ابناء النور عبر العصور

369

Click here to load reader

Upload: guitarlover22

Post on 29-Jul-2015

961 views

Category:

Documents


133 download

TRANSCRIPT

Page 1: ابناء النور عبر العصور

العصور عبر النور ابناءأبنـاء النـور عبـر العصـور

إعـداد

 قسم البحوث الروحية في الضحى

إلى العالم النور جاء

فأحب الناس الظلمة أكثر من محبتهم للنور

(يوحنا )إنجيل

(40"... ومن لم يجعل الله له نورا7 فما له من نور" )النور

كـل الحقـوق

محفوظــةمحفوظة جميع حقوق الطباعة والنشر والتوزيع

أبناء النور عبر العصورإعداد قسم البحوث الروحية في الضحى

اإلخراج الفني وتصميم الغالف: شركة لوغوس ميديا

إهــداء

إلى كل الباحثين عن الحقيقة بسراج العقل بين صفحات كتاب الكون وما بين الكاف والنون. 

إلى ك%%ل المؤم%%نين الن%%اهلين من ين%%ابع العل%%وم الس%%بحانية النازل%%ة من فيوض%%ات المع%%ارف اإللهي%%ة والصحف، الروحانية والرساالت السماوية وقناديل النور المض%اءة ب%زيت تل%ك الش%جرة الالش%%رقية

والالغربية.

Page 2: ابناء النور عبر العصور

إلى أخوة اإليمان وأمة األخوان، أمة األمم وشعب الشعوب المنبثق من ك%ل الطوائ%ف والم%ذاهب واألديان، ذوي األلباب الحاضرة والوجوه الناضرة واألبعاد الصحيحة والعقول الرجيحة،

إلى الناظرين بعين العقل إلى حقيقة نعمة األديان التوحيدية الواحدة في مظاهرها المتعددة، 

إلى أه%%ل ال%%ذوق، النخب%%ة المتح%%ررة من التعص%%ب واإلنغالق والتقوق%%ع داخ%%ل أقفاص%%ل الم%%ذاهب  والطوائف واألدي%ان، نس%ور التحلي%ق في س%ماوات الس%مو، ونج%وم ال%بريق المض%يء في ظلم%ات

حضارة الملوثات المادية الخاوية من القيم والمثل الروحية.

إلى هؤالء األحباء نقدم ثمرة ما تجمع من مقاالت وبحوث فكرية وفلس%%فية من%%ذ أوائ%%ل التس%%عينات حيث انطلق قطار ضحى المعرفة، وأخذت تزداد حاوياته كل شهر بخزانة جديدة من نفائس الفك%%ر والفلسفة حتى بلغ محطة التاسعة والتسعين بمنظومة مترابطة من حلقات هذه السلسلة وحب%%ات

متأللئة من العقد المنتظم.

إلى هؤالء األحباء نقدم هذه الباقات من األزاهير الضحوية ال%تي قطفناه%ا من حديق%ة مجل%ة الفك%ر التوحيدي، فشكلت مزهرية تنعش النفس وتفرح القلب وتحمل العقل في رحلة رياض%%ية ال ب%%د وأن يجني من رياحينها وأزهارها وثمارها مواسم وغالل الفهم العميق للحقيقة والمعارف الدقيق%%ة ال%%تي تبدد األوهام وتميط اللثام وتدخل القارئ المتبصر الواعي المدقق المحقق إلى حديقة اإليق%%ان في مدينة كنوز نعمة األديان المضاءة بأنوار شمس األحدية في شعاب الدهور واألزمنة ومراحل التربيةi لعتمة ه%%ذا ال%%زمن ص%%نيعة اإلنس%%ان ال%%ذي i عبر األجيال ومضيئا الدينية لشعاع النور كي يبقى متصال

.i i جهوال حمل األمانة وكان ظلوما

قسم البحوث الروحية في لضحى

فهـرس

مبادىء التوحيدالتقمص

عصر إحقاق الحقمفرق خطير

التقمص نعمة المؤمنلماذا التقمص

باختصارالتقمص ويوم الحساب )أين العدل اإللهي؟(

التقمص في التوراةالتقمص في اإلنجيل

Page 3: ابناء النور عبر العصور

التقمص في القرآنالتقمص في الحكمة القديمة

التقمص في الفلسفة اليونانيةالتقمص في فلسفات الشرق األقصى

قانون الكارماالتقمص في علم النفس

مراحل النومعناصر الحلم الطفولي

رسائل الذاتكيف تؤثر األجيال السابقة في الجيل الحاضر؟

أشرطة تسجيل بلوكسهامالتقمص وتجارب عتبة الموت

خالصة القول 

قدم الكون:قصة الخلق

قصة الخلق كما في سفر التكوينقصة الخلق كما في اآليات القرآنية

المنظار التوحيديرؤية المالئكة

 توحيد ما قبل آدممن هم المالئكة؟

 البداية

مشاهد بعين مالك:تلة الصعودجبل المحنسر الوعي

على األرض 

ما قبل التاريخمشاهد من ذاكرة التوحيد )أتالنتيس(:

أتالنتيس )سبيل العلم إلى ما فقد(تجربة أتالنتيس

صراع الخير والشر وجدلية النور والظلمةسوء استخدام الطاقة والتنافس الجدلي

موقع أتالنتيس 

Page 4: ابناء النور عبر العصور

بداية التاريخدور آدم:

الرحلة اآلدميةالفئة األولىالفئة الثانيةالفئة الثالثة

 مصر القديمة

مشـــاهد من ذاكـــرة التوحيـــد )مـــدارس الحكمـــةالقديمة(:

عالم الروح سبق عالم المادةالوعي الكوني من منظور الحكمة القديمة

إخناتون ووحدانية اإلله آتونموقع إخناتون من موروث ما قبله وأديان ما بعده

الهرمسية هي أول الديانات الفاعلة في الفلسفات الديني%%ةاليونانية

الحكمة القديمة واالغتراب الصوفيعصفور الروح وقفص الجسدالشكل الكروي سيد الشكال

الشوق إلى الموت 

اليونانمشاهد من ذاكرة التوحيد )مدارس اليونان(:

فيثاغورسخصائص النفس عند الفيثاغوريين

طبقات البشر تحددها درجات معارفهم ونوعية مسالكهمهيراقليطس

سر الوحدة في الوجودالحركة والتغير )طبيعة تشمل الفكر(

الزماندور العقل في فلسفة هيرقليطس

أحداث من واقع التاريخسقراط )عالمة فارقة(

مذهب سقراط: الرضى والتسليم نهاية العلم والتعليمالنفس اإلنسانية عند سقراط

موقف سقراط من الديننظرته السياسيةمحاكمة سقراطالجن السقراطي

Page 5: ابناء النور عبر العصور

ما بعد موت سقراط )فلسفة التقمص والتوحيد(أفالطون

علومهأفالطون والمساواة

ثنائية النفس والجسد عند أفالطونالروح ومطلقية الخير والشر

أفالطون والتقمصأرسطوطاليس

أعمالة ومؤلفاتهأرسطو كعالم طبيعي

علم األحياءاإللهيات عند ارسطو

ارتباط األخالق بالعقلالصداقة )الفضيلة العليا(

منطلقات فلسفة المعرفة واتجاهاتهاكيف ميز الفالسفة بين اإلدراك واإلحساس؟

فلسفة ما وراء العقلالحس الباطن

الخيال والتخيلالعقل المجرد

جوهر المعرفة التوحيدية في مدارس اليونانعمر العالم

ظهور العالم 

العهد القديممشاهد من ذاكرة التوحيد )عصر اليهودية(:

إيل واألصل العربي لديانات الشرقعصمة األنبياء واالفتراءات التوراتية

الغنوصية واألسينيون )بنو إسرائيل الحقيقيون(جوهر الغنوصية

الوصول إلى الذاتالوصول إلىالذات بتحديد الهوية

المسلك الروحي لألسينيينمالك الحكمة )العقل الكلي(

النبي أيوب 

عصر السيد المسيحمشاهد من ذاكرة التوحيد في المسيحية:

الكاثار

Page 6: ابناء النور عبر العصور

لماذا يوجد الشر إذا كان الله كلي القدرة؟مونتسغر

أين ولد السيد المسيح؟ في الناصرة أم في بيت لحم؟هل تعتبر األناجيل تاريخية؟

عاصفة الجدل الالهوتيهل لإلبن بداية؟الروح والجسد

الهاوية الفاصلةإشكالية الفاصلةإشكالية آريوسهذا هو جسديالهاوية الفاصلةإشكالية آريوسهذا هو جسدي

الطريق إلى القداسةتجسد الله في اإلنسان

القديس الثالث عشرالجدل العقيم

مجمع نيقياالتوصية

لقد آتى إيليامن أخطأ؟

يموتون مرة واحدةالعدل اإللهي؟

مسيحية وتجلي الصورة األزليةالجحيم على األرض

تحول سحريأين هو الملكوت؟

الحكمة تقود إلى الملكوتالطريق إلى الحرية الحقيقية

ليأت ملكوتكمفاتيح الملكوت

العودة إلى البدايةالحاضر في كل مكان

 السابقون والعرفانيون والمتصوفونمشاهد من ذاكرة التوحيد )عصر اإلسالم(:

رسالة سلمان الفارسيسلمان: س.ل.م.ا.ن

Page 7: ابناء النور عبر العصور

حياة ومسافرة سلمان الخير إلى درجات التعليمسلمان الخير والمؤلفة قلوبهم

حكمة سلمان الخير ووعظه وتعاليمه التوحيديةحقيقة الصالة وأسرارها

اإلنسان يمنح الهوية إلى األرضالتوحيد )إسالم الزهد والتصوف(

التوحيد هو التصوف الحقيقيالتحام المصور بالصورة

التصوف كمسلكإبراهيم ابن أدهم )من أعالم المتصوفة األوائل(

رابعة العدوية )سيدة المتصوفات(الحالج

الموحدونالتوحيد:

صوت األكوار واألدوارالقوة الروحية في قلوب البشر

األقنعة المصطنعةالحكمة القديمة والعلم الحديث

العقل التوحيديالحكمة والحكماءالحضارة الواعية

 النهاية

المالك يغمض عينيه:النور، الحياة، المحبة

هل يستطيع الناس غفران الخطايا؟ولكن، احذروا نسبية الخير والشر

ما هي استراتيجية ضعفاء النفوس؟نسبية الخير والشر

العقل الكلي )العقل األخير( 

كلمة إفتتاحية

من مبادئ التوحيد

Page 8: ابناء النور عبر العصور

إلى توحيد المبادئ

ها نحن على مائدة الض%%حى التوحيدي%%ة نس%%تلهم مس%%ارها الفك%%ري، وق%%د رعاه%%ا بمب%%ادئ العقالني%%ة  التوحيدي%%ة، س%%ماحة الش%%يخ بهجت غيث، وأخوان%%ه الغواص%%ون في لجج المعرف%%ة وآف%%اق أعماقه%%ا، الموصلة إلى سدرة المنتهى وجن%%ة الم%%أوى. وال ب%%د للغ%%وص الف%%ارد من خل%%ع قميص األمس، كلم%%ا

انتقل إلى وجه الغد، وجه الرحمن / وجه اإلنسان.

في هذا العقد األخير من األلف الث%%اني، تف%%ردت مجل%%ة الض%%حى – خ%%ارج س%%رب المجالت والجرائ%%د اليومية – بطرق ما لم يطرق بعد، في عالم المعرفة الرفيع%%ة، ف%%انتظمت في أع%%دادها من%%ذ أوائ%%ل التسعينات بتقديم مقاالت فكرية وفلسفية متتالية كحبات العقد التي جمعها سلك ال%%وعي العقالني التاريخي لتسلسل مراحل فهم دروس التوحيد األزلية منذ فجر وجود البشرية )مش%%اهد تأخ%%ذنا منi أتالنتس ذاكرة التوحيد النسية إلى مصر الحكمة الهرمسية عبر مدارس اليون%%ان التوحيدي%%ة إنته%%اءا إلى رحلة األديان الس%%ماوية( ودون س%%ابق قص%%د وتص%%ميم لت%%أليف كت%%اب ت%%آلفت مق%%االت األبح%%اث الروحية والتحقيقات الفلس%%فية والفكري%%ة وحكت قص%%ة رحل%%ة ش%%عاع الن%%ور ع%%بر ظلم%%ات العص%%ور

i األقنعة عن حقيقتها الواحدة وتوحدت في هذا الكتاب الموحد لحقائق األديان المتعددة كاشفا

إنها رحل%ة توحيدي%ة، ب%ل مس%افرة عقلي%ة، تق%رع أب%واب الق%رن المقب%ل من األلفي%ة الثالث%ة: رحل%ةالتقمص، وال يغتسل أحد في نهر جوهره إال كقطرة وبلمح البصر

يطمح واضعو هذا الكتاب الروحاني، إلى تقديم مختصر رش%%يد، لعش%%ر س%%نوات من الجه%%د والك%%دحi، لعل أخوان الحق والوفاء يعاودون الهجرة الكبرى i يوما على طريق التفاكر والتذاكر المترفع، يوما

من ذات الهجود إلى ذات الوجود.

إنه شاهد المعاني الوثقى، ينطوي على كلمات لم تعد مألوف%%ة في المنعج%%ر السياس%%ي أو الثق%%افي لجماعات بشرية تآكلها ما كان باألمس قوتها وموتها! وه%ا هي مب%%ادئ التوحي%%د رحل%%ة معرفي%%ة، ب%%ل عرفانية، من نون الغنوص، ومن يونان ذي النون إلى حميم الحالج... إلى ك%ل موح%د مس%توحد في

آخر هذا العصر، في بحثه عن درة في لؤلؤ ذاته – بعد طرح صدفه على شاطئ التحوالت.

بقلم الدكتور خليل أحمد خليل

مبادئ التوحيد

التقمص

التقمص، العودة للتجسد، الوالدة ثانية، تعدد حيوات العقل، بقاء النفس، خلود الروح، العالقة بين العقل والروح، والروح والعقل، الجسد وتجاذبه بين النفس والروح والعقل، الجوهر، الشخصية، الذات. الجسد وتجاذبه بين النفس والروح والعقل، الجوهر، الشخصية، الذات. الجسد المتعدد

Page 9: ابناء النور عبر العصور

الخواص واألغراض، بحسب صفاء النفس التي تسكنه، والروح التي تحركه، األثير، عالم العقل، عالم النفس، عالم الكل في الكل، الجزء في الجزء، والكل في الجزء، مغناطيسية الكليات على

الجزئيات، ومحاور الحركة بالعقل المحرك، ألنه األلطف ومركز النظام اإللهي في الكون، والموجودات، والكائنات، األنا الفردية، األنا الجمعية، األنا الكلية، األنا األدنى وغريزة الموت في

األنا األعلى، الصيرورة، والسيرورة الوجود كخلق، والوجود كتحد للعدم، السر، السريرة، اإلسراء في جاذبية الوجودية نحو األنا في ال هو وتحقق التجلي عبر معراج القداسة في السلوك السامي

نحو األسمى وسماء الكل الذي هو قدر الكل معلم الكل بالعلم اللدني، المعية الكلية، الدائمة الفيض بغير واسطة وال انقطاع، على الوعي المحض، العقل السفلي، والنور األزلي، منار

السالكين، وصراط العارفين، عشاق األزل الذي مخروا بحر األمل بسفن العمل، معراجهم في جوهرهم وجوهرهم حب الهجرة من العالم المقصر في شوقهم للمأل األعلى، إلى عالم الحق والحقيقة، حيث الخير، وأهل الخير، الموحدون في محراب التحلي بالعقل الساطع، واإليمان

القاطع، في النفس الجوهرية، المتعلقة بعلتها ومعلها الله الحاكم فيها وبها وعليها بحكمته، أحكم في كل موجود علته فكان األصل في أصله والجوهر في شاكلته وشكله. فالله منه نقطة القلم

ومداد الكل في الكل على الكل حيث يحرك الكل بحكمته لتحقيق حقيقتهم بنعمة الحكمة العقالنيةمن باسمك اللهم سبحانك لك الحمد وليوليك نبراس سراج ذاتك جل ذكرك الشكر.

عصر إحقاق الحق:

فعلى مداد هذه الرحى الروحية، ذات الدورات الكونية، سنسرع إذا ش%%اء من ل%%ه المش%%يئة في%%ا في كينونتنا، وآيلتنا في تشريح، وتفسير، وتحقيق، وتعليق ما يتناول هذه الموض%%وعات، وم%%ا يتص%%ل به%%اi، اس%%طوريا، فروحي%%ا وبتط%%ور مفاهيمه%%ا ع%%بر المؤم%%نين به%%ا ويتعلق بمادته%%ا، تاريخي%%ا، ديني%%ا، علمي%%ا والمحايدين فالناق%%دين ح%%تى نعطي ال%%دارس موض%%وعا موض%%وعيا عن ك%%ل منه%%ا فال تبقى الحق%%ائق حبيسة العقول المغلقة، فمن ح%ق الح%ق أن يح%ق، وإال ص%ار وهم%ا. ومن واجب الحقيق%ة أن تجب وتصبح واجبة اإليجاب. وإال صارت ضالال، كذلك يجب أن تخضع كل معرفة لمحكمة العق%%ل، لت%%دافع دائما عن أزلية حقيقتها. لتكون بحق معرفة أزلي%%ة خال%%دة. فال تخرقه%%ا س%%هام الناق%%دين وال تمزقه%%ا اعتراضات المعارضين فمن ح%%ق اإلنس%%ان في ه%%ذا العص%%ر، أن يتص%%ل بالمعرف%%ة بش%%كل مس%%تقيم ويتناول العلم خالص%ا نقي%ا مباش%را، ك%الجوهر الخ%الص ال%ذي ال يمازج%ه الع%رض والم%اس ال%ذي ال يخالطه التراب. ألن حياة الفرد قصيرة وموجاته كثيرة وواجباته من كل صوب تدعوه إلى الس%%رعة والدقة والحكمة واإلحكام في كل ما يأتي%ه من ق%ول وعم%ل، ألن%ه أص%بح في مواجه%ة ع%الم الح%ق وعالم الصدق، بعد أن أنهكته الدهور، بعلوم يختلط الكثير من ظلها بالقلي%ل من ن%ور أص%لها فض%اع

الكثير من عمر البشرية سدى وضالال.

مفرق خطير:

ونحن اآلن على مفرق خطير، ال بد لنا من التقرير على صيرورة المصير فال تجرفنا اآلمال الفارغ%%ة وال تخيفنا المصاعب العارضة عن السلوك األقوم في صدق العزم والعزيمة. لنصل الماضي لمنير، بالمستقبل المشرق. فندفع ضريبة الوجود التصاعدي بالتضحية بكل ما هو أدنى في س%%بيل م%%ا ه%%و أسمى حتى نحقق اإلنسان في ذاتنا ونستشعر إنسانيتنا في كل م%%دركاتنا لكي نس%%تمر في الس%%مو والصعود إلى العالم األعلى الذي نحن أهل ل%%ه بم%%ا فط%%ر فين%%ا س%%بحانه من من%%اقب عالي%%ة وس%%جايا

Page 10: ابناء النور عبر العصور

دقيقة هي من قدس أق%داس ال%ذات في مث%االت الكم%االت. فاإلنس%ان العاق%ل محك%وم بالتس%امي والمعراج الدائم عبر محاسبة النفس، وتعقيل العقل، وتقليب القلب، وتجسيد الجسد فيم%%ا يرض%%ي األنا األعلى في ذاته الذي هو مستودع كل الفضائل وكنز ك%%ل المن%%اقب في ك%%ل خلج%%ة من روح%%ه، ونضبة من قلبه، ورعشة من جسده، صوت األعلى في األدنى وحكم األسمى باألسفل ص%%وت الل%%ه الخفي في لطيفنا. والميزان الذي يذكرنا دائما بنقصنا. كلما غلب علينا الجهل أو فرطنا في واجبن%%ا نحو مؤصلنا في األصل وجابلنا بجوهر العقل. ضمير الكون وضميرنا الشخصي الذي هو جذوة من%%ه

وسنا من برقه.

التقمص نعمة المؤمن:

اإلنسان المؤمن، يتقمص، يتجدد، يتعالى فيكون يومه خ%%يرا من أمس%%ه وغ%%ده خ%%يرا من يوم%%ه ألن%%ه يعيش المعراج السماوي، والصيرورة الدنيوية، والسيرورة نح%%و أه%%ل الح%%ق ال%%ذين يت%%وق ل%%رفقتهم،i ومعيتهم فهو في جهاد متواصل، وجد دائم في مجمع حيواته ليكون سابقا ال مسبوقا وأوال ال آخ%%را يحاسب نفسه على التقصير. ويصير ويصابر على كل جلل وعسير. حتى ينال أعلى المنازل ويث%%اب أفضل الثواب ويصير إلى أحسن مصير. في حياته كون مجتهدا فال يضيع عمره سدى بل يطلب كل كمال ويتكامل بالكمال االكمل في كل ح%%ق وخ%%ير وفض%%ل وفض%%يلة وفي ممات%%ه وبع%%د وفات%%ه ين%%الi متدرجا في الحقيق%%ة، دارج%%ا في الح%%ق ألن ص%%راطه المنزلة األسمى والدرجة األعلى فيكون دائما

الصدق مع خالقه وأهله واخوانه، ال تلهيه السفاسف، وال تخيفه الرواجف.

أما الجاحد المعاند المكابر الكافر فقد اسبتدل األنا باألناني%%ة. والغ%%يرة بالغيري%%ة. فه%%و حس%%ود ل%%دود يحب نفسه، يبغض غيره، يمنع خبره عن نفسه فكيف عن سواه. يتعالى على الن%%اس. ي%%رذل عقل%%ه ويدنس حواسه. الذكاء عنده مصلحة والدين في عرفه مص%%يدة. ال يض%%مر الخ%%ير لخالف%%ه. وال يبطن النصح إلخوانه، ولكن يتالشى في ذات نفسه، وفي ذات جنسه. كالثمرة العفن%%ة، ال%%تي تس%%قط من

أمها الشجرة. فهي تزداد فسادا على فساد. وعفنا على عفن. حتى تعود إلى ترابها.

i لكن%%ه جس%%د يغلب عرض%%ه ج%%وهر النفس، i جدي%%دا فالجاحد المعاند وإن كان بعد موته، يرتدي جسدا فينحدر بصاحبه من التعاسة، إلى التعس، ومن السقوط إلى ال%وكس، ألن%ه خ%رج عن م%داد أص%له،

وجعل هواه وحواسه دليله، بغير هدى عقله، فباع دينه بدنياه فكان وجوده سدى وبصره عمى.

.1997التقمص الكوني )الرحلة بين المبدأ والمعاد( راجع الضحى العدد الرابع والستون – حزيران

لماذا التقمص؟

تتفق معظم الديانات على أبدية ال%%روح. البعض يق%%ول أن ال%%روح تنتق%%ل بع%%د الم%%وت إلى الس%%ماء. والبعض اآلخر يعتقد أنها تحوم حول عرش الله في السموات أو تسكن في أعم%اق األرض. وهن%اكi من يعتقد أنها ال تغادر الجسد قط بل تبقى فيه إما في حالة من العذاب واأللم وإما في حال%%ة أيضا

من العذاب واأللم وإما في حالة من الراحة والنعيم.

i في الطم%%وح من قبلن%%ا إذا ق%%دمنا عقي%%دة التوحي%%د في م%%ا يختص ب%%الروح على  قد يبدو األمر زائ%%دا

Page 11: ابناء النور عبر العصور

طريقة تقديم نظرية علمية، ألن ذل%%ك يحت%%اج إلى تق%%ديم أدل%%ة حس%%ية ملموس%%ة عم%%ا ه%%و روحي أو أثيري. ولكن من الطبيعي أن يتعامل الموحدون مع واقع التقمص كواقع علمي مؤك%%د، ي%%رتقي إلى

قمة المنطق اإلنساني، الذي يعزو إليه العلماء أي تقدم علمي.

لسوء الحظ، ما زالت التكنولوجيا الحديثة عاجزة )لحد اآلن( عن رصد مسيرة الروح بع%%د الم%%وت. i عن إحياء الجسد بعد الموت وبع%%د مغ%%ادرة ال%%روح ل%%ه. وغ%%ني عن الق%%ول أن وال زالت عاجزة أيضا األثير، حتى بالنسبة إلى أتباع النظرية القائلة بالذرة، ما زال مادة مجهولة التكوين فما قولك بمادة

الروح.

باختصار:

إن في الحياة والموت لحقيقة قاطعة، ولكن ال يمكن فهم كنهها إال برجوع كل إلى منطقه.

إن من آمن بوجود نظام وقانون لهذا الكون، وأقر بوج%%ود الع%%دل اإللهي، فال ب%%د ل%%ه أن يتأم%%ل في منطق التقمص أو يعيره اهتمامه على األقل.

إن جميع األديان تؤمن بالعدل اإللهي المطلق. ح%%تى العلم%%اء يق%%رون بوج%%ود ن%%وع من العدال%%ة في  القوانين الفيزيائية الصرفة. هذا الع%%دل، إذا نظ%%ر إلي%%ه من المنظ%%ار البش%%ري، ي%%وحي ب%%أن الل%%ه، أو مكون هذا الكون، ق%%د وهب اإلنس%%ان المس%%اواة في الف%%رص والحري%%ة في التص%%رف للوص%%ول إلى

الهدف الذي قد يختار.

في منطق العقل، الفرص واألهداف التي نتكلم عنها ال تكون إال بالمعرفة، والمعرف%%ة في المع%%نى  التوحيدي ال تعني المعرفة ال%%تي نجنيه%%ا من التعلم والخ%%برة في األم%%ور الحياتي%%ة، ب%%ل هي ن%%وع من الوعي الروحي لماهية الله والتي ال تتحقق إال عبر اإليم%%ان باألبدي%%ة. واألبدي%%ة في فلس%%فة التوحي%%د تجسد طبيعة ال% لوغوس أي العقل الكلي )العقل األرف%%ع( ال%%ذي يبقى م%%ع الوحداني%%ة وال يتغ%%ير م%%ع

 تغيرات المادة والفكر. ولذلك قيل المعرفة من ذاتك لذاتك ال سماع وال حفظ.

ومع ذلك، وحتى بالنسبة للذين يعتقدون أن المعرفة هي مجرد اكتساب علمي وخبراتي ويعت%%برون أن الفرص تتمحور حول الثروة المادية والصحة والوظيفة والسلطة والش%%هرة وب%%اقي المكتس%%بات

الدنيوية، فإن حقيقة التقمص ما زالت الدليل األكثر عقالنية للعدالة اإللهية.

هذه الحقيقة التوحيدية مبنية على أسس بديهة ال تقبل الجدل:

i بال% النفس اإلنسانية العاقلة ال تستطيع التعبير عن وجوده%%ا  -1 تلك التي يشار إليها فلسفيا من دون آلتها، الجسد. من دون الجسد تفقد نفس اإلنسان هويتها. فال يمكن أن يتصور العقل هوية شيء ال يمتلك صورة تعبر عن وجوده، فح%%تى األث%%ير ل%%ه ص%%ورة تم%%يزه منi أثيري%%ا عن%%د الم%%وت، فم%%ا يم%%يز إذا األشياء األخ%%رى. ف%%إذا قلن%%ا إن النفس تلبس جس%%دا النفس عن األث%%ير؟ ببس%%اطة، إن النفس لم توج%%د لتتالش%%ى كه%%واء لطي%%ف. فمقتض%%ىi وج%%د ليبقى. فمن i إلهيا i، بل قانونا i عابرا i ال يمكن أن يكون شيئا وجودها في الجسد أصال غير المنطقي تجاهل هذا الق%%انون في مفاهيمن%%ا للحي%%اة ومراح%%ل تج%%ددها بع%%د الم%%وت

Page 12: ابناء النور عبر العصور

وقوانين الثواب والعقاب والجنة والنار والعدل اإللهي...

من الب%%ديهي أن النف%%وس تختل%%ف عن بعض%%ها في طبائعه%%ا كم%%ا يختل%%ف األش%%خاص في  -2 مظاهرهم، وهذا االستنتاج هو أبسط ما يمكن استخالصه عبر تجربتنا الحسية، فال يك%%اد يلتقي اثنان على شيء حتى يختلفا على شيء آخر. لتحقيق الهوية الفردية، ينبغي علىi م%%ا في الزم%%ان i أو بتعب%%ير آخ%%ر، ينبغي أن تمأل فراغ%%ا i مادي%%ا ك%%ل نفس أن تمتل%%ك ش%%كال والمكان. من دون وج%%ود كه%%ذا تخس%%ر النفس كينونته%%ا وبالت%%الي فردانيته%%ا ودوره%%ا في

الزمان والمكان.

إن المعرف%%ة من أي ن%%وع ك%%انت ال تتم أو تحص%%ل من دون ج%%ود في الع%%الم الم%%ادي.  -3 المعرفة ال يمكن أن تكون حول ال شيء. حتى األثير )وه%و أق%رب م%%ا يمكن تص%%وره إذا أردنا تصور ال% ال شيء( يبقى ش%%يئا يمكن تمي%%يزه من ب%%اقي األش%%ياء. إذا فال% "معرف%%ة" تستوجب وجود "عارف" و "معروف". فبدون وجود الروح في آلة تسمح له%%ا أن تخت%%بر هاتي الحالتين )أي أن تكون لنفسها في موقف العارف ولغيرها في موقف المعروف(،

تصبح الروح غير معنية بشيء اسمه معرفة.

قد تختبر الروح "المعرفة" في حالة وعي مختلفة عن اليقظة، وبتعبير آخر، باستطاعة المرء ت%%ذكر طفولته عبر حلم أو محاولة معرفة مستقبلية عبر رؤية، ولكن معرفة كهذه ال يمكن أن تفهم إذ لم

في ع%%الم يؤم%%%ن ل%%ه0ترتبط بنفس الحالم ك% "إنسان" أو ك% "فرد" موجود في الزم%%ان والمك%%ان i منه ومن حياته. استمرارية م%ا تسمح لهذا الحلم أو الرؤية بأن يكون جزءا

من دون وجودها في قالب مادي، ال يمكن للنفس أن تختبر أي معرفة للخ%%ير أو الش%%ر.  -4 فأي معرفة للخير أو الشر. ف%%أي معرف%%ة كه%%ذه تتطلب اس%%تمرارية في الع%%الم الم%%ادي تؤمن للعقل فرصة التمييز والمقارنة بين األشياء والتجارب الحسية الستخالص مفه%%ومi عن تص%وراته لوج%وده i مس%تقال معقد كمفهوم الخ%ير أو الش%ر. فال يتص%ور العق%ل ش%را

الجسدي في الزمان والمكان أو ألحداث مرتبطة بهذا الوجود.

النفس إذا م%%ا انع%%دم وجوده%%ا في ع%%الم ي%%ؤمن له%%ا اس%%تمرارية ال يمكن الحكم عليه%%ا،  -5i على نت%%ف عش%%وائية من المعرف%%ة وبعب%%ارة أخ%%رى، ال يمكن الحكم على أح%%د اعتم%%اداi إال في ع%%الم حيث ثم%%ة اختبرها في عوالم أثيرية. فأي ن%%وع من الحكم ال يك%%ون مالئم%%اi ألي ف%%رد وال يحق%%ق ل%%ه قصة في حالة تطور. وأكثر من ذلك، ال يع%%ني ذاك الحكم ش%%يئا

i إال إذا جاء نتيجة قصة يعرفها ويشارك في صنعها. شيئا

وبالتالي فإن الهوي%%ة الروحي%%ة، والتعب%%ير والحكم من أي ن%%وع يعتم%%د على حض%%ور النفس في ع%%الم االستمرارية. فقد عبر عالم كهذا تستطيع النفس اختب%%ار فردانيته%%ا، وتحص%%ل المعرف%%ة ويحكم على

أعمالها.

في بعض الحاالت تتحقق امكاني%%ة ت%%رقي النفس إلى مع%%ارج من ال%%وعي بحيث تخل%%ع عنه%%ا أث%%واب  الجهل وتتخلص من كثافة األفكار واألحاسيس المظلمة، وقد تختبر النفس لحظات من النقاء حيث

Page 13: ابناء النور عبر العصور

تفقد إدراكه%%ا للحض%%ور الزمك%%اني وتس%%بح في ع%%الم األحدي%%ة المطل%%ق، عالمه%%ا األص%%لي )أي ع%%الم الخلود(، ومع ذلك، ليس ثمة مفر من وعيها لثنائية الطبيعة البش%رية، وه%و ال%وعي ال%ذي يم%يز بين البشر واإلله )أي بين القديم والح%%ديث وبين الص%%انع والص%%نعة(. ومهم%%ا توص%%لت النفس في قربه%%ا لتحقيق الوحدة مع الذات، فإنها تظل تحافظ على كينونتها ودورها في الزم%%ان والمك%%ان كي تظ%%لi، وه%%ذا أبس%%ط ح%%ق يمنح%%ه الل%%ه لإلنس%%ان وه%%و الح%%ق ب%%الوجود i واعية لذاتها، وإال لم تعد نفس%%ا أبدا

واالستمرارية.

لذا فإن حقيقة التقمص مبنية على واق%%ع ارتب%%اط اللطي%%ف ب%%الكثيف )وك%%ل من%%ا يمل%%ك األدل%%ة على  صحته( وهو أن الروح والجسد ال غنى ألحدهما عن اآلخر. فجسد بال روح جسد ميت وروح بال جسدi من المعرفة إال هي ال شيء. فبما أن وجود النفس أزلي وبما أن هذه األزلية ال تتحقق وتكون جزءاi عن%%د الم%%وت i جدي%%دا من خالل آلة التعبير عن الوجود )الجسد(، فال بد من أن تتقمص الروح جس%%دا

وتتخذ آلة جديدة بعد تعذر االستمرار في اآللة القديمة لسبب أو آلخر.

فلسفة التوحيد هي كالنور، بسيطة ولكن غالبة. لو شاء الله تعالى، لخل%%ق اإلنس%%ان روح%%ا مج%%ردة،i بف%راغ i غريزي%ا خالدة تعيش في عالم خيالي خال من المادة واألبعاد أو خلقه جث%ة تعم%ل ميكانيكي%اi في جسد، وأراده أن يعيش في مثل عالمنا ويكتس%%ب العلم والمعرف%%ة من روحي. لكنه خلقه روحاi في آن خالله فال بد من وجود حكمة ما وراء مشيئته، وال بد أن ثنائية اإلنسان )أي كونه مادة وروحاi( تخدم الهدف اإللهي األسمى من هذا الخلق وه%%و المعرف%%ة. وب%%ذلك نط%%ق الكت%%اب وم%%ا خلقن%%ا معا

الجن واإلنس إال ليعبدون )أي ليعرفون(

ولكن، إذا كانت هذه الثنائية تخدم الهدف األسمى أال وهو معرفة الله من خالل معرفة النفس، ب%%ل والحساب على أساس ه%ذه المعرف%ة، كم%ا ه%و الح%ال في معظم ال%ديانات الس%ماوية، فال ب%د من

التساؤل:

هل أن خبرة حياة واحدة كالتي نحياها كافية لمثل هذه المعرفة؟

قد ال يكفينا مجلد إذا أردنا تعداد االختالف في الفرص الممنوحة للعالم على اختالف وتنوع ح%%االتهمi. وهن%%اك م يمض%%ي حيات%%ه في i مع%%دما i. فهناك من يولد فاحش الثراء وآخر فق%%يرا مجموعات وأفرادا ه%%دوء وطمأنين%%ة في أح%%د معاب%%د الهن%%د وغ%%يره يعيش حي%%اة عش%%وائية فوض%%وية في نيوي%%ورك مثال. وغيرهما من يفتح عينيه على الش%هرة والنجومي%ة وآخ%رون على ال%ذل والعبودي%ة. وهن%اك من يفتح عينيه فال يرى قط ألنه ولد أعمى وغيره يولدون أصحاء. وهناك من يموت قب%%ل والدت%%ه وهن%%اك من يعمر ليرى أحفاده يكبرون. وهناك من يموت ميتة طبيعية وغيره يموت بفاجعة وغير ذلك من تعدد

مظاهر االختالف والتنوع في الجماعات واألفراد.

لو أن اإلنسان يستطيع أن يزعم أنه راض عما قدمته له الحياة من فرص أو تقدمه، لما كنا بحاج%%ة إلى الفلسفة والدين وباألخص إلى عقي%%دة تث%%ير الج%%دل كعقي%%دة التقمص. وح%%تى ول%%و وج%%د دين أو فلسفة، لما نظر إليها اإلنسان بأكثر من نظرته إلى القص%%ص والرواي%%ات ال%%تي تغص به%%ا المكتب%%ات

ولكان المعلمون الروحيون والحكماء والفقهاء واألنبياء واألئمة مجرد شخصيات روائية.

Page 14: ابناء النور عبر العصور

i عن الفرص التي تقدمها الحياة له؟ هل أن كل فرد راض تماما

 

i i عن ص%حة الع%دل اإللهي وأن%ه لم يطلب يوم%ا ال أحد يستطيع أن يزعم أنه لم يتس%اءل يوم%اi بحقه في هذه الحياة، مرة واحدة في حياته على األقل. ويأتي فوق كل ذل%%ك، i لما يراه إجحافا سببا اإلحساس بالذنب والخوف الذي تعاني منه بسيكولوجية الف%%رد فيم%%ا يتعل%%ق بالجن%%ة والن%%ار واللعن%%ة األبدية وما شابه مما يطرح سلس%%لة من التس%%اؤالت ال%%تي ال يمكن اإلجاب%%ة عنه%%ا بغ%%ير ثب%%ات واق%%ع

i ألي مقياس تحاكم روح طفل رضيع بعد موته؟ ه%%ل ك%%انت ل%%ه أي فرص%%ة في الحي%%اة التقمص. تبعاi كي تحاكم روحه على أساسه؟ i كان أم طالحا على اإلطالق؟ هل قام بأي عمل صالحا

إن عقل اإلنس%%ان ه%%و أهم ميزات%%ه، كم%%ا أن%%ه )أي العق%%ل( غ%%اني دون أي ش%%ك، أي أن جمي%%ع عملياته وحركته موجهة نحو غاية ما. فهو في كثير من األحيان يطرح أسئلة تبدو اإلجابة عنها ف%%وق طاقته. فأرسطوطاليس )وهو واض%%ع أس%%س المنط%%ق( يع%%ترف به%%ذه الم%%يزة ويعزوه%%ا إلى ش%%غفi اإلنسان بالمعرفة. هذا الشغف المتمثل بطبيعة الفكر ال يمكن إلغاؤه. وكذلك ال يمكن اإلجابة فورا عن سؤال مثل: "لماذا ولدت أعمى؟" أو "ما هو السبب األسمى للوجود البشري؟" على اإلنس%%ان أن يمر بع%%دة اختب%%ارات في الحي%%اة قب%%ل أن يخلص إلى نتيج%%ة مقبول%%ة لإلجاب%%ة عن ه%%ذه األس%%ئلة.i على عقب فت%%أتي إليهم بالمعرف%%ة i أولئك الذين تصادفهم تج%%ارب تقلب حي%%اتهم رأس%%ا وقليلون جدا المفاجئة التي يسميها أرسطو "اإلشراق الفكري". حتى الكبار في السن ال%%ذين يعت%%برون أنفس%%همi لتلك األسئلة ال%%تي حملوه%%ا معهم من%%ذ i ما يجدون جوابا ممن اكتسبوا من خبرة الحياة زبدتها، نادرا صباهم، لكنهم مع ذلك، وحتى النفس األخير، يظلون ي%%أملون أنهم ق%%د يحص%%لون على ج%%واب قب%%ل

موتهم.

لو نظرنا إلى الحياة البشرية من منظار مادي صرف للخص%%ناها بك%%ون اإلنس%%ان يول%%د، يحي%%ا،i أن هنالك حلقة مفقودة. فالرواي%%ة يموت، أما لو نظرنا من المنظار النفسي )العقلي( لوجدنا دائما العقلية التي تلون بصبغتها تجارب اإلنس%ان الحياتي%%ة وال%ذاكرة ال%تي تبقى عن%%د انته%اء الحي%%اة تب%%دوi على حافة الموت يتساءل: "ما معنى ه%%ذه وكأنها قطعت فجأة قبل الوصول إلى نهايتها. فتجد كهالi بك%%ل تل%%ك i بج%%واب؟ م%%ا ه%%و مص%%ير ذل%%ك الص%%وت ال%%ذي ك%%ان ي%%وحي دائم%%ا الحياة التي وعدتنا يوما األسئلة؟" تخيل انقطاع التيار الكهربائي في صالة السينما والفيلم ما زال في نصفه ثم تخي%%ل عقالi واألمني%%ات توقف عن العمل أي لم يعد له وجود قبل أن يصل إلى إجاب%%ة عن أك%ثر األس%%ئلة إلحاح%اi. إذا كان باستطاعة مخرجي هوليوود ومنتجيها أن ي%%أتوا بفيلم لم%%دة س%%اعتين يجيب عن كاف%%ة وحياi ال يج%%ول في األسئلة التي تدور في ذهن المشاهد يدعك تخرج من صالة السينما وأنت راض تماما ذهنك أي تساؤل أو معارضة لمنطق أحداث الفيلم أفال يستطيع الله أن يأتي بمث%%ل ه%%ذه التجرب%%ة؟i ل%%و فع%%ل؟ ه%%ل من هل يستطيع أحد أن يخرجك من الصالة قبل انتهاء العرض؟ أيك%%ون ذل%%ك ع%%دال الع%%دل أن يأخ%%ذ الل%%ه روح%%ا إلى المحاكم%%ة األبدي%%ة قب%%ل أن ي%%تيح له%%ا إتم%%ام تجاربه%%ا ومعرف%%ة ك%%ل

اإلجابات؟ أيجوز أن نتهم الله بالال عدل ألنه منحنا حرية اختيار ما نؤمن به؟

i أن نلوم الله ألنه خلق اإلنسان وبه تلك النزعة نح%%و المعرف%%ة. ومن الس%%هل من السهل جدا أن نلومه ألنه جعل لإلنس%%ان عقال ال يك%%ف عن ط%%رح األس%%ئلة. بعض الن%%اس يلوم%%ون الل%%ه ألن%%ه لم

Page 15: ابناء النور عبر العصور

يمنحهم حري%ة كافي%ة تجعلهم يثق%ون بمنطقهم الخ%اص في الحي%اة ولوض%عهم تحت وط%أة مف%اهيم وتقاليد وعادات وممارسات ال يمكن تجاوزها. وحين تطرح لهم أجوبة تحت%%اج إلى قلي%%ل من التأم%%لi بحجة أنه%%ا بعي%%دة عن الم%%ألوف ومث%%يرة للج%%دل فال i قاطعا وحرية الفكر من قبلهم يرفضونها رفضاi بأن من دون مثل هذا الجدل الذي يرتفع ف%%وق العص%%بية العقائدي%%ة ال يمكن أن تكون صحيحة، علما

دور للعقل على اإلطالق.د

i، وهو سبب أسباب كل األسئلة واألجوبة التي تراود العقل فلماذا يك%%ون إذا كان الله سرمدياهناك حدود للمعرفة العقالنية؟

إن المعرف%%ة، أك%%انت رؤي%%ة ص%%وفية، أو تجرب%%ة حس%%ية، أم ذك%%رى لتجرب%%ة قديم%%ة ب%%المعنى األفالطوني تعتمد على وجود الروح في عالم يمنحها صورة مادي%%ة مح%%ددة تس%%تطيع من خالله%%ا أنi أخ%%رى مماثل%%ة لكي تخت%%بر وتخت%%بر. تعبر عن وجودها وعن جوهرها وتشارك في هذا التعبير أرواح%%اi النخراطها في هذه التجارب المشتركة – فكيف للروح أن تقوم بأعمال جيدة فالروح تحاسب نظرا

أو سيئة فتحاسب عليها إذا ما كانت وحيدة في عالم االختبار والتجربة؟

حتى اآلن، ما من عالم ثبت وجوده يؤمن للروح ما تقدم خال عالمنا هذا.

استطاع اإلنسان أن يعبر الغيوم إلى السماء في الص%%واريخ والمركب%%ات الفض%%ائية ولكن%%ه لمi يعثر على الجنة. كما أن العلماء يؤكدون أن اإلنسان، من دون آلة الحواس، أي الجس%%د، ه%%و طبق%%ا ألبسط القوانين الفيزيائية، غير موجود. فإذا كانت الروح خالدة، وإذا كانت غير ق%%ادرة على التعب%%ير عن وجودها وحتى خلودها من غير جسد، لماذا إذا يعمد اإلنسان إلى تخيل الروح هائمة في س%%ماءi i قاطع%%ا i رفض%%ا غير منظورة كالجنة )بالمفهوم التقليدي( أو تائه%%ة في جهنم م%%ا تحت األرض رافض%%ا إمكانية تقمص الروح في جسد آخر إلغناء خبرتها، والتي هي إمكاني%%ة غاي%%ة في المنط%%ق ال تح%%اكي العواطف الدينية وليس%ت بعقي%%دة ب%%المفهوم التقلي%%دي ب%%ل رك%يزة منطقي%%ة؟ أليس%ت الرؤي%%ة ال%تي تجسدها فكرة التقمص عن مصي%ر الروح بع%%د الم%%وت مطابق%%ة لتل%%ك ال%%تي تمل%%ك البش%%رية األدل%%ةi عن تص%%ورها القاطع%ة له%%ا؟ أوليس من المنطقي أن نتص%%ور ال%%روح على األرض في جس%%د عوض%%ا

وهما تهيم بواسطة جسد أثيري ال يوجد أدلة ما على إمكانية وجوده؟

)التقمص ويوم الحساب( أين العدل اإللهي؟

تؤمن معظم األديان بيوم القيامة أو ساعة الحساب ولكن:       

ما مدى مصداقية هذا الحساب في حياة تبدو فيها الفرص المتفاوتة غير المتكافئ%%ة أبع%%د م%%ا       يكون عن العدل حتى أن أي عابر سبيل أمي أصبحت له فلسفته الخاصة عن الموضوع؟

لماذا ينتظر الله من خادمة وضيعة أن تكون فاضلة شريفة ومحبة تماما كسيدها ومخدومها؟       

كيف يمكن أن تكون هناك ك%%ل ه%%ذه الفروق%%ات بين البش%%ر على األرض، ويك%%ون العق%%اب أو       الثواب هو نفسه للجميع؟

Page 16: ابناء النور عبر العصور

ثم كيف يكافأ أو يعاقب من م%%ات من%%ذ آالف الس%%نين كم%%ا يكاف%%أ أو يع%%اقب من ه%%و حي ولم       i؟ يستكمل أعماله بعد ويعتبر الحكم عادال

باإلضافة إلى ذلك:       

هل معاقبة من قت%%ل الرس%%ل واألنبي%%اء في عه%ود خلت هي نفس%ها كمعاقب%%ة من ق%د ي%%رتكب        جريمة قتل اليوم؟ فإن كان الله، في ميزان حسابه، يأخذ بكل تلك االعتبارات، كي%%ف يمكن لل%%روح التي لم تعش حيوات كافية لتختبر كل هذه االعتب%%ارات أن تعي كن%%ه ه%ذا الحس%اب؟ ثم أين الع%دل

في محاسبة من ال يعي ماهية ما يحاسب عليه؟

i، تعتبر نفسها الوحيدة الناجي%%ة، فم%%ا يك%%ون إذا        إن كل الديانات السماوية، بل والمذاهب أيضا مصير الشعوب التي لم تصلها تع%اليم تل%ك ال%ديانات أو الم%ذاهب؟ ه%ل أنهم ك%انوا مخط%ئين ألنهم

عاشوا في أماكن مجهولة أو في أوقات سبقت مجيء الرسل؟

وما هو مصير من سوف يولد بعد ساعة الحساب؟ هل هناك حساب مهي%أ خصيصا ل%%ه؟ ه%%ل       i عن يوم واحد؟ أم أن العالم سوف ينتهي فور أن ينف%خ في البوق؟ هناك أيام قيامة عوضا

i، يبقى السؤال الذي ال بد أن يطرح:        وأخيرا

هل يمكن أن تحاسب الروح من غير جسد؟       

هل يمكن ألح%د أن يتخي%ل الث%واب أو العق%اب من دون اللج%وء إلى م%ا يتص%وره من تج%ارب       وأعمال خيرة أم شريرة اكتسبها عبر الحواس الجسمية؟

إن تصورنا للعقاب أو الثواب ن%%اتج عن خبراتن%%ا الجس%%دية في األلم والل%%ذة. فكي%%ف يمكن أن        نخاف من نار جهنم أو نحلم بثمار الجنة لو لم يكن لنا علم ب%%األلم ال%%ذي تس%%ببه الن%%ار أو الل%%ذة في

طعم الثمر؟

 وكيف كان لنا أن نعلم بذلك دون حواسنا؟

كيف يمكن للروح في جسد أثيري أن تختبر ألم الن%%ار؟ ه%%ل أن الن%%ار ت%%ؤثر في األث%%ير أو فيكائن أكثر لطافة كالجسد األثيري أو الروح؟

فلماذا إذا نفضل العبور إلى ما وراء العقل والمنطق إلثبات ما قد يزيد من حيرتنا في الحياة ونرفض منطق التقمص الذي يرتكز على إثبات%ات ملموس%ة؟ ه%ل أن األنبي%اء والرس%ل أرادوا إبع%ادi كالفريسيين والصدوقيين وغيرهم من أصحاب األهواء ح%%ذفوا من اإلنسان عن المنطق أم أن أناسا

الكتب المقدسة أهم عقائدها لئال يجد القطيع الضال طريقه إلى الله؟

التقمص في التوراة:

Page 17: ابناء النور عبر العصور

لقد ورد في التوراة العديد من اآليات التي تثبت حقيقة التقمص تلميحا، نذكر منه%%ا م%%ا قال%%ه       النبي سليمان الحكيم في سفر الجامعة بالنص:

"دور يمضي ودور يجيء واألرض قائمة إلى األبد. والشمس تشرق والشمس تغرب وتس%%رع        إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الش%%مال ت%%ذهب دائ%%رة دوران%%ا وإلى مداراتها ترجع الريح. كل األنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بمآلن. إلى المكان ال%%ذي ج%%رت من%%ه

األنهار إلى هناك تذهب راجعة.

... ال أحد يستطيع أن يقول إن العين لم تر كفايتها، أو أن األذن لم تس%%مع كفايته%%ا. م%%ا ك%%ان        فهو يكون والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد. إن وجد شيء يق%%ال عن%%ه انظ%%ر.

هذا جديد. فهو من زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا".

وهذا القول هو تأكيد واض%%ح على أن ك%%ل ش%%يء يتب%%ع نظ%%ام ال%%دائرة، والحي%%اة والم%%وت غ%%ير       مستثنيين.

و "األشياء" التي عنتها التوراة هنا، ليست فقط األشياء المادية واألعراض التي تفنى وت%%زول        وتتزايد وتتناقص إنما عنت الجواهر االزلية الخالدة ومنه%%ا النف%%وس ال%%تي تتقمص األجس%%ام، ال ي%%زاد

عليها وال ينقص منها فجوهر التقمص إذا منصوص عليه في التوراة.

التقمص في اإلنجيل:

جاء اإلنجيل المقدس ليتكلم عن التقمص بمحكم األمثال:

(:36 – 31 قال القديس متى في اإلصحاح الثاني والعشرين )اآلية        

"وأما من جهة قيام األموات أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل،       

أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء فلما سمع الجموع       بهتوا من تعليمه )أي تعليم السيد المسيح(".

"الحق أقول لكم أنه لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحن%%ا المعم%%دان... وإذا أردتم أن       (.11تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. من له أذنان للسمع فليسمع". )متى

"وسأله التالميذ قائلين: "لماذا تقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أوال". وأقول لكم أن إيلي%%ا       i مزم%%ع أن يت%%ألم منهم. قد جاء ولكنهم لم يعرفوه بل صنعوا به كل ما أرادوا. هكذا ابن البشر أيض%%ا

(.17حينئذ فهم التالميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان". )متى

يفهم من ذلك بوضوح أن الظهور النبوي بقميص إيليا كان قب%%ل ظه%%وره بقميص يوحن%%ا بنح%%و        سنة.800

Page 18: ابناء النور عبر العصور

قال يسوع لنيقوديموس:       

"الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل األوالد فلن تدخلوا ملكوت السموات".       

"كيف يمكن اإلنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أم%ه ثاني%ة ويول%د؟ أج%اب       يسوع وقال:"

(.3 الحق أقول لك إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا. ولستم تقبلون شهادتنا". )يوحنا        

i بع%%د        أقول لكم يا أحبائي، ال تخافوا الذين يقتل%%ون الجس%%د ثم ال يس%%تطيعون أن يفعل%%وا ش%%يئا ذلك. ولكنني سأبين لكم من تخافون. خافوا من له قدرة بعد القتل على أن يلقي في جهنم. أقول لكم: نعم، هذا خافوه. أما يباع خمس%ة عص%%افير بفلس%ين، فم%ا منه%ا واح%د ينس%اه الل%%ه. ب%%ل ش%%عر

i". )لوقا (.12رؤوسهم نفسه معدود. ال تخافوا، إنكم أثمن من العصافير جميعا

i لما فعلته خالل حياة واحدة في جسد واح%%د دون أن تتقمص        إذا كان الله يحاسب الروح تبعا بأجساد أخرى، فكيف يمكن للبعض أن يحصل على القوة للتصرف في الروح وإلقائه%%ا في الجحيم

بعد الموت؟

يستخلص الكاتب األلماني الشهير "جون فان هلسنغ" في كتاب حديث ل%%ه، أن الس%%بب وراء        افتقاد اإلنجيل اليوم لنصوص واضحة تؤكد نظرية التقمص، أو الحياة ما بعد الموت، يعود إلى قرار

وفي أي%%ام اإلم%%براطور الروم%%اني جوس%%تنيانس553المجمع الديني الثاني في القس%%طنطينية ع%%ام األول بحذف صفحات عديدة من اإلنجيل تتضمن أقوال للسيد المسيح يؤك%%د فيه%%ا حقيق%%ة التقمص واختفت م%%ذاك تل%%ك الص%%فحات المهم%%ة من اإلنجي%%ل ورغم ذل%%ك بقيت معظم اإلش%%ارات والرم%%وز والتنويه%%ات ال%%تي تش%%ير بوض%%وح للتقمص مض%%منة في معظم اآلي%%ات واإلص%%حاحات في الكت%%اب

المقدس بعهديه القديم والحديث.

التقمص في القرآن:

i فأحياكم. ثم يميتكم. ثم يحييكم. ثم إليه ترجعون". )البقرة        "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا28.)

i بعد خلق". )الزمر         (.6 "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا

"ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن ه%%ذا لس%%حر م%%بين". )ه%%ود       7.)

والمعروف أن السحر هو ما اتهم ب%%ه المؤمن%%ون واألنبي%%اء وغ%%يرهم كاألس%%ينيين والمس%%يحيين        الغنوصيين وبعض الصوفيين كالحالج وغيره. ولم يتهم أحد ممن يؤمن بأن الروح تصعد إلى السماء

بعد الموت بالسحر والشعوذة.

Page 19: ابناء النور عبر العصور

(.56 "ثم بعثناكم بعد موتكم لعلكم تشكرون". )البقرة        

"يخ%%%رج الحي من الميت، ويخ%%%رج الميت من الحين ويحي األرض بع%%%د موته%%%ا، وك%%%ذلك       (.19تخرجون". )الروم

التقمص في الحكمة القديمة:

i غير غيبة النفس عن الجسد لتعود        توضح الحكمة القديمة "إن الموت الطبيعي ليس هو شيئا في شكل آخر. وأن اإلنسان الحكيم العالم هو حكيم عالم عند حضوره وهو حكيم عالم عند مغيب%%ه لن ينتقل عن حكمته وعلمه أينما توجه وأينما سلك فكل طبع ينجذب إلى طبعه باإلب%%داع والتماث%%ل،

كما أن الشيء ال يلد ويثمر إال نوعه وشكله".

تؤكد الحكمة القديمة ارتباط الفكر بالمادة، فالقانون الذي يحكم الكون والبيئة والمجتمع هو        نفسه الذي يحكم الخافية )الالش%%عور( ل%%دى الف%%رد. وإذا ك%%انت واعيتن%%ا )الش%%عور( تخض%%ع لض%%وابط

الزمان والمكان المحدودين فإن خافيتنا تخضع لقانون الحياة الالمتناهي.

النفس اإلنسانية متكاملة في جوهرها – هي اللحمة التي تجمع خيوط نس%يج حياك%ة الجس%د.        هي القوة الموحدة لألعضاء الجسدية والوظائف الشعورية والمعنوي%%ة. إنه%%ا وح%%دة إنس%%انية تت%%درج ضمن نطاقات ثالثة متصلة غير منفصلة، هي "األنا والذات والكيان" وتنضوي هذه النطاقات الثالث%ة تحت كلمة "االسمية" وذلك ألن الكيان هو الحقيقة الموحدة لوظ%%ائف النفس وأن س%%وء الفهم ه%%و الذي يشتت انتباهنا إلى وجود نطاقات ثالثة منفصلة، يع%%ني تجزئ%%ة اإلنس%%ان إلى أقس%%ام متعارض%%ة ومتناقضة يستحيل التوفي%%ق أو الت%%أليف والتوحي%%د بينه%%ا. والحقيق%%ة هي أن ه%%ذه النطاق%%ات ليس%%ت أقساما بل دوائر ووظائف تتكامل انطالقا من األنا، إلى الذات إلى الكيان. والحق يقال أن اإلنسان

وجود متكامل يتفاعل على صعيد األنا والذات، ويتوحد على صعيد الكيان.

تؤكد الحكمة القديم%%ة على تكام%%ل النفس اإلنس%%انية فتش%%ير إلى أن ه%%ذه النفس، إذا انتهت       في بلوغها، ذلك الحد تجمعت منتثراتها، واتحدت متفرقاتها وتآلفت قواها، وعزم إدراكها.

األنا، في صميمها، وجود قلق منفعل، يحمل في ثناياه العقل، والنفس، والشعور، والخافي%%ة،        والوعي والالوعي. هو وجود ال يدرك ذات%%ه بذات%%ه. وعلى ال%%رغم من أن األن%%ا ال تعي ذاته%%ا، إنم%%ا هي مهيأة ومزودة بطاقة الفهم واإلدراك وهذا يعني أنها تشتمل على النفس والعقل، ل%%ذا تس%%عى األن%%ا

إلى فهم ذاتها.

الذات هي األنا وقد بدأت تفهم ذاتها بفعل الوعي الكامن فيها، والمدعو خطأ بالالوعي. وفي        بدء فهم األنا لذاتها، تنقسم إلى قسمين: الش%%عور والالش%%عور )الخافي%%ة( وفي ه%%ذا الس%%ياق، يش%%ير الالش%%عور إلى ماض%%ي الحي%%اة المدون%%ة في ذات اإلنس%%ان. ففي الالش%%عور )الخافي%%ة(، يكمن ت%%اريخ حيوات الفرد السابقة، وما يحمله من ذاكرات وذكريات تل%%ك الحي%%وات والمعلوم%%ات المنطبع%%ة في عمقه الالشعوري. باإلضافة إلى ما يحمله من الالش%%عور ال%ذي يتمث%%ل في ذكري%%ات طفولت%%ه، ون%%وع التربية التي نشأ عليها، والمبادئ التي تلقاها والمفاهيم والقيم اإليجابية والسلبية التي غرس%%ت في

Page 20: ابناء النور عبر العصور

داخله...

والشعور هو حاضر الفرد، لما هو عليه اآلن، هو حصيلة الماضي والحاضر. فالحاضر جزئي%ات        زمنية تنزلق نحو الماضي مليارات المرات في الثانية، في الوقت ال%%ذي تنحص%%ر في%%ه ال%%ذاكرة، ه%%و تقدمي إلى المستقبل، وهو ما أزرعه في حديقة حياتي المقبلة. ينشأ في الذات ص%%راع أو تع%%ارضi بين الشعور والالشعور. وعلى الرغم من هذا النزاع المحتم%%ل بينهم%%ا، نج%%د اإلنس%%ان مهي%%أ وم%%زودا

بطاقة الوعي.

i على إقام%%ة الت%%وازن بين        ينتهي هذا النزاع إلى كيان في اللحظ%%ة ال%%تي يك%%ون ال%%وعي ق%%ادرا الشعور والالشعور في تحقيق الكيان وفي تجاوز األنا. هكذا يتدرج الوعي اإلنساني في مراحل األنا التي تعمل على فهم ذاتها وتجاوز ذاتها بفعل طاقة داخلية واعية تبلغ مس%%توى الت%%وازن في ال%%ذات

بين الشعور والالشعور لتتوطد في كيان راسخ، متكامل تتحد فيه وظائف النفس كلها.

التكامل في الشخصية اإلنسانية يرد إلى وعي األن%%ا، وإذا م%%ا تعمقن%%ا في تس%%اؤلنا في س%%بيل        إدراك وتبصر أعمق لحقيقة وعي األنا، علينا معرفة مسار التطور الذي يس%%اعدنا على تط%%وير األن%%ا واالنعت%%اق من قيوده%%ا. فاألن%%ا هي التط%%ور الم%%تراكم ع%%بر آالف آالف الس%%نين، ب%%ل ماليين الس%%نين والمرك%ز في كينون%ة الك%ائن اإلنس%اني. األن%ا هي الترك%يز المتن%امي للحي%اة ع%بر العص%ور المدي%دة المقاسة بتراكم الزمن عبر العص%ور وال%دهور. وفي ه%ذه األن%ا ي%تركز ت%اريخ الوج%ود على مس%توى كوكب األرض وال يذهلنا ما يخبرنا به علماء البيولوجيا بأن الخلي%%ة تحم%%ل، في قس%%م من أقس%%امها، ذاك%رة بيولوجي%ة دون فيه%ا س%جل ت%اريخ الحي%اة على األرض، فاألن%ا تت%ذكر، على نح%و ال ش%عوري،

الماضي الحياتي كله، األمر الذي يجعلها مشروطة، أي محددة ومعنية بهذا الماضي.

إن التطور يمتنع بغير استبطان فالتطور هو تفتح وظه%%ور لش%%يء س%%ابق الوج%%ود، إذ من أين        يتم تطور الذي لم يكن موجودا في األصل وكيف يوجد فيما بعد. وكل إنسان يدرك األشياء حس%%ب

منظاره وبمقتضى انفتاح حقل رؤيته وجالء بصيرته.

وعندما تعمل األنا على فهم ذاتها، تبدأ في إحساس بالش%%عور أو ال%%وعي وعندئ%%ذ تتم%%يز األن%%ا       بالالشعور وهي تتذكر ماضي الحياة البعيد، وتتميز بالشعور وهي تعالج الحاضر.

ترشدنا الحكمة القديمة إلى اكتشاف طبيعة األنا المنغلقة "الخافية" بالعقل المميز ال%%ذي إذا        أراد إدراك شيء ما أفرده مما سواه، وانتزعه مم%%ا قارن%%ه، ثم أدرك%%ه إدراك%%ا ف%%اردا بذات%%ه الف%%اردة القادرة، ألنه كما أن الحس ال يدرك شيئا فاردا، فكذلك العقل ال يدرك شيئا مركبا كثيفا، وال يعلم%%ه علما يقينا عقليا دون أن يفرد معانيه ويميزها وين%%تزع ك%%ل جنس منه%%ا فيجعل%%ه ف%%اردا بذات%%ه لي%%درك معانيه كلها لدى االنفراد بحقيقتها. فإذا كانت األنا متحققة من ماهية لطافتها عبر حيواتها الس%%ابقة، دونما تدركه ب%%الحواس الخمس، فق%%د ت%%وجهت إلى طري%%ق النج%%اة، وإن ك%%انت لم تحق%%ق ش%%يئا من األشياء إال ما تش%%اهده ببص%%ر الجس%%د وس%%معه وذوق%%ه وش%%مه ولمس%%ه، فهي موقوف%%ة على طري%%ق

العطب ومقاساة العذاب بالغرق في كثائف المركبات.

عندما نشاهد هذه اللوحة اإلنسانية الممتدة من األنا المغلقة على ذاتها إلى الكيان المت%%وازن       

Page 21: ابناء النور عبر العصور

المنفتح، نلمح االشراطات الكثيرة التي تقيد اإلنسان. ونستنتج أن اإلنس%%ان يع%%اني من قل%%ق داخلي مرده إلى عدم فهم حقيقته، وذلك نتاج عوائق شخصية – فردية داخلية بق%%در م%%ا هي نت%%اج عوائ%%ق اجتماعية خارجية منحرفة االنعكاس، من غطاء كثيف للظروف المادية وغياب للمعرف%%ة الحقيقي%%ة، وتحجر ألوهام الفكر التي أضحت أصناما من حجارة. وتعد هذه المعاناة قلقا داخليا مالزم%%ا لطبيع%%ة

الصراع الناشئ في األنا، لرغبتها في التحرر من اإلسقاطات الفكرية.

في هذه الحالة تكون األنا منفعلة، وبالتالي قلقة.       

ولقد عبر بعض الحكماء عن ه%ذا اإلحس%اس باالحب%اط أو ب%االغتراب أو االس%تالب. فاإلنس%ان        مغترب عن نفسه منفع%%ل في واقع%%ه ازاء الوج%%ود وإزاء ذات%%ه. فه%%و يعتق%%د بأن%%ه "أن%%ا منقذف%%ة" في العالم، غريبة عن الحقيقة، ال يدري كنهها أو جوهره%%ا. وه%%و يبحث عنه%%ا في اش%%راطاته، فال يج%%دها وذلك ألنه متمرد، منفعل ورافض وال يتم الولوج إلى محراب الحقيقة إال بالوعي ال%%ذي يم%%يز عم%%ق

األنا لينقذها ويحررها من ظلمة اشراطاتها، وظروفها وإحباطاتها وقيودها.

إذن، فاإلنسان يبحث عن حقيقته، فيعجز عن إيجاد هذه الحقيقة في األنا. وما الموقف الذي        يتخذه اإلنسان إزاء هذا العجز إال موقف يشير إلى ضياع الكي%%ان اإلنس%%اني في متاه%%ات األن%%ا، فه%%و بقدر ما يرفض أناه يضيع في أناه، ويصبح عرضة لقلق أو توتر داخلي يقض%%ي ب%%دوره على تماس%%ك كيانه ووحدة جوهره. وال غرو، أن تحقيق الكي%%ان اإلنس%%اني يتطلب جه%%دا لل%%وعي يت%%درج من إدراك االشتراطات، واالنتقال عروجا إلى ال%%ذات ال%%تي تنقس%%م إلى ش%%عور وال ش%%عور، وإلى النفس ال%%تي تشير إلى توازن الشعور والالشعور، وإلى الكيان لذي يشتمل على وح%%دة الوج%%ود اإلنس%%اني هك%%ذا نستنتج أن القلق نتاج انقسام اإلنسان على ذاته ضمن عملي%ة جه%ل، وم%تى أدرك اإلنس%ان حقيق%ة

وحدته، توقف انقسامه، وهدأ معه قلقه.

كيف يسمو اإلنسان باألنا، مصدر القلق والشقاء إلى الكيان، مصدر الغبطة والسعادة؟       

ال يستطيع اإلنسان اإلفالت من إشراطات األنا إال بطريقتين:

ال يكمل اإلنسان حقيقة وجوده األرضي إال بعلمه وإدراكه بأن تحقيق الوج%%ود يتم من  أوًال7:خالل ما هو عليه.

ال يسمو اإلنسان في س%%لم حقيقت%%ه إال بتع%ديل دائم لألن%%ا. ففي ه%ذا التع%ديل يص%%عد  ثانيا7: درجات كماله، فينتقل من األنا إلى الذات إلى النفس، إلى الكيان، إلى الروح. وال يتم هذا االنتقال أو التحول بالتغيير الذي يتخيله، وذلك ألن المرء ال يغير نفسه، بل يعدلها. وأن مثل هذا التعديل بدوره ال يتحق%ق إال بت%وفر الحق%ائق ال%تي تس%اعد اإلنس%ان علىi ال يمكن أن يؤمن بأهمية م%%ا i تلقائيا فهم قوانين الحياة، فمن ال يؤمن بخلود الروح مثالi. فبنور قوانين الحياة ينير اإلنسان سبيله وهو يجت%%از جس%%ر يصدر عن عالم الروح أصال حياته المرتبط في نهاية بال نهايتين: ال نهاية قدم منها وأقبل عن طريقه%%ا إلى الوج%%ود األرضي، وال نهاية يرنو إليها وهو يتجه إليها وفق حكمة الوجود وجدير ب%%ه، وه%%و يجت%%از

جسر وجوده، أن يعلم بأنه ال نهائي حتى في منزله لزومه النهاية.

Page 22: ابناء النور عبر العصور

التقمص في الفلسفة اليونانية:

من أهم قوانين الحياة التي عالجتها الفلسفة هي مس%%ألة خل%%ود النفس ومص%%يرها بع%%د فن%%اء        الجسد وتحلل%ه. الفلس%فة اليوناني%ة تن%اولت موض%وع النفس اإلنس%انية، ودرس%تها بطريق%ة مفص%لة وواضحة وعرفتها بتعريفات عدة. ففيثاغوراس مثال، ذلك الفيلس%%وف الرياض%%ي لم يحص%%ر اهتمام%%ه وعبقريته بعلم األرقام واألعداد بل اهتم بدراسة النفس. فالفيثاغورية ت%%ؤمن بخل%%ود النفس وت%%واتر األرواح إذ تقول إن اإلنسان عندما يموت تنتقل روحه إلى جسم آخر؛ إذ ال%%روح أو النفس خال%%دة الi للم%رة الخامس%ة )في ال%دور اآلدمي( تفني بفناء الجسد حيث يروى إن فيث%اغوراس ك%ان متجس%دا وأنه يذكر حيواته السابقة. وفي هذا الموضوع نجد أن أفالط%%ون في محاورات%%ه يرك%%ز على التقمص كقانون، فكما تتبع اللذة األلم واليقظة النوم وكذلك الحياة يتبعها الموت أو الميالد الذي هو الع%%ودة

الجديدة لدور الحياة المتجددة.

فإن التأرجح المتناغم للروح ما بين الموت والحياة هو النغم%%ة الكوني%%ة من%%ذ الب%%دء. وه%%ذا م%%ا        علمه أفالطون عندما قال في مثاليته الروحية بأن التقمص ليس مسألة اختيار في االعتق%%اد وليس عرضة للسفسطة والجدل إنما هو حقيق%ة الحق%ائق، وم%%ا على الم%رء إال أن ي%%درك ه%ذه الض%%رورة الوجودية وينسجم م%%ع تناغمه%%ا الك%%وني أو ل%%ه الحري%%ة في رفض%%ها والبحث في غي%%اهب التس%%اؤالت

واألوهام.

التقمص في فلسفات الشرق األقصى:

كذلك نجد في الفلسفات الصينية والهندية من ينادي بخلود النفس بع%%د فن%%اء الجس%%د وبعثه%%ا       من جديد في حياة أخرى وجسد آخر.

يقول بوذا بخلود النفس وبعقيدة التناس%%خ أو الع%%ودة للحي%%اة انطالق%%ا من إيمان%%ه بالس%%ببية أو        عقيدة "الكارما" التي تؤكد أن لكل شيء علة ولكل علة نتيج%%ة فهي تتع%%دى الخب%%ير والعدال%%ة أنه%%اi نتيجة عمله، فالمرء إذا مقيد في سلسلة حلقات من التوالد التكرر، يولد تجعل الفرد وحده متحمال هنا وبعد أن يموت يولد هناك. كالثمرة التي تؤكل وتزرع بذرتها لتثم%%ر من جدي%%د. ق%%ال "سامس%%ار" )أو التقمص( هو عملية سير أبدي ل%%دوالب الوج%%ودات للش%%خص الواح%%د ولم%%ا ك%%ان عم%%ر اإلنس%%ان

i كان ال بد أن تنتقل النفس من بدن إلى آخر وفي كل بدن تكتسب معلومات جديدة. قصيرا

– تش%%رين ث%%اني81 مقتبس%%ات من خل%%ود النفس وحقيق%%ة التقمص – راج%%ع الض%%حى الع%%دد        1998.

قانون الكارما:

ترتبط الظروف و "البيئ%ة" الحياتي%ة ال%تي يم%ر به%ا اإلنس%ان في تجس%ده الح%الي بوش%ائج ال        ، ف%الميول والن%%وازع واألعم%ال ال%تي يتبناه%ا Karma تنفصم عراها بنتائج أعماله في الحياة السابقة

i فيها، وحتى أنها تح%%دد المي%%ول في تجسده السابق ترسم تفاصيل الحياة والبيئة التي سيولد مجددا الفطرية للجسد الجديد وقدراته وإمكانياته والمحيط الذي يسهل، أو يعرقل، حصوله على المعرفة

Page 23: ابناء النور عبر العصور

والقدرة على تحقيق الذات واستكمال ما عجز عن إتمامه في قميصه الس%%ابق، فالجس%%د ه%%و بيئ%%ة الروح والنفس، كما العائلة والمنزل هما بيئة الجس%%د، وحص%%يلة األعم%%ال والمي%%ول هي ال%%تي تح%%دد البيئة الجديدة لتقمص الروح وذلك لحكمة إلهية في استخالص العبر واالتعاظ، وإصالح مسار الروح والتكفير عن سوء أعمالها وتصرفها وللتعويض عن تقص%%يرها في إدراك المع%%ارف اإللهي%%ة والتوج%%ه الصادق نحو الخ%%الق بنق%%اء النفس وص%%فاء الس%%ريرة. إن المم%%يزات الرئيس%%ية لشخص%%يتنا في ك%%لi لتغير البيئة والظرف، والطبع والميل، لكن الجوهر الداخلي للذات العلي%%ا تقمص تتبدل وتتغير وفقاi ال يتغ%%ير ويتغ%%ذى بك%%ل التج%%ارب واالختب%%ارات الروحي%%ة في النفس أو ال%%روح البش%%رية يبقى ثابت%%ا والجسدية عبر تعاقب الحيوات وتبدلها. إن الذات العليا هي شرارة إلهية ونواة روحية لك%%ل تجس%%د إنساني، في حين تعتبر الذات الدنيا بمثابة ظهورات متعاقبة متغيرة للذات العليا في وع%%اء الم%%ادة حيث تكسبها الغنى الروحي والتطور والتناغم عبر إدراكها لحكمة التج%%ارب والمحن. ه%%ذا ه%%و أح%%د المبادئ الروحية الرئيس%%ية للتقمص، إن ج%%وهر التجرب%%ة ومغازيه%%ا واأله%%داف الس%%امية ال%%تي تكمن وراءها تترسخ في الذات العليا في سياق تطورها ورقيها في معارج السمو، لذا إن ما يدوم وينتقل عبر كل التقمصات هو خالصة القيم والمبادئ الروحية والجوهر األخالقي الذي هو غذاء الروح ع%%بر ك%%ل األجي%%ال، في مس%%يرتها من حي%%اة إلى أخ%%رى لتس%%مو في م%%دارج التس%%امي وديموم%%ة االختي%%ار وسيرورة ال%%ترقي الس%%تكمال س%%عادتها األزلي%%ة الخال%%دة ع%%بر رحلته%%ا الالمتناهي%%ة في تب%%دالت ثوبه%%ا التجسدي، وذلك بتسديد ديون الكارم%%ا والغف%%ران والتطه%%ر بالمعان%%اة واآلالم والمكاب%%دة ودف%%ع ثمن نتائج األعمال المعجلة، عبر الحياة الواحدة، والمؤجلة عبر تعاقب الحيوات. وكلم%%ا ع%%رف اإلنس%%ان ذنوبه ونتائج أعماله، وتقبل عقابه بصبر ورضى وتعقل، س%%دد دين%%ه وتخلص من أثام%%ه بس%%رعة دون

اعتراض وبمنتهى الرضى والتسليم ألن ذلك مقتضى العدل اإللهي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه:       

هل يستطيع اإلنسان أن يعرف ما اقترفت ي%%داه وم%%ا اج%%ترح من أعم%%ال س%%يئة أو خ%%يرة في       حياته السابقة؟

ال يستطيع اإلنسان تذكر حياته السابقة إال في بعض حاالت النطق ال%تي يت%ذكر فيه%ا الطف%ل        بعض الذكريات البارزة من تجس%%ده الس%%ابق، والنس%%يان ه%%و نعم%%ة إلهي%%ة للنفس كي ال تنفط%%ر من وطأة اآلالم والمعاناة التي اختبرتها في الحي%%اة الس%%ابقة، لكن بعض الت%%أملين ال%%ذين س%%بروا أغ%%وار

ذواتهم الستخراج دررها المكنونة استطاعوا أن يتعرفوا على بعض اختبارات تجسدهم السابق.

حين يريد التلميذ اس%%تظهار قص%%يدة من غي%%اهب ذاكرت%%ه، م%%ا على األس%%تاذ س%%وى أن ي%%ذكره       i من ذاك%%رة حافظت%%ه، وك%%ذلك األم%%ر إذا بالكلم%%ة أو الجمل%%ة األولى، وبقي%%ة القص%%يدة تت%%دفق تلقائي%%ا استطاع المتأمل التقاط لمحات من حياته السابقة في تأمله العميق في ذاته العليا، فإنها ق%%د تفتح له صفحات من التجارب واالختبارات يستخلص منها العبر وتجلو له أس%%باب معان%%اة حيات%%ه الحالي%%ة. والتقنية هذه تبدأ بالتركيز على مشكلة نعتقد أنها وليدة أعمال سابقة وجذورها ضاربة في تفاص%%يل التجسد السابق، وتلك المشكلة تكون بمثابة خيط دليل يش%دنا ع%بر أنف%اق ال%وعي المتع%اقب نح%و

مخزون الالوعي الروحي.

إن صفاء الروح المتأملة يتخطى أبواب الحواس الخمس ليسمو لم%%ا وراء حجبه%%ا المس%%دولة       

Page 24: ابناء النور عبر العصور

لترك%%يز األن%%وار وتس%%ليطها على م%%رآة ال%%ذات والنظ%%ر بعين العق%%ل، في اس%%تغراق ت%%أملي بج%%وهر المشكلة التي ينبئنا حدسنا بأنها نتيجة تجارب سابقة دون الوقوف على تفاص%%يلها أو الحكم عليه%%ا،i لحياتن%%ا الحاض%%رة لجعلن%%ا أك%%ثر نكون قد اتخذنا مفاهيم الكارما غذاء لل%%روح وعظ%%ة للنفس ودرس%%ا

.i i للواقع الذي نصنعه ونلوم اآلخرين غالبا رضى وتقبال

إذا استمر التأمل على هذا المنوال ما بين اليقظة والنوم، تل%%ك الف%%ترة ال%%تي يعتبره%%ا البعض       i لإللهام والعبقرية، دون أن نبذل أي جهد تظهر لمحات أو ومض%%ات من الص%%ور على شاش%%ة مصدرا الوعي، وهنا يجب عدم التوقف عند هذه الصور أو إجهاد أنفسنا في استنباط معانيها وذلك لنجعله%ا تبرز بعفوية. إن المهارة في تطبيق هذا المنحى التأملي تق%%ع في اس%%تنباط معانيه%%ا وذل%%ك لنجعله%%ا تبرز بعفوية. إن المهارة في تطبيق ه%%ذا المنحى الت%%أملي تق%%ع في التق%%اط االنطباع%%ات واللوح%%ات البصرية التي تتوفر لن%%ا حين يع%%بر العق%%ل من حال%%ة وعي إلى أخ%%رى، وحين يتم%%ازج مس%%تويان من

وم%%ا دون Cconsciousnessال%%وعي نك%%ون ق%%د وص%%لنا إلى نقط%%ة التق%%اء م%%ا بين ال%%وعي الموض%%عي ، إن االنطباع%%%%ات العفوي%%%%ة هي األك%%%%ثر قيم%%%%ة ألنه%%%%ا تنب%%%%ع منsubconsciousness ال%%%%وعي وتطفو على سطح "ما دون الوعي"، في حين أن االنطباعات التي توجه unconsciousness الالوعي

.consciousness وتخضع لإلرادة تنبع من الوعي الموضعي

بصبر ومتابعة يكتسب المتأمل مهارة في استخالص تلك االنطباعات حين تفتح أبواب الوعي        وتهب نسميات صورية وشعورية من ب%%اب إلى آخ%ر لتحم%ل معه%ا "أج%واء" من المش%اعر وخالص%ة التجارب السابقة، تتحقق البراعة في االنزالق بسهولة وسالسة، بعين البصيرة، من حالة وعي إلى أخرى. إنها محاولة تأرجح توازني بين جناحي ال%وعي، لل%دخول في مخ%زون الالوعي، وكلم%ا ك%انت الذكريات قريبة من السطح كان ظهوره%%ا أس%%رع وأوض%%ح. إن تك%%رار العملي%%ة ه%%ذه يظه%%ر لمح%%ات صورية قد نستطيع تركيب لوحة تذكرية منها. وهنا حين تظهر ذكرى تقمص%%ية س%%ابقة فإنه%%ا تع%%رف من العاطفة التي تصحبها. إذا ما بين اليقظة والنوم، نستطيع مش%%اهدة انطباع%%ات بص%%رية متتالي%%ة على شاش%%ة ال%%وعي تس%%بح أحيان%%ا أم%%ام أعينن%%ا المغمض%%ة مش%%حونة بأحاس%%يس وعواط%%ف الحي%%اةi في تل%%ك الحي%%اة ص%%حبتها مش%%اعر جياش%%ة و السابقة!! وكلما كانت الصور أكثر دراماتيكي%%ة وت%%أثيرا "أجواء" عاطفية، وقد ال تتعدى كونها لمحة عابرة أو ومضة بص%%رية خاطف%%ة لغرف%%ة أو قري%%ة عش%%ناi أو مدرسة جلسنا على مقاعدها في "جيلنا" الماضي، وتثبت تلك العاطفة الجياشة حقيقة فيها يوما التجربة، وعلينا في تلك اللحظة أن نركز على هذه المقتطفات البص%رية ح%تى ال ت%ذوي في طي%اتi، ل%%ذلك i. قد تكون هذه العواطف سارة لكنها قد تكون مؤلمة أو حزينة أيضا الالوعي ونفقدها مجددا يقتضي الحذر حين تنفتح مغالق ما دون الوعي ومنافذ العقل الباطن )الالوعي( ليتدفق ن%%زر يس%%يرi إلحداث يقظة مشاعر وتفكير وندم في ما اقترفت i ما يكون كافيا من المخزون الروحي الذي غالبا النفس عبر تجسداتها، وفي دين "الكرما" الذي يتوجب على اإلنس%%ان أن يس%%دده ليتحق%%ق الق%%انون اإللهي العادل، فإن صعوبة زماننا هي نتيجة لسوء أفعالنا فال بد من تحم%%ل تبع%%ات األعم%%ال، وال ب%%د في المقابل من أن تسنح الف%%رص للتكف%%ير عنه%%ا في حياتن%%ا الحاض%%رة وال ب%%د من االس%%تفادة وأخ%%ذ

العبرة وتالفي األخطاء وبالتالي عدم الوقوع تحت أعباء ديون جديدة.

إن هذه المقتطفات تكون بمثابة روابط مغنطيسية تجذبنا إلى اختبارات حياتنا الس%%ابقة، وإذا        زود الوعي بالمالمح الصورية الكافية باس%%تخدامه تل%%ك اللمح%%ات والومض%%ات اآلنف%%ة ال%%ذكر إلظه%%ار حقيقة تلك االنطباعات والتأثيرات العاطفي%ة، فمن المحتم%ل م%ع دراس%تنا البيئ%ة والمحي%ط الل%ذين

Page 25: ابناء النور عبر العصور

ترسمهما لنا تلك اللمح%%ات أن نتع%%رف على مك%%ان وزم%%ان تجس%%دنا الس%%ابق في تأملن%%ا لمجموع%%ة الذكريات والعواطف المصاحبة، لعلنا ندرك سبب تقص%%يرنا وس%%وء أعمالن%%ا ال%%تي انعكس%%ت نتائجه%%اi أو شقاء أو معاناة وحرمانا، فتلك األعمال كما ذكرنا هي التي ترس%%م لن%%ا مك%%ان والدتن%%ا علينا عذابا الجديدة والبيئة والجسد والعائلة والوضع االجتماعي وحتى الظروف التي تسهل أو تعرقل معرفتن%%ا لحقيقة الوجود وإدراك جوهر الذات والحكمة اإللهية. فأعمالنا الس%%ابقة تح%%دد توجهاتن%%ا ومش%%اعرنا وأحاسيسنا في كل لحظة نعيشها في الحاضر ومن لطف الله بن%%ا أنن%%ا ال نت%%ذكر بالتفص%%يل أس%%باب هذه المشاعر واألحاسيس فقط نعي بعض الشيء من المنطق الذي يحركه%%ا. قل%%ة قليل%%ة كاألنبي%%اء

والرسل المقربين لديهم القدرة على تحمل هول الذاكرة الكونية.

لقد عرف بوذا مثال عدة أدوار سابقة له وتذكر كيف ترقى عبرها في مع%%راج المعرف%%ة ح%%تى        وصل إلى مرحلة البوديستاف، والفيلس%%وف اإلغ%%ريقي فيث%%اغوراس ت%%ذكر أك%%ثر من خمس حي%%واتi شارك في حرب طروادة. إنها تجربة ال تقدر بثمن حين نتذكر األعمال سابقة، كان في إحداها بطالi وندفع ثمنها اآلن ليتم العدل اإللهي، إن إدراكنا لمس%%ببات الكارم%%ا ه%%و امت%%داد التي اقترفناها سابقا آلفاق بصيرتنا ووعين%%ا وتطورن%%ا ال%%روحي ومعارفن%%ا الديني%%ة وخ%%ير دلي%%ل يس%%اهم في ص%%ناعة ق%%درناi ي%ره". إن حص%اد نت%ائج i يره ومن يعم%ل مثق%ال ذرة ش%را المستقبلي. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا

األعمال ومنتهى الحكمة والعدل يتجلى معاني الرحمة اإللهية.

– آذار73 قانون الكارما والعدل اإللهي )رحل%%ة ع%%بر أنف%%اق ال%%وعي( – راج%%ع الض%%حى الع%%دد        1998.

لق%د أذه%ل غ%%ايس الن%%ائم غ%%ايس الص%%احي، كم%ا أس%%لفنا، عن%%دما ب%%دأ ينط%ق ب%%أمور فلس%فية       i عن وماورائية مثل التقمص وسوى ذلك، وهي أمور أبعد عن ثقافة غايس )الصاحي( العلمية، فضال أنها تتعارض مع إيمانه الديني الذي ترعرع عليه، وقد أخذت منه هذه المفارق%%ة بعض ال%%وقت ح%%تى سلم بها وأذعن لها. وهو يقول، أو باألحرى تقول القراءات، إن النفس اإلنسانية موجودة بحد ذاته%%ا وفيما يتعدى الجسد الذي تسكنه بإرادتها وهي بذلك تختار جسدها، ووال%%ديها، وعقباته%%ا وامتحان%%ات حياتها التي ستبتلي بها، والبعثة التي قدمت من أجلها. ولذلك قد يك%%ون امتح%%ان الغ%%نى أش%%ق على بعض األنفس من امتح%%ان الفق%%ر، وق%%د تس%%تكمل النفس ترقيه%%ا ومعرفته%%ا ع%%بر سلس%%لة من التقمصات، ويكون دورها في كل جيل تكملة لما توقفت عنده في جيله%%ا الس%%ابق... وهك%%ذا يك%%ونi للحي%وات الماض%ية، وه%و ع%ادة في طي النس%يان، في الحي%وات الالحق%ة... مب%دأ "الكارم%ا" ت%أثيرا

في شيئين إثنين: Cause and Effect وقانون الكارما هذا يختلف عن قانون )السبب والنتيجة(

إن الكارم%%ا تش%%تمل في نطاقه%%ا على مجموع%%ة من الحي%%وات، بينم%%ا ق%%انون الشي األول:        السبب والنتيجة يتحقق في نطاق الحياة الواحدة.

i كق%%انون )الس%%بب والنتيج%%ة(، ويمكن الشيء الثاني:  أما        فهو أن قانون الكارما ليس حتميا للنفس الراقية محو ديون الكارما عن طريق المحبة وعدم معان%%دة الخ%%الق وال%%ترقي في المعرف%%ة

Law واالنخراط في واجب الخدمة وهذا ما يفسح المجال لتطبيق قانون آخر هو ق%%انون )الفض%%يلة(of Grace وإال فإن قانون الكارما يطبق بشكل ال مناص منه وجزاء بج%%زاء، أو لربم%%ا يتع%%اظم حجم

الكارما بالنسبة للنفس الجاهلة العاصية، فتتراكم عليها ديون جديدة. وال يمكن بأي ح%%ال ألي نفس

Page 26: ابناء النور عبر العصور

أن تورط نفسا أخرى في )كارما( إذ لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت.

مقتبسات من مجموعة الضحى الدغا غايس.       

التقمص في علم النفس:

يعتبر علماء النفس أن انفعاالت الحالم والصور الذهنية التي يشاهدها أثناء نومه ما هي إال وليدة ذكرياته        وتجاربه اليومية وأحاسيسه المتراكمة التي تتركب منها األحالم بإبداع سوريالي. لكن هل تساءلنا يوما ماذا يحلم الطفل الوليد لتظهر كل تلك االنطباعات على وجهه منذ أيامه األولى، من خوف ودهشة، وغضب وحزن، وفرح

i عن انفعاالت أخرى؟. وبشاشة فضال

i وبشاش%%ة،        i وه%%و يض%%حك ثم يح%%زن ثم يغض%%ب، ثم يمتلئ وجه%%ه فرح%%ا i نائما هل رأيت مولودا وعيناه تتقلبان تحت جفنيه ذات اليمين وذات الشمال وعيناه تتقلبان تحت جفنيه ذات اليمين وذاتi أن بعض التنبيه%%ات الحس%%ية ك%%الجوع أو األلم وال%%برد i؟ وإذا سلمنا جدال الشمال وكأنه يخاطب أحداi أو بكاء، ماذا عن االنطباعات العاطفية األخرى، وما ه%%و مص%%درها، وه%%ل تجعل الوليد يبدي انزعاجاi في تحريكه%%ا وإظهاره%%ا كم%%ا تلعب الفطرة الغريزية أو العوامل الوراثية والهرمونات األمومية دورا

يدعي البعض؟

إنها شطحات علمية غير مقنعة، ألن التنبيهات الحس%%ية ال تت%%والى به%%ذه الس%%رعة والمزاجي%%ة        لكي تتعاقب تلك االنفعاالت على وجه الطفل. إن المواليد الجدد يظهرون أثناء "النوم المضطرب" انفعاالت أساسية ال تتكون مسبباتها عند الطفل في يقظته قبل مرور أسابيع عدة يكون قد تع%%رف بعدها على محيطه وبيئته وبعض التجارب األولية، في حين أن االنطباعات التي تظهر ل%%دى الطف%%ل في حالة الحلم هي بعيدة عن متناول ذاكرته وإدراك%ه الح%ديث، حيث يمض%ي الطف%ل معظم يوم%ه

!i i وحالما نائما

مراحل النوم:

ولنلق الضوء على آلية النوم وحدوث الحلم كما أظهرت األبحاث السيكولوجية الحديثة ال%%تي        كي نتعرف على فترة النوم المضطرب ال%%ذي يح%%دث في%%ه E.E.G تمت بفضل جهاز تخطيط الدماغ

الحلم بعد أربع مراحل متعاقبة من النوم البطيء وهي:

 .: مرحلة النعاس وبدء النوم حيث تبدأ موجات ألفا الدماغية بالتالشيالمرحلة األولى

تلي المرحلة األولى بدقائق قليل%%ة، حيث تس%%تقر الموج%%ات البطيئ%%ة على المرحلة الثانية:.Beta تسببها موجات "بيتا" Spindle عمقها، وتظهر أثناءها ظاهرة علمية تسمى "معزل النوم"

وهي مرحل%%ة االنتق%%ال نح%%و الن%%وم العمي%%ق، وتظه%%ر أثناءه%%ا موج%%ات المرحلــة الثالثــة: .Delta "دلتا"

i. ويطل%%ق على ه%%ذه المرحلة الرابعة: يس%%ود الن%%وم العمي%%ق م%%ع موج%%ات دلت%%ا أك%%ثر بطئ%%ا

Page 27: ابناء النور عبر العصور

 .S.O.L المراحل األربع اسم النوم البطيء

وهي مرحلة النوم المضطرب أو النوم المفارق كم%%ا أطل%%ق عليه%%ا المرحلة الخامسة: أما ، فهي المرحلة التي تظهر فيها األحالم حيث يصعب إيق%%اظ الن%%ائم،Jouvet العالم الفرنسي "جوفه"

i باسم "ف%%ترة الن%%وم ذي الموج%%ات الس%%ريعة" ال%%تي تظه%%ر أبانه%%ا "حرك%%ة العين S.O.R وتعرف أيضا . وهذه المستويات الخمسة تحدث بشكل متعاقب عدة)R.E.M )Rapid Eye Movement السريعة"

 مرات خالل النوم ويتعاقب ظهور األحالم في آخر كل دورة.

إن فترة الن%%وم المف%%ارق تس%%تغرق أك%%ثر من رب%%ع مرحل%%ة الن%%وم عن%%د الب%%الغين في حين أنه%%ا % في سنته الثانية وتتن%%اقص30% من مدة نوم الطفل في اشهره األولى و 60تستغرق أكثر من

هذه الفترة حتى س%%ن الس%%ابعة أو الثامن%%ة حيث تطغى مراح%%ل الن%%وم البطيء. والطف%%ل، كم%%ا ه%%وi وتحت%%ل ف%%ترة الن%%وم16مع%%روف س%%يكولوجيا، ين%%ام في أش%%هره األولى أك%%ثر من س%%اعة يومي%%ا

% منها كما ذكرنا، أي وبلغة أخرى أن المولود الجديد يحلم فترة كبيرة من60المضطرب أكثر من يومه وهو لم يختبر بعد العالم المحي%%ط ب%%ه في اليقظ%%ة ولم ي%%درك عناص%%ر كافي%%ة ليتم تركيبه%%ا في الحلم. إذا ماذا يحلم المولود، وما هي الصور والخبرات التي تتركب منه%%ا أحالم%%ه؟ ولم%%اذا نس%%معهi يبكي وه%%و يحلم وعالم%%ات الح%%زن بادي%%ة على وجه%%ه؟ ليس%%ت التنبيه%%ات الحس%%ية وراء ه%%ذا أحيان%%ا

بالتأكيد!!!

عناصر الحلم الطفولي:

       i إن الحلم الطف%%ولي يس%%تمد عناص%%ره من ذكري%%ات الحي%%اة الس%%ابقة حين يستحض%%ر ص%%ورا ومشاعر من التجسد السابق يصعب إيجاد رابط له%%ا في الحي%%اة الحاض%%رة، فلألحالم س%%لطان علىi م%%ا تك%%ون بمثاب%%ة خي%%ط دقي%%ق يص%%ل الح%%الم ذكريات الحالم ال تنال في حياة اليقظة فقط بل غالبا بحياته الغابرة، ويربط واقعة الحالي بالهدف النه%%ائي الس%%امي لتع%%اقب تجس%%داته، ف%%الحلم ينط%%وي على معان تفوق دالالتها المعاني الذهني%ة، فه%و ي%رتب وينظم الص%ور وال%ذكريات والمش%اعر وف%ق منطقه الخاص الذي يخالف منطق اليقظة، لذلك يتسلل الحلم إلى الذاكرة أثن%%اء الن%%وم ويس%%تخرجi تجارب معاش%%ة i بصرية انفعالية مستخلصا الذكريات والمشاعر من أعماق الالوعي ويستخدم صورا في حيوات سابقة، فهو يمهد الطريق إلى أعمال النفس ويفتح نافذة مشرعة نح%%و آف%%اق متباع%%دة من الخبرات والمعاناة السابقة بلغة رمزية تحتاج دالالته%ا وإش%%اراتها ومعانيه%ا المرم%%زة إلى تأوي%%لi ما تكون توجيهية أو تحذيرية. إن معرفة األحالم وتحليله%%ا هم%%ا أش%%د لفهم مغزى رسالتها التي غالباi من تحليل سلوكنا اليقظ، وما عجزنا عن فهم ما تنطوي عليه بعض األحالم إال نتيجة تقص%%يرنا عمقا

عن معرفتنا ألنفسنا في حالة اليقظة ولعدم إدراكنا ألسباب وجودنا.. من أين وإلى أين...؟

رسائل الذات:

تجد النفس حكمة في تقليب صفحات الحيوات الس%ابقة وإع%ادة تجس%يد بعض التج%ارب في        صور ذهنية حلمية لكشف بعض الجوانب المظلمة والستخالص الع%%بر كي ت%%درك مس%%ارها ال%%روحيi من الطمأنينة في التجسد الحاض%%ر بت%%ذكر بعض تفاص%%يل "الجي%%ل" الماض%%ي وتطوره ولتجد قسطا لفهم الحاضر وتقبله. ولهذا السبب اعتقد بعض الشعوب القديمة أن روحا حارسة تخ%%اطب األرواح

Page 28: ابناء النور عبر العصور

من خالل الحلم برسائل إيحائية مبطنة تساعد اإلنس%%ان على فهم شخص%%يته، ف%%إن لغ%%ة األحالم هي بمثابة رسائل غير كالمية، والفهم الحقيقي لرسالة الحلم ومغزاه يجعلنا نفهم وجودنا الح%%الي أك%%ثرi، ويس%%اعد في ح%%ل المش%%اكل ال%%تي تواجهن%%%ا، ف%%الالوعي أو العق%%ل الب%%%اطني i ووض%%وحا عمق%%ا

unconsciousness ليس س%%لة مهمالت ي%%رمي فيه%%ا ال%%وعي ك%%ل الممنوع%%ات األخالقي%%ة والمكبوت%%ات النفسية. كما أن األحالم ليست لغة رمزية سرية تعبر عن اندفاعات الرغبات كما يدعي "س%%يغموند فرويد"، بل هي تجارب نفسية تدفع اإلنسان نحو الفضيلة وانتهاج األعمال الصالحة فتغ%%ني تج%%ارب

i من جوانب وعيه. حياته وتضيء بعضا

إن األحالم المتكررة منذ الطفولة، التي تعاود الظهور وبنفس المضمون ال%%ذي ال يمت بص%%لة        إلى أي من ذكرياتنا أو خبراتنا أثناء اليقظ%ة، هي نتيج%ة للرواب%ط االس%تدعائية لمغ%زى روحي. ومن هذا المنطلق اعتبر العالم النفساني "بورداخ" أن األحالم هي إحدى المكرم%%ات الخفي%%ة في طبيع%%ة

أن لألحالم وظيف%%ة Hadfiels الروح المنطوية على دوائه%%ا، فيم%%ا رأى الع%%الم البريط%%اني "ه%%ادفليز" أساسية هي حل مشاكل النفس، فالحرمان من الحلم يؤدي إلى ح%%االت جن%%ون وهس%%تيريا، وول%%وجi بهالة من الرهبة والقداسة لتحلق في ج%%و أث%%يري وأطي%%اف أبواب الحلم العاجية يغمر النفس أحيانا تذكري%ة هيروغليفي%ة، حيث تص%دح لغ%ة العق%ل الب%اطن بمخزون%ه وتوجهات%ه الروحي%ة، وحيث تم%رحi نوراني%%ة ذات رس%%الة هادف%%ة، خبرات منس%%ية في أعم%%اق ال%%ذات لتلعب على مس%%رح الحلم فص%%وال ولذلك أعتقد الشاعر النفسي "جيرار دي نرفال" أن اإلنسان يعيش حياة ثاني%%ة في الحلم في خ%%ط متواز مع حيات%%ه الواقعي%%ة، في حين أق%%ر ع%%الم النفس الش%%هير "ك%%ارل يون%%غ"، مؤس%%س علم نفس

Transpersonali األعماق ، بوجود أصل دائم وراء شخصيتنا المتبدلة، هي الذات العليا التي ترتدي ثوباi i أي الشخصية الخارجية لتكتسب تجارب غنية، ويعتقد أن الذات الدائم%%ة تل%%ك تعيش مج%%ددا جسديا

في شبه حلم، كل تجاربها السابقة لحكمة بالغة.

حين نعبر من عالم الواقع المادي إلى عالم األحالم الروحاني، تبدأ ال%%ذات باس%%تعراض ص%%ور        تكبها في لوح%%ات س%%وريالية وتس%%ترد ذكري%%ات غ%%ابرة وعواط%%ف دفين%%ة من%%ذ أجي%%ال لت%%دبلج رس%%الة

روحانية...

لنقرأ هذه الرسالة بعمق، ولنصغ إلى نداء الحلم علن%%ا نفق%%ه المغ%%زى ال%%روحي.. "ال توقظ%%وا       النيام وهم يحلمون..!!

لغة الحلم وذكريات الحياة الس%%ابقة )األحالم.. رس%%ائل روحاني%%ة على م%%رآة ال%%وعي( – راج%%ع       .1998- نيسان 71الضحى العدد

يقول البروفسور األخصائي "د. أيان ستفنسن"، منذ حوالي أربعة عقود في أبح%%اث التقمص        وما يتعلق به. أنه يضع ست مالحظ%%ات على افتراض%%ات مؤس%%س علم النفس الجنس%%ي، س%%يغموند

فرويد حول موضوع التقمص:

أنه اعتبارا ألقول ومشاهدات العديد من الشهود لحاالت عديدة من شواهد التقمص،  أوًال7: أن تفسير فرويد للموضوع بأنه من عم%%ل المص%%ادفات أو فع%%ل ال%%ذاكرة الجمعي%%ة فيi في تفس%%ير أك%%ثر ح%%االت ال%%ذاكرة الفردي%%ة لش%%خص م%%ا هي افتراض%%ات ال تص%%ح أب%%دا

Page 29: ابناء النور عبر العصور

التقمص التي درستها.

كذلك تفسرها بالتشكيل الذهني والتي تفسر ب%%المراجع الحديث%%ة بال%%ذكرى الخفي%%ة –    ثانيا7: قد تك%%ون مقبول%%ة نوع%%ا م%%ا في بعض الح%%االت القليل%%ة الض%%عيفة الت%%أثير. أث%%ر تع%%ارف أسرتين تذكر أحداها، إسم أحد أفرادها المتوفين، مع نبذة عن ميوله وأعمال%%ه وآث%%اره وأقواله. لكنها بالفعل تنتقص كلية في الحاالت الغنية بالتفاصيل حيث يحتف%%ظ الطف%%ل بطبيعة شخصيته السابقة في جيله الماض%%ي، ألك%%ثر من س%%بع س%%نوات أحيان%%ا دون أي تغيير جوهري في وعي%%ه وشخص%%يته طيل%%ة ه%ذه الم%دة. ك%ذلك ال تس%تطيع افتراض%ات فرويد أن تفس%%ر لن%%ا، مع%%نى المعلوم%%ات الشخص%%ية الحميم%%ة والخاص%%ة ال%%تي يحمله%%ا الطف%%ل من جيل%%ه األس%%بق وشخص%%يته الماض%%ية دون االف%%تراض أن عالق%%ات واس%%عة ودقيقة، قد قامت بين األسرتين، هذه العالقات العامة التي لم يتم حص%%ولها في أك%%ثر

i، ما كانت تحصل عرضا أو صدفة. الحاالت. بل كثيرا

الحواس الخارقة وإدراك ما ف%%وق الح%%واس بحس%%ب التفس%%ير الح%%ديث للم%%ادة. م%%ع    ثالثا7:i ح%%تى القدرة المتفوقة على التمثيل أو التشخيص هذا االفتراض يجب أن يبتسر كث%%يرا

يمكننا من تفسير بعض الحاالت النادرة الغنية بالظروف والوقائع.

إذ كيف يمكن لهذا االفتراض أن يفسر لنا، التنظيم ال%دقيق والص%حيح للمعلوم%ات في        ذاكرة الطفل، عن طبيعة حيات%%ه الس%%ابقة وطبع%%ه وانطباعات%%ه وميول%%ه في الشخص%%ية األولى المتوفاة وليس لهذا االفتراض أن يجيب أب%%دا عن س%%ر المه%%ارات والمهن ال%%تي

يتقنها الطفل، والتي لم يكن ابدا قد عرفها أو تعلمها في حياته الجديدة.

كذلك يعجز هذا االفتراض، أن يبين لنا، لماذا تحافظ شخصية الطفل لسنوات عدي%%دة،        وبطبيعة وطيدة، قريبة بل مشابهة تماما، في أكثر األحيان لماهية الشخصية السابقة.

دون أن يكون للطفل أي دوافع أو حوافز تدفعه أو تحفزه لذلك.

كذلك يستغرب، أن يكون للتأثير األسري، أو العائلي، القدرة على جعل الطفل يستمر        في شيء. األمر الذي لم يالحظ علم%%اء النفس، وال األطب%%اء النفس%%يون، وج%%وده ح%%تى

i، وغير األسوياء على أي صعيد كان. لدى األطفال المضطربين نفسيا

المهارات التي يحسنها الطفل ولم يكن قد عرفها أو تعلمها أو حتى ورثها من أبويه.   رابعا7: هنا ال بد أن نضع احتمالين: االستحواذ أو التقمص؟ ولكنن%%ا ال نس%%تطيع أن نقط%%ع بأح%%د

هذين االحتمالين من مجرد درس المهارات الجديدة فقط.

ألن أكثر مالمح وظواهر هذه الحاالت ال تسمح لن%%ا ب%%االفتراض الج%%ازم ألح%%د ه%%ذين خامسا7:االحتمالين، االستحواذ أو التقمص.

ألن مطابقة الكثير م هذه الحاالت في تذكرها للجيلين بدقة وص%دق يجع%ل الموض%وع        i يق%%ول )التع%%رف يزي%%د في غاية الدهشة ألن من المعروف، أن في علم النفس قانون%%ا التذكر(، واعتبارا ألصول هذا القانون األكيد، ال ب%%د من تفس%%ير ه%%ذه الظ%%واهر جميعه%%ا

Page 30: ابناء النور عبر العصور

بحسب نظرية التقمص التي تهيمن هن%%ا على كام%%ل الموض%%وع وتص%%بح أك%%ثر معقولي%%ةبكثير من نظرية الهيمنة أو االستحواذ.

أما الحاالت التي تظهر فيها عند ال%%والدة أن%%واع من المع%%امالت أو أحيان%%ا تش%%وهات سادسا7: خلقية ما. فهذه العالمات األكي%%دة الموثوق%%ة تقط%%ع بص%%حة تفس%%ير التقمص للموض%%وع دون أدنى لبس أو شك. وحيث أن هذه الحاالت ال يمكن تشويهها أو تفسيرها بحس%%ب أية أفك%%ار نظري%%ة، أو نظ%%رات فلس%%فية أو نفس%%ية، ألنه%%ا وق%%ائع محص%%نة ال تقب%%ل غ%%ير

التفسير العلمي..

فهي لذلك، وعلى كل حال. تتضمن الحاالت الواضحة الصحيحة وهي تعطينا بصورة قاطع%%ة         مميزة، الدليل على صحة تفسيرها بالتقمص وتستبعد أي تفسير آخر يمثل امتالك الحواس الخارقة

للذاكرة الخفية أو االستحواذ.

i، بين كل التفس%%يرات والنظري%%ات في        i تماما وقد كنت في دراساتي وأبحاثي السابقة، محايداعالم النفس بالنسبة للقطع برأي نهائي في هذا الموضوع.

i، من تش%%كيل ال%%ذاكرة وقد حافظت على هذا الموقف، وقد كنت أظن أن في ذلك موض%%وعاi، آخ%%ذا ب%%رأي التفس%%ير باإلضافة غلى بعض التخاطر العلمي الماضوي. ولكنني وجدت نفسي أخ%%يرا الخلودي واالقتناع بالتقمص، كتفسير وحيد لجميع هذه الظ%%اهرات والظ%%واهر ال%%تي ح%%يرت العلم%%اء ألجيال وأجيال. وحيث كنت أشغل نفسي دائما في التفتيش على األدلة المص%%دقة للتقمص وج%%دت أن كل هذه الوقائع ال ب%%د أن تج%%د تفس%%يرها الص%%حيح في موض%%وع التقمص ال%%ذي يعطيه%%ا حقيقته%%ا ويستجيب لكل القضايا والتساؤالت التي تطرحها. لذلك أرجو أن يقتن%%ع تالمي%%ذي وق%%رائي أن%%ني ق%%د توصلت إلى ذلك االستنتاج بطريقة علمية. وأنا أقول ذلك لهم بك%%ل ص%%دق ويقين بع%%د أن عرض%%ت واستحضرت ما ال يحصى من الشواهد واألدلة. وكانت قناعاتي هذه تزداد اطرادا كم%%ا تق%%دمت في

أبحاثي وتعمقت في تحليل الوقائع التي حصلت عليها بعد طول العناء.

i وأص%بحت أغ%%نى خاص%ة بع%د مش%اهدة الكث%%ير من الح%%االت        وهذه القناع%ات ق%د زادت كث%%يرا المختلفة والمتنوعة من ذكريات األطفال العديدين الذين تأكدت بكل الوسائل الممكن%%ة أنهم ك%%انوا يحملون فيها معلومات مهمة، دقيقة التمثيل والتشخيص، لشخص%%ية خاص%%ة، حميم%%ة، وص%%ادقة عن أجيالهم السابقة وشخصياتهم الماضية ومن أهمها ممارسة مه%%ارات ومهن لم يتعلموه%%ا في جيلهم الحالي، بكفاءة ممتازة أو معقولة. وك%%ذلك من الع%%امالت ال%%تي رافقتهم من%%ذ والدتهم وال%%تي ك%%انت تميزهم في حيواتهم السابقة أو التي احتفظوا بها على أثر موت مفج%%ع من ن%%دب على أث%%ر عملي%%ة ذبح في جيل سابق، أو أثر رصاص%%ة أص%%يب به%%ا أح%%دهم في حيات%%ه الماض%%ية ف%%انتقلت ص%%ورتها في

الطفل الوليد منذ الوالدة. كذلك منها بعض التشوهات الخلقية التي رافقت الوليد الجديد.

كل هذه الدالئل، جعلتني أرى في افتراضات فرويد أفك%%ارا س%%لفية س%%بقها ال%%زمن فتجاوزه%%ا       i يفتش عن حل%%ة جدي%%دة وحقيق%%ة ذات بره%%ان يق%%ف ورفضها. العلم ال يقف وال ينتظر. بل هو دائم%%ا عليها ويقوى بها ألن العلم هو الحي%%اة والحي%%اة ال%%تي ترتك%%ز على العلم تس%%تمر وتبقى وتخل%%د بينم%%ا

Page 31: ابناء النور عبر العصور

تسقط األوهام وتضيع في متاهات الغمام.

79 التقمص حقيقة علمية عالمية )لألخصائي الدكتور أيان ستيفنسون( – راجع الضحى العدد        .1998– أيلول

كيف تؤثر األجيال السابقة في الجيل الحاضر؟

قال األخصائي النفسي "جيردهام" إن مهمتن%%ا التالي%%ة في طري%%ق نمون%%ا وتطورن%%ا هي مهم%%ة        أن We Are One Another معرفة وتمييز مدى تأثير الفكر المتغلغل في المادة، ولقد بين في كتابه

سبب اهتمام%%ه بتج%%ارب األجي%%ال الماض%%ية هي لجه%%ة تأثيراته%%ا المرض%%ية في الجي%%ل الحاض%%ر، كم%%ا تصادف في أثناء العمل على تحليل أسباب عدم استجابة تلك األمراض للوس%%ائل الطبي%%ة الحديث%%ة، أن مرده%%ا ه%%و تل%%ك الك%%وامن الدفين%%ة الض%%اغطة من حي%%اة س%%ابقة على حياتن%%ا الحاض%%رة، ه%%ذهi وب%%دأت في االنتش%%ار ع%%بر االكتش%%افات تم التوص%%ل إليه%%ا في الوالي%%ات المتح%%دة األمريكي%%ة ح%%ديثا المحيط. طريقة تأثيرها وعملها وصفها األخصائي النفسي "موريس نذرتون" من "لوس أنجيلوس" بالتعاون مع زميلته "نانسي شيفرين"، وهو مؤس%%س معه%%د ال%%وعي ب%%الحيوات الماض%%ية في كتابه%%ا

وعنوانه "المعالجة باألجيال الماضية".

i في طاقة وقوة العقل الباطني، ليس فقط على        i مطلقا i قويا يكتب "نذرتون" أنه يؤمن إيمانا التقاط أحداث من األجيال الماضية فحسب، بل على مدى إمكانية تأثره بم%%ا يلتقط%%ه من ع%%وارض مرضية حادة، وهي التي ت%%ترك الن%%اس في ح%%ال من ال%%ذهول والش%%ك والريب%%ة. كتب "ن%%ذرتون" أن مرضى عديدين يشككون بحقيقة التقمص ألنه لم يجر حتى اآلن التأكد منها وإقرارها كحقيقة ثانية، وهو ال يجادل في ذلك ويقول: "إنه يشك فيها، لكن طالما أن هناك إمكانية إلجراء تجارب من أجل إثباتها وتأكيدها، يجب أن نأخذها بتجرد كفرض%ية مالئم%ة مريح%ة ت%ترجم ترجم%ة منطقي%ة، كي%ف أنi آخ%رين يتكلم%ون وك%أنهم يعيش%ون في ق%رن زم%اني i وهم في شبه غيبوبة يصبحون أشخاصا أفرادا آخر، أو حقبة زمانية أخرى ويأتون بإثباتات ودالئل، أو يتكلمون لغ%%ة غريب%%ة ثم يق%%ول: "ليس ه%%دفنا إثب%ات حقيق%ة التقمص أو حقيق%ة تج%ارب التقمص%ات الس%ابقة، ه%دفنا الحقيقي والمهم ه%و إثب%ات

فعاليته أثناء استعماله كأداة في شفاء المريض من اضطرابات سلوكية نفسية اجتماعية".

أشرطة تسجيل بلوكسهام:

ربما تكون األش%رطة حال%ة معروف%ة عن تج%ارب جي%ل م%اض، ج%رى اس%ترجاعها تحت ت%أثير        التن%%ويم المغناطيس%%ي، أجراه%%ا "أرنول%%د بلوكس%%هام" وه%%و مع%%الج في التن%%ويم المغناطيس%%ي تلقى دراساته في كاترديف في مقاطعة ويلز، تحت التنويم ص%%ارت "ج%%انز إيف%%انز" ام%%رأة أخ%%رى ت%%دعى "ريبيكا" عاشت في "يورك" في القرن الثاني عش%%ر وك%%انت إح%%دى ض%%حايا "الب%%وجروم" في س%%نة

1189i ، فقد عاشت في سرداب مظلم تحت كاثيدرائية، ووجود مث%%ل ه%%ذا الس%%رداب ك%%ان مجه%%وال لغاية قيام التليفزيون بتصوير برنامج تلفزيوني بريطاني وليس من الممكن أن تكون قد عرفته في

i لكتاب ل% "جيفري ايفرسون" المعنون ب% "أكثر من حياة واحدة". هذا الجيل، وكان هذا أساسا

        More Lives Than One ومن وجهة نظرهم الخاص%%ة ليس المهم أن ك%%انت اس%%تعادة "ج%%انز

Page 32: ابناء النور عبر العصور

ايفانز" تجربتها المرعبة في أثناء التنويم المغناطيسي، هي نتيجة استعادة تجرب%%ة في أح%%د األجي%%ال الماضية فربم%ا تك%%ون كم%ا يظن البعض انبثقت عن تخيالت ذاتي%%ة ص%ادرة عن ك%وابيس حلمت به%ا والتصقت وتكثفت في عقلها الباطني، فهم يناقشون أن مشاعر مكبوت%%ة أي%%ا ك%ان مص%%درها، إن لمi لحياتنا ويبين "موريس نذرتون"، كيف تظه%%ر آث%%ار i مدمرا تستخرج من العقل الباطن قد تصبح سببا العجالت أو آثار الحروق على جسد المريض أثناء استعادته صدمات قديمة من أجي%ال ماض%ية خالل التنويم المغناطيس%%ي كم%%ا ح%%دث له%%ؤالء البريط%%انيين، ال%%ذين ت%%بين أنهم "كاث%%اريون"، في حي%%واتهم الس%%ابقة، الق%%وا حتفهم تحت التع%%ذيب في المعتقالت بس%%بب انتم%%ائهم إلح%%دى الجماع%%ات الديني%%ة المتصوفة الزاهدة. وفي أحيان كثيرة تظهر آثار األجيال السابقة بش%%كل ك%%وابيس مخيف%%ة ت%%تراقص على بحر الوعي، لكن تأثيرها السيء يزول فيما بعد كما يحصل في الكوابيس الليلي%%ة ال%%تي ت%%زولi أثن%اء العالج ب%التنويم آثارها في حالة االستيقاظ. من هن%ا ن%رى مص%در ك%ل م%ا ه%و مس%تعاد باطني%ا المغنطيسي، غ%%ير مهم على اإلطالق س%%واء أك%%ان مص%%درها في حي%%وات ماض%%ية أم خي%%الي بس%%بب

كوابيس ال أساس لها من الصحة.

       i i أن هن%%اك أح%%داثا ليس المهم إثب%%ات ح%%دوث ه%%ذه التج%%ارب المؤلم%%ة أم ال، ب%%ل المهم فعال موجودة في عقل المريض تظهر وتؤثر عليه في يقظته وفي أحالمه، وهدف هذه المعالجة إبرازه%%ا

للوعي ليتم إدراكها، ثم إزالتها وإزاحتها.

)أنت أنوجدت هنا من You Have Been Here Before  يقول الكاتب "فيور" في مقدمة كتابه        قبل( إن "هدف هذا الكتاب هو تقديم نظرية التقمص والكارما للق%%ارئ لكي يح%%اول أن يفهم لم%%اذا نحن هن%%ا وكي%%ف نس%%تطيع االرتق%%اء بأنفس%%نا. ليس%%ت مهم%%تي إقن%%اع أي ف%%رد بتغي%%ير معتقدات%%ه في الماورائيات أو األثير بأي طريقة على المعتقدات الدينية أو الروحية، ومن لدي%%ه تس%%اؤالت عن ه%%ذاi أما التساؤالت من نوع: هل هن%%اك تقمص وم%%ا هي خياراتن%%ا إذا الموضوع فهذا الكتاب يفيدهم كثيرا كانت لدينا خي%%ارات؟ فه%%ذا الكت%%اب يجيب عن تس%%اؤالتهم. األح%%داث ال%%تي أرويه%%ا في ه%%ذا الكت%%اب

كل امريء لديه كارما وهي حلقة متصلة cause & effect ضرورية لفهم الكارما في مضمار السببية وفهمنا واستيعابنا لهذه الكارما يجعل حياتنا أسهل، وهدفي من الكتاب مساعدة اإلنسان على تفهمi بعد جيل. عندما أقوم بتنويم ما يفعله وبذلك يتجنب تكرار األخطاء في الحاضر والمستقبل أي جيال مغنطيسي لمريض أتوصل إلى فهم عميق لتصرفات الناس وأخالقياتهم أكثر مما أحص%%ل علي%%ه من أي مصدر آخر. من حق القارئ أن يقب%ل أو أن ي%رفض ه%ذه النظري%ة أي )التقمص والكارم%ا( ومن حقي تنوير الناس بتأثيرات ما يقومون به طالما "إن أعمالكم ترد إليكم" أو "من يعمل مق%%دار ذرةi يره" بعد تصويب الرابطة الطبية األميريكية السابقة للتن%%ويم i يره، ومن يعمل مقدار ذرة شرا خيرا

لتل%%ك المعلوم%%ات الخاطئ%%ة عن%%ه، ك%ان ال ب%%د من تغي%%ير في المج%%ال1958المغنطيسي في الع%ام i واالستفادة من هذا المجال العالجي الرائع لفهم الحياة بشكل أفضل، كأن نأخذ أشياء ونعطي ب%%دال عنها أشياء أخرى، المرء له ما له وعليه ما عليه. تجارب العدي%%د في التن%%ويم المغناطيس%%ي ق%%ادتنيi أي إلم%%ام بالمعتق%%دات الديني%%ة إلى اإليمان المطلق بحقيقة التقمص والكارما ولم يكن لدي س%%ابقا الشرقية وتعاليم المعملين الكبار في الشرق أو في الماورائيات. ما توصلت إليه في هذا المض%%مار جاء من مساعدتي الدائمة للعديد من المرضى من أجل معرفة وفهم مصدر مخاوفهم وسلوكياتهم لكي يتم التخلص منها. لقد أعطتني التج%%ارب ثق%%ة به%%ذه الوس%%يلة العالجي%%ة أي المعالج%%ة باألجي%%ال

Past الماض%ية Life Therapyمن المرتفع%ات عن%د اإلنس%ان س%ببه i . ف%إذا ك%ان مص%در الخ%وف مثالi تحت التن%%ويم الس%%قوط من مك%%ان مرتف%%ع في جي%%ل مض%%ى، ف%%إن معيش%%ته له%%ذه الص%%دمة مج%%ددا

Page 33: ابناء النور عبر العصور

المغناطيسي قد تخلصه من عق%%دة الخ%%وف من المرتفع%%ات، فه%%ذا جي%%د ألن م%%ا يهم ه%%و مس%%اعدة المريض. ما اعتدنا على تسميته ب% "الحظ" أو "القدر" في مفهومنا الغ%%ربي كله%%ا مص%%طلحات غ%%ير دقيقة. إن حاضرنا هو نتيجة ماضينا والق%%در ه%%و م%%ا أرس%%ينا قواع%%ده في أجيالن%%ا الماض%%ية. العدال%%ة السماوية مطلقة، المعطيات والمواهب هي ما قد اكتس%%بناه وم%%ا نس%%تحقه والتج%%ارب الم%%رة ال%%تي نعيشها هي دروس نتجاوز بها أخطاءنا السابقة لاللتقاء بعد ذلك. إنه قانون الفعل وردة الفعل، إن%%هi أو إس%اءة لآلخ%رين س%وف نع%اقب يعادل في المفهوم اإلنجيلي القاعدة فكل تصرف يتضمن ضرراi وبمق%%دار حجم اإلس%%اءة i أم آجال i وبمقدار حجم اإلساءة التي نعاقب علي%%ه ع%%اجال i أم آجال عليه عاجالi ح%%ق التي تسببنا بها والمقصود من ذلك أن المرء قد منح حق االختيار فنحن مخيرون. هن%%اك دائم%%ا االختيار، إن الروح تنجذب للوال%%دين الل%%ذين يمتلك%%ان الجين%%ات الوراثي%%ة والوض%%ع االجتم%%اعي ال%%ذي يساعد النفس لتهيئة األسس لتحقيق دروس الكارما والجينات العقلية أهم من الجينات البيولوجي%%ة في تصميم هيكلية ومقومات حياتنا. إضافة أن كل الدروس واألفعال اإلنسانية مدون%%ة في ال%%ذاكرة

Acashic الكونية Recordsهذه التسجيالت الكونية هي خالص%%ة ماض%%ينا وحاض%%رنا ومس%%تقبلنا وهي ، مختزنة في عقلنا الباطني. قانون الثواب والعقاب يش%%مل دورة الكارم%%ا كله%%ا وب%%ذلك تحص%%ل على سعادة ومعطيات وقدرات نسحبها من رصيدنا المصرفي في )الذاكرة الكونية(. مالحظ%%ة: ال توج%%د صدقة، بل عملية فعل ورد فعل، عملية ثواب وعق%%اب، أواص%%ر المحب%%ة ال تنفص%%م عراه%%ا وتتج%%اذب أرواح المحبين مع بعضها البعض وما يفسر أحيانا الحب من النظرة األولى هو أنهم قد ارتبطوا معا

في جيل أو أجيال سابقة.

