الرؤية الصوفية للعالم

39
( م ل عا ل ل ة ي ف و ص ل ا ة ي رؤ ل : ا ب ت ك ي دان ي ز ف س و ي د.١ - ٧ ى ف: ُ ؤل الأ ُ ول ق ل ا) ة ي ف و ص ت ل اِ عة ز لن اِ ة ي م و م ع ن ي ن ي لع ا ة ق ي م ع ا يِ I كُ ّ بُ حٌ رف ط تٌ وف ص ت.. ْ ادة ن عْ ولأدة ل ؤاِ وت م ل اُ لY ن مI كُ ّ ب ح! ن ي ت ز م ى ن عا ي ن اٌ ب صع ن مك ي ى، معنِ ّ ى ا ن ف- رف ط ت ل ا ة ي ؤصق ن م نh الأ ا ن لي عؤما- وف ص ت ل ا ها ي ل ةَ ّ ي حً ا ف ص ة، ؤا ي ب و ب ح م ى لx ى ا ن ا ن ف ازy ز نY تَ ّ حد ت، ة ري عY ش ل وز ا سط ل ة ا هد ب ؟ وف ص ت ب ن اِ ّ ب ح م ل ى ا ف زط نY شُ ي ل ه ة ؟ ؤ ي ة ي ح م ل ا ف ص ؤَ ّ ح ص ت ى حن،ً لأ ص اُ وف ص ت ل ا ؟ ؤماً ا فُ ّ و ص ت ون ك ي ن اِ ّ ب حل ل ها ب ى ل ن م ي ى لن ا هادزة ل ا ة ي لدلأ ال ة جل ل ة ا ى هد ف رق ع ي ى لأ حن، وف ص ت ل ا مة كل ل) ة ي ح لأ صطالأ( ؤ) ة ي م ج ع م لا( ات ف ي ر ع ي ل ى ا ف ى، ل ي ما ي ف وض خ ت ن ل لأحات صط ى، ا اد لأي كل ل وف ص ت ل ل ا ه ا ب ه مد ل رف ع ي ل زى، ا نY ش ق ل ل رسالة ل ل: اY ن م ن م ى لن ا) ة ي ف و لصا( وم ق ل ا ب ت ك ، ؤ ة لغ ل ا ب ت ك ى.. ن اY اس فل ل ة ي ف و لص ا ى ف ؤ ا- راء ح از ع ي وة ل ح لكا- ة وي ب لي ا زة شن ل ى ا ف واء س زة، كن وا ي ى، ؤ م لأ سx الأ وف ص ت ل ا ات داي ي ن م صادز م ل ع ؤا ج را م ل ة ا ري ك ما د ا ن ه د ن ع ي س ي ن ل ؤ ادة ن لع ل وا طع ق ي ا ن ي الد ة حاي ص ل م ا ه ؤ» ةَ ّ قُ ّ لص ل ا ه ا« م س ا ي ب ف رُ ع ى لن ا ماعة ج ل ا غة ي` ي ط ى ف ؤ زى، ا ا ف لع ز ا ى د ن ل ا اY ن م ا ن م ة حاي ص ل ا اة ن ح م. ه ل وا ح ى ا ن لي م ا ه علي ز ك نُ ب م ل ، ؤ ة ي ب مد ل ا وى ي ب لي د ا ح س م ل ى ا ف ن مادى د ع ي ل ا خ د ن ل ى، ؤا قY ش م الدُ زف لن م ا ه ب دى ا ف ي ك ؤ) ة حاي ص ل ل ا ب ح ت ة لأجق لل ا ا ن ح ى الأ ا( ن عي ي ا ن ل ى ا ع ي ا ؤي ن عي ي ا ن ل ا اة ن ح ى ف ؤ ا ى ه . ؤ ة ي ح ر ل ا ة ي ب رؤحا ل ا اهات ح ت ا اقY ن ي ت ى ا ف زY ن ز الأ كن لة ا ما كان م ا، ن ب الد ة ي ل ع ن م ة يY س ح لء ؤا ا ن ع ي س هد ؤالأ ر ل ا ن مٍ وع ي هاز ظx ى ا لx عد؛ ا ي ح ت اY ش م ل ع ا ب صا ا ن ي ت ن م، ة ي` لي ف ل ا ة رف مع ل اُ ون ب عْ ب س ح ب ب ز، ؤا ك ن م ل ا وف ص ت ل ع ا ب ا ن ب ها ميْ ب قَ ّ ف د ى ي لن ، ا هاتُ ّ ج و ب ل ، ؤا اهات ح ت الأ. ة عدؤي ل ا غة ى، زاي ز مص ل ا ون ب ل ى ا ، د د ي ز ن ي واحد ل د ا ن ع ال:Y ن م ، ا زات ك ن م ل ا ات ح بY س ل ؤا ن ي ز ك ن م ل ا

Upload: killahmc

Post on 28-Jul-2015

137 views

Category:

Documents


11 download

DESCRIPTION

د. يوسف زيدان

TRANSCRIPT

Page 1: الرؤية الصوفية للعالم

( : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف -١د٧ : فى( األول� التصوفية القول� النـزعة عمومية

�ك� يا عميقة العينين ح�ب

تطرف�

تصوف�

..�عبادة

��ك مثل� الموت� والوالدة حب

صعب� أن يعانى مرتين!

3ه لها بالتصوف -وما علينا اآلن من 4 حب بهذه السطور الشعرية، تحد3ث نزار قبانى إلى محبوبته، واصفا4، حتى يصح3 وصف المحبة 4؟ وما التصوف� أصال وصفه بالتطرف- فبأىH معنى، يمكن للحبH أن يكون تصو�فا

�شترط فى المحبH أن يتصوف؟ به ؟ وهل ي

لن نخوض فيما يلى، فى التعريفات )المعجمية( و)االصطالحية( لكلمة التصوف، حتى ال نغرق فى هذه اللجة الداللية الهادرة التى تمتلئ بها كتب اللغة، وكتب القوم )الصوفية( التى من مثل: الرسالة

للقشيرى، التعرف لمذهب أهل التصوف للكالباذى، اصطالحات الصوفية للقاشانى..

ولن نستعيد هنا ما ذكرته المراجع والمصادر من بدايات التصوف اإلسالمى، وبواكيره، سواء فى السيرة النبوية -كالخلوة بغار حراء- أو فى حياة الصحابة من أمثال أبى ذر الغفارى، أو فى طبيعة الجماعة التى�نكر ع�رفت باسم »أهل الص�ف3ة« وهم الصحابة الذين انقطعوا للعبادة فى المسجد النبوى بالمدينة، ولم ي

عليهم النبى أحوالهم.

أو فى حياة التابعين وتابعى التابعين )أى األجيال الالحقة بجيل الصحابة( وكيف أدى بهم الترف� الدمشقى، والبذخ البغدادى من بعد؛ إلى إظهار نوعg من الزهد واالستغناء والخشية من غلبة الدنيا، مما كان له أكبر األثر فى انبثاق اتجاهات الروحانية الرحبة. وهى االتجاهات، والتوج�هات، التى تدف3قت� منها ينابيع التصوف المبكر، وانبجست� عيون� المعرفة القلبية، من بين أصابع المشايخ المبكرين والشيخات

المبكرات، أمثال: عبد الواحد بن زيد، ذى النون المصرى، رابعة العدوية.

إذن، لن ننظر إلى طبيعة التصوف من هذه الزوايا السابقة، التى تحصر المسألة فى التراث العربى .4 اإلسالمى تحديدا

4- بأن التصوف نزعة� إنسانية� عامة، كان »التصوف اإلسالمى« هو وذلك ألننى أعتقد –وقد أكون مخطئا أحد أشكالها وتجلياتها الكثيرة، التى ال تكاد تخلو منها ثقافة� إنسانية، دينية4 كانت أو غير دينية.. نعم »أو

4 عن 4 فى أكثر االتجاهات مادية4 وابتعادا 4 صوفية وحرارة4 روحانية، تظهر أحيانا غير دينية« ألن هناك أنماطاالدين، حتى لو كانت )الفلسفة الماركسية( التى اشتهرت بنـزعتها المغرقة فى المادية والالدينية!

وإال، فإننى أرى فى )إيمان( كارل ماركس باألفق البروليتارى، وفى عقيدته بحتمية مجىء الزمان الذى تستولى فيه الطبقة العاملة )البروليتاريا( على وسائل اإلنتاج، وبالتالى على مقد3رات المجتمعات – وهو4 من »اإليمان« والوله 4 فيما أظن- أراه فى حقيقة الحال نوعا األمر الذى لم يحدث قط�، ولن يحدث أبدا الصوفى بفكرةg خيالية، ال تؤدى إليها بالضرورة التحليالت الماركسية المسماة بالمادية الجدلية والمادية

التاريخية.

أو بعبارة أخرى، فإن »اعتقاد« كارل ماركس بضرورة شروق »شمس العمال« هو فى واقع األمراعتقاد� غير فلسفى، أو هو باألحرى: تصوفى.

وهناك نقطتان أساسيتان تجب اإلشارة إليهما، مادمنا فى مبتدأ الكالم عن ذلك النـزوع اإلنسانى العام، المسم3ى عندنا: تصوف. النقطة األولى منهما، أن )التصوف( يختلف عن تلك االحتفاالت الشعبية المسماة »الموالد« وإن كان كالهما قد ارتبط باآلخر فى أذهان معاصرينا، فصرنا نقول عن هذه

Page 2: الرؤية الصوفية للعالم

المظاهر الشعبية )الفلكلورية( إنها احتفاالت صوفية! وذلك بطريق الخلط والتخليط بين التراث الصوفى4، فى التجارب الروحية العميقة التى ترد3د صداها فى حياة الحالج )الحسين بن منصور، المتمثل، مثال

هجرية( أو فى كتابات ابن عربى )الشيخ األكبر، محيى الدين، المتوفى بدمشق٣٠٩المقتول ببغداد سنة هجرية( أو فى مؤلفات عبد الكريم الجيلى المغرقة فى الرمزية.. ٦٣٨سنة

4 له 3خذ فى الزمن اإلسالمى سببا وبين التراث االحتفالى الشعبى الموروث من األزمنة القديمة، الذى ات4 فصارت »الموالد« مرآة للحياة االجتماعية المشوبة من »مواليد« مشايخ الصوفية الكبار، ثم أتبع سببا بأقل القليل من رحيق التصوف الحقيقى. وقد س�ميت –وياللعجب- بالموالد، مع أننا فى حقيقة األمر ال

نعرف بدقة، تاريخ »ميالد« أى شيخ صوفى، من أولئك الذين يحتفل الناس اليوم بمولدهم .

والنقطة� األخرى الواجب ذكرها هنا، هى أن لفظ )التصوف( ذاته، هو من األلفاظ المربكة، مترهلة4، وإنما يونانية مشتقة من كلمة خين اعتبر الكلمة كأنها غير عربية أصال Hالداللة. حتى إن بعض المؤر

4 جاءت كلمة »الفلسفة« بمعنى حب الحكمة: فيلوسوفيا. وبعض »صوفيا« التى تعنى الحكمة، ومنها أيضا3ز به أوائل� الصوفية، كعالمة على التقشف، خين أرجع داللة الكلمة إلى »لبس الصوف« الذى تمي Hالمؤر

ألن الصوف آنذاك – بسبب وفرة الغنم- لم يكن غالى الثمن مثلما هو اآلن .

والبعض من المؤرخين، المفكرين، قال إن التصوف اسم� غير مشتقg من شىء، إال من الصفاء الذى يقترن بالمسيرة الروحية لهؤالء الذين عرفوا أن »الدين« له أسرار� عميقة� المعانى، تتجاوز العبادات

الظاهرة والتكاليف الشرعية المعروفة التى تمثل ظاهر )الشريعة( بينما يمثل التصوف باطن )الحقيقة(.

وبالطبع، فالمجال هنا ال يسمح بمناقشة هذه اآلراء، وغيرها كثير؛ التى حاولت تفسير داللة كلمة )تصوف( فانهمكت فى السعى إلدراك أو فهم »حقيقة التصوف« من خالل األلفاظ ومفردات اللغة.

ولسوف نتوقف فى مقالة قادمة، عند عالقة الصوفية باللغة، وكيف تفج3رت على أيديهم مفردات�4 فى اإلشارية، حتى تصل ودالالت� »ثورية« من خالل الرمزية الصوفية، ومفردات )القوم( المغرقة أحيانا

4، إن 4 إلى حدH االستغالق التام.. فال يبقى أمامنا فى مجال )تعريف التصوف( إال القول، إجماال أحيانا التصوف هو »تذو�ق الشريعة« وهو »توغ�ل« فى رؤية العالم، بحيث ال يقف الصوفى عند ظاهر األمور،

وإنما يسعى الستشعار حقيقتها الباطنة!

« على الذات، بمعنى مراقبة النفس واإلبحار فيما يتجلى بقلب الصوفى من 4 »عكوف� والتصوف� أيضا رؤى ومشاهدات، على اعتبار أن النفس، أو باألحرى: الروح، هى المرآة� التى يتجل3ى على صفحتها الكون�

كله. وبحسب جالء هذه المرآة، يكون نصوع� الصورة فى قلب الصوفى، أو اإلعتام التام فى قلوب4 فى 4 كبيرا .. وللتوضيح، ال يقصد الصوفية� بالعوامH جمهور� الجهالء، فالعام�ى� عندهم قـد يكون عالما العوام�

تخص�صه، لكنه غافل عن ثراء باطنه وتجليات الكون على مرآة روحه، ألن المرآة معتمة�!

إذن، التصوف� هو التذو�ق والتوغ�ل والعكوف العميق على الذات العارفة باعتبارها مرآة4 للكون. وبهذا المعنى األوسع واألعمق للتصوف، يكون العشاق صوفية، والثوار صوفية، والفنانون صوفية. أعنى بذلك

4 على 3ه بمحبوبه صار ال يبصره بالعين، وإنما يراه متجليا الحقيقيين من أولئك وهؤالء! فالعاشق إذا تولمرآة ذاته العاشقة.

4 ال يستحق الموت من أجله، بل 4 على فوات محبوبg يراه اآلخرون شخصا ولذلك، قد ينتحر العاشق أسفا4، ألنه شخص )عادى( إذا نظرنا إليه بغير عين العاشق.. غير أن العاشق يرى ال يستحق االلتفات إليه أصال

4، وغير عادى� بالمرة، والحياة بدونه ال يمكن أن تعاش. وهذه الحالة العشقية العميقة، محبوبه استثنائياهى نوع� من التصوف.

وكذلك الحال مع العارفين من الثوار، الذين يتوغ3لون فى الفكرة التى ثاروا من أجلها، حتى تملك عليهم قلوبهم واألفئدة، وتغدو الحياة هينة4 فى سبيل »الوطن« أو »الجماعة« أو »النظرية« أو »الفضيلة« التى

ثاروا، بل ربما ماتوا وأماتوا غيرهم، من أجلها..

�نه، حتى يستهين بما 4، مع كل فنانg حقيقى� يهيم� فى مفاوز فنه، ويتوغ3ل فى أعماق تفن وكذلك الحال أيضا عداه، ويستغنى بما يشغله عن سواه. فنراه وقد غلبت عليه األحوال� الشداد، التى نعرفها فى سيرة

الصوفية: أهل الله.

�وسم السينمائيون الكبار بالل3سعان )أى بالتوهج الزائد،  امون النابغون بالبوهيمية، وي �وصف الرس3 وقد ي3هم كبار المفكرين والفالسفة بالغرابة واالنزوائية.. وما البوهيمية �ت الخارج بصاحبه عن المألوف( وي

واللسعان واالغتراب واالنزوائية، إال نتاج� لتلك الحالة الصوفية التى تنتاب هؤالء، باعتبار »التصوف« هو�بات( هؤالء التذوق الخاص والتوغل العميق والعكوف على مرآة الذات. ولذلك، يمكن مقارنة )تقل

�عرف عند دارسى التصوف باألحوال والمقامات. المذكورين، بما ي

Page 3: الرؤية الصوفية للعالم

وتختلف تسميات »التصوف« باختالف اللغات والثقافات. فما يسمى عندنا تصوف، قد يسمى فى غير4، عند الهنود يسمى )النرفانا( وهى حال� الفناء التام، التى يحاول ثقافتنا بغير ذلك من األسماء. فهو، مثال

فية التى يختارها هذا الناسك، ويغوص فيها، الناسك� الهندى� الوصول إليها، كثمرةg روحانية للمسيرة التقش�4 فى الوصول إلى تلك الحالة الروحية، التى يسميها الصوفية المسلمون: الفناء فى الحضرة اإللهية. أمال

4 يلبى حاجة »األفراد« من 4 صوفيا ولذلك، ال يخلو أى� )دين( من نزوع روحى، ال يلبث أن يصير نمطاالمؤمنين، إلى التعمق والتذوق والعكوف العميق.. وإلى التأويل!

