ومل . وألزمها

إن : وأضعف اإلميان أن يقال. عها باحلياة واحلركةتنجز ما أجنزت بدون قضية كهذه متد أتبااملسلمني كذلك عليهم أن يعقدوا العزم األكيد على التضحية بأرواحهم يف سبيل قضية إن أرادوا

ومع ذلك فإن اإلسالم ليس واحدا من .ألنفسهم أن يصبحوا من صانعي التاريخ ال جمرد متأثرين بهاحد، وال هو بالذي يعرض دعواه على أا عقيدة جاءت نتيجة تلك النظريات ينظم معها يف سلك و

إن دعوى اإلسالم . التجربة الشخصية واالختيار الذايت جيوز أن تتبىن وجيوز أن ترفض بطريقة اعتباطيةإا ذات صالحية عاملية وهلا على البشرية شرعا حق االعتراف ا . دعوى عقلية وضرورية ونقدية

انبها العقلي ال ميكن أن تقابل إال بالدليل والربهان وهو ما جيب أن يرحب به فمن ج. واإلذعان هلاإن كل مكونات دعوى اإلسالم، وكذلك عالقته بكل . من يعتنقها من املسلمني ويرد عليها باحلجة

ومادامت الرؤية اإلسالمية قد أقامت دعواها ورفعتها يف . العلوم ال ميكن أن تقبل دون دليل مقنعلى مستويات العلم وأبرزا حقيقة واقعية يف وجه أمسى درجات الوعي وأشدها حساسية ، وجه أع

٢٢

واألوىل هي مسة . ال ميكن أن ترفض أو تقاوم إال بدافع من الالمنطقية أو احلقد– واحلال هذه –فإا اه اإلسالم كال الفريقني يشكل ما أمس. اجلهالء ذوي الفقر العقلي، واألخرى هي مسة األعداء األلداء

". باجلاهلية" هذه إذن هي املهمة اليت تواجه رجال الفكر والقادة من املسلمني، أن يعيدوا صياغة التراث

ولن يوجد التصور اإلسالمي ما مل يكن تصورا للحياة . البشري كله من وجهة نظر اإلسالمإن إعادة صياغة املعرفة على . ومواحلقيقة والعامل ، وهذا املضمون هو هدف الدراسة يف خمتلف العل

، أي إعادة تعريف املعلومات وتنسيقها وإعادة التفكري " أسلمتها"أساس عالقة اإلسالم ا ، مبعىن يف املقدمات والنتائج املتحصلة منها ، وأن يقوم من جديد ما انتهي إليه من استنتاجات وأن يعاد

عل تلك العلوم تثري التصور اإلسالمي وختدم على أن يتم كل ذلك حبيث جي.... حتديد األهداف وأعين ا وحدة احلقيقة ووحدة املعرفة ووحدة اإلنسانية ووحدة احلياة والطبيعة –قضية اإلسالم

أن حتل هذه حمل التصورات –الغائية للخلق وتسخري الكون لإلنسان، وعبودية اإلنسان منه وأعين ا – كذلك البد للقيم اإلسالمية . وتنظيمهاالغربية وأن يتحدد على أساسها إدراك احلقيقة

أثر املعرفة يف حتقيق السعادة لإلنسان وتفتح ملكاته وإعادة النظر يف املخلوقات حبيث جتسد السنن اإلهلية وبناء الثقافة واحلضارة، وإقامة معامل إنسانية بارزة يف املعرفة واحلكمة والبطولة والفضيلة

بد هلذه القيم من أن حتل حمل القيم الغربية وأن توجه نشاط التعليم يف كل ال–والتقوى والورع . ااالت

. ورغبة يف الدقة والوضوح سأتناول يف الفصل التايل املبادئ السابقة بشيء من التفصيل

٢٣

الثالثالفصل

التصـور املنهـجي

جوانب القصور يف املنهجية التقليدية) أوال(

يف القرنني السادس " األمة"هيب الذي صبته القوى غري املسلمة على نتيجة للتدمري الرد قادة املسلمني ق ف– اهلجوم التتري من الشرق واحلمالت الصليبية من الغرب –والسابع اهلجريني

وملا ظنوا أن عاملهم اإلسالمي قد قضي عليه باهلالك بالغوا يف . أعصام وفقدوا الثقة يف أنفسهم وأرادوا أن يصونوا شخصيتهم وإسالمهم الذي هو أمثن ما ميلكون وذلك بتحرمي كل إبداع "احملافظة"

يف تلك الفترة قد أعلنوا إغالق باب واوكان". الشريعة"والدعوة إىل االستمساك احلريف بنصوص لغت قد ب" الشريعة"وهو املصدر الرئيسي للتجديد يف القانون، وملا كانوا قد اعتربوا أن " االجتهاد"

، والبدعة أمر غري حد الكمال فيما كتبه السلف فقد أعلنوا أن كل خروج على ما كتبوه بدعة على الصورة اليت قدمتها مدارس الفقه" الشريعة"وهكذا انتهى األمر بتجميد . مرغوب فيه بل مذمومقق على بقاء اإلسالم، ولكن بقاء اإلسالم، وما حتواساعدفقد ) التجميد(، ومن خالل ذلك

للمسلمني من نصر وتوسع يف روسيا ويف البلقان ويف جنوب شرق أوربا ووسطها فيما بني القرنني واسع على نطاق لتصوف وطرقه اوإن كان تبين . الثامن والثاين عشر اهلجريني مل حيطم قيود اجلمود

ذا بقيت وهل. كمصدر لإلبداع" االجتهاد"قد ساعد املسلمني على مواجهة هذه الصعوبات يف غياب رب قوة واجهوا ا غنظاما مغلقا حىت العصور احلديثة اليت أعطي العلم والتكنولوجيا فيها لل" الشريعة"

. املسلمني وهزموهم

يف العصور احلديثة أوقف الغرب الفتوحات العثمانية يف أوربا، مث احتل كل العامل اإلسالمي واليمن ووسط جزيرة العرب – أخرج منها بالقوة اليت–، باستثناء تركيا واستعمره وقسمه إىل فرق

الغربية ضعف املسلمني أبشع ىوقد استغلت القو. وغرا حيث مل يكن ا ما يغري باالستعماروسامهت بشكل رئيسي يف مرض العامل اإلسالمي الذي سبق وصفه يف مطلع هذه ، استغالل

ت اليت أنزهلا الغرب بالعامل اإلسالمي خالل ويف مواجهة هذه اهلزائم واملآسي واألزما ...الدراسةاألمة على " يغربوا"القرنني املاضيني، حاول زعماء املسلمني يف كل من تركيا ومصر واهلند أن

ولكن التجربة أثبتت فشلها . أمل أن مينحوها بذلك روح احلياة سياسيا واقتصاديا وعسكريا

٢٤

أشد ما يكون يف املواقع اليت كان فيها فشلها وكان احلرص على تطبيقها. حيثما مت استخدامهامهد الطريق أمام مصطفى كمال ليلغي كافة تركيا فإن التغريب ففي . صارخا كما يف تركيا ومصر

أي استبدل النظام . املؤسسات اإلسالمية ويرفض كل مبدأ إسالمي موروث ذي عالقة باحلياة العامة وقت صدور ستني سنة" (التغريب"وبعد جيلني من واليوم، ...الغريب بالنظام اإلسالمي كله

لقد جنح ...، نرى تركيا تشبه سائر البالد اإلسالمية األخرى ضعفا وفقرا يف كافة ااالت)الكتاب. مل يفعل شيئا سوى ذلكهإىل حد ما يف جتريد إحدى طبقات اتمع من إسالمها، ولكن" التغريب"

ك النظام اإلسالمي رأقل، فقد مت زرع نظام غريب وت" التغريب"أما يف مصر حيث كان اإلصرار على ؛ ولكن مل حيرز أي منهما تفوقا وكان هناك تنافس بني النظامني. التقليدي حييا معه جنبا إىل جنب

امليزانيات العامة والدعم واحملاباةمن إنفاقيذكر على الرغم من املزايا اهلائلة اليت متتع ا النظام الغريب . كل ما جنحا فيه هو أن أضعف أحدمها اآلخرو ...لنظام الغريب لاحلكوميني

: الفقه والفقهاء؛ االجتهاد واتهدون)١(

الذي لديه هذا " الفقيه" ومنها ،اليوم العلم بالشريعة على مذهب معني" فقه"يعين مصطلح على املعرفة بالشريعة على –ق منه وكذلك ما اشت–باملعىن العام " الفقه"كما قد يطلق لفظ . العلم

ا من اللغة العربية ومن نصوص األحكام يف القرآن وتتطلب هذه املعرفة متكن...كل املذاهب الفقهية حمصور يف حدود ضيقة إذا ما قورن مبعين الكلمة "اصطالحي"ومن الواضح أن هذا معىن . والسنة

ا يف آيات عدة، وهو معىن يشري إىل اإلدراك ، وقد تكرر ذكرمه)كفعلني" (تفقه"و" فقه"القرآنية إن االنتقال من هذا ... والتفسري، وباختصار إىل معرفة اإلسالم ككل، والوصول إىل اللب،والفهم

املعىن العام للكلمة إىل ذلك املعىن التخصصي الضيق هلو يف حد ذاته إشارة إىل حاجة األمة الشديدة كما أن هذا التحول يف معىن . ة وأنشطتها املتباينةقاهاا اخلالإىل معىن عام قادر على استيعاب اجت

ان دليال على عتربالكلمة، وفقدان اجلانب احليوي الذي كان االستعمال املبكر هلا يشري إليه، لي الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأمحد بن –لقد فهم فقهاء اإلسالم العظام . وضيق الرؤية" احملافظة"

ال على معىن األصول العامة للقانون اإلسالمي، بل على أنه " أصول الفقه"صطلح معىن امل–حنبل . املبادئ األوىل للفهم اإلسالمي للحياة والواقع

صحابة رسول اهللا وجيل : أعين– جند أن األوائل من فقهاء األمة فإنناأكثر من هذاوالعلم بكل األمور اليت تؤثر يف حياة كانوا مربزين يف –) رضي اهللا عنهم(التابعني ومؤسسي املذاهب

، وأساتذة فعال يف كل التخصصات من لقد كان فقهاء العصور األول موسوعيني حبق. املسلمنياألدب والقانون إىل الفلك والطب، لقد كان هؤالء رجاال متخصصني عرفوا اإلسالم ال على أنه

٢٥

ياة يعيشها وميارسها بالفعل ماليني من قانون فقط، بل على أنه مثال ونظرية ونظام من الفكر وحأو " الذوق الشرعي" لقد كانوا ميتلكون أرقى املؤهالت اإلسالمية على اإلطالق، وأعين ا ...الناس

وإذا كنا نعتربهم مثال لتناول مشاكل املسلمني تناوال خالقا بسبب . البديهة اليت تدرك مقاصد القانوناليوم، خريج اجلامعة، من علم وحكمة ال يؤهالنه " فقيه" ما لدى ة، فمن املؤكد أنتميزكفاءم امل

. باهرنجاحبلالضطالع باملسؤوليات اليت ض ا أولئك األولون

، كان أجرؤها ما ، متت عدة حماوالت لإلصالح الذايت ويف داخل النظام التقليدي نفسهلوعي من املسلمني يف كل مكان قد ومع أن أهل ا. طرحه حممد عبده وأستاذه مجال الدين األفغاين

ن املؤهالت التقليدية املطلوبة ألأوال : باركوا دعوا لفتح باب االجتهاد فإن احملاولة قد فشلت لسببنيالتقليدية، " املدارس"يف خرجيي " االجتهاد"ظلت كما هي، وبذلك احنصرت ممارسة " اتهدين"من إذ أن خرجيي املدارس التقليدية هم بالتحديد من الجتهاد ، يف أولئك الذين ال يرون حاجة إىل اأعين

يف رغبة الناس عدم تلقوا تعليما أقنعهم بأن املنهج مناسب متاما وأن مشكلة العامل اإلسالمي تكمن يف أعين الشخص الذي –" الفقيه"على أنه يعين بالضرورة " اتهد"ن فهم ألثانيا، و. إدراك قيم اإلسالم

ر قادرا على أن حيول املشاكل إىل مصطلحات قانونية ويصدر عليها أحكاما طبقا تدرب حىت صاوهذا قد . ضمن تلك األمناط" التحديث" هذا الفهم قد حصر أو أدرج مشاكل –ألمناط القانونية ل

، أو إصدار "الفتوى"أكثر وأكثر عن طريق تركيز جهوده كلها يف " االجتهاد " مساحةزاد من تضييقهذا . املسلمون يف حيام اليومية– أو يفترض أن يفعلها –قهية على أعمال معينة يفعلها أحكام ف

ل، وضاع على ك قد أصبح عاجزا عن النظر إىل املشكلة ك ذا املفهومالتقليدي" اتهد"أو " الفقيه" اليت حددها املعايري والقواعدبني التطابق بني األعمال املعينة ودرجة هذا النحو يف عملية حتديد

إن املوقف يستدعى منهجية جديدة ال قدرة للمجتهدين التقليديني على تصورها، . مذهب أو أكثر . يستدعى أن تنفتح من جديد طبيعة فهمنا لألصول، أو مصادر املعرفة اإلسالمية

":للعقل" "الوحي"مصادمة ) ٢(

و " الوحي"ل بأن كال من لعل أخطر تطور مأساوي يف التاريخ الفكري لألمة كان هو القوولقد كان ظهور املنطق اليوناين وتأثريه على بعض املسلمني، الذين كانوا . غريب عن اآلخر" العقل"

حريصني كل احلرص على استخدام أساليبه إلقناع غري املسلمني حبقائق اإلسالم هو الذي وضعهم صارى واليهود الذين تأثروا بالثقافة إن الن. الطريق اليت انتهت م إىل مثل هذا القولبداية على

عندما أسلموا" األمة"لينية قد عاشوا قرونا حتت ظل هذه الثنائية؛ وكثريون منهم نقلوها معهم إىل لاهل

٢٦

وقد ". املتكلمني"، وكان الفارايب هو الذي أعطاها صيغتها التقليدية اليت انتصر هلا الفالسفة ضد مث . كان يرضيهم أن يشرحوا العقيدة يف حتديد ووضوحممن " املتكلمني"قبلها بعض متأخري

الذي " التصوف"أصبحت سائدة يف جمال اادالت الفكرية يف عصر االحنطاط، خاصة يف ظل تأثري دعا إىل منهجية قائمة على أساس حدسي خالص، أو خفي غالبا، ومن هنا مل جتد بأسا يف القول ذه

. الغربة بني العقل والوحي

بل إنه ألمر مناف لروح اإلسالم ...أمر غري مقبول باملرة" العقل"و " الوحي"ل بني إن الفصإن دعوة اإلسالم عقلية . كله ومعارض ملا يف القرآن من دعوة أساسية للعقل واملنهج املتسم بالوسطية

غية أن ، خالفا لتلك األديان اليت حتاول أن جترف عقل اإلنسان وتسيطر على ضمريه ب مميزة ونقديةإن اإلسالم يهيب بالناس دائما أن يستخدموا . يسلم راغما مبا ليس مبعقول بل مبا هو سخيف

وأن يفكروا يف البدائل وأن يكون فكرهم ، ، وأن ميحصوا مبلكام النقدية كل الدعاوى ذكاءهمعزلوا حبال وأن ال ين، ال يقول أحدهم سوى احلق الذي هو على يقني منه ، وأدائما مقنعا ومنسجما