: في غالبية الحاالت التي تعاملت معها وجدت أن الح%%ادث المس%%ببFiore  يتابع الدكتور فيور        للموت مسؤول إلى حد ما عما يعاني%%ه الم%%ريض من اض%%طرابات، مثال الس%%قوط من مك%%ان مرتف%%عi من المرتفع%%ات... الخ. عن%%دما أعي%%د الم%%ريض إلى أجي%%ال س%%ابقة لكي يع%%ايش يس%%بب خوف%%ا

وك%%ذلك psychosomatic العنيفة، يس%%تنبط س%%بب مخاوف%%ه وأعراض%%ه )النفس%%ية / الجس%%دية( صدمتهi، سيدة ال تجرأ على ت%%رك أوالده%%ا في ال%%بيت Obsession بعض ال% أو وساوس وأفكار متسلطة. مثال

بمفردهم حتى بعد سن الرشد وسبب ذل%%ك أن%%ه في أح%%د األجي%%ال ع%%ادت إلى ال%%بيت لتج%%د أوالده%%اi بعد جيل كما إن الش%%راهة والنهم الم%%ؤدي إلى الس%%منة مقتولين فسيطرت عليها عقدة الذنب جيال الزائدة وجدته عند سيدتين وعند رجلين ماتوا في جيلين في مجاعات الحمية في هذا الجيل، ولكن تعاودهم الرغبة الشديدة في التهام ك%%ل م%%ا يجدون%%ه ح%%تى ول%%و لم يستس%%يغوه وبمج%%رد أن يعي%%دوا معايشة المرحلة الصعبة تعود األمور إلى طبيعتها وشهيتهم الزائدة تتالشى بل كم%%ا وص%%فت إح%%دى السيدات إنها أصبحت تستطيع أن تختار ما تريد أن تأكله وتتناول ما تستسيغه فق%%ط وتش%%عر بل%%ذةi. الم%%ريض يص%%اب بنوب%%ة من البك%%اء والتش%%نج أثن%%اء معايش%%ة الطع%%ام ومن ثم أص%%بح وزنه%%ا طبيعي%%ا الصدمة، أو حتى بعد أن يستفيق من التنويم فهو يحتاج إلى التهدئة، لكن بعد أن يهدأ روعه بفض%%ل التعليمات الالزمة من طبيبه يصبح على بينة من األسباب الدفينة الغارقة )في البعد الزمني( فيعيها ويتجاوزها. الشيء الجميل في إعادة معايشة هذه الصدمات أن األلم الكبير ال يستمر إال للحظ%%ات وفي بعض الحاالت يتعرض المريض إلى نوع من الصدمة تفقده اإلحس%%اس ب%%اإللم، لكن الم%%ريض، هنا، ال يصف األلم. بل يصف )جسده( الطيفي الذي يشعره باإلرتياح. وأجمل ما في هذه الجلساتi أن أن المرضى يجدون أن مهاراتهم وهواياتهم وفنونهم تعود إلى أجيال سابقة. لمن الجمي%%ل أيض%%ا جميع المرضى من دون استثناء يتخلصون من شعورهم السلبي )العنصري(، عندما يكتشفون أنهمi في شتى القارات وفي ألوان مختلفة. الذات اإلنسانية ليس له%%ا جنس%%ية أو ل%%ون إنه%%ا عاشوا أجياالi أن تولد في مكان يمكنها أن تتعلم داخله الدروس الالزمة لترتقي وتسمو، ومن الجدير بالذكر أيضا

Page 34: ابناء النور عبر العصور

"إحدى مريض%%اتي Fiore المرء ال يعود يشعر بالخوف من الموت ويدرك أنه ليس هناك فناء، ويقولi يناجيها، يشرح لها لماذا نحن هنا؟ وما هو سبب وجودنا؟ أخبرتني أنها أثناء والدة إبنها سمعت صوتا

i للعودة إلى الله وما دمنا نعيش في مضمار السببية "الكارم%%ا"، فنحن        الحقيقة أننا نعبر ممرا نتعرض لما يشبه الثواب والعقاب. حال موتنا أو مغادرتنا الجسد الترابي نراجع حياتنا أو جيلنا الذيi كشريط مسجل ثم نعي ما هي الحسنات والسيئات في أفكارنا، أفعالنا، نوايانا، ميولن%%ا، يمر سريعا

ندرك التقصيرات وكل أذية تسببنا بها لآلخرين والتي يتقرر على ضوئها مصير تقلباتنا.

كما قال "إدغار غايس" )النبي النائم( "المهم هو ما نفعله في جيلنا الحاضر: "م%%ا هي نس%%بة       i "إن المع%%اير ال%%ذي نق%%اس ب%%ه بع%%د مغ%%ادرة المحبة والمغفرة والوعي التي نصل إليها"، وقال أيض%%ا الجسد هو مستوى ذبذباتنا التي ترتفع بشكل تص%%اعدي م%%ع ك%ل عم%ل خ%ير ومحب%%ة ومغف%رة بينم%ا معايير الجسد ال%%ترابي لألس%%ف هي في نس%%بة ال%%ثراء، المرك%%ز، الوس%%امة، الجم%%ال، الخ... أم%%ا في

العوالم األخرى فإن المعادلة هي في الحب / التسامح / اإلستنارة... هذا ما يهم فقط.

التقمص واإلضطرابات النفسية )معالج%%ة رواس%%ب العق%%ل الب%%اطني( – راج%%ع الض%%حى الع%%دد       (.1998الواحد والسبعون )كانون الثاني

التقمص وتجارب عتبة الموت:

شكل الموت الهاجس األكبر للبشرية منذ أن وجد اإلنسان على سطح المعمورة. وهو مصدر الخوف األعظم       i وفناء وانتهاء للحياة. ولالعتقاد بالتقمص دور مهم في i فوق قلوب األحياء، الذين يعتبرونه زواال والرعب الجاثم دوما

تبديد هذه المخاوف والهواجس التي تمتلكها وتؤرقنا. فقد ساهم هذا االعتقاد في اختراق أبعاد أخرى لذواتنا ماi وراء حقائق أسمى ومدارك أوسع تجلي غوامض القدر ومجريات الزمان. وراء العالم المحسوس، سعيا

Near  وتعتبر ظاهرة "تجارب عتبة الم%%وت"        Death experience وم%%ا تتض%%منه من مش%%اهدات مذهلة أكبر دليل علمي على مص%%داقية التقمص، فتل%%ك التج%%ارب تثبت أن الم%%وت م%%ا ه%%و إال مم%%ر ونفق عبور من حياة إلى حياة، فالموت هو الوجه اآلخر لعمل%%ة الحي%%اة، وليس انته%%اء بق%%در م%%ا ه%%و

وم%ا هي الوق%ائع المذهل%ة ال%تي س%جلت NDE بداية لحياة تالية. فما هي إذن تجارب عتب%ة الم%وت على محمل الج%%د بع%%دما NDE أثناءها؟ لقد بدأ العلم منذ السبعينات يأخذ خبرات عتبة الموت هذه

سجلت حاالت "عودة" ألموات فارقت أرواحهم أجسادهم ثم ما لبثت أن عادت إليها بعد ف%%ترة من الوقت، وتش%%ترك معظم الح%%االت بتفاص%%يل متش%%ابهة كال%%دخول في نف%%ق مظلم، وس%%ماع أص%%وات سماوية واللقاء في آخر النفق بنور متألق أو كائن نوراني، فيما يشاهد بعض "المفارقين" أنفس%%هم يسبحون في هالة من النور المشبعة باألنوار واأللوان، وتعرف البعض على ذكريات حياته الماض%%ية والسابقة في آللئ صورية أو كرات متتالية تصور كل منها ذك%%رى أليم%%ة أو مفرح%%ة وبعض%%ها يص%%ور ذكريات تعود إلى عدة أجيال سابقة، ما يذكر بخيط الوعي الذي يعبر سلس%%لة الحي%%وات في الفك%%ر الهندوسي المسمى "سوتراتما". وتصور تلك المشاهدات جاللة ذلك الكائن النوراني وبهائه وحن%%وه وعطفه على الروح المفارقة للجسد، وكيف يبين لها عدالة الله وسبب وق%%وع األح%%داث والمعان%%اة، فتفهم تتابع الحيوات وعالقاته%ا وروابطه%ا م%ع بعض%ها البعض قب%ل أن تتقمص من جدي%د في جس%د تستحقه، وبيئة تستحقها وتالئمها. ولقد درس علماء غريبيون كبار مئات الحاالت المش%%ابهة وذك%%روا تفاصيلها وأبعاده%ا الروحي%ة أمث%ال ال%دكتور "ريمون%د م%وري" الش%هير، و "ال%يزابيت ك%وبلر روس"،

Page 35: ابناء النور عبر العصور

ودكتور "رنغ"، والعالمين األميركيين "كارلي أوزيس" و "همار الدسون"، وأكدوا الحياة بعد الم%%وت فيما تشبه العالمة الفرنسية "ماري لويز فان فرانز" رحلة الموت بانتقال شرارة الن%%ار من ش%%معة إلى شمعة، فجوهر الكائن يبقى ويتغير المظهر، وهذا الرأي يشاركها به أتباع عالم النفس الش%%هير "كارل يونغ" الذين يعتبرون أن اإلنسان يواجه في اللحظات األخ%يرة من حيات%ه ذات%ه العلي%ا ووعي%ه األصيل، فينتقل من حالة وعي عادي مادي إلى وعي أرقى وأس%%مى، وه%%ذا م%%ا ي%%ذكر بق%%ول اإلم%%ام

علي "الناس نيام فإذا ما ماتوا استفاقوا".

وكان فيثاغوراس الفيلس%وف الكب%ير يعلم تالمذت%ه أن األنفس تحاس%ب وتح%اكم بع%د مماته%ا        وقبيل تقمص%%ها على أعماله%%ا المقترف%%ة، ومن ثم ترس%%ل إلى أجس%%اد أخ%%رى من جدي%%د )م%%ا يش%%ابه القيامة الصغرى(، فيما أعطى أفالطون دالئل مفصلة وإثباتات حول عقي%%دة التقمص عن%%د اإلغري%%قi عن تجارب عتبة الموت لدعم فكرته، منها قصة اإلغريقي الذي قتل في معركة وبع%%د فأورد قصصا فترة من الزمن عادت روحه إلى جسده المسجى فأخبر صاحبه عم%%ا ح%%دث ل%%ه أثناءه%%ا ف%%ذكر أن%%ه حضر أمام مجموعة من القضاة الذين أشاروا إليه بأن يخبر الناس بكل ما ش%%اهد، مؤك%%دين ل%%ه أنi إلى أجس%%اد األرواح تشقى أو تسعد على قدر ما اق%%ترفت في حيواته%%ا الماض%%ية ثم ترس%%ل مج%%ددا جديدة. حتى أن الشاعر الروماني "فرجيل" اعتق%د ب%التقمص في الق%رن األول قب%ل الميالد ونس%جi كيف تصفى النفوس من خطاياها بع%%د الم%%وت ثم رائعته "اإلنيادة" على منوال هذا المعتقد، واصفا

حيث تمحى تل%%ك ال%%ذكريات ليس%%نح له%%ا Lethe ترس%%ل إلى حق%%ل "اإليلوس%%يوم" ومن ثم إلى نه%%رi في أجساد فانية. الدخول مجددا

إنه العلم اليوم ذاك الذي يبحث عن حقائق ما بع%%د الم%%وت وخل%%ود ال%%روح وتقمص%%ها بع%%د أن        تجاهلتها الفلسفة لقرون عدة وحذفت من الكتب السماوية واتهم بالهرطقة كل من اعتقد بها. إن%%ه العلم ال الفلسفات واألساطير، ويثبتها بالبحث والتجربة والبرهان. وكم من عالم في الغرب أيقظتهi لمعرفة المزيد عن حقائق i متشوقا تلك التجارب من سباته المادي ليرنو إلى عالم الروح مستقصيا الروح ورحلتها من سواحل األزلية إلى شواطئ األبدية عبر األقمصة التي ال تحص%%ى، والستش%%راف الحكمة اإللهية عبر تلك الشرارة المقدسة الكامنة في أعماق ذواتنا التي تغلفه%%ا الحجب الش%%حمية وتعوقها عن قبس أنوار الذات القدسية، ولصقل الصدأ الم%%ادي عن مراي%%ا ال%%روح الص%%قيالت... في

الغرب تستقظ العقول من غفلة المادة... فإلى متى سنبقى في سراديبها نائمين؟!!

.1998 – أيار 75 الكائن النوراني ويقظة األرواح – راجع الضحى العدد        

التقمص اليوم:

i لتقديرات متحفظة، يؤمن أكثر من خمس األميركيين البالغين بالتقمص، وبالتحديد         وفقا خمس المسيحيين منهم. واألرقام تتقارب مع مثيالتها في كل من كندا وأوروبا. وصرح إثنان

وعشرون بالمئة من األميركيين بأنهم منفتحون على هذا المعتقد رغم عدم تأكدهم من صحته بعد.

i م%%ع نس%%بة        إن النسبة المئوية للمسيحيين في أميركا الذين يعتقدون بالتقمص تتساوى تقريبا . وقد أعطى استطالع آخر1990المؤمنين من مجمل عدد السكان في استطالع للرأي أجري عام

i باألس%%ماء. لق%%د ت%%بين أن بالمئ%%ة من البروتس%%تانت )وبينهم الميثودي%%ون، المعم%%اديون،21تحدي%%دا

Page 36: ابناء النور عبر العصور

في المئة من الكاثولي%%ك يؤمن%%ون بعقي%%دة التقمص. ولرج%%ال األكل%%يريوس ال%%ذين25واللوثريون( و مليون مسيحى أميركي يعتقدون بالتقمص.28قاموا بحساباتهم كانت النتيجة:

لقد شرع اإليمان في التقمص في منافسة معتقدات رئيس%%ية في المس%%يحية. في ال%%دنمارك        بالمئ%ة من الل%وثريين في البالد يؤمن%ون ب%التقمص في حين ي%ؤمن14 أن 1992كشف تقرير عام

بالمئة فقط بالمعتقد المسيحي في البعث والنشور.20

وهذه التحوالت في المعتقدات المسيحية تشير إلى نزعة يطلق عليه%%ا بعض الب%%احثين ديان%%ة        الغرب ما بعد المسيحية. إنها ابتعاد عن سلطة الكنيسة ورجوع إلى ماض غنوصي نحو إيم%%ان أك%%ثر إنسانية يرتكز على االتصال بالله في داخلنا، إيمان يشدد على ذلك االتصال فوق عضوية الكنيس%%ة، ويرفض بعض المبادئ التي أصبحت من خصائص المسيحية منذ القرن الراب%%ع الميالدي: ك%%الجحيم، والبعث الجسدي والفكرة التي تقول ب%%أن ل%%دينا حي%%اة واح%%دة على األرض. بعض المل%%ل المس%%يحيةi للتقمص داخل المسيحية والمعتقدات المتصلة به فيما تعارض م%%ذاهب أخ%%رى تحاول أن تجد مكانا

هذه الفكرة.

– تش%%رين الث%%اني81 مقتبس%%ات من فك%%رة التقمص تجت%%اح الماليين – راج%%ع الض%%حى الع%%دد        1998.

خالصة القول:

إن مفهوم خلود الروح وتقمصها ليس حكرا على الموح%%دين في الش%%رق األوس%%ط فق%%ط وال        بدعة حديثة الظهور بل عقيدة لها جذور عميقة في ذاكرة كل فرد منا كما تشهد بص%%حتها الفلس%فة اليونانية والحكم%%ة القديم%%ة والفلس%%فات الش%%رقية باإلض%%افة إلى آي%%ات ع%%دة في الت%%وراة والق%%رآن

الكريم واإلنجيل المقدس.

كل البشر يتقمصون. وال تستطيع ال%%روح أن تع%%بر عن نفس%%ها إال من خالل حلوله%%ا بالجس%%د،        الذي هو مطية ال%%روح. وال يمكن أن تختفي ال%%روح في طبق%%ات األث%%ير وتفق%%د كيانه%%ا، إن عليه%%ا أنi بكيانها الخاص المميز الذي حباها الله به، والذي على أساسه سيخضعها الله للحساب تحتفظ دائما وبش%%كل مس%%تقل عن ب%%اقي األرواح. فبالنس%%بة للموح%%دين، إن عقي%%دة التقمص ض%%رورة منطقي%%ة لالستمرار والتحصيل المعرفي باألصل. والموحدون ال يشعرون بالعجب وال بالغرور عندما يتذكرونi على أحد على الرغم من أنهم يعلم%%ون التقمص من%%ذ حيواتهم السابقة، ولم يفرضوا معتقدهم يوماi أو ما ال يقل عن األلف سنة وكموحدين آمن%%وا ب%%التقمص في ك%%ل عص%%ر وزمن. ولم يلتمس%%وا يوم%%ا يحاولوا أن يستميلوا الغير إلى تبني معتق%%دهم ألن التقمص بالنس%%بة لهم ه%%و أك%%ثر من معتق%%د، ه%%و القانون الذي بدونه يفقد اإلنسان قدرته على معرفة أبعاد العدالة اإللهية ومعالج%%ة مجري%%ات حيات%%ه اليومية. إنما وقوعات النط%%ق )أي ت%%ذكر الحي%%وات الس%%ابقة( تحص%%ل عن%%د المعتق%%دي به%%ا أك%%ثر منi للص%%ور واألح%%داث ال%%تي تم%%ر على شاش%%ة غيرهم ألنهم بإيم%%انهم بحقيق%%ة التقمص يول%%ون اهتمام%%ا ذاكراتهم )إن عبر الحلم أو الغيبوبة الروحي%%ة أو الرؤي%%ة(. فقابلي%%ة ت%%ذكر الحي%%وات الس%%ابقة ليس%%تi، فهي قابلية موجودة وهاجعة في كل نفس تظهر من القوة i على الهندوسيين أو البوذيين مثال حكرا إلى الفعل حسب ظروف الزمان والمكان والبيئة التي ينشأ فيها اإلنسان. وهي تكون على أش%%دها

Page 37: ابناء النور عبر العصور

بين السنة الرابعة والسادسة من العمر. ول%%ذلك ف%%إن الول%%د ال%%ذي يب%%دأ بت%%ذكر ش%%ذرات من حيات%%هi ما يرد األهل i في بيئة ال تؤمن بالتقمص. فكثيرا السابقة إنما تمر مروياته دون انتباه إذا كان مولودا في هذه الحالة كالم الطفل إلى خيال األطفال المفرط وكأن عقل اإلنس%%ان يعم%%ل كمول%%د للص%%ور متجاهلين أن ليس في عالم العقل خرافات إنما هو عالم األفكار المستقاة من الصور التي ال تفنىi فال تلبث أن و"سبيل الفكر إلى ما فقد وليس إلى ما جهل". وهكذا ال تلقى ه%%ذه القابلي%%ة تش%%جيعا

تخبو وتزول.

قسم التوثيق في جلة الضحى

مبادئ التوحيد

قـدم الكـونقصة الخلق كما في سفر التكوين:

كانت بداية العالم المياه البدئية، أو مياه الغمر: "وعلى وجه الغمر ظلم%%ة،   اليوم األول: وروح الله ترفرف على وجه المياه"، فخلق الله النور و "ق%%ال الل%%ه: ليكن ن%%ور،

فكان النور".

تم فيه خلق السماء: "وقال الله: ليكن جل%%د في وس%%ط المي%%اه... وفص%%ل   اليوم الثاني:بين المياه التي تحت الجلد، والمياه التي فوق الجلد... ودعا الله الجلد سماء".

تم فيه خل%%ق األرض والبح%%ار والنب%%ات: "وق%%ال الل%%ه: لتجتم%%ع المي%%اه تحت   اليوم الثالث:i، ومجتم%%ع السماء إلى مكان واحد، ولتظهر اليابسة... ودعا الل%%ه اليابس%%ة أرض%%ا

."i i وقال الله: لتنبت األرض عشبا المياه دعاه بحارا

وفيه تم خلق النجوم والزمان والش%%مس والقم%%ر واللي%%ل والنه%%ار: "وق%%ال   اليوم الرابع: الله: لتكن أنوار في السماء، لتفصل بين النهار واللي%%ل، وتك%%ون آلي%%ات وأوق%%ات

وأيام وسنين"، ثم "عمل الله النورين العظيمين".

وخلق الزحافات والطيور بأنواعها: "وقال الله: لتفض المياه زحافات ذات اليوم الخامس:نفس حية، وليطر طير فوق األرض".

تم فيه خلق الحيوان واإلنسان: "وق%%ال الل%%ه: لتخ%%رج األرض ذوات أنفس اليوم السادس: حية كجنسها بهائم ودبابات ووحوش"، "وقال الله: نعمل اإلنس%%ان على ص%%ورتناi من األرض، كشبهنا... فخلق الله اإلنسان على صورته"، وجبل ال%%رب آدم تراب%%ا

i حية". ونفخ في أنفه نسمة حيوية، فصار آدم نفسا

Page 38: ابناء النور عبر العصور

هو ي%%وم الراح%%ة: "وف%%رع الل%%ه في الي%%وم الس%%ابع من عمل%%ه ال%%ذي عم%%ل،  اليوم السابع:فاستراح في اليوم السابع".

i وجعل هناك اإلنسان الذي جبله. وأنبت الرب اإلله من األرض كل        "وغرس الرب اإلله جنة" في عدن شرقاشجرة حسنة المنظر وطيبة المأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر".

"وأخذ الرب اإلله اإلنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها، وأمر الرب اإلل%%ه اإلنس%%ان       i: من جميع أشجار الجنة تأكل، وأما شجرة معرفة الخير والشر فال تأكل منها، فإنك ي%%وم تأك%%ل قائالi يناس%%به... i" "وقال الرب اإلله: ال يحسن أن يكون اإلنسان وحده، فألصنعن له عونا منها تموت موتاi على اإلنسان فنام. فأخذ أحد أضالعه وسد مكانها بلحم. وبنى ال%%رب i عميقا فأوقع الرب اإلله سباتا

اإلله الضلع الذي أخذه من اإلنسان امرأة، فأتى بها اإلنسان".

"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات الحقول التي صنعها الرب اإلله. فقالت المرأة: أيقنا ق%%ال        الله: ال تأكال من جميع أشجار الجنة؟ فقال المرأة للحية: "من ثمار أشجار الجن%%ة نأك%%ل، وأم%%ا ثم%%ر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: ال تأكال منه وال تمساه كيال تموتا. فق%الت الحي%ة للم%رأة:i ال تموتان، فالله ع%الم أنكم%ا ي%وم ت%أكالن من%ه تنفتح أعينكم%ا وتص%يران كآله%ة تعرف%ان الخ%ير موتا والشر. ورأت المرأة أن الشجرة طيبة لألكل ومتعة للعيون وأن الشجرة منية للتعقل. فأخ%%ذت منi زوجها الذي معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعرفا أنهما عريانان". "فقال ثمرها وأكلت وأعطت أيضا الرب اإلله للمرأة: ماذا فعلت؟ فق%%الت الم%%رأة: الحي%%ة أغوت%%ني ف%%أكلت... وق%%ال للم%%رأة: ألك%%ثرون

i... فملعونة األرض بسببك.." فأخرج الرب آدم من جنة األبدية. مشقات حملك تكثيرا

كما في اآليات القرآنية:

i حيث شئتما وال تقربا هذه الشجرة        "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنة وكال منها رغدا فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه. وقلنا اهبطوا بعضضكم لبعض

(.35 – 36عدو ولكم في األرض مستقر ومتع إلى حين..." )البقرة

إن سفر التكوين والقرآن ليسا أول الكتب التي تكلمت عن قصة الخلق. إن بعض الشعوب       i. فالقصة السومرية ترجع إلى سنة ق.م.،4000الغابرة في القدم كان لها قصتها عن الخلق أيضا

كما أن معظم الروايات حول الخلق بقي أثرها في الروايات البابلية. هذا باإلضافة إلىالمخطوطات والكتابات التي وجدت في مصر القديمة ولدى حضارات الشرق األقصى.

المنظار التوحيدي:

في معظم هذه الروايات نجد أن قصة الخلق تتشابه. على سبيل المثال، إن المياه كانت        األساس في بدء الخليقة. فالسومريون كانوا أول من آمن بهذا االعتقاد، ثم تبعهم فيه البابليون

والسوريون الذين سموا إله المياه "يم"، وهو ما يعني في اللغة العربية "بحر". حتى اإلغريق لمi المياه أو يبتعدوا عن هذا المعتقد، فاإلله أوقيانوس، وهو أصل الخلق عند اإلغريق، يعني أيضا

المحيط. ثم أتت التوراة ومن بعدها اإلنجيل والقرآن ليؤكدا ما تقدم. ومع ذلك فإن إجماع المتدينين التقليديين من كافة األديان على أن المياه هي العنصر األساسي في عملية الخلق لم

Page 39: ابناء النور عبر العصور

i إلقناع الروحيين القدماء أكثر مما كانت نظرية طاليس المالطي ) ق.م.( أن546 – 640يكن كافيا المياه هي العنصر األساسي للتكوين بالنسبة للفالسفة الذين سبقوا سقراط. ال شك أن هذه القصص كانت موجهة إلى عقول العامة وليس القصد من هذا القول أن الحكماء كذبوا هذه

الروايات، بل أنهم عرفوا كونها قدمت في الكتب السماوية بهذا األسلوب لكي يفهمها العامة.

i أن الرواية التكوينية للخلق في أسفار العهد القديم والجدي وفي القرآن الكريم فمن الواضح جدا يجب أن تؤخذ بدالالتها العميقة ال السطحية، وال حاجة للفرد منا أن يتمتع بروحانية أو تفكير

i من قبل العديد من "إيزوتيري" لكي يخلص إلى هذه النتيجة. فتفسير رواية آدم وحواء حرفياالكتابيين المتطرفين شكل الكثير من الجدل الالمتناهي عبر العصور، على سبيل المثال:

الزعم بأن حوالي الستة مليارات بشري الذين يسكنون األرض اليوم، والذين يحملون  -1 كل هذه االختالفات الجسدية والحضارية، والفوارق التكوينية في صورهم وهياكلهم

i عن المعقول لدرجة أن اإلنسان قد يقبل تحدروا جميعهم من الثنائي اآلدمي، يبدو بعيدا أي بديل عن قصة الخلق، حتى ولو كان هذا البديل هو نظرية داروين في التطور

الجيني.

i. باإلضافة  -2 إن مبدأ تكون حواء من ضلع آدم )ذا أخذ بحرفيته( يبدو غير طبيعي إطالقاi إلى أن جعل الجنس األنثوي هو المسؤول عن هبوط آدم من الجنة، وبالنتيجة مسؤوال

i في قبول قصة آدم وحواء كما أنه شوه مفهوم عن كل اآلثام في العالم، أثر سلبا العدل اإللهي لدى اإلنسان. هذا التشويه في مفهوم العدل اإللهي أوحى بأن الخالق، على أحسن تقدير، فشل )وحاشا أن يفشل( في تقديم حقيقة الجوهر اإللهي بصورة

تتجاوز صورة األبوة والسلطة التي يتخذها اإلنسان عن الله.

إن االعتقاد بأن الوجود البشري يعود في القدم إلى آدم وحواء )اي حوالي ما قبل  -3 عام( هو اعتقاد أكد العلم خطأه، فإن العلماء قد عثروا على العديد من البقايا7000

البشرية المتحجرة التي يعود تاريخها إلى ماليين السنين. باإلضافة إلى ذلك، فإن وجود صروح أثرية عجيبة مثل األهرامات في مصر والمكسيك هو برهان كاف لرفض كلتي الفكرتين، الرواية التقليدية والنظرية الداروينية. فالحضارة اإلنسانية كانت موجودة، على األقل، خالل فترة بناء هذه الصروح والتي يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل الحقبة

اآلدمية. وال شك أن المعرفة التي استخدمت في بناء هذه الصروح والتكنولوجياi إلى درجة تفوق التكنولوجيا المعروفة المستخدمة لذلك الغرض كانت متقدمة جداi. وهذا ما يتعارض مع النظرية الداروينية في التطور التي، تبعا لما تقول، فإن حديثا

i منذ التكنولوجيا التي استخدمت في بناء األهرامات، ال بد أن تكن قد تطورت عكسياذلك الوقت.

المقصود في مفهوم األسفار التوحيدية لقصة آدم وحواء هو الخلق الروحي وليس الجسدي        كما يعتقد الكثيرون. إن القصة هي قصة والدة الروح، فوالدة المادة هي تعبير ال إرادي للوالدة الروحية. من أقوال اإلمام السادس جعفر الصادق: "المؤمن أخو المؤمن من أمه وأبيه. أبوهما

النور وأمهما الرحمة". النور في المفهوم التوحيدي يرمز إلى "العقل الكلي" والرحمة ترمز إلى

Page 40: ابناء النور عبر العصور

"النفس الكلية".

من الواضح أن الصادق ربط جوهر األخوة واألبوة باإليمان. فوحده اإليمان، وليس الدين        )بالمفهوم البشري السائد( أو العرق أو الدم، هو ما يحدد األخوة الحقة، وهو أخوة الروح. هذا

المبدأ يلقي بعض الضوء على طبيعة األبوة الروحية التي منها ولدت األرواح.

( "وإن عليه النشأة األخرى"62 "ولقد علمتم النشأة األولى فلوال تذكرون". )الواقعة:        (.47)النجم:

إن هذه اآليات من القرآن الكريم تؤكد أن النشأة أو الخلق يتعلق بنوع من الوالدة       

السابقة التي يذكرهم بها. ففي اآلية األولى، يتذكر البشر الخالق من خالل الوالدة األولى. وهذه

i، أراد أن يعرف فخلق i مخفيا الفكرة تؤكدها عقيدة التوحيد، فالله في الحديث القدسي كان كنزا

i لعقيدة الخلق وحقق إرادته بالمعرفة من خالل خلقه. قد يكون هذا معنى الخلق المادي. ولكن تبعا

التوحيد التي تكمن أهميتها إنها تتفق مع المنطق العقالني الصافي، فإن الخلق هو خلق العقل

الكلي الذي يعرفه اليونان بإسم ال% "لوغوس" فكون الله أقرب في جوهره إلى الوعي من المادة،

فهو ال يعرف إال عبر ما هو مشابه له في الجوهر )أي العقل البشري المنبثق كشعاع الشمس من

العقل الكلي(. وهذا يشير إلى أن أهمية الخلق ال تكمن في خلق الجسد اآلدمي على قدر ما تكمن

ي أو العقل المبدع قبل الزمان والمكان والمادة.%في خلق الوع

معظم األديان واالعتقادات، بشكل أو بآخر، وعلى الرغم من اختالفاتها تعترف بأن الخالق       

i هو صورة صافية من الله. كما تؤكد أن الخالق أعان هذا المخلوق بالنور خلق في البدء كائنا

والقوة وجعله سبب الخلق المادي والروحي على السواء. وهذا الكائن يسمى في مختلف الديانات

السماوية آدم. وجميعها تتفق على أن آدم جبل من تراب على صورة الله. العهد القديم يؤكد أن

آدم جعل على صورة إله بني إسرائيل. كذلك تخلص سائر األديان السماوية إلى أن آدم ولد من

دون أبوين.

فكيف إذا يمكن لكائن بشري أن يولد من غير والدة جسدية؟       

إذا تأملنا في صحة قصة الخلق لوجدنا أنها ال يمكن أن تكون موضوع خلق مادي.       

Page 41: ابناء النور عبر العصور

فلماذا إذا اختبر التراب ليكون مادة لخلق آدم؟       

i أفضل؟        إذا كان اختيار الله قد وقع على التراب لتفاوته، أفال يكون الصخر أو الماء اختيارا

i أكثر نقاء وأقل تلوثا من التراب. فالصخر مثال

i من التراب. ولكن إذا كان آدم أفضل مخلوقات        يعتبر البعض أن آدم يمتاز بكونه مصنوعا الله، أفلم يكن من األفضل لو اختار الله أحد المعادن الثمينة أو األحجار الكريمة كالذهب أو

الماس لصنعه؟

أما بالنسبة لمن يقول: "ادم مكرم ألنه لم يتلوث بدم امرأة". فلماذا لم يكرم الله سائر       األنبياء بنفس الطريقة؟

i، فالمعتقد        حتى في القراءة الحرفية لقصة آدم وحواء، نجد أن التفسير لم يكن صحيحا السائد أنه حين خلق آدم، لم يكن هناك أي كائن بشري آخر. لكن أي قراءة للنص ولو كانت

سطحية تفضي إلى أن حياة البشرية كانت موجودة على األرض قبل ذلك. الدليل األول موجودفي التوراة ف قصة قابيل وهابيل.

فالقصة تقول إن الله خلق حواء من ضلع آدم وهي حبلت منه يقابيل وهابيل. ثم أن حسد       قابيل وكرهه ألخيه جعاله يقتل أخاه. ثم، كما ورد في النص، قال قابيل لله الذي عاقبه:

"ذنبي أكبر من أن يغفر. إنك قد طردتني اليوم عن وجه األرض ومن وجهك أستتر وأكون       i عن األرض فيكون أن كل من وجدني يقتلني. فقال له الرب، لذلك قل من قتل قابيل i شاردا تائها

فسبعة أضعاف يقاد به. وجعل الرب لقابيل عالمة لئال يقتله كل من وجده".

إذا كان آدم وقابيل هما البشريان الوحيدان بعد مقتل هابيل، فلماذا يضع الله عالمة لقابيل       لكي ال يقتله من يراه؟

رؤية المالئكة:

ويأتي الدليل الثاني من القرآن وإن يكن أقل وضوحا من األول إنما يسهل فهمه حتى على       من يلتزم بالقراءة الحرفية لآلية:

ل فيها من يفسد فيها%ة قالوا أتجع% "وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليف       (.30دك ونقدس لك قال إني أعلم ما ال تعلمون". )البقرة: %ويسفك الدماء ونحن نسبح بحم

إن رد المالئكة على إعالن الله فيه ما يوحي بتجربة بشرية سابقة آلدم انتهت بكارثة ما.        فالمالئكة بدو وكأنهم مترددون حول مشيئة الله بإخضاع األرض لمثل هذه التجربة وكأنهم قد سبق

وتعرضوا لمثلها. يقول البعض إن للمالئكة رؤيا للمستقبل وأن ردهم كان من باب الخوف من أن

Page 42: ابناء النور عبر العصور

الشر سوف يسود في األرض. ولكن في جميع الحاالت، أكان قول المالئكة رواية ألحداث حصلت أم تنبؤا لما سوف يحصل، فإن الشر المتمثل بوصف المالئكة، شر مادي دنيوي يوحي بحرب أو

مذبحة مما يؤكد على األقل وجود خلفية أرضية الحتجاج المالئكة.

"وعلم آدم األسماء كلها ثم عرضهم على المالئكة فقال انبؤوني بأسماء هؤالء إن كنتم        صادقين. قالوا سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم

(.31 – 33بأسمائهم..." )البقرة

لماذا آدم، ذاك المخلوق األرضي، له علم بما ال تعلمه المخلوقات السماوية؟       

فإذا كانت المالئكة تجهل طبيعة آدم، فكيف تستطيع أن تتنبأ بمستقبل يتعلق بالرحلة اآلدمية       على األرض إن لم تكن قد شاهدت رحلة مشابهة لها؟

ثم لماذا تتنبأ المالئكة بالمستقبل لله، خالق الزمان والمكان، عالم كل شيء، أليس من       الخطأ أن نستخلص من نص كتابى أن يكون المخلوق في موضع إعالم الخالق عن أمر ما؟.

في جميع األحوال، يبدو أن المالئكة الذين يتحدث الله إليهم عن آدم ليسوا مالئكة بالمعنى        الذي يصوره العامة عن المالئكة ككائنات طائرة تحلق في السموات، وهذا مما يؤكده المعتقد

i بشر. فلو كانوا التوحيدي. إن قراءة النص قراءة أعمق تقضي إلى أن إبليس والمالئكة هم جميعاi مجردة لكان من الضروري أن يكونوا أعلى مرتبة من آدم، الذي هو أفضل مخلوقات الله. أرواحا

قد يزعم البعض أن طبيعة آدم البشرية قد تكون األكمل وليس بالضرورة أكثر قدسية. أي       i في عين الله. ولكن حتى إذا i كامال أن علو شأن آدم مرتبط بترابيته وهذا مما يجعل منه مخلوقاi للمعرفة التامة؟ فمن الواضح i عن الكمال، أفليست القدسية سببا i منفصال كانت القدسية جوهراأن المالئكة أمروا بالركوع أمام آدم ألنهم كانوا أقل معرفة" منه فكيف يكونون إذا أكثر قدسية؟

باإلضافة إلى ذلك:

كيف يخلق الله إبليس من طبيعة أكثر قدسية من طبيعة آدم؟

i من الخير؟  كيف يمكن أن يكون الشر أكثر روحية وتجردا

هذه الفكرة ليست فقط غير مطابقة للنص بل وخطرة، إذ أنها تقضي إلى القول بأن الشرأقوى من الخير، وهو ما يعاني منه عالمنا هذه األيام.

كذلك، فإن جملة "إال إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين" تؤكد أن إبليس لم يكن

i بين الذين كفروا. وهذا يتعارض مع الفكرة القائلة بأنه لم يكن ثمة خلق قبل آدم وحواء وأن وحيدا

حواء هي أول من تعرض له الشيطان. كما أنه يتعارض مع الفكرة القائلة بأن الشيطان هو

Page 43: ابناء النور عبر العصور

المسؤول الوحيد عن كل الشرور التي يراها اإلنسان على األرض. إن فكرة كون إبليس بشريا

i تحل i عن كونه روحا i آخرين عن طريق الحيلة والخداع وتلبيس الباطل بالحق عوضا يضلل بشرا

بهم وتضع مسؤولية أكبر على البشر لكي يتحكموا بقدرهم ويميزوا بين الخير والشر والنور

والظلمة وغير ذلك من االزدواجات والتناقضات. كما أنها تجعل عالم الشر عالما يمكن فهمه

i لمقاييس تفوق والتهرب منه من خالل اإلرادة الذاتية واعتماد الفكر والعمل الصحيحين )وفقا

i( وليس بالشرط من خالل االعتماد على الكهنة والرهبان التقاليد والقوانين واألخالقيات عمقا

 واألئمة والشيوخ دون تمييز وروية.

i، وإذا كان آدم يحمل في طبيعته بذور األلوهية، أفليس من المنطق أن تكون هذه أخيرا األلوهية هي في اإلرادة الحرة والخيار الحر الممنوح للبشر عوضا عن المادة العضوية الدنيوية؟

i أمام رياح أوليس القول أن صورة األلوهة في آدم هي ذلك المجبول من الطين الذي يقف عاجزاi من شأن صورة الله؟  قوى الشر تقليال

توحيد ما قبل آدم:

i لعقيدة التوحيد إن الرحلة اآلدمية التي ابتدأت منذ حوالي ال%         عام لم تكن بداية7000 وفقاi من األدوار العديدة السابقة التي منحت فيها البشرية فرصة التعرف على الخليقة بل كانت دورا

الخالق والتي انتهت بكوارث عظيمة محيت آثارها من التاريخ. ويتحقق الموحدون بمحاوراتأفالطون من ثبات هذه العقيدة )أي قدم الكون(:

لقد حصل، وسوف يحصل، تدمير للبشرية لعدة أسباب، أعظمها ما يأتي من النار والماء،       وغيرها أقل عظمة ألسباب أخرى ال تحصى. )تيماوس(.

i لمحاورات أفالطون( كانت نتيجة الحروب الدائمة بين        إن هذه التغييرات أو الكوارث )وفقاi ما أدت إلى االستعمال الخاطئ للقوى الروحية والمادية يمكن قوى الخير والشر والتي غالبا

مقارنتها بخطر االستعمال النووي الذي يهدد العالم اليوم.

 

األلفية السابعة... وبزوغ فجر العصر الذهبي

"سبعة"، عدد يلقي في النفس جالل القداسة وبهاء الكمال، "سبعة" نغمة سحرية تصدح       i يمجد ارتقاء الروح في معارج الجمال، "سبعة" طلسم أصداؤها في رحاب سماوات الذات نشيدا

خفي يرصد مفاتيح مغاليق المعرفة ومن عرف فكاكه تفتحت له نوافذ العرفان، وانسلت ألجله عرى قطيبات الحجب الخافيات، ليتناغم مع إيقاعات سباعية متناظرة األبعاد، كأبعاد كواكب

Page 44: ابناء النور عبر العصور

المنظومة الشمسية والسدم والمجرات، وجزيئيات العالم األصغر وعوالم الجزيئيات، وليدرك حكمة بنت على أعمدتها السبعة هياكل االنتهاء والتغير والتجدد والكمال. ما السر وراء هذا العدد الذي اعتبرته الفلسفة الفيتاغورية العدد األقدس ورمز الكمال؟ وما هي حقيقة السماوات السبع

الطباق واألرضين السبع؟ وما عالقة أفالك الذرة السبعة بأفالك الكواكب السبعة التي أطلقتi على أيام األسبوع السبعة؟ وما الرابط ما بين تجدد خاليا الجسم البشري بأكمله أسماؤها قديما

كل سبع سنوات والسلم الموسيقي المسبع الدرجات حيث يتجدد مع انتهاء النغمة السابعة بنغمة قيثارية أرقى؟ إنها الحكمة اإللهية حيث "كل ما بلغ سبعة انتهى وجب تغييره وحدوث غيره" في نظام محكم يخضع له العالمان األكبر واألصغر ومسار الزمان وكينونة المكان وما ورائهما. لقد

( مكانة مقدسة لدى حضارات الشعوب القديمة، كالبابلية والفينيقية7عرف العدد سبعة ) واألشورية والقرعونية وعند الفرس واإلغريق، واكتسب الكثير من الدالالت والرموز في األديان

والرساالت، والجذر اللغوي للكلمة يعني الكفاية والتمام أي الكمال، وفي القرآن الكريم "لقدi من المثاني والقرآن العظيم" )اللحجر (. والمثاني السبع حسب التفسيرات هي86أتيناك سبعا

i. ثم i وراقبه سبعا آيات سورة الفاتحة، وقال النبي العربي الكرمي "العب ولدك سبعا"، وأدبه سبعا اجعل جعله حيله على غاربه" دون أن ننسى السنابل السبع "في كل سنبلة مائة حبة"، ونجد عند

اليهود "السبت" وهو اليوم السابع، ويحتفل اليهود في عيد المظال سبعة أيام. وفي المسيحية، تقرأ في سفر الرؤيا ليوحنا أن حمل الله يجلس وسط سبع منائر وفي يده اليمنى سبعة كواكب، ونقرأ عن األختام السبعة والمالئكة السبعة الذين يحملون الجامات السبعة المملؤة من الضربات

i حول األزمنة السبعة، وغيرها الكثير. وفي البوذية انتقل السبع األخيرة، وفي سفر دانيال نقرأ كالما "سيداهارتا غوتاما" من رتبة اليوذيستاف إلى رتبة بوذا خالل سبعة أسابيع، وال تغفل الهندوسية

i والشواهد كثيرة. كما ويفتخر اإلغريق بحكمائهم السبعة، ويعتبر الحرف عن قدسية هذا العدد أيضاi للحكمة والعرفان... G الالتيني السابع ومن منا لم يسمع بعجائب الدنيا السبع، God - Gnosis رمزا

كاألهرامات ومنارة اإلسكندرية وحدائق بابل وتمثال جبار رودس وتمثال جوبيتر األولمبي ومعبد هالكرناس وهيكل ديانا في أفسس. ونجد في الطبيعة أن ثقوب وجه اإلنسان سبعة، وطوله سبعة

، وألوان الطيف أو قوس القزح سبعة، وهذا كله غيض7 × 4 = 28أشبار بيده، والشهر القمري i عن األساطير. من فيض، رموز ودالالت العدد وقدسيته في األديان والحضارات والفلسفات فضال وفي النهاية، نستخلص الحكمة ونتساءل والعالم على وشك الدخول في األلفية السابعة، أي من

i ثانية" ويع%ة هذا القرن، هل تب%ة الفلكية "برج الدلو"، مع نهاي%الناحي م الكون%دل األرض أرضا العصر الروحاني الذهبي؟ الجواب عند من يفقه أسرار األدوار السبعة!!

في التوحيد تعتبر الرحلة اآلدمية كفرصة أخيرى للبشرية لمعرفة الحقيقة التي قدمت لها       في أدوار سابقة: قبل آدم بأدوار عديدة.

إنك في الواقع ال تتذكر سوى طوفان واحد، ولكنه كان هناك العديد كما أنك ال تعرف أنه في       i أفضل وأنبل عرق بشري وإنك وكل مدينتك تحدرتم من بقية من نجا. هذه األرض عاش سابقا

)تيماوس(.

من هم المالئة؟

إن المالئكة في قصة آدم )من المنظار التوحيدي( هم من يشير إليهم القرآن "بالسابقون".       

Page 45: ابناء النور عبر العصور

فالسابقون )بالمفهوم التوحيدي( هم الموحدون األوائل الذين خضعوا للتجربة في األدوار السابقة ثم أتوا في هذا الدور على صورة أنبياء أو حكماء مثل "أيوب" )الذي ضربت في قوة صبره

األمثال(. هؤالء استطاعوا فهم الرسائل النيرة التي أرسلت إليهم في أدوارهم السابقة، كما فهم الموحدون الحقيقة المتواصلة التي أتت في هذا الدور على شكل فلسفات وأديان من بينها

الديانات السماوية الرئيسية الثالث.

أما الجن فهم )بالمفهوم التوحيدي( قوى الشر الذين فشلوا في تجارب األدوار السابقة       i لما وعد به الشيطان بمنحه وأتوا بالبشرية إلى الهالك ليمنحوا فرصة أخيرة في هذا الدور تحقيقاi لنظرته التي سيلقى بعدها العذاب األبدي مع كل الذين i للوعد وإتماما كل الوقت الذي يريد إنجازا

أضلهم. وقد ذكر هذا بتفصيل واف في القرآن الكريم.

الجن )بالمفهوم السائد( اسم يعطى عادة ألرواح شبهية لألشباح، تتمتع بقوى شريرة كبيرة،        ولكن في الواقع التوحيدي )وكما يؤكد القرآن الكريم من خالل وصف المالئكة للتجربة الدموية

التي مرت بها األرض والتي جعلت المالئكة يتساءلون عن مغزى إخضاع األرض لمثل هذه التجربة مرة ثانية(. الجن هو اسم شعب سابق لعصر آدم فشل في استعمال قوى اإلرادة الحرة التي

i فانحصر دوره في منحت للبشر منذ بدء الخليقة )أي ماليين السنين( وهبط إلى عوالم أدنى وعيا عصر آدم على التأثير السلبي الباطني كتحوير تاريخ ورسائل األنبياء والرسل وتضليل الخلق

i عن نور العقل فقوم الجن هم من وإبعادهم عن الحق والحقيقة وجعلهم يتصرفون بغرائزهم بعيدا ذكرهم العهد الجديد باسم "الدليل األعمى" أو الفريسيين والصدوقيين الذين "يمتلكون مفاتيح العلوم ويجهلون استعمالها فيقفلون باب ملكوت السموات في وجه الخلق فال هم يدخلون وال

يتركون غيرهم يدخل...".

i لتبعيتها الدينية، العرقية،        كل الشعب التي سكنت األرض عرفت في دور آدم وفقا الجغرافية، أو الفلسفية مثل الكنعانيين، اليونانيين، العدنانيين. مما يعرف أن في األدوار التي خلت

i لطبيعتها الروحية وكان يطلق عليها أسماء ك% "أبناء النور" و كانت الشعوب تعرف وتعرب وفقاi "أبناء الظلمة أبناء الواحد" كما تؤكد بعض المخطوطات الغنوصية القديمة. وقوم الجن )خالفا

i من األشباح أو األروح المجردة. هم )بالواقع التوحيدي( بشر لبعض المفاهيم الشائعة( ليسوا قوما عاشوا في زمن "البار". ودعوة البار هي دعوة توحيدية تضمنت دور آدم. الجن هم شعب رفض

i عن طبيعة قبول دعوة البار. والجن لفظ مشتق من الجنون فسموا بالجن ألنهم خرجوا تماماi عبر عنه إبليس i أن ينير طريقهم( خروجا وتعليم العقل الكلي )وهو نور الوعي الذي كان مفترضا

برفضه للسجود آلدم )أي العقل الكلي( بقوله "خلقتني من نار وخلقته من طين فلماذا أسجدله؟".

استعمل الجن ما يسمى اليوم ب% "السحر األسود" لتدمير بعضهم البعض. ومع قدوم دور آدم        )الذي هو أكثر األدوار مادية( لم يعد للقوى الروحية دور في مثل هذه الحروب واستبدلت

i عن باألسلحة التي يشهدها العالم اليوم، والتي وإن اختلفت في الطبيعة تبقى هي هي تعبيراi لعقيدة التقمص إن روحانية مضادة للخير دامت للماليين السنين. )فليبق في ذهن القارئ أنه وفقا األرواح تلك هي هي اآلن في أقمصة مختلفة تمارس ما عرفته من خير وشر منذ بدء التكوين وإن

i تظهر ما تضمر في كل أقمصتها وتقلباتها "ومن ثمارهم اختلفت األساليب والطرق فهي دائما

Page 46: ابناء النور عبر العصور

تعرفونهم"(. لو أن قصة آدم التي جاءت في سفر التكوين كانت بالتفصيل واإلفصاح اللذين نقدمها بهما اآلن، لما كانت فرصة جديدة للبشرية. فإن األرواح المنتقلة من حياة إلى أخرى قد ال تتحمل

i أن تستمر في حياة جديدة وهي مثقلة بذكريات أن تتذكر حياتها السابقة، فإنه من الصعب جدا أليمة ألحداث عاشتها في الحياة السابقة. كذلك فإن أرواح البشرية جمعاء تنسى كل أحداث الدور السابق بانتقالها إلى دور جديد. فإن ذكريات الحروب والكوارث التي ال تعد إذا ما بقيت في وعي

الذاكرة تمنع األرواح الضعيفة من التمتع بالمهلة الجديدة وإظهار ما تخبئ من خير وشر.

i كيف أن اإلجهاد الذي يصيب الذاكرة القصيرة األمد        في محاولة لفهم هذه الفكرة، خذ مثالi عن العمل ومصابا باالكتئاب. لدى اإلنسان يتركه مشلول التفكير عاجزا

لهذا السبب فإن مجيء العقل الكلي )وهو شروق الذاكرة الكونية( يشكل مبدأ الجنة والنار       )بالمفهوم التوحيدي(.

إنكم وغيركم من األمم، حين يبدأ تزويدكم برسائل وضروريات الحياة المتقدمة، بعد مرور        وقت معين، سوف يأتيكم من السماء سيل من الطاعون فتبدأون من جديد كاألطفال، غير عارفين

ما حصل في األزمنة الغابرة بكم أو بغيركم. )تيماوس(.

إن رفض إبليس الركوع آلدم في هذا الدور السباعي األخير يمثل عينة من النكران الذي        أدى إلى سقوط البشر في األدوار السابقة واللعنة األبدية التي حلت على إبليس تترجم بوضوح

في جهل وفقدان البشر لذاكرتهم التي رافقتهم في شتى األزمنة والعصور وعبر ماليينالتقمصات.

إن العالم الروحي يسبق العالم المادي في طبيعته والمادة ليست سوى أداة التعبير عن       i يبدأ بتمثيل الخلل األصلي i أو جسديا i عضويا الروح. طالما يصاب أحد بمرض عقلي، فإن مرضا

)وهو خلل روحي يؤدي في غالب األحيان إلى فقدان الذاكرة وبالتالي الوعي(. أما حالة األلم التي تصيب الروح الكونية أو روح البشرية مجتمعة، فإنها تتمثل على األرض على شكل حروب أو

كوارث طبيعية عهدتها البشرية من قبل، "فسبيل العلم إلى ما فقد وليس إلى ما جهل" و "ليسمن جديد تحت الشمس".

إن فهم األمور التي تتعلق باأللم على مثل هذه المستويات بالمقارنة مع األلم على مستوى       i ترتفع فوق المقاييس والمعايير الفرد المحدود بال% "أنا" األنانية يتطلب استنارة ذاتية كبيرة جدا الدنيوية والدينية. فلهذا السبب، وعلى مر األدوار، ال نجد سوى قلة قليلة ممن التزم بمثل هذا

الطريق. وفيما نملك من التاريخ ما يكفي لتحديد هويتنا الحضارية والعرقية والدينية وغيرها من الهويات التي نتباهى بها ونتعصب لها ننسى أن هويتنا اآلدمية الحقيقة يعود قدمها إلى أدوار

وعصور إذا ما مرت أمام أعين ذاكرتنا تكون أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع.

i. وبينما ينحصر خوف وقلق        i وال مكانا آتي كاللص...": فشروق الذاكرة الكونية ال يعرف زمانا البشرية في هذا الزمن على ما سيحدث في العالم الخارجي قليل هم من يعون أهمية ما يطرأ

في عالم الروح.

Page 47: ابناء النور عبر العصور

.1999 قدم الكون – راجع الضحى العدد الثالث والثمانون )عدد خاص( – كانون الثاني        

البداية

مشاهد بعين مالك

عزيزي القارئ، أنت بصدد القيام برحلة تختلف عن سائر الرحالت التي قمت بها، هي رواية عن الحياة على األرض كما تراها عين مالك: مشاهد ومقتطفات من التاريخ بعضها قديم غاب في

i في صفحات قصة عظيمة، ثنايا النسيان، وبعضها اآلخر حديث العهد. وسرعان ما تجد نفسك عالقاال بل حرب مشتعلة بين الخير والشر، حرب ضروس نشبت منذ زمن بعيد بعيد.

أنت بصدد معرفة المعنى وراء مجابهات يوحنا المعمداني مع الفريسيين والصدوقيين الذين عبر التاريخ وتقلبات األجيال والعصور لعبوا دورين، في ظاهر األمر متناقضين "تناقض السياسة مع

الدين"، وفي باطن األمر متحدين في رحلة العدم. أنت بصدد التحقق من أن طريق الخالص وعر وعورة أشواك التناقضات بين الخير والشر التي زرعها الفريسيون والصدوقيون في سائر العصور

 وتقلبات األقمصة، لربما تكتشف استراتيجية المالئكة في التعامل مع مآسي هذا العصر.

سيحملك المالك وسط جميع منعطفات العصور لتشهد من بعيد ومن مكان آمن عمل الممثلين على مسرح األرض وعندما ترفع الستارة عن المشهد األخير، قد تبدو بعض الشخصيات

 غريبة، فقط وجه واحد مألوف... وجهك أنت.

 ليس هذا من نسج الخيال، إنه كاشف الحقائق، مهمة يستوجب القيام بها:

أحييكم يا أبناء النور األعظم باسم "الطفل العقل" الذي ما فتئ حتى الساعة المتأخرة هذهi يطرق الباب قلوبكم. هال هيأتم له المكان؟ هال استقبلتم الطفل الضعيف لجسد إنما الممتلئ أمالi يتنشق أولى أنفاسه من الروح. هو بالفعل نار مقدسة، بل هبة من السماء بخالص العامل، طفالi لنرى مكان والدته، ولنمجد كلمة يهتدي بنور ظهوره أولئك الذين ساروا في الظالم. فلنذهب معا

الرب المتجسدة في نور العقل أفق الفجر ليقع بثبات ويستقر في قلب المؤمن المرفوع. فيقلوب أبناء الرب الذين اعترفوا بربوبيته.

تلة الصعود:

أين هي تلة الصعود؟ إنها مكان النور في قلوبكم مهد والدتكم األولى حيث نشأتم على       i i لتعاليم أبيكم وأمكم: من المحبة وبالمحبة وللمحبة. إلى أن يصبح المولود، روحا سبيل العقل وفقاi مولودة من جديد، مولودة للحياة األبدية فتبارك بذلك أولئك الذين نزلوا إلى هضاب المادة، أرواحا

غفلت عن واقع الحياة األبدية لتحقق الحكمة اإللهية من الخلق.

Page 48: ابناء النور عبر العصور

فندعوكم في ليلة الصبحة "األلفية" هذه لنحتفل ببلوغ "الطفل" وبمجيء كلمة الرب األزلية       i في هذا العالم الغارق في المتجسدة فيكم. إن بلوغ "طفلكم" يضاعف نور الشمس ويزيدها تألقا

عتمة الديجور.

فمضاعفة النور أمر ملح أيها األحباء لمواجهة تحديات ظالم ما قبل طلوع الفجر عندما يقف       i" مع "الحمل" على رأس ذلك الجبل. "المالئكة السبعة" "والمئة واألربعة واألربعون ألفا

في عيشة عيد ميالد "الطفل"، ولدت روح في داخلكم لتعيش وترى النور في صورة ذلك        "الطفل" – ولدت لتعيش وتؤدي أعمال الله فيكم في كل يوم من أيام حياتكم. فالله بكم سيظهر

نفسه على األرض كما في السماء عبر تكريس القلوب الرقيقة، القلوب العارفة بأمور الوجود.

جبل الصحن:

فتسلقوا جبل الشدائد والمحن التي بذرتموها وحصدتموها ودعوا شعلة الحياة، "صولجان        ألفا وأوميغا" الصاعد، تنفجر لتتلف وتستنفد جبل المحن "الكارمية"، وفي مكانه شيدوا جبل

الطوبى والبركة مع مالئكة النور وروح نور القيامة. فالشعاع البراق العظيم سيعيد لكم كيانكم إلى أن تروا جبل المحن وقد تحول إلى هرم الحياة العظيم، وهرم الحياة هذا يا أحبائي هو تلة الصعود

خاصتكم، المكان الذي هيأتموه لتتجسد فيه الكلمة مادة وروحا.

فعلى تلة الصعود تلك بالذات. نقف في ليلة "الصبحة األلفية" ننتظر بفارغ الصبر هضبة من        أثير لتظهر بأعمال المؤمنين، تلة أطلق عليها المؤمنون أسم "تلة الصعود"، المكان الذي يتأملون

."i فيه وصيته: "أذهب" ألهيء لكم المكان... فحيث أتواجد تتواجدون أنتم أيضا

سر الوعي:

أيها األبناء السائرون على درب النور، قبل أن تشرعوا في تأمل سر تجسد كلمة الله فيكم       عليكم أن تعرفوا كيف أمن الله )جل وعال( هبوط النور التدريجي على وعي أبنائه.

من نقطة جسم الذاكرة الكونية، تلك القوة التي يتمتع بها العقل الكلي ندعوكم لتوحيد        الوعي بالالوعي، فمن قلب نقطة التوحيد هذه تتمسك الروح بالخيط الرفيع الذي يربطها بالحياة

األبدية. أيامكم على األرض اليوم ليست هي بحياة. بل هي مقتطفات وبقايا تجربة قديمة لكم تمسكتم بها كما يتمسك الجائع بالزاد. آه لو تتذكرون كم اغتبطم في عوالم غارقة بالكمال إلى

جانب أخوة لكم في الدالل، عوالم لم يبق منها سوى ذكريات عن حياة "عدنية" وقصصوأساطير.

وهكذا، فإن تجسد الكلمة يبدأ باتصال الروح بالذاكرة الكونية ففي وعي العقل توجد حلقات        شمسية وصور وآيات مصورة على خريطة ذاتكم اإللهية. وفيما تتأملون أقواس النور السباعية،

تفكروا بعمق دهور تجربتكم الذاتية في رحم النور قبل عصور تجسدكم على األرض، تجربة سبقت تحديات الزمان والمكان وكثافة كريات السماء. كانت هي األساس والنبض الخافق في الكريات المركزية التي تحرك كل خلية حية في نغم تيار الحياة وفي تكسر موجات النور التي تتفاعل مع

Page 49: ابناء النور عبر العصور

الصخور، صخور المادة األزلية.

آه يا أحبائي لو تتذكرون الشمس والنجوم واألعشاب المتموجة والحقول الفردوسية        واألشجار المثمرة وهواء الروح القدسية، وما كانت هذه إال ستارة خلفية الستيعاب أرواحكم

الزكية.

أما اللقاء مع الله )جل جالله( بعد تطور الروح عبر الرحلة اآلدمية فقد كان تجربة طبيعية       i ومادة في الجسم العظيم وكرياته الضوئية على هضاب ألولئك الذين نموا الكلمة المتجسدة روحا

األرض البدنية. هم واضعو القوانين وحارسو السكون العظيم ومعلمو العالم وأسياده والمالئكةالمقربون.

ففي دائرة األحدية الواسعة التي خلقها الله لتدبير خلقه، ما كان هناك أي وجود لشر يقاوم        الكلمة المتجسدة وال عدو للعقل، لذا بدأ اإللحاح على الخلق لتتفاعل ألفا وأوميغا ضمن تناقض

السحب والدفع، كان الدافع منطلقيا للحياة وللوجود وإلشعال النار األبدية، زيادة إدراك ووعي منا لأللوهية. وكما تعلمون يا أحبائي، لقد زرع الله في أبنائه الرغبة ليكونوا أكثر فأكثر على صورته،

فأضحت المحبة والمحبة وحدها، ال الحرب والمقاومة بين الظالم والنور هي السبيل الوحيدللوصول.

ليس الخلق هذا سوى اعتراف بقدر أبناء الله كشركاء في الخلق مع )العقل والنفس(.        ومشاركة الله في الخلق تعني القدرة على التمييز بين الوجود والعدم والقدرة على استقراء الخير

المحض وتصور السعادة اآلتية. فال تنالون ما ال تشتهون.

يا أيتها النار الالمتناهية، أنا ذات تقف في حضرة الله داخل الغرفة السرية الكامنة في        قلوب أبنائه، ذات في طيات الالوعي وسبيل للحرية، حرية التواجد في الله والشوق لهذه الحرية

التي تهددها ذاكرة التجربة الفوضوية، وضغوط الزمان والمكان. حرية ال تتجاذبها قوى وهمية: تحديات وأحقاد وكبرياء وسوء فهم مكدس فوق سوء فهم وثقافة تتحدى التعاليم اإللهية وجمود كبرياء يستفز المالئكة ويفوق "الهيرودية" العصرية. وقلق أرواح تواقة إلى سنين أخرى في نار

العبودية الدورية.

على األرض:

هنا على األرض يجب أن يتحول الحب إلى سيف في وجه الظلم ألن أبناء الله قد تنازلوا        عن جنات األلوهية ليصبحوا حاملي إرادة بشرية. والمتطفلين على مقاعد الحكم انتزعوا منهم

الحرية بأثمان رخيصة مادية.

إن الدفاع عن الكلمة المتجسدة فيكم يا أحبائي هو التحدي الكبير في مرحلة االنتقال من       عصر الظالم إلى عصر النور اآلتي.

فدعوا عناصر الحقد تذوب في منبع النور داخل قلوبكم لتحولوها إلى دوائر بنفسجية تحيط       

Page 50: ابناء النور عبر العصور

بروحكم يا أيها المؤمنون بالحرية.

وال تتأثروا يا أحبائي برؤية الحقيقة الداخلية، وال تدينوا "الطفل" في داخلكم، وال تأخذكم       i عن شواطئ األهداف السماوية، أهداف العقل والنفس زوبعة المحبة اإللهية )الصوفية( بعيدا

أبويكم.

.1997 أسرار الكأس المقدس – راجع الضحى العدد السابع والستون – أيلول        

ما قبل التاريخ

مشاهدة من ذاكرة التوحيد

أتالنتيس

منذ ماليين السنين المتعاقبة في ظالم حقبة ما قبل التاريخ ك%%انت البش%%رية ال ت%%زال برعم%%ا،        وليدة الطبيعة، راقدة، حالمة، متدثرة، بوشاح السبات العقلي، فهمدت معرفة ال%%ذات فيم%%ا نش%%ط الوعي الفطري. وعلى غرار شعاع نور في أفق الزمان، هبط الن%%ور اإللهي – ن%%ور ال%%وعي المتجلي في طبيعة "أبناء النور" بين البشر النيام كهبوط الروح في جس%%د المول%%ود، فأض%%اءت بش%%علة الن%%ار

الفكرية فتيل العقل الكامن، فتحرض المفكر.

وإذا بمعرفة الذات تنتفض ليتحول اإلنسان إلى مولد للقوة الفكرة والعاطفية، يتمتع بالقدرة        على الحب والكراهية والعظمة والهزيمة. وبامتالك%ه المعرف%ة اكتس%ب اإلنس%ان الق%وة، وباكتس%ابه القوة أصبح باستطاعته أن يختار، وباختياره ص%%اغ نس%%يج مس%%تقبله، وج%%رى إدراك ذل%%ك كال%%دم في عروقه. وبرزت المعرفة والمزيد من المعرفة كضرورة لنضوج البشرية ال%%تي ب%%اتت تنظ%%ر بعرف%%ان إلى أبناء العقل الذين انتشروا انتش%%ار ال%%وعي في الم%%ادة م%%انحين الحي%%اة للمول%%ود. فس%%ار البش%%ر

وراءهم ولحقوا بإرشاداتهم طوال قرون عديدة وتأثروا بهم كما يلحق الطفل خطوات أمه.

وعلى مدى دوران األجيال، قامت مجموعة من المعلمين اإللهيين، الذين تفتحت فيهم زه%%رة        الوعي وتفهموا أعماق الغرض اإللهي من الخلق أولئك "السابقون السابقون" فأش%%رفوا بأنفس%%هم على تقدم البشرية وواكبوا أطوارها األولى. فلقن%%وا الن%%اس الفن%%ون والعل%%وم وزراع%%ة الحق%%ول ذرة وقمح%%ا، وأرش%%دوهم إلى س%%بل العيش األخالقي النظي%%ف، أي باختص%%ار، أسس%%وا م%%دارس بدائي%%ة للتدريب والتعليم، مباحة للجميع ليتعلموا أصول المادة والفكر والروح. ولم تكن المدارس الس%%رية قد نشأت بعد في تلك المرحل%%ة. وكم%%ا ي%%ؤتمن الطف%%ل على األس%%رار لبراءت%%ه فق%%د ك%%انت الحكم%%ة المقدسة متاع ك%%ل إنس%%ان في تل%%ك الطفول%%ة من عم%%ر البش%%رية. فلم تكن مس%%اوئ المعرف%%ة ق%%د ظهرت وبعد، ولم تبرز الحاج%%ة إلى ق%%وام مق%%دس مخفي عن الع%%الم. ك%%انت الحقيق%%ة تمنح بحري%%ة للجميع وتستقبل بحرية في العهد الذهبي ذاك. كان ابن آدم ال ي%%زال فتي%%ا فتمكن البعض من التعلم بسرعة وبسهولة مستفيدين من ذكريات تجربتهم في العالم األقدم )في رحم النور قبل تفتح وعي

Page 51: ابناء النور عبر العصور

البشرية لمطامع الزمان والمكان(، فاختاروا بديهيا سبيل الفكر الروحي. أما البعض اآلخر وهو أقلi على ال%رغم من عص%يانه على التق%دم، في حين قبعت فئ%ة ثالث%ة مخ%درة تحت وعيا فقد كان جيداi فتقاعست عن التطور وفض%%لت قت%%ل ال%%روح على تأثير الجمود، ووجدت التعلم والطموح عبئا ثقيال إجهادها، وشهدت اإلنسانية بمجملها تق%%دما س%%ريعا في اكتس%%ابها المعرف%%ة وإج%%ادة اس%%تخدامها له%%ا "فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر"، وبدأ البعض اآلخر بالقيام بأعمال الشر ألن ما كان كامناi إلى فعل. وباتت المعاناة واأللم أرحم وسائل الطبيعة i فشيئا في الروح )من خير وشر( تحول شيئا العادة الفؤاد إلى فطرته البدائية، وفيما راح العق%%ل ينمي إمكان%%ات أش%%د، وفيم%%ا أخ%%ذ الص%%راع في سبيل سيادة العقل يتغلب على الروحانيات، تحولت هبة الفك%%ر إلى س%%يف ذي ح%%دين: فك%%انت من جهة أداة الوعي الروحي والنشوة الفكرية، ومن جهة أخرى سالحا مدمرا مرعب%%ا يص%%ل إلى درج%%ة

الشيطانية.

تحولت أسرار الجنة واألرض التي كشف نقابها المعلمون السماويون للبش%%رية أي%%ام طهره%%ا        إلى بؤرة نور تضعف أشعته عندما تنبثق على غير تجانس بسبب تلوثه الم%%ادي من ثم انح%%ل الن%%ور

i ليصير ديانات خارجية وعبادة للخرافات. مع الجماعات ليتخذ أشكال السحر، تبلور الحقا

إن الطبيعة )بمعزل عن عنصر العقل( دورية: خصبة بالروحانيات تارة وعقيمة تارة أخرى.       

وخالل تجربة البشرية أثناء ف%%ترة المراهق%%ة من عمره%%ا في الحقب%%ة القديم%%ة تل%%ك في ق%%ارة        "الموريا" )أي عمورة( التي غاصت بالمياه كانت الدورة ض%%د التق%%دم ال%%روحي، فق%%د ب%%رزت موج%%ة انحدار قوية في حين تم تسريع عملية توسع الطاقات الجسدية والمادية تالها تأخير القوة الروحي%%ةi من تيار التطور الش%%امل وتج%%اوب األف%%راد ومن ثم تقلصها. وشكلت البشرية في تلك الحقبة جزءا مع الجو القاسي بحس%%ب ط%%بيعتهم، فق%%اوم البعض ت%%أثير ال%%روح االنح%%داري متس%%لحين بروح%%انيتهم المستيقظة فيما تأرجح البعض اآلخر وه%%و أق%%ل فهم%%ا بين الروحاني%%ة والم%%وت. بين الخ%%ير والش%%ر،

فأصغى تارة إلى همس حدسه، وتغلبت عليه أمواج التيار االنحداري تارة أخرى.

أما غيرهم ممن أضرمت فيهم شعلة الروعة الفكرية، فقد غاصوا داخ%%ل الش%%عاع غ%%ير آبهين        بالمياه اآلسنة والعكرة.

ومع استمرارية الدورة االنحدارية خاب بري%%ق معرف%%ة الحق%%ائق الروحاني%%ة والعيش ب%%التوافق        معها، وتحولت الحكمة المقدسة إلى أداة ال نفع لها في قلب اإلنسان وعقله. تل%%ك هي م%%ا يس%%مى بالعصور الحجرية )وال%%تي في معناه%%ا الحقيقي ترم%%ز إلى تحج%%ر القل%%وب عن اس%%تقبال الحق%%ائق(. وكانت تلك الحماقة محتمة في مجرى األح%%داث الكوني%%ة وك%%ل األش%%ياء مهي%%أة. فكم%%ا تتع%%دد أن%%واع الناس بين روحاني ومادي وبالغ الذكاء وبطيء التفكير، تتعدد درجات الكائن%%ات في الك%%ون وتطغى طبيعة هذه الكائنات على جوهر النفس اإلنسانية، ب%%دءا بمملك%%ة المع%%ادن م%%رورا بمملك%%ة النبات%%ات فالوحوش وصوال إلى مملك%%ة البش%%ر، ومن ثم تتخطاه%%ا لتبل%%غ درج%%ة رئيس األرض وكاهنه%%ا األك%%بر "العقل الكلي". على مر آالف األعوام األولى تلك، وعى رئيس األرض الروح%%اني وحارس%%ها ن%%يران

الروحية الفردية الناشطة فأرشدها وأذكاها حيثما اسطاع.

i فيما تعاقبت آالف السنوات أخذ أقوياء الغريزة والضعفاء النفوس يسيئون اس%%تخدام        تدريجيا

Page 52: ابناء النور عبر العصور

معرفتهم لألمور اإللهية مما ساهم في حجب الحقيقة، وشعر عندئذ ح%%ارس الك%%وكب بالحاج%%ة إلى انتقاء مجموعة من المساعدين لتأدية دور ح%%راس الحكم%%ة القديم%%ة وحماته%%ا. حفن%%ة من الكائن%%ات البشرية ممن أضرمت فيها الحماسة اإللهية وأشرقت وحدها استجابت طوعا إلى معلمه%%ا الك%%وني كاهن البشرية الروحي األكبر. وعلى مر األجيال خضع أفراد أقوياء القلوب إلى المراقب%%ة واإلرش%%اد والتقوية باالختبار بشتى الطرق، ليتم استجماعهم فيم%%ا بع%%د ليكون%%وا حج%%ة الل%%ه على خلق%%ه، حج%%ة الذات اللطيفة الطائعة على النفس المتمردة في نفس كل ذات )حيث ينطوي الص%%راع الحقيقي(. ال%ذين نجح%وا من بينهم في اختي%ار معرف%ة ال%ذات واختي%ار التض%حية بال%ذات ألف%وا أول جمعي%ة أو مدرسة للبشر الروحانيين األخوية العظمى التي ظه%رت معالمه%ا في الرحل%ة اآلدمي%ة األخ%يرة في

مدارس هرمس وفيثاغوراس )عليهما السالم(.

وتمكن حارس الكون بفضل ظ%%اهرة تج%%اذب المتش%%ابهين المغناطيس%%ي الروح%%اني )ظ%%اهرة        تجمع الموحدين( من جذب بعض البشر غير العاديين، انتقاهم من أولى بدايات الزمن ليؤلف معهم

بؤرة ضوء روحاني وفكري على األرض.

ويرمز هذا الواقع إلى وحدانية الت%%ألق البش%%ري ال%%روحي والفك%%ري أك%%ثر من%%ه إلى جمعي%%ة أو       شركة أو أخوية، وتمثل الوحدانية هذه على األرض نواة مالئكة الرحمة.

وبؤرة اللهب الحي األصيلة لم تتعرض يوما إلى االنحالل ولم تفقد مكانته%%ا الس%%امية كمرك%%ز       للنور على األرض.

وفي قمم الشرق األقص%%ى )حيث لم تط%%أ رج%%ل أرض%%ي بع%%د(، يمكث أخ%%وة الن%%ور األوص%%ياء        المؤتمنون على األسرار التي كشف عنها المعلمون اإللهي%%ون إلى الجنس البش%%ري، وش%%كل ه%%ؤالء المختارون نواة هرمية لم تفن منذ ذلك الوقت منذ تأسيس األخوية العظمى قبل اثني عشر مليون سنة. فمن هذا المركز طيلة ماليين السنوات تنبثق أشعة القوة الروحية وتشع على العالم بأس%%ره، وباألخص على قلوب من كرسوا حياتهم لخدم%%ة الحقيق%%ة. من ذل%%ك الملج%%أ الس%%ري انطل%%ق رس%%ل

أسياد الحكمة، ليؤسسوا ديانات الماضي العظيمة.

تاريخ البشرية منذ عهود الظالم إلى عه%د الن%ور )من المجموع%ة بالفيتس%كي الثيوص%وفية( –       .1997راجع الضحى العدد الثالث والستون – أيار

الكل من%ا س%مع بين الحين واآلخ%ر االس%م "أتالن%تيس" ص%دفة تتداول%ه األلس%ن وال يخل%و من        تعريفه قاموس عصري وغالبا ما يكون التعريف ك%اآلتي: "أتالن%تيس" – بن%اء على أس%طورة يوناني%ة عرف عنها الفيلسوف أفالطون، قيل أنه كان هن%%اك ق%%ارة في المحي%%ط األطلس%%ي في غ%%رب جب%%ل طارق ذات أرض خصبة وكثافة سكانية تعرضت لسلسلة من الهزات األرضية آخرها أدى إلى غ%%رق

القارة بأكملها. وما يثير الجدل بين العلماء اليوم التساؤالت عن مدى حقيقة هذه األسطورة.

ذكرت "اتالنتيس" في اثنتين من محاورات أفالطون: "طيماوسط و "كريتياس". أدب الحوار       i في أيام اليونان ولم يكن غرضه يقتص%%ر على مج%%رد نق%%ل وجه%%ات نظ%%ر متفرق%%ة ب%%ل كان مشهورا اعتمد على قضية أساسية يتمحور حولها الحوار ويتج%ه نح%و معالجته%ا وإبرازه%ا. ونن%اقش مح%اورة

Page 53: ابناء النور عبر العصور

طيماوس موضوع أتالنتيس ضمن مواضيع عدة بينما ترك%%ز مح%%اورة كريتي%%اس كلي%%ا على أتالن%%تيس، حيث يؤكد "كريتياس" أن قصة هذه القارة هي قصة حقيقي%%ة ورثه%%ا أب%%ا عن ج%%د مص%%درها األص%%لي كاهن مصري توارثها هو اآلخر عن أجداده ال%%ذين عايش%%وا االنقالب%%ات الكوني%%ة ال%%تي أدت إلى دم%%ار أتالنتيس وغرقها. يتابع كريتياس رواية الكاهن ويقول أنه ك%%انت توج%%د جزي%%رة عن%%د أعم%%دة هرق%%ل، مساحتها أكبر من مساحة ليبيا وآسيا معا، نشأت فيها دولة عظيمة بسطت سيادتها على "الجزيرة كلها وعلى الجزر القريبة منها. ثم تعاظمت قوتها فاجتاحت البالد المجاورة كافة ح%%تى وص%%لت إلى حدود مصر واليونان. ومؤسس هذه الدولة كان يدعى اإلله "بوسيدون". قسم بوس%%يدون الجزي%%رة إلى عشر ممالك ونصب أوالده العش%%رة ملوك%%ا عليه%%ا على ان يك%%ون اإلبن األك%%بر واس%%مه أطالس ملك الجزيرة كلها. ولم يكت%%ف بوس%%يدون ب%%ذلك، فنظم الجزي%%رة وأق%ام الش%ريعة والف%رائض ال%تي نقشت على نصب نحاسي. وأهم ما تضمنته تلك الش%%ريعة باإلض%%افة إلى طق%%وس العب%%ادة، ه%%و أن يظلوا متحدين ال يشهر أحد منهم السالح على اآلخر مهما كانت األسباب وإذا حدث اعت%%داء فعليهمi للبحث فيه وتطويقه. وإذا ما حدث اعتداء خارجي على أحد منهم فعليهم أن يهبوا أن يجتمعوا فوراi هبة واحدة لنجدته. بلغت دولة االتالنتيس في عهد أولئك الملوك شأوا من الق%%وة والغ%%نى لم جميعا تصل إليه أية أمة أخرى. وسبب قوتها يع%%ود إلى نظامه%%ا االجتم%%اعي الح%%ربي، أي عكس أثين%%ا ذات النظام الديمقراطي. لقد قسمت الجزيرة إلى عشر ممالك. وقس%مت ك%ل مملك%ة إلى س%تة آالف والية مساحة كل والية ثالثة كيلومترات مربعة. وكل والية هي مفرزة أو سرية عسكرية، عليها م%%ع بقية الواليات أن تقدم إلى الدولة عشرة آالف مركبة حربية، ومئتين وأربعين ألف حص%%ان، ومليون%%ا ومئتي ألف محارب ومئتي وأربعين ألف نوتي مع مئتي بحار ومئتين سفينة. أما سبب غناه%%ا فيع%%ود إلى خيرات تلك الجزيرة وإلى الم%وارد ال%تي ك%انت تأتيه%ا من البالد الرازح%ة تحت س%يطرتها. لق%د كانت الجزيرة غنية بالمعادن األصلية وغيرها من األحجار واألخشاب والم%%راعي الخص%%بة والماش%%ية وتعج بالثمار والحب%%وب من ك%ل ص%نف ون%%وع إلى ج%انب أن%%واع األطي%%اب والعط%ور. وش%%يد األه%الي الهياكل واألبنية الملكية والموانئ والمرافئ لتخ%%زين الس%%فن وإص%%الحها. وعم%%روا األرج%%اء فأق%%اموا المالعب الرياضية وميادين تدريب الخيل والجس%%ور، وحف%%روا الخن%%ادق وال%%ترع وش%%قوا قن%%اة تص%%ل البحر بالجزيرة إلبحار السفن، وبنوا أبراجا وأبواب%%ا على الجس%%ور. وفي وس%%ط الجزي%%رة بن%%وا هيكال مقدسا أحاطوه بسياج من الذهب ولبسوه من الخارج بالفضة أما داخل الهيكل فقد غطوا جدران%%ه بالنحاس والعاج والذهب. هذه الخيرات واالستغالل الماهر لها م%%ع التقي%%د بالق%%انون؛ كله%%ا أدت إلى ازدياد قوة دولة االتالنتيس وإلى ازدياد أطماع ملوكها. فحاولوا في حشد عسكري كبير اجتياح ك%%ل من مصر واليونان مع%ا. عندئ%%ذ اتح%%دت بالد اليون%%ان بزعام%%ة أثين%%ا ال%تي ه%زمت بنظامه%ا وبراعته%ا الحربية دولة أتالنتيس وحررت كل البلدان األخرى من نير عبوديتها، فحين ن%%زح العق%%ل والحلم من رؤوس ملوكه%%ا، وج%%رفتهم األه%%واء والمل%%ذات، ولم يع%%د باس%%تطاعتهم المحافظ%%ة على تل%%ك النعم، غضبت اآللهة عليهم، فحدثت هزات أرضية وفيضانات أغرقت الجزي%%رة م%%ع قس%%م من بالد اليون%%ان

في قاع البحر.

ولعل من أبرز النقاط التي تجعل من رواية أتالنتيس الذي نقلها أفالطون إلى مخيلتنا ذات أهمية هي أنها         قلبت الموازين التاريخية التي نعرفها من خالل الكتب ذات الصبغة الداروينية وتحدث المفهوم الطاغي عن تاريخ اإلنسانية وقدمها. فزمن وجود أتالنتيس، تلك الحضارة المتقدمة، كما ذكره أفالطون، يعود إلى تاريخ أقدم بكثير

ويؤكد وجود حضارة وتكنولوجيا متقدمة في تلك األزمنة، وبذلك فإذا نظرنا إلى محاورة أفالطون عن أتالنتيس بعينالثقة وبعقل منفتح ألدركنا أهمية النظر إلى تاريخ البشرية بشمولية أكثر.

Page 54: ابناء النور عبر العصور

لكن هناك من يعتقد أن أتالنتيس ما هي إال رواية من صنع مخيلة أفالطون تبناها لكي يتوسع        في نظريته حول الجمهورية الفاضلة، وهناك من يزعم أن القارة التي سماها أفالطون أتالنتيس ما

هي في الحقيقة إال جزيرة كريت.

ويبقى هن%اك الكث%ير ممن ي%ؤمن بص%دق المعلوم%ات ال%تي أدلى به%ا أفالط%ون عن أتالن%تيس        باحثين عن أثارها في المحيط األطلسي، والكثير منهم قد أعلنوا أن جزر الكن%%اري والباهام%%اس م%%ا هي إال بقايا هذه القارة، ولألسف أن معظم المتحمسين لهذه الفكرة ال يجيدون الدفاع عنها بجدية وموضوعية بل غالبا ما تجرهم العواطف إلى استنتاجات تكون موضع سخرية من التحقي%%ق ن%%ود أن

ننظر إلى هذه القضية بموضوعية ونعالجها من الشقين المنطقي والعاطفي:

من المستبعد أن يكون أفالطون قد اخترع قصة أتالن%%تيس لكي يتوس%%ع بنظريت%%ه عن  أوًال7: الجمهورية الفاضلة فهو قد توسع بوصفها "الجمهوري%%ة" أك%%ثر من م%%رة في محاورات%%ه األخرى من دون االستعانة بخدعة جغرافية. وإذا أراد فعل ذلك حقا ك%%ان أس%%هل علي%%ه

أن يستعين بأثينا القديمة عوضا عن ابتداع قصة عن قارة مجهولة.

التفسيرات التي وردت في المحاورتين عن المصادر التي علم أفالط%%ون بواس%%طتها    ثانيا7:i أن عن أتالن%%تيس منطقي%%ة ج%%دا تخل%%و من ثغ%%رات أو تناقض%%ات، فمن المعق%%ول ج%%دا معلومات عن أحداث تختص بماض سحيق ك%%زمن أتالن%%تيس ق%%د نقلت إلى "ص%%ولون" عن طريق كاهن مصري وخصوصا بما يعرف عن عراق%%ة الحض%%ارة المص%%رية وق%%دمهاالذي يتجلى بعمر معجزة األهرامات وتقدمها على الحضارة اليونانية في ذلك الوقت.

وبالتأكي%%د إن المعلوم%%ات ال%%تي ب%%نيت على أساس%%ها النظ%%رة الدارويني%%ة المعاص%%رة لت%%اريخ         البشرية تعتمد على براهين مادية تم التوصل إليها عبر دراسات اآلثار. ولكن يجدر بنا أن نأخذ بعين االعتب%%ار العدي%%د من الك%%وارث الطبيعي%%ة والتغ%%يرات العنيف%%ة ال%%تي تعرض%%ت له%%ا األرض وال%%تي يق%%رi طويل%%ة من ت%%اريخ البش%%رية بحقيقتها الجيولوجيون، ولذا من الصعب نبذ احتمال أن أزمانا وعص%%ورا بمجملها قد بترت من سجالت الذاكرة التاريخية أثر كوارث كونية لم يسبق أن شهدناها في حقبتن%%ا

التاريخية المدونة.

ولعل أكثر من يدعون للعجب هم البعض الذين يعتق%%دون أن أفالط%%ون لم يكن لدي%%ه مفه%%وم        جلى عن الزمن وتسلسله بل كانت لديه فقط أفكار مبهم%%ة، وفي الواق%%ع يص%%عب على أي إنس%%ان تصديق مثل هذا القول عن عمالق الفالسفة، الذي حيرت فلسفته الخال%%دة عق%%ول كب%%ار الفالس%%فةi والمفكرين حتى أن وص%%ف البعض منهم ت%%اريخ الفلس%%فة بأكمله%%ا بأن%%ه "ليس إال ردة فع%%ل وتح%%ديا

لفلسفة أفالطون".

من جهة أخرى إذا نظرنا بعين الثقة إلى رواية أفالطون عن أتالنيس وآمن%%ا بص%%حتها يبقى أن        نتساءل عن موقع هذه القارة في المحيط األطلسي وعما إذا كان هناك أي أثر لها. والجدير بالذكر

سنة قبل المسيح( كما أشار أفالطون يتطابق م%%ع10000أن زمن اختفاء أتالنتيس )أي في حدود زمن انتهاء ما يسميه العلماء ب% "العصر الجليدي" وق%%د تم التحق%%ق علمي%%ا أن في العص%%ر الجلي%%دي كانت درجة ارتفاع مياه المحيطات أقل بكثير من زمننا الحاضر، فحس%%ب المعلوم%%ات ال%%تي أك%%دها

Page 55: ابناء النور عبر العصور

i عن بعض الجيولوجيين قد ارتفع س%%طح المي%%اه من%%ذ ذل%%ك الحين بم%%ا ال يق%%ل عن مئ%%ة وثالثين م%%تراالشواطئ.

الكثير من العلماء اليوم يرفضون ربط فكرة اختفاء أتالنتيس بارتفاع س%%طح المي%%اه ألس%%باب        أهمها يتعلق بالتالزم الطبيعي بين ارتفاع مع%%دل لح%%ررة وارتف%%اع س%%طح المحيط%%ات، ولكنهم ح%%تى اآلن يجهلون األسباب التي أدت إلى بداية ونهاية العصر الجليدي. كل ما يعرفونه هو أن كمية هائلة من الطاقة ضرورية لرفع معدل الح%%رارة على األرض إلى درج%%ة ت%%ؤدي إلى انته%%اء عص%%ر كالعص%%ر

الجليدي، وال يستبعدون أن تكون أسبابها عوامل بركانية مقترنة بارتجاجات أرضية.

س%%اعة فت%%وحي أك%%ثر من24 أما فكرة اختفاء القسم األكبر من القارة في زمن ال يتعدى ال%         مجرد احتمال وج%%ود عوام%%ل طبيعي%%ة مس%%ببة لمث%%ل ه%%ذا التغ%%ير المف%%اجئ ول%%ذلك يبقى تالعب أي%%دi الختفاء القارة. ومث%ل ه%ذا االحتم%ال يه%دد العلم%اء ال%ذين طالم%ا i مقنعا إنسانية في الطاقة احتماال يستمدون طاقتهم في الحي%%اة من جن%%ون عظم%%ة م%%ا توص%%لوا إلي%%ه من تكنولوجي%%ا فق%%ط ليكتش%%فوا

ضعفهم أمام بعض المظاهر الغامضة لحضارات أرقى كالصحون الطائرة.

وفي ظ%%ل التع%%تيم ال%%ذي تلق%%اه مث%%ل ه%%ذه األم%%ور ك%%ان ال ب%%د من الخ%%روج عن المنط%%ق        والموضوعية التي تفرضها هالة العلم والتكنولوجيا العصرية والنظر إلى أتالنتيس بعين أكثر عاطفة وتوقا الكتشاف أسرار ذلك العالم المفقود، ففي محاورة مع "إدغار غايس" الملقب ب%%النبي الن%%ائمi ص%%فحات ال%%ذاكرة والذي عبر ال% "ترانس" )الغيبوبة الروحية( استطاع الرجوع إلى الماض%%ي مقلب%%ا

i ل%ه من ض%منها جي%ل35الكونية أو ما يسمى بال% "السجالت األكاشية" ليت%ذكر م%ا ال يق%ل عن جيالi يقول أنه كان فيه من سكان أتالنتيس ففي مقابلة أجرت معه أفصح غ%%ايس عن معلوم%%ات واص%%فا غايس عن معلومات واصفا خالله%ا أتالن%تيس وص%فا يك%اد يالمس ج%ذور المنط%ق وتك%اد أن تغم%ره تالفيف ذاكرتنا لوال أن العلم والتكنولوجيا المعاصرة تتنكر له وتستهزئ بمصدره )أي ع%%الم ال%%روح(

معتبرة أن كل ما يصدر عن مصدر كهذا هو خيال أو خرافة.

98i بينما كنت أقرأ ما جاء في مجلة الض%%حى وص%%لت إلى ص         بعن%%وان "ق%%دم الك%%ون" تأكي%%داi أن الرؤية التكوينية للخلق في أسفار العهد القديم والجدي%%د لكالم صاحب المقال، من الواضح جداi. ه%%ذا المق%%ال ذك%%رني م%%ا قرأت%%ه وفي القرآن )أي بما يتعلق بقصة آدم وحواء( يجب أال تؤخذ حرفيا

من312وبالتحديد ما جاء في الصفحة  There is a Riverفي كتاب "قصة إيدغار غايس" )هناك نهر(i بعدها )أي م%%ا يفس%%ر كلم%%ة هذا الكتاب "أن جميع األرواح خلقت دفعة واحدة ولم يخلق الله أرواحا كن فك%%ان في التوحي%%د" واللطي%%ف )ال%%روح( كم%%ا في الحلم ولكن بكام%%ل وعيه%%ا. من ه%%ذه األرواح

Hermes هرمس ذو الثالث شعب. Trismegistros وكلمة هرمس تعني "السر" واسمه الحقيقي ه%%و ألنه كان امتلك سر األبعاد الثالثة وكان ينتقل بين الزمان والمكان. Trismegistros إدريس وسمي

خلق اإلنسان بوعي إلهي وجسم حيواني. وجد اإلنسان منذ البدء في خمسة أماكن جغرافية        مختلفة في الوقت نفسه وفي خمس%ة فص%%ائل أو أع%راق: األبيض ظه%ر في القوق%از "وكارياثي%%ان" وايران. األصفر ظهر في ما يسمى اليوم بصحراء غوبي. اللون األسود ظهر في السودان وش%%مال غرب أفريقيا. اللون األحمر ظهر في ق%ارة أتالن%تيس. الل%ون األس%مرظهر في "األن%ديز" والس%احل "الباسيقيكي" ألميريكا الجنوبية. وك%ان في ذل%ك ال%زمن البعي%د الس%احل الغ%ربي لق%ارة "الموري%ا"

Page 56: ابناء النور عبر العصور

وفي الق%%رآن ك% "عم%%ورة". ك%%انت تؤل%%ف أعم%%اق Gemorah المذكورة في الكت%%اب المق%%دس باس%%م المحيط األطلسي في الواليات المتح%%دة منخفض%%ات ق%%ارة أتالن%%تيس الغارق%%ة الي%%وم. ك%%انت إي%%ران والقوقاز أراض غنية )جنة عدن( وكان قطبي األرض مناطق استوائية وشبه استوائية معتدل%%ة حيث

i ومأهول%%ة وك%%ان Sahara كان نهر النيل يصب في المحيط األتلنتي. كانت ال% "ص%%حارى" خص%%بة ج%%دا حوض الميسيسيبي جزءأ من المحيط. كان في الن%اس من ذك%ور وإن%اث وك%انت ه%ذه المخلوق%ات نقية ذات أرواح كاملة متكاملة. فحواء مثلث الشريك الطائع والمحب آلدم في داخل ك%ل ف%رد )أي في آفاق المرء الثالثية( العقل والجسد والروح. في حواء تمثلت الطاق%%ة اإليجابي%%ة وفي آدم تمثلت الطاقة السلبية. ولكن طغى في آدم )أي الجزء السالب في اإلنسان( الج%%زء الم%%وجب وانكمش%%ت

هذه الطاقة في حواء. كما طغت على حواء الطاقة السالبة وانكمشت هذه الطاقة في آدم.

ولخلق المساواة، كان ال بد من تعادل طاقات السالب والم%%وجب في داخ%%ل ك%%ل ام%%رء. ألن        المساواة هي في األرواح وطاقات األرواح هي آلة الخالق الس%%تمرارية الك%%ون واس%%تمرارية الحي%%اةi ح%%واء المس%%ؤولة عن على األرض ونيلنا الخبرات المطلوب%%ة ألج%ل االرتق%%اء ال%%روحي. لم تكن يوم%%اi كان أم أن%%ثى. فأك%%ل التفاح%%ة المرم%%وز i أو طاقة في كل إنسان ذكرا الخطيئة، ألن حواء تمثل جزءا إليها في الكتب السماوية هي إرادة الله لتحقيق الحكمة من خلقه. وتبادل الطاقات في كل إنسان والقدرة على التعديل بينها هو اختبار إلهي. لم يهبط اإلنسان من السماء بخطيئة التفاح%%ة واألفعى،i ك%%انت أم أن%%ثى وما أنزل في األديان هو نوع من التشبيه، فالقوة السماوية ال تميز بين األرواح ذكرا فقد مرت عصور طغت فيها طاقة حواء على طاقة آدم وحكمت فيها األنثى ونجد آثار هذا المنطق

)أم( وليس بالش%%رط ك%%أب Oum في الهند بحيث ينظر إلى الل%%ه ك% "األم الحن%%ون" وين%%اجي بكلم%%ةi له على األرض ونفخ في طبيعة اإلنسان روحه وهذه الطبيعة "باترياركي". الله أراد أن يخلق شبيها في أعماقها متعالية عن الجنس البشري والغريزة الحيوانية. الكون انبثق من الموسيقى والهندسة

والحساب والجبر في انسجام كيان وتناسق وتناغم )عناصر البناء(.

فهذا االنسجام هو ما نسميه ب% "إرادة الله" فإرادته محكمة ومنطقية وليس رعوية.       

تتط%ابق ق%راءات إي%دغار غ%ايس م%ع م%ا ج%اء في التوحي%د. اس%تعمل إي%دغار التع%ابير التالي%ة       المشتركة:

قانون الكارما وهو ما نسميه ب% "مضمار السببية".

قانون التقمص المعروف.

قانون قدم الكون.

" وهو ما نسميه بالتجلي.Avatarقانون ال% "

i عن ذلك تؤكد قراءات غايس وحدة األديان كما جاء في إحداها ما يلي: فضال

"سوف يأتي ي%%وم يعي اإلنس%%ان في%%ه حقيق%%ة مؤك%%دة وهي أن جمي%%ع األدي%%ان مص%%درها واح%%د       Religionومرجعها واحد وهو of the Oneness دين التوحيد". واألدي%%ان "وج%%دت للمحب%%ة ولتعري%%ف"

Page 57: ابناء النور عبر العصور

اإلنسان بأصله السماوي اإللهي وضرورة ترقي%%ه وعودت%%ه إلى رب%%ه. والح%%روب العدي%%دة ال%%تي ت%%دور منطقةمن العالم غالبيتها تحت ستار ال%دين أو ب%دوافع ديني%ة مختلف%ة ال40رحاها اليوم في حوالي

تجسد إرادة الخالق. الدين محبة، مغفرة، عطاء ومعرفة النور اإللهي في أعماقنا.

 

الدكتورة سامية عزام

 

إدغار غايس أو "النبي النائم" من أغرب الشخصيات التي عرفها التاريخ المعاصر، لقد أذه%%ل        هذا الشخص الروحاني أميركا في العقود األولى من هذا الق%%انون بمش%%اهداته وقراءات%%ه الروحاني%%ة حينما كان يغرق في غيبوبة يتصل خاللها بالسجل األكاش%%ي ليق%%رأ ويش%%اهد مخ%%زنن ك%%ل نفس في%%ه وليدهش العالم باكتشافه الغيبوبية تلك الفكر البشير بمعلومات ق%%ل نظيره%%ا من%%ذ أفالط%%ون ح%%ول القارة المفقودة أتالنتيس وحول سكانها، وصراع الخير والشر بينهم الذي أدى إلى دماره%%ا وغرقه%%ا بم%%ا فيه%%ا من حض%%ارات وش%%عوب، لق%%د ت%%ذكر ذاك األم%%يركي الغ%%امض أك%%ثر من ثالثين من حيوات%%ه السابقة وحدد لكل شخص قرأ له س%%جله ع%%دة شخص%%يات س%%ابقة تقمص به%%ا، منه%%ا م%%ا يرج%%ع إلى عصور سحيقة، ولقد أكد من خالل مشاهداته الروحانية قدم العالم وتقمص النفوس وجدلية صراعi استش%%رف غ%%ايس األضداد وتعاقب هيمنة الخير والشر، ففي تلك العصور الموغلة في القدم أيض%%ا

بشفافية قواه النفسية المذهلة حقائق وتفاصيل...

نعم... لق%%د ك%%ان هن%%اك أبن%%اء الظلم%%ة وأبن%%اء الن%%ور، فأبن%%اء الظلم%%ة، أو كم%%ا يس%%ميهم أبن%%اء ، هم أهل الشر الذين يسعون إلى الضاللة والدمار واس%تغالل ق%وى الم%ادة والطبيع%ةBelail "بليل"

وتسخيرها لمطامعم الشريرة، أما أبناء النور، ويسميهم أبناء الواحد، فهم أهل الخير الذين يسعون إلى هداية الشعوب للحكم%%ة والفطن%%ة والمعرف%%ة الحقيقي%%ة واس%%تخدام ق%%وى العلم والتط%%ور لخ%%ير

 .البشرية جمعاء

ولق%%د ك%%ان لغايس%%ي بعض الق%%راءات ألش%%خاص ك%%انوا في تقمص%%اتهم الس%%ابقة من س%%كان أتالنتيس، وقد أشار فيها إلى بعض الحقائق الغريبة حول بدايات الوج%%ود البش%%ري كوج%%ود روح%%اني تلعب فيه المادة دور التمظهر ال أكثر وال أقل. فالبشر كما وصفهم غايس في أزم%%ان الطفول%%ة من عمر الوجود البشري تلك هم "أفكار متجسدة" تتخذ أش%كالها الكثيف%ة وتتفاع%ل م%ع بعض%ها البعضi لطبيعة تفاعل األفكار الخالقة وتلعب أدواره%%ا في الزم%%ان والمك%%ان من خالل فهمه%%ا للوج%%ود وفقا

ورغبتها فيه، وقد أطلق على كل نفس قرأ لها تعريف "كينونة".

ولنلق الضوء على بعض تلك القراءات:

س%%نة قب%%ل ظه%%ور رام%%ا، أح%%د تجلي%%ات كرش%%نا في الهن%%د، ع%%اش في أرض9800في ح%%دود األتالنتس كينونة اسمها "إميليوس" وهو أول من الحظ الفرق ما بين البشر إناثا وذكورا وميز بينهم من خالل الش%%كل الفيزي%%ائي حين لم يكن باإلمك%%ان أن يت%%دنس ال%%وعي قب%%ل ذل%%ك ويتع%%رف على األشخاص إال بهوياتها الميتافيزيقية أي كأفكار متجسدة، وك%%انت األح%%داث ترتب%%ط في تطوره%%ا بن%%اء

Page 58: ابناء النور عبر العصور

على تناسق تلك األفكار المتجسدة وفق%ا لطبيع%ة الفك%ر ال%تي )كم%ا تؤك%د ق%راءات غ%ايس الحق%ا( بمفهومنا الحالي هي إما شريرة أو خ%يرة. وك%انت تل%ك األفك%ار تتوال%د تلقائي%ا من ذواته%ا وتق%ولب أشكالها الخارجية ومن ثم الوجود الخارجي ككل تعبيرا عن االرتباط الموحد ما بين الفك%%ر والم%%ادة )مسرح تمظهر األفكار وتشكلها( ارتباطا كان يمكن إثباته والتحقق منه آنيا في عم%%ر ال%%براءة تل%%ك كما يتحقق األطفال من وجود المالئكة. وفي انس%%ياقهم وراء تل%%ك الرغب%%ات ال%%تي أح%%دثتها يقظتهم لفيزيائية التمظهر المادي، وهذا ما ولد نزوة التحكم بالمادة وهي ن%%زوة الش%ر بمفهومن%%ا العص%%ري، تكثفت عملي%%ة التمظه%%ر الفك%%ري بالم%%ادة مؤدي%%ة إلى االلتب%%اس الح%%الي بالفص%%ل م%%ا بين الم%%ادي

والفكري وجعلهما عالمين منفصلين.

صراع الخير والشر وجدلية النور والظلمة:

ويطل%%ق على أبن%%اء الن%%ور Belail  هناك قسمان من البشر: أبناء النور وأبن%%اء الظلم%%ة "بلي%%ل"        تسمية أبناء الواحد أو أبناء "القوة الخالقة"، وقد حدث نوع من التمازج بفعل ت%%أثير ق%%وي من قب%%ل "أبناء بليل" على أبناء النور مولدا ما نعرفه اليوم بنسبية الخير والشر بعد أن كان المسرح المادي يؤكد للعين الشحمانية مطلقية هذين الضدين. ولقد تطور هذا التمازج على مر السنين إلى حروب م%دمرة على األرض. وك%انت ث%ورة البرك%ان ال%تي أدت إلى دم%ار ج%زء من أتالن%تيس نتيج%ة لس%وءi إلرادة أبن%اء الن%ور، وب%دأت حينه%ا ت%دخالت من العق%ل الكلي إلظه%ار حقيق%ة استعمال المادة خالفا تأثيرات أفكار أهل النور البناءة وتأثيرات أفكار أهل الظلمة "بلي%%ل" الم%%دمرة، وأدت محارب%%ة أه%%ل الظلمة ألهل النور إلى الحد من الرقي الالمتناهي الذي ك%%انوا يتوق%%ون إلي%%ه ويتص%%ورونه لمس%%تقبل الحياة البشرية على األرض وجعل نشاطهم ينحصر في الدفاع عما تبقى من الخير المتمظهر، وقد تطور هذا النمط من الجمود إلى )االنفصام الكامل بين فهم الخير والعمل به( االنفصام الذي نعه%د

العالم عليه اليوم.

وإلشباع رغباتهم ومن دون األخذ بعين االعتبار الصعوبات التي بدأت البشرية تعاني منها بع%د        هذا السقوط، لم يكن ألبناء الظلم%%ة أي%%ة مع%%ايير س%%وى تبجي%%ل األن%%ا بش%%كل ب%%دائي وب%%وهيمي وه%%و

األقرب إلى ما نسميه اليوم الخلل األخالقي.

إن هذه التناقضات بدأت تخلق تساؤالت عديدة حول "أبناء الواحد" المهتمين بجدي%%ة بمص%%ير        الكون تتزامن مع وعي متزاي%%د ح%%ول العالق%%ة م%%ا بين ال%%وعي الف%%ردي وال%%وعي الكلي ال%%ذي أرادوا الحصول عليه. فشرعوا بتحضير النفوس إلى رحلة التعرف على الخ%%الق، تل%%ك الرحل%%ة ال%%تي ن%%رى

آثارها اليوم في األديان الحالية.

سوء استخدام الطاقة والتنافس الجدلي:

وفي تلك الفترة شهدت القارة اس%%تعماال للم%%ادة مختلف%%ا تمام%%ا عن االس%%تعمال الح%%الي له%%ا        بحيث كانت المادة وسيلة مباشرة للتعبير عن أفكار أبناء الظلمة وأبناء النور، لقد اس%%تغلت الم%ادة لغايات روحية، خيرة وشريرة، كما يستغل األطفال األلعاب لشن حروب أحداثها ال تزال تؤثر ح%%تى الي%%وم على مخيل%%ة منتجي الس%%ينما في أميرك%%ا )وال%%تي هي بمثاب%%ة تقمص لق%%ارة أتالن%%تيس(. إن التطورات المادية التي نراها اليوم على أنها تقدم وتحض%%ر كاستص%%الح األراض%%ي واكتش%%اف ال%%ذرة،

Page 59: ابناء النور عبر العصور

كانت حينذاك تلقائية وسريعة كنتيجة غير مقصودة للتنافس الروحي ما بين الجماعتين. وعندما بلغ االستغالل المادي ذروته كاستخدام الطاقة الشمسية بشكل مغلوط مرت حقبة من ال%%وقت أص%%بح

من الضروري أن يعم الوعي كل الجماعات خاصة العلماء لمعرفة كيفية إنقاذ األرض.

موقع أتالنتس:

إن الموقع الذي احتلته قارة أتالنتس هو ما بين خليج المكسيك والبحر األبيض المتوس%%ط إن        اإلثباتات على وجود تلك الحضارة نجدها في جبال "البرينيه" والمغرب وال% "هندوراس" البريطاني%%ة

و "يوكاتان" في المكسيك وأميركا.

لقد أظهرت مجمل قراءات إدغار غايس، نبي أميركا النائم، وجودا بش%%ريا م%%وغال في الق%%دم       i ما قبل التاريخ التوراتي المعروف، وكشفت جذورا لص%%راع الخ%%ير والش%%رن وحضارات متقدمة جدا واإليم%%ان والكف%%ر م%%ا بين جم%%اعتين متنافس%%تين تع%%ود إلى ماليين الس%%نين، وأك%%دت حقيق%%ة تقمص "الكينونات" اإلنسانية أي النفوس، تكرارا وم%%رارا من%%ذ فج%%ر تل%%ك العص%%ور وح%%تى الي%%وم األول في

رحلة المعرفة والتحقق.

هذه بعض المقاطع من مقابلة أجريت مع غايس:

- صف لنا بعض القوى العقلية التي توصل إليها األتلنتيون في أوج تطورهم الروحي؟

من المستحيل أن أصف لك ماديا إنجازاتهم وتطوراتهم الروحية، إن تداخل الشروط المادية        واألوجه الروحية يؤدي إلى اجتراح المعجزات كالتي تألق بها السيد المسيح. حتى في أس%%فاره في الجليل ومصر والهند وفرنسا وانكلترا وأميركا وفي تلك الحقب الزمني%%ة ك%%ان األش%%خاص في هيئ%%ة أفكار أكثر منهم أفرادا مستقلين وشخصيات كما هي الي%%وم. وتص%%وراتهم في ع%%الم األفك%%ار تنتمي إلى عالم المادة الهيوالنية تتجلى بالظهور لذلك ما يسمى اليوم علوما غيبية أو سحرا كانت الحال%%ة الطبيعية لدى اإلنسان في تلك الحقبة، تماما كما نتساءل بما يحلم الطفل بعد والدته وهو نائم، م%%ا هي تلك األفكار التي يحلم بها: ما ك%%ان أو م%%ا ه%%و ك%%ائن أو م%%ا س%%يكون؟ من أين أتى ه%%ذا الطف%%ل

بالتجارب التي تبرر تعابيره وتصرفاته؟!!!

وبداية العلم الغيبي كانت التعبير الطبيعي للكيان، كلما ازداد الراب%%ط بين الكي%%ان والش%%روط        المادية اختفت هذه القوى الغيبية وكان اختفاؤها تدريجيا بدءا بغيبوبة مادية )وهي عينة مما نس%%ميه اليوم بالواقع( وأصبحت هذه القوى محصورة بما نسميه اليم ب% "الرؤية" أو "الحلم" ولكن حافظت بعض الكيانات على جوهرها وانبعثت في عدة أماكن من الكرة األرضية ألهداف دقيقة، وكم%%ا نعلمi )أي المسيح( سترونه أن الوقت يقترب لتكتشف هذه الكيانات في عدة مناطق، كما رأيتموه ذاهبا

عائدا.

وهذا ما تعنيه القوى الغيبية اليوم وما عنته وما ستعنيه غدا.       

،1932 في حالة الغيبوبة الروحية شاهد غايس مرات عدة هذا العالم المفقود بدءا من سنة         وبالرغم من أنه لم يقرأ محاورات أفالطون قط فإن وصفه ألتالنتيس جاء مطابقا لوصف أفالط%%ون

Page 60: ابناء النور عبر العصور

وفي رؤى غايس كان شعب القارة المفقودة ذا مهارة عالية حيث طور غواصات ومركب%%ات ط%%ائرة وعرف االنشطار النووي، ويعتقد غايس أن سوء استعمال هذه الطاقة الهائل%ة تس%بب ب%دمار ق%ارة

االتالنتيس.

وتوقع "النبي النائم" أن تظهر القارة إلى الوجود ثانية، وب%%دأ ه%%ذا التوق%%ع يب%%دو كحقيق%%ة حين       اكتشف العلماء ما اعتبر طريقا مرصوفا من الحجارة تحت شاطئ باميني في المحيط االطلسي.

ووصفت الكاتبة الروحية الشهيرة "جير الدين كمنز" صاحبة التآليف الرائعة التي تنمقه%%ا عن        طريق "الكتابة التلقائية" عملية استخدمها سكان أتالنتيس )القارة المفقودة( لتسخير م%%ا يص%%ح أن

ه%ذه بال% "ق%وة الكهربائي%%ة1935نسميه طاقة ذرية، وقد سمى محدثها من عالم ال%روح في س%%نة المتفجرة".

وتقول مسز كمنز: "الظاهر أن هذه الطاقة الكهربائي%%ة المتفج%%رة هي ال%%تي س%%ببت طوفان%%ا       أدى إلى غرق قارة أتالنتيس في جوف المحيط".

ويقول محدثها الروحي:       

"أؤكد لكم أن أناس ما قبل الت%اريخ عرف%وا عن الم%ادة والض%وء واألث%ير وخواص%ه أك%ثر مم%ا        يعرفه علماء القرن العشرين أو يتصورونه، تصوروا خزانات واس%%عة لله%%واء المتكه%%رب المض%%غوط المض%اد للجاذبي%ة المادي%ة. وق%د اس%ترجعت وخ%زنت في جي%وب ض%خمة تحت س%طح األرض. وق%دi وضعت بطاريات التخزين تحت التربة وقام على حراستها جيش من اتالنتيس، إنكم لن تجدوا آث%%ارا له%%ذه الخزان%%ات وال تل%%ك المخ%%ازن الكب%%يرة ال%%تي اخ%%تزنوا فيه%%ا الق%%وة تحت أرض أواس%%ط أميرك%%ا الجنوبية. ذلك ألن كل شيء، األرض وما خبئ فيها، قد تغير وضعه خالل ذل%%ك الطوف%%ان. وه%%ذا ه%%و

السبب في أن الخرائب الحالية ليست إال جزءا صغيرا مما كان موجودا في تلك األيام الخالية".

أضاف: "لقد كان اإلنسان، ال قوى الطبيعة، ه%%و ال%%ذي أب%%اد ق%%ارة اتالن%%تيس. لق%%د وج%%د ق%%وم        تقدموا إلى درجة خطيرة في إنشاء مخازن الهواء المتكهرب ه%%ذه تحت ال%%ثرى. ولكن ه%%ذه الق%%وة الهائلة قد ثارت أخيرا ضد هؤالء الن%اس وأط%احت باإلنس%ان واألرض الجام%دة ارتفاع%ا نح%و األعلى وكان السقوط بعد ذلك فظيعا هائال. طغت البحار على األرض المتش%%ققة الغارق%%ة، وهل%%ك الماليين من الن%%اس في لحظ%ة من ال%زمن واختفت أل%وف األمي%%ال المربع%ة من البالد برمته%ا تحت األرض،

وقذفت إلى أعلى قطعا من األرض مكونة بالدا جديدة".

"إنني إنما اصف هذا بشكل فج ولك%%ني أظنكم توافقون%%ني على أن الق%%وة ال%%تي تس%%تطيع أن        تحرك الص%خر الالزم لبن%اء أه%رام مص%ر ليس%ت من رتب%ة أق%ل ف%إذا م%ا زادت ه%ذه الق%وة بت%والي الكشوف واحدا بعد واحد حتى تضاعف قدرها فبلغ مليون، ضعف، فإننا نكون قد وصلنا إلى نقط%%ة

الخطر".

أتالنتيس )الحضارة ال%%تي دم%%رت ذاته%%ا( س%%بيل العلم إلى م%%ا فق%%د – راج%%ع )الض%%حى( الع%%دد       .1997السابع والستون – أيلول

Page 61: ابناء النور عبر العصور

في ق%%ارة أتالنتس اش%%تعلت اش%%د ح%%روب الع%%الم الق%%ديم ض%%راوة: الح%%رب بين أس%%ياد الن%%ور       والحقيقة وأسياد الظالم والجهل.

ولم يقو الفك%%ر المس%%تيقظ على التحكم ب%%الغريزة الفطري%%ة. كم%%ا عج%%زت عن ذل%%ك الق%%درة        النفسية والجسدية. ففي أوج تطوره، أسس الش%%عب األتلنتس%%ي حض%%ارة قوي%%ة الفك%%ر تحثه%%ا ق%%وة نفسية بدني%%ة، غ%%ير أن الحض%%ارة ه%%ذه خلت من اإلرادة األخالقي%%ة الض%%رورية لكبح جم%%اح الش%%عب، اإلرادة التي حمت أبناء النور من األنغماس في الظلمة عبر تقلبات األزمان والشرائع. وأما السحر فكان موهبة طبيعية تمت%ع به%ا األتلن%تيون، فق%د تح%ول بين أي%دي ه%ؤالء العمالق%ة إلى س%حر م%ادي وجسدي فانغمسوا في الشعوذة التي ما زلنا نختبر مفاعيلها حتى يومن%%ا ه%%ذا وس%%ط دوام%%ة الك%%ره

والجنون.

ولكن تلك القوة النفسية البدنية لم تهيمن على أه%%الي ألتالنتس كاف%%ة. فق%%د انص%%رف قس%%م        كبير منهم إلى الشعوذة وفني في مسالكها. أما القس%%م اآلخ%%ر، ممن ت%%راءى فيهم ن%%ور الروحاني%%ة، فقد وقع ضحية أمواج القوانين األخالقي%%ة الص%%ارمة ال%تي ن%%زلت بنظ%ام أتلنتس الق%اري، وض%ل في متاهة االرتباك، وهام هنا وهناك يتبع اآللهة المزيفين واإلرشاد الخاطئ، في حين عدد قلي%%ل – بض%%ع ماليين من البشر ال يقاسون بعدد سكان الق%%ارات االتلنتس%%ية الهائ%%ل – حاف%%ظ على قوت%%ه وص%%فاته ونور عقله بفضل اتصاله المستمر بالروح، وهذه األقلية هي التي شكلت في ما بع%د أتب%%اع األخوي%%ة

المختارين الذي رسخوا أسس الفضيلة على األرض في العصر اآلدمي األخير.

خالل آالف السنوات األولى، لم تكن فكرة األسرار قد نش%أت بع%د إذ ك%انت الحقيق%ة ملكي%ة        عامة بتصرف البشر. ولكن، مع نمو معرفة الذات، نشأ عن الرغبات ش%%غف وأناني%%ة أوجبت%%ا اس%%تتار الحقيقة. فقد أسيء استعمال المعرف%ة والق%وة، فب%ات من الض%روري تفري%ق العق%ال عن الجه%ال

فبدأت أول مظاهر التعليم.

وكان ال بد من اتخاذ إجراءات للحرص على سالمة األقلية العالمي%%ة، وق%%د آلت الحض%%ارة إلى        نقطة أضحت عندها الض%%مانة الوحي%%دة هي تأس%%يس م%%دارس متش%%ابهة لم%%ا عرفت%%ه اليون%%ان الحق%%ا بمدرسة فيثاغوراس السرية ومن بعدها بأكاديمية أفالطون يعمد فيه إلى ته%%ذيب األف%%راد وتعليمهم حتى إذا ما اثبتوا جدارتهم ائتمنوا على الحقيقة مس%%تقاة من مص%%درها األول، عن طري%%ق المعرف%%ة

العليا.

لذلك، بعدما كانت األخوية قد أسست أول أعمدة التعليم، حتى في أواخر الحقب%%ة اللموري%%ة،        ليتمكن أهل اإلحساس والجدارة من التدريب والتطه%%ر والتق%%وي اس%%تعدادا لتلقي الحقيق%%ة، ق%%امت بإطالق حملة نظامية شاملة، فبعثت األتباع والرسل الفتتاح المدارس السرية والجامع%ات الروحي%ة ومراكز التدريب الخاصة، بهدف تجميع أك%%ثر الرج%%ال والنس%%اء ج%%دارة بتلقي الت%%دريب والتعليم في

أسرار الطبيعة.

وهكذا منذ حوالي أربعة أو خمسة ماليين س%نة، م%ا ك%ادت ق%ارة أتالنتس ته%دد بت%دمير ذاته%ا        بسبب الجور الروحاني ال%ذي ك%ان يهيمن عليه%ا، ح%تى تم إنش%اء الم%دارس األولى فتش%عبت منه%ا مدارس أخرى في أرجاء العالم األتلنتسي. وبينما بلغ األتلنتيون ذروة عظمتهم المادية، ك%%انت تل%%ك

Page 62: ابناء النور عبر العصور

المدارس تبذل قصارى جهدها للح%%ؤول دون تط%%ور موج%%ة الش%%عوذة. كث%%يرون، أو ب%%األحرى ماليين، أنقذهم إنشاء المدارس واستمسكت فيها نخبة الشعب الخير. أما األعداد البشرية الهائل%%ة ال%تي لم تتمكن من المشاركة في درس العلوم المقدسة بسبب عدم اكتم%ال تطوره%ا ال%داخلي فق%د تلقتi i وأزمان%%ا مساعدة شعاع القوة الروحانية المنبثق عن أبناء النور بشكل غير مباشر فشهدت عص%%ورا

عم فيها الحب والسالم.

