الإيمان أوّل المدارس العليا للتقوى

óà‡Õà )اإليمان(ل المدارس العليا للتقوى أو

٢

الكبيرفضيلة العالمة اإلنساني

�� قدس اهللا سره

��א��א س�א� ��م�� ن�א��م� �א �د �

F١E� �

دارس العليا للتقوى أول امل

جمعه وحققه المربي األستاذ� ��

يخ حممد الديراينابن حمدث دمشق األكرب املرحوم الش

www.amin-sheikho.com

[email protected]


٣

الفهرس

٤ ..........................................................................................مقدمة

أول المدارس ) شهادة أن ال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا(اإليمان .................................................................................العليا للتقوى

٩

٣١ ..............................................................كيفية الوصول إلى اإليمان

٣٤ ............................................................ثمرة اإليمان اليقيني وطريقها

٤٢ ..................................ا بالفضائلالطريق الوحيد لتطهير النفس وتحليته

٤٦ ................................................................باإليمان يتم تأويل القرآن


٤

ijk

�

�א�)#'#�ن��#'#�ل�א�$%�$#" �

ال شك وال ريب أن اإلنسان أول ما خيرج إىل هذا الكون من بطن أمه ال شيئا، وقد جعل له تعاىل السمع والبصر والفؤاد، فإذا ما كرب وبدأ يدرك يعلم

ما حوله وأخذ يتعرف إىل األشياء فيتفحصها ويقلبها ويسرب مدى مقاومتها ومدى قوته يف التغلب عليها وجعل يصدمها بعضها ببعض ليتعرف إىل

أ مييز فيتطلع إىل السماء أصواا وتأثرياا ببعضها بعضا، مث ينمو إدراكه ويبدوما فيها من مشس وقمر وجنوم متأللئة، وينظر إىل األرض وما عليها من حبار

ومن أين تأيت . وأار وجبال وإنسان وحيوان فيتساءل ملاذا تلمع النجوم؟وقد يصل به األمر فيسأل عن اهللا . وأين تذهب الشمس يف املساء؟. الغيوم؟

وقد يذهب بالبعض احلال ألن يسأل !. حقا أين اهللا. تعاىل فيقول أين اهللا؟هل له عينان فريى، وهل له آذان فيسمع، أم هل له يد فيبطش، أم هل له

هل له جسم، أم ال؛ فهل يأكل أو يشرب، هل !. رجالن فيمشي عليهماحقا هل يشهد . ما هو اهللا، ما ماهيته، فهل شاهده أحد؟. أين هو؟.. يرى

.رآه؟ من.. ويرى


٥

ية، وأين هو حقا هل ليس السؤال عن اآلثار، بل عن ذات اهللا، ما الذات اإل !.موجود؟

!.أجيبونا بعلم أيها املؤمنون "..ويليام شكسبري"هكذا قال الشاعر اإلنكليزي الكبري

إذا مل تكن له عينان ويدان : قوله لهكانت تساؤالته تدور حول ماهية اإلحنن نريد أن نعيش . أحد وال يرى، فهل هو وهم ورجالن وال يسمع صوته

باحملسوس امللموس ال باألوهام، هل ننكر احملسوس امللموس والواقع لنعيش .هل نعبد ما ال نرى وال نسمع. عندها هجر الدين.. بتصورات وختيالت

اإلميان احلق .. اإلميان شهود وحقيقة، ودين اإلسالم دين حقائق: اإلميانعلم نفسي وشهود يقيين تشهده النفس يف ذاا وتعقل الوجود الشهودي

ي يف سرها فإذا هو حقيقة يقينية مستقرة فيها ختالطها ومتازجها وال هل اإل .تنفك أبدا عنها

ئاإلميان حقيقة نفسية معنوية تبدأ شهودا بالعني آليات صنع وعظمة منشألنوار لهل بعدها نفس طالب اإلاألكوان وحميي الكائنات احلية ومميتها، تص

ائنات العظيم وتشاهد مجاله الساري على الوجود والورود واألزهار والك لهاإلفكل روعة وفتنة .. الفاتنات واليت هي أثر بسيط من جالل مجاله تعاىل

وتشاهد عظمته ووسعته تعاىل من . انعكاس من إمدادات مجاله الصاعقخالل عظمة اجلبال الشاهقات املستعليات الراسخات ووسعة صنعه بالبحار

.والسموات


٦

ث يف قرارة نفوسنا ويتولد يف اإلميان الصحيح ال يأتينا من غرينا، بل إمنا ينبعاإلميان حقيقة معنوية تسري يف نفوس طاليب احلق تعاىل واحلقيقة . قلوبنا

تسري سريان الكهرباء يف األسالك واملاء يف األغصان .. اردة والدين احلقواحلياة يف األجساد، يشرق يف النفوس فتشع فيها نور املعرفة وعلم اليقني

ية السامية املنعكسة على األجساد فال شقاء بعدها وال نكد، ال واحلياة العلو ال ذلة وال مسكنة، ال خشية يف احلق للومة الئم، فكل ما .. خوف وال جنب

على الرتاب تراب، ال شهوة منحطة هلا أدىن تأثري على قلب مؤمن إميانا سنة واملعامالت ذاتيا، بل مسو وعلو، تدل على هذا اإلميان احلق الصفات احل

الطيبة املمزوجة باإلنسانية احلقيقية النزيهة اردة عن الغايات املنحطة وعن املصاحل الذاتية واملنافع الدنيوية، كما تدل عليه األخالق الكرمية واألعمال الصاحلة اليت ترفع شأن املؤمن عند ربه وعند الناس، ويشعر به املؤمن يف

به وترتاح به نفسه وتنقشع أمامه الشكوك والشبه صميمه فيطمئن به قل .وتنمحي به الظلمات عن القلب فريى

، والقلب "العني ترى مجال الدنيا ومجال املراه.. "العني ترى والقلب يرىاخلاشع من ذكرى املوت املشاهد لربه من آيات صنعه الكونية يرى جالل

مجاال وجالال من حضرة اهللا مجال اهللا ويستقي بقلبه.. عظمة اهللا.. اهللاتتضاءل جتاهه عظمة ومجال وجالل الكائنات املادية بأسرها، فمن شهد اخلالق صغر املخلوق يف عينه؛ فارجع البصر باآليات كرتني يا موقن بلقاء

.ربك ينقلب إليك البصر ومشاهداته وهي خاسئة والبصر حسري


٧

أشهد أن ال : ال بعني البصر، واإلميان شهوداملشاهدة احلقيقية بعني البصرية إال اهللا، فمن خافت نفسه على مستقبله وحسب حساب االنتقال إله

هل توصلت إىل هذا اإلميان الصحيح، : ومواراة جسده بالقرب ليسأل نفسهوهل هي سلكت وتابعت خطواته ومراحله واحدة إثر أخرى من النظر

وبالسماء وآياا، مث بالغيوم والرياح واألار اجلدي باملوت وما بعده،فإن فعلت وصلت وإال فاستمع إلرشاد أهل االتصال والوصول ... واجلبال

.باألصول يرشدوكاإلميان ليس جمرد كالم نقله املرء عن اآلباء واملعلمني واتمع نقال، بل هو

يشاهده : ه فيعقله عقال، أيشهود ذايت وعقل، وما نقله املرء نقال ومل يشاهد

%� �$#"! {بقلبه، �$' �$(#)#*� ��, #-./�$' ��!(.�#01 #2� , �%($�4 !5�$�#�6� .7��, .وسيدخل بإذن اهللا: )١(}..�;:9�$! 8 ,(��/2

والفرق شاسع والبون .. إال اهللا إميان إلهفالنقل واإلقرار إسالم والشهود بال

<#�! ..{واهللا تعاىل يدافع عن الذين آمنوا . يمعظ �$(#�)$� ��$A $9�B$'$�(.�#0C�{)فإن رمت السمو اإلنساين والعلو األبدي فعليك بسلوك .. )٢

طريق اإلميان الذايت تربت يداك، إذ اإلميان أساس كل خري وال عمل عال .وصاحل إال باإلميان

). ٤٧(اآلية : سورة الروم )٢( ).١٤(اآلية : سورة احلجرات )١(


٨

دون اإلميان سدى فتخسر بالشيخوخة وبعد فحذار أن تضيع عمرك بوكفى باإلنسان مسوا أن يؤمن، إذ اإلميان كمال . االنتقال لعوامل احلقائق غدا

.اإلنسانية

ƒ^j‰ù]<êe†¹]<Üè‚Ïi< <

� ��

a@ßí�Š@�a‡á«@çcì@!a@ýg@êÜg@ý@çc@ò†bé’@çbºfia! )اإليمان(أول المدارس العليا للتقوى

٩

�א��ن � )إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا هإلشهادة أن ال (

أول المدارس العليا للتقوى

خيرج اإلنسان أول ما خيرج إىل هذا الكون من بطن أمه ال يعلم شيئا، وقد جعل له اهللا تعاىل السمع والبصر والفؤاد، فإذا ما كرب وبدأ يدرك ما حوله

األشياء فيتفحصها ويقلبها ويسرب مدى مقاومتها ومدى جعل يتعرف إىلقوته يف التغلب عليها وجعل يصدمها بعضها ببعض ليتعرف إىل أصواا وتأثرياا ببعضها بعضا، مث ينمو إدراكه ويبدأ مييز فيتطلع إىل السماء وما

ن حبار فيها من مشس وقمر وجنوم متأللئة وينظر إىل األرض وما عليها مومن أين جتيء . وأار وجبال وإنسان وحيوان فيتساءل ملاذا تلمع النجوم؟

وقد يصل به األمر فيسأل عن اهللا . وأين تذهب الشمس يف املساء؟. الغيوم؟إىل غري ذلك من األسئلة اليت يريد أن يتعرف منها … أين اهللا: تعاىل فيقول

ترى من الذي . دع ما فيهإىل هذا الكون، ال بل إىل موجد هذا الكون ومبال ريب أن هناك . يلقن هذه األسئلة للطفل، أم من الذي يوجهها إليه؟

صوتا خفيا ينبض يف قرارة نفسه بني احلني واحلني، إنه صوت امللك، يرسله اهللا تعاىل إىل هذا الصغري يناديه يف سره لتحيل النفس هذه املشاكل اجلديدة،

لى الفكر، ذلك اجلهاز الذي أودعه اهللا تعاىل يف وتطرح هذه األسئلة عاإلنسان، لتصل النفس بواسطته إىل معرفة احلقائق، وتتعرف إىل كل ما حييط


١٠

ا فتدركه وتعقله وهنالك تطمئن مبا وصلت إليه عن طريقه من علم وترتاح ومبثل هذه األسئلة اليت يلقيها امللك يف نفس ذلك الطفل تبدأ دواليب . إليه

هذا اجلهاز بالعمل وتأخذ خالياه بالنمو وأجزاؤه بالتكامل يوما إثر يوم وعاما بعد عام، وما يزال كذلك آخذا بالنمو حىت يصل هذا الطفل إىل سن الرشد حيث النضج وحيث القدرة التامة على الوصول إىل احلقيقة ومعرفة