وبدون العقل ال ميكن . وال ختلو صفحة من صفحات القرآن من مثل هذا احلث واإللزام. عن الواقعوبدونه تستوي . أن تدرك حقائق الوحي إدراكا كامال أو تنكشف طبيعتها السماوية أو يعترف ا

ن العقل، فإنه يكون وإذا قبل الوحي على غري أساس م. دعاوى الوحي مع غريها من الدعاوى الباطلةليس ألي أطروحة دينية قائمة على أساس املزاج الشخصي أن و. مقبوال شخصيا اعتباطيا قابال للتبدل

وحني بالغ . تزعم أا مستحقة للقبول لدى البشر مجيعا أو لدى نسبة معتربة منهم لفترة طويلةإن . األبواب لفساد العقيدةاملسلمون يف التأكيد على احلدس على حساب العقل أدى ذلك إىل فتح

عدم فصلها عقليا عن اللغو يعطي الفرصة للخرافات وحكايات العجائز أن تتزيا بزي احلقيقة على حساب العقيدة " العقل"، ومثل ذلك متاما أن املبالغة يف التأكيد على وتتسرب إىل العقيدة

.فعية واآللية واخلواء املادية والنحيث اختزلته إىل" حياة العقل"احلدسية قد أفسد

:الفصل بني الفكر والفعل) ٣(

كانت ... والقائد هو املفكر ،ة األوىل من تاريخ اإلسالم كان املفكر هو القائدبيف احلق. ..احلماسة لتحويلها إىل واقع يعاش هي اليت حتدد السلوككانت و، الرؤية اإلسالمية هي املسيطرة

كان كل مسلم واع يعمل جاهدا لسرب أغوار . إلسالمي كلهكانت هي الشغل الشاغل للمجتمع ا لقد كان الفقيه ...احلقيقة كي ختضع املاديات والفرص لتشكيل جديد يصبها يف القوالب اإلسالمية

باإلضافة إىل كونه " متكلما"و " مدرسا"و " حمدثا"و " قارئا"و " جمتهدا"و " إماما"يف الوقت ذاته وإذ أحس بضعف يف أي من هذه . ائدا عسكريا وزراعيا أو تاجرا أو صاحب حرفةزعيما سياسيا وق

٢٧

كان كل فرد يعطي يف سخاء . استعداد ليتقدم فيسد هذا النقصعلى اجلوانب وجد كل فرد حوله . كل ما لديه من أجل القضية، كما كان يشعر بأن قوة اآلخرين قوة له

ىل حد أن ضعف أي فرد منهم سرعان ما كان يزول كان املسلمون من التالحم فيما بينهم إونظرا إىل أن الفكر اإلسالمي بطبيعته فكر متوجه حنو . نتيجة تضامن اجلميع وجتربتهم الكلية

احلقيقة، فإن هذا االرتباط باحلياة واملمارسة الفعلية كان مبثابة املخترب الذي امتحنت فيه كفاءة بط الفكر باحلقيقة الواقعية واضطره إىل أن جيعل من الصاحل كذلك فإنه قد ر. األفكار اإلسالمية

تشهد إال قليال من الفكر التأملي وإذا كانت تلك الفترة مل. العام للناس رجاال ونساء بؤرة اهتمامه وا يعطون يكن ناشئا عن عجز، بل ألن مجهور املفكرين املسلمني كان فإن ذلك مليأو امليتافيزيق

. مجاهري األمة من أن تعيش حياة ملؤها العافية والعقل والفضيلة واالزدهاراألولوية لتمكني

املبدعة ، تفإن حياة الناس الواقعية قد استفادت من األفكار القيادامن ناحية أخرى، وإذ كان ذلك الواقع الذي يعيشه الناس هو جمال تفكريهم املستمر، فكان الفكر املالئم يوضع

ولذلك ازدهرت األمة . مشاكل األمة، وكانت احللول تأيت مناسبة للمواقفموضع التطبيق حلل موضع نظر العقول املمتازة، هي كانت دائما ؛ ألن مصلحة األمةيف كافة جماالت الفكر واحلياة

ذاا كانت هي املبدعة وكانت احللول اليت يقترحوا ترتل إىل ساحة الفعل وتنفذ ألن العقول . ذ أو كانت على اتصال وثيق مبن يقومون بذلكينفتالاليت تقوم باليت توجه القوى

وما إن مت االنفصال بينهما حىت بدأ . لكن فيما بعد انفصمت هذه الرابطة بني الفكر والفعلينتقلون من أزمة إىل أزمة التنفيذية فأصبحت القيادة السياسية ومن بيدهم القوة . كل منهما يتدهور

وكانت النتيجة ختبطا يف العمل ينفر من . بفكر العلماء ومشورم وحكمتهمحمرومني من االنتفاعوإذ وجد القادة أنفسهم يف موقف . يف مزيد من العزلة السياسيني املوضوعات اجليدة ويضع القادة

أما املفكرون فقد أصبحوا غرباء . الدفاع فقد أدى ذلك إىل ارتكام مزيدا من األخطاء الفادحةوا إىل املثاليات كمسوغ لسخطهم على أ املشاركة الفعالة يف شؤون األمة، ولذلك جلومبعدين عن

وقد ..".واقعي " ماهويف مقابل" معياري"ماهو بدأ بعضهم يبالغ يف رفع مرتلة . السلطة السياسية أما من مل يكن ،لالضطهاد من قبل السلطة احلاكمة ة تعرض أولئك الذين كان لسخطهم آثار سياس

هناك فريق آخر من و. جعوا على التحليق بعيدا عن احلقيقة الواقعيةم تلك اآلثار فقد شلسخطهالتوتر عم وقد نتج . بسبب ارتباطهم بالقيادة السياسية الصحيحةاملفكرين بدأوا يتنازلون عن املعايري

اال إىل ياستبداديا ومفحني أصبح الفعل . تعددية أدت إىل تدمري الفكر والفعل معا بني الفريقني املتزايداستخدام العنف هجر الفكر ميدان الواقع التجرييب، وهو الصاحل العام للناس، وأقنع نفسه بالتعليق

ن وسرعان ما أصبحت األمة معزول ع. على أعمال السابقني أو بالتحليق يف أجواز التأمل الصويف

٢٨

ن ومغتصبو يالطغاة والقادة الفاسد حكم زمن طويل تواىل فيه لقد مر على األمة. قيادا السياسيةالعرش واخللفاء الدمى ممن حيركهم أصحاب القوة من ذوي السلطان، مما أضعف معنويات األمة

يف هذا اجلو تلقفتهم اجلماعات الصوفية وهيأت هلم التربية الروحية . وأبعدها عن ساحة السياسةوأصبح . ك عما فقدوه على مسرح التاريخالذاتية والتثقيف من خالل التجربة الصوفية وعوضتهم بذل

. الدين عندهم مهربا من الطغيان الذي ال حيتمل

وبينما كان السلطان حيكم وال معارض له كانت أعظم الطاقات العقلية يف األمة تتخذ واختفت . طريقها وبسرعة حنو القيم الروحانية والفردية والذاتية اليت متخض عنها التصوف

بني وقابلية التحول احلقبة املبكرة، وهي التكافؤ بني الروحي واملادي الدنيويالسمة اليت ميزت ؛ وحل حملها اجلري وراء الروحاين على حساب الدنيوي ووراء اآلخرة على أحدمها واآلخر

وإذ فقد الفكر اإلسالمي صلته الوثيقة بالتجربة الواقعية يف حياة األمة، أصبح . حساب هذه احلياةا يف جمال تفسري القرآن والنظرة إىل احلياة الدنيا ومزدريا للدنيا يرفيا يف جمال التشريع وختمينحمافظا وح

وأصبح كبار املفكرين وعلماء الشريعة . يف جمايل األخالق والسياسة ومستغلقا يف العلوم الطبيعية. القيمة له أا شيء تافهواألولياء ال يبالون بالسلطة السياسية وال بالفعل وينظرون إليها من عل على

وبدا أن األمة قد . هي الشروط األولية للفضيلة بعد ذلكوصارت مقاومة الدنيا أوال مث نبذها كليةفقدت ذلك التوازن بني القيم الفردية واجلماعية اليت مثلتها حياة الرسول صلى اهللا عليه وسلم متثيال

. رفيعا

:الثنائية الدينية والثقافية) ٤(

واقع حياة الصدر الذي كان ميثل ل اجلميع وامآ الذي هو حمط" الصراط املستقيم" كانقد ل ينبثق من الرؤية اإلسالمية األصلية وجيمع كافة متكامالا واحداطريقكان ...األول من املسلمني

يف أما. اجتاهات اإلنسان ونشاطاته يف حركة واحدة تتجه حنو حتقيق الذات اإلسالمية يف التاريخإىل املوحد الطريق هذا وبسبب اجلفوة الواقعة بني الفكر والفعل، فقد انقسم االحنطاط، اتفتر

هذا االنشعاب يف احلياة اإلسالمية إىل منهجني . وطريق اهللا والفضيلة، طريق الدنيا : اثننيآلخر أحدمها جدير بالتقدير ويضم كل القيم الدينية واخللقية، وا–متناقضني على طول اخلط

لقد تبدل . هذا االنشعاب قد أفسد كليهما وقضى عليهما –مذموم يضم العامل املادي وسائر قيمه ة يف الرهبنة البوذية روحانية فارغة تشبه الروحانية اخلاوياألول الطريق ، فأصبح كل منهما تسعى إىل فالروحانية اليت ال تشغل نفسها باملصلحة الواقعية للجماهري واليت ال...والنصرانية

حتقيق العدالة يف مواطن االضطراب والقسوة يف هذا العامل هلي روحانية ذاتية تم بالرغبة الدينية

٢٩

. إا روحانية قائمة على األثرة حىت ولو دعت إىل شيء من أفعال اإليثار. ملن يؤمنون ا وحدهمم عندها إال وسائل وأدوات وما اآلخرون ومصاحله. أليس مهها األول هو حالة الوعي عند السالك

وال عجب، واحلال هذه، أن تسقط هذه الروحانية يف تراث . النفس وتطهريها وتزكيتهابتالءالومل يرد أبدا على . الغنوصية ويف التجارب اخلفية، وأن تصبح فريسة اخلرافات واالجتار باخلوارق

اليت وضعت هلا مبادئها ونظرياا املشايخ الذين أسسوا الطرق الصوفية، والعقول الكبرية انذهأ. األساسية، أن مجاعام سوف تزيغ على هذا النحو وتنتهي إىل أخالق وآمال تتعارض مع اإلسالم

.لكن احلق أن معظم تلك اجلماعات قد استهواها هذا اإلغراء

لى أما طريق الدنيا، من الناحية األخرى، فقد أقام له نظاما ال أخالقيا خيصه، متحلال ع. أخرى من املسلمنيفئة ختص أا الدين نوثلمن ميهذا النحو من املتطلبات األخالقية اليت أعلن

فال مفر من أن يتدهور ويصبح هو يف ن أن تكون القيم اخللقية هي قوام النظام االجتماعيوبدووعلى هذا النحو أصبحت . ةطموح ال يتورع عن بذل جهده للفوز بالغنيمكل ل جائزةنفسه

الستخدام الوحشي للقوة، أو ا وناصب السياسية وسيلة لتعظيم الذاتاحلكومة والقيادة أو املولذلك مل تبد اجلماهري إال مقاومة حمدودة عندما هاجم . البتزاز املنافع األدبية واملادية من الناس

هري مقتنعة بأن املعركة ليست لقد أصبحت اجلما.العدو االستعماري األجنيب أرضها واحتلهاويف النهاية، حني أقامت اإلدارات االستعمارية نظاما تعليميا جديدا وبدأت تؤثر منطا . معركتها

من احلياة والفكر والنشاط غريبا عما لدى اجلماهري، نظرت إليه تلك اجلماهري على أنه حلقة ا يف املاضي ، وأنه أهل لكل مقت وازدراء أخرى من مسلسل النظم التعسفية اليت طاملا عانوا منه

. لكنه ال يستأهل أن تنتفض األمة كلها لتجاهد ضده

املبادئ األساسية للمنهجية اإلسالمية) ثانيا(

هي اليت إلزالة الثنائية املوجودة يف النظام التعليمي، هلي مطلب حتمي إن أسلمة املعرفة فضال "أسلمة املعرفة" إن... ااولعالج احنراف ة األمةإلزالة الثنائية من حيامطلب حتمي بدورها

تأخذ يف االعتبار عددا من فإا ألوان القصور اليت انزلقت إليها املنهجية التقليديةأا تعاجل عن إطار صياغة كافة فروع العلم يفن عملية إعادة ذلك أ ... اإلسالم"جوهر" متثلاملبادئ اليت

لتلك املبادئ [ ومبادئها وغاياامناهج البحث فيهاوات تلك العلوم نظرياإلسالم تعين إخضاع :فيما يلي] واملفاهيم اجلوهرية ، واليت تتمثل

):سبحانه وتعاىل(وحدانية اهللا ) ١(

٣٠

فحوى هذا املبدأ أن و. إسالميماهو لإن وحدانية اهللا تعاىل هي املبدأ األول لإلسالم ولك ال إله غريه؛ وأنه تعاىل هو الواحد األحد، العلي األعلى، وأنه مطلق الكمال اإلله احلق هو اهللا؛ وأنه

هو اخلالق، بأمره توجد كل املوجودات . وكل موجود سواه مغاير له وخملوق له. بكل املقاييس مجال، إرادته هي القانون الذي حيكم الكون لهو مصدر كل خري ومصدر ك. وتقع سائر احلادثات

اهللا يف هوعبادته ومحده واجب كل الكائنات وعلى رأسها اإلنسان الذي خلق. ويقنن لألخالق ربه ويقدر عظمة صنعه، كما منحه القدرة على أن فأحسن تقومي وزوده بالقدرات اليت ا يعر

.يتصرف فيما خلق اهللا ليحقق من خالل ذلك املثل اإلهلية من األخالق واملثل اإلهلية يف اجلمال

، يعيش واعيا بوحدانية اهللا معناه أن يعيش يف عامل ملؤه اجلمال واحليوية أن أن يفكر املرء و موجود بصنعته عز وجل، معتمد يف بقائه على ربوبيته ومتجه دائما بطبيعته ألن كل شيء يف الوجود

فكل . يف مثل هذا العامل ال شيء موجود صدفة أو عبثا أو فارغا من املعىن...ة اإلهليةدارحنو حتقيق اإل صفته فإنه يدرك من العالقات تلكوحني يكون اإلنسان جزءا من عامل . ردتعاىل بقاهللا شيء خلقه

ق هللا وفقري إىل اهللا ومدين و وفوق ذلك كله يدرك أنه خمل ،عدالده حيبينه وبني كل الكائنات ما ال ن وعيه وما فإن عليه أن يكولكي يكون املسلم مسل. ، وأن عليه أن حيبه وأن يعبده حق العبادة له

لق وهو الديان فلن تكون مسلما حىت تفعل كل شيء اوما دام اهللا هو اخل. دائما عامرا بذكر اهللاوكما أن احلياة والطاقة منحة من اهللا فكذلك كل اخلري . كما شرعه لك قاصدا به وجه اهللا وحده