ولكن كان هناك دوما من راقهم مذاق الشر فقادتهم قلوبهم المتحجرة إلى زج أنفس%هم بين        صفوف أهل الخير وتلقي التعليم لتنفيذ رغب%%اتهم المفط%%ورة على ك%%ره الخ%%ير، فأسس%%وا المحاف%%ل السرية لمواجهة مدارس النور والحقيقة الروحاني%%ة. وتح%%ول أنص%%ار م%%دارس الش%%ر تل%%ك في وقت

الحق إلى خبراء أيسريين األتلنتيين وخطيئتهم المتزايدة.

ولم تحجب الحكمة عن غير أهلها ومستحقيها إال بعدما أخذ األتلنتيون باالنغماس أك%%ثر ف%%أكثر        في الخطيئة بحيث أصبح خطيرا ائتمانهم إلى أسرار الطبيعة وخفاياها. وعندئذ حلت اللحظة األكثر احتداما في تاريخ تلك الحقبة لحظة دامت ماليين الس%%نوات: نقط%%ة تح%%ول ال%%دورة من الم%%ادة إلى

الروح.

ففي تلك الحقبة المصيرية من عمر البشرية، حين أصبح الطفل شابا مخ%%يرا رأى األتلن%%تيون        الروح والمادة متوازنتين: ففي أي اتجاه تتأرجح كف%ة الم%يزان؟ باتج%%اه ال%روح وخالص البش%رية أم باتجاه الظالم والمادة وعبودية اإلنسانية؟ ونتجت عن ذل%%ك بلبل%%ة قوي%%ة ه%%زت األرض: ه%%ل تتوص%%ل الروحانية الفطرية إلى إثبات تفوقها على ثقل المادة المكتسبة؟ وه%%ل تتمكن البش%%رية من ارتق%%اء سلم التطور لتبلغ النور، أم تهوي طائشة في سراديب الظلم والحماق%%ة لتغيب في غي%%اهب الم%%ادة المبهمة؟ ومن بين مليارات البشر الذين زينت قلوبهم بميزان الروحانية، كان على ك%%ل بش%%ري أن يخضع بمفرده إلى االختبار المحتم، فكان مصيره إما الفشل والسقوط وإم%%ا النج%%اح واالرتق%%اء في

تيار التقدم العام وصوال إلى التوحد في األلوهية.

جاء الطوفان ليجرف معه أتالنتس إلى الهالك، مغمورا بمي%%اه األرض والس%%ماء ال%%تي فاض%%ت        على اليابسة وفقا لقانون الكارما. ورافق غرق أتالنتس التي ت%%رامت على م%%دى ماليين الس%%نوات، بروز أرض جديدة في أنحاء أخرى من العالم، أهلت مع مرور الزمن ببعض األتلنتيين الذي ه%%اجروا

في موجتين هائلتين أو ثالث.

وهكذا ولدت البشرية من جديد لتترعرع في صحراء "شامو" أو "غ%%وبي" واألنج%%اد المحيط%%ة        بها. أرض ال يشير قفرها الرملى الحاضر إلى تلك البقاع التي انبسطت في الق%ديم يانع%ة الخض%%رة والتي شهدت غاباتها وبحيراتها توالي اعظم الحضارات التي ب%%رزت في عالمن%%ا ه%%ذا. وهن%%اك طيل%%ة ماليين األعوام، فيما كانت أتالنتس تتخبط في صراعها مع الموت، كانت بذور الجنين الجديد ت%%زرع

في الرحم الطاهر.

إن الطبيع%%ة لمحس%%نة في أعماله%%ا. فهي ت%%ترك أوالده%%ا يواجه%%ون وح%%دهم ع%%واقب أفع%%الهم        الوخيمة من خالل عمل الكارما ودورة التقمص، فيما تبذر ب%%ذور ك%%ل دور جدي%%د في أراض ط%%اهرة وعفيفة ليبرعم الطفل في أجواء الطهر وينشأ في الروحانية، وتحول العرق الجديد إلى ب%%ؤرة ن%%ور

Page 63: ابناء النور عبر العصور

روحاني لم يطلها خبو الجور األتلنتي، يساعده بشر اجتازوا مرحلة االختب%%ارات في الحي%%اة األتلنتي%%ةأصفياء أشداء.

إن أسمى األرواح الكونية تلك المعصومة عن الخطأ، ال تظهر على أرض إال عن%د ب%زوغ فج%ر        كل دور بشري جديد، عند نقطة التقاء طرفي الدورة الكبرى وبالقرب منها، فتالزم اإلنس%%ان طيل%%ة المدة التي تتطلبها الحقائق األزلي%ة ال%تي تبش%ر به%ا لتنطب%ع وترس%خ في أذه%ان األع%راق الجدي%دة الطيعة. لكأنها تضمن بذلك عدم ضياعها أو انطوائها في غياهب النس%%يان م%%ع األجي%%ال المقبل%%ة في

العصور التالية. تكمن مهلة الروح الكونية في إعالن خطبة الحقيقة ليس إال.

ومع انقضاء القرون وتوالي الحضارات عاد حب الحقيق%%ة ليخب%%و في قل%%وب البش%%ر ف%%أهملت        المبادئ والوصايا القديمة. وزاد انطواء هذه الحقائق في العصر اآلدمي األخير ح%%تى تح%%ولت الي%%وم

إلى بعض الشعائر والطقوس والعصبيات الدينية.

– راجع الض%%حى الع%%دد الث%%الث والس%%تون –2 تاريخ البشرية منذ عهود الظالم إلى عهد النور        .1997أيار

السجل األكاشي

هناك في الفضاء... حفظت صور الفانيات... هناك، ما اندثر كيانه على األرض تتراءى ظالل%%ه        وأخيلته على مرايا هيولى الفضاء. ال مناص وال مفر، وال حول حتى لألفكار من أن تنف%%ذ من ش%%باك ذاك الفضاء الالمتناهي وال لألصداء أن تتالشى مهما عدت السنين والدهور، من أصداء الفك%%رة إلى الحس والكلمة والشعور، وكذلك النيات والنخيالت والرغبات ال تفنى وال تض%%محل ب%%ل تحف%%ظ ذل%%ك السجل العجيب حيث تنطبع كل خلجة ونبضة وخفقه على ذلك النس%يج الهي%والني التن%اظري، وك%ل

معلومات تحتفظ بكينونتها محفوظة عند "كرام كاتبين".

ال شيء يتالشى في الفضاء... حيث تترابط سجالت كل الكائن%%ات بمخاوفه%%ا وس%%عاداتها، في       هواجسها وأحالمها وأمنياتها في نظام عجيب ومتفن غاية في الترتيب والتدبير.

هناك في الفضاء... لكل نفس حيز في سجله الفريد، ذلك الغالف الهيوالني األث%%يري، ولك%%ل        نفس شيفرة، رمز خاص، قطبة في نسيج هالة الوعي الصغري المحيطة باألرض، والكبرى ما وراء كل السدم والمجرات. ولكل نفس مكان في تل%%ك المكتب%%ة الكوني%%ة، "وموق%%ع" على ه%%ذه الش%%بكة األثيرية، وصفحة في "الكتاب المرقوم" حيث كل ما كان ويك%%ون وس%%يكون في حف%%ظ مص%%ون، م%%ا وراء عالم الحس والظنون، وفي كل مرة تجول في الخاطر فك%%رة وينط%%ق اللس%%ان ببنت ش%%فة...

i إلى رصيدنا في ذلك السجل إلى اليوم المعلوم حين: فإننا نضيف قسطا

... "يتذكر اإلنسان ما سعى وكل نفس بما كسبت رهينة".

AKASHIC ويطلق الثيوص%%وفيون على ه%%ذا الس%%جل الفض%%ائي تس%%مية "الس%%جل األكاش%%ي"RECORD. 

Page 64: ابناء النور عبر العصور

واألكاشا في الفلسفة الهندية جوهر أثيري هيوالني ومادة أولية لطيفة تعتبر المبدأ الرئيس%%يفي األكاشا لتشكل العناصر المادية. PURANA للطبيعة، حيث تعمل الطاقة الكونية البرانا

ويعتبر البعض "السجل" األكاش%%ي نظام%%ا كوني%%ا يس%%جل ك%%ل فك%%رة وكلم%%ة وح%%دث، ويخض%%عEARTH'S لناموس ال%وعي الك%وني األرقى ال% "لوغ%وس". وه%و هال%ة األرض AURA أو الطاق%ة –

االثيرية – يهتز بترداد ع%ال "ليمتص" ك%ل انطباع%ات الحي%%اة واختالج%ات الزم%%ان والمك%%ان في ذاكالبعد الفضائي.

إن السجل االكاشي مكتبة كونية وهالة وعي جمعي يحيط باألرض، إنه خزان ك%%ل المع%%ارف، وذاكرة كبرى ليس لألحداث وحسب بل لآلداب والفلسفات والعلوم الماورائية وكل ما جاء به فك%%ر وحس وخاطر، ويحتوي بين تالفيف حافظته وثناياها على مجم%%ل ال%%دراما الكوني%%ة في ك%%ل أبعاده%%ا

الزمنية.

هذا المحيط األحيائي والغالف الماورائي األثيري سجل كل ما حدث في األمس، ويسجل كل ما يحدث اليوم، ويحتفظ بغيب كل ما هو آت، أنه يختزن الماضي والحاض%%ر والمس%%تقبل في تك%%ور شعاع النور داخل انطواء الكون الالمتناهي في الكبر... والالمتناهي في الص%%غر ! وفي%%ه تج%%د ج%%واب

كل سؤال!!!

ويعتقد بعض الحكم%%اء أن المعلوم%%ات "المطبوع%%ة" على األكاش%%ا يمكن قراءته%%ا في ح%%االت متقدمة من ال%%وعي، ويمكن الوص%%ول إلى ال%%وعي المتط%%ور ه%%ذا ع%%بر التأم%%ل وأحيان%%ا ع%%بر ال%%رؤى والغيبوبة أو الطرح الروحي، ويق%ول بعض اليوغ%اويين أن%ه في ح%االت تأملي%ة وس%يطية باس%تطاعة "الرائي" النظر ع%بر طبق%ات الم%دونات األكاش%ية ليخت%ار أي حقب%ة من عم%ر األرض ويق%رأ س%جل

االحداث في زمان ومكان محددين.

وقد سجل التاريخ حاالت نادرة لبعض "الغائبين" أو الوسطاء والقراء الروحانيين الذين ادعواقراءة السجل األكاشي واعتبروه بحرا من الوعي المحيط يذوب فيه كل وعي فردي.

بداية التاريخ

دور آدم

الرحلة األحمية:

بدأت رحلة كشف الحقيقة منذ ماليين السنين، وكان آخرها في دور آدم الصفا ومنتهاها يوم الدينونة وقيام        الساعة. لقد مرت البشرية خالل ماليين من السنوات في اختبارات للوعي، في دورات امتدت ألكثر من سبعينi. وكان كل دور ينتهي بكارثة عالمية، يتسبب بها الجهل وسوء استخدام الطاقة والمعرفة من جهة وإخفاق دورا

 البشرية في إدراك الحقيقة من جهة أخرى.

Page 65: ابناء النور عبر العصور

أما الحلقة األخيرة فابتدأت مع دور آدم الصفا، الذي ب%دأت مع%ه الحقيق%ة العرفاني%ة تتش%كل        على شكل نطقة في رحم الزمان. وعلى مدار السبعة آالف سنة التي يتكون منها هذا الدور األخير تدرجت البشرية في معرفتها في عدة مراحل وفي كل مرحلة كانت حقيقة التوحيد يج%ري تقريبه%ا ألفهام البشرية من خالل صفيه العقل الكلي. ونشأ جنين التوحيد مع كل رسالة سماوية. لق%%د ك%%ان جوهر الدعوة هو هو منذ القدم وك%ان الرس%%ل واألنبي%%اء هم هم من%%ذ الق%دم ي%%أتو وي%%ذهبون بأس%%ماء

وأقمصة متبدلة.

وقد جاء في اإلنجيل إشارات إلى ذلك:       

"الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ولكن األصغر       (.11/11في ملكوت السموات أعظم منه" )متى

i. فأج%%اب يس%%وع وق%%ال        "وسأله تالميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن ي%%أتي أوالi س%%وف يت%%ألم لهم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن اإلنس%%ان أيض%%ا

(.10/13 – 17منهم. حينئذ فهم التالميذ إنه يتكلم عن يوحنا المعمدان". )متى

الجواب واضح: يوحنا الذي صعد إلى السماء )تقمص من جديد( وع%%اد إلى األرض في جس%%د       يوحنا المعمدان.

وقد انقسم البشر في كل مرحلة من مراحل تطور الجنين إلى ثالث فئات:

الذين أقروا عن إرادة ووعي بحقيقة رسالة التوحيد.  الفئة األولى:

الذين رفضوا عن إرادة ووعي حقيقة رسالة التوحيد.   الفئة الثانية:

جماهير الناس التي انقادت بجهلها مع الفئة التي أنكرت الحقيقة.    الفئة الثالثة:

والمعيار الذي يميز بين أفراد هذه الفئات الثالث هو معيار روح%%اني في ج%%وهره. وق%%د ت%%وزع        جميع أفراد هذه الفئات على جميع األسباط واألديان واألعراق واألمم بحيث ال تستطيع واحدة منها اإلدعاء باحتكار أي فئة من الفئات المذكورة. وبكالم آخر، إن الرابطة التي تجم%%ع بين أف%%راد الفئ%%ة الثانية والثالثة ليست رابط%ة دم، وال جنس وال ع%رق وال لغ%ة وال دين... إنه%ا رابط%ة إض%مار الك%ره للحقيقة ورغبة إلحاق األذى بها – وهي رغبة دفينة في األنفس، أنفس أهل الظالم منذ الب%%دء. وم%%ع

هذا فهناك مميزات تختص بها كل فئة من هذه الفئات الثالث.

الفئة األولى:

كانت عالمة اإليمان والتسامح والتواض%%ع، أن يقب%%ل الم%%ؤمن على خصائص الفئة األولى:         أي رسالة سماوية تدعو إلى الحقيقة، ولهذا دخل الموح%دون من الفئ%%ة األولى في ال%دين اليه%ودي على أيام شعيب عليه السالم، كما أقبلوا على اإلسالم على أي%ام محم%د )ص(. واإلقب%ال على ه%ذه األديان لم يكن من قبيل اإلكراه أو الدفع أو المصلحة الدنيوية، بل هو إقبال وطاعة لما كان يبش%%ر

Page 66: ابناء النور عبر العصور

به الرسل واألنبياء ولما يؤمرون ب%ه من الم%ولى ع%ز وج%ل ليبلغ%وا ح%د الكم%ال في معرف%ة الح%ق سبحانه. إن الموحد الحقيقي، هو من ال يخشى من قول الحق والعم%ل ب%ه. ومن أج%ل ه%ذا ض%حى الموحدون في أجيالهم العديدة بمركباتهم المؤقتة )األجساد( في سبيل كيان%%اتهم الخال%%دة )األرواح(

:i وقد خاطب يسوع في إنجيل يوحنا هذه الفئة من الموحدين قائال

إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم. ولو كنتم من العالم لكان العالم يحب       خاصته. ولكن ألنكم لستم من العالم بل أنا إخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم".

من هو هذا الذي قص%%ده يس%%وع بأن%%ه ال ينتمي إلى الع%%الم؟ إن%%ه الموح%%د الحقيقي المتمس%%ك        بأهداب الحقيقة، إنه الموحد الحقيقي الذي يعرف لذة المشاهدة باالتح%%اد م%%ع أن%%وار العق%ل الكلي، ويختار بمحض إرادته وعن قناعة تامة طريق الفضيلة والحق. حتى ولو كانت ضد ش%%هواته ورغبات%%ه ومصالحه المادية اآلنية المباشرة... إنه يسبح على ال%%دوام ض%%د التي%%ار في وج%%ه ه%%ذا الع%%الم ال%%ذي يقدس الشر ويعتبر الفضيلة ضعفا. إن المؤمن الموحد هو وح%%ده من ال يعب%%د الل%%ه طمع%%ا في جن%%ةi i من نار تستعر بالجمر واللهب، بل محبة بالله لذاته. إنه من الواض%%ح ج%%دا مليئة بالطيبات، وال خوفا

أن يسوع لم يكن يخاطب في الكالم الوارد أعاله عامة الناس.

ونستنير ببعض اآليات المشابهة لهذا المعنى من القرآن الكريم:       

"زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا ف%وقهم ي%وم القيام%ة       (.212والله يرزق من يشاء بغير حساب" )البقرة

"يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذل%%ة على        المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الل%ه يؤتي%ه

(.54من يشاء والله واسع عليم". )المائدة

من هو الذي ال يخاف في الحق لومة الئم؟ من هو الذي يعاني بسبب تمسكه بالحقيقة؟       

من هي الفئة التي كانت تضحي على امتداد التاريخ، لتلقى فقط اللوم واصابع االتهام؟       

فهل هذه اآليات المباركة تتوجه وتعني الشخص العادي أم الش%%خص الم%%ؤمن المتم%%يز؟ إنه%%ا        بالطبع تتوجه إلى األقلية المؤمنة الموحدة الصابرة، التي تجاهد للوصول إلى الحقيقة مهم%%ا كلفه%%ا

األمر من غالي التضحيات.

i أن هذه اآليات ال تتوجه إلى أمة واحدة أو دين واح%%د، ب%%ل إلى جمي%%ع أه%%ل        ومن الواضح أيضا الله في أي ملة كانوا بل لكل ذي أذن تسمع. إنها موجهة إلى كل مؤمن يريد أن يناضل في س%%بيل

الحقيقة ويكافح من أجلها...

والجهاد الحقيقي هو مجاه%%دة النفس ب%%التغلب على الحق%%د والتح%%يز والتعص%%ب. إن الل%%ه ه%%و        الحقيقة التي يجب أن يستسيغها العقل ليكون هن%%اك م%%ذاق ول%%ذة للمعرف%%ة، إن أك%%بر وهم عرفت%%ه الدنيا هو االعتق%اد أن ال%درب إلى الل%%ه ج%ل وعال، وإلى الخالص، يتطلب من%%ا قف%زة إيماني%%ة باتج%%اه

Page 67: ابناء النور عبر العصور

المجهول الذي نطلبه خارج ذواتنا. هنا في الداخل هو المعترك، وهنا فقط ساحة النزال، هنا يطلبالله، وهنا يطاع ويعصى. إن صدق اإليمان مع النفس هو بذاته الصدق مع الله.

الفئة الثانية:

هؤالء هم فئة الطغاة، الذين يخدعون البشرية، وهم مبثوث%%ون في خصائص الفئة الثانية:         كل أمة وعرق ودين... وخالل رحلة الحقيقة، كان هناك دائما من يناصبها الع%%داء، إن%%ه ليوج%%د دائم%%ا أناس تؤذيهم الحقيقة ويجدون فيها خطرا على أنانيتهم، إنهم ال يتحملون وال يطيقون نور الشمس، ويفضلون وبإصرار شديد المكوث في الظالم، والتغذية من دماء األبري%%اء. وألن نزع%%اتهم الش%%ريرة تسيطر عليهم بهذا الشكل فقد وجدوا واقتنعوا بأن طريق الخير هو طريق الضعفاء واألغبي%%اء. لق%%د مارس هذا الفريق على م%%ر الت%%اريخ س%%لطته الدنيوي%%ة من خالل "قت%%ل العق%%ول". وفي ك%%ل لحظ%%ة توجههم نوازعهم الشريرة. وغرائزهم المتحفزة بعكس اتجاه بوصلة الخير، ويندفعون مهم%%ا كلفهم األمر باتجاه إشباع ميولهم العدواني%%ة. وهم يعطل%%ون إرادة الن%%اس بقت%%ل اإليم%%ان في قل%%وبهم، إنهم يس%%تطيعون ارتك%%اب اإلثم والش%%ر في ك%%ل لحظ%%ة بتلقائي%%ة مدهش%%ة، ودون أن ي%%رف لهم جفن أو يساورهم الندم. إنهم يستقون لذاتهم من كسب الجماهير المغفلة، واإلمس%%اك بقياده%%ا، ولعب دور إله الشر إزاءها، والتلذذ بامتحان ق%%درة أع%%دائهم من مح%%بي الحقيق%%ة على مقاوم%%ة الرض%%وخ لهم، والوقوع في شباكهم، واعتناق الشر مثلهم. وقد وصف اإلنجيل هذه الفئة في العهد الجديد بقول%%ه:

والمنافقين الذين "يقفلون أبواب مملكة السماء في وجوه الناس، Blind Guildes "القادة العميان" فال يدخلونها وال يسمحون ألحد س%%واهم ب%%دخولها". مث%%ل ه%%ؤالء الن%%اس ال يغمض لهم جفن دون أن

يقنعوا أنفسهم أن الحقيقة والله وهم وخرافة.

الفئة الثالثة:

ه%ؤالء هم األكثري%ة في جمي%ع األدي%ان واألمم واألع%راق. األكثري%ة خصائص الفئة الثالثة:         التي اختارت السير وراء القادة العميان، وما زالت ه%%ذه األكثري%%ة إلى الي%%وم تت%%ابع الس%%ير وراءهم. هؤالء هم الناس الذين يطلبون للحي%%اة مع%نى ولكن في غ%%ير الموق%ع الص%%حيح. ألنهم يطلب%%ون ه%ذا المعنى خارج ذواتهم، وفي أغراض هذه الدنيا الخادعة والمضللة التي يوهمهم به%%ا الفري%%ق الث%%اني. هذه األكثرية باعت عقولها وأرواحها وإرادتها بأبخس األثم%%ان. وم%%ع أن قل%%وبهم ت%%دمى من ال%%داخل لخيانتهم الحقيقة، إال أنهم يقفون عاجزين أمام رغباتهم وشهواتهم ومطامعهم، ثم يختارون المضيi من نس%%يج حي%%اتهم في طري%%ق الجهال%%ة. لق%%د اعت%%ادوا على ه%%ذا األلم ح%%تى ألف%%وهن وص%%ار ج%%زءا يس%%تمتعون بطعم%%ه، ويف%%اخرون بوض%%عهم التعيس، إنهم ع%%ادة الجن%%ود واألدوات ال%%تي يجيش%%ها ويستعملها الفريق الثاني في مواجهة الفريق االول. لقد غسلت عقولهم إلى درج%%ة أنهم يعتق%%دون

أن الله يريد العالم على هذه الصورة التي يسودها الجهل واألنانية.

i المتحان المعرفة. لقد نض%%ج        وبعد أن قطعت مراحل عديدة لتطورها، خضعت البشرية أخيرا الجنين وحان موعد والدته، وصارت روح التوحيد جاهزة لتنزل وتس%%كن في الجس%%د الولي%%د. وهك%%ذا فليس كلمة التوحيد دعوة إلى دين جديد... وبعكس ذلك فهي اختبار لك%%ل م%%ا تمخض%%ت عن%%ه ه%%ذه

األديان.

Page 68: ابناء النور عبر العصور

ومن هم الذين تمكنوا من اجتياز هذا االمتحان؟       

إنهم المس%%يحيون الص%%ادقون، والمس%%لمون الص%%ادقون، والتوراتي%%ون الص%%ادقون، والبوذي%%ون        الصادقون، والهندوسيون الصادقون، إنهم باختصار أحباب الله الحقيقي%%ون، إنهم الموح%%دون ال%%ذين حملوا شعلة الحقيقة في أنفسهم، وفي صدورهم، وحافظوا عليها وراعوه%%ا في أفك%%ارهم وكالمهم

وأفعالهم.

i، والتي ستجري في عالم اليوم، لهي امتحان للناس ومناس%%بة لكي        إن األحداث الجارية حاليا يظهر كل منهم بجوهر عمله فيما آمن به واعتق%ده. وعن%دما تش%رق أن%وار العق%ل ينكش%ف الخب%اء، ويصبح الالوعي والوعي واحدا وك%ل نفس تكش%ف نفس%ها أم%ام م%رآة ذاته%ا. بعض األنفس س%وف تستفيق على السعادة األبدية باتحادها مع ال% "لوغوس" )العقل الكلي(، حيث ينكشف له%%ا الجم%%ال المطلق لله عز وجل وهو يتجلى على شاكلتها. بينما األنفس الشقية فس%%وف تك%%ره ه%%ذه الص%%ورةi على شاكلة حقيقته%ا المظلم%ة المخدوع%ة، وس%يرقد ه%ؤالء الجهل%ة في أغالل التي ستبدو لها أيضا غيهم وبالهتهم وعماهتهم إلى أبد اآلبدين... "من يظلم فليظلم بعد، ومن ه%%و نجس فليتنجس بع%%د. ومن هو بار فليتبرر بع%د. ومن ه%و مق%دس فليتق%دس بع%د" "... آت ك%اللص.." "أن%ا األل%ف والي%اء،

البداية والنهاية، األول واآلخر...".

صراع الخير والشر في الرحلة اآلدمية األخيرة... قسم الفلسفة في مجلى الضحى.       

الحكمة القديمة

مشاهد من ذاكرة التوحيد

مدارس الحكمة القديمة في الدورة اآلدمية األخيرة، ظهرت أوائل مظاهر التوحيد في مصر القديمة مستعينة بما ق%%د       

تبقى من آثار للحضارات المفقودة وبالمعلومات والقصص واألساطير واإللياذات التي تناقله%%ا بعض الذين نجحوا )من أبناء النور وأبناء الظلمة( في الهروب من أتالنتيس قبل دمارها. فظهرت ك%%وامنi نفوس أبناء الظلمة في الفرعنة وعبادة األوثان على أيام مصر القديمة ومن ثم السفس%%طة الحق%%ا في العصر اليوناني فيما ظهرت كوامن نفوس أبن%%اء الن%%ور في الحكم%%ة القديم%%ة كحكم%%ة إخن%%اتون وهرمس الهرامسة ومن ثم الفلسفة اليونانية. فمن جديد بدأت البش%رية رحلته%ا المعرفي%ة بط%رق ووسائل جديدة وبصيغة جديدة ترب%%ط بين الكائن%%ات البش%رية والوج%ود )بين ال%روح والم%ادة(. فق%د تكثفت أداة الفكر )أي الصور الفكرية( لتصبح مادة جامدة في العصر اآلدمي األخ%%ير بش%%كل جع%%ل من وعي العقل اإلنسان لثنائية الوجود )المادة والفكر( المبدأ الذي منه ستنطلق الحكم%%ة القديم%%ة ومن بعدها الفلسفة اليونانية في رحلة يظهر فيها التوحيد كشيء مجهول تتوق إلى معرفته النفس اإلنسانية بينما كان في أيام أتالنتيس ممارسة فطري%%ة تع%%بر عنه%%ا الم%%ادة آني%%ا وتلقائي%%ا. وك%%ل ذل%%ك به%%دف حكم%%ة إلهي%%ة أوجبت أن يتع%%رف اإلنس%%ان على خالق%%ه من خالل معرفت%%ه لذات%%ه. فلم يكن

Page 69: ابناء النور عبر العصور

باإلمكان أن تتحقق هكذا معرفة من دون الحوار الذاتي الذي بدأ مع وعي اإلنس%%ان لثنائي%%ة الوج%%ود )أي مادة وروح( وإال اتحدت الماهي%%ات م%%ع المحسوس%%ات وانفق%%د عنص%%ر الفك%%ر )ال%%ذي من خالل%%ه المعرفة تتم( وذابت هويات كل الكائنات في هوية واحدة ووعي واحد – الوعي المطلق. فالمعرفة بطبيعتها أوجبت وجود العارف والمعروف )الروح والمادة( وفي خافية ذاك%رة البش%رية بقيت ص%ور وأحداث من الطفولة التي عاشتها في الحضارات المفقودة، فيقال أن الطفولة هي المرحلة األكثرi على حياة اإلنسان. فما كان قد مورس فطريا في ق%%ارتي أتالن%%تيس وعم%%ورة من خ%%ير وش%%ر تاثيرا أصبح كامنا في النفوس في ظل جمود مادي ليظهر نفسه بطرق جديدة في العصر اآلدمي األخير،

طرق يشهد العالم آثارها اليوم في الحروب المدمرة ومظاهر الشرور المتعددة.

عالم الروح سبق عالم المادة:

الحكمة القديمة وعي مباشر، بحدس مباشر، لوحدة الكيان اإلنساني ووحدة الوجود الكوني،        هي معرف%ة الك%ائن البش%ري ألتص%اليته م%ع ك%ل ش%يء، وفي رأي حكم%اء ه%ذا العص%ر أن الحكم%ة القديمة اشتملت على المعرف%%ة اإلنس%%انية بكامله%%ا، وفس%%رت الك%%ون واألك%%وان واإلنس%%ان تفس%%يرا ش%%موليا، وق%%د تج%%اوزت التفك%%ير العقلي إلى وض%%وح الرؤي%%ة. فهي ال تحت%%اج إلى تلس%%كوب أو ميكروسكوب ألنها ترى كل الحقائق التي ينط%%وي عليه%%ا الوج%%ود في جوهره%%ا وفي ظاهراته%%ا. إذن فعملها هو معرفتها بحقيقتها وحقيقة الوج%%ود. والعلم، في ج%%وهره، بع%%د تلمس الطري%%ق، والغ%%وص إلى أعماق المادة، يعلم أنه حكمة مطروحة على مستوى االختب%%ار والتجرب%%ة ووعي ومعرف%%ة به%%ذه

الحقيقة على الرغم أن في ظاهره اليوم يبدو وكأنه نقيض لهذه الحكمة.

وبعد أن يسر هذا العالم من خالل التجربة، لف%ترة زمني%%ة طويل%%ة، ي%%درك أن%%ه الحكم%ة ذاته%ا،       المحققة في التاريخ على نحو عقل.

البعض يتصور العالم موضع تجربة واختبار، ويرى أن هذا العالم متص%%ل م%%ع الع%%والم األخ%%رى        وممتد إلى الالنهاية في سلسلة وجودية غير منفصلة. وأن اتصالهم بالعوالم األخرى يتم عبر األرض ويتحقق بمقدار ما يطبقون من مبادئ كونية في عالم التجربة واالختبار، في ع%%المهم األرض%%ي. وال شك أن كثافة هذا العالم األرضي ال تحول دون اتصالهم بلطافة العوالم األخرى، فهو الفيض األخير أو االنبثاق النهائي في سلسلة الصدورات. وق%%د اتص%%ف ه%%ذا الفيض األخ%%ير بالكثاف%%ة ال%%تي ن%%دعوها المادة مقابل الروح، والظلمة مقابل النور. والحق يقال إن عالمن%%ا، كم%ا أش%%ارت البح%%وث األخ%يرة في فيزياء الصغائر، شعاع ونور، وطاق%%ة كثيف%%ة، هي روح ظليل%%ة ويع%%د ه%%ذا الع%%الم الموض%%ع ال%%ذي يحقق في%%ه لمن يري%%د رؤي%%ة الحقيق%%ة، اختب%%ار الن%%ور في الظالم، وال%%روح في الم%%ادة، والوح%%دة في

الكثرة، واالتصالية في االنفصالية، والخبر في انعدامه أو سلبه، والحقيقة السامية في انعدامها.

نعترف بهذا العالم ألنا نحبه، ونتفاعل معه لنسمو به، وألن كياننا وكيانه واحد وبق%%در م%%ا نحن        ونتوق إلى األبدية والحقيقة السامية نتوق إلى هذا العالم. وفي وحدة الكي%%ان ه%%ذه تنعكس الثنائي%%ة

في بهاء التكامل وتتألق التعددية في ضياء الوحدة.

الوعي الكوني من منظور الحكمة القديمة:

Page 70: ابناء النور عبر العصور

تشير الحكم%%ة القديم%%ة إلى أن الم%%ادة "وج%%دت نتيج%%ة تط%%ور هاب%%ط من األعلى إلى األدنى:       i أن المادة س%%تعتمد بفع%%ل تطور يشير إلى كثافة الطاقة الكونية لتصير مادة. ويمكننا أن نقول أيضاi قب%%ل تطوره%%ا الهاب%%ط إلى انغالق، عن طري%%ق تط%%ور طاقة واعية، العودة إلى ما كانت عليه سابقا صاعد، يبلغ وسطه في اإلنسان )ع%%بر الفك%%ر ال%%ذي ه%%و ألط%%ف تكث%%ف للطاق%%ة(، ويبل%%غ أقص%%اه في "روحنة" المادة )أي في عودتها إلى ما كانت عليه قبل تطورها الهابط(. فالتطور الهاب%%ط والتط%%ور الصاعد يؤكدان اتصالية الكون وينفيان االنفص%الية. والح%ق أن اتص%الية الك%ون واألك%وان واإلنس%ان تعني أن ما يهبط سوف يصعد، وما يصبح كثيفا سيعود إلى لطافته. وإذا كان التطور الهاب%%ط يع%%ني،i اللطافة المتحولة إلى كثافة، فإن اإلتصالية قائمة بينهما. وإذا كانت اللطافة أصال والكثافة ظه%%ورا أو تجليا أو كشفا، أدركنا أن الكثافة س%%تعود إلى لطافته%%ا. وال ش%%ك أن الخطيئ%%ة الك%%برى المقترف%%ة

تكمن في االعتقاد بانفصال كوننا أو حياتنا عن الكون واألكوان كلها.

وال يستقيم وجودنا، وال يتميز هذا الوجود بالمعنى ما لم ندرك أننا أحرار، ولن يعمل اإلنس%%ان        على تحسين وتطور وضعه الحياتي والمعيش%ي، ب%العلم أوال م%ا لم يش%اهد ه%ذه الحري%ة تفع%ل في الكون كله، وما لم يتخل عن مفهوم الحتمية التي تجعل حياته جحيما ال يطاق واستسالما وخض%%وعا ال يليق. ثمة إشراطات طبيعية وراثية يسببها اإلنسان لنفسه في حياته السابقة، وإشراطات حالي%%ة أضيفت إلى اإلنسان في والدته وألحقت به في التربية ت%دعى حتمي%ة، يت%وجب علي%ه االنعت%اق منه%ا

ليحيا في الوعي الكوني.

أن هذا العالم المادي هو انعكاس للعالم األسمى. ليس العالم المادي س%%وى ظ%%ل للحقيق%%ة،        وفي الظل ال توجد واقعية وجوهر. إنما نفهم من خالل الظل بوجود جوهر أو واقعي%%ة. ال يوج%%د في

الصحراء ماء وال سعادة. لكن السراب يوحي بوجود شيء كالماء.

هكذا ال يوجد في العالم المادي ماء، وال س%%عادة، ألن الس%%عادة الفعلي%%ة موج%%ودة في الع%%الم       األسمى.

أخناتون ووحدانية اإلله آتون:

أخناتون: هو فرعون مصر "أمحوتب" أو "أمنوفيس الرابع" الذي دعا إلى ديانة التوحيد        بعبادة اإلله الواحد "أتون" الذي ال إله إال هو، وقد رمز إليه بقرص الشمس التي تمتد أشعتها كأيد

i بعقيدته التوحيدية لظهور األديان السماوية إلى كل المخلوقات لتمنحها الحياة والوجود، ممهداالثالث.

وقد تصور أخناتون أن قرص الشمس هو مظهر من مظاهر هذا اإلل%%ه، إذ اإلثن%%ان من وجه%%ة        نظره يشعان على العالم أجمع )اإلله الذي ال إله إال هو والشمس( وقد بلغ حماسه لدينه الجديد ما جعله يناوئ جميع اآللهة ويحاول القضاء على مبادئها وحمل الن%%اس على اتب%%اع اإلل%%ه الواح%%د االح%%د الذي سماه "أتون"، وقد صب غضبه بالدرجة األولى على اإلله "أمين – أمون" إله "طيبة"، ولكرهه لهذا اإلله الذي كان أسمه يدخل في تركيب إسمه أمين – هوتب" فق%%د عم%%د إلى تغي%%ير اس%%مه من "أمنحوتب" أو "أمنوفيس" إلى أخناتون، وهجر العاصمة المقدسة "طيبة" وابتنى له عاصمة جديدة في موضع يسمى "العمارنة" وسماه "أخت – أتون" ونقل إليها مق%%ر العاص%%مة وأعم%%ال الحكوم%%ة،

Page 71: ابناء النور عبر العصور

وقد وجدت في هذه العاصمة السجالت الملكية الش%%هيرة ال%%تي من بينه%%ا الرس%%ائل المرس%%لة إلي%%ه وألبيه من قبله من ملوك الشرق األدنى وحك%%ام اإلمبراطوري%%ة في بالد الش%%ام. وي%%دعى البعض أن دعوة أخناتون فرعون مصر لعبادة اإلله الواحد هي الدعوى األولى من نوعه%%ا في ت%%اريخ البش%%رية،

قبل الميالد، أي بعد إبراهيم الخيلي1358 وسنة 1375وقد فات هؤالء أن أخناتون عاش بين سنة بحوالي ستمائة عام، لذلك ال يمكن أن تكون دعوته هذه للوحدانية هي األولى في تاريخ البشر، وال مجال للشك في كون عقيدة التوحي%د عقي%دة أزلي%ة الق%دم، فمن غ%ير المس%تبعد أن تك%ون عقي%دة الوحدانية التي تبناه%%ا أخن%%اتون ق%%د ج%%اءت إلى مص%%ر عن طري%%ق قبائ%%ل "الهيكس%%وس" العم%%وريين العربية التي حكمت مصر زهاء قرنين قبل عهد أخناتون مباشرة، و "الهيكسوس" كم%%ا ه%%و معل%%وم كانوا على اتصال بال% "مديانيين" الذين قيل عنهم أنهم كانوا يدينون باإلل%%ه الواح%%د الم%%دعو "يه%%وه" ومساكنهم في شبه جزيرة سيناء المجاورة إلى مصر ولم يعبدوا اآلله%%ة المص%%رية ب%%ل عب%%دوا اإلل%%ه "سوتح"، وقد ت%%واتر أن المل%%ك "أب%%و فيس" لم يس%%مح بعب%%ادة أي إل%%ه آخ%%ر في البالد كاف%%ة. وذهب البعض إلى أن أتباع موسى كانوا يدينون بدين أخناتون وأن موس%%ى نفس%%ه ه%%و مص%%ري ومن أتب%%اع هذه الديانة الجديدة، ويؤكد العالم النفساني "فرويد" باألدلة التاريخية واالس%%تنتاج الخ%%اص ب%%ه ب%%أن موسى قائد مصري من أتباع أخناتون اعتنق دين التوحيد وبشر به بعد م%وت ه%ذا الفرع%ون. ومم%ا يذكر في هذا الصدد أن هناك بعض التشابه بين بعض قصائد أخناتون في تسبيحه اإلله األوحد وبين المزمور الرابع بعد المائة من التوراة، كما يالحظ أن المعاني التي ذكرها أخناتون في قص%%يدته عن

إله الشمس تكررت كذلك في أسفار العهد القديم.

i في تاريخ مصر السياسي واالجتم%اعي ولي%دة زمنه%ا،        ولم تكن ديانة أخناتون التي لعبت دورا فقد سبقتها تطورات عقائدية دينية عبر زمن طويل ح%%تى تبل%%ورت واختم%%رت عقي%%دة اإلل%%ه األوح%%د خالق كل شيء، وأول ما استرعى نظر المصريين األوائ%%ل ه%%و أن الش%%مس وظهوره%%ا على ش%%كل ذلك القرص األحمر المتوهج وشروقها وغروبها بانتظام دقيق تمثل عظمة اإلله "خالق ك%%ل ش%%يء" الذي عرف بأسماء عديدة منها االله "رع" الذي يمثل شمس الظهر، فعبده أهل مصر في الشمال والجنوب على السواء وقد صوروا هذا اإلله الخالق على أشكال مختلفة على هيئ%ة الص%قر أو هيئ%ة إنسان برأس الصقر. إن عقي%%دة التوحي%%د نبتت ج%%ذورها في الق%%رن العش%%رين قب%%ل الميالد بظه%%ور عبادة إله "أمون رع" ثم بعد طرد "الهيكسوس" العرب من مصر وتأسيس االمبراطورية المص%%رية حتى لقب بملك اآللهة وأصبح أعظم االلهة للمصريين. وفي عصر أمنحوتب الثالث بدأت تختمر في عقلية الشعب المصري مفاهيم دينية جديدة تمخضت عنها الث%%ورة الك%%برى ال%%تي ان%%دلعت في عه%%د

– 1379خلفه أمنحوتب الرابع ق.م. بإعالن عقيدة التوحيد تحت علم )أت%%ون – الش%مس(،1362 وال شك أن هذه الحركة الجديدة كانت عامة إذا كان الناس يؤدون عب%%ادة وحب اإلل%%ه ال%%ذي يرون%%ه ويحسون بأفض%اله )أي ش%مس(. إن ه%ذا الجي%ل يس%ير إذن نح%و الحقيق%ة. ولم يع%د إل%ه الش%مس كسابق العهد على هيئة إنسان ذي رأس صقر، بل على صورة قرص يمثل ك%%وكب الش%%مس ومن%%ه تخرج أشعة تنتهي بأيد، وهذه األيدي معناها أن الشمس تعطي اإلنسان الحياة وك%%ل م%%ا ه%%و طيب، وقد وصلت إلينا محتويات هذه العقي%%دة الجدي%%دة الحقيقي%%ة عن طري%%ق تس%%بيحات وأدعي%%ة مختلف%%ة تصور إله الشمس على صورة الخالق المحبب عند كل األحباء ويق%%ول األس%%تاذ "إرم%%ان" في كتاب%%ه

– 140ديانة مصر القديمة صفحة : "إننا إذا حاولن%ا فهم ه%ذا الم%ذهب على وج%ه الدق%ة في141 تحليله األخير فإننا نالحظ أنه يتجه اآلن – على عكس ما كان عليه في البدء نحو االعتقاد بالتوحي%%د، أنه يقول بإله واحد ليس له شرك وكل ما كانت تقوم ب%%ه جمه%%رة اآلله%%ة األخ%%رى ينف%%رد ه%%ذا اإلل%%ه بعمله، ألن فيه ماليين المخلوقات، هذا هو إله الشمس العام المشترك لكل الع%%الم – اإلل%%ه الطيب

Page 72: ابناء النور عبر العصور

الذي يحب الحق سيد السماء واألرض "أتون" الكبير الحي الذي ينير القطرين".

وهكذا لم يعد اإلله )في ديانة أخناتون( إله مصر وحدها بل هو إله ال%%دنيا بأس%%رها وك%%ذلك لم        يعد الملك إلها يعبد ألن أخناتون لم يدع األلوهية مثلما ك%%ان الفراعن%%ة من قبل%%ه ومن بع%%ده ي%%دعون بأنهم آلهة. إن المهم هنا أن ديانة أخناتون نبذت وشجبت جميع ألوان السحر والخرافات والشعوذة وهذا ما يقوله "أرثر ويكال" بهذا الصدد: "إن أخناتون ألقى إلى النار بش%%تى )المف%%اهيم( المختص%%ة بكائنات العالم السحري من جن وعفاريت وأرواح وأنص%%اف آله%ة، وح%تى "أوزي%%ريس" نفس%ه بك%%ل بالطه، ألقى بهم في اللهب وتحولوا إلى رماد". ويضيف "ويك%%ال" قول%%ه: "وفي أعق%%اب نش%%ر ه%%ذه الديانة الجديدة مباشرة لم يبق ذرة من الخرافات في صلب هذه الديانة، وقد ح%%رم أخن%%اتون علىi ألتون ألن اإلله الحق في اعتقاده ليس كمثله ش%%يء ولكن م%%ع ذل%%ك ه%%و الفنانين أن يرسموا صوراi فص%%ور الفن%%انون ك%%ل الكائن%%ات i طليق%%ا i في كل مكان وزمان". ثم ترك الفن بعدئذ حرا موجود دوما الحية نباتي%%ة ك%%انت أو حيواني%%ة في تفص%%يل ينم عن حب وعط%%ف عظيمين، ودق%%ة ال مثي%%ل له%%ا في عصرنا، وكان من أثر هذا أن ازدهر الفن أعظم ازدهار. وفي وصف ه%%ذه الديان%%ة الجدي%%دة وإيم%%ان أخناتون الراسخ بها، يقول األستاذ فؤاد شبل: "وفي الحق لم تعرف الحضارة البشرية هذه النزع%%ةi الروحية العالمية قبل أخناتون، فإنه هو أول أبناء الجنس البشري )في التاريخ المدون طبعا( إدراكاi دفعته أحاسيسه النبيلة إلنق%%اذ مجتمع%%ه من i عاديا لوحدانية الله وشموليته... فأخناتون لم يكن فردا أوزاره، وتخليص مواطنيه من الجهالة التي يكابدونها ب%%ل ك%%ان ملك%%ا آث%%ر التض%%حية بمل%%ذات الحي%%اة وبأبهة الملك في سبيل مبدأ اعتقد فيه خالص اإلنسانية من الشرك وما يحوطه من تحل%%ل خلقي... وما هدف أخناتون إلى تمجيد ذاته، بل لقد ضحى في سبيل دوافع%%ه الروحي%%ة البحت%%ة بإمبراطوري%%ة عظيمة األرجاء أقامها أجداده العظام، ولم يأبه لالنقسام ال%%ذي ه%%ز كي%%ان مص%%ر االجتم%%اعي، فلق%%د سيطرت على ذهنه فكرة واحدة مدارها أن اإلله الحق، اختاره للتبشير بوحدانيته... ومهما يكن من أمر االختالف في تقييم منجزات أخناتون الروحي%ة والفكري%ة، ف%إن اآلراء تتف%ق على نب%ل مقاص%ده وسالمة نهجه، وأن دعوته هي أول دعوة لتحري%%ر العق%%ل من جهال%%ة الش%%رك، وف%%ك أس%%ار الض%%مير البشري من سلطان طبقة من رج%%ال ال%%دين الفاس%%دين الوص%%وليين... ويعت%%بر نهج%%ه أولى حلق%%ات سلسلة تطور العقائد الدينية )في دور آدم( ال%%ذي انتهى بظه%%ور األدي%%ان الس%%ماوية". وي%%رى البعض "أن دعوة أخناتون حصرت اإليمان بها في الملك وعائلته وفي طائفة من المقربين إلي%%ه" على أنن%%ا لم "نلمس في تراتيل أنشودة أخناتون ما يشير إلى ذلك بل نجد العكس، فديان%%ة أخن%%اتون بحس%ب هذه التراتيل عالمية تشمل جميع البشر، ولو قدر ألخناتون أن يطول حكمه مدة أطول يثبت خاللهاi في i، وأخذت عب%%ادة "أت%%ون" تنه%%ار من بع%%ده ت%%دريجيا أركان ديانته لتغير وجه التاريخ المصري تماما وجه المعارضة المكشوفة بعد أن كانت غالبية الش%عب ق%د رفض%%ت العقي%%دة الجدي%%دة وظلت تعب%%دi i، أما فشل العقيدة الجديدة فاتجه نحو خراب مؤكد، وقد جاء موت الملك ن%%ذيرا آلهتها القديمة سرا بالمصير المحتوم الذي كان ينتظر العقيدة الجديدة التي تبناها ودافع عنها في حياته، ومم%%ا زاد منi للعهد فانتقلت مقالي%%د الحكم إلى زوج ابنت%%ه الك%%برى، ال%%ذي خطورة الوضع أن الملك لم يترك ولياi وهو الملك المعروف – توت غنخ أتون – ولكن هذه التسمية أث%%ارت خلفه صهر آخر، أصغر منه سنا ردود فعل بين المعارضين الساخطين مما اضطر الملك إلى الخضوع فب%دل اس%مه إلى "ت%وت غنخ أمون" كما اضطر إلى الرجوع إلى "طيبة" حيث افتتح العهد منددا بعهد أتون وملمح%%ا إلى الب%%ؤس الذي وصلت إليه البالد. وفي الوقت نفسه أقام المعابد ألمون ثاني%%ة وص%%نع ل%%ه تماثي%%ل من ال%%ذهب الخالص. وهكذا خربت "تل العمارنة" )عاصمة أمحوتب الرابع ص%%احب عقي%%دة التوحي%%د( ولم ي%%ترك شيء من معبدها األعظم، وقد خربت كذلك مقابر المدينة ومن ضمنها المقابر الملكية، وقد انتهت

Page 73: ابناء النور عبر العصور

هذه الثورة تاركة وراءها األسى الذي أرهق الشعب والحقد الذي يالحق كل خسائر أو فاشل ح%%تى صار "أمنوفيس الرابع" )أخناتون( ال يجري الحديث عن%%ه إال ويلقب ب% "مج%%رم ت%%ل العمارن%%ة"، وق%%د علق أرمان على النتائج التي خلفتها هذه الحركة الدينية الكبرى فقال: "إنها أحدثت رد الفعل الذي

i لالنحطاط الروحي في مصر". كان دافعا

.1998 – تموز 77 أمحوتب صاحب عقيدة التوحيد – راجع الضحى العدد        

موقع أخناتون من مورون ما قبله وأديان ما بعده:

إن موقع أخناتون من التراث الثقافي العالمي يض%%يف إلى ثقل%%ه تقدم%%ة الس%%يد المس%%يح في        اعتبار نفسه ابن الله الوحيد الذي يعرف قدر أبيه، والذي خلق من أجل خالص العالم أجمع. وكانت عاطفة المحبة هي ألف وياء وجوده وتوجهه. وبدافع المحبة، التي اشتهرت بها المس%%يحية كعقي%%دة، منع أخناتون تقديم القرابين البشرية التي كانت تقدم، حتى سلفه "أمنحوتب الثالث". وقام بت%%دمير األصنام التي أسقط عليها البشر قيمة من ذاتهم، وأكبر ه%%ذه األص%%نام ال%%تي أحناه%%ا أخن%%اتون أم%%ام

قامة اإلنسان كان تمثال أبي الهول، الذي كانت تقدم له الذبائح البشرية.

كما أن إيمانه بوحدة مص%%در الحي%%اة أوق%%د في%%ه اح%%ترام ال%%روح الحي في الحي%%اة الحيواني%%ة –       النباتية الخرساء، مما دفعه إلى منع صيد الحيوانات من أجل المتعة.

وبينما كان سلفه أمنحوتب الث%%الث يتف%اخر بقت%%ل الطي%%ور؛ ويتمظه%ر في الرس%%وم والنق%وش        كصائد ممتاز لألسود، فإن لوحات الصيد والقنص تغيب عن ج%%داريات مدين%%ة "ت%%ل العمارن%%ة" ال%%تيi لديانته الجديدة. وال تظهر لوحات الصيد والقنص حتى في مق%%ابر النبالء ال%%ذين بناها اخناتون مركزاi منها مشاهد حيوانات هادئة مطمئنة لمن وما حوله%%ا. شكلوا بطانة الفرعون الموحد، بل تظهر بدال ولم يعثر على لوحة أو صورة واحدة ألخناتون وهو يرمي صفوف األعداء بقوسه، أو وهو ينفذ حكم اإلعدام بمذنب، وهي مناظر يألفها الناظر لس%%ابقيه وخلفائ%%ه المتب%%اهين بق%%وة الس%%لطان وش%%جاعة الجسد. ولم ترسم اآللهة في عهد أخناتون في أشكال الحيوان%%ات، وه%%و تقلي%%د مص%%ري دي%%ني ف%%ني عريق مارسه قوم موسى المصري أثناء غيابه عنهم في سيناء حين جمعوا كل ما في ح%%وزتهم من حلي وسكبوا منها تمثال العجل الذهبي وراحوا يتبعونه في ممارسة لتقليد عبادة المص%%ريين لعج%%ل آبيس. وأكثر من ذلك من%ع أخن%اتون تجس%يم اآلله%ة في أش%كال آدمي%ة، أي أن%ه ك%ان رائ%د التجري%د

والتنزيه التوحيدي.

واكبت عصر إخناتون نفرتيتي، ص%احبة أش%%هر رأس منح%%وت في الع%الم الق%ديم أو الح%%ديث،        بتاجه%%ا الع%%الي، ورقبته%%ا الطويل%%ة، وأنفه%%ا المس%%تقيم ال%%دقيق. ولم يكتم أخن%%اتون عاطف%%ة المحب%%ةi القواع%%د الفني%%ة ال%%تي ك%%انت تظه%%ر لنفرتي%%تي، ب%%ل أش%%هرها وأظهره%%ا في الرس%%م والنحت، خارق%%ا الفرعون وكأنه من طبيعة الصخر الذي حفر فيه رسمه. فهو جبار ال تهزه المشاعر التي تهز س%%ائر البشر. وهكذا كان أسالف أخناتون وخلفاؤه يتكلفون العظمة والقوة. أما أخن%%اتون فق%%د أحي%%ا مب%%دأ اإلنسان في الفرعون اإلله، والواقعية في الفن. كان من المجددين فنيا حين سمح لنحاتيه بإظهاره

ونفرتيتي وهو مستند بذراعه إلى كتفها، أو وهو يداعب فلة أجلسها على ركبته.

Page 74: ابناء النور عبر العصور

إن محبة أخناتون التي شملت الله والطبيعة والبشر، ورحمته ال%%تي جعلت%%ه يمتن%%ع عن القت%%ل       i مثل "فرويد" يعتبرون أخناتون "أنقى مثال من أمثل%%ة دين الوحداني%%ة والقنص، جعلت محللين كبارا في تاريخ اإلنسانية" ونحن نعلم أن أخناتون ساوى بين الشعوب كاف%%ة في عين إله%%ه الن%%وراني ولمi رمزه الختان بين شعبه وعرقه من جهة، والله من جهة ثاني%%ة كم%%ا فع%%ل موس%%ى. i خاصا يرغم عقداi ليتميز "شعب الله المختار" ذلك فالختان كان عادة جرى عليها المصريون وجعل منها موسى رمزا الزعم الذي طالما سوغ لليهود عزلتهم ومكن لنزعة "الغيتو" في ال وعيهم، وسعر لهيب المش%%اعر

المسيحية المادية ضدهم في طول أوروبا وعرضها على مدى القرون.

لكن أهم ما يميز أخناتون عن الموسوية، وبنسبة أقل عن المس%%يحية، ه%%و التجري%%د والتنزي%%ه        اللذان نزعا عن الله كل الصفات الشخصية، وجعال منه مبدأ الحياة الن%%وراني المت%%نزل في األحي%%اء. وهذا المبدأ العرفاني يعيدنا إلى دراسة نشوء الحركة الصوفية العرفاني%ة على ي%د ه%رمس، األق%دمi، ليس في ت%%اريخ مص%%ر الثق%%افي وحس%%ب، وإنم%%ا في ت%%اريخ الثق%%افيين الش%%رقية i، واألبعد أث%%را عهداi من ت%%راث والغربية كما سنرى. لكننا ال نستطيع طي صفحة أخن%%اتون قب%%ل إيض%%اح م%%ا يم%%يزه أيض%%ا مصر الديني التقليدي. إن إيمان المصري بحياة تبدأ بع%د الم%وت، ثم ش%رط ه%ذه الحي%اة األخروي%ة باستبقاء الجسد سالما مكتمل التكوين في منأى عن التفكك والتلف، جعل مصر موزعة بين باطن

The األرض وظاهرها. ذلك أن "كتاب الموتى" Book of the Dead بما حواه من ص%%لوات وتعاوي%%ذ سحرية وطقوس استهدفت إسكات صوت الضمير كي ال يشهد على صاحبه أمام قاضي اآلخرة، ما هو إال خطاب دفاعي توسله المصري إلثبات أهلية خلقية تفتح له أبواب الخلود، وليس فن التحنيطi هائلة في بنى األهرام سوى التعبير عن ه%%ذا االنش%%غال الهائ%%ل والمدافن الحجرية التي تبلغ أحجاما

i في كنفه. بحفظ الجسد من عوامل التلف والفساد كشرط لدخول الروح إليه وسكناها مجددا

ــة ــافات الديني ــة في الفلس ــفية الفاعل ــديانات الفلس ــية هي أول ال الهرمساليونانية:

وفي مقابل هذا الدين الشعبي الكسيح الخيال والذي كان يرهن خل%%ود ال%%روح ببق%%اء الجس%%د        )في حياة واحدة( وكأنهما من طبيعة واحدة فيولى الجس%%د ك%%ل العن%%اء والجه%%د العم%%راني الض%%ائع، عرفت مصر الهرمسية وهي أولى الديانات الفلسفية أو الفلس%%فات الديني%%ة ال%%تي تس%%امت ب%%الروح العاقل وقالت باختالف%ه واس%%تقالله عن الجس%د المحس%وس ونس%بت إلى ك%ل من ال%روح والجس%دi يتوافق مع طبيع%%ة تكوين%%ه ومص%%در نش%%وئه، فلل%%روح طبيعتين متناقضتين، جعلت لكل منهما مسكنا العقال الفلك األعلى وللجسد مأواه الترابي. وإذا كان اكتشاف ما استبقاه الزمن من أخناتون "تل العمارنة" قد كشف أهم الصفحات في تاريخ مصر الثقافي وأكثرها إث%%ارة لجه%%ة ممارس%%ة التوحي%%د كنمط حياتي وأسلوب فني، فإن كشف ما خفي من شرعة العرفان التي نصبها هرمس الهرامسة، والتي تشكل أول فلسفة في ت%%اريخ الثقاف%%ة، يثبت تق%%دم مص%%ر بنح%%و ألفي س%%نة على والدة التي%%ار اإلشراقي في الفلسفة اليونانية وأثرها المعرفي العميق كما يتبدى في الديان%%ة األورفي%%ة العرفاني%%ة

Orphic السرية Mystery Cult بفيثاغوراس التي عرفته%%ا اليون%%ان في الق%%رن i ثم في الفلسفة بدءا– 269الس%%ادس ق.م، وانته%%اء ب%%أفالطون في الق%%رن الث%%الث بع%%د الميالد ) ( وبين الكب%%يرين205

– 428)فيثاغوراس وأفالطون( اإلش%%راقي األك%بر في الفلس%فة اليوناني%%ة، أفل%%وطين ) (ق.م،348 ق.م، وإذا ك%%ان الحكيم "بت%%اح ح%%وتب" ال%%ذي264ومؤسس المذهب الرواقي زينون، المتوفى عام

i ع%%ام ق.م.، ه%%و المعلم األول في ت%%اريخ األدب الحكمي ف%%إن ش%%رعة ه%%رمس2400ك%%ان وزي%%را

Page 75: ابناء النور عبر العصور

الصوفية العرفانية )الغنوصية( كانت أهم ما كشفت عنه نصوص األهرام.

بع%%د أن Thoth  إن "هرمس" هو االسم الذي أطلق%%ه اليون%%انيون على اإلل%%ه المص%%ري "ت%%وث"       i من مواصفاته مم%%ا يض%%في دليال نقلوه إلى دياناتهم وضموه إلى مجلس آلهتهم دون أن يغيروا شيئا

قويا على الفرضية القائلة أن اليونانيين قد نقلوا آلهتهم عن مصر.

إن هرمس عند المصريين واليونانيين هو رب الكلمة البدء، ومخترع اللغات، ومب%%دع الكتاب%%ة، وملهم وراعي الفنون األدبية التي تتوسل الكلمة أداة لإلفصاح عن المكن%%ون. وه%%و "ك%%اتب اآلله%%ة" وترجمان ما تسربه إلي%%ه، و "ص%%احب الل%%وح والقلم"، ب%%ل ه%%و اإلل%%ه "رع" يتجلى على األرض. وه%%و "مؤسس النظام االجتماعي – السياسي" على قواعد القيم األخالقية. وه%%و قلب ه%%رمس "المثلث

Thrice أو "المثلث العظمات" Trismegistos Hermes الشعب" أو "المثلث بالحكمة والقوة والملك"greatest وهو في تس%%مية أخ%%رى "عين الن%%ور واإلثب%%ات" وهي إش%%ارة ص%%وفية لفع%%ل مش%%اهدة الل%%ه

)النور( بعين النور في الذات الصفو. وكان اهتمام الغربيين بالحركة الفكرية الهرمسية يتقد ويخب%%و منذ نقلها إليها الع%%رب ال%%ذين اس%%تهوتهم خالل الق%%رون الوس%%طى. وق%%د انتعش اهتم%%ام الم%%ؤرخين الغربيين بالهرمس%ية في الرب%%ع األخ%ير من الق%رن العش%رين، بع%د أن تب%%دى لهم م%%دى األث%ر ال%ذي مارسته هذه الحركة التي تالقى فيه%%ا ال%%دين بالفلس%%فة، وتم%%ازج العلم بالحكم%%ة، والتأم%%ل بالحي%%اة العملية، على تاريخ الغرب الثقافي. وأن كان مؤرخو الثقافة الغربيون يميلون إلى حصر هذا التأثيرi بقيام أمبراورية روما على أرض المشرق، مس%%تبعدين ب%%ذلك أث%%ر بالمرحلة الهيلينية والرومانية بدءا الغنوصية المصرية على الفلسفة اليونانية في وجهها المش%رقي اإلش%%راقي لكي يس%تقيم زعم لهم يؤسس تاريخ الثقافة الغربية على أرض "الجد" اليوناني يؤسس ت%%اريخ الثقاف%%ة الغربي%%ة على أرض "الجد" اليوناني الغربي "العاقل". والحقيق%%ة هي أن أث%%ر العرف%%ان الص%%وفي الهرمس%%ي ال يتمظه%%ر فقط في األفلوطيني%%ة الجدي%%دة والرواقي%%ة واألبيقوري%%ة، وهي الم%دارس ال%تي س%%ادت س%%احة روم%%ا الفكرية بعد انتقال أثينا الثقافة إلى اإلسكندرية، وإنما في أعالم اإلشراقيين العرفانيين من فالسفة اليونان الكبار: فيثاغوراس وأفالطون وسقراط. كم%%ا تظه%%ر ش%%ريعة العرف%%ان الهرمس%%ية في بعض مبادئها الركنية في الوجه األفالطوني من فلسفة أرس%%طو، وفي جدلي%%ة ه%%يرقليطس الحركي%%ة كم%%ا

 .في مبدأ الواحد الثابت عند بارمنيدس

ويأخذ بحثنا هذه الوجهة ليؤكد عالقة القربى بين مصر واليونان، وهي عالقة طالما أنكرها أو تجاهلها، أو خفف من وقعها مؤرخو الفلسفة في الغرب في سياق اصطناعهم لتاريخ غ%%ربي أح%%ديi، هي "معج%%زة" i، وهي بداي%%ة من ع%%دم تقريب%%ا للثقافة يبدأ باليونان، وهي في زعمهم بالكامل تقريبا كما تقول عناوين مؤلفات شتى تحاول أن تثبت عقالنية يونانية تبدأ من عدم لتستمر نامية متطورة

في الغرب ومعه.

i اتسمت بنزوع صوفي إلى التط%%ور من الحس%%ي واالرتق%%اء إلى ترك هرمس سبعة عشر بحثا العقلي. وقد هدفت جميعها إلى تأليه اإلنسان بالمعرفة والعرفان وب%%العلم والعم%%ل. وق%%د اع%%ترفت المسيحية بالهرمسية ألنها قالت بالث%%الوث، وه%%و ث%%الوث الل%%ه – اإلنس%%ان – الع%%الم. لكن الهرمس%%ية وحدت الثالوث في إطار رؤية جدلية تأليفية نفت االستقاللية عن أي من العناصر المكونة للوج%%ود،i لقانون التجاذب والتضاد في إطار الوجود الظاهر. وقد اس%%تبقت وأكدت على تداخلها وتفاعلها تبعا الهرمسية المبدأ الهيرقليطي القائل بسيولة وتحول كافة مظاهر الوج%%ود الحس%%ية إلى ن%%ار، أي من

Page 76: ابناء النور عبر العصور

مادة كثيفة إلى طاقة لطيفة حسب التعبير الهرمسي. كما جمعت بين حركية الج%%دل اله%%يرقليطيومبدأ الواحد الثابت عند "بارمنيدس" أو "المحرك الذي ال يتحرك"، كما وصف أرسطو مبدأ الخلق.

وإذا كان هيرقليطس قد دعا البشر إلى اإلص%%غاء ال لرأي%%ه ال%%ذاتي ب%%ل لفع%%ل العق%%ل الك%%ونيi لقوانينه، فإن العقل النوراني في الهرمس%%ية والفلس%%فات واألدي%%ان ال%%تي الناظم لحركة الكون تبعا تبعها هو "الخير الفائض" كما سيقول أفلوطين أو "المثال األعلى" بلغة أفالطون ال%%ذي يس%%ري في األفراد، ويتكثر في األعداد، ويتعدد في الصور الحية التي تدل كلها على وحدة المص%%ور "إذ يس%تدل على المصور من الصورة وعلى ما خفي مما ظهر"، على حد تعبير هرمس. وهذا التعريف الش%%ديد العمومية ال يعفينا من دراسة مقارنة لنص%%وص فلس%%فية يوناني%%ة من جه%%ة، ولنص%%وص هرمس%%ية من

جهة ثانية.

ينهض التوافق بين الحركة الفكرية الهرمسية والفلسفة اليونانية على ركائز ومفاهيم ركني%%ةعديدة: على البنيتين المعرفيتين اللتين يجمع في تركيبهما الدين والفلسفة والعلم في الوحدة.

وق%%د مكن له%%ذا التماث%%ل المع%%نى الش%%مولي ال%%ذي تنط%%وي علي%%ه كلم%%ة فلس%%فة في مص%%در اشتقاقها اليوناني الذي ع%%نى "حب الحكم%%ة"، وال%%ذي أل%%ف بين ش%%تى العناص%%ر المعرفي%%ة المتاح%%ة

لتقديم رؤية مطابقة للوجود في كليته، ما خفي منه وما ظهر.

ونقطة التقاطع الثانية بين الهرمسية والفلسفة اليونانية تتمثل في اله%%دف المش%%ترك ال%%ذي Uitmate ح%%دده ه%%رمس وفالس%%فة اليون%%ان للبحث المع%%رفي بوص%%فه البحث عن الحقيق%%ة األخ%%يرة

Reality ،"i ، وهذه التعريفات نؤشر إلى وجود مضاداتWhat is really existentأو "ما هو موجود حقا لها في الوعي الهرمسي واليوناني. فالحقيقة األخيرة والوج%%ود الحقيقي يتض%%ادان م%%ع األش%%ياء فيi بين منزل%%تين: منزل%%ة م%%ا ك%%انت علي%%ه ومنزل%%ة م%%ا هي مظاهرها الحسية السائلة التي تجعلها دائم%%ا صائرة إليه، وتحوالتها بالت%الي تجعله%ا مستعص%ية على الفهم، عكس المب%دأ البس%يط الث%ابت ال%ذي يحركها من موقع يدرك بالتأمل العقلي لوقوعه خارج مطال الح%%واس. وه%%ذا الث%%ابت أو الج%%وهر أو الماهية الكامنة تحت ووراء المظاهر المحسوسة ه%%و ال%%ذي جعلت من%%ه الهرمس%%ية، كم%%ا الفلس%%فة

اليونانية، موضوع بحثها ومساءلتها.

ومعرف%%ة الج%%واهر والماهي%%ات )الحق%%ائق األخ%%يرة والمب%%ادئ الثابت%%ة المحرك%%ة( هي الحقيق%%ة وبالتالي هدف البحث ال%%ديني – الفلس%%في – العلمي ألنه%%ا تح%%دد الغاي%%ات والوظ%%ائف واألدوار لك%%ل المخلوقات والموجودات. فكل كائن يسلك االتجاه الذي تقرره له ماهيته أو جوهره أو مبدأ وجوده، فما لطف، كالروح "له طبيعة النار التي تمتاز إلى العلو، وللجس%%د وك%%ل م%%ا تك%%اثف طبيع%%ة الم%%ادة وتمتاز إلى السفل" كم%ا يق%ول ه%رمس في "ش%رعة العرف%ان في علم اللطي%ف والبس%يط"، وهي

الرسالة التي تعتمدها هذه الدراسة.

وهذا التدخل بين ال%%ديني والفلس%%في والعلمي ال%%ذي م%%يز الحكم%%ة الش%%رقية، من مص%%ر إلى الصين واليابان وشبه القارة الهندية؛ هو ميزة الفالس%فة اليون%انيين الكب%ار، مم%ا يؤك%د التواص%ل، ال االنقطاع الثق%%افي بين مص%%ر واليون%%ان، وال ننس%%ى أن ن%%ذكر أن مص%%ر ك%%انت أكاديمي%%ة الع%%الم، وأن زيارتها كانت ضرورة معرفية للباحثين وكان فيثاغوراس وأفالطون بين ال%%ذين زاروا مص%%ر وتعلم%%وا

Page 77: ابناء النور عبر العصور

منها الحكمة كما تشهد النصوص – الشواهد.

Rex وفي هذا السياق تذكر قول ل% "ريس وورنر" Warner ،في كتابه عن الفلسفة اليوناني%%ة i آخر. فبعد أن كانت مجرد حب استطالع ص%ارت "ابتداء من فيثاغوراس تدخل الفلسفة بحق، مجاالi، ومع ذلك ظلت مهمته بالمشكلة ال%%تي ك%%ان ط%%اليس أول من i في ذاته، أو بديال i للحياة، دينا طريقاi عن الجوهر األساسي، أو المبدأ األساسي للوجود". أثارها، وهي البحث الذي كان وال يزال مستمراi يختل%%ف عن الهرمس%%ية وهي تجرب%%ة ص%%وفية فهل كانت الفيثاغورية في هذه المواصفات كافة شيئاi للحياة"، ثم أليس كل طريق صوفي للحياة هو دين جديد في ذاته، أو بديل عرفانية حية أو "طريقا اختياري عن دين طقسي؟ أم أن ط%%اليس ك%%ان "أول من أث%%ار مس%%ألة الج%%وهر األساس%%ي والمب%%دأ األول؟" فهذا ما تنفيه دراسة تاريخ مصر الثقافي وأثره%%ا على اليون%%ان والغ%%رب. إن الهرمس%%ية لمi يحال إلى تجربة حية. والحقيقة هي أن الجم%%ع بين العلم تكن حركة فكرية نظرية وإنما كانت فكرا والعمل، المعرفة والنشاط، وهو ثالث القواسم المش%%تركة بين ديان%%ة ه%%رمس الفلس%%فية وفلس%%فة فيثاغوراس – أفالطون الدينية. فالذي يم%%يز المتعلم من الع%%الم الع%%ارف في الحكم%%تين الهرمس%%ية واليونانية هو أن األول يحول معرفته إلى تجربة أو ممارسة حية، ويعيش حكمته في تجربة وجودية كاملة. فالمتعلم يمتلك معارف جزئية ال تنظمها رؤية كلية، وشذرات معارفة تلم بكيفيات وكمي%%ات األشياء وليس بجوهرها وماهيتها التي تحدد وظائفها وغاياتها. وألن هذه المعرفة التجزيئي%%ة تبقى بال

:i مردود يتصل بمعرفة وصناعة اإلنسان لذاته العليا، فإن هرمس يخاطب النفس قائال

"ال تحتفي يا نفس بكيفيات األشياء وقدرها وإنما بماهياتها".

.1998 – تشرين الثاني 81من هرمس إلى أفالطون – راجع الضحى العدد

الحكمة القديمة واًالغتراب الصوفي:

إن كل فلسفة تستحق هذه التسمية ال بد أن تنهض على مفهوم معين لطبيعة اإلنس%%ان. وأن        أحد الفالسفة الماديين البارزين في الفلسفة الحديثة لم يستطع اجتناب المسألة رغم عزوف%%ه عن التحديات المطلقة الثابتة. فهو حين تكلم عن اغتراب العامل عن انتاجه، والمبدع عن ابداعه، وانما كان يفترض أن اإلنسان يمتاز عن غيره من المخلوقات بأنه كائن منتج ومبدع لوسائل حيات%%ه، وأن%%ه يحقق هذه الذات أو الماهية اإلنتاجية عبر عمل%ه ال%ذي يس%اوي حيات%ه النش%طة باعتب%ار الحي%اة هي

مجال النشاط اإلنتاجي الحي.

i عن وجوده الجوهري        ألن Essential Being  فإذا ما سلب من المنتج إنتاجه بات العامل مغتربا العامل ال يحقق فيه ذاته وإنما ينفيها وال يشعر بالرضى والغبطة بل الشقاء، وال يطور جسده

وعقله بحرية وإنما يميت جسده ويدمر عقله.

i" لما كان وعي شقاءه أو أي        i واعيا ولو لم تكن نوعية اإلنسان مستمدة من كونه "مخلوقاشيء آخر.

واالعتراب هو مفهوم مركزي في الحركة الفكرية الهرمسية كما في الفلسفة اليونانية لكن       

Page 78: ابناء النور عبر العصور

االغتراب في الوعي الصوفي اإلشراقي ليس اجتماعيا في مصدره أي ليس هو اغتراب المنتج عن نتاجه بسبب توسط المالك الذي يحيل العامل وعمله إلى مملوك، وإنما هو اغتراب عن الطبيعة

والطبيعي – اغتراب البسيط عن الجسد المركب واللطيف عن الكثيف والعقلي عن الجسميوالمثالي عن الدنيوي.

وباختصار أنه افتراق بالقوة بين الروح والجسد ال ينحل إال إذا افترقا بالفعل وعاد كل منهما        إلى أصله ومصدره وهكذا تصبح ثنائية االغتراب تحقق معادلة ومطابقة لثنائية روح – جسد وهي

ثنائية تضاد وتناف حتى آخر رمق.

عصفور الروح وقفص الجسد:

ال%%ذي Phaedo  لنر كيف يرسم أفالطون الثنائيات المتضادة بين الجسد وال%%روح في "الفي%%دو"        يعتبر بحق إنجيل أفالطون: "إن الروح هي شديدة الشبه بما هو إلهي خالد، قابل للفهم موحد، غير قابل للتفكك أو االنحالل، قائم بذاته ال يتغير أو يتعدد. أما الجسد فهو األشد شبها بم%ا ه%و إنس%اني، فإنه متعدد، غير قابل للتفكك أو االنحالل، قائم بذاته ال يتغير أو يتعدد. أما الجسد فهو األش%%د ش%%بها

بما هو إنساني، فإنه متعدد، غير قابل للفهم، قابل لالنحالل، وغير قائم بذاته".

أن متوازيي الروح والجسد المتأتيين من مصدرين مغايرين "علوي وسفلي"، قد التقيا، لكنه        لقاء السجين والسجان، العصفور والقفص. فالروح عصفور يتذكر فضاء النور الذي كان فيه ون%%زل

هو المعرفة. Recollectionمنه. والتذكر

وأن التذكر يعني أن نستعيد معرفة طرأ عليها النسيان أي كانت الروح تعرفها قب%%ل أن تول%%د        ثم نسيتها حين كبر الجسد واغترب في الدنيا. وهذا يعني أن الروح ك%%انت موج%%ودة في ح%%االت من الوعي سبقت وجودها المتميز بوعيها لثنائية الوجود )أي مادة وروح(، وإنها ك%%انت مب%%دأ الن%%ور قب%%ل

أن تكتنفها ظلمة الوعي المتكثف، لطيفة قبل أن يحجبها ويغلفها بكثيفه.

وكما وعت الروح وجودها في عوالم سبقت عالم وعيها لتقمصاتها الجس%%دية، فإنه%%ا س%%تبقى        بعد زوال هذا الوعي، وستعود إلى مصدرها متجهة، بحكم جوهرها النوراني، إلى أعلى، بينم%ا يتج%ه الجسد حكما إلى ترابه. وهكذا تتلخص المعرفة أو الحكم%ة المس%تعادة بواس%طة الت%ذكر بممارس%ةi الروح لجدلية التنافي في الجسد حتى تميت ك%%ل رغبات%%ه في الحي%%اة، أي أنه%%ا تقتل%%ه لتحي%%ا، تمهي%%دا لتتحرر من سجنه حين تفتح لها لحظة الموت ب%%اب التح%%رر لتت%%ذكر عالمه%%ا األص%%لي، وفي الح%%االت ليس هناك موت، وإنما حياة أخرى )حلقة أخرى في مسلسل رحلة معرفة الذات وصقل النفوس( – حياة تتأتى من الم%%وت كم%%ا يت%%أتى الن%%وم من اليقظ%%ة، والراح%%ة من التعب واللي%%ل من النه%%ار والi بين الهرمسية والفلسفة اليونانية برموزها الكبار فيثاغوراس، أفالطون، وس%%قراط. خالف هنا أيضا فلم يكن لعمالقة الفكر أن يتجاهلوا أبسط القوانين الطبيعية المبنية على المتضادات والتي تشمل

فلسفة التقمص في طياتها كما تجاهلها معظم الفالسفة والمتدينين في العصور التي تلت.

ولنستمع إلى هرمس وهو ينص بشريعته كل الفلسفة التي عبر عنها أفالط%%ون في "الفي%%دو"       

Page 79: ابناء النور عبر العصور

حول جوهر النفس ونظرية المعرفة. يقول هرمس:

"يا نفس تيقني أنت قد جئت وخرجت وتسلسلت )أي تقمص%%ت( عن أص%%ل أنت فرع%%ه، وإن        الفرع من األصل كالثمرة من الشجرة فهي وإن بعدت عن أصلها الب%ادئ والمب%دئ له%ا، ف%إن بينه%ا

وبينه اتصاال ذاتيا. فاعلمي أنك راجعة إلى مبدئك الذي هو أصلك".

وإذا كان أفالطون قد حدد الشبه بين المثاالت الكاملة وصورها، بأنها عالقة األص%%ل الحقيقي        بالظل، فإن هرمس )وهو في مبدأ التوحيد تقمص ألفالطون( يشبه كافة الصور الحسية أو األشباح التي تتراقص على جدار الكهف األفالطوني الشهير بص%%ور األحالم ال%%تي تش%%اهدها النفس في ن%%وم

اليقظة، أو زمن الغفلة.

"يا نفس تيقني قولي هذا، واعلمي أنك في هذه الدنيا راقدة، وأن جميع ما أنت مشاهدة ل%%ه       فيها، إنما هو أحالم".

وهذا يعني أن الخروج من حالة االغتراب الروحي لن يتم إال عبر استقالل الروح عن الجس%%د       والخروج من قيد الدنيا، وفي هذا يقول هرمس ما سيعيد صياغته كأفالطون:

"وتهذبي يا نفس من أوزار جسمك، وتنقي من األشياء المخالفة لج%%وهرك المبطن%%ة ب%%ك عن       سرعة الرجوع إلى عالمك وأصلك".

الشكل الكروي... سيد األشكال:

وإذا كان أفالطون يجسم نظري%%ة المعرف%%ة والعالق%%ة بين المث%%ل الس%%اكنة في عين الش%%مس       Myth خارج الكهف واألخيلة المتحركة على الج%%دار الكهفي في قص%%ته الرمزي%%ة المعروف%%ة of the

Cave ،فإن هرمس يقدم تنويعة فنية – علمية تجسم نظرية المعرفة ذاتها، على أسبقية في الزمن وفي استعارة مركبة ال تقل جماال:

"يا نفس، إن القمر نير ما دام نور الشمس )وفي التوحيد الشمس هي ممثول العقل الكلي        والقمر ممثول النفس الكلية( واردا إلي%%ه، ف%%إذا ع%%رض ل%%ه أن يج%%ول بينهم%%ا ظ%%ل األرض، انخس%%ف وأظلم، فكذلك النفس، ما ورد إليها نور العق%%ل فهي مض%%يئة ن%%يرة، ف%%إذا توس%%طت أس%%باب الك%%ون

والفساد، حيل بينهما، فعدمت النفس نورها".

وهذه الصورة تؤكد غير م%ا تعلمن%ا من أن "كوب%يرنيكوس" ه%و ال%ذي اكتش%ف كروي%ة األرض        ونتذكر المحاكمات التي أجرتها الكنيسة الكاثوليكية ل% "غاليليو" وإحراق العلماء الذين تج%%رأوا على اإلفصاح عن حقيقة كشفها التأمل العقلي الهرمسي في األلف الثالث قبل الميالد وليس في عصر

النهضة األوروبية الحديثة.

وال شك أن فيثاغوراس وأفالط%%ون ق%%د تلقي%%ا ه%%ذه المعرف%%ة الفلكي%%ة من مص%%درها المص%%ري        وإنها تدور ح%%ول الش%%مس". Spherical القديم فنسمع أفالطون يردد في "الفيدو" أن األرض كروية

والمالحظ أن الهرمسية تعتبر الشكل الك%%روي "س%%يد األش%%كال". وك%%ذلك أفالط%%ون القائ%%ل ب%%دائرة

Page 80: ابناء النور عبر العصور

.i i وليس دائريا" النتهت إلى الثبات ولكان تجدد الحياة مستحيال الوجود" ولو كان مستقيما

 توحيج هرمس "مت لكي تحيى"

الشوق إلى الموت

نعود إلى مسألة المعرفة لنشير إلى الش%%وق الص%%وفي إلى الم%%وت. فتطه%%ير مع%%دن النفس الذهبي بنار المجاهدة التي منهجها فيثاغوراس في أكاديميته، والمتأكدة في اليوغا، إنم%%ا هي أمات%%ة الجسد في الدنيا، أي إفناء رغباته بحيث "يشف عن نفس ال جسم لها البتة فتظهر صافية في كنف العقل" )هرمس( "فإذا كان اإلنسان فيلس%وفا فأن%%ه س%%يكون ص%احب معتق%د ث%%ابت بأن%%ه ليس يج%%د

الحكمة بكامل صفوها في أي مكان عدا الموت" )الفيدو(.

إن الفالس%%فة الحقيق%%يين يجعل%%ون الم%%ران على الم%%وت منتهم في ه%%ذه الحي%%اة، كم%%ا يق%%ول أفالطون في "الفيدو". وحين يأتيهم الموت فليس يجد ما يميت%%ه، ب%%ل أن%%ه س%%يزيل من وج%%ه ال%%روح العاقل أولى العقبات وآخرها. ويجري أفالطون على لسان س%%قراط الق%%ول: "إن الم%%وت ه%%و أك%%بر

النعم لكن البشر يخافونه وكأنه أعظم الشرور".

إن السؤال الذي طرحه حكم%%اء الش%%رق من ه%%رمس إلى أفالط%%ون ليس ه%%و ال%%ذي طرح%%ه "شكسبير" على لسان "هاملت": نكون أو ال نكون"، فالحياة مع الشر هي الش%%ر األعظم والم%%وت الذي يشهد على الحق هو أعظم النعم، هكذا علم سقراط وهكذا عاش، وهكذا م%%ات، وك%%ان موت%%ه

على شريعة هرمس القائل "كل من أراد أن يحيا مع الحق سعيدا فليمت به شهيدا".

وباختصار يشكل فعل األمان%ة من وجه%ة نظ%ر العرف%انيين الص%وفيين فع%ل خ%روج من حال%ة االغ%%تراب ال%%تي تعيش%%ها ال%%رح في الجس%%د وال%%دنيا، أي في حال%%ة الطبيع%%ة فالحي%%اة على المس%%توى الظاهري هي رحلة خروج الروح من مطلقه%%ا األص%%لي وذهابه%%ا ع%%بر الطبيع%%ة والجماع%%ة أن%%ه فع%%ل مفارق ونسيان لألصل أو انشغال عنه بحاجات جسد يحول البش%%ر إلى عبي%%د يك%%دحون في خدمت%%ه. وينتهي زمن العبودية والتيه عن الذات حين يعي الروح الراش%%د أن إله%%ه في%%ه. وش%%مس حريت%%ه في داخل%%ه وم%%ا علي%%ه إال أن ينظ%%ر إلى الن%%ور بعين العق%%ل الن%%وراني عن%%دها ينعي اإلبن المس%%يحي أب%%اه السماوي ويتحد معه في الروح القدسي فيبقى الواحد وينتفي الثالث، وتتم رحلة إي%%اب ال%%روح إلى

مصدرها.

"وعندما تستقر الروح في أصلها وتس%%تريح من ش%%قاء الغرب%%ة وذله%%ا"، حس%%ب تعب%%ير الحكيم المصري األقدم هرمس الهرامسة، فالموت يعيد كال من الروح والجسد إلى أصله: النار إلى أعلى،

والتراب إلى أسفل.

وما يجعل الجسد الحي عنصر اغتراب سالب للروح ال ينحصر في كونه مبدأ الظلمة المض%%اد لمبدأ النور على المستوى المعرفي وحسب، وإنم%%ا كون%%ه مب%%دأ الظلم%%ة المض%%اد لمب%%دأ الن%%ور على المس%%توى المع%%رفي وحس%%ب، وإنم%%ا كون%%ه مب%%دأ الظلم%%ة الرام%%ز للش%%ر الخلقي في المطل%%ق. إن العواطف الجموح كالطموح إلى السلطة، والوجاهة، واشتهاء الممتلكات مص%%درها الجس%%د الك%%اره

Page 81: ابناء النور عبر العصور

للموت، الع%%الق بحب ال%%دنيا. وتع%%اكس الهرمس%%ية وش%%تى م%%ذاهب الفلس%%فة اليوناني%%ة األفالطوني%%ةواألوسطية، األبيقورية والرواقية هذا التوجه بشعار "مت لكي تحيا".

إن التعلق بالدنيا والصراع العنيف على امتالك ما يمكن امتالكه منها وفيه%%ا مص%%دره الجس%%د. فالجسد ليس عالقا للبحث المعرفي فقط وإنما هو أصل الشرور كافة. فالحروب كلها تدور بدوافع اقتصادية، كما يذكر أفالطون في "الجمهورية" قبل "ماركس"، فالجس%%د الحس%%ي ه%%و ال%%ذي يطلب الملكية ويحتاج الشيء المحسوس، وهكذا يلقي الصوفي باللوم على الجسد الط%%بيعي، بينم%%ا يتهم "ماكس" اآلخر االجتماعي ونظام الملكية الفردي%%ة ال%%ذي "يح%%ول ك%%ل منت%%وج يحتاج%%ه اإلنس%%ان إلىi" ثم أن "حس التمل%%ك يس%%تلب كاف%%ة الح%%واس األخ%%رى فال شرك فتصبح الحاجة إلى السلعة ضعفا نشعر بأن الشيء لنا إال إذا أكلناه، ش%%ربناه، س%%كناه أي إذا حولن%%اه إلى موض%وع متع%ة حس%ية كم%ا

الفلسفية من هنا يحذر ه%رمس النفس من المقتني%ات" ال%تي1844يقول ماركس في محفوظات إذا ما توصلت إليها اكتسبت الخوف عليه%%ا م%%ا دامت مع%%ك. ف%%إذا فارقته%%ا أو فارقت%%ك أعقب%%ك ذل%%ك

أحزانا وهموما وآبت إلى الحسرات". "فاحذري يا نفس أن تقتني ما تفقدينه".

الفلسفة اليونانية

مشاهد من ذاكرة التوحيد

مدارس اليونان

الشاعر والفيلسوف البريط%%اني المع%%روف: "إن الف%%ترة الواقع%%ة بين Shelley  يقول "شيلي"        مولد بركليز )شاعر يوناني( وموت أرسطو )الفيلسوف( تع%%د بال ش%%ك أهم ف%%ترة في ت%%اريخ الع%%الم كله، سواء نظرنا إليها من حيث هي ذاته%%ا، أم من حيث آثاره%%ا في مص%%ائر اإلنس%%ان المتحض%%ر من

بعدها".

-  250 نفهم من هذا التحديد اآلنف الذكر أن الفترة الواقعة م%%ا بين         قب%%ل الميالد هي450 فترة تأسيس الفلس%فة اليوناني%ة بأبعاده%ا المتع%ددة وبوج%ه خ%اص البع%د التوحي%دي عن%د أفالط%ون

وأرسطو ومن أتى بعدهما.

وفكرة التوحيد بالمعنى الديني ارتبطت م%%ع التك%%وين البش%%ري ورقي اإلنس%%ان ع%%بر األزم%%ان        والدهور، واتخذت لها حسب مشيئة الله الواحد األحد أشكاال ورموزا وأسماء متنوع%%ة ومتع%%ددة في

كل حقبة على مر التاريخ.

ولم تقتصر الفلسفة التوحيدي%%ة على محت%%وى الفرداني%%ة اإللهي%%ة فق%%ط ب%%ل تع%%دتها إلى رس%%م       سلوكيات اإلنسان في كل كور ودور على مر األجيال حتى يومنا هذا.

إذا استطاع أحد أن يقنعني بإنني أخطأت في تفك%%يري، ف%%إنني بس%%رور أع%%دل عن رأيي، ألن       

Page 82: ابناء النور عبر العصور

رائدي الحق الذي ما أضر أحد قط. )ماركوس اويليوس(.

تروي المؤلفات التاريخية أن اإلنسان حين بدأ يعي، شرع يؤمن بقوى فوق مس%%تواه، يخافه%%ا        ويجله%%ا، ويتوس%%ل إليه%%ا حين يعتري%%ه مك%%روه، فك%%انت عب%%ادة ق%%وى الطبيع%%ة أوال )ري%%اح وأعاص%%يرi أو جم%%اد أو وصواعق، ثم بحر وجبل وغاب(، وانتقل بعدها إلى عبادة )الطوطم( – وهو حيوان غالبا نبات – حيث يتصور أن روح أسالفه قد حل فيه، فيغدو مقدس%%ا ج%%دا، ويح%%رم لحم%%ه أو أذيت%%ه، وق%%د وجد علماء األحافير في أماكن مختلفة من أوروبا وافريقي%%ا، كوم%%ا من الجم%%اجم البش%%رية، يس%%تدل منها على أن أولئك الناس كانوا يقدسونها، فقيل بعبادة الجم%%اجم؛ واعتق%%د أن الحقيق%%ة هي عب%%ادة

Henri)العقل( الذي اتخذ من هذه الجماجم قميصا؛ لذا اعت%%بر "ه%%نري ب%%روي" Breuil في تص%%ديره لمؤلفه )التاريخ العام للديانات(، أن "اإلنسان قديم وكذلك هي أفكاره". وم%%ا يمكن قول%%ه في ه%%ذاi في المجال أن الجذور الفلسفية والعقالنية لفلسفة التوحيد )وال سيما التقمص( لم تتواجد منطقي%%ا الحضارات الما – قب%%ل – يوناني%%ة، ب%%ل ك%%انت عقائ%%دها وتص%%وراتها أق%%رب إلى األس%%طورة منه%%ا إلىi أن الش%%عوب المش%%رقية بكامله%%ا، لم تتوص%%ل مطلق%%ا إلى )التعق%%ل العقالني(. ومن المعل%%وم أيض%%ا

فلس%%فية للمف%%اهيم التوحيدي%%ة كم%%ا فع%%ل اليون%%انيون، ال%%ذين نش%%أت عن Rationalisiation )عقلن%%ة( حكمتهم المعرفية، الشرهة بحد ذاتها، بفضل االحترام الذي كانوا يكنون%ه للحي%اة، وبفض%ل ح%اجتهم النموذجية إليها. ذلك انهم كانوا يريدون المباشرة لتوهم بعيش ما يتعلم%%ون، فك%%انوا حض%%اريين من أجل الحضارة. لقد ابتك%%روا في الواق%%ع )األنس%%اق الفلس%%فية الك%%برى للعق%%ل التوحي%%دي(، ولم يب%%ق

i جوهريا يمكن أن يضاف إليها. لمجمل األجيال الالحقة أن تبتكر شيئا

إن الشعوب كافة تشعر بالخج%%ل حين تتن%%اول مجتمع%%ا نموذجي%%ا من الفالس%%فة به%%ذا الش%%كل        الب%%%%ديع، مجتم%%%%ع المعلمين األول في اليون%%%%ان "ط%%%%اليس" "انكس%%%%يمنديس" "ه%%%%يراقليطس"، "بارماني%%%دس"، "انكس%%%اغوراس"، "ديم%%%وقريطيس"، "فيث%%%اغوراس"، "س%%%قراط"، "أفالط%%%ون"، "أرس%%طو"، "أفل%%وطين" والكث%%ير غ%%يرهم. إن ه%%ؤالء الرج%%ال مس%%كوبون قطع%%ة واح%%دة وفي نفس الصخرة، وهناك ضرورات صارمة تحكم العالقة التي تربط فكرهم بسجيتهم. لقد ك%%انوا جميع%%ا في وحدتهم المهيبة، الوحيدين الذين عاشوا للمعرفة فقط. لم يستعينوا ب%%أي زي ش%%ائع ك%%ان يمكن أن يسهل مهمتهم، فالجبابرة يتخاطبون عبر مسافات التاريخ المقف%%رة، ويس%%تمر ح%%وارهم الرفي%%ع بين

األفكار دون أن يعكر صفوه المستهترون والصاخبون الذين ال يزالون يزحفون تحتهم.

–1995 مقتبسات من سلسلة الفلسفة )معجزة اليونان( – راجع مجموع%ة أع%داد الض%%حى         1996.

كان فالسفة اليونان القدامى أول من أرسى أسس فلسفة المعرفة، وبحث%%وا في إش%%كاليتها،        ومه%%دوا الس%%بيل لظه%%ور االتجاه%%ات الحس%%ية التجريبي%%ة والعقلي%%ة في فلس%%فة العص%%ور الوس%%طى والفلس%%فة الحديث%%ة، وك%%ان من رواد فلس%%فة المعرف%%ة ومؤسس%%يها: "فيث%%اغوراس" و "س%%قراط" و

"أفالطون" و "ارسطو".

فيثاغوراس:

Page 83: ابناء النور عبر العصور

نشأته:

ق.م. في مدين%%ة "س%%اموس"، ك%%ان وال%%ده ي%%دعى570 و 580 فيلس%%وف يون%%اني، "ول%%د بين         "مناسار خوس"، طوف في أنحاء الشرق، ولما ناهز األربعين من عمره قصد إلى إيطاليا الجنوبية، وكان المهاجرون اليونانيون قد بلغوا فيها درجة عالية من المدنية والثقافة، واتجه بعدها نحو المدن اليونانية، حيث أسس في مدينة "أوقروطونا" في اليونان الكبرى، مدرسة لم تلبث أن ذاع ص%%يتها، وراح يتدفق إليها عدد كبير من التالميذ ال% "لوقانيين" وال% "مسابين" والرومانيين، وقد أل%%ف ه%%ؤالء التالميذ حول المعلم ضربا من أخوية كانت أهدافها صوفية أكثر منها فلسفية بحصر المعنى، وكانتتقب%%ل في عض%%ويتها النس%%اء، وأش%%هر نس%%اء المدرس%%ة ك%%انت "ثي%%انو" تلمي%%ذة "فيث%%اغوراس"

Pythagoras وكان على المرشحين – قبل مثولهم أمام المعلم – أن يراعوا حقبة من الصمت ت%%دوم خمسة أعوام، وكانوا ملزمين، عالوة على ذلك، بلزوم السرية المطلقة حول المذاهب المدروس%%ة،

وكانت سلطة المعلم مطلقة هي األخرى، إذ كان يعد المؤتمن الوحيد على الحقيقة.

كان "فيثاغوراس" يرتدي ثيابا بيضا، ويمس%%ك عن الض%%حك والم%%زاح، وك%%انت س%%حنته تنط%%ق       i. بيد أن ذلك هو كل ما Apollo بالجالل والوقار، حتى أنه كان يتراءى لتالميذه أنه "أبولون" متجسدا

يمكن جمعه عنه – على وجه االحتمال ال اليقين – من الروايات المتع%ددة ال%تي وص%لتنا عن حيات%%ه، ال%%ذي ع%%اش بع%%ده Empedocles وما لبثت االسطورة أن وضعت يدها عليه%%ا: فح%%تى "انب%%ادوقليس"

i، ك%%ان يعتق%%د أن%%ه ك%%ائن أعلى من البش%%ر، كم%%ا أن "ه%%يرودوتس" خل%%ط بين%%ه وبين بخمس%%ين عام%%ا "تراقيوس رالموكسيس"، وهو شخص خرافي. وقد زعم أن فيثاغوراس" كان ابن "أبو لون" ومن%%هi أن قصبة ساقه ك%%انت من ال%%ذهب، وأن%%ه تلقى حفظ ذكرى تجسداته أو حيواته السابقة؛ وذكر أيضا

كانت له قدرة على التنبؤ، وعلى كلية الحضور.

i أن ال%%روح خال%%دة وإنه%%ا تتقمص، ثم علم أن        ويرى "ديكاياركوس" أن "فيثاغوراس" علم أوال كل ما يظهر إلى الوجود يعود فيولد في دورة معلومة، فال شيء جديد كل الجدة، وأن كل ما يول%%دi أن وفيه دبيب الحياة ينبغي أن ننظر إلي%%ه جميع%%ا نظرتن%%ا إلى أبن%%اء األس%%رة الواح%%دة. ويق%%ال أيض%%ا "فيثاغوراس" كان يعظ الحي%%وان – كم%ا فع%ل "الق%ديس فرنس%يس األس%%نري" – انطالق%ا من ذل%ك المبدأ يعتبر "فيثاغوراس" إننا غربا في هذا العالم، والجسد مقبرة الروح، ومع ذلك فال يج%%وز ألح%%د منا أن يلتمس الفرار باالنتحار، ألننا ملك لله العلي القدير والباري تعالى واحد ال كاآلحاد، وال ي%%دخل في العدد، وال ي%%درك من جه%%ة العق%%ل وال من جه%%ة النفس، فال الفك%%ر العقلي يدرك%%ه، وال المنط%%ق النفسي يصفه، فهو فوق الصفات الروحانية، غير مدرك من نحو ذاته، وإنما يدرك بآث%%اره وص%%نعاته وأفعاله؛ كما أن )الوحدة( تنقسم إلى )وحدة غير مستفادة من الغير(، وهي وح%%دة الب%%اري تع%%الى: وحدة اإلحاطة بكل شيء، وحدة الحكم على ك%%ل ش%%يء، وح%%دة تص%%در عنه%%ا اآلح%%اد في الموج%%ات والكثرة فيها وإلى )وحدة مستفادة من الغير(، وذلك وحدة المخلوق%%ات: و )الوح%%دة( على اإلطالق تنفسم إلى )وحدة( قبل الدهر، و )وحدة( مع ال%%دهر، و )وح%%دة( بع%%ده وقب%%ل الزم%%ان ك%%ذلك ومع%%ه تضاف )الوحدة( التي هي قبل الدهر هي )وحدة( الباري تعالى؛ و )الوحدة( التي هي بع%%د ال%%دهر و

)قبل( الزمان هي )وحدة( العناصر والمركبات.

يذهب "فيثاغوراس" إلى القول بأن األشياء كلها أع%%داد وأنغ%%ام، واألع%%داد عن%%ده مج%%ردة عن        المعدودات تجريد الصورة عن المادة، وتصورها موجودات محققة، ألنه%%ا من إب%%داع الب%%اري تع%%الى؛

Page 84: ابناء النور عبر العصور

وبالتالي فإن الرياضيات كان المصدر األساسي لالعتقاد بحقيقة أبدية مضبوطة، وفي عالم معق%ول فوق مستوى الحس. إن الهندسة تبحث في دوائر مضبوطة، لكن ليس بين ما يقع تحت الحس من أشياء دائرية مضبوطة، فمهما حرصت في استعمال "البيك%ار"، فال ب%د أن يك%ون في ال%دوائر ال%تي رسمها بعض أوجه النقص وعدم االكتمال، وه%ذا في%ه إيح%اء ب%أن ك%ل ت%دليل مض%بوط ينطب%ق على موضوعات الفكر، ال موضوعات الحواس، ومن الط%%بيعي أن نمض%%ي أبع%%د من ذل%%ك خط%%وة، فنقيم الحجة على أن الفكر أسمى منزلة من الحواس، وأن ما ندركه بالفكر أقرب إلى الحق مما ندرك%%ه

Porphire بالحواس، ويقول "فورفوريوس الصوري" de Tyr :"في دراسته عن "حي%%اة فيث%%اغوراس كان فيثاغوراس يعرض الفلسفة على نح%%و يح%%رر الفك%%ر من أغالل%%ه. فب%%دون الفك%%ر ال نس%%تطيع أنi، وال أن نعلم علما حقا. الفكر يسمع ويرى في ذاته كل شيء، أما الباقي )المحسوس( نعرف شيئا فكسيح وأعمى. ولتحقيق هدفه يستخدم "فيثاغوراس" العنصر الرياضي ألنه يق%%ع في الوس%%ط بين

المحسوس والفكر.

كان امتزاج الرياض%%يات ب%%الالهوت – وال%%ذي ب%%دأ على ي%%دي "فيث%%اغوراس" ص%%فة تم%%يزت به%%ا الفلس%%فة الديني%%ة في اليون%%ان، في العص%%ور الوس%%طى، وفي العص%%ور الحديث%%ة، ففي فلس%%فة

، ت%%رى امتزاج%%ا وثيق%%ا بين العقي%%دة الديني%%ة والت%%دليل العقلي بين الطم%%وح الخلقيPlato أفالط%%ون واإلعجاب المنطقي، كونه ال يخضع لقيود الزم%%ان، ألن ذل%%ك االم%%تزاج بين الج%%انبين تح%%در إلي%%ه من

i يميز الالهوت المصطبغ بصبغة العقل في أوروبا  ."فيثاغوراس"، وأصبح الحقا

لست أعلم عن رجل آخر كان له من التأثير في نطاق الفكر ما كان ل% "فيثاغوراس" فح%%تىi في جوهره، وأن الفك%%رة القائل%%ة بوج%%ود ع%%الم ما يبدو لك أفالطونيا ستجده عند التحليل فيثاغوريا أزلي، ينكشف للعقل وال يكشف للحواس، مستمدة من "فيثاغوراس" ولواله لما فكر المس%%يحيونi لما حاول رجال الالهوت أن يلتمس%%وا ال%%براهين على في "المسيح" على أنه )الكلمة(، ولواله أيضا

وجود الله وخلق الروح.

خصائص )النفس( عند الفيثاغوريين:

عن الفيثاغوري%%ة، ال%%تي تش%%به )النفس( بال%%ذرات Aristotle  هناك ق%%ول يرج%%ع إلى "أرس%%طو"        المتطايرة في الهواء، والتي تعجز حواسنا عن إدراكها أو رؤيتها إال أثناء أشعة الشمس )والش%%مس هي ممثول العقل في التوحيد(، وهي تتحرك دائما حتى عند سكون الهواء؛ والرأي اآلخر يقول ب%%أن )النفس( في الفيثاغورية هي المبدأ أو علة توافق األضداد في الجس%%د وهي مب%%دأ حركت%%ه الدائم%%ة.

وبعد الموت تعود النفس إلى األرض لتقمص ثوبا جديدا.

ولكي تتخلص )النفس( من دائ%%رة ال%%والدات المتك%%ررة وتص%%ل إلى مق%%ام الحكم%%ة، فعلى        اإلنس%%ان أن يطي%%ل ف%%ترات الص%%مت، وأن يس%%تبطن نفس%%ه يومي%%ا عن طري%%ق الت%%دريب المنظم، فالمجهود العقلي هو أسمى صور التطهير، وهو أضمن طريق لتحرير النفس من حياته%%ا ه%%ذه قب%%ل الموت الجسدي. ويجدر بال%ذكر هن%ا أن المجه%ود العقلي في م%دارس اليون%ان يختل%ف عن التأم%لi يميز التوحيد من فلسفات الشرق األقصى. والتركيز الممارس في مدارس الشرق األقصى اختالفا

فكانت وسيلة الفيثاغوريين في شد أزر )النفس( وقمع نزوات الجس%%د، ومقاوم%%ة الم%%ؤثرات       

Page 85: ابناء النور عبر العصور

الخارجية والتغلب على ما له عالقة بالمحسوس%%ات، ك%%انت الوس%%يلة هي االنكب%%اب على الدراس%%ات العالية، فكان هذا سبيلهم في تطهير )النفس(، أما تطهير الجسد فكان ي%%أتي عن طري%%ق الرياض%%ة الجسدية والطب. فلقد أعطت الفلسفة اليونانية للجسد حقه واعتباره – وهو الشيء الذي ال نجده

في بعض فلسفات الشرق األقصى التي تعتبر عالم المادة وهما يجدر الهروب منه عبر التأمل.

i، نهضة عظيمة متعددة الوجهات، وهي أول مذهب فلسفي يحاول االرتفاع        الفيثاغورية، أخيرا عن الم%%ادة وفهم الع%%الم من خالل ق%%وانين واض%%حة وأع%%داد معين%%ة، وهي مدرس%%ة علمي%%ة ع%%نيت بالرياضيات والموسيقى، والفلك، والطب، واكتشفت أسس الهندسة والرياض%%يات، كم%%ا أنه%%ا هيئ%%ة سياسية ترمي إلى إقرار النظام في المدينة على أيدي الفالسفة، مسار تبنته الفلسفة األفالطونية في ما بعد ويعتبر من أهم األس%%باب ال%%تي أدت إلى تع%%ريض الفيث%%اغوريين إلى الح%%رق؛ وي%%ذكر عن

، مؤك%%دا أن%%ه ليسSocratesفيثاغوراس أيضا أنه أول من استخدم كلم%%ة "فلس%%فة" قب%%ل "س%%قراط"حكيما ألن "الحكمة" يجب أن تضاف إلى اآللهة فقط، أما هو فليس إال محبا لها، أي "فيلسوف".

.1996 فيثاغوراس – راجع الضحى العدد السابع والخمسون – تشرين الثاني        

طبقات البشر تحددها درجات معارفهم ونوعية مس%%الكهم لق%%د أحيت أكاديمي%%ة فيث%%اغوراس،        قبل جمهورية أفالطون، المثال الفلسفي في شموليته وفي عالقته بالحي%اة السياس%ية االجتماعي%ة، وفي جعل األخالق سيدة العلوم كافة بما فيها علم السياسة. كما رتب فيثاغوراس البش%%ر طبق%%ات أو أنواعا ثالثة على قاعدة أخالقية معرفية، كما سيفعل أفالطون في الجمهورية. وعن فيث%%اغوراس أخذ أفالطون فكرة ترتيب الطبقات ونظام الدولة في صورة الفرد الثالثي األبعاد، أي المك%%ون من

عقل، وعاطفة وقابليات حسية.

وق%%د جع%%ل الحك%%ام والح%%راس ممثلين لمب%%دأ العق%%ل الفلس%%في ال%%ذي يجب أن يق%%ود ويحكم        ومعدن هؤالء هو الذهب، يليه الفضة، ثم البرونز أو الحديد الصدى. وهذا التصنيف الترات%%بي للبش%%ر م%%أخوذ عن فيث%%اغوراس ال%%ذي رم%%ز لم%%راتب البش%%ر الثالث بص%%ورة جمه%%ور الملعب الرياض%%ي

)جمنازيوم( الذي يذهب إليه البشر تحركهم حوافز ثالثة تدل على مراتبهم:

محبي المادة )الذاهبون لكي يبيعوا ويشتروا(، وهؤالء هم األكثر انحطاط%%ا   الفئة األولى:بوصفهم جماعة القابليات الحسية العامة في خدمة الجسد.

محبو الشهرة )الالعبين الذاهبين إلى الملعب بهدف الربح والخسارة(.    الفئة الثانية:

مح%%بي المعرف%%ة – األش%%راف، )فئ%%ة الذاهب%%ة إلى الملعب ب%%دافع متع%%ة     الفئــة الثالثــة: المش%اهدة(، وه%ذه الفئ%ة هي ال%تي تح%يي مب%دأ التأم%ل العقلي، تحي%ا لتع%رف، وتع%%رف لكي تحي%%ا وهي ال%%تي عم%%ل فيث%%اغوراس في أكاديمتي%%ه الش%%هيرة على

صناعتها.

وإذا كان اإلنسان لم يخلق لشيء إال للعلم والعمل به كما رأى فيثاغوراس فالسؤال الت%%الي         يكون ما هي معوقات تكون اإلنسان المعرف الشارط للحياة الخيرة؟ واإلجابة ال بد أن تمر بنظرية

Page 86: ابناء النور عبر العصور

المعرفة الصوفية في بدئها الهرمسي واستمراريتها الفيثاغورية – األفالطونية.

.1998 توحيد هرمس "مت لكي تحيى" – راجع مجموعة أعداد الضحى        

هيراقليطس:

تتمثل أهمية هراقليطس في نظريته عن الحركة والتغير إذ هي تشكل القاعدة التي منها سينطلق فهم       الفالسفة لنظرية المثل عند أفالطون:

الوجود بنظر هيراقليطس مبني على الصراع الخصب وهو في الوقت نفسه تساوق وتن%%اغم،        ال بمعنى التناسب العددي )كما فسره الفيثاغوريون( بل بمعنى االئتالف بين ق%%وى تفع%%ل ك%%ل منه%%ا فعلها باتجاه معاكس لفع%ل األخ%رى، وعلى ه%ذا النح%و يتح%ادد وي%تزاوج، في تن%اغم وتن%افر، النه%ار والليل، الشتاء والصيف، الحياة والموت، الشبع والجوع وكل شطط من قبل أحد األضداد. "أنهم ال يدركون كيف تنصهر األضداد في بوتقة وحدة ائتالف القوى المتعاكسة مثل القوس والقيثارة". إن%%ه – أي الصراع – )روح( الكون: واالنسجام رائع، لكنه يحتوي على لحظ%%ة س%%لبية: المي%%ل إلى الثب%%ات والركود، ولكن هذه صفة لألموات. وهنا يحرك الصراع الحي%%اة باس%%تمرار، ويمنعه%%ا من )االنطف%%اء(، وبذلك يحافظ عليها وعلى الكون، ومن هذا المنظار، يختزن السلبي االيج%%ابي في طيات%%ه والعكس صحيح، واالثنان يشكالن كال واحدا، أنه االزدواج الداخلي لكل شيء ال%%ذي يش%%كل س%%ر الوح%%دة في

الوجود.

سر الوحدة في الوجود )ما فوق الفكر(:

       i حس%%ب رأي "بارماني%%دس" المض%%اد ل%%رأي "ه%%يراقليطس"، أن مفه%%وم الوج%%ود يلغى تمام%%ا المفهوم المعاكس – أي الالوجود – فالوجود فقط )ما هو موجود( مفهوم، أما الالوجود – أي ما هو غير موجود – فليس مفهوما؛ إن )الوجود( شيء ال يمكن أن ينشأ عن )الالوجود(، أي عن ال ش%%يء،i، أي أن يتحول إلى ال وألن الوجود ال يمكن أن ينشأ عن ال شيء فهو بالتالي ال يمكن أن يزول أيضا شيء، إلى ال وجود، ألن )الوجود( وحده موجود، بينما )الالموجود( ال يوجد؛ ولكن إذا كان )الوج%%ود( فقط هو المفهوم، يستتبع ذلك أنه خالد، وأنه يمأل الفضاء الالمتناهي، ليس هناك مكان فارغ بمعنىi، ألن هذه الحرك%%ة تف%%ترض مكان%%ا فارغ%%ا وتس%%تجيب النتق%%ال )الالوجود(؛ إذن ليس هناك حركة أيضا

i، كون هذه األخيرة تفترض وجود الحركة. )الوجود( إلى )الالوجود( وليس هناك تحوالت أيضا

الحركة والتغير )طبيعة تشمل الفكر(:

أما هيراقليطس فيرد ويقول: الوجود ال يتوقف أبدا عن الحركة والتغير، فالصراع هو "مصدر        كل شيء يجري"، وهو مالزم داخليا لالنسجام ألن هذا االنس%جام )الوح%دة والتناس%ق( يتك%ون ليس انطالقا من أي شيء، بل من مختلف الظواهر، وااليقاعات، واألصوات واختالفها، وفي النهاي%%ة: من كل األشياء واحد ومن شيء واحد كل األشياء". وإذ يق%%ود الص%%راع إلى انتص%%ار أح%%د األض%%داد، فه%%و يخلق شيئا جديدا، تناسقا جدي%دا، ولكن%ه ليس )س%اكنا(، ب%ل يك%ون خاض%عا ب%دوره لق%انون الحرك%ة العامة والتغير المستمر، فيخلق بذات%%ه اختالف%%ات جدي%%دة وأض%دادا جدي%%دة، وبالت%%الي يخل%%ق ص%راعا

Page 87: ابناء النور عبر العصور

i لها؛ وهكذا فإن الصراع أبدي، وهو مصدر كل ما يحدث، وهو أحد جوانب )حياة( الكل. جديدا

ولكن هناك جانبا آخر أيضا: االتفاق، النظام، واالنسجام، وال يمكن ألحد األض%%داد المتص%%ارعة        أن يوجد دون اآلخر. ومثلما أن االنس%جام يف%ترض ام%تزاج األص%وات العالي%ة والمنخفض%ة، ف%الكون )الكل المنسجم( يستحيل أن يوجد دون أجزائه، أو أن توج%%د ه%%ذه األج%%زاء ب%%دون الك%%ل المنس%%جم الواحد، وإذا غابت األصوات المختلفة غاب التناغم، وبهذا المعنى، ليس هناك تق%%ارب ب%%دون تن%%افر،

إننا ال نعرف الخير دون الشر، واألمر نفسه ينطبق على ما يتعلق بالجمال وكل ما تبقى.

لقد أدرك ه%%يراقليطس ج%%وهر الحرك%%ة والتغ%%ير المس%%تمرين من حيث هم%%ا الج%%وهر األق%%وى        للكائن، لنسمعه يقول: "ال يمكن النزول مرتين في النهر نفسه، وال لمس مادة م%%رتين في الحال%%ةi من جراء حيوية التحول وس%رعته، إن الم%ادة، دون ابت%داء ودون عينها، ألنها تتفتت وتنكمش مجددا انتهاء، تظهر وتزول في آن واحد"؛ ذلك السيل الشامل ه%و، بالنس%بة له%يراقليطس، عملي%ة نش%وء

وزوال األشياء في آن معا، إن ما يولد يهلك في اللحظة نفسها، وما هو موجود غير موجود.

الزمان:

إن عملية ظهور األشياء، والوالدة والموت، والقرب والبعد مرتبطة بالزمان، وتذكر به، علم%%ا        بأن )الحاضر( يشكل حدا غير مدرك بين )الماض%%ي( و )المس%%تقبل(، إذ يق%%ترب المس%%تقبل ويص%%بح حاضرا، في حين أنه عندما يصبح الحاضر حاضرا يبتعد في الماضي كل )اآلن( أصبح )غير اآلن(، إن الزمن هو األول واألخير بين كل األشياء، يتضمن كل شيء، ووحده يوجد وال يوجد، يخرج دائما مما

هو موجود، ويعود من الجهة المقابلة، ألن اليوم هو األمس بالنسبة لنا، وقد كان األمس غدا.

يفهم "هيراقليطس" أهمية )الزمان( في العملية العام%%ة للحرك%%ة والتغ%%ير، والتع%%ارض وزوال        األشياء؛ هناك سلسلة من األسئلة تطرح اآلن: فيما يمكن هذا السيل الدائم للزمان، ه%%ذا التع%%اقب لألشياء واألجيال؛ وهل هناك معنى عقلي – أو نظام – في "كل شيء يجري"، أم ليس هناك س%وى لعبة القوى العمياء في الطبيعة التي ليس لها من هدف محدد؟ ألسنا نش%%هد مأس%%اة كوني%%ة عن%%دما

يشهد بعض األحياء موت اآلخرين، ويميت اآلخرون حياة البعض؟

دور العقل في فلسفة هيراقليطس:

إذا كان "كل شيء يجري" فال شيء يبقى في مكانه، هذا يعني أن كل شيء عليه التقدم إلى األمام، إن       الحياة تدعونا كي نحياها؛ إن ديناميكية الحياة، "الكل يجري" تدعونا للتصرف حيال الواقع.

لذا يبقى مسألة أخيرة تلك المتعلقة ب% )اللوغوس( أي العقل الكوني – وال%%تي تحت%%ل، بح%%ق،        مكانا مركزيا في الفلسفة الهيراقليطية وإحدى القضايا األكثر غموضا فيها. ك%%ان "ه%%يراقليطس" – فيما يذكر مؤرخو الفلسفة، أول من قال بفكرة )اللوغوس(، فلكي يفسر ه%%ذا الفيلس%%وف النظ%%ام السائد في الك%%ون، بعي%%دا عن الميثولوجي%%ا واألس%%اطير، ق%%ال بوج%%ود )ق%%انون كلي( يحكم الظ%%واهر ويتحكم في صيرورتها الدائمة األبدية؛ والعقول البشرية، تستطيع التوصل إلى معرفة ص%%حيحة عن ظواهر الطبيعة، إذا هي شاركت في )العقل الكلي(، أي إذا اجتهدت في البحث في نظام الطبيعة، وأدركت ما يتصف به هذا النظام من ضرورة وشمول: لق%%د تص%%ور "ه%%يراقليطس" )العق%%ل الكلي(

Page 88: ابناء النور عبر العصور

على أن%%ه مح%%ايث للطبيع%%ة ومنظم له%%ا من داخله%%ا، فه%%و بالنس%%بة للع%%الم أش%%به ب%%النفس بالنس%%بة لإلنسان، النفس ال بوصفها )جوهرا( مستقال متميزا عن الجسد، بل بوصفها مبدأ لحركت%%ه، منتش%%را في جميع أجزائه، ولذلك كان هذا العقل أشبه ما يكون ب% )نار إلهية لطيفة(، بل هو )نور إلهي(، هو حياة العالم وقانونه، والنفس اإلنسانية قبس من ه%%ذه )الن%%ار اإللهي%%ة(، أي من ه%%ذا الق%%انون الكلي ال%%ذي يس%%ري في الطبيع%%ة ويحكمه%%ا، فعليه%%ا إذن أن تع%%رف ه%%ذا الق%%انون وتعم%%ل بموجب%%ه. يق%%ول "هيراقليطس": "ال يوجد سوى حكمة واحدة: معرفة الفكر الذي يقود كل األشياء عبر الك%%ل" ومن هنا كان )الدين الحق( في نظره هو مطابقة العقل الف%%ردي – أي عق%%ل اإلنس%%ان الف%%رد – للق%%انون الكلي الساري في الكون، أي للعقل الكلي أو الكوني، يقول: "ربما ينجو اإلنسان من النار الحسية

ولكنه لن ينجو من النار العقلية".

إن فكرة "هيراقليطس" عن )العقل الكلي(، تميل إلى ن%%وع من )وح%دة الوج%ود( باعتب%%ار أن        العقل الكوني هذا، محايث للطبيعة وغير منفصل عنها: كما يجب أال يخفي على أحد أن مفه%%وم ال% "لوغوس" كان له تأثير عظيم على جميع الفلس%%فات ال%%تي تمي%%ل إلى ه%%ذا الض%%رب من التفلس%%ف

كالفلسفة الرواقية على سبيل المثال.

مقتبسات من مفهوم )الجدل( عند هيراقليطس – راجع الض%%حى الع%%دد التاس%%ع والخمس%%ون        – كانون الثاني.1997

كل شيء يتغير في الحياة، اإلنسان يتغير، والمجتمع يتغير، النور يصبح ظالما والظالم يص%%بح       نورا، فال تخف من كليهما.

رجل يقرأ التاريخ ويتعلم منه الع%%بر وال%%دروس، ورج%%ل يعيش فق%%ط لحاض%%ره متقوقع%%ا على        نفسه يسيطر عليه الخوف من المستقبل المجه%ول، األول يعلم م%ا س%يحدث ألن%ه اخت%بر الماض%ي فتألم، وإذا هو قد تعلم والثاني لم يتألم، إذا هذا لن يتعلم، ولهذا يعيش في حاضره وسط الفخفخة

والثرثرة والطبول واألبواق، بينما رفيقه هو رجل الحقيقة الصامتة والقناعة الحكيمة.

أيهما تفضل أيها القارئ الكريم بين هذين الرجلين؟ علم%ا أن لك%%ل منهم%ا أنص%%اره ومريدي%%ه.        طبعا الجواب صعب وشائك إذ ال شيء ثابتا فالنفس اإلنسانية ال تستقر على حال ولها في كل يوم حكاية ومقال. ألم تشاهد كيف أن الشمس تمزق الظالم كل ص%باح لتطل%ع علين%ا، إن ه%ذا التم%زق

الذي تخافه هو الذي يأتينا بالنور.

أحداث من واقع التاريخ:

"اللعنة على كل من يعلم الناس أسرع مما يمكنهم ان يتعلموا".       

هذه آخر جملة لفظها سقراط الحكيم قبل خروج روحه من جسده بلحظ%%ات، مس%%كين ذل%%ك        الفيلسوف اإلغريقي الذي أدخلوه السجن لمدة شهر وبحقه ص%در حكم اإلع%دام ب%الموت، فش%رب

كأس العلقم وفارق الحياة.