.اخلالق املبدع والرب املمده السن إىل تركيب جسمه البديع، وصورته فإذا نظر اإلنسان وقد بلغ هذ

البالغة يف الكمال أعظم حد من الدقة والتنظيم، ودقق يف كل عضو من أعضائه وما قامت عليه أجهزة جسمه من نظام، وفكر فيما بينها من ترابط، وما هي فيه من حركة دائمة وعمل وظيفي وأا تعمل كلها متضافرة متعاونة

فر هلذا اجلسم البقاء ودوام الوجود والنماء، وإن شئت فقل بنظام متسق لتو إذا نظر هذا اإلنسان إىل جسمه : أقول. هلذا العامل الذي هو وحدة يف ذاته

هذه النظرات، وفكر هذا التفكري، مث رجع إىل أصله يوم كان نطفة من مين ذه الشخصية ميىن يوم أودع يف رحم أمه فما كان شيئا مذكورا، ما كانت له ه

إذا نظر . وال هذه املكانة واملرتبة، وال هذا اجلسم املنظم، وال ذلك الرتتيبنظرة إىل احلاضر العتيد، ونظرة إىل املاضي، ومجع : اإلنسان هاتني النظرتني

بني هذين احلالني باملقارنة والتساؤل واحملاكمة فال ريب أن تفكريه يهديه ك يدا قديرة كونته إنسانا سويا، وخلقته هذا وسرعان ما يهديه إىل أن هنال

وما تزال هذه النفس متعن يف . اخللق البديع وأشرفت وما تزال مشرفة عليه


١١

التفكري ذه النقطة وجتول يف هذا اال شوطا بعد شوط حىت تتحقق ذه . يلاحلقيقة ويغدو ذلك لديها أمرا بديهيا ال حيتاج إىل مناقشة أو برهان أو دل

وهكذا فأصل اإلنسان وخروجه إىل الدنيا قضية ذات شأن تستدعي التأمل .وتستثري التفكري

وكذلك وكما اخلروج إىل الدنيا قضية ذات شأن، فاخلروج منها قضية أبلغ فبينما حنن مع من حنب وبينما هو يعمل ويكد .. شأنا وأعمق يف النفس أثرا

جساما ونعد ملستقبلنا عدة وحنلم وفيما حنن نأمل يف حياتنا معه آماال أحالما ذهبية إذ به كاملصباح ب عليه عاصفة من ريح فتطفئ شعلته

فأين املصباح وأين .. وختمد حركته وتدعه جثة هامدة وجسدا خامدا لقد . واحلديث واآلمال وأين البنات والبنني واألطفال.. وأين احلركة.. الضياء

وهنا . ركة وهدأت العاصفة ومات هذا اإلنسانانطفأت الشعلة ومخدت احلومبشاهدة النفس هذا املشهد من غريها تدور دواليب هذا الفكر دورانا من نوع آخر وهو وإن كان يغاير دوراا األول وخيتلف عنه من حيث اال والكيفية غري أنه يتفق معه يف النتيجة والغاية كل االتفاق فتعلم هذه النفس

د اليت أنشأا وأبدعتها وأخرجتها إىل هذا الوجود ووهبتها احلياة أن تلك اليال بد هلا يف يوم من األيام مهما طال ا األمد وامتد الزمان من أن تسرتد وديعتها وتأخذ أمانتها ومهما طمعت بالبقاء وحاولت البقاء فال بقاء فاملدة

ح حزنا ومع احلياة موتا مؤقتة والعارية مسرتدة وأن مع القوة ضعفا ومع الفر


١٢

�� {: قال تعاىل. حمتما وإذا حل املوت وأحاط فال فوت وال مناص �� ! ��"#$ {)١(.

} &�'()� �*+( , �� -��( ، ��"�/�0 1�2 03�4 �567�� ، �8�3�� "9 �� "��:7 � �5��0��"��;�< - �� {)١(.

ومبثل هذا احلال ختاف النفس وترهب وتلتجئ إىل الفكر تطلب إليه التعرف على تلك اليد اليت أنشأا وبرأا، واليت ألقتها يف هذا الوجود وأخرجتها،

وهنا يتسع جمال التفكري . واليت إذا هي شاءت اسرتدت وديعتها وتوفتهااإلنسان حدود ذاته ويبدأ يفكر فيما حوله من آيات هذا الكون ويتجاوز

من مشس وقمر وجنوم وجبال وأار وحبار وحيوان ونبات وليل وار وفصول .أربعة ورياح وسحب ورعود وبروق وأمطار

ينظر اإلنسان يف هذا الكون العظيم نظرات عميقات فريى أن كل ما يف وفق قانون شامل . ل وفق نظام وقانونالكون يعمل ويسري لكنه إمنا يعم

ه قوة وإرادة واحدة ونظام عام والكون كله إمنا هو وحدة تسيطر عليه وتسريينظر اإلنسان يف هذا الكون هذه النظرة . ضمن علم وحكمة وقدرة ورمحة

ويرجع إىل نفسه فيجد أنه جزء صغري يف هذا الكون وأنه مشمول أيضا ذا العظيمة الساحبة يف هذا اخلضم الواسع الالمتناهي النظام، فهذه األرض

). ٥١(اآلية : سورة سبأ )١( ). ٨٥-٨٣(اآلية : سورة الواقعة )١(


١٣

مرتبطة بالشمس والقمر والنجوم، وما هذه األجرام كلها وما هذه املوجودات مجيعها إال خاضعات لتلك اإلرادة العليا والقوة الالمتناهية اليت تشرف عليها

ها كلها مجيعها وتسري. مبشاهدة أن : إن شئت فقلوبالوصول إىل هذه النقطة وبلوغ هذه املشاهدة و

إال اهللا واإلميان باهللا يتولد يف النفس شعور بالعظمة، وحتصل هلا اخلشية إلهال ة له ضمن العلم من تلك اإلرادة العليا املهيمنة على هذا الكون، واملسريواحلكمة والقدرة والرمحة فال يستطيع هذا اإلنسان من بعد أن يتعرض بالسوء

اإلنسان مهما تكن صفته ومهما تكن درجة قرابته، وال جيرؤ ألحد من بينعلى إيذاء خملوق من املخلوقات ألن كل ما يف الكون من خملوقات إمنا هو

.نسيج هذه الذات العليةفتجد هذا اإلنسان أضحى مستقيما باملعاملة مع مجيع اخللق، وجتره

عليه، فبهذا اإلقبال والوجهة االستقامة هذه إىل الثقة بأن اهللا راض عنه فيقبل تشتق النفس من اهللا تعاىل كماال، تلك هي الصالة يف حقيقتها، وتلك هي الصالة اليت جيب أن تقيمها وتسعى إليها، وإنك لتجد النفس إذا وصلت إىل هذه الصالة وبلغت هذا احلال ال تعود متيل إىل الدنيا وما فيها من

لقد . دنيا مما سوى فعل املعروف واإلحسانالشهوات الدنيئة وتعاف ما يف ال . اصطبغت بصبغة من اهللا ومن أحسن من اهللا صبغة

مايل أصلي وال أجد : على أنك قد تعجب من نفسك أيها القارئ وتقولطعما للصالة، وأصوم وال أصل ملا يهدف إليه الصيام من غايات، وكم مرة


١٤

ار ومراسم وأشكال حججت فما عرفت من احلج إال مجلة أدعية وأذكوزيارات وركوب مشقات، وتصدقت مبا تصدقت وأنا ال أتصدق عن طيب

!!.نفس وال أنفق إال كارها خائفا الفقر!. وال يف مساع القرآن طالوة!!. وأمسع باملؤذن يؤذن فال أجد لألذان حالوة

ابطا بني وال أجد فيه تر . ولست أدرك منه ما فيه من معان عالية كما تقولوناآليات، ولست أدري من أحاديثه عن األمم السابقة إال أا جمرد قصص وحكايات، وأنا ال أفهمه بذايت بل البد يل من تفسري أجلأ إليه يرتجم يل عن معانيه ومع ذلك كله فكثريا ما أنسى هذه الرتمجة، وكثريا ما ال أدرك معىن

.لرتمجان؟؟التفسري ذاته، وال أفقه شيئا من ذلك اال تعجب يا أخي من قولك هذا وال : فأجيبك على قولك هذا وأقول

تستغربن ما أنت فيه فأكثر الناس يصلون وال يدركون من الصالة إال أا جمرد أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبري منتهية بالتسليم، وأا من أحسن الرياضات

نسان ليقدم واجب اخلضوع اجلسمية وأا أمر تعبدي أمر به اهللا تعاىل اإلويعرفون الصوم بأنه ترك الطعام والشراب . خلالقه يف اليوم والليلة مخس مرات

وسائر املفطرات بنية من طلوع الفجر الصادق إىل غروب الشمس، وأنه يشعر الغين بأمل اجلوع الذي يكابده الفقري، وأنه يذهب باألمراض ويفيد

.الصحة إىل حد كبريزيارة أمكنة خمصوصة يف أشهر خمصوصة، وأنه مؤمتر عام جيمع وأن احلج

املسلمني يتدارسون األوضاع ويتعارفون ويرمسون اخلطط السياسية اليت جتعلهم


١٥

يهنؤون يف العيش ويردون عدوان املعتدين، وحيسبون الزكاة بأا تأدية مالية دا وأشكاال من بنسبة معينة يقدمها الغين للفقري، وهكذا تراهم يضعون حدو

التعاريف، وجتد الكثريين يقومون مثلك ذه العبادات واألشكال واملراسيم، ويكررون ويعيدون ما يسمعونه حيسبونه اإلسالم وما هو من اإلسالم يف

م واجب اخلضوع فهو سبحانه غين .. شيء، فما أمرك خالقك بالصالة لتقدطلب من هذا اإلنسان أن يعرتف عن العاملني، وهو أعز وأكرب من أن يت

بوحدانيته وأن يقدم اخلضوع إليه، وهو أرحم باإلنسان من أن يأمره بالصوم شهرا كامال وأن يفصله عن أهله يركب املشقات واألخطار، ويطوف حول

ولو يشاء . الكعبة وينادي بأعلى صوته مبتهال بالدعاء ليحصل على الغفرانا طلب

من الغين زكاة وال صدقة وما هو حباجة لك لتطعم ألغىن الفقري ومل

من لو يشاء اهللا أطعمه وما هذه األوامر كلها إال أوامر من مستوى عال وضعت إلنسان وصل ملستوى عال ذاك هو يعقلها ويدرك أسرارها، ويقدر فضل خالقه الذي أمره ا، فرتاه يصلي ساجدا وهو يتمىن أن يظل العمر

حقيقته ساجد دوما هللا ال يرفع رأسه وال ينقطع عن ساجدا وهو يفويصوم وينقضي رمضان فرتاه يبكي متطلبا من اهللا تعاىل أن يهبه . السجود

عمرا يصوم به رمضان ثانية ملا وجدته نفسه يف الصيام من مسو وما وصلت .إليه يف منازل العلم واملعرفة وهي حقيقة التقوى من مراتب ودرجات

