باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

211
ﺍﳌﻌﺬﺑﲔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻧﻈﺮﺍﺕ ﻓﺮﻳﺮﻱ ﺑﺎﻭﻟﻮ ﺍﻷﺭﺽ1 ﻓﺮﻳﺮﻱ ﺑﺎﻭﻟﻮ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﳌﻌﺬﺑﲔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﻧﻈﺮﺍﺕ

Upload: mountasser-choukri

Post on 12-Apr-2017

324 views

Category:

Education


23 download

TRANSCRIPT

Page 1: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

1

باولو فريري

نظرات يف تربية املعذبني يف األرض

Page 2: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

2

ترمجة

مازن احلسيين

دار التنوير للنشر و الترمجة و التوزيع

بالتعاون مع

املركز الفلسطيين لقضايا السالم و الدميقراطية

نظرات يف تربية املعذبني يف األرض: اسم الكتاب

Pedagogy of the Oppressed

Paulo Freire –باولو فريري : ؤلف اسم امل

Mazen Husseini –مازن احلسيين : اسم املترجم

Page 3: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

3

2002:تاريخ النشر

دار التنوير للنشر و الترمجة و التوزيع: اسم الناشر

بالتعاون مع

املركز الفلسطيين لقضايا السالم و الدميقراطية

مجيع احلقوق حمفوظة للناشر

الطبعة األوىل

ر التنوير للنشر و الترمجة و التوزيعدا

املركز الفلسطيين لقضايا السالم و الدميقراطية

Page 4: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

4

فلسطني-رام اهللا

Page 5: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

5

Page 6: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

6

اإلهداء

إىل املضطهدين ، و إىل أولئك الذين يعانون معهم

و يناضلون إىل جانبهم

باولو فريري

Page 7: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

7

Page 8: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

8

كلمة من املترجمألوفة اليت جيري تداوهلا كل يوم يف العامل العريب ، اسم باولو فرييري ليس من األمساء امل

ولعله ليس معروفا على اإلطالق خارج نطاق حلقة ضيقة للغايـة مـن املتخصـصني بفلسفة التربية والتعليم ، فأفكاره ونظرياته ، ال سيما يف جمال حمو األمية بني الكبـار ،

ميـق اجلهـل واالغتـراب ال ميكن أن تكون حمل اهتمام أنظمة تعمل جاهدة على تع جل مهها " تعليمية " وتغييب املواطنني عن تشكيل واقعهم ، أو مصدر اهلام ملؤسسات

.األنظمة القائمة وتوفري الغطاء الفكري والنظري ملمارستها تلك " إثبات شرعية "

كرس فرييري حياته ، منذ مطلع شبابه ، إىل حتويل العمل إىل سـالح فعـال خيـدم يعمل بشكل فعال على حتريرهم من خوفهم وصمتهم وما يتعرضون لـه املضطهدين و

من اضطهاد واستغالل ، مل ينظر إليه باملنظور التقليدي املادي السائد الذي يسري آليات ، بل ) العلم يفتح آفاق عمل جديدة ويتيح الفرصة لتحسني األوضاع املادية ( السوق

ثقافـة " على االنعتـاق مـن " يف األرض املعذبني" أراد أن يكون األداة اليت حتفز . استعداده لتغيريه و ال بل حتديه ،التصدي ملواجهة العامل ومسائلته و" الصمت

عملية حوارية " لى أا نظر إىل العلم ، وبالتحديد إىل عملية حمو األمية بني الكبار ، ع فـك " تعلم األمـيني أداة حيوية وفعالة من أدوات التنمية االجتماعية ، ليس ألا "

والقراءة والكتابة فحسب ، بل ألا جيب ، بالدرجـة األوىل ، أن تـرتبط " احلروف خوفهم "و " صمتهم " من " األميني " ارتباطا عضويا بادراك الواقع وفهمه وبإخراج

ودفعهم إىل إدراك الواقع وفهمه وحتديه وحتويره ، فقد آمن إميانا " استسالمهم " و " ميلـك " مطمورا حتت ثقل الـصمت "أو " جاهال " اسخا بأن اإلنسان ، مهما كان ر

Page 9: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

9

نظرة انتقادية ويسائله وحياوره ويتحداه ، ويف النهايـة "عامله " القدرة على النظر إىل مـن حيوره ، كل ما حيتاجه هو األدوات املالئمة اليت متكنه من هذه املواجهة ، ولعل

. التعليم أن يوفرها شأن

وصفه أحد جنراالت احلكم العسكري األسود ، الذي خيم على وطنه الربازيل ، يف مبساعدة الواليات املتحدة األمريكية إياها اليت ( منتصف الستينات من القرن العشرين

" .حول التعليم إىل أداة هدامة " بأنه ) تصدر األوامر إىل حكام العرب وتوجههم

رسيفه ، اليت تعترب من أفقر املناطق يف الربازيل ، ومـن يف 1921ولد فرييري عام اكثر املناطق ختلفا فيما يعرف بالعامل الثالث ، خرب العوز واحلاجـة وعـرف اجلـوع

من ، واضطر يف فترات خمتلفـة آللبيت املستقر الذي يوفر السقف ا والتسول وغياب ا لكل ذلك تأثريه العميـق إىل االنقطاع عن الدراسة والدخول إىل سوق العمل ، فكان

االدراك بأن اجلهل واخلمول والالمباالة " الذي ال ميحى على نفسيته ووعيه وما امساه فتوصل إىل استنتاج " واالجتماعية والسياسية هي نتاج مباشر مل اهليمنة االقتصادية

شكل عماد نظرياته الالحقة ، وهو أن نظام التعليم يشكل أحـد األدوات األساسـية ثقافـة اخلـوف " ، و لنـشر " يف األسر " اليت تستخدم لإلبقاء على الطبقات الدنيا

" .واخلنوع والصمت

دفعه إصراره وعناده وإدراكه لواقعه وتصميمه على تغيريه إىل الدراسة والتخصص يف وتشكيل " كسر الطوق " دف مساعدة أبناء جلدته على التمرد و ،التربية والتعليم

أسـتاذا لتـاريخ 1959ذي يليق م كآدميني ، وعمل بعد خترجه يف عام الواقع ال م األميني حيوهلم من جمرد وفلسفة التربية يف جامعة رسيفه ، حيث توصل إىل منهج لتعلي

، قامت مؤسسات عديدة ، منها مجعيـات كاثوليكيـة ، " إىل مشاركني " ني متلق"

Page 10: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

10

انقالب اجلنراالت توقف العمل بالتجربة بتطبيقه يف مشال شرقي الربازيل ، وعند وقوع النشاط اهلدام وتشكيل خطر على أمن البالد " تلك والقي القبض على فرييري بتهمة

رغم انه مل ينتم يف يوم من األيام إىل حزب سياسي ، بل من املرجح أنه كان أقرب " ( سجن ث يف ال مك) منه إىل األحزاب السياسية " الالهوت التحرري " إىل ما يعرف بـ

تـشيلي ، لتعذيب واإلهانة ، مث طرد من وطنه ، فذهب إىل سبعني يوما تعرض فيها ل تحـدة للعلـوم والثقافـة والتربيـة منظمة األمم امل يف حيث عمل خلمس سنوات

ومع املعهد التشيلي لإلصالح الزراعي ، مث هاجر إىل الواليات املتحدة ،)اليونسكو (ة التربيـة ، مث يل اليت عمل فيها لفترة كمستشار لك جامعة هارفرد األمريكية ، فتلقفته

انتقل إىل جنيف بسويسرا ليعمل مستشارا خاصا ملكتب التعليم التابع لس الكنائس .العاملي

كتب فرييري العديد من املقاالت يف فلسفة التربية وحمو األمية والتنميـة االجتماعيـة بيداغوجيا املضطهديني " ية وله العديد من املؤلفات ، آخرها باللغتني الربتغالية واألسبان

كما يف بقية -ن لنظام التعليم يف بالدنا أ اللغة العربية ، أميانا منا ب الذي قمنا بنقله إىل " دور أساسي يف عملية حترير املواطن من خوفه وصمته ومن القيود اليت -بلدان العامل

فكما يقول عية املتزايدة لقوى ودول خارج حدودنا ، تفرضها عليه أنظمة احلكم والتب مسه عملية تعليم حمايدة ، فالتعليم أمـا أن يلعـب دور أداة اال يوجد شيء " :فرييري

،له تسهل عملية اندماج األجيال الصغرية يف منطق النظام احلايل وتؤدي إىل االنصياع نهلا يتمكن الرجال والنساء م ، تلك الوسيلة اليت من خال " ممارسة للحرية " أو يصبح

التعامل بشكل انتقادي وخالق مع الواقع، ويكتشفون كيف بوسعهم املـسامهة يف " .حتوير عاملهم

Page 11: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

11

وحنن إذ نضع هذا الكتاب بني أيدي قراء العربية ، حيدونا األمل بأن جيدوا فيه ما يفيد . ء الشاقة معركة حتررنا على كافة األصعدة ، وما يلهمنا يف عملية البنا

Page 12: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

12

متهيدبيـداجوجيا "أو " نظرات يف تربية املعذبني يف األرض "هذه الصفحات اليت أقدم فيها

، هي حصيلة مالحظايت يف السنوات الست األخرية من وجودي يف املنفى " املضطهدينو هي مالحظات أغنت سابقتها اليت قمت جبمعها خالل . الذي فرضته ظروف سياسية

.لتربوي يف الربازيل نشاطي ا

، و خـالل ) 1" (الـوعي "لقد واجهت خالل دورات التدريب اخلاصة بتحليل دور اخلوف مـن "التجارب الواقعية املتعلقة بالتعليم الذي حيقق التحرر احلقيقي ، واجهت

فغالبا ما كان املـشاركون يف . الذي نناقشه يف الفصل األول من هذا الكتاب " احلرية. بطريقة تنم عن خوفهم من احلرية " خطر الوعي "يب يلفتون األنظار إىل دورات التدر

الـوعي "أمر فوضوي، و يـضيف آخـرون ان " الوعي االنتقادي "كانوا يقولون ان ملاذا اإلنكار ؟ : و لكن البعض كان يعترف . قد يؤدي إىل اإلخالل بالنظام " االنتقادي

.كنت خائفا ، و لكن مل أعد خائفا اآلن

حلالة ظلم " إدراك الناس "ل إحدى هذه املناقشات ، كان اجلميع يناقش إن كان و خال و يف " . الشعور بايار عاملهم ايارا تامـا "أو " تعصب مدمر "معني قد تؤدي م إىل

خضم النقاش قال أحد األشخاص ، و الذي كان عامال لـسنوات عديـدة يف أحـد ال أستطيع القول إنـين . ن أصول عمالية لعلي الوحيد هنا الذي ينحدر م : "املصانع

] يف الدورة[ عندما بدأت -فهمت كل ما قلته اآلن ، و لكن بوسعي قول شيء واحد كنت ساذجا ، و عندما أدركت أنين ساذج أصبحت ناقدا ، و لكن هذا االكتشاف مل

."جيعلين متعصبا ، كما أنين ال أشعر بايار أي شيء

Page 13: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

13

ينم عن وجود فرضية ال يصرح ا دائما مـن " الوعي" لـ الشك يف النتائج احملتملة . من األفضل لضحايا الظلم أال يعرفوا أنفسهم على هذا النحو : يعتريه الشك و هي ، بل على العكـس ، يقـوم " تعصب مدمر "بالناس إىل " الوعي"يف الواقع ، ال يؤدي

يتحلون ) 2"(فاعلني"ة كـ العملية التارخيي " دخول"، من خالل متكينهم من " الوعي" .باملسؤولية ، بدفعهم إىل السعي الثبات أنفسهم ، و يتفادى بذلك التعصب

، التعلم علـى ادراك ) conscientizacao(، بالربتغالية " الوعي"يعين مصطلح (1)التناقضات االجتماعية و السياسية و االقتصادية و القيام بعمل ضد عناصر االضطهاد

املترجم–راجع الفصل الثالث . لواقع املوجودة يف ا

، أولئك الـذين يعرفـون و ) Subjects(، باإلجنليزية " فاعلون"يعين مصطلح (2) –معروفة و حمددة و حمط العمل ) Objects" (أهدافا"يعملون مقابل أولئك الذين هم

. املترجم

اعي ، و ذلـك إن يقظة الوعي االنتقادي تقود إىل التعبري عن مشاعر السخط االجتم . بالتحديد ألن مشاعر السخط هي مكونات حقيقية لوضع قمعي وجائر

. و اخلوف من احلرية ، الذي قد ال يدركه، بالضرورة، من ميلكه ، جيعله يرى أشباحا

. و يلجأ شخص كهذا ، يف الواقع ، إىل حماولة حتقيق أمن ، يفضله على مغامرة احلرية و املرء الذي مل جيـازف …فة باحلياة فقط يتم نيل احلرية بااز: "و كما قال هيجل

حبياته قد حيصل ، بال شك ، على االعتراف به كشخص ، و لكنه لن حيـصل علـى ."صدق هذا االعتراف كوعي مستقل بالذات

يف بعـض –نادرا ما يعترف الناس صراحة خبوفهم من احلرية ، بل حياولون إخفـاءه

Page 14: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

14

هر بأم محاة احلرية ؛ و يضفون على شكوكهم و ختوفهم بالتظا-األحيان دون وعي و لكنهم خيلطون بني احلرية و احلفاظ . جوا من الوقار العميق الذي يليق حبماة احلرية

يهدد الوضع القائم املعين ، سـيبدو " الوعي"على الوضع القائم ، حبيث أنه إذا كان .عندئذ أنه يشكل ديدا للحرية ذاا

فجـذوره " . بيداجوجيا املضطهدين ] "كتاب[ر و الدراسة مل يؤديا إىل مولد إن الفك ) الفالحني و احلضريني (تكمن يف أوضاع ملموسة ، كما أنه يصف ردود فعل العمال

و أفراد من الطبقة الوسطى ، قمت مبراقبتهم مباشرة أو بشكل غري مباشـر خـالل يف -راقبة الفرصة لتصحيح أو إثبات و سيوفر يل استمرار امل . مسرية عملي التعليمي

. النقاط اليت أقترحها يف هذا العمل الذي هو مبثابة مقدمة -دراسات الحقة

فالبعض سيعترب موقفي مـن . رمبا سيثري هذا الكتاب ردودا سلبية من عدد من القراء موضوع التحرر اإلنساين جمرد موقف مثايل خالص ، أو حىت يعتـرب مناقـشة املهمـة

نطولوجية، احلب ، احلوار، األمل ، التواضع و العطف ، كـضرب مـن اهلـراء األشجيب حلالة االضـطهاد الـيت ) أو ال يرغبون يف قبول (و لن يقبل آخرون . الرجعي

و إنين . و بالتايل فإن هذا العمل التمهيدي موجه إىل الراديكاليني . تكافئ املضطهدين الذين قد خيتلفون معي حول جزء من العمل أو – متأكد بأن املسيحيني و املاركسيني

أما القارئ الذي سيتخذ بشكل متعـسف . سيستمرون يف قراءته حىت النهاية –كله .فسريفض احلوار الذي آمل أن يبدأه هذا الكتاب " ال عقالنية"مواقف مغلقة

، ، اللذين يتغذيان علـى التعـصب ) Sectarianism( إن ضيق األفق و االنعزالية يؤديان إىل العجز دائما ، بينما الراديكالية ، اليت تغذيها الروحية االنتقادية ، خالقـة

، ) 1" (االغتـراب "االنعزالية تضفي اخلرافات و تؤدي ، بالتايل ، إىل . على الدوام

Page 15: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

15

الراديكالية . بينما الراديكالية تنتقد و بالتايل حترر

سفية ، تعرب عن حتول نتـائج النـشاط إىل مقولة فل) : Alienation(االغتراب (1)شيء غري متوقف على اإلنسان و غري مسيطر عليه،و عن تشوه طابع النشاط البشري، حبيث يفقد مضمونه اخلالق و يتجرد اإلنسان من شخصيته، إذ تكتسب العالقـات

كان ماركس أول مـن بـين أن . االجتماعية بني الناس صورة عالقات بني األشياء تراب يف اتمع الطبقي التناحري يأيت حصيلة التقسيم العام للعمل، و ينعكس يف االغ

= سيطرة امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج

حتتوي على مزيد من االلتزام باملوقف الذي اختاره املرء ، و بالتايل انغماسا أكـرب يف اليـة ، لكوـا ال و بالعكس ، فـإن االنعز . اجلهد لتغيري الواقع امللموس املوضوعي

) .و بالتايل غري قابل للتغيري( زائف " واقع"عقالنية و تولد خرافات ، حتول الواقع إىل

و لـسوء احلـظ ، ال . تشكل االنعزالية ، يف أي موقع ، عقبة يف انعتاق اإلنـسان ر فليس من الناد . راديكالية الثوريني : تستحضر الصيغة اليمينية دائما نظريها الطبيعي

أن يصبح الثوريون أنفسهم رجعيني بوقوعهم يف االنعزالية خالل الرد علـى انعزاليـة و لكن جيب أال يؤدي هذا االحتمال بالراديكايل ألن يصبح بيـدقا طيعـا يف . اليمني

فليس بوسعه ، و هو املنغمس يف عملية التحرير ، أن يبقى سلبيا أمـام . أيدي النخب . عنف املضطهد

فبالنسبة له ، يوجد اجلانب . ية األخرى ، ال ميكن أن يكون الراديكايل ذاتيا من الناح الواقع امللموس الذي هو هدف و حمـط (الذايت فقط يف العالقة مع اجلانب املوضوعي

) . حتليله

Page 16: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

16

و هكذا جتتمع الذاتية و املوضوعية يف وحدة جدلية تنتج معرفة بالتضامن مع العمل ، .و بالعكس

، ) أو ال يستطيع أن يدرك (زايل ، من جانبه ، و مهما كانت قناعته ، ال يدرك إن االنع و إذا فكر . أو أنه يصورها بشكل خاطئ –و قد أعمته ال عقالنيته ، ديناميكية الواقع

الذي سبق و (و االنعزايل اليميين ". جدلية مدجنة "بشكل جديل ، فإنه يفعل ذلك بـ " تـدجني "يريد إبطاء العمليـة التارخييـة ، و ") يل باملولد انعزا"أن أطلقت عليه صفة

أما اليساري الذي حتول إىل انعزايل فهو يضل الطريق . الزمن، و بالتايل تدجني الناس ).1(كلية عندما حياول تفسري الواقع و التاريخ جدليا ، و يقع أساسا يف مواقف جربية

ي يف أن األول حياول تدجني احلاضر حبيث و خيتلف االنعزايل اليميين عن نظريه اليسار بإعادة إنتاج احلاضر املدجن ، بينما الثاين يعترب املـستقبل ) هكذا يأمل (يقوم املستقبل املرتبط باملاضـي " اليوم"إن . نوعا من القدر احملتوم ، احلظ أو املصري –مقررا مسبقا

أما بالنسبة لالنعزايل اليساري . هو ، بالنسبة لالنعزايل اليميين ، شيء مفروض ال يتغير و هذان املوقفان ، اليميين و اليـساري ، . هو مقرر سلفا ، قدر ال راد له " الغد"فإن

مها موقفان رجعيان ، ألما يتوصالن ، انطالقا من نظرتيهما اخلاطئتني للتـاريخ ، إىل حسن" حاضرا"و كون أحدمها يتصور .أشكال عمل و نشاط تنكر احلرية

ان الناس يقيمون العالقات يف ما بينهم بشكل عفوي ، .و استغالل اإلنسان لإلنسان =لذا فان النشاط االجتماعي املشترك و نتائجه و روابـط . و ليس بوسعهم التحكم ا

الناس االجتماعية تتبدى بالنسبة لكل فرد و ملختلف الفئات االجتماعية شيئا غريبـا اعي الذي صنعه اإلنسان عاملا معاديا له و مسيطرا عليه ، عنهم ، و يغدو العامل االجتم

.املترجم–فيضطر إىل التالؤم مع هذا العامل على حنو أو آخر

Page 17: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

17

نظرة إىل التاريخ وحياة اإلنسان كشيء حمدد مسبقا من ) : Fatalism( اجلربية (1)تـصورات قبل اإلله أو املصري أو القانون املوضوعي للتطور ، و ما ينبع عن ذلك من

. املترجم–حول تعذر تغيريمها باجلهود البشرية أيا كانت

حمتوما ال راد له ، ال يعين أما يقفان مكتـويف " مستقبال"السلوك ، و اآلخر يتصور األيدي

، و الثاين ينتظر أن يتحقق " احلاضر" األول يتوقع استمرار –: و يتحوالن إىل متفرجني العكس ، يقوم هؤالء األشـخاص ، الـذين سـجنوا بل على . املعروف " املستقبل"

. اخلاصـة " حقائقهم"ال يستطيعون الفرار منها ، خبلق " دوائر من اليقني "أنفسهم يف أشخاص يناضلون لبناء املستقبل ، و يتعرضون ملا يف عملية البناء " حقائق"إا ليست

جنب و يتعلمون كما أا ليست حقائق أشخاص يناضلون جنبا إىل . تلك من أخطار الذي هو ليس شيئا مقررا على الناس تلقيه، بل على –معا كيف يبنون هذا املستقبل

إن كال النوعني مـن االنعـزاليني ، اللـذين . العكس شيء يتعني على الناس خلقه وهو أسـلوب –يتعامالن مع التاريخ بطريقة التملك ، ينتهيان إىل االبتعاد عن الناس

.موقف ضد الناسآخر الختاذ

وال يفعل أكثر من " حقيقته"يف الوقت الذي يقوم فيه االنعزايل اليميين بإغالق نفسه يف إجناز دوره الطبيعي ، يقوم اليساري الذي يصبح انعزاليا و متصلبا بإنكار طبيعته نفسها

، يـشعر بـاخلطر إذا جـرى "حقيقته"إال أن كل واحد منهما ، و هو يدور حول . " حقيقته"و هكذا ، يعترب كل واحد منهما أي شيء غري " . احلقيقة"يف تلك التشكيك

كالمها يعاين : "و كما قال يل يف يوم من األيام الصحفي مارسيو موريرا الفيس . كذبة ".من غياب الشك

Page 18: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

18

يقـوم أيـضا " حلقة يقني "إن الراديكايل امللتزم بالتحرر اإلنساين ، ال يصبح سجني ، بل على العكس ، كلما ازداد راديكالية ، كلما أخذ يلج بشكل بسجن الواقع فيها

. أمت يف الواقع ، حبيث يستطيع تغيريه بشكل أفضل ، و قد تعرف عليه معرفة أفـضل إنـه ال . إنه ال خياف مواجهة العامل و قد تكشف ، و ال خياف االستماع إليه و رؤيته

، و هو ال يعترب نفسه مالكا ) 1(معهم خياف االجتماع إىل الناس أو الدخول يف حوار للتاريخ أو للناس ، أو حمررا للمضطهدين ، و لكنه يلتزم ، يف إطار التاريخ ، بالنضال

.إىل جانبهم

املضطهدين ، اليت نقدم عناصرها األولية يف الصفحات ) Pedagogy(إن بيداجوجيا . ا االنعزاليون التالية ، هي مهمة للراديكاليني ، و ال ميكن أن يضطلع

سأشعر باالرتياح لو وجد بني قراء هذا الكتاب من يتحلون بنقد كاف ليصححوا مـا أكون قد وقعت فيه من أخطاء و سوء فهم ، و ليعمقوا ما فيه من تأكيدات و يشريوا

و من احملتمل أن البعض قد يشكك يف حقي يف مناقشة العمل . إىل جوانب مل أدركها لثوري ، و هو الثقايف ا

يف احلـزب ، ’ األكادمييني’طاملا بقيت املعرفة النظرية من امتيازات حفنة من " (1) Reform orروزا لكـسمبورج ، : ، راجـع " فام سيتعرضون خلطر أن يضلوا

Revolution ــا ــه C.Wright Mills ، أورده ، The Marxists يف كتاب ) 1963نيويورك ، (

و لكن كوين مل أشارك شخصيا يف عمل ثوري . ربة ملموسة موضوع ليست يل فيه جت باإلضافة إىل ذلك ، لقد قمت خالل جتربيت كمرب . ال ينفي إمكانية تفكريي يف األمر

Page 19: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

19

الذي يطرح املشاكل و القضايا ، جبمع ) 1" (احلواري"مع الشعب ، يستخدم التعليم .أكدته يف هذا العمل ثروة نسبية من املواد حفزتين على اازفة بتأكيد ما

و آمل ، على األقل ، أن تدوم ، من خالل هذه الصفحات ، ثقيت بالشعب ، و إمياين .بالناس و خبلق عامل تكون احملبة فيه أسهل

باولو فريري

Page 20: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

20

املترجم--) Dialogue" (حوار"نسبة إىل (1)

الفصل األول

،اليت كانت على الدوام ، مـن ) Humanization) (1" (األنسنة"أصبحت قضية وجهة نظر القيم ، هي القضية املركزية بالنسبة لإلنسان ، تكتسب طابع اهتمام ال مفر

التجريـد مـن "يؤدي على الفور إىل اإلقرار برتعة " األنسنة"االهتمام بـ ) 2.(منه و مـع . ، ليس فقط كإمكانية تتعلق بعلم الكائنات ، بل كواقع تـارخيي " اإلنسانية

احتماال " األنسنة"إدراك املرء ملدى التجرد من اإلنسانية يأخذ بسؤال نفسه إن كانت ففي إطار التاريخ ، ويف سياق موضوعي ملموس، تـشكل . ممكنا قويا قابال للحياة

احتمالني بالنسبة لإلنسان بوصـفه كائنـا غـري " نسانيةالتجريد من اإل "و " األنسنة" . مكتمل ، واعيا لعدم اكتماله

و التجريد من اإلنسانية كخيارين حقيقيني ، فإن اخليـار " األنسنة"و لكن مع وجود و جيري باستمرار نفي هذا العمل ، و مـع . األول وحده هو عمل اإلنسان و مهنته

و يتم إحباطه بالظلم و االستغالل و االضطهاد و عنف .ذلك يتأكد بفعل النفي ذاته املضطهدين ، و جيري تأكيده حبنني

.و توق املضطهدين للحرية و العدالة ، و بنضاهلم الستعادة إنسانيتهم الضائعة

Page 21: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

21

أما التجريد من اإلنسانية ، الذي يترك بصماته ليس فقط على أولئك الذين سـلبت على أولئك الذين سلبوا تلك اإلنـسانية ، ) ولكن بطريقة أخرى (إنسانيتهم، بل أيضا

حيدث هذا التشويه يف إطار التاريخ ، . فهو تشويه ملهنة جعل املرء أكثر اكتماال إنسانيا يف الواقع ، إن االعتراف بأن التجريد من اإلنسانية هـو . و لكنه ليس مهمة تارخيية

ف أو إىل مهمة تارخيية سيؤدي إما إىل االستخفا

و تعين عملية إضفاء الرتعة اإلنسانية ، و " اإلنسانية"كلمة منحوتة من : األنسنة (1) هي من الناحية الفلسفية نظرة ترى يف اإلنسان أرفع القيم ، و تدافع عـن حريتـه و

. املترجم-و يستخدمها املؤلف يف هذا الكتاب ذا املعىن . تطوره من كل اجلوانب

تمرد الراهنة ، ال سيما حركات الشباب ، مع أا تعكس بالـضرورة حركات ال (1)خصائص األماكن اليت جتري فيها ، فإا تبدي يف جوهرها هذا االنشغال باإلنـسان و

و " مـاذا " انشغال بـ –بالناس ككائنات يف هذا العامل ، و كذلك يف كوم مع العامل فيهـا حـضارة االسـتهالك ، و يف الوقت الذي حيـاكمون . هم يعيشون " كيف"

تغـيري الطـابع (ويشجبون البريوقراطيات بشىت أنواعها و يطالبون بتحويل اجلامعات يقترحون تغـيري ) اجلامد لعالقة األستاذ و الطالب وضع تلك العالقة يف سياق الواقع

الواقع نفسه حىت ميكن جتديد اجلامعات و مهامجة األنظمة القدمية و إقامة مؤسسات يف ان مجيع هذه احلركات تعكس أسلوب . للقرارات " فاعلني"اولة لتثبيت الناس كـ حم

عصرنا الذي هو أنثروبولوجي، أكثر من كون اإلنسان قطب الرحى يف كل شيء ، و .أنه الغرض األمسى يف هذا الكون

، من أجل حترير العمـال و التغلـب علـى "األنسنة"فالنضال من أجل . اليأس التام لـو مت اإلقـرار [ و تأكيد مكانة الناس كأشخاص سيكون غري ذي معىن " اباالغتر"

Page 22: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

22

و النضال ممكن فقط ألن التجرد من اإلنسانية ] . بالتجرد من اإلنسانية كمهمة تارخيية ، على الرغم من كونه حقيقة تارخيية ملموسة ، ليس مصريا حمتوما، لكن نتاجا لنظـام

. ، و جيرد ، بدوره ، املضطهدين من إنسانيتهم غري عادل يولد العنف يف املضطهدين

، سيدفع إن عاجال أم آجال ، إىل النضال ضد مـن " األقل إنسانية "وضع املضطهدين و يـتعني . بأم أكثر إنسانية ] للزعم[جعلوهم كذلك ، ألن هذا الوضع هو تشويه

يف سـعيهم أال يتحولـوا بـدورهم ، – كي يكون لنضاهلم معىن –على املضطهدين إىل مضطهدين للمضطهدين ، ) وهي طريقة أخرى العادة خلقها( الستعادة إنسانيتهم

].املضطهدين و املضطهدين [بل أن يستردوا آدمية الطرفني

حترير أنفـسهم و : هذه ، إذا ، هي املهمة اإلنسانية العظمى و التارخيية للمضطهدين لـذين ميارسـون القمـع و االسـتغالل و فاملضطهدون ا . حترير مضطهديهم أيضا

االغتصاب حبكم ما ميلكون من سلطة ، ال يستطيعون إجياد القوة يف هـذه الـسلطة لتحرير املضطهدين أو حترير أنفسهم ؛ إذ أن السلطة اليت تنبع من ضعف املـضطهدين

سـلطة " لتخفيـف "و أيـة حماولـة . ستكون قوية مبا فيه الكفاية لتحرير الطرفني ضطهدين ، مراعاة لضعف املضطهدين ، تتجلى تقريبا على الدوام يف شكل كـرم و امل

و يتحتم على املضطهدين ، . و يف الواقع ، ال تتعدى احملاولة ذلك أبدا . سخاء زائفني ، أن يكرسوا الظلـم " كرمهم و سخائهم "من أجل أن تتوفر هلم الفرصة للتعبري عن

، الذي يتغـذى " السخاء" جائر هو الينبوع الدائم هلذا فوجود نظام اجتماعي . أيضا هذا الكرم الزائـف " يوزعون"هلذا السبب يتهور الذين . على املوت و اليأس و الفقر

.لدى أبسط ديد ملصدره

يتكون الكرم احلقيقي بالتحديد من الكفاح للقضاء على األسباب اليت تغذي و تنمي

Page 23: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

23

الـذين لفظتـهم "ان الزائف يقيد اخلائفني و املقهورين و فاإلحس. اإلحسان الزائف أما الكرم احلقيقي فيكمن يف السعي جلعل هذه األيدي . من مد أيديهم املرتعشة " احلياة

متتد أقل فأقل يف إبتهال و تضرع ، حـىت – أيدي أفراد أو أيادي شعوب بأكملها – .تصبح أكثر إنسانية تعمل لتغيري العامل

أن هذا الدرس و التدريب جيب أن يأيت من املضطهدين أنفسهم و من أولئك الذين إال سيقومون كأشخاص أو كشعوب ، من خالل نضاهلم الستعادة . يتضامنون حقا معهم

فمن هـم األفـضل اسـتعدادا مـن . إنسانيتهم ، مبحاولة استعادة الكرم احلقيقي قمعي ؟ من هم الذين يعانون أكثر مـن املضطهدين لفهم املعىن الفظيع تمع جائر و

مـن [املضطهدين من آثار االضطهاد ؟ من يستطيع فهم ضـرورة التحـرر أفـضل ؟ ام لن ينالوا هذا التحرر بالصدفة ، بل عرب ممارسة سعيهم له ، عـرب ] املضطهدين

بـسبب –و سيشكل هذا النضال ، يف الواقع . إدراكهم لضرورة النضال من أجله دف الذي حيدده له املضطهدين ـ عملية حمبة مقابل انتفاء احملبة اليت تكمن يف قلب اهل

.العنف الذي ميارسه املضطهدون ـ إنتفاء احملبة حىت و إن غلفت بكرم زائف

و لكن غالبا ما جينح املضطهدون ، يف املرحلـة األوىل للنـضال ، إىل أن يـصبحوا فبنيـة . ، بدال من الـسعي إىل التحـرر " ن فرعيني مضطهدي"مضطهدين أنفسهم أو

مثلهم . تفكريهم ذاا قد تطبعت بتناقضات الوضع الوجودي امللموس الذي شكلهم األعلى أن يكونوا رجاال ، و لكن كي يكون املرء رجال ال بد له ، بالنسبة هلـم ، أن

ع هذه الظاهرة من حقيقة و تنب. هذا هو منوذج اإلنسانية بالنسبة هلم . يكون مضطهدا " اإللتـصاق "أن املضطهدين يتبنون ، يف حلظة معينة من جتربتهم الوجودية ، موقـف

به بوضوح كاف ميكنهم " التفكري"ال يستطيعون ، يف ظل تلك الظروف ، .باملضطهد

Page 24: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

24

هذا ال يعين . ذام " خارج" أي اكتشافه –من جعل وجوده شيء فعلي خارج الذهن و لكن إدراكهم ألنفسهم بأم . املضطهدين ال يدركون أم مسحوقون بالضرورة أن

و عند هذا احلد مـن . يف واقع االضطهاد " انغماسهم"مضطهدون يشوبه خلل بفعل إدراكهم ألنفسهم بأم نقيض املضطهدين فإن ذلك ال يعين إم منغمسون يف النضال

ع إىل التحرر ، بل إىل االقتران بالقطب إم قطب ال يتطل ) . 1(للتغلب على التناقض .املضاد

على أنه اإلنسان الذي سيولد من " اإلنسان اجلديد "يف هذا الوضع ال يرى املضطهدون إن اإلنسان اجلديد ، بالنسبة . حل هذا التناقض عندما يتراجع االضطهاد أمام التحرر

إلنسان اجلديد هـي رؤيـة فرؤيتهم إىل ا . هلم ، هو أنفسهم وقد أصبحوا مضطهدين اإلدراك و الوعي بأم أشخاص – بسبب اقترام باملضطهد –فردية ، و ال يتوفر هلم

و هم ال يريدون إصالحا زراعيا كي يصبحوا أحرارا ، . أو أعضاء يف طبقة مضطهدة أو بكـالم أدق –بل من أجل أن حيصلوا على أراض و من مث يصبحون مالك أراضي

إىل مالحظ عمال " ترقيته"إن من النادر أن جتد عامال تتم . على عمال آخرين أسيادا و ال يصبح أكثر تسلطا و جورا من املالك نفسه على رفاقه السابقني ؛ و ذلـك ألن

فمالحظ العمـال ، يف هـذا . سياق وضع الفالح ، أي االضطهاد ، يظل دون تغيري ال –ون شديدا مبستوى صاحب األرض املثال ، يضطر كي حيافظ على وظيفته أن يك

و هكذا تتضح فرضيتنا السابقة اليت تقـول إن املـضطهدين جيـدون يف . بل أكثر " .الرجولة"املضطهد ، خالل املرحلة األوىل من نضاهلم ، منوذجهم لـ

ال بد حىت للثورة ، اليت تقوم بتغيير وضع اضطهاد ملموس بإرسائها عملية حترر ، من إن العديد من املضطهدين الذين يشاركون بشكل مباشـر أو . ذه الظاهرة مواجهة ه

Page 25: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

25

أن جيعلـوا منـها – و قد تطبعوا خبرافات النظام القدمي –غري مباشر بالثورة يريدون . ثورم اخلاصة

،كما هو مستخدم يف هذا الكتاب، يعين النـزاع اجلديل بني قوى "التناقض"تعبري (1) ترجماجتماعية متعارضة امل

، ذلـك ) 1(الذي يصيب املضطهدين " اخلوف من احلرية "ال بد من دراسة و تفحص اخلوف الذي قد يقودهم أيضا إىل الرغبة يف لعب دور املضطهد أو يـشدهم إىل دور

و أحد العناصر الرئيسية للعالقة بني املضطهد و املضطهد هـو اإليعـاز . املضطهدين )Prescription. ( على شخص آخر ، " اختياره"إيعاز قيام شخص بفرض و ميثل كل

و حتويل وعي الشخص املوعز إليه إىل وعي يتماشى ويتطابق مع وعي الشخص الذي و هكذا ، يكون سلوك املضطهد سلوكا موعزا به ، يتبع ، كما هـو . يقوم باإليعاز