Page 89: ابناء النور عبر العصور

سقراط الحكيم لم يتعرض إلى اإلنجيل أو القرآن حتى يحاكم.       

س%%نة وه%%و أول من ق%%ال: "اع%%رف نفس%%ك أيه%%ا469 فه%%ذا الفيلس%%وف ول%%د قب%%ل الميالد ب%        اإلنسان" وهذه الجملة المأثورة قالها يسوع المسيح فيما بعد لكن سقراط سبق يسوع.

لم يكن الحك%%ام راض%%ين عن تع%%اليم س%%قراط فوجه%%وا إلي%%ه ثالث تهم هي: إنك%%اره اآلله%%ة –        ودعوته إلى آلهة جديدة وإفساده الشباب الذي فتن والتف حوله مأخوذا بس%%حر ح%%واره الفلس%%في.

هذه التهم الثالث كانت كافية إلعدام سقراط.

وقف أمام القضاة م%%دافعا عن فلس%%فته العظيم%%ة. لكن ال%%ذين ح%%اكموه ك%%انوا دون مس%%تواه        الفكري والفلسفي، فبدت تعاليمه ألذهانهم زلزاال يغير خريط%%ة ه%%ذا الع%%الم. ومن تع%%اليم س%%قراطi". وهو أول من بشر بوج%%ود الل%%ه i واحد وهو إني ال اعرف شيئا الحكيم أقواله هذه: "أنا أعرف شيئا

تعالى، وهو القائل:

"حطموا هذه األصنام التي تعبدونها وارموها في النار، ألن هناك ق%وة غ%ير منظ%ورة أوج%دت       هذا الكون هي الله، اعبدوه وال تعبدوا األصنام".

هذه كانت الجريمة التي اقترفها سقراط الحكيم، لقد بشر بوجود قوة إلهية فأعدموه. حاول        بعض أتباعه إخراجه من الس%%جن لكن%%ه رفض. وق%%ال التلمي%%ذ لس%%قراط مخاطب%%ا: "أيه%%ا المعلم، إن قانون أثينا ال يسمح باإلعدام إال بعد وصول الشمس بمغيبها فوق جبال أثينا، وم%%ا زال أمام%%ك ثالث

ساعات من الزمن، فلم هذه العجلة؟"

فأجابه سقراط:

"هكذا أحك%%ام الجهل%%ة. أرفض أن أبقى معهم ثالث س%%اعات، دع%%ني أش%%رب الك%%أس ف%%أموت       وتنتقل روحي وتعود إلى خالقها العظيم، هو الله الذي سوف يرعاني في ملكوته".

طبعا الجالد لم يفهم كالم سقراط هذا، لكن%%ه أحض%%ر ك%%أس الس%%م وتناول%%ه س%%قراط وش%%ربه        وتذكر ديك الدجاج الذي استقرضه من جاره وأوصى بإعادته إلي%%ه، ولف%%ظ جملت%%ه التاريخي%%ة وال%%تي سبق وذكرناها: "اللعنة على من يعلم الناس أسرع مما يمكنهم أن يتعلموا" ثم فارق الحياة واليوم ال يحق للطالب أن يتخ%%رج من الجامع%%ة األميركي%%ة في ب%%يروت قب%%ل أن ي%%درس الفلس%%فة اليوناني%%ة

% هذا ما حدث لسقراط الحكيم.70وخاصة فلسفة سقراط ويحصل على معدل

.1998 من سقراط إلى يسوع المسيح – راجع مجموعة أعداد الضحى        

سقراط عالمة فارقة:

يشكل "س%%قراط" عالم%%ة فارق%%ة في ت%%اريخ الفك%%ر الفلس%%في، فه%%و على مس%%توى الفلس%%فة        اليونانية يؤرخ به وبعده؛ وهو على مس%توى الفك%ر الع%المي أح%د أك%بر الحكم%اء الق%دماء ال%ذين لم يتركوا آثارا مكتوبة تعرفنا بهم، ومع ذلك يبقى لغ%%زا مح%%يرا ال ن%%دري إن كن%%ا نع%%رف عن%%ه الكث%%ير أو

Page 90: ابناء النور عبر العصور

القليل، وما نعرفه عن حياته وعن علومه، إنما نعرفه من أعم%%ال مريدي%%ه أو أص%%دقائه )أفالط%%ون –i من خالل م%ؤلفين أكزينوفون(، أو من آثار خصومه )الشاعر الس%اخر أريس%طوفان(، ونعرف%ه أيض%ا

الحقين ألرسطو الذي أعطانا عبارات صريحة تساعد على تصوير مذهب "سقراط".

و "سقراط" كما هو معروف أول فيلسوف يون%%اني أن%%زل الفلس%%فة من الس%%ماء إلى األرض.       فهو القائل:

"إن اهتمامي كله ليس بأسرار اآللهة وإنما بعقل اإلنسان".       

وكان كلما خاطب أحدا خاطبه متسائال:

"ما هذا؟ ماذا تعني بقولك؟ حدد عباراتك، فإنك تتحدث بغير حساب عن موضوعات كالعدالة       والشرف، والحق والخير".

فكل أولئك الذين يتحدث إليهم ما كانوا يعرف%%ون ش%%يئا، ولكنهم يعتق%%دون انهم يعرف%%ون ك%%ل       شيء.

وهكذا فقد اتجه إلى سبر أغوار النفس اإلنسانية، يستطلع االفتراضات ويستجوب اليقينيات،        ومن هذا المنطق استحق سقراط – كم%%ا أطل%%ق على ذات%%ه – لقب )الذباب%%ة الالس%%عة( في ص%%ورتها البشرية، ألنه كان يحفز الناس على التفكير حفزا، فأحبه الشباب ألنه كان يش%%جعهم ويحثهم بينم%%ا كرهه الشيوخ ألنه كان يحرجهم ويفضح أمرهم، م%%ع ذل%%ك فق%%د ق%%دم إلى الفلس%%فة ج%%وابين ث%%ابتين لسؤالين عن أكثر مشاكلنا تعقيدا، وهما: ما هو معنى الفضيلة؟ وم%%ا هي الدول%%ة المثلى؟. والواق%%ع إننا ال نجد موضوعا أكثر أهمية وحيوية بالنسبة ل%ذلك الجي%ل األثي%ني من بحث ه%ذين الموض%وعين. لقد دمر السفسطائيون إيمان هؤالء الشباب بآلهتهم، وحكموا القانون األخالقي ال%%ذي ك%%ان يع%%ززه خوفهم من عقاب هذه اآللهة لو قاموا بارتكاب ما يخ%%الف رض%%اها. وأص%%بح من الواض%%ح اآلن أن%%ه ال مانع من أن يسير اإلنسان على هواه. ويفعل ما يطيب له، ما دام يفع%%ل ذل%%ك في ح%%دود الق%%انون. لق%%د أض%%عفت روح الفردي%%ة المطلق%%ة األخالق األثيني%%ة، وت%%ركت المدين%%ة، )أثين%%ا( أخ%%يرا فريس%%ة األس%%بارطيين األش%%داء بطبعهم؛ أم%%ا بالنس%%بة إلى الدول%%ة، ف%%أي ش%%يء أش%%د س%%خرية من ه%%ذه الديمقراطية التي تقودها وتتزعمها الجماهير التي تسوقها العاطفة وهذه الحكومة ال%%تي ت%%وم على النقاش الشعبي، وه%ذا االختي%ار المن%دفع المته%ور، وع%زل الق%واد وتنفي%ذ حكم االع%دام فيهم، ه%ذا االختيار – الذي ال اختي%ار في%ه – للبس%طاء من الم%زارعين والتج%ارب في تن%اوب وتع%اقب أبج%ديين كأعضاء للمحكمة العليا للبالد؛ وكيف السبيل إلى إيجاد قيم أخالقية جدي%%دة في أثين%%ا، وكي%%ف يمكن

إنقاذ الدولة؟

إن اإلجابة عن هذه األسئلة هي التي دفعت بأثينا إلى الحكم على "سقراط" بالموت، متهمة        إياه بالفس%%اد األخالقي. لق%%د ك%%ان المواطن%%ون األثي%%نيون الكب%%ار على اس%%تعداد لتش%%ريفه ل%%و ح%%اول استعادة ال%دين الق%ديم ال%ذي ي%ؤمن بتع%دد اآلله%ة، ول%و أن%ه دع%ا الش%باب المتح%رر من الخراف%ات واألس%%اطير القديم%%ة لل%%ذهاب إلى المعاب%%د والح%%دائق المقدس%%ة، وطلب منهم م%%رة أخ%%رى تق%%ديم األضاحي آللهة آبائهم وأجدادهم، ولكنه اعتقد أن تلك سياسة انتحارية ال أمل فيه%%ا وأنه%%ا تق%%دم إلى

Page 91: ابناء النور عبر العصور

الوراء، لقد كان له إيمانه الخاص به، لقد آمن بإله واحد وآمن باعتدال بأن الموت سوف ال يقض%%ي عليه تماما، أدرك أن هناك شريعة أخالقية أبدية ال يمكن أن تق%%وم على دين ض%%عيف كال%%دين ال%%ذي آمنت به أثينا في ذلك الوقت؛ وإذا كان اإلنسان يقدر على بناء نظام من األخالق مستقل تماما عن المبادئ الدينية، ويطبق على المؤمن والملحد على السواء، عندئذ قد تأتي الدياة وت%%ذهب من غ%%ير أن تزيل هذا التحجر األخالقي الذي يجعل من األف%%راد مواط%%نين غ%%ير ف%%اعلين اجتماعي%%ا: إذا ك%%انت كلمة "الخير" )على سبيل المثال( تعني: التعقل و "الفضيلة" تعني الحكم%%ة، وإذا ك%%ان من الممكن تعليم الناس أن يروا مصالحهم الحقيقية بوضوح، ليروا من بعيد النتائج األخيرة ألعمالهم، وينتقدوا، وينس%قوا رغب%اتهم في انس%جام بن%اء ذي أه%داف، ف%إن ه%ذا ق%د يق%دم إلى الرج%ل المتعلم بميول%ه السفسطائية القيم األخالقية التي يجدها األمي الجاهل في الشريعة والس%%يطرة الخارجي%%ة أم%%ا في المجتمع الذي يقوم حكمه على العقل وهو المجتمع الذي يعيد إلى الفرد س%%لوكه ووالءه للمجتم%%ع، فإن الحاجة حينها تقتضي حري%%ة واض%%حة لض%%مان الس%%لم والنظ%%ام والني%%ة الطيب%%ة؛ ولكن إذا ك%%انت الحكوم%ة نفس%ها حكوم%ة تس%ودها الفوض%ى والس%خافة، تحكم وال تس%اعد، وت%أمر وال تق%ود، كي%ف تستطيع أن تقنع الفرد في مثل هذه الدول%ة على أن يطي%ع الق%وانين، ويحص%ر بحث%ه ال%ذاتي داخ%ل دائرة الخير العام؛ وال غرابة أن تعم الفوضى في البالد التي يس%ودها الجه%ل ب%القوانين حيث تق%وم الجماهير بوضع القرارات في سرعة وجهل؟ أليس من الجهل أن يحل العدل محل الحكمة؟ وعلى العكس أال نرى الناس مجتمعين في جماع%%ات أك%%ثر س%%خافة وعنف%%ا وقس%%وة منهم وه%%و منفص%%لون ومنف%%ردون؟ أليس من المخ%%زي أن يق%%وم على حكم الش%%عب خطب%%اء يض%%يعون وقتهم في خطبهم الطويلة الجوفاء التي تشبه األوعية النحاسية التي إذا دقت وقرعت تس%%تمر في ال%%دق والق%%رع إلى أن نضع أيدينا عليها ونوقف دقاتها؟. ال ج%%دل في أن إدارة الدول%%ة مس%%ألة تحت%%اج إلى أفك%%ار أعظم العقول وأحسنها إذ كيف يمكن إنقاذ مجتمع أو جعله قويا إال إذا تولى أمر هذا المجتمع أحكم رجاله

وأعقلهم؟

مقتبسات من سقراط شهيد الفلسفة األول – راجع الضحى العدد الثاني والستون – نيس%%ان       1997.

سقراط:

مولده:

ق.م. وك%%ان أب%%وه "سوفرونيس%%كوس" نحات%%ا470ولد سقراط الحكيم في مدينة أثين%%ا س%%نة          يصنع التماثيل في "األكروبول"، وق%%د تعلم الول%%د حرف%%ة أبي%%ه أول األم%%ر ولكن%%ه هجره%%ا واتج%%ه إلى

حكمة األخالق التوحيدية بالله سبحانه وتعالى.

وتروي بعض مصادر التاريخ أن سقراط علم نفسه بنفسه وشغل نفسه بالحكمة والفلس%%فة،       والمناظرة والتأمل في عجائب الخالق ومخلوقاته.

شخصيته وحياته:

كان سقراط شخصية غريبة األطوار، إذ كان نصفه مخلوقا إنسانيا ونصفه اآلخر قديسا. ه%%ذا       

Page 92: ابناء النور عبر العصور

ما أجمعت عليه مصادر تاريخ الفلس%%فة، فك%%انت تش%%ع من عيني%%ه نظ%%رة رحيم%%ة، وك%%انت ابتس%%امتهساخرة من العالم الجسماني وودية ورحومة بنفس الوقت.

وتروي الكتب المنشورة عنه أن%%ه ك%%ان ق%%وي االحتم%%ال لدرج%%ة تم%%يزه ف%%وق مس%%توى البش%%ر        العاديين. فعندما كان جنديا في الجيش كان يسير فوق الثلوج والجليد حافي الق%%دمين بينم%%ا ينتع%%ل زمالؤه أحذية مغلفة بالصوف الناعم. أما شجاعته فخارق%ة يعج%ز عنه%ا اإلنس%ان الع%ادي، وه%ذا م%ا

ق.م. وح%%تى س%%نة432تؤك%%ده الرواي%%ات عن بطوالت%%ه في الح%%روب ال%%تي اش%%ترك فيه%%ا من س%%نة ق.م.424ق.ب. باإلضافة لمعركة سنة 422ق.م، والحرب الثانية سنة 429

سلوكه وإيمانه:

كان سقراط يعتقد أنه يحمل في عنقه رسالة إلهية وبشارة سماوية، وأن الله سبحانه قد أقامه وكلفه        ليكون معلما ومؤديا مجانيا عموميا يرتضي الفقر ويبتعد عن متاع الدنيا ليؤدي هذه الرسالة اإللهية، وكان يجوب

الشوارع والطرقات واألسواق يبشر بما أماله عليه ضميره اإللهي متبعا أسلوب الحوار والجدل. وكان حديثه موجها بشكل دائم إلى الشباب العتقاده انهم عماد الحياة بهدف توسيع مداركهم للوصول إلى الحقيقة أي الحقيقة

المطلقة التي هي "الله" من خالل العقل أعني عين العقل.

وينق%%ل ع%%دد من م%%ؤرخي الفلس%%فة أن س%%قراط الحكيم ك%%ان يعتق%%د بأن%%ه ملهم في أعمال%%ه        وأفكاره. وهذه المسألة مر بها أنبياء قبل سقراط وخاصة األنبياء الغابرون. لذلك يستطيع أن يم%%يز النتائج الطيبة من النتائج الشريرة؛ وكان يعتقد سقراط أن الله بواس%%طة مالئكت%%ه ي%%وحي إلي%%ه بم%%ا ينبغي أن يفعل وينهاه عما ينبغي أال يفعل، وك%%انت تنتاب%%ه نوب%%ات غيبوب%%ة يق%%ف بعض األحي%%ان ع%%دة ساعات متسغرقا في أفكاره وتأمالته. وهذا ما جعله يمتل%%ك الق%%درة العجائبي%%ة في الس%%يطرة على

غرائزه وشهواته الحيوانية.

وعندما أصبح سقراط الحكيم عضوا في مجلس الشيوخ عرف باس%%تقالليته ونزاهت%%ه وجرأت%%ه        في محاربة الخطأ مهما كان مص%%دره من ال%%ديمقراطيين أو األرس%%تقراطيين، ك%%ل ذل%%ك دفاع%%ا عن الحق والعدل معرضا حياته للخطر أكثر من م%%رة مواجه%%ا وص%%امدا ض%%د انفع%%االت وهي%%اج ه%%ؤالء أو

أولئك.

ويجمع فالسفة الغرب على أن سقراط كان يتمتع بنظ%%رة نقدي%%ة الذع%%ة. فق%%د انتق%%د النظ%%ام        الديمقراطي في أثينا الذي تقدم على أكتافه مجموعة من الغوغائيين الجهالء مم%%ا أدى إلى س%%جنه والحكم عليه باإلعدام. وق%د اتهم%ه الق%ادة السياس%يون بمحاول%ة قلب نظ%ام الحكم، وإنك%ار اآلله%ة والقول بآلهة جديدة وإفساد عقول الشباب. وفي الحقيقة كان سقراط الحكيم صاحب رسالة، فهو يحاول إصالح حالة الدولة عن طريق التربية ومحو خرافة اآلله%%ة وإقام%%ة دعام%%ة دين اإلل%%ه الواح%%د األحد. ولقد تقبل سقراط الحكم راضيا مرضيا إليمانه بالله والقدرة اإللهية والمشيئة الرباني%%ة ال%تي

ق.م. وجرأته هذه ك%%انت بمثاب%%ة399ال ترد، لذلك تناول كأس السم وتجرعه بجرأة وكان ذلك سنة انتصار للفلسفة والفيلسوف في آن واحد.

مذهب سقراط الفلسفي: "الرضى والتسليم نهاية العلم والتعليم":

Page 93: ابناء النور عبر العصور

"... حين كنت شابا يافعا كنت مهتما بإلحاح بهذا النوع من المعرفة ال%ذي يطل%ق علي%ه اس%م        "البحث في الطبيعة"، فوجدت فيه روعة ال تضاهي، فبواسطته يمكن معرفة علل كل ش%%يء، تل%%ك العلل التي تأتي األشياء بسببها إلى الوجود ثم تختفي وتستمر في الوج%%ود... وق%%د انتهيت إلى رأي

بهذا الصدد وهو أنه قد ظهر عجزي وعدم استطاعتي االستمرار في مثل هذا البحث".

نستنتج من هذا أن سقراط عجز كما عجز غ%%يره من فالس%%فة الطبيع%%ة عن اإلحاط%%ة الكلي%%ة        لتحقيق المعرفة الشمولية في الكون – وهذه الصفة من صفات الله جل جالله – واعتق%%د س%%قراط أن كل شيء هو ما هو ألنه من األفضل أن يكون كذلك ولقد تأثر س%%قراط ب% "أناكس%%اغوراس" ألن ه%ذا الفيلس%وف العظيم اس%تخدم العق%ل واعتم%ده كأس%اس في فهم الظ%واهر واألس%باب والعل%ل

والنتائج.

وانحصرت جهود سقراط األساسية باإلنسان أكثر من الرياضيات والطبيعة، ل%%ذلك انحص%%رت        الفلسفة عنده في دائرة األخالق، وهذا ما يفسر ق%%ول "شيش%%رون" )خطيب اليون%%ان العظيم( عن%%ه "أنه أنزل الفلسفة من السماء إلى األرض". أي أنه حول النظر الفلسفي من الفلك والعناصر إلى

النفس.

النفس اإلنسانية عند سقراط:

اعتق%%د س%%قراط يس%%يطر النفس على الب%%دن وبه%%ذا تمكن من إثب%%ات التش%%ابه بين النفس        اإلنسانية وبين العقل اإللهي. ويعتقد بأن النفس هي سيدة البدن، فكما يحكم العقل اإللهي الع%%الم

كذلك النفس تحكم على البدن وتسيره كما تشاء.

وبذلك قال أفالطون فيما بع%%د إن النفس تتحكم تحكم الس%%يد في الب%%دن. وفي ذل%%ك تش%%بيه        بالكائن اإللهي. ويالحظ أن األدلة التي س%%اقها أفالط%%ون للبرهن%%ة على خل%%ود النفس فيه%%ا أك%%ثر من فكرة تعزى إلى سقراط مؤداها بأن النفس بما هي عقل خالص لها القدرة على البقاء ب%%ذاتها بع%%د فناء البدن. لذلك اعتبر مؤرخو الفلسفة أن الطريق%ة ال%تي م%ات به%ا س%قراط هي البره%ان األك%بر واألكيد على إيمانه بخلود النفس. ولم يكن سقراط الفيلسوف األوحد ال%%ذي آمن ب%%ذلك ب%%ل س%%بقهi كغ%%يره من فيثاغوراس وأتباعه بالوصول إلى ه%%ذه النتيج%%ة وق%%د ت%%أثر س%%قراط بالفيثاغوري%%ة حكم%%ا الفالسفة. ويروي أفالطون أن أستاذه سقراط كان يعتقد أن الفيلس%%وف الح%%ق ه%%و ال%%ذي ال يه%%اب الموت، وإنما يرحب به، بينما االنتحار فعل غير مشروع، وعلى اإلنسان أن ينتظر حتى يقبضه الله، ألن عالقة الله باإلنسان تشبه إلى حد كبير عالقة الراعي بغنمه، فالراعي يغضب لو أن واح%%دة من

نعاجه تحررت من خط سير القطيع.

أما موقف سقراط من الفضيلة كمفه%وم مث%%الي وس%%لوكي فيتلخص بق%درة ه%ذا الفيلس%وف        الحكيم على وصل العقل بالقيم المطلقة وخاصة في مجال األخالق. فب%%دت الطبيع%%ة البش%%رية في نظره جسما وعقال يسيطر على دوافع الحس ونزواته، وليست مجرد شهوات ولذات. لذلك انطلق سقراط من التعري%%ف بمجموع%%ة من المف%%اهيم مث%%ل القيم األخالقي%%ة العام%%ة كالش%%جاعة، العدال%%ة، التقوى، ضبط النفس، الصداقة، وباعتقاده أن اإلنسان إذا تمكن من فهم ه%%ذه المف%%ردات بمعناه%%ا األخالقي يتمكن من االقتراب من شواطئ الكمال. وتتلخص نظرية الفضيلة واألخالق عند س%%قراط

Page 94: ابناء النور عبر العصور

ب%%العلم، ف%%التقوى هي العلم بم%%ا يجب على اإلنس%%ان نح%%و الل%%ه، والعدال%%ة هي العلم بم%%ا يجب على اإلنسان نح%و نفس%ه، والفض%يلة واح%دة ال تتغ%ير مهم%ا اختلفت األجي%ال. وأعطى س%قراط مفهوم%ا إضافيا للفضيلة فاعتبر الفض%%يلة هي الخ%%ير، ومعرف%%ة الخ%%ير تتجلى في الس%%لوك الص%%حيح في ك%%ل

مجاالت الحياة.

وخالصة القول: إن مفهوم الفضيلة واألخالق عند سقراط تتلخص بما قاله أفالطون فيما بعد       "إن غاية األخالق السقراطية هي السمو الروحي".

موقف سقراط من الدين:

اعتبر سقراط أن الدين هو تك%%ريم الض%%مير النقي للعدال%%ة االلهي%%ة، وأن ك%%ثرة الص%%لوات م%%ع        تلطيخ النفس باآلثام اليومية ال تجدي نفعا، وأن الله عين لكل فرد منا وظيفة في ال%%دنيا. كم%%ا آمن سقراط بخلود الروح واعتقد بتم%%ايز النفس عن الب%%دن، فال تفس%%د بفس%%اده ب%%ل تخلص من س%%جنها بالموت وتعود إلى صفاء طبيعتها. واعتقد بأن العقل الكلي هو ال%ذي يحكم الع%الم بعدالت%%ه وحزم%%ه وأن بإمكان اإلنسان أن يتصل بالله اتصاال مباشرا من دون حاجة إلى االستعانة بواسطة أحد. وق%%د أدى هذا االعتقاد عنده إلى الشكوى التي رفعت ضده بع%%دم إيمان%%ه بآله%%ة المدين%%ة )أثين%%ا( وبإحالل%%ه

"الله" محلها.

نظريته السياسية:

اعتقد سقراط أن العدالة ال تتعارض مع القانون، وأن منفعة الفرد يجب أال تتعارض مع مصلحة المجموع؛        وبهذا يكون سقراط أحد واضعي فكر العدالة والمساواة في العصور القديمة والذين ال زالت أفكارهم األساس في عدل الدنيا رغم مرور ما يزيد على ألفين ومئتي سنة على الحقبة التي عاش فيها. أليست هذه المفاهيم من صلب

الديمقراطية الشعبية التي ينادي بها أكثر من مليارين من البشر اليوم؟

مقتبسات من سقراط )شهيد الكلمة والحرية( – راجع الضحى الع%%دد التاس%%ع والخمس%%ون –       .1997كانون الثاني

محاكمة "سقراط":

لم يترك "سقراط" أي أثر خطي وراءه. فلم يكتب دفاعه؛ وقد عرض عليه "ليرناس"، أحد البلغاء دفاعا        أعده له. فرفض االستعانة به قائال: "أنه دفاع جميل، لكنه ال يالئمني، كما ال يالئمني أن ارتدي ثوبا قشيبا"، وأثر

الطريقة التي يتحدث فيها مع الناس.

ويرى "اكزينوفون"، أح%%د تالم%%ذة "س%%قراط"، أن ه%%ذا األخ%%ير ق%%ال لمعلم%%ه: "أال ت%%رد أن من        الواجب أن تفكر بما ستقوله دفاعا عن نفسك؟" فأجابه: إنني لم ارتكب ظلما، وقد سلكت سبيلي

العدل والتقوى. وهي لعمري أفضل طريقة يدافع بها اإلنسان عن نفسه".

انتهت إلينا صيغتان عن دفاع "سقراط"، األولى الكزينوفون والثانية ألفالطون، وهما تختلفان       لهجة وأسلوبا وروحا، وتلتقيان مضمونا في وقائع عدة فتؤكدان حقيقة الدفاع التاريخية.

Page 95: ابناء النور عبر العصور

في القسم األول من "محاورة الدفاع" ألفالط%ون يتح%دث "س%قراط" عن متهمي%ه الماض%ين        والحاليين: األوائل كانوا رجاال ال يعرفهم شخصيا والذين ذهب%%وا، بس%%بب الجه%%ل، والغ%%يرة أو الخبث، إلى حد ترويج هذه الدعاية الكاذبة بأنه اهتم بالقضايا التي لها صلة بفلسفة الطبيعة، أو بم%%ا يج%%ري تحت األرض وفي السماء، وبأن%%ه ك%%ان يعلم تمري%%ر الخط%%أ على أن%%ه الص%%حيح، ويؤك%%د "س%%قراط" – داحضا هذا االتهام – أنه أوال، ال يرى شيئا يستوجب الذم في االنكباب على مسائل فلسفة الطبيعة؛i، أنه يستطيع إحضار شواهد كثيرة تؤكد أنه لم ينصرف إلى هذا النوع من األبحاث؛ وثالثا، فهو وثانيا

يعتبر أن تربية الناس عمل مفيد، وهو لم يقبل أبدا ماال لقاء محاوراته وهو في دور العلم.

ينتقل "سقراط" بعدها إلى متهميه الجدد، ويبرهن أن تهمتهم المزدوجة: إفساد الشباب وذم        اآللهة ال أساس لها من الص%%حة، ويؤك%%د أن من غ%%ير المعق%%ول اتهام%%ه ب%%ذلك م%%ا دام ال يوج%%د دلي%%ل ملموس يؤيد أقوالهم؛ أما عنصر االتهام الثاني ف%%نراه يدحض%%ه بش%%كل ق%%اطع مبين%%ا التن%%اقض ال%%ذي

:i يشوبه قائال

i بقولي أنك تهزأ منا؟ تدعى        "إن كنت أؤمن بوجود الجان، وإذا كان الجن آلهة أال أكون مصيباi أنني ال أؤمن بوجودها ثم أنني أؤمن بوجودها ما دمت اعتقد ب%الجن، وإذا ك%ان الجن أوالدا غ%ير أوال شرعيين لآللهة، فمن من الناس يعتقد بوجود أوالد آلهة دون أن يعتقد بوجود آلهة؛ وه%%ل هن%%اك من

ال يعتقد بوجود الجياد والحمير بينما يعتقد بوجود البغال أبناء الجياد والحمير؟..".

ص%%وتا280 باختصار شديد لم يكن قرار المحكمة في صالحه، وأقر "سقراط" مذنبا بأغلبي%%ة         ، إذ كان يحتاج لثالثين صوتا لكي يبرأ ولم يكن "سقراط" ينتظر البراءة، ولكن%%ه دهش من221ضد

فارق األصوات الض%%ئيل؛ وك%%ان الق%%انون في الحاض%%رات اإلغريقي%%ة يج%%يز للمتهم أن يق%%ترح بنفس%%ه القصاص الذي يراه مستحقا له، هذا الحق كان، ودون أن يشكل استغاثة اطالق%%ا، يس%%مح بتخفي%%ف الحكم الواقع عليه، وهذه ال شك إحدى السمات الخالدة للعدالة األثينية؛ وك%%ان على المحكم%%ة من ثم أن تخت%%ار بين الحكمين المق%%ترحين )من قب%%ل المتهم والمتهم(، غ%%ير أن الحكم ال%%ذي اقترح%%ه سقراط لجالده، كان في ما ادهش هؤالء: إذا أردتم أن تعدلوا أيها األثينيون فإني استحق أن أعامل معاملة حسنة تتالءم ووضعي، فما الذي يالئم رجال فاضال فقيرا مثلي يحتاج إلى التمتع بفراغ ك%%اف لينصرف إلى إرشادكم ودعوتكم إلى األفضل؟ الجواب: أن يعيش على حساب – أو نفقة – الدولة، وهذا شرف مخصص ألولئك ال%%ذين امت%%ازوا بخدم%%ة ال%%وطن؛ ه%%ذا االق%%تراح أث%%ار حفيظ%%ة المحكم%%ة واعتبرته وقحا، أم%ا "س%قراط" ال%ذي لم ي%ر في%ه أي خبث، فق%د أك%د: "أن%ا على يقين من إن%ني لم أسيء ألي إنسان، وأنا بعيد كل البعد أن أتمنى ذلك لنفسي، وأق%ر بع%ذابي األب%%دي في أن اس%%تحق قصاصا وأعلن حكما ضد ذاتي"، ولكن مع ذلك يجب تحدي%د الحكم ب%أي ثمن، وك%ان مس%تعدا ل%دفع "مينا"، )مئة درخمة لدى قدماء اليونان(، من الفضة لكونه فقيرا؛ وكما أثار حفيظة واستياء العدي%%د من القضاة باقتراحه غير المناسب أن يعتاش على نفقة الدولة، كذلك كان اقتراحه ب%%دفع الغرام%%ة ق%%د "رفض؛ وهك%%ذا بأغلبي%%ة ثم%%انين ص%%وتا أص%%درت المحكم%%ة ه%%ذه الم%%رة حكمه%%ا ب%%الموت على

"سقراط".

مقتبسات من سقراط شهيد الفلسفة األول – راجع الضحى العدد الثاني والستون – نيس%%ان       1997.

Page 96: ابناء النور عبر العصور

نهاية رجل عظيم:

وهكذا تنتهي حياة رجل عظيم بصفحة من أشد صفحات التاريخ البشري قتام%%ة ومن أكثره%%ا        إساءة إلى الكرامة اإلنسانية وبذلك يغتال العقل في مهبط العقل وينكس%%ف الن%%ور في بل%%د الن%%ورز وأن موته كان وال يزال فداء قدمه حتى تستطيع المبادئ التي نادى بها أن تشق طريقها إلى جمي%ع الناس، وأن تصبح المبادئ األساسية الخالدة التي ستسير عليها اإلنسانية حتى هذا الحين. وسيظل سقراط الحكيم شيخا للفالسفة الموحدين المؤمنين بالله الواحد األحد، الفرد الص%%مد كم%%ا س%%يظل شهيد الكلمة والحرية واإليم%%ان العمي%%ق بالعقي%%دة التوحيدي%%ة ال%%تي ناض%%ل من أج%%ل توس%%يع قاع%%دة

مريديها والتي استشهد في الدفاع عنها.

وقال عنه صاحب عمدة العارفين: "وكان من روحانية فيث%%اغوراس يغ%%ني في ذات%%ه الش%%ريفة        من الصفاء والنقاء والطهارة والكمال، ومم%%ا ح%%ل به%%ا من مش%%اهدة الجالل. وله%%ذا ق%%الت الحكم%%ة التوحيدية: "األول لفيثاغوراس، وأفالطون وسقراط المالئكيين واإللهيين لحضهم الناس على إحي%%اء

النفس الناطقة وقواها. واثبات الجميل والخير إماتة النفس الشهوانية لتلحق نفوسهم بالمالئكة".

راج%%%ع الض%%%حى الع%%%دد التاس%%%ع –  مقتبس%%%ات من س%%%قراط )ش%%%هيد الكلم%%%ة والحري%%%ة(       .1997كانون الثاني  – والخمسون

الجن السقراطي:

ما هو )الجن( الذي تحدث عنه "سقراط"؟ ما طبيعته؟ س%%بق أن أرب%%ك ه%%ذا الس%%ؤال تالمي%%ذ        الفيلسوف وأصدقائه، فضال عن مؤلفين الحقين أمثال "شيشرون"، "بلوتارك" و "في يلي%%ه". وآب%%اء الكنيس%%ة تح%%دثوا أيض%%ا عن "جن س%%قراط". بالنس%%بة للبعض، "ترتولي%%ان" و "الكت%%انس" المع%%ادين بشراسة للوثنية، كان يعني مخلوقا شيطانيا، وللبعض اآلخ%%ر "كليمن%%دس االس%%كندري" و "الق%%ديس

أوغسطين"، رأوا فيه نوعا من المالك الحارس.

يقول "سقراط" في محاولة )الدفاع(: "... لقد اختبرت خبرة عجيب%%ة مذهل%%ة، ففي الماض%%ي        كان الصوت النبوي الذي اعتدته دائما رفيقا لي، يعارضني في األشياء التافهة للغاية، وذل%%ك إذا م%%ا كنت عازما على انتهاج نهج خاطئ، وها أنكم اآلن ترون أن شيئا ح%%دث لي ون%%زل بي، األم%%ر ال%%ذي يرى فيه الناس بص%%ورة عام%%ة ويعتبرون%%ه كأش%%د كارث%%ة ت%%نزل باإلنس%%ان، ولكن ليس حين مغ%%ادرتي لم%%نزلي ه%%ذا الص%%باح... أب%%دى الص%%وت اإللهي أي%%ة معارض%%ة لي، ك%%ان ه%%ذا الص%%وت في أح%%اديثي ومناقشاتي األخرى يخرسني وأنا لم أزل في منتصف الجمل%ة، لكن%ه ه%ذه الم%رة لم يعارض%ني في أمر تفوهت به أو فعلته، فما سبب ذلك كما اعتقد؟ وسأجيب أعتقد بأن ما حدث لي هذا اليوم ه%%و خير وبركة، وأننا لنخطئ فاحش الخطأ إذا افترضنا أن الموت شر، وأن%%ا ل%دي من األس%%باب م%%ا ه%و جدير بأن يجعلني افترض هذا، ألن ذلك الصوت الذي تعودت عليه، م%%ا ك%%ان ليتخلى عن معارض%%تي

لو أن ما كنت أفعله لم يكن سيعود بنتيجة طيبة".

نستخلص من هذا االستشهاد الطويل بعض األفكار التي سنستعملها لتأكيد وجهة نظرنا، ب%%أن       i، – )الجن( السقراطي هو )ح%%دس ترنس%%ندنتالي( أي مج%%اوز ينتج عن حال%%ة معرفي%%ة متط%%ورة ج%%دا

Page 97: ابناء النور عبر العصور

تصرف "سقراط في كل مرة عن كل ما هو مؤذ له أو غير مقبول".

i، أن غي%%اب )الص%%وت( ه%%و أيض%%ا زاخ%%ر بالمع%%اني: إذا لم يوق%%ف )الص%%وت        ومن المالحظ أيضا اإللهي( "سقراط" ولم ينهه عن قول أو فعل شيء، فإنه يدفع به نحو هذا الش%%يء ض%%منا، أو ي%%ترك

له حرية التصرف.

يقوم اعتقاد سقراط بوجود )جن( على الصلة الوثيقة بين )الهاتف الداخلي أي العق%%ل( وإل%%ه        خارجي، له حضور خاص وفاعل، ف% )جن سقراط( هو إذن أكثر من أن يكون ن%%داء عادي%%ا للض%%مير، ه%%و ه%%ذا ال%%ذي يض%%في علي%%ه خاص%%ية وبع%%دا جدي%%دين، ي%%دفعنا ل%%نرى في%%ه نوع%%ا من التش%%خيص

في – بمع%%نى حقيقي وموض%%وعي – المج%%ازي( لم%%ا ه%%و )كلي(– اإللهي(، والتعبير )نص%%ف – )نصف عالم اإلنسان الداخلي، في عقله وروحه؛ "الروح، يقينا، هي هبة، قدرة غيبية" كما يقول "سقراط"

في محاورة "فيدروس".

)الجن( بالنسبة لسقراط، ه%%و م%%ا في نفس%%ه من )إلهي(؛ في فك%%ر الفيلس%%وف، )اإللهي في        اإلنسان( يصرف هذا األخير عن كل ما هو ذاتي، استبدادي، أنوي، خداع، عابر ومبتذل، أن%%ه يوجه%%ه نحو البحث عن دستور أخالقي كوني، والخضوع الواعي واإلداري له%%ذا الدس%%تور أم%%ام تأيي%%د حص%%ر الروابط التي توحد اإلنسان م%%ع غ%%يره على الص%%عيدين الف%%ردي واالجتم%%اعي. وارتب%%اط اإللهي عن%%د سقراط بالفكر وتجسده كصوت يأمر وينهي ه%%و أك%%بر دلي%%ل على توحي%%د س%%قراط وإيمان%%ه بتوحي%%د

العقل المترفع عن الشرائع والنواميس.

ما بعد موت سقراط )فلسفة التقمص والتوحيد(:

إن مفهوم )الروح( عند "سقراط" يتأثر بقوة ب% )التعقلية( التي تسم أخالقيات%%ه، كم%%ا يظه%%ره        خصوصا مقطع من محاورة )ال%%دفاع( ألفالط%%ون، حيث يماث%%ل "س%%قراط" "عناي%%ة ال%%روح" باهتم%%ام

العقل في البحث عن الحقيقة.

كان "سقراط" الفيلسوف اإلغريقي األول الذي عرض بوضوح مسألة العالقة بين )الروح( و        )الجسد(؛ فقبله شغلت هذه المسألة، بش%%كل خ%%اص "الفيث%%اغوريين" وال% "أورف%%يين"، إال أن ه%%ؤالء كانوا قد أدرجوها في دائرة الدين بدال من الفلسفة؛ ومع "س%%قراط" ب%%دأت الفلس%%فة تع%%الج عالق%%ة الروح بالجسد، وعندما دعا "سقراط" لالهتمام ب% )الروح(، كانت الغاية ال%%تي تتبعه%%ا )الحكم%%ة(، أي

)النشاط العقلي( و )الجهد األخالقي(، وليست القداسة.

يبدو أن "سقراط" كان يعتبر )الروح( )والجسد( من خالل وحدتهما، وذلك بمقابلة كل منهم%%ا        باآلخر، يقدرهما على أنهما جزءان من اإلنسان الحي، اإلنسان الكامل، إنما ج%%زءان مختلف%%ان ج%%دا ويتباين%%ان ج%%ذريا، ال%%روح – يق%%ول "س%%قراط" – "تنتش%%ر فين%%ا، ولكن تعص%%ى على أبص%%ارنا، ه%%ذه "الرئيسة" المحتجبة، تحكم، كما يحلو لها، غطاءنا الجسدي، وفيها يكمن )العقل( ال%%ذي يق%%ود ليس جسدنا فقط، بل كل أعمالنا أيضا، ألن الفضيلة )معرفة( وهي )سلوك( أخالقي، ليس سلوك جس%%د

بل سلوك )روح( عاقلة".

Page 98: ابناء النور عبر العصور

ينتج عن برهان "سقراط"، أنه ال يمكن القبول في أن اإلنسان – ال%%ذي ه%%و ج%%زء ص%%غير من        كل أكبر )العالم( يمتلك عقال، في حين أن العالم، الذي خارجه، ال يش%%تمل أي عق%%ل؛ ألن الع%%الم – الكون – هو )نظام( متناغم، ومنسق بمقتض%%ى )العق%%ل(، وليس خ%%واء ش%%امال، أو س%%ديما خالي%%ا من المعنى؛ كذلك اعتبر "هيراقليطس" أن الكون بشكله البديع، سيشبه كومة من الق%%اذورات مبع%%ثرة

ودون ترتيب، لو لم يكن محكوما ب% )لوغوس( – أي عقل أول – كلي، وسام.

و "سقراط" الفيلسوف العقالني، لم يكن من ه%%ؤالء الروح%%انيين ال% "قروس%%طويين"، ه%%ؤالء        الالهوتيين الذين ينظرون إلى اإلنسان – خلق الله والمعتبر من جانبهم بمثابة كائن روحاني ص%%رف – "منفيا في هذا العالم السفلي"؛ كان يعتبر )وجود( اإلنسان في )اتحاده( الوثيق مع الك%%ون. له%%ذا ظن أنه باإلمكان إقامة )مماثلة بين اإلنس%ان والك%ون؛ وإذن من وج%ود جس%د وروح عن%د اإلنس%ان، يستنتج أن العالم بمجمله يتكون ليس فق%%ط من عناص%%ر مادي%%ة، ب%%ل ك%%ذلك من )عق%%ل(، من )روح كلي(؛ وعلى أساس من وجود العقل المحدود والناقص لدى اإلنس%%ان، ب%%التوازي م%%ع )جس%%د( أق%%ل محدودية منه بكثير، ك%%ان بنظ%%ره ال%%دليل الحاس%%م على وج%%ود )عق%%ل كلي( وكام%%ل، وج%%رم ك%%وني

منقطع النظير.

ويبقى السؤال: هل يؤمن "سقراط" حقا بالتقمص بالوضوح ال%%ذي يم%%يز إيم%%ان فيث%%اغوراس       وأفالطون بالتقمص؟

س%%ؤال ح%%ير الفالس%%فة والب%%احثين لف%%ترة طويل%%ة، فبعض%%هم يعت%%بر أن فك%%رة )ال%%روح( عن%%د        "سقراط" هي تصور أفالطوني يسعى إلى نقل خلود الروح من مجال الدين إلى مج%%ال الفلس%%فة، والبعض اآلخر يميل إلى جعله أقرب إلى )الالإرادية( من%%ه إلى )اليقين( االعتق%%ادي الق%%اطع، أي أن%%ه

بمعنى آخر، لم يؤمن بوجود )عالم آخر( ومع ذلك فهو يتمنى وجوده.

ولكن كال الرأيين السابقين يختزن مواق%%ف ايديولوجي%%ة، تغيب الحقيق%%ة التاريخي%%ة الواض%%حة،        لصالح االحكام التي تنافي )سيرورة( التطور التاريخي للحقيقة، وتنافي كذلك روحية البحث النزي%%ه

المجرد.

فمن غ%%ير المعق%%ول أن تك%%ون فك%%رة )التقمص( مج%%رد إس%%قاط أفالط%%وني على فلس%%فة        "سقراط"، بل هي توسيع كما يبدو، لفكرة "سقراط" األساسية في )الخلود( ع%بر التقمص؛ وال%تي طورها اليونانيون ونظموها، فجعلوا منها علما بكل ما في كلمة )علم( من مع%%نى، فك%%ان لك%%ل من الفالسفة والحكماء مدرسته الخاصة به، وهذه العقيدة آمن بها "سقراط" كما آمن به%ا "أفالط%ون"

وكذلك "أرسطو" و "أفلوطين" من بعده.

ولو تأملنا قليال تلك النصوص الس%%قراطية، لوج%%دنا أن عقي%%دة )التقمص( تلعب دورا محوري%%ا       في تشكيل، أو تكوين، المرجعية الفلسفية للخطاب السقراطي:

يقول "سقراط": فالميت يكون على أحد حالين: إما أن يصبح ع%%دما وال يك%%ون ل%%ه إحس%%اس        بأي شيء كان، وإما، وفق ما يقال، أنه يحدث تحول وهج%%رة للنفس من مك%%ان إلى آخ%ر، كم%ا ه%و الحال في النوم.. فلكم سيكون الموت مكسبا مدهشا... وأني العتقد أن%%ه إذا ك%%ان ألح%%د أن يخت%%ار

Page 99: ابناء النور عبر العصور

بين تلك الليلة التي ينام فيها بدون أن يرى أي حلم والليالي األخرى من حياته، وإذا كان عليه، بع%%د المقارنة مع هذه الليلة، أن يقول بعد الفحص كم من األيام والليالي عاشها في حياته وك%%انت أمت%%ع وأفضل من تلك الليلة، إن أي شخص... سيجد أنه يسهل عدها بالمقارنة مع بقي%%ة األي%%ام واللي%%الي. فإذا كان هذا هو الموت، فإني أقول أنه يعد كس%%با، حيث أن ك%%ل الزم%%ان لن يب%%دو أط%%ول من ليل%%ة واحدة؛ من جهة أخرى فإذا كان الموت رحلة خارجية من هذا المكان إلى مكان آخر، فأي خير أكبر

من هذا يمكن أن يتصور أيها المواطنون".

ويختم "سقراط": "ولكن حانت ساعة الرحيل، أنا ألموت، وأنتم لتعيشوا، من منا يذهب إلى       المصير األفضل؟ األمر غير واضح أمام الجميع، باستثناء اإلله" )الدفاع(.

وال شك أن فكرة )التقمص( تبدو أكثر وضوحا في محاورة )كريتو(. وتحديدا في الحلم ال%%ذي       شاهده قبل يومن من إعدامه:

س: ما الذي أتى بك في مثل هذه الساعة المبكرة؟

ك: أحمل األنباء السيئة يا سقراط...

س: ما الخبر؟ هل السفينة التي يجب أن أموت عند وصولها قد وصلت من ديلوس؟

ك: لم تصل بعد، ولكني أعتقد ستصل... اليوم، وبالضرورة يا سقراط فسيكون غدا هو اليوم الذيتوفى فيه حياتك.

س: يا للحظ الطيب يا كريتو... ال أظن أنها تصل اليوم.

ك: وعالم يقوم تخمينك؟ )...(

س: على حلم رأيته منذ قليل..

ك: وماذا كان هذا الحلم إذن؟

س: تهيأ لي أن امرأة جميلة حسنة الهيئة مرتدية مالبس بيضاء تن%%اديني وتق%%ول: ي%%ا س%%قراط ثالث%%ةأيام، واليثيا الخصبة تأتي".

ويمكن الق%%ول، أن الحلم الس%%قراطي يعكس بوض%%وح كب%%ير فك%%رة )التقمص( في أص%%فى        معانيها، ف% )غائية( الحلم ترتبط بشدة بمصير "سقراط" بعد موته، وهو يشكل )حدسا( لما سيصبح عليه فيما بعد، فال% "أحالم هي )اللغة( التي يتكلم بها ص%%وت ال%%وعي" )في%%دون(. ومن المالح%%ظ أن الحلم يشير إلى منطقة محددة – اليثيا – هي اسم قديم إلقليم "تساليا" في اليونان القديمة، لكن%%ه ال يشير مطلقا إلى )العالم اآلخر(، بل إلى )انتق%%ال( مك%%اني لل%%روح من منطق%%ة إلى أخ%%رى فكي%%ف

يحدث ذلك يا ترى إن لم يكن ب% )التقمص(؟

Page 100: ابناء النور عبر العصور

وال يفوتني في هذا الصدد إال أن أتذكر ذلك الحلم التنبؤي لشاب موحد، قب%%ل وفات%%ه ينس%%جم       تماما مع الحلم السقراطي.

هذه الظاهرة حدثت قبيل معارك لبنان، في الصباح دخل الدركي )ن.ح.( إلى غرف%%ة رئيس%%ه        ليعيد له ما رآه في الحلم الليلة الفائتة، ق%ال: نحن الموح%دون ال%دروز ن%%ؤمن ب%%التقمص، وفي ه%ذا الليل تصور لي انتقالي إلى بلدة )ع.د( وأنا اآلن في خ%%وف وقل%%ق، ألتمس ال%%ترخيص ل%%وداع أهلي. رأف به الضابط على أن يعود في اليوم التالي، على الفور ص%%عد ال%%دركي إلى بلدت%%ه )ع.ز( وك%%انت سهرة عامرة باألهل؛ قبل الرقاد روى الحلم إلى أبيه مفصال أن%%ه س%%يتقمص في )ع.د( وأن الم%%نزل يقابله شجرة ضخمة معلق في أحد غصونها سلة صغيرة تحوي حاج%%ة الولي%%د الجدي%%د وبعض حب%%ات حمص؛ مع أول الصباح كان الوالد الكهل أمام التينة في )ع.د.( ي%%رقب أح%%د الم%%ارة ليستوض%%ح عن المنزل، وإذا بامرأة شابة حبلى متعبة تفتح باب بيتها، فدنا منها سائال: هل تسمحين بفحص محتوى السلة؟ سمحت له وتفحصها وغص في البك%%اء وتالش%%ى؛ تعجبت الحبلى للوض%%ع ودنت من%%ه تس%%أل،

فاختصر حديثه وانكفأ محطما.

وصل إلى منزله فوجد ولده في غيبوبة االحتضار، وانتهى مع المساء؛ أقيم المأتم في الي%%وم        التالي، وتألبت الجماهير المعزية ناقلة هذه الظاهرة إلى القرى المجاورة، والناس هن%%اك معت%%ادون على سماع أقاصيص كهذه، كما ه%%و مؤمن%%ون بص%%حتها. أم%%ا م%%ا يف%%ترق منه%%ا عن س%%واه، فهم عن%%ه

ساهون، ال ميالون، همهم أن )التقمص( حقيقة كونية(، )والتذكر( دال عليه.

وبالرجوع إلى "سقراط" فإن محاورة )فيدون( تقدم الدليل الحاسم على حقيق%%ة )التقمص(       كقانون، وتدعمها باليقين المنطقي والمحاججة الفلسفية العقالنية:

سيبيس: واآلن جاء دورك لتطلعني عما يتعلق بالحياة والموت.

سقراط: أال تسلم بأن الموت هو نقيض الحياة؟

سيبيس: نعم، أسلم بذلك.

سق%: أال تسلم بأن الواحد منهما ينشأ عن اآلخر؟

سيب%: نعم.

سق%: إذن فما الذي ينشأ عن أن تحيا؟

سيب%: أن أموت.

سق%: وما الذي ينشأ عن موتك؟

سيب%: يجب أن أسلم بأنه ينشأ أن أحيا.

Page 101: ابناء النور عبر العصور

سق%: إذن فما الذي ينبغي عمله؟ هل أن نحذف العملية المتمم%%ة وأن ن%%ترك هن%%ا نقص%%ا في ق%%انونالطبيعة؟ أم أن نسد تلك الثغرة بالعملية المناقضة لعملية الموت؟

سيب%: طبعا.

سق%" وما هذه العملية؟

سيب%: العودة إلى الحياة )...(

سق%: إذن فنحن متفقان على هذا األمر كذلك، إن األحياء قد نشأوا ال يق%%ل عن نش%%وء الم%%وتى عناألحياء...".

هذا النص ال يحتاج لشرح أو تعليق.       

)إع%ادة بن%اء( العق%ل على قواع%د علمي%ة عم%ل على  "س%قراط" فيلس%وف بعبقريت%ه الف%ذة        i إع%%ادة ربط%%ه للع%%الم اآلخ%%ر بالع%%الم – ال%%ذي ال نع%%رف عن%%ه ش%%يئا – منهجية ال يمكن دحضها، وأيضا

األرضي، عبر نظرية )التقمص(، التي تنتهي إلى نتيجة جوهرية مصيرية ال يستبعد أن تك%%ون أساس%%الهذا الوجود ودستوره الطبيعي.

راج%%ع الض%%حى الع%%دد الث%%الث –  مقتبسات من هكذا فهم سقراط فلس%%فة التقمص والتوحي%%د       .1997أيار  – والستون

أفالطون:

ق.م.( رائد الفالسفة اليونان بل هو الفلسفة اليوناني%%ة كله%%ا إذ347 –  ق.م.427 )أفالطون        

تلتقي في%%ه عناص%%رها األساس%%ية، والثانوي%%ة ال%%تي س%%بقت ولحقت ف%%احتوت وش%%ملت ك%%ل العل%%وم

والمعارف في الكثائف واللطائف. ونحن نجد في فلسفته كل ما يمكن أن تش%تاق النفس البش%رية

إلى معرفته من المع%%ارف الديني%%ة والعقلي%%ة واإللهي%%ة والعلمي%%ة والرياض%%ية والش%%عرية والفني%%ة وم%%ا

يعتقدون%ه قصص%ا وحكاي%ات أس%طورية، إلى الج%دل والمناقش%ة وعلم النفس والمنط%ق وك%ل علم

يمكن أن تحتاج إليه وتتذكره وتعقل%ه النفس البش%رية الطامح%ة للعلم والمعرف%ة. وق%د ع%اش ه%ذا

الفيلسوف ومحاوراته الخالدة التي بلغت حوالي ستا وثالثين أودع فيها كل فن%%ون المعرف%%ة والعلم،

عاش حوالي ثمانين سنة وتأثر كثيرا بسلفه الفيلسوف سقراط الذي عاصره حوالي ربع ق%%رن في

مطلع شبابه حيث شغف بعمله وفلس%%فته وت%%رك ك%%ل م%%ا يه%%وى وي%%رغب الش%%باب في ه%%ذه الس%%ن

Page 102: ابناء النور عبر العصور

المبكرة وتبع الفيلسوف الشيخ الذي استولى على جميع مشاعره.

ولد أفالطون بأثينا وعاش فيها معظم حياته ال%%تي انقض%%ت مراحله%%ا األولى في تل%%ك الحقب%%ة       

المضطربة من تاريخ اليونان حيث كانت تحفل باألزمات والصراعات اإلقليمية والمحلي%%ة والح%%روب

ق.م. إلى انكس%ار أثين%ا وتحطم أس%طولها العظيم وس%قوط حكوم%ة عم404ال%تي أدت في س%نة

أفالطون "أقريطياس" رئيس ما كان يطلق عليهم حكوم%%ة الطغ%%اة واس%%تلم الحكم ال%%ديمقراطيون

الذين أصغوا إلى أعداء سقراط وحاكموه وأعدموه فصدم أفالطون لقتل أحب الخلق لدي%%ه ص%%دمة

عنيفة وكان في السابعة والعشرين من عمره فشهد دفاع سقراط وسجنه وإعدامه.

ألف روائع فلسفته الخالدة في الحق والباطل والعفة والشجاعة والكث%%ائف واللط%%ائف. وق%%د        كانت له نظرية مخصوص%%ة في الفلس%%فة حيث أنه%%ا، أي الفلس%%فة الحقيقي%%ة، ال ت%%دون وإنم%%ا تنبث%%قi من النفس، ومن هنا اعتبرها أفالطون تجربة نفسية، أي إنها حالة نفسية ال يمكن أن يج%%ري انبثاقا التعبير عنها باأللف%%اظ وال األمثل%%ة تس%%تطيع أن تفص%%ح عنه%%ا إذ إن األلف%%اظ واألمثل%%ة وغ%%ير ذل%%ك من

وسائل التعبير إنما هي وسائل قاصرة وهي تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب.

أما السبيل األقرب إلى بلوغ الفلسفة فهو الحوار الخصب الذي يق%وم بين المرش%د والمري%د        أو من خالل المناجاة التي تحصل بين النفوس الفذة والنقية التي تنسجم مع بعضها البعض بروابط

اإللفة والمحبة. وفي هذه الحال فإن العقل يقدح شررا يؤدي إلى الكشف على الحقيقة.

وقد جمع أفالطون في تفكيره بين الوجدان والمنطق في وحدة ال تنفصم. بمعنى آخ%%ر ف%%إن        االعتماد على الحدس والبصيرة هو الوسيلة المثلى لبلوغ الفلس%%فة؛ بمثاب%%ة ش%%رارات متتابع%%ة تن%%ير

درب الحق.

وقد أعطى أفالطون للفلسفة وظيفة مرموقة تنحص%%ر في التبص%%ر ب%%الخير والح%%ق والجم%%ال        والتأمل بهذه القيم وتوظيفها في سبيل حياة فضلى. وإذا كان من مهمة دقيقة لالشتغال بالفلسفة فهي إنها تصقل النفس وتهذبها وتصفيها وتنأى بها عن الهوم المادية والمش%%اغل الحس%%ية، وتس%%عى إلى تدريبها على المجاهدة وتطويعها بالعلم والمعرف%ة والتفك%%ير والتأم%%ل والتبص%%ر، وك%ل ذل%ك من

أجل أن تتفجر أمامها الحكمة حيث السعادة الحقيقية.

وعلى هذا األساس فإن الفلسفة تفضي إلى التشبه بالله ع%%ز وج%%ل وذل%%ك بق%%در م%%ا تس%%مح        طاقة اإلنسان العقلية والنفسية. وأن المرء عندما يبلغ هذه الحالة المرموقة )يصبح قدس%%يا وع%%ادال وحكيما( كما يقول أفالطون في الجمهورية، وأنه ال يصبح اإلنس%%ان فيلس%%وفا إال إذا انبثقت األفك%%ار

في نفسه وكانت معبرة عنه هو، ال أن تكون صدى ألفكار اآلخرين.

هذا هو معنى الفلسفة على رأي أفالط%%ون، وليس%%ت الفلس%%فة أن يتلقى الم%%رء الحكم%%ة من        أفواه اآلخرين أو من بطون الكتب حيث يرددها بشكل حروف وأفكار ميتة ال حياة فيها. فالفلسفة،

Page 103: ابناء النور عبر العصور

كما يرى أفالطون، تحيا بأصحابها وتموت عندما تنفصل عنهم.

أما أولى المزايا التي يجب أن يتمتع بها الفيلسوف فهي أن يكون محبا للحكمة التي تفض%%ي        إلى الحقيقة وأن يكون لديه رغبة غير مح%دودة في التع%رف على س%ائر األش%ياء والموج%ودات. أن يبغض الكذب، ويميل إلى الصدق ويحتقر اللذات الجسدية المحسوسة، وأن يكون قانع%%ا ال يك%%ثرتi للعجرفة والكبرياء ال يخشى الموت ألنه مصير ك%%ل البش%%ر والكائن%%ات الحي%%ة، بمال أو جاه، محتقرا وأن يكون عادال محبا للجمال، وصاحب ذاكرة قوية وفطرة موسيقية متناسقة. "ومن لم تتوفر فيه هذه الصفات فال سبيل إلى بلوغه الفلسفة". ويقول ال%%دكتور عب%%د ال%%رحمن مرحب%%ا في كتاب%%ه )م%%ع الفلسفة اليونانية( أن أفالطون جعل من الفيلسوف كائنا فذا ذا مدارك سامية، وفكر حر، وح%%دس

قوي، وطباع دمثة وخاطرة سريعة.

آذار – راجع الضحى العدد السابع والثالثون –  مقتبسات من أفالطون )أبو الفلسفة اليونانية(       1995.

إن طرح أفكار أفالطون وسيرته الذاتية مفيد من النواحي الحض%%ارية والوجودي%%ة كم%%ا ك%%انت       i قبل ما يزيد على ألفي سنة من اآلن. سابقا

ق.م.381 وكان أفالط%%ون الحكيم ينتمي إلى أس%%رة عريق%%ة. ويع%%ود ت%%اريخ ميالده إلى س%%نة        i. وهذا ما أجمعت عليه كتب الفلسفة وبرع الشاب في جميع ن%%واحي الحي%%اة تقريب%%ا فنب%%غ في تقريبا الموسيقى والرياضيات والبالغة والشعر. كان حسن المظهر جميل الخلقة ح%%تى افتتن ب%%ه الرج%%ال قبل النساء وكان بارعا بألعاب الرياضة مش%%هورا بقوت%%ه وق%%وى بنيت%%ه الجس%%دية، وح%%ارب في ع%%دة معارك ونال عدة جوائز في الشجاعة. "وعن%%دما ك%%ان في س%%ن العش%%رين تع%%رف على الفيلس%%وف الكبير "سقراط"، وتعمق بدراسة فكر وتعاليم وأنظم%ة "فيث%%اغوراس". وبع%د ذل%ك انش%أ أفالط%%ون

( سنة. وكان900ق.م.( "األكاديمية" التي ظلت مركزا وعاصمة للعلم والفلسفة طيلة )386سنة )شعاره على مدخل األكاديمية "لن يدخل هذا المكان إنسان بال هندسة".

علومه:

ابدع في الفلسفة والمنطق والرياضة واألدب والموس%%يقى وال زالت مؤلفات%%ه المترجم%%ة إلى       كافة لغات األرض تدرس في أرقى الجامعات العالمية.

نظرته إلى الكون:

تتلخص نظرية "أفالطون" إلى الحياة والكون من خالل كتابه "الجمهوري%%ة" وهي ال%%تي تخل%%و        من الشوائب الخلقية والفوارق الطبقي%ة بين أبن%اء الجمهوري%ة. وربم%ا المقص%ود بالجمهوري%ة ال%تي طرحها أفالطون المجتمع المثالي الذي ق%%د ال يتحق%%ق في الحي%%اة ال%%دنيا المليئ%%ة بش%%رور المادي%%ات ونزعات اإلنسان للثروة والريح واالستغالل والش%هوات الجس%مانية الفاني%ة وليس ط%رح السياس%ي

كما فسره معظم الفالسفة في العصور الالحقة.

وهذا المفهوم ل% "الجمهورية" عبر عنه الفيلسوف األكبر في إطار منظوم%%ة األفك%%ار العلمي%%ة       

Page 104: ابناء النور عبر العصور

المجردة التي آمن بها ودافع عنها طيلة حياته.

روح العالم، يحرك كل شيء وينظمه حسب القوانين واألش%%كال األزلي%%ة – باعتقاده –  "فالله        وهي األفكار التي ال تتبدل والتي تكون الكلمة أو الحكمة أو "المثال أو الصورة" اإللهي%%ة أو "عق%%ل" الله وأرقى الصور أو األفكار هو الخير، ويستطرد أفالطون أحيانا بقوله: "إن الخير أحيان%%ا ه%%و الل%%ه نفسه". وبوجه عام ي%%رى فيلس%%وفنا العظيم "أن الل%%ه ه%%و أداة الخل%%ق الهادي%%ة المرش%%دة والش%%كل األعلى الذي تنجذب إليه كل األشياء". إن إدراك هذا الخ%%ير ورؤي%%ة ه%ذه الص%%ورة أو المث%%ال األعلى الذي يشكل عملية الخلق هما أسمى غاية تبتغيها المعرفة ويعتقد أن المادة ليست حقيقة أساسية بل هي مجرد مبدأ من القصور الذاتي، وتتحدد قيمتها، أي المادة، بمدى ما يعطيه%%ا الل%%ه )س%%بحانه( شكال وروحا وكيانا مطابقا لفكرة من األفكار. والروح هي القوى المتحرك%%ة بنفس%%ها الموج%%ودة في اإلنسان والروح قوة حيوية خالصة، مجردة من الجسم، وخالدة. وقد وجدت قبل الجس%%م، مج%%ردة من الجس%%م، وج%%اءت معه%%ا، من حلوله%%ا في أجس%%ام س%%ابقة، ب%%ذكريات كث%%يرة إذ أيقظته%%ا الحي%%اة الجديدة. وإذا مات اإلنسان تنتقل روحه التي فيه إلى جس%د آخ%ر حيث ت%ذهب ال%روح الفاض%لة في نهاية المطاف إلى جزائر المباركين في الجنة كما تذهب الروح الش%%ريرة إلى أودي%%ة الجحيم وبئس

المصير.

أفالطون والمساواة:

"يجب أال تكون الطبقات وراثية، وأن يكون للبنات من فرص مثلما لألوالد، وأال تمن%%ع النس%%اء        من ت%%ولي مناص%%ب الدول%%ة ألنهن نس%%اء. ويعتق%%د أن على مس%%اواة الم%%رأة بالرج%%ل في الحق%%وق

والواجبات، يتركب مجتمع يسر الفيلسوف أن يعيش فيه".

وخالصة القول أن عرض ومناقشة أفكار فيلسوفنا العظيم تحتاج إلى أكبر وأوس%%ع من ه%%ذه        العجالة. وإذا نظرنا بالتفاصيل التي يعرضها أفالطون للدفاع عن مدينته الفاضلة وفك%%ره التوحي%%دي يجوز لنا القول عندئذ إن أفالطون كان مسيحيا مؤمنا قبل الس%%يد المس%%يح )علي%%ه الس%%الم(، وك%%ان

مسلما حنيفا قبل نزول الرسل وظهور النبي محمد )ص(.

كانون – راجع الضحى العدد الثامن والخمسون –  مقتبسات من الفكر التوحيدي عند اليونان       .1996األول

ثنائية النفس والجسد عند أفالطون:

اإلنسان عند أفالطون مؤلف من جوهرين النفس والجسد. وقد أخ%%ذ أفالط%%ون فك%%رة وج%%ود        النفس قبل الجسد من تعاليم فيثاغوراس. اإلنسان يحلم في النوم واليقظ%%ة، ويعيش في الحقيق%%ة ال في الحلم، فمن يعرف وجود الجمال المطلق، ومن يمكنه أن يرى جمال الحقيقة ه%%ذا واألش%%ياء األخرى معا، التي تشاركه فيه، ال يخلط حينها الجميل بالذات أو الجمال بال%%ذات م%%ع ه%%ذه األش%%ياء. هذه الثنائية تعطي الحقيقة لموضوعات المعرفة، وملك%%ة المعرف%%ة للعق%%ل، إن%%ه مث%%ال الخ%%ير ال%%ذي يتميز عن العلم والحقيق%%ة ويفوقهم%%ا جم%%اال.. ب%%رأي أفالط%%ون هن%%اك عالم%%ان: ع%%الم م%%رئي وع%%الم معقول، العالم الحسي هو عالم التغير، بينما العالم العقلي هو عالم الثبات. إن العالم الحس%%ي ه%%و

Page 105: ابناء النور عبر العصور

موضوع )الظن والرأي( بينما موضوع اإلدراك والمعرفة الثانية هو )الحقيقة األزلية(. المعرفة الحق عند أفالطون هي التي ندركها بالعقل ال باإلحساس والتجربة، ألن العقل هو ال%%ذي يوص%%ل اإلنس%%ان إلى الحقيقة، أما التجربة فهي ال تثبته على هدف معين ألنها كثيرة التبدل والتغير.. يتمتع أفالط%%ون بمقدرة حدسية كبيرة، مع خيال غزير خصب ودقة مالحظة مميزة. إن النفس تطلب المعرفة بينما الجسد تحكمه الحاجات والغرائز. لذلك يقول أفالطون إن جمال األنفس أسمى من جمال األجسادi شريفة مودعة في جسد قبيح تعل%%ق بحبه%%ا وبمودته%%ا. ل%%ذا، ف%%إن بحيث أنه كلما صادف المرء نفسا السلوك اإلنساني يجري في منابع ثالثة رئيسية هي الرغبة، العاطفة والمعرفة. إن الرغبة والشهوةi، كم%%ا أن المعرف%%ة والباعث أمر واحد، كذلك العاطفة والروح والطموح والشجاعة أمر واح%%د أيض%%ا والفكر والذكاء والعقل أمر واح%د، الفك%ر ه%و ح%وار النفس بينه%ا وبين ذاته%ا. ك%ل إنس%ان يجب أن

يحصل على ما يساوي إنتاجه، وأن يؤدي العمل الذي يتناسب مع طبيعته ومقدرته.

فاإلنسان العادل هو اإلنسان الذي وض%%ع نص%%ب عيني%%ه الح%%ق. في األخالق ال نحت%%اج إلى ب%%دع        مفزعة، إن علم األخالق يبدأ مع االجتماع والتنظيم. فاألخالق هي في التعاطف مع الفقراء. ويعتق%%دi إن لم يكن مؤمنا بالله، وهو إله حي يستطيع أن يحرك أفالطون أن الشعب ال يمكن أن يكون قويا الخ%%وف في القل%%وب ال%%تي اس%%تولت عليه%%ا األناني%%ة الفردي%%ة ويحمله%%ا على االعت%%دال في مس%%لكها والس%%يطرة على عواطفه%%ا. وإذا أض%%يف إلى ج%%انب اإليم%%ان بالل%%ه اإليم%%ان بوج%%ود حي%%اة أبدي%%ة في

اآلخرة، فإن ذلك يمدنا بالشجاعة في مواجهة الموت.

وبما أن النفس عند تلميذ أفالطون "أرسطو" هي صورة الجسد، ال بد من عالق%%ة وثيق%%ة بين النفس والجسد.

كذلك اإلحساس هو فعل للنفس يتم بمشاركة أعض%%اء الحس. ال ش%%ك أن اإلنس%%ان ذو حي%%اة نباتية وحياة حاسة، فالطبيعة تفرض عليه أن يحيا حياة عقلي%%ة توص%%له إلى الخ%%ير والس%%عادة. ولكن كيف يس%%تطيع اإلنس%%ان أن يص%%ل إليه%%ا؟ إن وص%%ول اإلنس%%ان إلى الس%%عادة رهن بس%%لوكه المتف%%ق بطبيعته مع شروط الحياة الخاصة، ألنه ذو نفس ناطقة تفكر في الوجود وتعق%%ل ذاته%%ا. من الع%%دل

 أن نعترف أن الحقيقة المطلقة عسيرة المنال، وال يمكن نيلها إال بتضافر الجهود.

أخالق اإلنس%%ان ليس%%ت بنت المص%%ادفة، إنم%%ا هي نت%%اج ق%%وانين ثابت%%ة تص%%لح وتفس%%د، ت%%رقى وتنحط... فإذا عرفنا تلك الق%%وانين اس%%تطعنا إص%%الح م%%ا فس%%د من أخالق ش%%خص بق%%در م%%ا يس%%محi قانون ثابت، ولكن مدى تأثيره غ%ير مح%دد وعلى ال%رغم من ذل%ك استعداده وطبيعته. فالوراثة مثال

نسترشد به لمعرفة ما نجهله.

إن المعرفة عند أفالطون تتعلق ب% "الوجود" بينما الجهل ب% "الالوجود". وموضوع الوجود ه%%و العلم، والعلم هو معرفة ماهية الوج%%ود، بينم%%ا موض%%وع المظ%%اهر ه%%و ال%%رأي وال%%رأي ه%%و أدنى من المعرفة وأعلى من الجه%%ل. إن المعرف%%ة ملك%%ة النفس الخال%%دة ال%%تي ك%%انت ق%%د أبص%%رت الجم%%ال المتألق قبل أن تحل في الجسد. عندما تسكن النفس الجس%%د البش%%ري تنس%%ى معرفته%%ا تل%%ك. ألن الجسد يعيق المعرفة الحقيقية وهو مصدر ارتباك النفس ويجرها إلى عالم التغير والنسيان. عن%دها تدخل الروح عالم البق%%اء واألبدي%%ة والخل%%ود والثب%%ات تس%%مى ه%%ذه الحال%%ة ال%%تي تك%%ون فيه%%ا ال%%روح بالحكمة. إن المثل العقلية المجردة عن الجسد هي الوج%ود الحقيقي. الل%ذة والخ%ير ش%يء واح%د،

Page 106: ابناء النور عبر العصور

واللذة تنشد الخير، والعمل الذي يعود علينا باللذة هو عمل الخير بينما األعمال ال%%تي تس%%بب آالم%%اi i وش%%قيا هي أعمال شريرة. فالعيش بدون لذة هو الموت بعينه. واإلنسان ال يمكن أن يكون س%%عيدا في وقت واحد. إن اللذة ليست الس%عادة واأللم ليس الش%قاء. خالل الف%رد في حكم العق%ل ال في حكم الذات. فكل من سار على هدي الفالسفة وتعلق بآرائهم بهذا األمر فقط يبلغ شاطئ الحقيقة

واألمان. فالفالسفة أصدقاء الحقيقة، وهم خشبة خالص الدول واألفراد.

راجع الضحى العدد الواحد والسبعون – مقتبسات من ماهية المعرفة عند أفالطون وأرسطو.1998كانون الثاني

الروح ومطلقية الخير والشر:

i رائع%%ا، مقارن%%ا ال%%روح الخ%%يرة وال%%روح        وصف أفالطون في محاورة "فيدروس" الروح وص%%فا الش%%ريرة بحص%%انين مجنحين أح%%دهما س%%هل القي%%اد، جمي%%ل الش%%كل، ق%%بيح الخل%%ق، ثم ح%%دد كيفي%%ة وجودهم%%ا. وأض%%اف أن ال%%روح الش%%ريرة يمكنه%%ا أن تغ%%ير م%%ا هي علي%%ه ب%%أن تنه%%ل من معين العلم

الحقيقي وتحيا بالفضيلة.

i من محاورة القوانين، ع%%رف أفالط%%ون ال%%روح بقول%%ه، أنه%%ا من        لكن في الكتاب العاشر أيضا بين الحركات العشر هي الحركة الوحيدة التي تحرك نفسها وتحرك غيره%%ا، وهي الحاكم%%ة للجس%%د والمحركة له والمدبرة والمتممة ألفعاله. ووصف الروح الخيرة العاقلة بأنها هي ال%%روح ال%%تي تنظم السماوات والعالم، أما الروح الشريرة فهي سبب كل مصائب ه%%ذا الع%%الم ومآس%%يه، وله%%ا العق%%اب

قصاصا وجهنم مستقرا وبئس المصير.

أفالطون والتقمص:

قال أفالطون الحكيم في الكتاب العاشر من محاورة الجمهورية الشهيرة ما نصه:       

"إن اإلنس%%ان روح وجس%%د، والجس%%د ذاك الم%%ركب يمكن تحليل%%ه وت%%دميره كم%%ا تفس%%د ك%%ل        المركبات بعوامل عدة، والمرض يستطيع أن يحلل الجسد المركب ه%%ذا. أم%%ا ال%%روح ذل%%ك الج%%وهر البسيط األزلي فهي خالدة، وال أحد يتمكن من تدميرها، ال الش%%ر وال عوام%%ل الك%%ون والفس%%اد، ب%%ل هي باقي%%ة إلى األب%%د وخال%%دة. وبم%%ا أن األرواح خال%%دة، فاالس%%تنتاج الحقيقي أنه%%ا هي نفس%%ها على الدوام، ألنه إذا لم يدمر أحدها فإنها ال تنقص في الع%دد كال ولن تزي%د، ألن ازدي%اد الطب%ائع الخال%دة

يجب أن يأتي من شيء فان، وهكذا فإن كل شيء سينتهي في الخلود وهذا محال".

وأورد أفالطون الحكيم في محاورة اسمها "مينو"، نظرية التذكر بعد الوفاة، أي أن اإلنس%%ان       i أو ش%را. وق%ال يتذكر ما فعله وما علم%ه وم%ا تعلم%ه في حيوات%ه الس%ابقة س%واء ك%ان ل%ذلك خ%يرا أفالطون أن كل العلوم وكل التحقيقات وك%ل التس%اؤالت ال تك%%ون س%%وى ت%%ذكر. غ%%ير أن أفالط%%ون الحكيم في مح%%اورة "في%%دون"، أعطى ش%%رحا وافي%%ا لم%%ا يتع%%ارف علي%%ه بالحي%%اة والم%%وت، وك%%ان المتح%%اورون الرئيس%%يون فيه%%ا س%%قراط الحكيم و "س%%يمياس" و "س%%يبياس" الفيلس%%وفان. أورد أفالطون في هذه المحاورات ذات األدب الكالسيكي العالمي اإلثبات وهو أن لك%ل ش%يء ض%دا في

Page 107: ابناء النور عبر العصور

الحياة؛ فالحرارة ضدها البرودة، والرطوبة البيوسة، والنه%%ار اللي%%ل، واليقظ%%ة الن%%وم، وهك%%ذا فنحن نقدر على أن ن%%ذكر عش%%رات اآلالف من المض%%ادات المش%%ابهة. فكم%%ا الح%%رارة تتول%%د من ال%%برودة والعكس بالعكس، كذلك يكون بالنس%%بة لك%%ل المض%%ادات، فهي تت%%ولى من بعض%%ها بعض%%ا. وكم%%ا أنi وال اليقظة تتولد من النوم فإن النوم يتول%%د من اليقظ%%ة، وال يمكن ألي إنس%%ان أن يبقى مس%%تيقظا ينام، أو أن ينام وال يستيقظ وبما أنه توجد حياة ويوجد موت، فنحن ال نستطيع أن نفترض إننا نحي%%ا ونموت وال نحيا من جديد، نكون حينها كمن يفترض أن الطبيعة عرج%اء وتس%ير على رج%ل واح%دة، وكمن يفترض أن الكون يسير طبقا لخط مستقيم يبدأ به وليس ينتهي، وأن ال ع%%ودة للعناص%%ر إلى

بعضها.

i لنظ%%ام ال%%دائرة، حيث        لكننا نرى بالعقل والبصيرة أن كل شيء في الوجود يتبع ويسير وفق%%اi، هكذا يك%%ون نظ%%ام i متجددا يبدأ من نقطة ومن ثم يعود إلى النقطة التي بدأ منها كي يستمر جديداi والش%مس والقم%ر والنظ%ام الشمس%ي الطبيعة وهكذا هو مسارها، فالنجوم الالمعات الباقيات أبدا وكواكبه، كل في فلك يسبح أي ك%%ل ل%%ه م%%داره ومس%%اره ب%%إرادة العزي%%ز الحكيم. أن%%ه نظ%%ام كام%%ل

متكامل له مدبره.

الحق يقال أن أفالطون الحكيم كان له بالغ التأثير على بلورة وصياغة أكثر األفكار العالمي%%ة،        فتأثرت بأفكاره ال%%ديانات الرئيس%%ية الثالث اليهودي%%ة، المس%%يحية، واإلس%%الم. ك%%ذلك أخ%%ذ عن%%ه كب%%ار المفك%%رين والفالس%%فة والص%%وفيين في الش%%رق والغ%%رب، أخ%%ذوا عن%%ه تعاليم%%ه وكتب%%وا م%%ا كتب%%وا. وأفالطون الحكيم تلقى تعاليمه من معلمه "فيثاغوراس" الذي وضع أسس أفك%%ار عقي%%دة التقمص، والتذكر بعد الوفاة، ووحدة الوجود، والموسيقى، والهندسة، والعدد، والعلوم، وم%%ا ش%%اكل ذل%%ك. ثمi، باحث%%ا في ك%%ل علم وفن، ول%%ه أتى بعده تلميذه أرسطو المعلم األول، الذي ألف اثني عشر مجلدا كتاب قيم عن الروح، ولقد أكد خلودها بانتقالها من جسد إنساني إلى جسد إنساني آخر، شأنه في

ذلك شأن كل الفالسفة الحكماء.

راج%%ع الض%%حى الع%%دد التاس%%ع والثالث%%ون )أي%%ار –  مقتبسات من التقمص )هذا الس%%ر العظيم(       1995.)

أرسطو طاليس:

من هو؟ مولده وحياته:

ولد أرسطو في "اسطاغيرا" في آسيا الصغرى وهي مدينة قديمة كانت تابع%%ة لبالد اليون%%ان.        تقع هذه المدينة على بحر إيجة اليوم. وكان والده "نقوماخوس" على صلة بالملك "أمنتاس الث%اني

المقدوني" حيث كان يشغل وظيفة طبيب البالط الملكي.

و "أمنتاس" هو والد "فيليب المقدوني" وجد االسكندر األكبر. وكان من ع%%ادة اليون%%انيين أن        يدرب الطفل على صناعة أبيه. لذلك تلقى الطفل أرس%%طو العلم على ي%%د أبي%%ه أوال قب%%ل أن يتلم%%ذ على يد أفالط%%ون. وت%%روي بعض المص%%ادر أن أرس%%طو ه%%و الفيلس%%وف الوحي%%د ال%%ذي ظ%%ل مالزم%%ا

ق.م. دع%%اه فيليب كي ي%%ؤذب ابن%%ه343أفالط%%ون أثن%%اء إلقائ%%ه محاض%%راته عن ال%%روح في س%%نة

Page 108: ابناء النور عبر العصور

ق.م.334اإلسكندر، واستمرت فترة التعليم أربع سنوات. وافتتح في أثين%%ا بع%%د عودت%%ه إليه%%ا س%%نة المدرسة لتعليم البالغة والفلسفة، وكان يلقي المحاضرات على تالميذه وهم يمش%%ون. ل%%ذلك لقب

اتباعه "بالمشائين".

تدعي مصادر الفلسفة أن أفالطون وأرسطو يجمع%%ان نهجين متعارض%%ين في الفلس%%فة. نهج        التصوف والنهج الطبيعي مما يتناقض مع التعاليم التوحيدية، فشخصية أرسطو تت%%أرجح بين نهجين:

العلمي الذي اقتبسه عن والده الطبيب، والنهج الصوفي الروح%%اني ال%%ذي اكتس%%به– النهج الطبيعي من معلمه أفالطون. ففيزي%%اء أرس%%طو تختل%%ف عن عل%%وم الفيزي%%اء الحديث%%ة بحيث أنه%%ا ترك%%ز على الزمان والمك%ان والحرك%ة كظ%واهر تكمن أهميته%ا كوس%يلة للمعرف%ة وليس كغاي%ة يتوق%ف عن%دها اإلنسان ويطورها ألسباب مادية. فعلى سبيل المثال، ما ابتدأ بنظرية للحركة عند أرسطو أدى إلى

نظرية "المحرك الذي ال يتحرك" )أي العلة األولى أو الخالق(.

أعماله ومؤلفاته:

انقسمت محاضراته إلى قسمين:

دروس عامة إلى الطلبة المبتدئين.       -

 .دروس في الشعر والبالغة والسياسة واألخالق إلى الطلبة المتقدمين       -

كان يكلف تالميذه جمع المعلومات عن الطبيعة وعلومها والفلسفة وأبعادها ودساتير الم%%دن اليونانية وممالكها. وكتب أرسطو العديد من المحاورات ألنصاف المتعلمين ال زالت تعت%%بر بم%%وازاة

 محاوالت أفالطون الحكيم.

بلغت مؤلفات%%ه المتبقي%%ة لدي%%ه قراب%%ة أربعين كتاب%%ا وم%%ا يزي%%د على ثالثمائ%%ة وس%%تين بحث%%ا في        مختلف شؤون الفكر. إن أفكاره بوجه عام يمكن وصفها ب% " الحكم%%ة المتحفظ%%ة الخليق%%ة بص%%ديق

الملوك الذي يعيش من رفدهم".

ويمكن تقسيم ما بقي من رسائله إلى:

رسائل في المنطق: مق%%والت، ش%%روح، تحليالت س%%ابقة، تحليالت الحق%%ة، موض%%وعات    -1واستدالالت.

علوم: طبيعة ميكانيكا – هيئة – علوم فلكية.    -2

علوم أحياء: تاريخ الحيوان – حركاته – تناسله...    -3

علوم النفس: الروح وماهيتها – طبيعة العالم.    -4

Page 109: ابناء النور عبر العصور

ما وراء الطبيعة.    -5

علم الجمال: البالغة والشعر.    -6

علم األخالق.    -7

علم السياسة.    -8

أرسطو كعالم طبيعي:

لم يشتهر أرسطو كعالم طبيعة بقدر ما اشتهر كفيلسوف.       

إن رسالته في المنطق ومنهجه االستداللي غاية في الدقة والتماسك مما جعل هذه الرسالة        دليال للمناطقة على امتداد ما يقارب ألفي عام. ومما تمتاز به طريقته المنظمة انه قسم المظاهر الرئيس%%ة ال%%تي يمكن دراس%%ة أي ش%%يء بمقتض%%اها إلى عش%%رة أقس%%ام: الم%%ادة، والكم، والكي%%ف،

والعالقة، والمكان، والزمان، والموضع، والملك، والفاعلية، واالنفعالية.

ويعتقد أرسطو أن الحواس هي آل%%ة المعرف%%ة، وأن الق%%وانين العام%%ة تك%%ونت من مش%%اهدات       لألشياء المتماثلة، فهي مدركات وليست أشياء.

ويقدم أرسطو أطروحته الشهيرة القائمة على مبدأ تناقض األش%ياء حيث اعتم%د ه%ذا المب%دأ        كأساس لعلم المنطق. ويعتبر "أن الصفة ال يمكن أن تكون من صفات الشيء الواحد ومن ص%%فاته

في العالقة الواحدة".

وأرسطو في كتاب%%ه "الطبيع%%ة" ال يس%%عى وراء اكتش%%افات جدي%%دة ب%%ل يهتم بوض%%ع التع%%اريف        الواض%%حة للمص%%طلحات المس%%تعملة في ه%%ذا العلم كالم%%ادة، والحرك%%ة، والمك%%ان، والزم%%ان، واالستمرار، والالنهائي، والتغير، والنهاي%%ة، فالحرك%%ة والمك%%ان عن%%ده مس%%تمران والش%%يء الالنه%%ائي موجود بالقوة ال بالفعل. وهو يحس ما برهنه "نيوتن" فيم%%ا بع%%د بع%%دة ق%%رون ح%%ول نظ%%ام وق%%انون

الجاذبية.

ويثبت أرسطو قانون الروافع بقوله: كلما كان الثقل المحرك بعيدا عن نقط%%ة االرتك%%از ك%%ان        اقدر على تحريك الجسم )قانون فيزيائي(. ويعتقد أن األجرام السماوية كلها ك%%رات – ويؤك%%د ذل%%ك بالنسبة لألرض – ألنه ال يستطاع تفسير شكل القمر إذا خس%%ف بس%%بب اع%%تراض األرض بين%%ه وبين الشمس إال إذا ك%%انت األرض كروي%%ة. وتعت%%بر رس%%الته في الظ%%واهر الجوي%%ة عظيم%%ة الخط%%ورة من الناحية التاريخية ألنها ال تستند إلى القوى الخارقة للطبيع%%ة، ب%%ل يح%%اول أرس%%طو أن يرج%%ع م%%ا في الجو من تقلبات تبدو له غير منطبقة على قوانين الطبيعة إلى أسباب طبيعية تعمل متعاقب%%ة وفق%%ا

لنظام محدد ولم يكن مدتها ابتكارات العصر الحديث بآالت دقيقة في الرصد والقياس.

علم األحياء:

Page 110: ابناء النور عبر العصور

أما بحوث%%ه في علم األحي%%اء فتش%%مل أعض%%اء الهض%%م، والخ%%راج، والحس، والحرك%%ة والتك%%اثر        والدفاع... ومن أبرز قوانينه للحف%%اظ على الجنس البش%%ري قول%%ه: "إن حي%%اة اإلنس%%ان ت%%دور ح%%ول بؤرتين: األكل والتولد. فلألنثى عضو يجب أن يعد مثابة مبيض أنه يحت%وي على م%ا يك%ون في ب%ادئ األمر بيضة غير متميزة. ثم تتميز بعدئذ فتصبح بويضات كثيرة. والعنصر األنثوي يزود م%%ادة الج%%نين بالطعام، أما عنصر الذكورة فيزوده بالجهد والحركة، األنثى هي العنصر المنفع%%ل، أم%%ا ال%%ذكر فه%%و

العنصر النشيط الفعال".

بعد هذه المقدمة عن أرسطو، والتي تعطينا فكرة عامة عن عقله ومؤلفاته، يعنين%%ا بالدرج%%ة       األولى كعنوان الفكر التوحيدي وعلم اإللهيات.

اإللهيات عند أرسطو:

i إزاء ه%%ذه المس%%ائل المعق%%دة رغم إيمان%%ه أن "الموج%%ودات غ%%ير        لقد ك%%ان أرس%%طو متحفظ%%ا الحادثة وغير الفاسدة هي موجودات سامية وإلهية، لذلك يقول "أن موضوع فحصنا لهذا العلم ه%%و

الجوهر، ألن المبادئ والعلل التي نبحث عنها هي مبادئ الجوهر وعلله".

وينتقل أرسطو بعد ذلك إلى تعداد أنواع الج%%واهر فيق%%ول: "يوج%%د ثالث%%ة أن%%واع من الج%%واهر:        اثنان منها طبيعيان متحركان يدرسهما العلم الط%%بيعي، والث%%الث أزلي غ%%ير متح%%رك واجب الوج%%ود لذاته، وهذا هو العلم اإللهي. نستنتج من ذلك أن الفيلسوف وض%%ع ج%%وهرا محرك%%ا ثابت%%ا للع%%الم في قمة الوجود. واعتبر أن هذا المحرك أزلي ثابت وبذلك برهن أرسطو وجود الله عن طري%%ق برهان%%ه لوحدة الكون األزلية وسالمة تنظيمه. ويعتقد أن الله موجود ألنه المطل%%ق ال%%ذي يقاب%%ل "بالنس%%بة" التي نعاني منها في التجربة اإلنسانية. وهو يتفق مع أفالطون أن الله "ج%%وهر" غ%%ير م%%ادي – وغ%%ير

جسماني تنجذب إليه الموجودات في الكون وال ينجذب إليها.

والله هو الجوهر االسمى ألنه ال يحتاج إلى سند خارجه لكي يتحقق ب%%ه وج%%ود بينم%%ا األش%%ياء        المادية ال يتحقق وجودها إال بوجود المادة المكونة لها في الخ%%ارج واألمثل%%ة كث%%يرة على ذل%%ك منه%%ا

وجود اإلنسان وتكونه )عند الزواج(، وكذلك التمثال ال يوجد دون الرخام.

ومن هنا نستطيع القول أن مفهوم "الله" عند أرسطو يتمحور حول "صورة خالص%%ة م%%ع أن%%ه        موجود مفرد بذاته". والله فع%%ل محض وص%%ورة خالص%%ة وق%%ائم بذات%%ه وحاص%%ل على وج%%ود حقيقي إيجابي، وله%ذا ف%إن فرديت%%ه تمت%%از من فردي%%ة الموج%ودات األخ%رى من حيث إنه%ا ترج%ع إلى ع%دم

افتقاره إلى الغير في وجوده، فهو موجود مفارق يكفي ذاته بذاته".

الموجود األسمى:

واإللهية عنده حسبما ورد في المصادر المعلومة أن الله هو الموجود األسمى، وأن%%ه ال يوج%%د       معقول لديه أسمى من ذاته، فهو "سبحانه" يعقل ذاته. لذلك إن الله عاقل ومعقول في آن واحد.

وينتقل بع%%دها معلم العق%%ل إلى البرهن%%ة على وج%%ود الل%%ه من خالل األفالك، وبرك%%ة الس%%ماء        الدائرية، وحركة الكواكب، معتبرا أن الله محرك كل شيء في الك%%ون يح%%رك وال يتح%%رك، موج%%ود

Page 111: ابناء النور عبر العصور

في العقل، يرى في البصيرة وال يرى في البصر.

ويؤكد بعد ذلك أن العالم واحد ألنه إذا وجدت عدة عوالم فستكون مبادؤها المحركة واح%%دة        من حيث الصورة، كثيرة بالعدد ولكن الكثرة ت%%أتي عن طري%%ق الم%%ادة وألن تعريفه%%ا واح%%د ينطب%%ق على سقراط وغيره من البش%ر من حيث أن ك%ل واح%د منهم "إنس%ان وأن الم%ادة الجس%مية لك%ل

منهم تجعلهم أفرادا متعددين".

لكن المبدأ األول )الله( مفارق ال مادة فيه، ألن الحقيقة كامل%%ة، وه%%و واح%%د من حيث الع%%دد        ومن حيث الماهي%%ة والتع%%رف، وفعل%%ه واح%%د ال يتغ%%ير أي أن موض%%وع حركت%%ه ال%%ذي يتح%%رك دائم%%ا

وباستمرار ال بد أن يكون موجودا واحد وإذن فال يوجد غير عالم واحد.

وخالصة القول إن دراسة أرسطو تحتاج إلى مجلدات من البحث والتنقيب والتفكير العمي%%ق.        ونرى في كتاباته العظيمة المتشعبة في رح%%اب العلم والعق%%ل من البهج%%ة م%%ا في أفالط%%ون، ومن الفكاهي ما في "ديوجين". في إطار معرفي شمولي، ونجد من الحكمة المتحفظة الخليقة بصديق

الملوك الذي يعيش من رفدهم.

مقتبس%%ات من أرس%%طوطاليس )فيلس%%وف العق%%ل والعلم( – راج%%ع الض%%حى الع%%دد الراب%%ع       .1997والستون – حزيران

إرتباط األخالق بالعقل وليس بالقوانين الجامدة: )الوسط الذهبي(:

يعتبر أرسطو أن هدف الحياة ليس )الخ%ير في ذات%ه(، ب%ل )الس%عادة(، ألنن%ا نخت%ار الس%عادة        لذاتها، ال لشيء آخر، ونحن نختار الشرف والسرور، واإلدراك. ألننا نعتقد أننا نص%%ل من خالله%%ا إلى السعادة، ونكون سعداء بفضلها، ولكن أرسطو يعترف أن تسمية الس%%عادة ب%%الخير األس%%مى مج%%ردi لطبيع%%ة الس%%عادة، وطري%%ق الوص%%ول إليه%%ا. ويمت%%از حقيقة أولية، وما يريده هو تفسير أكثر وضوحا اإلنسان عن غيره من المخلوقات بقدراته الفكرية، لذلك يمكننا أن نفترض أن تطور هذه المق%%درة

الفكرية سيحقق له السعادة.

i للس%%عادة. وتتوق%%ف الفض%%يلة على ض%%بط النفس وتناس%%ق        عندئذ تكون ديمومة العقل شرطاi لإلنسان البسيط ولكنه%%ا نتيج%%ة خ%%برة اإلنس%%ان المتط%%ور الرغبات وفن االعتدال، وهي ليست ملكا جدا. مع ذلك هناك طريق لبلوغ السعادة ومرشد لبل%%وغ الفض%%يلة. وهي الطري%%ق الوس%%ط ال%%ذهبي،i على الق%%وانين حيث على اإلنسان أن يدرس الظروف الخارجية ويحكم عقل%%ه في قرارات%%ه معتم%%دا األخالقي%%ة فق%ط كمرش%%د وليس%ت كالعنص%%ر المق%رر وآخ%ذ بعين االعتب%%ار طبيع%ة الحي%%اة المتغ%يرة.

فالقوانين األخالقية )بنظر أرسطو( ال ينبغي أن تحجب عنصر العقل الذي يمتاز بالتجدد الدائم.

الصداقة )الفضيلة العليا(:

يعتق%%د أرس%%طو في فلس%%فته أن أنب%%ل األم%%ور ال%%تي تس%%اعد في الوص%%ول إلى الس%%عادة هي        الصداقة. الصداقة الحقة تقتضي الدوام ال االنقطاع المستمر، وه%%ذا يع%%ني االس%%تقرار في األخالق، وانحالل الص%%داقة يع%%ود إلى تذب%%ذب المواق%%ف األخالقي%%ة في الش%%خص، كم%%ا أن الص%%داقة تف%%ترض

Page 112: ابناء النور عبر العصور

المساواة. المعرفة الحسية والعقلية: هي المعرفة المستمدة من الحواس. لكن اإلدراك الحسي ال يطلعنا على طبائع األشياء، بل يطلعنا على خواصها. فالمعرفة الحسية تقوم على إدراك الجزئي%%ات المتغيرة، أما المعرفة العقلية فتقوم على إدراك الكلي%ات الثابت%ة. لك%ل موج%ود من وج%وده مرتب%ةi بذاته، فعلمه عل%%ة لوج%%ود الش%%يء ال%%ذي يعلم%%ه. لكن على مفردة، تظهر األشياء منها ويكون عالماi الرغم من أن أعمال الخير والعالقات الخارجية ضرورية للسعادة فإن جوهره%%ا الالمتن%%اهي معرفي%%ا يبقى في داخل روحنا المحضة، إن اإلنسان المثالي في رأي أرسطو هو الذي ال يعرض نفسه بغ%%ير ضرورة للمخاطر، ولكنه على اس%%تعداد ألن يض%%حى ح%تى بنفس%ه في األزم%%ات الكب%%يرة والمس%ائلi أن الحياة ال قيم%%ة له%%ا في بعض الظ%%روف. ألن الحي%%اة الس%%عيدة تتطلب المعرف%%ة المعقدة، مدركاi. بحيث يصبح اإلنس%%ان الحقة واإلدراك المتميز. إن أرسطو يدمر النفس ويجعل للعقل أبدية وخلودا

i منه أو من الفكرة المجردة. جزءا

مقتبسات من ماهية المعرفة عند أفالطون وأرسطو – راجع الضحى العدد الواحد والسبعون       .1998كانون الثاني

منطلقات فلسفة المعرفة واتجاهاتها:

اقترنت المراحل األولى لتك%ون ال%وعي، بتح%ول اإلنس%ان من الحال%ة البيولوجي%ة البحت%ة إلى        الحالة العقلية، أي أن الفطرة الطبيعية لإلنسان في مرحلة ما قبل الوعي الثنائي )التي ع%%بر عنه%%ا الوجود البشري في األزمان التي سبقت عصر آدم األخير(، كانت تبدو وكأنها م%%زودة ب%%وعي ك%%وني يتعدى حدود الوعي الحسي والعقلي بالمعنى الخ%%اص للكلم%%ة. ومن هن%%ا ف%%إن حاج%%ة اإلنس%%ان إلى المعرفة كانت ناجمة عن شعوره المتدرج بأنه مسير في إطار المك%%ان والزم%%ان والحرك%%ة بص%%ورة إجبارية استجابة لمقتضيات وضرورات وجوده )في العصر اآلدمي األخير( مما جع%ل نس%مة ال%وعي الكوني البدئية، التي زودت الكائنات العاملة بإكس%ير المعرف%ة، تب%%دو وكأنه%ا مغيب%%ة بوص%فها طاق%ة مستقلة بذاتها خل%%ف اإلحس%اس بوط%%أة الم%ادة وكثافته%ا، وض%غط الحاج%ة القه%ري لتلبي%%ة الغرائ%%ز الطبيعية، ومواجهة مختلف التحديات التي تواجه اإلنسان، ال سيما تحدي البق%%اء والمعان%%اة الناجم%%ة عن التواصل المتناقض بين ظاهرتي الموت والحياة. وفي العص%%ر اليون%%اني اتس%%م س%%عي اإلنس%%ان للحصول على المعرفة بطابع فلسفي، واقترنت تساؤالته بالحيرة والدهشة ح%%ول طبيع%%ة األش%%ياء، وماهيتها وعالقاتها وتأثيراتها المتبدلة، إال أن عدم قدرت%%ه على تعليله%%ا وفهم كنهه%%ا ك%%ان يحث%%ه على

المزيد من التفكير والتأمل لمعرفة رموزها وأسرارها وقوانينها.

i مسائل معرفية تبحث في فلسفة اإلحس%%اس واإلدراك الحس%%ي،        لقد عالجت الفلسفة إجماال والعقل، والنفس، والطبيعة وم%%ا وراء الطبيع%%ة، ولق%%د اهتمت الفلس%%فة اليوناني%%ة القديم%%ة بوس%%ائل المعرفة ابتداء من أشكالها الحسية البسيطة، وانتهاء بأش%%كالها وص%%ورها التأملي%%ة المعق%%دة، وك%%ان البحث عن الحقيقة المطلقة يمثل القاسم المشترك بين مختل%%ف اتجاهاته%%ا، أو مس%%اراتها الفكري%%ة المتقاربة أو المتباعدة، فعلى سبيل المثال اعتقد ممثلو الفلسفة الطبيعية ب%%أن العنص%%ر األساس%%ي لوجود العالم هو )الماء( وظن أخرون بأنه )الن%%ار أو اله%%واء(، ومن فلس%%فة الطبيع%%ة انبث%%ق علم م%%ا وراء الطبيعة )الميتافيزيقيا(. في هذا المن%%اخ ظه%ر )اإليوني%%ون( ال%ذين اهتم%وا في البداي%%ة بدراس%%ةi الطبيع%%ة ثم تحول%%وا إلى البحث في ج%%وهر الم%%ادة أي )الهي%%ولى( وحركته%%ا األبدي%%ة، وظه%%ر أيض%%ا )الفيثاغوريون( الذين حاولوا دراسة النظام الكوني بواسطة الرياضيات وبحثوا في الوحدة والنسبة

Page 113: ابناء النور عبر العصور

وتوافق األضداد والعالقات الكامنة في األشياء واعتبروا أن ك%%ل ش%%يء س%%يؤول إلى )الع%%دد( ال%%ذي يشكل أساس العالم وروحه وأن األشياء ليست سوى اعداد محسوسة، وكما أن العدد يمث%%ل )روح األش%%ياء( ف%%إن الوح%%دة تمث%%ل )روح الع%%دد(. لق%%د أعطت الفلس%%فة الفيثاغوري%%ة للرياض%%يات مكان%%ةi وتحويل العناصر الرياضية إلى كيان%%ات ومب%%ادئ i مجردا i رياضيا "كونية"، عبر تفسيرها للعالم تفسيراi في نظ%%رة "أفالط%%ون" إلى الرياض%%يات ومذهب%%ه المث%%الي i واضحا مجردة، وقد ترك هذا اإلتجاه أثرا الذي يقول بأن عالم األشياء إنما هو انعك%%اس لع%%الم المث%%ل )الص%%ور أو الع%%الم الص%%وري( واألفك%%ار المطلقة. وكان "سقراط" الذي ابتكر طريقة الجدل اللفظي، المعتمدة على الحوار وال%%تي تح%%اول أن تصل إلى الحقيقة من خالل تع%ارض اآلراء، وق%د ص%اغ "أفالط%ون" ه%ذا األس%لوب ض%من إط%ار

La نظ%%%ري فك%%%ري في العدي%%%د من مؤلفات%%%ه وعلى األخص )المدين%%%ة الفاص%%%لة( Republique و "برميندس"، والتي ضمنها حوارات فلسفية يقوم على أساسها مب%%دأ التن%%اقض ونفي ال%%رأي األخ%%ر،i للسفسطائيين الذين ينكرون إمكانية معرفة حقيقية األشياء فإن "أفالط%%ون" يق%%ول ب%%أن وهو خالفا هذه المعرفة ممكنة بالبرهان العقلي فق%ط، وب%%ذلك يع%ثر "أفالط%%ون" من العقالن%يين ألن الحقيق%ة التي ينشدها من نتيجة الجدل الفكري تعتبر من حيث الشكل حقيق%%ة منطقي%%ة عقلي%%ة ألنه%%ا تجس%%د ال%%رأي ال%%ذي يس%%ود في النهاي%%ة ويعت%%بر حال للتن%%اقض كون%%ه يمث%%ل الوح%%دة بين األض%%داد أو األفك%%ار المتعارضة بوصفها حقيقة منطقية ال موضوعية، ومع ذلك فإن الشرط ال%%ذاتي مس%%تمد من نظري%%ة

)المثل( التي انبنت عليها فلسفة "أفالطون".

وبالرغم من أن الفلسفة الحديثة ق%د اعتم%دت على تق%دم العل%وم الطبيعي%ة إال أن الفلس%فة       i على مجمل ت%%اريخ i عميقا اليونانية القديمة، ال سيما فلسفة "أفالطون" و "أرسطو"، قد أثرت تأثيرا الفلسفة، ويعود الفضل للفالسفة اإلغريق في صياغة المقوالت الفلسفية األساس%%ية ال%%تي ش%%كلت الموضوعات الرئيسية للبحث في مختلف العصور، وتبعا لذلك فقد اختلف الفالسفة وعلماء النفس حول حقيقة المعرفة وحدودها ومنابعها ومعاييره%%ا الص%%حيحة، وتس%%اءلوا عن إمكاني%%ة التوص%%ل إلى المعرفة الكاملة، ودور اإلدراكات الحسية والعقلية والنفسية في معرفة حقيقة األش%%ياء وجوهره%%ا، وهل الحقائق مطلقة أم نسبية، كل ه%%ذه األس%%ئلة راودت أذه%%ان الفالس%%فة وتب%%اينت آراؤهم بص%%دد

القضايا المعرفية المختلفة.

لقد انقس%م الفالس%%فة تبع%ا آلرائهم واتجاه%اتهم المختلف%ة إلى ف%رق ومجموع%ات وق%د ذهب        بعضهم إلى أن معرفة األشياء متطابقة مع مظاهرها الخارجية والمعرفة به%%ذا المع%%نى هي إدراكن%%ا لألشياء كما هي في الواقع، وق%%د اعتق%%د ممثل%%و ه%%ذا االتج%%اه، ال%%ذي اتس%%م بالنزع%%ة الواقعي%%ة، ب%%أن المعرفة هي ما ندركه عن طري%%ق الحس المباش%%ر وأدوات الحس الجس%%ماني، وأن إدراك األش%%ياء بواسطة الحواس يخلق لدينا اليقين بها وهو أصل المعرفة. وثمة فريق آخر من الفالسفة قد اعتقد بأن مصدر معرفتنا هو اإلدراك من خالل الح%%واس الظ%%اهرة والباطن%%ة ومن مؤسس%%ي ه%%ذا االتج%%اه "أرسطو". فالمعرفة الحسية من وجه%%ة نظ%%ره هي أبس%%ط درج%%ات اإلدراك وأول عناص%%ر الش%%عور وهذا المستوى على بساطته يتطلب اشتراك عدة عناصر للتعرف على الظواهر الحسية المختلفة، وقد عرف "أرسطو" )اإلحساس( بأنه قبول الحس لصورة المحسوس أو تحول الحس إلى ص%%ورة مشابهة للمحس%%وس. حين أعتق%%د "ارس%%طو" ب%%أن عض%%و اللمس ه%%و القلب وأن اللحم ه%%و وس%%يط

اللمس كما الهواء وسيط لإلبصار.

Page 114: ابناء النور عبر العصور

كيف ميز الفالسفة بين اإلدراك واإلحساس؟

ويعتقد فالسفة العصر الحديث بأن فالس%%فة اليون%%ان دون اس%%تثناء لم يم%%يزوا بين اإلحس%%اس       i في فلس%%فة i ألنن%%ا نج%%د له%%ذا التمي%%يز أساس%%ا واإلدراك الحسي، غير أن هذا االعتق%%اد لم يكن دقيق%%ا "أفالطون" و "أرس%طو" حيث ي%ذهب "أفالط%ون" إلى أن إدراك المحسوس%ات المش%تركة ه%و من وظائف العقل ال الحس ألن أعض%%اء الحس ال يمكنه%%ا إدراك الخص%%ائص المش%%تركة بين موض%%وعات

الحس وأن الذي يدرك هو النفس العاقلة.

وهكذا نالحظ أن النفس العاقلة لدى "أفالطون" هي مزيج من الروح والعقل والغريزة وهي        التي تقارن بين موض%%وعات الحس المختلف%%ة وليس الح%%واس، في حين ي%%رى "أرس%%طو" أن إدراك المحسوسات هو وظيفة الحس المشترك ويذكر "أرسطو" ن%وعين من التمي%يز بين المحسوس%ات، األول: تقوم به كل حاسة على حدة كالتمييز بين األلوان أو بين األطعام، والث%%اني: ه%%و التمي%%يز بين محسوسات مختلفة في وقت واحد كاللون والصوت والطعم والرائحة، وهذه الوظيفة وفق%%ا ل%%رأي "أرسطو" ال تتعلق بالحواس الظاهرة بل ب% "الحس المشترك"، إال أن "أفالطون" ك%%ان أق%%رب إلىi فه%%و تمث%%ل لص%%ور المعق%%والت وجهة نظر علم النفس الحديث عندما يقول: "إذا كان اإلدراك عقليا

في العقل، وإذا كان اإلدراك حسيا فهو تمثل لصور المحسوسات في الحس".

فلسفة ما وراء العقل:

إن استخدام مصطلح )ما وراء العقل( من وجهة النظ%%ر الفلس%%فية يعت%%بر أك%%ثر معقولي%%ة من        مصطلح )ما وراء الطبيعة( ألن الميتافيزيقا، بمعنى ما، هي العدم وإذا كان ثمة ش%%يء أو أش%%ياء أو حقائق أو حقيقة مطلقة فهي ال يمكنه%%ا أن توج%%د في دائ%%رة الع%%دم ح%%تى ول%%و ك%%انت خ%%ارج نظ%%ام اإلدراكات العقلية أو الحسية، فالعقل الحسي ه%%و ال%%ذي يعتم%%د في عمل%%ه على الح%%واس الخمس%%ة المعروفة إلدراك الظاهرات المادي%%ة المحيط%%ة بن%%ا، إال أن ثم%%ة إدراك%%ات نفس%%ية وروحي%%ة ال تخض%%ع للعقل الحسي، بل ترتبط بنشاط )العقل الب%%اطن(، وفك%%رة الحس الب%%اطن ظه%%رت ألول م%%رة في أبحاث "أرسطو" الذي يعتبر أول عالم نفس في العصر القديم عندما صاغ مقوالت الحس الباطن، والحس المشترك، والتخيل والتذكر، وبحث في وظائفها السيكولوجية واعت%بر أن القلب ه%و مرك%ز

النفس الحاسة.

الحس الباطن:

ويرى "أرسطو" أن االنفعاالت التي يحدثها المحسوس الخارجي تبقى بعد زوال المحسوس،       

وتص%%بح هي نفس%%ها موض%%وعا لإلدراك الحس%%ي. وك%%ذلك اعتق%%د "أرس%%طو" ب%%أن الحرك%%ات الحس%%ية

الناجمة عن االحساسات الخارجية تكمن في أعضاء الحس الظاهرة وتغتنم الفرصة للظه%%ور وحين

يزول العائق الذي يمنعه%%ا من ذل%%ك تص%%بح طليق%%ة وتتح%%رك في ال%%دم الموج%%ود في أعض%%اء الحس

الظاهر حتى تصل إلى عضو الحس الباطن وهو القلب فتنتقل إليه الحركات الحس%ية وتح%%دث في%%ه

Page 115: ابناء النور عبر العصور

اإلحساس الباطن. أن حدوث األنفعال في الحس الباطن حسب نظرية "أرسطو" ناجم عن وصول

االنفعاالت الحسية الموجودة في أعضاء الحس الظاهرة إلى أعضاء الحس الباطنة.

الخيال والتخيل:

وتبعا لرأي "أرسطو" فإن التخيل يستمد مادة وظيفته من أعضاء الحس الظاهرة.       

ويعرف "أفالطون" التخيل بأنه "مصور أو رسام يرس%%م في النفس أش%%باه األش%%ياء المدرك%%ة        بالحس ويأخذ من الحواس موضوعات الحس التي تصبح مادة للتفك%%ير "في حين ينظ%ر "أرس%%طو" إلى التخي%%ل ك% "حرك%%ة ناتج%%ة عن اإلحس%%اس بالفع%%ل" ويهتم بتوض%%يح العالق%%ة بين )التخي%%ل( و

)اإلحساس( أكثر من اهتمامه بتوضيح الطبيعة الخاصة للتخيل.

العقل المجرد:

إن آلية تداعي الصور والمعاني في فلسفة "أرسطو" تعتمد على ثالثة ق%%وانين رئيس%%ية هي:        ق%%انون التش%%ابه – ق%%انون التض%%اد – ق%%انون الت%%داعي. ومص%%در ه%%ذه الق%%وانين حس%%ب رأي%%ه ه%%و

"اإلحساس".

ثالثة مصادر رئيسية تستمد منها قوانين تداعي الصور والمعاني وجودها وقوتها وهي:       

هو الحث حيث يقف اإلنسان بواسطته على التشابه أو التضاد بين األشياء المصدر األول:أو على مصاحبتها في الزمان والمكان.

هو العق%%ل ال%%ذي نس%%تطيع باس%%تعماله أن نكتش%%ف من خالل%%ه مب%%دأ العل%%ة المصدر الثاني:والمعلول.

هو العقل المج%%رد أو "العق%%ل الفع%%ال" ال%%ذي يتخطى ح%%دود الج%%زئي إلى المصدر الثالث: الكلي المجرد، وهو بذلك يتفق مع "أفالطون" و "افلوطين" بوجود المعق%%والتi خارج العقل اإلنساني أي في العقل المج%%رد أو المطل%%ق i مستقال i جوهريا وجودا )العقل الكلي( بحيث تصبح المعرفة شيئا ال يستمد من الحواس وإنما من عالم المعقوالت بواسطة "الفيض واإللهام". ويحاول "إبن سينا" التوفيق بين م%%ذهب "أرسطو" الحسي ومذهب "أفالطون" العقلي وال%ذي ج%وهره التفك%ير المج%رد وتأمل المعاني العقلية البحتة دون مشاركة التخيل المختل%%ط بالص%%ور الحس%%ية. والعق%%ل يص%%بح فع%%اال في رأي "إبن س%%ينا" و "إبن رش%%د" عن%%دما يتح%%د العق%%ل الجزئي بالعق%ل الكلي، وه%ذا االتح%%اد يتحق%ق في رأيهم خ%ارج الم%ادة، أم%%ا من وجهة علم النفس الحديث فيمكن أن يتحقق هذا االتحاد على األرض وفي إطار المادة عبر مقولة "العقل الجمعي". من جانب آخر فإن الصوفية تنظر إلى هذا االتح%%اد على أن%%ه ذوب%%ان كام%%ل ومرحل%%ة علي%%ا ين%%دمج فيه%ا اإلنس%ان م%%ع خالق%ه

Page 116: ابناء النور عبر العصور

وتستخدم لذلك طقوس خاصة تتطلب تحم%%ل األلم والمعان%%اة من أج%%ل التح%%رر الذاتي من قيود الع%%الم الم%%ادي وق%%د تم الوص%%ول إلى التوح%%د الكلي م%%ع ع%%الم المجردات. إن البذرة األولى لفلسفة التحرر واالتحاد )التوحيد من خالل العق%%ل الكلي( حسب المص%ادر التاريخي%ة، ق%د وض%عها فالس%فة اليون%ان وعلى رأس%هم "أفالطون" و "أفلوطين" ويق%ال ب%أن أهم مص%ادر ه%ذه الفلس%فة هي "فلس%فة الشرق القديم" وعلى األخص الفلسفة الهندية التي تم استخالصها من التجربة والت%%أمالت الروحي%%ة ال%%تي انطلقت من فك%%رة البح عن "حق%%ائق الوج%%ود" في "الذات المطلقة" والتي ال يمكن أن تكون مجرد موضوع للمعرفة فحس%%ب ب%%ل يجب أن تتج%اوز ذل%ك إلى رح%اب الك%ون الواس%عة وبم%ا أن ه%ذه ال%ذات تمث%لالعامل المطلق فإنه يمكن "إدراكها مباشرة على أنها الوعي الذاتي الكلي...".

الطرق المعرفية وإدراكات ما وراء العقل في النظريات الفلسفية القديمة والحديثة.       

جوهر المعرفة التوحيدية في مدارس اليونان:

ع%%ام اآلدمي%%ة، نج%%د أن أولى7000 في قراءة ألولى السجالت التي تن%%اولت ت%%اريخ رحل%%ة ال%        اهتمامات اإلنسان الفلسفية نتجت عن صراعه في محاولة فهم الطبيعة.

هذه االهتمامات تطورت فيم%%ا بع%%د لتص%%بح معروف%%ة باس%%م الفلس%%فة حين اكتش%%ف اإلنس%%ان        ضرورة البحث في طبيعة العقل. أول فيلسوف سجله التاريخ عرف التضارب الحاص%%ل بين الع%%الم الطبيعي كما تراه الحواس والعالم الذي يكشف عنه العق%%ل أو المنط%%ق ه%%و الفيلس%%وف اإلغ%%ريقي "أناكساغوراس". هذا الفيلسوف عرف بين جميع الفالسفة كونه أول من ط%%رح فك%%رة الثنائي%%ة في تفسير أصل العالم حتى قيل إن فلسفة أناكساغوراس غيرت وجه الفلسفة اإلغريقي%%ة. فمن%%ذ ذل%%ك

الوقت أصبح الفالسفة يصنفون في واحدة من الفئتين التاليتين:

الماديون وهم ال%ذي يفض%لون الم%ادة على الالم%ادة كعنص%ر أساس%ي في الوج%ود ويجعل%ون       األخيرة نتيجة األولى.

المثاليون )أو الروحيون( وهم الذين يرفعون الالم%%ادة على الم%%ادة ويجعل%%ون األخ%%يرة نتيج%%ة       األولى.

في ذلك ال%%وقت، قب%%ل ظه%%ور فلس%%فة س%%قراط، ك%%انت جمي%%ع الفلس%%فات، بغض النظ%%ر عن        انتمائها إلحدى تلك الفئتين، تسعى بصدق وراء الحقيقة الموض%%وعية ال%%تي ك%%ان الفالس%%فة يؤمن%%ونi ملهمين بقدرة العقل للوصول إلى تلك الحقيق%%ة. ل%%ذلك، بوجودها. ليس هذا فحسب بل كانوا أيضا فإن محاوالت ما قبل سقراط لفهم العالم الطبيعي، بغض النظر عما ص%%نفت ب%%ه فيم%%ا بع%%د، تعت%%بر توحيدية. وذلك على قدر ما كانت موجهة نحو هدف المعرفة المتعالي%%ة عن أه%%داف السفس%%طائيين

الذين واكبوا العصر الفلسفي في اليونان.

من منطلق اإليمان التوحيدي ال%%ذي يرف%%ع ويس%%بق الع%%الم ال%%روحي في ج%%وهره على الع%%الم       

Page 117: ابناء النور عبر العصور

المادي، يلهم الموحد غالبا في تفضيل النظرة المثالية أو الروحية على تلك المادية.

بين الفالس%%فة ال%%ذين ص%%نفوا كم%%اديين نس%%مي "ه%%يراقليطس"، "ديم%%وقريطس" و "زين%%ون       الرواقي". أما بين الفالسفة الذين صنفوا كمثاليين أو روحيين: "فيثاغوراس"، أفالطون وأفلوطين.

في حين أن هيراقليطس قرر أن النار هي العنص%%ر األساس%%ي )أي الم%%ادة ال%%تي منه%%ا تك%%ون        العالم(، قدم "فيثاغوراس" فكرة النار الروحية المقدسة، الموجودة في مركز العالم والتي تج%%ذب كل شيء نحوها. في حين رأى ديموقريطس أن تلك الجسيمات التي ال تنقسم )الذرات( هي ال%تي

تكون العالم، أتى أفالطون بنظريته حول "الصور" )مفهوم الذرات المثالية التي تكون الفكر(.

أفالطون لم يكن أول فيلس%%وف تكلم بالثنائي%%ة أو اإلثنيني%%ة )كم%%ا وردت في بعض المع%%اجم(،        لكن أفالطون أسس فلسفة مكتملة مرتكزا على هذه النظرية. ك%%انت نظري%%ات وتع%%اليم أفالط%%ون شديدة الترابط والشمولية بحيث أن، في نظر بعض المفكرين، كل النظري%%ات واألفك%%ار الفلس%%فية التي تلت كانت مجرد ردود فع%%ل لفلس%%فته. ك%%ل الفالس%%فة مجمع%%ون على أن األفالطوني%%ة ليس%%ت مجرد منظار فلسفي، بل هي حالة عقلية ال يمكن ألي إنسان الهروب من الوقوع فيها. بل وي%%ذهب البعض إلى إلقاء اللوم على أفالطون ألنه وضع الوعي البشري في منظار الثنائية فال يستطيع حتى

اآلن الخروج منه.

إن لوم أفالطون في فلسفته ح%ول الف%ارق م%ا بين ع%الم اإلدراك الحس%ي وع%الم ال%روح أو        العقل هو كلوم إنسان لنفسه ألنه إنسان قدر له أن يذوق طعم "األنا" اإلنسانية في العصر اآلدمي األخير. ال أحد يمكنه أن ينكر الوعي الجدلي الداخلي للثنائية في طبيع%%ة الوج%%ود )الجس%%د وال%%روح( ويكون في الوقت نفسه واعيا إلنسانيته أو لطبيعته اإلنسانية. حتى ال%%ذين ال يع%%ترفون بالثنائي%%ة من الروحيين أو المثاليين والذين يرغبون فقدان وعيهم لها عبر التأمل التجاوزي أو عبر ط%%رق أخ%%رى، ال يس%%تطيعون فهم أو تعري%%ف رغبتهم وب%%دء اإلحس%%اس في ح%%ال الالوعي للثنائي%%ة )وح%%دتهم م%%ع

المطلق( إال من خال المرور في المراحل األفالطونية في العبور المنطقي والعقلي في الثنائية.

من غير المنطقي أن يعتقد البعض أن أفالطون الذي ألهمت فلسفته الكثير من األديان، كان        جاهال للرغبة البشرية التوحيدية للتويج مادة موحدة أو "حق%ل موح%د" كس%بب للوج%ود، وهي رغب%ة ألهمت على م%%ر الس%%نين ذل%%ك اله%%وس العلمي بال%%ذرة. إن الف%%رق بين فلس%%فة أفالط%%ون وب%%اقي الديانات التوحيدية هو أنه، عبر الثنائية في نظرية الصور، استطاع أفالطون أن يكلم أسمى قدرات العقل، المنطق. ذلك أنه انطلق من النزعة البشرية األكثر شيوعا وهي نزعة العقل لوعي الطبيعة الثنائية للطبقات التي ال تتمتع بالمنطق الك%%افي دون اللج%%وء إلى بعض األس%%اطير تمام%%ا كم%%ا ك%%ان

يسوع المسيح )عليه السالم( يلجأ إلى األمثال.