.ميةهذا هو ما جيب أن تكون عليه احلياة اإلسال. والسعادة

فوجوده تعاىل وأفعاله . أما يف الفكر اإلسالمي فاهللا هو مبدأ كل شيء وهو غاية كل شيءوسواء أكان موضوع املعرفة هو عامل . هي األسس األوىل اليت عليها يقوم بناء كل املعارف ونظامها

، فإن املعرفة ريخالذرة الصغري أم عامل النجوم الكبري أم أعماق النفس أم سلوك اتمع أم مسرية التااإلسالمية تنظر إىل موضوع املعرفة من الناحية املادية على أن وراءه عوامل ومالبسات تقدمه ومنها انبثق هذا الشيء، أما التصريف الفعلي لألسباب والذي به يوجد شيء معني من بني ما ال حيصى من

امل ذاا فذلك عمل اخلالق سبحانه األخرى واليت ميكن أن تؤدي إليها تلك العو األشياء املمكنةكذلك، فإن املعرفة اإلسالمية تعترب أن كل شيء يف نطاق املعرفة إمنا حيقق غاية أرادها . بأمرهيتم و

وذلك حىت يصبح نظام األسباب يف هذا الكون نظاما . هللا تعاىل أيضاةاهللا أو خيدم غاية أخرى مرادوغاية كل سلسلة من ، هلية لتحدد غاية كل موجود فرد إلرادة اإلامن الغايات على قمتها تقف

وتدرك املعرفة اإلسالمية أنه ليس مثة موجود أو حقيقة أو قيمة . وغاية النظام العام كله، الغاياتخارج النظام العام بسالسله وتشابكاته، النظام الذي مصدره وغايته هو اهللا تعاىل، وأن أي شيء

٣١

يتصور أو يعرف أو يال وإما ، وإما زائف ،خارج النظام الذي حدده اخلالق فهو إما غري موجودم قو . أنه فحسب تصور خطأ على أنه خارج ذلك النظام ، وإما قيمة له

:وحدة اخللق) ٢(

ة قيلاخل إن وحدانية اهللا سبحانه وتعاىل تستلزم بالضرورة العقلية وحدة : النظام الكوين-أفلو ). ٢٢: األنبياء () الله لفسدتاو كان فيهما آلهة إالل: (كتابه العزيزكما قال سبحانه يف . كلها

زد على هذا أن الكون حينئذ . كان هناك أكثر من حقيقة مطلقة واحد ملا بقيت هناك حقيقة مطلقةلن فك كذلو. حدث هذا فلن يكون ذلك كونا منتظما كما نعرفلونظامني خمتلفني، ولكان سيتبع

إن علينا أن نتذكر أن النظام . يكون من املمكن لنا حنن البشر أن نعرف كونا يسوده أكثر من نظامفمن . الكوين هو الذي ميكننا من أن نتبني األشياء يف صورة مواد أو خصائص أو عالقات أو أحداث

ر ا كأشياء وتكرخالل االتساق أو الوحدة يف النظام الكوين نتمكن من إدراك استمرارية املواد . وبدون هذا النظام الكوين ال تكون األشياء وال األسباب والنتائج هي هي. احلوادث كعالقات سببية

من صنعة خالق واحد سرى نظامه وتقديره يف ألا ببساطةمتكاملواحد إن اخلليقة كلتؤدي وظيفتها يف هذا وهذه القوانني . إن النظام الكوين يتكون من قوانني الطبيعة. كل جزء منها

جانب منه، ماديا كان أو فضائيا، جسمانيا أو نفسيا، اجتماعيا أو وكلالعام وتسرى إىل كل جزء . اهللا تعاىل يف خلقه" سنن"هذه القوانني هي . كل ما هو واقع خيضع لتلك القوانني وينفذها–أخالقيا

ضع هلا النظام يلق الطبيعة ومل خي أنه كما، إن اهللا سبحانه وتعاىل ليس جمرد مصدر هلذه القواننيإنه مل يتخل عن تدبري خلقه، . يتحكم فيهاليتركها تسري نفسها دون أنوالقانون الذي تسري عليه

يتم وعليه فإن كل كائن يوجد وكل حدث يقع يف الكون إمنا. وإمنا هو حي فعال إىل ما ال ايةراحل وجوده، قوة ذاتية دافعة متكنه من التغري، لكن احلق يف أي من محقا إن لدى كل كائن. بأمره

إن هذه القوة احملركة فأكثر من هذا و. أوجدها اهللا وهو الذي حيفظهاقد أيضا أن هذه القوة الدافعة ال تؤدي دائما بذاا إىل النتائج املرتبطة ا بشكل ضروري ال يتخلف، وإمنا بأمر اهللا تتولد النتائج

األسباب املرتبطة ا عادة فاهللا سبحانه وتعاىل قد جيعل سببا ما يؤدى إىل نتيجته مباشرة، املعينة عن سببا ما عن طريق أسباب أخرى فيكون ما يظهر لنا على أنه سلسلة حتمية من دثلكنه قد حي

ثق باهللا تعاىل، ومن جانبنا حنن البشر فإننا ن. األسباب ال يعدو أن يكون سببا إهليا متاما كالسبب املفردو " الغزايل"كما اكتشف فإذنو. أو بنظامه الكوين فنطمئن إىل أن سببا معينا سوف تتبعه نتيجة معينة

فالواقع أن . ، على ما بينها من خالف يف املبادئ، فإن ارتباط السبب باملسبب ليس أمرا حتميا"هيوم". دنا إىل االعتقاد بأن سببا ما تتبعه عادة نتيجة ماوتكرار تقو" تتابع"ما نسميه بالسببية ليس إال عملية

٣٢

وليس هلذه العقيدة من أساس تقوم عليه سوى كرم الكائن األعلى، فاهللا سبحانه وتعاىل ال خيدع أو إنه خالق كرمي نظم الكون ليجعله صاحلا ألن حنيا فيه وألن نفهمه، وكذلك كي نتمكن من . يضلل

. على ما لنا من قيمة أخالقية– من خالل األعمال –نا ونربهن ممارسة اخليارات اخللقية أمام

) خلق كل شيء فقدره تقديرا (سبحانه وتعاىلاهللا : اخلليقة كمملكة من الغايات -بهذا التقدير هو الذي يعطي كل شيء طبيعته وعالقاته باألشياء األخرى، ومنهجه ). ٢اآلية: الفرقان(

فيما خضع كل شيء ليس فقط لنظام األسباب املشار إليها كذلك، فإن التقدير اإلهلي ي. يف الوجودهذه . فكل شيء له غاية ومسوغ لوجوده خيدمه من خالل حياته. ، بل أيضا لنظام من الغايات سبق

ائية أبدا، وإمنا هي دائما خاضعة لغايات أخرى تكو ايتها عنتنتن معها سلسلة الغاية ليست د هي ريإن إرادته تعاىل هي اليت جتعل اخل. اهللا الذي هو الغاية املطلقة والنهاية اليت إليها يعود كل شيء

.خريا

وعليه، فإن لكل شيء موجود عالقة السبب أو النتيجة بكل شيء آخر، فضال عن كوا ضروا تنتهي إىل ات على اختالف ياغأليست غاية كل ال. عالقة ذات اية، أو هي وسيلة لغاية معينة

بالتأكيد جمال مفتوح أمام البشر للبحث –وهي . إن شبكة العالقات غري منتهية! اهللا سبحانه؟ها فلن يستطيع البشر أن يعرفوا سوى القليل منالائية العالقات لكن ما دامتو. واملعرفة واإلعجاب

لكن واجبهم دون غريهم . لتعبريعلى قدر الضوء الضئيل الذي معهم يف تلك الغابة املظلمة إن صح اواكتشاف تلك العالقات وتقنينها يعين وضع األسس . أن جيتهدوا دائما يف البحث عنها واكتشافها

. قدرها تلك السنن حق ولتقديرملعرفة السنن الثابتة اليت وضعها اهللا سبحانه وتعاىل

مرتبطة ببعضها البعض وملا كانت كل الغايات لكل خملوق غاية يعمل خلدمتها، وملا كان ...هادفا نابضا باحلياة مفعما باملعىنغائيا كل هذا جيعل من الكون نظاما برباط السبب والنتيجة فإن

كل تلك –الطري يف الفضاء والنجوم يف السماء واألمساك يف أعماق البحار والكواكب والعناصر فو شرير، حيث إن كل كائن له وظيفته ودوره ال شيء منها عاطل أ. أجزاء متفاعلة يف النظام الواحد

ن بناء عضويا تتفاعل أجزاؤه وأعضاؤه بطرق ال يزال البشر يف بداية وهي معا تكو. يف حياة الكل .الطريق إىل اكتشافها بفضل العلم، لكن يف أجزاء حمدودة جدا من الطبيعة

كل جزء فيها خيدم غاية ما، أما املسلمون فهم يعلمون جيدا أن اخلليقة كيان عضوي، وأن وحني تواجههم أمور مثل افتراس الذئب . وهذا العلم هو مثرة إلميام. حىت ولو كانوا ال يعرفوا

للحمل أو أكل الطائر للفراش أو حتول اجلسد اإلنساين إىل غذاء للديدان، فإم يفترضون أن كل . نظاما من األغراض اليت تنتهي إىل اإلرادة اإلهلية، وأنه بنشاطه الطبيعي حيقق غرضا إهليا أو خريذلك

فالزالزل والطواعني واجلفاف . فاملسلمون ال ميكنهم أن ينسبوا شيئا للصدفة أو لألقدار العمياء

٣٣

مهما تكن –قبل هذه الكوارث تواملسلم ي. من تقدير اهللاإمنا هي والكوارث يف نظر املسلمني تعاىل من أجل هدف طيب قد ال يظهر هللا عل اهللا وأا مرادةمن فعلى أا –فواجعها وآالمها

وما دامت من فعل اهللا، فإن املسلم ال ينهار أمامها ألنه يعرف أن اهللا . لإلنسان يف الوقت احلاضر املسلم ابتالء من هلذا، فإا يف نظر. الذي قدرها وأوجدها هو يف نفس الوقت احلافظ الرحيم بعباده

ذا هلواحملصلة النهائية ، عباده ليصل م من خالهلا إىل مزيد من الثبات واإلميان والتفاؤل اهللا خيترب به هو على وجه التحديد ما حتتاجه البشرية يف مواجهة املآسيإمنا اجلانب من العقيدة اإلسالمية

.واخلطوب

طي تغوحيث األسباب، بفيه النتائج ترتبط ككيان واحد لعامل قد خلق ااهللاإن كون تتباين اآلثار يف كل حادثة يف مدى ال ائي، وفيه توجد حيث ، وبصورة الائية األسباب كل شيء

هذا التقدير اإلهلي نفسه –تربط األشياء ببعضها يف نظام من الغايات لالعالقات املتبادلة الالائية ال ليس غايته الكربى وال هو هذا اف األخالقي، ابتالئهمقصود به أن يهيئ اال حلياة اإلنسان و

ن منحة له وفما دام اإلنسان خملوقا لتكون حياته عبادة خلالقه، فإن العامل يك. ملك له أو شغله الشاغلأن يصونه من التدهور ووواجب اإلنسان على هذا هو أن يكتشف السنن اإلهلية فيه، بل . من ربه

. باستمرارويقوم بتعمريه وتطويره

جماال ليكون منح اهللا تعاىل العامل لإلنسان كنعمة مؤقتة و: يقة لإلنسان تسخري اخلل-جـ، مبعىن أنه حتت تصرف اإلنسان يستخدمه لغذائه أو متعته وجعل كل شيء فيه مسخرا له–لنشاطه هذا االستخدام قد يكون مباشرا كما يف حالة الغذاء واملتعة، وقد يكون غري مباشر كما . أو راحته

وهناك تناسق ذايت بني مفردات اخلليقة . اإلنسان تسخر قوى الطبيعة لتنتج ما حيتاج إليهحيدث حنيفاحلاجات اإلنسانية جزء من بناء اخلليقة، ومفردات اخلليقة مصممة بقصد أن . واالنتفاع اإلنساين

التغيري كل مكونات الطبيعة ذات استعداد لقبول تأثري اإلنسان فيها، ولتحملو. ختدم تلك احلاجاتيستطيع البشر أن جيففوا البحار ويستخدموا الشمس . طبقا لتصرفه والتحول إىل أي شكل يرغب فيه

يف إمكام أن ميألوا الدنيا . وحيركوا اجلبال ويزرعوا الصحارى أو أن يتركوا الدنيا كلها خراباإن تسخري الكون . باجلمال وجيعلوا كل شيء يزدهر، أو أن ميألوها بالقبح وحيطموا كل شيء

لقد شاء اهللا تعاىل أن تكون العالقات السببية والغائية املتبادلة بني أفراد ...لإلنسان ال يقف عند حدفلو كان اإلنسان ال . اخلليقة هي مادة هذا التسخري، وبدوا ال يكون للتسخري جدوى وال معىن

ل إىل الغايات، ائل غري صاحلة لتوصيستطيع االعتماد على األسباب إلحداث نتائجها، أو كانت الوسلفقد اإلنسان اهتمامه بالكون ولكف عن أي حماولة لتغيريه إىل األمناط اليت جيب أن يكون عليها طبقا

، والذي يعد أول "طكان"هذا املبدأ الذي ينسب إىل " مادمت مكلفا فإنك مستطيع "...لوحي اهللا

٣٤

رب عنه أحد فالسفة املسلمني مستوحيا إياه من املبدأ كان أول من ع"خالقميتافيزيقا األ"مبادئ وبدون هذه النتيجة الضمنية الضرورية ) ٢٨٦اآلية: البقرة) ( وسعهايكلف الله نفسا إالال (القرآين

.يصبح العامل إما جامدا عدمي احلركة والتغري، وإما عاملا للمجانني

:وحدة احلقيقة ووحدة املعرفة) ٣(

حقا إن قدرته على تصحيح . من املؤكد أن العقل تعرض له األوهام والضالالت والشكوك وبسبب قصوره البشري –نفسه توفر له درجة ال بأس ا من احلماية، لكنه بالنسبة للحقيقة املطلقة

قة القضايا املتعلاءرسيتم إومبجرد أن . حيتاج إىل تعزيز من مصدر مربأ من اخلطأ، وهو الوحي–أن يتغلب على ما يعترضه من باملبادئ األولية أو املطلقة، فإن العقل يكتسب عندئذ قوة يستطيع ا

بعضها يكون كذلك : جيب أن تكون كافة افتراضات العقل األولية مؤكدة بشكل قاطع. مشكالت ال االث ثاألنه يدهي، والبعض اآلخر ألنه عبارة عن جتارب عامة للبشرية ككل؛ ولكن هنالك ضرب

كن إدراكه إال ألولئك الذين تتوفر فيهم الدرجة املطلوبة من احلكمة أو نضوج الرؤية الدينية أو مي أن يروا احلقيقة على وجهها – هلذا السبب –األخالقية؛ وأمثال هؤالء هم الذين يتوقع منهم

فهوم الرياضي، وإمنا ومن هنا، فإن إدراك مثل هذه احلقائق والقيم قد ال يكون عاما بامل. الصحيح ما ال يتأتى للعقل اليقني اجلازموحيث. يتطلب نوعا آخر من املؤهالت الضرورية اليت يتعني وجودها

ا كاشفا على سائر الفرضيات األولية ضوءفإن نور اإلميان ميكن أن ميده ذا اليقني، بل إنه ليلقي إن بني . ة للكون املبنية على تلك الفرضياتاألخرى كما يضفي مزيدا من اليقني على النظرة الشامل