.احلال ، توجيهات املضطهد

املضطهد و تبنوا توجيهاتـه ، خيـافون و يصبح املضطهدون ، و قد استلهموا صورة فاحلرية تتطلب منهم التخلص من هذه الصورة و االستعاضة عنها باالستقالل . احلرية

واحلرية يتم احلصول عليها بالغزو ، و ليس كهبة أو هديـة ، و . الذايت و املسؤولية جـد و احلرية ليست مثال أعلـى يو . جيب السعي إليها باستمرار و بشكل مسؤول

إا احلالة اليت ال غىن عنـها . خارج اإلنسان ، كما أا ليست فكرة حتولت إىل خرافة .يف السعي الستكمال اإلنسان

يتطلب من الناس للتغلب على حالة االضطهاد أن يتعرفوا بشكل انتقادي أوال علـى عل من من خلق وضع جديد ، جي – بالعمل اهلادف إىل التغيري –أسباا ، حىت يتمكنوا

Page 26: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

26

إال أن النضال من أجل إنسانية أكثـر . املمكن السعي إىل حتقيق إنسانية أكثر اكتماال و على الرغم مـن أن . اكتماال يبدأ بالفعل من خالل النضال احلقيقي لتغيري الوضع

جمردة من اإلنسانية و تجرد من اإلنسانية ، و تـؤثر " كلية"حالة االضطهاد ، و هي طهدين و أولئك الذين يضطهدوم ، فإن املضطهدين هم من جيـب على كل من املض

أن خيوض النضال بإنسانيتهم املقموعة نيابة عن الطرفني من أجل حتقيق إنسانية أكثـر فاملضطهد الذي هو جمرد من اإلنسانية ؛ ألنه جيرد اآلخرين من إنسانيتهم ، . اكتماال

.عاجز عن قيادة هذا النضال

ضطهدين ، الذين تكيفوا مع بنية السيطرة اليت غرقوا فيها و استسلموا هلـا ، اال أن امل سيتحرجون من خوض النضال من أجل احلرية ما داموا يشعرون بعدم القدرة علـى

باإلضافة إىل ذلك ، فإن نضاهلم من . اإلقدام على املخاطرة اليت يتطلبها ذلك النضال ، بل أيضا رفاقهم الذين خيـافون مـن وقـوع أجل احلرية ال يهدد املضطهدين فقط

و عندما يكتشفون يف داخلهم احلنني و التطلع إىل التحرر ، يـدركون . اضطهاد أشد أن باإلمكان حتويل هذا احلنني إىل واقع فقط عندما يستيقظ احلنني ذاتـه يف نفـوس

ة مناشـد - ما دام اخلوف من احلرية يسيطر علـيهم -و لكنهم سريفضون . رفاقهم .اآلخرين أو االستماع إىل نداءات اآلخرين ، أو حىت نداءات ضمائرهم

ميكن العثور أيضا على هذا اخلوف من احلرية يف املضطهدين ، و لكن ، كما هـو (1)فاملضطهدون خيافون من تبين احلرية ، أما املضطهدون فيخافون . واضح ، بشكل آخر

.ممارسة االضطهاد " حرية"من خسارة

م يفضلون العصبوية على الرفاقية احلقيقية ، و يفضلون أمان التكيف مع وضـعهم ا، على الشراكة اخلالقة وليدة احلرية ، و حىت على السعي لتحقيق احلريـة " غري احلر "

Page 27: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

27

.ذاا

فهم يكتشفون أم ال يـستطيعون . يعاين املضطهدون من ازدواجية تقبع يف دواخلهم ون حرية ، و مع ذلك فإم خيافوا ، رغم رغبتهم يف الوجود العيش بشكل حقيقي بد

. إم جيمعون يف الوقت ذاته بني أنفسهم و املضطهد الذي استلهموا وعيه . احلقيقي و الصراع يكمن يف االختيار بني أن يكونوا أنفسهم كلية ، أو أن يكونوا منقـسمني

لهم أو أال يلفظـوه ؛ بـني التـضامن جمزأين ؛ بني أن يلفظوا املضطهد القابع يف داخ اإلنساين و االغتراب ؛ بني اتباع األوامر و االيعازات أو التمتع باالختيـار ؛ بـني أن

؛ بني العمل أو الوهم بأم يعملون من خالل عمل مـن " العبني"يكونوا متفرجني أو إعـادة يضطهدوم ؛ بني اجلهر بالقول أو الصمت ، مشلولة قدرم على اخللـق و

هذه هي معضلة املضطهدين املأساوية اليت . قدرم على تغيري العامل " خمصية"اخللق ، و .جيب على التعليم أن يأخذها يف احلسبان

بيـداجوجيا "يقدم هذا الكتاب بعض اجلوانب اليت أطلـق عليهـا املؤلـف اسـم ،"املضطهدين

أفـرادا (جل املضطهدين وهي بيداجوجيا جيب أن تتشكل و تتكامل مع، و ليس من أ و هي بيداجوجيا جتعل االضطهاد . يف نضاهلم املستدمي السترداد إنسانيتهم ) أو شعوبا

و أسبابه موضع تفكري املضطهدين ، و سينجم عن ذلك التفكري انغماسهم الضروري يف النضال من أجل حتررهم ، وستصنع هذه البيداجوجيا و تعـاد صـناعتها خـالل

.النضال

كيف ميكن للمضطهدين ، ككائنـات جمـزأة و غـري : ملشكلة املركزية يف هذا هي ا

Page 28: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

28

حقيقية ، املشاركة يف إعداد بيداجوجيا حتررهم ؟ إن بوسعهم املسامهة يف أن يكونـوا لتوليد البيداجوجيا اليت تؤدي إىل حتـررهم فقـط لـدى اكتـشافهم أـم " قابلة"ستستحيل هذه املسامهة ما داموا يعيشون و لكن . املضطهد يف أنفسهم " يستضيفون"

" أن تكون مثـل "، و يتعادل " أن تكون مثل"مع " ان تكون "يف ازدواجية يتعادل فيها إن بيداغوجيا املضطهدين هـي أداة لتمكينـهم مـن " . أن تكون مثل املضطهد "مع

. أم و من يضطهدهم مظاهر للتجرد من اإلنسانية - بشكل انتقادي-اكتشاف

اإلنـسان . هكذا ، فإن التحرر مثله مثل عملية الوالدة ، و هو عملية والدة مؤملة والذي يتمخض عنها هو إنسان جديد ، قابل للحياة فقط يف حالة استبدال التناقض بني

بكالم آخر إن حل هذا التناقض يتم من . كل الناس " أنسنة"املضطهد و املضطهد بـ هذا العامل اإلنسان اجلديد الذي مل يعد ال مضطهدا وال خالل املخاض الذي جيلب إىل

.مضطهدا ، بل إنسانا يسعى إىل حتقيق حريته

ال ميكن حتقيق هذا احلل بشكل مثايل ؛ بل جيب على املضطهدين ، كي يتمكنوا مـن خوض النضال من أجل حتررهم ، أن يدركوا واقع االضطهاد ليس كعامل مغلق ال خمرج

هذا اإلدراك ضروري ، و لكنه ليس شـرطا . ع يقيد بإمكام تغيريه منه ، بل كوض كمـا أن قيـام . كافيا للتحرر ، إذ جيب أن يصبح قوة حمركة للعمـل التحـرري

–املضطهدين باكتشاف أم يتواجدون يف عالقة جدلية مع املضطهدين ، كنقيض هلم ) 1. ( ، حبد ذاتـه، حتـررا يشكل –أي أن املضطهدين ال ميكن أن يوجدوا بدوم

فاملضطهدون يستطيعون التغلب على التناقض الواقعني فيه فقط، عندما حيملهم هـذا .اإلدراك على املشاركة يف النضال من أجل حترير أنفسهم

فقد يسبب اكتـشافه لنفـسه . و ينطبق القول ذاته على املضطهد الفردي كشخص

Page 29: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

29

اة ، و لكنه ال يؤدي بالضرورة إىل التـضامن مـع كمضطهد الكثري من اآلالم و املعان و لن يفيد تسويغ شعوره بالذنب و تربيره من خـالل معاملـة أبويـة . املضطهدين

إن التضامن يتطلـب أن يلـج . للمضطهدين ، مع إبقائهم طيلة الوقت يف حالة تبعية د هيجـل و كما يؤك . إنه موقف جذري . املرء إىل وضع أولئك الذين يتضامن معهم

إذا كان ما مييز املضطهدين هو خضوعهم إىل وعي السيد ، فإن التضامن احلقيقي ) 2(مع املضطهدين يعين القتال إىل جانبهم لتغيري الواقع املوضوعي الـذي جعـل منـهم

يتضامن املضطهد مع املضطهدين فقط عندما يتوقف عـن " . كائنات من أجل الغري " و يراهم كأشخاص جرى التعامل معهـم بـشكل ظـامل ، النظر إليهم كفئة جمردة ،

حرموا من صوم ، و جرى خداعهم خالل عملية بيعهم لعملهم ، عندما يتوقف عن . القيام حبركات فردية عاطفية تدعي الصالح، و يقوم باازفة بعمل يعرب عن احملبـة

بعهـا الوجـودي ، يف يوجد التضامن احلقيقي فقط يف وفرة عملية احملبة هذه ، يف طا و إنه ملهزلة أن يؤكد املرء أن الناس أشـخاص ،أنـه جيـب أن يكونـوا . ممارستها

.كأشخاص أحرارا ، و مع ذلك أال يفعل شيئا ملموسا ليجعل هذا التأكيد واقعا

مبا أن التناقض بني املضطهد و املضطهد ينشأ يف وضع حمدد ، فإن حله ال بد أن يكون بالنـسبة –و بالتايل ، فإن املطلـب اجلـذري . ق منه بشكل موضوعي قابال للتحق

هـو ضـرورة تغـيري –للشخص الذي يكتشف أنه مضطهد وكذلك للمضطهدين .الوضع احملدد الذي يولد االضطهاد

إن التقدم ذا املطلب اجلذري اخلاص بتغيري الوضع موضوعيا ، و حماربة عدم احلركة سيحرف اإلقرار باالضطهاد إىل انتظار صبور الختفاء االضطهاد الذاتية، األمر الذي

بل علـى . من تلقاء نفسه ، ال يعين نبذ دور الذاتية يف النضال من أجل تغيري اهلياكل

Page 30: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

30

فال ) . 3" (الذاتية"من غري " املوضوعية"العكس ، إن املرء ال يستطيع تصور و إدراك ميكن لواحدة أن توجد دون األخرى ، كما ال

نيويـورك ، (The Phenomenology of Mindراجع جورج هيجـل ، (1) .237-236ص ) 1967

: يف حتليله للعالقة اجلدلية بني وعي السيد و وعي املـضطهد يقـول هيجـل (2) األساسية أن يكون لذاته ، واآلخر ، تابع و جوهره هو احلياة األول، مستقل و طبيعته"

املـصدر " . األول هو السيد أو اللورد ، و األخري هو العبد . رأو الوجود لصاحل اآلخ .234ذاته ، ص

مقولتان فلسفيتان ، تستخدمان لتفسري نـشاط النـاس : املوضوعية و الذاتية (3) يتميز عن احليوان بأنه ال يستأثر فقط بأشياء الطبيعـة،بل فاإلنسان. العملي و املعريف

إن . و يف هذا التفاعل ميكن فصلهما عن بعضهما البعض .حيورها أيضا و يتفاعل معها فصل املوضوعية عن الذاتية ، و إنكار األخرية عند حتليل الواقع أو التعامل معه ، ممـا يسفر عن ذاتية تؤدي إىل مواقف تؤكد بأن ال وجود لألشياء خارج الذهن ، بل توجد

ـ سه و ذلـك بإنكـار الواقـع يف الذهن كما يراها املرء ، يؤدي إىل إنكار العمل نفاملطروح هنا ليس املوضوعية أو الذاتية ، و ليس أيضا أمهية علم الـنفس . املوضوعي

لفهم احلوادث والظواهر الطبيعية و العلمية ، بل الذاتية و املوضوعية يف عالقة جدلية .دائمة

إنـه . تبسيطي يف عملية تغيري العامل و التاريخ هو عمل ساذج و " الذاتية"إنكار أمهية و هذا املوقف الذي يؤمن بوجود األشـياء خـارج . عامل بال ناس : إقرار باملستحيل

Page 31: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

31

الذهن و تكون صورها اليت يف الذهن مطابقة، هو موقف ساذج بقدر سذاجة املوقف الذي يقول بأن املعرفة أو اخلربة مقيدة حبسب ما تعتربه النفس يف تومههـا و " احلسي"

فالعـامل و . ، و الذي يفترض وجود ناس بال عـامل " حق يف احلقيقة ال"حسباا وأن مل يؤيـد .الناس ال يوجدون مبعزل عن بعضهم البعض ، بل يوجدون يف تفاعل دائـم

إن ما أنتقده . ماركس مثل هذا الفصل ، كما مل يؤيده أي مفكر انتقادي واقعي آخر بدأ القائل بأن املعرفة أو اخلـربة ، بل امل" الذاتية"ماركس و دمره بشكل علمي مل يكن

، و " ال حـق يف احلقيقـة "مقيدة حبسب ما تعتربه النفس يف تومهها و حسباا و أن لزوميـة علـم (كذلك املناداة بضرورة علم النفس لفهم الظواهر الطبيعية و العلمية

و كما أن الواقع االجتماعي املوضوعي موجود ليس بالصدفة ، كـذلك ال ) . النفسالذي يف حالة (و إذا كان الناس هم من يصنع الواقع االجتماعي . يتم تغيريه بالصدفة

فإن تغيري ذلك الواقع هو مهمة تارخيية ، مهمة ) يرتد إليهم و يكيفهم" عكس املمارسة" . الناس

مـضطهدين :الواقع الذي يصبح واقعا قمعيا يسفر عن التمييز املتعارض بـني النـاس و ال بد للمجموعة الثانية ، اليت مهمتها النضال لتحريرهم معا باالشتراك . ومضطهدين

هو اجلانب النشيط و – ال األشياء الطبيعية –مع من يظهرون تضامنا يكون اإلنسان و هذه الفاعلية هي اليت جتعل اإلنسان ذاتا، تؤثر عرب أدواـا الطبيعيـة و . الفعال

. ياء و العمليات الطبيعية اليت تغدو موضوعا لنشاطها االصطناعية على الظاهر و األش وقد أكدت املثالية ، مبا يف ذلك هيجل ، على فاعلية الذات ، و لكنـها ردت هـذه

و لكن اإلنسان ليس موجودا . الفاعلية إىل نشاط الوعي ، وجعلت املوضوع تابعا له ر يف املوضوع تأثريا عمليا وهو يؤث . متعاليا على احلس ، و إمنا هو كائن واقعي مادي

Page 32: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

32

كما أن نشاط الذات مشروط بالعـامل املوضـوعي ، . ماديا حسيا ، فيغيره و حيوره و تشكل عملية املعرفة جانبا ضروريا من التفاعل بني . بالقوانني اليت أدركها اإلنسان

ـ ة الذات و املوضوع ، فليس بوسع اإلنسان أن يغير املوضوع إذا مل تكن لديـه معرفو لكن ال ميكن للفرد املنعزل أن يكون ذاتا للنشاط اهلادف إىل معرفة العـامل و . عنه

فاإلنسان يغدو ذاتا مبقدار استخدامه ملا خلقه اتمع من أدوات عمل و لغـة . حتويره – Dictionary of Philosophy: ملزيد من املعلومات راجع . (ومعارف متكدسة

املترجم 1967) دار التقدم ، موسكو

و إحـدى . حقيقيا ، من اكتساب وعي انتقادي باالضطهاد عرب ممارسة هذا النضال أولئك الـذين يف " ميتص"أخطر العقبات يف طريق حتقيق التحرر هي أن الواقع القمعي

فاإلضطهاد يعمل ، من الناحية ) 1. (داخله و من مث يعمل على طمس ضمائر الناس و يتعني على املرء كي يفلت من الوقوع ضحية لسلطته ، . "التدجني"الوظيفية ، على

الـتفكري و : و ميكن أن يتم ذلك فقط بإسلوب املمارسة . أن خيرج منه و يرتد عليه مواجهـة "التعامل مع العامل من أجل تغيريه يقول كارل ماركس و فريدريك اجنلز إن

قمعي يـؤدي إىل انتـشار االضطهاد دائما مبزيد من االضطهاد إضافة إىل هيمنة وعي )2." (األكاذيب ، و حىت بشكل فظيع لدى إعالا على نطاق واسع

مع " االضطهاد أكثر قمعية و جورا بإضافة املزيد من إدراك االضطهاد "و يتطابق جعل ففي إطار هذا االعتماد املتبادل فقط تـصبح . العالقة اجلدلية بني الذايت و املوضوعي

ممكنة ، و اليت من املستحيل بدوا حل التناقض بـني املـضطهد و املمارسة احلقيقية و يتعني على املضطهد ، كي حيقق هذا اهلدف ، أن يواجه الواقع بـشكل . املضطهد

انتقادي ، و جعله ، يف الوقت ذاته ، حمسوسا خارج الذهن و التعامـل معـه ، إذ أن

Page 33: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

33

االنتقادي لن يؤدي إىل تغيري الواقع جمرد إدراك الواقع و عدم اتباع ذلك ذا التدخل هذه حالة إدراك ذايت حمض من قبـل . بالضبط ألنه ليس إدراكا حقيقيا –املوضوعي

.امريء يتخلى عن الواقع املوضوعي و يقوم خبلق بديل زائف

و حيدث نوع خمتلف من اإلدراك الزائف، عندما يكون تغيري يف الواقـع املوضـوعي يف احلالـة األوىل ، ال . ة أو الطبقية ملن يتوصل إىل هذا اإلدراك سيهدد املصاحل الفردي

و يف احلالة الثانية ال . حيدث تدخل انتقادي يف الواقع ألن ذلك الواقع هو واقع ومهي و . يوجد تدخل ألن التدخل يتعارض مع املصاحل الطبقية ملن يتوصل إىل ذلك اإلدراك

" اضطراب و عصبية " اإلدراك إىل التصرف بـ يف هذه احلالة جينح من يتوصل إىل هذا إال أن احلقيقة قائمة موجودة ، و لكن كال من احلقيقة و ما قد ينجم عنها قد يكون .

رؤيتـها "و من مث يصبح من الضروري ليس بالضبط إنكار احلقيقة ، بـل . جمحفا له دفاعيـة ، مـع و يتطابق هذا التسويغ و التربير يف النهاية ، كأداة " . بشكل خمتلف املقولة بأن

و . يشمل النشاط التحرري بالضرورة حلظة إدراك و إحساس و إرادة و عزم "(1) لك اللحظة و يعقبها ، فهي تعمل بالنسبة له كمقدمة ، يف البداية ، هذا العمل يسبق

إال أن نشاط السيطرة ال يعين بالضرورة . مث تعمل على حدوثه و استمراره يف التاريخ هذا البعد ، ذلك ألن بنية السيطرة تتم احملافظة عليها من خالل وظيفتها امليكانيكية و

نقال عن دراسة غري منشورة من تأليف خوزيه لويز فيوري ، الـذي –." غري الواعية .تكرم بالسماح لنا بالنقل عنها

La Sagrada Familia yكارل ماركس و فريدريك اجنلـز : راجع (2)

otros Escritos) 6ص ) 1962املكسيك ، ) (املقدسة و كتابات أخرى العائلة .

Page 34: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

34

ال حق يف "املعرفة أو اخلربة مقيدة حبسب ما تعتربه النفس يف تومهها و حسباا ، وأن " .احلقيقة

واحلقيقة اليت ال جيري إنكارها و لكن يتم تسويغ صدقها و حقيقتها تفقـد أساسـها ي تكف عن كوا حمددة و تصبح خرافة مت اختالقها للدفاع عن طبقة فه. املوضوعي

.من توصل إىل ذلك اإلدراك

اليت سـتناقش بإسـهاب يف الفـصل (و املصاعب "املمنوعات"هنا يكمن أحد أسباب فاملـضطهد .اليت صممت القناع الناس بعدم التدخل يف الواقع بشكل انتقادي ) الرابع

إن ما هو يف صاحله هو أن يستمر .أن هذا التدخل لن يكون لصاحله يعرف متام املعرفة و مثة أمهية هنا لتحـذير .الشعب يف حالة خنوع وعجز يف مواجهة الواقع االضطهادي

،كما قـال مـاركس، أن ]احلزب الثوري[ جيب عليه…:"لوكاش إىل احلزب الثوري ـ ارب الثوريـة يفسر للجماهري أفعاهلا ، ليس فقط من أجل ضـمان اسـتمرار التج

املزيـد مـن تطـور هـذه - عن وعـي -للربوليتاريا ، بل أيضا من أجل تنشيط ) 1."(التجارب

. يطرح لوكاش ، بال شك ، يف تأكيده على هذه الضرورة ، قضية التدخل االنتقادي هو توضيح و تبصري بذلك العمل ، فيما يتعلـق بـصلته " تفسري للجماهري أفعاهلا "إن

فكلما كشف الناس عـن . عية اليت حفزته ، و أيضا مبا يتعلق بأهدافه باحلقائق املوضو هذا الواقع الذي كله حتد و الذي سيكون هدف نشاطهم الرامي إىل التغيري ، كلمـا

عـن وعـي "وذه الطريقة يقومـون . دخلوا أكثر بشكل انتقادي يف ذلك الواقع أي نشاط إنساين إذا مل يكن هناك فلن يكون هناك " . بتنشيط التطور الالحق لتجارم

لإلنسان و يتحداه ، متاما كما لـن يكـون " الالأنا"واقع موضوعي ، وال عامل يكون

Page 35: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

35

، لو مل يكن قادرا على جتاوز ذاته و " مشروعا"هناك نشاط إنساين لو مل يكن اإلنسان .يدرك واقعه و يفهمه من أجل أن يغيره

و . ر اجلديل إعتمادا وثيقا على بعضهما الـبعض يف الفك " العمل"و " الكلمة"تعتمد هو عمل إنساين فقط عندما ال يكون جمرد شغل ، بل الشغل الشاغل ، " العمل"لكن

فالفكر ، الذي هو ضـروري و أساسـي . أي ، عندما ال يكون مفصوال عن الفكر تفـسري "بالنسبة للعمل ، وارد ضمنيا يف املقتضيات اليت أوردها لوكاش اخلاصة بـ

من أجل : "، كما أنه وارد يف اهلدف الذي يعزوه إىل هذا التفسري " للجماهري أفعاهلا ."التنشيط الواعي للتطور الالحق لتلك التجارب

إال أننا ال ننظر إىل هذه احلاجة على أا تفسري ، بل حوار مع الشعب بشأن عملـه و و الواجب الذي يلقيه لوكاش ،)2(على كل حال ، ليس مثة واقع يغري نفسه . نشاطه

. 62، ص ) 1965باريس ، (Lenineجورج لوكاش ، : راجع (على عاتق احلزب

يغيب عن املبدأ املادي القائل بأن األشخاص هم نتاج الظروف و التربيـة ، و (2) الذين طرأ عليهم تغيري هم نتاج ظروف أخرى و تربية تغيـرت ، بالتايل فاألشخاص

كـارل ." ن األشخاص هم من يغير الظروف ، و أن املريب حيتاج إىل تعليم يغيب عنه أ نيويـورك ) (األعمال املختـارة ( Selected Worksماركس و فريدريك أجنلز ،

28، ص ) 1968

، يتطابق يف الواقع مع تأكيدنا علـى احلاجـة إىل " تفسري للجماهري أفعاهلا "الثوري ، و هنـا تكمـن جـذور . الواقع ، عرب املمارسة تدخل انتقادي من قبل الشعب ،يف

بيداغوجيا املضطهدين ، اليت هي بيداغوجيا الناس املنهمكني يف النـضال مـن أجـل

Page 36: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

36

و ال بد أن يكون أولئك الذين يـدركون ، أو بـدأوا يـدركون ، بـأم . حتررهم يـة فـال ميكـن أل . مضطهدين ، من بني من يصوغون هذه البيداجوجيا و يطوروا

بيداجوجيا تؤدي إىل حترر حقيقي أن تظل بعيدة عن املضطهدين وذلك مبعاملتهم على . أم مساكني تعساء ، و تقدم هلم مناذج من املضطهدين لالحتذاء ـا و تقليـدها

.فاملضطهدون جيب أن يأخذوا من أنفسهم مثاال يف النضال من أجل خالصهم

حقيقـي ، تقـدم ) ليس خرييا (حيركها كرم إنساين إن بيداجوجيا املضطهدين ، اليت فالبيداغوجيا اليت تنطلق من مصاحل املـضطهدين . نفسها على أا بيداجوجيا اإلنسان

و حتيل املضطهدين إىل حمط ألعماهلـا ) أنانية تتخفى وراء كرم األبوية الزائف (األنانية إا أداة جتريـد .اد و جتسده ، هي نفسها حتافظ على االضطه " إلحساا"و "اإلنسانية"

لذا ، و كما سبق و أكدنا ، ال ميكن أن تصاغ بيداجوجيا املضطهدين أو . من اإلنسانيةقيام املضطهدين بالدفاع عن تعليم يؤدي إىل التحرر ، بل . متارس من قبل املضطهدين

. أيضا تطبيقه فعليا سيشكل ليس فقط تناقضا حبد ذاته يف التعبري و األعمال

و لكن كيف باإلمكان تطبيق بيداجوجيا املضطهدين قبل الثورة إذا كان تطبيق تعلـيم حترري يتطلب وجود سلطة سياسية و املضطهدون ال ميلكون أية سلطة ؟ هذا سؤال يف

و يتوفر جانب من جوانبـه يف . غاية األمهية ، وجوابه يرد باختصار يف الفصل الرابع الذي ميكن تغيريه من قبل ) Systematic Education(ظامي التمييز بني التعليم الن

اليت جيب ) Educational Projects(السلطة السياسية فقط ، و املشاريع التعليمية .تنفيذها مع املضطهدين خالل عملية تنظيمهم

: هنالك مرحلتان متميزتان لبيداجوجيا املضطهدين بوصفها بيداجوجيا إنسانية حتررية حلة األوىل يقوم املضطهدون بالكشف عن عامل االضطهاد و يلتزمون من خالل يف املر

Page 37: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

37

املمارسة بتحوير هذا العامل و يف املرحلة الثانية ، اليت يتم فيها حتول واقع االضطهاد ، تكف هذه البيداجوجيا عن كوا ملكا للمضطهدين ، و تصبح بيداجوجيا مجيع الناس

عرب العمل بعمـق –و يف كليت املرحلتني جتري دائما . م الذين هم يف عملية حترر دائ حتدث هذه املواجهة يف املرحلة األوىل ، مـن ) 1. ( مواجهة ثقافة السيطرة ثقافيا –

و . خالل التغيري الذي يطرأ على الطريقة اليت يدرك فيها املضطهدون عامل االضطهاد لق و تتطور يف كنف النظام القدمي ، واليت يف املرحلة الثانية عرب نبذ اخلرافات اليت تخ

.تنتاب كاألشباح البنية اجلديدة اليت يتمخض عنها التحول الثوري

يتعني على بيداجوجيا املرحلة األوىل أن تعاجل مشكلة وعي املضطهد و وعي املضطهد ،

.يبدو أن هذا هو اجلانب اجلوهري يف الثورة الثقافية اليت نادى ا ماو

و . لة األشخاص الذين ميارسون االضطهاد و الناس الذين يعانون من االضطهاد مشكو مثـة . جيب عليها أن تأخذ يف احلسبان سلوكهم ، و نظرم إىل العامل و أخالقيام

إم متناقـضون ، كائنـات منفـصمة ، : مشكلة خاصة هي إزدواجية املضطهدين . فيه تشكلت يف وضع اضطهاد و عنف ملموس وتعيش

من النـاس ، أو يعيـق " ب"من الناس موضوعيا باستغالل " أ"إن أي وضع يقوم فيه و وضـع كهـذا . سعيه الثبات نفسه كشخص مسؤول ، هو وضع اضطهاد و قمع

بكرم زائف ، و ذلك ألنه يتدخل " جتميله"يشكل حبد ذاته حالة عنف ، حىت و إن مت رخيية اليت تسعى ألن يكون إنسانا أكتر اكتماال يف وظيفة اإلنسان املتعلقة بالوجود والتا

ومل حيدث يف التاريخ على اإلطـالق أن بـادر .يبدأ العنف مع إقامة عالقة اضطهاد . كيف هلم أن يكونوا املبادرين ، و هم أنفسهم نتاج للعنـف ؟ . املضطهدون بالعنف

Page 38: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

38

هم كمضطهدين كيف ميكن هلم أن يناصروا شيئا كان نشوؤه املوضوعي سببا يف وجود ؟ فلن يكون هناك مضطهدون لو مل توجد مسبقا حالة عنـف تفـرض اسـتعبادهم

. وقهرهم

الذين ميارسون االضطهاد و االستغالل و يرفضون االعتراف باآلخرين، هم من يبادر و ليس أولئك الذين يتعرضون لالضطهاد و االستغالل و رفض االعتـراف -بالعنف

ون باحملبة هم من يبادرون بالسخط و اافاة ، بل هم أولئـك فليس من ال يتمتع . م و لـيس العـاجزون ، . الذين ال يستطيعون حب اآلخرين ألم حيبون أنفسهم فقط

ضحايا اإلرهاب ، هم من يبادر باإلرهاب ، بل من يبطشون، الذين خيلقون بقوم و و ليس ضحايا االسـتبداد . " من تلفظهم احلياة "سلطام الوضع امللموس الذي يولد

و ليس احملتقرون هـم مـن . هم من يبادر باالستبداد و التعسف ، بل هم املستبدون و ليس أولئك الذين حرموا من . يبادر بالكراهية ، بل أولئك الذين حيتقرون اآلخرين

و (إنسانيتهم هم من ينكر اإلنسان،بل هم أولئك الذين حرمـوهم تلـك اإلنـسانية ) . بذلك إنسانيتهم أنفسهمأنكروا

و ال يستخدم القوة من أصبحوا ضعفاء يف ظل حكم األقوياء ، بل األقويـاء الـذين .من قوم و فرضوا العجز عليهم ] اآلخرين[جردوا

من الواضح أم ال يطلقون عليهم (إال أن املضطهدين يعتربون على الدوام املضطهدين حسب وضعهم إن كانوا من مواطنيهم أم –ون عليهم املضطهدين و لكن يطلق "اسم

أو " املتوحـشون "أو " اجلماهري احلسودة املـصابة بـالعمى "أو " أولئك الناس "–ال " الرببريـة "بأم دائمـو التـذمر و العنـف و ") اهلدامون"أو " السكان األصليون " . عندما يردون على عنف املضطهدين" اخلبث"و" التوحش"و

Page 39: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

39

من املمكن إجياد لفتـة حمبـة بالتحديـد يف رد –قد يبدو ذلك غريبا –و مع ذلك و هي عملية فيها مـن (فعملية مترد املضطهدين . املضطهدين على عنف املضطهدين

قد تبادر ، عـن ) العنف على الدوام قدر العنف الذي ميارسه املضطهدين يف البداية املضطهدين بني املضطهدين و بـني أن فبينما حيول عنف . وعي أو غري وعي ، باحلب

يكونوا آدميني كاملني ، فإن رد املضطهدين على هذا العنف يكمـن يف رغبتـهم يف و مثلما يقـوم املـضطهدون بتجريـد . السعي ملمارسة حقهم يف أن يكونوا آدميني

اآلخرين من إنسانيتهم و يعتدون على حقوقهم يصبحون أنفـسهم متجـردين مـن ومع قيام املضطهدين ، الذين يناضلون من أجل أن يـصبحوا آدمـيني ، . إنسانيتهم

باالستيالء على سلطة املضطهدين املتعلقة بالسيطرة و القمع ، يعيدون للمـضطهدين .إنسانيتهم اليت فقدوها يف ممارستهم لالضطهاد

. علـى حتريـر املـضطهدين - بتحرير أنفسهم -إن املضطهدين وحدهم قادرون املضطهدون بوصفهم طبقة مضطهدة ، ال يستطيعون حترير اآلخرين أو حترير أنفسهم ف

. لذا ، فإن من الضروري أن خيوض املضطهدون النضال حلل التناقض الذي يعيشونه . لن يكون مضطهدا أو مضطهدا ، بـل : و سيتم حل التناقض بظهور اإلنسان اجلديد

ن هدف املضطهدين أن يصبحوا آدميني كاملني ،فإم و إذا كا. إنسانا يف طور التحرر لن حيققوا هدفهم مبجرد عكس شروط التناقض ، أي ببساطة باالنتقال من قطـب إىل

.آخر

فحل التنـاقض بـني املـضطهدين و . قد يبدو هذا تبسيطا ، و لكنه ليس كذلك و لكن القيود الـيت .املضطهدين يعين يف الواقع ، اختفاء املضطهدين كطبقة مهيمنة

يفرضها املضطهدون السابقون على مضطهديهم حىت ال يتمكنوا من استعادة مكانتهم

Page 40: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

40

فالعمل يصبح اضطهادا فقط عندما يمنع الناس من أن . السابقة ، ال تشكل اضطهادا و بالتايل فإن هذه القيود الضرورية ال تعين حبد ذاا أن . يكونوا أكثر اكتماال إنسانيا

فاألعمال اليت حتول دون . من كانوا مضطهدين باألمس قد أصبحوا اليوم مضطهدين عودة النظام القمعي ال متكن مقارنتها بتلك األعمال اليت ختلق ذلك النظام و حتـافظ

و ال ميكن مقارنتها بتلك اليت تستخدمها قلة من األشخاص حلرمان الغالبية من . عليه . حقهم يف أن يكونوا آدميني

و مع ذلك ، يفقد النضال بعده اإلنساين يف اللحظة اليت يتصلب فيها النظام اجلديد، و لذا . ، و ال يعود من املمكن احلديث عن التحرر ) 1(مهيمنة " بريوقراطية"يتحول إىل

كان إصرارنا على أن احلل الصحيح للتناقض بني املضطهدين و املضطهدين، ال يكمن ببساطة ، يف االنتقال من قطب إىل آخر ، كما أنه ال يكمن يف إحالل يف تبادل املواقع

كل ذلـك –مضطهدين جدد حمل املضطهدين القدامى ليواصلوا اضطهاد املضطهدين .بإسم حتريرهم

جيب عدم املساواة بني هذا التصلب و القيود اليت جيب فرضها على املـضطهدين (1)بل هو يتعلق بالثورة اليت تـصبح . النظام القمعي السابقني دف منعهم من استعادة

راكدة و تتحول ضد الشعب ، مستخدمة جهاز الدولة البريوقراطي القمعـي القـدمي الذي كان من املفروض أن يقضى عليه بشكل حاسم ، كما أكـد مـاركس علـى (

) الدوام

يقيمه و لكن حىت عندما يتم حل التناقض بشكل صحيح من خالل إجياد وضع جديد بل على العكس، .العمال الذين حترروا ،ال يشعر املضطهدون السابقون بأم قد حترروا

و قـد تطبعـوا –فأي وضع غري وضعهم السابق . يعتربون بصدق أم مضطهدون

Page 41: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

41

يف وضعهم الـسابق كـانوا . يبدو هلم كأنه اضطهاد -بتجربة اضطهادهم لآلخرين لثياب و انتعال األحذية و يتلقون العلم و يسافرون يستطيعون تناول الطعام و ارتداء ا

و يستمعون إىل موسيقى بيتهوفن ، بينما ماليني الناس مل تكن تأكل ، و مل يكن لـديها . مالبس أو أحذية ، و مل تتعلم أو تسافر ، ناهيك عن االستماع إىل موسيقى بيتهوفن

حقـوق اتمـع، سـتبدو، و بالتايل ، فإن أية قيود على طريقة احلياة هذه بإسـم رغم أـم مل حيترمـوا –للمضطهدين السابقني اعتداء هائل على حقوقهم الشخصية

" اآلدميني"كلمة .ماليني الناس الذين عانوا و ماتوا من اجلوع و األمل و األسى و اليأس أما اآلخرون فهم . ، بالنسبة للمضطهدين ، تنطبق عليهم فقط "الكائنات اإلنسانية "أو

حقهم يف العيش بسالم ، مقابـل : وبالتايل يوجد حق واحد بالنسبة هلم ".أشياء"جمرد و هـم .يف الوجود على قيد احلياة فقـط -الذي ال يعترف به دائما -حق املضطهدين

.يتقدمون ذا التنازل فقط ألن وجود املضطهدين شيء ضروري لوجودهم أنفسهم

الـيت جتعـل املـضطهدين، ( العامل و النـاس إن هذا السلوك ، هذه الطريقة يف فهم فإقامة وضع . تفسرها جتربتهم كطبقة مهيمنة ) بالضرورة ، يقاومون إقامة نظام جديد

عنف و اضطهاد يولد طريقة حياة و سلوك متكاملة بالنسبة ألولئك الـذين يف هـذا وضـع و املضطهدين و املضطهدين على حد سواء ، كالمها غارق يف هذا ال –الوضع