4- هو قابلية التأويل! فإذا كان شرط )العلم( عند 4، فيما أرى –وقد أكون مخطئا إن شرط الدين عموما الفيلسوف المعاصر »كارل بوبر« هو قابلية التكذيب. بمعنى أن القضية العلمية تكون علمية4 إذا كانت

تقبل اختبار صدقها، وبالتالى إمكان تكذيبها، فتظل المسألة العلمية أو القانون العلمى أو »الحقيقة العلمية« قائمة4، ما دامت صامدة أمام عمليات التحقق المستمرة.. وفى الجهة المقابلة، فإن )التأويل(4! فإذا كان النص ال يقبل التأويل، فهو نظرية� 4 دينيا 4، نصا أمر� الزم� لكل نص� دينى�، بل هو الذى يجعله أصال

! �3ر وتأم3ل 4.. فتدب ما أو قاعدة� أخالقية� ما أو فلسفة� ما، لكنه ليس دينا

4- دين� واحد� له تجليات� كبرى والديانات� الثالث� الموسومة بالسماوية، هى فيما أرى –وقد أكون مخطئا تسم3ى )اليهودية، المسيحية، اإلسالم( ومن هذه التجليات، تفرعت بسبب مداومة التأويل، تجليات� أخرى

عديدة ال حصر لها، تسم3ى: المذاهب، العقائد، الكنائس، االتجاهات األصولية.. إلخ. والقرآن� الكريم أو األناجيل� األربعة )وغير األربعة( أو التوراة وم�لحقاتها من كتب األنبياء الكبار والصغار )العهد القديم( لو

4 فى النفوس، كنصوص كانت جميعها ال تقبل التأويل، لما صارت باقية4 إلى اليوم، ولما اعتبرت يومامقدسة.

4 تاريخية أو نصائح أخالقية أو حركات إصالحية أو غير وإنما صارت إذا غابت عنها حرارة التأويل، نصوصا ذلك من أشكال الجهود اإلنسانية، ال اإللهية. ومع هذا )التأويل( الضرورى لمفردات الدين ونصوصه

4: »اقرأ القرآن 3ل التصوف ويشق� مجراه. ولذلك قال الصوفية المسلمون، الحالج تحديدا المقدسة، يتشككأنه نزل فى شأنك أنت«.. وهو ما يفتح باب التأويل على مصراعيه .

وعلى الرغم من أن اليهودية بطبعها العام ونصHها المقدس، ديانة� عنيفة� ذات طابعg رعوى� لم يتورع عن4 4 من أجلها ومغلوبا 4 لها وغالبا 4 لجماعة معينة، بل محاربا ، أو الله )سبحانه وتعالى( منحازا Hتصو�ر الرب

منها(.. يعقوب فى التوراه، تصارع مع الله فغلبه فأسماه الله إسرائيل، أى الذى غالب الله فغلب !(

4 لمداومة البعض منهم، لذلك التأويل الذوقى ومع ذلك، لم تنعدم النـزعات التصوفية عند اليهود، نظرا

gالروحى( لنصوص التوراة والتلمود. ولذلك، ففى تاريخ اليهود اشتهرت جماعات روحية ذات نزوع( 3االه(. ، منها الجماعة التى تعرف باسم )القب gصوفى� أصيل

وهى اتجاه� تطه�رى�، يقوم على أساس أن التخل�ص من المطالب الحسية، وتأمل أسرار الحروفواألرقام؛ يعطى معرفة4 روحية تتجاوز ظاهر العلوم.

4 فى استيعاب اليهود لحمالت االضطهاد المسيحية التى بلغت 4 كبيرا وقد لعب هذا االتجاه الروحى دورا ذروتها فى أوروبا خالل العصور الوسطى )المظلمة( فكانت اآلفاق الروحية للقباال، كأنها »مأوى« تهرب إليه أرواح المضطهدين - وبالطبع فال توجد اليوم دواعg النتشار هذا المذهب عند اليهود المعاصرين- وقد

ه�ر( أو )الزوهار( وهى ظهرت فى القرن الثالث عشر الميالدى مدونة� كبرى للقباال، تسمى كتاب )ز� موسوعة روحانية بعضها مكتوب باآلرامية وبعضها اآلخر بالعبرية، وهى تسير بالتجربة الصوفية فى

اتجاهين: تأملى فلسفى، وعملى سلوكى.

ومن الالفت للنظر، أنه مثلما نقم السلفيون المسلمون )أهل الظاهر( على صوفية المسلمين )أهل�ون اليهود )علماء الشريعة( على كتاب الزوهار وطريقة القباال.. وهذا حديث� بي Hالباطن( فكذلك، نقم الر

ذو شجون، قد نعود إليه فى مناسبة أخرى.

وفى التاريخ المسيحى المبكر، كان الناس فى مصر والشام– وفى مصر أكثر- يهربون من زراعة الحقول، ألن الرومان كانوا يسلبونهم نتاج األرض بعد الحصاد، ويأخذون القمح إلى روما بحيث ال يبقى

لمن فاتهم )الميرى( إال التمرغ فى ترابه.. للتوضيح: الميرة )والميرى( كلمة قديمة تعنى: القمح!

4 من الالجدوى، فلما انتشرت الديانة اتخذ هذا ولذلك كان المزارعون البائسون يفرون من العمل هربا الهروب صبغة دينية، وراح الهاربون يحلمون بمجتمع تشاركى ال ظلم فيه، ومن هنا جاءت حياة

»الشركة« و»الديرية« التى تطو3رت من بعد، فظهر االتجاه الروحى المسيحى المسمى: الرهبنة.

Page 4: الرؤية الصوفية للعالم

4 من بعد جيل، قد توغ3لوا فى النصوص واستخرجوا منها ولما استقرت الديانة المسيحية، كان الرهبان جيال معانى روحية تناسب النـزوع اإلنسانى العام، لهذا الولع العلوى والهيمان السماوى الذى اتخذ فى

المسيحية اسم )الرهبنة( وماهو فى حقيقة حاله، إال ذلك النـزوع اإلنسانى األصيل، الذى يحدو بالفرد إلى دروب السماء، عبر عمليات تذوق خاص، ومن خالل توغلg عميقg فى النص، وعكوف على مرآة

الذات.

4 فى المسيرة الروحية  4 فريدا ولذلك، أعطت الرهبنة عبر تاريخها الطويل، نماذج إنسانية بديعة، ونمطا لإلنسان.. وقد انتبه صوفية المسلمين إلى ذلك التشابه بين الرهبنة والتصوف، ولذلك أفاض الشاعر

الصوفى المسلم )أبو الحسن الششترى( فى مدح األديرة والرهبان بقصائد مليحة.

وأفاض شيخ الصوفية األكبر )محيى الدين بن عربى( فى الكالم على أولياء الصوفية – المسلمين- الذين كانوا حسبما قال: مشربهم عيسوى! بل انتبه لذلك الدارسون المحدثون، فقارنوا فى بحوثهم بين

،4 الراهب الشهير فرنشسكو األسيزى، والشيخ البديع أبى مدين الغوث. وبين ابن عربى والرهبان عموماوبين الحالج والمسيح!

وفى دراسة المستشرق المعروف، لويس ماسينيون نرى انبهاره بعبارة الحالج: على دين الصليب يكون4 بنـزعة موتى )وهو مالم يفهمه ماسينيون بشكل صحيح( حتى إن ماسينيون تحمس –وقد كان مشوبا

صوفية- فقال إن الحالج هو الذى حق3ق فى اإلسالم معجزة جبل الجلجثة.. آه، ليس هنا موضع هذاالكالم.

3خذ� بحسب اختالف الديانات نعود إلى ماكنا بصدده من تبيان أن النـزوع اإلنسانى األصيل للتصوف، يت3اال( والمسيحيين )الرهبنة(. 4 مختلفة، مثلما رأينا عند الهنود )النرفانا( واليهود )القب والثقافات أشكاال

وفى اإلسالم المبكر، ظهرت مثيالت لهذه االتجاهات، كانت تعرف فى البداية بجماعات الزهد وهجر الملذات والمرابطة فى الثغور )الجهاد البدنى والروحى( والرحلة فى طلب العلم ومراقبة أصول

النفس.. إلخ.

فلما استدام األمر� فى الثقافة العربية اإلسالمية، تحد3دت مالمح االتجاه الروحى الذى نعرفه اآلن باسم )التصوف( عبر أجيال من السالكين دروب� الروح والمحدقين إلى مرآة النفس، والمتأولين بواطن اآليات

القرآنية.

4، قد3م خاللها كبار 4 طواال وهؤالء هم صوفية المسلمين. وقد عاش التصوف فى قلوب المسلمين قرونا الصوفية رؤى عميقة للكون ولإلنسان وللدين ولإلله وللجمال.. ومع هذه »الرؤى« سوف تكون لنا فى

مقاالتنا القادمة، وقفات تستشرف المعانى اإلنسانية العميقة التى أشار إليها الصوفية. فمن ذلك رؤيتهم لحقيقة الديانات، وقولهم إن كل إنسان هو عابد لله بالضرورة، حتى وإن غفل عن ذلك.. وهذا موضوع

مقالتنا القادمة.

ومن ذلك قولهم إن الوجود جمال� محض�، ال قبح فيه. وهو موضوع المقالة التى بعدها.. وهكذا سوفيسير بنا الحال، حتى تنتهى هذه السباعية.

( : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف -٢د٧ : جوهر( فى الثانى الديانات القول�

g بعيدة، أيام� كان القلب� أخضر وآماله أكبر، أننى نويت� اختيار )فلسفة الجيلى الصوفية( .. قبل أعوام 3ر� أتذك4 لرسالتى للماجستير. ولما أخبرت� المشرف� باختيارى، وكان ذلك، فى مجلس د. محمد على أبو موضوعا

4: ما هذا 4، صاح د. أبو ريان فى3، مهتاجا 4 ألستاذى أيضا 4 لى وأستاذا ريان، رحمه الله، الذى كان أستاذا الموضوع، كيف ستنتهى منه، أنا نفسى لم أفهم عبد الكريم الجيلى، فكيف ستفهمه أنت؟.. وألن د. أبو

4 بنبرة هادئة: ابحث ، فسرعان ما هدأ بعد ما قاله، وأضاف قائال g4 طيب القلب، كإنسان ريان كان أستاذا لنفسك عن موضوع أسهل من الجيلى، الذى أعتبره المشعبذ األعظم! هكذا قال، فانصرفت من

المجلس كسير� الخاطر كسيف� البال.

3ر� أننى قضيت� ليلة4 ليالء، غير قمراء، وال أمل� لى إال الذهاب لجامعة أخرى- غير جامعة اإلسكندرية- وأتذك3ن مما لم يمكننى فى جامعتى. ولكن جرى ما لم أتوقعه! ففى الصباح الباكر، هاتفنى أستاذى كى أتمك

Page 5: الرؤية الصوفية للعالم

4: تعال� اآلن، ومعك خ�طة بحث الماجستير.. وذهبت� المشرف د. حسن الشرقاوى، رحمه الله، وقال حازمار لى األمر بأنه رأى الجيلى فى المنام، يأمره بإنهاء األمر! إليه من فورى فوق3ع عليها بالموافقة، وفس3

4 من طراز عجيب. المهم، أننى أخذت األوراق موق3عة4، وطرت� بها إلى رئيس كان حسن الشرقاوى صوفيا4، لكنه وق3ع على األوراق من فوره، على 4 قبل أن يوقHع أوراقا 4 بأنه يترد3د كثيرا القسم الذى كان مشهورا

4. وألن د. محمد غير عادته. بل لفت نظرى إلى أن مجلس الكلية منعقد، وباإلمكان اعتماد الموضوع فورا4 لى، فقد تجرأت� وأدخلت� خطة على الكردى، أطال الله عمره، كان المسؤول آنذاك، وكان متحمHسا

. البحث أثناء انعقاد المجلس العتمادها.. وبانتهاء ذاك اليوم، كان األمر� قد تم3 حسبما تمنيت�

هجرية( سنواتg مفعمة4 بالدهشة،٩٢٨وأتذكر� أننى قضيت مع عبد الكريم الجيلى )المتوفى سنة والتحليق فى اآلفاق الصوفية التى ال حد3 لها، وعرفت وعورة لغته ورهافة رموزه وروعة معانيه. وفهمت4: بحرى ال ساحل ح قائال Hآنذاك القول الصوفى الشهير، الذى ينطق به المتصوف حين تتسع رؤاه، فيصر

له!

وقد كان من أغرب المدهشات لى فى فلسفة الجيلى الصوفية التى عاينتها فى ذاك الزمان، رؤيتهالخاصة للديانات وف�ه�مه الصوفى لجوهر العقائد وسبب اختالف الناس بسببها.

■ ■ ■

وفى واقع الحال، لم يكن عبد الكريم الجيلى هو أول صوفى مسلم يتحد3ث عن حقيقة الدين وجوهر4 المعتقدات، فقد سبقه إلى ذلك صوفية� مبكرون من أمثال »أبى يزيد البسطامى« الذى كان صوفيا4 بشطحاته )والشطح مفهوم� صوفى� خاص�، سوف نتحدث عنه فى المقالة األخيرة من 4 مشهورا عارما

�قل عن »البسطامى« أنه حين م�ر3 على مقابر المسلمين، قال: مغرورون. ولما م�ر3 هذه السباعية( فقد ن على مقابر اليهود والنصارى، قال: معذورون ! وهى إشارة إلى توهمات أهل الديانات بصدد ما

يعتقدون.. ومن قبل البسطامى كانت رابعة العدوية، التى شو3ه الفيلم السينمائى سيرتها؛ تقول إنها ال3تها لنا أم� 4 فى ذاته. وأبياتها فى هذا الشأن مشهورة، أعنى تلك التى غن 4، وإنما حبا 4 وطمعا تعبد الله خوفا

3ين.. )بالمناسبة هذه األبيات قالها ذو النون المصرى، ال رابعة(. ب كلثوم، وكان مطلعها: أحبك ح�

4، هو: المحبة. ومن هنا قال شيخ إذن )الدين الحق( عند الصوفية المبكرين، بل والمتأخرين عليهم زمنا هجرية« أبياته الشعرية الشهيرة، التى آخرها:٦٣٨الصوفية األكبر »محيى الدين بن عربى، المتوفى

3ى توج3هت� ركائبه، فالحب� دينى وإيمانى. أدين بدين الحب، أن

فإذا كانت المحبة عند الصوفية هى حقيقة� )الدين( وجوهره، فماذا عن تلك الديانات المتعدHدة التى يؤمن�قتلون.. حين نبحث عن إجابة لهذا السؤال، بون لها، ويتقاتلون من أجلها، فيقتلون وي بها الناس، وقد يتحز3

4/ وأنا اعتقدت� جميع ما فسوف يصدمنا للوهلة األولى، قول ابن عربى: عقد الخالئق� فى اإلله عقائداعقدوه.

.. فما معناه، وما مراد ابن عربى منه؟ هذا السؤال هو الذى يقودنا إلى رؤية الجيلى لحقيقة كالم� عجيب� )الديانات( التى سنعرض لها فيما يلى، ولحقيقة )العبادات( التى سنعرضها فى المقال القادم.. فنقول�

4 مما أوردناه فى كتابنا فى ذلك والله المستعان، داعين القارئ إلى عدم المبادرة باإلنكار، وذاكرين بعضا)عبد الكريم الجيلى فيلسوف الصوفية( الصادرة طبعته األولى، قبل أكثر من ربع قرن!