عمر العالم:

كنا قد ذكرنا أصل العالم من وجهة النظر الفلسفية اإلغريقية في وجهيه%%ا، األح%%دي والثن%%ائي        )أو اإلثنيني( وركزنا على فلسفة أفالطون الثنائية. يأتي اآلن منحى آخر للجدل الثنائي وه%%و الج%%دل

Page 118: ابناء النور عبر العصور

حول عمر الخلق أو التكوين.

لهذا الجدل أهمية كبيرة في تحديد هوية كل عقيدة فلسفية أو إيمان ديني، وبالت%%الي ل%%ه أث%%ر       كبير في توجيه الخط الفكري النابع من تلك الفلسفات واألديان.

هناك مبدأن أساسيان ناتجان عن هذا الجدل:

مبدأ قدم العالم

مبدأ حداثة العالم

المبدأ األول يؤكد على أزلي%ة الع%الم، أي أن ال بداي%ة ل%ه، بينم%ا يؤك%د المب%دأ الث%اني على أن        العالم حديث، ولكن الخالف الحقيقي، كما سوف نرى، ليس على قدم أو حدوث الع%%الم المخل%%وق من قبل "الخالق" بل على تعريف األزل وطبيعة هذا الخالق. ه%%ل للخ%%الق ج%%وهر ش%%بيه بالعق%%ل أو بالمادة؟ وهل أن العقل والمادة موحدان بشكل ما أم انهما منفصالن انفصاال تاما؟ من أو ما ال%%ذي

سبق اآلخر في الوجود، العقل أم المادة؟

لو أن طبيعتي العقل والمادة مختلفتان تماما، لتوجب وج%%ود مس%%بب م%%ادي للخل%%ق منفص%%ل        تماما عن المسبب الروحي. ولو أن المادة سبقت العقل في الوج%%ود لك%%ان العنص%%ر )ال%%ذي يعتم%%د عليه وجود العقل على األرجح( وجد منذ ماليين السنين )كما يؤكد العلم%%اء(. ومن جه%%ة أخ%%رى، إذا اعتبرنا أن المادة سبقت العقل، ال نس%تطيع إال أن نمي%ل إلى اعتب%ار المس%بب األول للخل%ق مادي%ا،

معتبرين العقل نتيجة لتطور المادة.

مع ذلك، فأن الميل إلى تفسير المسبب تجريبيا )أي اعتماد على التجربة( ب%%دال من تفس%%يره        مثاليا أو روحي%%ا ال يع%%ني حكم%%ا أن التفس%%ير غ%%ير روحي أو غ%%ير مث%%الي أو م%%ادي ب%%المعنى الح%%ديث

للكلمة.

فأرس%%طوطاليس )أح%%د أعظم مؤسس%%ي علم الفيزي%%اء( ك%%ان من أوائ%%ل ال%%ذين اس%%تندوا في        فلس%فتهم إلى التجرب%ة الحس%ية، وم%ع ذل%ك ف%إن فلس%فته لم تكن أق%ل "مثالي%ة" أو "روحي%ة" من

فلسفة أفالطون.

إن مثالية أفالطون تبدو واضحة في عقيدة أبدية )أو خلود( ال%%روح وفي تق%%ديم وج%%ود ال%%روح        على وجود المادة. إن عقائد أفالطون تؤكد على انبثاق عالم الروح قبل أي شيء آخر وق%%د اس%%ماه

"عالم األفكار"، ثم أضحى يعرف فيما بعد ب% "عالم المثل" أو الصور.

نوضح هنا أن الص%%ور في فلس%%فة أفالط%%ون تختل%%ف عن فك%%رة الص%%ورة ال%%تي نفهمه%%ا، ف%%إن        "الصور" ليست "مثالية كما ترمز كلمة "صورة أو مثال" بل بالنسبة ألفالطون هي واقعية بل أك%%ثر واقعية من أي شيء آخر فهي الجوهر الكوني ال%ذي يعطي لك%ل ش%يء في ع%الم الح%واس هويت%ه التي يعرف بها. فإذا، بالنسبة ألفالطون، فإن عالم المادة متعلق بوج%%ود ع%%الم المث%%ل، بينم%%ا ع%%الم المثل موجود وجودا مستقال عن أي وجود م%%ادي. إن نظري%%ات أفالط%%ون ت%%رى كنم%%وذج للمثالي%%ة أو

Page 119: ابناء النور عبر العصور

الروحية بحيث تعطي السيادة للروح على المادة، بغض النظ%%ر عن م%%دى اع%%تراف ه%%ذه النظري%%اتبوجود المادة، كون الروح هي ذات جوهر الهي.

هناك أيض%%ا ن%%وع متط%%رف من المثالي%%ة ال%%تي تنفي نهائي%%ا وج%%ود أي ش%%يء غ%%ير ال%%روح. ه%%ذا        التطرف نراه في بعض أعمال فالسفة الشرق األقصى الذين يعت%%برون الع%%الم الم%%درك حس%%يا ه%%و مجرد وهم )مايا( فهذه الفلسفات، خالفا للتوحيد، تقيم وزنا للتأم%%ل ال%%روحي في طري%%ق المعرف%%ة

أكثر من التأمل الفكري أو التفكر كما في أعماق أفالطون.

المثالية في أعمال أرسطوطاليس تتجلى في عقيدة "المح%%رك ال%%ذي ال يتح%%رك أو ال يتغ%%ير.        لكي نفهم هذه العقي%%دة علين%%ا اإلطالع أوال على ج%دل آخ%ر مهم وه%و الج%%دل الق%ائم على الس%ببية

وطبيعة الوجود المانوية )أو األحدية(.

فمن جهة، هناك ميل للتفكير بأن الوجود ه%%و واح%%د متكام%%ل، ومن جه%%ة أخ%%رى، هن%%اك مي%%ل       لالعتقاد بأنه شيء سببه شيء آخر.

وأرسطوطاليس، ب%%رغم كون%%ه لم يواف%ق على مب%%دأ ثنائي%%ة الوج%ود ال%ذي يق%ول ب%%أن الم%ادة        والشكل )أو الجوهر( ال يمكن تفريقهما وأن العالم المادي هو أعلى ما يمكن لإلنسان الوصول إلى معرفته، لم يستطع أن يعتمد على المعرفة التجريبية )أو الحسية( لح%%ل ه%%ذه المعض%%لة. في بحث%%ه الماورائي أو الميتافيزيقي لطبيعة الحركة، لم يستطع أرسطو طاليس إنكار المنطق وراء ض%%رورة وجود المحرك األول، والذي وصفه بال% "محرك الذي ال يتحرك"، والذي ال بد أن يكون مس%%ؤوال عن أنواع الحركة التي ندركها في العالم. بمعنى آخر، أن بحث أرسطاطاليس العلمي عن المعرف%%ة لم

يجعله ينكر وجود اله أو خالق.

بعض محاوالت لحل هذه المعضلة تزعم أن الخالق، فيما بعد الخلق، لم يبق خارجه بل أقام        بداخله ليصبح هو بذاته. هذه العقي%%دة ألهمت الص%%وفية في اإلس%%الم ال%تي ت%%رى في ك%ل ش%%يء في

العالم تجليا أو ظهورا الله.

ظهور العالم:

معضلة ثنائية أخيرة ال تقل أهمية عن المعضالت األخرى هي تلك المعروفة فلسفيا بمسألة "السكون       والحركة".

بعض الفالسفة مثل هيراقليطس رفض مبدأ الس%%كون ورأى الع%%الم في حرك%%ةوتغير دائمين.        فبالنسبة إليه، العالم في حال من االنسياب الدائم "فال تستطيع أن تطأ نفس النهر مرتين". فمياه

النهر، بالنسبة إليه، ال يمكن أن تكون هي نفسها في وقتين مختلفين.

والمشكلة في مثل هذه النظرة هي التالية:

كيف يمكن وجود إمكانية للمعرفة في عالم دائم التغ%%ير ال يمكن%%ه إعط%%اء هوي%%ة ثابت%%ة؟ ومن        جهة أخرى، فإن فالسفة آخرين مثل برمنيدس يعتق%%دون أن ك%%ل م%%ا يتغ%%ير ه%%و س%%اكن في ذات%%ه أو

Page 120: ابناء النور عبر العصور

جوهره، أي أنه يتغير وفق هوية محددة. فهم بذلك يأخذون هوية األشياء كمب%%دأ أساس%%ي وينك%%رونأحد أكثر الوجوه ظهورا في العالم وهو أنه دائم التغير.

هذه المختارات من كتاب "و.ت. جونز" العقل الكالسيكي" قد توضح أك%%ثر مس%%ألة الس%%كون        والحركة: كيف يمكن للحقيق%ة أن تب%دو مختلف%ة عم%ا هي حق%ا؟ ثم أن الق%ول ب%أن ك%ل ش%يء في الحقيقة هو واحد يدخلنا في مسألة الواحد والع%%دد، ألنن%%ا نق%%ول أن م%%ا ه%%و واح%%د )المي%%اه( ه%%و في

الواقع مجموعة عددية )سفن، خضار، ملوك(، وهذا يبدو متعارضا مع نفسه.

فلنحاول االلتفاف على هذه المسألة بالقول أن الواحد يتغير ليصبح أعدادا، أو أن الواقع يمر       i، عن%%دما بمرحلة تحول كي يصبح إدراكا. كل ه%%ذا ال يفي%%د فعال ألن التغي%%ير بح%%د ذات%%ه معض%%لة. فمثال نقول أنه، في سياق الزمن، تغ%%يرت من طف%%ل إلى إنس%%ان ب%%الغ فنحن نع%%ني أن ش%%يئا معم%%را )أي مستمرا في الزمن( قد تغير أو تحول. وهذا يبدو بسيطا فقط ألننا ال نستطيع التوق%%ف عن التفك%%ير فيما نعني. لو كنا نستطيع ذلك لبدأ المع%%نى متعارض%%ا م%%ع نفس%%ه. فنحن نق%%ول أن%%ك م%%ا زلت نفس الشيء الذي كان طفال منذ عدة سنوات، إال أنك مختلف طبعا ألنك لم تعد طفال. ولكن كيف يمكن

ذلك؟ كيف يمكن أن تكون نفس الشيء لكن مختلفا عنه، فإن كنت مختلفا فلست هو!".

وفي نظريته حول عالم المثل، ذكر أفالطون كال المبدأين، السكون والحركة. فحين أن عالم        اإلدراك الحسي هو أبدا في تغير مستمر، فإن عالم المثل أو الروح، التي منه وإليه المعرفة، يبقى ساكنا ال يتغير. بمعنى آخر بالنس%بة ألفالط%ون، ف%إن المث%ل هي كوني%ة ثابت%ة ال تتغ%ير. فعلى س%بيل المثال، يتغير التفاح شكال ولونا وحجما وتتغير التفاحة الواحدة في الزمن من ثم%%رة جي%%دة خض%%راء إلى عفنة بنية. ولكن التفاحة المثال أي الص%%ورة أو المب%%دأ الك%%وني المث%%الي للتف%اح، وال%ذي يؤل%ف

مفهوم التفاح في العقل هو واحد كوني، ال يتغير.

فبما أن التفاحة تأخذ هويتها أو وجودها من مثال التفاحة الكوني )الصورة أو الش%%كل( يص%%بح        الوجود بالنسبة إلى أفالطون عملية تواصل ديالكتيكي أو جدلي بين التفاحة – الجوهر والتفاح الذي ندركه في العالم المحسوس. وتبعا لنظريته حول المعرفة، فإن رؤية تفاحة في العالم المحس%وس يجعل العقل يسترجع الشكل أو الصورة األبدية للتفاحة التي يعرفه%%ا فطري%%ا أو )ال%%تي ش%%افهها في

العالم الصوري قبل تواجده في الزمان والمكان(.

ولكن، مع مر الزمن، طرح فالسفة آخرون موضوع السكون والحركة بطريقة أكثر تحديا من           طرح جونز أعاله، وذلك بطرح مسألة أن التغيير يح%%دث أيض%%ا على المس%توى الميت%%افيزيقي. فعلى سبيل المثال، إذا كان شكل وفكر شخص ما تغيرا خالل تحول%%ه من طف%%ل إلى راش%%د، فم%%ا ه%%و إذا الشيء الذي يجعل هذا الشخص هو نفسه طفال وراشدا؟ ما هي طبيعة هذه "األنا" التي تبقى ثابتة

على الرغم من تغير وتحول كال العالمين المادي والفكري؟

أن ما تقدم يثير الكثير من األسئلة حول نظرية أفالطون وي%%دفع اإلنس%%ان للتس%%اؤل: ه%%ل أن       i أو أشكاال أبدية؟ ألنه إذا كان ع%%الم المث%%ل يحت%%وي فق%%ط على المث%%ل أو الص%%ور لالفكار أيضا صورا المتعلقة باألشياء الملموسة )كالتفاح مثال( أو األش%%ياء المدرك%%ة بالمب%%دأ )ك%%الحب والجم%%ال( وليس باألشياء العقلية كالفكرة، يصبح هذا العالم بعيدا عن أن يحتوي العقل. فإن ك%%ان عق%%ل ش%%خص م%%ا

Page 121: ابناء النور عبر العصور

غير ما تصوره أفالطون في حديثه عن العالم األب%%دي، وأن ك%%انت الم%%ادة بحس%%ب أفالط%%ون وقتي%%ة حتما، فما هو ذلك الشيء ال%%ذي يجع%%ل اإلنس%%ان أب%%ديا؟ م%%ا ه%%و ذل%%ك ال%%ذي يحتم%%ل ك%%ل التغ%%يرات الجسدية والميتافزيقية الفكرية في اإلنسان؟ ومن ناحية أخ%%رى، إن ك%%ان العق%%ل ه%%و ك%%ل م%%ا ك%%ان يتص%%وره أفالط%%ون في الع%%الم األب%%دي فم%%ا ك%%ان من المف%%ترض أن يتج%%اوز ع%%الم المث%%ل أو العق%%ل األفالطوني عالم الفكر المتغير لكي يك%%ون أب%%ديا؟ ف%%إذا ك%%ان ص%%حيحا فال ب%%د من وج%%ود عنص%%ر في

اإلنسان يتجاوز المادة والفكر.

تصف فلسفات الشرق األقصى هذا الشيء الذي يحتمل تغ%يرات الفك%%ر بأن%%ه ال% "ش%%اهد" أو        "األتمان" )الذات العليا(. فإذا كان عالم أفالطون األبدي )أو ما عناه أفالطون بال% "أبدية"( مش%%ابها

لهذه "الذات العليا" في طبيعته، فكيف ترتبط معرفة عالم المثل بمعرفة هذا العالم األبدي؟

من خالل الجواب على هذا السؤال يفهم المرء الف%%رق بين الفك%%ر التوحي%%دي وفك%%ر الش%%رق        األقصى. فبشكل عام، تشجع فلسفة الشرق األقصى على االتحاد "باألتمان أو ال%%ذات العلي%%ا )األن%%ا األبدية( وذلك عبر تمرين العقل على عدم التفكير بحيث أن كل م%ا ه%و فك%ر يرتب%ط بع%الم الم%ادة الوهمي. مع أن التوحيد يعترف بوهمية المادة وبالطبيعة الخيالي%%ة للتفك%%ير، فه%%و ال ي%%ذهب إلى ح%%د التنكر إلى الوعي البشري لعالم اإلدراك الحسي، الذي هو الوعي ال%%ذي يطل%%ق الفك%%ر، كم%%ا أن%%ه ال يقلل من أهمية هذا الوعي. لذا، فليبق باألذهان أن التوحيد هو إيمان ق%%وي بم%%ا في خل%%ق الل%%ه من حكمه. فإذا كان الهدف األسمى من الوجود البشري هو العيش في حال دائم%%ة من الالفك%%ر، أو إذا كان مقياس النجاح هو المدة التي يستطيع فيها اإلنسان البقاء متربعا في اله%%واء، فلم%%اذا إذا خل%%ق الله البشر بأجساد؟ لماذا يريد الله خلق عالم محك%%وم بق%%وانين الفيزي%%اء؟ يع%%ترف التوحي%%د ويؤك%%د فوائد التأمل والتركيز في تنقية العقل ولكنه ال يذهب إلى حد التقليل من أهمي%%ة طبيعت%%ه الخالف%%ة. بمعنى آخر، أن التوحيد ليس غياب الفكر أو التخلي عن كل ارتباط مادي. التوحي%%د، ه%%و أن نع%%رف ماذا، أين ومتى يجب أن نفكر ونفع%ل لكي نك%ون خالقين أك%ثر. فلنحس%ب أن عالمن%ا الم%ادي وهمi على األغلبي%%ة من )وهي نظرة صوفية توحيدية( ال أحد يستطيع اإلنكار أن هذا العالم يف%%رض واقع%%ا

i ال يمكن التهرب منه إال على حساب اآلخرين. البشر، واقعا

فعال أن طبيعة الفكر قد تكون خيالية، وقد يكون اإلدراك البشري للمكان والزمان ج%%زءا من        هذا الخيال. ولكن، ال يمكننا أن ننكر أن معظم البشر يفكرون ويتصرفون في العالم بش%%كل يعطي واقعية لهذا الخيال. التأمل وحده ال يمكن%ه مس%اعدة البش%رية بأكمله%ا على االرتق%اء نح%و مس%توىi أعلى من الوعي. هو مجرد حل مؤقت لألفراد أو ربما لبعض األمم الصغيرة، ولم يكن التوحيد يوما رس%%الة مخصص%%ة ألم%%ة أو ع%%رق أو م%%ذهب واح%%د، ب%%ل ه%%و رس%%الة ك%%ل األدي%%ان واألمم والم%%ذاهب

واألعراق.

إن العقيدة األفالطوني%%ة، إذا م%%ا فهمت في حقيقته%%ا، هي م%%ا ورائي%%ة )ميتافيزيقي%%ة( التوحي%%د،        ف%%أفالطون في عقي%%دة التوحي%%د ه%%و تجس%%د النفس الكلي%%ة ال%%تي هي أص%%ل العدي%%د من العقائ%%د في

التوحيد.

بالنسبة إلى أفالطون، المعرفة هي ت%%ذكر والجه%%ل ه%%و نس%%يان. والنفس أن ال%%روح ال تت%%ذكر        الشكل األبدي التي عرفته في عالمها األصلي، أي العالم األبدي، إال من خالل رؤيتها لشيء م%%ا في

Page 122: ابناء النور عبر العصور

i لم%%ا يق%%ول بعض الفالس%%فة الزمان والمكان. )وهنا تلتقي مثالية أفالطون ما واقعية أرس%%طو خالف%%ا عن تناقض فلسفتهما( بمعنى آخر، فق%ط من خالل وجوده%ا في الزم%ان والمك%ان تس%تطيع ال%روح

البقاء واعية لهويتها األبدية.

وبما أن الروح أبدية، وبما أن المعرفة تعتمد على وج%%ود ال%%روح في الزم%%ان والمك%%ان، ف%%إن        التقمص بالنسبة إلى أفالطون، واقع محتوم. ألنه كيف يمكن للروح بعد الموت، على اف%تراض أنه%ا تغادر الزمان والمك%%ان، أن تك%%ون واعي%%ة لعالمه%%ا األص%%لي إذا لم يكن هن%%اك أش%%ياء أو ح%%تى أفك%%ار تذكرها بالمثل األبدية؟ بالنسبة إلى النظرية الدينية التقليدية لما بعد الحياة فإن الروح بع%%د الم%%وت يفترض أنها تبقى قادرة على العم%%ل ب%%وعي وإدراك )التفك%%ير والت%%ذكر( كم%%ا ل%%و أنه%%ا م%%ا زالت في الجسد في الزمان والمكان. في التوحيد، الوج%ود ال%واعي أو الم%درك يعت%بر دائم%ا غ%ير ممكن من دون الوجود في عالم الزمان والمكان. وذلك يعتم%%د على القاع%%دة األهم في عقي%%دة التوحي%%د وهي التقمص. إن فهم العالقة المتقاربة بين عالم األبدية وعالم الزمكان كما ق%%دمها أفالط%%ون من خالل نظرية المثل هو المفتاح إلى فهم تأكيد عقيدة التوحيد على أهمية كال العالمين، عالم المادة وعالم الروح. وكذلك فإن ذلك يوضح الفارق بين عقيدة التوحيد وفلسفات الشرق األقصى التي تقلل من

أهمية عالم المادة.

لذلك فليبق في األذهان أن أفالطون لم يعزل عالم المث%%ل عن ع%%الم اإلدراك الحس%%ي. لق%%د        أصبح أمرا اعتياديا وشائعا أن يتهم أفالطون باإليحاء )عبر نظرية المثل( بأن عالم األبدية ه%%و ع%%الم تجاوزي كليا )أي روحي صرف( وهو مع%زول تمام%ا عن العنص%ر البش%ري. وه%ذا م%ا الهم الم%ذهب التنزيهي وهي فكرة تمنح السمو والترفع للنص المقدس عن العقل البشري كون%ه أن%زل من أص%ل أسمى من العقل. كما أن أفالطون باعتباره الصور أو المثل موضوع الفكر البش%%ري جع%%ل واض%%حا كون العالم األبدي للمثل على عالقة وطيدة مع عالم اإلدراك الحسي، ألن األخ%%ير أش%%به بع%%الم من الظالل التي تساعد الروح على البحث عن النور )أي العالم الحقيقي( الذي سبب ه%%ذه الظالل. لم يجعل أفالطون مطلق%%ا الع%%الم األب%%دي عالم%%ا يف%%وق ق%%درة العق%%ل على الفهم. من خالل أس%%اطيرة أوضح أفالطون أن ع%الم األبدي%ة )ه%دف ال%روح األس%مى( يمكن البحث عن%ه من خالل ه%ذا الع%المi مث%%ل أفالط%%ون، حيث تتراب%%ط i عظيم%%ا وليس في عالم تختبره الروح بعد الموت. وإال فإن فيلسوفا فلسفته بعضها ببعض بمنطق عظيم، ال يمكنه أن يؤمن بالتقمص بسبب نزوة ما كم%%ا ي%%ؤمن ب%%ه ال% "براغماتيون" في يومن%%ا ه%%ذا، كم%%ا أن%%ه لم يكن ل%%يرمز في "جمهوريت%%ه" إلى غ%%ير األم%%ور المتص%%لة بالوجود البشري على األرض. ومع هذا، فمن الملفت للنظر كيف أن المنطق وراء معتقد أفالطون في التقمص لم يطرح أو يدرس جديا في تاريخ الفلسفة. وإذا ك%%ان له%%ذا التقص%%ير أي مع%%نى، فه%%و يثبت إلى أي م%%دى ت%%ؤثر األدي%%ان في تفك%%ير أولئ%%ك الفالس%%فة والمفك%%رين ال%%ذين ي%%دعون أنهم من

أكثرهم انفتاحا؟.

.1999 – شباط 84 أصل العالم في التوحيد )المنظور الفلسفي( – راجع الضحى العدد        

العهد القديم

Page 123: ابناء النور عبر العصور

 مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر اليهودية

يخضع مفهومنا الديني للكثير من المقوالت الخاطئ%%ة واألوه%%ام الش%%ائعة ال%%تي أبقت األب%%واب        موصدة دون استجالء أسرارها وفك مغاليقها بمف%%اتيح النق%%د والح%%وار العلمي والس%%جال المنطقي، لتشريع منافذ التفكير الديني نحو س%%ماوات رحب%%ة من حق%%ائق العب%%ادات ال%%تي س%%ادت في األزم%%ان الغابرة والسحيقة، واالرتقاء بمعارفنا إلى مصاف الحقيقة، وإيص%%ال تل%%ك الحق%%ائق إلى مس%%تحقيها، وهذه رسالة كل موحد مستنير دأب على التحقي%%ق والتمحيص والبحث بن%%ور العلم والبص%%يرة. فمن جهة تعتبر اليهودية كديانة منطلق العبادات التوحيدية وإنها الس%%باقة بين األمم ب%%رفض تع%%دد اآلله%%ة واإليمان بإله واحد وم جهة أخرى عاش أغلبية اليهود في بيئة غلبت عليه%%ا الوثني%%ة. ل%%ذا، هن%%اك من يشكك بتوحيد اليهود في تراثهم التلمودي، حيث أهملوا النواحي الماورائية كالقيامة واآلخرة وخلود الروح فيما تقوم تعبداتهم على الطقوس واألضاحي، وحتى العالم اليهودي "سيغموند فروي%%د" أث%%ار األمر في كتابه "موسى والتوحيد"، والدالئل أكثر من أن تحصى منها تكرار كلمة آلهة في أك%%ثر من سفر من أسفار العهد القديم مثال "هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مص%%ر" )س%%فر

( و "ألن ال%%رب إلهكم ه%%و15/11( و "من مثلك بين اآللهة يا رب". )س%%فر الخ%%روج 12/28الملوك (، وغيرها الكثير. ويعتبر بعض الباحثين أن التوراة ق%%د10/17إله اآللهة ورب األرباب" )سفر التثنية

حورت وأخذ الكثير من أس%%فارها ونصوص%%ها عن معتق%%دات قديم%%ة، "وج%%دت آثاره%%ا في الس%%ومرية واألكادية والبابلية واآلشورية والمصرية فضال عن الكنعانية، وكل من قرأ ملحمة غلغ%%اميش البابلي%%ة وجد التشابه بل التطابق بين قصة الطوفان وبطلها "أوتنابشتيم" وبين سفر التكوين، ويجد الباحثi من التشابه بين أسفار الشريعة حمورابي، أما الحكم%%ة المص%%رية الفرعوني%%ة فنج%%دها بش%%كل كثيراi في هذا الموضوع. ويدور اللغظ األكبر ح%%ول كلم%%ة جلي في ثنايا التوراة، وال يسع مقالنا استطرادا "يهوه" عند اليهود وهو إله يستشيط غضبا ويهدأ حين يتنسم رائحة شواء األضاحي التي ترفع إلي%%ه، يضرب شعبه ثم "يندم على الشر الذي فعله" وهو أش%%به بإل%ه ب%%دائي رع%وي، ومهم%ا ح%اول أحب%%ار وحاخامات اليهود أن يجتهدوا في تأويل هذه المث%%الب فلن يس%%تطيعوا أن يص%%نعوا مه%%ا ص%%فات إل%%ه منزه كلي القدرة. وهنا تبرز أهمية اإلرث الكبير ال%%ذي اقتبس%%ه الع%%برانيون عن الش%%عوب القديم%%ة، فمنذ أيام إبراهيم، تعترف التوراة بأن هذا، "النبي الذي لم يكن يهوديا" ولم يكن لليه%%ود في أيام%%ه أي وجود بعد، كان يعبد "إيل عليون" أي الله العلي، ولم تعرف كلمة يهوه التي يطلقها اليهود على

اسم الجاللة سوى في أيام "موسى" وما بعده.

وكان دين العبرانيين قبل "موسى"، دين إيل "اإلله السامي المشترك" الذي ال ب%%د أن تك%%ون        الشعوب أشركت في ما بعد في توحيده وتحولت عباداته إلى أسطورة وثنية من ضمن آلهة عديدة شأن كل األديان التي تشوهت ع%بر الت%%اريخ، وال%دليل على أن الش%عوب ال%تي س%%بقت أو عاص%رت العبرانيين كانت تعرف عبادات توحيدية إليل – الله الواح%%د، قص%%ة "إب%%راهيم" ولم%%ك "اليبوس%%يين"، "ملكي صادق" الكاهن األكبر لمدينة "سالم" أي الق%%دس عاص%%مة اليبوس%%يين الكنع%%انيين، ف%%التوراة تقر أن "ملكي صادق" كان يعبد إيل عليون، أي الل%%ه العلي، وأن%%ه ك%%ان على منزل%%ة عظيم%%ة وك%%ان شعبه يؤمن معه على قاعدة "إن الناس على دين ملوكها"، وفي سفر يونان، فإن النبي يونان حين أرسل إلى نينوى عاصمة اآلشوريين لينذرهم بعقاب شديد بع%%د أربعين يوم%%ا، وج%%د س%%كان المدين%%ة

نسمة، يعبدون الله مؤمنين ب%%ه، ويخ%%افون مق%%ام ربهم فاس%%تجابوا120000األثني عشرة ربوة أي

Page 124: ابناء النور عبر العصور

إلنذاره ولبس الملك وسكان المدينة أجمعين المسوح وتضرعوا لل%%رب لكي يجنبهم س%%وء العاقب%%ة، ولقد استجيب لهم دعاؤهم، وعفا الله عن المدينة وسكانها ألنه غفور رحيم. ولم تخل النذر من أية أمة أو بلد، ويقول القرآن الك%ريم "وم%ا من أم%ة إال وخلت من قبله%ا الن%ذر" أي خلت به%ا توعظه%ا وترشدها وتنذرها بعاقبة الكفر واإلشراك. ويعتقد الباحث الفرنس%%ي "الف%%رد م%%ر" في كتاب%%ه "أي%%ل، يهوه، يسوع" أن السيد المسيح استعاد صفات الله )إيل( وهي الرحمة والش%مول والس%الم، وأع%اد االعتبار إليها، وأهمل "يهوه" اإلل%%ه الص%%حراوي الض%%يق اآلف%%اق القاس%%ي والقبلي، ويق%%ول "م%%ر" إن اليهود طمسوا معالم عبادة إيل التوحيدي%%ة ال%%تي تعرف%%وا عليه%%ا عن%%د غ%%زوهم لبالد الكنع%%انيين، وأنi تع%%اليم الف%%داء واألخ%%وة البش%%رية من العب%%ادات القديم%%ة. وليس ب%%الخفي أن يسوع استشف مجددا األساطير والعبادات الوثنية عند الشعوب السامية كاألكاديين والكنع%%انيين ومن ثم اآلرام%%يين جعلت من إيل إلها وثنيا ضمن مجمع من اآللهة، لكنه من المعروف أن األسطورة كانت وليدة المعتق%%دات الدينية الغارقة في القدم التي تشوهت مع الزمن ودخلت عليها طقوس العبادات الوثني%%ة وغيره%%ا، شأنها مثال، شأن الزرادشتية التي انتهت بعبادة النار والشرك بعد ما ب%%دأت بعب%%ادة توحيدي%%ة. وتل%%ك الصفات التي أطلقت على إيل كانت، كخ%%الق الخالئ%%ق والمل%%ك األب%%دي وإل%%ه الرحم%%ة والش%%فقة، و "لطفان" أي اللطيف قد تكون من بقايا عبادة توحيدية ترقى إلى أيام الن%%بي ن%%وح. ويؤك%%د الب%%احث "الفرد مر" أن المسيح أثناء معاناته استنجد بإيل وليس بيهوه حين قال "ايلي، ايلي، لما ش%%بقتني" أي إلهي إلهي لما تركتني، وهو قول للنبي داوود في أحد مزاميره. وتصادفنا كلم%%ة إي%%ل )أي الل%%ه( في أسماء المالئكة واألنبياء في التوراة كجبرائي%%ل وس%%فرائيل وميخائي%%ل وعمانوئي%%ل وغيره%%ا، وق%%د كانت عبادة إيل سابقة الستعمال كلمة "يهوه" في اإلرث التوراتي منذ أيام موسى، وأول ما تعرف يعقوب على إيل الكنعانيين الذي طلب منه البركة وقد غير اسمه من يعقوب إلى "إسرائيل". وق%%د تضاربت المعلومات حول معنى التسمية. وهنا يطرح السؤال بقوة عن مصدر عبادة إي%%ل وه%%و إل%%ه "سام" أو عربي مشترك بين الشعوب "السامية" أي العربية القديمة. للعالم المستش%%رق الش%%هير "روبرتسن سميث" رأي صريح في هذا الموضوع، حيث يؤك%%د أن الكث%%ير من الموض%%وعات الديني%%ة الغامضة تتوض%%ح ب%%العودة إلى ديان%%ة الع%%رب، فق%%د تب%%نى الع%%الم "س%%ميث" نظري%%ة األص%%ل الع%%ربي لحضارات وديانات الشرق األدنى القديم، ووقف في وجه العديد من النظريات التي تبنته%%ا ش%%عوب أخ%%رى إلبع%%اد االنظ%%ار عن ش%%به الجزي%%رة العربي%%ة، وذل%%ك في كتاب%%ه الثمين "محاض%%رات في ديان%%ة الس%اميين". وق%د ح%اول أح%د الم%ؤرخين اللبن%%انيين جاه%دا، أن يق%ارن كلم%ة إي%%ل، ب%%آل ال%تي يك%%ثر استعمالها في تس%%مية الق%%رى والبل%%دات في جن%%وب الجزي%%رة العربي%%ة. واألص%%ول العربي%%ة القديم%%ة للديانات ليست بالشيء الغريب، فالقرآن الكريم، يعلمنا أن أسماء األوثان التي اش%%رك ق%%وم ن%%وح بعبادتها كانت ذوات أسماء عربية "ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر". وهي أس%%ماء بعض األوث%%ان التي اشتهرت في اليمن، وقد تكونت هذه األسماء صفات إلله واحد كان يعبده القوم قبل ن%%وح، ثمi تحولت إلى آلهة مستقلة بعد اشراكهم بعبادة إيل واستغراقهم في لجج العبادات الوثنية، ونجد أثرا لكلمة إيل مثال في االسم اليمني "شرحبيل". فهل ك%%ان الع%%رب في تل%%ك األي%%ام الس%%حيقة يعب%%دون

"إيل" الواحد القدير البار، في اليمن وجواره وباقي أنحاء الجزيرة العربية؟؟

(.1997 "إيل واألصل العربي لديانات الشرق" – راجع الضحى العدد السبعون )كانون األول        

(.23 "يا أورشليم"، يا أورشليم، يا قاتلة األنبياء وراجمة المرسلين". )إنجيل متى األصحاح        

بتلك الصرخة المدوية خاطب السيد المسيح يهود أورشليم أولئك "الخرف%ان الض%%الة" ال%ذين       

Page 125: ابناء النور عبر العصور

تحولوا إلى ذئاب كاسرة نهشت أجساد أنبياء، حاولوا هدايتهم نحو طريق الخالص.

وف الغادرة، ومرة ثانية بأقالم كهنتهم المزورة.% لكنهم قتلوا أنبياءهم مرتين، مرة بالسي       

وطالما كان األنبياء كبش فداء لتذمر اليه%%ود وعص%%يانهم وقس%%وة قل%%وبهم الغل%%ف، ف%%أذاقوهم       صنوف العذاب والتنكيل والقتل، وهوذا نبيهم أرميا يقول: "أكل سيفكم أنبياءكم كأسد مهلك".

لكن شناعة القتل الجسدي ال تقل خطورة عن تلطيخ س%%معتهم وتحري%%ف تع%%اليمهم وتزيي%%ف        سيرتهم وإبدال فضائلهم بالرذائل التي تحلى بها بعض اليهود في بالد الس%%بي في باب%%ل حيث انتهى

شبانهم وشاباتهم غلمانا وراقصات في قصور ملوكها.

واعتبر المؤرخ البريطاني "ه% ج. ويلز" بأن اليهود وصلوا أيام السبي إلى بابل "همجا وش%%عبا        مخلطا ال رابط%ة وعي ذاتي بينهم وع%ادوا مم%دنين ومعهم القس%م األك%بر من م%ادة الت%وراة" حيث استقوا من معارف بابل ومكتباتها وموروثها الثقافي وجاؤوا بم%%ا أملى عليهم الكهن%%ة واألحب%%ار وهم في بالد السبي، وتكشف األدلة العلمية اليوم أن اليهودي%%ة المتمثل%%ة ب% "التلم%%ود" ظه%%رت في تل%%ك الحقبة من التاريخ )القرن السادس قبل الميالد( على يد جماعة من كهنة اليهود )وأشهرهم ع%%زرا( ليس لديهم أي عالقة باألنبياء الموحدين ال من ناحية العقيدة وال من ناحية ال%%دين، ف%%اقترفوا آن%%ذاك أكبر عملية تزوير عرفها الت%%اريخ حينم%%ا دونت معظم أس%%فار الت%%وراة المزيف%%ة، المس%%تند الرئيس%%ي

لليهود "المتهودين" اليوم، فقد نسبت تلك المدونات المشبوهة والمضللة إلى أنبياء كرام.

"وال تشتروا بآياتي ثمنا قليال وإياي فاتقون". )سورة البقرة(.       

"وقد كان فريق منهم يسمعون كالم الله ثم يحرفونه من بعد م%%ا عقل%%وه يعلم%%ون". )س%%ورة       البقرة(.

"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليال فوي%%ل       لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" )سورة البقرة(.

ونجد في القرآن أيضا أنهم "... يحرفون الكالم عن مواضعه".       

وجاءت االكتشافات األثرية الحديثة لمدونات قديمة لتثبت ما جاء في القرآن وهو قول صدق        ال ريب فيه، وق%%امت دراس%%ات الت%%اريخ والحض%%ارات القديم%%ة لتف%%وض دع%%ائم التلفيق%%ات التلمودي%%ة

وتناقضاتها التاريخية.

وقد أشار الكاتب الفرنسي الدكتور "موريس بوكاي" في كتاب%%ه "الق%%رآن والت%%وراة واإلنجي%%ل        والعلم" إلى الفرق الشاسع والواضح بين مصداقية اإلنجيل والقرآن وتكريمهما لألنبي%%اء وتطابقهم%%ا المدهش مع المفاهيم العلمية والمنطقية، وبين أباطيل التوراة وخرافاتها وأخطائها التاريخي%%ة ال%%تي

اختلقها كهنة اليهود في الخفاء لالنحراف بالدين اليهودي عن رسالة األنبياء والوحي الحق.

فقد تعرضت سير األنبياء وقصصهم لعبث المتهتكين وتضليل المتشككين الذين تهجموا على       

Page 126: ابناء النور عبر العصور

عصمتهم في جرأة ووقاحة ما بعدها وقاحة، حيث تجنوا على صفوة الخلق والنخبة المختارة لحمل أمانة النب%%وة ونق%ل الحقيق%ة إلى الن%%اس إلتم%ام رس%%التهم بته%ذيب األنفس وتق%ويم األخالق وتن%%وير

البصيرة بأنوار اإليمان والهداية والخير.

وق%د ط%اولت ج%رأة كهن%ة اليه%ود ه%ؤالء ح%تى مق%ام ربهم "يه%وه" فص%وروه كإل%ه "منفص%م       i يندم على الشر الذي فعله، وإله رعوي ال يرضى إال برائحة الشخصية" تارة ينتقم من شعبه وطورا شواء األضاحي، وهوذا القاضي جدعون يجرب الرب إلهه في التوراة مرتين لكي يصدق وعده إي%%اه بالنصر، رغم تلك الوصية األساسية في الت%%وراة "ال تج%%رب ال%%رب إله%%ك" )س%%فر القض%%اة اإلص%%حاح

السادس(.

هؤالء األنبياء الذين وجب احترامهم وإجاللهم واإلقتداء بسيرهم الصالحة نجدهم في أساطير       i اقترفوا جمي%%ع أص%%ناف التوراة "المنحولة" وفي األسفار التي عبثت بها أيدي الكهنة واألحبار رعاعا الخطايا والكبائر، فأينما قرأت وجدت اللصوصية والزنا والقتل والغش واالحتي%%ال وح%%تى االغتص%%اب بين أنبيائهم، فهؤالء األنبياء الكرام المنزهو عن ارتكاب الكبائر والرذائل والمعصومون عن اإلج%%رام واالحتيال شوه المدونون المشبهون سيرهم ولوث%%وا مك%%ارم أخالقهم ب%%افتراءاتهم الباطل%%ة الملفق%%ة

والمختلفة، ليصبغوا أنبياءهم بصبغة موبقاتهم ورذائلهم وخبث سرائرهم وزيغ طواياهم.

وحيثما قرأت في التوراة تصدمك حاالت السكر والخالعة والمجون ضمن آيات حسية غليظة        من المحال تأويلها بتفسيرات دينية أو روحي%ة ب%ل هي نت%اج الرغب%ات والش%هوات، فنش%يد األناش%يدi إلى النبي سليمان، ما هو إال قص%%يدة إباحي%%ة ال تمت إلى ال%%دين بص%%لة، كم%%ا ومن الذي ينسب زورا يقرأ اإلصحاح الثالث والعشرين من نبؤة حزقيال يندهش لبذائة بعض العبارات، ومن يقرأ اإلصحاح الثالث عشر من سفر صموئيل الثاني يصعق لوجود سفاح القربى في بيت النبوة، وكل هذا بالطبع مختلق ومدسوس، وهكذا دواليك لم ينج لوط من فعل الفحش%%اء والمنك%%ر، أم%%ا يعق%%وب الملقب ب% "إسرائيل" )أبو أسباط اليهود اإلثني عشر(، فأفعاله في التوراة ال تنم عن نبوة بل تظه%%ره ب%%أخس

( خدع وال%%ده الن%%بي إس%%حاق27وأحط طوية. فيعقوب )كما جاء في التوراة سفر التكوين اإلصحاح بانتحاله شخصية أخيه "عيصو" ليسرق بركته وبالت%%الي النب%%وة، ومن ثم س%%رق خال%%ه الب%%ان اآلرامي الذي حضنه وزوجه ابنته وأراد اقتسام أغنامه مع صهره الحبيب، فكانت خديع%%ة يعق%%وب "الداهي%%ة"

(، وبدهاء ما30بأن إشترط على خاله أن تكون حصته األغنام المخططة )سفر التكوين – اإلصحاح بعده دهاء وضع يعقوب قضبانا على أجراه المياه "لتتوحم" الشاة حينما ت%%رد المي%%اه للش%%رب فتل%%د حمالنا مخططة، وبهذا سرق النبي يعقوب معظم قطيع خال%%ه الب%%ان وع%%زا ذل%%ك إلى إرادة إلهي%%ة...

فتأملوا!!!

وأم%%ا يه%%وذا، ابن يعق%%وب المم%%يز ال%%ذي فض%%له على أخوت%%ه اآلخ%%رين )وال%%ذي إش%%تق إس%%م        و "اليهود" فيما بعد من اسمه( فكان بنظر هؤالء الكتبة إنسانا زانيا لم تس%%لم من Judia "اليهودية"

(، ونص%%ل في بحثن%%ا ه%%ذا إلى الن%%بي38مجونه كنته ثامار أرملة أحد أبنائه )سفر التك%%وين اإلص%%حاح داوود الذي اتهموه بجريمة سوقية يأبى إتيانها األشرار فكيف األنبياء األطهار، فق%%د اتهم%%وه ب%%امرأة أوريا الحثي وبتدبير اغتيال ذاك الضابط الشهم الذي أبى على نفسه الراحة في بيت%%ه وجن%%ود داوود

(، وتل%ك إدع%اءات باطل%ة ومدسوس%ة،11يقاتلون أعداءه في القفار )ص%موئيل الث%اني – اإلص%حاح فالنبي داوود باعتراف التوراة ذاتها، رفض بشهامته شرب مي%اه خ%اطر ثالث%ة من أبطال%ه للحص%ول

Page 127: ابناء النور عبر العصور

عليها، كيف يقتل ضابطا من جنوده المخلصين من أجل شهوة بهيمية؟، وقد ق%%ال الق%%رآن الك%%ريم: س%%ورة س%%بأ(، وروي عن10"ولقد أتينا داوود منا فضال يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد" )

االمام علي بن أبي طالب قوله "ال أوتي برجل يزعم أن داودد تزوج إمرأة أوري%%ا إال جلدت%%ه ح%%دين:i لإلسالم". i للنبوة وحدا "حدا

أما النبي سليمان وهو صاحب الحكمة الشهيرة "شهوة األبرار هي للخير فقط" فق%%د زعم%%وا        س%رية وه%ذا منتهى ال%دس والتش%ويه، ومع%اذ الل%ه أن يك%ون300 ام%رأة وامتل%ك 700أن%ه ت%زوج

سليمان الحكمة والفطنة انتهت نبوته بعبادة األصنام واألرجاس كما يدعي هؤالء الكتبة المغرض%%ون(.11)انظر سفر الملوك األول – اإلصحاح

keep  وبناء علي%%ه، اق%%ترح أح%%د أهم الب%%احثين األميرك%%يين وض%%ع عب%%ارة        out of the reach of childrenعلى أخالقهم ورهاق%%ة i i عن متناول األطفال( على كتاب العهد القديم حفاظ%%ا )احفظه بعيدا

أحاسيسهم من الشناعة الموجودة في طيات الكتاب.

ولكننا في المقابل ال نعتبر أن التوراة برمتها مدسوسة ومرفوضة، فهناك ال تزال تلك الحكم        المضيئة وتلك الدرر المتناثرة في ثنيات ذلك الخضم الهائل من الطقوس والمراس%%م والتش%%ريعات والتواريخ، في أقوال األنبياء العظام )قدس الله سرهم( أمثال أي%وب وداوود وس%ليمان وش%عيب، و "أشعيا" و "أرميا" و "دانيال" و "حزقيال" و "زكريا" و "مالخي" وغ%%يرهم ممن نط%%ق ب%%الحق، دون أن ننسى جماعة األسينيين، وهي طائفة يهودية جليلة، اشتهرت بفضائلها وتقواها في الق%%رن األول

الميالدي.

وخالصة القول إن عصمة األنبياء مثبتة بالبرهان العقلي والدليل المنطقي فضال عن اإليمان،        ألن من يعصى الله في نواهيه ووصاياه، يعصيه في طاعت%%ه وفي كيفي%%ة ابالغ رس%%الته فيح%%ق علي%%ه

ساعتئذ إسقاط نبوته.

وإذا سلمنا بأن األنبياء بش%ر والبش%ر يخطئ%%ون، فنق%ول أن األنبي%%اء ب%%رقيهم األخالقي وص%فاء        نفوسهم ال بد أن تكون أخطاؤهم هنات وهفوات صغيرة، ومن المح%ال بم%ا اص%طفاهم الل%ه بنعم%ة اإليم%ان ون%ور العق%ل أن يقوم%وا ال بكب%ائر وال بص%غائر، وال أن ينحرف%وا عن ص%راط الح%ق ك%القوم الضالين، بل هم القدوة والمثال والسرج المنيرة ال%%تي تب%%دد غي%%اهب الجه%%ل والش%%رك لتض%%يء لن%%ا

رحاب البصائر باإليمان.

.1998 – كانون الثاني 71 عصمة األنبياء واالفتراءات التوراتية – راجع الضحى العدد        

الغنوصية واألسينيين )بنو إسرائيل الحقيقيون(:

انتش%%رت الحض%%ارة اليوناني%%ة انتش%%ار الن%%ار في الهش%%يم في الع%%الم المتم%%دن كل%%ه، بفض%%ل        الفتوحات الواسعة التي تمت على يد "اإلسكندر المقدوني" قبل الميالد، وك%%ان "اإلس%%كندر" يجم%%ع بين شجاعة القائد وحكمة الفيلسوف، بفضل تتلمذه على يد "أرس%%طو" فيلس%%وف اليون%%ان العظيم من جهة وبفضل تربيته العسكرية الفذة من جهة أخرى. بفضل هذه الفتوحات تحق%ق االم%تزاج بين

Page 128: ابناء النور عبر العصور

الشرق والغرب على أوسع نطاق، وأتاحت هذه اإلمبراطورية الجديدة المترامية األطراف لمعتنقي الديانات والفرق المختلفة أن يمارسوا ش%عائرهم عالني%ة، ويطلع%وا غ%يرهم على مواكبه%ا وحفالته%ا

التي كانت تجذب إليها األتباع والمعجبين.

الغنوصية كمثل تلك الحرك%ات، وهي حرك%ة فلس%فية س%بقت المس%يحية، ج%اءت لتوف%ق بين        الديانات المتعددة. فقد اس%%توعبت تعاليمه%%ا الفلس%%فات الش%%رقية والبابلي%%ة والمص%%رية والهرمس%%يةi المس%%يحية ال%%تي أص%%بحت أح%%د أنظمته%%ا الثالث%%ة في الق%%رن واليونانية باإلضافة إلى اليهودية وأخيرا األول. ومع مطلع القرن الثاني الميالدي تشكلت عدة فرق غنوصية داخل اإلمبراطوري%%ة الروماني%%ة على الط%%رف الش%%رقي المح%%اذي للبح%%ر األبيض المتوس%%ط. بعض ه%%ذه الف%%رق ع%%اش وعم%%ل بين الجماعات المسيحية األساسية كال% "درويد" في بريطانيا والكاثار في فرنسا الذين اس%%تمروا ح%%تى الق%%رن الث%%اني عش%%ر والمن%%دائيين في الع%%راق والبعض اآلخ%%ر ش%%كل جماع%%ات منعزل%%ة عن ب%%اقيi المجتمع%%ات كاألس%%ينيين ال%%ذين عاش%%وا على ض%%فاف البح%%ر الميت، والبعض اآلخ%%ر ك%%انوا أف%%رادا مستقلين، ومع هيمنة الكنيسة تعرض الغنوصيون للضغوطات والمضايقات، كم%%ا اتهم%%وا بالهرطق%%ة وحكم عليهم بأبشع أنواع القتل والتعذيب، إلى أن اختفى أث%%رهم كلي%%ا م%%ع مطل%%ع الق%رن الس%ادس الميالدي. هن%%اك الكث%%ير من الع%%الم الي%%وم من الف%%رق الديني%%ة تتب%%نى العل%%وم الغنوص%%ية وتبحث في

مصادرها القديمة.

جوهر الغنوصية:

        Gnosticism الغنوصية كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Gnosis أي المعرفة، لكنها ليست أي i معرفة، بل معرفة حقيقة الوجود عبر تجرب%%ة روحي%%ة حس%ية مباش%%رة. إذا الغنوص%ية ليس%ت م%%ذهبا

أي ف%رع من  Epistimology بعكس ما يشاع عنه%ا، ب%ل هي م%ا يش%ار إلي%ه بالفلس%فة اليوناني%ة بال%% اليوناني%ة Pistis الفلسفة يعني بتعريف ماهي المعرفة )كي%ف يع%رف اإلنس%ان إن%ه يع%رف(. الكلم%ة

تعني العقيدة النابعة من إرادة المعرفة المتحررة من ك%%ل ض%%غط Epistimology المشتقة من كلمةاجتماعي أو ديني.

وال تتحق%ق المعرف%ة، بالنس%بة للغنوص%يين، بالش%رائع والطق%وس، وألن%ه م%ا من وس%يط بين        الباحث عن المعرفة مخير. وهي لهذا تلقي مسؤولية تعريف الوج%%ود على الف%%رد. فالمعرف%%ة ال%%تي يمكنها أن تحرر بعض األشخاص قد تشكل عقبة في وجه البعض اآلخ%%ر، ل%%ذا فعلى ك%%ل إنس%%ان أن يجد في السير نحوها على قدر طاقته وقدراته. فإذا اختار اإلنسان التوحيد بين عالم المادة وع%%الم الروح فهو يصل إلى المعرفة المطلقة المتعالية عن االزدواجيات والتناقضات ال%%تي يفرض%%ها ع%%الم المادة المركب وإذا اختار الدوران في حلقات المادة المفرغة متقلبا بين الجوع والشبع، بهذا يكون قد اختار الوهم بتجاهله العالم االسبق واألساسي وهو عالم الروح، والخيار بالنسبة للغنوصية ليس في االعمال وحسب بل في كل لحظة وفي كل فكرة يفك%%ر به%%ا اإلنس%%ان. تؤي%%د الغنوص%%ية نظري%%ةi عارفة وضوح مقاصدها وعت الحقيقة منذ أفالطون عن األرستقراطية الروحية أي أن هناك أرواحاi. وبما أن الغنوصية تعتبر الجهل ش%%را والخ%%ير معرف%%ة وتعت%%بر أن البدء وأخرى جاهلة منذ البدء أيضا الناس ينقسمون إلى قسمين: أهل الخير وأهل الشر، لذلك فهي تستبعد مبدأ نسبية الخير والش%%ر أو ديمقراطية األرواح. فإحدى ركائز الغنوصية هي نظرية ثنائية الوجود أي انقسام عالم المادة عن عالم الروح، لذا يجدر على طالب المعرفة أال تخدعه المظاهر الخارجي%%ة للبش%%ر عن إدراك ذواتهم

Page 129: ابناء النور عبر العصور

الباطنة.

"كثير هم المدعوون وقليل هم المختارون" يقول أحد األناجي%%ل الغنوص%%ية، وعلى ال%%رغم من        هذا يحذر بعض الغنوصيين من كل استغالل لهذه العبارة يق%%وم به%%ا أح%%د الغنوص%%يين بذريع%%ة تمي%%يز نفسه عن اآلخرين أو في تفسير رؤيا ما جعلت%%ه يش%%عر باالمتي%%از. ففي الحقيق%%ة ه%%ذه العب%%ارة على الرغم من وضوح مقاصدها، فقل%%ة قل%%ة تع%%رف مض%%امينها الحقيقي%%ة، أولئ%%ك القل%%ة هم المس%%تعدون لإلفضاء، فالمختارون بالمعنى الغنوصي ليس كنظري%%ة "ش%%عب الل%%ه المخت%%ار" )كم%ا ص%ورها الحق%ا التلموديون( والتي تستغلها الدولة العبرانية عبر تكريس نفوذها المادي لتخضع ش%%عوب األرض، ب%%ل تأخذ معنى آخر لدى الغنوصية، فالمختارون يبادلون الله محبته في كل نفس من أنفاسهم، ويع%%ون أن الوصول إليه ليس بمعجزة بل يتم عبر العقل والنفس والقلب، وهي ما وهبه الل%%ه لك%%ل إنس%%ان بتعبير آخر، المختارون يقدرون أن إمكانية معرفة الله موجودة في جميع العباد هم يتم%%يزون فق%%ط بإدراكهم لهذه اإلمكانية وسعيهم وراء تحقيق الممكن. وبهذا يمكن أن يعتبر الغنوص%ي "محفوظ%%ا"،i، ولكنه ال يمكن أن يدعي األلوهية مهما بلغت درج%%ة انعك%%اس الوج%%ود اإللهي يمكن أن يعتبر مباركا فيه. مفهوم توحيد اإلنسان مع الله لدى الغنوصية غير قابل للنقاش، ولكن هذا التوحي%%د ل%%ه ق%%انون وهو: أن يكون اإلنسان جزءا من الكل. ومعرفة الل%%ه بالنس%%بة للغنوص%%ية الحقيقي%%ة ليس%%ت مس%%ألة إثبات عقيدة ما أو الدفاع عن فكرة فلسفية، بل هي إفساح المج%%ال لإلرادة اإللهي%%ة ب%%أن تع%%بر عن ذاتها المطلقة عبر إرادة الذات الفردية فيظهر الله في اإلنسان. لكن ادعاء األلوهية مرفوض ل%%دى الغنوصيين وبالرغم من أن معرفة الله بنظرهم تتم عبر معرفة الذات وحتى من توح%%دت ذات%%ه م%%ع الذات اإللهية، يبقى على وعي بأن الله )جل وعال( أك%%بر من أن يح%%دد وعلى إدراك ب%%أن ذات%%ه ج%%زء ولو غير متجزي من كل. الذات لدى الغنوصية هي المرجعية المس%%ؤولة عن األجوب%%ة، ف%%إذا فك%%رت في الله كما تفكر في أي شيء آخر فأنت لست بغنوصي أو "ع%%ارف"، إن التجرب%%ة الروحي%%ة ال%%تي يمر بها الغنوصي الحقيقي مع خالقه تعطي لإلله قيمة معرفية هائلة ال توجد لألسف في ممارسات األديان المعروفة فهو نصف حقيقة ألنه ال يتصل بجوهر الذات، وهو نصف خال ألن%%ه يتع%%الى عليه%%ا. فالطريقة الوحيدة لمعرفة الله هي معرفة ما يمثله الله في الذات وماذا تمثل هذه الذات الفردي%%ة

في الذات الكلية.

الوصول إلى الذات:

إن األسئلة البسيطة التي تجول في خاطر اإلنسان الواعي هي: "ما الذي أفعله في هذه الدنيا؟ لماذا أنا       هنا؟ لماذا أنا موجود؟ من يسأل؟ ومن سيجيب؟.

i األعم%%ال ال%%تي تتعل%%ق بوض%%ع        تتحدث األناجيل العرفانية عن حماقة العمل الالمنتج، وخصوصا اإلنسان في هذا العالم، ذلك اإلنسان الذي يحصل على أجوبة معلب%%ة ب%%التوراث و "يس%%وي أم%%وره"

االجتماعية والمادية عبر التملق والمجاراة والتدليس.

"هيرماريتيا" كلمة يونانية تعني عدم بل%%وغ اإلنس%%ان هدف%%ه، أو بمع%%نى آخ%%ر "أن يخطئ". من       i من الفض%%يحة أو i يختبئ المرء خلفها هربا i أخالقيا المؤسف أن تأخذ كلمة "الخطيئة" طابعا اجتماعياi من كالم الناس، وفي الحقيقة إن الخطيئة تعني انحراف اإلنس%%ان عن هدف%%ه ومن المؤس%%ف خوفا أن يشعر اإلنسان بالذنب لمجرد أنه ارتكب ما يستحق المعاقب%%ة علي%%ه. فمن يع%%اقب من؟ ش%%عوره

Page 130: ابناء النور عبر العصور

هذا ينم عن جهله للهدف.

i فينبغي        i ومس%%ؤوال تلقي الغنوصية مسؤولية تحديد الهدف على اإلنسان العارف، كون%%ه عارف%%اi على أن تعبر أفكاره وأعماله عن حالت%%ه الذاتي%%ة وليس%%ت مج%%رد انعك%%اس لح%%االت أن يكون حريصا

اجتماعية أو دينية.

الوصول إلى الذات بتحديد الهوية:

هوية اإلنسان الحقيقية ليست في جنسيتة أو مهنته أو عائلته كما أنها ليست في م%%ا نس%%ميه        ب% "الشخصية". الهوية هي الذات. وهذه الذات ليست وسيلة لكي يعرف اإلنسان من خاللها كف%رد، بل المفهوم الحقيقي للذات هو التجرد من كل المف%%اهيم األناني%%ة ال%%تي تف%%رق ال%%ذات الفردي%%ة عن الذات المطلقة لذا فمعرفة الذات على الرغم من طموحها إلى استقاللية الفكر والعمل فمصدرها وتكوينها ال يتحققان في "الفردية" في المجتمع أو بتعبير أكثر عامية عبر "بناء الشخصية" بل تأخ%%ذ معنى "ميتافيزيقيا"، فمعرفة الذات الواحدة وإدراكها التي هي الهوية الحقيقية تعني معرفة ال%%ذات الكلية مصدر كل الذوات، فالذات الفردية هي بمثابة ترائيات الذات اإللهية. لذا فالتجربة الجس%%دية بالنسبة للغنوصية أو ما يسمى بتجرب%%ة األن%%ا الفردي%%ة هي فرص%%ة لإلنس%%ان يحص%%ل من خالله%%ا على زاوية في الزمان والمكان يستطيع من خاللها تعقل ماهيات الوجود المطلق بتأمل المركب%%ات ب%%دءا بمركبات المادة وانتهاء بمركبات الصور. وتنبه الغنوصية اإلنس%%ان إلى هدف%%ه. ف%%إذا ك%%ان هدف%%ه ه%%و الوجود فعليه أن يعي مطلقية الوجود ويجته%%د لكي يوح%%ده في )الفك%%رة( فمن العبث أن تجزئ%%ه أوi عنه، ألن المطلق ال يتجزأ. مجموع تجارب اإلنس%ان في حيات%%ه هي بمثاب%%ة جزئي%%ات من تبني أفكارا االنطباعات المتصلة ببعضها البعض بالوعي وهذا ما يدعى بال% "ذاكرة". هناك القلي%%ل من المنط%%ق الذي يمكن استقراؤه من مسلسل هذه االنطباع%%ات في حي%%اة واح%%دة خصوص%%ا. من المؤس%%ف أن أغلبية الناس ال تلحظ عبثية هذه االنطباعات إال في مراحل متقدمة من العمر لت%%وفر ال%%وقت ل%%ديها للتأمل، وعندها ينتابها اليأس والخوف. لذا فالسبيل ليس في بناء المستقبل بجمع الم%%ادة، الخ%%برة أو الفكر كما يفعل األغلبية من المفكرين، فأسمى األهداف هو معرفة الوجود، والوجود مطلق غير محتاج، ال ينقص وال يزيد، ال يعرف له ماض وحاضر ومستقبل، أما الفكرة فهي موجة عدمية دخيلة تعكر صفو بحر المطلق وتنتحل صفة األحدية ولكنها غير مكتفي%ة ب%ذاتها، ل%ذا فهي متعلق%ة بغيره%ا. حتى لو كان ما يبحث اإلنسان عنه هو نهاية أو مستقر ما في المستقبل، يجب أال يتوقف عن طرح األسئلة حتى لو تطلب األمر التأمل الفكري العميق، فمن ناحية أخرى ال يمكن لإلنسان أن يتج%%اوز

المطلق عبر االنغماس في غيبوبة فكرية.

وهنا تكمن أهمية التوحيد الغنوصي )وهو في التوفيق الفكري والعملي بين الوجود الزمكاني        والوجود المطلق(. سئل السيد المسيح في أحد األناجيل العرفانية: "هال أخبرتنا عن نهايتنا" فأجاب

"هل رأيتم البداية لكي تسألوا عن النهاية، فعند البداية النهاية".

ك%%ان ه%%ذا الق%%ول كالنوت%%ة الموس%%يقية الن%%افرة في آذان المس%%تمعين من بعض رج%%ال ال%%دين        التقليديين، حيث أشار السيد المسيح من خالله إلى تطبيق العالم المطل%%ق أو "ع%%الم المث%%ل" كم%%ا أشار إليه أفالطون بحيث أنه ذاتي ال يتقيد بزمان أو مكان. لذا تحذر الغنوصية الرجال الع%%ارفين إال يعطوا انطباعات للغير على أن ك%%ل م%%ا يقولون%%ه عن ال%%دنيا واآلخ%%رة ه%%و ج%%واب أكي%%د أو مطل%%ق ال

Page 131: ابناء النور عبر العصور

يحتمل الجدل، فالغنوصية الحقيقية غرضها تشجيع التساؤل "السقراطي" المتفائل بوجود الحقيق%%ة ولكن غير المتسرع في تقديم األجوبة لعمله ب%%أن ه%%ذه الحقيقي%%ة تف%%وق ق%%درة العق%%ل على كنهه%%ا. فم%تى يص%بح اإلنس%ان ش%كاكا ويفق%د عزيم%ة البحث عن أجوب%ة؟ حين يش%عر أن%ه على ال%رغم من مصداقية الذين كلموه عن الرب، فهو عاجز عن اإليم%%ان أو االعتق%%اد ب%%ه، ألن ليس هن%%اك م%%ا ي%%راه أمامه من فعل على األرض يعزز هذا الكالم. لذا فالغنوصية الحقيقية ال تتخم اإلنسان باألجوب%%ة ب%%لi عن التساؤل وأن يعي أن األجوبة موج%%ودة في تطرح أمامه األسئلة وتمرنه على أن ال يتوقف يوما

ذاته.

الغنوصية )بين ديموقراطية األجساد وأرستقراطية األرواح( – راجع الضحى الع%%دد الس%%بعون       (.1997)كانون األول

بع%%%د فتوح%%%ات اإلس%%%كندر األك%%%بر وانتص%%%اره على داري%%%وس الفارس%%%ي خض%%%عت منطق%%%ة        إلى سيطرة اليونانيين، وفي ظل هذا الحكم تعرف الش%%عب اليه%%ودي إلى "س%%نن Judia "اليهودية"

األمم والعبادات الوثنية، ففقد التزامه بدينه وأهمل شريعته الموسوي التوراتية ما أدى إلى نش%%وب "الثورة المكابية" التي قاده%ا الك%اهن "متتي%ا" وأبن%اؤه الخمس%ة ض%د المل%ك الهيلي%ني "أنطي%وخس إبيفانس" بسبب تدنيسه هيكل س%ليمان وق%د س%يطر على أورش%ليم يه%وذا المك%ابي ال%تي س%ميت

ساللته بالمكابيين.

وكانت ثورة المكابيين للتخلص من التعاليم الجديدة وعبادة األوثان التي حاول فرضها الملك        السلوقي والعودة إلى شريعة األجداد فظهرت طائفة من اليهود ع%%رف أتباعه%%ا بالفريس%%يين انتهت التشدد في الشريعة وتعلقت مع الزمن بالنصوص الحرفية دون اإليمان الروحي، واشتهدت بالري%%اء والتكبر والتعصب األعمى واالنغالق، وبرزت بعدها طائفة أخرى عرف أتباعها بالصدوقيين خاص%%مت الفريسيين ونافستهم بالتش%%دد من ناحي%%ة الش%%ريعة، ولم تع%%ترف إال باألس%%فار الخمس%%ة األولى من التوراة التشريعية، وأنكرت هذه الطائفة البعث والقيامة واآلخرة وآمنت بأن ثواب اإلنسان وعقاب%%ه

يلقاهما في هذه الحياة الدنيا ماديا.

وفي خضم هذا التشدد اليهودي الذي ت%%اه في متاه%%ات الطق%%وس والش%%عائر الظاهري%%ة ال%%تي        كثيرا ما تشبه الع%%ادات الوثني%%ة البعي%%دة ك%%ل البع%%د عن روحي%%ة الت%%دين، غ%%رق رج%%ال ال%%دين اليه%%ود وأحبارهم في لجج الممارسات الطقوسية من ذبائح وقرابين وتقتير وترنيم وتبخير لتخل%%و تع%اليمهم من أي صفاء روحي أو مسلك ديني يهدف إلى خالص الروح ومعرفة الخ%%الق، عن%%دها نش%%أت بينهم طائفة غنوصية سامية عرف أتباعها باألسينيين، نب%%ذت ه%%ذه الممارس%%ات الناموس%%ية ال%%تي ش%%رعها نبيهم موسى وأخوه هارون الذي أسس ساللة الكهن%%ة الالويين، ونس%%ج ش%%عائرها التكليفي%%ة الك%%اهن "عزارا" وتذكر االسينيون قول النبي أشعيا عن لسان ال%رب: "م%ا فائ%دتي من ك%ثرة ذب%ائحكم. ق%د ش%%بعت من محرق%%ات الكب%%اش وش%%حم المس%%منات وأص%%بح دم العج%%ول والحمالن ال يرض%%يني... ال تعودوا تأتوني بتقدمة باطلة. إنما البخور رجس لدي. رأس الشهر والسبت ونداء المحفل ال أطيقها

إنما هي إثم واحتفال. رؤوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي.

ص%%ارت على ثقال ق%%د س%%ئمت احتماله%%ا. وأن أك%%ثرتم من الص%%الة ال اس%%تمع لكم ألن أي%%ديكم       

Page 132: ابناء النور عبر العصور

مملوءة من الدماء. فاغتسلوا وتطهروا وأزيلوا شر أعمالكم من أمام عيني وكفوا عن اإلساءة".

واتعظوا في صالة النبي داود إلى ربه: "أنك ال تبتغي ذبيحة وال ترتضي بمحرق%%ة. إنم%%ا ذب%%ائح       (.50الله روح منكسر. القلب المنكسر المنسحق ال ترذله يا الله". )مزمور

، فتى عربي يرعى األغنام قرب شاطئ البحر الميت في فلس%%طين، ك%%ان يم%%ري1947 سنة         الحجارة على مدخل مغارة بحرية تعل%%و مك%%ان وج%%وده ت%%دعى مغ%%ارة قم%%ران، فج%%أة س%%مع ص%%وت انكسار جرة، فتسلق المنحدر ليتحق%%ق من الص%%وت، وم%%ا اكتش%%فه بص%%عوده ه%%ذا أح%%دث ث%%ورة في طريقة دراسة الكتاب المقدس، فهناك في هذا الكه%%ف وداخ%%ل ه%%ذه الج%%رة وج%%د ع%%ددا كب%%يرا من

لفائف ورق البردى المتراصة والتي تحتوي معلومات تتعلق بأدق مضامين العهد القديم ونبؤاته.

إنها تع%%اليم مم%%يزة من آث%%ار العه%%ود القديم%%ة وج%%دت وهي تحت%%وي على حكم%%ة أزلي%%ة تص%%لح للتط%بيق في ك%ل زم%%ان ومك%%ان. ومن الممكن العث%%ور على بقاي%%ا جدي%%دة منه%ا ومثيالته%ا من حيث المحتوى ويمكن الوصول إليها فقط عبر المخطوطات "الهيروغليفي%%ة" الس%%ومرية المنقوش%%ة على صخور المعابد والتي يعود قدمها إلى فترة زمني%%ة ت%%تراوح بين ثماني%%ة وعش%%رة آالف س%%نة، كم%%ا أن بعض الرموز وخصوصا منها ما يتعلق بالشمس والقمر والهواء والماء والقوى الطبيعية يعود قدمها

إلى قبل ذلك أي قبل التغيرات الطبيعية العظمى التي أنهت الدور السابق.

وال نعلم كم من آالف السنين قبال كانت هذه الرموز ومعانيها موج%%ودة وال%%تي يعت%%بر درس%%ها وتطبيقها بمثابة موقظ أو منبه للمعرفة الحدسية ال%تي إذا تمكن اإلنس%ان من بلوغه%ا الس%تطاع أن يحل مشاكل العالم كله، وآثار هذه التعاليم قد ظهرت في كل بلد وفي كل دين ومبادئها األساس%ية قد علمت في بالد فارس ومصر والهند والتيبت والصين وسوريا القديم%%ة وفلس%%طين واليون%%ان ولم يسبق أن نقلها شعب أو حضارة بعفوية ودقة وصفاء كما نقله%%ا األس%%ينيون، ه%%ذه األخ%%وة الغامض%%ة التي عاش%%ت بين المئ%%تين قب%%ل المس%%يح والمئ%%ة األولى بع%%ده في فلس%%طين وعلى ض%%فاف بح%%يرة "ماريوتيس" في مصر، وقد عرفت هذه األخوة بال% "أسينيين" في سوريا وفلسطين أم%%ا في مص%%ر فقد عرفت بالمعالجين والشافين. وبالنسبة لتعاليمهم فإن الجزء الخفي منه%%ا ك%%ان يلقن من خالل رسائل أسموها "شجرة الحياة" و "االتصال األسيني م%%ع المالئك%%ة" و "الس%%لم الس%%ابع المض%%اعف" وغيرها، أما الجزء الظاهري منها فمدون في كتابهم األول وعنوانه "إصحاح السلم عند األس%%ينيين"

وهو الذي اكتشف في مغارة قمران اآلنفة الذكر.

إن أصل ومنطق هذه األخوة غير معروف حتى اآلن كما اشتقاق اس%%مهم ف%%البعض يعتق%%د أن اصلهم يعود إلى اخنوخ وأن%ه ه%و من أسس%ها وه%و ك%ان يش%كل مح%ور االتص%ال بينه%ا وبين الع%الم المالئكي. والبعض اآلخر يعتبر أن اسمها مش%تق من اس%م إس%رائيل. ومهم%ا ك%ان فمن المؤك%د أن األسينيين كانوا موج%%ودين ك%%اخوة وجماع%%ة من%%ذ أوق%%ات بعي%%دة ونس%%تطيع أن نتلمس تع%%اليمهم في "األفيستا" )كتاب الزرادشتية المقدس( والذي جعل من هذه التعاليم طريق%%ة وطريق%%ا للحي%%اة كم%%ا أن أسس المبادئ ال% "براهمانية" وعلوم ال% "فيدا" وال% "أوبانيش%%اد" )النظري%%ة الالهوتي%%ة للفلس%%فة الهندوسية القديمة( ونظم اليوغا والهندية تنبثق جميعها من نفس المصدر وق%%د أبرزه%%ا ب%%وذا الحق%%ا في فلسفته وفي كتابه المقدس "ش%%جرة الب%%وذيين" وال%%ذي يتن%%اغم م%%ع كت%%اب األس%%ينيين "ش%%جرة الحياة". أما في التيبت فالتعاليم عينها تجسدت في كتاب "عجلة الحياة في التيبت". الفيث%%اغوريون

Page 133: ابناء النور عبر العصور

والرواقيون في اليونان القديمة اتبعوا أيضا ما يماث%ل المب%ادئ األس%%ينية في طريق%ة حي%اتهم وه%ذه المبادئ عينها كانت أسس الحضارة "الفينيقية األدونيس%%ية" واألس%%اس ال%%ذي ق%%امت علي%%ه مدرس%%ة الفلسفة في اإلسكندرية في مصر كما ساهم في عدة مجاالت في بناء الحضارة الغربي%%ة وترجمه%%ا

المسيح بأجمل وجه وشكل في خطبته على جبل الزيتون والتي تضمنت مبادئه السبعة الشهيرة.

عاش األسينيون على شواطئ البحيرات واألنهار بعيدا عن الم%%دن والبل%%دات ومارس%%وا حي%%اة طغى عليها الطابع الجماعي الذي يقتض%%ي المس%%اواة والمش%%اركة في ك%%ل مظ%%اهر الحي%%اة، وك%%انوا معظمهم مزارعين ولديهم معلومات واسعة عن عوامل التربة والمناخ وزراع%ة الحب%وب والعوام%ل الطبيعية في مناطق تعد صحراوية بأقل قدر ممكن من استهالك الطاق%%ة البش%%رية، لم يكن ل%%ديهم أي عبيد أو خدم وهم مشهورون بأنهم أول أناس دان%%وا العبودي%%ة كنظري%%ة وكتط%%بيق. لم يكن بينهم غني أو فقير فقد اعتبروا أن كال الحالتين شاذة عن القانون اإللهي وقد اسسوا نظامهم االقتصادي الخاص بهم والذي يتماشى مع هذا القانون وأثبتوا بمسلكيتهم أن مجمل حاجيات اإلنس%%ان المادي%%ة يمكن الوصول إليها من دون صراع، قض%%وا معظم وقتهم في دراس%%ة المخطوط%%ات القديم%%ة ال%%تي رك%%زت بمجمله%%ا على الطب وعلم الفل%%ك ويق%%ال انهم ورث%%وا ه%%ذه المع%%ارف عن الكل%%دانيين والفارسيين والمصريين، كم%%ا امت%%ازوا بتمرس%%هم بفن النب%%وءة وال%%تي ك%%انوا يص%%لون إليه%%ا بالص%%يام المطول وكانوا محترفين في العالج بواسطة األعشاب. عاشوا حياة بسيطة عادية، يستيقظون كل يوم قبل بزوغ الفجر ليدرسوا ويتصلوا بقوى الطبيعة. ويستحموا بماء ب%%اردة كع%%ادة متبع%%ة ويلتف%%وا بقماش أبيض يتناولون الطعام بهدوء يفتتحون%ه بص%الة وينهون%ه بص%الة، ولش%دة اح%ترامهم العمي%ق لجميع المخلوقات الحية لم يأكلوا اللحوم ولم يشربوا الخمر. أما أمسياتهم فقد تكرس%%ت لالتص%%ال بالمساوات، وأن طريق%%ة حي%%اتهم مكنت الف%%رد منهم من العيش ح%%تى مئ%%ة وعش%%رين عام%%ا وأك%%ثر ويقال أنه كانت لديهم قوة عظيمة وقدرة وثبات في كل أعمالهم كانوا يع%%برون عن محب%%ة خالق%%ة. من أعظم المعالجين الشافين أو رسلهم إلى العالم إيليا )يوحنا المعمداني( والسيد المسيح السيد

اإلسيني األكبر.

أما االنتماء لالخوة فكان يستوجب نظاما وقواعد دقيقة من فترة انع%%زال ال تق%%ل عن الس%%نة إلى ثالث سنوات من الممارسة العملية والتجريبية وصوال إلى سبع س%%نوات من العل%%وم الظاهري%%ة

قبل التعرف على الحكمة السرية األزلية.

إن سجالت سير الحياة األس%%ينية أتتن%%ا من خالل كتاب%%ه المعاص%%رين عنهم وأب%%رزهم "بيلي%%ني" )عالم الطبيعة الروماني( و "فيل%%و" )الفيلس%%وف االس%%كندراني( "ويوس%%فوس" )الم%%ؤرخ الروم%%اني اليهودي( و "سوالنيوس" وغيرهم، وال%%ذين أجمع%%وا كلهم في وص%%فهم لألس%%ينيين على أنهم ش%%عب

مستقل ومتمايز أتم التمايز بشكل ال مثيل له في العالم.

بعض التعاليم الظاهرية لألسينيين حفظت في الفاتيكان باللغة اآلرامية والبعض اآلخر باللغ%%ة ال% "سالفية" والتي كانت بحوزة "ال% هايسبورغ" في النمسا ويقال أنها انتقلت إلى آسيا عبر الكهنة النسطوريين الذين هربوا من جيوش جنكيز خ%%ان وص%%داها الي%%وم يتجلى بأش%%كال ع%%دة كم%%ا تظه%%ر

مالمحها في عبارات نستعملها يوميا ك% "السالم عليكم" وفي أسماء أيام األسبوع أيضا.

ويثبت صمود هذه التعاليم عبر العصور أنها ليست من صنع فرد وال جماعة بل هي تفسيرات

Page 134: ابناء النور عبر العصور

لعلوم إلهية أوتيت للعالم عبر أس%%ياد وأنبي%%اء علم%وا البش%ر النظ%ام الك%%وني، فهي تفس%ير للق%انون اإللهي بإلقائها اللوم بما يتعلق بالكوارث والخل%ل الط%بيعي على ش%ذوذ اإلنس%ان عن ه%ذا النظ%ام،

وتفسح السبل للرجوع عن الخطأ وخالص النفس.

المسلك الروحي لألسينيين:

احتقر األسينيون الحياة المادية والبذخ والترف وإشباع النزوات التي كان يعيشها اليه%%ود في        أورشليم، فاشتهروا بالعفة والتعفف والصدق والمحبة والتآلف فيما بينهم. دانوا العبودي%%ة وتقش%%فوا زاهدين في متاع الحياة الدنيا في مسلك صوفي باطني متمسكين في ص%%فاء ال%%روح ونق%%اء النفس

والفضيلة والخشوع متوجهين إلى الله دون واسطة أو وسيط.

وآمن األس%%ينيون بخل%%ود ال%%روح وفن%%اء الجس%%د وحس%%اب النف%%وس فتعرض%%وا لالض%%طهاد في        أورشليم لهذا المسلك البار، فانتب%%ذوا ناحي%%ة البح%%ر الميت وعاش%%وا حي%%اة نس%%كية جماعي%%ة عنوانه%%ا

الطهر والعفة والعبادة الروحية.

ورد ذكر األسينيين ونظام حياتهم وتنسكهم في موسوعة المؤرخ اليوناني األص%%ل "بلي%%نيوس        األكبر" والمؤرخ اليهودي األص%%ل "يوس%%يفوس" في كتاب%%ه "ح%%روب اليه%%ود" وال%%ذي وص%%ف حي%%اتهم ومنهجهم الديني. أما األديب ميخائيل نعيمة فقال أن معنى اسمهم هو "الساكتون" أو "األنقياء"، أو "األطباء"، وأشار إلى انض%مام يوحن%ا المعم%داني ويس%وع المس%يح إلى األخ%وة األس%ينية وهم%ا في الثالثة عشرة. ويتردد أن الفيلسوف فيثاغوراس قدم من كروتونا إلى جب%%ل الكرم%%ل حيث تص%%وف مدة من الزمن ونشر رسالته بين الكنعانيين فأثرت فيما بعد على األسينيين، وهذا قد يفس%%ر م%%دى التشابه بينهم وبين الفيثاغوريين في تصوفهم واعتقادهم بخلود ال%%روح. وادعى الص%%ابئة المن%%دائيون الذين اشتهروا في جنوب الع%%راق، ب%%أنهم ج%%اؤوا من ض%%فاف البح%%ر الميت ونقل%%وا معهم تع%%اليمهم

الغنوصية متشبهين باألسينيين.

وهذه مقتطفات مترجمة عن اآلرامية من أسفار مخطوطات خربة قمران:

ال تسعى وراء قانون الكتب، فالحياة هي القانون

فما الكتب إال كلمات

حقا أقول لكم

األنبياء لم يتلقوا القانون من الربا كتابة

بل من خالل الكلمة الحية

فالقانون هو كلمة حية وينطق بها إله حي إلى أنبياء أحياء

Page 135: ابناء النور عبر العصور

ففي كل ما هو حياة كتب القانون

فهو في العشب واألشجار

في األنهار والجبال وطيور السماء

في كائنات الغابات وأسماك البحار

ولكنه يوجد خاصة في ذواتكم

فكل األشياء الحية اقرب إلى الرب من الكتب

فالله صنع الحياة واألشياء الحية

لتكون هي الكلمة األبدية

فعلموا كلمة أب السماوات

واألرض األم

إلى اآلدميين

فالرب لم يكتب كلمته على صفحات الكتب

بل كتبها في قلوبكم وأرواحكم

في أنفاسكم ودمكم

في لحومكم وعظامكم

في عيونكم وآذانكم

وفي كل أعضاء جسدكم

في الهواء والماء

في األرض والنبات

في أعماق المرتفعات

Page 136: ابناء النور عبر العصور

فكل هذه الكائنات تتكلم إليكم

لكي تفهموا سر اللسان واإلرادة

لسان وإرادة الرب

الكتب هي من صنع اإلنسان

ولكن الحياة وحامليها هي من صنع الرب

رب أنت أوال

خلقت قوى السماء

وأفصحت عن قانونها

ومنحتنا األفهام

من عقلك أنت

وصنعت حياتنا الجسدية

فنحن ندين لك يا أب السماوات

بما وهبتنا من تنوعات الحياة

فنحن ندين لك يا أب السماوات

ألنك وضعت فينا منبع الينابيع

وضعت فينا ينبوعا حيا وسط صحراء قاحلة

ليروي جنة أبدية

ليروي شجرة الحياة، ولغز األلغاز

لتتشعب منها أغصان األبدية

 

Page 137: ابناء النور عبر العصور

مالك الحكمة العقل الكلي:

ما هي الكلمة البليغة؟

هي كلمة الحكمة المباركة

ما هي الفكرة الحسنة؟

هي تلك التي يفكر فيها طفل النور

الطفل الذي ينظر إلى الفكر المقدس

نظرته إلى أغلى ما في الوجود

وهكذا ينشأ طفل النور

في تركيز وعلى اتصال

لكي تنمو فيه الحكمة

وهكذا يثابر

حتى تنجلي أمامه

غوامض الجنة األبدية

حيث شجرة الحياة

وعندها سينطلق بهذه الكلمات:

يا أب السماوات!

هبني رسالتي

في بناء مملكتك على األرض

من خالل األفكار والكلمات واألفعال المحكمة

أفكار وكلمات وأفعال طفل النور

Page 138: ابناء النور عبر العصور

وأغلى ما عندي!

هو عقلك الكلي!

سأعبده وأعبدك يا أب السماوات،

ألنه صاحب عقل فينا

مسؤول عن الحفاظ على مملكتك

حرريني أيتها الحكمة المقدسة من الخوف

حرريني من الجهل

ابعثي فينا اإلدراك الالمتناهي

الذي ال يحد بكتاب

وابعدينا عن سبب المآسي والخراب

إبعدينا عن الجهل

جهل الذين قد قضوا وماتوا

وجهل الذين سوف يموتون

 

نبوءات:

اصغوا لي، يا شعبي

واولوني أذنا

ارفعوا عيونكم إلى السموات

وانظروا إلى األرض أدنى

السموات سوف تتالشى كالدخان

Page 139: ابناء النور عبر العصور

واألرضون ستغدو رديئة كرداء رث

والذين يقطنون في السموات واألرضين

سيفنون فناءها

ولكن مملكتي ستكون إلى األبد

وقانوني لن يقضي عليه

في ذلك اليوم جهنم ستمتد امتدادا

وتفغر فاها ال قياس له

ومجد وازدراء وأبهة األشرار ستنحدر

في داخل الفم انحدارا

عندها تلتهم النار الجذامة

ويستهلك اللهب العاصفة

ويصيب التلف جذور االشرار

وزهوهم كغبار يتالشى

النهم هجروا قدسية النظام اإللهي

واحتقروا كلمة أبناء النور

وفي ذلك اليوم، ينظر اإلنسان إلى األرض

وال يرى إال آالما واسى

ونور السموات يغدو قاتما

وحكام يدفعون بشعوبهم إلى الخطأ

وأتباع لهم يزهقون باطال

Page 140: ابناء النور عبر العصور

فالكل في ذلك الوقت مراء ومنافق وشرير

وكل فم ينطق بحماقة

وتصبح الناس كوقود نار

يحترق بلهيبها الفجار

وال أحد يعتق أخاه

ويل لمن يخطئون ببصيرتهم،

ويتعثرون بحكمهم

أولئك هم الكاذبون المتمردون

هم من رفضوا سماع صوت الرب

هم من يقولون لذوي الرؤية: "تعاموا"

ولألنبياء: "ليست النبؤة علينا بخير"

لكنهم يتكلمون بأصوات ناعمة

ويل لمن يحكمون ظلما

ومن ثم يبعثون بتعاز لمآس هم سببها

ويل لمن يصلون بيتا ببيت وحقال بحقل

في أواسط األرض حتى يأتي الزمن الذي ال

يوجد مكان فيه للخلوة

ويل لمن يستيقظون باكرا

ليس توقا للقاء المالئكة

بل ليتابعوا الشرب حتى الليل

Page 141: ابناء النور عبر العصور

إلى حيث لهيب الخمر يشعلهم

ويل لمن يسمون الشر خيرا والخير شرا

ومن يمزجون الظالم بالنور والنور بالظالم

ويل لمن يسلبون الفقير حقه

ويجعلون من األرامل ضحايا ويسرقون اليتامى

سيأتي زمن تقلم فيه يد الرب أغصانهم

بأصابع النظام اإللهي

وكل غطريس يقهر

هللوا فيوم الرب قريب آت

سيكون دمار من الواحد القهار

وقلب كل امرئ سيذوب

عندها سينتابهم الخوف

ووقع فاجعة يستحوذهم

وألم امرأة في مخاض

يذهلهم والكل مذهول باآلخر

ووجوههم كدخان

انظر، فيوم الرب آت

يوم موحش وحشة غضب جبار

يجعل من األرض فقرا

سيحصل في ذلك اليوم

Page 142: ابناء النور عبر العصور

أن الرب سيعاقب المتكبرين

وملوك األرض على األرض

عندها سيجتمعون معا

كسجناء حفرة ويسجنون سوية

ويظهر الرب من مكانه

وينزل ويالمس األماكن العليا على األرض وستطوى

الجبال تحته والوديان تذوب

ذوبان شمع على نار

والمياه تنجرف نزوال من أعالي المرتفعات

ويختفي القمر وتنخسف الشمس

وتخل نجوم السموات بنورها

ويهز الرب السموات

واألرض تمور

في يوم غضب الرب

تتبدد المدن المضيئة

وتسكنها وحوش الصحاري

وتفقد األرض خضرتها

في ذلك اليوم تصبح المدن الحصينة كمقابر مهجورة

وعواصف حبات برد تجرف مالجئ الكذب

والمياه غاضبة

Page 143: ابناء النور عبر العصور

تطوف على مآوي األشرار

وعلى قمة كل جبل

وعلى قمة كل تلة

ستكون أنهار وسيول

في يوم الذبح العظيم

عندما تنهار األبراج

بعد ذلك اليوم سيصبح نور القمر كنور الشمس

ونور الشمس سبعة اضعاف

انظر، اسم الرب آت من بعيد

يتأجج بلهيب الضغب

والعبء في ذلك الحين ثقيل

وشفاه الرب مليئة بالسخط

وفمه كنار ملتهمة

سيريهم قوة ذراعه

بلهيب نار ملتهمة

فأبناء آدم قد هجروا النظام اإللهي

مدينة الفوضى واإلرباك قد دمرت

وكل بيت مقفل بوجه صاحبه

ونحيب وولولة على الطريق

ومرح قد لطخ بالدم وطرب األرض قد ولى

Page 144: ابناء النور عبر العصور

سيحدث أن كل من يتفادى صوت الرعب

سيقع في الحفرة

ومن سينجو من الحفرة

سيؤخذ في الفخ

والنوافذ في األعالي تفتح

وأسس األرض تهتز

وتتدمر األرض وتنحل

وتمور بسرعة

عندها سيذوي القمر وتخجل الشمس

وترقص األرض متأرجحة رقصة سكران

وستقع ولن تقوم أبدا

ومضيفو السموات ينفضون منها

والسموات ستطوى كالسجل

وضيوفها سيسقطون أرضا

كما تتساقط أوراق العنب

وكما يتساقط التين من شجرة التين

والبحار ينفد ماؤها

واألنهار تجف

والينابيع تتحول إلى مستنقعات

والغبار إلى كبريت

Page 145: ابناء النور عبر العصور

واألراضي ستصبح بركا من الحمم

تلتهب ليال نهارا

وسيسكن األرض طيور الواق

والبوم والغراب

وعليها تمتد منادية

خطوط الضياع وصخور الفراغ

منادية حكام األرض

وما منهم أحد هناك

وأمراء األرض يصبحون ال شيء

وشوك ينمو على صورهم

وقراص وعليق على حصونهم

وستكون مستوطنة للتنانين

وملعب للبوم

وسفراء السالم يذرفون دمعا مرا

والطرق العامة ستدمر

واألشجار النقراضها معدودة

وطفل يمكن أن يعدها

انظر، اليوم آت

وكل ما ذكر سيحل في األرض

وكل ما ذخره آباؤنا

Page 146: ابناء النور عبر العصور

سيتبخر مع دخانها

فأنتم قد نسيتم أب السموات

وقد احتقرتم األرض األم

وقد اضطهدتم قانون ألب ولهذا ستخفيكم

السموات وستلقي بثقلها عليكم

وستهبط الجبال نزوال عند حضوره وستريهم يده قوة قانونه

انظروا، فنحن ال نستحق، ألننا أخطأنا

نحن كبحر هائج، ال يعرف استقرارا

ومياهه تقذف الوحول واألوساخ

فقد تحلينا بالغرور، وتبوقنا بالكذب

وأقدامنا تركض نحو الشر

تاركة وراءها الدمار والخراب

نلتمس طريقنا إلى حائط مسدود عميا

ونتعثر في الظهيرة كما لو كنا نمشي ليال

نحن في أماكن مقفرة كاألموات

ولكنك اليوم، أنت أبانا يا أبا السموات

فنحن الطين وأنت لنا الخزاف

ونحن شعبك

فالمدن المقدسة بدونك قفر

واألرض هدر

Page 147: ابناء النور عبر العصور

بيتنا المقدس

ذلك المكان الذي فيه مجدك آباؤنا

قد حرق بالنار

حتى بريق علوم أبينا أخنوخ

قد دفن تحت رماد وغبار

ونظرت حينها إلى األرض

i مخيفا فلم أجد فيها شكال بل فراغا

وإلى السماء

فلم أجد فيها نورا

i مخيفا بل ظالما

ونظرت إلى الجبال فرأيتها تنهار

ورأيت تالال تذوي وتذوب

األسينيون... أخوة الصدق والفضيلة )يوتوبيا على ضفاف البحر الميت( – راجع الضحى العدد       (.1997السابع والستون )أيلول

النبي أيوب:

... وقالت المباركة أليوب: ماذا بقي لك في بلواك هذه من لحم على جسد، ومن عم في        قوام، ومن جلد يتراءى لي في القرب والبعد، وكأنه بقايا من ظالل الصمت وبقية باقية من رماد

السكون، في ثورة النار الحسية وفوران مادتها وحركيتها خارج الذات يا أيوب:

أجابها صاحب البلوى وصاحب التجربة، وصاحب االجتباء عبرهما: كلي وقري عين%%ا م%%ا ط%%اب        لك من جسدي الزائل هذا ي%%ا رفيق%%ة كهفي ونس%%كي وتعب%%دي، ومحض توح%%دي وتوحي%%دي في ذروة االنعتاق من وهج التراب، وفي روعة االنخطاف الروحي في وهج التوحيد: فيا أيته%%ا المبارك%%ة: لق%%د بقي لي النار الموقدة في األفئدة؛ ولدت فينا على الفعل موالنا وهادينا، وبقي ل%%ك الحري%%ر ال%%براق في مادة تحول وتزول، وتفنى وتتح%%ول؛ ت%%دخل وتخ%%رج من س%%جن إلى س%%جن لل%%روح في%%ك فح%%ذار االنزالق إلى درك الشهوات، والتعلق باألرض. فالثمر واالنعتاق هو البغي%ة والم%راد. فليس%ت ال%روح من هذا العالم، وليست النفس من معدن%ه: إنه%ا من مع%دن الهي أس%مى وأرف%ع وأق%دس، وتجرب%ة

Page 148: ابناء النور عبر العصور

أيوب عليه السالم تؤكد حقيقة توحيد ما تاقت إليه نفس%ه وتش%وقت، والص%راطية المس%تقيمة، في ذاته، في مخرج تطهره ونقائه، وص%فاء روح%ه، وأحقي%ة االجتب%اء في%ه وب%ه؛ ومع%نى االختي%ار ورهب%ة االمتحان في الذات وبها، شكلت، كلها، في الحالين والسفحين والمنورين: حال الص%%بر في أي%%وب؛ فكان صابرا وصبورا واستمرارا هذه الحال في رياضها، وعبق عبيرها، ونفح الطيب في شذاها، في حلها وترحالها، على دروب التوحيد ومس%الك الح%ق في حناي%ا ال%ذات وتش%وفات النفس في محض تواصلها وكشفها وحقيقة النور فيها، النور اإللهي األزلي فيه%ا من قب%ل ومن بع%د: هن%ا بلغت الرؤي%ا بأيوب مفاتيح المأل األعلى وخزائن الرحمة والبرك%%ة والص%%دق، ونعم العط%%اء المق%%دس بال حس%%اب؛ فكان أيوب "الجد والفتح والخيال" شهداء الحق في "مق%%ام الص%%بر" ألي%%وب ف%%إذا ب%%ه علي%%ه وعليهم السالم رمز للصابرين. فنعم األوبة الكبرى لحقيقة الذات في أيوب. وجميل الصبر والعقبى وال%%دار لكل الصابرين في كل األك%%وار واألدوار: فالمق%%ام ه%%و ه%%و وحقيق%%ة ذات التوحي%%د لم تكن إال معطى األخيار واألبرار من لدنه تعالى، فقدس من ذاته ال موجود وال معبود سواه، وليس كمثله شيء: ل%%ه العزة والملك؛ البدء واالنهاء: هو الواحد األحد، في الظاهر والب%%اطن في األول واآلخ%%ر. أن%%ه العزي%%ز

الحكيم. أنه تنزيه التجريد تبارك وتعالى.

من هنا، في ذروة شاهقة من ذرى عز التقوى والتعبد، وس%كون العق%ل اإلنس%اني من ص%دق        عبادته تجلى في أيوب الزمان ومقام الصبر أرفعها وأعزها بعد مق%%ام الفق%%ر في الح%%الين في%%دروب الس%%الكين والمري%%دين فال ب%%د أن يخ%%اطب عق%%ولكم ونفوس%%كم ومج%%اري حرك%%ة العص%%ر فيهم إنكم جميعكم، وبنو البش%%ر قاطب%%ة في القيم والمث%%ل والج%%وهر أخ%%وة في إنس%%انيتكم، أخ%%وة في حقيق%%ة أديانكم، أخ%%وة في ص%%رف ال%%ترفق من مفاس%%د المنق%%ولين في األدي%%ان، والجاح%%دين لخ%%ير مناقبه%%ا ودريتها، وحسن توجه القصد منه%ا، وتوس%%م الخ%%ير في م%%راقي تق%دمها وتطوره%ا، ورهاف%ة خش%وع النفس في رحاب جنائنها. ما كان الدين يوما، ولن يكون، أداة تفرقة وفرق%%ة بين الن%%اس. وال يمكن أن يكون قطعا وسيلة حروب ودمار، وقذارة اجتماعي%%ة، وانحط%%اط في التعام%%ل االجتم%%اعي؛ ك%%ون األديان كله%%ا على اختالف أزمانه%%ا وأدواره%%ا ومراحله%%ا وس%%يلة محب%%ة في اإلنجي%%ل ورض%%ى وإس%%الم وتسليم في القرآن. األديان كلها الله مرجعها وباعثها ومعطيه%%ا ب%%ني اإلنس%%انية قاطب%%ة وعلى أي%%دي

الرسل واألنبياء عليهم الصالة والسالم.

فإذا كان دين الله اإلسالم فاإلسالم توحيد ومحض توحيد في حلقات متتابعة ومشعة من%%ذ أن        كان الوجود، وكان الموجود الحقيقي موجده ومبدئه وباعث%%ه وباني%%ه، مقيم%%ه ومؤي%%ده ب%%الحق بكاف%%ة األلسنة واللغات، وفي كل األزمنة والدهور. أنه حقيقة السابق في وجوده كل الموجودات، وس%%ابق لها ولعلة وجودها. وال يمكن أن يكون عل%%ة لمعل%%ول س%%واه. ف%%تيقنوا وتفهم%%وا أن الس%%ر بالمعرف%%ة. وحقيقة العبادة أن نعرفه به، بالذات الجوهري%%ة حيث ال يمكن أن نعرف%%ه بغ%%يره إطالق%%ا. وح%%دة في الدين واختالف في المظاهر والعرض، وحدة في ذات الحق وتكثر في الش%%كل؛ وح%%دة في الق%%رب

والنجوى وتفرق في المذاهب والمسالك؛ والحقيقة هي هي في كل حال وزمان.

فحذار السقوط والزلل في متاهات االنحراف والمنحرفين، متاه%%ات الع%%دم واالعتك%%اف على        عبادته في مس%%الك الع%%دميين. فال منج%%اة بع%%د فالع%%دم ب%%وار ون%%ور الح%%ق في ذات توحي%%ده: جن%%ات ورض%%وان. بقي أن نع%%رف وتس%%لك. ويحض%%رني استش%%هاد الحالج في ص%%الته الش%%هيرة: ".. وه%%ؤالء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك، وتقربا إليك، فاغفر لهم؛ فأنك ل%%و كش%%فت لهم م%%ا كش%%فت لي، لما فعلوا ما فعلوا. ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بم%%ا ابتليت. فل%%ك الحم%%د فيم%%ا

Page 149: ابناء النور عبر العصور

تفعل. ولك الحمد فيما تريد".

أنه سر محض التوحيد، ال يدركه وال يعقل%%ه، وال يعرف%%ه إال المتبص%%رون ب%%ه، ب%%ذوات أبص%%ارهم        وبصيرتهم ولهم البلغ%%ة فيم%%ا يروم%%ون ويجه%%دون وه%%ذه الس%%رية وك%%انت نهج حكم%%اء الهن%%د ومص%%ر القديمة والصين وإيران واليونان وسواهم من األقوام. وال تزال م%%يزة من ال يزال%%ون تعم%%ر حي%%اتهم وأرواحهم بمسلك الحكمة القديمة، المتصل المتجدد أبد الدهر. فالتوحيد المحض هو ه%%ذا العرف%%ان ذاته من فرادة الحق الذي هو محض اختبار وال يتحقق إال في سر البصيرة العقلية والمخ%%اطرة. إن هذا التوحيد المحض ونظرية التوحيد الثورية في االسالم ذاته. )سورة الن%%ور( ه%%و إحداث%%ه الموج%%ود في ذاته أو هو مسلك األحدية: نهاية كل معرفة، هو "الحقيقة وحدها تشير وت%%دل إلى الحقيق%%ة. وال تدخل في أي اختالف أو مشاحنة مع أي دين أو معتقد آخر. فالحكمة ال تنفك في أي زمان أو مكان عن االستطالع األخير للعقل، ونزعت%%ه الجوهري%%ة إلى معرف%%ة مص%%ير إبداع%%ه وأص%%ل ينبوع%%ه ومعين

خلقه.

مسيرة أيوب الروحية هي الجهاد األكبر، جهاد النفس.       

.1995 مقتبسات من وأيوب إذ نادى ربه – راجع الضحى العدد الخامس واألربعون        

 التوحيد في المسيحية

مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر المسيحية

"لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته، لكن ألنكم لستم من الع%%الم ب%%ل أن%%ا اخ%%ترتكم       (.15/19من العالم لذلك ببغضكم العالم". )يوحنا

(.16/20 "تأتي ساعة فيها ينظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله". )يوحنا        

من الرجال والنساء واألح%%اث س%%اروا لحتفهم ينش%%دون أناش%%يد205، 1244 آذار 16 صباح        Le الوفاء والتضحية حيث حرقوا سوية في ما يعرف الي%%وم ب%%% Champs des Cre'mats أو "بس%%تان

i لم%%اض مس%%يحي مش%%رق بالحري%%ة والكم%%ال وس%%ط ظلم%%ات الذين حرقوا"، وهو يمثل الي%%وم رم%%زاالعصور الوسطى المكفهرة.

ة آلخ%%ر        وتقف فوق ذرى جبال فرنسا الجنوبية المقدسة بقايا حصن "مونتسوغر" كذكرى حي%%� عقي%%%دة عرفاني%%%ة في الغ%%%رب: العقي%%%دة "الكاثاري%%%ة" واإلس%%%م "كاث%%%ار" مش%%%تق من الكلم%%%ة

أي الطاهر.  Katharos اليونانية

Page 150: ابناء النور عبر العصور

وبم%%ا أن الكنيس%%ة الكاثوليكي%%ة آن%%ذاك اتهمتهم بالهرطق%%ة، ح�كم على كتبهم كم%%ا أجس%%ادهم       i عن كتابتهم. بالحرق، لذا قلما نجد أثرا

�ي%%ات النخبوي%%ة        وطالما كان التاريخ عبر العصور بأيدي األكثرية المتسل�طة وطالم%%ا ك%%انت األقل كاألس%%ينيين والكاث%%ار م�ض%%ط�هدة ح%%تى في اخ%%تزان ذكراه%%ا بين ص%%فحات كتب الم%%ؤرخين وتالفي%%ف الذاكرة البشرية. ط�مست فضائل الكاثار في المجتمعات األوروبية بالرغم من تع%%اظم ت%%أثيرهم في فرنسا وإيطاليا ويوغوسالفيا وبلغاريا وسويس%%را وألماني%%ا إض%%افة إلى إثبات%%ات عن عالقتهم العميق%%ة بالمجتمع الصوفي اإلسالمي في أسبانيا والشرق األوسط دون أن ننسى الصين الغربي%%ة وت%%أثيرات

الفلسفة الطاوية على عقيدتهم.

�ج%ريت عنهم لم تص%ل إلى نتيج%ة،        وأصول الكاثار غير معروف%ة، والكث%ير من البح%وث ال%تي أ ميالدي%%ة ، وغ%%ير1000وأول جذر لهم في الغرب و�جد في "ش%%امبانيا" جن%%وب فرنس%%ا قراب%%ة س%%نة

معروف كيف ولم و�جد الكاثار في محافظة "تولوز" على الحدود مع ايطالي%%ا، وم%%ع ه%%ذا لهم ج%%ذور ضاربة في إيطاليا، ومع هذا لهم ج%ذور ض%اربة في إيطالي%ا وألماني%ا وش%رق فرنس%ا، وك%انت اللغ%ة

Langue آنذاك d' Oc  ل رقت وأتلفت من قب%%� د أنه%%ا ك%%انت وف%%يرة ح%%� �عتق%%� والكتابات الكاثارية التي ي مح%%اكم التف%%تيش الش%%هيرة لخدم%%ة الكنيس%%ة، فق%%ط وثيقت%%ان س%%لمتا من العبث، األولى مخطوط%%ة

The التينية Book of the Two Principles أي "كت%اب المب%دأين" ال%تي ح�فظت في فلورنس%ا وهي �ف�ذ ت عام ،1230 تستند إلى عمل كاثاري لِـ "جين لوجيو" من "برغامو" وكتبها عام 1260ترجمة ن

والمخطوطة الثانية ترجمة التينية لكاتب قد يكون الكاثاري "ب%%ارثلمي من كاركاس%%ون" و�ج%%دت في ، وما تبقى من كتابات تعود لفرنسا تابعين للكنيسة الذين نظ%%روا إلى1939"براغ" )التشيك( سنة

الكاثار كما نظر الرومان إلى ال "درويد" بوصفهم سحرة ومشعوذين وعبدة للش%ياطين، وقل%%ة من المؤرخين تطرقوا بموضوعية لهم ألن نظرتهم الفلس%%فية لم تكن مج%%اوزة لنظري%%ات ذل%%ك العص%%ر

i، إذا بماذا اعتقد الكاثار؟ وحسب بل لنظريات هذا العصر الحديث أيضا

�ة تعهدت بالبحث العميق عن أسرار الوجود ولم تكت%%ف�        عبر العصور، كانت هناك فرق غنوصيi بالتفسيرات السطحية السائدة لتضليل العامة، ومن الفيثاغوري%%ة إلى األفالطوني%%ة الم�حدث%%ة وص%%وال إلى بعض الفرق العرفانية دأبت تلك الجماعات على كش%%ف الح�ج�ب الكثيف%%ة ال%%تي تس%%تر الحق%%ائقi عن السفسطة والعقائد العمياء، وكانت محاوالتهم المخلص%%ة i بالرقي الروحي بعيدا المتوخاة شغفاi إلى i لق%%وانين الزم%%ان والمك%%ان وعوائقهم%%ا والتح%%رر منهم%%ا وص%%وال i في حناي%%ا النفس وتح%%د�يا تعم¢قا

اإلدراك أن اإلنسان يكمن في ذاته المقدرة على معرفة الوجود المطلق.

في الوقت الذي أفلس فيه الماديون من سبر أغ%%وار التك%%وين، وتخل�ى المث%%اليون عن الع%%الم       £قوا في خياالتهم وفي وقت لم يجد الباحثون عن اإلله الواحد إليه سبيال، ع%%رف الكاث%%ار المادي وحل

i أجوبة تلك التساؤالت الخطرة. ما لم يدركه اآلخرون وعرفوا يقينا

لماذا يوجد الشر إذا كان الله ك�لي القدرة؟

اعتقد الكاثار أن الخير والشر حاالت يعيها اإلنسان فقط في إدراكه الزدواجية العالم الم%ادي       i �با المبني على التناقضات، وهذا اإلدراك اعتقد الكاثار بأنه خيار يقوم به اإلنسان بمحض إرادته متقل

Page 151: ابناء النور عبر العصور

في دوامة وهمية تعط�ل غاية الوجود إلى م%%ا ال نهاي%%ة، وك%%ان اعتق%%ادهم أن الوج%%ود آح%%ادي مطل%%قi إليه. من خالل االستدالل العقلي لتناقضات العالم الم%%ادي االزدواجي ال%%ذي ويمكن االنجداب روحيا يتضم£ن حاالت الخير والش%ر ارتق%اء إلى إدراك المع%نى الخفي في النظ%ام األح%ادي لع%الم ال%ذات، واالعتقاد عند الكاثار يستند إلى الثنائية: العالم الروحي وهو الحقيقي، والعالم المادي ال%%ذاتي وه%%و£ل بالنظرة الشخصية الخاض%%عة £ل بالمعنى الموضوعي الذاتي فيما الوهم يتمث الوهمي، الحقيقة تتمث

للتأثيرات الجسدية.

واعتقد الكاثار أن اإلنسان روح وجسد، والروح فيض من الله والجسد من األرض المادية لذا       £صل بالوجود المطل%%ق ع%%بر وج%%وده فهو على مفترق طريقين، فجزءه اإللهي يجاهد لتصفية ذاته ليت المادي، ويظهر المفهوم المسيحي للكاثار في اعتقادهم أن بن%%ور المس%%بيح يس%%تهدي اإلنس%%ان إلى

i مع الله. i مقدسا أنوار حقيقة الوجود وبذلك يرتبط رباطا

"الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني". "الح%%ق الح%%ق أق%%ول لكم ان%%ه ليس عب%%د�       �م%%وه". )يوحن%%ا له. إن علمتم ه%%ذا فطوب%%اكم إن علمت س%%� اعظ م من س%%يده وال رس%%ول� اعظ م من مر�

13/17-18).

اد£عى الكاثار انهم المس%%يحيون الحقيقي%%ون والعقي%%دة الكاثاري%%ة اع%%ترفت بالمس%%يح كس%%يد أو       £د الكاثار بشرية المسيح اعت%%بروا i للبشرية وفي حين أك i أو مخل�صا رسول ولكنها رفضت اعتباره إلها�صلب لذا رفض%%وا فك%%رة الص%%لب والقيام%%ة بع%%د �هان وي من جهة ثانية أنه ذو قوى خارقة وحاشا أن ي¢ب%ات الك%ون والفس%اد أخ%ذوا تع%اليم المس%يح الموت، وبما انهم اعتبروا العالم الم%ادي و ه�م من تقل بوجه روحي باطني، ونبذوا كل الطقوس الكاثوليكية كالقداس والتعميد ورم%ز الص%ليب، وآمن%وا أن جهنم هي على األرض وهي حرم%%ان ال%%روح من طبيعته%%ا اإللهي%%ة المقدس%%ة ول%%ذلك أو�ل%%وا القرب%%انل آخ%%ر على تفس%%يراتهم الرمزي%%ة أن ش%%فاء المس%%يح لألعمى ك%%ان المقدس إلى معان� روحية، وم ث%% i فجعله يبصر الحقيقة، ورفضوا العه%%د الق%%ديم من الكت%%اب المق%%دس معت%%برين اب%%راهيم شفاءi روحيا£زوا في ص%%لواتهم على العه%%د الجدي%%د خاص%%ة وموسى أعداء الله أتيا بشريعة تفتقد إلى الروح، فركi أنها اخفت صفحات مهمة من إنجيل يوحنا العتقادهم أنه سلم من عبث الكنيسة التي اعتقدوا أيضا

األناجيل منها ما يؤكد حقيقة التقمص.

£م على الروح أن تعيش في أجساد عدة حتى يتحقق وعد        �ح ت فقد آمن الكاثار بالتقم¢ص حيث ي يوحن%%ا ب%%أرض جدي%%دة وس%%ماء جدي%%دة. وبإعتق%%اد الكاث%%ار بتع%%د¢د الحي%%وات ع%%بر التقمص لم يج%%بروا المقصرين منهم على استكمال معارفهم حيث باستطاعتهم تحقيق ارتق%%ائهم في حي%%اة الحق%%ة لكن

على المقصرين أن يعرفوا المبادئ األساسية للعقيدة. وينقسم المجتمع الكاثاري إلى جماعتين:

Parfait ال "ب%%ارفي" وال "ب%%ارفيت" الجماعة األولى: et Parfaites ال%%ذين أقس%%موا يمين �ع%%%%%%%%%%رف بال% ال%%%%%%%%%%والء للعقي%%%%%%%%%%دة ع%%%%%%%%%%بر طقس وحي%%%%%%%%%%د ي

يتمث%%ل بوض%%ع إنجي%%ل يوحن%%ا على رأس Consolementom "كونس%%وليمينتوم"م ال%%والء، �ق كم%%ا يض%%ع الموج%%ودون أي%%ديهم، ف%%وق الكت%%اب وي%%ؤدي ق س%%  المعتن واش%%تهرت نس%%اء الكاث%%ار بح%%ريتهن وبحق%%وقهن الراقي%%ة. كم%%ا وك%%ان الرج%%الب الكاث%%اري زميل%%ه إذا اخط%%أ. وح%%ازوا على �حاس%%� يسافرون اثنين اث%%نين لكي ي

Page 152: ابناء النور عبر العصور

i ونس%%اءi كرس%%وا أنفس%%هم لش%%فاء الن%%اس المع%%ارف العلي%%ا وهم نب%%اتيون رج%%اال�ل الخالص الروحي، وتعه£د الرجال منهم بع%%دم ب وتوجيه الجماعة الثانية إلى س�

الزواج.

ون" وهم الكاث%%ار ال%%ذين لم يخت%%اروا طري%%ق الكم%%ال )الب%%ارفي( الجماعة الثانية: ال "كري%%� لكنهم خضعوا لبعض القوانين التي اعتبرها الكاثار ذات قيمة روحي%%ة وليس%%ت�حلف%%انهم ألن من يحل%%ف تنظيمية منها وصايا أهمها أن ال يجعلوا الل%%ه ع�رض%%ة لi مرةi يكون قد كذ�ب حين لم يحلف، ومثل ال "درويد"، لم يكن الكاثار مجتمعاi بل انتشروا في المجتم%%ع الفرنس%%ي فك%%انوا أطب%%اء وواعظين ولم تكن منعزال�ق�ب%%وا بالخي%%اطين، وك%%ان الكاث%%ار لوا الخياط%%ة ول لديهم مهن منبوذة لكنهم فض%%£ يعرفون نظرة الناس إليهم وإلى فلسفتهم ل%%ذا لم يخوض%%وا في نقاش%%ات ق%%دلوا الص%%مت تؤدي إلى تصادم ولم يناقضوا عقيدتهم من أجل أي غ%%رض وفض%%£ على الكذب الذي اعتبروه الخطيئة الكبرى لذلك ع�ر�فوا بالمسالمين، وبالرغم من نبذهم للحياة في عالم المادة الوهمي رفضوا بشكل قاطع قتل النفس أورم دفع%%وا ثمن%%ه، فحين االنتحار. وكأن اختيارهم للحياة في ع%%الم معك%%وس ج%%�

Langue تنامت قوتهم في منطقة d'oc بدأ قلق الفاتيكان وقرر أن مث%%ل ه%%ذه �حتم%%ل فليس%%ت س%%لطة الكنيس%%ة الكاثوليكي%%ة فق%%ط هي ال%%تي "الهرطق%%ة" الت ستتعر£ض للخطر بل كان نظ%%ام أوروب%%ا االقط%%اعي، فليس من الخط%%ر إذا م%%ا انتهج ناسك حياة الزهد والتقشف لكن الخطر يكمن حين تنتهج جماعة كب%%يرةi لنظام الكنيسة آنذاك الداعم لإلقطاع، فح%%ل £ل تهديدا حياة كهذه، وهذا ما شك غضب الكنيسة واالقطاع الشمالي على الكاث%%ار، وب%%دأت الحمالت عليهم من%%ذ

محكمة تفتيش L atran  أسس مجمع "التران"1215، وفي سنة 1209سنة مخيفة وفي غضون خمسين سنة ارتفع عدد ضحايا هذه المحكمة إلى ملي%%ون قتيل وفاق هذا العدد ضحايا كل الحمالت األخرى ضد الهرطق%%ة وحط£م جن%%ود الفاتيكان قالع الكاثار خالل هذه الحمالت واعتقلوا البارفي والبارفيت وق%%امواق التقليدي%%ة على األعم%%دة الخش%%بية، واس%%تمر الب%%ارفي ال%%ذين بحرقهم بالط�ر�

على مس%%اعدة المعتق%%دين. وك%%ان الع%%دو Consolementomأقس%%موا والء ال%%% الرئيسي لهم "كونت تولوز ريموند الس%ادس" )ص%هر المل%ك البريط%اني وابن عم مل%%ك فرنس%%ا(، حيث طلب من%%ه الباب%%ا "إنوس%%نت الث%%الث" القض%%اء على

ضوا لحملة إبادة في جميع البالد وأهمها "حادثة مونتسوغر"  الكاثار، فتعر£

:مونتسوغر

قاد الهجود على جنوب فرنس%ا ض%د الكاث%ار المتعص%ب "س%يمون دو مونف%ور"، وك%ل الم%دن الموالية لهم تعرض%%ت للت%%دمير بأبش%%ع أنواع%%ه. وخالل ه%%ذه الحمالت، تح%%د£ت مونتس%%وغر الكنيس%%ةi من اإليمان، وكان مقتل اث%%نين من مفتش%%ي الكنيس%%ة في "أفي%%نيون" الش%%رارة ال%%تي ووقفت حصنا

أد£ت إلى الهجوم على مونتسوغر.

لجأ معظم قادة الكاثار "البارفي والب%%ارفيت" إلى حص%%ن مونتس%%وغر، ألن الحص%%ون األخ%%رى

Page 153: ابناء النور عبر العصور

ك%انت ق%د س%قطت في الحمالت األخ%رى، ودام الحص%ار عش%رة أش%هر ع%انى خالله%ا الب%ارفي من العطش والجوع وكانوا بقيادة "بيار روجيه دو ميربوا" وبحركة خيانة وصل جنود الكنيس%%ة إلى قم%%ة

م سقط حصن مونتسوغر وسج£ل الت%%اريخ ثب%%ات عقي%%دة نخب%%ة الكاث%%ار1244 آذار 16الحصن، وفي �ر بين الموت ونكران العقيدة، فتوج£ه ي حيث لم يتخل£ أي "بارفي" أو "بارفيت" عن عقيدته عندما خ�

i وهم ينشدون أشعار الوفاء والتضحية. الكاثار إلى الموت حرقا

ب(- راج%%ع الض%%حى الع%%دد التاس%%ع والس%%تون الكاثار )منارة العصور الوسطى وضحايا التعص%%¢.(1997)تشرين الثاني

�د المسيح؟ في الناصرة أم في بيت لحم؟: سؤال ترد£د منذ أن كانت المسيحية �د  السي أين و�ل حتى اليوم. فقد عكست األناجيل األربعة المعروفة و�ج�هات نظر ع�د ة ح%%ول حي%%اة ورس%%الة المس%%يح

ومنها مكان والدته.

¤هم%%ا أن المس%%يح و�ل%%د في بيت لحم، لكنهم%%ا يختلف%%ان في س%%رد �ى ولوق%%ا في إنجيلي يخبرنا مت وقائع ما بعد والدته، ففي حين يصف نتى� قدوم الحكماء الثالث%ة من الش%رق )المج%وس( بع%د ع%دة أيام من والدته: "وأتوا إلى ال%%بيت ورأوا الص%%بي م%%ع م%%ريم أم%%ه"، يخبرن%%ا لوق%%ا عن "رع%%اة متب%%د�ينرهم بمول%د الطف%ل يحرسون حراس%ات اللي%ل على رعيتهم" وكي%ف ظه%ر لهم "مالك ال%رب" وبش%�

i في مذود". والتباين جلي الوضوح بين الروايتين، فكما لم يأت� متى� i مضطجعا يسوع: "تجدون طفالق ك%ل من م%%رقس ويوحن%%ا في على ذكر الرعاة غاب عن ق%ول ذك%ر المج%%وس، في حين لم يتط%ر£ إنجيليهما إلى مولد المسيح، وانتقال مباشرة إلى معموديته على نه%%ر األردن، وأطلق%%ا علي%%ه تس%%مية ر! "بيت لحم". ويستمر السؤال: هل و�ل%%د المس%%يح في بيت لحم �ذك "يسوع الناصري" من دون أن ي

i؟ i، أم كالهما معا  أم في الناصرة؟ وهل كان الزائرون لمكان والدته رعاة أم مجوسا

i، ما هي كلمات المسيح األخ%%يرة؟ في هناك عدة تباينات وتناقضات بين األناجيل األربعة. مثال�ى ومرقس كانت عبارة من أحد المزامير: "إلهي إلهي لماذا تركتني"، في حين يورد لوقا إنجيل ي¤ مت عبارة أخرى " يا أبتاه في يديك أستودع روحي"، بينما نجد عبارة ق%%د أكم%%ل في إنجي%%ل يوحن%%ا لكنi كم%%ا ي%%د�عي البعض؟ أس%%ئلة أية عبارة هي الصحيحة؟ أو هل نطق المسيح كل ه%%ذه العب%%ارات حق%%ا�فت �ن اب األناجي%%ل أقحم%%وا آراءهم في أق%%وال المس%%يح ف%%اكت �ت%%� كهذه جعلت الباحثين يستنتجون بأن ك بالغموض، ومنذ القرن الثامن عشر شرع الباحثون في التقص�ي عن شخصية المسيح "التاريخي%%ة".