و يكشف حتليل األوضاع الوجودية لالضطهاد أن . كالمها حيمل بصمات االضطهاد و هـذا . اليت يبادر ـا مـن ميلكـون الـسلطة –بدايتها تكمن يف عملية العنف

العنف،كعملية جيري تكريسه من جيل إىل جيل من املضطهدين ، الـذين يتوارثونـه إمـتالك –لدى املضطهدين وعيا متلكيا قويا و خيلق هذا اجلو . ويتشكلون يف جوه

و ال يستطيع وعي املضطهدين فهم نفسه مبعزل عن التملك املـادي . العامل و الناس

Page 42: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

42

) 1(يقول اريك فروم . وال حىت البقاء يف الوجود –امللموس و املباشر للعامل و الناس فـوعي . . التملـك من غري مثل هـذا " سيفقد كل صلة بالعامل "عن هذا الوعي إنه

الكرة األرضية و . املضطهدين جينح إىل حتويل كل شيء حييط به إىل هدف لسيطرته األمالك و اإلنتاج و إبداع اإلنسان ، و الناس أنفسهم و الزمن و كل شيء جيـري

.اختزاله إىل وضعية أشياء حتت تصرفه

ي أمريكي من أصل عامل حتليل نفس :Eric Fromm) 1900 -1980( اريك فروم (1)دعا إىل تطبيق التحليل النفسي على النشاط االجتماعي انطالقا مـن قـراءة . أملاين

" فن احملبـة "و ) 1941(اخلوف من احلرية : "من أهم كتبه . إنسانية لكارل ماركس . املترجم –) 1956(

م حتويل كل يقوم املضطهدون ، يف محاسهم اجلامح للتملك ، بتطوير قناعة بأن بوسعه و هذا ما يوضح مفهومهم املـادي البحـت . شيء إىل أشياء خاضعة لقوم الشرائية

و األمر الذي . املال هو مقياس كل األشياء ، و الربح هو اهلدف األساسي . للوجود حـىت – دائما املزيد –يستحق االهتمام بالنسبة للمضطهدين هو احلصول على املزيد

الوجود . هدين على أقل ، أو عدم حصوهلم على أي شيء على حساب حصول املضط " .المالك"بالنسبة هلم يعين التملك و أن يكونوا طبقة

و ال يستطيع املضطهدون ، بوصفهم املنتفعني من حالة االضطهاد ، إدراك أنه إذا كان ا هلذ. ، فهو بالتايل شرط ضروري لكل الناس " الوجود"يشكل أحد شروط " التملك"

، ميلكوا كحق " شيء"هي " اإلنسانية"فبالنسبة هلم . السبب فإن كرمهم كرم زائف و ال تبدو لوعي املـضطهدين أن عمليـة . خالص مقصور عليهم ، كأمالك ورثوها

، على الشعب، هي سعيا لتحقيق آدمية متكاملة ، بـل "اآلخرين"إضفاء إنسانية على

Page 43: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

43

.عمال هداما

هو امتياز جيرد اآلخرين " مزيد من التملك "ن أن احتكارهم لـ و ال يتصور املضطهدو ام ال يستطيعون رؤية أم يف سعيهم األناين . من إنسانيتهم ، كما جيردهم هم أيضا

كطبقة مالك ، خيتنقون يف ممتلكام و أم مل يعودوا موجودين ؛ إـم " التملك"لـ بالنسبة هلم ، هو حق غري قابل للتـصرف ، ،" احلصول على املزيد"ان .جمرد مالكني

و إذا كـان " . بشجاعتهم و إقدامهم على اازفة "، " جهدهم"حق حصلوا عليه بـ و األسوأ من كل ذلك هو –اآلخرون ال ميلكون املزيد فذلك ألم عاجزون وكساىل

بالتحديـد و ألم . من الطبقة املسيطرة " اللفتات الكرمية "جحودهم غري املربر جتاه .، ينظر إليهم على أم أعداء حمتملون ال بد من مراقبتهم "حسودون"و "جاحدون"

فإذا كان إضفاء اإلنسانية على املـضطهدين . ال ميكن أن يكون األمر على حنو آخر و . من مث تربز ضرورة السيطرة املستمرة . يشكل عمال هداما ، فتحررهم هو كذلك

ضطهدين على املضطهدين ، كلمـا ازداد تغـيريهم هلـم إىل كلما ازدادت سيطرة امل إىل " التملـك "و توجه وعي املضطهدين يف تلهفه على . ال حياة واضحة فيها " أشياء"

.، يتطابق مع الرتعة السادية " مجاد"حتويل كل شيء و كل شخص يواجهه إىل

كاملة على شـخص إن الشعور باللذة املستمد من السيطرة ال : "يقول اريك فروم و األسـلوب اآلخـر . هو جوهر الرتعة السادية ) أو خملوقات حيوانية أخرى (آخر

،حتـوير "شيء"لصياغة هذه الفكرة هو قوله إن هدف السادية هو حتوير اإلنسان إىل الشيء احلي إىل شيء ال حياة فيه، و ذلك ألنه بالسيطرة الكاملة و املطلقة على ما هو

)1. ( أساسية من صفات احلياة ، احلرية حي يفقد املرء صفة

Page 44: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

44

و إحدى مسـات . إن احلب السادي هو حب شاذ ، حب املوت و ليس حب احلياة .وعي

.32، ص) 1966نيويورك ، (The Heart of Manاريك فروم ، : راجع (1)

و مبا أن وعـي املـضطهدين . املضطهدين و نظرته إىل العامل احملبة للموت هي سادية ، يف سعيه إىل السيطرة ، عرقلة نزعة البحث و القلق و القوة اخلالقة اليت متيـز حياول

و يلجأ املضطهدون أكثر فـأكثر إىل اسـتخدام العلـم و . احلياة ، فإنه يقتل احلياة اإلبقاء علـى النظـام : التكنولوجيا كأدوات جبارة ، بال أدىن شك ، خلدمة هدفهم

فاملضطهدون ، باعتبارهم ) 1.(ش و كذلك السيطرة القمعي من خالل التالعب و الغ .،ال مآرب هلم سوى تلك اليت حيددها هلم مضطهدوهم "أشياء"، " أهدافا"

حقيقـة : و مع وجود السياق السابق ، تربز قضية أخرى ذات أمهية ال ميكن إنكارها ل التحرر، أن بعض أعضاء الطبقة املضطهدة ينضمون إىل املضطهدين يف نضاهلم من أج

و دورهم هو دور جوهري ، و قـد . و بذلك ينتقلون من قطب إىل آخر يف التناقض و لكن حيدث ، يف الغالب ، أهم جيلبون معهم . كان كذلك طيلة تاريخ هذا النضال

عندما يكفون عن كوم مستغلني أو متفرجني ال مباليني ، أو ببساطة ورثة االستغالل، : املستغلني ، جيلبون معهم تأثريات أصوهلم اليت ينحدرون منـها و ينتقلون إىل صف

التعصب و التشويهات اليت ما زالوا حيملوا يف نفوسهم ، مبا يف ذلك افتقـارهم إىل و بالتايل ، فإن هؤالء الـذين . الثقة يف قدرة الشعب على التفكري و الرغبة و املعرفة

يشبه يف " الكرم"ا خطر الوقوع يف فخ نوع من يلتحقون بقضية الشعب يواجهون دائم املضطهدين من نظام غري عادل " كرم"و يتغذى . املضطهدين " كرم"مساوئه و شروره

" املهتدون اجلـدد "من الناحية األخرى يرغب " . الكرم"ال بد من بقائه كي يربر ذلك

Page 45: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

45

يؤمنون بأن عليهم بصدق يف تغيري النظام غري العادل ، و لكنهم ، و بسبب خلفيتهم ، إم يتحدثون عن الشعب ، و لكنهم ال يثقون بـه ، . أن يكونوا املنفذين هلذا التغيري

و ميكـن متييـز . مع أن الثقة بالشعب هي الشرط الذي ال غىن عنه للتغيري الثوري الشخص اإلنساين احلقيقي بشكل أوضح من خالل ثقته بالشعب ، الذي يـشاركه يف

.ن خالل آالف األعمال نيابة عن الشعب دون الثقة به النضال ، أكثر م

إن أولئك الذين يلتزمون حقا بالشعب يتعني عليهم أن يعيـدوا تفحـص أنفـسهم . فهذا التحول هو حتول جذري إىل حد أنه ال يسمح بأي تصرف غامض . باستمرار

اليت جيب أن –و ما تأكيد املرء على هذا االلتزام و تصوره بأنه ميلك احلكمة الثورية فاملرء الذي . إال متسك باألساليب القدمية يف الواقع –) أو تفرض عليه (متنح للشعب

يعلن إخالصه لقضية التحرر و يظل يف الوقت ذاته عاجزا عن التالحم مع الـشعب ، الذي يستمر يف النظر إليه على أنه جاهل جهال مطبقا ، إمنا خيدع نفسه بشكل مفجع

و يأخذ يف التقرب من الشعب و لكنه يشعر باخلوف مع " يهتدي"ذي و الشخص ال . كل خطوة خيطوها الشعب، و مع كل تعبري عن الشك يصدر عنه، و كل اقتراح يتقدم

.، امنا يظل حين إىل أصوله " مكانته"به ، و حياول فرض

ي هريبـرت مـاركوز " أشكال السيطرة االجتماعية املهيمنة "راجع فيما يتعلق (1) ne-Dimensional Man ،) ، و ) 1964بوسـطنEros and Civilization

) .1955بوسطن ، (

و يتعني على أولئـك الـذين . يتطلب التحول إىل الشعب عملية إعادة والدة جذرية فمـن . ميرون ا أن ينتهجوا ج حياة جديدة ، و ال ميكن هلم أن يظلوا كما كـانوا

فهم طرق حيـاة املـضطهدين " للمهتدين"ضطهدين فقط ميكن خالل الرفاقية مع امل

Page 46: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

46

و إحـدى هـذه . املميزة و سلوكهم ، اليت تعكس يف حلظات خمتلفة بنية الـسيطرة السمات املميزة، هي ما سبق و ذكرناه عن ازدواجية املضطهدين ، الذين جيمعون يف

م . م الوقت ذاته ، بني أنفسهم و املضطهدين الذين يستلهمون صورو بالتايل ، فـإبشكل ملموس من يـضطهدهم و مـن مث " يكتشفوا" إىل أن –يعربون على الدوام

. عن مواقف قدرية جتاه وضعهم –وعيهم اخلاص

و إىل أن . يبدأ الفالح يف استمداد شجاعته للتغلب على تبعيته عندما يدرك أنه تابع "ذا بوسعي أن أعمل ؟ إنـين جمـرد ما"يأيت ذلك الوقت يسري يف ركاب السيد ويقول

)1." (فالح

عند حتليل هذه القدرية بشكل سطحي ، جيري تفسريها ، يف بعض األحيان ، على أا اال أن القدرية املقنعة بسهولة االنقياد، ما هـي . سهولة انقياد تميز الشخصية القومية

يزة من مسـات سـلوك إال مثرة وضع تارخيي و اجتماعي ، و ليست بالضرورة مسة مم و هـي قـوى –و هي مرتبطة يف الغالب بسطوة القدر أو املصري أو احلظ . الشعب

فاملضطهدون ينظرون ، حتت تأثري السحر و . أو بنظرة مشوهة هللا –حمتومة ال راد هلا إىل معانـام ، ) 2) (ال سيما الفالحون املنغمسون كلية تقريبا يف الطبيعة ( اخلرافات

الفوضـى " كأن اهللا هو خالق هـذه –ي نتاج االستغالل ، على أا مشيئة اهللا اليت ه ".املنظمة

الذي خيـدم مـصاحل " النظام"إن املضطهدين ، الغارقني يف الواقع ، ال ميكنهم إدراك و غالبا ما يظهرون ، و هم يعـانون . املضطهدين الذين يستلهمون صورم بوضوح

، فيوجهون ضربام إىل رفاقهم ألتفـه " العنف األفقي "عا من من قيود هذا النظام نو .األسباب

Page 47: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

47

سيعرب الشخص املستعمر أوال عن هذه العدوانية اليت استقرت يف : "يقول فرانتز فانون هذه هي املرحلة اليت يأخذ الزنوج فيها بـضرب بعـضهم . عظامه ضد أبناء جلدته

وجهة يتجهون، عندما تواجههم موجـات البعض ، و ال تعرف الشرطة و القضاة أية فبينما يتمتع املستوطن أو الشرطي طيلة اليوم حبـق … اجلرمية املذهلة يف مشال إفريقيا

ضرب املواطن األصلي و توجيه الشتائم له ومحله على الزحف ، ترى املواطن األصلي ـ الذ يستل سكينه عند مواجهة أبسط نظرة عدائية من شخص مثله ، و ذلـك ألن امل

)3." (األخري للمواطن األصلي هو الدفاع عن شخصيته أمام أخيه

.كلمات قاهلا أحد الفالحني للمؤلف خالل حديث بينهما (1)

Memento dos vivos – A Esquerdoكانديـدو مينـديس ، : راجـع (2)

catolica no Brasil.

، ) 1968 نيويورك ، (The Wretched of the Earthفرانتز فانون ،: راجع (3) 52ص

يعربون مرة أخرى ذا السلوك عن ازدواجيتـهم ، و ] املضطهدين[من احملتمل أن ذلك ألن املضطهد يتواجد يف رفاقهم املضطهدين ؛ فعندما يهامجون رفاقهم يقومـون

. أيضا مبهامجة املضطهد بطريق غري مباشر

معينة من جتربتهم الوجوديـة ، و من الناحية األخرى ، يشعر املضطهدون ، عند نقطة جباذبية ال تقاوم جتاه املضطهدين و طريقة حيام ، و تـصبح الرغبـة يف مـشاركة

فاملضطهدون يريدون بأي مثـن ، يف . املضطهدين طريقة احلياة هذه طموحا ال يقاوم و تنتشر هـذه . ، أن يشبهوا املضطهدين ، وأن يقلدوهم و يتبعوهم " اغترام"حالة

Page 48: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

48

الظاهرة بشكل خاص بني صفوف املضطهدين من الطبقة الوسطى ، الذين يتحرقـون يشري ألربت ميمـي يف . من الطبقة العليا " رفيعي الشأن "ألن يصبحوا ندا لألشخاص

إىل احلقد و االزدراء املشوبني باجلاذبية الـشديدة " العقلية املستعمرة "حتليل فريد لـ كيف مبقدور املستعمر رعاية عمالـه وهـو :" يقول . تعمر اللذين شعر ما جتاه املس

يطلق النار بشكل دوري و يقتل مجهرة من املستعمرين ؟ و كيف ميكن للمستعمر أن ينكر نفسه ذه القسوة ، و مع ذلك يتقدم مبثل هذه املطالب املغاىل فيهـا ؟ كيـف

رين و مع ذلك اإلعجابذه احلرارة ؟ بوسعه كراهية املستعم إنين شخصيا قـد (م )1.)" (شعرت باإلعجاب نفسه رغما عين

و تشكل االستهانة بالذات مسة مميزة أخرى من مسات املضطهدين ، تنبع من استلهامهم و بالتايل ، فهم غالبا مـا يـسمعون أـم ال . للفكرة اليت حيملها املضطهدين عنهم

إم مرضى و –ري قادرين على تعلم أي شيء يصلحون لشيء ، وال يعرفون شيئا و غ إن . " إىل حد أم يقتنعون يف النهاية ، بعـدم صـالحيتهم –كساىل و غري منتجني

الفالح يشعر بأنه أقل من السيد ، ألن السيد يبدو الوحيد الذي يعرف كل شـيء و )2." (قادر على إدارة األمور

هو الوحيد الذي ميلك املعرفة و عليهم " اذاألست"يصفون أنفسهم باجلهل و يقولون إن و قد سأل أحـد . فمعايري املعرفة املفروضة عليهم هي معايري تقليدية . أن يصغوا إليه

ملاذا ال تفسر الصور أوال ؟ فبذلك األسلوب "الفالحني الذين شاركوا يف حلقة ثقافية ."سيستغرق األمر وقتا أقل ، و ولن يسبب صداعا لنا

تعلموها يف عالقام مع " يعرفون أشياء "ال يدركون على اإلطالق أم أيضا و لكنهم و لكن من الطبيعي ، يف ظل الظروف الـيت أنتجـت . العامل و مع غريهم من الناس

Page 49: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

49

.ازدواجيتهم ،أن ال يثقوا بأنفسهم

غالبا ما يأخذ الفالحون الذين يشاركون يف املشاريع التعليمية يف مناقشة موضوع منتج عفوا ، كان علينا أن نصمت و : "بأسلوب حيوي ، مث يتوقفون فجأة و يقولون للمريب

ندعك تتكلم

) 1967بوسطن ، ( The Colonizer and the Colonizedالربت ميمي ، (1) .10ص

.كلمات قاهلا أحد الفالحني خالل حديث مع املؤلف (2)

ا يصرون على عدم وجـود فـرق و غالبا م ." إنك من يعرف ، و حنن ال نعرف شيئا بينهم و بني احليوانات ، و إذا أقروا بوجود اختالف ، فهو دائما لصاحل احليوانـات ،

."إا أكثر حرية منا] "إذ يقولون[

و مع ذلك فإن من املثري مراقبة كيف تتغير هذه االستهانة بالنفس لدى حـدوث أي الفالحني يقول يف اجتماع إلحدى لقد مسعت أحد زعماء . تغيري يف حالة االضطهاد

كانوا " : Asentamiento) (1)" (أسنتامينتو"وحدات اإلنتاج يف تشيلي اليت تدعى و اآلن بعـد . إن كل ذلك أكاذيب . يقولون إننا غري منتجني ألننا كساىل و سكريين

. أن حظينا باالحترام كأشخاص ، سنثبت للجميع بأننا مل نكن أبدا سكريين و كساىل ! "إننا مستغلون

سيحجم املضطهدون عن املقاومة و سيفتقرون كلية إىل الثقة بالنفس مـا دام اللـبس إن لديهم إميانا سحريا و راسخا يف مناعة املـضطهدين و . والغموض يسيطران عليهم

و حتكم القوة السحرية ملالك األراضي قبضتها بشكل خاص يف املنـاطق ) . 2(قوم

Page 50: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

50

و قد حدثين صديق من املتخصصني يف علم االجتماع عـن جمموعـة مـن . ية الريفالفالحني املسلحني يف بلد من بلدان أمريكا الالتينية استولت مؤخرا علـى إحـدى

و . اإلقطاعيات الكبرية ، و قررت ألسباب تكتيكية االحتفاظ مبالك األرض كرهينـة فمجرد وجـوده كـان . راسته لكن مل تتوفر الشجاعة لدى أي واحد منهم ليقوم حب

و من احملتمل أيضا ، أن عملية معارضة السيد أثارت لديهم الشعور بالذنب . يرعبهم ".يقبع يف داخلهم"يف احلقيقة كان السيد .

ال بد للمضطهدين من رؤية أمثلة على ضعف املضطهدين حىت تتمكن قناعة معاكـسة دث ذلك سيستمرون على حاهلم مثبطـي ، و إىل أن حي . من البدء يف النمو بداخلهم و ما دام املضطهدون غري واعني باألسـباب الـيت ) 3.(العزمية ، خائفني ومهزومني

باإلضـافة إىل ذلـك ، إـم . بشكل قدري باستغالهلم " سيقبلون"أنتجت وضعهم لدى مواجهة ضرورة النضال مـن أجـل " مغترب"مستعدون للرد بأسلوب سليب و

اال أم جينحون شيئا فشيئا إىل جتربة أشكال من أعمال . و إثبات ذام حتقيق حتررهم ، و جيب على املرء ، يف السعي إىل التحرر ، أال تغيب هذه الـسلبية عـن . التمرد

.ناظريه أو أن يتجاهل حلظة االستيقاظ

ـ "يشعر املضطهدون ، يف إطار نظرم غري احلقيقية للعامل و ألنفسهم ، بـأم " ياءأشعلـى " أن متتلـك "هو " أن تكون "فبالنسبة للمضطهدين معىن . ميلكها املضطهدون

عند نقطـة –و بالنسبة للمضطهدين . الدوام تقريبا على حساب من ال ميلكون شيئا أن" يعين –معينة من جتربتهم الوجودية

صالح الزراعي يف كلمة باإلسبانية تشري إىل وحدة إنتاج يف جتربة اإل :األسنتامينتو (1) .املترجم –تشيلي

Page 51: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

51

كلمات قاهلا فـالح للمؤلـف –" يتمتع الفالح خبوف غريزي تقريبا من السيد "(2) خالل حديث بينهما

نيويـورك (Revolution in the Revolutionرجيـيس دوبـري ، : راجع (3)1967 . (

له و تعتمد " ختضع"ضطهاد ، بل أن هو أال تتماثل و الشخص الذي ميارس اال " تكون .وبالتايل ، فإن املضطهدين تابعون عاطفيا . عليه

و . و هو يعاين قبل أن يكتشف تبعيتـه . إن الفالح تابع ، ال يستطيع قول ما يريد ". ينفس عن نفسه يف البيت ، حيث يصرخ يف أوالده و يضرم و ينتابه شعور باليأس

و لكنه ال ينفس عن نفسه مع رئيسه، .يفكر بأن كل شيء كريه يشتكي من زوجته و و كثريا ما يسري الفالح عن آالمه بتناول اخلمرة . ألنه يعتقد أن الرئيس إنسان أرقى

) . "1(

سـلوكا "من املمكن أن تؤدي هذه التبعية العاطفية باملضطهدين إىل ما يسميه فـروم حيام أو حياة –تدمري احلياة ) : Necrophilic Behavior" (يتسم باشتهاء املوت .إخوام املضطهدين

يبدأ املضطهدون باألخذ باإلميان بأنفسهم فقط عندما يكتشفون املضطهد و يشاركون و ال ميكن هلـذا االكتـشاف أن يكـون جمـرد . يف النضال املنظم من أجل حتررهم

نه ال ميكن أن يقتصر علـى اكتشاف فكري حمض ، بل جيب أن يشمل عمال ، كما أ ، بل "] العمل من أجل العمل "أو " [جوهر احلقيقة هو العمل اخلالص "املبدأ القائل إن

.عندئذ فقط سيكون ذلك ممارسة : جيب أن يشمل أيضا تفكريا جديا

Page 52: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

52

جيب أن يـتم – األمر الذي يفترض عمال –إن احلوار االنتقادي و املؤدي إىل التحرر و من املمكن ، ) . 2( أية مرحلة من مراحل نضاهلم من أجل التحرر مع املضطهدين يف

بل جيب أن يتنوع حمتوى احلوار حسب الظروف التارخيية و املستوى الذي يدرك فيـه و ما حماولة االستعاضة عن احلـوار باملناجـاة و الـشعارات و . املضطهدون الواقع

فمحاولـة حتريـر . م أدوات التدجني البيانات إال حماولة لتحرير املضطهدين باستخدا املضطهدين دون مسامهتهم الفكرية أو التأملية يف عملية التحرير تعين معاملتهم كــ

يتعني إنقاذها من بناية حتترق ، تعين دفعهم إىل مزالق الشعبوية ، وحتويلهم إىل " أشياء" .مجاهري ميكن التالعب ا

حتررهم أن ينظروا إىل أنفسهم علـى أـم و يتعني على املضطهدين يف كافة مراحل أشخاص منغمسون يف املهمة األنطولوجية و التارخيية اهلادفة إىل جعلهم أكثر اكتمـاال

و يصبح التفكري و العمل ضروريني عندما ال حياول املـرء فـصل حمتـوى . إنسانيا .اإلنسانية عن أشكاهلا التارخيية

ن بالتفكري يف وضعهم احملدد ، ليس دعـوة إىل و اإلصرار على ضرورة قيام املضطهدي يقود إىل – التفكري احلقيقي –، بل على العكس ، إن التفكري " ثورة الكراسي الوثرية "

و من ناحية أخرى ، عندما يقتضي الوضع عمال ، سيشكل ذلـك العمـل . العمل تكـون و ذا املعـىن . ممارسة أصيلة فقط إذا أصبحت نتائجه موضع تفكري انتقادي

املمارسة السبب اجلديد لوجود املضطهدين ، و تصبح

.حديث مع أحد الفالحني (1)

بالطبع ليس علنا ، إذ أن ذلك قد يثري غضب املضطهدين و يؤدي إىل املزيد مـن (2)

Page 53: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

53

.االضطهاد

الثورة ، اليت تدشن اللحظة التارخيية هلذا الوجود ، غري ممكنة أو غـري قـادرة علـى و إال فإن العمل سيكون عمال مـن . عزل عن مالزمة مشاركتهم الواعية االستمرار مب . أجل العمل

إال أنه من الضروري لتحقيق هذه املمارسة توفر الثقة يف املضطهدين و يف قدرم على عن املبـادرة بـاحلوار و ) أو سيتخلى (و سيفشل كل من يفتقد هذه الثقة . التفكري

نحدر إىل استخدام الشعارات و البيانات و املناجاة و إصدار التفكري و التواصل ، و سي .و التحول السطحي إىل قضية التحرر ينطوي على هذا اخلطر . التعليمات

إن النشاط السياسي املساند للمضطهدين جيب أن يكون عمال تربويا باملعىن احلقيقـي ل التحـرر جيـب أال فمن يعملون من أج . للكلمة، و من مث العمل مع املضطهدين

تبعية هي نتاج وضع السيطرة امللمـوس الـذي –يستغلوا تبعية املضطهدين العاطفية و ما استخدام تبعيتهم خللق املزيـد مـن . حييط م و يولد نظرم غري احلقيقية للعامل

.التبعية اال تكتيك خاص باملضطهدين

التبعية كنقطة ضعف ، و حماولة حتويلها ، ال بد للعمل املتحرر اإلرادة من اإلقرار ذه و لكن ليس بوسع ، حىت أكثر القيادات حسن . عرب التفكري و العمل ، إىل استقاللية

نية أن متنح االستقالل كهدية ، إذ أن حترير املضطهدين هو حترير اإلنـسان و لـيس ده ، فإنه ال ميكن أن و بالتايل ، مبا أن املرء ال يستطيع حترير نفسه جبهده وح . األشياء

إن التحرير ، و هو ظاهرة إنسانية ، ال ميكن أن يتحقق علـى . يتحرر بفعل اآلخرين و أية حماولة ملعاملة الناس كأشباه آدميني تؤدي فقط إىل جتريدهم . أيدي أشباه آدميني

Page 54: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

54

و عندما يصبح الناس جمردين من آدميتهم بسبب االضـطهاد الـذين . من آدميتهم . جيب أال تقوم عملية حتريرهم باستخدام األساليب اليت تجرد من اإلنسانية يعانونه

األسلوب الصحيح الذي يتعني على قيادة ثورية استخدامه يف مهمة التحرير هو بالتايل اإلميان باحلريـة يف " زرع"كما أن القيادة ال تستطيع أيضا ".الدعاية التحررية "ليست

إن األسلوب الصحيح يكمن . بأا تكتسب بذلك ثقتهم نفوس املضطهدين، معتقدة يف احلوار ، فقناعة املضطهدين بأن عليهم النضال من أجل حريتهم ليست هدية متنحها

.القيادة الثورية ، بل نتاجا لوعيهم أنفسهم

األمـر الـذي (و يتعني على القادة الثوريني أن يدركوا أن قناعتهم بضرورة النضال هذا إذا كانـت –مل تمنح هلم من اآلخرين ) ال غىن عنه للحكمة الثورية يشكل بعدا

بل يتم التوصل إليها عن طريق حـصيلة . و القناعة ال ميكن تعليبها و بيعها . حقيقية فمشاركة القادة فقط ، ضمن إطار وضع تارخيي ، أدى ـم ، يف . التفكري و العمل

. تغيريه الواقع ، إىل انتقاد الوضع و الرغبة يف

الذين ال يلتزمـون بالنـضال إال إذا اقتنعـوا ، و (و يتعني كذلك على املضطهدين حيجمون إذا مل يقدموا على هذا االلتزام ، عن توفري الشروط الـيت ال غـىن عنـها

مفعول "أو " أهداف"، و ليس كـ " فاعلني"أن يتوصلوا إىل هذا القناعة كـ ) للنضال أيضا التدخل بشكل انتقادي يف الوضع الذي حييط م و يترك كما يتعني عليهم ". م

و يف الوقت الذي تشكل فيه القناعة . ال ميكن للدعاية أن حتقق ذلك . بصماته عليهم أمرا ال غىن عنه للقيـادة ) واليت من غريها يصبح النضال غري ممكن (بضرورة النضال

فإا ضرورية أيـضا ) تلك القيادةيف الواقع كانت هذه القناعة أساس تشكيل (الثورية إا ضرورية إال إذا كان املرء ينوي القيام بالتحوالت نيابة عن، . بالنسبة للمضطهدين

Page 55: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

55

.و يف اعتقادي أن النوع األخري من التحوالت هو الصحيح. بدال من، مع املضطهدين

األساسـي إن اهلدف من احلديث عن هذه االعتبارات هو الدفاع عن الطابع التربوي فالقادة الثوريون يف كل عصر،الذين أكدوا على ضرورة قبول املـضطهدين . للثورة

قد أقروا ، ضمنيا ، أيـضا باجلانـب – و هو أمر بديهي -بالنضال من أجل حتررهم لعله (إال أن العديد من هؤالء القادة قد استخدموا ، يف النهاية . التربوي هلذا النضال

الـيت " التعليميـة "، األساليب )يعي و املفهوم ضد العملية التربوية بسبب التحيز الطب إم ينكـرون العمـل التربـوي يف عمليـة التحريـر ، . يستخدمها املضطهدون

.ويستخدمون الدعاية لإلقناع

إن من الضروري، بالنسبة للمضطهدين، إدراك أنه بقبوهلم النضال من أجل اسـتعادة دءا من تلك اللحظة ، بتحمل مسؤوليتهم كاملة عـن ذلـك إنسانيتهم، يقبلون ، ب

و جيب أن يدركوا أم يقاتلون ليس فقط من أجل التحرر من اجلوع ، بـل . النضال و حرية مـن هـذا . احلرية يف اإلبداع والبناء ، يف التفكري و اازفة "…من أجل

أو ترسـا حـسن القبيل تتطلب من الفرد أن يكون نشطا و مسؤوال ، ليس عبدا ، فلو كانت الظروف االجتماعية . فال يكفي أن الناس ليسوا عبيدا … التثبيت يف اآللة

تكرس و تشجع وجود اإلنسان اآليل ، لن تكون النتيجة حب احليـاة ، بـل حـب )1." (املوت

و املضطهدون ، الذين مت تشكيلهم من قبل خالل االضطهاد الذي حيبذ املوت ، يتعني اليت تؤكد احلياة ، و ال تكمن ببساطة " األنسنة"اد الطريق عرب نضاهلم ، إىل عليهم إجي

رغم أن األمر يشمل توفري املزيد من األكل و ال ميكن له أال (يف توفر املزيد من األكل لقد تدمر املضطهدون بالتحديد ألن وضعهم قام بـاختزاهلم إىل ) .يشمل هذا اجلانب

Page 56: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

56

يهم ، كي يستعيدوا إنسانيتهم ، الكف عن كوم أشـياء ، و و يتعني عل . جمرد أشياء فليس بإمكام االخنراط يف النـضال . إن هذا مطلب راديكايل . النضال كأشخاص

.كأشياء حىت يصبحوا فيما بعد رجاال

و ال ميكن للدعاية و اإلدارة و التالعب . يبدأ النضال من إقرار الناس بأم قد تدمروا فـاألداة . أن تكون أدوات إعادة إنسانيتهم هلـم – أدوات سيطرة كلها –والغش

اليت تعمل القيادة الثوريـة مـن " األنسنة"الوحيدة الفعالة هي التربية اليت تعمل على و يكف األسلوب يف مثل هـذه . خالهلا على إقامة عالقة حوار دائم مع املضطهدين

عـن طريقهـا ) ذه احلالة القيادة الثورية يف ه (التربية عن كونه أداة يستطيع املعلمون ، و ذلك ألا تعرب عن وعي ) يف هذه احلالة املضطهدون (التالعب بالطالب و غشهم

.الطالب أنفسهم

. 53-52اريك فروم ، املصدر املذكور سابقا ، ص (1)

كتسب مسة األسلوب يف الواقع ، هو الشكل اخلارجي للوعي معربا عنه بأعمال ، و ي "و جوهر الوعي هو الوجود مع العامل ، و هـذا . مقاصده و نواياه –الوعي اجلوهرية

شيء " طريق حنو " و بالتايل ، إن الوعي ، يف جوهره ، . تصرف دائم ال ميكن تفاديه و هكذا ، فإن . مبعزل عن نفسه ، خارج نفسه ، حييط به و يفهمه عرب قدرته الذهنية

)1." (لتعريف ، هو أسلوب باملعىن العام جدا للكلمة الوعي ، من حيث ا

. ن مث يتعني على القيادة الثورية أن متارس ما يعرف بالتعليم ذي األهداف املشتركـة

(Co-intentional Education) . يركـزون ) القيادة و الشعب(املعلم و الطالب

Page 57: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

57

همة اكتشاف ذلـك ، ليس فقط يف م " فاعل"بشكل مشترك على الواقع ، و كالمها الواقع ، و من مث التوصل إىل فهمه بشكل انتقادي ، و لكن يف مهمة إعادة خلق لتلك

على هذه املعرفة للواقع ، عرب التفكري و ) القيادة والشعب [و عندما حيصلون . املعرفة و ذه الطريقة ، . العمل املشتركني ، يكتشفون أنفسهم بأم من يعيد خلقه باستمرار

ليس : كون وجود املضطهدين يف النضال من أجل حتررهم كما جيب أن يكون عليه سي .شبه مشاركة ، بل مشاركة ملتزمة

أعترب اجلزء . نقال عن حبث بقلم ألفارو فيريا بينتو جيري إعداده حول فلسفة العلم (1) شاكل الذي نقلته يف غاية األمهية من أجل فهم موضوع التعليم الذي يطرح قضايا و م

و أود التقدم بالشكر للربوفيسور فـيريا ) . الذي ستجري مناقشته يف الفصل الثاين ( . بينتو للسماح بالنقل عن حبثه قبل نشره

Page 58: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

58

الفصل الثاين

سيكشف أي حتليل دقيق للعالقة بني املعلم و الطالب على أي مستوى ، داخل املدرسة " فـاعال "و تشمل هذه العالقـة ) .Narrative(أو خارجها ، عن طابعها السردي

و . الذين يستمعون بصرب ) الطالب" (أهداف"أو " مفعول به "يقوم بالسرد و ) املعلم(إىل أن تـصبح ، خـالل __ إن كانت قيما أو أبعادا عملية للواقع –جتنح احملتويات

.فالتعليم يعاين من مرض السرد . عملية السرد ، بال حياة ، حمنطة

أو أنـه . الواقع وكأنه جامد بال حراك، مجزأ ، و ميكن التنبؤ بـه يتحدث املعلم عن فمهمتـه هـي . يسهب يف شرح موضوع غريب للغاية عن التجربة املعاشية للطالب

حمتويات ال صلة هلا بالواقع ، منفـصلة عـن –الطالب مبحتويات ما يسرده " ملء"كلمـات مفرغـة مـن .يـة الذي أدى إىل والدا و قد يضفي عليهـا أمه " الكل" . ، أصبحت لغوا فارغا مغتربا و يدفع إىل االغتراب " ملموسيتها"

الصفة املميزة البارزة هلذا التعليم السردي هي ، يف الواقع ، طنني الكلمات ، و ليست الطالب يسجل و حيفظ غيبا ، و يردد هذه اجلمل . قوا و قدرا على إحداث حتول

.الواقع ، املعاين ، أو يدرك األمهية احلقيقية ملا يتلقى دون أن يفهم ، يف

بالطالب إىل احلفظ غيبا بشكل ميكانيكي ما ) مع كون املعلم هو الراوي (يؤدي السرد يقوم املعلم " إناء"وعاء ، إىل "و األسوأ من ذلك أنه حييله إىل . يروى عليه من حمتويات

اء ، كلما كان املعلم أفضل ، و كلمـا مسـح ، وكلما زاد املعلم من ملء الوع " مبلئه" .الوعاء ، خبنوع، مبلئه ، كلما كان الطالب أفضل

Page 59: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

59

، يكون الطالب فيها اجلهة اليت يتم اإليداع فيها " إيداع"هكذا يصبح التعليم عملية و بدال من أن يقوم املعلم بالتواصل مع الطـالب ، يلجـأ إىل . ، واملعلم هو املودع

. ما لديه ، فيتلقاها الطالب وحيفظوا غيبا و يرددوا بصرب " إيداع"نات و إصدار البيا "البنكي"هذا هو املفهوم

(Banking) يف التعليم ، الذي ال يتعدى فيه جمال النشاط املسموح بـه للطـالبحقا ، تتوفر هلم الفرصة ألن يصبحوا . حدود التلقي واالمتالء و ختزين ما يتم إيداعه

و لكن ، يف التحليل النهائي ، فإن من جيري . و مصنفني لألشياء اليت خيزنوا جامعنياستبعادهم و تصنيفهم هم الناس ، البشر، ، من خالل االفتقار إىل اخللق و اإلبداع و