■ ■ ■

ه المرهف فوق المظاهر الفانية لألشكال الدنيوية، وتغوص بصيرته فى قلب األشياء Hيرتفع الصوفى بحس لتشهد باطنها المحتجب وراء هذا الشكل الظاهر. ويشعر الصوفى فى هذا )الحال( بأن العالم الالمتناهى

4ا على نحو ال مثيل له من الوضوح. قد امتد أمام عين قلبه، وغدا مرئي

4ا وعندما يقف الصوفى على هذا المشهد اإللهى الذى تطوى فيه المسافات وتجتمع الحدود، يكون كله أذنHح� ب �س� 3 ي �ال ىءg إ �ن م�ن� ش� تتسم3ع تسبيح الموجودات ونجواها مع خالقها، فيدرك حقيقة قوله تعالى: )وإ

، وهديل الحمام �ح�م�د�ه�(. فإذا نظر الصوفى فى معنى هذه اآلية الكريمة، أدرك أن خرير الماء تسبيح� ب، وصمت السواكن تسبيح للخالق عز وجل. ، وتغريد الطير تسبيح� تسبيح�

( فيعرف أنه ما من موجود، إال وهو �د�ون� �ع�ب 3 لي �ال �نس� إ �ج�ن3 واإل �ق�ت� ال ويقرأ الصوفى قوله تعالى: )و�م�ا خ�ل مجبول على عبادة الخالق ومفطور على طاعته.. ونسأل الجيلى فى ذلك؛ فنراه يؤكد أنه ال يوجد

مخلوق� إال وهو يعبد الله! إما بحاله، أو بمقاله، أو بفعاله.. أو بذاته وصفاته. فكل إنس وكل جان، بل كلما فى الوجود، عابد� لله بالضرورة.

Page 6: الرؤية الصوفية للعالم

ونعود فنتساءل: فما بال األمر بالنسبة للمالحدة والزنادقة والخارجين عن دين الحق من أهل األهواء والملل والنحل ؟ فيقول الجيلى: كلهم عابد لله، والله تعالى يهدى ويضل، فال بد من ظهور الهداية والضالل فى خ�ل�قه، فكما يجب ظهور أثر اسمه )المنعم( يجب كذلك ظهور أثر اسمه المنتقم. أما

اختالف عبادات أهل الديانات، فيرجع فى رأى الجيلى إلى اختالف مقتضيات األسماء والصفات اإللهية،�ح�دة4( يعنى أنهم م�ج�بولون على عبادته من حيث الفطرة األصلية م3ة4 وا

� 3اس� أ �ن� الن �ا فالله تعالى يقول: )كالتى فطر الله الناس عليها.

ثم بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، ليعبده م�ن� اتبع الرسل من حيث اسمه الهادى، وليعبده م�ن� خالف الرسل من حيث هو )تعالى( المضل لمن يشاء.. فاختلف الناس وافترقت الملل، حين ذهبت كل طائفة

إلى ما اعتقدت أنه الصواب. وهكذا ظهرت النحل والديانات، السماوية وغير السماوية.

وحسبما يرى الجيلى، فإن بعض ذرية آدم، انشغلوا من بعده بالدنيا ولذاتها الفانية، فغفلوا عن فحوى4.. وهؤالء امتد طا �ر� الرب، واتبع هواه فكان أمره ف�ر� �ل� منهم ذ�ك الوقائع اإللهية التى جرت مع آدم، ونسى ك4 بعد جيل، حتى نسوا الله وأنكروه، مع أنه متجل� فى الكون كله، فكانوا هم )الكف3ار( ألن بهم الزمان جيال الكفر فى اللغة والمفهوم الصوفى، هو: اإلخفاء! ويدل على ذلك، ويؤكده، اآلية� القرآنية التى تذكر الذين

�ف3ار نباته(. �عجب الك يدفنون البذور فى األرض، فتسميهم الكفار. قال تعالى: )ي

Hرهم باإلله، لكنهم بعد حين من الدهر، توج3هوا وقد ذهبت جماعة� من ذرية آدم إلى عبادة األوثان، ألنها تذك بالعبادة إلى صورة الوثن، ونسوا أن سابقيهم كانوا يتقربون بذلك إلى الله زلفى.. فبلغ من جهل

المتأخرين منهم، أنهم اعتقدوا أن الله )تعالى( هو ذلك الوثن أو ذاك.

و�لى أن يعبدوا ما يضرهم وينفعهم،� جماعة� أخرى من البشر، قالت إن عبادة األوثان ال تضر والتنفع، فاأل

وظنوا أن هذا الضرر والنفع، من شأن الكواكب السبعة )زحل، المشترى، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد، القمر( فهذه »الكواكب« عند الصابئة، تؤثر فى األشياء، فهى أولى بالعبادة.. فكانوا هم

)الصابئة( أو عبدة الكواكب والنجوم.

يضيف الجيلى: وآخرون من بنى آدم انبهروا بقدرة العقل اإلنسانى فاتبعوه، ومضوا فى قياس األمور. فنظروا فى الوجود بعقولهم، فانتهوا بعقولهم، فوجدوا أن عبادة األوثان سفاهة� وعبادة النجوم تخييل�

إلى أن هناك طبائع أربعة هى أصل الوجود، والعالم مركب من هذه الطبائع )الحرارة، البرودة، اليبوسة، الرطوبة( فإذا كانت هذه الطبائع هى أصل العالم، فالعبادة لألصل أولى، ولذا عبدوا عناصر الطبيعة..

وهؤالء هم الطبائعية )الفالسفة(.

وآخرون ذهبوا إلى عبادة النور والظلمة، فقد وجدوا أن عبادة النور وحده تضييع للجانب اآلخر وهو الظلمة، والعالم يتصارع فيه النور� والظالم كمبدأين متساويين، فعبدوا النور المطلق وسموه )يزدان(

وعبدوا الظلمة المطلقة وسموها )أهرمن( وهؤالء هم الثنوية أو الزنادقة.

ثم ذهبت طائفة من البشر إلى االعتقاد فى أن النار هى أصل الوجود، وقالوا إن مبنى الحياة على الحرارة الغريزية فى كل ح�ى�، والنار هى أصل� الحرارة، فهى أصل الحياة.. فعبدوا النار، وس�موا

المجوس.

4 تبلع، ووجدوا أن الدهر �م3 إال أرحاما تدفع وأرضا ومن البشر من نظر فى أحوال الحياة، فوجدوا أنه ما ثيسير من األزل إلى األبد كأعمى ضل3 وجهته.. فتركوا العبادة كلها، وهؤالء هم الدهريون أو المالحدة.

وحسبما يرى عبدالكريم الجيلى فإن أهل هذه الطوائف، وغيرهم من أهل األهواء والبدع والنحل، منهم م�ن� هو فى الجنة، وم�ن� هو فى النار! ففى الزمان السحيق، وفى النواحى التى لم تصل إليها دعوة

الرسل، كان دوم4ا هناك م�ن� يفعلون الخير، وهم فريق الجنة؛ وم�ن� يفعلون الشر، وهم أهل النار.. وفاعلالخير فى هذه الطوائف، يفعله ألنه يوافق الفطرة األصلية التى فطر الله الناس عليها.

وفاعل الشر إنما يفعل ما ال تقبله الفطرة، وتكرهه النفوس وتتألم له األرواح. وهكذا يكون الثواب والعقاب حسبما تقتضيه الفطرة، ما دامت الشرائع اإللهية لم تنـزل.. فأما بعد نزول الشرائع، فالحساب

يكون على مقتضى ما أمر الله به، وما نهى عنه.

فإذا نظرنا فى تعدد الديانات غير السماوية، وفى حقيقة هذه الديانات، وجدناهم جميع4ا يعبدون الله( )سورة �دو�ن� �ع�ب �ي 3 ل �ال تعالى، على الحقيقة.. فقد خلق الله تعالى هذه األقوام للعبادة، وما خلقهم )إ

( ولكن تعددت أشكال العبادة، حتى تظهر حقائق األسماء والصفات اإللهية، فيكون سبحانه٥٦الذاريات: 4ا على جميع خلقه! وتعالى متجلي

Page 7: الرؤية الصوفية للعالم

فهؤالء من )عبدة األوثان( إنما عبدوا الله فى الوثن الذى له يسجدون، وإن ظنوا بأن الوثن هو اإلله، فإن ظنهم هذا ال يغير من حقيقة أن الله تعالى موجود فى كل ذرة من ذرات الموجودات، وأنه سبحانه

وتعالى ظاهر فى كل األشياء، ومتجل� على كل الجهات. فلما شعر الوثنيون بوجوده تعالى فى الوثن، الذى هو من خلقه تعالى، عبدوا الله فى الوثن وظنوا بأن الوثن هو صورة اإلله.. والله خلقهم وخلق ما

يعبدون!

فإن كان عبدة األوثان هم فى حقيقة األمر عابدين لله، إال أن خطأهم يرجع إلى أن عبادتهم لله كانت )على التقييد( وليس على اإلطالق. فعلى الرغم من أن الوثن مظهر� من مظاهر أسمائه تعالى، التى ال

يبلغها اإلحصاء، فقد عبد هؤالء الله )على التقييد( بهذا المظهر وحده، ولم يدركوا أن الله إنما هو مطلق� فى كل المظاهر، ومتجل� فى كل الموجودات، فقيدوا الله سبحانه وتعالى فى صورةg واحدةg من صور

تجلياته التى ال يحصيها الحصر.. وذلك ال يخرج بهم، حسبما يرى الجيلى، عن كونهم قد عبدوا الله،3حوا له. وسب

واآلخرون )الصابئة( الذين عبدوا الكواكب، كانوا يعبدون الله، من حيث األسماء الحسنى، التى لله سبحانه وتعالى. وعلى الحقيقة، ما )الشمس( إال مظهر اسمه تعالى )الله( فالشمس تمد� بنورها جميع

الكواكب، مثلما يمد اسمه )الله( جميع األسماء اإللهية بحقائقها.

4- الجيلى يقول ذلك- والقمر هو مظهر اسمه تعالى )الرحمن( ألن القمر يتلق3ى نور الشمس ويظهره ليال مثلما الرحمانية هى المظهر األعظم والمجلى األكمل األعم لأللوهية. والكوكب الثالث من الكواكب

السبعة التى عبدوها، وهو المشترى، هو مظهر اسمه تعالى )الرب( ألن المشترى أسعد وأشمل كوكب فى السماء. والربوبية شاملة لكمال الكبرياء اإللهية، القتضاء الربوبية للمربوب. وكوكب )زحل( هو

مظهر الواحدية، فكما يحيط فلك زحل بجميع األفالك التى تحت حيطته، يحيط اسمه تعالى )الواحد( بماتحته من جميع األسماء والصفات اإللهية.

وكما أن زحل هو أول الكواكب السبعة، فكذلك الواحدية هى أول تنـزل من تنـزالت األسماء والصفات اإللهية. وأما المريخ فهو مظهر القدرة، ألنه كما يقول الجيلى »النجم المختص باألفعال القهارية«

4ا، وكوكب الزهرة مظهر اإلرادة، ألنه سريع التقل�ب فى نفسه، وكذلك الحق تعالى يريد فى كل آنg شيئوكل يوم هو فى شأن.

�قHب� كوكب والكوكب السابع )عطارد( هو مظهر للعلم اإللهى ومجلى السمه تعالى )العليم( ولهذا ل عطارد بكاتب األفالك.. وبقية الكواكب التى يعرفها الناس، هى مظاهر ألسمائه الحسنى التى تحت

�علم من الكواكب الباقية، فإنها مظاهر أخرى ألسمائه تعالى التى ال يبلغها الحصر. اإلحصاء. وأما ما ال ي

..وعلى هذا النحو، يتتبع عبد الكريم الجيلى الديانات المختلفة، المتخالفة، فيرى أن جوهرها األصلى هو�ل� شىء فى الوجود، المتعلق بالله! وأفعال أصحابها هى أشكال من )تسبيح( البشر لإلله فلله يسبح ك

ولكن العقول ذهلت عن تسبيحهم، لوقوعها على ظاهر التسبيح، وليس على حقيقته البعيدة .

4 أما اليهود، فهم وإن كانوا من عباد الله على الحقيقة، إال أنهم فى ظاهر األمر ضالون، ألنهم أخفوا بعضا من أصول الشريعة التى نزلت عليهم، حين جاء موسى باأللواح، واستبقوا فقط، ما اعتقدوا أنه فى

Hحين لله ببواطنهم وحقيقة ديانتهم.. وكذلك المسيحيون، مصلحتهم. فكانوا هم الضالين بظواهرهم المسب الذين أخطأوا بقولهم )الله هو المسيح( اآلية، ولو قالوا إن المسيح هو الله، لما كانوا مخطئين فى

الظاهر.

ألن الله المحيط والمتجلى بكل شىء، وال يمكن لشىء واحدg أن يحد3ه، فال يصح أن يقال »الله هو كذا أوكذا..« ألن الله تعالى هو كل شىء، وكل شىء يدل� عليه وال يحيط به.

ق 4، وكيف تطر3 وقد كنت أود استكمال هذا الكالم، ببيان الرؤية الصوفية لليهودية والمسيحية تفصيال »الخطأ فى الفهم« إلى أذهان الناس بصدد هاتين الديانتين، مع أن جوهر الديانتين فى األصل صحيح..

.. g4 واتساع أفق وقد كنت� أود تفصيل الكالم فى ذلك، ولكن ذلك يحتاج تبص�را

ونحن نعلم أن نفوس بعض المتأقبطين هذه األيام، مهتاجة� متوترة�. والهياج� والتوتر� يعوق التبص�ر. فدعونا4! ومن أراد تعرف ذلك، فليرجع إلى مؤلفات ابن عربى، �حدث من بعد ذلك أمرا 4، لعل3 الله ي ننتظر قليال

�م( وإلى كتاب عبدالكريم الجيلى: اإلنسان الكامل فى معرفة األواخر واألوائل. خاصة4 )فصوص الح�ك

Page 8: الرؤية الصوفية للعالم

( : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف -٣د٧ : فى( .. الثالث� العبادات القول� حقيقة

4، مثلما تنهار العمارات�       ال يختلف اثنان فى أن أخالقيات الناس فى مصر تتهاوى، وقد تنهار تماما4-.. أتذكر� هنا عبارة الفيلسوف األلمانى الشهير، كانط، حيث الكبيرة فجأة، فال يكون سقوطها إال مروHعا

يقول: الدين� واألخالق� بنايات� ضخمة� فى المجتمع اإلنسانى، عسير� رفعها إذا ه�و�ت، وسقوطها ال يكون إال.4 مروHعا

، كى يتأكد H؟ إذن، على هذا الشاك ، وج�ل�ب الهم3 هل يشك� أحد� فى التدهور السلوكى الذى ع�م3 بالدنا، وط�م3 من حجم الكارثة االجتماعية فى مصر، أن يمر3 فى شوارعنا ساعة4 واحدة4 ليرى ما صرنا نسميه »قلة الذوق« وما نسميه »التناحة والبجاحة« وما نسميه »الصياعة« وهو عين� ما أسميه بالعربية الفصيحة: انعدام اآلداب، وانهيار السلوكيات العامة، والوضاعة.. لكنها على أىH حالg بالدنا، وليس لنا بديل عنها!

. فالبد لنا من ح�ل�

4 يدعو الناس لملكوت السماء – 4 لطيفا ا 4 فى أمور الشريعة، أو قس3 4 ضليعا ؟ نسأل� فى ذلك فقيها ما الحل��ل3 ما 4 - فيقوالن من فورهما ومن دون تفكير، إنهما يبذالن ك �نا ونحن أكثر شعوب العالم، حسبما قيل، تدي

يستطيعان! فها هى القنوات الفضائية تنهمر على الناس بمواعظ الدعاة ودروس المحبة، وها هى المساجد� عامرة� فى أيام الج�م�ع مثلما تعمر الكنائس� أيام اآلحاد، وها هم أئمة المتأسلمين وأقطاب

4، إلعالء النهج اإللهى القويم وشرع الله المستقيم، وإلثبات 4 وجهرا المتأقبطين يتنازعون فيما بينهم سرا4 قادة الرأى فى المجتمع اإلنسانى السليم.. لكن السلوكيات العامة، تظل� تزداد أن رجال الدين هم حقا4 كل يوم، على الرغم مما يفعله هؤالء الناطقون باسم الله أو بلسان المسيح، وأولئك الموقHعون تدهورا

عن رب العالمين.

3ى 4 إنه يرفع لواء »اإلصالح« ويتغن ؟ نسأل� السياسى3 والفيلسوف، فيزعق األول� منهما قائال ما الحل� بمفرداته منذ سنوات، من دون جدوى. وما باليد من بعد ذلك، أى� حيلة! والفيلسوف لن يجيب إال بعدما

3ر ثم ال يجيب، وإذا أجاب فى نهاية األمر، فسوف تكون إجابته بائسة4 يائسة4: ما 4، وقد يتفك 3ر طويال يتفك المقصود� بالسؤال، وما الحل� فى ماذا؟ إن تحديد المشكلة هو أولى خطوات فهمها الضرورى لحلها، وقد

.4 صار المجتمع� المصرى� من زاوية النظر الفلسفية، مهووسا

وال مجال للتفلسف فى غمرة هذا الهوس المعاصر، ومع طغيان السطحية، والمظهرية، والبهلوانية المسماة باللسان المصرى المعاصر »الفهلوة«.. وسوف يضيف الفيلسوف - قبل أن يعود إلى تأمالته

التى ال تنتهى - أن الواقع المعاصر المضطرب، يحول اضطرابه دون إعمال المنطق والتوس�ل

4، على الرغم مما يصخب به السياسى� بالتفلسف!. ولسوف يزداد الحال� من بعد ذلك سوء� مآلg وتدهوراويتعل3ل الفيلسوف.