(، بروفس%%ور في اللغ%%ات الش%%رقية في جامع%%ة1768-1694وقام "هيرمان صموئيل ريم%%اروس" ) "هامبورغ" )ألمانيا(، بالمحاولة األولى لفصل "يسوع الحقيقي" عن طبقات الخرافة والتقلي%%د ال%%تيi من ه%%ذه الحق%%ائق في رس%%الة إلى "ج%%ون تحيط بشخصيته. وقد كشف "ثوماس جيفرسون" جانب%%ا

جاء فيها: "في العهد الجديد هناك إثبات ض%%مني ب%%أن بعض أجزائ%%ه ص%%درت عن1814آدامز" عام رجل خارق غير عادي في حين أن األج%زاء األخ%رى يب%دو أنه%ا نت%اج عق%ول أدنى. وإن%ه من الس%هل

�فص ل تلك األجزاء عن بعضها كفصل ألماس عن الحصى".  بمكان أن ت

هل ت�عتبر األناجيل تاريخية:

عقب1455منذ كتابة األناجيل في القرنين األول والثاني حتى طباعة الكتاب المقدس ع%%ام

Page 154: ابناء النور عبر العصور

�سخت األناجيل باليد، وقام الرهبان والكتبة بنسخ ك%%ل مخطوط%%ة اختراع "غوتنبرغ" لآللة الطابعة، ناخ أخطاء  عديدة أثن%%اء قي%%امهم به%ذه المهم%ة �س� �دين العناء الشديد. وكما هو معروف يقترف الن متكباخ الكتاب المق%%دس غ%%ير مس%%تثنين ب%%الطبع، فق%%د ظه%%رت أخط%%اؤهم وك%%ذلك الحش%%و �س� الشاقة، ون والحذف حينما قارن الباحثون كل المخطوطات الموجودة، وبرهنوا أن األناجيل الحالية غ%%ير خالي%%ةi، وليست كما اعتبرها مجلس الفاتيكان األول i للتناق�ض الموجود في ما بينها أحيانا من األخطاء نظرا

�فه%%ا ه%%و الل%%ه" إنم%%ا هي ولي%%دة تقلي%%د دي%%ني تط%%و£ر خالل حقب%%ة من ال%%زمن.1869-1870) ( "مؤلاب األناجي%%ل لم i مع بداية هذا القرن أن كت%%� وبانتاجهم هذا التحليل المنطقي، استنتج الباحثون مبكرا�على أحداث حياة المسيح وحتى أنهم لم يلتقوا بشهود، في الواقع لقد كتبوا أن%%اجيلهم يكونوا شهودا بع%د م%وت المس%يح لم يول%د في بيت لحم، وأن والدت%ه ك%انت عادي%ة وطبيعي%ة وأن قص%ص والدت%ه العجائبية في بيت لحم بعيدة عن الواقع. ومصدر االضطراب في قصة ميالد المسيح يعود إلى نبؤة ميخا التي تشير إلى أن المسيح سيأتي من بيت لحم، وقد حاول بعض المسيحيين األوائ%%ل اإلثب%%ات¤ن التاريخية والديني%%ة. i في الناحيتي i واضحا �ظهر األبحاث تناق�ضا د هذه النبؤة في حين ت أن يسوع يجس�اب �ت%%� �ى ولوق%%ا ح%%ول مول%%د يس%%وع ه%%و أن ك  ي¤ مت  ت �كون برواي والسبب اآلخر الذي جعل الباحثين يشكi عن �د المسيح، فمرقس ويوحنا لم ي%%ذكرا ش%%يئا األناجيل األخرى لم يشيروا إلى والدة عجائبية للسي ل بال دنس" عبر الروح الق�د�س وال عن والدة العذراء وكذلك أمر بولس )كتب رس%%ائله م%%ا بين ب "الح 

�ى ولوقا هما المص%%دران الوحي%%دان لرواي%%ة ال%%والدة غ%%ير الطبيعي%%ة،64 و 48عامي ميالدية(. إن مت�تبا بعد إنجيل مرقس في حدود ع%%امي 90 و 80وتوص£ل الباحثون إلى حقيقة مفادها أن إنجيليهما ك

ميالدي بالتتالي، وقد أرسل لوق%%ا "العائل%%ة المقدس%%ة" إلى بيت لحم في محاول%%ة إلثب%%ات أن يس%%وعi، لذا، كما أوضح "ماركوس بورغ"، الناصري كان المسيح المنتظر وليس ألن هذا االنتقال حدث حقا يرى هؤالء الباحثون اليوم قصص والدة المسيح "روايات رمزية اختلقتها الحركة المسيحية األولى"،i م%%ا  ق د أن يسوع نط%%ق به%%ا. فغالب%%ا �عت £جهوا إلى الكلمات التي ي وغض�وا الطرف عن تلك الروايات واتi متشابهة ووضعاها في ترتيب مختل%%ف، ومث%%ال على ذل%%ك "الموعظ%%ة على �ى ولوقا أقواال اقتبس مت�ى فتقدم إلي%%ه تالمذت%%ه، ن%%راه في إنجي%%ل الجبل"، فبينما نجد يسوع "صعد إلى الجبل" في إنجيل مت لوقا "وقف في موضع سهل هو وجمع من تالميذه وجمهور كث%%ير من الش%%عب..." حول%%ه، وفي حين

�ى إلى فيما انتثرت آيات الموعظة األخرى34 آية تقتصر عند لوقا على 111تمتد الموعظة عند متاب في أنحاء عدة من إنجيل%%ه. وفي دراس%%تهم للتش%%ابهات واالختالف%%ات اس%%تنتج المح�لل%%ون ب%%أن كت%%�i حوله%%ا وفي بعض األح%%ايين األناجيل استندوا إلى مجموع%%ات من أق%%وال المس%%يح ونس%%جوا قصص%%ا£رها أولئ%%ك ال%%ذين i، ومجموعات األقوال هذه اعتمدت على نقل شفهي كما تذك i مغايرا أعطوها تأويالل الب%%احثون إلى أن م%%تى �ى ولوقا م%%ع إنجي%%ل م%%رقس توص%%£ سمعوها وتناقلوها. وبمقارنة إنجيل ي¤ مت

i عن مرقس ومن مصدر غير معروف دعوة " i اعتقدوا أنه مجموعة من األق%%والQولوقا نقال " إنجيالمن دون نسج قصصي، لكنهم لم يعثروا على أي أثر له.

وجد مزارع مصري وهو يح%رث األرض ق%رب ج%رف على الني%ل1945وبعد ذلك، وفي سنة �تبت �دي، ج%رة تحت ال%تراب تحت%وي على ثالث%ة عش%رة مخطوط%ة من ورق ال%بردى ك في نجع حم%ا باللغة القبطية بأحرف يوناني%%ة، وتعكس النص%%وص وجه%%ة نظ%%ر غنوص%%ية ك%%انت تحظى ب%%القبول في

�برت فيما بعد "هرطقة". دوائر المسيحيين األوائل لكنها اعت

ي، وإنجيل فيليب، وإنجيل ومن ضمن تلك المخطوطات ثالثة نصوص دينية: سفر يوحنا السر�ع الب%%احثون أن توما وهو عبارة عن مجموعة من أق%%وال المس%%يح من دون نس%%ج قصص%%ي كم%%ا توق%%£

Page 155: ابناء النور عبر العصور

i يب%دأ معظمه%ا بعب%ارة: "ق%ال114" أو "المص%در". ويت%ألف إنجي%ل توم%ا من Qيكون إنجي%ل " ق%وال�ى، ولوقا، ويوحنا. يسوع..." وتتشابه مع أقوال عديدة في أناجيل مرقس ومت

والسؤال البديهي الذي ط�رح بادئ ذي بدء: هل اعتمد "توما" على األناجي%%ل األربع%%ة أم كتب إنجيله في وقت سابق لها؟ وبعدما تفح£ص الباحثون تلك األقوال، وج%دوا أن اس%لوبها الس%هل أك%ثر "أصالة" من األقوال ذاتها الموجودة في األناجيل األخرى، وهذا ما حدا بالباحثين األميركيين بتحدي%%د تاريخ كتابة إنجيل توما في العقود الثالثة األخيرة من الق%رن الميالدي األول أي قبي%ل كتاب%ة أناجي%ل�ى ولوقا ويوحنا، وبالتزام�ن مع مرقس، وبإسلوب علمي اعتم%%د على التحلي%%ل والمقارن%%ة أش%%اروا مت�اب مع األقوال الصحيحة التي صع�ب عليهم فهمها فأضافوا برأيهم م%%ا يس%%اعد إلى تداخل تأويل الكتi إلى إنجيل توما ونصوص غنوصية معاصرة ل%%ه، اس%%تنتج المسيحيين األوائل على استيعابها. واستنادا ل مجموع%%ات مختلف%%ة من �جاه من ق�ب �خذت في أكثر من ات هؤالء الباحثون أن تعاليم يسوع األصلية أi و "مدرسة يوحنا". وقد أثار ه%%ذا اإلنجي%%ل ض%%جة في األتباع، ولذلك تكل£موا عن "مسيحية توما" مثالi من المسيحيين أو�لوا أقوال يس%%وع أوساط الدارسين والسبب أن األناجيل المعروفة أظهرت فريقا�د لنا إنجي%%ل توم%%ا وج%%ود مجموع%%ة مس%%يحية في الق%%رن في إطار "مسيحاني" أو "رؤيوي" فيما يؤكi �م%%ا i قي الميالدي األول أو�لت تلك األقوال في إسلوب باطني صوفي. وقد أنجز ه%%ؤالء الب%%احثون عماللها عن i عن أق%%وال الس%%يد المس%%يح الحقيقي%%ة وف ص%%¤ في تمحيصهم وتنقيبهم في العه%%د الجدي%%د بحث%%ا ق ة لدعم آراء مدارس األتباع المتشع�بة، واستنتاجهم األكبر أو خالص%%ة أبح%%اثهم ك%%انت التأكي%%د  ل ت الم�خ¤ على أن تعاليم الكنيسة ليست التفسير الصحيح واألوحد لرسالة يسوع إنما هي من ضمن تفاس%%ير عدة ازدهرت في القرون األولى للحقبة المسيحية، وتأتي النظرة الغنوصية الباطني%%ة في المقد�م%%ة�ى وتوم%%ا أح%%د األق%%وال المش%%هورة "ال ر ك%%ل من مت وخير مثال عليها "إنجيل توما". ولنر  كيف يفس%%�د قة حيث ينهي �ى ه%ذه العب%ارة في مقط%ع عن الص%%  ك". يس%تعمل مت �عر�ف شمالك م%ا تفع%ل يمين%� تك، �ع%ر�ف ش%%مالك م%%ا تفع%%ل يمين%%� يسوع الناس عن التباهي بالدين عالنية "فمتى صنعت صدقة فال ت لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك عالنية". في حين يضع توما

من إنجي%%ل توم%%ا: "أكش%%ف أس%%راري )أي يس%%وع(62العبارة ذاتها في نسيج آخر، ففي القول رقم ك"، وكم%%ا ه%%و واض%%ح وجلي �عر�ف شمالك ما تفع%%ل يمين%%� ألولئك الذين يستحقون تلك األسرار، فال ت�ى، فهو يخبرنا أن يسوع لدي%%ه i عن تفسير مت i مختلفا فإن كاتب إنجيل توما يعطي هذا القول تفسيراi، يقد�م إنجيل توم%%ا مس%%يحية باطني%%ة تعاليم سرية ال يفضي بها ألي� كان. إنه معل�م حكمة باطنية. إذاi من رسالة با �د على تماثل النفوس مع المسيح، ويعتبر بعض الباحثين هذا اإلنجيل أكثر ق�ر¤ ية تؤك سر�

المسيح الحقيقية.

م%%ا يج%%در تعل¢م%ه من ه%ؤالء الب%%احثين المعاص%رين ه%و أن شخص%%ية المس%يح كمعل�م للحكم%ةنيت عليه%%ا المس%%يحية التقليدي%%ة. ه%%ذه الباطنية تتناظر م%%ع شخص%%ية "المس%%يح المص%%لوب" ال%%تي ب%%� الشخصية الباطنية تتأل£ق في األناجيل الغنوصية التي ال تقل أهمية عن األناجيل األربع%%ة المعروف%%ة، وسوف تنبثق كالشمس من بين الغيوم حينما نكتشف المفاتيح المعرفي%%ة ال%%تي تس%%اعدنا على فهم

i تلك الحقائق الغنوصية الصوفية. إنجيل يوحنا ورسائل بولس فتتأل£ق مجددا

المسيح.. معلم الحكمة الباطنية ومصدر الحق%%ائق الغنوص%%ية الص%%وفية )إيل%%يزابيث ب%%روفيت(i من العدد 1998- تموز 77إعداد قسم البحوث الروحية في الضحى- راجع الضحى ابتداءا

Page 156: ابناء النور عبر العصور

:عاصفة الجدل الالهوتي

�س%%قف اإلس%%كندرية "اإلس%%كندر" في يوم يعود تاريخه إلى بدايات القرن الرابع، وبينم%%ا ك%%ان أ يشرح عقيدة التثليث لجماعته و�لدت عاصفة من الجدل الالهوتي ولم تهدأ حتى اآلن. يومه%%ا وق%%ف�دعى "آريوس" وطرح ه%%ذا الس%%ؤال راهب بقامته الفارعة وبشعره الشائب المنسدل حتى كتفيه، يi: "إذا كان اآلب قد أنجب اإلبن، ف%%إن£ المول%%ود ال ب%%د ل%%ه من بداي%%ة الذي كان يبدو ألول وهلة بسيطا بكلمات أخرى: إذا كان األب هو والد اإلبن أال يعني هذا أن لإلبن بداي%ة )من حيث الحي%اة والوج%ود(i أن مث%%ل ه%%ذا أم أنه وبحسب آريوس، "كان هناك زمان لم يكن فيه أي وج%%ود لإلبن". ك%%ان واض%%حا السؤال لم يطرحه أحد قبل ذلك واستنكر كثير من الكهنة هذه الهرطقة التي قال به%%ا آري%%وس من أنه كان "لإلبن" بداية. وعلى الفور اندلع الج%%دل بين أف%راد الجماع%ة ال%تي انقس%مت بين ف%ريقين: فريق يقوده آريوس من جهة، وفريق يقوده اإلسكندر وال "قس�يس أتاناس%%يوس" من جه%%ة أخ%%رى.د لي اس%%تغرق حيات%%ه بكامله%ا. وك%ان وقد تزعم أتاناسيوس فيما بعد حملة هذا الفريق في نضال ج% i للس%%خرية في مواجه%%ة آري%%وس العمالق ال%%ذي i مث%%يرا أتاناسيوس بقامته الهزيلة ولحيته الحمراء ند�ا

320iيكبر بكثير خصمه، بحيث كان األول يبدو في مقام الحفيد للثاني. عام م عقد اإلسكندر م جمعا في اإلسكندرية بهدف تفنيد أخطاء آريوس، ولكن هذه المحاول%%ة لم تفلح في إقف%%ال ب%%اب الج%%دل،�ب%%ة. i لهم المس%%ائل في ت%%رانيم خال ألن آريوس نقل الجدل يومها إلى ص%%فوف عام%%ة الن%%اس ملخ�ص%%ا وهك%%ذا ف%%إن اإلعص%%ار ال%%ذي تمخ£ض%%ت عن%%ه ه%%ذه ال%%ترانيم اجت%%اح الش%%وارع من اإلس%%كندرية إلىi(، وزبدة هذه الترانيم تقول: "كان هناك ثمة زمان لم يكن فيه اإلبن القسطنطينية )إسطنبول حالياi... الجو£ال%%ون i الهوتي%%ا ال عالم%%ا i". وفج%%أة انتش%%رت ح�م£ى الج%%دل ال%%ديني ح%%تى ب%%ات ك%%ل¢ يق%%� موجودات¤ في أوس%%اطهم ع%%دوى النق%%اش في ه%%ذه ر  كان الم%%دن، س%%  والص£رافون وحتى الخ%%دم وس%%ائر س%%�¤ن عن%%دما تن%%اهى الخ%%بر المسألة: "هل لإلبن بداية؟". وكادت الكنيسة نفسها أن تنقسم إلى كنيس%%تيi لفض ه%ذا ال%نزاع في حرك%ة ر التدخ¢ل شخص%يا �ذ�ن اإلمبراطور الروماني قسطنطين، الذي قر� إلى أ£رت وجه المسيحية إلى األبد. ولكن لماذا كان هذا النزاع؟ وم%%ا ه%%و وج%%ه المش%%كلة س%%واء أك%%ان غي£هموا أتباع آريوس بمحاولة االنتق%%اص من اإلبن هنالك بداية لإلبن أم ال؟!! فاألثوذوكس التقليديون اتi بجعلهم إي%%اه i مقد£س%%ا �قال أن جماعة آريوس أعطوا لإلبن اعتبارا بالقول أن له بداية، لكن الحقيقة تi بين المخلوقين"، فقد وصف آريوس "اإلبن" بأنه ارتقى لمنزلة "اإلله الكامل المول%%ود الواح%%د "أوال الالمتبد�ل"، لكنه مع ذلك له بداية وأصل. وأضاف: "نحن م�ضطهدون ألننا نقول بأن للمسيح بداية". وإذا لم تكن جماعة آريوس تستهدف مقام اإلبن فماذا كان قرارها يا ترى؟ لق%%د ك%%ان بيت القص%%يد في الجدل الذي أثاره آريوس: طبيعة اإلنسان وطريق خالصه، ولقد افترضت هذه العقيدة صورتينi ارتقى إلى منزلة i منذ األزل، وإما أنه كان إنسانا ليسوع المسيح ال ثالث لهما، فهو إما أن يكون إلهاi لل%ه، ف%إن ذل%ك يس%تبط�ن أن آدم%يين آخ%رين يس%تطيعون، إبن الله. وإذا كان المسيح قد ص%ار إبن%اi، سلوك دربه والوصول إلى منزلة عالية. وهذه الفك%%رة ك%%انت غ%%ير مقبول%%ة عن%%د التقلي%%ديين، نظرياi عن i تمتم%%ا i وأن%%ه ك%%ان على ال%%دوام مختلف%%ا i إله%%ا ومن هنا كان إصرارهم على أن المسيح كان دائماi جميع المخلوقات. وكما سنرى فإن موق%%ع الكنيس%%ة ال%%ثيولوجي ك%%ان في ج%%زء كب%%ير من%%ه محكوم%%اi يهد�د بجرف سلطة الكنيسة ألنه يخفي في �ار آريوس يشك�ل خطرا بمصالحها السياسية، لقد كان تي

£اته فكرة تقول: يمكن أن يتم الخالص ويتحق£ق دونما حاجة للكنيسة )كما حصل مع يسوع(. طي

:الروح والجسد

Page 157: ابناء النور عبر العصور

كانت نتيجة الجدل الذي أثاره آريوس حاسمة في التأثير على موق%%ف الكنيس%%ة من التقم¢ص ومن فرصة الروح في االتحاد بالخالق. لنفهم وجهة نظر آري%%وس علين%%ا أن نع%%ود إلى ال%%وقت ال%%ذيi من الل%%ه، ب%%ل هي تنتمي إلى i ولن تك%%ون ج%%زءا رت فيه الكنيسة أن الروح البشرية لم تكن يوما قر£لة عن الل%%ه أيم%%ا انفص%%ال. لق%%د ع%%اش "أوريج%%انوس" وس%%لفه ع%%الم الم%%ادة وهي بالت%%الي منفص%%�ل( غ%%ير المنظ%%ور "كليمونس" في اإلسكندرية في جو� أفالطوني. لق%%د اعتق%%دوا بوج%%ود )ع%%الم الم�ث%%��ل بينم%%ا نس%%با الجس%%د والسرمدي، وبوجود عالم المادة الزائل المتبد�ل، ونسبا الروح إلى عالم الم�ث�خلق وإنما ص%%در عن الل%%ه الواح%%د إلى عالم الطبيعة. فم�ن وجهة النظر األفالطونية فإن£ العالم لم ي�ح%%اد ه%ذه األرواح بأجس%ادها فإنه%ا بقيت األحد، لقد جاءت األرواح من العقل المقدس وحتى بع%د ات�منا كليمونس بأن اإلنس%انية في ش%كلها األرض%ي هي غرس%ة س%ماوية، وب%أن متصلة بمصدرها. ويعل�ما في مدين%%ة i للخالق". مع كليمونس وأوريجانوس، اللذين عل i وشبيها اإلنسان إنما ص�نع ليكون "ظال اإلسكندرية، كان هنالك فريق من اآلباء ينسجون نظرية الهوتية م�ضادة. لقد رفضت ه%%ذه الجماع%%ةل(، هي i من )ع%%الم الم�ث%%� i ج%%زءا المفهوم اإلغريقي للروح لتقول وألول مرة أن الروح ليست إطالق%%ا£ز الهوتها على تحو¢ل مثلها في ذلك مثل الجسد، جزء من عالم الطبيعة المتبدل والمتحو�ل. لقد ترك الروح وتبد¢لها وتساءلت كيف يمكن للروح أن تكون إلهية وخالدة طالما أنها متبد�لة متحو�لة وطالما هي ع�رضة للزلل وارتكاب اآلثام؟ وقد استنتجت أنها ال يمكنها أن تكون إلهية، أو شبيهة بالل%%ه، ألن الله ال يتبد�ل وال يتحو�ل. تناول آريوس مسألة تقل¢ب الروح، لكن%%ه انتهى إلى نتيج%%ة مختلف%%ة، فق%%ال:�ق ت الروح لتك%ون خال%دة، وم%ع أنه%ا �ق ت الروح، لكنه انتهى إلى نتيجة مختلفة، فقال: لقد خ�ل لقد خ�ل تس%%قط وتتقل£ب ألس%%باب عدي%%دة، إال أنه%%ا تمل%%ك الق%%درة على اس%%تعادة حالته%%ا الخال%%دة األساس%%ية. والنفس بالنسبة إليه في منزلة بين الروح والمادة وهي تستطيع أن تختار االنجذاب إلى أي منهم%ا. فاإلرادة التي تمتلكها النفس هي في موقع وس%%ط بين الجس%%د وال%%روح، وهي بال ش%%ك خ%%ادم ألح%%د£تحد به%%ا ¤ن بحسب اختياره%%ا. وإذا حص%%ل واخت%%ارت النفس أن تنض%%م إلى ال%%روح، فس%%ت �دي هذين السيi ب%%القوة وهي موهوب%%ة ب%%اإلرادة i. أن تعريفه للنفس يشبه تعريف أوريجانوس ويعتبره%ا وج%ودا تلقائيا

األسفل، لكنه%ا الحرة التي تجعلها تجنح نحو الفناء أو نحو الخلود، نحو الطريق السامي أو الطريق وبصرف النظر عن الطريق الذي تختار سلوكه، هي بالتأكيد إلهية المصدر. وهكذا فإن بم�س%%تطاعها�حاد بالخالق إذا سلكت الطريق القويم الذي يؤدي إلى كمالها. ومع أن الروح قد تبتع%%د أن تختار االت عن الخ%%الق بفع%%ل ممارس%%تها إلرادته%%ا الح%%رة، فهي س%%تحق�ق الحري%%ة والخل%%ود عن طري%%ق تك%%رار الوالدات وإعادة االلتحام بالشرارة اإللهية، التي هي جوهر الخالق في داخله%%ا. ول%%و لم يعط�ن%%ا الل%%هد دمى ولو كنا نفتقد اإلرادة لما اس%%تطعنا أن نخت%%ار الص%%راع اله%%ادف i مجر£ حرية االختيار لكنا جميعا�أ بتحقيق هذا الهدف. أما الهوتي العصر الثاني "تاتيان" �هن �صال بالخالق، ولما كان لنا أن ن إلعادة االت فقد اعتقد م%ع اإلغري%ق أن النفس تمل%ك الق%وة االحتمالي%ة كي تك%ون خال%دة ولكن%ه قلب مف%اهيم¤ن، ¤ن مختلفي عصور الفكر اإلغريقي المدي%دة، عن%دما ذهب إلى أن النفس وال%روح هم%ا من مص%دري فبينما تأتي الروح بحسب زعم%%ه، من األعلى ف%%إن النفس ت%%أتي من األس%%فل وعلي%%ه تك%%ون النفسi من عالم الروح، وهنا سيستنتج األخب%%ار التقلي%%ديون في وقت i من عالم المادة أكثر منها جزءا جزءار إلى ع%الم ال%روح دون أن يتلق�ى مس%اعدة الكنيس%ة. ه%ذه الحق ب%أن اإلنس%ان ال يس%تطيع أن يعب%� العقيدة، التي ربطت النفس بالجسد، ق%ادت إلى نفي الوج%ود الم�س%بق، ف%إذا ك%انت النفس مادي%ة وليست روحانية فإنها ال يمكن أن تكون موجودة قبل الجسد، يق%%ول "غريغ%%ور النيس%%ي": "ال يمكن للنفس أن توجد قبل الجسد وال يمكن تفريق الجسد عنه%%ا... كالهم%%ا يص%%دران عن مص%%در واح%%د".i؟ أجاب اآلباء عن هذا السؤال بجواب بعيد االحتمال: "إنه%%ا توج%%د في ال%%وقت �خلق النفس إذا متى ت

Page 158: ابناء النور عبر العصور

i: "إن الل%%ه ال ينف%%ك� يص%%نع األنفس ك%%ل نفسه مع الجسد لحظة الحبل" وأض%%اف األب ج%%يروم ق%%ائالi م%%ع ا �خلق في الوقت نفسه وإذا ك%%ان ع%%دد األنف�س يتزاي%%د يومي%%� يوم". إذا كانت األجساد واألنفس ت تزايد الوالدات، فإن الوجود الس%%ابق والتقم¢ص يص%%بحان خ%%ارج نط%%اق أي بحث ألنهم%%ا مبني%%ان على فرضية وجود النفس قبل الجسد وأن النفس ال يمكن أن يكون لها وجود سابق للحظة والدته%%ا في جيلها الحالي. إن الكنيسة الكاثوليكية ال تزال إلى اآلن تعل�م أن النفس تولد في ال%%وقت نفس%%ه م%%ع�ونان وحدة واحدة. نمط التفكير هذا ق%%اد بش%%كل¥ مباش%%ر الجسد، وبناء عليه فإن النفس والجسد يك�ة النفس على إلى نشوء الج%%دل ال%%ذي أث%%اره أوريج%%انوس، واآلن وم%%ا دامت الكنيس%%ة تنك%%ر أس%%بقيi إمكاني%ة ص%دور الجسد، كما تنكر انتماء النفس إلى عالم الروح فإنها في الوقت نفس%ه تنفي أيض%ا

 األنفس واألجساد والعالم المخلوق عن الله؟

:الهاوية الفاصلة

i من £تها، وبعدما كانت ه%%ذه الفك%%رة ج%%زءا بعد أن نفى آباء الكنيسة فكرة خلود النفس وإلوهي العقيدة المسيحية أيام كليمونس وأوريجانوس، طو£ر اآلباء مفهوم الخلق من الشيء، ف%%إن لم تكنi من الله فال يمكنها أن تكون مخلوقة من ذاته. بناء على ذلك نراهم يستنتجون أن الله النفس جزءا خلق األنفس في الوقت نفسه مع أجسادها وكذلك سائر ماديات العالم من ال شيء على اإلطالق.i: "إن الله أبدع هذا النسيج الكامل بكل ما فيه من عناص%%ر وقد عبر� عن ذلك األب "تارتوليان" قائالته وجاللته". وعليه فإن النفس المخلوقة ال تحت%%وي وقوى وأجساد وأنفس من الشيء ومن أجل عز£ على بذرة الله في ذاتها، وليس من الصعب التص%%و¢ر من أين انبثق ت نظ%%رة اإلنس%%ان لل%%ه على أن%%هفه كالعجينة يلهو به%%ا كم%%ا يش%%اء. �د الذي خلق النفوس منفصلةi عنه وتحت تصر¢ �د المستعب ذلك السي ويقول لنا األب "كلود ترسمونتان"، وهو الهوتي معاصر: "بحسب العقيدة المسيحية األصولية ف%%إن النفس اإلنسانية مخلوقة، وليست مصنوعة من مادة إلهية"، وعليه ف%%إن النفس ض%%عيفة وال تق%%وى£رة بمش%%يئة الل%%ه ومختلف%%ة عن%%ه. باإلض%%افة إلى ذل%%ك تق%%ول لن%%ا على الوج%%ود بمفرده%%ا، وهي م�س%%ي الموسوعة الكاثوليكية المعاصرة ما يلي: "بين الخالق والمخلوق هناك فرق واسع ال يمكن تص¢وره،د ذروة الوجود. بين الل%%ه واإلنس%%ان توج%%د هاوي%%ة كب%%يرة". i من العالم، ليس مجر£ إن الله ليس جزءاi يعني أن الوجود بذاته ال يس%%تقل� عن س%%واه، وغ%%ير مكت%%ف� بذات%%ه أن النفس وكون الموجود مخلوقاi إال بق%%در م%%ا في حالة تبعية جذرية دائمة وكاملة. فال مناص من االعتراف ب%%أن الع%%الم ليس حقيقي%%ا شاءه الخالق وأراده وهذا يتناقض مع األفالطونية، فال وجود لتل%%ك السلس%لة ال%تي ترب%%ط المخل%%وق بالخالق، كما أنه ال وجود للشرارة اإللهية في قلب كل منا، ب%%ل على العكس هن%%اك هاوي%%ة س%%حيقة£ته%%ا بعض الف%%رق تفصل الخ%%الق عن المخل%%وق. ه%%ذه النظ%%رة الجدي%%دة في عالقتن%%ا بالل%%ه وال%%تي تبن�ة ال تبعث فينا األمل على اإلطالق، إنما تقول لنا بأننا، معشر البشر، اإلسالمية وليس فقط المسيحي محشورون في ب%%ؤس مقيم على حاف%ة الهاوي%%ة الس%حيقة الغ%ور ننظ%ر إلى القع%ر... م�ح%%د�قين في الالشيء، نتأل£م عندما نرى الجانب اآلخر المقابل لنا حيث يقيم الله في خلوده. غير أن%%ه ف%%وق ه%%ذه م%%ة، بعض%%نا الهوة هناك جسر واحد للعبور، إنه الكنيسة، وس%%لوك ه%%ذا الجس%%ر يتم ع%%بر بواب%%ة¥ م�حكi على نفس%%ه دا �ؤ¤خ ذ بيده إلى الجانب اآلخر من%%ه. أم%%ا م ن¤ يح%%اول العب%%ور معتم%%� �سمح له بالدخول وي ي£ح ويسقط في الهاوية. عندما قال التقليديون بأن اإلنسان مخلوق من العدم فكم تراهم فقط فيترن ابتعدوا عن مفاهيم أيام كليمونس!!. لقد بعث كليمونس في إبن آدم الروح عندما وصفه: "ترنيم%%ة مباركة من الل%%ه ه%%و اإلنس%%ان. خال%%د ه%%و، ومجب%%ول على الح%%ق وف%%وق هامت%%ه ترتف%%ع هياك%%ل الن%%ور

i، فإن عقيدة "الخل%%ق من والحقيقة". بإنكارها المنشأ اإللهي لإلنسان، وكذلك احتمال صيرورته إلها

Page 159: ابناء النور عبر العصور

العدم" ألغت بشكل صارم فكرة الوجود السابق أو الحياة الالحقة. حالما اعتنقت الكنيس%%ة عقي%%دةi وصارت مس%%ألة نب%%ذ ك%%ل من أوريج%%انوس وآري%%وس £خذت موقفا الخلق من العدم، فإنها بذلك قد أت مسألة وقت ليس إال. في الحقيقة، إن الجدل الذي أثاره آريوس لم يكن سوى الخطوة األولى من

�لها أوريجانوس.  المعركة التي ستحرق األفكار الرهبانية التي مث

:إشكالية آريوس

�د  آريوس بعد وفاة أوريجانوس بزمن غير بعيد ونشأ في التقالي%%د ذاته%%ا من حيث ممارس%%ة و�لi إس%%لوبه، ولكن%%ه i أفكار أوريجانوس ومحاكي%%ا الرهبنة وتلقى التدريس على أيدي معل�م مرشد، مرددار على البق%%اء ض%%من ح%%دود الخ%%ط مع ذلك لم يستطع اعتن%%اق جمي%%ع أفك%%ار أوريج%%انوس ألن%%ه م�جب%% i منه. وعندما أثار آريوس الس%%ؤال عن �ل عقيدة الخلق من العدم جزءا �شك الالهوتي الموجود الذي ت بداية اإلبن فإنه في الواقع كان يش%%ير إلى ش%%رخ� عمي%%ق� في العقي%%دة، فالعقي%%دة لم توض%%ح طبيع%%ة المسيح، وهكذا كان يتساءل: هل توج%%د ه%%وةi عميق%%ة بين الخ%%الق والمخل%%وق؟ وعلى أي ض%%فة منلق المسيح من العدم مثله مثل باقي المخلوقات؟ أم أنه ضفتي هذه الهاوية يقف المسيح؟ وهل خ�

�م  اختار اإلنسان كجسد له؟ i من الله فل i من الله؟ وإذا كان جزءا كان جزءا

�منا الكنيسة أن اإلشكالية التي أثارها آريوس كانت في سياق النضال ضد الذين ق%%الوا أن �عل ت المسيح ليس بإله. ولكن المسألة الحساس%%ة ك%%انت تكمن في الج%%واب عن الس%%ؤال الت%%الي: كي%%ف يكون خالص اإلنسان؟ هل يكون ذلك بمحاكم%%ة المس%%يح أم بعبادت%%ه؟ لق%%د أج%%اب آري%%وس عن ه%%ذاi لله، وأنه بذلك ضرب لنا قدوة شاملة نس%%تطيع أن نقت%%دي السؤال بالقول إن المسيح قد أصبح إبناi منه، وعليه يكون هو والله i لله وكان جزءا i إبنا i وأبدا بها. لكن التقليديين قالوا: إن المسيح كان دائماi وال يمكن للمخلوقات تقليده في ذلك ألنهم ليسوا من جوهر الله. بالتالي، إن خالص اإلنسان واحدا�ى يس%وع �ال برحمة الله ومن خالل الكنيسة ليس إال. لقد اعتقد آريوس أن الل%%ه تبن ال يمكن تحقيقه إi إذا سلكوا طري%%ق المس%%يح. لق%%د كولد� له عندما بعثه من الموت وأن باقي البشر يمكنهم ذلك أيضا قال أتباع آريوس: "إن المسيح استحق£ البن%%وة بالطريق%%ة نفس%%ها الممكن%%ة لس%%ائر ب%%ني البش%%ر وإن تقم¢ص المسيح كانت غايته إرشاد البش%ر إلى مق%درتهم في اللح%%اق بيس%وع أو كم%ا ق%ال بط%رس: "المشاركة في إرث المسيح". وربما كان أوريجانوس سيتفق مع آريوس حول الفكرة ال%%تي تق%%ولi: "إن مهم%%ة المس%%يح إن هدف اإلبن كان مساعدة المخلوقات على تحقيق ألوهيتهم وقد كتب قائال�نهم من هي مساعدة حتى يصبحوا آلهة" وإنه أي المسيح، "جاء ليعطي البشر الوسيلة التي س%%تمك بلوغ القداسة"، وعندما باعدت الكنيسة األرثوذكسية ما بين المؤمنين وبين المس%%يح فإنه%%ا أنك%%رت£منا أن i: "إذا س%%ل عليهم إمكانية أن يصبحوا مثله أبناء الله. لقد هاجم أتاناسيوس أتباع آري%%وس ق%%ائال البشر يمكنهم االرتقاء إلى مس%%توى اإلبن فإنن%%ا نك%%ون ق%%د جعلن%%اهم في درج%%ة متس%%اوية م%%ع اإلبن الطبيعي والحقيقي وفي ذلك طغيان واض%ح. ولطالم%ا أن اآلب كم%ا اإلبن، واإلبن كم%ا اآلب فكي%%ف يمكن أن ينسب ذلك إلى باقي البشر؟". لقد رأى أتاناسيوس أن حم%%ل الع%%ذراء بول%%دها دون دنسi وأنه هو اإلبن الطبيعي الوحيد الممثل لله. وأن الحم%%ل �ا جميعا هو برهان على أن يسوع مختلف عن

 قد تم£ ليس بفعل زواج بشري بل بفعل الروح القدس.

:هذا هو جسدي

Page 160: ابناء النور عبر العصور

�ل فكرة إنسانية يسوع، سببها إخفاق%%ه في إدراك أن إن السبب الذي منع أتاناسيوس من تقبi في الوقت نفسه، لقد قرأ أتاناسيوس المعادلة من طرف� i وإلها أي� شخص يستطيع أن يكون بشراi i وبالت%%الي خال%%دا i. وإما أن يك%%ون إله%%ا i زائال i وبالتالي متحو�ال واحد... فبالنسبة إليه إما أن يكون إنسانا وغير متحو�ل. إن النظرة التقليدية ليسوه كإل%ه، مبني%%ة في ج%زء كب%%ير¥¥¥¥¥¥ منه%ا على س%%وء ف%ه إلنجي%%ل يوحنا. يقول يوحنا: "في البدء كان الكلمة، وكان الكلمة مع الله، وكان الكلمة الل%%ه... ك%%ل األش%%ياءنعت بواسطته وبدونه لم يكن لشيء أن يوجد". ثم يقول لنا يوحنا في مكان الحق: "صار الكلمة ص�i وأقام بيننا". واستنتج التقليديون من هذا القول بأن يسوع المسيح هو الله وهو الكلمة ال%%تي جسدا

i. إن ما استعصى عليهم فهمه هو أن يوحنا عن%%دما دع%%ا يس%%وع "بالكلم%%ة" فإنم%%ا Wordصارت جسداi لتقاليد الفكر اليوناني فإن كلمةLogos كان يرمز إلى أصل هذه الكلمة اليوناني وهي كلمة ، ووفقا

�ل�ي وقد قال "فيلو" أحد الفالسفة عن اللوغوس: "إن%%ه ش%%بيه الل%%ه ال%%ذي "لوغوس" تعني العقل الك أبدع منه الله العالم أجمع"، وأطلق أوريجانوس عليه "النفس المسؤولة عن تماسك الع%%الم". لق%%د

�ل�ي i للعق%%ل الك �عتبر تجس%%يدا £زة، مثل سليمان، ت ،Logos اعتقد "فيلو" أن الشخصيات اإلنسانية الممي وهكذا فإن يوحنا عندما كتب أن يسوع هو ال "لوغوس"، إن ما قصده يوحنا ه: "أن يسوع اإلنسان قد أصبح العقل الكل�ي اللوغوس". بعض الالهوتيين األوائل اعتقدوا أن أي ش%%خص يمكن%%ه الحص%%ول

على مثل هذه الفرصة إذا سلك درب السيد المسيح وآمن بتعاليمه وعمل بها.

" موجود في داخ%ل ك%ل من%%ا" ومن أج%ل ذل%كlogosكليمونس يقول لنا: "إن ظل "الكلمة" "i ه%و الش%رارة جاء في سفر التكوين: "إن اإلنسان ص�نع على "ص%ورة الل%%ه ومثال%ه"، "فالكلم%ة" إذا اإللهية وبذرة المسيح في قلوبنا... ومن الواضح أن التقليديين إما رفضوا هذه الفكرة وإما تغ%%افلوا

عنها.

i، لكن ه%ذا ال يع%ني أن%ه اإلنس%ان علينا أن نعي أن يسوع صار كلمة الله، مثلم%ا ص%ار مس%يحاi أن يكون كذلك، وقد ش%%رح يس%%وع ه%%ذا اللغ%%ز عن%%دما كس%%ر الخ%%بز في الوحيد الذي يستطيع نظريا

i كرمز� للعقل الكلي األوحد i واحدا ، و"للمسيح األوحد"Logos العشاء السري األخير. لقد تناول رغيفاi: "هذا جسدي أكسره من أجلكم". لقد كان يش%%رح من خالل ذل%%ك ألتباع%%ه وكسر هذا الرغيف قائالi لس%%ائر الع%%الم. �i واح%%دا i كلي%%ا i أو عقال i أو كلمةi واح%%دا i واحدا i ومسيحا i أحدا i مطلقا i واحدا بأن هناك إلهاأ وينكس%ر وم%ع ذل%ك تبقى في ك%ل ج%زء من%ه جمي%ع i مثل جسد المسيح يمكنه أن يتج%ز£ لكن جسدا خصائص الكل. لقد كام يرمي إلى تعليمهم أن بذرة المس%%يح موج%%ودة في داخ%%ل ك%%ل واح%%د منهم، وأن رسالته هي إذكاء هذا القبس وإيقاظ هذه البذرة الهاجعة في باطنهم. وأن هذه البذرة ال يمكنر جس%%ده. إن أص%%غر ذرة� من المس%%يح تحت%%وي على الطبيع%%ة الكامل%%ة لقداس%%ة أن تبور مهم%%ا تكس%%£i من تكوينن%%ا. لق%د أس%%اء التقلي%%ديون فهم يس%وع المس%يح ال%تي ال ت%زال إلى أيامن%%ا الحاض%رة ج%زءا£لوا الحقيقة القائلة بأن كل إنسان يملك الطبيعة البشرية وتعاليمه ألنه لم يكن بمستطاعهم أن يتقب واإللهية وإمكانية الترق�ي إلى القداسة في آن واحد. لقد استغلق عليهم أن يفهموا طبيع%%ة المس%%يح البشرية واإللهية، فلم يس%%تط�عوا فهم أنفس%%هم وعن%%دما ت%%راءى لهم الض%%عف البش%%ري، ق%%اموا بنفي الطبيعة اإللهية في اإلنسان. هذه الطبيعة التي ال تنفك من وقت آلخر ترسل ومضاتها الالمع%%ة إلى

.i أبسط الناس وأشد�هم ضعة وضعفا

:الطريق إلى القداسة

Page 161: ابناء النور عبر العصور

لقد صع�ب على الكنيسة االعتراف بأن يسوع جاء ليضرب لنا المثل في عملية التح%%و�ل ال%%تيi في غاية الس%هولة. لق%د اعتق%د i، ووجد أوريجانوس تفسيرا بمقدور اإلنسان اجتيازها حتى يصبح إلها¤ن يق%%ود الطبيع%%ة ¤ن البشرية واإللهية تتمازج%%ان بش%%كل دائم، وأن الت%%داخل بين الطبيع%%تي أن الطبيعيi على يس%%وع البشرية ذاتها نحو اإللوهية، وهو ينتهي إلى القول إن فرصة التحو�ل هذه ليس%%ت و قف%%ار به%ا. لم ي%ر  بل هي في مقدور كل من يس%لك ب%إخالص طريق%ة الحي%اة ال%تي س%لكها يس%وع وبش%£i في وصف الصلة والعالقة التي تربط ب%%ني البش%%ر ب% "اإلبن" فق%%ال: "إنن%%ا نمتل%%ك أوريجانوس حرجا الب%%ذرة إياه%%ا الموج%%ودة في اآلب واإلبن. وعلي%%ه فإنن%%ا مفط%%ورون على ص%%ورة تش%%به اآلب واإلبن، ويمكن أن نك%%ون إزاء الحقيق%%ة كم%%ا اآلب لإلبن أو اإلبن لآلب.. وبم%%ا أن الخص%%ائص النبيل%%ة "لإلبن"ظ ه%%ذه الخص%%ائص في عملي%%ة الس%%ير نح%%و القداس%%ة". إن كامنة في ذواتنا: فنحن نستطيع أن نوق%%�i إلى هذه النقطة، إنها تخبرن%%ا أن خ تقاليد يسوع في الهند، تشير أيضا مخطوطة "هيمس"، التي تؤر�i عن كيفي%%ة وص%%ول �ف أنفسنا في مسلك القداسة، ولكي يضرب لنا مثال �منا كيف نكي يسوع جاء ليعل اإلنسان إلى هذه الدرجة من الكمال الضروري ل%%دخول ملك%%وت الل%%ه... علين%%ا أن نقتفي آث%%ار اإلبند أنفسنا مع اآلب. إستعار أوريجانوس كالم يسوع: "أنا وأبي واحد" ليشرح لنا العالق%ة بين لكي نوح� اآلب واإلبن. إن يسوع البشري يستطيع أن يقول لنا أنه واآلب واحد. وهو في جسده الف%%اني، ألن%%ه�من%%ا �حاد باآلب. لقد كانت حي%%اة يس%%وع أمثول%%ة تعل i في داخله هو دائم االت i خالدا يعرف أن هناك جزءا�ص%%بح خال%دة ولت%%دخل في اإلتح%%اد بالخ%%الق... نعم، i لكي ت كيف يتس%نى لن%%ا أن نح%%و�ل أنفس%نا يومي%%اi أن يقول%وا م%ا قال%ه يس%وع: "أن%ا وأبي واح%د" وأنهم الموح�دون الحقيقيين الي%وم يس%تطيعون أيض%ازون ه%%ذا الق%%ول بش%%كل ي%%ومي من خالل س%%لوكياتهم وأعم%%الهم وليس من خالل الطق%%وس يع%%ز�i أعم%%ل" بالنس%%بة i وكل يوم وهكذا أنا أيضا i لقول يسوع "أبي يعمل دائما �ة تطبيقا ¢دات السطحي والتعب ألتباع آريوس كانت عملية التطه¢ر ضرورية للخالص أما بالنسبة للتقليديين فقد كان ذلك "هرطقة".

i على324في عام دخل األم%%براطور الروم%%اني "قس%%طنطين"، وك%%ان ق%%د مض%%ى إثن%%ا عش%%ر عام%%ا اعتناق%%ه لل%%دين المس%%يحي، معمع%%ة الج%%دل ال%%ذي أث%%اره آري%%وس فكتب رس%%الة إلي%%ه وإلى أس%%قف�هما فيها على تسوية خالفاتهما، وقد أرس%%ل "األس%%قف هوس%%يوس" من قرطب%%ة إلى اإلسكندرية يحث اإلسكندرية لكي يسل�م هذه الرسالة، لكن رسالة اإلم%براطور لم تس%تط�ع أن ته%د�ئ العاص%فة ال%تي ازداد اضطرامها حول طبيعة المسيح وعالقته باإلنس%%ان، لق%%د أيقن قس%%طنطين أن علي%%ه أن يع%%الج

i حل� هذه العقدة. المسألة بطرق إضافية استثنائية إذا ما أراد فعال

:تجسد الله في اإلنسان

لقد كان من الخطأ بالدرجة األولى ط%%رح مث%%ل ه%%ذه األس%%ئلة أو الت%%ور¢ط باإلجاب%%ة عنه%%ا عن%%د م(.325طرحها" )قسطنطين- من رسالة إلى اإلسكندر وآريوس عام

ة i لرعي%%� i يحتضر أمام كاهن مس%%يحي...! لق%%د ك%%ان قس%%طنطين حاكم%%ا �د العالم عاريا وقف سيi لمراسم تعميده. ومع أنه �ئا يزيد تعدادها عن الثمانين مليون نسمة عندما خلع أثوابه األرجوانية متهيi أساسية بإسم الصليب لربع قرن خال إال أنه شاء أن ينتظر نهاية مرضه المميت لينض%%م كسب حربا إلى الكنيسة بشكل رسمي كأحد رعاياها. فما هو سبب هذا الترد¢د في قبول التعمي%%د؟ لق%%د اعتق%%در فيه%%ا من i فرص%%ة وحي%%دة يتطه%%£ قسطنطين أن المعمودية تعطي اإلنسان فرصة فريدة، لكنها أيضا�ع على نفسه فرص%%ة العم%%ر الثمين%%ة ه%%ذه. جميع ذنوبه وخطاياه. ولم يكن الرجل يرغب في أن يضيi إلى ارتك%اب األخط%اء كان يؤخ�ر العم%ادة ألن%ه خش%ي  أن يفق%د ذل%ك النق%اء بس%بب عودت%ه مج%د£دا

Page 162: ابناء النور عبر العصور

ل قس%%طنطين معموديت%%ه ب%%دافع خ "مايكل غ%%رانت": "لق%%د أج%%� والذنوب قبل وفاته. وكما قال المؤر� خوفه من الله وخشية من أن يعود إلى الخطأ من جديد بعد تلقي مراسم العمادة فتهلك روحه�. إنi يع%%ني بالنس%%بة ¢ل العمادة يفضح طريقته في اإليمان، فكون المرء مسيحيا استنكاف قسطنطين تقب�حاد مع الله. وهذه النظ%%رة إليه، تحاشي غضب الله وعقابه أكثر من السم�و في اإليمان وتحقيق االتi على الخلفية التي وقفت وراء موقفه من الجدل ال%%ذي أث%%اره آري%%وس. فبع%%د أن i كاشفا تلقي ضوءاi �عطى حي%%اة خال%%دة، لبس قس%%طنطين أثواب%%ا i من أن%%ه س%%وف ي تلق�ى معموديته، وبالتالي أصبح واثق%%اخ i الحياة. وقد ذكر م%%ؤر� بيضاء واعتكف في مسكن مجاور حيث استلقى على فراش الموت مفارقا الكنيسة "أوسيبوس" أن قسطنطين ق%ال قب%ل أن وافت%ه المني%ة ب%وقت قص%ير: "اآلن أش%عر أن%نيi قس%%طنطين ي%%ؤمن بتع%%اليم أستحق الخلود في األبدي%%ة". وم%%ع ذل%%ك، يبقى الس%%ؤال، ه%%ل ك%%ان فعالi؟ المسيحية؟ أم أنه كما يقول بعض المؤرخين رأى في المسيحية أداة تجم%%ع ش%%مل األم%%ة سياس%%يا

إن الجواب الصحيح يقع على األرجح في منزلة متأرجحة بين هذين االحتمالين.

:القديس الثالث عشر

لقد رأى قسطنطين في المسيحية األداة التي يمكن اس%%تعمالها لتوحي%%د اإلمبراطوري%%ة ال%%تيi من أجل جمع شملها. وبعد تش%%تيت العقائ%%د الوثني%%ة، قي%%ل أن%%ه لم يع%%د في حارب ثمانية عشر عاماi ¤ن هما: الكنيسة والجيش. مع ذلك، فإن قسطنطين كان مسيحيا ¤ن منظ�متي اإلمبراطورية سوى قو£تيi، على الرغم من أن إيمانه كان من الن%%وع الس%%اذج، لق%%د نظ%%ر إلى نفس%%ه كم�رس%%ل من الل%%ه مؤمنا لخدمة الكنيسة، حتى أنه كان يشترك بنفسه في تقديم المواعظ والقداديس وإحياء احتفاالت عي%%دi بتطبيق المعايير المسيحية الحترام الحياة؟ فبعد مضي �رى هل كان قسطنطين يلتزم حقا الفصح. ت عشر سنوات على انقالبه نحو المس%%يحية ك%%ان ال ي%%زال يحكم على المج%%رمين بالص%%لب، لق%%د ك%%انi ال يتوانى عن القتل والخداع وقد وصفه "غرانت" بأنه مثال الحاكم ال "أوت%%وقراطي" i سفاحا حاكما المؤمن بحق�ه في قتل من يشاء. لقد أمر بصلب ولده البكر "كريسبوس" بتهمة التآمر غير الثابت%%ة،ع عن وعندما ارتاب في أمر زوجته الثانية "كوستا" التي هي أم أوالده الثالثة الباقين، فإنه لم يت%%ور�i في حم%ام بخ%اري ش%ديد الح%رارة، ك%ذلك أم%ر بإع%دام ص%ديقه ومستش%اره األم%ر بإع%دامها خنق%ا

بتهم كاذبة مل�فقة، هذه الدماء التي سفكها ال ب%%د أنه%%ا ألقت بثقله%%ا Sopater   الفيلسوف "سوباتير"ر نزع األث%%واب األرجواني%%ة عن جس%%ده لكي يغطس في مي%%اه المعمودي%%ة. لق%%د على عقله عندما قر£ سخرت األمم من المسيحيين أمثال قسطنطين إلفراغهم قوة المعمودية من مض%%مونها، وق%%د كتب

i االعتق%%اد المس%%يحي ب%%أن Porphyry "بورفيري" وهو أحد أتباع األفالطونية الم�حد ثة، بإسهاب منتق%%دا معمودية واحدة يمكنها غسل جميع اآلثام السابقة، ولقد ذهب إلى القول أن مثل هذه الطقوس قد تشج�ع الن%%اس على إتي%%ان األعم%%ال الش%%ريرة طالم%%ا أن ورق%%ة المعمودي%%ة في ي%%دهم بحيث يمكنهمi استخدامها في نهاية المطاف لغسل جميع الذنوب السابقة. لقد ك%%انت س%%يرة قس%%طنطين ش%%اهداi األيام القليلة i على صحة قول بروفيري، لقد أتى األمبراطور بجميع المظالم وثابر عليها منتظرا حيا قبل موته للتعم�د بالماء المقد£س والتحرر من جميع اآلثام والذنوب. ومع هذا النم%%وذج عن الم%%ؤمن المس%%يحي، اعتق%%د الن%%اس أنهم يس%%تطيعون اإلتي%%ان بجمي%%ع الموبق%%ات قب%%ل أن يؤوب%%وا أخ%%يرأ إلى¢ع بمكانت%%ه المرموق%%ة في الكنيسة، ولم يسمح قسطنطين لذنوبه وخطاياه أن تحول بينه وبين التمت الكنيسة، فبعد وفاته سجي جثمانه في نعش م�ذ ه£ب م�غ ط�ى بالحرير األرج%%واني ود�ف�ن في الكنيس%%ةس�ل القديسين والتي بناها كمصلى� خ%%اص ب%%ه، وتحت القب%%ة خ¤رف ة بالذهب الم�خ ص£صة لدفن الر� الم�ز i للقديسين ومن الرئيسية الخالدة لهذه الكنيسة يوجد صفان من األضرحة ستة في كل صف تخليدا

Page 163: ابناء النور عبر العصور

�ض%%ع ناووس%%ه أجل تأكيد مكانته وفضله على الكنيسة ك "قد�يسها الثالث عشر"، أصدر أوامره بأن ي في الوسط بين هذه األضرحة... ألم يكن فضله على الكنيسة يضارع فضل هؤالء القديسين؟ وم%%عi للتقاليد الخاصة باألباطرة i بعد وفاته وفقا i رومانيا أنه كان ينظر إلى نفسه كقد�يس... فقد اعتبر إلها الرومان التي ابتدأت مع األمبراطور "أغسطس"، لقد جرى تأليه قسطنطين على أس%%اس س%%لطته األرضية، وليس على أساس تحو�له الروحاني، ويبدو أن قسطنطين نظر إلى الله وكأن%%ه أم%%براطور

£ر الالهوت المسيحي فقد طبع الله بطابع بشري. روماني، وعندما غي

:الجدل العقيم

وإذا كان فهم قسطنطين للمسيحية في هذا المس%%توى من الس%%طحية فإن%%ه ليس بعجيب أن يغيب عن ذهن%%ه ج%%وهر المس%%ألة ال%%تي أثاره%%ا آري%%وس. ففي رس%%الته إلى آري%%وس، ينفض%%ح فهم%%ه السطحي الساذج لإليمان المسيحي، فها هو يقول أنه بعد التمع¢ن الدقيق في هذه المسألة وج%%دهاد جدل أو محاكم%%ة ذل%%ك �ة على أسباب قليلة األهمية، فبالنسبة إليه لم يكن األمر أكثر من مجر£ �ي ¤ن م ب:i i وهو ينصح آريوس واإلس%%كندر ق%%ائال الجدال، وحسب رأيه هذا الجدل ما كان يجب أن ينشأ أساساi على إص%الح مج%رى الش%ؤون العام%ة"، ثم i باالنسجام والعم%ل مع%ا "كركما على حق... فعليكما إذا�ف انخرطهما في هذا الجدل العقيم ألن السؤال الذي أثاره آريوس غير ح%%ري باالنتب%%اه وإذا ج%%ر� يعنi من ال%%وقت £س%%عا دفن في ت%%راب الص%%مت المطل%%ق، وإذا كان%%ا يج%%دان مت االنتب%%اه إلي%%ه فيجب أن ي%%�...i يستهلكانه في الجدل فإن نزاعهما قد تاه في مراعي المتع الضارة، لكن الرس%%الة لم تج%%د نفع%%ا

أن قساوس%%ة الم%%دن كاف%%ة ق%%د Eusebius لقد اشتد� الجدل ب%%دل أن ينطفئ، ويخبرن%%ا "أوس%%يبيوس" دخل%%وا في ص%%راع عني%%د م%%ع زمالئهم ووق%%ف الن%%اس في الش%%وارع إزاء بعض%%هم البعض، وحص%%لت صدامات عنيفة تلتها كتابات كانت من العنف بحيث تن%%اولت باالحتق%%ار مرك%%ز اإلم%%براطور. ولم يكن قد مضى على انفراد قسطنطين بحكم اإلمبراطورية سوى أشهر معدودة عندما انخرط في عم%%ل س%%ي، دع%ا إلي%%ه األس%%اقفة من  ن حاسم لتثبيت وحدة الكنيسة المسيحية. لذلك فإنه دعا إلى م ج¤م ع ك

i لهم وسائط النقل. وانعق%%د المجم%%ع في نيقي%%ا وهي مدين%%ة تق%%ع Nicaea جميع أقطار مملكته مقد�ماعلى ضفة بحيرة جنوبي شرقي القسطنطينية.

�س%%قف حض%%ر ثالثمائ%%ة ومن الصعب تسمية هذا المجمع بالمسكوني ألنه من أص%%ل ثمانمئ%%ة أ�سقف روما فقد أرس%%ل من فقط، منهم ستة فقط من غربي اإلمبراطورية الناطقين بالالتينية. أما أi بحجة أنه رجل كبير في السن ال يتحم%ل مث%ل ه%ذا الس%فر الطوي%ل. لق%د �له ولم يحضر شخصيا يمثو¤ج د مجم%ع نيقي%ا س%ابقة ش%ديدة األهمي%ة، فألو�ل م%رة يق%وم ح%اكم دني%وي بالت%أثير على العقي%دة

  أ المسيحية، لقد ك%ان عن%د القساوس%ة ع%دد كب%ير من األس%باب ال%تي ت%دفعهم إلى م�داهن%ة ح%اميهم اإلمبراطور، وال عجب في ذلك، فبعضهم ما زال يحمل على جس%ده آث%ار التع%ذيب ال%تي أنزله%ا ب%ه

 اإلمبراطور السابق.

:نيقيا

 سي في يوم من شهر حزيران سنة  ن م، وأوشك المؤتمر على أن يفتتح325ع�ق�د المجمع الك أعماله بعدما أخذ األساقفة مقاعدهم ودخل قاعة الم%%ؤتمر ثالث%%ة من أق%%ارب اإلم%%براطور كمقد�م%%ة

Page 164: ابناء النور عبر العصور

 لدخول الوفد اإلمبراطوري، بينما انتظر أفراد الحرس الخاص خارج القاعة.

�شار إليه بأنه المقد£س الجلي%%ل، فس%%يطر ال%%روع على قل%%وب  i دخل اإلمبراطور الذي ي وأخيرا األساقفة. كان يرتدي أثواب ملك من الشرق، وشعره منسدل طويل، وعباءته األرجوانية الموش%%اةى بالذهب، وبدأ خطابه، تتألأل بالذهب واألحجار الكريمة أخذ اإلمبراطور مكانه على مقعد وثير موش i بشكل متناغ�م. إن%%ه يح%%ذ�ر £حدين ويعملون معا لقد كانت رسالته إلى المؤتمر واضحة: هو يريدهم متi من االنشقاق ويعتبره أشد أنواع الخطر على اإلطالق، ولذلك فهو يأمر األساقفة باالنص%%راف ف%%وراi. بع%%د ذل%%ك تنح�ى إلى العم%%ل على تس%%وية الخالف%%ات وإزال%%ة أس%%باب الش%%قاق وط%%رح التناب%%ذ جانب%%اi دور المعتدل الذي ال يريد أن يطغى رأيه على اإلمبراطور عن كرسيه وجلس وراء المؤتمرين آخذا أعمال المجمع. ومع أن تفاصيل النقاشات التي دارت في الم%ؤتمر لم تص%ل إلين%ا إال أنن%ا نس%تطيعi. لق%%د ك%%ان الخالف األساس%%ي ح%%ول مس%%ألة خل%%ق تبيانها من وثائق المساجالت التي حصلت الحق%%ا المسيح وما إذا كان يخض%ع لن%اموس التح%و�ل كب%اقي البش%ر، وكم%ا أس%لفنا ف%إن المس%يح إذا ك%انi، كما قال آريوس، فإن� الخالص يصبح في منتهى السهولة لسائر البشر إذا حذوا حذوه، أم%%ا مخلوقاi i بالله، كما قال المحافظون، فس%%يختلف ب%%ذلك عن الخل%%ق كلي%%ا إذا كان المسيح غير مخلوق وشبيهاi للخالص، وال يشبههم في شيء وال مناص للبشرية من الخضوع المطلق للكنيس%%ة وقوانينه%%ا توخ�ي%%اعوا في تفس%%ير لقد جعله الفريق المحافظ في منزلة بعيدة عن متناول البشر. كان عليهم أن يتوس�ل جمي%ع أقواله لتبرير كل ما ذهبوا إليه في ه%ذا المج%ال، وذهب بهم األم%ر إلى ح%د إنك%ار أو تجاه%� النصوص التي ورد فيها وج%%ود ص%%فات إنس%%انية للمس%%يح. إال أن جماع%%ة آري%%وس استش%%هدت به%%ذه النصوص، وعلى سبيل المثال قول يسوع أنه ال يعلم متى ستكون عودته الثانية كقوله: "عن ميع%%اد اليوم والساعة ال أحد يعلم حتى المالئكة في الس%%ماء وك%%ذلك اإلبن وه%%و علم يختص ب%%ه األب دون سواه". أال يشير هذا النص بكل وضوح، يقول فري%%ق آري%%وس، إلى أن أدنى منزل%ة من اآلب؟ وي%%رد عليهم اإلسكندر وأسقفه آتاناسيوس.. "بلى إن يسوع يعرف اليوم والساعة ولكنه مع ذل%%ك ال يري%%د أن يفضي بعمله هذا ألحد". لقد أرادنا المسيح أن نح%%ذو ح%%ذوه، كم%%ا ي%%رى فري%%ق آري%%وس، وص%%الةi كما نحن واح%%د" ه%%ذا المسيح إلى أبيه ترمز إلى ذلك بوضوح شديد: "وأجمع شملهم ليكونوا واحدا يعني أن يسوع كان يريد ألتباعه أن يتحدوا بالله كما هي الحال بالنس%%بة إلي%%ه. ورد£ األص%%وليون على هذه المقولة بقولهم: "إن يسوع لم يكن في صالته ه%%ذه يس%%أل الل%%ه في الحقيق%%ة إعط%%اء تالمي%%ذه العالقة الخاصة نفسها التي يتمتع هو بها، ما ذهب إليه يسوع فقط ه%%و الطلب من تالمي%%ذه االتح%%ادi: "إن فيما بينهم وبشكل منسجم". كما ناقش اإلسكندر ه%%ذه الص%%الة من وجه%%ة نظ%%ر أخ%%رى ق%%ائال�منح لس%%ائر البش%%ر وال عالق%%ة بين البن%%و£تين البنو£ة الم م¤نوحة لإلبن تختلف عن البنو£ة التي يمكن أن تi وليس هنالك من أبناء آخرين بالمعنى الطبيعي للبنو£ة سوى يسوع وح%%ده". وذهب أتاناس%%يوس أبدا

Our أبعد من ذلك في بحث هذا الموضوع عندما قال أن مجرد مخاطبة يس%%وع لل%%ه بعب%%ارة "أبون%%ا"father ال تعني بالضرورة أنه يقصد أن الل%%ه ه%%و "أبون%%ا" كم%%ا ه%%و "أب%%وه" وبالت%%الي ال يس%%و£غ لن%%ا أن

i i عن%%دما انتهى إلى الق%%ول: "لن نك%%ون أب%%دا نساوي أنفسنا ب%%اإلبن. وأقف%%ل أتاناس%%يوس الب%%اب نهائي%%اi ح%%اول آري%%وس وفريق%%ه تق%%ديم البره%%ان على أن i بنا". وعبث%%ا شبيهين به ولن يكون كلمة الله شبيهاi ورد�وا على الفريق اآلخر بعبارة اعتق%%دوا أنه%%ا تش%%ير إلى اإلبن وهي i مثلنا جميعا يسوع كان مخلوقا

تقول: "لقد خلقني الله في بداية البدايات".

توالت اجتماعات الم%%ؤتمر طيل%%ة ش%%هرين وبحض%%ور قس%%طنطين، ال%%ذي أص%%غى إلى النق%%اشi على وح%%دة الكنيس%%ة. ثم تق%%د£م آألب "هوس%%يوس" كب%%ير أس%%اقفة i دوم%%ا الدائر وشارك فيه، مشد�دا

Page 165: ابناء النور عبر العصور

i بأن هناك طريقة واحدة لحسم النزاع وهي التصويت علىميثاق واحد للكنيسة Cordova قرطبة قائالi في حين%%ه ليناس%%ب مقاص%%دهم وق%%د i ك%%ان موج%%ودا المسيحية. لقد عد�ل األساقفة المؤتمرون ميثاقاضه لتعديل طفيف آخ%%ر في الق%%رن الراب%%ع، كم%%ا ه%%و استمر العمل بهذا الميثاق على الرغم من تعر¢

The حتى اآلن في كثير من الكنائس، لقد د�عي هذا الميثاق، بميثاق نيقيا Nicean Creedوقد ب%ذل ، i أخ%%رى، للفص%%ل بين اآلب واإلبن من جه%%ة وبين i أحيانا i، ومستفيضا i أحيانا i متكلفا i كبيرا واضعوه جهدا اآلب وسائر البشر من جهة أخرى، فقد جاء فيه: "إننا ن%ؤمن بإل%ه واح%د، اآلب الق%دير ص%انع جمي%ع الموجودات، المنظورة، وغير المنظورة كما نؤمن برب واحد هو يس%وع المس%يح إبن الل%ه المول%ود الوحيد ألبيه اآلب من مادة اآلب اإلل%ه، ون%ور الن%ور، والل%ه الح%ق، المول%ود، ال المخل%وق، من م%ادةi". أسقفان فق%%ط باإلض%%افة واحدة مع اآلب، الذي خلقت به جميع األشياء- الذي تجس�د وصار إنسانا إلى آريوس رفضوا التوقيع على هذا الميثاق، ل%%ذلك ط%%ردهم قس%%طنطين من اإلمبراطوري%%ة، بينم%%اi في احتفال عظيم ج%%رت مراس%%مه في �حاد الكنيسة م�جددا انصرف باقي األساقفة إلى االحتفال بات

القصر اإلمبراطوري.

:التوصية

i على افتراقن%%ا عن الل%%ه د أيض%%ا لقد ذهب الميثاق إلى أبعد من تأكيد قداسة يسوع عن%%دما أك%%£برهن على أن المس%يح ه%و إل%ه i كم%ا أس%%لفنا، لكي ي%� �ف%ا i متكل وعن المسيح، لقد بذل الميث%%اق جه%دا

i وهو يختلف عنا نحن البشر تمام االختالف. i مع إنكار كونه مخلوقا تماشيا

Apostle's لقد تكرر وصف يسوع في "ميثاق األولياء" Creed ح%%تى i ال%%ذي ال ي%%زال م�س%%تخد ماi "إني أؤمن بالل%%ه، اآلن في كثير من الكنائس البروتستانية بأنه اإلبن الوحيد لله. وقد جاء فيه أيض%%ا اآلب القدير. إنيأؤمن بربنا يسوع المسيح ولده الوحيد". ولكن حتى ه%%ذه اللغ%%ة ال%%تي ت%%دعو يس%%وع باإلبن الوحيد لله تنكر على البشر أن يتوصلوا إلى درجة البنو£ة التي حصل عليه%%ا يس%%وع. لعل%%ه من المفيد أن نلفت أنظار المسيحيين إلى أن الكثير من العلماء ال%%ذين يعكف%%ون على دراس%%ة اإلنجي%%لi أن اد£عى بأنه إبن الله الوحي%%د". وأن ذل%ك تفس%ير هذه األيام يعتقدون: "أن يسوع لم يسبق له أبدا�شير إلى أن يسوع كان يعتق%د ب%أن الن%اس يمكنهم خاطئ إلنجيل يوحنا... وهنالك دليل أكثر صالبة ي أن يصيروا أبناء الله. لكن الكنائس بإخفائها هذه المواثيق ستبقى مرته�نه لقس%%طنطين وقساوس%%ته الثالثمائة. بعد انتهاء المجمع المسكوني المذكور، وحالما دخل القساوسة إلى القصر اإلمبراطورياسه، ثم اس%%تقلوا على األرائ%%ك لحضور المأدبة التي أعد£ها قسطنطين لهم ومشوا تحت سيوف حر  المخملية وتناولوا من طيبات اللحوم والفواكه وتقبلوا هدايا العرفان بالجميل من اإلمبراطور... هل تراهم تصو�روا أن هذه الرعاية الملكية التي تترافق مع الكنائس الدنيوية التي س%%يبنيها قس%%طنطين س%%تقف بينهم وبين فرص%%تهم نح%%و االرتح%%ال إلى القص%%ور الس%%ماوية لل%%ه المقيم في دواخلن%%ا؟ في رسالة وجه£ها إلى األساقفة ال%ذين لم يحض%روا م%ؤتمر نيقي%ا، طلب اإلم%براطور منهم اإلذع%ان إلىعاة الكنيسة النظر هذه "التوصية المقدسة" ألنها صدرت عن المجمع المسكوني المقدس، فعلى ر�

indicative إلى هذه التوصيات وكأنه%ا إرش%اد ص%ادر عن اإلرادة اإللهي%ة المقدس%ة"، of the divine willالموق%ف التقلي%دي i لقد نطق "اإلله" الروماني قسطنطين بكلمت%ه، لق%د قاله%ا بوض%وح ملخ�ص%ا

الذي يصب في مصلحة وحدة الكنيسة وقوتها أكثر من الموقف المعارض الذي يتوجب لجمه. لق%%د�ق قانون العقاب الحكومي الرسمي بح%%ق� المس%يحيين المنش%ق�ين، فأص%در i الفرصة ليطب انتهز أيضاi إياهم ب% "م�بغضي الحقيقة وأعداء الحياة وحلف%%اء الش%%ر". م%%ع أن i ضد "الهراطقة" واصفا i عاليا أمرا

Page 166: ابناء النور عبر العصور

£صف بالتس%%اهل ال%%ديني، فه%%ا ه%%و اآلن يمن%%ع م ن¤ اعت%%برهم "هراطق%%ة" )معظمهم من اتب%%اع حكمه اتم توف%%ير آريوس( من التجم¢ع سواء في العلن أم في األماكن الخاصة بما فيها بيوت األفراد، كما حر£ أي مكان لهذه االجتماعات "الموسومة بالشعوذة"، بم%%ا فيه%%ا جمي%%ع أم%%اكن العب%%ادة ال%%تي يجب أن�م%%ون )الهراطق%%ة( على الف%%رار، وأج%%بر أتب%%اعهم على �ج%%بر المعل تكون تحت إشراف الكنيسة. لقد أi إلى القبضة األصولية، لقد أمر اإلمبراطور بالتفتيش عن كتب "الهراطقة" ومصادرتها العودة قسرا�ر �ئ مؤلفاتهم بعقوبة الموت. كان قسطنطين يعرف كي%%ف يس%%ي وإتالفها، كما حكم على كل من يخب األمور وفق مصلحته، كحاكم أوتوقراطي. لقد استمات من أج%%ل تحقي%%ق االنتظ%%ام والوح%%دة، لكن%%هi بإع%%ادة آري%%وس إلى كان يعرف كيف يدو�ر الزوايا عندما تتوافق األمور مع مصلحته، عندما أمر مثال أبرشيته، وكان قد بلغ هذا األخير الثمانين من عمره وسمح ل%%ه بالوع%%ظ إلى أن ت%%وفي بع%%د ثم%%اني

سنوات.

 ق ولمس%%لك الخالص ع%%بر االتح%%اد لقد رسم مجمع نيقيا بداية النهاية لنظري%%ة الوج%%ود الم�س%%ب بالله في العقيدة المسيحية. لكن قسطنطين سل£ح الكنيس%%ة على م%%ا يب%%دو بجمي%%ع األدوات الالزم%%ةi من يس%%وع اإلبن i لفهم%%ه الشخص%%ي ج%%اعال إلتمام هذه المهمة عندما ق ولب المعتمد المسيحي وفقا

الوحيد لله.

أري%%وس.. وأنس%%نة المس%%يح س%%ر اإلل%%ه في أنفس%%نا بتص%%رف عن كت%%اب "التقمص... الحلق%%ة المفقودة في المسيحية" للكاتبة إيليزابيث ب%%روفيت- إع%%داد قس%%م البح%%وث الروحي%%ة في الض%%حى-

1998راجع مجموعة أعداد الضحى

يخترق ضياء المشاعل ما تبقى من ظالل فجر ي%وم ش%باطي ش%احب، ويت%دافع المحتش%دونi قدمي%%ه ا لمشاهدة الموكب القادم، فيلسوف في الثانية والخميسين من العم%%ر يش%%ق طريق%%ه ج%%ار�£ل باألصفاد ح%%تى العن%%ق، صفت بها شوارع روما، عاري القدمين ومكب على الحجارة البركانية التي ر��ط�خ ب%%رؤوس الش%%ياطين وألس%%نة الن%%يران، والرهب%%ان i قميصا أبيض ر�سم�ت علي%%ه الص%%لبان ول مرتد�يا يسيرون إلى جانبه يحثونه على التوبة، ويدنون الصليب من شفتيه مانحين إياه كل فرصة للخالص.اج من شتى أنحاء أوروبا تجم£عوا حول ساحة حقل الزهور، نصف ميل من "برج نونا" حيث كان حج££ال بانتظ%%ار تنفي%%ذ حكم اإلع%%دام في%%ه، وتو�اق%%ون لمش%%اهدة عملي%%ة إح%%راق "اله%%رطقي الس%%جين مكباس على وتد حديدي م�ح اطا بحزم الحطب، وبع%%دما رفض تقبي%%ل الص%%ليب £ده الح�ر� الفاسد" الذي قي�ش%علت الن%يران في الحطب، كفرصة أخيرة للعودة عن آرائه وفيما بدأ الرهبان بإنش%اد االبته%االت أ وبينما أخذت السنة اللهيب تلعق لحيته والدخان يمأل رئتيه، هل ندم "جيوردانو برونو" على القض%%ية التي أوصلته إلى هذه النهاية؟ حينما بدأ ج�لده بالتشق¢ق ودم%%ه ب%%التبخ¢ر في اللظئ ه%%ل تس%%اءل عنك بحلم%ه في مش%اهدة ش%موس أخ%رى وع%والم س%ماوية ال أبدية الع%ذاب في ن%ار جهنم؟ أم تمس%£�حصى في رحلة عبر الالنهاية؟. لكن لم%اذا ع%اقبت الكنيس%ة الفيلس%وف وال%راهب "ال%دومينكاني" ت�بر في حينه "هرطق%%ة" ومن ض%%منها فك%%رة السابق "جيوردانو برونو"؟ لقد تم£ إحراقه بسبب ما اعتك بفك%%رة غالب%%ا م%%ا تراف%%ق االعتق%%اد عودة الروح إلى الحياة في جسد جديد بعد الموت. لق%%د تمس%%£�حاد المقدس خالل الحياة األرضية. وبالنسبة له كان الدين المسلك ال%%ذي ع%%بره بالتقمص، وهي االت

�حاد، وهذا ما يحدث في أي يوم. يمتلك النور المقدس الروح ويرفعها نحو ذلك االت

وفي معتقد برونو عن القدرات البشرية تلك، تجد السبب الحقيقي لرفض المس%%يحية فك%%رة

Page 167: ابناء النور عبر العصور

التقم¢ص، انه يق�وض سلطة الكنيسة. فكما يعتقد برونو، ان الخالص ال يرتبط بعالقة المرء بالكنيسة بل بعالقة مباشرة مع الل%%ه، ومن ه%%ذا المنط%%ق إض%%افة إلى اعتق%%اده ب%%التقمص، تص%%ادم برون%%و م%%ع

محكمة التفتيش.

�ا في "نابولي" لقد كان برونو شوكة في خاصرة الكنيسة منذ لحظة ترسيمه كاهنا دومينيكانيبعمر اثنين وعشرين حيث لم تناسبه حياة الرهبنة.

�را واسع اإلطالق لكنه ذو طب%ع ح%اد ولدي%ه مي%ل في إغض%اب الس%لطات. لقد كان برونو مفك وكراهب شاب كانت لديه أفكار خاصة كثيرة. لقد دافع عن آريوس الالهوتي الشهير، وقرأ األعمال الممنوعة للفيلسوف األلماني "ايراسموس"، وحينما و�جدت نسخة محظ%%ورة للفيلس%%وف الم%%ذكور في أحد مقاصير الدير، وقع برونو في مشكلة خطيرة، وبدأت الكنيس%%ة في ن%%ابولي بتحض%%ير إدان%%ة

ر الهرب من إيطالي%%ا ع%%ام عام%%ا متج%%و�ال في ك%%ل من فرنس%%ا14. وأمض%%ى برون%%و 1578ضده فقر£i وق%%د ألقت الكنيس%%تان �ج%%بر على اله%%رب م%%رارا وإنكلترا وألمانيا وسويس%%را، وبس%%بب نق%%ده الالذع أه المل%%ك الفرنس%%ي الكاثوليكية والبروتستانتية الحرم عليه. كان برونو من المع رج%%ال عص%%ره، وج%%£ هنري الثالث، وعل£م الفلسفة في جامعة "تولوز"، واختلط مع الدائرة اآلبية ال%%تي أح%%اطت بالملك%%ة اإلنكليزية إليزابيث األولى. وقد استقطبت كتاباته الغزيرة وغير العادية فئة صغيرة لكن غي%%ورة من األتباع. لقد كان سابقا لزمانه بأشواط بعيدة، وسبقت أفك%%اره عن الك%%ون بعض اكتش%%افات الق%%رن

العشرين في الفيزياء وعلم الفضاء رغم أن برونو لم يكن عالما.

i للبحث العلمي وحرية التفكير، خاص%%ة في القرن التاسع عشر، اعتبر المثقفون برونو شهيدا في دفاعه عن نظرية "كوبرنيكوس" في مركزية الشمس ضمن منظومتها الشمسية. وقد تشارك مع "كوبرنيكوس" بتهجم عدو لدود في محكمة التفتيش الكاردينال "روبرت بالرامين" ال%%ذي س%%أل "غاليليو" الحقا عن دوران األرض حول الشمس، لكنه من جهة ثانية لم يشارك "كوبرنيك%%وس" في

نظرته العامة للعالم.

�حصى، لقد وافق برون%%و لقد كانت الفلسفة والصوفية مصدر رؤية برونو في العوالم التي ال تi ليس%%ت كوبرنيكوس أن األرض ليست مرك%%ز الك%%ون، لكن%%ه اعتق%%د في المقاب%%ل أن الش%%مس أيض%%اi له، وآمن أن األرض واحدة من ضمن عدد ال متناه من العوالم. وفي وقت اعتقد الناس في%%ه مركزا

i في جلد السماء. أن النجوم ملتصقة دائما

فص£ل برونو معتقده الثوري: "هناك فضاء واحد كل�ي، مدى واسع واحد باستطاعتنا أن نطل%%ق�حصى، كهذه األرض التي نعيش ونترعرع عليها، هذا الفضاء نعلن انه عليه، الفراغ، وفيه كواكب ال ت ال نهائي، وفيه ال نهاية من العوالم من نفس نوع أرضنا هذه". بالنسبة لبرونو، فتحت فكرة العوالم الالمتناهية الباب أمام فكرة القدرات اإلنسانية الالمتناهية. إذا كانت هناك عوالم غير متناهية، لم  ال

i تكون هناك فرص غير محدودة إلظهار تلك القدرات؟ "اإلنس%%ان"، كم%%ا كتب برون%%و، "ليس مكتمالولديه الفرصة الختيار الحياة في مجاالت مختلفة".

ق من أجل دفاعه عن "كوبرنيكوس" أو لعقيدت%%ه �حر  ولقد اد£عت الكنيسة الحقا أن برونو لم ي في الع%%والم الالمتناهي%%ة لكن من أج%%ل "أخطائ%%ه الالهوتي%%ة" واعتق%%اده في الس%%حر، فيم%%ا أظه%%رت

Page 168: ابناء النور عبر العصور

سجالت المحاكمة أن اعتقاده بالتقم¢ص والعوالم الالمتناهية كان المأخذ الرئيس%%ي وق%%د ظه%%ر ذل%%كر في حين%%ه "الباب%%ا"، في محضر إدانته، باإلضافة إلى "قذف يختص بالوحش المنتص%%ر"، أو م%%ا ف�س%%�د أن إشارة إلى كتاب برونو "طرد الوحش المنتصر" الوحيد الم%%ذكور في اإلدان%%ة، لكن البحث يؤك%%�ر لم يكن البابا، بل قصد برونو بالوحش الناحية الشريرة في الطبيعة اإلنسانية وحش برونو المنتص��ي� على العق%%ل والمنط%%ق، ع%%بره يس%%تطيع الم%%رء أن كالجهل والخرافة، لقد جادل من أجل دين مبنi في عقيدة عا يخل�ص نفسه من الوحش القابع في داخله، وكتاب برونو هذا يتضم£ن اكثر أعماله توس¢

التقم¢ص.

وفي دفاع%%ه يق%%ول برون%%و داعم%%ا رأي الفيلس%%وف اليون%%اني فيث%%اغوراس في التقمص: "لق%%د عبر من جسد إلى آخر، بل ت%%ذهب i أن النفوس خالدة ومن الناحية الكاثوليكية ال ت أدركت� إدراكا تام�ا إلى الجنة أو البرزخ أو الجحيم، لكنني استنتجت� بعمق منطقي، وأتكل£م كفيلسوف، ان الروح كونها ال توجد من دون جسد وليست مع ذلك بجس%%د فباس%%تطاعتها أن تنتق%%ل من جس%%د إلى آخ%%ر". لكن�ه في مب%%ادئ الث%%الوث دفاعه الفلسفي لم يخف� اختالفه الحقيقي م%%ع الكنيس%%ة. لق%%د اع%%ترف بش%%كi األقدس، خاصة بجسد اإلبن، وتحد£ى العقيدة القائلة بخلق النفوس من ال شيء وأنها ليس%%ت ج%%زءا من الله. وفي المقابل شد£د برونو على أن النف%%وس ص%%درت عن الخ%%الق وإنه%%ا خال%%دة واعتق%%د أنi لمعتقده هذا، اقتبس من سفر i بين النفوس واألجساد، ود ع¤م ا i جديدا �حادا i وات الموت ليس إال افتراقا

 الجامعة في العهد القديم عبارة "ليس تحت الشمس جديد".

، حيث واج%%ه الكاردين%%ال روب%%رت بالرامين ألول م%%رة إلى1593لقد تم نقله إلى روم%%ا ع%%ام جانب هيئة من ثمانية كرادلة. والمبدأ األول لمحكم%%ة التف%%تيش في إخض%%اع برون%%و ك%%ان في إبقائ%%هر�م خالله%%ا من المأك%%ل والكتب �عرف عن%%ه ش%%ي¤، ح%%� ت سبع سنين لم ي وحيدا في السجن، وهكذا مر£

�قتي%د برون%و في ش%باط إلى1600وأدوات الكتاب%ة ومن المحتم%ل عن مب%ادئ اعت%برت هرطقي%ة، ا كنيسة "سانت ماري"، وقد ح%اول الح%راس إركاع%ه أم%ام الكاردين%ال لكن%ه بقي منتص%با ومتح%د�يا، والكلمات التي ترد£دت في أنحاء الكنيسة لم تكن مفاجئة "هرطقي عنيد غ%%ير ن%%ادم" وط%%رده ثاني%%ة من الكنيسة، وحرمه من "رحمتها" ووضع كتبه في قائمة الممنوعات، وأطلق عليه الحكم ب%%الموت حرقا، لكن برونو توجه إلى محكمة التف%%تيش ق%%ائال: "لعلكم انتم من أعلنتم الحكم علي في خ%%وف أعظم مني أنا الذي أتلقاه". وأخذه الحراس إلى حاكم روما الذي س%%جنه في ب%%رج نون%%ا، على نه%%ر

يوم%%ا. إن محاكم%%ة جيوردان%%و برون%%و هي فص%%ل مهم في ت%%اريخ11"الثيبر"، ليتم إعدامه حرقا بع%%د �ر مستقل وعنيد واحدة من أقوى المؤسس%%ات في £ل في مواجهة مفك التقمص في المسيحية، ليتمثi من تقليد غربي قديم يعتق%%د ب%%التقم¢ص، تقلي%%د العالم، وذلك الفيلسوف الكستنائي اللحية كان جزءا

تطور إلى جانب المسيحية، طورا داخل الكنيسة وتارة خارجا عنها.

.جيوردانو برونو )شهيد اإليمان بالتقم¢ص(

i في المس%%يحية. الي%%وم معظم م%%اال يعرف%%ه المس%%يحيين الي%%وم ه%%و أن التقم¢ص ليس جدي%%داi؟" لكن في المذاهب قد تجيب ب% "ال" عن السؤال: "هل تستطيع اإليمان بالتقمص، وتبقى مس%%يحيا

 القرن الثاني الجواب كان نعم!.

ففي غضون القرون الميالدية األولى، ازدهرت مذاهب مسيحية عديدة، بعضها عل�م التقمص.

Page 169: ابناء النور عبر العصور

وبالرغم من مهاجمة الالهوتيين المتشد�دين لهذا المعتقد من%ذ الق%رن الث%اني، اس%تمر الج%دل ح%ولالتقم¢ص طوال القرن السادس.

من بين المسيحيين المعتقدين بالتقم¢ص، الغنوصيون، أولئ%%ك ال%%ذين يزعم%%ون امتالك تع%%اليم�خفيت عن عام%%ة الن%%اس وح�ف�ظت ألولئ%%ك �د المسيح )عليه الس%%الم( الروحي%%ة الباطني%%ة، ال%%تي أ السي الذين يفهمونها ويس%%تحق ونها. إن الممارس%%ات الروحي%%ة الغنوص%%ية تتمح%%ور ح%%ول معلمين متن%%ورين

i عن عضوية كنيسة منظمة. روحانيين، وحول التجربة الشخصية الكتشاف الله في الداخل عوضا

في الحقبة الممت%%دة م%%ا بين الق%%رنين الث%%الث والس%%ادس أب%%ادت س%%لطات الدول%%ة والكنيس%%ة المسيحيين الذين آمنوا بالتقمص، لكن معتقدهم ه%%ذا ع%%اد بق%%وة ليظه%%ر ض%%من المالمح المس%%يحية�سم�ى اليوم بالبوسنة وبلغاريا حيث ظهرت في القرن المميزة. وقد انتقلت فكرة التقمص إلى ما ي السابع مع البوسنيين وغيرهم. كما انتقل هذا المعتق%د إلى فرنس%ا وإيطالي%ا في الق%رون الوس%طى

حيث أصبح المبدأ الرئيسي في مذهب الكاثار.

�زيلت الكنيسة "الكاثارية" من الوجود في حملة عسكرية إبان القرن الث%%الث عش%ر وبعد أن أi خالل القرن �ا وما تالها من حمالت محكمة التفتيش والتعذيب والحرق، استمر االعتقاد بالتقمص حي التاسع عشر في التقاليد السرية للخيمي%%ائيين والهرمس%%يين وغ%%يرهم من الجماع%%ات الس%%رية، كم%%ا استمر في النمو داخل الكنيسة ذاتها. في بولن%دا الق%رن التاس%ع عش%ر، رئيس أس%اقفة ك%اثوليكي،

، طع£م معتقده بالتقم¢ص واعتنقه بكل انفتاح، وقد)Passavalli )1820-1897 "المنسنيون بسافلي"�وا هذا المعتقد. �د و¤ر�ه�م تبن £ر على كهنة بولنديين وإيطاليين الذين ب أث

بالمئة من الكاثوليك في أميركا بالتقم¢ص هذه األيام ق%%د25إن اإلحصاء الذي يكشف اعتقاد د وج%ود أقلي%ة ص%امتة للكاثولي%ك يثير عجب الفاتيكان، لكن الحقائق واإلثباتات الملموسة التي تؤك%�

المعتقدين بالتقمص تدعم مثل هذه اإلحصاءات.

i للكثير من التساؤالت حول العدل اإللهي، لكن السلطات الدينية ال i مقنعا �ل التقمص حال يشك زالت تعار�ض هذا المعتقد تاركة المؤمنين في ب%%رزخ روحي م%%ا بين إيم%%انهم ب%%التقمص ال%%ذي يل%%بي

حاجات النفس وسلطة دينية ترفض االعتراف بها.

i كب%%يرة بتل%%ك التقم¢ص يغيث الملهوف الذي يبحث عن أجوبة للع%%دل اإللهي، وق%%د أم%%د£ عق%%وال�رين غربيين كبار كالفيلسوف الفرنسي "فولتير" والفيلس%%وف األلم%%اني األجوبة اليقينية أنمثال مفك "ش%%وبنهور" ورج%%ل الدول%%ة األم%%يركي "بنج%%امين ف%%رنكلين" والش%%اعر األلم%%اني "غوت%%ه" وال%%روائي "بلزاك" و "إمرسون" و "لون%%غ فل%%و" و "ال%%دوس هكس%%لي"، و "بيش"، "كللن%%غ"، "س%%لفادور دالي"

�رين العظام. وغيرهم من المفك

i على ق%%بره في سن الثامنة والعشرين، كتب بنجامين ف%%رانكلين مس%%ودة لكي تك%%ون ش%%اهداi تقم¢صه؛ لقد قارن جسده بغالف كتاب مهتريء وصفحات ممزقة، لقد تكه£ن أن محتوياته لن �دا مؤك

تضيع لكنها ستظهر في طبعة جديدة وأنيقة بعد أن يكون الكاتب راجعها وصح£حها.

فت المع%نى الحقيقي لرس%الة ر  إن أسرار األلوهية والملك%وت ال يفقهه%ا الي%وم إال قل%ة مغبوط%ة ع% 

Page 170: ابناء النور عبر العصور

السيد المسيح.. تلك الرسالة الروحانية الباطنية.

.1998- تشرين ثاني 81فكرة التقم¢ص تجتاح الماليين- راجع الضحى العدد

تدل بعض فصول العصد الجديد على حقيقة التقمص، بينما تشير فصول أخرى إلى أن هناكل رؤى حياة واحدة نحياها. وقد اعتقد عدد من الب%%احثين أن المق%%اطع ال%%تي ت%%دلi على التقمص تمث%%�

كاتبي األناجيل وليست من تعليم يسوع.

£دت نقطة الجدل األساسية كانت: هل عل£م العهد الجديد حقيقة التقمص في المقاطع التي أك أن إيليا عاد ثانية بقميص "يوحنا المعمدان"؟ ورغم أن ثالثة من األناجيل األربعة تخبرنا ب%%ذلك، ف%%إن

الكنيسة قاومت التأويالت الحقيقية التي تثبت هذا األمر.

i لهذا الموضوع: قد كان هناك اعتقاد شائع ما بين اليهود أيام يسوع أن إيلي%%ا ق%%د يع%%ود تمهيدافر األخ%%ير من العه%%د الق%%ديم أش%%ار كسابق للمسيح وليوم الحس%%اب، وأن الن%%بي "مالخي" في الس%%�د الطري%%ق"، وتخبرن%%ا االي%%ات األخ%%يرة عن "ي%%وم ال%%رب  مه%%� i لكي ي i إن الله سوف يبعث رسوال مؤكدا

." العظيم والرهيب"، حين أرسل الله النبي إيليا اعتقد الناس أن ذلك اليوم أت�

هناك رؤيتان عن عودة إيليا األولى وظهوره في جسد س%%ماوي أو روح%%اني )من الم%%رج£ح أنف�ع في عربة من النار قبل تس%%عمائة س%%نة(، كم%%ا وص%%فت العل%%وم جسده األرضي قد انتقل عندما ر� الباطنية والمعتقدات اليهودية ظهور إيليا في جسد روحاني، فبهذا توقعت الناس بعفوية أن عودت%%ه

i في جسد روحاني. النبوئية ستكون أيضا

i آخر عبر التقم¢ص، إنها الرؤي%%ة ال%%تي يثبته%%ا   طريقا £خ�ذا £ أن هناك من رأى أن إيليا سيأتي مت إال اإلنجيل، لقد أخبرنا كل من متى ومرقس ولوقا أنه بعد أن بدأ يسوع تعاليمه شاع اعتقاد أن يسوع

i إليليا أو أرميا أو أحد األنبياء. كان تقم¢صا

i أن الناس تساءلوا إذا ما كان يوحن%%ا ه%%و إيلي%%ا أو لم يكن، ه%%ذه القض%%ية يخبرنا اإلنجيل مرارا�ون ليسألوه فأنكر ر يوحنا في البرية وأتى الكهنة والالوي �ثيرت ثالث مرات، المرة األولى عندما بش£ أ�له ب ف بنفسه على أنه: "صوت صارخ في البرية أع%دوا طري%%ق ال%رب واجعل%%وا س%%� أنه إيليا، لكنه عر£

�ى i ما صد£ق اليهود أيام المسيح أن هذا "الصوت" كان س%%ابق4/3( )اشعيا: 3/2قويمة". )مت (. غالباi فقد يكون يوحن%%ا ق%%د ف عنه بإيليا في نبوءة مالخي إذا كان هذا الحوار قد جرى فعال المسيح المعر££ب رد ات فعل السلطات الروحية والسياسية التي قطعت رأس%%ه فيم%%ا بع%%د لكن%%ه أنكر أنه إيليا ليتجن

�ن أتباعه. �ط مئ i لي i خفيا i تأكيدا يعطي الحقا

:لقد أتى إيليا

�علن يس%%وع بنفس%%ه أن يوحن%%ا ه%%و  ر�د ذكر السؤال عن إيليا ي في اإلشارتين التاليتين، وعندما يi بجميل%%ه أم%%ام إيليا قد أتى ثانية، المرة األولى عندما ك%%ان يوحن%%ا في الس%%جن، ق%%د£م يس%%وع عرفان%%اi: "... ألن األنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا وإن أردتم أن تقبلوا فهذا ه%%و إيلي%%ا المزم%%ع الناس قائال

Page 171: ابناء النور عبر العصور

.(14-11/13أن يأتي." )متى:

إن الشيء األكثر أهمية في الرؤيتين ما جاء بعد م%%وت يوحن%%ا المعم%%دان ح%%دث التجلي على

الجبل: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحن%%ا فأص%%عدهم إلى جب%%ل ع%%ال على انف%%راد

بيض ار� على األرض أن ي%� i ك%الثلج ح%تى ال يس%تطيع ق ص%£ وتجل�ى أمامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدا

i إال يسوع مثلها وتراءى لهم موسى وإيليا وكانا يخاطبان يسوع... ونظروا حولهم بغتة فلم يروا أحدا

i... وس%%ألوه ق%%ائلين: "كي%%ف يق%%ول وحده معهم. وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم أال يخبروا أحدا

i؟ فأج%اب: لك%ني أق%ول لكم أن إيلي%ا ق%د ج%اء وق%د  بة أن إيلي%ا ينبغي أن ي%أتي أوال  ت يسيون والك الفر�

 (12-9/1صنعوا به كل ما أرادوا كما كتب عنه. )مرقس:

.(17/13ويضيف متى: "حينئذ ف ه�م التالميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان". )متى:

i، وأن%%ه أد�ى دوره النب%%وي i إيلي%%ا متقم�ص%%ا ما يريد كتاب األناجيل إظهاره هنا، أن يوحنا كان حقاi الطريق. قد يكون الحواريون فهموا عبارة "لق%%د ص%%نعوا ب%%ه م%%ا أرادوا" بأنه%%ا �ئا كرسول للرب ومهي

إشارة إلى إعدام يوحنا.

بعد هذه التأكيدات الثالثة أصبح من الص%%عب اإلنك%%ار أن يس%وع ق%د عل£م التقمص على األق%ل�اه%%ا في الب%%دء علم%%اء الاله%%وت في حال%%ة إيلي%%ا، لكن هن%%اك رؤي%%تين ح%%ول مق%%اطع إيلي%%ا: األولى، تبن المسيحي حيث عرضوا كلم%%ات يس%%وع األص%%لية لكنهم لم يق%%د�موا عقي%%دة عام%%ة للتقم¢ص، والرؤي%%ة ت إلي%%ه ب �س%%� £اها معظم الباحثين المعاصرين وهي أن يسوع لم يكن صاحب األق%%وال ال%%تي ن الثانية تبن�ثبت أن%%ه عل£م برهن أن يس%%وع ه%%و المس%%يح وب%%ذلك ال ت �دخ�لت إلى األناجي%%ل لكي ت%%� حول إيليا لكنه%%ا أ

التقم¢ص.

 ر أن قول يسوع بأن يوحنا كان إيليا الم�زمع أن ي%%أتي لم  ب i الجدل الالهوتي الذي اع¤ت لنأخذ أوالف%%ع i ألنه لم يمت بطريقة عادية لكن%%ه ر� يقصدى به التدليل على أن النبي قد تقم£ص، إيليا كان فريدا

i عن أي إنسان آخر في التاريخ. في عربة إلى الجنة، كان مختلفا

Robert دعم ال%%دكتور "روب%%رت م%%وري" Morey في كتاب%%ه "التقم�ص والمس%%يحية" الج%%دل i وفي �ظه%ر نفس%ه حي%%ا المسيحي التقليدي بأن إيليا لم يم�ت. وحينما ظه%ر على جب%%ل التجلي ك%ان ي

جسده األصلي.

غير إن موري يهمل االحتمال اآلخ%%ر وه%%و أن إيلي%%ا ج%%اء في جس%%د روح%%اني، ق%%د يك%%ون ه%%ذهi من �ة )أنتجت حادث%%ة التجلي ع%%ددا النتيج%%ة رس%%مها ش%%خص م%%ا ي%%ألف العل%%وم الس%%رية الغنوص%%ي المشابهات لرؤى "المركبة" السرية( شاهد هؤالء الباطنيون أخنوخ في صعوده شبيه بص%%عود إيلي%%ا، ونظ%%روا إلى إيلي%%ا وإخن%%وخ كمخلوق%%ات مقد£س%%ة انتقلت أجس%%ادهم الفاس%%دة والفاني%%ة إلى أجس%%اد

Page 172: ابناء النور عبر العصور

روحانية "األجساد السماوية" التي وصفها بولس.

£ل%%وا بس%%هولة الفك%%رة القائل%%ة ب%%أن يوحن%%ا ه%%و تقم¢ص إن المسيحيين الذين آمنوا بالتقمص تقبi. عن%%دما يح%%اول i روحاني%%ا إليليا، وبما أن يوحنا قد مات فإن روحه تظهر في تجل�ي إيليا مرتدية جسدا "موري" إقناعنا بأن إيليا كان ال يزال يرتدي جس%%ده الم%%ادي وعم%%ره تس%%عمائة س%%نة ك%%ان يتجاه%%ل القول الواضح في األناجيل "إن إيليا قد جاء ولكنهم لم يعرفوه ب%%ل ص%%نعوا ب%%ه ك%%ل م%%ا أرادوا "من

الواضح أن اإلنجيليين قصدوا بهذا التقم¢ص حقا".

يعتقد عد�ة باحثين أن يس%%وع لم يكن ص%%احب المقول%%ة ال%%تي ت%%رى أن يوحن%%ا ه%%و إيلي%%ا لكنهماب األناجي%%ل أض%%افوها، ل%%ذلك ف%%إن "ه%%انس كين%%غ" �ت%%� Hans يعتق%%دون أن ك King الع%%الم الاله%%وتي(

د أن المق%%اطع ال%%تي تكل£مت عن إيلي%%ا هي "تقالي%%د ش%%عبية مهم£ش%%ة في الك%%اثوليكي المعاص%%ر( يؤك%%�اإلنجيل".

كما أن مجموعة تض�م� أكثر من مئتي باحث معتد�ل ترى أن هذه المقاطع اختلقها بعض الذينi ليسوع المسيح كما تقول النبوءات. �ريدون البرهنة أن يوحنا المعمدان كان سابقا ي

�غ ض  النظر عم�ا إذا كان الباحثون على حق أو لم يكونوا، ف%%إن ج%%دلهم ه%%ذا ال ينفي حقيق%%ة فب أن الذين كتبوا األناجيل في الجزء األخير من القرن األول قد اعتقدوا ب%%التقم¢ص، لكنن%%ا نع%رف على

األقل بعض المسيحيين األوائل مم£ن حاول استعمال هذه األقوال ليثبت بالبرهان واقع التقم¢ص.

i مع يسوع نفسه؟. إذا م%%ا i في أوائل المسيحية فهل نشأ أصال إذا كان االعتقاد بالتقم¢ص حديثا اقتفينا أثر هذا المعتق%%د في الغنوص%%ية المس%%يحية وقابلن%%اه م%%ع العل%%وم الباطني%%ة اليهودي%%ة سيص%%بحi. وكبرهان إضافي على وجود هذا المعتقد في أوائل المس%%يحية، ذك%%ر قص%%ة الرج%%ل السؤال واضحا

 المولود أعمى من إنجيل يوحنا:

من أخطأ؟

i أعمى منذ مولده فسأله تالميذه قائلين يا رب من أخط%%أ أه%%ذا "وفيما يسوع مجتاز رأى رجال م¤ أبواه حتى و�لد أعمى؟ أجاب يسوع ال ه%ذا أخط%أ وال أب%%واه لكن لتظه%ر أعم%ال الل%%ه في%%ه، ص%نع أل في برك%%ة يسوع طينة من التراب واللع%%اب ووض%%عها على عي%%ني الرج%%ل وق%%ال ل%%ه اذهب واغتس%%�

i. )يوحنا:  (3-9/1سلوام وعندما عاد الرجل كان بصيرا

السؤال األكثر أهمية في هذا الفصل كان سؤال الحو�اريين: "من أخط%%أ أه%%ذا أم أب%%واه ح%%تى و�لد أعمى؟" لقد قد£م الحو اريون تفس%يرين محتملين الختالف الن%%اس ح%ول حقيق%ة مول%ده. الج%%زءi في اليهودية فالناس تعاني من ذنوب أهلها. ألم يقل الرب عندما أعطى الوص%%ايا األخير كان مقبوال العشر لموسى: "إنه يفتق%%د ذن%%وب اآلب%%اء في الب%%نين إلى الجي%%ل الث%%الث والراب%%ع". )س%%فر الخ%%روج

34/7)

ولكن م%%اذا عن التفس%%ير األول ال%%ذي قد£م%%ه الحواري%%ون ب%%أن اإلنس%%ان يع%%اني من أخطائ%%هi بأن الرجل كان �جيب أن خطيئة الرجل جعلته يولد أعمى ما لم يعتقد مسبقا الشخصية؟ ولم يكن لي

Page 173: ابناء النور عبر العصور

له حياة أخرى سابقة اقترف فيها خطيئته.

وقد تعم£د يوحنا إظهار عدم اكتراث يسوع في اإلجابة وهو بذلك يكون ق%%د تخط�ى المس%%توى العقلي لمستمعيه وأوصلهم إلى مستوى جدي%%د: "ال ه%%ذا أخط%%أ وال أب%%واه لكن لتظه%%ر أعم%%ال الل%%ه فيه"، وأراد يوحنا إيضاح أن هذا الرجل ق%%د و�ل%%د أعمى ليس فق%%ط بفع%%ل أعمال%%ه الس%%ابقة ب%%ل ألن£ل العمى بصبر حتى التقى النبي الذي يعيد إليه الرؤية. روحه استجابت بحرية لدعوات الله، لقد تقب

وقبل االنتهاء من قص%%ة الرج%%ل المول%%ود أعمى دعون%%ا ننظ%%ر إلى س%%ؤال مث%%ير للج%%دل ح%%ول�حتم أعم%%الهم التقم¢ص. هل، يتحم£ل المعاقون مسؤولية بالئهم؟ في كل الحاالت الجواب نعم، ق%%د ت في حيواتهم السابقة أن يختبروا ويتعل£موا التجديد في حي%%اة ثاني%%ة ق%%د يق%%ود ه%%ذا التجدي%%د إلى نم%%وبين أو ر والدة الن%%اس أغني%%اء أو فق%%راء، عن%%د أه%%ل طي%%� �ق%%ر� النفس، إن احتياج%%ات النفس المختلف%%ة ت

ق�ساة.

i ¢د من إنهم فعلوا ش%%يئا وليس معنى هذا احتقار الناس فيما هم فيه من بالء وإعاقة لكن للتأك ليس%%تحقوا ه%%ذا م%%ع العلم أن معرف%%ة التقم¢ص ق%%د تس%%اعدنا على فهم أس%%باب معاناتن%%ا أو معان%%اة¦ننا من سبر أغوار الت%اريخ الك%ارمي لك%ل ش%خص. في الواق%ع ق%د ال اآلخرين، وأن ال ند§عي أنها تمك£لت فيها النفس الصبر مثل الرجل األعمى بهدف تعليم i، لكنها قد تكون حالة تقب تكون اإلعاقة عقابارين ويتحم£ل%%ون وتشجيع اآلخرين )كعبرة لهم(، قد يكون المساكين وتعساء الحظ قديسين غير مبش�

أخطاء العالم.

i من تعاليم وبناء على ذلك، توضح قصة الرجل المولود أعمى أن االعتقاد بالتقمص كان جزءاالقرن األول للمسيحية.

يموتون مرة واحدة:

�وص%%يين وح%%ذف النص%%وص الداعم%%ة في ظل المجه%%ود ال%%ذي ق%%امت ب%%ه الكنيس%%ة لح%%رق الغن ر الدليل األقوى الذي يثبت أن يسوع عل�م التقمص هو أنه ال يوجد هن%%اك �عتب �ة من األناجيل ي �وصي للغن أية أقوال ليسوع في األناجيل، وال في كتابات الحواريين وال في األسفار وال في النصوص الغنوصية ينكر فيها التقم¢ص. فربما قد كان من السهل على األساقفة حذف أو إعادة صياغة بعض النص%%وصi i ض%%ربا ا �د المس%%يح. فل%%و ك%%ان التقم¢ص حق%%� �ة، ولكن من الصعب ابتداع أقوال عن لسان السي اإلنجيلي�د المس%%يح أتباع%%ه من ه%%ذا المعتق%%د ال س%%يما وأن �م  لم يحذ�ر السي من ضروب السحر أو الجنون، فل�ة آنذاك. وما يثبت أن السيد المسيح ك%%ان �ة واليوناني التقم¢ص كان عقيدة معروفة في الحكمة الهندي بإمكان%%ه أن ينقض حقيق%%ة التقم¢ص هي بعض النص%%وص من إنجي%%ل يوحن%%ا ال%%تي يبحث فيه%%ا يس%%وعi رج%%ل من i في إنجيل يوحنا الفصل الثالث حين جاء إلى يسوع ليال مفهوم التقم¢ص بوضوح. خذ مثال

الفريسيين اسمه "نيقودمس" وجرى هذا الحوار:

الحق الحق أقول لك إن لم يولد أحد ثانية فال يقدر أن يعاين ملكوت الله. يسوع:

 لعل%ه� يق%در أن ي%دخل ج%وف أم%ه ثاني%ة نيقودمس: كيف يمكن أن يولد إنسان وه%و ش%يخ أ

Page 174: ابناء النور عبر العصور

ويولد؟

أين العدل اإللهي؟

�د أن يس%%وع عل�م التقمص ه%%و أن%%ه أورد مس%%تلزمات الخالص ال%%تي يراه%%ا معظم        وأكثر ما يؤك�سد£د في حياة واحدة.  الناس مستحيلة كي ت

هناك عدة أمثلة في العهد القديم عن معاقبة الله للناس بقس%%وة على ج%%رائم ال تب%%دو س%%يئةi. بدون مفهوم التقم¢ص، تبدو هذه الحوادث غير عادل%%ة، لكن إذا نظرن%%ا ع%%بر عدس%%ة الحي%%وات كثيرا¤ن األعمال ونفس�رها كعق%%اب عن آالف الس%%نين. عن%%دما تع%%اد السابقة، نقدر أن نراها كأستحقاق لد ي

.i "نظرية التقمص" )الحلقة المفقودة( إلى المفهوم الديني يصبح العهد القديم مفهوما

دانوا، ف%%إنكم        في وعظه على الجبل أوضح يس%%وع بدق%%ة مب%%دأ رد�ات الفع%%ل: "ال ت%%دينوا لئال ت%%��كال لكم"؟ )متى: �لون ي �دانون وبالكيل الذي به تكي (7/21بالدينونة التي بها تدينون ت

i في ع%%الم آخ%%ر، فم�ن  الواض%%ح أن ليس ه%%ذا        إذا كان عقاب م ن¤ قطع رأس يوحنا تحق£ق الحقا�ع%%اق ب م ن دانون"، وإذا ك%%ان لم ي هو العقاب الذي عناه يسوع بقوله "بالدينونة ال%%تي ت%%دينون به%%ا ت%%�i من i مع قول يسوع وانتقاصا �ة، أفال يكون هذا متناقضا قطع رأس يوحنا، بل عاش ومات ميتة طبيعي

مفهوم العدل اإللهي؟

وتابع يسوع ع�ظ�ته ليقول القاعدة الذهبية: "فكل م%ا تري%دون أن يفع%ل الن%اس بكم ف%افعلوه        (. وفصل آخر في متى يدل على أن لدى كل7/12أنتم بهم، فإن هذا هو الناموس واألنبياء" )متى:

ز قلب%%ه الص%%الح i من األعمال الجيدة والسيئة، يق%%ول يس%%وع: "الرج%%ل الص%%الح م ن¤ كن%%£ �ما إنسان تراكi سيئة، ومقص%%د المس%%يح ه%%و أن اإلنس%%ان i صالحة" والرجل السيء يظهر أعماال يظهر بالطبع أعماالدة وس%يئة حس%ب المخ%زون الجي%د أو فاته الشخصية وأنه يتلقى أش%ياء جي%� £جه حسب نموذج تصر¢ يت

السيء الذي جمعه.

التقم¢ص في م�عتق د المسيحيين األوائل )يوحنا.. إيليا المزمع أن يأتي(- )إعداد قسم البح%%وث       الروحية في الضحى(

:المسيحية وتجل�ي الصورة األزلي�ة

i من الالهوت الغنوصي، حيث أعتقد الغنوصيون أن المس%%يح عل�م        i رئيسيا �ل التقم�ص جزءا شكi في تعاليمه السرية لتالمذته. وقد اعتبروا موعظته i في أقواله وأمثاله، وباطنيا هذه الحقيقة ظاهريا�د يسوع بأن على اإلنسان أن يسد�د دي%%ون "الكارم%%ا" i إلى التقم¢ص، حين يؤك i تلميحا على الجبل مثال في حياته الحاض%%رة وإال س%%يبقى في حلق%%ة الم%%وت وال%%والدة، في س%%جنه الم%%ادي... الجس%%د. وفي

i إلى وج%%ود¥ س%%ابق للنفس قب%%ل70"إنجيل توما"، أقدم مخطوطة غنوصية مسيحية ) م(، تلميح أيضاi، لكن حينم%%ا حلولها في الجسد، في مناقشة لفكرة "الصور": "حينما تشاهد شبيهك تصبح مسرورال؟!". ترى صورك التي سبقتك إلى الوجود والتي لم تمت ولم تصبح مرئية، كم باستطاعتك التحم%%¢ لقد اكتسبت الغنوصية الكث%%ير عن األفالطوني%%ة، وي%%رى البعض أن "ص%%ور" أفالط%%ون لم تكن مج%%رد

Page 175: ابناء النور عبر العصور

انعكاسات كما يحدث في المرآة، لكنها أشكال بشر¥ وأشياء أكثر حقيقية وواقعية من النسخ الباهتةر الغنوص%%يون "الص%%ورة ال%%تي س%%بقتك إلى الوج%%ود" على التي توجد في العالم المرئي. ولذلك فس�نزع قبي%%ل "الهب%%وط" إلى أنها الذات الحقيقية )والتي و�جدت قبل الجسد(، الرداء المل%%وكي ال%%ذي ي%%� العالم المادي. وقد عل£م الغنوصيون بأن قدرنا يكمن في االتحاد مع تلك الذات، ولذلك قصد "توما" بقوله هذا عندما ترى صورتك الخالدة، أي عندما تتوح£د ذاتك اآلنية بذاتك الحقيقية، باستطاعتك أن تتحم£ل حالة من النعم%%ة األزلي%%ة. وتب%%دو حقيق%%ة التقم¢ص أك%%ثر جالءi في كت%%اب غنوص%%ي آخ%%ر "توم%%ا

وورد في%%ه م%%ا قال%%ه "المخل�ص" لتلمي%%ذه توم%%ا بأن%%ه بع%%د المجادل" )أواخر الق%%رن الميالدي الث%%اني( الموت، أولئك الذين آمنوا لكنهم استمروا في تعل�قهم ب% "الجم%%ال الزائ%%ل"، س%%وف يس%%تهلكون فيi إلى الع%%الم الم%%رئي. وفي نهاي%%ة كت%%اب توم%%ا يق%%ول يس%%وع "همومهم الحياتية" وسيرجعون م�ج%%د£دا�وا كي ال تولدوا في الجسد بل كي تتحرروا من عبودية هذه الحياة الم�رة"، أي وبعبارة "ترق�بوا وصل

�وا كي ال تكونوا في حياة ثانية على األرض فريسة النسيان. أخرى صل

وهذه الدالالت تشير إلى أن التقم¢ص كان من خصائص الغنوصية في القرن الميالدي الثاني.       

�ي التقم¢ص في صميم مناقشته لخالص الروح، ويحتوي على عناصر        ويضيع "كتاب يوحنا السر¦ري ليوحن%%ا عن التقمص: ك%%ل  ر أقدم من المسيحية. وهذا هو المفه%%وم الس%%� �عتب من الغنوصية التي ت الناس شربوا من ماء النسيان، وهم موجودون في حالة من الجه%%ل، البعض باس%%تطاعته أن يتغل£ب على الجهل عبر روح الحي%%اة ال%%تي تهب%%ط علي%%ه، تل%%ك النف%%وس "س%%تحق�ق الخالص وتص%%بح كامل%%ة".�سأل يوحنا المخل�ص عن مص%ير أولئ%ك ال%ذين لم يحق�ق%وا الخالص، فيجيب%ه ب%أنهم س%يغرقون في وي�رمون في "السجون" أي األجساد الجديدة، والسبيل الوحيد لخروجهم ه%%و في التل¢ص "النسيان" وي

من النسيان وتحصيل "المعرفة".

:الجحيم على األرض

د        �وصيون على مبدأ التقمص لش%%رح أس%%باب األلم والمعان%%اة ومظ%%الم الحي%%اة. وأك%%£ اعتمد الغن الفيلسوف المسيحي "باسيليدس" في مطلع القرن الثاني أن التقم¢ص يوض�ح لماذا ي%%ذوق األبري%%اء طعم الشهادة، فالشهيد يسد�د ديون أخطائه في الحياة الس%%ابقة. ويلقى نص غنوص%%ي آخ%%ر الض%%وء على ما يتضم£نه التقمص من عقاب وثواب، وي%%برهن النص ه%%ذا على أن اختالف األق%%دار م%%ا ه%%و إالد فيل%%و اإلس%%كندري، ب%%أي علين%%ا تق%%ع نتيجة ألعمال الحياة السابقة. إذن يخبرنا الغنوص%%يون، كم%%ا أك%%£

الروحي%%ة كي ننف%%ذ من حلق%%ة ال%%والدات ال%%تي يس%%يطر عليه%%ا ط%%ابع مسؤولية البحث عن الحق%%ائق ب%%أن النفس ال%تي Zostrianos النسيان واالنغم%اس أك%ثر ف%أكثر بالخطيئ%%ة، ويق%ول "زوس%%تريانوس"

i للحقيق%%ة" ل%%ذلك إن التم%%اس تلتمس األشياء الموجودة هي النفس التي "تختبر في داخلها اكتشافا�صال بالله في داخلنا )الوجود الح%%ق(. والتب%%ديل في قيمن%%ا ه%%ذا يع%%ني "األشياء الموجودة" يعني االت عند الغنوصيين الوعي ال%%روحي حينم%%ا ت%%درك النفس أص%%لها اإللهي، وعن%%دما تحي%%ا تل%%ك النفس في وحدة مع الله في الداخل تعي عن%%دها الوج%%ود الحقيقي. وبن%%اء علي%%ه، يعتق%%د الغنوص%%يون أن قيام%%ة

i �فهم رمزي%%ا i، وي%%ؤمن البعض األموات أو البعث الوارد ذكره في سفر الرؤيا يجب أن ي وليس ح رفي%%ا أن سفر الرؤيا يصف طريقنا الشخصي في الكفاح النفسي ضد ماديتنا وكلنا في حال%%ة من ال%%وحي

في للبعث £ت الكنيسة التفسير الح ر¤ معتم�دة على مقاطع أو الرؤيا ونختبر عناصر عدة منها. لقد تبن من سفر الرؤيا، لكن هذا التفسير ال يتالءم مع رسالة يسوع التي تتوافق مع التأوي%%ل ال%%روحي، في

Page 176: ابناء النور عبر العصور

حين يرى الغنوصيون أن البعث هو بعث روحي، في حين يرى الغنوصيون أن البعث هو بعث روحي يحدث خالل الحياة على األرض وليس قيامة لألموات في زمن ما في المستقبل، وأن هذه النظ%%رة�ات الكتاب المق%دس لكن علين%%ا أن نع%رف أين وكي%%ف نج%%دها. وفي حين أن البعث موجودة بين طي الجسدي يقضي على فكرة التقمص، فإن البعث الروحاني ال يتعارض مع التقم¢ص بل يتكامل مع%%ه،i مستقبلية وحسب ب%%ل بمق%%دورنا وتعتبر الغنوصية أن البعث والحياة األبدية والملكوت ليست أحداثا اختباره%%ا على األرض، وأن الع%%ارفين ال%%ذين وص%%لوا إلى ينب%%وع الحي%%اة األبدي%%ة باختب%%ارهم البعث الروح%%اني باس%%تطاعتهم الخ%%روج من حلق%%ة ال%%والدات ال%%تي يطغى عليه%%ا ط%%ابع النس%%يان. واعتق%%دi يح%دث i عند نهاية ال%زمن، وواح%دا ¤ن: واحدا  ي  عث الالهوتي الكبير "أوريجانوس اإلسكندري" بأن هناك ب

.i في الروح واإلرادة واإليمان خالل حياتنا الحاضرة، وأن البعث روحاني وليس جسديا

وعد£د الغنوصيون أربع مثالب للبعث الجسدي في المسيحية ال تتوافق ورسالة المسيح:

يجد الكثير من المسيحيين فكرة قيام%ة األم%وات في نهاي%ة ال%زمن منافي%ة للعق%ل      أوًال7:وعصية على القبول والفهم.