و ال ميكـن ) .يف أحسن األحـوال (غياب التحول و املعرفة يف هذا النظام غري املوفق فاملعرفة تظهر فقـط . حقا مبعزل عن البحث و املمارسة لألشخاص أن يكونوا آدميني

من خالل االختراع و إعادة االختراع ، عرب البحث الدؤوب القلق و املستمر الذي ال يعرف الصرب املفعم باألمل الذي يقوم به الناس يف العامل ، و مع العامل و مـع بعـضهم

.البعض

ملعرفة هبة مينحها أولئك الـذين يعتـربون للتعليم، تعترب ا " البنكي"و لكن يف املفهوم فإلصاق اجلهل املطبـق . أنفسهم ضليعني يف املعرفة إىل من يعتربوم ال يعرفون شيئا

تنكر أن التعليم و املعرفة – و هي صفة من صفات أيديولوجية االضطهاد –باآلخرين البه على أنه نقيضهم و بالتايل يقوم املعلم بتقدمي نفسه لط . مها عمليتا حبث و استقصاء

ويقبل الطالب ، الذين يـشعرون . الضروري ، و يعترب جهلهم مطلقا يربر وجوده –،جهلهم على أنه يربر وجود املعلم )1(باالغتراب مثل العبد يف الديالكتيك اهليجلي

.و لكن ، على خالف العبد ، ال يكتشفون أبدا أم يعلمون املعلم

Page 60: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

60

يف توجهـه حنـو " التعلـيم احلـر اإلرادة "ن مربر وجود و من ناحية أخرى ، يكم فالتعليم جيب أن يبدأ حبل التناقض بني املعلم و الطالب ، بالتصاحل بني قطـيب .املصاحلة

.التناقض ، حبيث يصبح يف الوقت ذاته معلما و طالبا

ـ " البنكي"هذا احلل يف املفهوم ) كما ال ميكن أن يتوفر (و ال يتوفر س ، بل على العكعلى التناقضات و حىت حيفزها من خالل املواقف و املمارسـات " البنكي"يبقي التعليم

:التالية ، اليت تعكس اتمع القمعي ككل

املعلم يعلم و الطالب يتعلمون ،) ا)

املعلم يعرف كل شيء و الطالب ال يعرفون شيئا ،) ب)

،املعلم يفكر و الطالب جيري التفكري م) ج)

خبنوع ،–املعلم يتكلم و الطالب يستمعون ) د)

املعلم يؤدب و الطالب جيري تأديبهم ،) ه)

املعلم خيتار و يفرض اختياره ، و الطالب ميتثلون ،) و)

املعلم ينشط و الطالب يتومهون بأم يعملون من خالل عمل املعلم ،) ز)

يتكيفون ،) مل تتم استشارمالذين(املعلم خيتار حمتويات الربنامج و الطالب ) ح)

املعلم خيلط ما بني سلطة املعرفة و سلطته املهنية اليت يطرحها كنقـيض حلريـة ) ط) الطالب ،

مفعـول "، أو " أشياء"يف عملية التعليم ، بينما الطالب جمرد " الفاعل"املعلم هو ) ي)

Page 61: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

61

" .م

) 1831-1770(هيجل نسبة إىل جورج فيلهلم فريدريك : الديالكتيك اهليجلي (1)، أي " فلـسفة الوحـدة "أحد ممثلي الفلسفة الكالسيكية األملانية ، الذي وصل بـ

يقول انـه يف صـلب . الوحدة املطلقة بني الذات و املوضوع ، إىل تطورها الشامل فهي تتكشف . اليت تعي ذاا يف جمرى تطورها " الفكرة املطلقة "املوجودات كلها تقوم

أوال ، و من مث " العقل احملض "خالل حلقة التطور ، و ذلك يف ميدان عن مضموا من و كانت هذه صـياغة . يف الطبيعة ، و بعدها يف تاريخ الروح ، أي التاريخ البشري

= مثالية لفكرة وحدة قوانني الطبيعة و اتمع

قابلـة للتعليم يعترب الناس كائنـات " البنكي"و بالتايل ليس من املستغرب أن املفهوم فكلما ازداد اماك الطالب يف ختزين ما يتم إيداعـه لـديهم ، ". القيادة"للتكيف و

" حمورين"كلما قلت إمكانية تطويرهم لوعي انتقادي ينجم عن تدخلهم يف العامل كـ و كلما ازداد قبوهلم بالدور السليب املفروض عليهم ، كلمـا جنحـوا . لذلك العامل

. مع العامل يف وضعه ، و مع النظرة ازأة للواقع اليت أودعت فيهمببساطة إىل التكيف

على التقليل من أو القضاء على قوة اخللق و اإلبداع لـدى " البنكي"إن قدرة التعليم الطالب، و حفز سرعة التصديق لديهم ، ختدم مصاحل املضطهدين ، الذين ال يـأون

" نزعتـهم اإلنـسانية "ضطهدون يستخدمون فامل. للكشف عن العامل أو لرؤيته يتغري و هكذا ، يردون بشكل غريزي تقريبا معارضني أية جتارب . للحفاظ على وضع مربح

يف جمال التعليم من شأا حفز القدرات االنتقادية ، و ال ترضى بنظرة جزئية للواقع ، .بل تبحث على الدوام عن الروابط اليت تربط نقطة بأخرى ، وقضية بأخرى

Page 62: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

62

تغيري وعي املـضطهدين ، و لـيس "و يف الواقع ، فإن مصاحل املضطهدين تكمن يف و ذلك ألنه كلما ازداد محل املضطهدين على التكيف ) 1(، " الوضع الذي يضطهدهم

و يـستخدم املـضطهدون . مع الوضع ، كلما أصبح من األسهل السيطرة علـيهم ، يطلق " أبوي"مقترنا جبهاز عمل اجتماعي " يالبنك"لتحقيق هذا اهلدف مفهوم التعليم و يتم التعامل معهم ". متلقي املساعدات االجتماعية "من خالله على املضطهدين صفة

اتمع الطيـب "كحاالت فردية ، كأشخاص مهمشني يشذون عن التجمع العام لـ تصيب اتمـع و ينظر إىل املضطهدين على أم حاالت السقم اليت ." املنظم و العادل

ومحلـهم " هؤالء الكساىل غري الصاحلني "الصحيح املتعايف ، و من مث ال بد من إصالح " املهمشون"فهؤالء . على التكيف مع ما هو سائد يف اتمع ، و ذلك بتغيري عقليتهم

.يف اتمع الصحي الذي ختلوا عنه " دجمهم"و " استيعام"حيتاجون إىل أن جيري

، إم ليسوا أشخاصا يعيـشون " مهمشني"قيقة هي أن املضطهدين ليسوا و لكن احل يف صلب البنية اليت جعلت منـهم –" يف الداخل "لقد كانوا دائما . اتمع " خارج"يف بنية االضطهاد ، بل يف تغيري " دجمهم"و احلل ليس يف " . كائنات من أجل اآلخرين "

تلك البنية ، حبيث يصبحون

و انطالقا من ذلك أمكن هليجل عرض نشاط اإلنسان يف ارتباطه بتطـور . و الفكر =و لكن أهم مآثر هيجل إمنا كانت يف وضعه نـسق الـديالكتيك . تاريخ البشرية كله

فقد كان أول من انربى لتقدمي عرض متسق لقوانني الديالكتيك و مقوالته ، و . املثايل ة وحدة الديالكتيك و املنطق و نظريـة لبناء صرح املنطق الديالكتيكي ، و لطرح فكر

دار التقدم ، – Dictionary of Philosophy: راجع ملزيد من املعلومات (املعرفة املترجم– 1984موسكو

Page 63: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

63

؛ ) باريس (La Pensee de Droite, Aujordhuiسيمون دي بفوار ،: راجع (1)ST , El Pensamient politico de la Derecha) ، 1963بيونس أيـريس (

34ص

لذا . و تغيري كهذا سيقوض بالطبع ، أهداف املضطهدين .كائنات من أجل أنفسهم " .، كي يتفادوا ديد وعي الطالب " البنكي"كان جلوؤهم إىل استخدام مفهوم التعليم

يف تعليم الكبار ، على سبيل املثال ، لن تقترح على الطـالب أن " البنكية"إن الطريقة بل ستتعامل ، بدال من ذلك ، مع قضايا حيوية مثل . يف الواقع بشكل انتقادي يفكروا

هل قدم روجر عشبا أخضر إىل العنـزة ، و تصر ، على العكس ، على أمهية تعلم أن اجلهـد الـذي " البنكية"الطريقة " إنسانية"و ختفي . روجر قدم عشبا أخضر لألرنب النفي حبد ذاته ملهمتهم األنطولوجية اخلاصة اليت هي –يبذل لتحويل الناس إىل آالت

.بأن يصبح اإلنسان أكثر اكتماال

يفشلون ، عن دراية أو عن غريهـا ، " البنكية"إن أولئك الذين يستخدمون الطريقة املعلمني الذين ال يدركون أم يقومون فقـط " موظفي البنوك"ألن هنالك العديد من (

نفسها حتتوي على تناقـضات " الودائع" إدراك أن يف) بتجريد الطالب من إنسانيتهم و قد تؤدي هذه التناقضات بالطالب السلبيني يف الـسابق ، إن . فيما يتعلق بالواقع

عاجال أم آجال ، إىل االنقالب على عملية تدجينهم وعلى حماولة تدجني الواقـع ، إذ حلالية ال تتالءم مـع قد يكتشفون ، من خالل جتربتهم الوجودية ، أن طريقة حيام ا

و قد يعون من خالل عالقتهم . اخلاصة بأن يصبحوا أكثر اكتماال إنسانيا " وظيفتهم"و إذا كان الناس باحثني و .بالواقع أن الواقع عملية حقا ، و يتعرض إىل حتول مستمر

، فقد يدركون ، إن عاجال أم آجال ، التنـاقض " األنسنة"وظيفتهم األنطولوجية هي

Page 64: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

64

إىل إبقاءهم فيه ، و من مث يشاركون يف النضال من أجل " البنكي"ذي يسعى التعليم ال .حترير أنفسهم

و لكن املريب الثوري ذي النـزعة اإلنسانية ال يستطيع انتظار أن تتحقق هذه اإلمكانية فمنذ البداية ال بد أن تتطابق جهوده مع جهود الطالب ، و االشتراك يف الـتفكري .

و جيب أن تتشبع جهوده بثقة عميقة يف . متبادلة " أنسنة"ي و السعي إىل حتقيق االنتقادالناس و يف قوم على اخللق واإلبداع ، و يتعني عليه ، كي حيقق ذلك ، أن يكـون

.شريكا للطالب يف عالقاته معهم

ل فالقيام حب . من حيث الضرورة –ال يقر مبثل هذه الشراكة " البنكي"و لكن املفهوم و اآلمر و املوجه و املـدجن إىل " املودع"التناقض بني املعلم و الطالب ، و تغيري دور

.دور طالب بني الطالب سيقوض سلطة االضطهاد و قوته و خيدم قضية احلرية

: ، ضمنيا ، على فرضية وجود انفصام بني اإلنسان و العامل " البنكي"و ينطوي املفهوم واإلنسان هو متفرج . العامل ، و ليس مع العامل أو مع آخرين اإلنسان موجود فقط يف " كائنا واعيا "و حسب وجهة النظر هذه فإن اإلنسان ليس . ، و ليس من يعيد اخللق

)consciente Corpo ( خاويا مفتوحا بـشكل سـليب "عقال:"، بل هو ميلك وعيامكتيب و كتـايب و :ملثالعلى سبيل ا . حول الواقع من العامل اخلارجي "ودائع"الستقبال

سـتكون – كقطع من العـامل احملـيط يب –فنجان قهويت و مجيع األشياء اليت أمامي هذه النظرة ال تفرق بني ما ميكن . ، متاما كما أنا اآلن داخل غرفة مكتيب " داخلي"

: و لكن التفرقة أمر أساسـي ) 1.(أن يكون يف متناول الوعي و الدخول يف الوعي

Page 65: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

65

. اليت حتيط يب هي ببساطة متوفرة لوعيي و يف متناوله ، و ليست واقعة داخله األشياء .إنين على علم ا ، و لكنها ليست بداخلي

عن الوعي أن دور املريب هو تنظيم الطريقة الـيت " البنكية"و يتبع منطقيا من الفكرة تلقائيـا ، مـن فمهمته هي تنظيم عملية حتدث . فيها العامل إىل عقل الطالب " يدخل"

و مبا ) 2(الطالب ، وذلك بإيداع معلومات يعتربها تشكل معرفة حقيقية " ملء"أجل العامل بإعتبارها كيانات سلبية ، سيجعل التعليم منهم أكثر سـلبية و " تتلقى"أن الناس

و بالتايل ، يصبح الشخص املتعلم هو الشخص الذي . حيملهم على التكيف مع العامل و إذا ترمجنا هذا بشكل عملي ، فإن هذا . بالنسبة للعامل " صالحية"نه أكثر تكيف ، أل

املفهوم يالئم جيدا أهداف املضطهدين ، الذين تعتمد راحتهم و هدوء باهلم على كيفية انسجام الناس مع العامل الذي خلقه املضطهدون و مدى عدم مساءلتهم لـه و إثـارة

. الشكوك حوله

( مال تكيف الغالبية مع األهداف اليت حتددها هلـا األقليـة املهيمنـة كلما ازداد اكت ، كلما أصبح من األسهل على ) حترمهم بذلك من حق أن يكون هلم أهدافهم اخلاصة

و ممارسته هذا " البنكي"و ختدم نظرية التعليم . األقلية االستمرار يف اإلمالء و التحديد ئية ، و مقررات القـراءة ، و أسـاليب تقيـيم فالدروس الغوغا . اهلدف بكفاءة تامة

، و املسافة بني املعلم و من يتعلم ، ومعايري الترقية ، كل ذلـك الـوارد يف " املعرفة" .الطريقة اجلاهزة للتطبيق خيدم هدف تغييب التفكري و طمسه

فلسفيا هو شكل بشري خاص من عكس الواقع و ) : Consciousness(الوعي (1)والوعي و الوجود مقولتان من أعم املقوالت الفلسفية ، تتوقـف . وحي استيعابه الر

الفلسفة املثالية تعترب الوعي شـيئا . كيفية فهمهما على حل املسألة الفلسفية األساسية

Page 66: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

66

أما الفلسفة املادية ، فعلى النقيض من املثالية . مستقال عن العامل املوضوعي و خالقا له للواقع ، و تربطه بآليات النشاط العصيب الرفيع ، و تفهـم ، تعترب أن الوعي انعكاس

اإلنسان على أنه كائن طبيعي ، بيولوجي ، و تتجاهل طبيعته االجتماعيـة و نـشاطه ختتلف نظرة ماركس إىل األمر ، فالوعي . العملي و تصور الوعي نظرة سلبية إىل العامل

من ممارسة اإلنسان االجتماعي ، بالنسبة له اجتماعي بطبيعته ، يظهر و يتطور كجانب و يندرج يف هذه املمارسة كعنصر من التفاعل القائم بني املوضـوع و اإلنـسان ، و يشكل نشاط الدماغ شرطا لظهور الوعي البشري و تطوره ، كما أن للوعي موضوعه ، فهو موجه حنو الوجود ، و يكمن مغزاه يف معرفة الشيء ، يف استيعابه و اسـتجالء

ه، و ال ينطوي الوعي على انعكاس العامل املوضوعي فقط ، بل وعلـى وعـي ماهيتو كما سبق و قلنا يستخدم املؤلف هذا التعبري مبعىن إدراك . اإلنسان لنشاطه النفسي

التناقضات االجتماعية و السياسية و االقتصادية و العمل ضد العناصـر القمعيـة يف املترجم–الواقع

أو " اهلـضمي "وم مع ما يطلق عليه جان بول سارتر اسم املفهوم يتطابق هذا املفه (2)" . ملـئهم "املعرفة للطالب من أجل " إطعام"الذي يقوم مبوجبه املعلم بـ " الغذائي"

=Une idee fundamentale"جان بول سارتر : راجع

املريب عدم وجود أمان حقيقي يف دوره الذي جرى تضخيمه " موظف البنك "ال يدرك املرء ال يستطيع فرض نفسه ، أو . أن على املرء أن يعيش مع اآلخرين يف تضامن ، و

فالتضامن يتطلب تواصال حقيقيا ، و لكن املفهوم الذي . حىت جمرد التعايش مع طالبه .يهتدي به مثل هذا املريب خياف من التواصل و يحرمه

و يكتـسب . ل التواصل و مع ذلك فإن احلياة اإلنسانية يصبح هلا معىن فقط من خال

Page 67: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

67

املعلـم ال يـستطيع . تفكري املعلم مصداقية فقط من خالل مصداقية تفكري الطالب فالتفكري األصيل ، الـتفكري املهـتم ، التفكري نيابة عن طالبه أو يفرض فكره عليهم

و إذا كان حقـا أن . بالواقع ، ال جيري يف عزلة برج عاجي ، ولكن يف حالة تواصل تسب معىن فقط عندما ينجم عن عمل ينصب على العامل ، يـصبح عندئـذ الفكر يك

.خضوع الطالب للمعلمني أمرا مستحيال

يبدأ من فهم خاطئ للناس هو أم أشياء ، فإنه ال يـستطيع " البنكي"و مبا أن التعليم ، بل ينتج بدال من ذلك نقيضه ) Biophily" (حب احلياة "دعم تطور ما يسميه فروم

يف الوقت الذي تتميز فيه احلياة بالنمو بأسلوب منظم :" يقول فروم ". ب املوت ح: "املوت حبا لكل ما ال ينمو ، لكل ما هو آيل " يشتهي"و عملي ، يبدي الشخص الذي

إن الشخص الذي حيب املوت حتركه الرغبة يف حتويل العضوي إىل غري عضوي ، و . كل ما لـه … كل الناس األحياء هم أشياء يف التعامل مع احلياة بشكل آيل ، و كأن

الشخص . هو الذاكرة بدال من التجربة ، التملك بدال من الوجود ] بالنسبة له [قيمة فقـط إذا – زهرة أو شخص –الذي حيب املوت يستطيع أن يشعر بصلة مع األشياء

ا ميلك كان ميلكها ، و من مث فإن أي ديد ملا ميلك هو ديد لشخصه ، و إذا خسر م إنه حيب السيطرة ، و يقوم من خالل عملية الـسيطرة بقتـل …خيسر صلته بالعامل

)1." (احلياة

هو اشتهاء للموت ، يتغذى مـن حـب – السيطرة الطاغية املفرطة –إن االضطهاد ، الذي خيدم مصاحل االضطهاد " البنكي"و مفهوم التعليم .املوت ، وليس حب احلياة

.لموت، هو أيضا حمب ل

فهو ، باستناده إىل نظرة آلية، جامدة، طبيعية و فارغة للوعي ، يحـول الطـالب إىل

Page 68: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

68

، وحياول السيطرة على الفكر و العمل ، و يدفع الناس إىل التالؤم مع " متلقية"أشياء .العامل و يشل قدرام اخلالقة

ل ، و عنـدما أخذ الناس يف املعاناة عندما يتم إحباط جهودهم للعمل بشكل مـسؤو تكمن جذور هـذه " جيدون أنفسهم غري قادرين على استخدام ملكام الفكرية ، و و لكن عـدم ) 2." (املعاناة النامجة عن العجز يف حقيقة أن التوازن اإلنساين قد اختل

القدرة على العمل و النشاط اليت تسبب أملا شديدا للناس ، تدفعهم أيـضا إىل نبـذ استعادة قدرم على العمل…"اولة عجزهم ، و ذلك مبح

= de la phenomenologie de Husserl: L`intentionalite”, Situation I (Paris, 1947)

.41اريك فروم ، املصدر املذكور سابقا ، ص (1)

31املصدر نفسه ، ص (2)

ستـسالم إىل و و لكن هل مبقدورهم و كيف ؟ إحدى الطـرق هـي اال . و النشاط و يتكون لدى الناس من خالل هذه املشاركة .االقتران بشخص أو جمموعة ذات قوة

الرمزية يف حياة شخص آخر الوهم بأم يعملون و ينـشطون،بينما هـم يف الواقـع ) 1." (خيضعون فقط ملن يعملون و يصبحون جزءا منهم

من سـلوك املـضطهدين و لعل التجليات الشعبوية هي أفضل مثال على هذا النمط بأم نشيطون و " كاريزما"الذين يأخذون يف الشعور من خالل اقترام بزعماء ذوي

و دافع التمرد الذي يعربون عنه لدى ظهورهم يف العملية التارخيية هو الرغبة . فعالون و لكن النخب املسيطرة تعترب أن العالج يكمن يف املزيـد مـن . بأن يعملوا بفاعلية

أي الـسالم (طرة و االضطهاد ، بإسم احلرية و النظام والـسلم االجتمـاعي السي

Page 69: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

69

عنـف "– و هو أمر منطقي من وجهة نظرهـا –و هكذا ميكنها شجب ) . للنخبإضراب عمايل ، ودعوة الدولة ، يف الوقت ذاتـه ، إىل اسـتخدام العنـف لقمـع

)2" . (اإلضراب

الطالب ، و ذلك بـدافع أيـديولوجي إن التعليم كممارسة للسيطرة ، حيفز سذاجة بروحية التكيف مع عامل االضطهاد ] الطالب[، هو تثقيف ) غالبا ال ينتبه إليه املربون (هذا االام ال يوجه بدافع أمل ساذج بأن النخب املسيطرة ستتخلى ببساطة بـسبب .

حلقيقيـة بل إن اهلدف هو لفت أنظار ذوي الرتعة اإلنسانية ا . ذلك عن تلك املمارسة يف سعيهم إىل التحرر ، " البنكي"إىل حقيقة أم ال يستطيعون استخدام أساليب التعليم

كما أنه ال ميكن تمع ثوري أن يرث . ألم إذا فعلوا فسوف يتنكرون لذلك السعي إما هو " البنكي"فاتمع الثوري الذي ميارس التعليم . هذه األساليب من جمتمع قمعي

.و يف كليت احلالتني فإنه مهدد بشبح الرجعية . أو يفتقر إىل الثقة بالناس جمتمع مضلل

و لسوء احلظ فإن أولئك الذين يتبنون قضية التحرر حماطون هم أنفسهم باجلو الـذي و يتأثرون به ، و ال يدركون ، يف الغالب ، أمهية ذلك املفهـوم " البنك"يولد مفهوم

و من مث فإن من العجيب اسـتخدامهم . د من اإلنسانية احلقيقية أو قدرته على التجري يف الواقع ، يقـوم . هذه نفسها فيما يعتربونه جهدا من أجل التحرير " التغريب"ألداة على أولئك الذين " رجعيني"و حىت " حاملني"و " بريئني"بإطالق صفة " الثوريني"بعض

ن املرء ال حيرر الناس حبملهم و لك . يشككون يف هذه املمارسة التعليمية أو يتحدوا كما آخـر جيـري " ليس –" األنسنة" عملية –فالتحرر احلقيقي " . االغتراب"على عمل الناس و تفكريهم يف عـاملهم ) :Praxis(التحرير هو ممارسة . يف الناس " إيداعه

و أولئك امللتزمون حقا بقضية التحرير ال ميكنهم قبول املفهـوم اآليل . دف حتويله

Page 70: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

70

للوعي الذي يعترب الوعي وعاء فارغا ال بد من ملئه ، كما ال ميكنهم قبول اسـتخدام . بإسم التحرير ) الدعاية، الشعارات و االيداع(للسيطرة " البنكية"األساليب

.املصدر السابق (1)

نيويورك ( ، Moral Man and Immoral Societyراينهولد نيبور ، : راجع (2) 130ص ) 1960،

كلية ، و تبين بدال " البنكي" امللتزمني حقا بالتحرير جيب عليهم أن يرفضوا املفهوم إن. منه مفهوما عن الناس ككائنات واعية ، و عن الوعي كوعي عازم فيما يتعلق بالعامل

ـ و االستعاضة عنه بطرح " اإليداع"جيب عليهم التخلي عن اهلدف التعليمي اخلاص باسـتجابة جلـوهر " يطرح املشاكل "فالتعليم الذي . بالعامل مشاكل الناس يف عالقام

يرفض البيانات و يجسد التواصل ، -)Intentionality( القصد و العزم –الوعي أن يكون واعيا لكذا ، و ليس منكبا فقط على : و حيمل الصفة اخلاصة املميزة للوعي

. الوعي كوعي بالوعي–) 1" (يانفصام ياسرب"األشياء ، بل واعيا ملتفا على نفسه يف

و يتألف التعليم التحرري من عملية اطالع و معرفة ، و ليس من عملية نقل و حتويل و هي أبعد (فيه األشياء اليت ميكن أن تعرف " تتوسط"إنه وضع تعليمي . للمعلومات

ن ناحية ، و املعلم م–يف عملية املعرفة " الالعبني"بني ) من أن تكون اية عملية املعرفة و بالتايل فإن ممارسة التعليم الذي يطـرح املـشاكل و . الطالب من الناحية األخرى

القضايا يتطلب يف البداية حل التناقض بني املعلم و الطالب ، و إال ستكون العالقـات يف عملية املعرفـة " الالعبني"احلوارية مستحيلة ، و هي عالقات ال غىن عنها لقدرات

.إدراك الشيء الواحد املعرض للمعرفة للتعاون يف

Page 71: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

71

و يف الواقع ، فإن التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا ، و ينـسلخ عـن األمنـاط ، بوسعه أن حيقق مهمته ، مثل ممارسة احلريـة ، " البنكي"العمودية اليت تميز التعليم

في وجـود فمن خالل احلوار ينت . فقط إذا استطاع التغلب على التناقض املذكور آنفا معلم الطالب و طالب املعلم ، و يظهر

، و هو من أبرز فالسفة Karl Jaspers) 1883-1969(نسبة إىل كارل ياسربز (1)كان يرى يف حل املشكالت األخالقية مهمـة الفلـسفة . الوجودية املسيحية األملانية

ن و العـامل فالفلسفة عنده مدعوة ال لصياغة نسق من املعارف عن اإلنسا . الرئيسية ، و مساعدة اإلنسان علـى االحتفـاظ " اخلالص"احمليط به ، و إمنا للبحث عن سبل

بشخصيته يف عصر سيطرة التكنيك و النماذج املوحدة و التنظيم الـصارم للحيـاة و يذهب ياسربز إىل أن اإلنسان، يف وجوده األصيل ، هو أكرب من جمرد . االجتماعية

انه كائن متكامل كلي ، فريد يف أصالته ، تـشكل احلريـة .نتاج للطبيعة و التاريخ اإلشـراق "ان الوجود يتكشف أمام اإلنسان بكل أصالته يف حلظات . ماهيته الباطنية

النضال ، املـرض ، (، اليت تتطلب توتر قواه كافة " احلدية"، يف احلاالت " الوجوديالذات يتحرر الفرد مـن ففي هذه اللحظات ب ) . العذاب ، الذنب ، اخلوف ، املوت

رتابة و يومية الوجود اخلارجي الغارق فيه ، بوصفه عضوا يف هذه املنظمة االجتماعية بالنسبة هلذا العامل ، وحده ، . مجاعي ما ، و يتوجه إىل عامله الباطين " كل"أو تلك ، يف

السلوك يكون مثة معىن للحرية ، اليت تتجلى يف عزم اإلنسان على اختيار ج معني يف قوانني الطبيعة، أو (و على اإلنسان ، إذ يتجرد عن كل ضرورة . يف احلاالت امللموسة

، أن يبقى أمينا لذاته ، صادقا مع نفسه ، و أن يهتدي بانفعاالتـه و ) اللزوم األخالقي و يتم االختيار األخالقي ، عنـد ياسـربز ، بـصورة ال . أمزجته و ميوله الشخصية

Page 72: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

72

دار –" معجم علـم األخـالق : "راجع ملزيد من املعلومات . (نية شعورية ، ال عقال .املترجم ) 1984التقدم ، موسكو ،

و ال يعود املعلم جمرد الشخص . املعلم الطالب مع الطالب املعلمني : مصطلح جديد الذي يعلم ، بل يصبح الشخص الذي يتعلم أيضا يف حوار مـع الطـالب ، الـذين

و يصبحون مسؤولني عـن . التعليم يف الوقت الذي يتعلمون فيه يقومون بدورهم يف و يف هذه العملية ال يعـود للحجـج القائمـة علـى . عملية ينمون و يكربون فيها

قابلة للتطبيق عليها أن تكـون يف صـف " السلطة"فكي تكون . أية قيمة " السلطة"رء ال يعلم نفسه ، بل إن الناس و هنا ال يعلم أحد أحدا ، كما أن امل . احلرية ال ضدها

العامل بينها ، األشياء اليت هي موضع املعرفة ، اليت هي " يتوسط"تعلم بعضها البعض و " .البنكي"ملك للمعلم يف التعليم

يميز بني مرحلتني يف عمل ) برتعته إىل جتزئة كل األشياء و فصمها (إن املفهوم البنكي مبعرفة شيء خاضع للمعرفة خـالل إعـداده ] املريب[وىل ، يقوم يف املرحلة األ : املريب

و يف املرحلة الثانية ، يفسر لطالبه عن ذلـك . للدرس يف حجرة مكتبه أو يف املخترب الشيء ، و ال يطلب إىل الطالب أن يعرفوا ، بل أن حيفظوا غيبا احملتويات اليت سردها

أية عملية معرفة ، مبا أن الشيء الذي مـن و كذلك ال ميارس الطالب . عليهم املعلم الذي يثري التفكري " الوسيط"املفروض أن توجه العملية حنوه هو ملك للمعلم بدال من

احلفاظ على الثقافة و "و هكذا ، يتوفر لنا بإسم . االنتقادي لكل من املعلم و الطالب .نظام ال حيقق معرفة حقيقية أو ثقافة حقيقية " املعرفة

فهـو : قوم األسلوب الذي يطرح املشاكل و القضايا بتجزئة نشاط املعلم الطالب ال ي دائما ، إن كان " العارف"إنه . يف مرحلة أخرى " الراوي"يف مرحلة و " العارف"ليس

Page 73: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

73

و ال يعترب األشياء اخلاضعة للمعرفـة . يعد مشروعا أو منهمكا يف حوار مع الطالب و ذه الطريقة يقـوم . يها من قبله و قبل الطالب ملكه اخلاص ، بل أشياء للتفكري ف

التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا بإعادة تشكيل أفكاره باستمرار من خالل تفكري اآلن بـاحثني – الذين مل يعودوا مـستمعني خـانعني –و يصبح الطالب . الطالب

للنظر فيها، و يعيد فاملعلم يقدم املواد للطالب. مشاركني إنتقاديني يف حوار مع املعلم إن دور املـريب . النظر يف اعتباراته السابقة لدى تعبري الطالب عن وجهات نظـرهم

الذي يطرح مشاكل و قضايا ، باالشتراك مع الطالب ، خلق الظروف اليت ميكـن يف أن حيل حملها معرفة حقيقيـة ) Doxa:باليونانية( ظلها للمعرفة على املستوى التأويلي

) .Logos(وى األمسى على املست

بتخدير القدرة اخلالقة و يعيقها ، يقـوم " البنكي"و يف الوقت الذي يقوم فيه التعليم حيـاول األول . التعليم الذي يطرح املشاكل و القضايا بالكشف عن الواقع باستمرار

الوعي و طمسه ، بينما يسعى األخري إىل إبراز الوعي و التدخل " إغراق"اإلبقاء على .نتقادي يف الواقع اال

سيشعر الطالب ، مع ازدياد مواجهتهم للمشاكل و القضايا املتعلقة م يف العـامل و و مبا أم يفهمـون أن . بالعامل أيضا بتحد متزايد ، و باضطرارهم للرد على التحدي

التحديات متداخلة مع قضايا أخرى يف سياق شامل ، ليس كمسألة نظريـة ، فـإن دراك من شأا أن تكون انتقادية بشكل متزايد ، و مـن مث أقـل اغترابـا حمصلة اإل و سيثري ردهم على التحدي حتديات جديدة، تعقبها تفامهات جديدة ، و . باستمرار

.تدرجييا سيأخذ الطالب يف النظر إىل أنفسهم كملتزمني

أن –لـسيطرة مبقابل التعليم كممارسـة ل –و ينكر التعليم باعتباره ممارسة للحرية

Page 74: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

74

اإلنسان هو شيء جمرد معزول و مستقل و غري مرتبط بالعامل ، كما ينكر أيضا أن العامل التفكري الصحيح األصيل ال يتعامـل مـع اإلنـسان . يوجد كواقع مبعزل عن الناس

: ففي هذه العالقات الوعي و العامل متالزمان . كشيء جمرد أو مع العامل من غري ناس و العـامل ، . الوعي و العامل وجدا يف حلظة واحدة . "العامل و ال يتبعه الوعي ال يسبق

)1."(خارجيا بالنسبة للوعي ، مرتبط به

حدث يف إحدى احللقات الثقافية اليت عقدناها يف تشيلي ، أن جمموعة كانت تنـاقش ي املفهوم األنثروبولوج ) استنادا إىل التصنيف ، و هو موضوع سريد يف الفصل الثالث (

" البنكيـة "و يف منتصف املناقشة ، قال أحد الفالحني ، الذي يعترب باملعـايري .للثقافة : فرد املعلم قـائال " . إنين أري اآلن أن ال وجود للعامل بدون اإلنسان : "جاهال للغاية

لنقل من أجل املناقشة أن مجيع الناس على وجه األرض قد ماتوا ، و أن األرض بقيت "ألن يكون كل … من أشجار و طيور و حيوانات و أار و حبار وجنوم بكل ما فيها ."لن يوجد أحد يقول أن ذلك عامل. ال ":أجاب الفالح بتأكيد " ذلك عاملا ؟

كان الفالح يريد أن يعرب عن فكرة أن الوعي بالعامل ، الذي يعين بالضرورة عامل الوعي و بدورها " . ال أنا "ن غري وجود الـ أن توجد م " أنا"ال ميكن لـ . ، سيكون مفقودا

فالعامل الذي يأيت بالوعي إىل الوجود يصبح عامل . على ذلك الوجود " ال أنا "تعتمد الـ الوعي و العامل وجدا : "و من مث كان تأكيد سارتر الذي أوردناه سابقا . ذلك الوعي

."يف حلظة واحدة

بشكل متزامن ، بزيادة جمال إدراكهم ع قيام الناس الذين يفكرون بأنفسهم و بالعامل خالل ما يسمى :"، يأخذون يف توجيه انتباههم إىل الظواهر اليت مل يسبق أن الحظوها

بإعتباره وعيا واضحا أتوجه إىل الشيء ، إىل الورقة ، على سبيل -باإلدراك السليم

Page 75: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

75

خلفية " شيء" لكل و الفهم هو حتديد ، إذ. أفهمها على أا هي ، هنا و اآلن . املثال ،فالورقة حتيط ا كتب و أقالم و دواة و إىل ما غري ذلك ، و هي ، مبفهوم . يف التجربة

و لكـن ، " . اال الوجداين "، هناك باإلدراك و احلس يف " إدراكها"معني ، أيضا مت همها ، خالل التفايت حنو الورقة مل يكن هناك التفات يف اجتاه تلك األشياء ، كما مل يتم ف

فكـل إدراك . فقد بانت و لكن مل جير حتديدها ، مل تظهر حبد ذاا ، حىت حباسة ثانوية إذا كـان . لشيء ما لديه منطقة خافية من احلس الوجـداين ، أو ادراك للخلفيـة

، أو " جتربة واعيـة "، و هذا أيضا " االلتفات حنو "يشمل حالة " االحساس الوجداين " كل" الوعي بـ"باختصار

32جان بول سارتر ، املصدر املذكور سابقا ، ص (1)

كل " الربوز"و يبدأ يف ) 1." (ما يقع يف خلفية الشيء الذي مت إدراكه سوية يف الواقع إذا كان قـد مت (ما يوجد موضوعيا ، و لكنه مل يكن قد مت إدراكه يف تداعياته العميقة

و هكذا يبدأ الناس يف إبـراز . د ، متخذا طابع مشكلة ، و من مث حت ) إدراكه بالفعل و تـصبح هـذه العناصـر اآلن . والتفكري فيها " إدراكهم اخللفي"عناصر من جعبة

.موضع اعمال فكر الناس ، و بوصفها كذلك موضع عملهم و معرفتهم

يطور الناس يف التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا قدرم على إدراك الطريقة الـيت و يتوصلون إىل . امل الذي جيدون أنفسهم معه و فيه بشكل انتقادي يوجدون ا يف الع

رؤية العامل ليس كواقع ساكن ثابت على حاله ال يتغير ، بل عامل يف إطار عمليـة يف و رغم أن العالقات اجلدلية بني الناس و العامل توجد بشكل مستقل عـن . حالة حتول

،فإن من الصحيح أيضا ) أو ال تدرك أو إن كانت تدرك (كيفية إدراك تلك العالقات أن شكل النشاط و العمل الذي يتبناه الناس هو ، إىل حد كـبري ، وظيفـة كيفيـة