؟.. نسأل الصوفى، فيقول إن الحل3 فى العبادة الحق3ة. ولكن� لهذا األمر تبيان البد منه وبيان ال ما الحل�ف� إلى آفاقها الرحبة. غنى عنه، الستكشاف حقيقة العبادات عند الصوفية، والتعر�

                                    ■ ■ ■

البد لنا قبل استعراض الرؤية الصوفية للعبادات، ولفروض الشريعة، أن نورد إشاراتg تمهيدية4 لهذه المسألة الدقيقة، فمن ذلك، أن األمثلة التى سنذكرها فيما يلى، مستقاة� من قواعد اإلسالم الخمس

)الشرعية( ولكنها تقبل االنطباق والتعميم على أى عبادةg كانت.. ومن ذلك، أن الصوفى مهما بلغ مقامه4 على إقامة جدار الشريعة وفروضها، فال يقول بسقوط األحكام والتكاليف وعمقت فلسفته، يظل حريصا

الشرعية وإال أسقطه قوله من إطار التصوف. ولذلك يقول الصوفية: ال حقيقة بال شريعة.

ومن اإلشارات التمهيدية، المهمة، أن الرؤية الصوفية لحقيقة العبادات لم تظهر فجأة عند صوفى بعينه، وإنما تطو3رت هذه الرؤية، حتى بلغت صورتها األخيرة عند الشيخ األكبر محيى الدين بن عربى )المتوفى

هجرية( والمتصوف٦٣٢ هجرية( ومعاصره الشاعر الصوفى الشهير عمر بن الفارض )المتوفى٦٣٨ هجرية(.٩٢٨العارم، عبد الكريم الجيلى )المتوفى

�روى أقوال وحكايات عن الصوفية المبكرين، تدل على إدراكهم لحقيقةg دقيقةg مفادها أن  ولذلك، ت العبادة ال تتوقف على ظاهر األداء، وإنما على عمق األثر الذى تحدثه هذه الفريضة الدينية أو تلك. ومن4 اقتضى عالجه من عطبg بساقه )غرغرينا( أن تقطع هذه الساق المعطوبة، 4 صوفيا هنا، يحكى أن شيخا وكانوا يخشون عليه من صدمة األلم، فطلب من معالجيه ق�ط�ع ساقه أثناء صالته، ألنه يكون آنذاك فى

.. فنجح األمر. Hتامة عن الحس gوغيبة ، gكامل gاستغراق

Page 9: الرؤية الصوفية للعالم

واإلشارة األخيرة هنا، هى أن حقيقة )باطن( العبادة أو الفريضة، ال يمكن أن تنوب عن ظاهرها، بمعنى أن حقائق العبادات التى سنعرض لها فيما يلى، فى واقع كالم رجال التصوف، هى قيمة� مضافة لألصل،

بحيث ال يمكن القول بأن المعنى الصوفى لهذه الشعيرة الشرعية أو تلك، بديل� عن المفهوم الفقهى3ر! لها، فالباطن )التصوف( والظاهر )الفقه( يتكامالن، وال يمكن االستغناء بأحدهما عن اآلخر.. فتدب

                                    ■ ■ ■

وكما هو معروف، فإن الصالة فى اإلسالم هى الركن األول من أركان العبادة، وهى الفرض الذى إن أقامه العبد فقد أقام الدين. ويعرف العامة والخاصة أن الصالة البد أن يتقدمها تطهر بالوضوء، ثم تكون

بعده الصلوات الخمس بنوافلها المستفادة من سنة الرسول عليه الصالة والسالم.

وللصوفية – خاصة4 ابن عربى والجيلى- رؤية خاصة للصالة، عمادها الذوق وقوامها التحقيق. فالصوفى. وإقامة الصالة، إشارة عندهما إن نوى أداء فرض الصالة، فالنية هى اإلقرار بوحدانية الواحد عز3 وجل3

H4: أص�ل�ى ذوقية إلى »إقامة ناموس الواحدية« وإلى خضوع المخلوق لعزة الخالق.. يقول الجيلى، شعرا�زاز�ك خ�اض�ع�. �عت Hى ال �أن �تى ب 3ما / ص�ـال �ام� وإن إذ�ا ص�ل3ى األن

فإذا شرع الصوفى فى التطهر بالوضوء، انتبه إلى أن الوضوء هو تطهير للقلب من النقائص الكونية واآلفات الدنيوية. وكون التطهر بالماء، هو إشارة� إلى أن هذه النقائص ال تزول إال بأن يحيا اإلنسان حياة

�ل3 شىءg حى�! جديدة.. والماء هو )سر الحياة( الذى خلق الله منه ك

3ة الصالة، تشير واستقبال� القبلة، حين يصلHى الصوفى، هو إشارة إلى توجيه همته إلى الحق تعالى، وني إلى انعقاد قلب المصلHى على هذه المهمة وهذا التوج�ه. ثم يقول المصلHى )الله أكبر( فتكون تكبيرة

4 �قرن بغيره. ويكون هذا إيذانا اإلحرام هذه، إشارة إلى أن الجناب اإللهى أكبر من كل ما سواه، بل هو ال ي بموت الشرك الذى يخيل فيه لإلنسان، أن خيره وشره فى قدرة أحد المخلوقات، فالصوفى المتذوق

يدرك عند تكبيرة اإلحرام أن الله واسع محيط، وأنه تعالى أكبر من كل خلقه.. وفى هذا قمة االستغراقفى عظمة الخالق.

ثم تأتى قراءة الفاتحة لتشير إلى اإلنسان بأنه )فاتحة( الوجود كله، ومظهر لبداية تجلHى العلم اإللهى، الذى عل3مه الله آلدم عليه السالم، ورفع به ق�د�ره فوق ق�د�ر المالئكة، ولهذا أمر الله تعالى مالئكته

بالسجود آلدم، فسجدوا، ألنه كان فاتحة األسرار الربانية المودعة فى النشأة اإلنسانية. ثم يكون ركوع المصلHى، إشارة إلى انقطاع نظره عن كل الموجودات الكونية، التى تكون آنذاك قد انعدمت تحت سلطان التجلHى اإللهى فى الكون.. فاإلنسان إذا ما انشغل بالله، واستغرق فى تأمل مظاهر جماله

Hه وجالله وكماله، ال يقدر آنذاك على االلتفات لشىء من هذه الموجودات الكونية، إذ يكون انشغاله برب4 لألغيار. �بقى مكانا قد ملك عليه قلبه، بحيث ال ي

والقيام إشارة إلى وصول العبد إلى مقام )البقاء( وهو مقام صوفى رفيع، يبقى فيه العبد مع الله بكل شعوره ويرتفع عن المحسوسات بكل مشاعره، فيكون فى هذا الوقت بالله ولله ومع الله، ولهذا يقول

فى قيامه »سمع الله لمن حمده« وكأنه يخبر عن حال الله بنفسه كما لو كان خليفته فى األرض..4 للبقاء مع الله. وبعدها يسجد العبد لخالقه، وما سجوده إال إقراره بالفناء عن الدنيا، استعدادا

�ات، وهى عند المتذوق إشارة إلى الكمال اإللهى الذى أودعه الله فى نبيه ويختتم المصلHى صالته بالتحي عليه الصالة والسالم، فهى ثناء� على النبى وثناء� على عباد الله الصالحين الذين ال تكتب لهم )الوالية( إال

باتباع النبى والتأدب بأدبه.. وهذا المعنى الذوقى للصالة مضاف� إلى شكلها الظاهر. فاألمر هنا أمر شعور وتذوق، وليس أمر تعديل وتشريع.. فمن أقام الصالة على معناها الظاهر فهو مسلم، ومن أقامها

4 لمعناها العميق، فهذا هو الصوفى المسلم. بشكلها الظاهر متذوقا

                                    ■ ■ ■

4 �حكى فى كتب الصوفية أن رجال ثم يكشف التصوف عن حقائق )الزكاة( ولطائفها الروحية.. وفى ذلك، يبلى )صديق الحالج، المتوفى Hهجرية( أو٣٣٤كان ينهى عن مجالسة الصوفى المسلم أبى بكر الش

بلى« الجهل وقلة التبصر، رغم مقامه بين Hاالستماع إلى كالمه. فقد كان هذا الرجل يظن فى »الش 4: كم يجب فى زكاة خمسg من اإلبل؟ 4، وسأل الشبلى بقصد إحراجه قائال الصوفية.. جاء الرجل يوما

فقال الشبلى من فوره: شاة فى واجب األمر، ويلزمنا نحن، كلها !. ويبدو أن هذا الرد الذوقى الذى قاله4: ألك إمام أخذت منه هذا؟ قال الشبلى: نعم، أبو بكر الشبلى، لم يعجب السائل، فاستنكر عليه قائال

الصديق رضى الله عنه، حيث خرج عن ماله كله، فقال له النبى: ما خلفت لعيالك؟ فقال: الله ورسوله.

Page 10: الرؤية الصوفية للعالم

جنا نحو أذواق ابن عربى وعبد الكريم الجيلى فى الزكاة، وجدنا الجيلى يبدأ بيان األمر بقوله إن فإذا عر3 الزكاة »هى التزكى بإيثار الحق على الخلق« فالجيلى يشعر أن القيام بفرض الزكاة، هو فى حقيقته

)تزكى( يؤثر فيه اإلنسان أمر الحق تعالى، على ح�بH المال وغيره من الموجودات..

وهذا يوضح المعنى الذى طالما أشار إليه الصوفية، وهو حرص المتصوف على لفظ الدنيا من قلبه، حتى، وفوق هذا وإن كان بيده منها بعض حطامها فهو يخرجها من قلبه، ليحل3 مكانها ح�ب� صادق� لله عز3 وجل3 المقام مقام� أعلى، تكون فيه الزكاة إشارة إلى التزكى بشهود الحق تعالى على الخلق، بمعنى أن يؤثر4 فى كل أربعين مما يملكه اإلنسان، فذلك حسبما العبد شهود ربه على شهود سواه. وكون الزكاة واحدا

يقول الجيلى، ألن الوجود له أربعون مرتبة؛ وهى المراتب التى ذكرها الجيلى فى كتابه )الكهف والرقيم(وفى كتابه )مراتب الوجود(.

                                    ■ ■ ■

والصوم فى اإلسالم هو االمتناع عن الطعام والشراب والنكاح طيلة النهار فى شهر رمضان. وذلك ما4 عن استعمال 4، لكن المسلم الصوفى يتذوق معنى الصوم، فيرى فيه امتناعا يفعله المسلم عموما

المقتضيات البشرية، لالتصاف بصفات الربوبية. فالحديث النبوى الذى يعتمد عليه الصوفية يقول: »إن4، من أتاه بخلق منها دخل الجنة«.. والتخل�ق بأخالق الله تعالى هو لله مائة خ�ل�قg وسبعة عشر خ�لقا

االتصاف بذلك، بحيث يكف� العبد عن استعمال المقتضيات البشرية، فتظهر حين ذاك الصفات اإللهية،4، والقسوة فيتبدل البخل الذى هو صفة بشرية، إلى الكرم الذى هو صفة إلهية. ويصير الطيش حلما

وى عن رحمة4، واألنانية عطاء4. وعلى هذا النحو، تذهب األخالق السيئة، وتأتى األخالق الكريمة. حسبما ر�ئل عن المعرفة والعارف، قال: لون الماء، الصوفى المسلم، أبى القاسم الج�نيد )شيخ الطائفة( عندما س�

لون إنائه.

ويقول عبد الكريم الجيلى إن الحكمة فى أن الصوم هو شهر واحد فى السنة، أن اإلنسان مقدر عليه أن يعود لمقتضيات البشرية ما دام هو فى الحياة الدنيا، فهو ال يتخلص من هذه المقتضيات إال بالموت؛

4 حتى يكون ذلك إشارة إلى رجوع اإلنسان إلى طبيعته ولذلك فقد جعل الحق تعالى مدة الصوم شهرا البشرية التى هى مجال الجهاد.. جهاد النفس.. وهو الجهاد� األجهد�، األكثر� مشقة، األطول� مدة. بل هو

ممتد بامتداد حياة اإلنسان.

                                    ■ ■ ■

وللصوفية نظرة ذوقية عميقة لمناسك )الحج( الذى افترضه الله على من استطاع إليه سبيال.

4 عن شهود المخلوقات، لتعلق قلبه وفى الحج يبدأ المسلم باإلحرام، فيرى الصوفى المسلم فيه إحراما بالخالق. ثم )ترك المخيط( إشارة إلى تجرده عن صفاته المذمومة بالصفات المحمودة، وذلك يعرف عند الصوفية »بالتخلية والتحلية« وهو تخلHى النفس عن الصفات الرديئة حتى تكون فى حال الصفاء،

فتقبل النفس� آنذاك الصفات المحمودة وتتحل3ى بها.

وفى رحلة الحج الذوقية يكون )ترك ح�ل�ق الرأس( هو ترك التعلق بالرياسة الدنيوية وس�لطة المتسلHط،  ويكون )ترك تقليم األظافر( هو الخضوع إلى األصل، و)ترك النكاح( هو التعفف عن شهوات البدن،

والتخفف من التصرف فى أمور الدنيا. فإذا طاف الحجيج بالبيت الحرام، فإن طوافهم يكون سبع مرات، وذلك عند الصوفى هو إشارة إلى الصفات السبع اإللهية )الحياة، العلم، القدرة، اإلرادة، السمع، البصر،

4، كان الطواف بالكعبة سبع مرات. الكالم( ولما كانت هذه الصفات سبعا

والصالة بعد الطواف إشارة إلى ظهور )أحدية( الخالق، وقيام ناموسها فى الوجود. وماء� زمزم يشير 4 إلى علوم الحقائق، التى تتجل3ى على قلب المؤمن الصادق فى مقام الوالية الروحية، فيصير قلبه شبيها

بمرآة تنطبع على صفحاتها المعارف اإللهية، فى شكل إلهامات وفيوضات نورانية.. و»الصفا« إشارة إلى تصفية النفس فى صفاتها الخلقية التى تصل إلى الصفاء، و»المروة« إشارة إلى االرتواء من شراب

معارف األسماء والصفات اإللهية.

قون بين معانg ثالثة، هى: العبادة، والعبودية، H4، فالجيلى والذين سبقوه من صوفية المسلمين، يفر وأخيرا4 لثواب الطاعة. وذلك مقام عامة المسلمين والعبودة.. فالعبادة هى صدور أعمال البر من العبد، منتظرا

الذين يقفون عند حدود الله، ويجتنبون كبائر اإلثم والفواحش، وطائر عبادتهم يطير بجناحى� الخوف3ته. والرجاء. الخوف من عقاب الله وناره، والرجاء فى ثواب الله وجن

Page 11: الرؤية الصوفية للعالم

أما العبودية لله، فهى أن تصدر أعمال البر واإلحسان من العبد، دون الطمع فى الثواب، وبال خوف من4 لله الذى فاضت نعمه على كل الموجودات، والعبد هنا يفعل الخير العقاب. حيث يكون العمل خالصا

Hه. 4 من رب ، ويجتنب اإلثم حياء4 وخجال 4 لوجه مواله عز3 وجل3 خالصا

4 فهى عبارة عن العمل بالله. فالحديث القدسى يقول: اليزال والعبودة هى أعلى المعانى الثالثة مقاما عبدى يتقرب إلى3 بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده

التى يبطش بها.. فالعبد هنا يصير فى مقام العبودة، حيث يسمع بالله، ويبصر بالله، وتكون له فراسة� المؤمن الذى يقول الحديث الشريف، إنه يرى بنور الله.. ولن أستطيع تفصيل هذه األمور، بأكثر من

ذلك. فلنتوقف هنا عند هذا الحد، ونلتقى األسبوع القادم مع: صوفية الفن وفنون الص�وفية.

.. : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف د : صوفية� الرابع الصوفية القول� وفنون الفن5

فى جوف الليلة التى يسفر صباحها عن يوم األربعاء الماضى، بادرنى األخ الكريم ثروت الخرباوى، بعدما4، واط3لع على مقالتى األخيرة )ذكريات جزائرية( التى كتبتها استبق إلى قراءة »المصرى اليوم« ليال

4، وتفضل بأن بعث لى رسالة تصويب ألمرين وردا بالمقالة، فقال ما ملخصه أن »جميلة بوحريد« غاضبا ماتت قبل قرابة عامين فى باريس، وأن »األخضر بللومى« صدر ضده حكم� غيابى� فى مصر بالحبس،

فاختبأ بالجزائر.