وإن . وتناغما واتصاال وتكامالاإلميان والفرضيات العقلية األولية اليت تصل إىل حد اجلزم لعالقة – ]حىت ملا يناقض العقل [ خالفا للديانات األخرى القائمة على التسليم الكامل–العقيدة يف اإلسالم

قل، وليس العقل كذلك فال هي فوق الع. فتها أو فيما تسهم بهال تنفك عن العقل سواء يف وظي حبيث اإلسالم أن نضع اإلدراك العقلي واإلدراك اإلمياين على طريف نقيضمن فليس ولذا. فوقها. ، واليونانيني يطلبون احلكمة)معجزة(إن اليهود يطلبون آية . "..ى اإلنسان أن خيتار بينهما عليكون

إن جهالة اهللا أحكم من الناس، ... سيح مصلوبا، لليهود عثرة ولليونانيني جهالة ولكننا حنن نكرز باملبل اختار اهللا ... فانظروا دعوتكم أيها اإلخوة أن ليس كثريون حكماء . وضعف اهللا أقوي من الناس

وغري أوفياء العامل واملزدرى... ضعفاء العامل ليخزي األقوياء، و ... جهال العامل ليخزي احلكماء و : من رسالة بولس الرسول األوىل إىل أهل كورنثوسهذا النص ..." (املوجود ليبطل املوجود

اليت أصدرا ١٩٧٧والنص العريب منقول عن طبعة الكتاب املقدس ) (٢٨ – ٢٢: اإلصحاح األولرانيا أو مثل هذا الكالم قد يكون يهوديا أو نص). املترجم–مجعية الكتاب املقدس يف الشرق األدىن

. املوقف اإلسالميمن نقيض الهندوسيا لكنه على

٣٥

فإن خري ما يوصف به موقف اإلسالم هو أنه قائم على " بنظرية املعرفة"أما فيما يتعلق هو أحد أمساء اهللا " احلق"، وهذه الوحدة مستمدة من وحدانية اهللا املطلقة، إن " وحدة احلقيقة"

اهللا يعلم إن . لفعل كما يؤكد اإلسالم، فال ميكن أن تتعدد احلقيقةاحلسىن؛ وإذا كان اهللا واحدا با خمتلفا عنيترتل به الوحي صافية إىل خلقه، فال ميكن أن جييء ما يرتهلا من خالل الوحي احلقيقة و

اليت واحلقائق. سبحانه هو خالق احلقائق كلها الواقعية منها واملطلقة ألن اهللا احلقيقة الواقعيةما يف عمل العقل متضمنة يف قوانني الطبيعة اليت هي سنن اهللا يف خلقه، وهي خل يف نطاق ما حييط به تد

صاحل اإلنسانيةمل وتقنن وتستخدم تلك احلقائقكتشفسنن دائمة ثابتة، ومن هنا ميكن أن ت... لقوانني حقيقة اأيضا يبني –الوجود لق اخأنه وجود اهللا ول إعالن إضافة ملا يقدمه من –والوحي

ومن الواضح أنه ال ميكن أن يكون هناك . الطبيعية أو السنن اإلهلية اليت يسري الكون على أساسهاوإذن فإنه نظريا ال ميكن أن . بيان أو تعبري عن تلك القوانني أصدق من بيان خالقها ومدبرها

واقع من جانب وبني وهذا التطابق املنطقي بني العقل واحلقيقة وال .تصور وجود أي تناقض بينهماهذا و. ما يأيت به الوحي من جانب آخر هلو أخطر مبدأ عرفته نظرية املعرفة يف تارخيها الطويل

:ثالثة عليها ترتكز املعرفة اإلسالمية كلها على مباديقومالتطابق

إن وحدة احلقيقة تعين رفض أي إمكانية للتناقض بني احلقائق الواقعية وما يأيت به : األول فكل ما يقرره الوحي البد أن يكون صادقا منسجما مع الواقع موافقا له؛ إذ ال يتصور أن .لوحيا

وعليه، فإن ما يبينه هلم ال ميكن أن . جاهال أو غاشا أو مضلال ملخلوقاته– تعاىل –يكون اهللا فإن ظهر . والتعليم إليهم إال لإلرشاد الوحيمع حقائق الواقع، ألنه ما أنزلأبدا بأي وجه يتعارض

للوحي مادام يؤمن مببدأ وحدة "فهمه" بني الوحي والواقع، فإن على املسلم أن يراجع تناقضأي هذا املبدأ حيميه من خطر التأويالت والتفسريات املتسرعة أو املغرقة يف اازات أو املعتمدة فاحلقيقة ،

حي يف اإلسالم يقوم وإن فهم معاين ال. ىعلى معان باطنية ال سند هلا سوى الفهم الشخصي التحكمالعربية مبعجمها وحنوها مث احلقائق الواقعية، وكالمها حمفوظ منذ نزل اللغة : على ركيزتني صلبتني

وهلذا السبب مل يعرف الوحي القرآين مشاكل تأويلية من حيث هو، وإمنا كل مسائل التفسري . الوحي . القواعدتدور حول أمور لغوية تتصل باملعجم أو ب

تفرض أنه ال يوجد تعارض أو خالف أو تفاوت مطلق بني العقل إن وحدة احلقيقة: الثاينحقيقة أو فهم أعلى ميكن أن أو مبدأ عدم وجودترفض رفضا قاطعا فكرة وحدة احلقيقةف .والوحي

يت أوجدها إن اإلنسان وهو يبحث يف الطبيعة وحياول أن يكتشف السنن القانونية ال. يزيل التناقض أن خيطئ أو يتوهم أو يظن أنه قد أمسك باحلقيقة مع أنه – بل من املؤكد –اخلالق يف الكون، ميكن

وحدة احلقيقة ف. بني العقل والوحيظاهريا مثل هذا املوقف قد خيلق تعارضا و. ئا طيكون يف الواقع خم

٣٦

ر ثانية يف معطياته وفحصها من ترفض هذا التعارض وترى أنه وهم، وتطالب الباحث بالعودة إىل النظفقد يكون سبب التعارض فيما انتهى إليه العلم أو العقل من نتائج، ويف مثل هذه احلالة حيسن . جديد

فهمه للوحي، إساءة كذلك إىل السبب يرجعوقد . بالباحث أن يعود إىل معطياته ويفحصها ثانية . وهنا أيضا يكون عليه أن يراجع مسلماته

وحدة احلقيقة ، أو طبيعة قوانني املخلوقات والسنن اإلهلية، تفرض أن باب إن: الثالثالبحث يف طبيعة اخللق أو يف أي جزئية منه ال ميكن أن يغلق، وذلك ألن سنن اهللا يف خلقه غري

فمهما عرفنا منها، ومهما تعمقنا يف هذه املعرفة، فال يزال هناك دائما املزيد منها . حمدودة هنا، فإن االستعداد لقبول اجلديد من الرباهني، واإلصرار على متابعة البحث هي ومن. ليكتشف

فاملوقف الناقد لكل الدعاوى اإلنسانية، خصائص الزمة للعقل املسلم الذي قبل مبدأ وحدة احلقيقةوالبحث الدائب وراء قوانني الطبيعة اليت ال تكون ائية أبدا، مها يف ذات الوقت شرطان الزمان

ومن هذا املنطلق، فإن أقوى حكم يبقى دائما مؤقتا، ويظل صاحلا . للمنهج اإلسالمي وللعلم األصيلإذن، فإن أعلى حكمة، وأوثق قرار . حىت تظهر أدلة جديدة تشكك فيه أو تفنده أو تؤكد صحته

". واهللا أعلم"جيب أن يعقبه هذا التأكيد

:وحدة احلياة) ٤(

الئكة إني جاعل في وإذ قال ربك للم: ( يقول اهللا تعاىل يف كتابه العزيز":األمانة اإلهلية "-أرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال األ

ا ال تم لمي أعاألإن مآد لمعون ولمالء عؤاء همبئوني بأسفقال أن كةالئلى المع مهضرع ا ثماء كلهمسقالوا س نيقادص متا إالإن كنلن لمال ع كانحا آبقال ي يمكالح يملالع تأن كا إننتلما عم مبئهأن مد

رض وأعلم ما تبدون م غيب السماوات واألبأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلويف آيات ) ٣٤ – ٣٠: البقرة...) (.دم فسجدوانا للمالئكة اسجدوا آلوما كنتم تكتمون وإذ قل

رض والجبال فأبين انة على السماوات واألمإنا عرضنا األ: ( تعاىل يقول اهللا الكرميأخرى من القرآن اإلنس إالوما خلقت الجن و(؛ )٧٢: ٢٣....) (أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان

وندبعيال(، )٥٦ :٥١) (ل وهاألوو اتاومالس لقي خاء ذلى المع هشركان عام وأي ةتي سف ضرء قدير تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شي) (٧ : ١١ ) (....ليبلوكم أيكم أحسن عمال

)٢- ١: ٦٧......) (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال

٣٧

أو – جتيب، يف كل آن، على التساؤل عما إذا كان الكرميهذه النصوص السابقة من القرآنجود اإلنسان سببا واإلسالم يؤكد كل التأكيد أن لو. هناك سبب يفسر وجود اإلنسان–مل يكن

يتمثل يف ضرب متحقق حتما : إن اإلرادة اإلهلية على ضربني. وأن هذا السبب هو عبادة اهللا تعاىلهذه السنن ثابتة ومتحققة على و. السنن اإلهلية اليت جيري الكون على أساسها، وهي قوانني الطبيعة

وقد أوجب اهللا . ريق العقلومن املمكن أن تفهم عن طريق الوحي أو عن ط. مستوى الكون كلهأما الضرب . على اإلنسان أن يبحث عنها وأن يفهمها ويقننها من أجل املعرفة مث يستخدمها لصاحله

فيتحقق فقط عن طريق احلرية واالختيار، أي عندما تتحقق يف وضع يكون : من القوانني اإلهليةالثاينإا تتعايش مع قوانني . اخللقيةك هي القوانني وتل. متميزتنيإمكانيتنيفيه حتقيقها أو عدم حتقيقها

الطبيعة، مبعىن أا تتحقق دائما يف سياق من األشياء واألشخاص والعالقات يف العامل الواقعي، فأن تصبح جزءا من املوقف . إا عملية أولويات. احملتومتلف عن الواقعخملكنها تنتمي إىل ضرب

، أمر يعتمد على حتقق ذلك املوقف، أو على املتطلبات اخلاصة الواقعي وأن تتحقق من خالله أوالالسماوات "وهلذا فإن . ته ممارسة حرةدارإا تتطلب ممارسة الشخص إل. ذه القوانني اخللقية

ومحلها اإلنسان . اإلهلية لعدم وجود هذه اإلرادة لديهن" األمانة"عجزن عن محل " واألرض واجلبالوهذه اإلمكانية لديه جعلته يف وضع أمسى من . ات يتمتع ذه احلرية األخالقيةألنه دون باقي املخلوق

أمر اهللا هلم أن يفوهذا هو السبب . ال يطيعوا وأ أن يطيعوا يفاملالئكة الذين ال يتمتعون باحلريةهم كاملون . فكان انعدام حرية اإلرادة لديهم سببا يف إنزاهلم عن مرتبة اإلنسان. يسجدوا آلدم

وعلى . إم يقدسون اهللا ويسبحونه دائما وال يعصون له أمرا. ويستطيعون فقط أن يطيعوا أوامر اهللاهذا، فإن طاعة اإلنسان هللا أعلى قيمة من طاعة املالئكة، وما ذلك إال بسبب أا تصدر عن إنسان

عما هو أدىن، عه ترففإعراض مثل هذا اإلنسان عن طريق الشر، أو. لديه القدرة أن يفعل عكس ذلكعن اخلري املادي النفعي األناين، مث اجتاهه مبحض اختياره إىل فعل ما يتطلبه القانون إعراضه أو

. إن احلياة األخالقية هلي ضرب من احلياة أعلى وأنبل وأعظم. األخالقي إمنا هو إحراز لقيمة أمسىعا حني خيتار البشر يف حرية أن وإن النمط األعلى من اإلرادة اإلهلية يدخل التاريخ ويصبح واق

وواضح أن . ومن هنا، فإن اإلنسان يعترب وصلة كونية بني اإلرادة اإلهلية والواقع احلقيقي. حيققوه . وجوده عظيم األمهية

. إن محل اإلنسان لألمانة اإلهلية جيعله يف مقام اخلالفة أو النيابة عن اهللا: اخلالفة-بنني األخالقية اليت هي والقوانني الدينية شيء واحد، وإن كانت وتتمثل خالفته يف إنفاذ القوا

لكن حىت هذه هلا جوانب ليست تعبدية أو . األخرية تتحكم كذلك يف الشعائر التعبدية وهي قليلةأما باقي . عالقة قوية ذه الدنيا– من حيث خصائصها وآثارها –أخروية حمضة، وإمنا هلا

٣٨

وما تضيفه . قية فكلها عبارة عن ممارسات فعلية للحياة والوجود والعملالتشريعات الدينية أو األخالهذه القوانني للممارسات الفعلية إمنا هو الصفة أو املنظور أو الطريقة اليت يتم ا تصريف تلك

وأن يكربوا ويتمتعوا، أن يطلبوا وأن يتملكوا، سمن الطبيعي أن يشتهي الناإن . املمارسات املتشاةاخل، واإلسالم حيب لكل ..... أن يتسلطوا وأن ميارسوا القوة وبوا وأن يتزوجوا وأن ينجبوا، أن حيو

كل كما هو شأن النصرانية والبوذية ، هذه األنشطة أن تستمر، إنه ال يشجبها وال يود هلا أن تتوقف. طريقة خمتلفةما يطلبه اإلسالم ما الناس أن يقدموا على هذه األفعال بدوافع خمتلفة وأن يؤدوها ب

واألسلوب املختلف هو أن يؤدوها بالعدل وباحلق . الدافع املختلف هو أن يبتغوا ا وجه اهللاحبيث تؤدى إىل حتقيق غاياا النفعية واألخالقية دون أن يلزم من ذلك حدوث نتائج غري مرغوبة

. أو غري عادلة أو غري أخالقية

ني األخالقية والعبادات الدينية تأيت من أن اإلسالم والوحدة املشار إليها سابقا بني القوانفمن وجهة نظره، توجد حقيقة واحدة فقط ال حقيقتان كما هو شأن . ال يفضل الدين عن الدنيا

ليس هناك شيء مقدس ذا املعىن سوى . ديين مقدس وعلماين: األديان اليت تقسم احلياة إىل قطاعنيوطريقتنا . وليس مقدسا، ويفترض أنه خري ما دام من صنع اهللاكل شيء يف نظر اإلسالم خملوق. اهللا

فإن فعلت فالعمل خري، . هاال حتقق أو يف أداء ما نفعل هي اليت حتقق املتطلبات الدينية أو األخالقيةكن أن تكون خريا أو شرا بناء على ما ميوعلى هذا، فإن أفعال اإلنسان وحده هي اليت . وإال فهو شر

ال " التدين"وعلى هذا، فصفة . من حتقيق العدل واحلق واجلمال والسعادة أو عكس ذلكتؤول إليهتعين أن ينسحب اإلنسان من املمارسات املعتادة يف احلياة وال أن يقتصر على األعمال اخلالية من