Page 76: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

76

و من مث ، فإن املعلم الطالـب ، و الطـالب املعلمـني . إدراكهم ألنفسهم يف العامل يفكرون يف الوقت ذاته بأنفسهم و بالعامل دون فصل هذا الـتفكري عـن العمـل ، و

.ون بذلك بإرساء شكل صحيح من التفكري و العمل يقوم

" البنكي"فالتعليم . مرة أخرى يتصادم املفهومان التعليميان و ممارساما عند التحليل ، من خالل إضفاء خرافات على الواقع ، أن خيفي حقائق معينة )ألسباب بديهية (حياول

م الذي يطرح مشاكل و قضايا، تفسر طريقة وجود الناس يف العامل ، بينما حيدد التعلي يقاوم احلوار ، " البنكي"التعليم . كمهمة له، القيام بالتجريد من العناصر األسطورية

بينما التعليم الذي يطرح املشاكل و القضايا يعترب احلوار أمرا ال غىن عنـه بالنـسبة أم أشـياء يعامل الطالب على " البنكي"التعليم . لعملية املعرفة اليت تكشف الواقع

. للمساعدة ، بينما التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا جيعل منهم مفكرين انتقاديني رغم أنـه ال يـستطيع (مينع اخللق و اإلبداع ، و يعمل على تدجني " البنكي"التعليم

عزم الوعي بعزل الوعي عن العامل ، و بالتايل حيرم الناس مـن مهمتـهم ) التدمري كلية و يرتكز التعلـيم . التارخيية اخلاصة بأن يصبحوا أكثر اكتماال انسانيا األنطولوجية و

الذي يطرح مشاكل و قضايا على اخللق واالبداع ، و حيفز الـتفكري الـصحيح يف الواقع و توجيه العمل له ، و بالتايل االستجابة إىل مهمة الناس

Ideas—General Introduction to Pureادمونـد هوسـرل ، : راجع (1)

Phenomenology ،) ، ــدن ــرل 106-105ص ) 1969لن ــد هوس ادمونفيلسوف أملاين من مؤسسي املذهب الظاهري يف الفلسفة الـذي ):1859-1938(

. يدعو إىل االهتمام بظواهر األشياء ، ألن الظواهر هي كل ما ميكن معرفته من احلقيقة لوم األخـرى ، و اهـتم اعترب ذلك املذهب علما حمددا و نظرية معرفة يف خدمة الع

Page 77: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

77

، ) 1900" (البحث يف املنطق : "من أعماله اهلامة . بشكل خاص بنقد املنطق السائد املنطـق "، و ) 1931" (تأمالت قرطاجية "، ) 1913" (أفكار يف املذهب الظاهري "

. املترجم –) 1929" (السابق السامي املرته

. لبحث و التحول اخلـالق ككائنات تصبح حقيقية و أصيلة فقط عندما تنخرط يف ا و ممارساا تفشل ، كقوى تبعث على الشلل و اجلمود ، " البنكية"النظرية : باختصار

يف االعتراف بالناس ككائنات تارخيية ، بينما النظرية اليت تطرح مشاكل و قـضايا و . اإلنسان " تارخيية"ممارساا تأخذ كنقطة انطالق هلا

يف طريقها إىل أن "ذي يطرح مشاكل و قضايا على كون الناس كائنات يؤكد التعليم ال . كائنات غري مكتملة و غري كاملة يف و مع واقع يشبهها يف عدم اكتماله –" تصبح

و يف الواقع ، مبقارنة الناس مع احليوانات األخرى ، اليت هي غري مكتملة أيضا و لكنها م غري مكتملني ، و هم على درايـة بعـدم غري تارخيية ، يتضح أن الناس يعرفون أ

و تكمن يف عدم االكتمال هذا ويف هذه الدراية، جذور التعليم حبد ذاتـه .اكتماهلم ويقتضي الطابع غري املكتمل للناس و كذلك الطابع القابل . باعتباره جتليا إنسانيا حمضا

.للتحوير للواقع أن يكون التعليم نشاطا مستمرا

فمن أجل أن يكون . ي إعادة صياغة التعليم بشكل مستمر يف املمارسة و هكذا ، جتر يوجد يف ) للكلمة) 1(باملعىن الربجسوين ) ( Duration" (أجله"و. ، ال بد أن يصبح

األسـلوب ) . Permanence and Change(الدميومة و التغيري : تفاعل األضداد ، أما التعليم الذي يطرح مشاكل يؤكد على الدميومة و بالتايل يصبح رجعيا " البنكي"

يـضرب –أو مبستقبل مقررا سلفا " حسن السلوك " الذي ال يقبل حباضر –و قضايا . جذوره يف احلاضر الديناميكي ، فيصبح ثوريا

Page 78: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

78

و مفعـم (لذا فهو تنبؤي . التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا هو املستقبلية الثورية نه يتالءم مع الطبيعة التارخيية لإلنسان ، و يؤكـد ، و من مث فإ ) باألمل لكونه كذلك

كون الناس كائنات تتجاوز ذاا ، يتحركون و يتطلعون إىل األمام ، و ميثـل عـدم كما جيب أن يشكل االلتفات إىل املاضي وسيلة فقط . احلركة بالنسبة هلم خطرا مميتا

و . بشكل أكثر حكمة هم، حىت يتسىن هلم بناء املستقبل " من"لفهم أكثر وضوحا لـ يقترن باحلركة اليت تتعامل مـع ] التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا [بالتايل ، فإنه

حركة تارخيية هلـا نقطـة انطـالق و –الناس على أم كائنات تدرك عدم اكتماهلا " .هدفها"أو " مفعول م"و " فاعلني"

ا أن الناس ال يوجدون مبعزل و لكن مب . تكمن نقطة انطالق احلركة يف الناس أنفسهم و بالتايل ، جيب . عن الواقع، جيب على احلركة أن تبدأ من العالقة بني الناس و العامل

على نقطة

فيلسوف مثايل فرنسي ، من مؤسـسي ) : 1941-1809(هنري برجسون (1) املذهب الوجداين يف

جدانيا ، دون تعليم أو تعلم ، و الفلسفة الذي يقول بأن املعرفة تأيت إىل اإلنسان و بأن األشياء اخلارجة عن

" املدة"الذهن يعرف وجودها وجدانيا ، و جيعل من الوجدان السبيل الوحيد ملعرفة " . احلياة"و " األجل"أو

غري املادية " املدة"تشكل " . الزمن"و " املدة"وال بد يف هذا السياق من التمييز بني أساس كل "األجل"أو

Page 79: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

79

" األجل"فاملادة و الزمن و احلركة هي األشكال املختلفة اليت ندرك فيها . األشياء املترجم –

، الـيت تـشكل الوضـع " هنا و اآلن"االنطالق على الدوام أن تكون من الناس يف و فقط بالبدء من هذا الوضع . الغارقني هم فيه ، ومنه سيظهرون ، و فيه سيتدخلون

و يتعني علـيهم ، . ميكن للناس أن يأخذوا يف احلركة –ذي سيقرر إدراكهم له ال –كي يفعلوا ذلك بشكل صادق ، أن يفهموا وضعهم ليس كوضع حمتوم و غري قابـل

. و من مث يشكل حتديا –للتغيري ، بل كوضع حيد فقط

، إدراك ، بشكل مباشر أو غري مباشر " البنكي"و يف الوقت الذي يعزز فيه األسلوب الناس القدري لوضعهم ، يقوم األسلوب الذي يطرح املشاكل بتقدمي هذا الوضع هلم

ومع حتول الوضع إىل هدف ملعرفتهم ، يتراجع اإلدراك الساذج أو . على شكل قضية السحري الذي ولد قدرم أمام إدراك قادر على إدراك نفسه حىت مع إدراكه للواقع ،

.ن موضوعيا بشكل انتقادي حول الواقع و من مث يستطيع أن يكو

إن وعيا عميقا بوضعهم يؤدي بالناس إىل فهم ذلك الوضع كواقع تـارخيي قابـل ويتراجع االستسالم أمام السعي للتغيري و البحث ، تلك احلملة اليت يشعر . للتحول

. الناس بأم يسيطرون عليها

، تعمل بالضرورة مع أناس آخـرين يف بصفتهم كائنات تارخيية -فلو مل يقم الناس و . بالسيطرة على تلك احلركة ، سيشكل ذلك خرقا إلنسانية الناس -حركة للبحث

أي وضع يقوم فيه بعض األشخاص مبنع آخرين من االنغماس يف عملية حبث ، هو ، يف إن محل النـاس علـى . و ليس من املهم الوسائل اليت تستخدم .الواقع ، وضع عنف

Page 80: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

80

.عن عملية اختاذ القرارات اخلاصة م هو مبثابة حتويلهم إىل أشياء " تراباالغ"

. اليت هي وظيفة اإلنسان التارخيية –" األنسنة"جيب أن توجه حركة البحث هذه حنو ال ميكن أن يتم يف عزلة أو بشكل فـردي ، و " اإلنسانية املكتملة "إال أن السعي إىل

ذا ال ميكن له أن يتفتح يف جـو عالقـات عدائيـة بـني ل. لكن يف رفاقية و تضامن فليس من امريء يستطيع أن يكون إنسانا حقيقيا مـا دام . املضطهدين و املضطهدين

و تؤدي حماولة أن يصبح املـرء أكثـر . حيول بني اآلخرين و بني أن يكونوا كذلك ل من أشـكال و هي شك : إنسانية بشكل فردي إىل احلصول على املزيد بشكل أناين

و هذا ال يعين أنه ليس جوهريا أن ميتلك املرء كـي يـصبح . التجريد من اإلنسانية بعـض " متلك"إنسانا ، بل ألنه ضروري على وجه التحديد ، جيب عدم السماح لـ

اآلخرين ، و جيب عدم تعزيز قوة اموعـة األوىل " متلك"الناس بأن يشكل عقبة أمام .انية كي تقمع اموعة الث

إن التعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا ، باعتباره ممارسة إنسانية و تؤدي إىل التحرر و . ، يفترض بأن من املهم قيام الناس اخلاضعني للسيطرة بالنضال من أجل حتـررهم

" فاعلني"هو ميكن املعلمني و الطالب ، كي يصلوا إىل ذلك اهلدف ، من أن يصبحوا و " . التغريبية"ية ، و ذلك بالتغلب على السلطوية و الرتعة الفكرية يف العملية التعليم

و بالتايل يـصبح العـامل ، .ميكن الناس أيضا من التغلب على اإلدراك اخلاطئ للواقع الذي مل يعد شيئا يوصف بكلمات خادعة ، هدف ذلك العمل التحويري مـن قبـل

" .أنسنتهم"الناس ، الذي يسفر بدوره عن

التعليم الذي يطـرح مـشاكل و قـضايا مـصاحل ) كما ال ميكن أن خيدم ( خيدم ال: فليس بوسع أي نظام قمعي أن يسمح للمضطهدين بأن يبدأوا بالسؤال . املضطهدين

Page 81: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

81

ملاذا ؟ و مبا أن جمتمعا ثوريا فقط يستطيع أن يطبق هذا التعليم بأسـلوب مثـابر ، ال ففي . لطة كاملة قبل أن يستخدموا هذا األسلوب حيتاج القادة الثوريون إىل تويل الس

كـإجراء مؤقـت ، " البنكي"العملية الثورية ، ال يستطيع القادة استخدام األسلوب مربرين ذلك حبجة مالءمة ذلك للغرض ، و بأم ينوون الحقا التـصرف بأسـلوب

. منذ البداية– بكالم آخر ، حواريني –عليهم أن يكونوا ثوريني . ثوري حقا

Page 82: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

82

الفصل الثالث

: نكتشف لدى حماولتنا حتليل احلوار كظاهرة إنسانية شيئا هو جوهر احلـوار نفـسه و لكن الكلمة ، أكثر من كوا جمرد أداة ، جتعل احلوار ممكنـا ، و مـن مث . الكلمة

جند يف داخل الكلمة بعدين اثنني ، الـتفكري و . يتعني علينا أن ننشد عناصرها املكونة سيتأثر – و لو جزئيا –عمل يف تفاعل راديكايل إىل حد أنه إذا متت التضحية بأحدمها ال

ال توجد هناك كلمة حقيقية دون أن تكون يف الوقـت ذاتـه ممارسـة . الثاين حتما )Praxis . ( و هكذا فإن النطق بكلمة حقيقية هو القيام بتحوير العامل.

ز عن حتوير الواقع ، تتـأتى عنـدما يفـرض إن الكلمة غري احلقيقية ، تلك اليت تعج االنفصام

(Dichotomy) نةعـدها . على عناصرها املكوو عندما جيري جتريد الكلمة مـن باخلاص بالعمل يتأثر التفكري بشكل أتوماتيكي ، و تتحول الكلمة إىل ثرثرة عبثية ، إىل

ب ، تصبح كلمة فارغة تصفيف كالم بال فائدة ، إىل لغو مغترب و حيمل على االغترا ، ال تستطيع التنديد بالعامل ، ألن التنديد يستحيل دون التزام بالتحوير ، و ال يوجـد

.حتوير بال عمل

من الناحية األخرى ، إذا مت التركيز على العمل وحده على حساب التفكري ، تتحول هذا املنحـى ) . Activism"( اجلهاد السياسي "الكلمة إىل نوع مما ميكن تسميته بـ

ينفي املمارسة احلقيقية ، و جيعـل احلـوار أمـرا – العمل من أجل العمل –األخري إىل خلـق – خبلق أشكال وجود غري حقيقية –و كال اإلنفصامني يؤديان . مستحيال

Page 83: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

83

.أشكال فكر غري حقيقية أيضا تعزز االنفصام األصلي

ال ميكن أن يتغـذى بكلمـات و ال ميكن للوجود اإلنساين أن يكون صامتا ، كما أنه هـو أن - إنـسانيا -فالوجود . زائفة ، و لكن بكلمات حقيقية حيور الناس ا العامل

و بعد أن جتري تسميته ، يعود العامل بدوره ؛ إىل . العامل ، أن تغيره ) Name(تسمي ن الناس إ. الظهور جمددا ملن قاموا بتسميته كمشكلة،و حيتاج منهم إىل تسمية جديدة

.، بل بالكلمة والعمل ، بالنشاط و التفكري ) 1(مل يتم بناؤهم يف صمت

هـو – اليت هي العمل و اليت هي املمارسـة –و لكن مبا أن قول الكلمة الصحيحة القيام

من الواضح أنين ال أحتدث عن صمت التأمل العميق ، الذي كما يبدو فقط أن (1) و من العامل ،" خيرج"املرء

و لكن هـذا . ينسحب منه كي يفكر به يف جممله ، و يكون ؛ هكذا ؛ قد بقي فيه " االعتكاف"النوع من

يف الواقع ، و ليس عندما يكـون " منغمسا"يكون حقيقيا فقط عندما يكون املتأمل االعتكاف تعبريا عن

" .ارخييمرض االنفصام الت"ازدراء للعامل و هربا منه ، يف نوع من

بتحوير العامل ، فإن قول تلك الكلمة ليس امتيازا لبعض األشخاص قليلي العدد ، بـل و بالتايل ، ال يستطيع أي امرء أن يقول الكلمة احلقيقية مبفرده ، . هو حق لكل إنسان

كما أنه ال يستطيع قوهلا نيابة عن شخص آخر يف عمل إيعـازي يـسلب اآلخـرين .كلمام

Page 84: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

84

و من . واجهة بني الناس ، يكون العامل فيه الوسيط ، من أجل تسمية العامل احلوار هو م مث فإن احلوار ال ميكن أن يقع بني أولئك الذين يريدون تسمية العامل و أولئك الذين ال

بني أولئك الذين حيرمون اآلخرين قول كلمتهم و أولئك الـذين . يرغبون يف تسميته أولئك الذين حرموا من حقهـم األساسـي يف قـول ف. حرموا من حقهم يف الكالم

كلمتهم، عليهم أوال استعادة هذا احلق و منع استمرار هذا العدوان الذي يجرد مـن اإلنسانية

و إذا كان الناس يقومون بتسمية العامل و حتويره من خالل قول كلمتـهم ، فعندئـذ و بالتايل فإن . هلا أمهيتهم كأناس يفرض احلوار نفسه كالوسيلة اليت حيقق الناس من خال

و مبا أن احلوار هو املواجهة اليت جيري من خالهلـا توجيـه . احلوار ضرورة وجودية الفكر و العمل املتحدين للمتحاورين إىل العامل ، الذي سـيجري حتـويره و إضـفاء

يف أفكـار " إيداع"اإلنسانية عليه ، لذلك ال ميكن اختزال احلوار إىل قيام شخص بـ . املتناقشون " يستهلكها"شخص آخر ، كما أنه ال ميكن أن يصبح جمرد تبادل أفكار

ـ العامل أو " تسمية"و هو ليس تبادل حجج عدائية و جداال بني أشخاص غري ملتزمني بو مبا أن احلوار هو مواجهة بني . اخلاصة " حقيقتهم"بالبحث عن احلقيقة ، بل بفرض

العامل ، جيب أال يكون حالة يقوم فيها بعض األشخاص "تسمية"أشخاص يقومون بـ عملية خلق ، و جيب أال يتحول إىل ] احلوار[إنه . العامل نيابة عن آخرين " تسمية"بـ

فالسيطرة اليت ينطوي عليها احلوار ضمنيا هي . أداة ذكية لسيطرة شخص على آخر .مل من أجل حترير الناس إنه غزو للعا. السيطرة على العامل من قبل املتحاورين

فتسمية العـامل ، . اال أن احلوار ال ميكن أن يتوفر يف غياب حب عميق للعامل و للناس فاحلب هو ) 1.(اليت هي عملية خلق و إعادة خلق ،غري ممكنة إذا مل تكن مفعمة باحلب

Page 85: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

85

، يف الوقت ذاته،

وا الثورة على أا عمليـة إنين أزداد قناعة بأن على الثوريني احلقيقيني أن يستوعب (1)و بالنسبة يل فإن الثورة ، اليت ال ميكـن أن . حب ، بسبب طبيعتها اخلالقة واملحررة

الثورة :بل على العكس . ال تتناىف مع احلب– و بالتايل علم –تتحقق دون نظرية ثورية قوى من جتريد فما هو،يف الواقع ، الدافع األ . يقوم ا الناس من أجل حتقيق إنسانيتهم

اإلنسان من إنسانيته الذي ميكن أن يدفع األشخاص ألن يصبحوا ثوريني ؟ إن التشويه من قبل العامل الرأمسايل ال ميكن أن متنع الثورة من أن تكون " حب"املفروض على كلمة

يف طابعها ، كما ال ميكن أن متنع الثوريني من التأكيد علـى حبـهم " حمبة"باألساس : من تأكيد ذلـك ") خبطر أن يبدو سخيفا "مع اعترافه ( مل خيش جيفارا و. للحياة

إن الثوري احلقيقي يهتدي مبـشاعر - رغم احتمال أن أبدو سخيفا -دعوين أقول " = حب عميقة ، فمن الصعب تصور ثوريا حقيقيا ، من غري

ـ "و بالتايل ، هو بالـضرورة مهمـة . أساس احلوار ، و كذلك احلوار ذاته " اعلنيفمسؤولني ، و ال ميكن أن توجد يف عالقة سيطرة ، إذ أن الـسيطرة تكـشف عـن

السادية فيما يتعلق بالشخص الذي يـسيطر ، و التلـذذ : األمراض اليت حتل باحلب و ألن احلب هو عملية شجاعة ، و لـيس . باألمل و املذلة فيما يتعلق بضحية السيطرة

و بغض النظر عن مكان تواجد املـضطهدين ، . ين عملية خوف ، فهو التزام باآلخر ، ألنـه " حواري"و هذا االلتزام هو . فإن عملية احلب إلتزام بقضيتهم ، قضية التحرر

و ألن احلب عملية شجاعة ال ميكنه أن يكون عاطفيا ؛ و لكونه عملية . مشبع باحلب د أعمال حترر أخرى حترر ال ميكن أن يكون مربرا للتالعب و الغش ؛ بل جيب أن يول

و من املمكن استعادة احلب فقط بإلغاء وضـع االضـطهاد ، . ،و إال فلن يكون حبا

Page 86: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

86

إذا مل أحب احلياة –فإذا مل أحب العامل . ذلك الوضع الذي جعل احلب أمرا مستحيال . إذا مل أحب الناس ، فلن أستطيع الدخول يف حوار –

فتسمية العامل ، ذلك . أن يوجد دون تواضع و من الناحية األخرى ، ال ميكن للحوار العمل الذي يقوم الناس من خالله خبلق العامل و إعادة خلقه باستمرار ، ال ميكـن أن

وسيتوقف احلوار ، باعتباره مواجهة بني أشخاص منكبني على . تكون عملية عجرفة فكيف بوسعي . مهمة مشتركة ، هي اكتساب العلم والعمل ، إذا افتقر إىل التواضع

التحاور إذا كنت ألصق اجلهل دوما باآلخرين و ال أدرك على اإلطالق جهلي ؟ كيف بوسعي التحاور إذا كنت أعترب نفسي خمتلفا عن بقية الناس وأعترب اآلخـرين جمـرد

آخر ؟ كيف بوسعي التحاور إذا كنت أعترب نفسي عضوا " أنا"ال أجد بينهم " أشياء"الذين ميلكون احلقيقـة و املعرفـة ، و " األنقياء"من الناس " ءاخللصا"يف جمموعة من

؟ كيـف " تلك اجلموع القذرة "أو " أولئك الناس "يعتربون كل من هم ليسوا أعضاء بوسعي التحاور إذا كانت نقطة البدء بالنسبة يل هي أن تسمية العامل هي مهمة النخبة

اط اليت جيب تفاديهـا ؟ كيـف و أن وجود الشعب يف التاريخ هو عالمة على االحنط بل إا تثري اسـتيائي ؟ كيـف –بوسعي أن أحتاور إذا كنت رافضا ملشاركة اآلخرين

ميكن يل أن أحتاور إذا كنت خائفا من أن أزاح و أعزل ، و يـسبب يل جمـرد هـذا فاألشـخاص . االحتمال العذاب و الضعف ؟ إن االكتفاء الذايت ال يتالءم مع احلوار

ال ميكنهم التوجه إىل الناس ، ال ميكنـهم أن ) أو فقدوه (يفتقرون إىل التواضع الذين فمن ال يستطيع أن يقر بأنه آيل إىل الـزوال ، . يكونوا شركاء الناس يف تسمية العامل

مثله مثل بقية اآلخرين ، ما زال أمامه طريق طويل يقطعه قبـل أن يـصل إىل نقطـة هنالك فقط . ال يوجد جهلة متاما أو حكماء كاملون و عند نقطة املواجهة . املواجهة

Page 87: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

87

.من حياولون التعلم معا أكثر مما يعرفونه اآلن

اإلضافة إىل ذلك حيتاج احلوار إىل إميان عميق باإلنسان ، إميان بقدرته علـى صـنع األشياء

Venceremos-The Speeches and: راجـع " . (أن تكون له هذه الـصفة =

Writings of Che Guevara edited by John Gerassi) ، نيويــورك 398ص ) 1969

وإعادة صنعها ، على اخللق و إعادة اخللق ، إميان مبهمته يف أن يصبح أكثر اكتمـاال إن اإلميـان ) . الذي هو ليس امتيازا للنخبة ، بل حق بالوالدة جلميع النـاس (إنسانيا

يؤمن بالنـاس " الشخص احملاور "ف . ار باإلنسان هو من املقتضيات املسلم ا للحو ف . إال أن إميانه لـيس إميانـا سـاذجا . اآلخرين حىت قبل أن يقابلهم وجها لوجه

شخص انتقادي و يعرف أنه رغم قدرة الناس على اخللق والتغيري ، " الشخص احملاور "ع ذلك و م . معينة " اغتراب"من املمكن أن يعجزوا عن استخدام تلك القدرة يف حالة

. ، وبدال من أن حيطم هذا االحتمال إميانه باإلنسان ، يبدو له كتحد يتعني الرد عليه و هو مقتنع بأن القدرة على اخللق و التغيري ، حىت و إن جرى إحباطهـا يف أوضـاع

و أن تلك الوالدة ال ميكن أن حتدث جمانا ، . معينة ، ال بد هلا من أن تولد من جديد من خـالل حلـول –لنضال ، النضال من أجل التحرر و من خالله بل من خالل ا

و بـدون هـذا . العمال األحرار حمل العمال املستعبدين ، مما يضفي لذة على احلياة اإلميان باإلنسان، يكون احلوار مهزلة و ينحط بكل تأكيد إىل مصاف التالعب و الغش

.األبوي

Page 88: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

88

ضع و اإلميان، يتحول إىل عالقة أفقية عاقبتها إن احلوار بصفته قائما على احلب و التوا سيكون مثة تناقض يف التعبري لـو مل يـسفر . املنطقية هي الثقة املتبادلة بني املتحاورين

عن خلق هذا اجلو من الثقة الذي يؤدي – املحب املتواضع و املليء باإلميان –احلوار و بالعكس فمن الواضح إن مثل . باملتحاورين إىل شراكة أوثق يف عملية تسمية العامل

فبينما " . البنكي"هذه الثقة مفقودة يف ظروف العداء للحوار املالزم ألسلوب التعليم . اإلميان باإلنسان هو مطلب مسلم به للحوار ، فإن الثقة يتم بناؤها من خالل احلوار

فاحلـب الزائـف و . و إذا تعثرت و سقطت سيتضح أن الشروط كانت مفقـودة التواضع الزائف و الثقة الضعيفة باإلنسان ال ميكن أن تولد ثقة ، إذ أن الثقة تتوقـف على الدليل الذي يقدمه طرف إىل األطراف األخرى عن نواياه احلقيقية امللموسة ، و

فقوله شيء و فعله . لكنها لن تتوفر إذا كانت أقوال ذلك الطرف ال تتطابق مع أفعاله كمـا . ال ميكن أن يبعث على الثقة –ء أقواله حممال غري جدي محل املر –شيء آخر

أن متجيد الدميقراطية و تكميم أفواه الناس هو مهزلة ، و كذلك احلديث عن اإلنسانية .ومن مث إنكار اإلنسان ما هو إال أكذوبة

فاألمل متجذر يف عدم اكتمال النـاس ، . ال ميكن للحوار أن يوجد دون وجود أمل كتمال ذلك الذي خيرجون منه يف عملية حبث مستمر ، حبث ميكن أن جيـري عدم اال

و ما اليأس إال شكل من أشكال الصمت ،شكل مـن . فقط يف صحبة أناس آخرين و ليس التجريد من اإلنسانية الناجم عن نظام غري . أشكال إنكار العامل و اهلروب منه

الذي يؤدي إىل سعي دؤوب لتحقيـق عادل سببا لليأس ، بل جيب أن يدفع إىل األمل فما . و لكن األمل لن يتأتى بتكتيف األيدي و االنتظار . اإلنسانية اليت ينكرها الظلم

دمت أكافح سيحركين األمل ، و إذا كافحت و األمل حيدوين ، فبوسعي ، عندئـذ ،

Page 89: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

89

اكتماال إذ أن احلوار ، باعتباره مواجهة بني أناس يسعون ألن يكونوا أكثر . االنتظار و إذا كان املتحاورون ال يتوقعـون أن . إنسانيا ، ال ميكن أن جيري يف جو من اليأس

. تؤيت جهودهم أية مثار ، ستكون املواجهة فارغة عقيمة، بريوقراطية و متعبة

قام املتحاورون بالتفكري بشكل انتقادي و أخريا ال ميكن أن جيري حوار حقيقي إال إذا ، تفكري يفطن إىل أن التضامن بني العامل و اإلنسان غري قابل للتجزئة و ال يقـر بـأي

–انفصام بينهما ، تفكري يفهم الواقع على أنه عملية حتول ، بدال من كيان سـاكن خـوف مـن تفكري ال يفصل نفسه عن العمل، و ينغمس باستمرار يف الدنيوية دون

إن التفكري االنتقادي نقيض للتفكري الساذج الـذي . املخاطر اليت ينطوي عليها ذلك ، اليت ) 1"(الزمن التارخيي ثقال ، تراكما و تنضيدا ملمتلكات وجتارب املاضي "يرى يف

والـشيء املهـم " . حسن السلوك "جيب أن يربز احلاضر منها و قد أصبح طبيعيا و أما بالنسبة للناقد " . تطبع"الذي " اليوم"ساذج هو التكيف مع هذا بالنسبة للمفكر ال

و كما . الناس " أنسنة"، فإن الشيء املهم هو التحوير املستمر للواقع لصاحل استمرار لن يكون اهلدف بعد هو إزالة أخطار الدنيوية من خـالل : "يقول الكاتب بيري فورتر

ال يظهـر …يام بتحويل الفضاء إىل شيء مؤقـت التشبث بالفضاء املضمون ، بل الق الكون يل كفضاء يفرض وجودا هائال ليس يل إال أن أتكيف معه بل كمجال يتشكل

و اهلدف بالنسبة للتفكري الساذج هـو بالتحديـد ) 2." (عندما ينصب عملي عليه ان نفسه التمسك ذا الفضاء املضمون و التالؤم معه ، و بنكرانه للدنيوية يقوم بنكر

.أيضا

إن احلوار وحده ، الذي يتطلب تفكريا انتقاديا، قادر أيـضا علـى توليـد الـتفكري فبال حوار ال يوجد تواصل ، و بال تواصل ال ميكن أن يوجد تعليم حقيقي .االنتقادي

Page 90: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

90

و التعليم القادر على حل التناقض بني املعلم و الطالب يتم يف وضع يقوم فيه االثنان . و هكذا ، فـإن . لية معرفتهم إىل الشيء الذي يتم من خالله التوسط هلما بتوجيه عم

الطابع احلواري للتعليم ، باعتباره ممارسة احلرية ، ال يبدأ عندما يتقابل املعلم الطالـب مع الطالب املعلم يف وضع تربوي ، بل عندما يسأل األول نفسه ما الذي سـيتحاور

هتمام مبحتوى احلوار هو يف الواقع اهتمام مبحتـوى ومن مث فإن اال . حوله مع الثاين .برنامج التعليم

املعادي للحوار تتعلق ببساطة بالربنامج الذي " البنكي"إن قضية احملتوى بالنسبة للمريب . سيتحدث عنه إىل طالبه ، و يقوم باإلجابة على سؤاله بإعداد و تنظيم برناجمه اخلاص

إن حمتوى برنامج التعليم ليس هبة . الذي يطرح املشاكل خالفا للمعلم الطالب احملاور " إعـادة تقـدمي " بل – نتفا من املعلومات جيري إيداعها بالطالب –أو شيئا مفروضا

منظمة و منسقة و مطورة ألشياء

.من رسالة بعث ا صديق (1)

27-26ص ) 1966ريو ، (، Educacao e Vidaبيري فورتر ، ( 1 )

)1. ( آخرين يريدون معرفة املزيد عنها إىل

من النـاس عـن " أ"منهم ، أو " ب"من الناس لصاحل " أ"التعليم احلقيقي ال يقوم به ،عامل يثري إعجـاب –و يتوسط العامل بينهما " ب"مع " أ"منهم، و لكن يقوم به " ب"

نطوي وجهات و ت .الطرفني و يتحدامها ، مما يؤدي إىل بروز وجهات نظر أو آراء حوله النظر هذه ، احلبلى بالقلق والشكوك و اآلمال أو باليأس ، على مواضيع هامة ميكـن

وغالبا ما تقوم املشاعر اإلنـسانية الـيت مت . بناء حمتوى برنامج التعليم استنادا إليها

Page 91: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

91

" لإلنسان الطيب " إستجابة لرغبتها يف خلق منوذج مثايل –التوصل إليها بشكل ساذج و اإلنسانية احلقيقية،كما . ل الوضع الوجودي احلايل امللموس للناس احلقيقيني بتجاه–

تتألف من السماح بظهور الوعي بإنـسانيتنا الكاملـة كـشرط و "يقول بيري فورتري –فنحن ال نستطيع ببساطة الذهاب إىل العمال ) 2." (كواجب ، كوضع و كمشروع

، أو لفـرض " املعرفـة "إلعطائهم " نكيالب"باألسلوب ) 3 (–احلضريني أو الفالحني عليهم الوارد يف الربنامج الذي قمنا حنن أنفـسنا بإعـداد " اإلنسان الطيب "منوذج فالعديد من الربامج السياسية و التعليمية قد فشلت ألن الذين أعدوها قـاموا . حمتواه

ـ دة ، بتصميمها وفق نظرم اخلاصة للواقع ، و دون أن يأخذوا ، و لـو مـرة واح األشخاص الذين هم يف الوضع الذي وجه إليه ، -إال كأهداف لعملهم -باحلسبان

.كما هو واضح ، الربنامج الذي أعدوه

إن هدف العمل و النشاط بالنسبة للمريب اإلنساين احلقيقي و الثوري احلقيقـي هـو ـ "الواقع الذي سيقومان بتحويره سوية مع الناس اآلخرين ، و لكن لـيس " ريناآلخ

إن املضطهدين هم أولئك الذين يستهدفون يف عملهم الناس الذين . الذين هم أنفسهم . يلقنوم و حيملوم على التكيف مع واقع جيب أن يظل على ما هو عليه بال مساس

نتيجة رغبتهم يف احلـصول –إال أن القادة الثوريني ، لسوء احلظ ، غالبا ما ينساقون يف ختطيط حمتوى الربنامج من " البنكي" وراء اخلط –لعمل الثوري على تأييد الشعب ل

فهم يتوجهون إىل الفالحني أو اجلماهري يف املدن مبشاريع قد تتطابق و . أعلى إىل أسفل و ينسون أن هدفهم ) 4.(نظرام اخلاصة ، و ليس نظرة الشعب إىل العامل

إنك تعرف أنين قلت منذ فترة "قال ماو تسي تونج خالل حديث طويل مع مالرو (1)راجـع ." جيب علينا تعليم اجلماهري بوضوح ما تلقيناه منها بشكل مـشوش : طويلة

Page 92: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

92

حيتوي هذا .362-361، ص ) 1968نيويورك (Anti-Memoirsأندريه مالرو :كاملة فيما يتعلق بكيفية إعداد حمتوى برنـامج التعلـيم " حوارية"التأكيد على نظرية .عداده وفق ما يعتقد املريب أنه األفضل لطالبه الذي ال ميكن إ

.165فورتري ، املصدر الذي سبق ذكره ، ص (2)

إن األخريين الغارقني ، يف العادة يف سياق كولونيايل ، يرتبطون ارتباطا ال ينفـصم (3) . بعامل الطبيعة ، و يشعرون، بالنسبة له، أم أجزاؤه املكونة بدال من كوم من يشكله

يتعني على عمالنا املثقفيني أن خيدموا الشعب حبماس و إخالص عظيمني،و جيـب "(4) =أن يرتبطوا باجلماهري وأال

األساسي هو الكفاح إىل جانب الشعب الستعادة إنسانية الشعب املسلوبة ، و لـيس مثل هذا القول ال ميكن أن ينتمي إىل مرادفات القـادة . إىل صفهم " كسب الشعب "

فدور الثوري هو أن حيرر و يتحرر مـع . الثوريني ، بل إىل ما يصدر عن املضطهدين .الشعب، ليس كسب الشعب إىل صفه

لتشجيع الـسلبية " البنكي"تستخدم النخب املسيطرة ، يف نشاطها السياسي ، املفهوم لـك ، و يـستغلون ت " الغارق"بني املضطهدين ، مما يتمشى مع وضع وعي األخريين

و هذا العمل ال .ذلك الوعي بشعارات تولد مزيدا من اخلوف من احلرية " مللء"السلبية يتالءم مع ج عمل حترري حقا ، الذي يـساعد املـضطهدين ، بتقدميـه شـعارات

ففي ايـة . تلك الشعارات من داخلهم " لفظ"املضطهدين على شكل قضية ، على ل تأكيد ، ليس طرح شعارام ضـد شـعارات املطاف إن مهمة اإلنسانيني هي ، بك

Page 93: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

93

أوال شعارات جمموعة ، مث " تأوي"املضطهدين ، مع وجود املضطهدين كأرضية اختبار شعارات اموعة الثانية، بل على العكس إن مهمة اإلنسانيني هي أن يعي املضطهدون

ضطهدين ، من يف داخلها امل " تأوي"حقيقة أم لن يتمكنوا ، ككائنات ذات ازدواجية .أن يصبحوا إنسانيني حقا

تعين هذه املهمة أن القادة الثوريني ال يذهبون إىل الشعب من أجل أن حيملوا له رسالة بل كي يعرفوا من خالل احلوار معه وضعه املوضوعي و وعيه بذلك الوضع " اخلالص"و ال . ه و معـه املستويات املختلفة إلدراكهم ألنفسهم و للعامل الذين يوجدون في –

ميكن للمرء أن يتوقع نتائج إجيابية من برنامج عمل تعليمي أو سياسي يفشل يف احترام النظرة اخلاصة للعامل اليت حيملها الشعب ، فمثل هذا الربنامج يشكل غزوا ثقافيا ، رغم