وقبل الفجر، شكرته ودعوت له برحمة الله لمن أهدى إلينا عيوبنا. وقد توافقنا فى الرأى، بأن علينا4 لذلك. ولذلك اليوم أن نعامل هؤالء الجزائريين بما نحن أهل� له، بصرف النظر عما إذا كانوا هم أهال

وجب التنويه بهذا األمر، قبل المعاودة إلى الموضوع الذى كنا بصدده، واستكمال الكالم عن رؤية الصوفية للعالم وللكون كله، بهذه المقالة التى نسعى من خاللها إلى الكشف عن الصلة العميقة بين

الفن والتصوف. وفى هذا السياق نقول:

Hد أن التطه�ر� هو أهم� أهداف الفن.. هذا ما كان يقوله الفيلسوف اليونانى الشهير )أرسطو( الذى كان يؤك4 متفاوتة القيمة. فمن أهداف الفن عنده »التسلية والترفيه« ومنها »شغل أوقات الفراغ مع للفن أهدافا

الشعور بلذة جمالية« ومنها »التقم�ص الوجدانى« الذى يستغرق فيه متذوHق الفن فى العمل الفنى، حتىيغيب عن ذاته ه�نيهة4 من الوقت.

4، وقد يحقق فيها 4، قد يحقق هذه األهداف جميعا وفيما كان أرسطو يراه، فإن العمل الفنى الواحد عموما هدفين أو أكثر، أو يقتصر على هدف واحد )باستثناء التسلية والترفيه( ولكن يبقى الهدف األسمى للفن

هو التطهر.

4 إلى استكشاف المعنى العميق الكامن وراء الظاهر ما التطه�ر؟ إنه التسامى فوق الحسيات وصوال4 إلى معنى الحسى.. وما التصوف؟ إنه التعالى باإلحساس الدينى فوق األشكال الظاهرية للعبادة، وصوال عميق للعالقة بين اإلنسان والله. ومن هنا، ندرك أن الفن والتصوف أمران متالزمان.. هذا إجمال� لألمر،

ولألمر تفصيل� يطول.

■ ■ ■

4 للحيوانات يميل اإلنسان� بطبعه إلى الفن، ولذلك نرى البدائيين وقد رسموا على جدران الكهوف رسوما وللنساء الحبالى، قبل ما يقرب من مليون سنة. وما علينا هنا من تأكيد التوراة أن الله خلق آدم قبل

سبعة آالف سنة فقط.. وفى رسوم الكهوف تعبير� أول عن اندهاش اإلنسان المبكر بالوجود، وبمظاهر�ل! الحياة المختلفة، وبانبثاق الكائن اإلنسانى من أرحام النساء بعد الح�ب

�ل« هو ثمرة االلتقاء الحسى بين الرجل والمرأة، ولذلك نظروا إلى ولم يكن البدائيون يدركون أن »الح�ب4، على اعتبار أنه عمل� سحرى عجيب يؤدHى إلى تقديس األنوثة، امتالء بطون الحوامل، ثم والدتهم أطفاال

ويدعو إلى انطالق الخيال اإلنسانى فى هذه الحالة السحرية التى تشغل البال، وتدفع اليد إلى )رسم(هذه الحالة العجيبة.

4 من نوع 4 بسيطا الخيال إذن، هو أحد الدوافع المهمة إلنتاج العمل الفنى، سواء كان هذا العمل بدائيا4 مثل لوحة »جورنيكا« لبيكاسو أو 4 ومعق3دا رسوم الكهوف وتماثيل األم المقدسة، أو كان معاصرا

Page 12: الرؤية الصوفية للعالم

4 على الرسم والفنون »الزرافة المحترقة« لسلفادور دالى، مع مالحظة أن شرط الخيال ليس مقصوراالتشكيلية، بل هو أمر الزم لكل فن.

ففى الشعر خيال� )الصورة الشعرية( وفى العمل المسرحى خيال )الحالة المسرحية( وفى الغناء.. بل قيل إن »العمارة« هى أسمى الفنون وأعالها، ألنها بحسب تعريف والموسيقى والعمارة خيال�

شليجل: موسيقى تجس3دت! والموسيقى، حسبما قال الفيلسوف األلمانى شوبنهور، هى أعلى الفنون4 مثل الموسيقى.. المهم هنا، أن الفن 4( وخياليا دا 4، ولذلك يطمح كل فن إلى أن يكون )مجر3 4 وتخييال تجريدا

ال يستغنى عن الخيال، فال فن3 بال خيال.

وقد قرر الصوفية المسلمون، منذ وقت مبكر، أن الخيال هو أصل العالم والوجود.

وهناك دراسة صوفية شهيرة، قام بها المستشرق الفرنسى المعروف »هنرى كوربان« عنوانها: الخيال3ق عند محيى الدين بن عربى )وهى مترجمة� إلى العربية عن أصلها الفرنسى( وقد استقصى فيها الخال

الكالم، عن الرؤية المبهرة التى قد3مها الشيخ األكبر »ابن عربى« عن الخيال من المنظور الصوفى،و)الدور( الذى يمثله فى الوجود.

4، فى قوله: أال إن الوجود خيال� فى خيال فى وهو الدور الذى سوف يلخصه عبدالكريم الجيلى الحقا4، أبان فيه عن مستويات الخيال 4 مطوال خيال.. وهى العبارة التى شرحها الشيخ عبدالغنى النابلسى شرحا

4 التى يتراكب بعضها فوق بعض، فى الوعى اإلنسانى بالعالم.. ولألسف، ال يزال هذا )الشرح( مخطوطا�نشر حتى اليوم، مثل غالبية نصوص الصوفية. لم ي

■ ■ ■

4 بالدين، وكان فى بعض األحيان يرتبط باألخالق. ولذلك قال المتخصصون فى والفن كان يرتبط دوما4 عن العاطفة الدينية. االستطيقا )علم الجمال( إن الفنون األولى للبشرية كانت فى المقام األول تعبيراتها 4 يتعبدون، كانت تماثيل ضخمة لبشر أو لكائنات حية، ثم صير3 فاألصنام التى عكف عليها الناس قديما

الضخامة )الفنية( معبودات.

ولذلك ال يمكن الشك فى األصول الدينية العميقة لفن النحت، بل ولفنون أخرى نشأت فى حضن الدين.،4 4 إلى اآللهة زلفى. والشعر أيضا 4 يمارسه الناس فى المعابد تقربا 4، كان فى بدايته طقسا فالرقص مثال

4 تحكى عن اآللهة المعبودة، أو تناجيها، وهو ما نراه فى أولى كان فى صورته الملحمية المبكرة نصوصا3ر فيها المالحم الشعرية التى عرفتها اإلنسانية، مثل ملحمة األنوماإيليش )= حدث فى األعالى( التى عبالسومريون القدماء عن اعتقاداتهم الدينية، القائلة بأن اآللهة األم »ننخرساج« هى أصل� الموجودات..

ومثل »اإللياذة واألوديسة« وهما الملحمتان اللتان تحكيان عن اآللهة والبشر فى الوعى اليونانى القديم.. ومثل النصوص الطقسية المصرية التى تتحدث عن، أو تبتهل إلى، اإللهة المبكرة إيزت

)إيزيس( خالقة األشياء فى الوعى المصرى القديم، ومنها هذه الترنيمة البديعة على لسان هذه اإللهةاألم:

�ل3 ما خلقت �فنى ك يوم أ

4 بال نهاية يعود� الوجود محيطا

4 وأعود� كما كنت� دوما

أفعى،

عصية على األفهام

والتصوف هو عمق� العاطفة الدينية، ولذلك كان البد من أن يرتبط بالفن الذى هو بطبيعته تعبير عن هذه العاطفة. ومن هنا نفهم قول موالنا جالل الدين الرومى: ال يفنى فى الله، م�ن� ال يعرف قوة الرقص! وهو

4 هنا يشير إلى ما نعرفه اليوم باسم »رقصة الدراويش« أو »رقصة التنورة« وهى فن� خاص� فقد مؤخرا4 يقدمه الراقصون فى األفراح والسفن النيلية والمالهى الليلية، حيث 4 بائسا معناه الصوفى، وصار عرضا

يدور أحدهم دورات رشيقة الحركة، حتى يرفع »التنورة« الواسعة عنه..

Page 13: الرؤية الصوفية للعالم

وما المعنى الحقيقى من وراء ذلك، إال التقليد الفنى القديم، المولوى )نسبة إلى موالنا جالل الدين( الذى يدور فيه الصوفى حول نفسه، فى حركة دائرية كحركة الكون، بحيث يستشعر الراقص أنه مركز

الوجود كله، ومن ثم فإن عليه مواصلة الرقص، بقوة، حتى يتخل3ص من العالئق الدنيوية واالرتباطات4، كعالمة حها بعيدا � الحسية التى تمثلها فى هذا الفن المولوى )تنورة� الراقص( التى البد فى النهاية من طر

. Hعلى التخلص من أحكام الحس

والرقص المولوى يرتبط بفن� صوفى� آخر، هو موسيقى الناى..وقد برع صوفية المولوية فى العزف على4 من المعنى الذى أشار إليه موالنا جالل الدين فى ديوانه الشعرى الهائل: المثنوى )حوالى الناى، انطالقا

ستة وعشرين ألف بيت شعرى( حيث ربط بين الروح اإلنسانى الذى هبط من الجوار اإللهى، وخشبة4! وكالهما يحن إلى أصله.. يقول موالنا جالل الدين فى البوص التى قطعت من منبتها فصارت نايا

مستهل المثنوى:

استمع إلى صوت الناى

كيف يبث آالم الفراق

يقول: منذ قطعت من الغاب،

والناس� تبكى لبكائى

4 إننى أنشد� صدرا

قه الحنين� مز3

■ ■ ■

4، بفكرة المطلق.. وهو ما يقودنا إلى إعادة النظر فى النظرية ويرتبط الفن والتصوف فى تعلقهما، معا الغريبة التى قدمها »اللو« لبيان الصلة بين الحياة والعمل الفنى. وهو ما قدمه لنا الباحث الفيلسوف د.

زكريا إبراهيم فى كتابه )مشكلة الفن( حيث يقول ما مفاده اآلتى: يرى »اللو« أن التعبير الفنى يتخذ4 عن الحياة ذاتها، 4 مختلفا 4 عديدة، يقترب بعضها من الحياة أو يبتعد عنها، لكن الفن يبقى دوما صورا

4: غير مطلق! 4 بالواقع االجتماعى واالستطيقى )الجمالى( أى أنه دوما مرتبطا

4، ألدرك أن )المطلق( الذى ينكره، هو األفق الذى يقود 3ر قليال وفيما أرى، فإن هذا المفكر »اللو« لو تفك4، ينبهر الغرب بفنون الشرق، ويستغرق اإلبداع، ويرفرف فى الوعى عند تذوق العمل الفنى. ولذلك، مثال الشرق فى فنH الغرب؛ بصرف النظر عن القيمة االجتماعية والجمالية المختلفة هنا عن هناك. وما ذاك

بالطبع، إال لهاجس »الجمال المطلق« فى نفس »اإلنسان« بعامة.

وإذا كان الفن يرتبط بالضرورة، بالجمال وبالمطلق، فإن »المشاركة الصوفية«، حسبما يقول يونج، هى أساس الخبرة بالروح الجماعية التى تستتر خلف مشاعرنا الفردية والشخصية، فيكون التعل�ق والشعور

4 باإلنسان كمفهوم عام مطلق، ال باألفراد، مبدعين كانوا أو متذوقين لإلبداع. الجمالى مرتبطا

4، فى وللصوفية المسلمين فى الجمال نظرة� خاصة�، ترى أن الوجود )جمال� مطلق( ليس فيه قبح� أصالحقيقة الحال ! ألن الوجود هو تجليات الله فى الكون، والله كله جمال..

4، إنما هو قبيح� بحسب أوهامنا ومن زاوية نظرتنا وبحسب الرؤية الصوفية للعالم، فإن ما نظنه ق�بحا المحدودة لألشياء، أو باألحرى نظرتنا القاصرة عن )مشاهدة( الله فى الكون.. يقول الصوفى العارم، البديع »نجم الدين كبرى« فى ذلك المعنى الصوفى الدقيق، هذه العبارة التى وردت فى كتابه )فوائح

الجمال وفواتح الجالل( حيث نقرأ:

»اعلم� أن المشاهدة مشاهدتان؛ أدنى، وأعلى. فالمشاهدة التى هى أدنى، مشاهدة� ما تشتمل به األرض فى الغيب - ال فى عالم الشهادة - من صورg وألوانg وبحارg ونيرانg ومفازات وقرى وآبار وصروح وغير

ذلك. والمشاهدة العليا مشاهدة ما تشتمل به السماء من الشمس والقمر والكواكب والبروج والمنازلاه�د� إال ببعضه. ألن الجوهر ال يشاهد إال معدنه، وال يريد إال معدنه. �ش� ى وال ت �ر� وكل شىء، فال ت

4، فاعلم� أنه قد زكى فيك 4 أو كواكب أو قمرا 4 أو شمسا وال يحن� إال إلى معدنه. فإذا شاهدت� سماء4 أو أرضا الجزء� من ذلك المعدن. وال تعتقد أن السماء التى تشاه�د فى الغيب، هى هذه السماء! بل فى الغيب

Page 14: الرؤية الصوفية للعالم

سماوات أخرى ألطف، وأخضر، وأصفى، وأنضر؛ بال ع�د� وال حصر. وكلما زدت� صفاء4، بدت لك سماء� أصفى وأبهى؛ إلى أن تسير فى صفاء الله، وذلك فى نهاية السير. وصفاء الله ال نهاية له، فال تعتقد أن

الذى نلته ليس شيئا وراءه أعلى منه«.

وقد اتخذ عبدالكريم الجيلى خطوة4 متقدمة4 على هذا الدرب، حين ذكر صراحة4 فى قصيدته العينية )النادرات( أن الوجود اإللهى الكامن فى العالم، ليس فى واقع األمر إال كمثل الماء فى الثلجة التى قد

4 ربه: 4 كثيرة.. يقول الجيلى مخاطبا تتخذ أشكاال

ا �هـ� �ق�ت �اء� ح�ين� خ�ل ي ��ش �ت� فى األ 3ي �ج�ل ت

ع� اقـ� �ر� �ك� ف�يه�ا الب ا ه�ى� م�يط�ت� ع�ن ف�هـ�

�ف�س�ك� ق�ط�ع�ة4 ى م�ن� ذ�ات� ن ق�ط�ع�ت� الو�ر�

ع� � ف�ص�ل� ق�اطـ� 4 و�ال �ك� م�و�ص�وال م� ت ـ� و�ل

gج�ة��ل �ث 3 ك �ال� إال Hمث و�م�ا الـخ�ل�ق� ف�ى الت

ـع� ـ� �اب 3ذ�ى ه�و� ن �ه�ا الـم�اء� ال �ت� ب �ن و�أ

ـه� ـ� �حق�يق�نا غ�ير� م�ائ 3لج� ف�ى ت ف�م�ا الث

ع� ـ� ائ ر� �ه�ا الش3 g د�ع�ت م ـ� ان� فى ح�ك ر� �ـ و�غ�ي

�م�ــه� ف�ع� ح�ك ��ر �ج� ي 3ل �ذ�و�ب� الث �ك�ن� ب و�ل

ـع� �م�ـر� و�اقـ� �م� الماء� و�األ �وض�ع� ح�ك و�ي

ا �هـ� �ض�د�اد� ف�ى و�اح�د� الب �ج�م3ع�ت� األ ت

ع� اطـ� �ه�ن3 س� و� ع�ن �ت� ف�هـ �ش� �ال و�ف�يـه� ت

gة �ح�ـة� ص�ور� ى م�ال اءg فـ� �هـ� �ل� ب ف�ك

ع� ـ� �ان �ه� الغ�ص�ـن� ي اب د� ش� �لH قـ� ع�ل�ى ك

ـه� ـ� ن ��ح�س �ت� ل ب �س� �يـحg إن� ن �ل� ق�ب و�ك

ـار�ع� �س� ن� فيـه� ت ��ى الـح�س �ك� م�ع�ان �ت �ت أ

�س�ب� و�ح�ـد�ه� �ن ن� ي ��ن3 الح�س ب �ح�س� � ت و�ال

اج�ـع� �الذ3ات� ر� �ح� ب ا و�الق�ب �هـ� ه� الب �ـ �ي إل

ـه� ـ� �ق�ص�ان� الق�بيح� ج�م�ال �مHـل� ن �ك ي

ـع� �اش� م3 ب ـ� � ث �ق�ص�ـان� و�ال �م3 ن ف�م�ـا ث

ه� ـ� �ل ع� م�ق�د�ار� الو�ض�يع� ج�ال فـ� �ر ـ� و�ي

ع� افـ� �و�ض�ـع� ر� �ل و� ل ��ح� ف�يـه� ف�هـ �ذ�ا ال إ

ة نg بص�ور� �ـ ي ه� ل�ش� �ـ �ج�ب� ع�ن �ح�ت � ت ف�ال

Page 15: الرؤية الصوفية للعالم

�م�ـع� �ل�ح�س�ن� ال �ن� ل ف�خ�ل�ف� ح�ج�اب� الع�ي

ى ر� ـ� �لH م�ا ت �ان� الحقH ف�ى ك و�أط�ل�ق� ع�ن

ـع� ـ� و� ص�ان 3ات� م�ـن� هـ� Hي �ج�ل �ل�ك� ت ف�ت

على.. تجلى قد تراثنا، فى بالفن التصوف التقاء أن إلى اإلشارة ذلك، بعد من وتبقى ) ( 4 أفقا الصوفية الرؤية فيه بلغت الذى والنثرى الشعرى الروحى األدب فى يكون ما أبدع .. النظر 4 أوال يقتضى األمر هذا تبيان لكن إليه يصلوا أن الصوفية لغير يمكن كان ما ،4 تعبيريا . : » األمر » وهو واللغة التصوف اصطدام باألحرى أو واللغة، التصوف بين العالقة أزمة فى