وعلى هذا األساس يبقى . فأمر الدين كله إمنا هو صفة لنفس املمارسات احلياتية. أي قيمة نفعيةويف خارج نطاق احلياة والتاريخ ليس مثة فضيلة وال . اإلسالم ملتحما بواقع احلياة والتاريخ

وقد ترى النصرانية والبوذية الدين يف غري جمريات احلياة والتاريخ، وقد .تقوى، بل وال إسالما تفعالن إم. اجتميد تلك اريات نفسهوتفرضان إذالل النفس والتنسك والرهبنة وااهدة، بل

. ذلك ألن جمريات احلياة والتاريخ يف نظرمها أهل للشجب على أساس أا شر وحمكوم عليها باهلالك، وترى اخلالص من ذلك يف اإلميان "ال خري فيها"و " شر"و " آمثة"فاملسيحية تؤمن بأن اخلليقة

وى األمل واملعاناة، ال شيء فيه س" شر"بأن اخلليقة تؤمن كذلك، فإن البوذية . باملسيح وتقليده . احلياة كباب للخالص من جمريات احلياة والتاريخإنكار وتفرض إنكار الذات و

أما اإلسالم فإنه ينكر مثل هذه املسلمات املسبقة اليت تلعن احلياة والتاريخ، ويرى أن اخللقة وطلب العدالة حتقيقها يتأتى باإلخالص هللاأن و ، خري وأن اهللا سبحانه وتعاىل خلقها لغاية طيبة

لقد عني اهللا سبحانه وتعاىل . نواملشاركة يف جمريات احلياة من أساسيات نظرة اإلسالم لإلنسا. للبشر

٣٩

حبيث تصبح بكل طاقاا يف األول، أي أن يعيد ترتيب جزئيات احلياة. ني ليحققهما هدفلإلنسان) طعام ومأوى وراحة وإجنابمن (خدمة احلاجات اإلنسانية، يستوي يف ذلك اجلزئيات املادية

ا بالقيم لوقة نفسها أن يستعيالثاين، أن على البشر يف عملية توجيه اخلل. واخللقية والفكرية واجلمالية ما حيقق ما يقتضيه – للدخول يف عمليات التوجيه تلك وعلى أسس أخالقية –اخللقية فينتقوا منها

.اإلخالص هللا وحتقيق العدالة البشرية

، هو بناء الثقافة واحلضارة والسمو "اخلالفة"اإلهلية، وبالتايل مضمون " األمانة"ن إن مضموهو حتقيق السالم واألمن على احلياة واملمتلكات وتنظيم البشرية يف جمتمعات " اخلالفة"ا، إن حمور

ونوعا، منظمة قادرة على إنتاج الطعام وعلى معاجلته وختزينه وتوزيعه على اجلميع بشكل كاف كما ويئة املأوى والدفء والراحة واالتصاالت واليسر، وإعداد ما يكفي من األدوات الالزمة لتحقيق

وهذا مرادف . هذه األهداف، وأخريا، يئة الفرص للتعليم وحتقيق الذات وللتمتع الترفيهي واجلمايلوجل بإقامة ذلك كله ، وأعلن يف هذا الوجود، ولقد أمر اهللا عز إلقامة ثقافة وحضارة ولبناء احلياة

أن ذلك هو السبب احلقيقي خللق العامل، واملراد اإلهلي األمسى من وراء هذا كله هو أن يربهن البشر على أهليتهم من الناحية األخالقية فيما يقومون به من أفعال ، وبإمكام أن حيققوا هذا ببساطة بأن

ميارسون كافة أنشطتهم احلياتية فيجعلوا لوجه اهللا سبحانه جيعلوا اهللا قبلتهم يف كل ما يقومون به إذ أن - وحبق–إن املسلمني يفهمون ... وتعاىل، وبأن حيرصوا على إقامة مبدأ العدل من خالل هذا كله

هذا االستخالف عمل سياسي يف املقام األول ، وكثريا ما ربط القرآن الكرمي االستخالف بإقامة وبالقضاء على أعداء اهللا ) ٥٤النور (وبضمان األمن والسالم ) ٧٣: اف األعر (ةالسلطة السياسي

) ... ١٣: يونس ) (١٢٨: األعراف(واستبدال نظم حكمهم الظاملة حبكم خلفاء اهللا يف األرض بدءا من اختيار احلاكم أو بيعته ، وتقدمي ة أي املشاركة يف العملية السياسييويعترب العمل السياس

كل هذه ليست فقط – للحاكم ووزرائه، ومراقبة أعماهلم ونقدهم أو حىت خلعهم املشورة والنصحأمورا مرغوبا فيها يف اإلسالم بل هي من أوجب الواجبات الدينية واألخالقية ، والنكوص عن القيام بتلك الواجبات يعين الوقوع يف اجلاهلية كما قال الرسول صلى اهللا عليه وسلم ، ولقد حارب أبو

لصحابة من رفضوا تلك املشاركة وإن احتفظوا بالعقيدة واعتربوهم كفارا خرجوا من اإلسالم بكر واكله ، وإذا كانت املسيحية تعترب العملية السياسية من مهاوي الشر وتنصح بعدم املشاركة فيها ، فإن

تأكيد وب– عن االنسحابية ، ويصدق هذا األمر نفسه ىاإلسالم يعترب ذلك من جوهر اإلسالم وينه على بناء الثقافة واحلضارة ، فاإلسالم يعترب أن بناءمها هو الشغل الشاغل للدين ، وهلذا فإن -أشد

كلية مع بالا يتناقض ممجاهري املسلمني يف عصور الضعف عن املشاركة يف النشاط السياسي ملختلي . معايري اإلسالم

٤٠

، ومها أمثن جائزة يسعى إليها كذلك، فإن املبدأ نفسه يصدق على متطلبات السالم واألمنفكل مسلم جيب أن يأمن على حياته وممتلكاته وعلى كرامته الشخصية ومكانه . العامل اإلسالمي اليوم

ومن أجل هذا، طلب اإلسالم من كل . وتوفري هذا املطلب من أول الواجبات االجتماعية. يف اتمعدفع إىل أن يعمل على حتقيق هذا اهلدف م ويينظأن واقظكون ي، أي أن ي"اسسيم " يكونمسلم أن

. ألفراد أسرته وجلريانه ولكل إخوانه من املسلمني ولنفسه

إن منهج اإلسالم لبناء الثقافة واحلضارة منهج شامل، كما جيب أن يكون : الشمولية-جياة فكل جانب من احل. وهذا الشمول هو من اخلصائص األساسية للشريعة. إن فهمناه حق الفهم

ما هذا احلكم قد يكون واضحا وقد يكون غري واضح، ملز. اإلنسانية له حكمه املالئم يف اإلسالمو " املكروهة"و " املندوبة"أو غري ملزم كما يف اإلرشادات " احملرمات"و " الواجبات"كما يف

إلسالم واسعة، لكن يف ا" املباح"حقا إن دائرة . املهم أن ال شيء يند عن أحكام اإلسالم". املباحة"سعتها ليست دليال على عدم وجود ما يالئمها يف اإلسالم، وإمنا سببها أن املباحات تقع خارج نطاق

كاملندوبات " أفضليات"كالوجبات واحملرمات، أو " إلزاميات"احملددة، سواء أكانت " املطلوبات"ي ال تقل أمهية يف نظر اإلسالم عن وخارج هذا النطاق تقع الثقافة وطرائق املعيشة، وه. واملكروهات

اليت تعتمد يف احلقيقة، على التربية املوفقة؛ فهي متثل املنطلقات األولية هلا وبدوا " املطلوبات"قطاع فال شيء ميكن فرضه بالقوة ما مل تكن اجلماهري قد تربت عليه من قبل وسبق . تصبح غري واردة

.اقتناعها به

احلياة، أي أن حيدد نظريا وتطبيقيا عالقة " يؤسلم"املسلم أن ومن هنا، فإن واجب املفكر ولقد أوضح القرآن ذلك بالفعل يف عدد من ميادين النشاط . اإلسالم بكل جزئية يف احلياة اإلنسانية

اإلنساين، وذلك عن طريق حتديد مكانة األفضليات واملباحات، كما يف التحية وخفض الصوت وإحسان معاملة الوالدين ) عند الغري(سرعة االنصراف بعد تناول الطعام واالستئذان عند الدخول، و

وقد بذل الرسول صلى اهللا عليه وسلم ما يف وسعه الستكمال التطبيق . اخل ... سناومن يكربونناسواء باإلرشاد أو بالقدوة العملية يف جماالت كيفية األكل والشرب واحملافظة على النظافة والترويح

وأسلوب احلياة الذي قرره اإلسالم تفصيليا يف العصور األوىل . اخل... ومعاملة اجلريان عن النفس وما تفرع عن تلك التوجيهات القرآنية والنبوية، نراه اليوم حباجة إىل إعادة تعريف وبلورة واستكمال

على التمدن حبيث تغطي ما مل يكن معروفا من األنشطة زمانئذ، أو تصبح أدق تطبيقا على ما ترتبجماالت العالقات االجتماعية : مثال ذلك. احلديث من جماالت متتد من الكماليات إىل الضروريات

والسفر والنقل والترفيه والفنون السمعية والبصرية ووسائل االتصال اجلماهريي وغريها من امليادين .اليت حتتاج إىل أن متتد إليها توجيهات اإلسالم

٤١

:ةوحدة اإلنساني) ٥(

مادامت الوحدانية صفة هللا عز وجل، وهو سبحانه اخلالق، فالبد أن متتد صفة الوحدة اإلهلية . ومن الطرف اآلخر، البد للبشر أن يرتبطوا مجيعا كمخلوقني خبالقهم. إىل كل البشر ألم من خلقه

قا، إن البشر ح. وال ميكن أن يتعدد وجودهم من حيث هو، وإال أدى ذلك إىل تعدد مماثل يف اخلالقميكن أن يتفاوتوا يف اخلصائص من العنصر واللون والبنية والشخصية واللغة والثقافة؛ لكن أيا من هذه

جيعل من الشخص كائنا خمتلفا، كما ال يستطيع أي منها ال هاخلصائص ال ميثل قيمة وجودية، مبعىن أنقيمتها ليست أساسية يف خملوقية ف. أن يؤثر يف وضع الشخص كمخلوق أمام اهللا سبحانه وتعاىل

اليت حتدد معامل شخصية صاحبها وسلوكه قد يكون ) اإلثنية(الشخص هللا، هذه اخلصائص الساللية هلا دور يف امتيازه أو اياره أخالقيا، وهو أمر كثري الوقوع، لكن دورها يف حتديد النتائج األخالقية

ن الضروري أبدا أن شخصا ذا تركيبة خاصة متخيلة من فليس م. ليس ضروريا وال ائيا وال مطلقافجوهر بناء وجود الشخص جيب أن يبقى إىل . تلك اخلصائص يكون ذا قيمة خلقية عالية أو هابطة

حد ما حرا من سيطرة تلك اخلصائص قادرا على أن يتبع قوا املوجهة أو أن خيالفها عن طريق . حتويل تلك القوة إىل غايات أخرى

يا أيها الناس إنا : (ذا املبدأ هو السبب الذي يقف وراء احلقيقة اإلهلية اليت قررها القرآنه قاكمأت الله دنع كممفوا إن أكرارعتل لائقبوبا وعش اكملنعجثى وأنذكر و نم اكملقنخ

أو إىل قبيلة أو أمة أو إىل ساللة دون ) ذكر أو أنثى(النتماء إىل نوع إن ا). ١٣: احلجرات.....)(لي ذلك عوامل اللغة واملالمح ي. أخرى رمبا كان أوضح خصائص البشر وأول عوامل التمييز بينهم

ثالثا، تأيتو. الوراثية والذكاء واملهارة والقوة البدنية، وهي أقل ثباتا عند امليالد وأكثر قبوال للتغريمن احلكمة واملعرفة : ن الفضائل والرذائلالشخصية خبصائصها ذات القابلية العالية للتغري واليت تكو

هذه العوامل كلها تشكل الشخصية اإلنسانية ...والتقوى والصرب إىل اجلهل واحلمق والكفر والتمرد ومنط احلياة فيتكون أما بقية بناء الشخصية. وطريقة احلياة، على األقل من حيث األساس والقاعدة

من العادات أو اآلراء، من امليل أو املزاج، من السمعة ومن تاريخ وتقاليد هذه الشخصية عرب لكنها ختتلف . كل من هذه العوامل له دور يف بناء الفرد اإلنساين ويف حتديد هويته. تراكمات أعماهلا

ثابت ال يتغري، وبعضها – هلذا –ولد، وهو قي حمدد من قبل امللفيما بينها اختالفا كبريا، فبعضها خ . مكتسب يف مراحل خمتلفة من احلياة، ولذلك ينمو ويتطور، أو يتغري ويزول

والبشر معرضون كثريا ألن خيطئوا تقدير قيمة هذه اخلصائص وطبيعة الدور الذي تقوم به يف يد احلكم على األشخاص ففي التاريخ مل يكن ألي من خصائص اإلنسان دور يف حتد. حياة الشخص

٤٢

. واجلماعات أعظم من الدور الذي قامت به اموعة األوىل من اخلصائص، وأعين ا النوع والساللة اإلنسان ومع ذلك فهي أشد تلك اخلصائص براءة من هذه التبعة نظرا ألا أقلها اعتمادا على قرار

كثريا هذه اخلصائص طبيعة املباشرة الوضوح يفإن. أضعفها قابلية للتغريكما أا األخالقي، هأو عمل. على أساسهابني الناس أخذها على أا حقائق وجودية ويبىن التفرقة والتمييز نما تضلل احلكم ف

إن هذه . بدأ ا وقصد إىل هدم كافة األحكام املبنية عليها الكرمي قدوهذا هو السبب يف أن القرآنإن علينا أن . تتغري، وقد خلقها اهللا لتكون فقط عوامل تعارفخصائص من صنع اهللا، ضرورية وال

. ال تنبئ عن قيمة صاحبها أو طبيعته األخالقية" هوية شخصية"أو " جواز سفر"نأخذها على أا مأخذا جمازيا، فإن القرآن " ليتعارفوا"أما إن أخذنا . وهذا هو معىن اآلية إن أخذناها على املعىن احلريف

نا بأن اهللا قد خلق اخلصائص النوعية والساللية كي يتمكن البشر من خالهلا من التكامل حينئذ خيرب . ]بتبادل اخلربات املتميزة عند كل شعب [والتعاون

كل البشر عند اهللا . وهذا أساس العاملية يف اإلسالم: إذن، كل البشر خلق واحد ومتساوونفإذا كانت هذه . ية واإلجنازات احلضارية والثقافيةيف الفضائل اخللقوأعماهلم ون إال ب متيزالسواء

ري هذه غاألعمال تعتمد على خصائص ثقافية موجودة تعرقل مثل هذا اإلجناز، فالواجب علينا أن نأما . ريي وهذا أمر يف اإلمكان دائما، والباب مفتوح أبدا أمام مثل هذا التغ–اخلصائص وننمي أخرى

. ائص الثابتة، فإننا نرتكب جرمية أخالقية، وهي التعصب العنصريحني يتم احلكم على أساس اخلصانتهاك وحدة البشرية وانتهاك الوحدانية اإلهلية يتمثل يف والتورط يف جرمية كهذه ينذر بشر مستطري