ج ويعود من احلج إنسانا قد أرخت إليه املعرفة زمامها فأضحى بصريا وحيومىت . وكيف احلياة؟. فلم احلياة؟.. مشاهدا عارفا مباهية احلياة وأسرارها


١٦

كيف . وأين هي سعادة املخلوق؟. وما الكون؟. وما الشرائع؟. تدوم؟ .وكيف تكون؟. يناهلا؟

كبريا فيشكر املعطي األول ويستغرق يف ويزكي فيجد يف الزكاة مغنما، وفضال محده ساحبا يف فضله، فهو وحده املعطي وهو املتفضل وكل الفضل منه وإليه

.يعود: فإذا قال بلسانه أشهد. إال اهللا فيشهد معناها شهودا نفسيا إلهويقول ال

ليد فما اللسان إال ترمجان ما شهدته نفسه وعاينته من احلنان وعطف تلك االيت تسري الكون كله غامرة إياه بفيض من التلطف والرأفة والرمحة واحلنان

وكلما كررها اللسان مرة أذكى القول الشعلة يف النفس . والفضل واإلحسانفأضاءت واتقدت، وأضافت النفس إىل شهودها شهودا واهللا أكرب وال اية

.وال حد لذلك الشهود والعلم به وال انتهاءفما أعظم رسول اهللا يف احلقيقة وأجل مقامه عند هذا �أما رسول اهللا

اإلنسان، إنه السيد األعظم الذي فاز بالقرب من اهللا بأعلى منزلة وأمسى املؤمنون مجيعا مؤمتون به وحتت لوائه، وهم أبدا يف صلة دائمية معه .. مقام

م على اهللا، وهو األول يف هذا ا فيا سعادة . ال وهو اإلماموهو الداخلالنفس إذا هي صلت به، واتصلت ذه النفس الطاهرة، فكانت مبعية

.ية واإلقبال على اهللاهل احلضرة اإل إلهتلك معان يشعر ا هذا اإلنسان حال إقباله على اهللا، من شهادة أن ال

، يشعر ا هذا إال اهللا وأن حممدا رسول اهللا، وصوم، وصالة، وحج، وزكاة


١٧

اإلنسان فتطري نفسه شعاعا وكثريا ما تفىن عن ذاا مستغرقة ذا الشعور مث تعود وهي أمسى ما تكون علما وأكثر مما كانت عليه معرفة وأعظم هللا تعاىل

وهي أبدا يف سعادة وهي أبدا يف ارتقاء وهي أبدا يف حياة طيبة . محدا وشكرا ية أمورا تعبدية وحسبوها تقدميا هل اس فظنوا األوامر اإلغفل عنها كثري من الن

.لواجب اخلضوع، ونسوا حظا مما ذكروا به فضلوا عن السعادة، وأضلوا كثريا والسبب يف ذلك كله أن هذه األوامر اليت جاء ا سيد اخللق واملرسلني مبلغا

ؤمنني وليس يفقه إياها عن رب العاملني، إمنا هي مدرسة عليا خاصة باملدروسها إال من مست به مهته فتدرج فيما سبقها من الدراسة يف مدرستني

.اثنتني حتضرييتنيوإذا حنن أردنا أن نسمي هذه املدرسة العليا باجلامعة، فما املدرستان السابقتان سوى االبتدائية والثانوية وهل ميكن ملن مل ينتسب للثانوية

أم ماذا يكون حاله إذا دخل صفا من !. رأسا للجامعةواالبتدائية أن ينتسب صفوفها واخنرط بني طالا، فهل جتد له وعيا وهل جتده يفقه من ذلك املعلم العظيم قوال، وهل يستطيع أن جيد بني أقواله انسجاما أو يفقه ألقواله تفسريا

ئك الطالب يف أو تأويال، وهل هو مبقدر هلذا املعلم العظيم وعارف فضل أول !!.ذلك املعهد العايل الرفيع

إن كل ما يقوم به هؤالء من أعمال ومهمات إن هو يف نظره إال جمرد أقوال وأفعال، فالصلة وااللتفات إىل ذلك املعلم العظيم أسر وبدعة وقيود وهو ال

والصوم جوع وعطش ومخول وايء إىل . حيب األسر وال البدعة وال القيود


١٨

{: قال تعاىل. ملعهد أهوال ومغامرات وركوب مشقاتهذا ا��=�� >? � � - �5"@ AB�C"# A5�", D5"E FG� H�7 � FG� #"I =-� "J C�K � - � C, "L�M�0 � N�=�� >? CO ��"�PO

��(�'�M �{)١(. وملا نعم وما ذلك كله إال ألن هذا الطالب طفر طفرة واحدة فدخل اجلامعة

إا معهد من �وكذلك املدرسة اليت جاء يدعو هلا رسول اهللا . يستعد هلالكنها ختتلف عما سواها من اجلامعات . سوية عالية وهي يف احلقيقة جامعة

وال بد لك حىت تعرف عظمتها . إذ هلا بداية وليس لصفوفها حد وال انتهاءه بيانه من أن تعد نفسك وتفق �وتدرك قدر رئيسها األول وتفهم كالمه

إعدادا صحيحا باالنتساب إىل املدرستني السابقتني اللتني أشرنا إليهما من إن هذا : قبل وسنكرر لك القول ونعيده فنذكرك والذكرى تنفع املؤمنني فنقول

البد له من صوم يسبقه والبد لتلك �الصوم الذي جاء به رسول اهللا ا عن لسان اهللا تعاىل من صالة قبلها تتقدمها ومتهد هلاالصالة اليت أمرنا.

بني اإلسالم «وكذلك احلج والزكاة، وأقول لك وحقا ما أقول إن حديث إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا وإقام إلهشهادة أن ال : على خمس

الصالة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه ا هو حديث شريف يعرفك بصفوف الدراسة يف اجلامعة إمن.. )١(»سبيال

).١٧١(اآلية : سورة البقرة )١( .رواه البخاري ومسلم عن أيب هريرة رضي اهللا عنه )١(


١٩

ولست مبستطيع أن تدرك مما جاء ا شيئا، وال أن تفقه سر . العليا ومراحلهاما ورد فيه وال أن تتذوق طعم ما أشار إليه، إال إذا أعددت نفسك إعدادا

وأتبعت إال اهللا إلهفإذا شهدت أن ال .. تاما، ووصلت ا إىل سوية رفيعةذلك بصوم وصالة وزكاة وحج فعندئذ تكون أهال ألن تشهد أن حممدا رسول اهللا وتستطيع أن تدخل تلك اجلامعة وتتصل بذلك املعلم العظيم

وتتابع الدراسة متعرفا إىل . الذي يعلمك الصالة والصيام والزكاة واحلج. وأهل املعرفة باهللا حديث بين اإلسالم على مخس فتكون من أهل التقوى

'��Q"�5{: قال تعاىل �5"Q�R � F�H"Q �5"Q I�S �� H6�Q� ��=�� {)١(. إال اهللا إلهإذ بدأت بشهادة أن ال . وقد تعجب من ترتيبـي الذي عرضته لك

وأتبعتها بصوم وصالة وزكاة وحج مث ختمت ذلك بشهادة أن حممدا رسول هذا يصل باإلنسان إىل الدخول يف تلك اجلامعة اهللا، مث قلت إن السري علىواحلقيقة أين ما أردت برتتيب الصوم والصالة . العليا ومتابعة الدراسة فيها

والزكاة واحلج ما ورد يف احلديث الشريف، إمنا مبادئ ودروس ترتكز عليها تلك الصالة والصيام وغري ذلك من األعمال اليت جاء ا السيد األعظم

�. بلغ اإلنسان من الطفولة مرحلة التمييز ودارت دواليب الفكر لديه فإذا

فتعرف على اخلالق الذي خلقه وجعله على هذا الرتكيب وأى الدراسة األوىل يف التعرف إىل اخلالق، واإلدراك عن طريق الفكر أن هذا اجلسم املنظم

).١٧(اآلية : سورة حممد )١(


٢٠

قيقة وثبتت ال بد له من منظم ووصل إىل سن البلوغ وقد عرف هذه احللديه، فهنالك وبتفكريه باملوت وشهوده وقائع عديدة منه ترهب نفسه خائفة

أن جيد يف البحث عن املريب إذ يرى نفسه وتلتجئ إىل الفكر تطلب منه إنه . خملوقا ضعيفا، وأنه حباجة إىل من يربيه ويدمي إمداده له ويشرف عليه

حباجة إىل الطعام والشراب، حباجة إىل الشمس واهلواء، حباجة إىل الثلوج مفتقر إىل ذلك كله، إذ بدون هذا ال . واألمطار، حباجة إىل الليل والنهار

بقاؤه وال تدوم حياته، فمن الذي يعىن به هذه العناية ويقدم له صنوف ميكن .هذه األشياء اليت يتوقف عليها بقاؤه يف احلياة؟وهنا ينتقل إىل صف أعلى . إنه البد له من رب ممد ميده ذه اخلريات

ه به وحيفظ عليه احلياة، ويوسع ه مبا ميداإلميان فيعرف أن له ربا قديرا ميدإذا كان هذا املريب هو الذي ينزل األمطار : باملريب آفاق الفكر لديه فيقول

ويسوق الرياح والسحاب وحيرك الكرة يف الفضاء فيتولد الليل والنهار وينبت الزرع والنبات ويدير الكون كله ليتأمن يل ما أحتاج فهو الشك املسري للكون

ه تعاىل ومفتقر إليه، وهنا وبالوصول إىل فالكون كله يف مجيع ما فيه خاضع لإال اهللا إلههذه النقطة ينال هذا اإلنسان شهادة ثانية وهي شهادة أن ال

شهدها قلبه من بعد أن حاكم وناقش فكره وعقلت ذلك نفسه فإذا شهد إذا رأت نفس اإلنسان عظمة هذا الكون : هذه الشهادة وإن شئت فقله كله يف حلظة واحدة دون انقطاع فال يـعزب وشاهدت جالل اليد اليت تدير

إذا شاهدت النفس هذه : يء يف األرض وال يف السماء، أقولعنها ش


٢١

إال اهللا شهودا معنويا، إلهاملشاهدة وإن شئت فقل إذا شهدت النفس أن ال ي والعظمة فهنالك حتصل هلا اخلشية هل وشعرت يف أعماقها ذلك اجلالل اإل

هذه اخلشية اإلنسان على االستقامة وحتول بينه وبني كل من اهللا، وحتملأو الوقوع يف خطيئة، إذ هذا اإلنسان جيرؤ على اقرتاف إمث معصية فال يعود

ه وحيثما سار وأينما كان يرى اهللا تعاىل معه مشرفا عليه وناظرا كيف اجتستطيع أن إليه، ولذلك تراه يعامل الناس مبثل ما حيب أن يعاملوه به فال ي

يؤذي إنسانا وال أن ميد يده بالسوء إىل أحد من املخلوقات، وذلك ما عنيناه حنن من الصيام فهو يف احلقيقة صوم عن األذى صوم عن املعصية والفسق