) المبهرة، ) الصوفية النصوص ظهور إلى أد3ى ثم الصوفية شطحات لظهور أد3ى الذى. .. المقبل األسبوع مقالة فى عنده نتوقف سوف ما وهذا، 4 ونثرا 4 شعرا

.. : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف د : حقيقة فى الخامس الوالية القول� م ـر> و>ه> الوحدة

      

مع اختتام مقالتى السابقة )المنشورة األربعاء الماضى( أشرت� إلى أن الصوفية فى مقامات انجذابهم4 وال إلى عالم الحضرة اإللهية، وارتقائهم عن المحسوسات واألحكام الدنيوية ال يرون فى الكون نقصا4 فى كل شىء، مهما ج�ل3 هذا الشىء أو د�ق3. Hيا 4! وال يشاهدون بعين القلب إال الجمال اإللهى متجل قبحا

ر� فى هذه المشاهدة القلبية التى تأتى بالبصيرة، ال البصر، هو ذلك اإليمان الصوفى العميق بأن Hوالس )الله( هو الجوهر الحقيقى للوجود، وما عداه من )األغيار( ومما سواه، و�ه�م� وتخييل� ومظاهر� زائلة ال

4 لثالوث الذات اإللهية »الجمال، تقوم بذاتها، ويتوقف وجودها على شرط كونها تجليات إلهية، وفقاHر بمجموعه الكلى عن هذه )الذات( من دون أن يقدح فى وحدتها، وفى الكمال، الجالل« الذى يعب

اإليمان بوحدانية الله على الرغم من تعد�د صفاته وأسمائه وأسمائه الصفاتية.

ومن دقائق الحقائق الصوفية، فكرتان تميز بهما صوفية المسلمين، وهما: الوحدة، الوالية.. وهما فى4 عنهما- ف�ه�م الرؤية الصوفية للكون، كما ال يمكن دونهما واقع أمرهما، مفهومان روحيان ال يمكن- بعيدا

االقتراب من آفاق النـزعة اإلنسانية البديعة فى التصوف اإلسالمى. وهى النـزعة التى عاد العالم المعاصر )المتقدم( للنظر فيها، فى العقود األخيرة، أمال فى استكشاف الرؤى العميقة التى قد3مها كبار

الصوفية المسلمين، من أمثال جالل الدين الرومى، ومحيى الدين بن عربى، وعبدالكريم الجيلى،وشهاب الدين السهروردى )المقتول( والصوفى العارم المهول، محمد بن عبد الحق بن سبعين.

ولسوف نعرض فيما يلى، لهذين األمرين المهم3ين: الوحدة اإللهية الجامعة بين مفردات الكون4 من القاعدة )عموم المؤمنين( إلى القمة مية الوالية الروحية المتصاعدة تدريجيا ومتفرقاته، وه�ر�

4 بعدة مراتب وطبقات لألولياء.. )القطب( مرورا

وبالطبع، فسوف نسعى فى مقالتنا هذه إلى استعراض هاتين النظريتين، على قاعدة اإليجاز وبسط  المسائل بما يناسب السياق، من دون إغراق فى المقارنات، ومن دون توغ�ل فى دهاليز ومفاوز

المصطلحات الصوفية والرموز التى يصعب إدراك مدلوالتها على القارئ غير المتخصص. وم�ن� أرادض األوفى لهاتين النظريتين، فى كتابى )الفكر الصوفى( الذى صدرت � المزيد، فعليه الرجوع إلى الع�ر

طبعته األولى مع مطلع التسعينيات.

4 لعرض هذه الرؤى والنظريات؟ وما أهمية الكالم عن 4: وما الداعى أصال ب3 متسائلg قد يقول معترضا ور� »الوحدة« أو »هرم الوالية«؟ وهل من المفيد لنا اليوم أن نعرف مثل تلك النظريات الصوفية؟.. ولهذا

�عر�ف موروثنا القائل السائل المعترض )المفترض( نقول: أما الداعى للتعر�ض لذلك، وع�ر�ضه، فهو ت4، فى غمرة انهماكنا فى تفاصيل الواقع المعيش، وهذا )الواقع( ال الفكرى والروحى الذى انطمر مؤخرا

4 عن ذلك الموروث! يمكن ف�ه�مه على نحوg جيدg، بعيدا

Page 16: الرؤية الصوفية للعالم

3لت مفاهيم كثيرة فى  فالحاضر المعيش لم يطفر فجأة، وإنما هو نتاج� موروثات تطو3رت ببطءg، وشك4 عن )األصول( ال يمكن فهم )الفروع(، وفى غيبة الوعى 4 ما تغيب عنا أصولها. وبعيدا واقعنا، كثيرا

بالماضى ال يمكن إدراك الحاضر والرنو� إلى المستقبل.. والنظريات� الصوفية� تهم�نا اليوم، ألنها التراث البلسمى الذى يسهم فى عالج الهوس الدينى، الذى يؤجHج هجيره المتعصبون الدينيون، المتأسلمون

.4 منهم والمتأقبطون، والمستهودون المعاصرون اآلملون فى تحقيق الوعد التوراتى، الذى لن يتحق3ق أبدا

وهناك دواعg كثيرة تحدو بنا نحو اآلفاق الروحية الرحيبة للتصوف، منها التخف�ف من غلواء النـزعة المادية المعاصرة، ومنها االنفالت من المظهرية الدينية، التى تطمر جوهر الدين بأنماط التدين.. وغير ذلك من

الدواعى التى يطول شرحها، ويضيق عن ذكرها المقام، فدعونا نلو� عنان الكالم إلى األمرين اللذين تدورحولهما هذه المقالة.

                                    ■ ■ ■

4 من اإلشارة إلى أن بعض ما المقصود بالوحدة اإللهية؟ وما معنى »التوحيد« عند الصوفية؟.. البد أوال، وال أثر بينهما رون أن الصلة معدومة بين الله والعالم ! ألن كليهما قديم� Hفالسفة اليونان كانوا يقر

4.. وقد انتقل هذا االعتقاد إلى بعض اإلسالميين، فذهب العالمة الطبيب )أبوبكر الرازى( إلى القول متبادالبالقدماء الخمسة »الله، المادة، المكان، الزمان، النفس«..

4 إشارة4 هامشية فى واحدg من كتبى، فثارت ثورة لم تهدأ إلى اليوم مع وقد أشرت� إلى هذه النظرية يوما ١٩٣٤أن »الرازى« له رسالة عنوانها: القول فى القدماء الخمسة! وهى منشورة فى القاهرة سنة

)نشرها المستشرق باول كراوس( وقد كتب أبوحاتم الرازى رسالة فى الرد على أبى بكر الرازى، فىبH اغفر� لقومى فإنهم 4، الحديث الشريف: »ر� قوله بالقدماء الخمسة.. ولذلك ترانى أردHد فى نفسى دوما

ال يعلمون«.

المهم، أن القول بقدم العالم، يعنى انعدام العناية اإللهية بالكون! بل يقطع الصلة بين الله والعالم. وقدر أرسطو ر فالسفة� آخرون، منهم أفالطون، أن الله هو )الصانع( وبالتالى فهو يعتنى بالعالم. بينما قر3 قر3

ك.. أما فالسفة اإلسكندرية، ك الذى ال يتحر3 H3ر به! فهو المحر Hر فى العالم من دون أن يتأث أن الله يؤثر أن Hوعلى رأسهم أمونيوس ساكاس وتلميذه األشهر )أفلوطين( فقد قالوا بنظرية الفيض، التى تقر

الوجود فيوضات متتالية الصدور عن الواحد )الله(.

وفى عموم العقائد المسيحية، فإن الله قد يحل� فى خ�ل�قه، مثلما هو الحال فى حلول الله فى المسيح..4 للخ�ل�ق، وال تماس بينهما وال حلول وال اتحاد..، وفى عموم االعتقادات اإلسالمية، فإن الله مفارق� تماما

هجرية، ألنه قال عبارات ف�ه�م� منها معاصروه أنه يعتقد بإمكان٣٠٩ولذلك ق�تل الحالج فى بغداد سنة حلول الله فى البشر، أو اتحاده بهم )أو هو على األرجح قد ق�تل ألسبابg سياسية، بذريعة وحجة شرعية(.

أما »الوحدة« أى االعتقاد بأن الله والكون شىء� واحد�، فهى فكرة تعود فى أصلها إلى الديانات الهندية القديمة، وقد أشير إليها بوضوح فى كتب الهندوس المقدسة المسماة )الفيدا( وفى شروحها المسماة

)اليوبانيشاد(.. كما ظهر »مذهب وحدة الوجود« عند عديد من الفالسفة والمفكرين، القدماء والمحدثين،منهم زينون وديدرو، والفيلسوف البديع: إسبينوزا.

�م3 إال الله( Hر عنها عبارة عبدالكريم الجيلى )ما ث وعند الصوفية المسلمين، الوحدة� هى الفكرة التى تعب وعبارة ابن سبعين األندلسى )الله فقط( وعبارة محيى الدين بن عربى )ما فى الوجود إال الله(.. وكلها

، وأنه تعالى هو المتجلHى فى كل شىء، وهو حقيقة� كل عبارات دالة على أن »ما سوى الله« و�ه�م� وخيال� شىء.. ولذلك، ال يعرف الصوفية )التكفير( ألنهم أدركوا معنى اآلية القرآنية )وإن من شىء، إال يسبح

بحمده( ومن هنا قال ابن عربى بيته الشعرى الشهير: ع�ق�د� الخالئق� فى اإلله عقائدا/ وأنا اعتقدت� جميع�ما عقدوه .

gظ�ر� وقد اشترط الصوفية إلدراك هذه )الحقيقة الوجودية( أن يكون ذلك عن )شهود(، وليس نتيجة ن3ده عقلى�، أو ترتيب فلسفى. فالصوفى يعرف »الوحدة« حين يترقى عن أحكام الحسH! وهو ما أك

gكائن Hل� �ف�ن� عن ك / ت ��م �ق�ل� وحدة� الوجود إذا ل 4: ال ت الصوفى الشهير عبدالغنى النابلسى، حين قال شعراموجود.

                                    ■ ■ ■

أما )القطب( أو )اإلنسان الكامل( أو )المحقHق( أو )الحكيم المتألHه( فهذه كلها مسميات لقمة هرمg روحى� هو األعلى فى السلم التصاعدى لمراتب األولياء.. لكن هذا الوالية، وهى صفة� صوفية� لمقام

4 إلى الكالم غير دقيق! فالوالية فى المفهوم الصوفى، إنما تشمل جميع المؤمنين، ثم تتصاعد تدريجيا

Page 17: الرؤية الصوفية للعالم

4، من حيث المنـزلة مرتبة األولياء )األبدال( واألولياء )النقباء( واألولياء )األقطاب( وفوق هؤالء جميعا الروحية، قطب� األقطاب. وهو المسمى عند ابن سبعين )المحقHق( وعند السهروردى )الحكيم المتألHه(

وعند ابن عربى والجيلى )اإلنسان الكامل(، وعند غالبية الصوفية )القطب(..

4، هو اإلشارة� إلى وعلى الرغم من اختالف التسميات الصوفية لهذا المقام، فإن المقصود منه جميعا4 فى واليته، بحسب )والية الظاهر( فقط.. ولكن، تعلوه على المقام األعلى الذى يصير فيه الولى كامال

الحقيقة، مقامات غير مسماة، وال يتحدث عنها الصوفية، هى مقامات األفراد الخارجين عن نظر القطب! الذين منهم صاحب موسى عليه السالم، الذى يسميه العامة )الخضر(، وهو الذى حكى القرآن الكريم، فى سورة الكهف، قصته مع موسى.. وهى قصة مليئة بالعجائب، وبالغرائب المبهرة، التى أتى

�شير إليه بصفة )العبد الصالح(، الذى آتاه الله رحمة من �سمى فى القرآن )الخ�ض�ر(، وإنما أ بها شخص� ال يعنده تعالى، وعل3مه العلم اإللهى.

4 بالمعنى الصوفى؟.. برز اإلسهام )المصرى( ما معنى »الكمال« عند الصوفية، وكيف يكون اإلنسان كامال فى الفكر الصوفى منذ وقت مبكر، مع متصوفg بديع و�ف�د� إلى بغداد من مصر، هو )ذو النون المصرى(، الذى لم ينتبه كثيرون من دارسى التصوف إلى خطورة موقعه فى تاريخ التصوف. ليس فقط ألنه كان

4 للوالية الروحية، أو لهجرة )الدنيا( لاللتحاق بالحضرة اإللهية )العليا( وإنما ألنه- باإلضافة إلى ذلك- نموذجاخو التصوف: أول من تحد3ث فى األحوال والمقامات. Hر� مؤر� كان حسبما ذ�ك

�رات التى تطرأ على الصوفى المبتدئ والمقامات، عندهم، هى المراتب األحوال، عند الصوفية، هى التغي4 4. ويقول الصوفية، إن األمر الواحد قد يكون حاال 4 مخصوصا الروحية التى يستقر فيها قلب الصوفى، وقتا

4، باختالف الدرجة الروحية لصاحبه. أو مقاما

4، وبالنسبة لألولياء فالرضا أو المحبة أو الجذب أو الفناء فى الله، تكون بالنسبة للمريد المبتدئ أحواال�قيم.. ومن هنا قال الصوفية�: حسنات� األبرار مقامات! فالحال ال يدوم ألنه يحول، والمقام ثابت� ألنه ي

سيئات� المقربين )وهو قول� دقيق� يطول� شرح� خفاياه(.

هناك، إذن، مبتدئون ومتقدمون فى الطريق الروحى. وهؤالء )المتقدHمون( هم الذين يسميهم الناس بطريق الخطأ )الواصلين( مع أن طريق التصوف ال آخر له، حتى يصل إليه ولى� من األولياء.. لكن

المتعارف عليه بين الصوفية، أن األولياء يتفاوتون فى الكمال، وفى جالء مرايا بواطنهم التى تنعكسعليها تجليات� الذات اإللهية، الجمالية والكمالية والجاللية.