.النوايا الطيبة

الـسياسي هـي جيب أن تكون نقطة البدء يف إعداد حمتوى برنامج العمل التعليمي أو و جيـب علينـا ، . الوضع الوجودي احلايل امللموس ، الذي يعكس تطلعات الشعب

طرح هذا الوضع الوجودي امللموس احلـايل -باستخدامنا بعض التناقضات األساسية على الشعب كمشكلة تتحداه

و كي حيققوا ذلك ، جيب علـيهم العمـل وفـق . يباعدوا بينهم و بني اجلماهري =فكل عمل يتم لصاحل اجلماهري جيـب أن يبـدأ مـن . ت اجلماهري و رغباا احتياجا

و غالبا ما حيدث أن . احتياجاا ، و ليس من رغبة أي فرد ، مهما كانت نواياه حسنة اجلماهري حتتاج موضوعيا لتغيري معني ، و لكنها ذاتيا ليست واعية ـذه احلاجـة ، و

يف مثل هذه احلاالت يـتعني علينـا . لتغيري ليست مستعدة أو مصممة على القيام با جيب أال نقوم بالتغيري إىل أن تعي غالبية اجلماهري ، من خالل عملنا ، . االنتظار بصرب

Page 94: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

94

باحلاجة إىل التغيري و تبدي االستعداد و تقرر القيام به ، و إال سنعزل أنفـسنا عـن ية للجماهري بـدال ممـا األول هو االحتياجات الفعل : يوجد هنا مبدآن … اجلماهري

نتصور حنن أا حتتاجه، و الثاين هو رغبات اجلماهري اليت جيب أن تقرر ، بدال مـن أن ,Selected Works of Mao-Tse Tung: مـن . نقوم حنن حبملها على التقرير

Vol. III. "The United Front in Cultural Work", (October 30,1944), (Peking, 1967 (– 187-186 ص

و تتطلب ردا ، ليس على املستوى الفكري فحسب ، بل أيضا على مستوى العمل و )1.(النشاط

و جيب علينا أال نتحدث أبدا عن الوضع احلايل ، و أال نقدم للشعب برامج هلا صـلة بـرامج –ضعيفة أو ال صلة هلا على اإلطالق باهتماماته و شكوكه و آماله و خماوفه

فليس مـن دورنـا أن نتحـدث . يف الواقع ، خماوف الوعي املضطهد تزيد أحيانا ، للشعب عن رؤيتنا للعامل ، أو أن حناول فرض تلك الرؤية عليه ، بل علينا أن نتحـاور

جيب علينا أن ندرك أن رؤية الشعب للعـامل ، الـيت . مع الشعب عن رؤيته و رؤيتنا و العمـل التعليمـي . العـامل تنعكس بأشكال خمتلفة يف أعماله ، تعكس وضـعه يف

والسياسي الذي ال يدرك بشكل انتقادي هذا الوضع، يواجه خطرا إمـا أن يكـون .أو أن يقوم بالتبشري يف الصحراء " بنكيا"

و غالبا ما يتكلم املربون و الساسة و لكن ال يتم فهمهم؛ ألن اللغة اليت يستخدموا ال و بالتايل ، يكون كالمهـم . خياطبوم تتمشى مع الوضع امللموس لألشخاص الذين

يبـدو مـن ( فلغة املريب أو الـسياسي . و تدفع إىل االغتراب " مغتربة"جمرد بالغة

Page 95: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

95

الواضح أكثر فأكثر أنه يتعني على األخري أن يصبح هو أيضا مربيا بـاملعىن الواسـع ال ميكن أن ، مثلها مثل لغة الشعب ، ال ميكن أن توجد دون تفكري ، كما أنه ) للكلمة

و يتعني على املـريب و الـسياسي ، كـي . توجد اللغة أو الفكر دون بنية مرجعية بشكل فعال ، أن يفهما الظروف البنيوية اليت جيري فيها تشكيل ] مع الناس [يتواصال

.فكر و لغة الشعب جدليا

اقع لـدى جيب علينا التوجه إىل الواقع الذي يتوسط بني الناس ، و إىل إدراك ذلك الو فالبحث والتمحيص فيمـا . املربني و لدى الشعب ، حىت جند حمتوى برنامج التعليم

وهو –) Thematic Universe) (2" (الكون ذي املوضوعات"أطلقت عليه اسم "املوضوعات املنتجة"مركب

(Generative Themes) يدشن حوار التعليم ، باعتباره ممارسة للحريـة –لديهم كون منهاج البحث كذلك منهاج حوار ، يتـيح الفرصـة الكتـشاف و جيب أن ي .و متشيا مـع . و حلفز وعي الناس فيما يتعلق بتلك املوضوعات " املوضوعات املنتجة "

كأن (اهلدف التحرري للتعليم احلواري فإن اإلنسان ليس هدف البحث و االستقصاء ناس يف احلديث عن الواقع ، بل لغة الفكر اليت يستخدمها ال ) الناس هي قطع للتشريح

و رؤيتهم للعامل الذي جيري فيه ، ، و املستويات اليت يقومون فيها بإدراك ذلك الواقع . العثور على موضوعام املنتجة

بدقة أكثر ، والذي سيوضح أيضا ما " املوضوعات املنتجة "و قبل اإلقدام على وصف هو

مع طبيعتهم ، مثل " البنكي"تخدام األسلوب سيتناقض قيام اإلنسانيني احلقيقيني باس (1)

Page 96: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

96

. تناقض اليمينيني مع أنفسهم إذا ما استخدموا التعليم الذي يطرح مشاكل و قـضايا إال أن اليمينيني ثابتو املنهج على الدوام ، فهم ال يستخدمون على اإلطالق التربيـة (

.)اليت تطرح مشاكل و قضايا

. بالداللة نفسها " غزىاملوضوعات ذات امل"يستخدم تعبري (2)

Minimum Thematic" (احلد األدىن من الكون ذي املوضـوعات "املقصود بـ

Universe ( إن مفهـوم . يبدو يل أنه من الضروري تقدمي بعض األفكـار األوليـةفلو كان . ليس مفهوما اعتباطيا ، وليس فرضية للعمل جيب إثباا " املوضوع املنتج "

ثباا ، حلاول البحث األويل عدم تأكيد طبيعة املوضوع ، وحلـاول فرضية ال بد من إ و يف تلـك احلالـة . بدال من ذلك إثبات وجود أو عدم وجود املوضوعات نفـسها

سنضطر أوال إىل التحقق مما إذا كانت حقيقة موضوعية أم ال ، قبل أن حنـاول فهـم عندئذ فقط . و تكوينه التارخيي املوضوع بكل غناه ، فهم أمهيته ، و تعدديته و حتوالته

و على الرغم من أن اختاذ موقف شك يتحلى . سنتمكن من املضي إىل فهم املوضوع باالنتقاد أمر مشروع ، فإنه يبدو أنه من املمكن التحقق من حقيقة املوضوعات املنتجة

دي يف ليس فقط من خالل جتربة املرء الوجودية ، بل أيضا من خالل التفكري االنتقا –العالقة بني اإلنسان و العامل و كذلك يف العالقات بني الناس الواردة ضمنيا يف العالقة

. األوىل

رغم ما يف ذلك من تكرار –قد يذكر املرء . تستحق هذه النقطة مزيدا من التوضيح أن اإلنسان هو الوحيد من بني كل الكائنات غري املكتملة ، الذي يتعامل ليس فقط –

و متيزه هذه القدرة عن احليوانات . ماله بل أيضا مع نفسه ذاا كميدان لتفكريه مع أع، اليت هي غري قادرة على فصل نفسها عن نشاطها ، و بالتايل غري قادرة على التفكري

Page 97: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

97

تكمن يف هذا الفرق السطحي الظاهر ، احلدود اليت حتد عمل كل منهم يف جمال . ا انات هو امتداد لذاا ، فإن نتائج ذلك النشاط هي أيضا ال و ألن نشاط احليو . حياته

احليوانات ال تستطيع حتديد أهداف ، و ال تستطيع أيـضا أن : ميكن فصلها عن ذاا " قرار"باإلضافة إىل ذلك ، ال يعود . تضفي على تغيريها للطبيعة أية أمهية تتجاوز ذاا

و من مث فإن احليوانات هي مـن حيـث . ا القيام ذا النشاط إليها ، بل إىل فصائله " .كائنات يف ذاا ال تتعداها"اجلوهر

ذاا أو نشاطها " موضعة"إن احليوانات ال تقدر أن تقرر لنفسها ، كما أا ال تستطيع يف عـامل ال تـستطيع أن " غارقة"، و تفتقر إىل أهداف حتددها هي بنفسها ، و تعيش

اليوم ،ألا توجد يف حاضـر طـاغ ، و "و إىل " الغد"ىل تضفي عليه معىن ، و تفتقر إ ، مبعناه الـدقيق " العامل"ال حتدث يف " الال تارخيية "و حياا " . ال تارخيية "بالتايل فهي

الذي بوسعه أن مييزه على اعتباره " ال أنا "فالعامل بالنسبة للحيوانات ال يشكل . احلريف " . للكائن يف ذاته"هو تارخيي ، فإنه يشكل جمرد دعامة أما عامل اإلنسان ، الذي " . أنا"

و حياا . و احليوانات ال جيري حتديها من قبل التناسق الذي يواجهها ، بل تتهيج فقط فاازفات ليـست حتـديات . ليست حياة جمازفة ، ألا ال تعي اإلقدام على اازفة

فقط عرب الدالئل اليت تشري " سجيلهامالحظتها و ت "جيري إدراكها بعد تفكري ، بل يتم .و بالتايل فإن احليوانات ال حتتاج إىل ردود فعل اختاذ قرارات . إليها

فظرفها الالتارخيي ال يسمح هلا بـأن . و من مث ، فإن احليوانات ال تستطيع أن تلتزم ناؤها ، و فهي ال تستطيع ب " التعامل مع احلياة "مع احلياة ، و ألا ال تستطيع " تتعامل"

كما أا ال تـستطيع معرفـة أن . مبا أا ال تبين احلياة فإا ال تستطيع حتوير تناسقها إىل عامل رمـزي لـه " الركيزة"احلياة تدمرها نفسها ألا غري قادرة على توسيع عاملها

Page 98: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

98

علـى " حيوانيـة "ونتيجة لذلك ال تضفي احليوانـات . معىن و حيتوي ثقافة و تارخيا و ". حيوانيتها"على نفسها، كما أا ال جترد نفسها من " حيوانية"كي تضفي تناسقها

.، حيوانات هناك كما هي يف حديقة احليوانات" كائنات يف ذاا"تظل حىت يف الغابة

واعون بنشاطهم و العامل الذي يوجدون فيـه ، و عـاملون –و باملقابل، فإن الناس الكون ملركز قرارام يف داخل ذام ، و مـشبعو تطبيقا لألهداف اليت حيددوا ، و م

العامل ، يف عالقام به و باآلخرين ، حبضورهم اخلالق من خالل التغيري الذي يدخلونه ، و وجـودهم ) 1( و خالفا للحيوانات ، ال يعيشون فقط ، بل هلم وجـود –عليه

طحة رتيبة ، بينما الناس ال زمنية مس " ركيزة"أما احليوانات فتعيش حياا يف . تارخيي أما بالنسبة للحيوانات فإن . يعيشون يف عامل يقومون على الدوام بإعادة خلقه و حتويره

يعين بالنسبة للناس ليس فقـط فـضاءا " هنا"حتتك به ، بينما " موطن"هو جمرد " هنا" .ماديا ، بل أيضا فضاءا تارخييا

بالنـسبة " األمـس "و " غـدا "و " اآلن "و" هنا] "ملفاهيم[و بكالم دقيق ، ال وجود و ال تستطيع احليوانات ختطي . للحيوانات اليت تفتقر حياا املقررة كلية إىل وعي ذايت

" .هناك"و " اآلن"و " هنا"احلدود املفروضة عليها من قبل

إال أن الناس يوجدون يف عالقة جدلية بني تقرير احلدود و بني حريتهم ، و و مـع إقـدامهم . ألم كائنات واعية –كون لذام ، و بالتايل للعامل ذلك ألم مدر

،و مع إقدامهم على فـصل "موضعته"على فصل أنفسهم عن العامل الذي يقومون بـ أنفسهم عن نشاطهم ، ومع إقدامهم على وضع مركز اختاذهم القرارات يف ذام و يف

: األوضاع اليت حتـدهم أو تقيـدهم عالقام بالعامل و باآلخرين ، يتغلب الناس على و عندما يدرك الناس أن هذه األوضاع هي قيود و عقبات ) 2". (األوضاع اليت حتد "

Page 99: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

99

أمام حتررهم ، فإن هذه األوضاع تربز بارتياح من اخللفية و تكشف عن طبيعتها

معاين مغـايرة يف اللغـة )Exist" (وجود"و ) Live" (حتيا"اكتسبت كلمتا (1) ليزية ألصوهلما يف علم اإلجن

فقط " العيش"هي أكثر ارتباطا باألمور األساسية تعين " حياة"و كلمة . االشتقاق فهي تشري " وجود"أما .

.إىل انغماس أعمق يف أن يصبح املرء و يغدو

" األوضاع الـيت حتـد "حيلل الربوفيسور ألفارو فيريا بينتو بوضوح موضوع (2) تخدما املفهوم املوجود أصال مس

ليست " األوضاع اليت حتد "فبالنسبة له إن . يف ياسربز ، بدون اجلانب التشاؤمي احلدود اليت ال ميكن ختطيها "

." و حيث تنتهي اإلمكانيات ، بل احلدود احلقيقية حيث كل اإلمكانيات تبـدأ ، بل احلدود اليت تفصل ’ الالشيء’و ’ أن تكون’بني احلدود اليت تفصل"إا ليست

: =راجع . ’ أن تكون أكثر’و ’ أن تكون’بني

و يرد الناس على التحدي بأعمال يطلق . احلقيقية كأبعاد تارخيية ملموسة لواقع حمدد و التغلـب " احملدد"تلك األعمال املوجهة إىل نفي ": أعمال حتد "عليها فيريا بينتو اسم . شكل سليبعليه بدال من قبوله ب

و هكذا فإا ليست األوضاع اليت حتد بذاا و مببادرة منها هي ما ختلـق جـوا مـن يف ] تلك األوضاع [هي الطريقة اليت جيري ا استيعاب ] إن ما خيلق ذلك [اليأس، بل

Page 100: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

100

إذا كانت تبدو كقيود أو كعقبات ال ميكن التغلب : حلظة تارخيية معينة من قبل الناس أن اإلدراك االنتقادي يتجسد يف النشاط ، فإن جوا من األمل و الثقـة و مبا . عليها

-Limit(ينمو و حيمل الناس على حماولة التغلـب علـى األوضـاع الـيت تحـد

situations . ( و ميكن حتقيق هذا اهلدف فقط عرب تركيز العمل على الواقع التارخييو مع حتوير الواقع و اسـتبدال . ا امللموس الذي تتواجد فيه األوضاع اليت تحد تارخيي

.هذه األوضاع ، سيظهر واقع و أوضاع جديدة تثري حبد ذاا أعماال حتد جديدة

على أية أوضاع تحد ، و ذلـك بـسبب طابعـه " الركيزة"ال حيتوي عامل احليوانات ، اليت و كذلك تفتقر احليوانات إىل القدرة على ممارسة األعمال اليت تحد . الالتارخيي

. العامل من أجـل حتـويره " موضعة"االنفصال عن و : تتطلب موقفا حامسا إزاء العامل ـ و . ال متيز بني نفسها و بـني العـامل " ركيزا"فاحليوانات املرتبطة ارتباطا عضويا ب

، بـل مبجمـل - اليت هي تارخييـة –بالتايل ، فإن احليوانات ال تحد بأوضاع تحد و الدور املناسب للحيوانات هو ليس أال ترتبط وتعتمد علـى ) . Prop" (الركيزة"

و مـن مث عنـدما . ، بل التكيف معه ) يف تلك احلالة ستكون الركيزة عاملا (ركيزا أعمال "احليوانات عشا ، خلية ، أو جحرا ، فإا ال تقوم خبلق منتج ينجم عن " تنتج"ها اإلنتاجي خيضع لتلبية ضرورة مادية ، هـي إن نشاط . ، أي ردود فعل حتويرية " حتد

إن إنتاج احليوان يعود على الفور إىل جـسمه املـادي ، . "ببساطة حتفز و ال تتحدى )1.(بينما اإلنسان يقوم مبواجهة منتجة حبرية

رغم أن هذه (إن املنتجات اليت تنجم عن نشاط كائن فقط و ال متت إىل جسده املادي تستطيع أن تضفي بعدا ذا معىن على السياق ، الذي يصبح ) ل بصماته املنتجات قد حتم

و بالتايل يدرك بالضرورة ذاته (فالكائن القادر على إنتاج من هذا القبيل . بالتايل عاملا

Page 101: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

101

ال ميكنه أن يكون إن مل يكن يف عملية الوجود يف العامل الذي ") كائن من أجل ذاته "هو .امل لن يوجد إذا مل يوجد هذا الكائن متاما كما أن الع. ينتمي إليه

ألن نشاطها ( اليت ال تستطيع خلق منتجات منفصلة عن ذاا –و الفرق بني احليوانات الذين خيلقون من خالل عملهم املنصب علـى – و الناس –) ال يشكل أعمال تحد

إن النـاس . سة هو أن األخريين فقط هي كائنات املمار -العامل جماال ثقافيا و تارخييا املمارسة اليت هي –فقط هم ممارسة

ريــو دي (Consciencia e Realidade Nacionalالفــارو فــيريا بينتــو = 284الد الثاين ص ) 1960جانريو

Economic and Philosophicalكــارل مــاركس ، : راجــع (1)

Manuscripts of 1844 ص ) 1964نيويـورك ، (ديرك سـترويك ، حترير ،113.

و عمل احليوانـات ، . تفكري و عمل يغيران العامل حقا ، و هي مصدر املعرفة و اخللق .الذي جيري من غري ممارسة ، ليس خالقا ، بينما نشاط اإلنسان التحويري هو خالق

إن الناس ، لكوم كائنات تعمل على التغيري، و ختلق ، يقومون يف عالقام الدائمـة بل أيضا مؤسسات اجتماعية – أشياء ملموسة –، بإنتاج ليس فقط سلعا مادية بالواقع

و يقوم الناس من خالل ممارستهم املستمرة خبلـق تـاريخ ) 1. (أفكارا و مفاهيم ، باإلضافة إىل ذلك يستطيع الناس . بشكل متزامن ، فيصبحون كائنات اجتماعية تارخيية

املاضي و احلاضـر و : أبعاد ثالثة على الزمن من إضفاء – باملقارنة مع احليوانات –املستقبل ، كما أن تارخيهم ، تطبيقا ملا يقومون خبلقه ، يتطور كعملية تغيري مستمرة ،

Page 102: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

102

و هذه الوحدات ليست مراحل زمنية مغلقة . تتحقق يف إطارها وحدات من احلقبات شرط أساسي مـن فلو كان األمر كذلك ، سينتفي . ، أقساما جيري فيها حصر الناس

بل على العكس تتواصل وحدات احلقبات يف استمرارية . إستمراريته : شروط التاريخ )2.(تارخيية ديناميكية

تتميز احلقبة مبجموعة من األفكار و املفاهيم و اآلمال و القيم و التحديات يف تفاعـل للعديد و يشكل التجلي امللموس . جديل مع كل ما يشكل نقيضها ساعية حنو الكمال

اإلنـسان " أنسنة"من هذه األفكار والقيم و املفاهيم ، و كذلك العقبات اليت تعيق وتتضمن هذه املوضوعات مواضيع أخرى معارضة أو . الكاملة ، موضوعات احلقبة

و هكـذا ، ال ميكـن . و تشري أيضا إىل مهام جيب القيام ا و إجنازهـا . متناقضة ى اإلطالق أن تكون معزولة ، مستقلة أو غـري مترابطـة أو للموضوعات التارخيية عل

و ال ميكن أيضا العثور على هذه . إا على الدوام تتفاعل جدليا مع نقيضها . ساكنة و يـشكل مركـب . املوضوعات يف أي مكان باستثناء العالقة بني اإلنسان و العامل

."الكون اخلاص مبوضوعاا"املواضيع املتفاعلة حلقبة ما

يف تناقض جديل ، يتخذ النـاس أيـضا " الكون من املوضوعات "و لدى مواجهة هذا . يعمل البعض للحفاظ على اهلياكل ، و يعمل آخرون على تغيريها : مواقف متناقضة

و مع تعمق اخلصومة بني املوضوعات ، اليت هي تعبري عن الواقع ، يبدو ميل إىل حتويل و . رافة ، فيوجد جوا من الالعقالنية و االنعزاليـة املوضوعات و كذلك الواقع إىل خ

يهدد هذا اجلو بإفراغ املوضوعات من أمهيتها األعمق و حرماا من جانبها الديناميكي و يف وضع من هذا القبيل تصبح الالعقالنية ذاا، الـيت ختلـق اخلرافـات، . املميز

ة اإلنتقاديـة والديناميكيـة و يسعى املوضوع املناقض هلا ، النظر ، موضوعا جوهريا

Page 103: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

103

للعامل ، إىل الكشف عن الواقع و إماطة اللثام عن عملية حتويله إىل خرافة ، و حتقيـق .التحول الدائم للواقع لصاحل حترر اإلنسان : إجناز كامل للمهمة اإلنسانية

Dialetica de laراجع بشأن هـذه النقطـة كـارل كوسـيك ، (1 )

Concreto) 1967ملكسيك ، ا(

Teoria de la epocaراجع حول موضوع احلقبـات التارخييـة هـانز فرايـر (

atual)املكسيك(

على أوضاع تحد ، كما ) Themes) (1(و يف التحليل النهائي ، حتتوي املوضوعات و عندما جيـري إخفـاء . و املهام اليت تطرحها تتطلب أعمال حتد .تحتوى فيها أيضا

تيجة للوضع الذي يحد و بالتايل ال جيري إدراك املهام املطلوبة بوضـوح املوضوعات ن فإنه ال ميكن إجناز تلك املهام إجنازا حقيقيا و – ردود الناس على شكل عمل تارخيي –

و ال يتمكن الناس يف هذا الوضع من جتاوز األوضـاع املقيـدة و . بشكل انتقادي تكمن إمكانيات مل تجـرب -اقض معها و يف تن –اكتشاف أن وراء هذه األوضاع

)Untested Feasibility. (

باختصار إن األوضاع املقيدة تعين وجود أشخاص ختدمهم هذه األوضاع بشكل مباشر و لـدى إدراك . أو غري مباشر ، و كذلك وجود آخرين تنكرهم و تكبح مجـاحهم

الوجـود األكثـر "و " ودالوج"األخريين هلذه األوضاع على أا احلدود الفاصلة بني ، يأخذون يف توجيه " الالشيء"و " الوجود "، بدال من أن تكون احلدود بني " إنسانية

أعماهلم اإلنتقادية املتزايدة حنو حتقيق اإلمكانية غري اربة الواردة ضمنيا يف ذلك الفهم إىل اإلمكانية و من الناحية األخرى ، ينظر أولئك الذين خيدمهم الوضع املقيد احلايل .

Page 104: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

104

غري اربة على أا وضع مقيد ينطوي على ديد ، و جيب عدم السماح بصريورته ، و من مث ، ال بد لألعمال التحرريـة املنـصبة . و يعملون للحفاظ على الوضع القائم

على حميط تارخيي من أن تتطابق ليس فقط مع املوضوعات املنتجة ، بـل أيـضا مـع و حيتوي هذا املطلب ، بدوره ، على . يها إدراك هذه املوضوعات الطريقة اليت جيري ف

.دراسة وتفحص املوضوعات ذات الداللة و املعىن : مطلب آخر

ميكن أن تتواجد املوضوعات املنتجة يف دوائر هلـا مراكـز مـشتركة مـع غريهـا )Concentric Circles ( و حتتوي وحـدة احلقبـة . ، تنتقل من العام إىل اخلاص قارية ، إقليمية ، –وسع اليت فيها سلسلة خمتلفة من الوحدات والوحدات الفرعية األ

أنا شخـصيا . على موضوعات ذات طابع عام و شامل –قومية ، و إىل ما غري ذلك األمر الـذي يـشمل نقيـضها، –أعترب أن موضوع حقبتنا اجلوهري هو السيطرة

ذا املوضوع املؤمل و املؤرق الذي يعطي إن ه . موضوع التحرر كهدف ال بد من حتقيقه و من الضروري للغاية التغلب علـى . حلقبتنا طابعها األنثروبولوجي الذي سبق ذكره

" األنسنة"األوضاع املقيدة اليت جيري فيها اختزال الناس إىل جمرد أشياء من أجل حتقيق .اليت تفترض تصفية االضطهاد الذي جيرد من اإلنسانية

يف القارة ذاا ( الدوائر األصغر موضوعات و أوضاعا مقيدة متيز اتمعات و جند يف اليت تشترك من خالل هذه املوضوعات و األوضـاع املقيـدة يف ) أو يف قارات خمتلفة

فعلى سبيل املثال ، إن التخلف ، الذي ال ميكن فهمه مبعـزل . أشياء تارخيية متشاة مقيدا مييز عن عالقة التبعية ، ميثل وضعا

بغض النظر عن كيفية التوصل -ألا " املنتجة"أطلقت على هذه املوضوعات صفة (1) حتتوي على إمكانية التفتح إىل العديـد مـن -إىل فهمها و العمل الذي قد تدفع إليه

Page 105: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

105

. املوضوعات ، اليت تستدعي بدورها إجناز مهام جديدة

ها هذا الوضع املقيد هي التغلـب علـى و املهمة اليت يطرح . جمتمعات العامل الثالث و تشكل هذه املهمة .مع اتمعات املتقدمة " األشياء"العالقة املتناقضة هلذه اتمعات

.اإلمكانية غري اربة للعامل الثالث

و حيتوي أي جمتمع حمدد يقع داخل وحدة احلقبة األوسع على موضوعاته اخلاصـة ، ، إضافة إىل املوضوعات العامة الـشاملة و القاريـة و وأوضاعه املقيدة اخلاصة أيضا

وميكن العثور يف احللقات األصغر على تباين يف املوضـوعات يف . التارخيية املتشاة إطار اتمع الواحد ، مقسمة إىل مناطق و مناطق فرعية ، و جلميعها صـلة بالكـل

ملثال ، بوسع املرء أن فعلى سبيل ا . و تشكل هذه وحدات حقبة فرعية . االجتماعي ".تعايشا بني غري متزامنني"جيد يف إطار الوحدة القومية الواحدة

و ميكن يف إطار هذه الوحدات الفرعية إدراك األمهية احلقيقية للموضوعات القومية أو وحىت يف بعـض األحيـان –و قد يتم ببساطة الشعور ا أو تلمسها . عدم إدراكها

ه من املستحيل كلية عدم وجود موضـوعات داخـل الوحـدات إال أن . اليتم ذلك فحقيقة أن أفرادا يف بعض املناطق ال يدركون موضوعا منتجـا ، أو أـم . الفرعية

يدركونه بطريقة مشوهة ، إمنا يكشف عن وضع االضطهاد املقيد الذي جيـد النـاس . أنفسهم غارقني فيه

يدرك بعد الوضع املقيد بكليته سيفهم و عموما ، إن الوعي اخلاضع للسيطرة الذي مل و يحول إليها القوة الرادعة اليت هي ) Epiphenomena" (الظواهر املصاحبة "فقط

هذه احلقيقة مهمة للغاية بالنسبة لدراسـة و تفحـص ) . 1(من صفات الوضع املقيد

Page 106: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

106

ون يف فعندما يفتقر الناس إىل فهم انتقادي لـواقعهم ، و يأخـذ . املوضوعات املنتجة استيعابه كأجزاء ال يدركون أا عناصر تتفاعل و تكون الكل ، ليس مبقـدورهم أن

: عليهم كي يفهموا الواقع حقا أن يعكـسوا نقطـة انطالقهـم . يعرفوا الواقع حقا سيحتاجون إىل أن تتوفر لديهم رؤية كاملة للسياق حىت يتمكنوا بالتايل من فـصل و

.ة ، و من خالل ذلك حتقيق فهم أوضح للكل املكون] الكل[عزل عناصره

من املناسب ، و بالدرجة ذاا ، ملنهاج البحث يف املوضوعات و للتعليم الذي يطرح مشاكل و قضايا أن يقدم هذا اجلهد أبعادا مهمة لسياق واقع الفرد الـذي سـيمكنه

قت ذاته ، إدراك و جيب ، يف الو. حتليله من التعرف على التفاعل بني خمتلف املكونات و .األبعاد اهلامة ، اليت هي بدورها تتكون من أجزاء تتفاعل ، كأبعاد للواقع الكلـي

ذه الطريقة، فإن حتليال انتقاديا لبعد وجودي هام

غالبا ما يعكس أفراد من الطبقة الوسطى هذا النوع من السلوك ، رغم اخـتالف (1)يدفعهم إىل إقامة آليات دفاعية و مسوغات فخوفهم من احلرية .الطريقة عن الفالحني

وجينحون ، يف مواجهـة . ختفي اجلوهر و تؤكد على العرضي و تنكر الواقع امللموس مشكلة قد يؤدي حتليلها إىل إدراك غري مريح للوضع املقيد ، إىل البقاء على أطـراف

عجون عنـدما النقاش ومقاومة أية حماولة للوصول إىل قلب املسألة ، و حىت أم يرت يشري أحد إىل اقتراح جوهري يفسر األمور العرضية أو الثانوية اليت كـانوا يـضفون

.عليها أمهية أولية

فيتم تصحيح إدراك و . ميكن من التوصل إىل موقف انتقادي جديد من الوضع املقيد و عندما تتم دراسة و استقصاء املوضوع املنتج . فهم الواقع ويكتسبان عمقا جديدا

) املوضوعات املنتجة يف حالة التفاعل " (احلد األدىن للكون ذي املوضوعات "الوارد يف

Page 107: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

107

، يقوم البحث بتعريض الناس أو البدء يف تعريضهم لشكل انتقادي من التفكري عـن .العامل

و لكن يف حالة قيام الناس بإدراك الواقع على أنه كثيف ، ال ميكن إختراقه يصبح من " امللموس"و هذا األسلوب ال يعين حتويل . البحث بوسائل التجريد الضروري املضي ب

، بل اإلبقاء على العنصرين كنقيضني )األمر الذي سيعين نفي طبيعته اجلدلية (إىل جتريد و تتمثل حركة التفكري اجلدلية هذه ، بشكل رائع . يتفاعالن جدليا يف عملية التفكري و يتطلب حل رموزه ) . Coded) (1" (فرمش"و، ، يف حتليل وضع وجودي ملموس

حتوال من التجريد إىل امللموس ، و يستدعي ذلك حتوال من اجلزء إىل الكل مث العـودة أو " اهلـدف "على نفسه يف " الفاعل"و يتطلب هذا ، بدوره ، أن يتعرف .إىل األجزاء

كوضـع " ول به املفع"و يتعرف على ) الوضع الوجودي امللموس املشفر " (املفعول به "و إذا جرى فك الرموز بشكل جيد فـإن . آخرين " فاعلني"جيد نفسه فيه ، سوية مع

هذه من التجريد إىل امللموس اليت حتدث يف حتليـل " إعادة التدفق "و " التدفق"حركة ستؤدي إىل استبدال التجريد بإدراك انتقادي للملموس ، الذي مل يعد " املشفر"الوضع

.يفا غري قابل لالختراق بعد واقعا كث

رمسا ختطيطيا أو صـورة تـؤدي عـرب " (مشفرا"و عندما يواجه املرء وضعا وجوديا " . املشفر"ذلك الوضع " جتزئة"، جينح إىل ) التجريد إىل جعل الواقع الوجودي ملموسا

هذه خالل عملية فك الرموز ، مع مرحلة نطلق عليها اسم " الفصل"و تتطابق عملية و . املفكـك " الكل"، كما أا تسهل اكتشاف التفاعل بني أجزاء " صف الوضع و"

، الذي جرى فهمه يف السابق بشكل مشتت فقط ، ) الوضع املشفر " (الكل"يأخذ هذا " التشفري"ولكن ، مبا أن . يف اكتساب معىن مع عودة تدفق الفكر من األبعاد املختلفة

Page 108: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

108

من يقدم على فك الرموز مييـل إىل اختـاذ خطـوة هو عرض لوضع وجودي ، فإن و هكـذا ، . إىل الوضع امللموس ذاته الذي جيد نفسه فيه و معه " املثال"االنتقال من

من املمكن أن يصبح تفسريا بشكل مفهومي ملاذا يبدأ األفراد يف التـصرف بـشكل ر كطريق مسدود، خمتلف فيما يتعلق بالواقع املوضوعي ، عندما يكف الواقع عن الظهو

.حتديا يتعني على الناس مواجهته : و يتخذ مسته احلقيقية

و . يف كل مراحل حل الرموز ، يقوم الناس بعكس نظرم إىل العامل بشكل خـارجي بـشكل (ميكن العثور على موضوعام املنتجة من طريقة تفكريهم يف العامل و مواجهته

عة اليت ال تعرب بشكل ملموس عن موضوعات و امو ) . قدري أو ديناميكي أو خامل و هي حقيقة قد تبدو –منتجة

لذلك الوضع ، و إبراز للعناصـر املكونـة يف " متثيل"وضعا وجوديا هو " تشفري"(1) .هو حتليل انتقادي لذلك الوضع املشفر " فك الرموز"حالة تفاعل ، و

واقع ، موضوعا دراماتيكيا للغاية تقترح ، يف ال –أا تعرب عن عدم وجود موضوعات إجياد بنية صمت مطبق يف وجه القوة : و يعين موضوع الصمت . موضوع الصمت :

.الطاغية لألوضاع املقيدة

ال بد يل من أن أعود و أؤكد أن املوضوعات املنتجة ال ميكن هلا أن توجـد يف أنـاس كما أنه ال ميكن أن . س منفصلني عن الواقع ، و كذلك ليس يف واقع منفصل عن النا

و . ميكن أن يتم فهمها فقط يف العالقة بني الناس و العـامل " . منطقة حرام "توجد يف دراسة املوضوعات املنتجة هي دراسة تفكري الناس حول الواقع ، و كذلك عمل الناس

و هلذا السبب بالذات يتطلب املنـهج . املنصب على الواقع ، الذي هو ممارسة الناس

Page 109: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

109

سوية ) الذين يعتربون عادة هدف البحث و مادته (قترح أن يعمل الباحثون و الناس املو كلما أخذ الناس موقفـا نـشطا إزاء ) . Co-investigators(كباحثني مشاركني

اكتشاف موضوعام ، كلما عمقوا وعيهم اإلنتقادي بـالواقع، و امتلكـوا عـرب . حتديدهم لتلك املوضوعات ، ذلك الواقع

: قد يفكر البعض أنه من غري املستحسن إشراك الناس كباحثني عن موضوعام املفيدة أو جيب أن يكونوا كـذلك -أولئك األكثر اهتماما " تدخل("أي أن تأثريهم التطفلي

هذه . النتائج ، و بالتايل التضحية مبوضوعية البحث " غش"سيؤدي إىل ) يف تعليمهم –ضوعات ، يف شكلها األصلي اخلالص ، خارج اإلنسان، النظرة تفترض خطأ وجود املو يف الواقع توجد املوضوعات يف الناس يف عالقتهم مـع . كأن املوضوعات هي أشياء

و بوسع احلقائق املوضـوعية ذاـا أن تبعـث . العامل ،باالستناد إىل حقائق ملموسة و بالتـايل . تلفة جمموعات خمتلفة من املوضوعات املنتجة يف وحدات فرعية حلقبات خم

توجد عالقة بني احلقيقة املوضوعية احملددة ، و إدراك الناس هلذه احلقيقة و املوضوعات .املنتجة

يتم التعبري عن املوضوعات املنتجة من قبل الناس ، و ستختلف حلظة التعبري املعينة عن . ا املوضوعات حلظة سابقة إذا غير الناس إدراكهم للحقائق املوضوعية اليت تشري إليه

ورـصو من وجهة نظر الباحث ، املهم هو وضوح نقطة البدء اليت يأخذ الناس فيها ت، و التأكد إن كان أي تغيري قد حدث يف طريقة إدراكهم للواقع خالل عملية " املعني"

و إذا تغير إدراكهـم لـذلك . يظل الواقع املوضوعي بالطبع دون تغيري . (البحث ) مسرية البحث فلن يضر األمر بصحة البحثالواقع خالل

جيب علينا أن ندرك أن التطلعـات و الـدوافع و األهـداف الـواردة ضـمنيا يف

Page 110: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

110

و هي ال توجد يف . املوضوعات ذات الداللة هي تطلعات و دوافع و أهداف إنسانية وهي تارخيية كما النـاس . إا حتدث .، ككيانات ساكنة "هناك يف اخلارج "مكان ما