ومبا أن القوانني الثابتة للنفس البشرية بفطرا األزلية عدم االستقرار . والعدوانمل خريا أم شرا، فهي مفطورة دائما وأبدا واهلدوء بل البد هلا من أن تع

جببلتها على العمل وال تستطيع أن تبقى هادئة لذا فإذا بلغت يف عروجها مرحلة الصيام احلقيقي فهي تعمل وكل عمل يصدر عنها وهي يف حصن

فهذا العمل العايل يورث يف النفس . الصوم هو عمل خري ينبع منه اإلحسانويولد هذا . الثقة برضاء بارئها بارئ السموات العلى عنهاالثقة بإحساا و

الصوم عن احملرمات ثقة يف النفس برضاء اهللا عنها فتقبل عليه بكليتها .مطمئنة بإحساا راضية بعملها

وهنالك تشعر باطنيا بشعور مجيل إنه شعور بالقرب من تلك الذات العلية فما األغنياء . هدته النفس من قبلإنه شعور فريد يف نوعه شعور ما ع

بذهبهم وفضتهم وأمواهلم، وال املزارعون يف بساتينهم ومزارعهم، وال املرتفون


٢٢

يف قصورهم وحدائقهم، وال احلكام يف صولتهم ودولتهم وال امللوك واألمراء يف صوجلان ملكهم وإمارم أقول ليس هؤالء مجيعا بأسعد حظا من النفس

ا، ولو علم هؤالء مبا يف هذه النفس من الشعور السامي اجلميل القريبة من ر .لقاتلوا عليه ولتنازلوا عن ملكهم وعما بني أيديهم رغبة فيه

فسبحانك ريب ما أمجل القرب منك وما أحاله وما أمجل احلياة لدى النفس يت ال إنه النعيم، إا السعادة، إا احلياة الطيبة ال. يف ساعات قرا من اهللا

وذلك ما عنيناه بكلمة . ميازجها نغص، إا اجلنة، ولعمري تلك هي الصالةوأعتقد اآلن أنك أدركت سر . اليت يولدها الصوم عن احملرمات) الصالة(

إال اهللا مث اتباعها بالصيام والصالة وعرفت إلهترتيبنا يف بدئنا بشهادة أن ال .وما نعنيه من الصيام والصالة إال اهللا إلهما نعنيه من شهادة أن ال

:وبذلك نستطيع أن نتابع ترتيبنا وننتقل بك إىل الزكاة فنقولإن هذه الصلة اجلميلة، وهذا الشعور السامي الذي نشعره يف حال قربنا من اهللا جيعلنا يف الوقت ذاته نكتسب من اهللا تعاىل كماال ونصطبغ منه تعاىل

ا وحال وجهتها إىل خالقها يسري النور بصبغة الكمال ألن النفس خالل قر إليها فيطهرها مما ا من جرثوم، ويقضي على ما فيها من احنرافات ويزكيها مما علق ا من قبل من امليول املنحطة، والدينء من الشهوات فينقلب هذا اإلنسان وهو أصفى ما يكون حاال، وأطهر قلبا، وأزكى وأنقى نفسا، وذلك

).الزكاة(بكلمة ما نعنيه


٢٣

فإذا ما زكت نفس اإلنسان هذه الزكاة باهللا وطهرت هذه الطهارة فهنالك ال .تعود حتب أن تفعل منكرا، وال أن تقع يف معصية أو خطيئة

وإذا ما أراد الشيطان أن يغريها بشيء أو يغريها مبا يف الشهوات الدنيا من منا ترده خائبا، وتقيم عليه احلجة مجال وزينة فإا ال تلتفت إليه وال متيل بل إ

فلها من كماهلا وطهارا، وهلا من زكاا اليت ولدا صلتها خبالقها ما جيعلها تأنف من كل خطيئة وتعاف كل دنية، وذلك هو احلج الذي نوهنا عنه من قبل، وذلك سبب إيرادنا إياه بعد الزكاة، ولعلك عرفت سر كالمنا عنه يف

ذا اال الذي سننتقل منه إىل شهادة أن حممدا رسول اهللا حيث آخر هالصلة بسيد اخللق والعاملني، وحيث االنتساب إىل معهده العايل الرفيع

إال اهللا حسبما بيناه من قبل، وأدت به إلهإذا شهد اإلنسان أن ال : فنقولحت نفس هذا إال اهللا إىل صوم وصالة وزكاة وحج وأصب إلهشهادة أن ال

اإلنسان من سوية عالية ختتلف عما سواها من األنفس البشرية من حيث تذوقها معاين الفضيلة، وأنفتها من الرذيلة، وأنس باهللا وسعادة باإلقبال عليه، واصطباغ منه تعاىل بصبغة الكمال، فهنالك تراه يدأب باحثا وجيد يف طلب

لك املعلم العظيم الذي فاقه يف االجتماع بذلك الرجل وإن شئت فقل بذ. هذه اآلفاق العالية فكان املرشد وكان السابق وكان األول يف هذا املضمار

فلعلك تقول إذا كان هذا اإلنسان قد نشأ يف بالد بعيدة ومناطق نائية عن العمران وكان ممن مل يسمع قط بأن هناك إنسانا فاق العاملني يف تلك

به أم كيف يبحث عنه وال عهد له به، وال قرأ وال النواحي فكيف جيد يف طل


٢٤

: فأقول وعلى وجه املثال أوضح ما أقول!. مسع عنه من أي شخص كانهب أن امرءا أصابه مرض أمضه وألزمه الفراش أياما، مث اجتمع إىل طبيب فجعل يصف له من العالجات ما أزال عنه بعض ما به، وانتهت به

حد مل يستطع معه أن يستأصل العلة كل معاجلات هذا الطبيب إىلاالستئصال وإن كان أصاب بواسطته تقدما ظاهرا، أفال جتد هذا الشخص املريض يبحث دوما ويتطلع إىل أخبار العامل كله ويسأل وجيد يف الطلب عن

.طبيب نطاسي ينال على يديه شفاء تاما وبرءا كليا؟؟حىت جيتمع بذلك الطبيب وهو البد واصل الشك أنه ما يزال يبحث ويفتش

إىل بغيته وأنك لرتاه ينفق ما ينفق يف سبيل الوصول إليه راضية بذلك نفسه . غري مكرتث مبا يصيبه يف هذا السبيل من أتعاب، وما يكابده من مشقات

وكذلك األمر بالنسبة إىل املتعلمني يف عصرنا احلاضر فإنك جتد الواحد منهم هادة الثانوية تتفتح لديه آفاق جديدة من املعرفة فرتاه يبحث عن إذا نال الش

اجلامعات اليت تصل به إىل معرفة وعلم، بل إىل مستوى ثقايف واجتماعي وما يزال يسأل هذا وذاك حىت يهتدي ويقع على اخلرب . أعلى وأرفع مما نال

لبحار، الصحيح، مث تراه بعد ذلك يفارق األهل ويغادر األوطان، ويركب اوكم مرة يتعرض للموت وحتيط به املخاطر يف طريقه إىل . ويكابد األهوال

تلك اجلامعة، وتراه مع ذلك كله طيبة بذلك نفسه، إذ سيصل إىل ذلك املعهد العايل وسيجتمع بذلك املعلم العظيم الذي ينهض به ويؤمن له

هل : ترى. يه اآلناجتماعه إليه سوية أرفع ومكانة أمسى وأشرف مما هو عل


٢٥

كان ذلك اإلنسان املريض الذي ضربناه لك مثال يتساءل ويبحث عن أمهر األطباء، وما يزال جيد حىت يتعرف إليه لو مل تكن به علة، ولو مل تكن لديه

حة وهل كان ذلك اإلنسان الثاين الذي ل لك احلاجة املاسة، والضرورة املتت العالية يهتم يف البحث عن تلك ذهب يطلب العلم من تلك اجلامعا

.اجلامعات ويسأل القريب والبعيد عن ذلك املعلم الذي سينهض به؟وهل تظن أنه كان سيهتدي إليه لو مل يصل إىل تلك السوية العلمية اليت

وكذلك اإلنسان !. جعلته أهال ألن يبحث وجيد يف طلبه واالجتماع به. ازل اإلميان، كماله وصفاؤه النفسيالطالب الوصول إىل التقوى ومعايل من

وأنسه باهللا، وحبه للفضيلة، جيعله يبحث وجيد يف الطلب، ومن وراء ذلك كله صوت امللك يناديه دوما يف صميمه يا عبد اهللا البد من وجود رجل يفوقك فيما أنت فيه، فاحبث عنه وجد يف طلبه، وإنه واحلالة هذه ليصدق

صدق ويتحرى الطلب حىت يهديه اهللا، واهللا يهدي من يشاء وما يزال ي

{: قال تعاىل. اهلدايةJ C� T� U�� 0("<"V �5"@U0 ��H�@ 0� � 03� ��"H Q� W ��=�� X0�K�:"C��{)١(.

ومما يؤيد لك ما قلناه ما رواه الرواة عن إسالم سيدنا سلمان الفارسي رضي ليأخذك العجب العجاب حني تسمع بقصة إسالمه املذكورة اهللا عنه وإنه

كيف تسىن لرجل من فارس أن جيتمع برسول : مفصلة يف كتب السرية فنقول

).٦٩(اآلية : سورة العنكبوت )١(


٢٦

اهللا فيؤمن به وينصره ويصبح من أقرب املقربني إليه وما بني بلد هذا الرجل نك لك. وما بني يثرب حيث الرسول الكرمي شاسع املسافات ونائي الديار؟؟

إذا دققت فيما قدمناه من قبل وأمعنت النظر فيه وجدت أن األمر ال يتوقف على قرب الديار وبعدها وال عالقة له بالقرابة والنسب إمنا األمر كله موقوف على أهلية النفس واستعدادها، فإذا ما أعد اإلنسان نفسه اإلعداد الالزم

عله أهال لالجتماع بذلك الرسول الكرمي، وبلغ ا تلك السوية العالية اليت جتيف البلوغ باألنفس الصادقة إىل ذلك املقام �أو املرشد الذي ينوب عنه

العايل الرفيع، فهنالك جتد هذه النفس وتندفع يف طريقها باحثة منقبة، وما فسيدنا سلمان رضي اهللا . تزال تبحث حىت يهديها اهللا وتقع على احلقيقة

يكن به ذلك الدافع إىل معرفة احلق ملا وصلت به قدماه إىل أرض عنه، لو مل إىل املدينة املنورة، بل �احلجاز، وملا أخذ قلبه يرجف فرحا ملا مسع مبقدمه

ملا كاد أن يسقط من أعلى النخلة وهو جيين مثارها شوقا إىل هذا الرسول ب الرحيم تسوق الكرمي والسيد العظيم، لكنها إرادة احلكيم ومشيئة هذا الر

.كل امرئ إىل ما تطلبه نفسه، وجتمعه مبن صدق يف طلبه وابتغاهأنت واملشيئة مشيئتك فإذا ما أعددت نفسك اإلعداد الكايف وأهلتها األهلية

�� {: التامة، فال ريب أن اهللا تعاىل يتفضل مبا تشاء وتريد قال تعاىلO �� "8� � 0(UY # Z(W� M�� "H��"� � Q!�; � 5U0 @ W "8� � 0( M W U5[ "H��7 �� C�� "G� \7 � � � @3

��O ]2��^ A��_"� �"Q � � @ 3�M V � @� `M V � a ��b� I� c� �� ،�c�"4�H � ��"��


٢٧

�c��\ � �5"@"3�M V ، ]e, c �G�f # �� G-_ Q � �G-"_ Q gH�C7 h!O "G�f # ��O � � ��c�/�: � ]e, c ، 1�� W c I "� <O� "a ��i�� j�M , `( # �5"@k�M , � 0(=k l�3O ��/7�F!3kP "� <O� �{)١(.