وبقدر قبول الصوفى لهذه التجليات، تظهر على مرآة باطنه وعلى ظاهر شخصيته، اآليات� والعالمات� 4 بأن »الذات اإللهية« بحسب الرؤية الصوفية، ال سبيل إلى الدالة على علوH مقامه بين األولياء. علما

إدراكها من حيث مقدرة العبد،

كما أنه ال سبيل إلى معرفة ذات الله عن طريق االستدالل عليه باألسماء والصفات )التى من شأنها ق الغزالى الكمال، ومن شأن الكمال اإللهى عدم االنتهاء( وتلك القضية، من مسلمات التصوف فقد فر34 عند ابن الفارض بين المعرفة عن طريق االستدالل والمعرفة الربانية، ثم ظهرت المسألة أكثر وضوحا

٦٣٢وابن عربى والسهروردى اإلشراقى، فقد ازدرى ابن الفارض- أبوالقاسم عمر بن الفارض، المتوفى هجرية- طريق االستدالل على الذات، ومحاولة إدراكها عن طريق األسماء والصفات، هو جاهل

اب� ماء4.. وفى هذا ر� �حسب الس3 بالحقيقة، أو هو أشبه بالنائم الذى يرى الخيال فيحسبه حقيقة، كما يالمعنى يقول فى تائيته الكبرى:

�ى بى يو�فHق� ماد�ح�ى و�م�د�ح� ص�فات

�ى �الصHف�ات� م�ذ�م3ت �ح�م�د�ى و�م�د�ح�ى ب ل

gة� ؤ�ي �يق�ظ� ر� �ى ت م�ائ �س� �ر� أ ى ذ�ك ـ� و�ب

ة� ـن� ه�ج�عـ� �و�س� �ا ت ؤ�ي �ر�ى بها ر� و�ذ�ك

كذلك يقرر ابن عربى أن المعرفة، التى تأتى عن طريق األدلة واألسماء والصفات تمنع من المعرفةالحقة. يقول:

�ن� ه�و� �ك �م� ي �ه� ل �م�ت �و� ع�ل ل

�ت� �ن �ن� أ �ك �م� ت �و� ج�ه�ل�ك� ل و�ل

Page 18: الرؤية الصوفية للعالم

و�جد�ك�� �ع�ل�مه� أ ف�ب

� ل�ك� �ه�و�.. ال فه�و�، ه�و�، ل

كما يفرق اإلشراقيون بين علوم ذوقية كشفية وعلوم بحثية نظرية، وعلى الرغم من أن هذين هما قسما�ولى هى السبيل الحق إلى طريق اإلشراق. فاإلشراقيون، كما يقول العلوم الحقيقية، إال أن األ

السهروردى: ال ينتظم أمرهم دون سوانح نورانية. وهكذا اتفق صوفية الحقبة الممتدة بين القرنينالسادس والتاسع الهجريين، على الرغم من تعد�د أشخاصهم، وبعد الشقة، والفارق الزمنى، بينهم.

وفى كتابه )اإلنسان الكامل فى معرفة األواخر واألوائل( وفى أعماله األخرى، يقول عبدالكريم الجيلى ما ملخصه أن اإلنسان الكامل هو الكون الجامع وهو نسخة الحق.. وهو الذى يقابل حقائق الوجود كلها،

ألنه مرآة »الوحدة« والروح الجامعة للمظاهر الخ�ل�قية والحقائق اإللهية. وهو باألصالة، النبى محمد صلىالله عليه وسلم، والباقون من األنبياء واألولياء ملحقون به لحوق الكامل باألكمل.

وفى هذا الق�د�ر� كفاية.

.. : للعالم. الصوفية الرؤية يكتب زيدان يوسف د : اصطدام فى السادس� باللفظ القول� المعنى

الشطح واحتدام

كان واحد من مشاهير المتفلسفين المحدثين ــ هو »لودفيج فتجنشتين« ــ يقول إن اللغة هى رسم4 فى أذهاننا باأللفاظ، ومع أن هذه الفكرة، كانت األساس للعالم، أو هى بعبارة أوضح، العالم مرسوما

الذى قامت عليه الفلسفة المعروفة باسم »الوضعية المنطقية« إال أنها سرعان ما اهتزت وتداعت، مع4: أعمق من اللغة المعبرة عنه، ومع االنتباه إلى أن المفردات اللغوية مهما إدراك أن العالم يظل دوما كانت دقيقة، فسوف يظل رسمها للعالم غير دقيق، ولذلك اتجهت العلوم المعاصرة إلى التعبير عن

محتواه بالرموز والمصطلحات واالختصارات، التى تنأى باللغة العلمية عن المجاز،

4 فى ميدان »المنطق«، الذى صاغه للمرة األولى وتسعى بها نحو التجريد واإليجاز.. وهو ما حدث أيضا4 عنده باللغة اليونانية، ثم تطورت المباحث الفيلسوف اليونانى القديم »أرسطو« فكان مرتبطا

�عرف اليوم بالمنطق الرمزى الذى يستغنى بالرموز والمصطلحات المنطقية، حتى انتهت إلى ما يواالختصارات عن العبارات والصيغ اللغوية المجازية، القابلة بطبعها للتأويل.

وكان واحد من مشاهير اللغويين العرب القدامى ــ هو »ابن جنى« ــ يقول إن اللغة بحسب التعريف والحد هى: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.. وهو تعريف يتضمن أن الغرض من »اللغة« هو التعبيرعن الغرض المراد التعبير عنه، وبالتالى فإن كل لغة هى مثل كل لغة، فال تفضل واحدة من

اللغات على األخرى، ألنها جميعها »وسائل اتصال« بين أولئك أو هؤالء، يعبرون بها عن »األغراض« التىيودون التعبير عنها.

فماذا عن اللغة الصوفية؟ أو باألحرى: ماذا عن مشكلة اللغة عند الصوفية المسلمين؟ وهل استطاعوا أن يرسموا بها هذا العالم السحرى »الرؤياوى« الذى عاينوه فى مسيرتهم الروحية ومشاهداتهم

الذوقية؟ أم اصطدم عندهم المعنى الواسع بحدود اللفظ الضيق؟ وكيف انفلتت منهم العبارات التى4 الشطحات؟ وما ثمن الشطح، وما معناه، وما السبيل الذى سار عليه الصوفية للخروج من س�ميت الحقا

مأزق الشطح وأزمة اللغة؟

تلك هى األسئلة األساسية، التى يسعى هذا المقال لالقتراب منها.. وفى ذلك نقول والله المستعان.

■ ■ ■

لم يشهد القرن الهجرى األول، أى مشكالت تتعلق بالتعبيرات واألقوال الصوفية، ألن »التصوف« ذاته لم يكن آنذاك قد تشكل قوامه ففى هذا الوقت المبكر من حياة المسلمين، كانت »الدولة« هى القضية4، وتعبر عن نفسها من الكبرى التى تشغل األذهان، وكانت التجارب الروحية تتم فى إطار محدود جدا

خالل »أنماط أولية« مثل تلك التى عرفناها فى جماعة »أهل الصفة«، الذين انقطعوا للعبادة فى

Page 19: الرؤية الصوفية للعالم

المسجد النبوى، أيام النبى.. أو فى جماعة »الزهاد« الذين هجروا المتاع الدنيوى الزائل، الذى عربدت مظاهره فى زمن األمويين وأمرائهم المشهورين باللهو والمجون.. أو فى جماعة »المرابطين« الذين

تركوا المدن والحواضر المترعة بالترف، وارتضوا العيش المتقشف فى الثغور واألطراف الحدودية لدولةاإلسالم.

لم يكن التصوف، إذن، قد اتخذ فى القرن الهجرى األول قوامه المعروف ومقامه المتعارف عليه، ولم تكن مالمحه نفسها قد تحددت بعد آنذاك.. ولما انتصف القرن الهجرى الثانى، وتأسست الدولة العباسية

ثم استقرت فى عاصمة الخالفة »بغداد« وأقرت بعد حين من استقرارها مظاهر ترف وبذخ ولهو لم يكن للمسلمين بها سابق عهد، عاهد الزهاد المسلمون أنفسهم على التوغل فى آفاق التجربة الروحية،

وكأنهم يعيدون »التوازن« الذى اختل مع الغرق العباسى فى الملذات.

4 ومع نهاية القرن الهجرى الثانى ودخول القرن الثالث، كانت مالمح »التصوف« قد راحت تتحدد شيئا4، وصارت التجارب الروحية تنتظم فى أطر معترف بها فى المجتمع اإلسالمى، بل م�رحب بها فشيئا

ومندوب إليها، على اعتبار أنها المعبر األول عن صفاء اإليمان وصدق التدين وحقيقة الوالية.

وفى ذاك الزمان، ظهر أولياء الله أوقفوا حياتهم على محور الروح، وانجذبوا بقلوبهم نحو الرحاب4. فلما حدقوا فى مرآة نفوسهم، وقد تجلت على صفحتها آيات )الذات 4 وقالبا اإللهى، وهجروا الدنيا قلبا اإللهية( عبر تجليات ال يبلغها اإلحصاء، صارت للصوفية مشاهدات خاصة، ورؤى روحية، استقلوا بها عن

بقية المسلمين.. وأرادوا التعبير عن أحوالهم هذه، بالمعتاد من المفردات، فشطحوا!

4 من شطحات الصوفية وعباراتهم الغريبة الدالة على 4، كثيرا وقد شهد القرن الثالث الهجرى، والرابع أيضا أنهم يستعملون اللغة العادية، للتعبير عن رؤى غير معتادة وغير معترف بها عند أهل زمانهم. وقد اشتهر

بالشطح واحد من كبار األولياء فى القرن الثالث الهجرى، هو البسطامى )أبويزيد، طيفور بن عيسى،٢٦١4المتوفى هجرية(، الذى نقل عنه المؤرخون عجائب العبارات، وبدائع الشطحات، التى سنذكر طرفا

منها بعد قليل.

لكن البسطامى لم يكن أول الذين شطحوا، فقد سبقه إلى ذلك متصوفون ومتصوفات من أمثال رابعة العدوية. وشطح بعده آخرون، من أمثال الحالج )أبى المغيث، الحسين بن منصور، المقتول ببغداد سنة

4 من٣٣٤ هجرية( والشبلى )أبى بكر، دلف بن جحدر، المتوفى سنة ٣٠٩ هجرية(.. وقبل أن نورد بعضاهذه الشطحات، علينا أن نوضح المقصود بالشطح.

فى فصيح اللغة العربية، الشطح هو الذهاب إلى بعيد! وهو يقترب من لفظه ومعناه، من »الشطط« الذى هو بحسب تعريف ابن منظور فى معجمه الشهير )لسان العرب(: مجاوزة القدر والجور فى

الحكم، فيقال »اشتط الرجل فيما يطلب« إذا لم يقتصد.. وقد اشتط الصوفية المبكرون فى عباراتهمالتى سعوا بها إلى البوح عن مشاهداتهم ورؤاهم، كما سنرى بعد قليل..

أما فى التعريف الصوفى المتأخر، فإن الشطح هو: أقوال أو عبارات عليها رائحة رعونة واندفاع، يكون4، لكن باطنها صحيح مستقيم.. والدافع إلى الشطح، هو محاولة التعبير عن معان بالغة ظاهرها مستبشعا الدقة بمفردات شديدة العمومية. ولذلك، أدهشت )الشطحات( الناس فى ذاك الزمان، على الرغم من حسن اعتقادهم فى »والية« هؤالء الشاطحين، وعلى الرغم من صبرهم على شطحاتهم الغريبة.. ولكن

الصبر له حدود!

اعتقد معاصرو »رابعة العدوية« فى صالحها وعمق إيمانها وحسن مقصدها، لكن بعض كالمها كان يصدمهم، فيسكتون عنه، فمن ذلك ما تناقله الناس عنها من أنها حين ذهبت للحج، وبدت لها الكعبة التى يطوف حولها الحجاج المسلمون، قالت: ما هذا الوثن المعبود فى األرض؟.. والغريب أن معاصرى رابعة

4 جاء بعدها بقرابة 4 شهيرا لم يثوروا عليها بسبب صدور هذا القول »الشاطح« عنها! واألغرب أن فقيها هجرية« ينزه رابعة عن نسبة٧٢٨خمسة قرون، وعرف بتشدده، هو اإلمام أحمد بن تيمية »المتوفى

هذا القول إليها، ويبرره بأن المسلمين ال يعبدون الكعبة، وإنما يعبدون الله بالطواف حولها.

هجرية« قد٢٩٨وكان إمام آخر، ال خالف حول مكانته عند المسلمين، هو أبوالقاسم الجنيد »المتوفى 4، على الرغم من صعوبة هذه الغاية، 4 مقبولة شرعا 4 شطحات رابعة العدوية، وأوجد لها وجوها تأول أيضا4 من 4 لوعورة شطحاتها.. فمن المشهور من شطحات »رابعة العدوية« أنها قالت: ما عبدته خوفا نظرا

4 فى جنته، فأكون كأجير السوء إذا عمل سارع إلى طلب األجر.. وقالت: يارب، أما كان لك ناره وال طمعا عقوبة وال أدب، غير النار.. وحين سمعت اآلية القرآنية »إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون«،

التى تعنى أن أهل الجنة يفتضون أبكار الحور العين، قالت: مساكين أهل الجنة، فى شغل هم وأزواجهم.

Page 20: الرؤية الصوفية للعالم

ومن شطحات أبى يزيد البسطامى، قوله: الجنة فى الحجاب األكبر، ألن أهل الجنة سكنوا إلى الجنة، ولكل من سكن إلى ما سوى الله، فهو محجوب بما سكن إليه.. وقوله: إن لله من خواص عباده طائفة، لو حجبهم فى الجنة عن رؤيته ساعة، الستغاثوا كى يخرجوا من الجنة، مثلما يستغيث أهل النار للخروج

!4 4، وصارت الجنة عليه وباال من النار.. وقوله: من عرف الله صار للجنة ثوابا

ومن أشد الشطحات التى رويت عن البسطامى، أنه قال: رفعنى الله إليه مرة، فأقامنى بين يديه وقاللى

يا أبا يزيد إن خلقى يحبون أن يروك، فقلت: زينى بوحدانيتك، وألبسنى أنانيتك، وارفعنى إلى أحديتك، حتى إذا رآنى خلقك قالوا رأيناك، فتكون أنت ذاك، وال أكون أنا هناك.. وهذه الشطحة سوف تكون

4 فى األدب الصوفى بنصوص »الخطاب الفهوانى«، وهى النصوص األساس المبكر لما سوف يعرف الحقا العجيبة التى منها كتاب محمد بن عبدالجبار النفرى: المواقف والمخاطبات. ومنها رسالة اإلمام

4 للشيخ األكبر محيى الدين بن عربى٥٦١عبدالقادر الجيالنى )المتوفى هجرية(، التى نسبت أيضا هجرية( وعنوانها: »الغوثية«.٦٣٨)المتوفى

4، قوله: أول ما صرت إلى ومن شطحات البسطامى المشهورات الدالة على طبيعة )الشطح( عموما4 جسمه من األحدية، وجناحاه من الديمومية، فلم أزل أطير فى هواء الكيفية عشر وحدانيته، صرت طيرا سنين حتى صرت إلى هواء )سماء( مثل ذلك )الذى نعرفه( مائة ألف مرة، فلم أزل أطير إلى أن صرت فى ميدان األزلية، فرأيت فيها شجرة األحدية، فنظرت، فعلمت أن هذا كله خدعة.. وقوله: أشرفت على ميدان الليسيه، فما زلت أطير فيه عشر سنين، حتى صرت من »ليس« فى »ليس« بليس، ثم أشرفت

4.. وقوله: ضربت خيمتى بإزاء العرش! على التضييع حتى ضعت فى الضياع ضياعا

ولم ينقم معاصرو البسطامى عليه بسبب شطحاته، لكن معاصرى الحالج قتلوه بسبب شطحه، قتلة شنيعة. أو حسبما أشرت فى مقالى السابق، فقد قتله حكام وفقهاء زمانه ألسباب سياسية، متعللين فى4: مزجت 3ة إال الله!.. وقوله شعرا ذلك ومعللين له، بما روى عن الحالج من )شطحات( كقوله: ما فى الجب

روحك روحى كما تمزج الخمر بالماء الزالل.

ويدل على أن مقتل الحالج لم يكن فى الحقيقة بسبب شطحاته، أن معاصره وصديقه )الشبلى( رويت عنه شطحات ال تقل رعونة وال غرابة فى المعنى، لكن ذلك لم يأخذ بالشبلى إلى حتفه. وقد تحايل

معاصروه على األمر، بأن قبلوا فكرة أنه )مجنون( فأودعوه مستشفى األمراض العقلية )بيمارستان المجانين( حتى مات ميتة طبيعية، بعد صلب الحالج بخمسة وعشرين عاما، ظل الشبلى خاللها يردد: أنا

والحالج شىء واحد، فأهلكه عقله وخل3صنى جنونى!