أنه%%ا تنك%%ر الطري%%ق الشخص%%ي للخالص، حيث المطل%%وب فق%%ط اإليم%%ان بيس%%وع      ثانيــا7:i، والتطهر بمعمودية الم%%اء للحص%%ول على الخالص بع%%د القيام%%ة i ومخل�صا المسيح ربا

من الموت بغض النظر عن مسؤوليتنا تجاه أعمالنا.

i، إما أن تحص%%ل على الحي%%اة      ثالثا7: i واحدا i الهوتيا أنها تجعل من العقيدة المسيحية طرحاi إلى األبد. األبدية عبر قيامة األموات أو ال تحصل عليها وتبقى في الخارج ملعونا

7 i، فيم%%ا تعتبره%%ا     :رابعا �عتبر من الناحية التاريخية غير مثبتة كلي%%ا i ت إن قيامة المسيح جسدياi لقيامة كل األموات. ويعزو أوريجانوس هذا المعتقد إلى "نقص i مسبقا الكنيسة إثباتا في المنطق". وقال أن التفكير ب%%ه يتن%%اقض م%%ع تع%اليم ب%%ولس ال%ذي يعت%%بر الجس%دد أن االعتق%%اد بقيام%%ة جس%%دية م%%ا ه%%و إال ط%%ر̈ح ل% "العق%%ول i"، وأك%%£ الق%%ائم "روحاني%%ا

�ريد لهم أن يحيوا حياة أفضل بمعتقدهم". البسيطة" و "عامة الشعب الذين أ

:تحو�ل سحري

إلى جانب تنافيها مع المنطق، تعني فكرة القيامة بعد الموت أن المعم£دين، أكانوا يستحق�ون       �محى الجنة أم ال، يتم انتقالهم بعد الموت إلى الجنة بشكل سحري وك%ل ذن%وبهم البش%رية س%وف تi! لقد غذ�ى أحد مقاطع بولس الرسول فكرة التحو¢ل العج%%ائبي ه%%ذه ال%%تي أد£ت إلى المعتق%%د تلقائيا الشائع ب% "الغبطة". لقد كتب بولس في رسالته األولى إلى أهل كورنثيا: "لن نرقد كلنا ولكننا كلن%%ا نتغير، في لحظة، في طرفة عين عند البوق األخ%%ير، فإن%%ه س%%يبو£ق فقي%%ام األم%%وات ع%%ديمي فس%%اد�

ر53-15/51ونحن نتغير. ألن هذا الفاسد ال بد أن يلبس ع%دم فس%اد". )كورنثي%ا األولى ( وق%د فس%£ المسيحيون لقرون عدة هذا المقط%ع على أن%ه وص%ف للبعث الجس%دي، في حين اعت%بر البعض أن�ة الم%%وت في ن "الغبطة" هي لحظة يتم خاللها نقل جميع المسيحيين إلى الجنة دون خض%%وعهم لس%%�i في هذه اللحظة، متى نحصد ما ق%%د �ون عن محو الذنوب جميعا نقلة عجائبية. وهنا يتساءل الغنوصي

Page 177: ابناء النور عبر العصور

i التقمص أكثر عدالة زرعناه على هذه األرض؟ فما نفع كفاحنا الشخصي نحو الفضيلة والصالح؟ إذااهم الل%%ه قب%%ل جه%%وزيتهم ل%%دخول الجن%%ة. "ليس%%لس من البعث الجس%%دي ألولئ%%ك ال%%ذين توف%%�

Leslie ويذرهد" Weatherhead وص%ل إلى نتيج%ة1960 إلى 1935، راعي أبرشية لن%دن من س%نة ، مماثل%%ة، لق%%د اعتق%%د ويذره%%د أن التقم¢ص ج%%زء من الحكم%%ة اإللهي%%ة وأن األرواح ال%%تي لم تم%%ر في

."i  حن مجددا �مت � عبر التقمص، أي كي "ت �صق ل إال اختبارات أرضية ال ترقى إلى مستويات عليا وت

:القيامة الروحية

للغنوصية المسيحية لغتها الخاصة، وهي نوع من الكالم الباطني قيل أن يسوع وحتى ب%%ولس       i، ببس%%اطة.. i روحاني%%ا i، لقد كان البعث في مفهومهما ح د ثا i ماديا نطقا به، لم يكن البعث عندهم ح د ثا يقظ%%ة للنفس، واعتق%%دوا أن أولئ%%ك ال%%ذين اخت%%بروا البعث الروح%%اني باس%%تطاعتهم تحقي%%ق الحي%%اةi أشبه باألشباح �حاد المقدس على األرض، والذين ال يختبرونه سوف يتقم£صون أجسادا األبدية، أو االتر الغنوصيون بعض المقاطع من رسائل بولس التي تب%%دو بال أرواح تطغى عليها ظلمة النسيان. ف س� وكأنها تشير إلى قيامة جس%%دية بأس%%لوبهم الخ%%اص، واد�ع%%وا أن ب%%ولس عل£م على مس%%تويين، واح%%د للدنيويين أولئك الذين على مس%%توى األش%%ياء المادي%%ة، وآخ%%ر للروح%%انيين الق%%ادرين على اس%%تيعاب�ون أنفس%%هم روح%%انيين، والقس%%م األك%%بر من المس%%يحيين دني%%ويين، الحكمة اإللهية. واعتبر الغنوص%%يدوا أن الروح%انيين وح%دهم باس%%تطاعتهم فهم المس%توى الع%الي لتع%اليم اإلنجي%%ل، لكن ه%ذا ال وأك%£i، حين ا i روحي%%� i، الذين بمقدورهم أن يصبحوا روحانيين ع%%بر انته%%اجهم مس%%لكا يستثني الدنيويين نهائياi في الع%%الم يدركون غ%%وامض األس%%رار. إن النظ%%ر في خفاي%%ا مع%%اني النص%%وص الديني%%ة ك%%ان ش%%ائعاi ذات مغزى، في حين اعتبر اإلغريقي- الروماني، فقد رأى فيلو اإلسكندري في العهد القديم قصصا

أوريجانوس اإلسكندري أن النصوص لها معنيان، ظاهري وباطني.

:المعنى الحقيقي للحياة والموت

إن وعد يسوع ل% "مارثا" في إنجيل يوحنا يلقي الضوء على مفهومه الحقيقي للموت والحياة       i وآمن بي فلن يم%%وت i. وك%%ل من ك%%ان حي%%ا "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فمس%%يحيار عدد كبير من المسيحيين هذا القول على أن أولئك ال%%ذين يؤمن%%ون إلى األبد. أتؤمنين بهذا". وفس�i أن يسوع يشير إلى بيسوع سيعيشون بعد البعث في أجيادهم المادية إلى األبد!، لكن أليس واضحاi عن%%دما يق%%ول يس%%وع أن ال%%ذي يعيش وي%%ؤمن بي أبعد من بعث¥� لألموات؟ ك%%ل األجس%%اد تم%%وت، إذا�ون ب%%أن "سوف لن يموت"، هل كان يقصد ببساطة بأن أجسادهم لن تم%%وت؟ هن%%ا يعتق%%د الغنوص%%يi إلى حال%%ة "العبودي%%ة والنس%%يان"، ويؤك%%دون المسيح يقصد بكالم%%ه ه%%ذا أن نفوس%%هم لن تع%%ود أب%%داi بخط%%وة بدورهم أن المؤمنين بالمسيح )الكلم%%ة، اللوغ%%وس، أو العق%%ل الكل�ي( س%%يتم بعثهم روحي%%ا ترقى بالحياة على األرض إلى مستوى أرفع من الكينون%%ة، ويش%%يرون إلى أن مص%%طلحاتهم منث%%ورةi تتضمن الرسالة إلى أه%%ل أفس%%س كلم%%ات "اليقظ%%ة، الن%%وم، الم%%وت" في في أعمال الرسل، مثال

(.5/14مفهوم غنوصي: "استيق�ظ أيها النائم وق�م من بين األموات فيضيء لك المسيح " )أإلس%%س �يا̈م وبحاج%%ة إلى إيق%%اظ ط%%بيعتهم �ون أن الدنيويين )النفوس غير المستيقظة( ن وآمن هؤالء الغنوصي المقدسة. وبمساواتها فكرة االستيقاظ من النوم مع القيامة من الموت، ت%دعم رس%الة ب%ولس إلى�ق%د�م المخطوط%ات أه%ل أفس%س، التفس%ير الغنوص%ي للبعث على أن%ه والدة روحي%ة ال جس%دية. وتi، يبد�د "إنجيل توما" األوهام لدى العام%%ة ب%%أن البعث الغنوصية رؤية واضحة وبسيطة عن البعث. أوال

Page 178: ابناء النور عبر العصور

حدث مستقبلي: "قال له أتباعه، متى تحدث راحة األموات، ومتى يأتي العالم الجدي%%د؟، فق%%ال لهم )أي المسيح( ما تبحثون عنه قد أتى لكنكم ال تعرفونه" وهذا يعني أن البعث والملك%%وت موج%%ودانi للمفهوم الغنوصي، لم نتكامل بهما بعد. وفي نص آخ%%ر من نص%%وص اآلن، لكننا ال ندركهما، أو وفقاi للس%%ؤال ادي" ، )ح%%وار المخل�ص(، نج%%د جواب%%ا المخطوطات الغنوصية التي اكتشفت في "نجع حم%%�i من االستنتاج، كالمتش%%د�دين، البديهي عن أي نوع من األجساد سيرتدي القائمون من الموت. وبدال أن النص أن تلك األجساد زائلة وفانية ال ت%%دوم "ليس به%%ذه األث%%واب الزائل%%ة ستكس%%و نفس%%ك". إن فكرة "االرتداء" وتب%%ديل األث%%واب مج%%از غنوص%%ي يس%%اعدنا على فهم مب%%دأ البعث عن%%د الغنوص%%يين، ويوض�ح النص الغنوصي بأن علينا أن ننزع أثواب هويتنا المادية وزخارفها لنرتدي الث%%وب الروح%%اني، هويتنا المقدسة )رداءنا الملكي(، وبذلك نحصل على الحياة الحقيقية- الحي%%اة "المنبعث%%ة". إن بحثر، ك كل ما ه%%و زائ%%ل ومتغي%%�  ر¤ �حاد بما هو إلهي داخلنا، وت الغنوصيين في نظرية البعث يرمي إلى االت

ووهمي.

�حاد المقدس، عندما تتأجج شعلة النار في قلب الم%%ؤمن        i، البعث هو معراج روحي نحو االت إذار النفس أن ه%دفها ه%و ذل%ك إلى حد¥ تتالشى معه األشياء الزائلة. وتحدث هذه اليقظ%ة عن%%دما تق%ر�

�حاد وتبدأ محاولة تحقيقه على خطى السيد المسيح )اللوغرس(, االت

�ح%%اد المق%%د�س(- قس%%م        المفهوم الس�ري ليوحنا عن التقم¢ص )البعث يقظة نفسية لتحقيق االتi من العدد .1998- تموز77البحوث الروحية في الضحى- راجع الضحى ابتداءا

i ما تكل£م يسوع عن الملكوت. لكن ما ه%%و الملك%%وت وكي%%ف يس%%تطيع اإلنس%%ان ال%%دخول كثيراإليه؟

i �ح%%اد المق%%دس، الملك%%وت ليس مكان%%ا سنرى في بحثنا هذا أن بلوغ الملكوت ه%%و تحقي%%ق االتق األحدي%%ة م%%ع الل%%ه. وس%%نفهم بقدر ما هو كل مكان- حالة الكينونة التي يمكنك ولوجها عندما تحق%%�

هذه الحالة عندما نتفح£ص أقوال يسوع عن الملكوت.

:أين هو الملكوت

£ر الناس في زمن يسوع وبحثوا عن الملكوت اآلتي وتساءلوا كيف سيكون. اعتق%%د البعض فك�ل%%ة بالمس%%يح وتس%%اءلوا ه%%ل س%%يحدث على األرض أو في أنه سلطة الله السرمدية المقبلة والمتمث

السماوات؟، كان هناك دعم� للفكرتين.

دعم للنظرية األرضية سأل ك%اتب "مزام%ير س%ليمان" في األس%فار الغنوص%ية )الق%رن األولi على إسرائيل في زمن مقبل غير م�سم�ى لكن أسفار موس%%ى ق.م".( الله أن ينص�ب ابن داود ملكا�ؤخ ذون إلى الملكوت السماوي: "سوف ي%%رفعكم الل%%ه إلىاألع%%الي نعم س%%وف �ح سي تخبرنا أن الص�ال

يثبتكم بقوة في جنة النجوم".

حتى ولو كان هناك اختالف في اآلراء إذا كان الملكوت في السماء أو على األرض فإن ه%%ذه£ت الكنيسة الكاثوليكية هذه الفكرة، المقاطع تصف الملكوت أنه مكان وقدومه حدث مستقبلي. تبن

Page 179: ابناء النور عبر العصور

�د أنه علينا أن ننتظر "نهاية الزمن" بعد الحساب األخ%%ير كي ي%%أتي ملك%%وت الل%%ه بكمال%%ه واليوم تؤك.i �را وعندها يصبح العالم المرئي الكلي متغي

i آخ%%ر "للملوكي%%ة" وال%%ذي يش%%ير إلى حال%%ة باطني%%ة لإلنس%%ان- الق%%درة على لكن هناك مفهوما ال%%تي تع%%ني Basileia الحكم. تأتي عبارة الملكوت في العهد الجديد من الكلمة اإلغريقية "باس%%يليا"

الملوكية وتدل على قوة السلطة.

كيف يمكن ألي شخص أن يحق�ق هذه القوة؟ تخبرنا النص%%وص اإلنجيلي%%ة وح%%تى التوراتي%%ة أن م س%%ليمان �منح� للحكيم ألن الحكم%%ة تق%%ود إلى الخل%%ود ال%%ذاتي، تق%%ول ح�ك قوة الس%%لطة والس%%يادة تi للتعل¢م، ومراعاة قانونها هو ت%%أمين الخل%%ود، والخل%%ود يجع%%ل "ابتداء الحكمة هي الرغبة األكثر صدقا

i من الله، فهذا التوق إلى الحكمة يقود إلى الملكوت". اإلنسان قريبا

:الحكمة تقود إلى الملكوت

 حك�م%ون األمم ويواجه%ون الن%اس �ح ب%الخلود، ويق%ول إنهم س%وف ي ال  م س%ليمان الص%%�  ع%د� ح�ك ت ويكون لهم مطلق السلطة. في المسيحية دور الحكمة منوط بيسوع فه%%و إنس%%ان وس%%يط مق%%د£س

�منح الخلود والسلطة.  ي

i بين تحقي%%ق الحكم%%ة وس%%يطرة الملك%%وت، يخبرن%%ا "س%%فر تصل مخطوطات بحر الميت أيضا ليفي" اآلرامي )القرن الث%%الث ق.م( المكتش%%ف في قم%%ران، أن من يعل�م الحكم%%ة س%%يجلس ف%%وقi i وحكاما �ر هؤالء الذين يبحثون عن الحكمة أنهم سيصبحون ملوكا عرش المجد. وفي مقطع أخر يخب

في الملكوت األبدي.

�عطيت لهم الق%%وة كي i أن الحكماء هم الذين يشتركون في الملك%%وت وق%%د أ يخبرنا فيلو أيضا يحكموا: "الحكيم الذي يمتلك الفضيلة هو الملك... الحكيم وحده هو الحاكم والملك، والفضيلة هي

سلطة ملوكية لمن سلطانه نهائي".

ال يصف فيلو الملكوت األرضر عندما يتكلم عن ملكوت الحكيم: "تأسست الممال%%ك األخ%%رى�ح¤صى. لكن ملكوت الحكيم ي%%أتي كهدي%%ة بين الناس في الحروب والحمالت وحاالت المحن التي ال ت

."i من الله والزغنسان الفاضل الذي يستلم هذه الهدية ال يؤذي أحدا

:الطريق إلى الحرية الحقيقية

�ر ب%%الفكر اإلغ%%ريقي( أن تأم£ل اإلغريق في الملكوت وكيف يمكن بلوغه، يخبرن%%ا فيل%%و )المت%%أث�م ن¤ يج%د امتالك الملكوت هو الطريقة الوحيدة لبلوغ الحرية الحقيقي%ة، وه%ذه الحري%ة ت%أتي فق%ط ل�د i وسي  ر  حرا �ع¤نب i أقل من الملك العظيم )الله(. وي الحكمة، يقول فيلو أن اإلنسان الحكيم يصبح ملكاi فه%%و أك%%ثر i بعشرة آالف رجل، بمعنى آخر لو ك%%ان الرج%%ل الحكيم عب%%دا نفسه حتى لو كان محكوما

حرية من سيده.

i كمتسو�ل: Epictetus قارن الفيلسوف الرواقي "إيبيكتيتوس" نفسه بالملك مع أنه كان فقيرا

Page 180: ابناء النور عبر العصور

"أنا أنام على األرض ال زوجة لي وال أطف%%ال وال س%%لطة رس%%مية لكن لي فق%%ط األرض والس%%مواتi؟.. من ال%%ذي ي%%راني وال وعبارة فقيرة واحدة. وماذا أريد؟ هل أنا حزين؟ هل أنا خائف؟ ألست حرا يظن أنه ي%رى ملك%ه وس%يده؟ "إيبيك%تيتوس" ه%و أفق%ر من أي مل%ك، لكن%ه ح%ر� ألن%ه غ%ير محك%وم

بمخاوفه ورغباته.

ينصح فيلو هؤالء الذين قد يبلغون منزلة الحرية والس%يادة ب%%أن يقه%روا حاج%اتهم ويس%يطرواi بعواطف%%ه i، بل إذا كان محكوم%%ا i أو حرا على رغباتهم، ال تعتمد الحرية على ما إذا كان اإلنسان عبداi وأهوائه )مثل البوذي%%ة(. تجع%ل المدفوع%ة بالش%هوة والس%عادة والخ%%وف أو الح%%زن، اإلنس%ان عب%%دار نفسها من العبودية، الق%%وة والس%%يادة والس%%لطة �د، بينما تمتلك النفوس التي تحر� لعشرة آالف سي

 على الذات.

i لإلنسان الحر Diogenes يخبرنا فيلو في عمله "كل رجل صالح حر" أن "ديوجينس" كان مثالi عن ذل%%ك i فه%%ذا لن يخم%%د روح%%ه. عوض%%ا i وباعوه عبدا والملكي حتى ولو أن اللصوص أخذوه سجينا�زان وعدم االكتراث هما من كان يمازح رفاقه العبيد ويسخر مم£ن سيشتريه"، ويؤكد لنا فيلو أن اإلت

عن الحرية بنفس The Sentences of Sextus خاصية الملك. يتكل£م واحد من نصوص "نجع حم�ادي"طريقة فيلو: "اإلنسان الحر الحكيم يشارك في ملكوت الله".

:ليأت� ملكوتك

انتشرت ه%%ذه األفك%%ار عن الملك%%وت في الق%%رن األول وب%%دون ش%%ك ك%%انت مألوف%%ة بالنس%%بة ليسوع، حيث أخذها بأهمية وبنى عليها تعاليمه. واستنتج تالميذ يسوع أن أقواله عن الملكوت كانت

i من وعظه. i أصيال  جزءا

اعتقد الباحثون )مثل فيلو( أن يسوع لم ير  الملكوت كرؤي%%ا مس%%تقبلية، ب%%ل منزل%%ة يمكن أن يختبرها اإلنسان وينعم فيها اليوم إذا كانت لديه المفاتيح، ودون أن ينتظر حتى نهاية الع%%الم، وه%%ذا

i في أقواله عن الملكوت في إنجيل لوقا: i وجليا يظهر واضحا

"وكان يقول ماذا يشبه ملكوت الله وبماذا أشبهه، إنه يشبه حبة خردل أخذها رج%%ل وألقاه%%اi بم%%اذا في بستانه فنمت وصارت شجرة عظيمة واستظل£ت طيور السماء في أغصانها، وق%%ال أيض%%ا£أتها في ثالثة أكيال دقيق حتى اختمر الجمي%%ع". أشبه ملكوت الله إنه يشبه خميرة أخذتها امرأة وخب

( ما هو الشيء المشترك بين حب%%ة الخ%%ردل والخم%%يرة؟ لكليهم%%ا ت%%أثير21-20-19-13/18)"لوقا: أكبر من تناسب حجميهما، فحبة الخردل الص%غيرة أص%بحت ش%جرة كب%يرة واس%تظل£ت الطي%ور في أغصانها، والخميرة رغم صغرها بالنسبة لحجم الطحين فإنها تخمر أغلبية العجينة ملك%وت الل%ه ه%و صغير وضخم في ذات الوقت ونفس الخصائص موجودة في الشرارة المقدسة "اآلتم%%ان" )ال%%ذات�رن%ا يس%وع أن الملك%وت ه%و مث%ل i. عن%دما يخب £أة داخ%ل ك%ل إنس%ان وص%غيرة ج%دا العليا( وهي مخبك عبر الشرارة المقدسة ومثلما تصبح حب%%ة �د¤ر  الخميرة وحبة الخردل، فهو يشير إلى أن الملكوت ي الخردل الصغيرة نبتة كبيرة، تسمح الشرارة المقدسة لنا أن نصبح الشجرة اإللهية الكبيرة. ومثلما¤ض�ج الخميرة العجينة فإن� الشرارة المقدسة لديها القوة لتوج�ه الكائن الب%%اطني داخلن%%ا إلى الل%%ه، �ن ت�در�ك الملكوت عبر الشرارة المقدسة تلك نبل%%غ تخ%%وم األلوهي%%ة. يخبرن%%ا يس%%وع في أق%%وال فعندما ن

Page 181: ابناء النور عبر العصور

أخرى عن الملكوت أنه يقيم في كل جزء من الحياة وينفخ الروح في الك%%ون وه%%و حاض%%ر في ك%%ل�ون يسوع: "م%%تى س%%يأتي الملك%%وت؟ أج%%ابهم �ؤذ ن بدخوله لكل شخص. سأل الحواري مكان لكن ال ي�قال أنظر هن%%ا أو أنظ%%ر هن%%اك ألن ملك%%وت ال%%رب منتش%%ر على األرض سوف يأتي بغير ترق�ب. لن ي

يس%%يون113والناس ال تراه". )إنجيل توما: ( وهذا يشبه ما ورد في إنجيل لوق%%ا: "ولم%%ا س%%أله الفر� متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال إن ملكوت الله يأتي بغير ترق¢ب وال يقال إن%%ه هن%%ا أو هن%%اك ألن

(. لمزي%%د من ال%%براهين أن الملك%%وت ه%%و حال%%ة17/20/21ملكوت الله في داخلكم" )إنجيل لوق%%ا: ذاتية ويمكن اختبارها في الحاضر ن%%رى في رس%%الة العبران%%يين: "فل%%ذلك إذ حص%%لنا على ملك%%وت¥ ال

(. ي%%دعونا ك%%اتب12/28يتزعزع فلنتمس£ك بنعمة¥ بها الله عبادةi مرضيةi بتق%%وى وورع" )العبران%%يين: الرسالة إلى التبص¢ر في طبيعة الملكوت ويصفه وكأنه مص%%نوع من ش%%يء ال ي%%تزعزع مغ%%اير لخل%%ق

األشياء التي يمكن أن تتزعزع هذا يظهر أن الملكوت روحاني خالد.

:مفاتيح الملكوت

i لقد عرفنا الملكوت في مخطوطات بحر الميت وفي تع%%اليم الحكم%%ة على أن%%ه حال%%ة من إذا ح إلى الحكيم الصالح وتق%%وده إلى الخل%%ود. يخبرن%%ا فيل%%و أن بلوغه%%ا �من الكينونة وقوة السلطة التي ت يكون بفصل أنفسنا عبر العالم المادي، ويقول لوقا وتوما )في اإلنجيل( أن الملكوت م�ت%%ا̈ح لن%%ا هن%%ا�من%%ا رس%%الة العبران%%يين أن%%ه روح%اني، على األرض ولكن ليس بمق%دور ك%ل ش%%خص أن يدخل%%ه، وتعل

�حاد مع الله. i الفكرة الصوفية القائلة باإلت �دا  ويسوع يخبرنا أنه موجود في داخلنا مؤك

�ج%اه. ففي أق%وال توم%ا ويشير إنجيل توما وبعض نصوص نجع حمادي الغنوص%ية إلى ه%ذا االتi( خارجنا، ويتكل£م كاتب اإلنجيل بتفصيل ويبني i( داخلنا، )كبير جدا تأكيد على أن الملكوت )صغير جدا على فكرة فيلو "الهلنستية" عندما يخبرن%ا أن بل%وغ الملك%وت يك%ون ع%بر المعرف%ة الذاتي%ة: "ق%ال يسوع إذا قال لكم أسيادكم انظروا هوذا الملكوت في السماوات فعصافير الجنة سوف تس%%بقكم، وإذا قالوا لكم إنه البحر فإن األسمال سوف تسبقكم، فالملكوت هو في داخلكم وخارجكم، عن%%دما

تعرفون أنفسكم سوف تعرفون وتفهمون أنكم أطفال لألب الحي".

�ل مع الله في ¢ل والتماث "ولنعرف أنفسنا ولنصبح معروفين" هي عبارات غنوصية لعملية التمثi مع الله. الداخل، فلهذا يخبرنا توما أنه كي ندخل الملكوت علينا أن نكون واحدا

i عن%%دما يه%%زم يبدو كتاب توما وكأنه يردد أقوال فيل%%و عن%%دما يخبرن%%ا كي%%ف يص%%بح العب%%د ملك%%ا سلطة السعادة واأللم: "من يترك اآلالم الجسدية والعواطف سوف يالقي الطمأنينة من الش%%خص

 الصالح وسيحكم مع الملك".

�ح%%اد المق%%دس: "عن%%دما تحكم i مث%%ل االت ثم يخبرنا النص فيما بعد أن بلوغ الملوكية ه%%و تمام%%اi معك اآلن وإلى األبد". £ح�دا i مع الملك والملك مت £ح�دا سوف تكون مت

هذه الفكرة حيث يعد يسوع بالملوكية Pistis Sophia يكرر النص الغنوصي "بيستيس صوفيا"i: "كل ال%%ذين سيس%%تلمون األس%%رار ال%%تي ال �حاد المقدس لهؤالء الذين سيستلمون أسراره قائال واالتi( معي في ملك%%وتي وأن%%ا هم وهم أن%%ا". بعب%%ارة i متشاركين )ملوك%%ا �اما ينطق بها، سوف يصبحون حك

Page 182: ابناء النور عبر العصور

i مع المسيح تكون قد بلغت الملكوت )يضرب المث%%ل بيس%%وع ألن%%ه نم%%وذج أخرى عندما تصبح واحداللصورة المقدسة الخالدة(.

i يق%%ارن �حاد المق%%دس، أوال تؤكد أقوال أخرى في إنجيل توما أن "إيجاد الملكوت" هو رمز لالت يسوع نفسه بالملكوت: "من هو بقربي هو بقرب النار )المقد£سة( ومن هو بعيد عني فهو بعيد عنi ¢ها الملكوت" إذا كان الملكوت مثل يسوع فمن يريد أن يبلغ الملكوت يحتاج إلى أن يصبح أكثر تشب

به".

:العودة إلى البداية

i، ه%%و "الع%%ودة إلى البداي%%ة"، ح� آخر يوض%%ح كي%%ف يص%%بح اإلنس%%ان مقد£س%%ا ر¤ في إنجيل توما ش  الحال%%ة األزلي%%ة للكم%%ال قب%%ل أن تتح%%د£ر النف%%وس إلى الش%%كل الف%%اني، اس%%تنتج الب%%احث "س%%تيفان

ا ورد في إنجيل توما( أن البداية وملكوت الله، ويسوع، والنور عبارات Stevan Davies دايفس" )مم�متساوية.

�ون يسوع عن "النهاية" أخبرهم أن الطري%%ق لبل%%وغ الحي%%اة األبدي%%ة تك%%ون عندما سأل الحواري بالعودة إلى البداية، قال يسوع: "هل وجدت البداية التي تبحث عنها؟ في المك%%ان ال%%ذي تج%%د في%%ه البداية ستكون هناك النهاية. مبارك� هو الذي س%%يقف في البداي%%ة ويع%%رف النهاي%%ة ولن ي%%ذوق طعم الموت". ويخبرنا يسوع في إنجيل توما أكثر عن كيفية بلوغ حالة البداية )أو الكمال( ال%%تي حق£قه%%ا،�ون: "أظهر لنا المكان حيث أنت حتى نبحث عنه". يجيب يسوع: "هناك نور داخل كل يقول الحواري

شخص منكم يشع على العالم بأسره، وإذا لم يشع فالعالم مظلم وحالك".

i م%%ع ن%%ور الل%%ه في قلب%%ك، ولذلك عندما تكتشف كيف تجعل النور داخلك يشع، وتصبح واح%%داعندها سوف تقف عند البداية وتكون قد اكتشفت الملكوت.

:الحاضر في كل مكان

�حاد كمثل كائن تجده في كل مكان دفعة واحدة، يقول يس%%وع وصف الفكر الصوفي حالة االت (: "أنا نور العالم الذي هو فوق كل األشياء، أنا كل األشياء، كل األش%%ياء تظه%%ر77)في إنجيل توما

£صل بي، شق الخشب أنا هناك، ارفع الحجر ستجدني هناك". مني، وكل األشياء تت

�حاد المقدس فأنا حاض%%̈ر م%%ع الل%%ه بك%%ل "شق الخشب أنا هناك" تعني: "اآلن وقد حققت االتيء{ من الكون". ذرة وج�ز 

يشرح إنجيل فيليب الغنوصي هذا الشكل للوجود، أي حالة الكينون%%ة كج%%زء من الحي%%اة كله%%ا       £حد مع جوهر الروحاني%%ة الحقيقي%%ة لألش%%ياء i مع الله نت وأنه "المملكة الحقيقية"، وعندما نصبح واحدا

وليس مع وهم العالم المادي.

"ال يستطيع الناس أن يروا أي شيء في المملكة الحقيقي%%ة إال عن%%دما ي%%دخلونها. في مملك%%ة       i، وإذا رأيت ال%%روح أص%%بحت ال%%روح، وإذا رأيت الحقيقة، إذا رأيت أي شيء تصبح أنت وإي%%اه واح%%دا

Page 183: ابناء النور عبر العصور

المسيح أصبحت أنت المسيح، إذا رأيت األب ستصبح أنت األب. في العالم ترى كل شيء وال ت%%رىنفسك، لكن هناك ترى نفسك ألنك ستصبح ما ترى".

i كم%%ا يس%%وع،        i تحت الحجر تمام%%ا في الملكوت، تصبح كل شيء، وعندما تبلغه ستكون حاضرا وتكون معه الشمس والس%%ماء واألرض. فص%%ميم رس%%الة يس%%وع ه%%و أن نج%%د ه%%ذه الحال%%ة باألتح%%ادi ف%%وق i معظ£م%%ا الصوفي الذي ه%%و الملك%%وت والحي%%اة األبدي%%ة. لم ي%%رغب يس%%وع في أن يك%%ون ملك%%اi لح%يرة اإلنس%ان اآلخرين بل يريد أن يظهر لنا الطريق إلى الملكوت، وعندما نجدها س%نجد مخرج%ا¤ح%%اد المق%%د£س وآالمه ومعاناته وعجلة الوالدة، ونتحو£ل إلى حالة غير اعتيادية من التن%%وير. حال%%ة االت

خارج العالم- عالم الزمان والمكان والمادة.

. شرارة الذات المقدسة )ملكوت الله في داخلنا(- إعداد قسم البحوث الروحية في الضحى       

 لسابقون والعرفانيون والمتصو�فون

مشاهد من ذاكرة التوحيد

عصر اإلسالم

ج بهم في سل�م معرفته )في هذا الدور اآلدمي األخير( كما        إن رحمة الباري بعباده جعلته يتدر£ج من عه%%ود الجه%%ل في سائر األدوار بتؤدة وعلى قدر أفهامهم. ذلك ألن البش%%رية م%%ا ب%%رحت تت%%در£ والظالم، إلى عهود المعرفة واإلشراق والنور... لذلك كان ال بد من إعطاء الحقيقة جرعة جرعة...i جاءت الحكمة األزلية مبثوثة في باطن جميع الفلسفات واألدي%%ان من%%ذ أق%%دم العص%%ور. ولذلك أيضاi بالمعرف%ة إلى ج مس%لحا ج الطفل، وتنمو مداركه من الحضانة إلى الجامع%ة حيث يتخ%ر£ فمثلما يتدر£

 ة المتعاقبة. ميدان العمل، كذلك هو الحال مع البشرية من أقدم عصورها مع الدعوات التوحيدي

i للخالص        عليه نقول، إن اإلسالم اعتقاد وإيمان، وبالطبع فال بد لإليم%%ان من أن يك%%ون طريق%%ا�زه�ر دون أن تنعق�د ثمارها وتنضج. والنجاة، وإال كان كالشجرة التي تور�ق وت

وقد حذ£رنا الله العظيم من الشرك ب%%ه... لكن التوحي%%د ك%%ان ال ب%%د أن يص%%ل إلى منه%%اه ع%%بر       ر. سلوك طريق الفكر المتحر�

ل س%%� £ل األنبياء الك%%رام على أنهم ر� إنها لداللة على الوالء للحقيقة وعدم الشرك بالله أن نتقبi من مصدر واحد ولهدف واحد. فتكون األديان ليست سوى حلقات متعاقبة، ومتسلسلة �عثوا جميعا بب لألنبي%%اء i في معراج البحث الصاعد عن الحقيقة. ويكون البحث عن الحقيق%%ة ليس بالتعص%%¢ �ا تاريخي

ل، بل يفهم جوهر األديان والرساالت التي أتوا بها. س� والر�

إن اإلسالم يدعو إلى عبادة الله وتوحيده والخضوع لمشيئته وقوانين الوج%%ود ال%%تي أوج%%دها،       

Page 184: ابناء النور عبر العصور

ة ال%%تي س%%بقت اإلس%%الم في كما يدعو إلى احترام األنبياء الذين دعوا إلى الكلم%%ة الس%%واء التوحيدي%%�الظهور.

ا التوحيد فهو اإلسالم بمعناه األشمل. عندما أرسل النبي س%%ليمان إلى بلقيس ملك%%ة س%%بأ        أم�ن يدعوها إلى اإليمان بالله الواحد فإنه كان يدعوها في الحقيقة إلى اإلسالم بمعناه الواسع، وهو م  التسليم لمشيئة وإرادة الله الواح%%د ال%%ذي ال وج%%ود إلل%%ه س%%واه. وه%%ذا في الحقيق%%ة ج%%وهر عقي%%دة

التوحيد اإلسالمية.

واإلسالم ال يعني بالنسبة للموح�دين الوقوف الحرفي عن%%د النص، ف%%القرآن الك%%ريم مع%%روف       ا �ة التي ال يعلم تأويل بعضها إال الله ولذلك ف%%إن الكث%%ير الكث%%ير من آيات%%ه يتتطل�ب من%%� بمعانيه الباطني¢ر الق%%رآن الك%%ريم. ففي آي%%ات االجته%%اد المخلص الم%%ترف�ع عن القي%%ود الفكري%%ة لفهم وتفس%%ير وت%%دبرة عن كث%%ير من الظ%%واهر والب%%واطن من المع%%اني.  مات أبعاد وأعماق مرموزة ومعب%%� القرآن الم�حكر �اتها المؤمن بقدر ما أوتي من اإللهام والتوفيق، وسمو ال%%ذوق، وتح%%ر¢ وكلها صحيحة يغوص في طي£تهم. فمنهم م ن يطفو على س%%طح األلف%%اظ، العقل، ورهافة اإليمان. وفيها يجد العوام والعلماء ضال ومنهم م ن يغ%%وص في عم%%ق المع%%اني. ومن المهم الت%%ذكير ب%%أن ليس جمي%%ع م%%ا ورد في الكتبi م%%ا المقد£سة إنما يمكن أن يؤخ ذ عن ظهر قلب على حرفيته، ألن الحقيقة ومنذ قديم الزمن كث%%يرا

¢لها، أو حتى ال يسيئون إليها. كانت تأتي مغل£قة حتى ال يصعب على العامة تقب

دين هم مس%%لمون لتعل¢قهم        i بالمعنى التقليدي الظ%%اهري للكلم%%ة. إن الموح%%� التوحيد ليس دينابجوهر األديان األبدي؛ والذي هو منذ األزل وهو ما أثبته القرآن الكريم في كثير من آياته...

ة بتزكي%%ة        يعتق�د الموح�دون أن اإلسالم جاء برسالة الهدف منها إكمال توض%%يح الحقيق%%ة اإللهي%%� النفوس وتهيئتها لمشاهدة الحق سبحانه، وهذه الحقيقة شاهدتها كل نفس، وكاشفها كل عقل منذi لألديان األخرى ومص%%دره الن%%ور ال%%ذي أتى i مكم�ال i جديدا بداية التكوين، فبذلك يكون اإلسالم معراجا

في كل عصر وزمن لهداية الخلق إلى معرفة الحقيقة.

ويقول القرآن الكريم أن رسالته هي "التوحيد" وليس التفرقة. والتوحيد ه%%و رس%%الة األدي%%ان       المقد£سة التي تحث¢ على المحبة والسالم بين البشر.

ق �ف%� �هد ر على مذبح التعص¢ب والجهل. وه%ذا م%ا أد�ى إلى تض%ييق أ i ت فكانت هذه الرسالة دائما�حاسب عليها نفسه وحدها. الفرد وهامش حريته في البحث عن الحقيقة التي ست

       i دافع مثال i ض%%د نفس%%ه، في%%� £ط الفرد في أجياله وتقم¢صاته بين جبهات األديان ليشن حرب%%ا فيتخبi ذات%%ه العلي%%ا ال%%تي عن بوذيته في جيل ضد المسيحية وعن مسيحيته في جيل آخر ضد البوذية ناسيا

£ته الحقيقية. تعطيه هوي

لماذا د�ف�ع بالفرد إلى هذه الزواية؟

i حاجت%%ه إلى الع%%ون        إنه استغالل لحاجة الفرد بأن يشعر باالنتماء وخوفه من الم%%وت، وأحيان%%اi أخ%%رى حاجت%%ه إلى غس%%ل عق%%دة الش%%عور الم%%الي واالقتص%%ادي واالجتم%%اعي والسياس%%ي... وأحيان%%ا

Page 185: ابناء النور عبر العصور

�ف%%ر ض علي%%ه باس%%م "الل%%ه"، فباس%%م الل%%ه ق%%ام بالذنب. كل هذه الممارسات القاهرة لإلنسان إنم%%ا ت�دوا أميرك%%ا. وباس%%مه ق%%ام األميريكيون البيض باجتثاث األميريكيين األص%%ليين )الهن%%ود الحم%%ر( ليش%%ي العرق األبيض باستعباد العرق األسود. وباسم الله أنشأت الكنيسة الكاثوليكية محاكم التف%%تيش فيف�ك دم الحالج. �ة. وباس%%م الل%%ه س%%� �ة للجماع%%ات الغنوص%%ي القرون الوسطى ونظ£مت المذابح الجماعية في الجزائ%%ر الي%%وم. وباس%%م الل%%ه اغتص%%ب اليه%ود "فلس%طين" �نظ£م المذابح الجماعي%%� وبإسم الله ت

 ل السو�اح األبرياء في مصر. �قت وباسم الله ي

ما هو اإلسالم؟ اإلس%%الم ه%و إس%%الم الوج%ه إلى الل%%ه، فك%%ل من أس%%لم وجه%ه إلى الل%%ه ك%ان       �به ومالئكته واليوم اآلخر وقض%%اء الل%%ه خ%يره وش%%ره ك%ان �ت مسلما. كل من وح£د الله وأقر بأنبيائه وك مسلما. أما أن يختلف المسلمون في أفكارهم فتنح� عن اإلس%الم. الفك%ر والعق%ل ه%و غ%نى وث%روة�ة الله ويشهد بمحم£د كرسول له يكون مؤمنا ونيته صادقة لإلسالم، طالما أن اإلنسان يشهد بوحداني

في أركان اإلسالم فال نستطيع أن نلغيه وال نستطيع أن نلغي غير المسلم.

i بخالف ما تقول به األديان وليس فقط اليهود أو        �نين أحيانا مع األسف الشديد، إننا نرى المتديi. عندما قتل أحدهم مسلما أنبه الرسول )ص( فقال: "لماذا الغرب بل المسلمين والشرقيين أحيانا

i رسول قتلت هذا تارجل؟" قال له القاتل: "ألنه كافر"، سأله: "ألم يشهد أن ال اله إال الله ومحمدا الله؟" ق%%ال: "نعم، ولكن%%ه غ%%ير مخلص في ش%%هادته". فأجاب%%ه الرس%%ول )ص( ق%%ائال: "أش%%ققت عن

قلبه؟" فالكفر أمر يحاس�ب عليه الله".

¤ك%%ا ولم يع%%د        ف¤ض الغير هو ضد اإلسالم. من هنا، ن%%رى أن اإلس%%الم يض%%عف عن%%دما يص%%بح م�ل ر� خالفا، هذا ما يجب أن ندركه كإسالم وكعرب ألنه عن%د ذل%ك تص%بح أرواحن%ا إس%المية وتنفتح قلوبن%ا للمحبة وللخير. علينا كموح�دين في اإلسالم أن ال نمالئ في كلمة الحق ولو على حس%%اب كبريائن%%ا.

i في مراجعة ذات%ه وانتق%اد نفس%ه، على اإلسالم أن يعيد النظر في مواقفه من غيره ويكون شجاعاi ينق�ي النفس نحو األفضل. وهذا ما يجب أن يكون عليه عمل المسلمين النقد الذاتي إذا كان صادقا

كي يتوح£دوا ويبتعدوا عن التنافر والتناحر.

دا، ليس فق%ط في        الذي يريد أن يسلك مسلك إسالم التوحي%%د فعلي%%ه أن يك%%ون حقيق%ة موح%�هاته أي أن ينفي كل أنانية، وهذا أمر ال يس%%تطيع ك%%ل إنس%%ان أن يص%%ل عقله ومنطقه، إنما في توج¢ إليه، والمقصود بانتف%%اء األناني%%ة ه%%و العم%%ل في س%%بيل الح%%ق وليس في س%%بيل إظه%%ار ذات أو أي%%ة

مصلحة. التوحيد هو طهارة وكلما تطه£ر اإلنسان بالمحبة استطاع أن يقترب من الله.

i. ليس القرب إلى الله أن أرى الله في مخلوقات%%ه ب%%ل أن أرى        القرب إلى الله أمر دقيق جدا األشياء من خالل الله. "الله أقرب إلينا من حبل الوريد. الله أقرب إلينا منا. هذا ما يقول%%ه التنزي%%ل

العزيز.

:رسالة سلمان الفارسي

£ق الحكمة في تفريده، فينفرد سلمان في قوم%%ه األولين، ويس%%توحد        يتأل£ق فجر اإلسالم، وتتأن

Page 186: ابناء النور عبر العصور

في فراديس العقل اإللهي سابحا في ملكوت اللطافة إلى ناسوت الكثافة.

خرج من النار نورا على خمسة فروع، وقيل على خمسة حروف، وكان عقل%%ه ح%%دود األص%%ل       �ع%ر ف النه%ر من منبع%ه ومج%راه. هن%ا �عر ف القط%رة من أخته%ا، وال ي أو أصل الحدود. ففي النبع ال ت الكل واحد: النار والنور، الحرف والحد، الفرع واألصل، ومن حرم من علم الرموز وس%%مو التك%%وين في ما كان وما لم يكن، إنما يحرم نفسه من متعة النظر في الجوهر ومش%%يئته! ه%%و الس%%ابق قب%%ل

العهد. وهو المنادى والمستجيب: ال إله إال الله.

�قال ان%%ه س%%لمان        في المهد التوحيدي عرفته بالد فارس، ولم يعرف حقا إال من هداه ودعاه ي�قال انه حمل على كتفيه مئتين وخمسين سنة مما تعودن، ليختبر األديان والمسالك كلها. باك. وي

من النار، سر اللطافة والحيوية كما رأى هيراقليطس، خ%%رج ب%%النور إلى عين اإلنس%%ان. ك%%ان        يعرف جوهر النار، وكان يعل�م أن طريق التوحيد طويل وأن زاد الموحدين قليل، إذا هم لم يحسنوا

قبس النور من مكانته الجوهرية الشعشعانية.

كان اإلنسان الحكيم العاقل فيه، وكان في كل أرض يناديه ويؤاتيه. ال تكون مؤاخ%%اة العق%%ول        إال في ربيع الحكمة وفصول التأل¢ق على مشارف األدوار واألك%%وار. وك%%ان س%%لمان س%%الما وإس%%الما، قبل الكلمة. عاش في قميصين أو جس%دين: قميص الحقيق%ة وجس%د الظ%ل. وفي ك%ل ح%ال، ك%انك الروح وكأنها ريح الحياة ال%%تي ال تكش%%ف i، ماثال في نقطة بيكار الكون والوجود. وكان يحر� حاضرا

�م ن رعاها ووعاها. ثمارها الطيبة إال ل

حارت به الدوائر وهو ينتقل من نقطة إلى نقطة، في مسار ك%%ان يض%%ع الص%%يرورة والتح%%و¢ل       في منزلة" ظالل الموت"، فيما قميص الحقيقة يرتدي "نور الكلمة".

مرة أخرى، تأنقت مرايا الوجه الواح%%د وه%%و يس%%افر من بالد المه%%د )ف%%ارس( إلى بالد العه%%د       )الجزيرة العربية(، واشتعلت حتى كادت تنكسر من شدة حكمته، وهو يأخذ الكتاب بقوة.

هو الضيف اإللهي، المسافر أبدا من بيت ناره إلى بيت نوره يطف�ئ نار الجهالة والتلحيد بماء        العرفان ونور التوحيد. يخلع قميص حياة مهدي%%ة، ويكتس%%ي كس%%وة المص%%لوب في بالد الش%%ام قب%%ل

في بالد الشام قبل اإلس%%الم، وي%%رى اإلنس%%ان في%%ه وفي الع%%المين اإلسالم، ويرى كسوة المصلوبم الله على الموح�د أن يذل نفسه لغ%%ير خالق%%ه، مصلوبا، طالما انه رفع يديه منقادا لغير خالقه "حر£

إال إذا شاء".

من بيت النار في فارس، إلى بيت المصلوب وفمه ذهب الكلمة، كان سلمان يجوس األي%%ام،        يختبر الناس وكأنهم نقطة سوداء تبحث عن عمامة بيضاء يخرج سنا الفجر من مكنونه%%ا الروح%%اني

العقالني البحث.

سلمان: س. ل. م.ا.ن:

اسم فريد في بالد فارس. ال سابق له وال الحق، فهو االثنان معا. وكيف لف%%ارس وس%%واها أن       

Page 187: ابناء النور عبر العصور

تعر�ف ما ال عهد لها له؟

الفريد يبحث عن الفريد. اختبر المسيحية في ديرها، ولم يرتو. حملة شوق الكلمة التوحيدية        إلى بالد امحوتب )وهو هرمس الهرامسة عند اإلغريق وإدريس الق%%رآني( وهن%%اك أم%%اط اللث%%ام عن فرادة ال%دعوة وع%زم الداعي%ة. ففي مح%راب أه%ل التوحي%د تنكش%ف الس%رائر والبص%ائر، وتته%اوى�جاه سماء الواحد، يؤد�ي إلى نقط%ة واح%دة الستائر، ألن الهرم مهما عرضت قاعدته وتسامق في ات

تصل المتناهي بالالمتناهي، وتدغم أبيض األرض واإلنسان بأزرق األثير والواجد.

i أخ%%ذوه        ارا �ج%%� في بالد إخناتون، حمل صليب التوحيد إلى هالله. قد£م نفسه قربان%%ا، وقي%%ل أن تروا ب%ه، فيم%ا ك%ان العمي%ان يظنون%ه عب%دهم، وه%و م%والهم i، وهو الحر المحرر؛ وقيل انهم تحر£ عبدا�دهم ففي كل موح�د سيد، يسود نفسه، يسوسها بالحكم%ة، ويك%ون به%ا اق%رب إلى الواح%د من وسي

حبل الوريد، كما يكون إلى عبارة في م�نتهى التواض�ع والرهافة.

كان سلمان "مألفة أألديان"- كما يقول الشيخ عبد الله العاليلي في اإلسالم- بمع%%نى أن ك%%ل       من يقصده يجد في بيته بغيته.

في المدينة، ك%%ان على موع%%د من مه%%اجري الل%%ه ورس%%وله. ك%%ان يعم%%ل ليعيش، ولكن ظالل        الجسد ما كان ليخفي قميص نقائه وتقواه. هناك عرفوه مذ رأوه. والى السابق تسابقوا لعتقه مم�ا هو فيه، بينما ينتقل من قوم إلى قوم، وهو يدرك انهم كلهم عيال الله. واص%%طفاه المص%%طفى إلى£س%%ع بيت هاشم، وكان البالغ: "سلمان من أهل ال%%بيت أي بيت التوحي%%د، بيت الل%%ه الع%%تيق، ال%%ذي يت

لكل األديان، ولكل الناس، لو علموا".

السالم في روحه، بل هو روح السالم. من السابقين الخمسة، ك%%ان كلم%%ة وك%%ان عقال وك%%ان       م رسول الله نعته بالفارسي، بالمعنى الشائع تل%%ك األي%%ام، إذ نفسا لكل الالحقين المستجيبين. وحر£ادى ب% �قة: ان%%ه عق%%ل الجمي%%ع، وج%%امعهم! وص%%ار ين%%� الموح�د فوق التسميات القومية أو العرقية الضي "سلمان المحمدي"، أي المحمود فيما يأتي ويحكي. وكان له عهود م%%ع رس%%ول اإلس%%الم، وم%%ع أول فتى مسلم، علي بن أبي طالب. وحين انتقل من عهد الرس%%ول إلى عه%%دة الرفي%%ق األعلى، ك%%انت

عروش الجهالة تتهاوى، وكان دعاء "الله أكبر" يؤذ�ن بنهاية ممالك "الشيطان األكبر".

1994عهد سلمان )الضيف اإللهي المسافر(- راجع الضخى العدد الرابع والثالثون

نحن مع رجل مأل في زمانه القلوب والعيون والبصر، والبصائر، واألسماع، واألفهام، مع رجل        كان في التوحيد، والورع، والتقوى آيات ظاهرة، وفي العلم والمعرفة بح%را زاخ%را، ك%ان يتكل£م مندهم فيه%ا ليس%بقهم إليه%ا، د الن%اس في ال%دنيا، وه%و أول وإم%ام الزاه%دين ال يزه%� حنايا ف%ؤاده يزه%� ويزاحمهم عليه%%ا وينافس%%هم فيه%%ا، ك%%ان دين%%ه دين فع%%ل وعم%%ل ال دين ق%%ول باللس%%ان، دين إخالص وخلوة، ال دين رياء وإعالن، وتغاض� وكان يتواضع لله حتى رفعه الله عز وج%%ل ويعيش ويحي%%ا حي%%اة، وبيديه الشريفتين خزائن األرض ومطارح الثروات، ومن%%ابع الج%%واهر فلم يجم%%ع في  ك� الفقر والض ن حياته األموال الهائلة، والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة وإنما كان يحم%%ل س%%الحه، ومص%%حفه الشريف عندما يريد الخروج ويقول: "هكذا ينجو الم�خ�ف�ون"، انه سلمان الفارسي )رضي الله عنه(

Page 188: ابناء النور عبر العصور

�ل عن اس%%مه الط%%اهر ق%%ال: "عب%%د ئ بل سلمان الخير، والمحبة والنور الشعشعاني حيث كان إذا س%%� الله. وعن نسبه؟ قال: "ابن اإلسالم"، وعن فخره قال: "سلمان منا"، وعن لباسه قال: "الواضع"، وعن طعامه، ق%ال: "الج%وع"، وعن ش%رابه، ق%ال: "ال%دموع"، وعن وس%ادته ق%ال: "الس%هر"، وعن

قصده، قال: "وجه الله" )عز وجل(.

لقد شب£ سلمان الفارسي )رضي الله عنه( وعين المولى تحرسه وترعاه وتحفظ%ه، وتكل%ؤه        من أدناس الجاهلية، وعبادة األصنام، واألزالم، واألوثان، والشمس، والقم%%ر، وآله%%ة الن%%يران، فنش%%أ ولم يسجد ألي بيت من بيوت نار قومه، ولم يشاركهم في أعيد عيد من أعيادهم ولم يذق قرابينها، حيث قال عن نفسه الشريفة: "كنت ابن دهقان في قرية جي� من اص%%بهان، وبل%%غ من حب أبي لي س الجارية فاجته%%دت في المجوس%%ية ح%%تى ص%%رت قطن بيت الن%%ار" �حب أن حبسني في البيت كما تية حيث الميل إلى عبادة النيران، واآللهة المتع%د�دة واألوث%ان ففي هذه األجواء الموبوءة وغير الصح� تنبثق شخصيته التي تأبى الخضوع، والسجود لها، وعلى الرغم من انه ك%ان قطن بيت الن%ار إال ان%ه كان قويا في توحيده، شجاعا مقداما، ال يبالى أن يقول كلم%ة الح%ق م%ا دام يعلم أنه%ا ح%ق، ك%انت تختلج في طوايا صدره أحاسيس مختلفة، وتبث من حنايا فؤاده أشواق ملتهبة إلى ترق¢ب من يشد�م ال عوج فيه وال اض%طراب في مبادئ%%ه �جاه دين قي أزره ويأخذ بيده الشريفة نحو الطريق القويم بات�دا والمث%%ل األعلى لك%%ل المح%%رومين والمستض%%عفين وال زيغ في شيء من توج¢هاته. كان إماما وس%%ي�ق�بوا بأه%%ل الص%%فة وهم ق%%وم ترف£ع%%وا �ق�ب ول واليتامى والمساكين من أقاربه وأخوته وصحابته حتى ل عن الدنيا ومشتهياتها، واستصغروا وبادوا عنها، وهانت عليهم متعه%%ا ول%%ذتها، ف%%اقبلوا على العب%%ادة، وانسوا بالله، وتجافت قلوبهم عن المضاجع يعبدون ربهم محب%ة وعش%قا ال طمع%ا ويرج%ون رحمت%ه يحسبهم الناس من األغنياء من التعف¢ف فهم دائما أفئدتهم م%%ع الل%%ه ع%%ز وج%%ل يتجلى ن%%ور التوحي%%د ونسيمات اإليمان وقبسات األنوار الربانية على وجوههم بعد أن فاضت طفحت نفوسهم وعروقهم بها، وأثر العبادة الحقة واض%%حة وبادي%%ة على وج%%وههم وس%%يماهم المش%%رقة"، ه%%ؤالء ال%%ذين عن%%اهم وأصابهم المولى عز وجل في محكم تنزيله: للفقراء الذين احصروا في سبيل الل%%ه، ال يس%%تطيعون ضربا في األرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعف¢ف تعرفهم بسيماهم، ال يس%%ألون الن%%اس إلحاف%%ا" وقال الرسول الكريم )ص(: "إذا رأيتم الرجل أعطى زهدا في ال%%دنيا، وقل%%ة منط%%ق ف%%اقتربوا من%%ه فإنه يلق�ن الحكمة"، ففي قرية جي� باصبهان، وتحت لهيب الن%%يران وبين حن%%ادس الجه%%ل والش%%رك والظلم والظلمات أشعل سلمان )رض%%ي الل%%ه عن%%ه( قبس اإليم%%ان، وحم%%ل علم التوحي%%د، وأص%%اب بقوم%%ه الجاهلي%%ة والمنح%%رفين والمس%%تكبرين والمعان%%دين أن أرب%%وا بعق%%ولكم وقل%%وبكم عن عب%%ادةق%%وا عن عق%%ولكم النيران، وكرموا جباهكم إن تسجد لها، وارفعوا عن عيونكم غشاوة التقلي%%د، وفر�ت نسيج األوهام، لكن الجه%%ل واالس%%تكبار والغ%%ل والمعان%%دة واألحق%%اد رانت على قل%%وبهم، واس%%تقر££ر، حتى ط م¤ط ح وبد£د ش%%مل شة، فلم تتبص£ر، وغشى على بصائرهم، وأعمى أبصارهم فلم تتدب معش� شركهم، وأخمد نيران عبادتهم، وصاح وهاج فيهم: "ي%%ا ق%%وم إني ب%%ريء مم%%ا تش%%ركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض حنيفا وما أنا من المشركين"، وقال فيه اإلمام جعفر الصادق: "إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما، وما كان من المش%ركين"، فك%ان ص%حيح العقي%دة ق%وي الحجج، وصاحب حلم وعلم ومما يتناقله الموحدون في مواعظهم عن مشايخهم األجالء بأنه شتمه رج%%ل فق%%ال ل%%ه: "ي%%ا ه%%ذا إن كنت مم£ن ثقلت موازين%%ه فال أب%%الي بم%%ا تقول%%ه وان كنت مم£ن خف£ت

جليل وأخ لسلمان )رضي الله عن%%ه( وه%%و أب%%و موازينه فأنا أشر مما تقوله"، وهذا ما فعله صحابي£ه رجل فلم يجبه فقال له رجل: دعني اكفه عنك، فقال له أبو ذر الغفاري جنادة بن جندب الذي سب ذر بصوت مفعم بالمحبة والحنان والرأفة والحلم: "من أذ�ن  في الشر ليس بحكيم"، وأهل التوحي%%د

Page 189: ابناء النور عبر العصور

والذوق يلتقون دائما على موائد مفتوحة عامرة وطافحة بالمحبة والتسامح.

:حياة ومسافرة سلمان الخير إلى درجات التعليم

وق%%ال: "إني مه%%اجر إلى ربي ان%%ه ه%%و العزي%%ز الحكيم" اس%%مه روزب%%ا بن بوذخش%%ان، وس%%م£اه        المصطفى عليه السالم س%%لمان الخ%%ير، ك%%ان وال%%ده من زعم%%اء بالد ف%%ارس ويمل%%ك بعض الحق%%ول والبساتين في منطقة أصبهان وفي أحد األيام كان والده منصرفا لتوس%%يع داره طلب من%%ه ال%%ذهاب إلى رزقه ليشرف على سير عمل الم%%زارعين عن ق%%رب، وأوص%%اه أن ال يت%%أخر في الع%%ودة فخ%%رجاد ي%دينون ب%دين المس%يحية وهم ق%ائمون يص%ل�ون سلمان مس%تجيبا ألوام%ر وال%ده فم%ر بخل%وة لعب%� خاشعين فأعجبه أمرهم وحالهم، وانشرح صدره لهم، وقال في نفسه: "والله هذا خ%%ير من دينن%%ا"، فأقام عندهم حتى غابت الشمس ال هو تابع إلى البس%%اتين، وال رج%%ع إلى وال%%ده حيث ك%%انت روح%%ه الشريفة تتوق وتشتاق إلى الحكمة والمعرفة واالستشراق حيث كان يبحث ويفت�ش عن غن%%اء قلب%%ه وعن سرور وغبطة روحه ويريد أن يلتمس، ويشعر في مرضاة رب%%ه س%%بحانه وتع%الى فك%%ان يش%عر ويحس منذ والدته الطاهرة بح%رارة العق%ل، وق%وة الن%ور وس%كون التواض%ع، وب%رودة الحلم وليون%ة�ع فيها كانت صفاته وتحيط به من جميع الجوانب. وك%%ان �ل عليها وط�ب الهيولى وهذه الطبائع التي ج�ب يستأنس بذكر المولى عز وج%ل في ال%د£جرات وللفلس%فة ناخي%%ا ج%اذرا، ونفس%ه الش%ريفة تئ%%د¢ إلى�ل%%ون فص%%وال من اإلنجي%%ل المق%دس اد ف%رآهم وس%%معهم يرت محارم الله عز وجل، ف%اقترب من الع�ب%%� بصوت رخيم حزين ذي شجون يأخذ بمجامع القلوب ويفتت األكباد في%ه ه%دى ل%ترانيم العاب%د ال%ذي�د المسيح وتالمذته، فما كان من سلمان )رضى الله عنه( إال اثقل كاهله الحزن والشجن يبكي السي�ي%%ات ض%%من أج%%واء ومخاض%%ات من أن استغرق ببحر من التأمل والتفكير في ع%%الم الاله%%وت والتجل£كته غص£ة البكاء وجحظت عيناه الطاهرتان وانقلب من ح%%ال إلى ح%%ال، واري%%د ق س مات الحزن وتمل وجهه وانتعشت روحه الشريفة، وش%%عر بح%%رارة اإليم%ان باس%%قة إلى عن%%ان الس%ماء" ووال%ده يك%%ثر£و¤س واالضطراب عليه قلقا مضطربا فأرس%%ل جماع%%ة لطلب%%ه، وبينم%%ا ه%%و يتل%%وى ويتك%%وى ح%%ائرا الن متوترا وإذا بسلمان أمامه، فبادره والده بعنف: "لقد بعثت إليك بغلمان أين كنت؟" فقال بش%%جاعة

من أم%%رهم وعلمت أن دينهم خ%%ير متناهية: "لقد مررت بقوم يصلون في خلوة فاعجبني ما رأيت من ديننا". فأجابه والده بعنف: يا بني دينك ودين آبائك خير من دينهم" فبادره سلمان )رض%%ي الل%%ه عنه( قائال: "كال والله"، فعمد وال%%ده إلى اس%%تخدام القس%%وة والعن%%ف والش%%دة مع%%ه لتأديب%%ه فوض%%ع األصفاد في قدميه الشريفتين وتركه في ال%%دار، ف%%ألقى س%%لمان القي%%ود من رجلي%%ه وخ%%رج وب%%دأت رحلته ومهاجرته إلى الباري ع%%ز وج%%ل متوج�ه%%ا إلى الش%%ام م%%ع قافل%%ة، وبع%%د مس%%افة ح%%ط حاديه%%ا ليستريح مع قافلته من مشقة السفر المضني، وس%%لمان )رض%%ي الل%%ه عن%%ه( يس%%أل ه%%ذا وذاك عنك مقيم في خلوت%%ه على رجل الدين الذي يولونه ثقتهم، وأمانتهم فأرشدوه إلى عابد منقطع متنس%%� رأس جبل، فصعد أليه والفرح والغبطة تعمران وتغمران فؤاده المشتاق إلى لق%%اء األحب%%ة، فس%%أله العاب%%د: "من أنت؟ وم%%اذا تري%%د؟" ق%%ال: "أن%%ا رج%%ل من ذي جي� جئت أطلب العم%%ل وأتعل£م العلم فض�م£ني إليك أخدمك وأصحبك وتعل�مني شيئا مم£ا عل£مك الله"، فوافق العابد على رعايت%%ه وتعليم%%ه،ك يتق%د£م في الس%ن ح%تى اش%%تكى عل%%ة قوي%%ة في جس%ده ت األيام والسنوات والعاب%%د المتنس%%� ومر£ ألصقته في فراشه. فأدرك سلمان انه مفارق هذه الدنيا ال محالة عن قريب فقبع عند رأس%%ه يبكي وينحب ومما قال له العابد وهو يعاني سكرات الموت: "يا بني لقد ترك الناس دينهم وال أعلم أحدا يقول بمقالتي إال عابد̈ في إنطاكية فإذا لقيته فاقرأه مني السالم، وادفع أليه ه%%ذا الل%%وح" ثم م%%اتله وكف£نه ودفنه، وحمل اللوح وسار إلى إنطاكية فوصل إلى العاب%%د بع%%د الس%%ؤال عن%%ه، العابد، فغس£

Page 190: ابناء النور عبر العصور

وسل£مه األمانة فأخذ اللوح من يده السؤال عنه، وسل£مه األمانة فأخذ اللوح من يده بشوق وح%%نين، وأكرم وفادته، وضيافته، وأنزله معه يتواله بعنايته زمن طويال إلى أن مرض فرمق س%%لمان )رض%%ي الله عنه( بعينيه اللتين أتعبتهما العبادة قائال: إني سأالقي ربي عز وجل وال أعلم أحدا على مسلكي وطريقتي إال عابدا في اإلسكندرية فإذا جئته بلغه سالمي وسلمه هذا اللوح"، وما لبث العابد هنيهة حتى اغمض عينيه باطمئنان وراحة بال ووافته مني%ة الق%در فق%ام س%لمان بتجه%يزه وغس%له وكفن%هها إلى اإلسكندرية فوصل إليها ومعه األمانة وسل£مها للعابد والزمه، وكانت األيام ودفنه، وخرج متوج� تمر مسرعة والسنون تمضي ح%%تى اقع%%د التعب العاب%%د عن الج%%د والنش%%اط والعب%%ادة ف%%التفت إلىi على منهجي ولم يب%%ق  أح%%د̈ كم%%ا اعلم على دين الس%%يد س%%لمان ق%%ائال: "اني مت%%وف� وال اعلم أح%%دا المسيح وقد أظلك زمان نبي يبعث بأرض العرب، واقتربت والدت%%ه ف%%إذا بلغ%%ك ان%%ه ق%%د خ%%رج فان%%ه الرسول الذي بشر به، وآية ذلك أن بين كتفيه خاتم النبوة وانه يأكل الهدية وال يأكل الصدقة. ف%%إذا جئت أليه فاقرأه مني السالم وادفع ألية هذا اللوح "فغادر سلمان )رضي الله عنه( الخلوة متوج�ه%%ا�هامة فواجه قوما متوج�هين إلى الحجاز فقال لهم: "يا قوم اكف%%رني الطع%%ام والش%%راب، نحو أرض ت أكفيكم الخدمة" فوافقوا على مطلبه فلما حان وقت الغداء عمدوا إلى ش%%اة فقتلوه%ا بالض%%رب ثمل¤؟ اخذوا لحمها، وتحلقوا حولها يأكلون. أم%%ا ه%%و فتنحى جانب%%ا ولم ي%%ذق طعم اللحم فق%%الوا ل%%ه: ك%%� فرفض وقال لهم: "إني غالم ديران، والديرانيون ال يأكلون اللحم"، فم%%ا ك%%ان منهم إال أن أوس%%عوه وأثخنوه ضربا حتى كادت روحه الشريفة تخرج من جسده الطاهر، وأرادوا أن يغص%بوه على تن%اول المس%%كرات فلم يش%%رب وق%%ال بص%%وت ه%%اد: "إني غالم دي%%راني وال%%ديرانيون ال يش%%ربون الخم%%ر"، فعذ£بوه وأوثق%%وه بالسالس%%ل، فق%%ال لهم ح%%تى يتخلص من ش%%رورهم: "ال تض%%ربوني، وتع%%ذ�بوني وال�قر¢ لكم بالعبودية" حتى وافق لئيم منهم على استالمه فكان عبدا بالجسد لهذا األبلة �دوني فإني أ تقي الحاقد، وأما روحه الطاهرة فال يسل�مها وال يستعبدها لغير طاعة الله )عز وجل( والخض%%وع إلرادت%%ه ومشيئته. ورغم هذه المحن والباليا التي امتحنه المولى )عز وجل( بها كان مؤمنا بالغا في توحيده، صادقا في قوله ولفظه صحيحا في فعله وعمله، وكلما زاده الوقت امتحانا وتجرب%%ة زاد في نفس%%ه توحيدا ويقينا وإيمانا، فما كان من هذا اللئيم الوضيع إال أن أخرجه وباعه بثالثمائ%%ة درهم إلى رج%%ل يهودي، فسأله عن قصته فأخذ يحد�ثه فيها بالتفصيل إلى أن وصل على ذكر الرسول الكريم )صلىi فأخرج%%ه الله عليه وسلم( فغضب اليهودي، وحقد، وقال بنبرة ل%%ؤم: "إني ألبغض%%ك وأبغض محم%%دا من الدار إلى بابها وإذا بتلة كبيرة من الرمل وقال له: "والل%%ه لئن أص%%بحت ولم تنق%%ل ه%%ذا الرم%%ل£ك؟" فأخذ يعمل طيلة ليلته بجد ونشاط فلما بلغ منه التعب أش%%ده وت%%زلعت ق%%دماه يدي%%ه كله القتلن الشريفتين نحو السماء دليال على افتقار ذات يده ونصب حاله وقال: "ي%%ا ربي ان%%ك حببت الرس%%ول إلي فبحق وسيلته عجل فرنجي وأرحني مما أنا فيه" فاستجاب الله )عز وجل( لدعائ%%ه واس%%تغاثاته وتوسالته ولم يخيب آماله، فأرسل ريحا قوية قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي يري%%دهل ألي%%ه ان%%ه ص%نف i وكاد يطير ص%وابه وخ�ي%%� �را �ق�ل متحي اليهودي، فلما فلق الصبح نظر إلى التل وقد نi: "أنت س%%احر وال أعلم ألخرجن%%ك من ه%%ذه البل%%دة لئال من ص%%نوف الس%%حر فخ%%اطب س%%لمان ق%%ائالره، وكان لها حائط "بس%%تان" i لصدقه وإخالصه، وحسن م ع¤ش  تهلكها"، فباعه المرأة أحبته حبا شديدا وسمحت له أن يأكل منه ما يشاء وما يريد، وبينما هو ذات ي%%وم يس%%قي ال%%زرع وي%%ؤبر النخ%%ل دق£ت�لهم سحابة يتق%%د£مهم المق%%داد، ساعة الخير والخالص وإذا بكوكبة من الرجال األشداء قد أقبلوا تظل وأب%و ذر الغف%اري، وعلي بن أبي ط%الب )رض%ي الل%ه عنهم( وعلى رأس%هم الرس%ول الك%ريم )ص( فدخل البستان ومن معه فانتهز سلمان الفرصة التي قيضها الباري عز وجل له بعد أن كان متلوماi من الرطب، فرخ£صت له بستة أطباق فحمل فاقبل إلى ربة عمله مستميحا إياها أن تستوهبه قليال

Page 191: ابناء النور عبر العصور

طبقا منها ووضعه بين يديه متأكدا مستيقنا وقال للرسول الكريم: تفض£ل هذه صدقة فقال: "كل%%وا" وامسك هو، وحمل طبقا آخر وقال: "هذه هدية" فمد يده وقال: "بسم الله كلوا" ومد£ القوم جميعا أيديهم وأكلوا وكشف عن كتفيه وإذا بخاتم النبوة مطبوع عليه شعيرات، فسقطت من عينيه دموع الفرح والخالص والبشارة، فالتفت الرسول أليه قائال: "يا روزيا ادخ%%ل إلى ه%%ذه الم%%رأة وق%%ل له%%ا: "يقول لك محمد اتبيعينني له؟" فرفضت بقوة والطمع يمأل قلبه%ا، وق%الت: "ال أبيع%ك إال بأربعمائ%ة" ثم جلس نخلة منه%ا مئت%ان ص%فراء ومئت%ان حم%راء" فق%ال الرس%ول )ص(: "م%ا أه%ون م%ا طلبت��ح في ه%%ذا الس%%ر سلمان الخير )رضي الله عنه( يسمع المصطفى ويتأمل في خ�لق%%ه وخ لق%%ه ويس%%ب الجاذب الذي ميزه الله به وتربت محبة المصطفى إلى قلب%%ه المس%%تيقن من توحي%%ده، وإيمان%%ه وإذا بنار العذاب والتعب والقهر تخمد، ونيران أخرى تضطرب بين جوانحه هي ن%%يران الش%%وق والمحب%%ة وان قلبه الط%%اهر ليعش%%ق الحقيق%%ة كعش%%ق العب%%د للمعب%%ود والمخل%%وق للخ%%الق والمفت%%وق للف%%الق والمبرور للباري، والمحكوم للحاكم، هو سلم صعوده إليه وهو م%رآة تعب%ده ل%ه واالتح%اد الكلي بين يديه، فأخذ عقله ينبض باليقين وقلبه المتأللئ يرقص طربا بين أض%%العه من ط%%راوة وهن%%اك اللق%%اء بعد الفراق. لقد كان حب سلمان للمصطفى أشد من حب األم ألوالده%%ا، ف%%أودع الب%%اري ع%%ز وج%%ل في حنايا قلبه رقة وشفقة وحنانا لمخلوقات الله )عز وجل(، حتى أكرمه بهذا السر وبهذه الجاذبية المشرقة في معرفة حقائق اإلسالم الذي هو التوحيد بكماله، فك%%ان يجيب دع%%وى اخوت%%ه وص%%حبه، يقضي حوائجهم، ويقبل معذرتهم ويعادي من ضامهم، ويعود مرضاهم، وي%%بر ض%%عفاءهم، وينص%%رهم وال يخذلهم، ويعلمهم الصفح عم£ن يسيء ويخط�ئ إليهم، ويعل�مهم الرحمة والتراحم فيما بينهم وأن يسقطوا من قلوبهم الشحناء والبغضاء والكره والحس%%د والتحاس%%د فك%%انت كلمات%%ه ووعظ%%ه ت%%ذيب القلوب فتسيلها دموعا، وحرقة، كانت وخزات تش%%ك عي%%ون القل%%وب لتوقظه%%ا من غفالته%%ا وتيهه%%ا، وضالالتها وذلك بعد أن روض ووطن قلبه على صدق اللسان وحف%%ظ اإلخ%%وان والص%%بر، وك%%ان ي%%برأر ف%%ؤاده من مس%%تعمرات ال%%دنيا إلى الم%%ولى ع%%ز وج%%ل من عب%%ادة الع%%دم والبهت%%ان، وج ل ى وطه%%£ وشهواتها وأهوائها وملذاتها وأدرانها وطفيلياتها، فكان إذا نامت عين%اه وأخل%دت إلى الراح%ة ال ين%ام

قلبه ولسانه عن ذكر الله عز وجل.

هذه هي رحلة سلمان الخير )رضي الله عنه( اإليمانية. لقد سافر في درجات التع%%اليم ح%%تى        وقف على تعظيم الباري )عز وجل( وتنزيه%%ه وتجري%%ده، واجتم%%ع م%%ع ض%%الته المنش%%ودة ال%%ذي ك%%ان ينتظره ولب جبينه شوقا للقائه، وصحبته ومرافقته، واث%%ر وت%%أثر حيث ك%%ان الرس%%ول الك%%ريم ع%%ائال ويتيما وضاال على ما ذكره الباري )عز وجل( في محكم تنزيل%%ه: "ألم يج%%دك يتيم%%ا ف%%آوى، ووج%%دك ضاال فهدى، ووجدك عائال فأغنى". فتصافيا وتصاحبا وتالقيا على التوحيد والمحبة حتى كان أحدهما ال يفارق صاحبه فقال عنه الرسول الكريم: "سلمان منا من أهل البيت، ل%%و ك%%ان ال%%دين في الثري%%ا لناله سلمان". وكان لسمان الخير )رضي الله عنه( مجلس خاص من الرسول الك%%ريم )ص(، على ما ذكرته السيدة عائشة: "كان لسلمان مجلس من رسول الله ينف%%رد ب%%ه اللي%%ل ح%%تى يك%%اد يغلبن%%ا على رسول الله" فكان مالزما له حتى سماه "سلمان المحمدي": "ال تقولوا سلمان الفارسي ب%%ل سلمان المحمدي" فأراد أن يزيل الطبقية والعنصرية من المجتمع ويكون عباد الله اخوان%%ا". وك%%انi عن كل مظاهر األبهة والفخفخة مقال منها م�عر�ضا عن زهرته%%ا غ%%ير ن%%اظر إلى سلمان الخير مبتعداiال العفاف والكف%%اف ش%%ديد الخ%%وف والخش%%ية من الم%%ولى ع%%ز وج%%ل دائم البع%%د نفرتها، مستشعرا موصول الطاعة ويأكل مع الخادم تواضعا ويبادر إلى خدمة القادم، لقد جاه%%د وناض%%ل ح%%تى زع%%زعن%%ا وموافق%%ا لعمل%%ه، يأك%%ل من ثم%%رة العقائد الفاسدة والعقول المتحج�رة الصخرية وكان قوله مقتر  فعله وكسب يده، يذكر الله هياما وهودا وعلى جنبه ح%%تى ازداد قرب%%ا من الل%%ه ع%%ز وج%%ل ورس%%وله

Page 192: ابناء النور عبر العصور

الكريم، كان يكره التنط¢ع والتمنطق والتفيهق والثرثرة والمراء والجدل بغير طاعة وذكر الل%%ه )ع%%زوجل(.

كان إماما وسيدا مقداما، وذا شعور جياش، متف%%اعال م%%ع األح%%داث والمحن والبالي%%ا واآلف%%ات       را ردا من أنانيت%%ه وواعي%%ا لخط%%ورة دوره متبص%%� وغيورا على طهارة نفسه والمصلحة العام%%ة ومتج%%ر�i في اس%%تمالة العب%%اد إلي%%ه، جس%%ورا على إظه%%اره يات األمور ومتشرفا لما سيكون، فطنا ذكي%%ا ام�ج¤ر 

�ر. i إلى فعل الخير حتى لقب بالخي للحق، ومندفعا

ولقد خطب سلمان الخير )رضي الله عنه( بعد أن د�ف�ن الرسول الكريم بثالث%ة أي%ام، وك%ادت        الفتنة تشتد بين المسلمين فأطفأها ببضع كلمات خرجت من فمه الط%%اهر كحب%%ات اللؤل%%ؤ، وك%%انت اآلذان صاغية إليه واألبصار شاخصة مشدودة تنظر لوجه%ه الك%%ريم، والحش%ود ت%%تزاحم على س%%ماع،i خطبته ومما قاله: "أال أيها الناس اسمعوا عني حديثي ثم اعقلوه عني أال وإني أوتيت علم%%ا كث%%يرا لو أحد�ثكم بكل ما اعلم من فضائل أمير المؤمنين لقالت طائفة منكم انه مجن%%ون، وق%الت أخ%رى: ج ه�لتم أو تج%%اهلتم، أم، �م أ ¤ح ك "اللهم اغفر لقاتل سلمان": أال اعدم منايا تتبعها باليا... أيها الن%%اس و يدتم؟ والله لترتدن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالس%%يف يش%%هد الش%%اهد على حسدتم أم تحس£

الناجي بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة".

س%%لمان الفارس%%ي )ج%%امع علم األولين واآلخ%%رين(- راج%%ع الض%%حى الع%%دد الس%%ادس والس%%تون )آب1997)

إن من يزور حجرة سلمان الخير، )رضي الله عنه( في المدائن تغص مقلتاه بالبكاء، ويناديه،       ك بص%%دق ال%%دين وص%%حة اليقين أن i: "أسأل الله ع%%ز وج%%ل ال%%ذي خص%%£ ال، وذاكرا ع إليه متوس� ويتضر£i، فلله درهم من أق%%وام يحييني حياتك، ويميتني مماتك، إنك لم تنكث عهدا ولم تمزق ميثاقا توحيديااد موح�دين مخلصين قاموا يناجون الحبيب معشوقها ومحكومهم وحاكمهم، ومه%وى أفئ%دتهم، والعب%�د�ون، وينش%%طون �لون، ويستبشرون بإدبار النهار وإقبال الليل، ويجتهدون، ويج%%� نيام، ويفرحون، ويهل في خدمة الملك العالم، فهي حياة وانتعاش ولذ�ة وسكرة قلوبهم وعق%%ولهم. فك%%ان س%%لمان الخ%%ير معجزة من معجزات الزمان، الذي عاش فيه، وآية من آيات الله عز وجل العظام في جاللة عمله،i، فعشق العبادة، والتص%%ق به%%ا، وعانقه%%ا وضخامة ورعه وتقواه، يخشى صدحه بالحق غائلة وال وجال�ج رأس قلب%ه الش%ريف بخ%وذة ع بدرع التق%وى ويت وخضع لها وخشع، لقد كان سلمان الفارسي يتدر£ وقلنسوة اإليمان، ويمتش�ق بيده ونبال قبول األمر والرضى والتسليم، وكان ي%%ركب ف%رس التوفي%%ق والتوكيل، ويتخل£ق بأخالق الخالق عز وجل، فك%%ان دائم%ا ين%%اجي م%%واله س%%بحانه وتع%الى في غلس%ة�ل وخلسة من ظ�ل�مات الليل األليل الداكن، وقبل بزوغ وإشراقة شمس يوم جديد ويتوج£ه إليه، ويتكر وم�ح ط£م متش%%ق�ق مل%%ؤه التوحي%%د واإليم%%ان والحب والعط%%ف، في النجاة عليه بقلب واجف منكس%%� ويناجيه بأن يم�ن£ عليه برضاه، ويستر عيوبه ويعين%%ه على مواالت%%ه وعبادت%%ه وطاعت%%ه ح%%تى اش%%تعلت نيران المحبة في حنايا صدره الشريف فأحرق لهيبها وأوارها كل ما كان عالقا في قلبه من شؤونفها، فأخذ ف%%ؤاده الط%%اهر ي%%رقص طرب%%ا بين تالفي%%ف خ¤ر� وشجون الدنيا وهمومها وأثقالها ومتعتها وز�قه الفراق من ألم االشتياق، فعنده ح�ب  المولى عز وجل طهارة للنف%%وس واألرواح أضالعه حتى مز£ر العلم والمحب%ة من �ط ه�ر الماء الظاهر من أحداث األب%دان واألجس%ام الظ%اهرة ك%ذلك يطه%� فكما يi أحداث النفوس الباطنة وخبائثها وعوائثها وأفاعيلها الردي%%ة الموبق%%ة، فك%%ان س%%لمان الخ%%ير مراف�ق%%ا

Page 193: ابناء النور عبر العصور

i للرسول الكريم )ص( ومص%%باحا ومن%%ارة ل%%ه، لق%%د تعل£قت أفئ%%دة i وناص�حا دا i ومرش� �با i ومواك وم�صاح�با�د المسيح ووعد�ه لهم بقوله: �قوا نزوال على وصية السي الموحدين بسلمان الخير والتف�وا حوله، وتحل وا لئال يدخلوا في تجربة فإن ال%%روح �ص ل "لن أترككم يتامى بل سأعود إليكم" شريطة أن يسهروا وي نشيط وأما الجسد فضعيف. فكان سلمان المحبة بالنسبة للموح�دين األنقياء المخلصين، العص%%امي والمخل�ص الذي كانوا يرتقبونه بعقولهم وقلوبهم، ويحت%%اجون ألي%%ه لتطه%%يرهم وتخليص%%هم وتع%%ريبهمق ع واإلنكس%%ار، ص%%احب خ�ل%%� من أدناس الجاهلية الج�هالء، وكان سلمان الخير كثير الصمت والتواض%%��ي الن%%اس، والعب%%اد ويس%%مو بهم إلى ز نفس%%ه الش%%ريفة عن العب%%اد بش%%يء. وك%%ان ي%%رب رفي%%ع، ال يمي%%� المقامات العالية، مراتب التوحيد واإليمان. وينقلهم من الوسائل واألسباب إلى المقاصد والغاي%%ات وال يقيم لزين%%ة ال%دنيا وزهرته%ا وبهرجه%ا وجاهه%ا وس%%لطانها وجماله%ا أي وزن وال يتلف£ت إليه%ا أيم%ا¥فاتة، وكان غاية في الزهد ولين الجانب والوقار والدماثة وحسن العشرة والش%%فقة على الخل%%ق التi ويجلسه في مكان ب%%ارز ¢ل والتفويض، وكان إذا زاره أحد قام له احتراما i ذروة الرضا والتوك متسنم�ادين، ويتحد£ث معه بما يناس�ب ذوقه ونفسيته، وهذه العادة م%%ا زالت موج%%ودة إلى اآلن عن%%د الموح%%��دهم )وال إم%ام عليكم وال ش%يخ عليكم إال بم%ا يط%ابق دين وإم%امهم وس%ي فهو بحق يعس%وب الموح%��ب أح%%دا وال يغتاب%%ه وال الحق(، ش%%جاع في الح%%ق والحقيق%%ة ال ي%%داهن وال يم%%اري وال يج%%ادل، وال يغي يحق�ره، كان أمة مجتمعة في ف%%رد يعم%%ل ويش%%تغ�ل ب%%إخالص لتوحي%%ده ودين%%ه بهم%%ة جب%%ارة وعزيم%%ةه الح%%وادث والمحن، ومن الم%%أثور عن الموح%%دين ومم%%ا ماضية، ال ترهبه الخطوب وال تزعجه وتهز� يتناقلونه في مجالسهم الطاهرة الزكية الطافحة والعامرة بالتوحيد واالخالص ونغم%%ات الحكيم: أن سلمان الخير مر£ على راعى غنم من كبار مشايخ الموح�دين، فقال له: "م%%ا مع%%ك من العل%%وم أيه%%ا الراعي الصالح " فقال: "معي خمس كلمات وزدني منك خمسة ياسيدي حتى أضيفها إليها وأعمل بموجبها" "يا سيدي األولى ال أستعمل الكذب والص%%دق يوج%%د، الثاني%%ة ال أس%%تعمل الح%%رام والحالل يوجد، الثالثة ال اذكر عيوب الن%اس والعيب في£، الرابع%ة ال أعص%يه وه%و ي%راني، الخامس%ة ال أجح%د�ع مه وهو يكفيني" فقال له: "لقد حويت علم األو£لين واآلخرين فد�م على الخمس كلم%%ات م%%ا على ن

الخمس من مزيد".

"لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون".

:سلمان الخير والمؤلفة قلوبهم

 م تنزيله: "ق%%ل إني نهيت أن اعب%%د ال%%ذي ت%%دعون من دون الل%%ه لم%%ا        قال الله تعالى في م�حك جاءني البينات من ربي وأمرت أن اسلم لرب العالمين" وقال: "ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله" وقال "من يسل�م وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة ال%%وثقى والى الل%%ه عاقب%%ة

األمور" وقال الرسول الكريم )ص(: "من تواضع لله رفعه".

اكين، وأجالف الن%%اس من        لقد دخل الدين اإلس%%المي كث%%ير من المن%%افقين، والمرتزق%%ة، واألف%%�i ب%%العجر والكف%%ر i محشوا i باإليمان واالستقامة، وباطنهم مملوءا i ومليئا القبائل وكان ظاهرهم طافحا£ونوا جماعة أطلق الباري س%%بحانه وتع%الى عليه%ا تس%مية المؤلف%ة قل%%وبهم، وي%%راد به%ذه والكبر، فك�قاء الجماعة تأليف قلوبهم وجمعها، وتآلقها على اإلسالم، أو تثبيتها عليه وذلك لض�عف¤ إسالمهم أو ات�رجى بإعطائهم ومنحهم، كف شرهم أو اس%%تدراجهم ودر نفعهم لل%%دفاع عن المس%%لمين، هم، في شر�£لت ال يؤمنون إال بالم%%ال وال%%ذهب والفض%%ة، وال فهم قوم قست قلوبهم وتحج£رت واستصخرت وتجب

Page 194: ابناء النور عبر العصور

يعتقدون إال بالقصور والديباج الف%اخر واإلس%%تبرق والحري%%ر وال ي%%أكلون إال ك%ل م%%ا ل%ذ وط%%اب وغال،ان، فهم ق%%وم طمع%%وا بم%%ادة شديدو الخشية والذل والمسكنة ليس لله عز وجل ب%%ل لألحم%%ر الرن%%�

فها وجمالها، وعبدوا شهواتهم وملذاتهم فاستغرقوا في تيه الضاللة والكبرياء يس%%بحون، خ¤ر� الدنيا وز��عجبوا بأنفس%%هم وذواتهم واس%%تعظموا ش%%أن شخوص%%هم ومن غرق اآلخرة ال يخرجون واستكبروا وأi وقيل عنهم في القرآن الكريم: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم ¢وا كبيرا وعتوا ع�ت داحرين" وما يروى عن استعالئهم وعنجهيتهم واستكبارهم وعجبهم بأنفسهم، أن£ وفدا من المؤلف%%ة قلوبهم وهم: عيينة بن حصن واألقرم بن حابس قد ج%%اء إلى الرس%%ول الك%%ريم )ص( وعن%%ده لفب%%ف من الصحابة األجالء وعلى رأسهم سلمان الفارس%ي، وأب%و ذر الغف%اري وعم%ار بن ياس%ر العنس%ي،£بت عن وصهيب الرومي )رضي الله عنهم( فقالوا:يا رسول الله لو جلست في ص%%در المجلس وتغيi وتورعا وتقشقا( جالسناك أو حادثناك وأخذنا من%%ك هؤالء وأرواح جبابهم )وكانت جباب صوف تزهدا فال يمنعنا من الدخول عليك اال هؤالء". فكان الجواب في االية الكريمة: "واصبر نفس%%ك م%%ع ال%%ذي يجعلون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وال تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة ال%%دنيا وال تط%%ع من اغفلن%%ا قلب%%ه عن ذكرن%%ا واتب%%ع ه%%واه وك%%ان آخ%%ره فرط%%ا". لق%%د نفخ الش%%يطان في اعط%%افهم،ت الغش%%اوة في عي%%ون هي%%اكلهم، واس%%تحكمت العص%%بية في تي%%ارات وأم%%واج ورؤوس%%هم، واس%%تقر£ نفوسهم وخفقات أفئدتهم، واشتعلت عقولهم وقلوبهم غيظا وكبرا وعجب%%ا وحس%%دا له%%ؤالء الفق%%راء الموح�دين المخلصين األتقي%%اء األنقي%%اء العاب%%دين الخاض%%عين ال%%ذين اعرض%%وا وب%%ادوا وف%%ارقوا ال%%دنياi دا أو حكم%ة وورع%ا وشهواتها وملذاتها وزخرفها، ليس لع%دم مق%درتهم على اس%تحواذها وإنم%ا تزه%¢ وتقوى وخ�شية لله عز وجل ويدعون إلى العناية الفائقة واالهتم%%ام المس%%تمر بالمس%%اكين والفق%%راء والمع%وزين. أبن%%اء الس%%بيل والمستض%%عفين واليت%%امى واألرام%%ل والجي%%اع وأص%%حاب الفاق%%ة والع%%وز، ويحاربون األغني%اء وك%انزي ال%ذهب والفض%ة ال%ذين ليس في قل%وبهم رحم%ة وال ش%فقة لعب%اد الل%ه�مراء وسالطين على شهواتهم ونزواتهم ال مملوكين وال مأمورين الصالحين العابدين فكانوا ملوكا وأ لها تاركين وطارحين وراء ظهورهم بهج%%ة ال%%دنيا وزخرفته%%ا وي%%دعون إلى عب%%ادة الب%%اري ع%%ز وج%%ل ويؤلفون ويوالفون بين قلوب العب%%اد ويجعل%%ونهم أخ%%وة في دين الل%%ه وتوحي%%ده واإلخالص لمش%%يئته ويجاهدونهم في سبيل إجالء جراثيم وبراثين التيه والضالل كم%%ا ورد في الق%%رآن الك%%ريم: "وال%%ذين

جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".

:حكمة سلمان الخير ووعظه وتعاليمه التوحيدية السامية

دا وواعظ%ا        ش%� لقد كان سلمان الفارس%ي )رض%ي الل%ه عن%ه( عقال ك%امال وحكيم%ا ومع�م%ا وم�ر¤i شعش%%عانيا ح%%تى i للموح�دين حتى نظروا أليه نظرة المالك ال%%ذى جعل%%ه الم%%ولى ن%%ورا �دا وإماما وسيش واستقر في زواي%%ا قلب%%ه وك%%انت روح%%ه الط%%اهرة ترن%%و إلى الح%%ق وتهف%%و إلى دخل اليقين وعش£ الفضيلة والخير فتخشع وتنكسر جوارحه، وتفيض عيناه الشريفتان بواك%%ف، وم%%زاريب من ال%%دموع�ل£ما خطر على فؤاده أنين وغصة وحرمة المستضعفين والدراويش والجياع من الموح�دين، وكانت ك كلماته مليئة بالرقة والعذوبة، واللين والعدل، والرأفة والش%%فقة والنفح%%ات اإليماني%%ة، وتنطل%%ق من

¤ه كحبات اللؤلؤ المكنون. £ي جوانب ف ك

�فين آذاننا معقلين ومتدبرين بعقولن%%ا إلى م%%ا عل£م ه%%ذا        لنقف اآلن بإجالل وقداسة وإكبار مشن المعلم الحكيم حيث يقول: "إنما مثل المؤمن في الدنيا كمث%%ل م%%ريض م%%ع طبيب%%ه ال%ذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه، وال يزال عنه ي%%برأ من وجع%ه، وك%ذلك الم%ؤمن يش%تهي أش%%ياء

Page 195: ابناء النور عبر العصور

�دخل%%ه الجن%%ة كثيرة مما فضل به غيره من العيش فيمنع%%ه الل%%ه إي%%اه ويحج%%زه عن%%ه ح%%تى يتوف%%اه فيد �و ل%%� ة ب%%المفهوم التوحي%%دي هي قلب س%%لمان("، ومن أهم مبادئ%%ه ه%%و االعت%%دال: الفق%%ر ي )والجن%%� الحرم%%ان، وال%%ذل والمس%%كنة والحرم%%ان ينتج ويثم%%ر النقم%%ة والحن%%ق والكبت، والنقم%%ة ت%%ؤد�ي الى االنفجار والثورة على الواقع البائس للفقراء والمحتاجين والمستذلين وسلمان الخير ينظر ويس%%معد�ة بؤسهم فعندما م%%رض ق ويتأل£م آلالم الناس وجوعهم وفاقتهم وش� ويعي ويتحس£س ويتلوى ويتحر£ سألوه: "هل نأتيك بالطيب؟" قال: "الطبيب أمرضني" قالوا "سله العافية" قال: "يكفيني س%%ؤالي

علمه بمالي..."

حقيقة الصالة وأسرارها عند سلمان الفارسي:

�نهها ورموزاتها وأس%%رارها        ¤دي للصالة إلى ك لقد تجاوز سلمان الفارسي المعنى الحرفي والق يد تكليف مفروض وواجب من س%%ماء الب%%اري )ع%%ز وج%%ل( ومعانيها وحقيقتها وأدرك أنها ليست مجر£دين المحق�ين المخلص%%ين ب%%أن في عليائه وشموخه إلى أرض مخلوقاته وكائناته، وعل£م جميع الموح%%��ف تح ال%%ذهن وتض%%يء �س%%ك�ن الج%%وارح وتض%%بط العم%%ل وت الصالة التي ال تنير الفك%%ر وته%%دي القلب وت م اإلغالق، وك%%ان س%%لمان العط%%اء إذا الوجدان هي أشبه بمصباح محجوز في ص%%ندوق حدي%%دي م�حكi من ش%د�ة تق%واه وورع%ه وس%مته صلى يص%لي ص%الة م%ود�ع يخ%اف ويخش%ى أن ال يع%ود إليه%ا أب%داi على مص%%اله i للبص%%ر ومص%%ورا i مغض%%ا i خاش%%عا المستقيم، وكان في صالته )رضي الله عن%%ه( مطرق%%ا الذي يصلي عليه ويحجره عن الذنوب والتحرمة والحملقة، فكل صالة ال يحضر فيها العق%%ل والقلب¢ت �ن وتواض%%ع وإذالل وكس%%ر للنفس وتش%%ت فهي إلى العقاب أقرب من العبادة فالص%%الة هي تمس%%ك قوة الجوارح للباري )عز وجل(، وأن من أقر بأنه ليس له في سماء القدرة والعظمة إله معبود والدين الف%%ائزين، فك%%انت أوص%%ال س%%لمان في األرض بار موجود إال موالنا )جل ذكره( كان من الموح%%� المحبة الطاهرة تضطرب وأطرافه الشريفة ترتع%د وش%فتاه العطرت%ان ترتجف%ان عن%دما يق%وم بينi بالحم%د والش%كر وك%ثرة العب%ادة، فل%و علم i ومحب%ة واعتراف%ا i وحنين%ا يدي الباري )عز وج%ل( ش%وقا�م ن يص%%ل�ي م%%ا التفت وال تح%%رك، فالمص%%ل�ون الص%%ادقون المخلص%%ون هم ورث%%ة الجن%%ة المص%%ل�ي ل�ي%ات ن%وره )ع%ز �عون والمستقرون بقرب المولى )عز وج%ل( واس%تغراقهم في إش%راقة تجل والمتمت وجل( فالخشوع ثمرة اإليمان وحصيلة اليقين الناتج عن المحب%%ة للب%%اري )س%%بحانه وتع%%الى(، فك%%ان سلمان الخير ال يأبه بظواهر العبادات الشكلية بقدر اهتمامه ببواطنها وأسرارها، فكثير من الن%%اس يش%%غلون ج%%ل أوق%%اتهم بالعب%%ادات الظاهري%%ة وقل%%وبهم وعق%%ولهم مليئ%%ة بالخب%%ائث والوس%%واس من�ة الفك%%ر والك%%ره والحق%%د والخ%%وف األخطار الخبيثة واألعمال القبيحة، والتقوقع والتشرنق ومحدوديد نظ%ره أن الص%%الة �ع%¤ i ومخيف، ف%أدرك ووعى بث%%اقب بص%%يرته وب من التغيير وهذا شيء مرعب جداi وبربرة في اللس%%ان، ب%%ل الص%%الة هي ال%%تي تنهي عن الفحش%%اء i وقياما i وسجودا ليست فقط ركوعا�ق ونعمل بما ن%%ؤم ر ب%%ه من والمنكر والبغي، أما الصالة التي ال نعي وال نفهم ندرك ما نقوله وال نطب أوامر الله )عز وجل( ونواهيه، فهي صالة فارغة ال معنى له%ا ومحمول%ة على اإلنس%ان وثقيل%ة، ف"�ين الذين هم عن صالتهم ساهون"، الذين يراؤون أي يمنعون الخيرعم£ن يطلبه وهم في ويل للمصل استطاعتهم أن يساعدوه فيتعالى على هذا ويتكبر على ذلك ويحسد ج%اره وقريب%ه ويحتق%ر اخوان%هi i وس%%يدا  غ¤تابهم ويذكر عيوب اآلخريت ويطمع في أم%%والهم وال ي%%ذكر عي%%وب نفس%%ه ويك%%ون إمام%%ا وي للمرائين والمنافقين وعندما تقام الصالة تجده في الصف يزحم والم�ص ل�ون الحقيقيون ال تهمهم وال تعنيهم المظاهر البراقة ويستيقنون بأن أكثره%%ا جوف%%اء خالي%%ة من طالوة وحالوة ولطاف%%ة الحق%%ائق واإليمان وال يشغلون خواطرهم وأفكارهم بزخرف الدنيا وبهرجتها وبتج%%ارتهم وال يلته%%ون ب%%أوالدهم

Page 196: ابناء النور عبر العصور

وزوج%%اتهم وم%%أكولهم وملبوس%%هم ومش%%روبهم عنه%%ا. ويكون%%ون مقبلين عليه%%ا بمج%%امع أجس%%ادهم وهياكلهم، وأرواحهم وقلوبهم مشغولة وملتهبة بذكر الله )عز وجل( كما ق%%ال الم%%ولى )ع%%ز وج%%ل( في محكم تنزيل%%ه: "ق%%د أفلح المؤمن%%ون ال%%ذين هم في ص%%التهم خاش%%عون ال%%ذين هم عن الله%%و�ر الصالة بخشوع يص%%يبه اطمئن%%ان في قلب%%ه واس%%تقرار في جوارح%%ه ون%%ور في معرضون". وان مكث فكره، وثبات في عقيدته وحكمه جارية على لسانه، وإشراقة في وجهه ومما يتناقل%%ه كب%%ار مش%%ايخدين عن أحد تقاتهم وثقاتهم بأنه لم يكن يرفع رأسه إلى السماء أربعين س%%نة حي%%اء من الل%%ه الموح�i من وابل وغزارة كرمه وعطائه، وبعض%%هم من ش%%د£ة i له واستحياء  منه، وخجال )عز وجل(، وخشوعا غضه لبصره وإطرافه يظن بعض الن%%اس أن%%ه أعمى، فالص%%الة ص%%لة بين العاب%%د والمعب%%ود والخ%%الق والمخلوق والباري والمبرور والسيدو المسود والحاكم )جل شأنه( والمحك%%وم، ومربوط%%ة بينهم%%ا ال يعرف حقيقتها وسرها وباطنها وكنهها إال الله )ع%ز زج%ل(، وهي عم%ل توحي%دي خش%وعي وج%دانيدين وس%%ل م نج%%اتهم تغسل النفس مما تعل£ق فيها من أدران الذنوب والموبقات، وهي معارج الموح%%��يات الباري )عز وجل( وهي قربان كل مؤمن. وم%%ا والطريق الموصل إلى مشاهدة مباهج أنوار تجل نشاهده ونعانيه اليوم من تجميل المساجد والجوامع وهدر األم%%وال الطائل%%ة في زخرفته%%ا له%%و من

�د ع الخارجة عن سنن اإلسالم بروحانيته وتعاليمه الراقية. الب

ة لإلنســان، بــل اإلنســان هــو الــذي يمنح ليســت األرض هي الــتي تمنح الهويــ�لألرض هوي�تها:

لم يتعل£ق سلمان الفارسي بأرض أو بمكان، لق%%د أمض%%ى س%%لمان الفارس%%ي حيات%%ه وص%%رفها       م%%ة فك%%ان يع%%تز� i حتى بعدما استقر به العيش بجوار وصحبة الرسول الكريم في مك%%ة المكر£ مهاجراة، هج%ر ويفخر بهجرته، حيث هجر الشقاق والخالف والنقائص والخبائث واألخالف الفاس%دة المنحل% ر إلى الوح%%دة والتوحي%%د ولم� الش%%مل، هج%%ر  ع¤ث%%�  ب العين الشاردة، هجر الجهل والتزل¢ف والتفر�ق%%ة والت الغفلة عن ذكر الله )عز وجل( إلى اليقظة والتيق¢ظ ح%%تى امتأل قلب%%ه وقالب%%ه وعقل%%ه بن%%ور إش%%راقةد i، هجر الجو الخ%%انق الق%%ائم والمتلب%%� i وخلقا i وتهذيبا �شبعت جوارحه أدبا إشعاعات التوحيد واإليمان وأة والضالالت واألباطي%%ل واالنحراف%%ات والوثني%%ات إلى عب%%ادة "الواح%%د األح%%د الف%%رد بالغيوم المكفهر£ر الصمد المنزه عن األزواج والعدد" حتى غاب عن أهله وأصحابه وقومه ليدرك الدين القويم، وأص%%£ على السير في دروب اإليمان والنضال والكفاح، فالتمس¢ك ب%%الحق أم%%ر يتطل£ب العزيم%%ة واإلص%%رار واإلخالص والنشاط وعقد النواي%%ا وش%%د الع%%زائم فكي%%ف بمن يبحث عن الحقيق%%ة ويفت�ش عن الن%%ور�ر�ق "س%لمان لكي يضيء به ظلمات الع%الم ويخرج%ه من الظلم%ات إلى الن%ور الم�ش%ر�ق. لق%د اس%تi للم%%ولى i وتله¢ف%%ا �ع%%ذ£ب ي%%زداد اش%%تياقا �عبد وع�ومل بقساوة وبشاعة وظ�لم وكلما ك%%ان ي الخير"، وأست ليشد أزره ويساعده ويعضده في أعباء الرسالة اإليمانية. وكلما زادت المحن عليه والبالي%%ا تج%%وهر وصفا وظهر معدنه الن%%وراني فص%%بر ح%%تى ظف%%ر، فبالص%%بر، جاوب%%ه الم%%ولى )ع%%ز وج%%ل( وبالرض%%ى والتسليم أمره، والمولى )سبحانه وتعالى( وع%ده بم%ا ش%%اء كم%ا يش%اء ى معارض%ة لحكم%ه وال راد¥ لقضائه ومشيئته، حتى نزلت جيوش الفرج وارتفعت رايات النبؤة خف�اقة مرفرفة في س%ماء علي%اءة وإكم%%ال توحي%%ده الخ%%الص، التوحيد وحق£ت كلمة الله )عز وجل( في إتمام رس%%الته الرباني%%ة األزلي%%��اقين إلى االستجابة للدعوة اإلس%%المية كم%%ا ك%%انوا )في ك%%ل عص%%ر وزم%%ان من فالموح�دون كانوا سب�اقين لالس%%تجابة إلى ال%%دعوات ال%%تي س%%بقت اإلس%%الم والتبش%%ير به%%ا عصور تقم¢صان األب%%دان( الس%%بز i الطاعة واالستجابة وليست العص%%يان. فتمي%%£ ونشرها بمسلكهم القويم، فعالمة المؤمن كانت دوما�ة بقل%%وبهم وعق%%ولهم وليس به%%دف ممارس%%ة الطق%%وس الموح�دون بإقبالهم على الديانات الس%%ماوي

Page 197: ابناء النور عبر العصور

£زوا بصدقهم وتعاملهم برحمة وشفقة مع عباد الله على اختالف ¢دات وجمع المكاسب كما تمي والتعب م%%ذاهبهم وأدي%%انهم وقومي%%اتهم وعلى رأس%%هم الص%%حابي الجلي%%ل الط%%اهر س%%لمان الفارس%%ي إم%%ام�دهم مثال الرحمة والتضحية فوصفهم القرآن بأنهم: "الس%%ابقون" الس%%ابقون أولئ%%ك الموحدين وسيبون"كما كبار سادات الموح�دين األوائل على الشدة والمشاق والدنيا الضيقة التي ال يكاد يجد المقر£i في األه%%ل i وتع%%ذيبا i وتنكيال i وقتال i أو كسوة بدن جميلة، بل مضايقات ومحنا i لذيذا فيها الموح�د طعاما واألوالد والمال، والله ما كانوا أهل جدل¥ وباطل¥ بل كانوا أهل مروءة وشهامة وكرم وورع وتق%%وى،i تنقل�ب في%%ه وال تلهيهم التجارة أو البيع عن ذكر الله وإقامة الصلوات وإيتاء الزك%%اة، ويخ%%افون يوم%%ا القلوب واألبصار، أفئدتهم تلتهب وتشتعل بحب الله )عز وجل( تستغرق في إش%%راقه، وتقتبس من نورانية حكمته ن%%ور المعرف%%ة إنه%%ا أفئ%%دة المحق�ين ال%%تي س%%لكت وس%%ارت في س%%بيل الوص%%ول إلىi عن ¢دها بأوامره وطاعة أنبيائه في كل عص%%ر وزمن، فالتوحي%%د ليس خروج%%ا المولى )عز وجل( بتقيماته%%ا لكن%%ه بمثاب%%ة ال%%روح من الجس%%د وب%%اطن الب%%اطن من الظ%%اهر i لمحر£ حدود الشريعة وال انتهاكاi. اللهم والباطن والحرف من المعنى ومن كان في هذه أعمى فهو في اآلخ%رة أعمى وأض%ل س%بيالكين بتع%%اليم اجعل%%ني من الموح%%دين المحقين المخلص%%ين المستض%%يئين ب%%أنوار توحي%%دك والمتمس%%� صفوتك المختارين وارزقنا دوام التوفيق ووف�قنا لما يرض%%يك عن%%ا، اللهم إجعلن%%ا مؤم%%نين وال تجعلن%%ا منافقين، وفج�ر ينابيع الحكمة من قلوبنا واج¤ر�ها على ألس%%نتنا وثبت أفئ%%دتنا على طاعت%%ك واالئتم%%ارi بالعب%اد. اللهم ال بأوامرك واالجتن%اب بنواهي%ك، أللهم اع%ف عن%ا، واغف%ر ذنوبن%ا وخطايان%ا ي%ا لطيف%ا�ز�غ قلوبنا بعد أن هديتنا، واستر علين%%ا بس%%ترك وحجاب%%ك اللهم إفتح تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وال ت بيننا وبين قومنا بالحق إنك خير الفاتحين، وآتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وق�نا عذاب النار

يا أرحم الراحمين.

.(1997 حقيقة الصالة وأسرارها- راجع الضحى العدد التاسع والستون )تشرين الثاني        

:التوحيد )إسالم الزهد والتص�وف(

ليس التص¢وف فرقة من الفرق اإلسالمية بل هو ج%%وهر اإلس%%الم. وه%%ذا الج%%وهر موج%%ود في       ¢ل والرضى، وقد £سم صاحبه بالتوبة والورع والزهد والفقر والصبر والتوك جميع الفرق وهو مسلك ات

عد£ بعضهم هذه المميزات مقامات من رحلة المتص�وف المعرفية التي توصله إلى التوحيد.

�ة التصوف فقد تكل£م فيها الكثيرون وأعطوا تعريفات متعد�دة كلها وافي%%ة بالمض%%مون        أما ماهي وربما كان تعريف الشيخ الجنيد يحوى في جملة واحدة كل ما قي%%ل في التص%%وف إذ ق%%ال ه%%و: "أن تكون مع الله تعالى بال عالقة" وقد اختصر الس%%هروردي في "ع%%وارف المع%%ارف" التعريف%%ات ال%%تي ذكرها المشايخ عن التصوف فقال: "الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية ال ي%%زال يص%%ف�ي اوق%%ات عن ثوب األكدار بتصفية القلب من ثوب النفس، ويعينه على ك%%ل ه%%ذه التص%%فية دوام افتق%%اره إلى£ت النفس وظهرت من صفاتها أدركه%%ا ببص%%يرته مواله، فبدوام االفتقار يتقى من الكدر، وكلما تحرك�ه على النافذة وفر£ منها إلى ربه. فبدوام تصفية جمعيته وبحركة نفسه تفرقته وكدره. فهو قائم برب قلبه، وقائم بقلبه على نفه. "قال الله تعالى: "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط". وه%%ذه القوامي%%ة لله على النفس هي التحق�ق بالتصو¢ف. قال بعضهم: "التص¢وف كله اضطراب فإذا وقع السكون فال�عة منجذ�ب%%ة إلى تص¢وف. والسر أن الروح مجذوبة إلى الحضرة اإللهية، يعني أن روح الصوفي متطل مواطن الق�رب. وللنفس، بوض%%عها، رس%%وب إلى عالمه%%ا وانقالب على عقبه%%ا. وال ب%%د للص%%وفي من

Page 198: ابناء النور عبر العصور

د لمواق%ع إص%ابات النفس. ومن وق%ف على دوام الحركة بدوام اإلفتقار ودوام الفرار وحسن التفق%¢ق من اإلشارات. هذا المعنى يجد في معنى الصوفي جميع المتفر�

إب%%راهيم بن آدهم )من أعالم المتص%%و�فين األوائ%%ل(- راج%%ع الض%%حى الع%%دد الث%%الث والثالث%%ون       1994.

:التوحيد هو التص�وف الحقيقي

في الحقيقة، التص¢وف يقوم على التوحيد. هل مفهوم التوحيد يع%ني أن الل%%ه واح%د ال ش%%ريك          وفة" كي%%ف الطري%%ق إلى �ل أح%%د المتص%%� ئ له. هذا جزء من التوحيد ولكن ليس كل التوحيد، عندما س� الله؟". أجاب: "الطريق بين نقطتين والله واحد أحد". أنا اعتبر أن ذاتي واح%%دة والل%%ه واح%%د. ه%%ذه ثنائية حتى ولواعتبرت أن الله الواح%%د ه%%و أك%%بر من ذاتي الواح%%دة وأق%%وى وأق%%دم. ه%%ذا ي%%ؤدي إلى¢ه. إذا كنت أحلم ورأيت صورة من الخطأ. ألن التوحيد هو أن أواح�د ذاتي في الله. ال يعني ذلك التأل الحلم، هذه الصورة لها وجود معين، وهي موجودة طالم%%ا أحلم. وعن%%دما أك%%ف عن الحلم تض%%محل وال يعود لها وجود. هكذا الكون وهكذا اإلنسان وج%%وده كوج%%ود الص%%ورة في الحلم، وج%%ود اإلنس%%ان

�م. الص%%ورة موج%ودة طالم%ا �م يحلم ونحن موج%ودون في الل%%ه كوج%ود الحلم بالنس%بة للح%%ال الح%%الووجودنا متعل�ق كليا بوجود الله ليس لنا وجود مستقل عن الله مطلقا.

التص¢وف يقول: إن عملية الخلق ليست عملية حدثت في التاريخ وانتهت، فخلق الل%%ه الك%%ون        وكف§ عن لك. وأصبح الكون ذا وجود مس%%تقل، ألن%%ه ب%%ذلك يص%%بح هن%%اك ثنائي%%ة وهي الل%%ه والك%%ون.ة، هي أم%%ر الل%%ه الكون موجود طالما الله موجود. وعملية الخلق ه%%ذه هي عملي%%ة دائم%%ة ومس%%تمر� وشأنه أن يخلق. وما تعنيه اآلية الكريمة: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يق%%ول ل%%ه كن فيك%%ون". ه%%ذهi وجودن%%ا ليس ة والموجودة دائما هي التي تكو�ن األكوان، كونه%%ا وبكونه%%ا إذا اإلرادة اإللهية المستمر�زة عن%%ده، ال كل الق%%وى الممي%%� مستقال عنهما، هذا ما يقوله التص¢وف. ثم إن العقل البشري، وهو يش� يستطيع أن يحل أو أن يدر�ك الالمحدود. كيف يمكن للمحدود أن يعي الالمح%%دود؟ وإذا وع%%اه يع%%ني إن هذا المحدود أصبح أكبر من الالمحدود، وأصبح هذا الالمحدود محدودا، وهذا كف%%ر بالل%%ه ونك%%ران لالمحدودية الله. إذا العقل البشري المحدود ال يستطيع مطلقا أن يح%%د الالمح%%دود، ولكن نس%%تطيع أن ندركه بالمحبة، ومعظم الذين يعبدون الله خوفا من النار وطمعا برزق وان يرد عنا وعن أوالدنا هم يعبدون لذاتهم، وذلك يعني أن الغاية من هذه العبادة هي الذات. من هن%%ا ق%ول اإلم%%ام علي بن أبي طالب: "اللهم ما عبدتك خوفا من نارك. إنما عبدتك ألنك أهل للعبادة". وهذا ما قالته الس%%يدةi. إذا علي£ أن أحب الله ليس من أجل ذاتي بل من اجل الله وحده. ه%%ذا مفه%%وم رابعة العدوية أيضا

التصوف. أحد المتصو�فة الكبار أبو يزيد

i ال خالق الملك، ال يساوي- كما قال الحديث الشريف- عند الل%%ه جن%%اح بعوض%ة وم%%ع ذل%ك يحب%%ه. إذا يحبه ألنه محتاج إليه بل يحبه ألنه يحبه. وهك%%ذا علي أن احب الل%%ه ل%%ه وليس لي. بمع%%نى آخ%%ر، أن£صف بصفات الله، فأحبه كما يحبني. فإذا أحببته كما يحبني عرفته. ه%%ذه هي انفي عني، صفاتي واتات من الرم%%ل جمي%%ع ه%%ذه ون من ذر� المعرفة عند المتصوف. لنأخذ هذا المثل: ش%%اطئ البح%%ر م�ك%%£�ات ال تزال حبة بح%%د ذاته%%ا في حين أن �ة من هذه الحب الذرات تؤل�ف الشاطئ الرملي، ولكن كل ح ب البحر ليس كل قطرة في%%ه تحتف%ظ بخاص%يتها كقط%رة الم%اء عن%%دما تس%قط في البح%%ر تتخل£ص من

Page 199: ابناء النور عبر العصور

£صف بصفات البحر ال%%تي هي الم%%اء. ف%%إذا أردت أن تص%%بح بح%%را علي%%ك أن تك%%ون مث%%ل خاصيتها وتت£ت%%ك ب £ط%%ا بح  القط%%رة ال%%تي س%%قطت في البح%%ر تتخل£ص من خاص%%يتك وإال بقيت  على الش%%اطئ متخب£ي%%ة، إذا ص%%ح ه%%ذا التعب%%ير. فهي لم ب الرملية. حبة الرمل عن%%دها ص%%فتان: ص%%فة الرملي%%ة، وص%%فة الح £ص%%ف بص%%فة الل%%ه كي �ني علي%%ه التص%%وف. وأن تت �يتها ولذلك لن تصبح بحرا. وهذا ما ب تتخل£ص من حبة رم%%ل على تعرف الله فتحبه بصفاته وليس بصفاتك، أما أن تحب%%ه بعقل%%ك يع%%ني ان%%ك م%%ا زلت ح ب%%£ الشاطئ؛ فالله عند المتصوف ليس كائنا مح%%دودا إنم%%ا ه%%و الوج%%ود وه%%و الموج%%ود األوح%%د. طالم%%ا اإلنسان يعتقد بوجوده وبوجود الله فهذا ليس تص¢وفا.بل التص¢وف يعت%%بر وج%%ود اإلنس%%ان في وج%%ود

الله، وليس الله موجودا في اإلنسان بل اإلنسان موجود في الله.

ور بالصورة :التحام المص�

الكون مظهر للجسد، والجسد مظهر للروح، ال نستطيع أن نفصل الجسد عن الروح، كم%%ا ال        نستطيع أن نفصل المعنى عن الكلمة، ال يمكن أن يك%%ون للمع%%نى مع%%نى دون مظه%%ر أي الح%%رف.�برى. ال نس%%تطيع أن ننظ%%ر إلي%%ه على أن%%ه i له أهمية ك يتحق£ق المعنى بالحرف والعكس. فالحرف إذا وسيلة فقط. وإنما هو التحام عضوي بين الجوهر والمظهر. من هنا: الحرف به وفيه يظهر المعنى. والحرف هو الكثافة. يقول أحد المتصوفة أبو الحسين الن%ور: "الل%ه لط£فذات%ه فس%ماها حق%ا وكث%ف

ذاته فسماها خلقا".

الخط£اطون التقليديون نظروا إلى الحرف العربي على أنه وسيلة للتعبير فجم£لوه%%ا، ووص%%لوا        بتجميلهم الوسيلة إلى قمم شاهقة في الجمال والفن. ولكن ما وصلوا إلي%%ه يبقى ض%%من الوس%%يلة.�ح%%اد ب%%المعنى ال نس%%تطيع أن نفهم%%ه على أن%%ه فيما أن الحرف الع%%ربي بم%%ا في%%ه من حركي%%ة ومن ات وسيلة فقط ألنه غير منفص�ل عن المعنى، وحياته ال ت%%أتي من المع%%نى فق%%ط وإنم%%ا ت%%أتي أيض%%ا من حركيته بما يحتوي من استدارات وخطوط مستقيمة وتوجهات. لذلك ال نستطيع القول إن المع%%نىi يض%%في على المع%%نى أج%%واءi أخ%%رى. ل%%ذلك وحدت%%ه هو الذي يضفي عليه جماله وحسب وإنما أيض%%ا

بالمعنى هي كوحدة الروح بالجسد ومن خالل الجسد من معارف، ومن خالله تكتسب معناها.

الفنان التقليدي كان يجمل الحرف لكي يعطي المعنى فقط، وك%%ان يكتب%%ه بطريق%%ة تتناس%%ب        فيما بين الحروف دون أن يضفي عليها مشاعره وأحاسيس%%ه وأفك%%اره. فال نعلم إن ك%%ان غاض%%با أو

راضيا، قلقا أو مطمئنا، حزينا أو فرحا، كل ما نعلمه انه استعمل مهارته وكتب أحرفا جميلة.

£ك        �ة تختلف عن ذلك، فإذا كنت في حالة غضب وكتبت كلمة المحبة، فإن كتابة الحرف الحقيقي ستكتبها بطريقة تختلف عما لو كنت بحالة ابتهال أو فرح أو اضطراب أو حزن. إذا هناك وحدة في الفن بين الفنان واإلنتاج الفني والجو واإليحاء والخيال، كل هذه األش%%ياء تك%%ون ظ%%اهرة في العم%%ل�يته%ا وبحقيقته%ا، الفني. هكذا التص¢وف في مفهوم التوحيد، أي أن ال نأخذ األحرف بجزئياتها إنم%ا بكلئ الفن%%ان ونفص%%له عن الفن، أو أن نفص%%ل المظه%%ر عن الحقيق%%ة، والخ%%ط عن فال نستطيع أن نجز� المعنى. لذلك على األثر الفني أن يعت%%بر- إن ج%%از الق%%ول- في تظه%%ير الحقيق%%ة وتك%%ثيف اللطاف%%ة. واللطاف%%ة عن%%د الفن%%ان ال تق%%وم على الخ%%ط فق%%ط وإنم%%ا على المع%%نى وعلى عقل%%ه وخيال%%ه وعلى£خ%ذ مشاعره وأحاسيسه وعواطفه، وكل ذلك يجب أن يظهر في النتاج واألث%ر الف%ني. فالفن%ان ال يت�ر عنها وإنما عليه أن يعتبره%%ا- أي- أن يجعله%%ا تع%%بر أثره الفني عبارة لمشاعره وأفكاره التي ال يعب

Page 200: ابناء النور عبر العصور

من داخله.

فالفن ليس تعبيرا عن الفنان وإنما هو تعبير للفنان. ه%%ذه هي الطريق%%ة ال%%تي نفهم فيه%%ا فن        الخط. وحرام علينا أن نحصر الخط ويك%%ون وس%%يلة فق%%ط. والفن ه%%و التعب%%ير الجم%%الي للعواط%%ف�ى إن في الخط أو الرس%%م أو في الموس%%يقى أو واألحاسيس واألفكار. لذلك فهو يظهر بمظاهر شت في الغناء والنحت وغير ذلك من الفنون. والفرق الوحيد بين فن وآخ%%ر ه%%و بالوس%%يلة واألداء. ف%%إذا كانت وسيلة الرسم هي اللون والحرك%ة وأدوات%ه، مث%ل الريش%ة والفرش%اة؛ وإذا ك%انت وس%يلة فن الخط هي الحركة والخطوط وأداته الريشة؛ وإذا كانت وس%%يلة الموس%%يقى هي التناس%%ب باألبح%%اث وأداتها هي اآلل%ة الموس%%يقية مث%%ل البي%%انو أو الكم%ان أو غيرهم%ا. يجب أن يتج%%اوز الخ%%ط الوس%%ائل واألدوات ليكون أكثر ش%%موال. لم%%اذا ال نس%%تعمل في الخ%%ط الل%%ون كم%%ا ه%%و في الرس%%م أو وس%%يلةi اتح%%ادا ص%%وفيا م%%ع غ%%يره من الفن%%ون كم%%ا £ح%%دا الحركة كما في الرقص. من هنا يصبح فن الخط من£حد مع الله. ومن هنا يصبح الفن الخطي فناء بالحقيقة وال ينحصر على انه وسيلة تقتص%%ر الكون مت

على أدوات ووسائل معينة.

رين- راج%%ع الض%%حى الع%%دد الس%%ابع والعش%%رون )أي%%ار        مقتبس%%ات من مقابل%%ة م%%ع أح%%د المفك%%�1994).