� {: قال تعاىل@(�E� 1Z<e3m 1a � Y \O Z <e3m Z C�(O F!? � T� 9 �n l3O � �5�� A*,�[�G� CUK�� B� � @"#�� ،� @e,c ��o, 1X�4 =>O � @(O� B�_..{)٢(.

وكذلك األمر بالنسبة يل ولك ولكل إنسان مهما امتد وطال به الزمان إذا ال (هو حتقق مبعرفة خالقه ومربيه، وانتهت به معرفته هذه إىل اإلميان بكلمة

تمع حقا بذلك املرشد الذي يدله على اهللا ، البد له من أن جي)إال اهللا إلهويصل به إىل حضرة اهللا، فتكون له برفقته ودخوله مبعيته على اهللا أذواق وأحوال ومشاهدات مث إنه البد له يف يوم من األيام ما دام وقد ارتبطت

، �نفسه به وثيق االرتباط من أن يكون وسيطا بينه وبني رسول اهللا املريد الصادق ما انعكس يف قلب مرشده من حب ينعكس يف قلب هذاوما يزال به حىت يتم ارتباطه بذلك الرسول الكرمي �الرسول واالرتباط به

حيث الشهود بذلك السراج املنري لكمال اهللا وحيث االستنارة بنور اهللا، يشاهد به اخلري خريا والشر شرا، ويصل إىل السعادة احلقة واحلياة، وأنت ترى

ليس �ا أسلفناه أن اإلميان باملرشد الصادق وكذلك اإلميان برسول اهللا مم

).٢٥- ٢٤(اآلية : سورة إبراهيم )٢( ).٢١-١٨(اآلية : سورة اإلسراء )١(


٢٨

إال إلهباألمر اهلني إذ البد هلذا اإلميان بالرسول من إميان باهللا وشهادة أن ال .اهللا، نعم إنه ليس باألمر اهلني لكنه يسري كل اليسر على الصادق

عقال ) إال اهللا إلهال ( إذا شهد اإلنسان هذه الشهادة األوىل وعقل كلمةنفسيا ولد يف نفسه استقامة وأدت به هذه االستقامة إىل الصلة باهللا واإلقبال النفسي عليه فعندئذ ومبا اكتسبت نفسه من اهللا تعاىل من الكمال، ومبا انطبع فيها من احلق تراه إذا مسع بكلمة عن رسول اهللا صدقها كل التصديق

ة ملا يف نفسه، فبكماله يشهد طرفا من كمال رسول اهللا، ومبا إذ جيدها مطابقاصطبغ به قلبه من احلق يرى احلق الذي جاء به رسول اهللا فيصدق بكلمات

5" ��9�6 �� {: قال تعاىل. اهللا ورسوله ويصدق باحلق وأهله"Q� 0�3R ��=�� "0��_"� �8, �5"Q �8�(�<� ،`(6"� �� U0O �=7� � 0e, c �� gL :�� "8=7� �8, �U0 �R �� 5@�3( #

XC�(�K"� �8�(�<�{)١(.

} �� # �UC�� J��UH�� "j3�P �5"@ 0"3�#� �� q�"VU�� `�� q$7� � � ��"M�C V �� U0 �R � 0U, c ��' � eL)� �� H�Q�U\�� J � � 0�<6O� ، � � � T�, "��_7 - � 0� � � �

X)�U;�� &��'�� J � � 0g, c � 0(��H"� �� "J Cf7 � eL :�� 7 G� W{)٢(. هو الدعامة األوىل ) إال اهللا إلهال (وهكذا فإميانك، وشهودك وحتققك بكلمة

شهادة : وإن شئت فقل. �عليها إميانك برسول اهللا وهو الركيزة اليت يبىن

).٨٤-٨٣(اآلية : سورة املائدة )٢( ).٥٣-٥٢(اآلية : سورة القصص )١(


٢٩

إال اهللا هي اليت توصلك إىل شهادة أن حممدا رسول اهللا، إذ إلهأن ال بكمالك ترى طرفا من كماله فتؤمن له وتشهد، ومبا انطبع يف نفسك من احلق تشاهد احلق الذي جاء به فتذعن له وختضع وعندئذ تدخل ذلك

نتسب إىل تلك اجلامعة اليت نوهنا عنها من قبل فتتخذ رسول املعهد العايل وتلك هاديا ومرشدا، وجتعله يف دخولك على اهللا إماما وتطيعه كل � اهللا

4 6` {: قال تعاىل. الطاعة وتستسلم له كل االستسالم ��"0��_"� - ]e, c � ! Y � - U5[ �5"@ 0�3 , � Y s � C3 t�"Cu� :"� *�3k� �UC�� W � 4 �5@�KP7� v ��"H

�C3(�K ��"Cu( K"� �{)٣(. وإن نفسك لرتتبط بنفس رسول اهللا الكرمي وهي يف مثل هذه احلال وثيق ا صلة حب االرتباط وحتصل هلا صلة معنوية حقيقية به ما مثلها من صلة، إ

الذين شارفت نفوسهم منازل وتعظيم وذوق رفيع ال يعرفه إال املؤمنون باهللا

�T� U� {: ي يناديهم يف سرهم قال تعاىلهل الكمال فسمعوا النداء اإل ��"Cu( V � �8�3( # ��w( E ��"0 �R ��=�� @g�� eB<U0�� `( # ��w( ;"� "86��x! � �

�C3(�K{)١(.

).٥٦(اآلية : لنساءسورة ا )٣( ).٤٧- ٤٥(اآلية : سورة األحزاب )٢( ).٥٦(اآلية : سورة األحزاب )١(


٣٠

لطاهرة السامية وإن أذنك نعم إن نفسك لتتصل معنويا بنفس رسول اهللا اية فتصغي إليه، وحيق هل وقلبك ليتفتح ملا ميليه عليك من الدالالت واألوامر اإل

لك وقد وصلت إىل ما وصلت إليه من كمال أن تكون طالبا هلذا املعلم

� ��gB<U0 �7=� {: قال تعاىل. العظيم يعلمك األوامر اليت جاء ا عن اهللا@g�� ( V�c��7 � ��e\ <"� � �H�Q� s t� 0 ،�y0"� �W� ��V � �8�7�o, T� `�� 3�#� I � ،

�y<O F!k T� �� 5"@� U�^, X0��_"C�� e\ , �{)٢(.

çbºfia@¶g@ßí–íÜa@óïÑïØ )اإليمان(أول المدارس العليا للتقوى

٣١

��א� ��ل��א��ن

ليس املقصود باإلميان باهللا تعاىل االعرتاف بوجود اخلالق، ذلك االعرتاف ألن جمرد االعرتاف بوجود . القويل الذي يدور على ألسنة العامة من الناس

اخلالق ال يسمى إميانا وهو ال يغرس يف قلب صاحبه مكرمة أو يكسبه فضيلة .نفسه خبثا، كما ال يدخله يف اآلخرة جنة أو يقيه نارا أو ينتزع من

وقد ضرب لنا تعاىل على ذلك إبليس مثال، فذكر لنا يف القرآن الكرمي

�� {: اعرتافات إبليس بوجود خالقه وإقراره له بالربوبية والعزة فقال تعاىل�� ،�!�"�� #$�&' ��(�� )��' �� ،

�*+,-. /�0�* 12 3��4- �#��5 672�� ،�709�4�:�* /�0�* 12 ;��<�=' >?�� ، �#$�&' ��*�<��@-. �� ،�!�(6��*0AB �#C6D4:' �� ،/0��4�@-. E��0-. /�0�* 12 ��4�@�"� ، $F2

��G�HI. �!�(�� J�K��:5{)١(.

ففي اآلية األوىل اعرتاف منه خلالقه وفيما يليها إقرار بربوبيته مث أقسم بعزة اهللا ومع ذلك كله وصف تعاىل إبليس بأنه من الكافرين وأن عليه اللعنة إىل يوم

دهم عن طغيام قال وكذلك اليهود ما كان اعرتافهم خبالقهم لري . الدين

).٨٣- ٧٦(اآلية : سورة ص )١(


٣٢

�MN�*�� 5 �D��7 {: تعاىل ��@O ��P� .0-�� Q. ��D�� @O .0��R �!�(- S�� .T2�� 72 S�:� �� Q. �U��:�� 70� �C �!�' S� �!�(�4� ��@- ��>,�G� WX�Y-. �0�Z�� [�U.�� @O

��\��P� �! {)١(.

وإذا فليس اإلميان باخلالق اعرتافا قوليا إمنا هو شعور داخلي ولده يف النفس حبث ذايت وتفكري متواصل فجعل صاحبه يسبح يف جالل اهللا تعاىل وخير

وهكذا فاإلقرار النفسي املقرون بذلك الشعور والتذوق . ساجدا لعظمتههو اإلميان الصحيح وما سواه مما يتلقنه اإلنسان املنبعث من قرارة النفس،

من أبيه وأمه أو البيئة اليت ينشأ فيها تلقنا وال ينبعث يف النفس متولدا عن .نظر وتفكري ما هو باإلميان املطلوب

ولكن كيف يتولد هذا اإلميان الذي هو أساس طهارة النفس وحتليتها .وكيف يشع يف قلبه؟!. بالكماالت اإلنسانية يف نفس اإلنسان

لقد خلق اهللا اإلنسان وميزه كما ذكرنا من قبل على سائر املخلوقات : أقولبتلك اجلوهرة اليت يستطيع ا أن يتوصل للكشف عن احلقيقة وأعين ذه

مث إن اهللا تعاىل جعل هذا الكون وما فيه من آيات بينات .. اجلوهرة التفكريونظام بديع وحكمة بالغة بني يدي اإلنسان كتابا مفتوحا يستطيع أي إنسان كان إذا نظر فيه مدققا وتفكر متأمال أن يعظم هذا الكون تعظيما يهتدي

إىل معرفة خالقه واإلميان به من ورائه إذا كان صادقا يف طلب احلقيقة

).٩١(اآلية : سورة البقرة )١(


٣٣

وهكذا فمعرفة املريب هي النرباس الذي يصل باإلنسان إىل . واخلشوع لهمشاهدة احلقيقة وهي السبب الوحيد يف الوصول إىل اخلري والسعادة، وقد وهب اهللا الناس مجيعا الفكر تلك األداة اليت يستطيعون بواسطتها أن يصلوا

، وجعل هلم السمع واألبصار واألفئدة، وبث يف إىل معرفة خالقهم ومربيهمهذا الكون ما ال حيصى من اآليات اليت تساعد الفكر على البحث

فمن استفاد من هذه اجلوهرة الثمينة، وأشغل فكره وأعمله يف . واالستداللمعرفة خالقه ومربيه فقد ظفر بالسعادة، وفاز، ومن أشغل هذا الفكر وأعمله

كاسب الدنيوية وتأمني الشهوات الدنية فقد خاب وخسر يف السعي وراء امل

�F��@�5{: هذه احلياة قال تعاىل ��*��]��B�O �!N >:�� S�Z S� ، $S_ ��*`$-.�4��a �70��]�Y�* �!�($�� 70�:�]�Y�* �!�Z�� W,-. b��Y-. c �!�(��4�d ، ��*`$-. �# -��

O .��M\��e�� f��-. �/�0�* �!�(- �!�� g' �!�(-��@�5� �Eh:�Y' �i��-�� !(>O�� j��*k ، �#-T.��D�Z ;��d�� ;C�*R .�`H$C.�� .��M\ ��@O �!6��(�" �!�Z�l.�D�" ، .0��R �*`$-. 672

�j�6��" �!�(- �E��\ j��Y-�6G-. .0�@�5�� F�D� m��K��M-. ، �70n�:�* F ��(�' ��*,-��F�0o ��(��5{.