، وليس فى الوقت غيرى.. وقال: أنا أقول� ، ووقتى عزيز� وكان من شطحات الشبلى أنه قال: أنا الوقت�3ت� نملة� سوداء على صخرة صماء فى ليلة ظلماء، ولم وأنا أسمع، فهل فى الدارين غيرى؟.. وقال: لو دب

أشعر بها، لقلت إنه ممكور� بى.. وقال: لو خطر ببالى أن الجحيم بنيرانها وسعيرها تحرق منى شعرة،. 4.. وإن مر3 بخاطرى ذكر جبريل وميكائيل، فقد أشركت� لكنت مشركا

■ ■ ■

4 4 باهظا واختفى »الشطح« من تاريخ التصوف، بعد القرن الرابع الهجرى، بعدما دفع الصوفية ثمناج من التجاهل التام إلى القتل. فكان من قتلى الصوفية آنذاك، غير الحالج، عين القضاة للشطحات، تدر3

4 ألقوالهم 4 دفعوا حياتهم ثمنا الهمذانى، ومن بعده شيخ اإلشراق، شهاب الدين السهروردى.. وهؤالء جميعاالشاطحة. أو بعبارة أدق، حكم عليهم بالقتل، ألنهم تفوهوا بين أهل زمانهم بعبارات مستهجنة.

4 ـ وباستقرار 4 ونثرا وقد ارتبط اختفاء الشطح بالتطور التدريجى ألساليب التعبير الصوفى ـ شعرا المصطلح الصوفى واللغة الرمزية والمفردات الموحية. وهو ما قاد الصوفية فى نهاية األمر إلى ابتكار

4 باألدب الصوفى. نوع أدبى خاص، شعرى ونثرى، صار يعرف الحقا

وهو اللون األدبى الذى سنتوقف عنده فى مقال األسبوع المقبل.. أما اآلن، فلنختتم الكالم باإللماح إلى4 من مؤلفاته التى زادت على المائة، لمناقشة وتحليل هذه أن د. عبدالرحمن بدوى، كان قد أفرد واحدا

4، حين استهله بتلك الظاهرة.. وهو كتابه المعنون صراحة4 بـ)شطحات الصوفية( وقد أحسن فيه صنعا4 بها عن حال )األولياء(، الذين اضطرتهم األبيات الشعرية البديعة، التى قالها عز� الدين المقدسى معبرا

المشاهدات الروحية إلى الشطحات الصوفية:

Hها  وح�ل3 لها فى ح�كمها ما استحل3ت�             أباحت� دمى إذ باح قلبى بحب

Page 21: الرؤية الصوفية للعالم

ر3 إنما Hظهر الس� عروس� هواها فى ضميرى تجل3ت�           وما كنت� م�م3ن ي

3سى خفايا طويتى                فألقت� على سرى أشعة� نورها فالحت� ل�جال

3ت�           فإن كنت� فى س�كرى شطحت� فإننى حكمت� بتمزيق الفؤاد المفت

�هم �حب 3تى                  ومن عجبg أن الذين أ وقد عل3قوا أيدى الهوى بأعن

3ت�             سقونى وقالوا ال تغنH ولو سقوا جبال� ح�نين ما سقونى لغن

: الصوفية. الرؤية يكتب زيدان يوسف د : فى.. األخير السابع� القول� األدب للعالم بدائع

الصوفى

فى مقالنا السابق عرضنا ألزمة )اللغة( عند الصوفية المبكرين، وهى األزمة التى أد3ت� إلى التفو�ه      4 فى اضطهاد وقتل عديدg من مشاهير 4 )الشطحات( وكانت سببا مHيت الحقا بالعبارات الغريبة التى س�

بل للخروج التصوف.. وأشرنا فى ختام المقال إلى أن الصوفية، منذ القرن الرابع الهجرى، تلم3سوا الس�خو H4 للطفرات الشاطحة والعبارات الخطيرة التى وصفها مؤر من أزمة التعبير عن أحوالهم، تالفيا

التصوف بأن »ظاهرها م�ستبشع� وباطنها صحيح�«..

فكيف خرج التصوف من هذه )األزمة( إلى آفاق األدب الصوفى البديع الذى أثرى تراث اإلنسانية بدواوين شعرية، عربية وفارسية، منها: ديوان ابن الفارض، مثنوى جالل الدين الرومى، منطق الطير

لفريد الدين العطار.. وبنصوص نثرية ال تقل أهمية4 وروعة4 عن الشعر الصوفى، وإن كانت تقل� عنه.4 شهرة4 وتداوال

هجرية )بعد ثالثة أيام من٣٠٩ومن دون شك� فإن نهاية الحالج الدرامية، ومقتله الفظيع فى بغداد سنة الص3ل�ب والتقطيع( كان لهما أثر� بالغ� فى نفوس الصوفية المعاصرين له، مما أد3ى إلى حالةg عجيبة من4، كان فضيلة4 من فضائل الصمت الذى لف3 رجال التصوف فى ذاك الزمان، خاصة4 أن )الصمت( أصال

4 إال بأربع الصوفية األوائل، الذين اشتهرت� عندهم العبارة�، القاعدة�: ما صار األبدال� )الصوفية الكبار( أبداال، الصمت والجوع والسهر والخل�وة. gخصال

والالفت� للنظر، أن3 الحالج وإن� كان )المنتهى( الدرامى ألزمة البوح الصوفى بأسرار المشاهدات4 )المبتدى( فى ذلك المسار األسلوبى الذى أنتج بدائع األدب الصوفى، بعد حين. الروحية، إال أنه كان أيضا

ففى أشعار الحالج وكتاباته النثرية )خاصة4 كتابه الشهير الطواسين( يتجل3ى القلق� العميق من ضيقالمفردات اللغوية بالمعانى الواسعة الرحبة التى يود� التعبير عنها.

وهناك واقعة دالة على هذا األمر، بوضوح، هى أن الوزير »ابن حامد« الذى أشرف على محاكمة الحالج،:4 غاظه كالم ومفردات الحالج غير المعتادة، فابتدأ جلسة المحاكمة بأن احتد3 على الحالج وزعق فيه قائال

ويحك، لماذا تقول: »تبارك ذو النور الشعشعانى«؟! ما أحوجك إلى أدب.

غير أن الحالج كان قد ابتدأ خطوة4 جبارة4 على طريق التأسيس لألدب الصوفى، وإرساء معجم خاص4 إلى أصلها. وهى بالصوفية، حين قام بمحاولةg على ق�د�ر كبير من الجسارة، هى )تفجير اللغة( وصوال

�شرت قبل عشر سنين، أشرت� فيها إلى اآلتى : المحاولة التأسيسية التى أفردت� لها دراسة4 مطولة4 ن

كان المراد� من محاولة الحالج »تفجير اللغة« هو التخل�ص� التام� من أساليب الصياغة اللغوية الشائعة فىح� األلفاظ التى اهترأت� من كثرة التداول، والعودة إلى )الحرف( وإلى الصيغة القرآنية. وهو � زمانه، وط�ر

�ل3 فصلg من فصوله هو )طاسين( أى ما نراه فى كتابه »الطواسين« الذى جعله بهذا العنوان، ألن كالحرفان: الطاء، والسين!

4 فى الوقت ذاته 4 فى ذلك من الداللة الصوتية العميقة، الناشئة من اقتران الحرفين؛ وناسجا مستفيدا على منوال النصH األكثر قدسية4 فى اللغة العربية )القرآن( الذى بدأت فيه بعض السور، بحروفg مقط3عة

منها الطاء والسين.. وألف الم ميم.. وألف الم راء.. ونون !

Page 22: الرؤية الصوفية للعالم

4 العناوين الفرعية كالتالى: طاسين السراج، طاسين ثم راح الحالج� يحدHد السياق، باإلضافات، جاعال4 �عيد الحالج� بناء� الدالالت وفقا النقطة، طاسين الدائرة.. وفى الفصل المعنون )طاسين األزل وااللتباس( ي

�ق3 اسم 4 عن رؤيته الخاصة للشيطان، ما نص�ه: اشت Hرا للحروف، التى هى »اللغة متشظية4« فيقول معبHر اسمه إلى »عزازيل«، العين لعلق همته )بالله إبليس من رسمه )ألنه التبس عليه األمر فى األزل( فغ�ي فلم يسجد لغيره( والزاى الزدياد الزيادة فى زيادته )فيكون قد زاد عن كونه طاووس المالئكة، كونه لمتبته، والياء ليهوى إلى سهيقته، والالم لمجادلته �لفته، والزاى الثانية لزهده فى ر� يسجد لغيره( واأللف أل

Hته ! قال: أال تسجد يا أيها المهين؟ فى بلي

، والمحب� مهين، إنك تقول مهين وأنا قرأت� فى كتابg مبين، ما يجرى على3 يا ذا القوة قال : محب��عذبك عذاب اآلبدين! قال: المتين، كيف أذل له وقد خلقتنى من نار وخلقته من طين؟.. قال : فإنى أ

خلقتنى من النار، والنار ترجع إلى النار، ولك التقدير واالختيار.

وفى الفقرة السابقة، يظهر ألول مرة فى تاريخ األدب الصوفى، فيما أظن، ذلك الخطاب المسمى )الخطاب الفهوانى( الذى يتجل3ى به الله على قلب الصوفى فى أعلى مراحل المشاهدة، وهو الذى

Hف3رى، وفى »الغوثية«.. وفى غير ذلك من عرفناه فى »المواقف والمخاطبات« لمحمد بن عبد الجبار الننصوصg نثريةg عميقة الغور، كتبها الصوفية الذين جاءوا بعد الحالج.

ومن قبل الحالج، ومن بعده، كان الصوفية يلجأون إلى )الشعر( للتعبير عن أحوالهم ومشاهداتهم. وقد ابتدأ الشعر الصوفى، مثلما ابتدأ الشعر العربى ذاته، بأبياتg مفردة وقصائد� قصارg ال تتعدى فى غالب

األمر البيتين أو الثالثة أبيات.

وكان »الزير سالم« الذى جاء قبل اإلسالم ببضعة عقود من الزمان، قد عرف فى زمانه بلقب4 متعدHدة تضم�ها قصيدة� �ه�ل الشعر، أى جعله أبياتا خون : كان أول من ه�ل Hالمهلهل« ألنه حسبما قال المؤر«

واحدة!

4، هو مهلهل الشعر الصوفى.. فحتى زمن الحالج، 4 على ذلك، يمكننا القول إن »الحالج« كان أيضا وقياسا وبعده بقليل، ال نكاد نجد الشعر الصوفى إال فى أبيات ال تزيد على األربعة. وبينما جاءت أغلب األشعار

Hرة عن المواجيد واألشواق والحنين الروحى، وكأنها موقوفة� على غرضg شعرى� الصوفية، آنذاك، معب واحدg هو المحبة )آخر درجة من درجات العلم، وأول درجة من درجات المعرفة( فإن قصائد الحالج

4 صوفية عديدة، تنوعت ما بين أحوال المحبة، وتجليات الذات اإللهية، ومراحل الطريق اقتحمت آفاقاالعروجى، وطبيعة الصلة بين الله والعالم .

4، دور كبير فى تأسيس واحدg من أهم األشكال األدبية الصوفية، هو »المناجيات« كما كان للحالج، أيضا النثرية ذات اإليقاع الشعرى، التى تجل3ت من بعده فى أعمال� صوفيةg كبار من أمثال شيخ اإلشراق

شهاب الدين السهروردى، والشيخ األكبر محيى الدين بن عربى.. فمن مناجيات الحالج، قوله يوم مقتله:

و�اه�د�ك� نل�وذ� �ح�ن� بش� ن

ت�ضىء ��س �ك� ن ت �ا ع�ز3 ن وبس�

�ك� �ن أ �نا م�ا شئت� م�ن� ش� �د�ى ل �ب �ت ل

ك� ش� �ماء� ع�ر �ت� الذ�ى فى الس3 وأن

�ه م�اء� إل �ت� الذ�ى فى� الس3 �ن وأ

�ه .. وف�ى األرض� إل

اء �ش� �م�ا ت �ج�ل3ى ك ت

gسن� ص�ورة�ح� يئتك� كأ �ج�لHيك� فى� م�ش� �ل� ت م�ث

ة� والص�ور�

3اط�ق�ة� وح� الن هى� الر�

Page 23: الرؤية الصوفية للعالم

ة� ( والق�در� � )والبيان� �ه� بالعلم الذ�ى أف�رد�ت

�اد�ك� ب وه�ؤالء� ع�

�ك� 4 لدين �ع�ص�با �ل�ى ت �ق�ت �م�ع�وا ل ق�د� اج�ت

4 إليك� با �ق�ر� وت

! ��ه�م فاغ�فر� ل

ف�ت� ل�ى �ش� �ه�م� م�ا ك ف�ت� ل �ش� �و� ك فإنك� ل

لما ف�ع�ل�وا ما ف�عل�وا

��ه�م ترت� ع�ن �ى م�ا س� ت� ع�ن ��ر ت �و� س� ول

�ق�يت� �ق�يت� م�ا ل لما ل

�ف�ع�ل� �ر� فيما ت 3ق�دي ف�ل�ك� الت

�ريد� 3ق�د�ير� فيما ت ول�ك� الت

هروردى اإلشراقى، قوله فى مفتتح كتابه )هياكل النور(: ومن مناجيات الس�

�وم يا قي

Hدنا بالنور أي

Hتنا على النور وثب

نا إلى النور �ر واحش�

�بنا رضاك واجعل� منتهى مطال

وأقصى مقاصد�نا ما يعدنا ألن نلقاك

نا ظلمنا نفوس�

لست� على الفيض� بضنين

�رى الظلمات� بالباب� قيام� ينتظرون� الرحمة ا س�� أ

ويرجون الخير

، والشر� قضاؤ�ك �ك اللهم3 الخير� دأب

أنت بالمجد� السنىH مقتضى المكارم،

وأبناء� النواسيت� ليسوا بمراتب� االنتقام

ويدخل فى هذا الباب، ما نراه فى )الفتوحات المكية( لمحيى الدين بن عربى، حيث يقول:

�ن ه�و، �ك �م� ي �ه ل لو علمت

Page 24: الرؤية الصوفية للعالم

�م� تكن أنت: و�لو ج�هل�ك ل

فبعلمه أوجد�ك،

�ه! وبعجزك عبدت

. �ه�و�: ال ل�ك� فهو هو ل

�ه�! وأنت أنت : ألنت و�ل

فأنت مرتبط به،

ما هو مرتبط بك .

الدائرة� – مطلقة4 –

مرتبطة� بالنقطة .

النقطة� – مطلقة4-

ليست مرتبطة4 بالدائرة

نقطة� الدائرة مرتبطة� بالدائرة ..

■ ■ ■

ولم يقتصر األدب الصوفى على هذه )األشكال( التى أشرنا إليها، فإلى جانب النثر الصوفى البديع )الفهوانى( الذى نراه فى الطواسين، والمواقف والمخاطبات، والغوثية.. وإلى جانب الشعر الصوفى الذى تطور فى دواوين ابن الفارض وعفيف الدين التلمسانى وشعراء الصوفية الفرس.. وإلى جانب

المناجيات الحارة المبثوثة فى التراث الصوفى الممتد لمئات السنين، هناك شكل� أدبى مميز برع فيهالصوفية، هو الق�ص�ص الرمزى.

والمقصود بالق�ص�ص الصوفى الرمزى، هو تلك )الحكايات( البليغة التى أبدعها الصوفية الكبار، أو المتصوHفون الكبار، من أمثال ابن سينا فى )قصة حى� بن يقظان( وفى )قصة سالمان وأبسال( وفى

)رسالة العشق(.. والسهروردى اإلشراقى فى )قصة الغربة الغربية( وفى )صفير سيم�رغ( وفى )أصواتأجنحة جبرائيل(..

وفريد الدين العطار فى ملحمته الشعرية ذات الطابع القصصى )منطق الطير( وجالل الدين الرومى فى ديوانه الملىء بالقصص الصوفى الرمزى: المثنوى. وال تفوتنا هنا اإلشارة إلى لونg أدبى برع فيه

الصوفية، هو نصوص الحكمة الموجزة، ذات الوقع الخالب. وهو ما نراه فى الباب قبل األخير من( وفى كتاب ابن عطاء الله السكندرى، الشهير: الحكم العطائية.٥٥٩الفتوحات المكية )الباب رقم

وها هو المقال قد استوفى المساحة المسموح بها هنا، وها هى هذه السباعية قد انتهت.. ولكن يبقىأمر مهم، هو تقديم بعض النصوص )الفصوص( الصوفية، المنسية!

4، هو استعراض أجزاء فهل نخصص لذلك السباعية القادمة؟ أم نجعلها فى مسار آخر، أراه مهما4 ترجمته العربية، بعد طول انتظار؟.. �شرت مؤخرا )التلمود( الذى ن

سوف أنتظر آراء القراء على الموقع اإللكترونى للمصرى اليوم، ثم أشرع فى تقديم واحدة من هاتين السباعيتين: فصوص النصوص الصوفية.. قراءة فى التلمود اليهودى.