و الستيعاب و فهم هذه . أنفسهم تارخييني ، و بالتايل ال ميكن فهمها مبعزل عن الناس . املوضوعات يعين فهم الناس الذين جيسدوا و كذلك فهم الواقع الذي يشريون إليه

، بالتحديد ألنه من ] املوضوعات[و لكن من الضروري أن يفهم الناس املعنيون أيضا و هكذا يصبح البحث يف املوضوعات . غري املمكن فهم املوضوعات مبعزل عن الناس

مسعى مشترك حنو وعي الواقع و حنو وعي ذايت ، األمر الذي جيعل من البحث نقطـة .البدء بالنسبة للعملية التعليمية ، أو للعمل الثقايف ذي الطابع التحرري

املفترضة للبحث ، و قد اكتـشفت "األهداف"خطر البحث احلقيقي هو ليس قيام بل على العكس ، يكمن يف . النتائج التحليلية " غش"نفسها بأا باحثة مشاركة ، يف

خطر حتويل أنظار البحث عن املوضوعات ذات الداللة إىل الناس أنفسهم ، و من مث و مبا أن اهلدف من هذا البحـث هـو أن . التعامل مع الناس على أم هدف البحث

يكون أساسا إلعداد و تطوير برنامج تعليمي يقوم فيه املعلم الطالب و الطالب املعلـم بتوحيد معرفتهما املتعلقة مبوضوع واحد ، فال بد للبحث ذاته كذلك من أن يقوم على

. مبدأ تبادل العمل

؛ إن دراسة املوضوعات ، اليت جتري يف جمال اإلنسان ، ال ميكن أن ختتزل إىل عمل آيلفهي تتطلب من الباحثني ، بوصفها عملية حبث و معرفة و بالتايل خلـق ، اكتـشاف

و سيكون البحث ذا فائـدة . التداخل بني القضايا يف ترابط املوضوعات ذات الداللة تعليمية كبرية للغاية عندما يكون غاية يف االنتقاد ، و سيكون غاية يف االنتقاد عنـدما

إىل الواقع ، و يلتزم بفهم جممـل " املركزة"لنظرات الضيقة أو يتفادى املعامل الضيقة ل

Page 111: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

111

و هكذا ، فإن عملية البحث عن موضوعات ذات داللة جيـب أن تـشمل . الواقع االهتمام بالروابط بني املوضوعات ، االهتمام بطرح هذه املوضـوعات كمـشاكل و

.لثقايف التارخيي و ا] تلك املوضوعات[قضايا ، واهتمام أيضا بسياق

و كما أن املريب قد ال يقوم بإعداد برنامج لتقدميه إىل الناس ، حيق للباحث أن ال يعـد . للبحث يف موضوعات الكون ، مبتدءا من نقاط يعتربها هو مقررة مـسبقا " خططا"

فالتعليم والبحث الذي يهدف إىل مساندته جيب أن يكونا علـى هيئـة نـشاطات اقي للكلمة ، أي أا جيب أن تتألف من التواصـل و مـن باملعىن االشتق " متعاطفة"

.املستمرة " صريورته"التجربة املشتركة للواقع الذي مت إدراكه يف تعقيدات

و الباحث الذي يقوم ، بإسم املوضوعية العلمية ، بتحوير العضوي إىل شـيء غـري املـوت ، هـو إىل شيء موجود ، أو احلياة إىل " طور التكوين "عضوي ، أو ما هو يف

الذي ال ينكره ، و لكنه ال يرغب فيـه (إنه يرى يف التغيري . شخص خياف من التغيري إنه يريد دراسـة . ليس مؤشرا على احلياة ، بل مؤشرا على املوت و االحنطاط ) أيضا

و مع ذلك ، فإنه . التغيري ، و لكن من أجل إيقافه ، و ليس من أجل حتفيزه أو تعميقه كقاتل للحياة يف رؤيته للتغيري على أنه مؤشر مـوت ، ويف جعلـه يفضح شخصيته

.الناس جمرد أشياء سلبية لدراستها من أجل التوصل إىل مناذج جامدة

الـتفكري الـذي : إن دراسة املوضوعات تعين دراسة تفكري الناس -:أعود و أكرر فأنا ال أسـتطيع . حيدث فقط يف إطار الناس الذين يبحثون سوية عن الواقع و بينهم

التفكري نيابة عن آخرين أو من غريهم ، كما أن اآلخرين ال يستطيعون التفكري نيابـة و حىت إن كان تفكري الناس ساذجا أو مشوبا باخلرافات فإم يـستطيعون أن . عين

فإنتـاج أفكـارهم و . يتغيروا فقط عندما يعيدون التفكري يف فرضيام بشكل عملي

Page 112: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

112

. جيب أن يكون أساس تلك العملية – ليس استهالك أفكار اآلخرين و–العمل ا

، متجذرين يف ظروف حيزيـة و زمنيـة " يف وضع ما"جد الناس أنفسهم ، ككائنات و سيميلون إىل الـتفكري يف . تترك بصماا عليهم ، كما يتركون هم بصمام عليها

و الناس موجودون . ملهم عليها إىل احلد الذي تتحداهم فيه كي ينصب ع " وضعيتهم"ألم موجودون يف وضع ما ، وسيكونون أكثر وجودا ، ليس كلما ازداد تفكريهـم االنتقادي حول وجودهم فقط ، بل و أيضا كلما انصب عملهم أكثر عليـه بـشكل

.انتقادي

تفكري انتقـادي : هو تفكري حول ظروف الوجود حبد ذاا " الوضعية"إن التفكري يف و عندما يكف هذا الوضع عـن " . وضع ما "قوم الناس من خالله باكتشاف أم يف ي

عكس نفسه كواقع كثيف يعمل على االحتواء ، أو كطريق مسدود مؤمل ، و يـتمكن الناس من إدراكه كوضع موضوعي يشكل قضية ، عندئذ فقط من املمكن أن يوجـد

ن القدرة على التدخل يف الواقـع و يظهر الناس من حالة الغرق ويكتسبو . االلتزام – اإلدراك التارخيي حبد ذاتـه –و هكذا ميثل التدخل يف الواقع . لدى الكشف عنه

و الوعي هـو . ، و هي تنجم عن الوعي بالواقع " الظهور"خطوة إىل األمام من حالة .تعميق موقف اإلدراك الذي مييز كل حالة ظهور

ات يؤدي إىل تعميق اإلدراك التـارخيي هـو ، يف و بالتايل فإن كل حبث يف املوضوع و كلما ازداد قيام . الواقع، تعليمي ، بينما كل تعليم حقيقي يقوم بالبحث يف التفكري

املربني و الناس يف البحث بتفكري الناس ، و بالتايل تعلمهـم سـوية ، كلمـا ازداد ببساطة ، يف مفهـوم إن التعليم والبحث يف املوضوعات مها . استمرارهم يف البحث

.التعليم الذي يطرح املشاكل و القضايا ، حلظات خمتلفة من العملية ذاا

Page 113: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

113

إن حمتوى برنامج األسلوب الذي يطرح املشاكل الذي هو حواري ، باملقارنـة مـع الـذي ال يـؤمن " اإليـداع "املعادي للحوار و الداعي إىل " البنكي"أسلوب التعليم

من خالل نظرة الطالب إىل العامل حيث ميكن العثور على بالتواصل ، يتشكل و ينظم و مهمة . و هكذا يتوسع احملتوى باستمرار و جيدد نفسه . موضوعام املنتجة اخلاصة

املعلم احلواري يف جمموعة متعددة االختصاصات تعمل حول الكون ذي املوضـوعات هذا الكون " دة تقدمي إعا"الذي مت الكشف عنه من خالل ما يقومون به من حبث ، هي

، إن مل يكـن " إعـادة تقدميـه "إىل الناس الذين حصلوا عليه يف البداية منـهم ، و .كمحاضرة ، فكقضية

لنقل ، على سبيل املثال ، إن جمموعة عهد إليها مبسؤولية تنسيق مشروع لتعليم الكبار لة حمو األميـة و و تشمل اخلطة مح . يف منطقة ريفية توجد فيها نسبة عالية من األمية

خالل املرحلة األوىل يبحث التعليم الذي يطرح . مرحلة ما بعد تعلم القراءة و الكتابة و يدرسها ؛ و يف مرحلة ما بعد تعلم القـراءة و الكتابـة " الكلمة املنتجة "قضايا عن .و يدرسها " املوضوعات املنتجة"يبحث عن

نتجة أو املوضوعات ذات الداللـة و لكن لندرس هنا فقط البحث يف املوضوعات امل فعندما حيدد الباحثون املنطقة اليت سيعملون فيها و حيصلون على معرفة أولية ا ) 1.(

و تـشتمل . من خالل مصادر ثانوية ، يكونون قد دشنوا املرحلة األوىل من البحث ة ، إىل على صعوبات و أخطار عادي ) مثلها مثل أية بداية يف نشاط إنساين (هذه البداية

حد ما ، على الرغم من أا ال تكون دائما واضحة للوهلة األوىل من االتـصال مـع فخالل هذا االتصال األويل ، حيتاج الباحثون إىل احلصول على . األشخاص يف املنطقة

موافقة عدد كبري من الناس على عقد اجتماع غري رمسي يتحدثون فيه عن األهـداف

Page 114: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

114

يشرحون يف هذا االجتماع السبب للقيام بالبحـث ، و و. من وجودهم يف املنطقة و يوضحون أيضا أن البحث سيستحيل من غري . كيف سيجري ، و ما الذي سيفيده

و إذا وافق املشاركون على كل من البحث و العملية . توفر عالقة تفاهم وثقة متبادلة للعمل كمساعدين يتعني على الباحثني طلب متطوعني من بني املشاركني ) 2(الالحقة

. سيقوم هؤالء املتطوعون جبمع سلسلة من البيانات و املعلومات حول حياة املنطقة . .و لكن األهم بكثري هو احلضور النشط هلؤالء املتطوعني يف عملية البحث

يبدأ الباحثون ، يف الوقت ذاته ، بالقيام بزيارات إىل املنطقة ، دون أن يفرضوا أنفسهم و رغـم أن . ون كمراقبني متعاطفني ، يتحلون مبوقف متفهم ملا يشاهدون ، بل يتصرف

من الطبيعي أن يأيت الباحثون إىل املنطقة حاملني قيما تؤثر على إدراكهم ، فإن ذلك ال و البعد الوحيد . يعين أم قد حيولون البحث يف املوضوعات إىل وسيلة لفرض قيمهم

ها األشخاص الذين جيري البحث يف موضـوعام هلذه القيم اليت يؤمل أن يشارك في هو اإلدراك االنتقادي للعامل ، الـذي ) من املفترض أن الباحثني ميلكون هذه اخلصلة (

و لكـن اإلدراك . يعين أسلوبا صحيحا للتعامل مع الواقع من أجل الكـشف عنـه ات ، منـذ و بالتايل جيري التعبري عن دراسة املوضوع . االنتقادي ال ميكن أن يفرض

.البداية ، باعتبارها حتصيال علميا ، عمال ثقافيا

االنتقادي اخلـاص باملنطقـة موضـع " هدفهم"و حيدد الباحثون ، خالل زيارام ، هائل فريد و حي ال بد من فكه ، و ينظـرون إىل " رمز"الدراسة، وكأنه بالنسبة هلم

املنطقة ككل واحد ،

: و اسـتخدامها كتـايب " الكلمات املنتجـة "حث يف راجع فيما يتعلق بالب (1) Educacao como Pratica da Liberdade

Page 115: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

115

إن ) يف حبث مل ينشر بعد (تقول عاملة السوسيولوجيا الربازيلية ماريا إدي فريرا (1) البحث يف املوضوعات ميكن تربيره فقط بقدر ما يعيد للناس ما كان هلم ، و بالقدر

الشعب ، بل التوصل ، باالشـتراك مـع ميثل فيه ليس حماولة معرفة أمور عنالذي .الشعب ، إىل معرفة الواقع الذي يتحداهم

من خالل حتليل األبعاد اجلزئية اليت تتـرك أثـرا يف " جتزئتها"حياولون مع كل زيارة تلفـة ، ويوسعون من خالل هذه العملية فهمهم لكيفية تفاعل األجزاء املخ . نفوسهم

.األمر الذي سيساعدهم الحقا يف التغلغل بالكل ذاته

و يالحظ الباحثون ، خالل عملية فك الرموز ، حلظات حمددة من حياة املنطقـة يف بعض األحيان مباشرة ، و يف أحيان أخرى عرب تبادل األحاديث غـري الرمسيـة مـع

لك النقاط الـيت مـن و يسجلون كل شيء يف دفاتر مالحظام ، مبا يف ذ . السكان طريقة حديث الناس ، أسـلوب معيـشتهم ، تـصرفهم يف : الواضح أا غري مهمة : و يسجلون أيضا االصطالحات الـيت يـستخدمها النـاس . الكنيسة و يف العمل

ليس اخلطأ يف نطقهم ، و لكن الطريقة الـيت (تعابريهم و مفردام ، و تركيبة مجلهم )1).(يبنون ا أفكارهم

العمل يف احلقول ، اجتماعات : ن املهم أن يراقب الباحثون املنطقة يف ظروف خمتلفة ممالحظة سلوك املشاركني و اللغة اليت تستخدم و العالقـات بـني (اجلمعيات احمللية

، و الدور الذي تلعبه النساء و الشباب ، أوقـات الفـراغ ، ) املسؤولني واألعضاء على سـبيل املثـال ، (، و احملادثات بني الناس يف بيوم األلعاب و األلعاب الرياضية

جيب أال يفوت اهتمـام ) مالحظة العالقات بني الزوج و الزوجة والوالدين و أطفاهلم .الباحثني أي نشاط خالل املعاينة األوىل للمنطقة

Page 116: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

116

بل و يتعني على الباحثني إعداد تقرير قصري بعد كل زيارة مراقبة ، تتم مناقشته من ق و . الفريق كله ، من أجل تقييم النتائج األولية للباحثني احملترفني و املساعدين احملليني . جيب عقد اجتماعات التقييم يف املنطقة نفسها من أجل تسهيل مشاركة املساعدين

و مع قيـام " . الرمز الفريد احلي "و متثل اجتماعات التقييم مرحلة ثانية يف حل رموز بالكالم عن كيفية إدراكه أو شـعوره –ديثه اخلاص بفك الرموز يف ح –كل شخص

حلدث أو وضع معني ، يعمل حديثه على حتدي اآلخرين الذين حيلون الرموز من خالل بإعـادة "يف هذه اللحظة يقومـون . إعادة تقدمي الواقع ذاته هلم ، الذي انكبوا عليه

و هكذا يعـود ـم . اآلخرين "اعتبارات"السابقة من خالل " باعتبارام" "النظر مجيعا، بشكل حواري ، حتليل الواقع الذي قام به كل من

ميثل الروائي الربازيلي جومياريس روزا منوذجا رائعا لقدرة الكاتب على التـصوير (1)الصادق ، ليس طريقة اللفظ أو األخطاء القواعدية اللغوية لدى الناس ، بل طريقـة

و هذا ليس للحط مـن قيمتـه (و يف الواقع . تفكريهم ذاا بنية : تركيبهم للجمل املوضـوعات ذات "كان جوميارس روزا الباحث الذي ال يضاهى يف ) الفريدة ككاتب

و يقوم حاليا الربوفيـسور . اخلاصة بالسكان يف املناطق الداخلية من الربازيل " الداللةمل من عمل املؤلف الذي ترجم باولو دي تارسو بإعداد حبث حيلل فيه هذا اجلانب امله

The Devil to Pay in the Backlands: إىل اإلجنليزيـة و نـشر بعنـوان ) .1963نيويورك ، (

يـستدعي " كـال "املفكك الذي يصبح مرة أخرى " الكل"عمل على فك الرموز إىل ـ . حتليال جديدا من الباحثني ، يعقد بعده اجتماع جديد للنقد و التقيـيم شارك و ي

.ممثلون عن السكان يف مجيع النشاطات كأعضاء يف فريق البحث

Page 117: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

117

و كلما ازداد قيام اموعة بتجزئة الكل و إعادة جتميعه ، كلما ازداد قرا من نـواة و قد يتمكن الباحثون مـن . التناقضات األساسية و الفرعية اليت ختص سكان املنطقة

، يف هذه املرحلة املبكرة ، من تنظيم حمتوى خالل حتديد نواة أو جوهر التناقضات هذهو يف الواقع ، سيحتوي الربنامج بال شك ، إذا عكس هذه . برنامج عملهم التعليمي

و ميكن للمرء أن يؤكد . التناقضات ، على املوضوعات ذات الداللة اخلاصة باملنطقة مـل يرتكـز إىل بثقة أن العمل القائم على هذه املالحظات سيلقى جناحا أكثر من ع

. و مع ذلك جيب أال يغري هذا االحتمـال البـاحثني " . قرارات صادرة من القمة "الـيت تـشمل (فالشيء األساسي ، إنطالقا من اإلدراك األويل جلوهر التناقضات هذه

، هو دراسة مستوى وعي الـسكان ) التناقض الرئيسي يف اتمع كوحدة حقبة أوسع .هلذه التناقضات

ه التناقضات ، حبكم طبيعتها ، أوضاعا مقيدة ، و تشتمل على موضوعات و تشكل هذ و إذا وقع أشخاص يف أوضاع مقيدة و عجزوا عن فصل أنفسهم عنها . حتدد مهاما

فإن موضوع مرجعيتهم اخلاص ذه األوضاع هو القدرية،و املهمة الـيت يفترضـها على الـرغم مـن أن –على املرء و هكذا ، يتعني . املوضوع هي االفتقار إىل مهمة

أن يدرس –األوضاع املقيدة هي احلقائق املوضوعية اليت تثري احتياجات لدى األفراد .مع هؤالء األفراد مستوى وعيهم ذه األوضاع

و حىت (ميكن للوضع املقيد ، كواقع ملموس ، أن يستمد من أشخاص يف مناطق خمتلفة و بالتايل جيب أن . موضوعات و مهام متعارضة كلية ) يف مناطق فرعية من املنطقة ذاا

يكون اهتمام الباحثني األساسي منصبا على معرفة ما يطلق عليه لوسـيان جولـدمان Potential" (الـوعي الكـامن "و ) Real Consciousness" (الوعي احلقيقي"

Page 118: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

118

Consciousness] . ( ت و نتاج العقبا ] هو[إن الوعي احلقيقي ] : "يقول جولدماناالحنرافات املتعددة اليت تضعها العوامل املختلفة للواقع التجرييب يف تعارض و تطرحها

)1". (للتحقيق من قبل الوعي الكامن

الـيت تقـع يف مـا وراء " اإلمكانية غري اربة "الوعي احلقيقي يعين استحالة إدراك الـوعي "ربة على مستوى و مبا أنه ال ميكن حتقيق اإلمكانية غري ا . األوضاع املقيدة

تكشف عن قدراا اليت مل " القيام بتجارب "، فتحقيقها ممكن عرب ]" أو احلايل [احلقيقي و مثة صلة بني اإلمكانية غري اربة و الـوعي احلقيقـي ، و . يتم إدراكها حىت اآلن

الـوعي "و يشبه مفهوم جولدمان عـن . كذلك بني القيام بتجارب و الوعي الكامن ما يطلق عليه نيقوالي اسم احللول العملية اليت مل يتم" امنالك

لندن، (The Human Sciences and Philosophyلوسيان جولدمان ، (1) 118، ص ) 1969

احللول العملية "، مقابل ) أي ما نطلق عليها اإلمكانيات غري اربة ) (1(، " إدراكها عنـد " الوعي احلقيقي "اليت تتطابق مع " حللول اليت جتري ممارستها حاليا ا"و" املدركة

و من مث فإن حقيقة أن الباحثني قد يفهمون على وجه التقريب ، يف املرحلة . جولدمان األوىل من البحث ، جمموعة التناقضات ، ال يخولهم القيام بتنسيق حمتـوى برنـامج

.لواقع ما زال إدراكهم ، و ليس إدراك الشعب فهذا اإلدراك ل. العمل التعليمي

يقوم البـاحثون ، الـذين . تبدأ املرحلة الثانية للبحث مع إدراك جمموعة التناقضات يعملون على الدوام كفريق ، باختيار بعض هذه التناقضات إلعـداد التـصنيفات أو

ن و مبـا أ . اليت ستـستخدم يف دراسـة املوضـوعات ) Codifications(الرموز

Page 119: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

119

" ستتوسط"هي األشياء اليت ) 2) (الرسوم التخطيطية أو الصور (التصنيفات أو الرموز للذين سيحلون الرموز يف حتليلهم االنتقادي ، جيب أن يهتدي إعـداد الرمـوز ) 3(

.ببعض املبادئ غري تلك العادية اخلاصة ، أي بإعداد املعينات البصرية

وز و التصنيفات حقا أوضاعا مألوفة لألشـخاص املتطلب األول هو أن متثل هذه الرم و (الذين سيجري فحص موضوعام ، حىت ميكنهم التعرف على األوضاع بـسهولة

إن كان خالل عملية البحث أو يف املرحلة (وليس من املسموح ) . بالتايل عالقتهم ا دمي صور تق) الالحقة عندما جيري تقدمي املوضوعات ذات الداللة كمحتويات الربنامج

رغم أنه جـديل ، ألن األشـخاص (فاإلجراء األخري . للواقع غري مألوفة للمشاركني الذي حيللون واقعا غري مألوف يستطيعون مقارنته بواقعهم و يكتشفون حـدود كـل

" انغمـاس "ال ميكن أن يسبق الوضع األكثر جوهرية الذي ميليه وضـع ) واحد منهما لية اليت يعي من خالهلا األشخاص الـذين حيللـون املشاركني ، أو بكالم آخر ، العم

.واقعهم، إدراكهم السابق املشوه و من مث يتوصلون إىل إدراك جديد لذلك الواقع

و مثة متطلب آخر له األمهية ذاا يف إعداد الرموز و التصنيفات و هو أال تكون نواة للغاية قد تـصل إىل فإن كانت واضحة . املوضوعات واضحة للغاية أو غامضة للغاية

مستوى الدعاية فقط، دون القيام بعملية حقيقية لفك الرموز ، باستثناء اإلعالن عـن احملتوى املقرر مسبقا كما هو

Comportment Economique et Structuresراجع أندريه نيقوالي ، (1)

Sociales) 1960باريس(

و يف مثل هذه احلالة ستتألف . شفوية من املمكن أن يكون التصنيف و الرموز (1)

Page 120: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

120

من كلمات قليلة تعرض

و قد استخدم معهد التنمية الزراعيـة يف . مشكلة معاشية ، يعقبها حل الرموز تشيلي هذا األسلوب بنجاح يف

.دراسة و تقصي املوضوعات

ـ ) : Mediate(التوسط (1) ط بـني مفهوم فلسفي يعين وجـود أدوات تتوس الظواهر ، أي للترابط و التداخل

و التواحد، فهناك توسط العمل بني اإلنسان و الطبيعة ، و هناك توسط املثقفني بـني و يرتبط مفهوم التوسط . و هناك توسط اجلدل بني املتناقضات احلكام و احملكومني ،

تفاعل بني كل ظاهرة و التعبري عن التداخل و ال مبفهوم ميكن تسميته بالعالئقية ، و هو املترجم –أخرى

فثمة خطر أن يبدو األمر أحجية أو لعبة ] الغموض للغاية [أما يف احلالة الثانية .واضح و مبا أن الرموز ستمثل أوضاعا وجودية ، جيب أن تكون بسيطة يف تعقيدها و . ختمني

غـسل " حنـو توفر إمكانيات خمتلفة لفك الرموز حىت يتم تفادي توجهات الدعايـة فالرموز و التصنيف ليست شعارات ، بل أهداف معرفة ، حتديات جيـب " . األدمغة

.توجيه التفكري االنتقادي للذين يفكون رموزها

من أجل توفري إمكانيات حتليل خمتلفة يف عملية فك الرموز جيب أن جيري تنظيم الرموز و يف الوقـت . )Thematic Fan" (مروحة موضـوعات "والتصنيفات على شكل

الذي يفكر فيه من يفكون الرموز يف الرموز و التصنيفات ، جيب أن تتفتح الرموز يف الذي ال حيدث إذا كان حمتوى املوضوع واضحا (و هذا التفتح . اجتاه مواضيع أخرى

Page 121: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

121

أمر ال غىن عنه إلدراك العالقة اجلدلية القائمة بني املوضوعات ) للغاية أو غامضا للغاية و بالتايل ال بد للرموز و التصنيف اليت تدور حول وضع وجودي مـن أن . ضها و نقي

.و جيب أن تتفاعل عناصرها يف تكوين الكل " . كال"تشكل موضوعيا

يقوم املشاركون ، خالل عملية فك الرموز ، بالتعبري بشكل خارجي عن موضوعام ، امهم بذلك ، يأخذون يف رؤيـة و مع قي . بالعامل " بوعيهم احلقيقي "ومن مث يصرحون

كيف تصرفوا هم أنفسهم عندما كانوا ميرون بالوضع الذي حيللونه اآلن ، و بالتـايل و لدى حتقيق هذا الوعي ، يأخذون يف إدراك " . إدراك إلدراكهم السابق "يصلون إىل

بشكل أسهل ، مـن خـالل " خلفية وعيهم "الواقع بشكل خمتلف ، و يكتشفون يف . إدراكهم، العالقة اجلدلية بني بعدي الواقع توسيع آفاق

و يؤدي فك الرموز إىل ظهور إدراك جديد و تطوير معرفة جديدة من خـالل حفـز و يستمر اإلدراك اجلديد و املعرفة " . معرفة املعرفة السابقة"و " إدراك اإلدراك السابق"

يحول اإلمكانية غري اجلديدة بشكل مثابر منظم مع تدشني املشروع التعليمي ، الذي .، مع قيام الوعي الكامن باحللول حمل الوعي احلقيقي " عمل جترييب"اربة إىل

،قـدر اإلمكـان ، ] تلك الرموز [و يتطلب إعداد الرموز و التصنيف أيضا أن متثل و مـع ) 1(أخرى تشكل نظام تناقضات املنطقة موضع الدراسة " مشمولة"تناقضات

و " الـواردة "ز األخرى، جيب أيضا إعداد رموز التناقضات األخرى إعداد كل الرمو .و سيتم حل رموز األوىل بشكل جديل عند حل رموز األخرية . تصنيفها

موظف حكومي شاب يف تشيلي يف إحدى أهم –و يف هذا الصدد قدم غابريل بودي لزراعيـة املؤسسات احلكومية التشيلية و هي مؤسسة األحباث يف جمـال األغذيـة ا

Page 122: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

122

)INDAP (–) 2 ( فخالل استخدامه هلذا املنـهج يف . مسامهة قيمة للغاية يف منهجنامرحلة ما بعد تعلم القراءة و الكتابة الحظ أن الفالحني يبدون اهتماما باملناقشة فقط

عندما ترتبط الرموز بشكل مباشر مبا يشعرون به من

.مل ينشر بعد تقدم ذه التوصية خوزيه لويس فيوري يف حبث (1)

كان يدير املؤسسة حىت عهد قريب االقتصادي و اإلنساين احلقيقي جاك كونشول(2)

و أي احنراف يف إعداد الرموز و التصنيف ، و كذلك أية حماولة من قبل . احتياجات و من . املريب لتوجيه مناقشة فك الرموز إىل مناطق أخرى تسفر عن صمت و ال مباالة

ظ أنه حىت عندما تركز عملية اعداد الرموز والتصنيف علـى مـا ناحية أخرى ، الح يشعرون به من احتياجات، مل يتمكن الفالحون من التركيز بشكل مثابر على املناقشة،

كما أم . اليت غالبا ما كانت تنحرف إىل عدم التوصل إىل نقطة جتميع و استخالص يشعرون به من حاجات و األسـباب أيضا مل يتمكنوا تقريبا من إدراك العالقة بني ما

و من املمكن للمرء أن يقول أم فـشلوا . املباشرة أو غري املباشرة لتلك االحتياجات يف إدراك اإلمكانية غري اربة الكامنة يف ما وراء األوضاع املقيدة اليت تولـد هـذه

.االحتياجات

يف وقت واحد ، و تكمن عندها إجراء جتارب تشمل تقدمي أوضاع خمتلفة " بودي"قرر يقوم يف البداية بتقدمي رموز و تصنيفات بسيطة للغاية . يف هذا األسلوب قيمة املسامهة

، و هي متثل " ضرورية"و يطلق على عملية الرموز األوىل هذه اسم . لوضع وجودي و " . إضـافية "النواة األساسية و تتفتح إىل مروحة موضوعات متتد إىل عملية رمـوز

ك الرموز الضرورية ، يقوم املريب باالحتفاظ بصورا اليت يتم عكسها كمرجع عقب ف

Page 123: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

123

و يتمكن ، مبـساعدة . للمشاركني ، و يعكس، بالتوايل، إىل جانبها الرموز اإلضافية العمل األخري ، و هي متصلة بشكل مباشر بالرموز الضرورية ، من احملافظة على انتباه

.من الوصول إىل نقطة التجميع و االستخالص املشاركني احلي فيتمكنون بذلك

إن اإلجناز العظيم لغابريل بودي هو أنه متكن ، بوسائل الديالكتيك القائم بني الرمـوز فاألشـخاص . إىل املشاركني " الكل"الضرورية و اإلضافية ، من توصيل الشعور بـ

زون مـن الواقـع و الذين كانوا غارقني يف الواقع ، شاعرين فقط باحتياجام ، يرب و ذه الطريقة يتمكنون من الذهاب بشكل أسرع كثريا . يدركون أسباب احتياجام

.إىل ما وراء مستوى الوعي احلقيقي ، إىل مستوى الوعي الكامن

و بعد إعداد الرموز و التصنيفات و دراسة مجيع أوجه موضوعاا املمكنة مـن قبـل الباحثون املرحلة الثالثة من البحـث بـالعودة إىل الفريق املتعدد االختصاصات ، يبدأ

و ) 1". (حلقات حبث املوضـوعات "املنطقة من أجل تدشني حوارات فك الرموز يف جيري تسجيل هذه املناقشات اليت تفك رموز املواد اليت أعدت يف املرحلة السابقة على

حيضر االجتماع، و) 2.(أشرطة لتحليلها الحقا من قبل الفريق املتعدد االختصاصات باإلضافة إىل الباحث الذي يعمل كمنسق لعملية فك الرموز

و ال بـد مـن . جيب أن تتألف كل حلقة حبث من عشرين شخص كحد أقصى (1)وجود حلقات تكفي إلشراك عشرة يف املائة من السكان يف املنطقة أو املنطقة الفرعية

. موضع الدرس

الالحقة املتطوعني من املنطقة الذين سـاعدوا يف جيب أن تضم اجتماعات التحليل (2)فمسامهتهم هي حق من ". حلقات حبث املوضوعات "البحث ، و بعض املشاركني من

Page 124: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

124

و بوصـفهم .حقوقهم و مساعدة ال غىن عنها للتحليل الذي يقوم به اإلختصاصيون = باحثني مشاركني مع اإلختصاصيني يصححون أو يصادقون على تفسريات األخريين

ومهمتهما هي تدوين و تسجيل . عامل نفساين و آخر اجتماعي –اثنان من األخصائيني .ملن يفكون الرموز ) و على ما يبدو غري اهلامة(ردود الفعل اهلامة

و يتعني على املنسق ، خالل عملية فك الرموز ، أال يستمع فقط إىل األشخاص ، بل و بسبب .ودي ذي الرموز و أجوبتهم يتحداهم ، طارحا مشاكل كل من الوضع الوج

يقوم املشاركون يف حلقات البحث يف املوضوعات ) الكاثرسيس(قوة املنهج التطهريية بالتعبري خارجيا عن سلسلة من العواطف و األفكار حول أنفسهم و حـول العـامل و

.حول اآلخرين ، اليت قد ال يعربون عنها يف ظروف أخرى

اليت جرت يف سانتياغو ، قامت جمموعة من الـسكان يف إحدى دراسات املوضوعات يف أحد مشاريع اإلسكان مبناقشة منظر رجل سكران يسري يف الشارع و ثالثة شـبان

الشخص الوحيد "فعلقت اموعة املشاركة قائلة إن . يتبادلون احلديث عند الزاوية عمل طيلة اليوم مقابل أجر املنتج و املفيد لبلده هو ذلك السكران العائد إىل بيته بعد ال

. إنه العامل الوحيد . متدن ، مشغول البال على عائلته ألنه ال يستطيع تلبية احتياجاا ."إنه عامل حمترم و سكري مثلنا

لعله مل حيـصل علـى . كان الباحث ينوي دراسة جوانب خمتلفة لإلدمان على اخلمر فلو سـئلوا . ني أسئلة أعدها بنفسه ردود الفعل املذكورة سابقا لو أنه قدم للمشارك

و . بشكل مباشر ألنكروا ، على األرجح ، أم تناولوا ولو كأسا واحدة من اخلمـر لكن يف تعليقام على رموز وضع وجودي يستطيعون التعـرف عليـه ، و كـذلك

Page 125: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

125

.التعرف على أنفسهم فيه ، قالوا ما يشعرون به حقا

من ناحية ، صرحوا قوال بالصلة بني تقاضـي . هنالك جانبان مهمان هلذه التصرحيات تعاطي اخلمر كمفر من الواقع ، –أجر متدن ، و الشعور باالستغالل و تعاطي اخلمر

كمحاولة للتغلب على اإلحباط الناجم عن عدم فعل شيء ، كحل يف النهاية يؤدي إىل يف مرتبة عالية و من الناحية األخرى ، عكسوا احلاجة إىل تصنيف السكري . تدمري ذايت

و ." الشخص الوحيد املفيد لبالده ، ألنه يعمل ، بينما اآلخرون يثرثرون فقط "إنه . بعد أن أثنوا على السكري قام املشاركون بإقران أنفسهم به كعمال حيتسون اخلمر أيضا

" .عمال حمترمني "–

كنموذج يعظ ضد الكحول و يقدم ) 1(تصور ، مقارنة ، فشل مرب يبشر باألخالق إن اإلجراء الصحيح الوحيـد . للفضيلة شيئا ال يعتربه هؤالء الرجال جتسيدا للفضيلة

يف هذا احلاالت هو الوعي بالوضع ، األمر الذي جيب حماولته من بدايـة البحـث يف من الواضح أن . (املوضوعات

ساس ، على املبنية ، يف األ (كما أن مشاركتهم ، من وجهة النظر املنهجية . للنتائج =حضورا انتقاديا ملمثلني عن الناس مـن :تعطي للبحث ضمانة إضافية ") تعاطف"عالقة

البداية حىت املرحلة النهائية ، مرحلة حتليل املوضوعات، املستمرة يف تنظـيم حمتـوى .برنامج العمل التعليمي كعمل ثقايف من أجل التحرر

.نيوبوهر ، املصدر الذي ذكر سابقا : راجع (1)

الوعي ال يتوقف عند مستوى اإلدراك الذايت للوضع ، بل يعد الناس ، مـن خـالل ") .أنسنتهم"العمل ، للنضال ضد العقبات يف طريق

Page 126: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

126

و يف جتربة أخرى ، و هذه املرة مع الفالحني ، الحظت شخصيا أن املوضوع الذي مل ملطالبة بزيادة األجـور و يتغير طيلة مناقشة كاملة لوضع يتعلق بالعمل يف احلقول هو ا

متت مناقشة ثالث . ضرورة التضافر من أجل تشكيل نقابة لتحقيق هذا املطلب احملدد .حاالت خالل اجللسة ، و بقي املوضوع نفسه على الدوام

تصور اآلن مربيا قام بتنظيم برناجمه التعليمي هلؤالء الناس الذي يتكون مـن قـراءة و لكن هذا بالتحديد هو ما حيدث " . املاء يف البئر"رء أن يتعلم منها امل" كاملة"نصوص

طيلة الوقت يف التعليم و يف السياسة ، و ذلك ألنه مل يتم إدراك أن الطبيعة احلواريـة .للتعليم تبدأ من البحث يف املوضوعات

و لدى االنتهاء من فك الرموز يف احللقات ، تبدأ املرحلة األخرية من البحث عنـدما يبدأ . لباحثون بدراسة منظمة ذات ختصصات متعددة ملا توصلوا إليه من نتائج يقوم ا

الباحثون يف االستماع إىل األشرطة اليت سجلت خالل جلسات فـك الرمـوز و يف دراسة املالحظات اليت أعدها علماء النفس و علماء االجتماع ، و يأخذون يف إعداد

منيا يف التأكيدات اليت متت خالل اجللسات قائمة باملوضوعات الصرحية أو الواردة ض و . و جيب أن جيري تصنيف هذه املوضوعات وفق العلوم االجتماعيـة املختلفـة .