. ال شيء أشد مقتا عند اهللا تعاىل من الشرك، وال شيء أقرب إىل الشرك من التعصب العنصري. أيضالقد ألصقت بالدين . نصرية أدى إىل العداوة واحلروب وإراقة الدماء بني البشروال شيء كالع

واحلق أن . وبضروب كثرية من األسباب مة التسبب يف إثارة خمتلف الصراعات بني مجاعات البشركافة الصراعات تقريبا بني اجلماعات ميكن إرجاعها إىل قرارات عنصرية اختذت على أساس

". أعداء"ملن يدعون اخلصائص الثابتة

إن اإلسالم ال يلتقي أبدا مع التعصب العنصري الذي يعترب التمييز العنصري والقومية من إن الصراع بينهما ال حد له نظرا أن ما يرتله التعصب العنصري من دمار يف الروح . صوره السائدة

. ال ميكن جربه– فاعلة أو مفعولة له –اإلنسانية

عنصري كما يفعل اإلسالم ليست إدانة للوطنية ، إذ األخرية تعين موقفا من وإدانة التعصب الاحلب واإلعزاز، والتقدير حلياة اجلماعة وقيمتها، ومن االستعداد لتحمل املرء كل بذل وتضحية، مبا

فليست الوطنية على هذا بريئة من الشر فقط، بل إا . يف سبيل الدفاع عنها يف ذلك التضحية بالنفسفمن الواجب على املرء دينيا وأخالقيا أن حيب قومه وخيدمهم . ل إجيايب صاحل يفرضه اإلسالمعم

٤٣

. فما أبعد الفرق بني التعصب العنصري والوطنية. ويدافع عنهم ضد كل اعتداء وظلم، وكذلك أرضهع ن وأشإن جوهر األول هو اإلدعاء بأن مزايا الشخصية الساللية هي املعيار املطلق للخري والشر؛

صوره هي اعتبار ساللة ما أمسى من كل البشر نتيجة للخصائص الذاتية يف أفرادها مث إجالل تلك والتعصب العنصري ذا الزعم يتطلب الوالء . املزايا والتمسك ا على حساب كل املزايا األخرى

. هو احلقيقة املطلقةة أو الساللاملطلق له ممن يؤمنون به، ما دامت الدعوى اليت يقدمها هي أن العنصر و ، يهوديا كان أو أملانيا أو فرنسيا أو روسيا، يدعى خملصا أن اليهود أاتعصب عنصريملاإن الشعب

إن ما غرسته . هم احلقائق املطلقة اليت متثل املعيار املطلق للخري والشراألملان أو الفرنسيني أو الروسوغريهم من املفكرين " نيشته"و " فيخته"و " هيجل"سه الصهيونية يف روح الشعب اليهودي، وما غر

فوستيل دي "و " روسو"؛ وما غرسه "الوطن األملاين"الرومانسيني يف روح الشعب األملاين عما هو ، قد وصل إىل ما يشبه "فرنسا"أو " األمة"وغريمها من روح الشعب الفرنسي عما هي " كوالنج

يهود واألملان والفرنسيني فصار عندهم أشبه باحلقيقة املطلقة املبدأ املقدس الذي نفخ الغرور يف ال الغامضة من اعتداد بالنفس ومن إهلام، وإن التأثري األساطري هذه مثلوإن ما تتطلبه. للمعتقد الديين

الشديد الذي متارسه على قلوب معتنقيها وخياالم، ليسبه متاما اآلثار املرتبطة حبقيقة تتصف بأا . ومتجاوزة للواقعأولوية مطلقة هلا وهائلة وأخاذةأسطورية

للجميع هو اإلله الواحد " إهله"أن بالذي يعتقد نقيض ذلك متاماالشخص أما املسلم فهو الضرورية اليت تبين عليها لزوما كل صور الوحدة املشار سلمة املفتلك هي، وال إله سواه لكل شيءو

أو " مسلم قومي"ومن التناقض يف التسمية أن نقول . كلهانسانيةإليها سابقا إضافة إىل وحدة اإلوإما " زنديق"أو " منافق" إما وحدها هولقوميتهإمنا هو واملسلم الذي يعلن أن والءه ". عنصري"

وهذا هو أيضا السبب . رجل ذو والء سطحي زائف ال يثبت أمام إغراء الرشوة واملصاحل الشخصية العملية للغالبية العظمى ممن يدعون بالزعماء القوميني املسلمني امللتزمني الذي يفسر كيف أن احلياة

.قد خلت كثريا من االنسجام واإلخالص للمبدأ املعلن والتكامل اخللقي

دد أو الساللة هي اليت حت العنصر أنإن معرفة اإلنسان يف العصر احلاضر تقوم كلها على. مع تقوم على العنصر كأساس مطلق للنظام والبناء االجتماعي، ومعرفة ات اإلنسان بإطالق إنسانية

قبل أن يتم رفضها لصاحل املبدأ العنصري " ريعصر التنو"ومل تتح أبدا فرصة التحقق الواقعي ملبدأ عاملية حىت –كانت نظرية وموضع شك، إذ كانت " ريعصر التنو"حىت عاملية . الذي دانت به الرومانتيكية

تعترب أن خمتلف شعوب البشر تتدرج ما بني رفيع –" طمانويل كانع"ه احلركة على يد أمري هذ اخلصائص الذاتية الداخلية للشعوب اآلسيوية غلى أساسووضيع على أساس من حتيز أوريب موروث و

لقد اكتسحت الرومانتيكية الغرب كله، وأتت على كل أثر للعاملية العقالنية أو . واإلفريقية واألوروبية

٤٤

ولقد حدد املفكرون . رانية، وقدمت أعظم دعم للدراسات اإلنسانية والفنون والعلوم االجتماعيةالنصوطن تصور ل من احلقائق والقدرات والقوى اليت تنبثق وتتغذى من لعدداإلنسان على أنه حصيلة

تد ، ومن تقاليد مت ومن ساللة أو شعب أو دم ميتد يف غموض إىل أبعاد زمنية ال ائيةأسطوريأضف إىل هذا أن هذه األمور ال تفهم . جذورها إىل أعماق وأبعاد ال ائية يف كل من الزمان واملكان

عن طريق العقل، وإمنا نلتقط من خالل العواطف والتجربة املباشرة واحلدس، وجتد أبلغ وأوضح تعبري يونسملفكرون الرومانحىت الدين، تصوره أولئك ا. عنها يف الفنون، خاصة املوسيقى والرسم واألدب

، تصورا جديدا على أنه يرتكز على أساس وحيد هو جتربة Schleiermacher" شلريماخر"، خاصة املؤمن به اليت ال ميكن وصفها، أي أحاسيسه الشخصية، وهو تصور حيط من قيمته بعد ذلك أنه

". املخدرات"و " األوهام"غري عقالين بل اعتباطي حتكمي ال خيتلف يف طبيعته عن تصور

، لكن "اإلنسانية"و " اإلنسان"لقد استمرت الدراسات اإلنسانية يف الغرب تتحدث عن ". اإلنسانية الغربية"و " اإلنسان الغريب" الذي حيصر مضمون هذه املصطلحات يف الرومانسيباملفهوم

يار منلاملو" احلمر "منيار لاملو" السود "يار منلاملوإذا كانت مل تستبعد متاما من دائرة اإلنسانية رب من اإلنسانية ميكن أن تقتكاد تيف إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية، فإا تعدهم خملوقات " الصفر"

، لكن ات عليهمدراسمن الواجب إجراء الن وبالطبع فإ.تستعمر وأن تستغل لصاحل اإلنسانية الغربية، وبذلك يسامهون سابقة مر به يف فترة قد بالغركان كعينات لعصر استهمدريتم املطلوب هو أن

. يف متكني اإلنسان الغريب من أن يفهم تاريخ تطوره

بطبيعته مثري للشقاق والتفرق، إذ من املمكن دائما أن جتد داخل العنصر-حول-التمركزإن أي جمموعة جمموعات أصغر تكشف عن مزيد من التركيز للخصائص الداخلية أكثر من اموعة

نفسها كيانا عنصريا مزودا ترىميكن أن متهد القاعدة موعة أصغر " احلقيقة"كرب، وهذه األ كانت الرومانتيكية قد فصلت الغربيني عن بقية العامل الذي كانوا اوإذ. أقوى أنقى وخبصوصيات

إىل ذاته غرب على وشك أن حيتكوا به احتكاكا مكثفا نتيجة لتطور الصناعة والنقل، فإا قد مزقت اللخري الوحيد لعيار املوكأا وحدها " مصاحلها القومية"قوميات متعادية متنافسة تسعى كل منها إىل

كما . وسرعان ما تعلمت أمم الغرب من بعضها وقبلت كل منها ما انتهت إليه األخرى. والشرمث ، رى على أا حقائق انتقلت بسرعة النظرات والتحليالت والتعبريات الرومانتيكية من أمة إىل أخ

. هيتبنتها وطبقتها كما لو كانت من صنعها

التاريخ واجلغرافيا : وبتأثري الدفعة اليت قدمتها الرومانتيكية تطورت العلوم االجتماعية الغربيةوهي تقوم كلها، كل بطريقته ). علم اإلنسان(بولوجيا ورثاألن واالقتصاد وعلم السياسة واالجتماع و

ا احملدد جغرافيا مى أساس نظرة عنصرية مؤداها أن األمة أو الكيان العنصري مبفهومهاخلاصة، عل

٤٥

. هي الوحدة املطلقة للتحليل والتقومي)لكن األخري يكون مشوشا وغري حمدد(وسكانيا وتارخييا . فإم يقصدون كيام ونظامهم القومي" النظام االجتماعي"أو " اتمع"وحينما يتحدثون عن

ضهم يذكرها صراحة منذ الصفحة األوىل، وآخرون ال يصرحون ا على أساس أا أقوى الفروض بعويؤكد علم االجتماع جبرأة على املقولة العنصرية ألنه يتعامل . ذكرت أناألساسية اليت ال حتتاج

والتاريخ أما علم اجلغرافيا . وعلى إثره يقفو علم السياسة. مباشرة مع اتمع والنظام االجتماعيالغربيني فال يتصوران العامل إال كتابع للغرب، عامل يدور حول بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا أو أملانيا

أما علم االقتصاد . أو إيطاليا، اليت هي مبثابة القلب والنواة له، وذلك حسب املؤلف ومكان النشر. ة حبيث ادعى لنفسه مكانة العلم العامليالغريب فقد كان يف مراحله األوىل بعيدا عن املوضوعية العلمي

إىل مكانه كتحليل غريب ألمة غربية على أيدي النازيني وهم قادة الرومانتيكية والعنصرية عيدلكنه أونفس الدعاوى الفارغة اليت أسبغها كارل ماركس على هذا العلم أنكرها لينني . يف أوروبا

حكمهم مل يسمح حىت اآلن بإعالن أي شيء لكن نظام. وخروشوف من خالل املمارسة العملية –املدعوة هنا باالشتراكية (مكتوب ذا اخلصوص، وإن مسح بقدر معقول من اإلعالنات العنصرية

. ١٩٧٨ لالحتاد السوفييت عام )اجلديد(أن يدرج يف الدستور ) القومية

فاإلنسانية يف نظره . يعا مج هذه العلوميعترب أجرأ) األنثروبولوجيا(وأخريا، فإن علم اإلنسان ويف القرنني األخريين . تعين العنصرية، وأما منطقيا متكافئتان وقابلتان لتحل إحدامها حمل األخرى

كان تأثري هذا العلم يسوق البشرية إىل سعار من الوعي بالعنصرية وذلك من خالل فرز جمموعات قيم لكل مستقى من اخلصائص الذاتية هلا أو مما ثانوية واحدة بعد األخرى وإقامة نظام من املبادئ وال

فبدال من إدراك اخلصائص العاملية . لفقه دعاة هذا العلم وأعلنوا أنه ذايت وخمتص بتلك اموعة العرقية .يف اإلنسان وتأكيدها، إذ ذا العلم ينمي ويضخم بشكل كبري اجلوانب اخلصوصية

ناء يف النظام االجتماعي، ودعم صورا املمتدة اعترف اإلسالم باألسرة على أا وحدة الببالتشريعات املتعلقة باإلرث واإلنفاق حىت ميكن أكرب عدد ممكن من أعضاء األسرة أن يأكلوا من

والغاية هي أن يصبح أفراد األسرة املمتدة، من خالل . مطبخ واحد، وأن يتكافلوا، من مث، اقتصادياذلك حتت سقف واحد، متكاتفني يف سبيل صحتهم العقلية عيشهم يف تقارب وكثريا ما يكون أما فيما وراء األسرة فإن اإلسالم ال يعترف باجلماعة القومية . والعاطفية واالجتماعية وصاحلهم العام

. فال شيء يقف بني دائريت األسرة واإلنسانية. أو العنصرية، وإمنا باإلنسانية والنظام االجتماعي العاموعضوية اإلنسان يف هذا النظام هي ما يهتم به . ان كل شيء يف النظام االجتماعيومها معا يكون

أما سائر التقسيمات للبشر بني دائريت األسرة واإلنسانية، كالقطر . اإلسالم يف العلوم االجتماعيةخلري واإلقليم والشعب واألمة، فإن اإلسالم يعتربها وحدات إدارية حبتة ال عالقة هلا باملرة بتحديد ا

٤٦

وعليه، فإن ما عند الغرب احلديث من فنون وعلوم إنسانية . والشر وال بفهم الشريعة أو تطبيقهاواجتماعية جيب أن تعاد صياغتها برمتها، وأن تقوم قواعدها األولية على أساس جديد يتطابق مع

غايات إسالمية، كما ينبغي أن ميدها املفكرون املسلمون بقيم جديدة، أعين بقيم و. عاملية اإلسالم . لتكون مبثابة أهداف عليا لترشيد البحوث االجتماعية

٤٧

الفصل الرابع خطــة العــمل

- :فيما يليأهداف خطة العمل تتمثل . إتقان العلوم احلديثة-١ . التمكن من التراث اإلسالمي-٢ .عرفة احلديثة إقامة العالقة املناسبة بني التصور اإلسالمي وبني كل جمال من جماالت امل-٣ . الربط اخلالق بني التراث اإلسالمي واملعرفة احلديثة-٤االنطالق بالفكر اإلسالمي يف املسار الذي يقوده إىل حتقيق سنن اهللا سبحانه وتعايل -٥

.على أرضه يةوإذا أردنا حتقيق هذه األهداف فعلينا السري يف عدد من اخلطوات املرتبة ترتيبا منطقيا حيدد األولو

.اخلطوات الضرورية ألسلمة املعرفةوفيما يلي نسوق ... لكل خطوة منها املالئمة

وتقسيمها إىل فئات إتقان العلوم احلديثة: اخلطوة األوىلمن الواجب أن تقسم العلوم احلديثة يف صورا الراهنة ويف أعلى مستويات تقدمها يف الغرب إىل

وهذا التقسيم جيب أن يعكس قائمة احملتويات .وعاتأنواع وقواعد ومنهجيات ومشكالت وموضألي كتاب دراسي جامعي يغطي مناهج هذا الفرع وجماالته، ومبعين آخر، ميثل حمتوى مقرر دراسي

مثل هذا . يف هذا الفرع ال يستغين طالب الدراسات العليا يف هذا التخصص عن دراسته واستيعابهبريات اصطالحية وعناوين ألبواب وفصول، بل البد أن التوصيف للمقرر ال يكفي أن يصب يف تع