$›béÕî‹�ì@?ïÕïÜa@çbºfia@ò )اإليمان(أول المدارس العليا للتقوى

٣٤

��א��نא��و��

ليس املراد باإلميان ذلك اإلميان الذي يتناقله السامع عن حمدثه، أو يتلقاه فهذا النوع من اإلميان . الطالب عن كتابه ومعلمه ويتوارثه الولد عن أمه وأبيه

.ال نستطيع أن نسميه إميانا بل هو جمرد اعتقاد وتصديقتينا من غرينا بل إمنا ينبعث يف قرارة نفوسنا ويتولد يف اإلميان الصحيح ال يأ

اإلميان الصحيح علم نفسي وشهود يقيين تشهده النفس يف ذاا . قلوبناوتعقله يف سرها فإذا هو حقيقة مستقرة فيها ختالطها ومتازجها وال تنفك

اإلميان شيء معنوي حقيقي يسري يف النفس سريان الكهرباء يف . عنهاك واملاء يف األغصان واحلياة يف األجساد، يشرق يف النفس فيشع فيها األسال

النور والعلم واحلياة، تدل عليه الصفات احلسنة واملعامالت الطيبة واألخالق الكرمية واألعمال الصاحلة ويشعر به املرء يف صميمه فيطمئن به قلبه وترتاح

أما الذين يف . ي به الظلماتبه نفسه وتنقشع أمامه الشكوك والشبه وتنمحقلوم ريب ويف أعماهلم إساءات ويف نواياهم سوء وخبث ويف أعماهلم أيضا تالعب واحنراف، فما هم من اإلميان يف شيء ولو زعموا أم مؤمنون قال

��{: تعاىل �� !�� " ،


٣٥

�$��%�&� �� '�()+- ./0 �$��1�23�� 4.�� $��1�5�3�� ، ��'�67 8�$��49�� +�: �� ;��- ;<�4�1 ��'�� >�� 5��?@ ;A��{)١(.

ح الذي فاسأل أيها اإلنسان نفسك هل توصلت إىل هذا اإلميان الصحينتكلم عنه، وهل هي تابعت خطواته ومراحله واحدة إثر أخرى، فإن فـعلت فاطلب منها أن تذكر لك هذه املراحل وتعددها وتبني لك الطريق اليت

وإن مل تفعل فاستمع إيل أرشدك وما عليك إال أن تسلك الطريق . سلكتها :لبذاتك وتتعرف إىل مراحله واحدة بعد واحدة فأقو

ر يف ذاته ممأول ما جيب أن يبدأ به اإلنسان أن ينظر يف نفسه ويتفكوعليه أن يتابع .. وكيف تكون يف بطن أمه حىت صار إنسانا سويا .. خلق

بفكره األطوار اليت تنقل فيها واملراحل اليت مر عليها فمن نطفة إىل علقة، كامل اهليئة تام الرتكيب ومن علقة إىل مضغة، ومن مضغة إىل إنسان سوي

حيار الفكر يف كمال صنعه ويقف حائرا أمام عظمة كل جهاز من أجهزته وحاسة من حواسه وال يسعه إال أن خير ساجدا لعظمة تلك اليد اليت عملت

.على تكوينه وإحكام صنعهفإذا ما نظر يف نفسه هذه النظرات جنينا وأتبعها بنظرات أخرى تدور حول

ام طفولته األوىل مولودا صغريا يوم كان يأتيه الغذاء من ثدي أمه لبنا سائغا أيكامل الرتكيب كايف املقدار منظم املعايري متوافقا يف نسبته الغذائية مع تدرجه

). ١٠- ٨(اآلية : سورة البقرة )١(


٣٦

إذا نظر : أقول. يف النمو يوما بعد يوم حبسب ما يتطلبه جسمه وحيتاج إليه ع فيه ال اإلنسان يف نفسه هذه النظرات، وفكر هذا التفكري وتابع ذلك وتوس

شك أن تفكريه هذا يرشده ويهديه إىل أن هناك يدا عظيمة صنعته وخلقته وعنيت برتبيته منذ أن تشكل وخرج إىل هذا الوجود وهي ما تزال مستمرة

إن هذه النظرات يف البداية ويف أصل التكوين . العناية به قائمة بالرتبية عليهومن مل ينظر هذه النظرات يف . بل عليها يتوقف اإلميان باملريبهلا أثرها ال

أصله، ومن مل يتعرف إىل بدايته فما هو من اإلميان الصحيح اليقيين بربه يف .شيء

قال تعاىل معرفا إيانا بطريق االستدالل على معرفة املريب مبا أشارت إليه

�� -C� D�E7�F��):- �� $��( ، GH�I�J KL+{: اآليات الكرمية يف قوله سبحانه�M�6�� ،�F�N�2�@ �M�6�� GO)P+ � �� ،�F��(�� D�Q�(�� R{)١(.

}�S�6�� $��(+C� �T��6@ ،S�@��5 GH�� S�6�� ، V6�W�� X��3��V�Y��.E��{)٢(.

). ٧- ٥(اآلية : سورة الطارق )٢( ).٢٠-١٧(اآلية : سورة عبس )١(


٣٧

}��6�� 2�� G"�Z � �� GO��[�\ � �� $��(+C� ،G"9�� N��7 8 O)P+ �F��6�%�] ��R ، �+��(9@ ��T�1 O^_�� 63@ O^_�� O�6�%�� 63@ O�6�1 O)P�� 6�� R

@ �� 6�� F�+a�&+- ��R ��b� ��T�%��"��3�� (�c- �� d�N��QE{)٣(.

أما وقد عرف اإلنسان خالقه ومربيه وتبدت له عظمة ربه فال شك أن ذلك يقوده إىل التوسع يف التفكري وينتقل به إىل النظر يف ايته كما نظر يف بدايته

وما بال فالن مل يطل به. فيتساءل يف نفسه؛ ما بال فالن قد قضى حنبه؟وأين فالن وفالن وما بقي هلؤالء الذين فارقوا هذه احلياة من . أمد احلياة؟

وأين هم من متع احلياة وشهواا ومجيع ما فيها من . العز والسلطان؟وإذا كان املوت اية كل إنسان ومصريه احملتوم وإذا كانت مساعي . ملذات؟

العمر وطال، فما يف اإلنسان مجيعها تصل به إىل هذه النهاية مهما امتد احلياة من أمل، واخلاسر الذي يسرتسل فيها دون أن يتعرف فيها إىل ما

.ورائهاوهنا ومبثل هذا التفكري يف النهاية، واملصري إىل القرب وما فيه من رهبة ووحشة

فلم جاء . ختاف النفس وتلتجئ إىل الفكر وتصدق يف طلب معرفة احلقيقةوما هذه اليد اليت خلقته وأرسلته إىل هذه الدنيا مث اإلنسان إىل هذا الوجود

وينشد اإلنسان هذا النوع اجلديد من !. كتبت عليه املوت ومفارقة احلياة؟هذه النطفة اليت منها أنا، منها : املعرفة ناظرا يف أصله ملا كان نطفة فيقول

). ١٤-١٢(اآلية : سورة املؤمنون )٣(


٣٨

خلقت وتكونت، إن هي إال خالصة ألوان شىت من أطعمة وفواكه وأمثار . معت هذه اخلالصات ومنها خلقت، فمن أين جاءت هذه األطعمة؟جت

. وما هذه البذور املختلفة؟. ومن الذي خلق هذه الفواكه واخلضر واأللوان؟ما هذه الرتبة . ومن الذي ألقى ا على سطح األرض؟. ومن أين جاءت؟

. ما هذه األمطار؟. ما هذه األار؟. وكيف تكونت؟. اليت اشتملت عليها؟ما هذه . ما هذا السري الدائم؟. ما هذا الليل والنهار؟. ما هذه الشمس؟

بل ما . ما هذه الدورات املنظمات؟. الكون؟ احلركة املستمرة املنتظمة يف هذا. هذه اليد اليت تدير هذا كله لتتأمن حيايت ولتتوفر أقوايت ويستمر وجودي؟

أليس ذلك . أليس هذا الكون كله وحدة مرتابطة األجزاء متماسكة األجرام؟وقدرة عليا !. أما هلذا الكون من يديره. كله يعمل ضمن قانون ونظام؟

ى ملكوت السموات واألرض وال يعزب عنها من مثقال مهيمنة تشرف علوهنا ينتقل هذا اإلنسان إىل هذه النقطة اجلديدة فتعقل النفس عظمة !. ذرة

هذه اإلرادة العليا، والقدرة اليت ال حد هلا واليت نظمت الكون مبا فيه علويه ة اهللا تعاىل وسفليه، جليله وحقريه، صغريه وكبريه تدرك النفس طرفا من عظم

وتعرف أنه ال مسري غريه وال متصرف يف هذا الكون إال اهللا إا تدرك حقيقة فتعلم أن التصرف بيده وحده وليس ألحد من حول ) إال اهللا إلهال (كلمة

فال ب رياح وال .. وال قوة إال به وليس من حركة إال بإمداده ومن بعد إذنه تشرق مشس وال تدور أرض وال يتعاقب ترتاكم غيوم وال طل أمطار، وال

ليل وار، وال تدب دابة، وال تنبت نبتة، وال تنعقد مثرة، وال تسقط ورقة إال


٣٩

ويتسع أفق التفكري لدى هذا اإلنسان فريى أن . بعلمه تعاىل ومن بعد إذنهاليد ال تتحرك حركة وأن الرجل ال تنطلق خطوة، والعني ال تطرف طرفة،

ع مهسة، واللسان ال ينطق ويلفظ كلمة إال بإذن اهللا وحبول واألذن ال تسميدرك هذا اإلنسان ذلك كله عندها تدخل النفس يف حصن . وقوة منه

االستقامة فتجد أن اهللا تعاىل معها ومشرف عليها بل هو املمد هلا يف كل حلظة وحني ال حيول وال يزول فحيثما حل هذا اإلنسان وارحتل وأينما سار

ه يرى اهللا تعاىل معه، وأنه شاهد عليه فهو . انتقلو اجت وكيفما نظر وأىنسبحانه ناظر رقيب، وسامع قريب، وبه قيام وجود الكون جبميع ما فيه وهو

. أقرب إىل اإلنسان من نفسه اليت بني جنبيه

�M +{ :قال تعاىل �!��\��e �� 6�%+�� $��(+C� ��6�� 2�� <��7- � �b+�� M�()�2�N�� D�Q�c � �� M��0{)١(.