:التص�وف كمسلك

ك بحب%%ل        �بنى أمجادها بنب%%ل التمس%%¢ الصوفية حقيقة مسلكية، ترتقي ركائزها بارتقاء مسالها وتوف اإليمان والمتوج�ه إلى حق العبادة والنزاهة والمخل�ص من االستعباد الدنيوي، كيف ي%%رى المتص%%�

دة نسبيا، هل من خالل سلوكيته الروحانية وتوج¢هاته العقالنية؟ الحقائق المجر£

نصل إلى اعمق صوفية روحانية عندما نسلك طريق اإليمان بالله عز وجل، ونعتقد اعتق%%ادا مطلق%%اها صحيحا في مسيرتنا نحو الحياة الصوفية. هي العالم األكثر روحانية بما يفس�ره الدين ونتوج£ه توج¢ه بسلوكها تكون أيامنا مليئ%%ة بعم%%ل الخ%%ير والفض%%ائل، بعي%%دة عن فع%%ل الش%%ر والرذائ%%ل ألنه%%ا توج%%¢¢ه إلى ما هو صالح للنفس وبالتالي إلى ما هو مضر� اإلنسان إلى معرفة طرق الزهد في الدنيا والتنبوف نظ%%رة بالجوهر. بلوغ الذروة في التصوف هو قم%%ة الحي%%اة الروحي%%ة، والنظ%%ر إلى مي%%دان التص%%¢ر في التفك%%ير من الش%%وائب، شاملة لكل معاني المودة في العمل، واإلخالص في العب%%ادة، والتح%%ر¢ بهذا يكون المتص�وف قد أفرغ صورة أعمال%%ه في ق%%الب تحليلي عمي%%ق إلى إخوان%%ه، وأقوال%%ه ال%%تي حفظها لنا كثير من سالكي طريق الصوفية. إن المتصوف كي تحظى شخص%%يته باهتم%%ام اآلخ%%رين؛�ف�قهم باإليمان المطلق، وينم�ي م%%داركهم بالحق%%ائق ع أ عليه أن ينير طريقهم بالمعرفة الحق£ة، ويوس�دة. إذا تم ذلك يبلغ هذا المرء ذروته في التوحي%%د لل%%ه تع%%الى، وفي ال%%ترتيب لحيات%%ه الروحي%%ة المجر£وف ولس%%انه ويرج%%ع إلي%%ه الفض%%ل في الس%%لوك الجي%%د الخالصة. فمدرسة المؤمن هي قلب المتص%%�وف العلم الكث%%ير والعم%%ل المثم%%ر علي%%ه أن يجاه%%د بتواص%%ل والقاع%%دة القديم%%ة كي يك%%ون للمتص%%� واستمرار حتى يسمو ارتقاؤه وينفع م ن� حوله بالنسبة للمس%%لك في عص%%رنا ه%%ذا وأن يك%%ون عص%%ر االنفالت من القيود الدينية يمكننا كمؤمنين موح�دين أن نثبت على توحيدنا فال يزعزع إيمانن%%ا ش%%يءف نأخذ بيدنا سبحة األخالق والعادات الحسنة طريقا نصل به إلى ربنا ونجاه%%د بزه%%د وتق%%وى وتقش%%¢ وصدق في كل عمل نؤد�يه. دليل على سيرنا هذه الطريق هو كم%%ال اجتهادن%%ا في دينن%%ا، ومالزمتن%%ا

Page 201: ابناء النور عبر العصور

¢د الص%%وفي هي طريق%%ة الثب%%ات على مزاول%%ة �د أن أساليب التعب لما اعتادته من طاعات. يرى المتعب¢ن واشتداد التأثر والتعم¢ق باألعمال الدينية. قد تعل�م الصوفية كيف اس%%تعمال األص%%ول الديني%%ة، التدي وطريقة العناية بالمصادر اإللهية، حيث أن الصوفي يخلع عن كاهله كافة كمالي%%ات ال%%دنيا وينص%%رف�طل ب منه للوصول إلى طري%%ق عب%%ادة الل%%ه، ف م ن طلب بأكمله إلى بواطن الكتب المنزلة لينف�ذ ما يد في اطمئن%%ان دون أن نع%%رض التفاص%%يل، أن هذه الطريق هداه الله)عز وج%%ل(. نس%%تطيع أن نؤك%%�را �قي%%ا للنفس وتوجيه%%ا ديني%%ا للفك%%ر، وت%%أم¢ال زه%%ديا وتح%%ر� ل طريق الصوفية من ناحية كونها تثقيف%%ا خ� عقليا، مدينة بالكثير للفلسفة الشرقية وطريق الوص%%ول إلى الل%%ه هي نس%%يان ك%%ل م%%ا ي%%دور ح%%ول المؤمن من مهالك ومساوئ والتعل¢ق بما هو انفق ل%%دنيانا ال%%تي فيه%%ا معاش%%نا، وآلخرتن%%ا ال%%تي فيه%%ا معادنا، ما أخرج الله إلى األرض علما وجعل للخلق إليه س%%بيال واعتم%%د للح%%ق إلي%%ه مطلب%%ا إال وق%%در الص%%وفي أن لل%%ه i ونصيبا- لو يعلم المفك%%� جعل لإلنسان العاقل الم�در�ك المتيق�ن المتبقى فيه حظ�ا¢ن علما تحت السماء أشرف من ه%ذا العلم "الص%وفي" ال%ذي نتكلم في%ه م%ع أص%حاب العلم والت%دي  وإخوان الرضا والص%%فا لس%%عى إلي%%ه وقص%%ده ولكن ال يوج%%د أس%%مى واش%%رف من ه%%ذا العلم، علمزق من ال%ذكاء وص%واب األفك%ار وعجيب التوحيد وعلم التصوف. فمن سار وفق مناهج هذا الن%ور ر� المعلومات وغزير الملكات في فنون العلم ما لم يوص%%ف في زم%%ان تعتري%%ه المغري%%ات والمفتن%%ات�نسب إليه هذا الغنى من التعليم في أمور الدين، وتسيطر على عالمه الشهوات والرغبات، والذي ي�نسب إلى أهل العلم الباطن، أي العلم الحقيقي، في عفاف وعزوف عن الدنيا وأبنائها. إن العف%%ة ي في النفس هي تطهيرها من المفاسد وتتويجها بالمكارم والمحاس%%ن. والع%زوف عن ال%دنيا ه%و فيب من المكرمات، ب%ذلك تك%ون حي%اة الم%رء عاقل%ة غافل%ة عن المب%اهج التمس¢ك بالصالحات والتقر¢�س�س التربية الصوفية. ما ينفعنا في هذه الدنيا هو تصويب وجهنا نحو الل%%ه تع%%الى �هة أل الزائفة، متنبك الملذات برضى واقتناع ألن اإلنسان يمض%%ي حيات%%ه وتك%%ون ق%%د ض%%اعت تل%%ك  ر¤ بصدق وإخالص وت اإلشارات، وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم، ونفذت تل%%ك الرس%%وم وخلص%%ت تل%%ك األعم%%ال،�يها في الليل. فمن هم أه%%ل المعرف%%ة بالل%%ه؟ وما نفعنا إال ركعات نركعها في األسحار وصلوات نصل هم من يصلون إلى ت%رك الحرك%ات وقط%ع العالق%ات التافه%ة ودمج الرواب%ط الثابت%ة من ب%اب ال%بر واإلحسان والتقوى إلى الله تع%الى، إن الع%ارفين بالل%ه يرجع%ون بأعم%الهم إلى الل%ه كم%ا اقتبس%وا�عتق%%د أن ه%%ذه المرتب%%ة هي ال%%تي يص%%ل إليه%%ا اإلنس%%ان هي مرتب%%ة الع%%ارفين الع%%ادات عن األنبي%%اء يبين من الله، أما العارف الكامل فهو ذلك الذي أخذ األعم%%ال عن أم%%ر الل%%ه تع%%الى بالحقيقة، الم�ق ر£ وجعلها خالصة له، ال لغرض آخر، من رغبة في جنة أو خوف من نار. ألن الذي يعبد الله خوف%%ا من%%ه كاذب في إيمانه وأعماله، والذي يعبد الله خوفا من النار هو من الذين يصلون بخ%%داع وال يوجه%%ون�صال ال%%روحي الحقيقي، بالع%%الم العل%%وي. وأجم%%ل م%%ا يعيش%%ه الم%%ؤمن من لحظ%%ات ذواتهم إلى االت�ح%%اد ب%%الفكر وال%%ذات بالل%%ه ع%%ز سعادة هو في انسالخه عن كل ما يحيط به من روائع ومظاهر واالت وجل، بذلك ينم االستشراف وينسى الفرد ذاته ويصعد من باطن األرض طائرا مسل£حا بوح%%ه ح%%تىوف س%%لوكات ينبغي إتباعه%%ا أال وهي ال%%ذكر م%%ع االجتم%%اع. يصل إلى أجمل محطات الروح، للمتص%%� اإليمان مع الصالة. والوجد مع السماع والمشاركة في الصالة، واالنفراد مع الذات. كل ذل%%ك يع%%ني�ب%%اع ال%%دقيق لتع%%اليم ذكر الله مع اجتماع الهمة، والحصول في حالة الوجد على المحبة اإللهي%%ة واإلت ال%%دين ودروب الزه%%د. من ي%%ترك ال%%دنيا ويتخلى عن محاس%%نها وينس%%ى رغبات%%ه يك%%ون عن%%ده ص%%فاءقي المعرفة في المبادئ الدينية. أعت%%بر التص%%وف مبني%%ا على أخالق منه%ا المعاملة مع الله تعالى ور�د ر، والص%بر على المص%يبة، واالحتش%ام في اللب%اس، والبس%اطة في السخاء للمحتاج، والرض%ا بالق%  العيش. المسير من الدنيا إلى اآلخرة سهل على المؤمنين والزاهدين والمنقطعين إلى الله تعالى،

Page 202: ابناء النور عبر العصور

�د مقام الرضا عن كل م%ا يص%يب اإلنس%ان دون إك%راه في القلب، وان يستس%لم اإلنس%ان وهذا يؤك الروحاني للقضاء الذي يصيبه ويف�وض أمره إلى الله تعالى. يتعر£ض كل� منا لمصائب كث%%يرة وويالت عصيبة ويحق�ق االنتصار على هذه األقدار إذا صبر بكل رضى وطيبة خاطر. المطل%%وب من اإلنس%%ان�ته، وعن%%د مجارات%%ه العلم أن ال يتكلم إال في أن يعتم%%د الطع%%ام كفاي%%ة لحاجت%%ه وليس إش%%باعا لش%%هي أحوال األولياء والعارفين، وان ال يسمع من األقوال إال ما هو حق، وان ال يقوم إال بوجد الله تع%%الى. يعتبر اإلنسان أن مجالس الدنيا جملة فيه%%ا من الف%%رح وال%%ترف والله%%و، ب%%ل إن اش%%رف المج%%الس وأعالها عند المتصوف هو الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد، والبقاء م%%ع االعتق%%اد في مس%%رح£صل بنظرية الل%%ه عن األلوهية، واالستمرار مع اإليمان بوحدانية الله. فالتوحيد الصوفي هو توحيد من صفات المحدثات، كما هو عمل مخلص شوقا للخالص في اآلخرة بل إن التوحيد ينفي القدرة على£تنا هو عملنا وإقرارن%%ا ب%%أن الل%%ه ف%%رد إدراك الله أو رؤيته واإلحاطة به، ما يوصلنا لالرتقاء في صوفيiحاس ب على عمله في النهاية، يستطيع الموحد أن يفنى في الل%%ه في أوليته، ومعرفتنا بأن العبد سي تها بالل%%ه ل عبر عاطفته الخالصة وأعماله الصادقة، فالتوحي%%د مع%نى يكتش%ف للنفس عن طري%%ق ص%�رها من األخطاء، في تجربة روحية بعد أن تجهدها المشقات وتصقلها الرياضات والمجاه%%دات وتحر� وتتخل£ص من شوائب البدن النفس؟ ذلك ألن النفس خالدة والجس%%د ف%%ان. إذ إن على اإلنس%%ان أن يشقى في سبيل تحسين أعماله لضبط نفسه من تحريكه%ا للش%هوات والغرائ%ز وتس%ييرها للجس%د في أهلك المراحل. فكيف تتحرر النفس من قي%%ود الب%%دن وعالقات%%ه؟ تتح%%رر بالس%%لوك ال%%راقي إلى المثالية بالتصر¢ف المتجه نحو ترك األث%%ر، باالنقط%%اع الكلي نح%%و الل%%ه بق%%در م%%ا يض%%ح�ي البش%%ر في دنياهم، بقدر ما يحرمون أنفسهم من الملذات بقدر ما يسعون لتحقيق األهداف السامية، بقدر م%%ا ينسون كل ما يشغل قلوبهم عن أمور الدين، يسمون ويرتقون إلى أعلى درجات المعرفة والصفاء من التوحيد بالله يقع التصديق به ومن التصديق به يقع التحقيق لكثير من األعمال الروحاني%%ة، كم%%اق�ي إلى الل%%ه )ع%%ز وج%%ل(، فالخش%%ية من ر  يتم التنفيذ الجزيل من اآليات القرآنية، عندها يحصل لبت%%  الله تعالى تقبض الشيء في النفس والرجاء منه يبس%ط ص%الح األفع%ال، إذا الغاي%%ة المنش%ودة منه وجود اإلنسان هي الفعل بما يتالءم والسيرة الحسنة، الذهاب بما تتوافق والمشيئة اإللهية، التوج%%¢ بما يتناسب والقوانين الدينية، السلوك بما ينير طريق الزاهد بالحب والخير وال%%بر واإلحس%%ان، ه%%ذا ما يسعدنا كمؤمنين بسبب وجودنا، هذا ما يفرحنا كموجودين من اجل حفظ الدين والعمل بموجبه، هذا ما ينتاب شعورنا بوجوب اإلخالص لله تعالى، هذا ما يقنعنا كمفكرين بضرورة العلم في س%%بيل�رين بالسعادة الزائفة، غير منج%رفين بخ%ط البع%د عن i هذا ما يجعلنا غير متأث معرفة الحقيقة وأخيرا

معرفة الله تعالى فذوقوا أيها البشر نعمة السعادة الحقيقية.

ر النفس من الم%ادة(- راج%ع مجموع%ة أع%داد        مسلك التص¢وف والعناية بالمصادر اإللهية )تحر¢.1998الضحى

إبراهيم بن ادهم )من أعالم المتصوفة األولين( وكان من أعالم المتصوفة األولين إبراهيم بن       و�ي  أن أب%%اه �سبت أليه س%%يرة ب%%وذا إذ ر� £زة في تاريخ التص¢وف. فقد ن ادهم. وإلبن أدهم شخصية ممي كان من أهل بلخ ومن كبار ملوك خراسان. وقد خرج ابنه إبراهيم يوما راكبا فرس%%ه قاص%%دا الص%%يدرت" فوق%%ف �م%%� ك فرسه، فسمع نداء من ورائه: "ليس لذا خ�لقت وال ب%%ذا أ فثار أرنب أو ظبي، فحر£ك فرس%%ه ثاني%%ة، ف%%إذا ب%%ه يس%%مع ن%%داء أجه%%ر من األول: "ي%%ا i. ثم ح%%ر£ ينظر يمنة ويسرة فلم ير أحداك فرسه ثالثةi، فإذا �مرت. "فوقف ثانية ونظر، فلم ير أحدا، ثم حر£ إبراهيم ليس لذا خ�ل�قت وال بذا أ�نبهت �نبهت أ �مرت" فوقف وق%%ال: "أ به يسمع النداء مرة أخرى: "يا إبراهيم ليس لذا خ�لقت وال بذا أ

Page 203: ابناء النور عبر العصور

جاءني نذير من رب العالمين والله ال عصيت الله بعد يومي إذا ما عصمني ربي" ثم رجع إلى أهل%%ه فخلى عن فرسه ثم جاء أحد رعاة أبيه فأخذ منه جب%%ة وكس%%اء وألقى ثياب%%ه إلي%%ه وس%%اح في األرض فصار إلى العراق ثم إلى الشام. غير أن المصادر التاريخي%%ة ال ت%%ذكر لن%%ا أن والي%%ا لخراس%%ان أو بلخ كان بأسم أدهم في النصف األول من القرن الثاني للهج%%رة أو في الق%%رن األول. أم%%ا ارتحال%%ه مناث%%ة ه المصادر وأخبار من لقيه من الزه%%اد. وق%%د أظه%%ر البح£ بلخ إلى العراق ثم إلى الشام فأمر تقر¢ "لوي ماسينيون" في كتابه "بحث في نشأة المصطلح الفني للتصوف اإلسالمي" عدم ص%%حة ه%%ذه

ه% وهي السنة التي ق%%ام فيه%%ا أب%%و مس%%لم132الرواية، وأبان أن إبراهيم بن أدهم فر من بلخ سنة الخراساني بثورته ضد األمويين. ولحق بشقيقته في الكوفة. وكان إبراهيم بن ادهم عربي النس%%ب من بني عجل وقد استشهد في جهاده ضد البيزنطيين على الساحل السوري ود�ف�ن في جبل%%ة على�زار. وفي الق%%رن الراب%%ع عش%%ر مقربة من الالذقية سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة وال يزال قبره ي�نشئت طريقة صوفية بأسمه هي الطريقة األدهمية كانت لها زوايا في أهم المدن العثمانية للميالد أ

وبخاصة في بيت المقدس.

�جاه%د إال في س%بيل الل%ه        وقد اشتهر إبراهيم بن ادهم في جهاده ضد البيزنطيين بأنه كان ال ي فلم يأخذ غنيمة، وكان يرفض أن ينال سهمه من الفيء. اشتهر إب%%راهيم بالزه%%د في ال%%دنيا وتق%%وى الله فإن£ من اتقى الله عز وجل، كما كان يقول، أطفأ ببصر قلبه ما أبصرت عين%%اه من حب ال%%دنيا.£خذوا الل%%ه ص%%احبا وذر الن%%اس جانب%%ا. وه%%و فإن حب الدنيا يصم¢ ويعمي ويذل الرقاب. وكان يقول ات يقول: "ليس من أعالم الحب أن تحب ما يبغض حبيبك. ذم موالنا الدنيا فمدحناه وأبغضها فأحببناها

وزه£د نا فيها فآثرناها ورغبنا في طلبها".

ر¤ض وزه%%د        �ز إبراهيم بن أدهم ثالثة أنواع من الزهد فيقول الزهد ثالثة أص%%ناف فزه%%د ف%%  ويمي ف ض¤ل وزهد سالمة. الفرض الزه%%د في الح%%رام، والفض%%ل الزه%%د في الحالل، والس%%المة الزه%%د في الشبهات". وكان ينهي عن الكبرياء ويحث� على التواض%%ع يق%%ول: "إي%%اكم والك%%بر وإي%%اكم واإلعج%%ابل علي%%ه كف%اه ومن س%%أله أعط%اه... فينبغي للعب%%د أن باألعم%ال... من أقب%%ل إلي%%ه أرض%اه ومن توك%£ب..." وك%%ان يق%%ول: "اش%%غلوا قل%%وبكم ب%%الخوف من الل%%ه وأب%%دانكم بال%%دأب في طاع%%ة الل%%ه �حاس%%  ي

ووجوهكم بالحياء من الله وألسنتكم بذكر الله".

�ع�د إبراهيم بن ادهم من أول من تكل£م في الحب. من ذلك قول%%ه: "ل%%و أن العب%%اد        ويمكننا أن ن سهم وحرصهم". من هنا ن%%رى أن البن ادهم ¤ب علموا حب الله عز وجل لقل مطعمهم ومشربهم وم لi طري%ق وغايته%ا نظرية في التص¢وف تقوم على أن محبة الل%ه هي أس%اس الزه%د والح%ق، فهي أوال

باب المعرفة وأغلى معرفة مشاهدة وجه الحق تعالى، يقول في ذلك:

روا �زف�ون إلى الله زف�ا، وح�ش%%� i ألهل النار لو نظروا إلى زوار الرحمن قد ح�م�لوا على النجائب ي بؤسا�صبت لهم المن%%ابر وو�ض%%عت لهم الكراس%%ي وأقب%%ل عليهم والجلي%%ل ج%%ل جالل%%ه بوجه%%ه وفدا وفدا ونهم وهو يقول إلى عب%ادي، إلى عب%ادي، إلى أولي%ائي المطيعين، إلى أحب%ائي المش%تاقين، إلى ليسر��قا فليتمتع ب%%النظر إلى �ا أو متعل ب فوني من كان منكم مشتاقا أو مح� أصفيائي المحزونين. ها أنذا! عر�£كم كرام%%تي". ه%%ذا م%%ا كم بق%%ربي وألبيحن تي وجاللي ألفرحكم بجواري والس%%ر� وجهي الكريم. فواعز� كان يريده من الجنة، أما غير ذلك فلم يكن ليلتفت إليه. قال في جملة م%%ا ق%%ال: "اللهم ان%%ك تعلم ز�ن عندي جناح بعوضة إذا أنت آنستني بذكرك ورزقتني حب%%ك وس%%ه£لت على طاعت%%ك، أن الجنة ال ت

Page 204: ابناء النور عبر العصور

فاعط� الجنة لمن شئت".

وكان إلبراهيم بن أدهم د�عاء يدعو به ربه في كل جمعة، إذا اصبح عشر م%%رات، وإذا أمس%%ى       عشر مرات. وفيه يقول:

مرحبا بيوم المزيد والصبح الجديد والكتاب الشهيد. يومن%%ا ه%%ذا ي%%وم عي%%د، اكتب لن%%ا في%%ه م%%ا       i وبلق%%اء نقول، بسم الله الحميد المجيد الرفيع الودود الفع�ال في خ لقه ما يريد. أصبحت بالله مؤمناi وبحجته معترفا ومن ذنبي مستغف�را ولربوبية الله خاض�عا ولسوى الله جاحدا وإلى الل%%ه الله مصد�قاله وح م ل%%ة س%%� �ال والى الله منيبا، أشهد الل%%ه وأش%%هد مالئكت%%ه وأنبيائ%%ه ور� تعالى فقيرا وعلى الله متوك عرشه ومن خ لق م ن¤ هو خالق بأن الله ال إله إال هو وحده ال شريك له وان محم%%دا عب%%ده ورس%%ولهi حق، ولقاءك حق ووعدك ح%%ق والس%%اعة آتي%%ة ال ريب فيه%%ا وان )ص( وأن الجنة حق ومنكرا ونكيرا

الله يبعث من في القبور وعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه ابعث إن شاء الله.

           إلى أن يقول:

اللهم إني ظلمت نفس%%ي ف%%اغفر لي ذن%%وبي، ان%%ه ال يغف%%ر ال%%ذنوب إال أنت واه%%دني ألحس%%ن�ئها إال أنت. �ئها فانه ال يصرف سي األخالق فإنه ال يهدي ألحسنها إال أنت. واصر�ف عني سي

لبيك وسعديك والخير كلهال بيديك وأنا لك أستغف�ر وأتوب إليك.

:رابعة العدوي�ة

ى، وفي ظ�لiمات الجحود يشع قبس س%%اطع من نفس%%ها،        في ضمير الزمان وق¤ع مناجاتها الحر�وبين هذه البطاح وتلك، خيالها يتهادى فوق الرمال وجهته صحراء الجزيرة..

في هدأة اللي%%ل البهيم ص%%لوات تتلوه%%ا دع%%اءات محموم%%ة، وابته%%االت ض%%ارعة يرج%%ع ص%%داها        السكون الرهيب؛ ومن كوخ متواض�ع في حي متواضع من أحياء البصرة، كانت ترتفع هذه االبتهاالتi بن%%ور اإليم%%ان وص%%دق العقي%%دة، ك%%ان وهذه الدعاءات، ومن تينك العينين الذابلتين اللتين شع�تا زمنا

 ينبعث القبس الذي أضاء تاريخ المرأة العربية.

�ل فتاة في شرح¤ الصبا، ذاهلة عم�ا حولها ض%%ارعة �انون، فكانت اللوحة الجميلة تمث £لها الفن تخيإلى ربها غارقة في تأمالتها.

ولو تصو£رها النحاتون، لجاء تمثالها عن عجوز تقد£مت بها الس%%ن، وأض%%نى جس%%دها التش%%ق¢ق،        في عينيها بريق شديد، وهو بريق العين التي اطمأنت إلى م%%ا ت%%رى. وعين "رابع%%ة العدوي%%ة" ك%%انت تفيض دوما بذلك البريق ألنها لم تكن تنظر إال إلى جوهر الحقيقة، وهي لذلك ك%%انت مطمئن%%ة على

الدوام.

ب إلى        £لها فيجذبني إليها خيال جامح، وحب ق%%وي ب%%التقر¢ وإنني ساعة أخلد إلى السكون، أتمث شخص زهد في الحياة إلى الحد الذي زهدت فيها رابعة، واحتقر المادة إلى الدرجة ال%تي احتقرته%ا

Page 205: ابناء النور عبر العصور

 سا من نور اإليمان، وكانت في الحقبة ال%%تي تالطمت بها رابعة، فكانت في تاريخ المرأة العربية، ق ب فيها أم%%واج األطم%%اع والش%%هوات وانج%%رفت فيه%%ا النفس م%%ع تي%%ار الم%%ادة مرح�ي%%ة بالحي%%اة العربي%%ةدة تعتم%%د على ال%%ترف £رت أساليب المعيش%%ة البس%%يطة، إلى أس%%اليب معق%%£ الجديدة، الحياة التي غي£ر صفوه ض%جيج م%ادة، وص%ورة للنفس الط%اهرة �ر الذي ما عك واللهو؛ أجل كانت إشعاعا للفكر النيف التي ما لط£خت ببياض صفحتها ن%زوة ع%ابرة، ومث%اال للقلب الن%ابض ال%ذي م%ا أوهن إيمان%ه تعس%¢i للبطولة ال%%تي تقه%%ر الش%%هوة، وص%%ورة الزمن، بل كانت رابعة طوال المدة التي عاشتها، مثال رائعا صادقة للنفس الزاهدة التي ال يقوى الزمن مهما استعمل من مغري%%ات على تحويله%%ا عن الطري%%ق

التي رسمتها لنفسها.

ت اإلنسانية بأحقاب مظلمة تلتها حقبات طويلة، فذاقت الكثير من تعس¢ف الك%%افرين        لقد مر£�دا ومن آخ%%ر �لين الذين كانوا يعتق%%دون أن الحي%%اة ترض%%ى ب%%أن تجع%%ل من إنس%%ان س%%ي وأوهام المضلi. وما كان الظالمون ليرعوها حين كان األنبياء والمص%%لحون يخرج%%ون من ص%%فوف الض%%عاف مسوداق بينهم نش%%اط الفك%%ر والمعرف%%ة واإلقب%%ال والصعاليك ليعل�موا الكل بأن البشر سواسية إن لم يف%%ر�

على عمل الخير والصالح.

وحين نلقي نظرة واعية على الحقبة التي عاشت فيها رابعة العدوية، تطالعنا ه%%ذه المظ%%اهر       i كل البعد عن الروح التي قاتل النبي الع%%ربي� الظالمة التي تجعل من المجتمع العربي مجتمعا بعيدا

)ص( في سبيل نشرها.

وعلى الرغم من انتشار الدعوى اإلسالمية، ومن رسوخ التعاليم التوحيدية في النفوس، فقد        بقيت للمادة سلطتها على النفوس؛ وكان المجتمع الع%ربي يس%ير في طرق%ات يحف�ه%ا الض%%الل من ك%%ل ج%%انب، ف%%أودت ب%%ه ه%%ذه الطرق%%ات إلى حيث أودت، وتفك£كت بس%%رعة أج%%زاء اإلمبراطوري%%ة الواسعة؛ والسبب األول واألخير في ذلك، هو ضعف النفوس، واستخفافها بالفض%%يلة وتوهم�ه%%ا أنه%%ا�ر ل%ه وتعم%ل على إض%عافه، بتش%جيعها بذلك تحافظ على روح الدين الجديد في حين أنها كانت تتنك

نظام الرقيق، وباندفاعها هذا االندفاع وراء نزوات النفس، مسايرة جموحها، خاضعة ألطماعها.

لقد جارت األنظمة االجتماعية على اإلنسانية فك%%ان الرقي%%ق وك%%ان نظ%%ام الج%%واري، وك%%انت       الطبقية التي جرت ما جرت من ويالت على البشرية.

د ح%%رة  �ول%%  �بت علي%%ه وتض%%افرت. النفس ت £ر بهذه العوامل مهما ت%%أل لكن اإلنسان القوي ال يتأث وتعيش حرة. وسواء لديها أكانت في قصور بهيجة أم في أك%%واخ حق%%يرة. وس%%يان عن%%دها إذا ع%%اشi ما تكون عادلة في الجسم المغلول وأسيرة i غاشما، ألنها كثيرا £ال مغلوال أم عاش طليقا الجسم م�كب�ع بحرية التنقل واألمر والنهي.  ظالمة في الجسم العاتي المندفع وراء األطماع والنزوات والمستمت

قد تكون هذه النظرية معرضة لبعض الج%%دل، لكن لن%%ا من الت%%اريخ م%%ا يثبته%%ا؛ وت%%اريخ رابع%%ة ص¤رية الشهيرة، التي ارتفعت بنظرته%ا الس%امية إلى الحي%اة، إلى درج%ة الكب%ار العدوية، الناسكة البد في ك%%ل مراح%%ل حي%%اتهم، من المتصوفين الذين عمرت نفوسهم ب%%القوة، وواكبهم الطه%%ر والتج%%ر¢

 برهان ساطع على ذلك.

Page 206: ابناء النور عبر العصور

هذه الشخصية النسوية الفذة، عاشت حياته%%ا الطويل%%ة رم%%زا للطه%%ر ومث%%اال للش%%جاعة ال%%تي¤ت الشهوات والتغل¢ب على جموح النفس دون تأف¢ف أو تذم¢ر، ب%%ل إن رابع%%ة تعتمد على التوحيد وكب كانت مختارة في ذلك، فسارت على الطريق التي رسمتها هي لنفسها، ولم تكن في ذلك خاض%%عة

ألية رغبة من الرغبات.

و�ل�دت ناسكتنا الشهيرة في حقبة استحكمت فيها حلقات الغالء والقحط في مدين%%ة البص%%رة، فكان من الط%%بيعي أن ت%%ذوق وهي ال%%تي نش%%أت في بيت فق%%ير، طعم الج%%وع والحرم%%ان، وم%%رارة القحط واالجداي؛ ومم�ا زاد في شقائها وحرمانها موت أبويها وهي ال تزال بعد طري%%ة الع%%ود، غض%%ة�ب%ة أن جم%ع ال%دهر إلى فقره%ا األهداب فكان من جراء هذه النكب%ة ال%تي أص%ابت قلب الفت%اة الطي�د ظ%%الم وأحزانها آالم التشريد والوحدة. ثم غدر بها الزمان مرة أخ%رى حين س%%اقها الق%در إلى س%%يف ألوان%%ا مري%%رة. ويش%%اء الق%%در أن تت%%والى على قلب ره فأذاقه%%ا من اآلالم والتعس%%¢ س%%¤

  وقعت في أل� عن األول �د آخ%%ر لم يكن ليق%%� �دها إلى س%%ي الص%%بية الط%%اهرة أن%%واع المحن والع%%ذاب، فيبيعه%%ا س%%ي

 خشونة وقساواة، ووحشية وظ�لما.

فتها ب%%األلم ألوان%%ا وأنواع%%ا  وأقف هنا ألتصور هذه الصبية النبيلة التي جارت عليها الحياة فعر£ وأذاقتها العذاب كؤوسا م�ترعة مريرة. كيف كان حال هذه الصبية النبيلة وأي%%دي الظ%%المين تتناقله%%ا

�فر لها بروح؟ �عترف لها بحق وال ي وتساوم على ثمنها، وهي سلعة ال ي

�به ر أنظارها بمظاهر الترف، حتى تنصرف إلى        هذه الفتاة التي احتقرت قصور األغنياء، ولم ت الحياة الماجنة التي عرفت بها جواري ذلك العصر؛ كانت إنسانا ال يملك من أمره ش%%يئا بين جنبيه%%ال علي%%ا، وان م%%ا ينغمس في%%ه الق%%وم من عبث  م وم�ث%%� قلب يحب وينبض، ويش%%عرها أن الحي%%اة ق�يا يس%مح ب%ه ال%دين. لكنه%ا لم تكن ومجون، ولهو وإسراف ليس من المكارم في ش%يء وال ه%و مم%��د غاش%م ك%ان يس%ومها م%ر الع%ذاب دة خاض%عة لمش%يئة س%ي دي أو تعي%د، فهي مقي%£ لتستطيع أن تب%�i ت%%رى فتتحمل ذلك بنفس ال تعرف الو ه ن وقلب ال يعرف الهلع، ألنها كانت شجاعة بحق أبي%%ة أنوف%%ال اآلالم بالص%مود i وانهي%ارا. ول%ذلك فإنه%ا ك%انت تتحم%� i وفي النحيب استس%الما في الش%كوى ض%عفا

والرضى.

�د قلق ال يستقر به مضجع وال يع%%رف الن%%وم إلى جفون%%ه س%%بيال، إذا        وفي ذات ليلة، بينما السيق الهدوء بصوت بعيد يطرق أذنيه، أنصت السيد فإذا بالصوت صوت أنثى يؤنس وحشة القلق ويمز� الرهيب. قام فمشى نحو مصدر الصوت فقادته قدماه إلى غرفة رابعة، وهنا وقف الغاش%%م وه%%و ال

يكاد يص�دق ما يرى.

إن جالل الصورة قد أسرى الدم باردا في عروقه، وفتح في ثنايا ضميره أبوابا كانت من قبل        مغلقة، تلك هي "رابعة" في خشوعها تبتهل وتتضرع وتناجي ربها بينما الناس نيام يحملون بدنياهم المادية. كانت رابعة في تلك الساعة الرهيبة التي س%%معها فيه%%ا س%%يدها تق%%ول: "ربي ان%%ك تعلم إن أشد ما أتوق أليه هو عبادتك وتأدية ما لك من حقوق، ولكننب أسيرة ال أملك حريتي الشخصية، فال

سبيل إلى تحقيق هذه الغاية فلتعذرني يالهي".

خجل السيد من نفسه في تلك الساعة، وع%%رف أن%%ه من الع%%ار تقيي%%د فت%%اة ط%%اهرة كرابع%%ة،       

Page 207: ابناء النور عبر العصور

وتحت تأثير هبة الضمير، ويقظة الوجدان، أراد أن يكف�ر عن ماضيه فقال لرابعة: "أنت حرة طليقةمنذ اآلن ولك الخيار في أن تمكثي هنا أو تذهبي إلى حيث تشائين".

i أن تؤثر رابعة ترك الدار وترك موالها لتعيش عيشة يرتاح لها ضميرها، فتكس%%ب قوته%%ا كان طبيعيابتعبها.

وهنا تبدأ حياة رابع%ة في ص%%ورة جدي%%دة لم يعرفه%%ا الت%%اريخ النس%%وي من قب%%ل، ألنه%%ا ص%%ورة       م�يت ب% "أم ف وعمل الخير حتى س%%� ناسكة اعتزلت العالم لتفني نفسها وعمرها في العبادة والتقش¢

الخير".

وكانت الس%نون كلم%ا تق%د£مت برابع%ة، زادت عقي%دتها رس%وخا وزاد إيمانه%ا ق%وة وتغلغال في       د الرج%%االت في ذل%%ك العص%%ر، يؤمون%%ه شعاب الفكر وأغوار النفس حتى بات كوخه%%ا الص%%غير م ق¤ص%% 

دا. ليهتدوا بهدي رابعة، وليزدادوا يقينا وتجر¢

وساعة تنقلني أجنحة الخيال إلى ذلك الكوخ المظلم في أحد أحياء البصرة، ت%%تراءى أم%%امي رابعة في ثوب من الصوف األسود هلهله القدم، وهي تجلس على حصيرة بالية والى جانبه%%ا آج%%رة جعلت منها وسادتها ساعة كانت تأذن لجسدها النحي%%ل باالس%%تلقاء بعض ال%وقت إذا م%%ا ف%رغت من مناجاتها عند الفجر لتنهض بعد قليل، الئمة نفسها قائل%%ة: "ي%%ا نفس كم تن%%امين والى م%%تى تن%%امين، يوشك أن تنامي نومة ال تقومين منها إال لصرخة ي%وم النش%ور" وك%ان ه%ذا دأبه%ا ح%تى ت%وف�يت إلى رحمة الله تعالى. إن أعمق اإليمان ما انبعث من نفس مطمئنة إلى عقيدتها، صادقة في توحي%%دها؛ وإيمان رابعة العدوية، كان ايمان اإلنسان الذي ما زعزعت يقينه يوما رجفة من شك، وفي مناج%%اة رابعة للذات اإللهية بعض التحليل لتلك النفس المنصرفة عن دنياها إلى ذلك ال%%رقيب األعلى حيث

تقول:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

فالجسم مني للجليس مؤانس

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

والحياة التي عاشتها رابعة بلغت الغاية من الروعة في نزاهتها وطهرها، ألن ناسكتنا لم تكن       �عة أو ساعية ألجل غاي%ة تبغيه%ا آلخرته%ا، ب%ل ك%انت تعيش مب%ادئ ال%دين، فها وزهدها متصن في تقش¢i أو تخش%%ى منه%%ا جموح%%ا، فس%%يطرت عليه%%ا وتسيطر على نفسها التي ك%%انت تخ%%اف ذهوله%%ا أحيان%%ا

سيطرة حرمتها كل متعة دنيوية.

�ق%%د£م إليه%%ا من ه%%دايا وأم%%وال        فها، فك%%انت ت%%رفض ك%%ل م%%ا ي لق%%د أخلص%%ت رابع%%ة في تقش%%¢ ومساعدات قائلة: "ما بي إلى ذلك حاجة" كما أخلصت في نظرتها إلى الحياة، فعرفت أنه%%ا فاني%%ةكون بأه%%داب ه%%ذه الحي%%اة ال خير فيها وكان يؤلمها أن ترى الناس يكثرون من ذك%%ر دني%%اهم ويتمس%%£

Page 208: ابناء النور عبر العصور

ق بينه%%ا وبين حبيبه%%ا ال%%ذي جعلت من%%ه غاي%%ة لوجوده%%ا التي كانت تثقل على كاهله%%ا ألنه%%ا أتت تف%%ر�فتقول:

حبي ليس يعد له حبيب

وما لسواه في قلبي نصيب

حبيب غاب عن بصري وشخصي

ولكن عن فؤادي ما يغيب

 طل%%ق        أجل¢ في رابعة شخصية جعلت دأبها في الحياة كبت الشهوات وحرم%%ان النفس ح%%تى أ�ر في رابعة تلك الشجاعة التي واكبته%%ا في حياته%%ا  ب �ك عليها بعضهم اسم "شهيدة العشق اإللهي"؛ وأ�ب%%ل ونك%%ران ال%%ذات؛ الطويلة، فجعلت منها صورة تجس£مت فيها معاني القداسة والطه%%ر وآي%%ات الن وفي جوابها للعالمة الزاهد حسن البصري، وقد تقد£م يطلب ي%دها بع%د م%وت زوجت%ه، م%ا يرين%ا من¢ر الناسكة لنفسها وسيطرتها على جوارحها وقلبها ما جعلها ترد الزاهد البص%%ري وتص%%رفه به%%ذه تنك

األبيات قائلة:

راحت ياخوتي في خلوتي

وحبيبي دائما في حضرتي

لم أجد لي عن هواه عوضا

وهواه في البرايا محنتي

حيثما كنت أشاهد حسنه

فهو محرابي إليه قبلتي

أن أمت وجدا وما ثم رضى

واعنائي في الورى واشقوتي

يا طبيب القلب يا كل المنى

جد¤ بوصل منك يشفي مهجتي

يا سروري يا حياتي دائما

Page 209: ابناء النور عبر العصور

نشأتي منك وأيضا نشوتي

لقد هجرت الخلق جمعا ارتجي

منك وصال فهو أقصى نيتي

�ى اتجهت وحيث و�ج%دت تمجي%دا لتل%ك الق%وة، ق%وة        هكذا نظرت رابعة إلى الحي%اة، فرأته%ا أن�ان الذي سلب قلب رابعة فصرفه عن كل ما هو دنيا ومادة. حبيبها الغالي، وصورة لجماله الفت

كانت رابعة تعتقد أنها ال تملك إرادتها فهي عبدة لله وضعت نفسها وإرادته%ا رهن مش%%يئته، وعملت دوما بوحي من إليمانها؛ وحين سألها سفيان الثوري عن حقيقة هذا اإليمان، وم%%ا إذا ك%انت عبادته%ا

خوفا من النار أو رغبة في الجنة، ابتهلت وقالت مناخية حبيبها:

احبك حبين حب  الهوى

i ألنك أهل لذاك وحبا

فأما الذي هو حب الهوى

فشغلني بذكرك عمن سواك

وأما الذي أنت أهل له

فتكشف لي الحجب حتى أراك

فال الحمد في ذا وال ذاك لي

ولكن لك الحمد في ذا وذاك

هذه لمحة عن حياة شاعرة شغلها حبها للذات اإللهية عن نفسها، فنس%يت دنياه%ا واحتقرته%ا        وأبعدتها عن تفكيرها، ونظرت إلى الناس نظ%%رة مش%%فقة على ق%%وم انغمس%%وا في االنش%%غال ب%%دنيا

فانية ال أمل فيها.

£لت البطول%%ة الن%%ادرة ال%%تي ق%%امت على إنك%%ار النفس وكبت        ومهما قي%%ل عن رابع%%ة، فإنه%%ا مث رغباتها؛ وهي لعمري ش%%جاعة لم يتص%%ف به%%ا إال األقوي%%اء من الرج%%ال ال%%ذي عرف%%وا أن الحي%%اة في

د ونكران الذات. �ل عليا وقيم معنوية وأدبية ال تقوم إال على التجر¢ معناها الصحيح م�ث

كانت رابعة أينما حلت ورحلت، تحمل معها مفنها وهو عبارة عن عب%%اء من الص%%وف األس%%ود،        وكأنها بذلك كانت تقول لنفسها: "انك� لعلى سفر فاستعدي". وحين اقتربت منيتها أوصت صديقتها عبدة بنت أبي شوال أن تكف£نها، وكان لها م%%ا أرادت وانطف%%أت تل%%ك الش%%علة من األيم%%ان في ع%%ام

ه% بعد أن عاشت حي%اة طويل%ة مألته%ا إمعان%ا في تع%ذيب نفس%ها، وك%ان إيثاره%ا لحي%اة الفق%ر185

Page 210: ابناء النور عبر العصور

والشقاء في عصر تاهت فيه نف%%وس الق%%وم رغب%%ة في الم%%ادة وتهالك%%ا على الحي%%اة العاص%%فة ال%%تي عرفتها الحقبة التي عاشت فيها الناسكة البصرية، ضوءا انبثق من هذه الشخصية النسوية الكب%%يرةد والطهر وإنكار النفس دينا بنفسها، فأرانا كيف استطاعت أن تجعل من النزاهة رسالة ومن التجر¢

ومبدأ.

�دة المتصو�فات في دنيا الع%رب أو: ش%%هيدة العش%ق اإللهي- راج%ع الض%%حى الع%دد رابعة العدوية سي(1997الحادي والستون )آذار

:الحالج

ل        كانت حياة الحالج وما انبثق منها من إشراقات، وما ابتدعت من مناهج في التفك%%ير والتأم%%¢ والروحاني%%ات. ك%%انت كم%%ا يق%%ول "نيكلس%%ون": "لحظ%%ة جوهري%%ة في ت%%اريخ التص%%و¢ف اإلس%%المي". والتصو¢ف عند الحالج هو انتساب اإلنسان إلى الله سبحانه، ال إلى هذا الع%%الم الم%%ادي، ه%%و ارتف%%اعف ر غايته فناء ف ر طويل هائل، ال تقدر عليه إال عزائم المصطفين األحرار، س  اإلسالم إلى الله في س  الص%%فات البش%%رية في الص%%فات اإللههي%%ة وحب ووج%%د وذوق وش%%وق. ينظ%%ر الحالج في توج¢هات%%ه العرفانية إلى أن المحبة هي سبيل الوصول إلى المعرفة الحق. فمعرفة الواحد األح%%د ال ت%%أتي عن طريق الفهم العقلي. ذلك ألن العقل اإلنساني يستمد معلوماته من ع%%الم الحس وال يمكن%%ه تخط�ي

حدود العالم. يقول الحالج في "طاسين الفهم" من كتاب الطواسين:

أفه%%ام الخالئ%%ق التتعل%%ق بالحقيق%%ة، والحقيق%%ة ال تتعل%%ق بالخلفي%%ة. الخ%%واطر عالئ%%ق، وعالئ%%قالخالئق ال تصل إلى الحقائق.

�حاد إلى مراقيها الع�لي%%ا، إلى وح%%دة الم�حب        �حاد لتتعدى االت أما المحبة فهي حركة شوق إلى ات بالمحبوب وكأنهما طرفان متقابالن ليبقى الواحد في حقيقته. )حقيقة المتصو�ف الصوفي(. والفناء فى النسب ونفنى �نت هو غاية الصوفية والفناء بالنسبة للحالج هو دنو حقيقته من حقيقة الحق حيث تi وتشع¢ النورانية i شفافا األمكنة واألبعاد وحين يستقر¢ في الحقيقة وتستقر¢ الحقيقة فيه فيصبح لطيفا لتطغى على كل ظلمة ويصبح في حضرة الحق في ظ%%ل مش%%اهدة الجم%%ال اإللهي. وه%%ذه الوح%%دة مت� إلى �لوهي%%ة ولكن بالحقيق%%ة ه%%ذه الوح%%دة ال ت �ه%%ام الحالج بالحلولي%%ة وبأن%%ه أد£عى األ أد£ت إلى اتi وإنما تتم هذه الوحدة ع%%بر i كعالم الخلق ليحل فيه حلةال الحلولية بصلة ألن الله سبحانه ليس مادياi، فاللطافة ال تحل دون أن تكون خارجة عنه أو داخلة i لطيفا �يا التجلي أي تجلي الحق في الخلق تجل�جانس المطلق النس%%بي. يق%%ول الحالج إن ع%%الم الحس ه%%و ك%%ل� ال ج%%زء، فيه وهي ال تجانسه إذ ال ي ولكنه يعكس حقيقة الكل الحق. وهكذا كان الحالج شهيد التصو¢ف اإلسالمي، شهيد العش%%ق اإللهي بعد أن قد£م أعظم برهان على أن التص%%وف في حقيقت%%ه أعلى ص%%ورة من ص%%ور الس%%مو، كم%%ا ه%%و

أعلى صور االستشهاد.

قسم البحوث الروحية في الضحى

Page 211: ابناء النور عبر العصور

توحيد األديان والفلسفات

دـالتوحي

صوت األكوار واألدوار:

من أعماق الماضي يأتينا صوت األكوار واألدوار، صوت الق%%رون، ص%%وت الحكم%%اء والعمالق%%ة        الروحيين صوت الذين دفعوا دماءهم إلعالء كلم%ة التوحي%د. ذل%ك الص%وت مث%ل الج%داول الص%غيرةار ه%%ادر. والرس%%االت i في سيل جب%%� الهابطة من الجبال، تختفي تارة بفيض أشد إلى أن تتوح£د أخيراف ل واألنبياء والصالحين والصالحات، من ك%%ل الم%%ذاهب واألمم تؤل%%� س� النازلة إلينا من المالئكة والر� ما بين قواها وتتحد£ث إلينا بصوت الماضي الص%%د�اح وأول رس%%الة تحمله%%ا إلين%%ا هي "الس%%الم عليكم

وعلى كل األديان" ليست رسالة نزاع، بل رسالة دين واحد م�وح£د.

فال بحث أعز على قلب اإلنسان من ذلك الذي يجلب إلينا من الله وهج التوحي%%د، وال دراس%%ة        استهلكت من طاقة اإلنسان، سواء في الماضي أو الحاضر، أكثر من دراسة الروح، والله، ومص%%ير اإلنسان، هكذا كان األمر عبر العصور في كل األقطار والبلدان. أراد اإلنسان أن ي%%رى الغيب، وأراد�ق%اس به%ذا البحث، البحث عن المص%ير �ر بنفس%ه، وك%ل م%ا ن%دعوه تق%د¢ما، أو تط%ورا، إنم%ا ي أن يكب

اإلنساني، والبحث عن الله.

�لة بمنظ£م%%ات اجتماعي%%ة مختلف%%ة ف%%إن        وكما أن نضاالتنا االجتماعية، في األمم المختلفة، متمث�ل باألديان المختلفة، وكما أن المنظ£مات االجتماعية في عراك مستمر، نضال اإلنسان الروحي متمث فإن المنظ£مات الروحية كانت في حرب فيما بينها. يد�عي الن%%اس المنتم%%ون إلى منظم%%ة اجتماعي%%ة معينة أن حق الحياة وقف عليهم، ويريدون ما وسعهم األمر أن يمارسوا ذل%%ك الح%%ق على حس%%اب الضعيف وعلى هذا الشكل اد£عت كل طائفة دينية حق الحياة لوحدها. وهكذا نجد أن ال شيء ق%%د£م لإلنسان البركة أكثر من الدين، ومع ذل%%ك في ال%%وقت نفس%%ه ال ش%%يء جلب إلي%%ه ال%%رعب أك%%ثر من

الدين.

حالما يقف اإلنسان ليقول: "انه على حق وأن معبده على ح%%ق وك%%ل اآلخ%%رين على باط%%ل"       يكون هو نفسه على باطل، أنه ال يعرف أن برهانه على دينه يعتمد على برهان األديان كلها.

برهان دين ما يعتمد على برهان بقية األديان، فمثال، إن كان لدي ست أصابع، وال أح%%د ليدي%%ه مثل ذلك، فلك أن تقول: هذا غ%ير ط%بيعي، والتعلي%ل نفس%ه يمكن أن ينطب%ق على دع%وى أن دين%اi هو الصحيح واآلخر زائف. دين واحد فقط مثل%ه مث%ل مجموع%ة األص%ابع الس%ت الوحي%دة في واحداi، فال ب%%د أن تك%%ون األدي%%ان األخ%رى العالم أمر غير طبيعي. ومن هن%%ا ن%%رى إذا ك%ان دين م%%ا ص%حيحا صحيحة. هناك اختالفات في الفرعيات. أما األساسيات فهي كلها كلمة واحدة، من لدن واحد، ومن فم واحد، لشأن واحد، في كون واحد. إن كانت أصابعي الخمس حقيقية، فهي برهان على حقيق%%ة

.i  أصابعك الخمس أيضا

إدراك التوحيد اإللهي هو الدرب الوحيد، وعلى كل واحد منا أن يكتشفه بنفسه، إذن م%%ا نف%%ع       

Page 212: ابناء النور عبر العصور

هذه الكتب، كتب العالم المقدسة؟ إن لها نفعا عظيما. إنها مثل الخريطة لبلد م%%ا. لق%%د رأى أح%%دناi ل%%ه لتك%%وين تص%%و¢ر م%%ا عن i كب%%يرا خرائط كثيرة لدولة ما في حياته قبل أن يذهب إليها. وكانت عونا تلك الدولة. ومع ذلك حين وصل إلى تلك الدولة، أي فارق بين الخرائط وبين الدولة نفسها، ك%%ذلك

هو الفارق بين اإلدراك وبين الكتب المقدسة.

�ن. س%%نجد كث%%يرين من        هذا هو المبدأ األول، اإلدراك هو ال%%دين ومن ي%%درك فه%%و إنس%%ان مت%%دي�نا، أردت أن أدرك ه%%ذه األش%%ياء ولك%%ني لم األشخاص في هذا العالم يقولون:"أردت أن أصير مت%%دي اس%%تطع وهك%%ذا فأن%%ا ال أؤمن بش%%يء". ح%%تى بين المثقفين س%%نجد ه%%ؤالء. ع%%دد كب%%ير من الن%%اس

�نا طيلة حياتي، لكن لم يكن فيه شيء". سيقولون لنا: "حاولت أن أكون متدي

i، نقول له: "ال أؤمن بشيء في الكيمي%%اء ألني ح%%اولت        لنفترض إنسانا ما كيميائيا، عالما كبيرا  طيلة حياتي أن أصير كيميائيا ولم أنجح".

 سيسأل: "متى حاولت؟".

i". سيس%%خر من%%ا حين ذهبت إلى فراشي أخذت ارد�د: "أيتها الكيمياء تعالي إلي ولم تأت� أب%%دا م¤ ت%%ذهب إلى مخت%%بر وتأخ%%ذ األحم%%اض والقلوي%%ات وتح%%رق ي%%ديك بين حين �م  ل الكيميائي ويق%%ول: "ل

وآخر؟".

هل تتحم%%ل العن%%اء نفس%%ه م%%ع ال%%دين؟ لك%%ل علم أس%%لوبه في التعل¢م ويجب أن يؤخ%%ذ ال%%دينبالطريقة ذاتها.

بين األديان الروحية العظيمة في الشرق كما في الغرب عقد ال ينفصم في الواقع، أكان في        اتج%%اه وحداني%%ة الوج%%ود وتوحي%%ده، أم ك%%ان ذل%%ك في اإلش%%راك في العيش ونض%%ال الحي%%اة وطلبدى. المصير، أم كان ذلك في حقل الحضارة. حقائق ال بد لنا أن نستوعبها لكي ال يض%%يع جه%%دنا س%%� إنما واجبنا أن نتعم£ق في تفه¢م بعضنا للبعض اآلخر وفي إزالة العقب%%ات واستش%%فاف مطلب ال%%روح�عطيت على ح%%د التعب%%ير اإلنجيلي للبس%%طاء وذوي الني%%ات الحس%%نة واإلرادة i م%%ا أ فالحكم%%ة كث%%يرا

العفوية.

وللحسين بن منصور الحالج، رأيه في الدين الشامل حيث يقول: "األديان كلها لله ع%%ز وج%%ل       i ببطالن ما هو عليه فقد حكم غ ل بكل دين طائفة ال اختيارا فيهم بل اختيارا عليهم. فمن الم أحدا ش ر وال � متغ%%ايرة والمقص%%ود منه%%ا ال يتغي%%£ أنه اختار ذلك لنفس%%ه، فاألدي%%ان هي ألق%%اب مختلف%%ة وأس%%امبا ل%%دينك يختلف". وفي صالته الشهيرة قبيل استشهاده: "وه%%ؤالء عب%%ادك ق%%د اجتمع%%وا لقتلي تعص%%¢i إليك. فاغفر لهم، فانك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ول%%و س%%ترت ع%%ني با وتقر¢

�ليت، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحد فيما تريد". �ليت بما ابت ما سترت عنهم لما ابت

علينا أن نتعل£م انه يمكن التعبير عن الحقيقة بمئة ألف طريقة وأن كل طريقة منه%%ا ص%%حيحة       �رى من مئة جهة ويبقى الشيء نفسه. إلى أبعد ما تذهب إليه. علينا أن نتعل£م أن الشيء يمكن أن ي

لنفترض أننا جميعا ذهبنا نحمل بأيدينا األواني إلى بحيرة نمأله%%ا بالم%%اء. واح%%د يحم%%ل فنجان%%ا       

Page 213: ابناء النور عبر العصور

ة والثالث دلوا وهكذا. ومألنا كلنا أوانينا، الماء في كل مرة بالطبع يأخذ شكل اآلنية التي واآلخر جر£ة. ة كان ماؤه على شكل الج%%ر� تحمله: م ن جاء بالفنجان فماؤه يأخذ شكل الفنجان وم ن جاء بالج ر� لكن في كل حالة الماء وال شيء غير الماء في اآلنية. هكذا هي حال%%ة ال%%دين الش%%امل، عقولن%%ا هي

تلك األواني وكل واحد منا يحاول بلوغ إدراك الله.

فالحق نور جذوة من نار هدي باب التوحيد. وكل ن%ور فه%و منس%وب إلي%ه، وزيت ذل%ك الن%ور        واحد، وإن تعد£دت أغصان تلك الشجرة وأضاءت بزيتها هذه الشموس. وان أنغام الحان جميع تل%%ك

األغاني وهذه األناشيد هي من ناي واحد، يغنيها فم واحد ولكن بألسنة مطه£رة.

فالتوحيد هو لباب الدين وقاعدته، وهو المضمون الحي لكل كتاب ولكل دعوة، وه%%و الهت%%افالدائم لكل نبي وكل رسول، والموح�دون هم م ن¤ امتازوا بعقيدتهم وليس بدينهم.

يخبرنا القرآن الكريم عن التوحيد في دعوة نوح "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا ق%%وم اعب%%دواالله ما لكم من اله غيره". )سورة األعراف(

والتوحيد هو رسالة إبراهيم عليه السالم الذي نادى قومه قائال: "اعبدوا الله م%%ا لكم من ال%%هغيره".

والتوحيد هو نداء هود وصالح وشعيب عليهم الصالة والسالم "والى عاد أخاهم ه%%ودا ق%%ال ي%%ا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أفال تتقون..." "والى هود أخاهم ص%%الحا ق%%ال ي%%ا ق%%وم اعب%%دواالله ما لكم من إله غيره". "والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره".

والتوحيد هو دين يعق%وب وأبنائ%ه، يس%ائل يعق%وب أبن%اءه عم£ن يعبدون%ه بع%د موت%ه فيجيب%ونقائلين: "نعبد إلهك واله آبائك وإبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا".

والتوحيد هو دين موسى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم".

والتوحيد هو رسالة يسوع المسيح، يقول عليه السالم لقومه: "إن الله ربي وربكم فاعبدوه،هذا صراط مستقيم".

والتوحيد هو صلب رسالة محمد )ص( وعماد دعوته يقول عليه الصالة والسالم: "إن ص%%التي�م�رت وأنا أو�ل المسلمين". )سورة ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، ال شريك له وبذلك أ

األنعام(

هذا هو التوحيد الخالص الدين الشامل، دين الحب واإلخاء والرحم%%ة، دين األخالق والفض%%ائلس�ل، ون%%ادى ب%%ه الحكم%%اء والعلم%%اء �ل توحيد أعلنه الله عز وجل لخلقه، وشه£د به المالئكة والر� والم�ث والعقالء، واعتنقه كل ذي بصيرة "شهد الله انه ال إله إال هو والمالئكة وأولو العلم قائما بالقس%%ط ال

اله إال هو العزيز الحكيم". )سورة آل عمران(

مقتبسات من: التوحيد فلسفة العصر الحديث- راجع الضحى العدد الحادي والثالثون )ايل%%ول

Page 214: ابناء النور عبر العصور

1994)

:القوة الروحية في قلوب البشر

حين يعي اإلنسان التوحيد اإللهي يعود إلى التماس�ك ويسيطر على حياته. في ض%%وء حقيقته%%ا       دة يكون إنسانا كامال متوح�دا. يصل إلى شمولية مبهمة شبه تامة. كل قدراته ال%تي ك%انت اآلن م�ق ي%£�ا تحت في رة نحو غايات أكبر. إننا نسقط من وجودنا األصيل إذا كن �قة تصبح متحر� باالهتمامات الضي عالم الموضوعات الحسية والرغبات األرضية، مد�يرين ظهرن%%ا للحقيق%%ة ال%%تي تمنحه%%ا القيم%%ة. إنه%%ا�ة وتثير الرغبات الحادة ولكنها ال ترضي الوجود الداخلي، وفي العالم الخ%%ارجي تأخ%%ذ طريقه%%ا مغوي�ر )مسعور(. هذا ال يع%%ني أن نتخل�ى عن الحاج%%ات األرض%%ية أو نحتق%%ر الجس%%د أو في اضطراب متوت العقل. الجسد ضروري للروح. النظام الذي يؤ م�ن االنبعاث ال يحتقر الحي%%اة الجس%%دية ألن ك%%ل روح بحاجة إليه. ليس من الضروري أن نضطهد الحياة الشخصية من أجل بلوغ غاية الدين. إن م ن في%%ه تضيء شرارة الروح يتح£ول إلى إنسان جديد- إنسان الل%%ه الش%%خص المح%%اط بهال%%ة، ينف%%ذ التوحي%%د

اإللهي في نفسه يملؤه ويفيض منه يمتص£ه ويغنيه في ذاته.

الحق%%ائق األساس%%ية لل%%دين ال%%روحي الش%%امل تكمن في أن النفس الحقيقي%%ة هي الوج%%ود       العلوي، والتي هدفنا أن نكتشفها ونصبح عن وعي مع هذا الوجود في كل.

الروح التي وجدت نفسها لم تعد تعي نفسها في عزلتها. إنها تع%%اني ع%%بر أطواره%%ا وأجياله%%ا       

المتعاقبة الحياة الكونية بأكوارها وأدوارها التي فيها كل األفراد واألجناس واألمم ملحقات تفصيلية.

¢عاته. أن%%ه تجرب%%ة ال%%روح للوح%%دة األساس%%ية م%%ع حافز وحيد يجري تحت كل مغامرات اإلنسان وتطل

كامل الوجود في الكلمات اإللهية لألديان الروحية العظيمة "أنت في وأنا فيك "الصلة الواح%%دة هي

ي للجنس البش%%ري ه%%و ال%%ذي ال مف%%ر من%%ه، وال يمكن أن الحياة واالفتقار لها موت. التضام�ن الس%%ر�

£نوا �واقون إلى العيش بسالم مع أبناء جنسهم لن يتمك يزول بسبب جنونات العالم العابرة. أولئك الت

طوال حياتهم من النظر شامتين إلى المذابح التي تقضي على األعداد الكبيرة من الن%%اس لك%%ونهم

ببساطة ال ينتمون إلى استيطانهم.

:األقنعة المصطنعة

إن مواقف البعض من األدي%%ان األخ%%رى واألجن%%اس األخ%%رى واألمم األخ%%رى ليس%%ت أك%%ثر من       �م�ت بواسطة مران طوي%%ل في الخ%%داع. طبيع%%ة أقنعة مصطنعة، وعادات وتفكير ومشاعر، بتحف¢ظ ن اإلنسان االجتماعية تشو�هت إلى أشكال عجيبة بواسطة السم ال%%ذي أنص%%ب في دم%%ه ال%%ذي أحال%%هبة والعرقي%%ة والقومي%%ة ال%%تي تتطلب من%%ا إن نم%%ارس إلى حيوان مفترس. المشاعر الدينية المتعص%%�i بشعور عميق من الفضيلة وإننا نفع%%ل م%%ا أم%%ر غرائزنا الدنيا لنطغى ونخدع، لنقتل وننهب، مصاحبا به الله. كل هذا مكروه وم�دان وال يصاحبه ذرة من العقل، وم ن تيق£ظوا روحيا فعندهم كل الع%%روق

Page 215: ابناء النور عبر العصور

واألمم تقف تحت قبة السماء نفسها. انهم يدعون إلى عالقة اجتماعي%%ة جدي%%دة ويخ%%دمون مجتمع%%اية مدنية لجميع األفراد وحرية سياسية لكل األمم الكبير منها والصغير. i بح�ر� جديدا

إن انهيار الحضارة المبنية على حماقات الشكوك المبنية على األوهام واالنطباعات األخالقية       �ر فين%%ا ألن فيه%%ا وشة والقاسية والعصبيات الدينية ال يج%%وز أن ت%%ؤث وحماسات األجناس واألمم المش£�ل بل لصالح أف%%راد ذوي عناصر الشخصية المضاد�ة للعقل والتوحيد. إنها ال تتوج£ه لخير اإلنسانية كك

امتيازات جشعة.

ضيته، ال ينفي وج%%ود الص%%حة في%%ه، وه%%و        وبالرغم مما يحدث اليوم في العالم، على تفاق�م مر  على استشراسه في الحقد، ال ينفي عنه كل صالح، وعلى تماديه في الالمعقولية، ال ينفي عنه ك%%ل حقيقة، وعلى إيغاله في الغباء، ال ينفي عنه كل ذكاء، وعلى استفحال يأسه ال ينسخ ص%%بح الرج%%اء،�م أوجه التشويه، ال ينسخ الوجه السليم، وإذا كان هذا الوج%%ه الق%%وي واإليج%%ابي يض%%اهي وعلى تراك التشويه سلبا وجهنمي%%ة ف%%إن أملن%%ا عظيم في المس%%تقبل. إن تق%%د¢م الفك%%ر والنق%%د يس%%اعد األدي%%ان العظيمة ألن تنشد لحن روح الحقيقة الواحد الخالد الشامل ال%%ذي تخض%%ع ل%%ه الحي%%اة وتس%%عى إلي%%هد في%%ه وتبتهج فيه في كل مكان وزمان. ال نستطيع أن نرى بوضوح أكبر أن حقيقة الدين ال بما يتفر£�ة تعاليمه التي يميل القائمون عليها إلى اإلصرار عليه%%ا وال باإليم%%ان بالقت%%ال ويتخص£ص به، ال بحرفي من أجله، بل ذلك الج%%زء من%%ه ال%ذي يس%تطيع أن يش%ترك في%%ه م%%ع ك%ل اآلخ%رين، إدراك اإلنس%انية

المطلق لنفسها وللعالم يمكن بلوغه فقط بمزيد من تحرير القيم اإلنسانية والشاملة.

:الحكمة القديمة والعلم الحديث

£ج%%ه المجتم%%ع الي%%وم، إذ يس%%عى إلال الخالص من قي%%وده وتج%%او�ز إش%%راطاته، إلى ماض%%يه        يت ليستشف منه كل عرفان وحكمة وتوحيد، فيجد في غنوصيته، أي في عرفانه، وفي ايوزتيريت%%ه، أي£ة عمقه، قمة ما توص£ل إليه العقل اإلنساني، للحقيقة الواحدة التي نش%%اهدها كلم%%ا توغ£لن%%ا في سري

إلى أعماق الحكمة الشرقية القديمة التي تعني فهم القوانين الكونية والطبيعية واإلنسانية.

�ق نية، إنها تشاهد عم%%ل الم%%ادة في الرؤي%%ة        £لة بالحكماء ال تعتمد أداة أو عقال أو ت فالحكمة ممث الباطنية العميقة، أي في التجربة الروحي%%ة الداخلي%%ة، المعروف%%ة باالس%%تغراق وفي ه%%ذه المش%%اهدة�رى ه%%ذه الحق%%ائق £صل حلقاته ببعضها البعض، وت ف على أصل المادة والكون على هيئة فيلم تت تتعر£ بالرؤية الثاقبة للحقيقة غير المرئية، وتعمد الحكمة إلى تدوين هذه الحق%%ائق كله%%ا لكي تنقله%%ا إلى النخبة الموهوبة. وفي رأي حكماء الحاض%ر أن الحكم%ة الش%رقية القديم%ة اش%تغلت على المعرف%ةi، وق%%د تج%%اوزت التفك%%ير �ا i وكلي �ا i شمولي اإلنسانية بكاملها، وفس£رت الكون واألكوان واإلنسان تفسيرا

.i �ا  العقلي إلى وضوح الرؤية. فالحكمة تتخط�ى الزمان من خالل إنتاجها له وجعله زمانا شمولي

في البدء كانت الحكمة السامية اإللهية والكونية، في بدء الزمان األرضي كانت الحكمة. في        البدء الكوني والبدء الزم%%اني ك%%انت الواحدي%%ة، المتكامل%%ة في ذاته%%ا، ولق%%د ت%%راجعت ه%%ذه الحكم%%ةا ب%%� بالفلسفة.. تراجعت األحادية إلى الثنائية فع�ر�ف الخطأ والصواب، ولم يع�د اإلنسان حكيما بل م�ح� للحكمة. وتراجعت الفلسفة، فتراجع العقل الذي عرف الثنائية إلى التعددية.. وعندئذ، أق%%ام العق%%ل تجربت%%ه ع%%بر األدي%%ان على التعد¢دي%%ة، الطبيعي%%ة، االجتماعي%%ة والفكري%%ة، والطقس%%ية، والش%%عائرية...

Page 216: ابناء النور عبر العصور

£ت العقل. وتشت

أخ%%ذ العق%%ل يبحث عن الحكم%%ة ال%%تي أض%%اعها.. ث%%ار على معطي%%ات التعد¢دي%%ة الطقس%%ية        واالجتماعية والطبيعي%%ة ليش%%اهد الثنائي%%ة الظاهري%%ة والوح%%دة الباطني%%ة فيه%%ا. وب%%دأ العق%%ل من خالل تجربته العلمية، استش%%فاف الحقيق%%ة الواح%%دة الكائن%%ة في الوج%%ود. لق%%د تراج%%ع العلم، في ص%%يغته الحديثة، وفي ما توصل إليه من فهم الحقيق%%ة الجوهري%%ة، إلى الحكم%%ة وتخل�ى العلم عن الفلس%%فة�ل�ي في مبادئه وأخذت الحكمة تستعيد مج%%دها وهو يبحث عن األحادية في تجربته، وعن الجوهر الك£لت في العلم اإلنساني الح%%ديث. وهك%%ذا يك%%ون العلم، في واقع%%ه السابق وحقيقتها المتداعية، فتمثi عن الحكم%%ة i وص%%ريحا i واض%%حا i عن الحكم%%ة الكوني%%ة، وتعب%%يرا الح%%الي، ع%%ودة إلى الحكم%%ة، وبحث%%اi إلى الشمول والكل. ولما كان العلم والحكم%ة يس%عيان إلى معرف%ة س%%ر الشرقية القديمة، وتوج¢ها اإلنسان والكون، وسر المادة والطاقة والحياة والوعي، ويعمالن على رؤية أبعادها في إطار ك%%ونيد عقي%%دة ب%%ل يسمح لنا بمشاهدة الحقيقة بوضوح أعظم وشمول أكبر، فليس التوحي%%د اإللهي مج%%ر£بة. فلكي نع%%رف بصيرة مليئ%%ة بالحقيق%%ة، وبه%%ذا يخ%%رج ال%%دين من حق%%ل ال%%نزاع والمراج%%ع المتعص%%�ع السطح، الصمت واله%%دوء ض%%روريان لب%%د¢ل عمي%%ق في الحقيقة، علينا أن نعم£ق أنفسنا ال أن نوس�

كياننا.

:العقل التوحيدي

فالشمول العقلي هو السبيل الفكري الوحيد الذي يفضي إلى التوحي%%د. وبه%%ذا يك%%ون العق%%ل        التوحيدي مدعوا إلعادة وعي ك%%ل االختالف%%ات م%%ا بين البش%%ر، االختالف%%ات المنتج%%ة لتع%%د¢د اله�وي%%ات�د التوحي%%د ب%%والدة العق%%ل، كم%%ا أن%%ه نزه%%ة العق%%ول في مج%%ال أحدي%%ة والوجهات والنظريات. فقد و�ل

الذات، فهو شرعة الحقيقة في جميع األدوار واألكوار واألزمنة، والخالئق والعوالم.

¢ر ما بين جهد اإلنس%%ان المح%%دود        لكن تحت كل ذلك في العمق نرى المسرحية الكبرى، التوت وبين الهدف األسمى. ال يستطيع اإلنسان أن يخلد إلى الراحة مسائل غير محلول%%ة. علي%%ه أن يبحث عن االنسجام ويناضل من أجل التواف�ق. فالعرفان والحكمة والتحق¢ق واإلش%%راق تج%%ارب مماثل%%ة ال�لية، له%ذا يت%%وج£ب على الحكيم اله%روب رة أو مس%تقب تقل حقيقة عن أي تجربة علمية أخرى معاص%�را من ك%ل التش%وش والخط%أ، ال%ذي يفس%د من مملكة اللحظة والتأم¢ل في الوجود الحقيقي متح%ر� موضوعات التجربة، كي يدحض كل م%%ا لم يع%%د ينتس%%ب إلى حق%%ل االختب%%ار العقالني. وبه%%ذا تك%%ون الحكمة الثمرة الوحيدة للعقل التوحيدي في كل مراحل التاريخ، وفي جعل موقع اإلنسان المعاصر داخل نطاق التط¢ور التوحيدي للمعرفة والعلوم الحديثة، وفي وضع جواد العقل التوحيدي، أمام كل

عربات األفكار والنظريات المختلفة.

1994م�قتبسات من: في التوحيد اإللهي- راجع الضحى العدد الثاني والثالثون

:الحكمة والحكماء

�بنى على تقنية، فمن أجل معرفة المادة ال تعتم%%د        الحكمة معرفة مباشرة، ال تعتمد أداة، وال ت�لة في الحكماء، أداة تقنية إنها تشاهد على المادة في الرؤية الباطنية العميقة، أي في الحكمة، م�م ث

Page 217: ابناء النور عبر العصور

التجربة الروحية الداخلية، المعروفة باالستغراق. وفي هذه المش%%اهدة تتع%%ر£ف على أص%%ل الم%%ادة،£صل حلقاته ببعضها البعض. وأصل الكون على هيئة فيلم تت

وذلك اإليمان إال من خالل  األصل في التوحيد أنه إيمان وخ�ل�ق مستقيم, وال يوجد هذا الخ�ل�ق       £صلة لدواعي االنح%%راف م�جاه%%دة تعكس طبيع%%ة العق%%ل ة ألسباب الجهل ومكابد مت مجاهدة مستم�ر�i دائما ح%%تى يس%%تطيع ¢ها £صال ويقظة مستمرة وتنب �ة. أي أن التوحيد- في حقيقته- يقتضي وعيا مت الحي الموح¦د أن يحتفظ بشعلة العرفان نقية فع�ال%%ة. وبه%%ذا المع%%نى يك%%ون التوحي%%د ق%%وى دافع%%ة للعم%%ل وحركة هادفة للتقد¢م، تح�ث الموحد على أن يترابط بالكون ويتناسج مع التاريخ ويتوافق مع العل%%وم الحديثة، بحقيقته األخيرة للوجود. غير أن قليال من الموح�دين م ن¤ يدرك هذا المعنى ويحم%%ل نفس%%هل االس%%تنامة على على اتباع المس%%لك أم%%ا البعض فإن%%ه يعيش في الغفل%%ة ب%%دال من ال%%وعي، ويفض%%�¢ه. وبذلك فإنه ينتقل من جوهر التوحي%%د إلى قش%%وره ومن الص%%ميم إلى اليقظة والتراخي على التنب الهوامش منه. فالذي يحيا في صميم التوحيد وداخل جوهره يتماسك م%%ع مح%%وره المتح%%ر� ك دوم%%ا نحو الكون واإلنسان، ال%دافع باس%تمرار إلى األنف%ع للحي%اة واألرف%ع لإلنس%انية، ومن ثم فإن%ه يع%ني بحقائق األشياء ويهتم بأعماق ذاته ويلحظ في األفعال النوايا ويتف£وق دائم%%ا على نفس%%ه، أم%%ا ال%%ذيد تقديرات%%ه، فيق%ع i عن عرفانه نائيا عن جوهره فإن روحه ت%%تراخى وتف%تر طبيعت%%ه وتتلب%%£ يعيش بعيداد على اله%%امش من األح%%داث وتنحص%%ر اهتمامات%%ه في القش%%ور على الط%%رف من الحي%%اة ويتجم%%£

والمظاهر.

:الحضارة الواعية

i أب%%دا خالص%%ة للت%%اريخ ووعي%%ا بالحاض%%ر وحرك%%ة إلى        د الس%%وي ه%%و ال%%ذي يك%%ون دائم%%ا الموح%%�£ل تراثه كله وبتشر£ب كل الحض%%ارات ثم ينبض الحاض%%ر المستقبل، والجامع التوحيدي هو الذي يتمث في كل علم وكل ثقافة وكل فن، ويسعى إلى تشكيل هذا الحاضر ليرفعه ويعلو ب%%ه ويس%%مو علي%%ه،

ويهدف إلى التأثير في المستقبل لما فيه خير اإلنسانية وما فيه وجه الله.

إن التوحيد العرفاني في كل الرساالت الس%ماوية ه%و المنهج اإللهي التق%دم أال تع%ود األنه%ار        إلى منابعه%%ا وال يرج%%ع الت%%اريخ إلى ال%%وراء وال يع%%ود ال%%زمن أدراج%%ه، ذل%%ك ألن الحاض%%ر يجيء من الماض%%%%%%ي ويس%%%%%%ير إلى المس%%%%%%تقبل، والي%%%%%%وم يول%%%%%%د من األمس ويص%%%%%%ب في الغ%%%%%%د

وهي تسير تحمل كل يوم، بل كل ثاني%%ة تغي%%يرا                                                       والحياةر يا وكيفيا في الروح اإلنساني والعقل البشري والتاريخ الحضاري. كل شيء في كل لحظة يتغي%%£ كم�ة، بحيث تص%%بح أي محاول%%ة في أبعاد شتى وفي نواح متعد�دة وفي فروع متشابكة وبمعادالت مركب%%£

¢ر أو الحيلولة دونه نوعا من االنتحار االجتماعي تأباه اإلنسانية ويلفظه التوحيد. لوقف التغي

فالمجتمع التوحيدي ال%%ذي يض%%م موح%%دي الرس%%االت الس%%ماوية ه%%و ال%%ذي ي%%درك أن الزم%%ان       ك الف%رد والتد¢م والتط¢ور هي نسيج المجتمعات وصميم اإلنسانية وطبيعة ال%روح، وان%ه م%ا لم يتح%ر£ والمجتمع مع الواقع فإن الواقع ينبذهما، كم%%ا تلفظهم%%ا الحي%%اة وال%%روح ويع%%ني إدراك ه%%ذا المع%%نى

i للحياة ووعيا مستمرا بالحضارة. i شديدا ¢حا يقظة كاملة للروح وتفت

إن في الحض%%ارة المعاص%%رة مزال%%ق وأخط%%اء، لكن عالجه%%ا ال يك%%ون ب%%اإلعراض عنه%%ا، وإنم%%ا       

Page 218: ابناء النور عبر العصور

�جاه إنساني شامل. £ن من تحويلها إلى ات بالدخول فيها بوعي يستطيع تمثلها وقدرة تتمك

وإعراض جماعة أو شعب عن الحضارة لن ينال منه%%ا ألنه%%ا ملء الع%%الم أجم%%ع م%%ؤثرة فيم ن        يقبلها وم ن يرفضها، لكن اإلعراض- بغير شك- يحرم الحضارة من بعض عناصر اإلصالح التي يمكن�ر مسارها وتبد�ل مصيرها، وم ن ينكر الشمس يغمض عينيه، فيعمى عن الحقيقة وال ينال من أن تغير في العص%%ر �ق روحه وال يغي%%� الشمس شيئا وكذلك، م ن يعرض عن عصره إنما يقوقع نفسه ويشرن

.i شيئا

موا إلى أعتاب الجالل%%ة فلم يقف%%وا عن%%دها، ب%%ل ع%%ادوا إلى        س�ل واألنبياء انهم س  إن عظمة الر�م�وهم يرفعونهم إلى أعلى المراتب اإلنسانية وأصدق المعارف الكونية. الناس يس�

لذلك فإن مجتمع الوحدة والتوحيد هو المجتمع الذي يدرك أبعاد الزمن ويفهم أعماق التاريخ ويرى آفاق الحياة ويعي أصول الحضارات ويقف على نبض الحاضر، ويدرس كل علم ويت%%ذ£وق ك%%ل فن ويعرف كل ثقافة، ثم يخلط ذل%ك بروح%ه ويمزج%ه بطابع%ه ويحيط%ه ب%رؤاه، فيمس%ك عن وعي

بمقود الحضارة وزمام المدنية ويوجه هذه وتلك إلى أغراض إنسانية شاملة والى أهداف كونية.

.(1993مقتبسات من: في المجتمع التوحيدي- راجع الضحى العدد الثاني عشر )

المالك يغمض عينيه

:النور الحياة المحبة

�ى الطرق إنما التفسير األصدق لله يتلخ£ص بعب%%ارات        ر الناس الله بمختلف المعاني وبشت يفس�ثالث وهي: النور والحياة والمحبة.

£ون وهو النور الذي به نبص%%ر ك%%ل ش%%يء ول%%واله        لقد كان السر وقد أمر الله بتكوين النور فتكا خلق%%ه �نا من إبصار كل ما يحيط بنا مم%%� لما كانت حاسة البصر ولغرق العالم في الديجور ولما تمكi هو النور، والنور والعقل واحد، ألن الشمس تمنحن%%ا الرؤي%%ة الله لنا في هذا الكون الفسيح، الله إذا والعقل هو تلك الشمس الساطعة بقوة الله، يمنحنا بد و¤ر�ه الرؤية والبصيرة، من خالل توس¢طه فيi كما تفعل العين لكنه%%ا £ن نحن من اإلبصار إنما ال يغيب عن بالنا أن العقل يبصر أيضا نقل النور نتمك

دون البصيرة مرتبة فالفهم عمل العقل.

الله هو الحياة والحي%اة هي الحرك%ة، وق%د يج%د البعض ص%عوبة اإليم%ان ب%أن تك%ون الص%خرة       i يضج¢ بالحياة، غير أنه%ا باعتباره%ا حي%%اة كامن%%ة س%%اكنة تطي%%ع مب%%ادئ الق%انون i حيا i كائنا الجامدة أيضا

الكوني وتسجلها.

باإلجمال نميل إلى التفكير بأن الحياة ليست غير هذه الحياة الواعية، هذا غ%%ير ص%%حيح، ألنن%%ا       £نت i ب%دائيا، فق%د بي إذا تمع£نا في القانون الكوني وجدنا أن النباتات كائنات حي%ة تمتل%ك ب%دورها وعي%ا

Page 219: ابناء النور عبر العصور

األبحاث أن النبتة تتجاوب مع المشاعر اإلنسانية، كما اكتشف البعض أن األش%%جار والنبات%%ات تمي%%لi من i ه%ائال نحو البشر عندما يغدقون عليه%ا محبتهم، كأنه%ا طف%ل يت%وق إلى أم%ه. لكن يتطلب ق%دراوى محبت%%ه المنبثق%ة عن%%ه نح%%و موج%ات £ه إذا ق%� المحبة المنبثقة وهو أمر ال يقدر عليه أي� كان. بيد أنر عبارة "اليد الخضراء" فأولئك الذين يحبون الطبيع%ة النبتة، فسيلقى اإلستجابة المرجوة، هذا يفس�

£نون من ح م¤لها على اإلستجابة لهم. يتمك

i من خالل امتداد ذاته في ث%%الوث حرك%%ة الن%%ور والحي%%اة والمحب%%ة، يجع%%ل من الحي%%اة        فالله إذاi له. ومن هذا المنطلق فإن ما نفعله لغيرنا إنما نتوج£ه من خالل%%ه إلى الخ%%الق ألنن%%ا i أو سبيال وسيطاi عن خ%%واطر الن%%اس الغ%%ارقين في بذلك نتوج£ه به نحو الحي%%اة وه%%ذه هي النقط%%ة ال%%تي تغيب غالب%%ا�زون طاقاتهم كله%%ا داخ%%ل الع%%الم المحي%%ط بأش%%كالهم المادي%%ة فيغيب أنانيتهم وفي فرديتهم، إذ يرك

ك. عنهم المشهد الكوني الشاسع المتحر�

وهناك أشخاص عالقون في عالمهم الشخصي ينتفضون فج%%أة ملتف%%تين إلى ظ%%واهر الع%%الم        عن الله ومتسائلين عن وجوده، ويشرعون ب%%نزع القش%%ور الخارجي فيغوصون في الطبيعة باحثين

دوا من اس%%تمرارية عن األشياء في محاوالتهم العثور على الله وكأنهم بذلك يفتح%%ون قل%%وبهم ليتأك%%£خفقانها.

ر        ينبغي أن يتحل�ى الناس باإليمان واإليمان واإلدراك والوعي ال%%ذي يخ%%و�لهم رؤي%%ة الل%%ه المعب%%�عن ذاته في كل مكان وعلينا أن نعامل الغير بالمثل.

ط فيه%ا الي%وم هي ميلن%ا إلى التقوق%ع ح%ول أنانيتن%ا، إن إحدى المش%اكل الك%برى ال%تي نتخب%£معلقين كامل األهمية على أنفسنا بغض النظر عن الغير.

الحياة ليست سوى وسيط بيننا وبين الخالق. هي الخيط الرفيع الذي يصله بمخلوقات%%ه وك%%لالمخلوق ترجع إليه.

�ون ك%%رههم على المخط�ئ وعلى م%%رتك�ب الموبق%%ات إنم%%ا م ن ينبغي        نرى الن%%اس الي%%وم يص%%ب كرهه هو الخطأ نفسه أكان خطأنا أو خطأ غيرنا. لذا علينا االبتعاد عنه وتل¢م محبة الله وعطائه فهي

تقودنا إلى محبته عبر وسيط المحبة.

ب الله منا وهي على أنواع: المحبة اإلنسانية، ومحبة الرجل لزوجت%%ه ومحب%%ة األخ        المحبة تقر� ألخته ومحبة اإلنسان لله، كما نجدها في تعاطف اإلنسان م%%ع األش%%ياء كمحبت%%ه للش%%جرة الش%%امخة في داره أو للوردة المبرع�مة في حديقتك، وم%%ا علين%%ا إدراك%%ه ه%%و أن لك%%ل محب%%ة مجاله%%ا الخ%%اص، فيقول البعض: "أؤمن بمحبة الله إنما ليس بمحبة اإلنسان" وما محبة اإلنسان إال جزء من المحب%%ة

اإللهية، محبة جزئية ألنها موج£هة نحو اإلنسان.

يعتقد الكثيرون أن بإمكانهم االكتفاء بمحبة الله فقط دون االلتف%%ات إلى األخ%%وان، لس%%بب ال       س%ها لخدم%ة يروق ألذواقهم وهذا خطأ مريع فم%تى س%محنا ألنفس%نا ب%الكره إنم%ا ن%ؤذي ذاتن%ا ونكر�£منا محبة األخوان نكون قد أسدينا ألنفس%%نا خدم%%ة جم%%ة فال يهم إن ك%%ان الكراهية والحقد فمتى تعل

Page 220: ابناء النور عبر العصور

غرض محبتك أن يبادلك المحبة ذاتها ما يهم هو منحك للمحبة والذبذبات المنبثقة عنك.

�ن%%وا من        £وا في أنح%%اء المعم%ورة فلن تتمك ليطلقوا العنان لغض%%بهم ق%در م%%ا يش%اؤون، ليتش%تت السيطرة عليهم إذ ال تملكون السيطرة إال على أنفسكم فقط، ووساطة الله ه%%ذه من خالل الن%%ور والحي%%اة والمحب%%ة ليس%%ت إال س%%يطرة ال%%ذات على نفس%%ها ال على الع%%الم، فم%%اذا تفعل%%ون عن%%دما تستشيطون؟ هل ستعترفون بالخط%%أ وتح%%اولون تص%%حيحه؟ لكن ال ي%%دفعكم ذل%%ك إال إلى االس%%تياء،�ب%%ون فاالستياء سيؤد�ي بكم إلى تكرار الخطأ نفسه فالسوء يكمن في الخطأ وليس فيكم ف%%أنتم طي

ألنكم على صورته ومثاله.

�ل للتعل¢م وتكمن المشكلة فيما يعتقده البعض أن تقد¢م%%ه في الس%%ن يجعل%%ه أك%%ثر        اإلنسان قابi ويربطون الحكمة والقيادة بعدد السنين إنما الحكمة هبة من عن%%د الل%%ه ون%%وره ومحبت%%ه ل%%ذلك علما

كها الدوافع البشرية. عليها أن تتواجد داخل نفوسنا وعظمة الله ال تحر�

ال تذهلوا إن أخبرتكم إن ما وهبكم الله إياه اآلن هو كل ما تملكونه اآلن فال يحزنكم النبأ ألن        ما وهبكم إياه يمثل قمة العطاء والكمال وه%%و ك%%امن فيكم فاش%%رعوا بإظه%%اره والتعب%%ير عن%%ه ألن%%ه

 فيكم.

لقد خلقكم الل%%ه على ص%%ورته ولطالم%%ا حملتم ب%%ذوره في ذواتكم ولن يس%%لبها أح%%د إنم%%ا م%%ا        فقدتموه هو موهبة الوعي واإلدراك الذي يتدف£ق في قلوبكم. وم%%ا أفق%دكم إياه%ا ه%و س%%وء أعم%ال بالطبع واغماسكم في األنانية الذي ما فتئ يبعدكم عن الحقيقة، وما الطريقة السترجاع واكتس%%اب

¢ر والعودة إلى الخلف أي إلى الذات الكامنة فيكم. ما فقدتموه إال في التذك

إن الله الن%%ور والحي%%اة والمحب%%ة موج%%ود في ك%%أس ذواتكم وكي%%انكم الجس%%دي والعقلي والروح%%انيوالعاطفي.

i وكيفية تشغيلها لكنكم        هل سبق لكم أن و�ض�عتم في مأزق أمام آلة تعلمون فك رموزها جيدا وقعتم في االرتباك والحيرة ألن حياة شخص¥ ما معل£قة على تشغيلكم له%ذه اآلل%ة؟ ق%د تك%%ون ه%ذه�ر £نون من قيادتها بسهولة واطمئنان ألنها ربم%%ا س%%تؤث i إنما ال تتمك اآللة سيارة أو طائرة تألفونها جيدا

في حياة شخص¥ آخر.

i إجازة قيادتكم على ال%%رغم من إدراككم أنكم لم        هل سبق لكم أن أوقفكم ضابط سير طالباتقترفوا أي خطأ في القيادة؟ أال تصابون بالهلع وتقعون فريسة الخوف والرهبة؟

فما هو الجواب عن ذلك؟ يتلخ£ص حل تلك الظروف على قدرتنا في تهدئ%%ة أج%%زاء كيانن%%ا المختل%%فد أجساد. ومعرفة وما يشتمل عليه وجودنا وإدراكنا أننا لسنا مجر£

الجسد ومكوناته الحاسوبية كالدماغ والجهاز العصبي وما إلى هنالك تحتل أهمي%%ة ك%%برى في       ق فيم%%ا بينه%%ا تحت قي%%ادة حياة اإلنسان ألنها أشبه بشبكة كبيرة توج�ه مختل%%ف ق%%وى الجس%%د وتنس%%�

العواطف وتوجيهاتها.

Page 221: ابناء النور عبر العصور

i بقوة في الت%%أثير على الجس%%د إنم%%ا العق%%ل ليس اإلنس%%ان        أجل العواطف والعقل يعمالن معاi أن العق%%ل ليس نحن لكنن%%ا نس%%تخدمه للتع%%ر¢ف واالس%%تفهام والتمي%%يز، فيش%%رح ونحن نعلم جي%%داi بإشراق الصباح وباستقرار حياته فيرت%%اح ل%%ذلك جس%%ده وي%%دب� في%%ه النش%%اط �يا بمخاطبة نفسه متغن وم�ن جهة أخرى قد يس%%تفيق الم%%رء نفس%%ه في ي%%وم آخ%%ر يتآكل%%ه الن%%دم والي%%أس فيش%%عر باإلحب%%اط ويكتنفه الخمول فكثيرة هي األمور التي تجول في خاطر اإلنسان كثيرة هي األفكار التي تمر على�رها وإن كنا نريد أن نجعل العقل يعم%%ل من خاللن%%ا كوس%%يط �ر في عواطفه وتغي سراديب عقله فتؤثi ألنه%%ا امت%%داد ل%%ذاتنا. إذا انغمس%%نا في أعظم ينبغي لنا الس%%يطرة على عواطفن%%ا وعلى أفكارن%%ا مع%%ا

£ط بها فستحول دون بلوغنا حقيقتنا اإللهية. عواطفنا وأفكارنا نتخب

       .i الله يحتاج إلينا كما نحتاج نحن إليه. لماذا يحتاج إلينا؟ البعض ال يصد�ق ذلك ألنه محدود ج%%داi يستطيع التعبير من خالله على األرض ولهذا و�ج�د األنبي%%اء والرس%%ل يحتاج الله إلينا ألننا نملك جسدا هو محتاج إلى أوتارهم الصوتية وإلى عقولهم. ليس بإمكان هؤالء الرسل فعل شيء من دونه وم%%ا

هم بدونه سوى أجساد واهنة لم تبلغ كمالها.

i لو كان الجميع كاملين كما كنا. هل كن%%ا ك%%املين؟ أج%%ل وأقوله%%ا بص%%يغة الماض%%ي        نتمنى غالباi وهذا مانسعى إليه اليوم. علينا أن نفهم ذلك وه%%و يتطل£ب بعض التفك%%ير لكننا سنستعيد كمالنا يوماق من i وتظه%ر لن%ا أجنح%ة نحل%� £د فينا قوة هائلة فنشعر أننا ما عدنا بش%را والتمع¢ن فمتى فهمناه تتول خاللها في دنيا الحقيقة ه%%ذه الق%%وة العظيم%%ة ال%%تي تح%%يي أجس%%ادنا وعقولن%%ا ليس%%ت غ%%ير الحقيق%%ة

i يؤد�يه في هذه الحياة. والحقيقة هي الله الذي يعطي لكل منا دورا

ول        قد يتساءل الكثيرون عن دور )الوسيط(. دوره يقتصر على التحوي%%ل أي أن%%ه يعم%%ل كمح%%� يشبه إلى حد ما المحو�ل الكهربائي الذي يعد�ل كمية الكهرباء فيق�ويها أو يخف�فها حسب الحاجة. هو جوهر العقل المقدس الذي يعمل على نق%%ل تي%%ارات المحب%%ة البس%%يطة من ذات اإلنس%%ان إلى ذات

الله.

قد يتساءل الكثيرون عن دور النفس الشريفة. ما هو دور النفس الشريفة؟

i فهي ال%%تي        £كم وأبادله بإيماني "هذه صفة األم أيض%%ا قال المالك ميخائيل مرة: "اعطوني شك تأخذ طفلها بيد ذراعيها فتؤاسي جروحه وتخف�ف من معاناته تحضنه وتغ%دق علي%ه الراح%ة والمحب%ة

فإذا به يتحو£ل فجأة من اليأس إلى الراحة واالسترخاء والطمأنينة.

ال أحد يقدر على إنجاز هذه المهمة سوى األم واألمر سيان بالنسبة إلى تحو¢لنا نحو ذات الله        فال أحد يقدر على هذا التحويل سوى جوهر العقل المق%%دس الك%%امن فين%%ا والنفس الش%%ريفة فه%%ذاi ومن العقل يحو�ل ذبذباتنا السلبية التي ننقلها إلي%%ه إلى ذب%%ذبات إيجابي%%ة ويجع%%ل من غض%%بنا ه%%دوءا

.i i وسالما i ومن موتنا حياة ومن ظالمنا نورا ارتباكنا ارتياحا

إن كرة الشمع البشرية الكبيرة تتحو£ل على يد العقل إلى إشراقات أن%%وار ترس%%خ في وعين%%ا       هذا دور الوسيط اإللهي: ترسيخ القانون اإللهي في وعينا وعقولنا.

الله هو القانون وقانون الله هو الحركة ال الجمود والوسيط وسيط حرك%%ة فالل%%ه ال يقب%%ع في       

Page 222: ابناء النور عبر العصور

i حينما نرفض نحن البشر الحركة. مكانه خامال

£ق%%وا ب%%أرواحهم نح%%و ال%%وعي أولئك األحيان الذين تزخر حياتهم بالحرك%%ة الدائم%%ة والحيوي%%ة حلاألعظم فيما قبع رفاقهم نائمين كسالى.

i مكاف%%أتي لكم معي". مع%%نى        ويقول السيد: "اتيكم كاللص في اللي%%ل بس%%رعة خاطف%%ة ح%%امالذلك أن بعض الناس ينجذبون مع النور والبعض اآلخر يتخل£فون عنه.

ال يمكننا إرغام أي� كان على القيام بعمل فالناس تق%%وم باألعم%%ال ال%%تي تري%%دها لكن ذل%%ك ال        يعني قيامها بأعمال هوجاء وطائشة فجميعنا خاضعون لقانون الكارما ف%%إذا ق%%ام الم%%رء بعم%%ل غ%%ير£ب ذلك في تعاسته وإذا قام بما هو صحيح وصائب فسينتج عن ذل%%ك فرح%%ه وغبطت%%ه صحيح سيتسب

i بل قد تتأخ£ر في الظهور أو ربما تظهر على الفور. التي لن تأتي فورا

ون فك%رة بس%يطة عن        يعيش المرء عشرات السنوات في بحر الخطيئة والجه%ل وم%ا إن يك%�i ب%%دافع ه%%ذه المحب%%ة، i أو س%%يدا  ص�به داعي%%ا الله يظن أنه سيغف�ر جهله ويغدق عليه محبته ورحمته وين غير أن األمر ليس على هذا النحو على اإلطالق فم%%ا الحي%%اة س%%وى ف%%ترة اختباري%%ة يعيش%%ها البش%%رعوا له في جميع لحظ%%ات �ة لكي يختاروا طريق النور أو الظلمة وعليهم أن يخدموا الله ويتضر£ بحري

حياتهم وفي جميع أعمالهم.

يعني الموت واإللهي يعني الحياة والله غني عن تجس%%يد  البشري يتحد�ى اإللهي ألن البشري       .,i الشر ألن الشر ليس من طبيعة ذاته كما أنه ال يريدنا أن نحيا ببس%%اطة ب%%ل يري%%دنا أن نعيش أب%%داكنا باإلرادة المصطنعة نبتعد عن الله والحقيقة لذا يجب وأننا في استقاللنا في ظروف حياتنا وتمس¢ أن نتعل£م مس%%ايرة عالمن%%ا باإلض%%افة إلى س%%عينا لتعل¢م ق%%انون الل%%ه وتطبيق%%ه ف%%ذلك س%%بيل الخالص

الوحيد.

علينا أن نفهم أن البشري يتحد�ى اإللهي لكن ذلك ال يعني على اإلطالق أن الله يحاربن%%ا فه%%و        ليس بصد�د شن حرب� علينا إنما طبيعة الحياة تجبرنا على التحدي وكل ما نقوم به في ه%%ذا الع%%الم من المهد إلى اللحد نتيجة الموت حتما. وكل ما يفعله الله من أجلنا منذ البداية حتى هذه الس%%اعة

هو جعلنا أكثر حياة غير أننا لسنا كاملي الحياة بعد.

£ن من اإليم%%ان بق%%درة        ألن الله هو الحياة وإذا آمنا بقدرة الل%%ه نص%%ل إلى الحي%%اة وإذا لم نتمكi لسنا أحياء بالكام%%ل والح%%وافز £ن من اإليمان بقدرة الله فنحن إذا الله نصل إلى الحياة وإذا لم نتمك اإللهية قوانين كونية عالمية ثابتة غير أن البحث عن المحبة يتطل£ب حوافز إنسانية. أما المحبة فلها�ب ف%يرى الم%رء £نة تقود إلى نتيجة. فصيغة المحبة هي في ما تمنح%%ه الحي%%اة من ثم%ر طي صيغة معي

نتيجة محبته في حياته.

د تعاطف غ ر ضي؟ هل الحب اهتمام أم انجذاب أم مجر£

التعريف األفضل للمحبة هو أن نعام�ل اآلخرين كما نود منهم أن يعاملونا فالمحب%%ة التن%%ثر من حولها سوى الخير والمزيد من المحبة وعلينا أن نفهم أننا كلم%%ا توجهن%%ا بمحبتن%%ا نح%%و الل%%ه والع%%الم

Page 223: ابناء النور عبر العصور

ر الش%مس �ظه%ر محبتن%ا كم%ا تظه%� والبشرية، ازدادت المحبة التي سنتلقاها، فم%ا علين%ا س%وى أن ننورها.

إن المطر يهطل على العادل وعلى غير العادل فإن أحببنا الناس أم ال دعونا نحبهم على حد�برع�م الحب في داخلنا وفي حياتنا ألنن%%ا لن نك%%ون خاض%%عين لهم سواء وما إن نتبع هذه الطريقة سي£ر بتصرفاتهم وبمعاملتهم لنا وال نتفاعل مع أعم%%الهم وس%%لوكياتهم وك%%ل م%%ا علين%%ا فعل%%ه ه%%و فال نتأث

القيام بكل ما هو مناسب لطبيعتنا الخاصة.

¢م بذلك وهذا يتطل£ب سيطرة قوية على الذات i وأن نتع£م كيفية التحك وعلينا أن نتفاعل جميعاi لذاتنا ولما نحن عليه. i بالغا i وتقديرا i كبيرا وجهدا

نعيش في عالم اليوم يفتح فاه للمسيح ويمد يده للشيطان. يك%ثر الح%ديث عن مملك%ة الل%هi بل أكثر م�ن ذلك يفعل%%ون م%%ا ه%%و لكن لكل شيء وقته وقت الفعل يتقاعسون عنه وال يؤد�ون شيئا

ممنوع عليهم.

هل يستطيع الناس غفران الخطايا؟

ع إلى الله طالبين منه أن يغفر لنا خطايان%%ا كم%%ا نغف%%ر نحن خطاي%%ا اآلخ%%رين إنم%%ا ه%%ذه نتضر£�ة هم الذين يفهمون كنهه%ا فم%ا تعني%%ه ه%ذه العب%%ارة هي أنن%%ا نطلب الغف%ران كم%ا د صيغة، وقل مجر£

نمنحه.

فإن لم نسامح م ن¤ أخطأ بحقنا فلن يسامحنا هؤالء الذين أخطأن%%ا بحقهم. بإمكانن%%ا مس%%امحة الخطيئة التي يرتكبها اآلخرون بحقنا ليس فقط ألنن%%ا نمل%%ك الق%%درة على الغف%%ران ب%%ل ألنن%%ا نطلبi وضخامة i أن هناك مشاكل كثيرة في عالقتنا بالله، مشاكل تفوقنا حجما الغفران لذاتنا. نشعر أحيانا بحيث نعجز عن حلها. هذا صحيح فكل ما يعجز عنه البشر هو مسألة سهلة عن%%د الل%%ه الق%%دير وهن%%ا

 يكمن دور الوسيط الذي يوض�ح عالقتنا به.

إن العقل موجود داخل كل منا وهذا العقل يشع بالنور والحياة والمحب%%ة ال%%تي هي ذات الل%%ه£ع بنور الله الكلي ووعيه.  ويتمت

وإن كنا نريد العثور على طريق العودة إلى الله فلنتذكر أن من يقترف أخطاء كث%%يرة يعطيi أن ك%%ل من تك%%ثر أخط%%اؤه i المحبة أكثر من ذلك الذي لم يقترفها غير أن ذلك ال يع%%ني حكم%%ا أحياناi في محبت%%ه. علين%%ا أن نتعلم االستس%%الم إلى العق%%ل والس%%عي لبل%%وغ مرتب%%ة اإلدراك يص%%بح عظيم%%ابنا من ذات الله، من الحقيقة لبلوغ هذا الهدف وال بد لنا من إرادة قوية وتص%%ميم النورانية التي تقر�

 شديد مع توق أكثر شد£ة.

ولكن احذروا نسبية الخير والشر:

د في قول السيد المسيح عندما انبرى له شاب ثري يسأله: إن محو معضلة الخير والشر و ر  "أيها السيد الخير"، أي خير عساي أصنع ألحظى بالحي%%اة األبدي%%ة؟" فأج%%اب الس%%يد المس%%يح )علي%%ه

Page 224: ابناء النور عبر العصور

�ر سوى واحد وهو الل%ه. ولكن إن كنت ت%رغب بالحي%اة األبدي%ة �ر؟ ال خي السالم( "لماذا تدعوني بالخي�باع الوصايا".  فعليك بات

i عرض%%ة� ر، كم%%ا ه%%و الخ%%ير دوم%%ا �ف نفس%%ه كش%%خص خي%%� �ص%%ن أبي المسيح )عليه الس%%الم( أن يق £ف. فق%%د آن للخ%%ير أن يحق%%� ن للتصنيف وعزا الخير كله إلى الله أي إلى ما ف%%وق المح%%دود والمص%% 

i من التحديد والتصنيف. را i متحر�  وجودا

¤ن إذ ال وجود للشر، فالش%%ر ع%%د م، ¤ن متناق�ض ي إذ إن معركة الخير والشر ليست معركة وجود ي يستمد طاقته من نقضه للوجود فإذا تحق�ق الوجود تالشي العدم.

ك نف%وس الن%اس وت%دفعهم لمكافأته%ا باس%م "الخ%ير" إن i ما تح%ر� الكبرياء وحب الذات غالباi بالمراكز وتتفاوت األهداف بتفاو�ت درجات العناد. �رة طمعا الم�ص¤ط نع، فيقومون بإنجاز األعمال الخي فبينما يقوم سالطين اللعبة بأعمال بطولي%ة عالمي%ة تتح%د�ى ش%ياطين نفوس%هم بغي%ة الوص%ول إلى عناوين الصحف أو دخول التاريخ، يقوم أخس بيادق الشر فيهم بأعم%ال باطني%ة غرض%ها االغتي%االت

الفكرية.

i إلى اليس%%ار �جاه الخير النس%%بي، وط%%ورا ق�اص ساعة الزمن تارةi إلى اليمين بات وبذلك يميل ر  باتجاه الشر النسبي، فما بالكم ي%ا أبن%اء الن%ور تت%أرجحون بين اإليج%ابي والس%لبي وتأخ%ذكم أوه%ام

 النسب وتتناسون أصلكم المطلق.

�سم�ى ب% "احتقار الذات"، فم%%ا أص%%عب �سم�ى ب% "الطغيان الخفي"، هذا ما ي هذا يا أحبائي ما يi منه على محاربة أبناء النور. i عن تقدير إال م ن¤ هم أجمل منه صورةi وأجرا أن يكون اإلنسان عاجزا

ما هو هذا ال%وعي الم%ؤل£ب ض%د ال%وعي اإلنس%اني ك% "الديناص%ور" على "الديناص%ور"، ال%ذيi؟؟ �هرق دماؤهما معا ترهقه معركة حياة أم موت، يدم�ر كال الطرفين اآلخر حتى ت

:سبيل الخالص

تحقيق االكتفاء الذاتي وتجاه�ل الع د م والتخل¢ص من ديوان التعام%%ل م%%ع ق%%وى )الخ%%ير والش%%رi فيما ينضم الح م ل إلى قطيع%%ه من النسبي( والسماح لها بأن تتأل£ب على بعضها لتمحو بعضها بعضا

i أنشودة الخلود. �وا سويا المؤمنين ليغن

لقد فقد ضعفاء النف%%وس قائ%%دهم، ف% "إبليس" زال من الوج%%ود م%%ذ تجل£ت )الحقيق%%ة( ألبن%%اءi، كما النمل األبيض  هم، فليدمر بعضهم بعضا ¢ت النور فلم يبق  لدى أبناء الظلمة ما يجمعهم سوى تشت

 يجتاح النمل األحمر، فليتغل£ب عليهم عنصرهم فقد أقسموا على القتال حتى النهاية.

i، وحدها الحقيق%%ة i: "الخير والشر البشريان ال يفوزان أبدا إذن فتعل£موا يا أبنائي أمثولتكم جيدا اإللهية تنجلي.

وفيما تستمر أالعيب السلطة بين األشرار في المراكز المرموقة ويتسابقون لنيل المناص%%ب

Page 225: ابناء النور عبر العصور

والمكاسب، وتشييد اإلمبراطوريات المالية على أكتاف الشعوب المعذ£بة يقف أبناء النور ص%%امدينيتلق�ون النور من مصدره.

وبينما يرى التنين أن من واجبه أن يسل�ح وحوشه المترص�دين ألبناء النور، يشرب أبناء الن%%ورمن )كأس قربان الحمل( خمرة النجاة تاركين الخبز ألصحابه.

أناشدكم يا أبناء النور أال تدعوا روح اإلرهاب والفوضى، التي تعيث بالعالم فس%%ادا في أيامن%%ا هذه، تمر أمام أعينكم مرور الكرام من غير أن تسبروا غ%%ور معانيه%%ا وأه%%دافها، فم%%ا هي إال الثقب

الذي يسعى أصحاب النفوس المظلمة إلى توسيع هو£ته بين أبناء النور ومصدرهم.

إذ يول%د طف%ل في ص%ميم ك%ل منكم، وينض%ج رافع%ا مع%ه ال%روح إلى طبق%ة ال%وعي ال%ذاتي المطلق، تروا البذار والحصاد في استمرار، بذار الشر بش%%خص أع%%داء المس%%يح ال%%دجالين، ينفث%%ون بسمومهم في الطفل قبيل بلوغه مرحلة النضج التي فيها يدر�ك المعنى الخفي، ويعي حقيقة النور

والديجور.

£طون بنعمة صفاء إن أبناء النور في هذا الكون تمألهم ثقة غالبا ما يولونها وال يبصرون، ويتخب القلوب، ويدفعونها ألولئك الذين لم يع%انوا يوم%ا من فق%دان اتص%الهم ب%النور، كم%ا ع%انيتم أنتم في

الليلة الظلماء الكبرى، ليلة احتجاب الشمس والقمر والنجوم، ليلة ال ينفع فيها شمع وال كبريت.

وم�ن أعلى سفوح جبال العالم وتالله، تبادرنا رؤية تلك الحشود موجة متصاع�دة من الجيوش الوهمية تتأل£ب في وجهكم عند الفجر وفي ساعة النهوض، فبادروا في طريقكم إلى مسرح الحياة،

 بادروا إلى معركة الوجود.

�د بأعم%%ال تل%%ك األرواح الط%%اهرة، ال%%تي خو£لته%%ا  وما نحن هنا اليوم إال لتمهيد الطريق ولنش%%ي قلوبها الصافية النقية، إدراك عظمة الحماية اإللهية التي تؤم�نها الكلمة- كلمة الله عز وج%%ل- ال%%ذي

 زو£د بها حماة الحق أبناء النور.

ه بكالمي ألولئ%%ك ال%%ذي ي%%دركون ض%%رورة ال%%دفاع عن الحقيق%%ة في زمن الخطيئ%%ة إنني أتوج%£ القصوى، زمن انتهاك الحريات، فيا عجبي من أبناء ظلمة يدافعون عن حق�هم في البحث عن الن%%ور

 في عتمة الديجور وأبناء نور يتخل�ون عن حق�هم في االبتعاد عن الظلمة في ساعة البزوغ.

وإذ بنا نرى حاملي الحق في عصرنا هذا عرضة للسخرية والمهانة ون%%رى أع%%داء الح%%ق وق%%د�عطي الخلق الخيار ما بين الن%%ور  بوا من أهل الحق األمانة، كانوا حاضرين ساعة الحكم، ساعة أ ل س 

 والظلمة وصاحوا "أعطونا الظلمة".

i بل بلغ فيكم( فال تخس%%روه من أج%%ل أناشدكم أال تتوانواعن محبة "الطفل" )فلم يع�د صغيرا الكذب والرياء وموجة الضد وال تغ%%ذ�وه من ب%%ذار الخ%%وف والش%%ك واالرتخ%%اء ال%%تي زرعه%%ا أص%%حاب

النفوس المظلمة، لضمان سيطرتهم على الشعوب واألمم والمؤسسات.

Page 226: ابناء النور عبر العصور

ما هي إستراتيجية ضعفاء النفوس؟

تفريق أبناء النور والسيطرة عليهم من خالل المواجهات الشخصية زإبعاد الش%%عب وتفريق%%ه عن الحق وتوجيهه نحو الباطل والتصد�ي السياسي والمنافس%%ة االقتص%%ادية، باإلض%%افة إلى الت%%دخ�ل في شؤون اإليمان واألخالقيات، ومن ثم تولي%%د الع%%داءات في العق%%ول، وزرع القل%%ق وقت%%ل ال%%وعيب المجن%ون، والعن%ف، والتش%د¢د ال%ديني واإلدراك في دوامة الحياة العصرية الجارفة، وخ ل¤ق التعص%%¢

 للسيطرة على العالم وق ل¤ب الموازين.

د ط إبليس، ال%%ذي تم%%ر£ أما نحن خد�ام الحق فنعي كل الوعي ص%%وت ن%%اقوس الخط%%ر ومخط%%£i ق%%رب زمن اليقظ%%ة من الس%%بات، على الرب، وس%%يطر على أبنائ%%ه في أح%%رج األوق%%ات مستش%%ع�را

 وانتهاء مدة الساعات، وحلول زمن المعجزات

إن النفوس الساقطة قد ظهرت مرارا وتكرارا على مر العصور، وآن ألبناء النور أن يفهم%%واجين، لق%%د س%%قطت مع%%اني الظه%%ور. ليس الظه%%ور بمس%%رح لهم يق�ف%%ون أمام%%ه منتظ%%رين ومتف%%ر�دة، وهي إن لم تجرؤ على الوقوف إزاء الرب، فق%د ش%%رعت في إخم%اد الن%%ور في تالنفوس المتمر£

قلوب أبنائه. وآن ألبناء النور أن يعوا طبيعة ذاتهم.

روا قلوبكم من عبء الكارم%%ا. باسم الله أناشدكم أن تطه�روا نفوسكم من الظلمة، وان تحر� أناش%%دكم أن تتخل£ص%%وا من ذاك%%رة الجس%%د، وأن توج�ه%%وا اهتم%%امكم نح%%و الحقيق%%ة، حقيق%%ة الكلم%%ة

المتجس�دة في ذواتكم.

أناشدكم يا أبناء النور أال تصبروا على الباطل حتى تضجروا من الحق.

ة i في سلوك الجس%%د وطموح%%ه الك%%اذب. فأهداف%%ه مبني%%£ أناشدكم يا أبناء النور أن تتأم£لوا ملياوقكم الم�س%%بق £س%%م بالمج%%د ل%%وال ت%%  دائما على الوهم، وحنينه إلى ذكريات م%%اض مجي%%د، لم يكن ليت لمجد تنع£متم به مع الحبيب في جنات المعرفة األزلية قب%%ل دورة عجل%%ة الزم%%ان والمك%%ان. فوع%%ودi، ومن الجسد دائما قائمة على مستقبل مجه%ول يس%تبعد الوج%ود ويستنس%خ من ألم الحاض%ر آالم%ا خوف اللحظة مخ%%او�ف فليح%%ذر الجمي%%ع، ح%تى المس%ؤولين منكم من طم%وح الجس%د. ف%أنتم منهم

بمثابة الروح من الجسد.

نسبية الخير والشر:

يتكل£م أبناء الظلمة عن نسبية الخ%%ير والش%%ر، وعن الديمقراطي%%ة في ع%%الم األجس%%اد، إليه%%امi لمق%%اييس الطين. ف%%أين ذهبت مق%%اييس ال%%روح؟ ف%%نرى أبناء النور بتساويهم مع أبناء الظلمة وفق%%ا اليوم أبناء النور وأبناء الظلمة قد اختلطت أرواحهم ك%العجين. ف%أين ك%ان الف%رق إذا بين تض%حيات هابيل وذبائح وهدايا قابيل؟ جهود كانت متساوية في لغة الجسد ولكن بعضها ب%%دافع الحب وبعض%%ها

بدافع الكبرياء والحسد.

أناشدكم يا أبناء النور أن تعوا طبيعة ذاتكم. فذواتكم هي ذات واحدة. إن النفس ال%%تي تأخ%%ذعة أب%%واب الوج%%ود على من العقل الكلي مرتعا، هي التي تتأم£ل ليال نهارا قانون الواحد األحد مش%%ر�

Page 227: ابناء النور عبر العصور

�ر عن بساطة الهندس%%ة الحقيقة الكونية. فذاكرة الجسد ذات طبيعة ازدواجية تتقل£ب في دورات تعب اإللهية. أما سبيل ذواتكم يا أبنائي فهو مسلك ال%%ذات الوحداني%%ة. فق%%د تح%%د£ى وعيكم قي%%ود الزم%%ان

 والمكان عندما تجلى له البرهان وانفتحت لكم سماء القدرة وأبصرتم في ما وراء الجدران

لكم مبدأ الوجود هذا يا أحبائي يحم%ل ب%ذور ش%فائكم من اإلحس%اس بالفرق%ة بع%د أن ص%فا£لوا أسرار الوجود لتتحو£ل الحياة على األرض إلى جنة سماوية. فما م�ن أحد يقدر على الزمان، فتقب

 ردع إنسان يطمح إلى أن يذوي في األلوهية

�قوا مع النس%%ور إلى أع%%الي الجب%%ال،        £قوا بأجنحة الفجر، وان تحل أناشدكم يا أبناء النور أن تتعل لتتحق£قوا من قوى أولئك الذي قد�موا أنفسكم شركاء في الخلق على مائدة الكم%%ال. ال يمكنكم أن تكونوا أبن%اء الظلم%ة والن%ور في آن مع%ا، وال حاج%ة لكم ب%أن تخم%دوا طم%وح أرواحكم في مق%برةروا  ت%%ه إال لل%%ذين خ�ي%%¦ ك  ر  ب من الله، فاعلموا أن الله ال يمنح محبت%%ه وي الجسد. فإن كنتم تنوون التقر¢

فاختاروا.

:العقل الكلي

�ص%%ال بمص%%در الحري%%ة        ي%%ا أبن%%اء الن%%ور ليس بمق%دوركم المحافظ%ة على ح%ريتكم من دون االت"الرب" عبر الوسيط "العقل".

م ت ت%%نين        ز   ت¤ بعد نجاتها من المعركة القديمة بين النور والديجور حيث ه%%  �ع�ث إن أرواحكم قد ب الوثنية الذي كان يحمل في داخله نواة الموت والهالك، فأدركتم أن الوح%%وش الم%%ذكورة في س%%فر )الرؤيا( للقديس "يوحن%%ا"، إنم%%ا ترم%%ز إلى دواف%%ع أف%%راد¥ اخت%%اروا بملء إرادتهم وبكام%%ل وعيهم أن

i منهم لقرب الوقت. يضللوا أبناء النور ويحج�بوا عنهم الحقيقة استشعارا

i للمركب%%ات األم، أم%%ا الس%%حرة        عظيمة كانت قوى األقدمين، فمركباتها الفضائية كانت امتداداوالشياطين فيصنعون من أنفسهم قوات تهدف إلى تدمير نفوس حاملي شعلة النور.

إن حرب النجوم ليست بخيال علمي بل هي ذكريات لعوالم سابقات- ذكريات عصور م ض ت       �ن%ا ه%ذه. أم%ا المع%ارك ال%تي ت ت فيها تط¢ورات النور واليجور عبر المنظوم%ة الشمس%ية في مجر£ �ر  �ث ن

� معرك%%ة £ها )إبليس( ضد مجموعات المالك "ميخائيل" )سيف الرب(، فم%%ا ك%%انت إال من مع%%ارك شن)وادي اآللهة(,

وه%%ا هي األرض تش%%ه د¤ لعظيم أعم%%الهم البطولي%%ة في مواجه%%ة انفس%%هم فيه%%ا الس%%حرة بين       عون في فتوحاتهم الكونية. بعضهم البعض وحاربوا أنفسهم تاركين أبناء النور يتوس£

إن وحشية أبناء الظلمة متأتية من أسيادهم ذوي النف%%وس الس%%اقطة- ه%%ؤالء من يس%%يطرون       ل في على طاولة الش%%طرنج العالمي%%ة، فس%%لطانهم يط%%ال ك%%ل األجه%%زة الحكومي%%ة وبي%%ادقهم تتوغ%%£ر من قيود الزمان والمكان كم%%ا يس%%لب الجس%%د ح%%ق أراضي أبناء النور، يسلبونهم حقهم في التحر¢

الروح من مغادرته وهو يلفظ أنفاسه األخيرة.

Page 228: ابناء النور عبر العصور

وأبن%اء الص%ين في البالد األم وعلى جزي%رة الن%ور يتح%د£رون من حض%ارة عريق%ة، فهم حمل%ة       س�ل المسيح )عليه السالم( لتترس£ خ في جذور أراضيكم العميقة. جداول الحكمة التي أمالكها ر�

سل أنها رسالة "الطفل" الك%%امن في قل%%وبكم وال%%ذات اللطيف%%ة في        لقد عرفتم من قبل الر� ذواتكم فاجعلوا من "الوعي" مخل�صكم لتتجل�ى ألنفسكم الحقيقة المطلقة فتشهدوا من خاللها عيد

انتصار الحرية العالمية.

�ل%%ون في الش%%رق        ويبقى المش%%هد األخ%%ير من مش%%اهد معرك%%ة الوج%%ود قي%%د التحض%%ير والممثi إلرادته. �ع�د�ون أنسهم للعب أدوارهم. أدوار ق�د مها ق�د م التكوين كل� وفقا والغرب ي

لكن المأساة الك%برى ألولئ%ك ال%ذين يص%طف�ون في ط%ابور النف%وس الس%اقطة، يفعل%ون م%ا       i منهم بأنهم يخدمون الله وهم يخدمون بيادق النفوس الضد�ية. يفعلون اعتقادا

آن ألبناء النور أن يؤلفوا وحدة منيعة قوية، وما اتحادهم سوى برهان� على اتص%%الهم ب%%الرب،       فاتهم الحياتي%%ة. ففي حين يعتق%%د �صال آن لهم أن يحق�قوه بتوج¢ههم نح%%و الحري%%ة في أبس%%ط تص%%ر¢ ات قادة العالم انهم يمسكون بزمام األمور بأعمالهم الديبلوماسية، يشق سيف الحق القاطع الطري%%ق

لشجرة الحياة أمام أبناء النور األحرار.

وكما تحط�م صخور البحر األمواج العاتب%%ة، ك%%ذلك تحط�م ص%%خرة "الطف%%ل" الك%%امن في وعي        أبناء النور تيارات الحش%%ود الكوني%%ة. فهي ص%%خرة جب%%ل الحقيق%%ة. لق%%د أوتي لن%%ا أن نحم%%ل ج%%وهرةوع الفرس%%ان النبالء والس%يدات الن%%بيالت الشعاع السابع في العصر الس%ابع، ش%%عاع الحري%%ة، فليتط%£�لي مح%%اكم الجن%%ة ووزرائه%%ا، ولتكن أوراق اعتق%%ادهم من ص%%نع ن%%ورهم بجواهر قلوبهم ليكون%%وا م�م ث

وتقواهم.. "كونوا م�ن القوامين بها وال تكونوا م�م�ن تقوم عليهم.