يكون على شكل مجل معربة توضح معاين املصطلحات وتفسر األبواب والقواعد واملسائل واملواضيع .الكلية هلذا الفرع الدراسي يف أكمل شكل غريب له

املسح الشامل للفروع أو التخصصات العلمية: اخلطوة الثانية

سح شامل ألدبيات كل علم من العلوم ، وأن تكتب عنه املقاالت لتبني تتم عملية مجيب أن اخلطوط العريضة لنشأته وتطوره التارخيي ومنو مناهجه واتساع ميدان رؤيته ، واإلضافات

كما جيب أن يلحق بكل مسح منها قائمة ببليوجرافية . األساسية اليت أسهم ا املتخصصون فيه

٤٨

لعلم ؛ فتضم بشكل مبوب منظم أهم الكتب واملقاالت اليت تقوم شارحة تعرف بأهم مراجع هذا ا .على أساسها مادة هذا الفرع واليت بدوا ال ميكن الوصول إىل إتقانه

إن من أهداف هذه اخلطوة أن يتم التأكد من أن املسلمني قد توصلوا إىل فهم شامل هلذا العلم ق هذا املسح للعلم بشكل جيد ودعم فإذا ما حتق. واستوعبوه بكل مراحل تطوره يف الغرب

بالشروح واهلوامش الشافية فإنه سيقدم للمتخصصني فيه أساسا لفهم مشترك هلذا العلم الذي ينتظر وملا كانت فروع العلم اليوم قد أصبحت يف . صياغته يف ضوء التصور اإلسالميامنهم أن يعيدو

ت من الضروري للعلماء املسلمني ممن يتناولون الغرب متعددة اجلوانب بسبب انفجار املعرفة، فقد باهذا الفرع أن يقفوا على أساسه وأن يتفقوا فيما بينهم على املوضوع الذي سيبذلون جهودهم يف

.من حيث طبيعته وتارخيه وخصائصه وحدوده" أسلمته"

املختارات: التمكن من التراث اإلسالمي: اخلطوة الثالثةالعالقة و درجة املالءمة بني اإلسالم و بني علم معني جيب أن قبل الدخول يف تفاصيل نوع

إن تراث أسالفنا جيب أن ... نكتشف ماذا يف تراث اإلسالم مما يتصل ذا الفرع من فروع العلموإن أسلمتنا للعلوم ستكون . يظل بالنسبة لنا نقطة االنطالق لتحديد مدى االرتباط باإلسالم

ولكن مسامهة . ا يف احلسبان وإذا مل ننتفع بنظرات أسالفنا الثاقبةضحلة جدا إذا مل نأخذ تراثنالتراث يف ختصص ما كثريا ما ال تكون ميسرة للباحث احلديث حىت يصل إليها ويقرأها ويفهمها؛ بل

والسبب . إن الباحث احلديث ليس مؤهال حىت للبحث يف التراث عن مسامهات اإلسالم يف ختصصهكذلك، فإن . احلديث ال توجد، وال حىت أمساؤها، يف التراث على هذا النحوهو أن تصنيفات العلم

وإن . التراث قد حيتوي على معلومات قيمة ال ميكن تصنيفها طبقا ألي تصنيف حديث وال ربطها بهالعامل املسلم الذي تدرب يف الغرب كثريا ما ينهزم أمام استغالق التراث األمر الذي يدفعه بقوة

اض واليأس واحلكم بأن ليس يف التراث شيء حول موضوع البحث، مع أن احلقيقة أنه إىل اإلعروفوق . هو الذي ال خربة له بتصنيفات التراث اليت تندرج حتتها مثل تلك املادة املالئمة ملوضوعه

هذا، فإن العامل املسلم الذي تدرب يف الغرب ال ميتلك األوقات وال احليوية املطلوبة للقيام . الع ناجح للمؤلفات الضخمة والكثرية اليت تضم تراث العلم اإلسالميباستط

ال ميكنهم أن – على الرغم من خربم به –من ناحية أخرى فإن أساتذة التراث اإلسالمي التقليديني يكتشفوا وال أن حيددوا جوانب املالءمة بني هذا التراث والعلوم احلديثة نظرا جلهلهم بتلك العلوم،

ومن هنا يتوجب أن نعرفهم مبا حنتاج إليه مث نتركهم . درايتهم مبوضوعاا ومسائلها وقضاياهاوعدم وهلذا كان ما تنتهي إليه اخلطوتان . ينطلقون إىل التراث يف حرية ليستخرجوا منه ما هو مناسب

٤٩

هذا النحو األويل والثانية خيدم هذه الغاية من خالل تعريف اخلرباء بالعلوم احلديثة وإمدادهم على . مبعايري التالؤم اليت يستطيعون استخدامها يف حبوثهم

وتتضمن هذه اخلطوة إعداد عدة جملدات من خمتارات التراث تضم ما له صلة بالعلوم احلديثة ، على هذه املختارات ستضع أمام العامل املسلم . أن تكون مرتبة طبقا ملنهج التصنيف احلديث لكل علم

– يف منهج موضوعي مألوف لديه –ة إىل التراث يف جمال ختصصه، إذ ستقدم له احلديث طريقا ممهدوما دام . أفضل ما ساهم به التراث يف جمموعة القضايا اليت تشكل املوضوعات الرئيسية ال دراسته

بل إنه يف معظم (املتخصص املسلم احلديث ال ميتلك من الوقت وال اخلربة للوصول بنفسه إىل التراث فليس من املمكن له، بدون هذه املختارات، أن يصبح على إلف ) حوال ال يعرف حىت لغة التراثاأل

!بالتراث، فما بالك بالتمكن منه؟

التحليل: التمكن من التراث: اخلطوة الرابعةلكي نقرب منجزات التراث اإلسالمي من فهم العامل املسلم الذي ترىب يف الغرب، فمن الضروري أال

لقد . ن نقدم له صفحات من التراث على شكل خمتارات مادة علمية تتصل مبوضوع معنينكتفي بأوقد . قام األسالف بواجبهم يف ربط املشكالت اليت واجهتهم باملنظور اإلسالمي والرؤية اإلسالمية

كي نفهم طريقتهم يف –وعلينا . فعلوا ذلك حتت تأثري شىت العوامل والقوى اليت دفعتهم إىل التيقظ أن حملل كتابام يف ضوء اخللفية التارخيية اليت ظهرت فيها ، وأن نتبني –بلورة الرؤية اإلسالمية

هذا التحليل . ونربز عالقات املشكالت القائمة يف عصرهم بالقطاعات األخرى من احلياة والفكرمما يقودنا إىل . التارخيي ملسامهات التراث سيكشف وال ريب مناطق عديدة من الرؤية اإلسالمية ذاا

فهم أفضل هلذه الرؤية نتعلم منه كيف فهمها األسالف وكيف حركتهم ، وكيف ترمجوها إىل مناهج تطبيقية يف األفعال والسلوك، وكيف أعانتهم على حل ما واجهوه من مشكالت وصعوبات

. خاصةبل جيب أن يقام . باطامثل هذه األمناط من التحليل ملسامهات التراث اإلسالمي ال ميكن أن تتم اعت

فباإلضافة إىل . نظام متدرج من األولويات وأن يدعى العلماء اإلسالميون لتنفيذه بصورة منظمةاملبادئ األساسية واملشكالت الكربى والقضايا املستمرة، فإن املسائل اليت يظهر أن هلا عالقة

.ة يف التعليم والبحثمبشكالتنا احلاضرة ينبغي أن تكون موضوع االستراتيجية اإلسالمي

تأسيس مدى املالءمة بني اإلسالم وفروع العلوم احلديثة: اخلطوة اخلامسة

٥٠

فهي تلخص تنتهي اخلطوات األربع السابقة إىل وضع املشكلة يف صورا الكاملة أمام املفكر املسلم، وباملثل، فإا . مله كل التطورات اليت توصل إليها هذا العلم مما فات املسلمني ففي فترات غفلته

جيب أن تعرفه، يف أوضح وأوثق صورة ممكنة، مبسامهات التراث اإلسالمي يف ااالت اليت تتناوهلا هذه املواد العلمية جيب أن توضع يف صورة أكثر حتديدا . هذه العلوم وباألهداف العامة لكل علم

على مستوى العموميات أو وذلك بتحويلها إىل مبادئ على حنو تلتقي فيه مع العلم احلديث ويف هذا الصدد جيب الربط بني التراث اإلسالمي وطبيعة العلم . التنظري أو املراجع أو التطبيق

احلديث ومناهجه األساسية ومبادئه ومشكالته وأغراضه وآماله وإجنازاته ونواحي النقص فيه؛ .احدة من تلك النواحيكما تستخلص من املسامهة العامة العالقة اخلاصة بني التراث وكل و

ما هي مسامهة اإلسالم ابتداء األول،. هنالك ثالثة أسئلة رئيسية جيب أن تطرح وأن جند هلا جوابامن القرآن الكرمي وانتهاء بالتراث الذي توصل إليه اددون احملدثون يف مجلة القضايا اليت يثريها هذا

التراث اإلسالمي مع ما أجنزه هذا العلم؟ وأين ، كيف تتطابق أو تتعارض مسامهات الثاينالعلم؟ و، بعد معرفة والثالثوصل التراث يف مستوى رؤية هذا العلم وآفاقه وأين قصر عنها أو ختطاها؟

ااالت والقضايا اليت كانت مسامهة التراث اإلسالمي فيها قليلة أو معدومة، يف أي اجتاه حيسن أن .سد هذا النقص وتعيد صياغة املشكلة وتوسع مدى الرؤية؟تبذل جهود املسلمني مستقبال لكي ت

بيان واقع الفرع العلمي: التقييم النقدي للعلم احلديث: اخلطوة السادسة

بعد استعراض كل من إسهامات العلم احلديث والتراث اإلسالمي، والتعرف على مناهجهما وضيح العالقة اخلاصة بني اإلسالم ومسحها وحتليلها، وبعد تاومبادئهما ومشكالما وإجنازام

جيب أن خنضع هذا العلم احلديث لتحليل نقدي من وجهة النظر اإلسالمية والعلم وإقامة أسسها، وواضح أن اخلطوات اخلمس السابقة تقود إليها ".أسلمة املعرفة"وهذه خطوة رئيسية من عملية .

ب أن منيز ونظهر املالبسات اليت جعلت هذا ويف جمال التطور التارخيي للتخصص العلمي جي. ومتهد هلا وأعين ا ما يتضمن حتديد –وجيب أن حنلل وخنترب منهجيته . هذهاحلالية العلم جيئ على صورته

مادته األولية ومسائله األساسية ، وتصنيفه وتبويبه، ونظريته ومبادئه اليت على أساسها حيل مشكالته فيما يتصل بكل األبعاد " الوحدة"املعقولية واالنسجام مع وذلك من أجل االختصار والكفاية و–

كما جيب حتليل مشكالت هذا العلم الغالبة . اخلمسة اليت يقررها اإلسالم واليت شرحناها من قبلومن . وقضاياه املستمرة لنعرف ما وراءها من فروض وما هلا من أمهية وعالقة بالرؤية األساسية له

: فنتساءل . نهائي للعلم ذا ارتباط حمدد مبنهجيته وبأهدافه القريبة أيضاالواجب أن يكون الغرض الهل حقق التخصص رؤية مؤسسيه؟ وهل أدى دوره يف عملية البحث عن املعرفة اليت هي مطلب

٥١

اإلنسان؟ وهل حقق ما توقعه الناس منه كجزء من املطلب اإلنساين العام؟ وهل حدد من أجل الفهم وباإلجابة على هذه األسئلة نصل إىل ية يف اخللق اليت قصد من ورائه حتديدها؟ والتاريخ السنن اإلهل

تقرير واضح وأصيل عن حالة هذا العلم، كما تتضح اجلوانب اليت تستلزم هذا الضرب أو ذاك . من التصحيح اإلسالمي أو التعديل أو اإلضافة أو احلذف

بيان واقع التراث يف أحدث صوره :التقييم النقدي للتراث اإلسالمي: اخلطوة السابعة

للتراث اإلسالمي هي القرآن الكرمي الذي هو كالم اهللا سبحانه وتعاىل، وسنة ] املصادر األصلية[ليسا موضوعا للنقد أو التقومي، ] املصدران األصليان[وهذان ... النيب حممد صلى اهللا عليه وسلم

أما فهم املسلمني هلذين . لسنة فوق كل تساؤلفالطبيعة اإلهلية للقرآن والطبيعة املعيارية لبل إنه خيضع للتعديل والنقد يف ضوء املبادئ اليت يقدمها هذان املصدران . املصدرين فليس كذلك

وينطبق هذا على كل األشياء األخرى يف التراث واليت قد تكون مستقاة من أي من . الوحييانإن هذا العنصر البشري حباجة إىل إعادة النظر . شرياملصدرين األصليني عن طريق اجلهد العقلي الب

ألنه مل يعد يقوم بالدور احليوي احملرك يف حياة املسلمني كما فعل من قبل وكما يفترض أن يفعل إن ربط فهمنا البشري للوحي مبختلف املشكالت احلاضرة جيب أن خيضع للنقد املستمد من . دائما

:ثالثة مصادرالمية كما تستخلص بوضوح من مصادر الوحي مباشرة ومن حتقيقها تارخييا على الرؤية اإلس:األول

.يد النيب صلى اهللا عليه وسلم وصحابته والتابعني رضي اهللا عنهم .يف الوقت احلاضر يف كل مكان من العامل" األمة" ما حتتاجه :الثاين .مجمموع املعارف احلديثة اليت ميثلها هذا الفرع من العل: الثالث

به نقص أو خطأ وجب تصحيحه باجلهود ] الذي توصلنا إليه باجتهادنا[ فإذا وجدنا أن التراث أما إن وجدنا أنه ال بأس به، فيلزم، من أجل املستقبل، العمل على مزيد من تطويره وبلورته . املعاصرة

مية اليوم إال ذلك أنه يف كل األحوال فلن يصلح أمر من أمور األمة اإلسال. من جديد وبشكل مبدعوإلجناز ذلك الربط على هذا النحو فيجب أن يتم العمل على أساس . من خالل ربطه بتراث اإلسالم

ويف كل األحوال أيضا فإن أي . من الدراية الكاملة بالتراث من حيث نواحي القوة والضعف فيهلتراث دائما وال خيالفه موقف مير به العامل اإلسالمي يف احلاضر أويف املستقبل جيب أن يستصحب ل

. بأي صورة جذريةإن مهمة تقومي ما ساهم به التراث اإلسالمي يف كل ميدان من ميادين النشاط اإلنساين تقع على عاتق

إم ميزان ملا حيتاجه املسلمون يف هذا امليدان، كما أم حذاق العلم احلديث . اخلرباء يف هذا النشاط

٥٢

املؤكد أم سيكونون يف حاجة إىل مساعدة خرباء التراث كي نضمن ومن . الذي يدرس هذا النشاط .فهمهم له على أعلى مستوى من الصواب والكفاءة

"األمة"حتديد أهم مشكالت : اخلطوة الثامنة

إن مشكالا . تواجه األمة اليوم، وقد انتبهت من رقادها، مشكالت هائلة على كل اجلبهات ليست سوى –سياسية وهى مشكالت مستعصية بكل املقاييس االقتصادية واالجتماعية وال