هذه هي املرحلة اليت يفضي إليها اإلنسان، وهذه هي احلقيقة اليت يعثر عليها ) إال اهللا إلهال (من بعد تفكريه املتواصل يعقلها عقال، ويصبح إميانه بكلمة

@M�0 / �M.+- ��6�1� {: مبنيا على علم كما أمر سبحانه وتعاىل بذلك، إذ قالوهذا النوع من اإلميان هو املطلوب من كل إنسان وذلك . )٢(}..0/. ��

.هو اإلميان احلق الذي حيجز اإلنسان عن املعاصي واملوبقات

.)١٩(اآلية : سورة حممد )٢( ).١٦(اآلية : سورة ق )١(


٤٠

.)٣(»كفى بالمرء علما أن يخشى اهللا«: ويف احلديث الشريف

.)٤(}..� ��.+0�H��6�%�� F�5��Q�1 � �� g�&3..{: وقال تعاىل

ه إال اهللا مخلصا دخل من قال ال إل «: بقوله الشريف �وإىل ذلك أشار .)٥(»قال أن تحجزه عن محارم اهللا. وما إخالصها؟: الجنة، قيل

أما وقد أصبح هذا اإلنسان يف حال يشهد معه أن اهللا تعاىل ناظر رقيب فال خيالف أوامر ربه يف ومشرف قريب لذلك تراه يستقيم على أمر اهللا

فالعني ال تنطلق واللسان ال ينطق واليد ال تتحرك والرجل ال ختطو إال . شيءبقوله �وإىل ذلك أشار . �ضمن ما أمر به اهللا ووفق ما بينه رسول اهللا

.)١(»ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به«: الشريفالصاحل تتولد يف تلك النفس املؤمنة وهنا ومبثل هذا السري الطيب والعمل

الثقة برضاء اهللا عنها، وتطمئن أا ذات حظوة لديه تعاىل ولذا جتدها تقبل على اهللا وتتجه إليه وحتصل هلا وحبسب حاهلا الصلة النفسية خبالقها، وذه

وذه الصلة . الصلة تنمحي من النفس شوائبها وكدوراا وتطهر من أدرااتق النفس منه تعاىل كماال وخلقا ساميا وصفة عالية، وذا تدخل أيضا تش

يف عداد من حتلت نفوسهم بالكمال، وتغدو ذات قابلية وأهلية لتقدير وأولئك �سيد أهل الكمال، وبذلك تضحي من صحابته �رسول اهللا

.للبيهقي يف شعب اإلميان/ ٦٢٤٠/اجلامع الصغري )٣( .رواه الطرباين يف األوسط الكبري )٥( ).٢٨(اآلية : سورة فاطر )٤( .حديث حسن صحيح: قال اإلمام النووي )١(


٤١

حسن مع الذين أنعم اهللا عليهم من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني و عندها تستطيع أن تصلي الصلوات اخلمس كما أمر اهللا ا . أولئك رفيقا

وحتصل على الفائدة املرجوة منها واليت شرعت من أجلها وإىل ذلك أشار أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل في كل يوم «: حيث يقول �

درنه قالوا ال يبقي من . ذلك يبقي من درنه؟. خمس مرات، ما تقولون؟ .)٢(»فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو اهللا بها الخطايا: شيئا قال

وتتقدم النفس بصالا يوما إثر يوم وترقى حينا بعد حني يف منازل الكمال فتعشقه، وهنالك ومبثل �حىت تصبح أهال ألن تشتبك بنفس رسول اهللا

ي وترى من هل على اهللا فتشهد من الكمال اإل �هذه احلال تدخل مبعيته .األمساء احلسىن ما جيعلها يم باهللا حبا بنسبة ما شهدت ورأت

.أخرجه البخاري ومسلم )٢(

Þ÷b›ÑÜbi@bénïÝ¥ì@÷ÑåÜa@7é�nÜ@‡ïyíÜa@Öî‹�Üa )اإليمان(أول المدارس العليا للتقوى

٤٢

�� א��א��א��و �

بقي علينا أن نبني يف هذا القدر كيفية تولد الغل واحلسد وسائر العلل املعنوية . يف النفس، كما أنه من الواجب علينا أن نبني كيفية التخلص من هذه العلل

سانية والوصول إىل تطهري النفس منها وحتليتها بالفضائل والكماالت اإلنخلق اهللا تعاىل اإلنسان وأخرجه إىل هذه الدنيا نقيا طاهر القلب، : فنقول

نفسه كاملرآة الصافية أو الصفحة البيضاء اليت مل ينقش عليها شيء وإىل .)١(»كل مولود يولد على الفطرة«: �ذلك يشري احلديث يف قوله

�� {: كما تشري اآلية الكرمية يف قوله تعاىل� �� !�"��# �� $%�# &#..{)٢(.

وما يزال اإلنسان نقي النفس حىت يبلغ احللم ويصل إىل سن الرشد ويف هذه فإما أن ينهج طريق اإلميان، وإما أن ينهج : املرحلة يصبح أمام طريقني اثنني

اإلميان وأقبل بالصالة بكل فإن هو آمن باهللا حق . طريق الكفر واإلعراضقلبه عليه فهنالك تشتق نفسه من اهللا تعاىل منبع الكمال وموئل الفضائل كلها وينتقش فيها الكمال، فيغدو هذا اإلنسان إنسانا كامال فاضال متحليا بالكماالت اإلنسانية، مشحون القلب بالرمحة والرأفة والرضاء، عفيفا طاهرا

).صح) (ع طب هق/ (٦٣٥٦/اجلامع الصغري )١( ). ٣٠(اآلية : سورة الروم )٢(


٤٣

يا كرميا شجاعا جريئا عادال حمسنا مشغوفا بعمل اخلري صادقا أمينا سخ .عطوفا على اخللق يتمىن اخلري لكل إنسان

كل هذه الكماالت وسائر الكماالت اإلنسانية تنقش يف نفس هذا املؤمن

,+�*( {: بالصالة بصورة الشعورية وتصطبغ ا بصبغة من اهللا، قال تعاىل -��.��/ ��0�� &#)*�+, &# ��0..{)١(.

وهكذا وبنسبة هذا اإلقبال تزداد هذه االنطباعات بالفضائل والكمال ولذا أعظم الناس رمحة وأشدهم على اخللق إشفاقا ورمحة �كان رسول اهللا

��1 {: وعطفا وأكربهم من الفضائل حظا قال تعاىل &# ��3 �3��4(2 0+ ��-��..{)٢( ،}�,#��&�5 %67 8-��+�, ��0�� +..{)٣(.

وتلك هي الطريق الوحيدة إىل .. هلذا نال رسول اهللا الرمحة وسائر الكماالتنيل الكمال اليت سلكها الصحابة الكرام، وكان حظهم من هذا الكمال

. متناسبا مع إقباهلم فكان منهم السابق واألسبق والي يف هذا امليدانمن حبسب إقباله بصالته يتبع ذلك الركب األول األمثل وكذلك كل مؤ

أما الذي يصل إىل سن الرشد والتمييز وال يستعمل تلك اجلوهرة . فاألمثلالثمينة اليت زينه اهللا ا ورفع شأنه على احليوان ال بل على سائر ما خلق،

ك أنه هذا اإلنسان الذي مل يعمل تفكريه يف الوصول إىل اإلميان باهللا فال ش

). ١٥٩(اآلية : سورة آل عمران )٢( ).١٣٨(اآلية : سورة البقرة )١( ). ١٢٧(اآلية : سورة النحل )٣(


٤٤

يظل حمروما من اإلقبال على اهللا، وينشأ عن اإلعراض وعدم اإلقبال عدم ).الكفر(التقدير لفضل اهللا وإحسانه ذلك املعرب عنه بكلمة

علل املعنوية من غل وبسبب الكفر واإلعراض عن اهللا تتولد يف النفس الوحقد وحسد وقسوة قلب وحرمان من الرمحة وحب للتعدي والظلم إىل غري ذلك من العلل والرذائل والصفات املنحطة الذميمة، وهنالك يدلك الشيطان إىل النفس اليت امتألت ذه العلل وأضحت مشحونة باخلبث يزين هلا سوء

ملتولدة يف هذه النفس املعرضة هي حظ وتلك العلل ا. أعماهلا فتظنها حسنة .الشيطان من اإلنسان

غرفتني إحدامها معرضة لنور : ومن أحسن األمثلة يف هذا املوضوع مثلفال شك أن األوىل اليت تتعرض لنور . الشمس واألخرى مظلمة حمرومة منها

ها الشمس تصبح طاهرة نقية، وال شك أن الثانية حبرماا من النور تنبت في .اجلراثيم والعفونات وتغدو خبيثة الرائحة ملوثة اهلواء

ذلك هو مثل األنفس يف إقباهلا على اهللا وبعدها وإعراضها عنه فاملقبلة عليه . تعاىل تصبح طاهرة نقية تتولد فيها الفضائل وتنطبع فيها الكماالت

املنحطة، غري واملعرضة عنه تعاىل يتولد فيها اخلبث وتنشأ فيها العلل املعنويةأن هذه النفس املعرضة اليت وهبها اهللا تعاىل من االستعداد ما تستطيع به أن ترتاجع عن غيها ال يأسا من شفائها مما هي مصابة به فاألمر موكول إىل هذا


٤٥

7@" #& 6 �-*�9�- ��0 5?<�= ��;%: �-*�9�-�# ��0 ..{: قال تعاىل. اإلنسان وحده�B�5��...{)١(.

فإن رجع اإلنسان إىل نفسه بالتفكري واهتدى من وراء تفكريه إىل خالقه ي صفحات هل فأناب إليه وأقبل عليه تعاىل بكليته، فهنالك ميسح النور اإل

�� {: النفس فيعيد إليها طهارا ونقاءها ويرجع ا إىل فطرا قال تعاىل� � �� C &# D�E� F��+G 6 �� !�"��# �� $%�# &# ��

�@>-3��H�� 6 !�"��# ��IJ/ "�K�� -�9�?�# -��# ، �MN"O�# #>-3�/�� -P>?%G#�� Q��7 �R+��-0�RJ��ST# ��0 #>B>KG 6��{)٢(.