وإن املشكالت الكربى .اجلوانب اليسرية الظاهرة من مرضها الكامن يف ناحييت الفكر واألخالقبرمتها، و أسباا ولظاهر املتفاعلة مع سواها من الظواهر واآلثار املتصلة مبشكالت األمة لتتطلب

إن حكمة التخصص العلمي جيب أن توجه لتسهم يف حل مشكالت . مسحا علميا وحتليال نقديااألمة، أعين أن متكن املسلمني من أن يفهموا هذه املشكالت فهما صحيحا وأن حيددوا بدقة نوع

فليس ملسلم من أهل التخصص أن يتابع . تأثريها على حياة األمة وعلى قضية اإلسالم يف العاملعلمي خلالص املعتزل يف برج عاجي كما لو كان ال عالقة له بواقع ختصصه العلمي رد الترف ال

وعلينا أن نطبق على جماالت ختصصاتنا ذلك الدعاء الذي نسأل اهللا فيه أن . األمة وآماهلا وطموحااوقبل هذا كله وبعده تأيت . ، وذلك بأن يوجه أنظارنا يف قوة إىل مشكالتنا القائمة"علما نافعا"مينحنا إصرار التخصصات العلمية واملؤسسات التعليمية على التباعد عن اإلسالم يف مواجهة جهودنا مشكلة

ويف الوقت نفسه فإن اهتماماتنا جيب أن تكرس للقضايا الرئيسية اليت تؤثر على . إلعادة أسلمتهاقية مشكالت األمة يف ااالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية والفكرية والثقافية واألخال

.والروحية، ويف كل قطاع من قطاعات اجلهد اإلنساين

حتديد مشكالت اإلنسانية: اخلطوة التاسعةإن محل أمانة املسؤولية ملا مصلحة اجلنس البشري كله وليس مصلحة األمة اإلسالمية وحدها هلو

وجيب أن تتطابق اهللا سبحانه وتعاىل تشمل الكون كله " أمة"إن . جزء اليتجزأ من الرؤية اإلسالميةتعترب من بعض النواحي متخلفة وغري " األمة اإلسالمية"حقا، إن ... مسؤولية اإلنسان مع نطاقها كله

ولكن هذه األمة ال يسبقها أحد يف جمال حيازا للحقيقة . متقدمة إذا قيست بسواها من األممزدهار والرقي الديين واخللقي والتعبري األيديولوجي عنها على الوجه األمثل الذي يضمن حتقيق اال

بإسالمها متتلك وحدها الرؤية اليت هي شرط ضروري كي " األمة"ذلك أن . واملادي يف الوقت نفسه .تسعد البشرية كلها ليجيء تارخيها على النحو الذي يرضاه اهللا سبحانه وتعاىل

٥٣

البحث عن حلول هلا من هنا كان املفكر مطالبا بالتصدي للمشكالت اليت تواجه العامل اليوم وإن األمة حبكم رؤيتها اإلسالمية تعترب اليوم هي املتحدث احلق والوحيد على . طبقا للرؤية اإلسالمية

ظهر األرض اليوم باسم شعوب البشرية اليت ضاعت قضيتها بني االستعماريني والثوريني وهي تسعى تربط البشر بعضها ببعضهم يف العنصر يدمر العالقات اليت- حول- إن التمركز. للتخلص من نريهم

أما البقية الباقية من اخلري فقد تكفل بالقضاء عليها تعاطي اخلمور واملخدرات . كل مكان يف العامل وفوضى العالقات اجلنسية وتدهور أخالقيات األسرة واألمية واخلمول وحكم العسكر وتكديس

لبيئي على األرض، وكل ذلك وغريه يستمر األسلحة والعدوان الظامل على الطبيعة وديد التوازن اومن املؤكد أن هذه املشكالت متثل جماال آخر من ااالت . دون ما رادع فعال من أي مصدر كان

" األمة"ينبغي أن يوجه الفكر اإلسالمي بل والتخطيط والتنفيذ حنو مواجهتها إذ أن يف ذلك سعادة السري بالبشرية إىل السعادة واالزدهار يف إطار من وإن حل هذه املشكالت و. وسعادة البشرية أيضا

.العدل والكرامة هلو جزء ال يتجزأ من أهداف اإلسالم

التحليالت والتركيبات املبدعة: اخلطوة العاشرةبعد فهم العلوم احلديثة والتمكن منها ، وفهم التراث اإلسالمي وهضمه وتقدير جوانب القوة

ه اإلسالم يف كل ميدان من ميادين البحث املتخصصة يف كل العلوم؛ والضعف فيهما ، وحتديد مايقولوبعد التشخيص اجليد وفهم املشكالت اليت واجهت األمة من يف مسريا التارخيية يف خالفتها عن اهللا يف األرض، وبعد فهم مشكالت البشرية من وجهة النظر اإلسالمية اليت تفرض على املسلمني أن

بعد هذا كله يصبح املسرح اآلن مهيأ أمام العقل ... عرب التاريخ اإلنساين" الناسشهداء على"كونوا املسلم ليتحرك حركته القوية اخلالقة ، حبيث منهد طريقا جديدة أمام اإلسالم يف هذا القرن اخلامس عشر إذا كنا نريد له أن يستأنف قيادته للعامل، وأن يتابع دوره اإلصالحي واحلضاري يف حياة

. البشريةمن العلوم ] وما صح[إن واجبنا عندئذ يتمثل يف إجياد تركيبة مبدعة جتمع بني التراث اإلسالمي

والبد للتراث العلمي . ردم فجوة التخلف اليت امتدت عرب قرون ىتركيبة قادرة عل...احلديثة ق أبعد مما اإلسالم أن يتواصل عطاؤه على الدوام يف دفع املعارف والعلوم إىل حدود وآفا

. وتلك التركيبة جيب أن حتافظ على صلتها الوثيقة بواقع األمة اإلسالمية. تصورته العلوم احلديثةإن عليها أن يئ احللول الفعالة . وذلك باالشتغال مبشكالا اليت مت التعرف عليها وحتديدها

ل اآلمال اإلسالمية، ولكن ملشكالت العامل كله باإلضافة إىل االهتمام بالقضايا اليت تتولد من خال

٥٤

علينا أن تتساءل ما هي بالتحديد حمتويات تلك اآلمال اليت يلهمنا اإلسالم إياها خلري البشرية يف كل . قطاع من حياة اإلنسان؟ وكيف نضع هذه اآلمال موضعها لتتحقق؟

ة اخلاصة للقضية اليت ملوضوع أو مشكلة ما وعرفنا الطبيعةفإذا عرفنا بالتحديد ما ميليه التراث بالنسبتشغلنا، فأي اخليارات ينبغي اعتباره اخليار الصحيح الذي جيب أن يسري املسلم فيه؟ كما أنه وال شك فإن عددا كبريا من اخليارات يكون مطروحا يف كل حالة ، فأيها أقرب إىل املثال اإلسالمي وأيها

كة اإلسالمية حنو األهداف العليا لإلسالم أو أبعد عنه؟ أيها أكثر أو أقل فعالية؟ أيها يدفع باحلريعوقها؟ وأي هذه اخليارات ممكن وأيها ضروري وأيها ال مفر منه وأيها مرغوب فيه ؟ ما هي املعايري

يالئم متاما املشكلة اليت نعاجلها؟ ) شريعته وأخالقه وثقافته وروحه(اليت ميكن أن نؤكد ا أن اإلسالم أن نقيس ا مدى كفاءة احللول املقترحة؟ وما هي املبادئ اليت يف ضوئها وما هي الطرق اليت ميكن

اإلسالمية املبدعة وأن نقيسها ونقومها؛ أو اليت ميكن يف ضوئها أن " التركيبة"ميكن أن نربز مسامهة . ندخل عليها التعديالت والتصحيحات املالئمة وأن نوجهها ونقومها؟

ياغة العلوم يف إطار اإلسالم الكتب الدراسية اجلامعيةإعادة ص: اخلطوة احلادية عشرة

من الطبيعي أن العقول امللتزمة باإلسالم لن تصل كلها إىل نفس احللول أو ختتار نفس اخليارات ومثل هذا . حاضرا ومستقبال" األمة"وهي حتدد مقوالت اإلسالم فيما يتعلق بقضايا ومهوم

إننا حباجة إىل العديد . فيه، بل سيكون أمرا مطلوبا بقوةاالختالف لن يكون أمرا غري مرغوب من التحليالت النقدية املتنوعة اليت يقوم ا امللتزمون باإلسالم من أهل التخصصات احلديثة،

فاحلق أن أمتنا ال ميكن أن نقول إا قد . بأمانيها وأهدافها" األمة" وذلك لكي نثري وعي ليت كانت هلا يف القرون اهلجرية األويل ما مل يصبح اإلسالم نفسه استعادت فاعليتها وحيويتها ا

بالنسبة للمسلمني مرجال دائم التدفق باجلديد من األفكار اليت جتسد سنن اهللا يف اخللق ونبعا يفيض . باخليارات األخالقية اخلالقة اليت تتجسد ا القيم واألوامر اإلهلية وتصبح تارخيا واقعا

جلامعي أو املدرسي املنشود يف أي ختصص علمي ميكن إعداده بفضل اخلصب الذي إن الكتاب اتتميز به مثل هذه النظرات الثاقبة واملتبصرة يف مفاهيم اإلسالم، واخليارات املبدعة لتحقيق تلك

إننا حباجة إىل االستكثار من املقاالت والبحوث اليت متثل اختراقات فردية متعمقة يف أي . املفاهيمميكن تنبع منها الرؤية " ميدان مواءمة"أو " رؤية خلفية"وضوع أو فرع أو مشكلة كي تكون مبثابة م

. اإلسالمية يف أي ختصص أو فرع علميالبد . إن أسلمة علم ما ال تتم بتأليف كتاب واحد فيه، حىت ولو حتققت فيه كافة املواصفات املطلوبة

أضف إىل هذا، . ية املقدرة الذهنية للعقول املسلمةمن وجود عشرات الكتب الدراسية من أجل تنم

٥٥

بدءا (أننا حباجة ماسة إىل العديد من الكتب اليت تغطي احلاجات التربوية للمستويات اجلامعية املختلفة ، كما أن مثة حاجة إىل مزيد من الكتب )من طالب مرحلة البكالوريوس إىل طالب الدراسات العليا

وهي غري حمدودة، ولك اليت تربز وتبلور التصور اإلسالمي وهي غري اليت تشبع حاجات املسلمنيلكن نظام األولويات يفرض علينا أن نعبئ جهودنا يف البداية إلعداد كتب دراسية . حمدودة كذلك

منطية لكل من التخصصات العلمية حبيث تربز فيها بشكل حاسم عالقة التصور اإلسالمي ذا ولست يف . ليل الذي تسري على جه العقول اإلسالمية يف املستقبلالتخصص، وتصبح مبثابة الد

حاجة إىل القول بأن أية حماولة لتعجيل إنتاج الكتاب الدراسي اجلامعي على حساب االلتزام .باخلطوات املشار إليها سابقا ال ميكن أن تنتج إال شيئا هزيال

واحلق أن الكتاب الدراسي . نا عمال أن نتقنهلقد أوصانا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إذا عملإنه . العلوم" أسلمة"اجلامعي هو اهلدف النهائي لكل اإلجراءات الطويلة اليت تؤدي إىل عملية

. العمل الذي يتوج البحوث الطويلة يف اخلطوات السابقة

"املؤسلمة"نشر املعرفة : اخلطوة الثانية عشرةيدي األساتذة املسلمني مث بقيت خمزونة يف حدود ملكيتهم اخلاصة لو مت إنتاج كل هذه األعمال بأ

كما أنه سيكون أمرا مؤسفا للغاية لو . لكان ذلك عبثا مهما كانت قيمة األعمال عظيمة يف ذاتهبقيت تلك الذخائر حمصورة يف نطاق دائرة حمدودة من أصدقاء املؤلفني ومعارفهم، أو اقتصر االنتفاع

إن كل عمل يتم لوجه اهللا تعاىل .. ات التربوية يف دوهلم أو الدول ااورة وحدهاا على املؤسسيصبح ملكا لألمة اإلسالمية كلها، ولن يبارك اهللا فيه ويتقبله ما مل ييسر طريق االنتفاع به ألكرب

إال مع أن من حق املسلم، بل من الواجب، أن يكافأ ماديا على جهوده الفكرية،. عدد من خلق اهللاإن . أن األعمال الفكرية يف اإلسالم ينبغي أن تنتشر وأال حيتكرها صاحبها سعيا وراء الربح املادي

القيام بالعمل لوجه اهللا تعاىل يفرض على صاحبه أن جيعله متاحا لكل من يرغب يف أن يفيد منه .وينقل ما فيه من علم بأي وسيلة كانت

الذي يأيت نتيجة للخطوات املذكورة سابقا إمنا قصد به أن وأمر آخر؛ إن مثل هذا العمل الفكري هؤالء إذن هم . حيقق اليقظة والتنوير والثراء الفكري ال للمسلمني يف العامل وحدهم، بل للناس كافة

والذي أجنز لوجه " إسالمي"إن العمل الذي حيمل صفة . هلذه السلعة" املستهلكون"القراء أو قل هم إن وعي . ت طياته رؤية اإلسالم نفسه له غاية أمسى من جمرد نقل املعلومااهللا تعاىل وحيمل يف

اإلنسانية كلها ميكن، أمام انبالج التصور اإلسالمي احلق، أن يفقد توازنه القدمي وميوج باحلركة فتحت تأثري هذا التصور يتوقع هلذا . مولدا من الطاقات اجلديدة ما مل تعرفه البشرية من قبل

٥٦

العلمي أن يصبح وسيلة لإلرادة اإلهلية وأداة دفع إىل األمام وأن ينجز باسم اهللا ما مل حيلم املوضوع .بإجنازه من قبل

ومن هنا كان من أهداف خطة العمل أن نضع كل عمل ينجز وفقا للخطوات السابقة حتت إن كل مقالة أو حبث أو نشرة أو كتاب . تصرف كل باحث جامعي مسلم دون مقابل مادي

نتخبات يقدم إىل مثل هذا الباحث فإمنا هو مبثابة دعوة شخصية تدعوه إىل االنضمام إىل هذا املوباملثل، فإن . ألعمال أفضل نتيجة لتمكنه من املؤلفات املتاحة" منتجا"العمل وإىل أن يصبح

ه وضع تلك املؤلفات بني أيدي املفكرين املسلمني هلو أعظم مكافأة ميكن احلصول عليها يف هذإن هذا ال يعين استبعاد املكافأة املادية للمؤلف، وإمنا نعين أن العامل امللتزم بالتصور . الدنيا

اإلسالمي، والذي ابتغى بعمله وجه اهللا تعاىل، ال يرى أن مثة مكافأة أعظم من أن يتمكن من التصور ا غرس هذا التصور يف عقل إنسان آخر وقلبه، وال يرى واجبا أكرب من أن يريب على هذ

، إن إنتاج هذه اخلطة جيب أن يتم إهداؤه رمسيا إىل جامعات أخري أمر و. وعي املسلمني يف العاملالعامل اإلسالمي ومعاهده مع حثها أن تنظر يف إمكانية تبنيها كقراءات تتطلبها املقررات املناسبة يف

. خمتلف أقطار العامل اإلسالميومن الطبيعي أن تترجم، والبد، إىل لغة التدريس يف. منهج الدراسة