فمن فكر وأناب وأقبل على اهللا تعاىل . دباروهكذا فاملسألة مسألة إقبال وإحتلت نفسه بالفضائل وطهرت من العلل وامتألت بالكمال، ومن استكرب

.وأعرض احنطت نفسه وتدنت وتلوثت بالعلل املعنوية واألدران

). ٣١- ٣٠(اآلية : سورة الروم )٢( ). ١١(اآلية : سورة الرعد )١(

çe‹ÕÜa@Þîìdm@ânî@çbºfibi )اإليمان(أول المدارس العليا للتقوى

٤٦

�و��א��ن�� ن�

ليس بوسع اإلنسان، أي إنسان أن يؤول القرآن مهما بلغ من الثقافة ومهما حصل من العلوم حىت ولو حفظ القرآن، وروى األحاديث بأسانيدها واطلع على مجيع املذاهب وعرف اللغة ومصطلحاا من حنو وصرف وغريها، كل

د وأساسي، به يرى القرآن وقد توضحت هذا ما كان ليكفيه إال بشرط واحله معانيه ووجده مرتابطا متناسقا يدور حول نقطة أساسية وهذا الشرط هو

�� ..{: قال تعاىل. إال اهللا إلهاإلميان بال �� ! "#%"&��! �� ' �� "#%(�)� * �+��",�� - �� ./..{)١(.

من هذا املنطلق يؤمن باليوم اآلخر ومالئكته وكتبه ورسله عندها يرى كل ما يف القرآن من أوامر ونواه وكل ما فيه من عرب وحكم وأمثال، وكل ما يأمر به تعاىل من صالة وصيام وحج وزكاة وأمر باملعروف وي عن املنكر إن هي إال

ة ليقربه ا إليه ولي كل، وال إلهعلم بأنه ال أوامر خريإال هو، فال يعتمد وال يتيطلب، وال يستعني إال به وبدونه ال حتصل له زكاة وطهارة، ولن يكون عنصرا صاحلا للمجتمع مهما كانت الرتبية ومهما كانت الثقافة اليت تلقاها

وإذا مل ي،هل فإن مل تكن معاينا وممارسا ومشاهدا التسيري اإل. من دونه تعاىلحتصل لك حالوة اإلميان، ومل تتذوق الرمحة، والعدل والكرم، وإن مل تعلم

). ٤٤(اآلية : سورة فصلت )١(


٤٧

علما يقينيا بأنه ال فاعل إال اهللا، وأنه ال يتحرك متحرك وال يسكن ساكن إال فالقائد إذا مل . من بعد إذنه، فكيف تستطيع أن تؤول القرآن وتفقه مراميه؟

أن خيطئ مهما درس وتعلم، وامليكانيكي إذا مل يدرس القتال عمليا، ال بدير اآللة وحركتها ومل خيتربها بنفسه فإن علمه عنها يبقى يف احلدود النظرية، وكذلك اإلنسان قد يسمع وقد يقنع ويصدق بفكره فيعرف أن الرزاق هو

ه، اهللا، ولكن ال يتكل عليه كليا، ويعلم أن النصر من اهللا ولكنه يتهيب غري وقد تصيبه مصيبة فتثور ثائرته، وينسى بأن ما أصابه إمنا جاء نتيجة ما قدمت يداه، فأوىل له أن يرجع إىل نفسه، ال أن يتهم غريه، ومبعىن أمشل إن العلوم النظرية عامة وعلوم الدين خاصة ال تساوي شيئا دون احملك العملي،

.يا فإذا مل يتبع النظر العمل فإن علمه يظل سطحإن البعيد عن اهللا ال يعرف مراده تعاىل، وهل باستطاعة إنسان أن يعرف مراد

وإن الظن ال يغين عن . إال من قبيل الظن والتخمني؟. ومغزى من ال يعرفه؟إن القرآن حق، والبعيد عن اهللا ال يعرف إال الباطل، فكيف . احلق شيئا

نسان ال يفهم مراد رب العاملني فاإل. يستطيع املعرض أن يعرف احلق ويبينهوال يستطيع أن ".. أي ال يفهم القرآن إال إذا كان قريبا من الذي نزل القرآن"

يتقرب منه إال إذا سلك طريق اإلميان به، وذا التقرب ينطبع يف نفسه احلق ي، بعدها إذا نظر هل من صاحب احلق، وتغدو نفسه مملوءة من الكمال اإل

رآن وتدبر آياته جيده احلق من ربه فال يؤوله إال مبا يتوافق والكمال إىل الق


٤٨

فكلما عال اإلميان مسا التأويل، وكلما مسا التأويل فإن تنزيه احلضرة . يهل اإل .ية يكون أكملهل اإل

هو األساس يف تأويل القرآن، أما اللغة وما فيها من حنو وصرف : اإليمانغة وبيان، والتاريخ وما حيويه من العلوم القرآنية واألدب وما فيه من بال

وأسباب نزول اآليات، والسري والعرب واحلوادث، إن هي إال علوم مساعدة .وثانوية بالنسبة لإلميان

ما نزل القرآن على قلبه الطاهر وال استطاع أن يفهم مراد رب �إن الرسول مجيعا بالقرب منه تعاىل وهو العاملني إال بإميانه الرفيع، فهو الذي فاق اخللق

الذي أصبح باألفق األعلى من بني الرسل الكرام، فشاهد من آيات ربه كل . الكربى وما كذب فؤاده ما رأى بل هي أشد وضوحا من رؤيته البصرية

ذلك ما كان إال عندما أضحى قاب قوسني أو أدىن، فأوحى اهللا يف قلبه ما

� {: قال تعاىل. ة اليت من أجلها خلقواأول اخللق يف الغاي �فهو . أوحى ��1��2�� 34�5 �(67 �� /"84'�� +�9 "+:{)١(.

: قال تعاىل. وهلذا ما نزل القرآن العظيم على قلبه إال باحلق وجبدارة

}3�;( <=�>��1�� ?��;(5 <=�>��1��..{)٢(.

). ١٠٥(اآلية : سورة اإلسراء )٢( ).٨١(اآلية : سورة الزخرف )١(


٤٩

فقد تعلم منه علما وفهم من القرآن فهما مل ولن يبلغه أحد من العاملني قال

� 9�. 1�@ {): ٤٣(تعاىل يف سورة الرعد A�B'�� C"D� ��'�9 �� 3�E��F�GH�� #�! �?��"�! "�� "#H��"&�1�� I"&�1 ��&%�أي ومن عنده علم . مثلي؟: }

كل ما جاء به من سنن وكل ما روي عنه من أحاديث إمنا . اب مثلي؟الكت .جاء ا القرآن الكرمي ومن علمه العايل به

إن القرآن حبر ما فرط اهللا فيه من شيء، وهو تبيان لكل شيء من أمور ر . العبادة، والسنن، والشرائع املنظمة للفرد واجلماعة والدولة والدول ولن يقد

ولن يقدر فضله إال من سلك مسلكه وأحبت نفسه نفسه حبا علم الرسول وكل من يف . تضاءل أمامه حب ابنه وزوجته وأمه وأبيه وعشريته اليت تؤويه

األرض مجيعا حىت نفسه اليت بني جنبيه، فعندئذ يعلم طرفا من علم الرسول إلمجاع متممة ومن اخلطأ أن يعترب احلديث والسنة وا. هلذا الكتاب الكرمي

من هذا الكتاب، �للقرآن، بل هي قواعد عملية ونظرية استنبطها الرسول مل يأت من عنده بشيء وليس هو حباجة إىل شيء، ففي �فالنيب حممد

.القرآن تفصيل لكل شيءإن القرآن نزل على قلبه يف ليلة قدر اهللا فيها حق قدره، قدر رمحته وعطفه،

ظمته، مث رتله عليه آية إثر آية وسورة بعد سورة حبسب وحنانه وعدله، وع

��K�4 �� );>3 ..{: الظروف واملناسبات، قال تعاىل ��<&�LG� �'9�� N"&�: ��;(5��


٥٠

�+��'�H�G�� "#�%��2�� "#%"&�إنه شاهد احلق وعاينه فجاء القرآن تثبيتا .. )١(}:من قبل لقد نزل القرآن على قلبه الطاهر يف ليلة مباركة وتصديقا ملا شاهده

من شهر مبارك يف ليلة القدر اليت هي خري من عبادة إنسان قضى يف عبادته .ثالثة ومثانني عاما ونيف

هذا الشهر هو شهر التقوى، فيه تصفو النفس يوما بعد يوم وتزكو بإقباهلا يامه وقيامه، وصدقه، حىت إذا ما على اهللا بالثقة اليت اكتسبها املرء من ص

بلغت النفس العشر األواخر تكون قد استوت وزكت، فيكشف اهللا هلا ما يكشف يف صالة الرتاويح، فتصبح وقد غدت عاملة بقدرته وعظمته، مستسلمة للحق، ال تلتفت إىل سواه، حمفوظة بسالم حىت مطلع فجر

��B'"R�A�� QP� 8�� .�G�O�{: قال تعاىل. اآلخرة� S{)١(.

} T1 �C<LU�� N��9 V��8�� W�"/�X �+�'E�� T&��! 3<;( -�� '�9 �� 3� �� A&Y"'Y �?��Y�Z�� [�\��,7{)٢(.

أي كذلك حنن نزلناه مجلة واحدة مث رتلناه عليك ببيان، وبالغة عالية حسب دك، وليكون تأكيدا وشاهدا لك على ما شاهدته املناسبات، ولنثبت به فؤا

من احلق قبل أن ينزل عليك ثانية وتضعه يف مصاحف وأي إنسان يسلك فإنه يرى يف القرآن انطباعاته النفسية، أي أن القرآن �مسلك رسول اهللا

). ٤٤(اآلية : رة النحلسو )١( ). ٣٢(اآلية : سورة الفرقان )٢( ).٥(اآلية : سورة القدر )١(


٥١

يعكس مشاهداته العملية، ويرى تطابقا بني ما شاهده بنفسه وبني ما .اد ثقة ويزداد إميانا وابتهاجا شاهده يف القرآن فيزد

��S"�4 {: قال تعاىل� �� ]&�Y "#�%��&"!5 ��'Y 3��B4'�� .�: 3;(5 �� 2/�B �):��4^�� S�� LG9�7 �4�� 41�Z �+��E�� <=�>�� 7�'�! �4/�{)٣(.

}�"&� * �?��;(5 ��(:��Z�"�� 4�9 ��(: _W9�Z��L�� _W{)١(.

} ��`� �� _a��<&�1�� K�4�� +�"'E�� T&7 3;(5 b�� +�c��Z �'"%�+� '��..{)٢(.

). ٨٣(اآلية : سورة املائدة )٣( ). ١٨٥(اآلية : سورة البقرة )٢( ).٣(اآلية : سورة الدخان )١(

الإيمان أوّل المدارس العليا للتقوى

Spiritual