التصنيف ال يعين أنه عند إعداد الربنامج سينظر إىل املوضوعات على أا تنتمـي إىل بل علـم فئات منعزلة ، بل يعين فقط أن كل موضوع سينظر إليه بطريقة خاصة من ق

فعلى سبيل املثال موضوع التنمية يالئم بشكل خاص جمال . االجتماع الذي ينتمي إليه االقتصاد ، ولكن ليس فقط هذا اال ، إذ ميكن أن تركز عليه أيضا السوسيولوجيا

ااالت اليت تعىن بالتغيريات الثقافيـة و (و األنثروبولوجيا و علم النفس االجتماعي و سـتركز ) . قضايا ذات صلة بالقدر ذاته بفلسفة التنميـة –واقف و القيم بتغيري امل

Page 127: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

127

، و كـذلك ) و هي جمال يعىن بالقرارات املتعلقة بالتنمية (عليه أيضا العلوم السياسية و ذه الطريقة ، لن يتم االقتراب من املوضوعات الـيت . التربية ، و إىل ما غري ذلك

فسيكون من املؤسف ، يف الواقع ، لو أن املوضـوعات ، . بشكل جامد " الكل"تميز بعد دراستها بكل ما يف تفسريها من غىن مع جوانب الواقع األخرى ، جيري التعامـل

من أجـل ختصـصات ) و من مث بقوا (معها بعدئذ بطريقة تؤدي إىل التضحية بغناها .حمصورة

صي للفريـق املتعـدد و لدى االنتهاء من حتديد املوضوعات ، سيقدم كـل اختـصا " جتزئتـه "و سيبحث االختـصاصي يف . موضوعه " لتجزئة"االختصاصات مشروعا

للموضوع عن النواة اجلوهرية اليت تضم وحدات التعليم و تقرر التسلسل و السياق ، و مع مناقـشة كـل مـشروع حمـدد يتقـدم . مما يعطي نظرة عامة عن املوضوع

، اليت ميكن أن يتضمنها املـشروع أو تـرد يف األختصاصيون اآلخرون باالقتراحات و ستكون هذه املقاالت ، اليت ميكـن أن . املقال القصري الذي سيكتب عن املشروع

تلحق ا قائمة مراجع مقترحة ، هي وسائل مساعدة قيمة يف تدريب الطالب املعلمني " .احللقات الثقافية"الذين سيعملون يف

ملوضوعات ذات الداللة سيقر الفريق باحلاجة إىل إضافة ا" لتجزئة"و خالل هذا اجلهد بعض املوضوعات اجلوهرية اليت مل يتم اقتراحها مباشرة من الناس خالل البحث السابق ، و قد ثبتت ضرورة تقدمي هذه املوضوعات ، كما أا تنسجم مع الطابع احلـواري

املعلمني احلق يف املسامهة من و إذا كانت الربجمة التعليمية حوارية فللطالب . للتعليم لقد أطلقت على هذا النـوع مـن . خالل اقتراح موضوعات مل يسبق أن اقترحت

فهي إما ستسهل االرتباط بني . بسبب مهمتها " املوضوعات املفصلية"املوضوعات إسم

Page 128: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

128

موضوعني يف وحدة الربنامج ، ومتأل فراغا بينهما ؛ أو أا ستبني العالقة بني حمتويـات و من مث ميكن لواحد من هـذه . الربنامج العام و النظرة إىل العامل اليت حيملها الشعب

. املوضوعات أن يقع يف بداية وحدات املوضوعات

إن املفهوم األنثربولوجي للثقافة هو أحد هذه املوضوعات املفصلية ؛ فهو يوضح دور )1" . (تكيف"ن أن بدال م" تحور"الناس يف العامل و مع العامل ككائنات

: تأيت مرحلة إعداد رموزها أو تـصنيفها ) 2(املوضوعات " جتزئة"و عند االنتهاء من و ميكن لعملية إعـداد . إختيار أفضل قنوات التواصل بالنسبة لكل موضوع و تقدميه

الصور و الرسـوم (األوىل تستخدم القناة املرئية . الرموز أن تكون بسيطة أو مركبة و القناة األخرية تستخدم عـدة . ، أو القناة امللموسة أو القناة احلسابية ) طيةالتخطيو يعتمد اختيار قناة الصور أو الرسوم التخطيطية ليس فقط على املواد الـيت . قنوات

، بل أيضا على قدرة األشخاص الذين يريد املرء التواصل معهم على " تشفريها"جيب .القراءة و الكتابة

الصور ، األفـالم ، ( إعداد رموز املوضوعات ، جيري إعداد املواد اإلرشادية و عقب و من املمكن أن يقتـرح الفريـق ) . البوسترات ، نصوص القراءة ، إىل ما غري ذلك

بعض املوضوعات

Educacao comoراجع فيما يتعلق بأمهية التحليل األنثروبولـوجي للثقافـة (1)Pratica da Liberdade

يتألف من وحدات متداخلة ، تشكل كل " كل" مراعاة أن الربنامج مبجمله هو جيب(2)، و لكنها أيـضا " كلية"و تشكل املوضوعات حبد ذاا . حبد ذاته " كال"واحدة منها

و حتليل املوضـوعات .عناصر تشكل يف تفاعلها وحدات املوضوعات للربنامج بأسره

Page 129: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

129

اا األساسية اليت هي العناصر اجلزئية يؤدي إىل جتزئة جممل املوضوعات للبحث عن نو . و حتاول عملية إعداد الرموز إعادة مجع املوضوع املفكك يف تقدمي أوضاع وجودية .

و يف فك الرموز يقوم األفراد بتجزئة الرموز كي يفهموا موضـوعها أو مواضـيعها " كليـة "ة و ال تنتهي عملية فك الرموز هناك، بل تتم يف عملية إعاد . الواردة ضمنا

و كذلك عالقاته مـع أوضـاع (الكل املفكك الذي جرى فهمه هكذا بشكل أفضل ) . مشفرة أخرى ، و اليت متثل كلها أوضاعا وجودية

أو جوانب موضوعات على اختصاصيني من اخلارج كمواضـيع إلجـراء أحاديـث .مسجلة معهم

ني أو أكثر من االقتـصاديني لنأخذ موضوع التنمية كمثال ، يقوم الفريق باالتصال باثن من مدارس فكرية خمتلفة و حيدثهم عن الربنامج، و يدعوهم لتقـدمي حـديث عـن

إذا وافق اإلختصاصيون ، جيـري تـسجيل . املوضوع بلغة مفهومة ملن سيحضرون و ميكن أيضا أخذ صورة لكل . حديث معهم يستغرق مخس عشرة أو عشرين دقيقة

. إختصاصي خالل احلديث

عند تقدمي احلديث املسجل إىل احللقة الثقافية ، جيري عـرض مقدمـة عـن كـل و و يف الوقت ذاته تعرض . متحدث، تعرف به و ما كتب و فعل و ما الذي يعمله اآلن

فإذا كان املتحدث ، على سبيل املثال ، بروفيسورا جامعيا ميكن . صورته على شاشة و .ملشاركني يف اجلامعات و ماذا يتوقعـون منـها أن تشمل املقدمة نقاشا حول رأي ا

األمـر الـذي (تكون اموعة قد قيل هلا أن احلديث املسجل ستعقبه مناقشة حملتوياته و يقوم الفريق الحقا بتقدمي تقرير إىل اإلختصاصي عن ردة ) . سيكون مبثابة رمز مسعي

الذين هم يف –ط املثقفني و يؤدي هذا األسلوب إىل رب. فعل املشاركني خالل املناقشة

Page 130: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

130

–عن واقـع الـشعب " مغتربني"الغالب ذوو نوايا طيبة ، و لكنهم كثريا ما يكونون .و يوفر أيضا الفرصة للشعب لسماع آراء املثقفني و انتقادها . بذلك الواقع

و ميكن أيضا تقدمي بعض املواضيع أو نواا بشكل مسرحي قـصري ، حيتـوي علـى و يعمل الشكل املسرحي كرمز ، كوضـع يطـرح " ! حلول"ون د –املواضيع فقط

.مشكلة للمناقشة

بشرط أن يقدم بطريقة تعليمية تطرح املشاكل و لـيس –و مثة مصدر إرشادي آخر و هو قراءة و مناقشة مقاالت يف جمـالت و صـحف ، و –" بنكيا"أسلوبا تعليميا

هو األمر مع األحاديث املسجلة ، و كما ) . مبتدئني مبجرد فقرات (فصوال من كتاب .جيري تقدمي املؤلف قبل أن تبدأ اموعة، و جتري مناقشة احملتويات الحقا

ووفقا لألسلوب نفسه ، ال ميكن االستغناء عن حتليل حمتويات افتتاحيـات الـصحف ملاذا حتتوي الصحف املختلفة على مثـل هـذه التفـسريات : "عقب أحداث بعينها

و يساعد هذا العمل على تطوير احلس بالنقـد ، حـىت " للحقيقة الواحدة ؟ املختلفة يتمكن الناس من أن تكون لديهم ردود فعل جتاه الصحف أو نشرات األخبار اإلذاعية

.املوجهة إليهم ، بل كوعي يسعى إىل أن يكون حرا " للبيانات"، ليس كأهداف سلبية

جيب أن يضاف إليها كتيبات تقدمي و مع إعداد مجيع املواد اإلرشادية ، اليت صغرية ، يكون فريق املربني قد أصبح جاهزا ليعيد تقدمي موضوعاته إىل الناس بشكل

ليس كمحتويات –ذا تعود املوضوعات اليت أتت من الناس إليهم . منظم و موسع .جيري إيداعها ، بل كمشاكل للحل

و . ي تقدمي الربنامج العام للحملة التعليمية و املهمة األوىل ملعلمي التعليم األساسي ه

Page 131: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

131

سيجد الناس أنفسهم يف هذا الربنامج، و بالتايل لن يبدو غريبا بالنسبة هلم ، مبا أنه بدأ . أصال منهم

وجـود - اسـتنادا إىل الطـابع احلـواري للتعلـيم -وسيقوم املربون أيضا بشرح .املوضوعات املفصلية يف الربنامج ، و أمهيتها

إذا كان املربون يفتقرون إىل أموال كافية للقيام بالبحث األويل يف املوضوعات كما و اختيار بعض املوضوعات – باحلد األدىن من معرفة الوضع –وصفناها آنفا ، بوسعهم

و بالتايل يستطيعون البـدء " . رموزا جتري دراستها و البحث فيها "األساسية لتكون .ت ذاته يشرعون يف املزيد من البحث يف املوضوعات مبوضوعات متهيدية و يف الوق

هو ) و الذي أعتربه مركزيا و ال ميكن االستغناء عنه (أحد هذه املوضوعات األساسية بغض النظر إن كان األشخاص من الفالحني أو العمال . املفهوم األنثروبولوجي للثقافة

عد تعلم القراءة و الكتابـة ، احلضريني ، يتعلمون القراءة أو منخرطني يف برنامج ما ب و . هي مناقشة املفهوم ) مبعىن التوسط يف ذلك ( فإن نقطة البدء يف سعيهم ملعرفة املزيد

مع أخذهم يف مناقشة عامل الثقافة ، يعربون عن مستوى وعيهم بالواقع الذي حيتـوي و تتعرض مناقشتهم جلوانب أخرى من الواقع ، الـيت .ضمنيا على موضوعات خمتلفة

و تـشمل هـذه اجلوانـب ، بـدورها ، . جيري إدراكها بأسلوب انتقادي متزايد .موضوعات عديدة أخرى

و ميكنين أن أؤكد ، و قد أصبحت التجربة اآلن خلفي ، أن مفهوم الثقافة ، إذا مـا نوقش بشيء من اخليال يف مجيع أبعاده أو غالبيتها ، ميكن أن يوفر جوانـب خمتلفـة

باإلضافة إىل ذلك ، بوسع املربني ، عقب عدة أيام من احلوار مـع . لربنامج تعليمي

Page 132: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

132

ما هي املوضوعات األخرى :" املشاركني يف حلقة ثقافية ، أن يسألوا املشاركني مباشرة و لدى إجابة كل شخص جيري تـسجيل " اليت ميكن لنا مناقشتها باإلضافة إىل هذه ؟

.جوابه و اقتراحه فورا كقضية على اموعة

" أود مناقشة موضـوع القوميـة "قد يقول أحد أعضاء اموعة ، على سبيل املثال ، ما هو معىن القومية ؟ و ملاذا "، مث يضيف " حسنا"فيقول املريب و هو يسجل االقتراح

إن جتربيت تبني أنه عندما يطرح اقتراح كمشكلة أو " املناقشة حول القومية مهمة لنا ؟ و إذا اجتمعت ، على سـبيل املثـال ، . ز موضوعات جديدة قضية على اموعة ترب

األسـلوب ) املربـون (ثالثون حلقة ثقافية يف منطقة ما يف الليلة ذاا و اتبع املنسقون . نفسه ، سيتوفر للموضوع املركزي مادة موضوعية غنية التنوع للدراسة

لناس بأم أسـياد إن الشيء املهم ، من وجهة نظر التعليم التحرري ، هو أن يشعر ا تفكريهم، و ذلك مبناقشة التفكري و النظرات إىل العامل اليت تبدو صراحة أو ضمنيا يف

و ألن هذه النظرة إىل التعليم تبدأ من القناعة بأنه من . اقتراحام و اقتراحات رفاقهم الشعب غري املمكن هلا تقدمي برناجمها اخلاص ، بل جيب البحث عن الربنامج باحلوار مع

، فإنه من املفيد تقدمي بيداغوجيا املضطهدين اليت جيب أن يـشارك املـضطهدون يف .إعدادها

Page 133: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

133

Page 134: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

134

الفصل الرابع

إن هذا الفصل ، الذي حيلل نظريات العمل الثقايف اليت تنمو يف أرحام حوارية و أخرى قة ، إمـا معادية للحوار ، يشري كثريا إىل نقاط جرى احلديث عنها يف الفصول الساب

.لتوسيع تلك النقاط أو لتوضيح تأكيدات جديدة

سأبدأ بإعادة التأكيد أن الناس ، باعتبارهم كائنات ممارسة ـ خيتلفون عن احليوانـات و . فاحليوانات ال تفكر يف العامل ، إا منغمـسة فيـه . اليت هي كائنات نشاط حمض

الوقت ذاته موضوعيا ، و يستطيعون باملقابل فإن الناس يربزون من العامل ، جيعلونه يف . من خالل ذلك فهم العامل وحتويره بعملهم

و من مث تعـيش كـل . تعيش احليوانات ، اليت ال تعمل ، يف إطار ال تستطيع جتاوزه فصيلة من فصائل احليوانات يف السياقات املناسبة هلا ، و رغـم أن هـذه الـسياقات

.يع التواصل فيما بينها مفتوحة للناس ، إال أا ال تستط

و هو . إنه املمارسة ؛ إنه حتوير العامل : و لكن نشاط الناس يتكون من العمل و التفكري و بالتايل فإن نشاط النـاس هـو . يتطلب ، باعتباره ممارسة ، نظرية لتنويره و هدايته

ين ، و ال ميكن ، كما أكدت يف الفـصل الثـا . نظرية و ممارسة، إنه تفكري و عمل .اختزاله إىل جمرد تصفيف كالم أو عمل من أجل العمل

يعين أن الثورة ال )1" (ال توجد حركة ثورية بدون نظرية ثورية "إن قول لينني الشهري ميكن حتقيقها بتصفيف الكالم أو العمل من أجل العمل ، بل باملمارسة ، أي بالتفكري و

Page 135: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

135

و ال ميكن للجهد الثوري الذي يهدف . ا العمل املوجهني إىل اهلياكل اليت جيب تغيريه إىل تغيري هذه اهلياكل بشكل جذري أن حيدد زعماءه كمفكرين له ، و املـضطهدين

.كمجرد فاعلني

و إذا كان االلتزام احلقيقي بالشعب ، الذي يشمل تغيري الواقع الذي يـضطهدهم ، كن أن تعجز عن حتديـد يتطلب نظرية عمل يسعى إىل التغيري ، فإن هذه النظرية ال مي

و ال يستطيع القادة معاملة املضطهدين علـى . دور جوهري للشعب يف عملية التغيري أم جمرد نشطاء حيرمون من فرصة التفكري، و يسمح هلم فقط بوهم العمل ، بينما ، يستمر يف الواقع التالعب م و غشهم ، و يف هذه احلالة من قبل من يفترض أـم

.التالعب و الغش أعداء

و لكن القـادة . إن القادة يتحملون مسؤولية التنسيق ، و يف بعض األحيان التوجيه الذين

Essential Works of Leninيف " What is to be Done“فالدميري لينني ، (1) .69ص ) 1966نيويورك ، (كريستمان . ، احملرر هنري م

و . مون بالتايل بإبطال ممارسـتهم و إلغائهـا ينكرون املمارسة على املضطهدين ، يقو يقومون لدى فرضهم كلمتهم على اآلخرين بتزوير تلك الكلمة و يثريون تناقضا بـني

فلو كانوا حقا ملتزمني بالتحرير ،ملا متكن عملهم و تفكريهم من . أساليبهم و أهدافهم . االنطالق دون عمل و تفكري اآلخرين

ثورية نقيضا ملمارسة النخب املسيطرة ، ألمـا بطبيعتـهما جيب أن تكون املمارسة ال فاملمارسة الثورية ال ميكن أن تتحمل وجود انفصام سخيف تكـون فيـه . متناقضتان

Page 136: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

136

انفصام يعكـس أسـاليب النخـب –ممارسة الشعب هي جمرد اتباع قرارات القادة وحدة ، و ال ميكـن فاملمارسة الثورية هي " . التوصيات"املسيطرة اخلاصة باإليعاز و

.للقادة أن يتعاملوا مع املضطهدين على أم ملكا هلم

و التنظيم على منط ] املعرفة" [إيداع"ال ميكن للتالعب و الغش و إطالق الشعارات و الكتائب العسكرية و اإليعاز أن يكونوا أجزاء مكونة من املمارسة الثورية ، و ذلـك

فمن أجل السيطرة ال ميلك من ميارس . ارسة السيطرة ألا بالتحديد أجزاء مكونة ملم السيطرة خيارا سوى حرمان الشعب من املمارسة احلقيقية ، حرمانه من حقه يف قـول

فعمل ذلك سيعين . و هو ال يستطيع العمل بشكل حواري . كلمته و يف بلورة أفكاره ملـضطهدين ، أو أنـه بالنسبة له إما أنه ختلى عن سلطته للسيطرة و انضم إىل قضية ا

.خسر تلك السلطة بسبب سوء تقدير

باملقابل ، فإن القادة الثوريني الذين ال يتصرفون بشكل حـواري يف عالقـام مـع الشعب، إما أن يكونوا قد احتفظوا بالسمات املميزة للمسيطرين و ليـسوا ثـوريني

نعزاليتهم ، و مـن مث حقيقيني ، أو أم مضللون كلية يف فهمهم لدورهم ، و أسرى ا و لكن مصداقية أية ثـورة . و من املمكن حىت أن يصلوا إىل السلطة . ليسوا ثوريني

. تنجم عن أي عمل معاد للحوار أمر مشكوك فيها كلية

من الضروري للغاية أن يشارك املضطهدون يف العملية الثورية بوعي انتقادي متزايـد ا جرى إشراكهم يف العملية ككائنـات غامـضة و إذ . للتغيري " فاعلني"لدورهم كـ

ملتبسة ، جزءا يتكون من أنفسهم و اجلزء اآلخر من املضطهدين القابعني يف داخلـهم و إذا وصلوا إىل السلطة و هم ما زالوا جيسدون ذلك االلتباس املفروض عليهم من -

و ). 1(سلطة فاعتقادي أم سيتخيلون فقط أم وصلوا إىل ال –قبل الوضع القمعي

Page 137: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

137

حىت قد تسهل ازدواجيتهم الوجودية نشوء جو انعزايل يؤدي إىل إقامة بريوقراطيـات و إذا مل يع املضطهدون هذا االلتباس و الغموض خالل مسرية العملية . تقوض الثورة

و قـد . الثورية ، قد يشاركون يف تلك العملية بروحية انتقامية، أكثر منـها ثوريـة ىليتطلعون إ

يتطلب هذا اخلطر أيضا من القادة الثوريني مقاومة تقليد إجراءات املـضطهدين ، (1)و ال ميكـن للثـوريني ، يف . يف داخلهم " يقبعون"يف املضطهدين و " يتغلغلون"الذين

بل على العكس ، عندما حياولون . يف داخلهم " يقبعوا"ممارستهم مع املضطهدين ، أن املضطهدين ، يقومون بذلك مـن أجـل أن يعيـشوا مـع " طرد) "مع املضطهدين (

. ليس للعيش يف داخلهم -املضطهدين

) .1(الثورة كوسيلة إىل السيطرة ، بدال من طريق للتحرر

إذا كان القادة الثوريون الذين جيسدون اإلنسانية احلقة جيدون صعوبة و مـشاكل ، النسبة موعة مـن القـادة الـذين ستصبح تلك الصعوبات و املشاكل أكرب بكثري ب

إن حماولة ذلك . القيام بثورة نيابة عن الشعب ) حىت مع توفر أحسن النوايا (حياولون تتساوى مع القيام بثورة من غري الشعب ، وذلك؛ ألن الشعب ينجذب إىل العمليـة

.باألساليب و اإلجراءات ذاا اليت تستخدم الضطهاده

ضروري بشكل جذري لكل ثورة حقيقية ، فهذا هـو مـا إن احلوار مع الشعب أمر فاملرء ال يتوقع حوارا من انقالب عـسكري . جيعلها ثورة تتميز عن انقالب عسكري

و ال بد للثـورة ) . من أجل القمع (أو قوة ") شرعية"من أجل حتقيق (إمنا غشا فقط -فشرعيتها ذاـا .ب احلقيقية ، إن عاجال أم آجال ، أن تدشن حوارا شجاعا مع الشع

Page 138: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

138

ال ميكنها اخلوف من الشعب و من تعبريه عـن رأيـه و ) .2(تكمن يف ذلك احلوار جيب عليها أن تكون مسؤولة أمامـه ، تتحـدث معـه . مشاركته الفعالة يف السلطة

.بصراحة عن منجزاا و أخطائها ، و سوء تقديرها و املصاعب اليت تواجهها

و ينسجم هذا احلـوار . ، كلما كانت احلركة أكثر ثورية و كلما ابتدأ احلوار مبكرا حاجـة النـاس : الضروري بشكل جذري بالنسبة للثورة مع حاجة جذرية أخـرى

ككائنات ، ال ميكن أن تكون إنسانية حقا ، مبعزل عن التواصل ، ألا مـن حيـث اف فإعاقة التواصل هو مبثابة اختـزال النـاس إىل مـص . األساس كائنات متواصلة

. و هذه هي مهمة املضطهدين و ليس الثوريني –" األشياء"

دعوين أؤكد أن دفاعي عن املمارسة ال يعين وجود انفصام ميكـن مبوجبـه تقـسيم العمل و الـتفكري يتمـان . املمارسة إىل مرحلة تفكري سابقة ، و مرحلة عمل الحقة

من العمل غري مناسب أو و لكن قد يكشف حتليل انتقادي أن شكال معينا . متزامنني و بالتايل ال ميكن اام أولئك الذين يدركون من خـالل . مستحيل يف املرحلة احلالية

و الذي ال بد بالتـايل مـن (التفكري استحالة أو عدم مالءمة شكل أو آخر من العمل .فالتفكري االنتقادي هو عمل أيضا . بالتقاعس ) تأجيله أو االستعاضة عنه

لت أن حماولة املعلم الطالب ، يف التعليم ، فهم شيء قابـل للمعرفـة ال لقد سبق و ق تنتهي يف ذلك الشيء ، و ذلك ألن عمله ميتد إىل طالب معلمني آخـرين بأسـلوب

و األمر ذاته ينطبـق علـى .حيث يتوسط الشيء مدار املعرفة مع قدرم على الفهم العمل الثوري ، أي أن املضطهدين و القادة هم

على الرغم من أن املضطهدين ، الذين خيضعون على الدوام إىل نظام استغالل ، قد (1)

Page 139: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

139

بعدا انتقاميا على النضال الثوري ، فإن الثـورة جيـب أال ) و هو أمر مفهوم (يضفون .تستنفذ قواها يف هذا البعد

يف الوقت الذي "قال فيديل كاسترو للشعب الكويب حينما أكد موت تشي جيفارا (2)حنصل فيه على بعض الفائدة من الشك ، فإن األكاذيب و اخلوف من احلقيقـة و قد

=التواطؤ مع األوهام املزيفة ، و التواطؤ مع األكاذيب

. العمل الثوري ، و يقوم الواقع بالتوسط يف تغيري عمل اموعتني " فاعلي"بالتساوي " العبني"أو ببساطة " عبال"و ال ميكن للمرء ، يف نظرية العمل هذه ، أن يتحدث عن

" .العبني يف تواصل متبادل"، و لكن ميكنه احلديث عن

قد يبدو أن هذا التأكيد يعين تقسيم القوى الثورية و انفصامها و جتزئتها ، و لكنه ، يف : و نرى ، مبعزل عن هذه الوحـدة ، انفـصاما . وحدا : الواقع يعين العكس متاما

يف اجلانب اآلخر ، يف صورة طبـق األصـل لعالقـات القادة يف جانب ، و الشعب إن نكران الوحدة يف العملية الثورية ، و تفادي احلوار مع الشعب حبجـة . االضطهاد

تنظيمه و تقوية السلطة الثورية ، أو حبجة ضمان اجلبهة املوحدة ، هو يف احلقيقة خوف ا تعذرت الثقة بالشعب ، مل فإذ. إنه خوف من الشعب و افتقار لإلميان به . من احلرية

و يف هذه احلالة ، ال تكون الثورة قد حتققت من أجل الشعب . يعد هناك داع للتحرر .نكران كامل لنفسه : بل من الشعب ألجل القادة

الثورة ال تصنع بالقادة من أجل الشعب ، و ال بالشعب من أجل القادة ، بل ما معا ، التضامن فقط عندما يهتم به القادة من خالل مواجهتهم و يولد هذا . بتضامن ال يهتز

و ال تتوفر شجاعة كافية لـدى . املتواضعة واملفعمة باحلب و الشجاعة مع الشعب

Page 140: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

140

و لكن حينما يتحاشى الناس املواجهة يصبحون –العديد من الناس ملثل هذه املواجهة ياة يقتلوا ، و بدال من و بدال من رعاية احل . غري مرنني و يعاملون اآلخرين كأدوات

.و هذه هي مسات املضطهدين املميزة . البحث عن احلياة يفرون منها

هو عمل – مواجهة الناس يف العامل من أجل تغيريه –قد يفكر البعض أن تأكيد احلوار من الناس " مادية"يف الواقع ، ال يوجد ما هو أكثر واقعية و ). 1(مثايل ساذج و ذايت

و بعض الناس ضـد أنـاس –مل و مع العامل إال وجود الناس مع أناس آخرين يف العا .آخرين ، مثل طبقة مضطهدة و طبقة مضطهدة

إن الثورة احلقيقية حتاول تغيري الواقع الذي يولد هذه األوضاع اليت جترد من اإلنسانية . ذا التغيري ، بـل و ال ميكن ألولئك الذين خيدم ذلك الواقع مصاحلهم أن يضطلعوا

إال أن هذه احلقيقة جيب . جيب أن حيققه من يتعرضون لالستبداد و القمع مع زعمائهم أن تصبح حقيقة مهمة بشكل جذري ، أي أن الزعماء جيب أن جيسدوها من خـالل

و يف هذه الوحدة يتحقق منو الفريقني معا ، و من مث فإن القـادة . الوحدة مع الشعب موا بتنصيب أنفسهم ، جيري تنصيبهم أو املصادقة عليهم يف ممارسـتهم بدال من أن يقو

.مع ممارسة الشعب

و لكن العديد من الناس ، املرتبطني بنظرة ميكانيكية للواقع ، ال يدركون أن وضـع الناس

17 بتـاريخ Grammaمـن صـحيفة . مل تكن على اإلطالق أسلحة الثـورة = 1967تشرين األول /أكتوبر

. أؤكد مرة أخرى أن هذه املواجهة احلوارية ال ميكن أن تتم بني متعارضني دعوين(1)

Page 141: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

141

امللموس يكيف وعيهم بالعامل ،وأن هذا الوعي يكيف، بـدوره ، مـوقفهم و طـرق ، دون ) 1(فهم يفكرون أن باإلمكان حتوير الواقـع ميكانيكيـا . تعاملهم مع الواقع

، أو بتطوير وعي ، من خالل العمل الثوري طرح وعي الناس اخلاطئ بالعامل كمشكلة و ال يوجد تـاريخ . ال يوجد أي واقع تارخيي ال ميت إىل اإلنسان . ، يكون أقل خطأ

من غري الناس ، و ال يوجد تاريخ من أجل الناس ، هنالك فقط تاريخ الناس ، يصنعه من حقهـا و عندما حترم األغلبية . يصنعهم هو بدوره ) و كما أشار ماركس (الناس

و هكذا ، فـإن . تصبح خاضعة للسيطرة و مغتربة " كفاعلني"باملشاركة يف التاريخ – الذي هو هدف أية ثورة حقيقيـة –" فاعل"إىل وضع " كمفعول به "حتويل وضعها

.يتطلب من الناس أن يعملوا و يفكروا أيضا يف الواقع الذي جيب تغيريه

، مبجرد التفكري فقط يف الواقـع "فاعلني" أصبحوا التأكيد ، يف الواقع ، بأن الناس قد و مع أن هذا اإلدراك حبد . هو أمر مثايل " كمفعول به "القمعي و اكتشافهم ملكانتهم

، إال أنه يعين ، كما قال أحـد البـاحثني " فاعلني"ذاته ال يعين أن الناس قد أصبحوا – )Subjects in Expectancy"(فاعلون يف حالة انتظـار "املشاركني معي ، إم

.إنتظار حيملهم على السعي إىل متتني مكانتهم اجلديدة

وهو ليس (من الناحية األخرى ، فإن من اخلطأ االفتراض أن اإلميان بأن العمل اخلالص فالناس يكونون انتقاديني حقيقـيني إذا عاشـوا . هو الطريق إىل الثورة ) عمال حقيقيا

ل عملهم على تفكري انتقادي ينظم تفكريهـم بـشكل املمارسة كاملة ، أي إذا اشتم متزايد و بالتايل يقودهم إىل االنتقال من معرفة ساذجة حمضة للواقع إىل مستوى أعلى،

و إذا قام الزعماء الثوريون حبرمان النـاس . مستوى ميكنهم من إدراك أسباب الواقع أو على األقـل الـتفكري –من هذا احلق ، فإم حيدثون خلال بقدرم على التفكري

Page 142: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

142

فالقادة الثوريون ال يستطيعون التفكري من غري الشعب،أو نيابـة عـن .بشكل صحيح .الشعب ، بل يفكرون فقط مع الشعب

أن تفكر من غـري – ال و بل تفعل –من الناحية األخرى ، تستطيع النخب املسيطرة يف التفكري يف الـشعب الشعب، على الرغم من أا ال تسمح لنفسها بترف التقصري

و من مث فإن أي حوار أو . كي تعرفه بشكل أفضل و بالتايل تسيطر عليه بكفاءة أكرب ترمي حمتوياـا إىل " بيانات"تواصل يبدو بني النخب و اجلماهري هو يف احلقيقة إيداع

.ممارسة نفوذ تدجني

مـع الـشعب ؟ ألن ملاذا ال تصبح النخب املسيطرة منهكة متحللة مبا أا ال تفكـر فلو فكـرت النخـب مـع . الشعب يشكل نقيضها ، وهو سبب وجودها بالتحديد

الشعب ، سيتم نسخ التناقضات ،

احلقبات اليت تكون فيها الطبقات املسيطرة ثابتة و مستقرة ، تلك احلقبات الـيت "(1)ا و هو تضطر فيها احلركة العمالية إىل الدفاع عن نفسها ضد خصم قوي يهددها أحيان

، على كل حال ، متربع على السلطة بثقل ، تنتج بالطبع أدبيات اشتراكية تؤكد على للواقع ، و العقبات اليت جيب التغلب عليها و الكفاءة القاصرة للوعي " املادي"العنصر

.81-80 جولدمان ، املصدر الذي ذكر يف السابق ، ص -"و العمل اإلنساين

و من وجهة نظر من يسيطرون يف أيـة حقبـة . ذلك و لن تتمكن من السيطرة بعد .يفترض التفكري السليم أال يقوم الشعب بالتفكري

، ] الربيطانية[أثار شخص يدعى السيد جيدي ، أصبح فيما بعد رئيس اجلمعية امللكية رغم كل ما يغري نظريا يف مشروع توفري : "اعتراضا من املمكن أن يتكرر يف أي بلد

Page 143: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

143

بقات العاملة من الفقراء ، فإنه سيكون جمحفا و ضارا مبعنويام و سعادم التعليم للط ؛ سيعلمهم احتقار أبناء جلدم بدال من جعلهم خدما جيدين يف الزراعة و جمـاالت

و بدال من تعليمهم الطاعة و اخلضوع سـيجعل . العمل األخرى اليت تتطلب جهدا سـيمكنهم . عات الصناعات اإلنتاجية منهم شرسني و متمردين ، كما اتضح يف مقاط

سـيجعلهم . من قراءة كتيبات هدامة و كتبا شريرة و مطبوعات ضـد املـسيحية أشخاصا وقحني مع من هم أعلى منهم ، و بعد سنوات قليلة ستضطر اهليئة التشريعية

)1." (إىل توجيه يد السلطة القوية ضدهم

و ما تريده النخب اليوم ، رغم أـا ال (إن ما كان يريده السيد جيدي ، يف الواقع ، و مبا أن السيد . هو أال يفكر الناس ) اجم التعليم العام ذه الصراحة و االستخفاف

جيدي يف كل احلقبات ، كطبقة مضطهدة ، ال ميكنه التفكري مع الشعب ، فإنـه لـن .يسمح للشعب بالتفكري بنفسه

وريني ، الذين إن مل يفكروا مع الشعب يصبحون و لكن األمر ال ينطبق على القادة الث فالشعب هو الرحم الذي جيري تكوم فيه ، و ليس جمرد شيئ يفكرون به . منهوكني

و رغم أن القادة الثوريني قد يضطرون أيضا إىل التفكري بالشعب كي يفهمونه بشكل . من خالل التفكري أفضل ، إال أن هذا التفكري خيتلف عن تفكري النخب ، و ذلك ألنه

يعطي الزعماء من أنفـسهم للـتفكري ) بدال من السيطرة عليه (بالشعب دف حتريره .أحدمها هو تفكري السيد ، و اآلخر هو تفكري الرفيق . بالشعب

تتطلب السيطرة بطبيعتها وجود قطب مسيطر فقط ، و آخر خاضـع للـسيطرة يف ذي حياول حل هذا التناقض ليس وجـود و يعين التحرر الثوري ال . تناقض متعارض

و اموعـة . هذين القطبني فقط ، بل أيضا جمموعة قيادية تربز يف أثناء هذه احملاولة

Page 144: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

144

القيادية هذه إما أن تقرن نفسها بالوضع االضطهادي للشعب ، و إال فلن تكون ثورية رء أي شيء فالتفكري بالشعب ، ببساطة، كما يفعل الذين يسيطرون ، دون إعطاء امل .

من نفسه خالل ذلك التفكري ، و الفشل يف التفكري مع الشعب ، هو الطريق األكيـد .ألن يكف القادة عن كوم ثوريني

للمـضطهدين و جتـد " األحياء املـوتى "تعيش النخب خالل عملية االضطهاد على رية يوجد هناك و يف العملية الثو .مصداقيتها يف العالقة العمودية بينها و بني املضطهدين

كي "ميوتوا"جيب أن : طريق واحد للقادة الذين أخذوا بالظهور كي حيققوا مصداقيتهم يولدوا من جديد من خالل املضطهدين

118-117نيوبوهر ، املصدر الذي ذكر يف السابق ، ص (1)

و ميكننا القول بشكل مشروع إنه خالل عملية االضطهاد يقوم شـخص باضـطهاد وال ميكننا القول إنه خالل عملية الثورة يقوم شخص بتحرير شـخص شخص آخر ؛

آخر ، كما ال ميكننا القول إن شخصا ما قد حرر نفسه ، بل ميكن القول إن الناس يف و هذا التأكيد ليس املقصود منه التقليـل . احتادهم و تالمحهم حيررون بعضهم البعض

فما الذي ميكـن أن . تأكيد على قيمتهم من أمهية القادة الثوريني ، بل على العكس ال " لفظتهم احلياة"يكون أكثر أمهية من أن يعيش املرء و يعمل مع املضطهدين ، مع الذين

؟ يتعني على القادة الثوريني يف هذا التالحم أن جيدوا ليس " املعذبني يف األرض "، مع ن ، بطبيعتـهم ، فالقادة الثوريو . سبب وجودهم فحسب ، بل دافع البهجة و الفرح

. فعله حقيقة – بطبيعتها –قادرون على فعل ما ال تستطيع النخب املسيطرة

إن كل اتصال من قبل النخب باملضطهدين ، كطبقة ، يتغلف بقناع من الكرم الزائف

Page 145: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

145

و لكن القادة الثوريني ال يستطيعون أن يكونـوا . الذي حتدثنا عنه يف الفصل األول فبينمـا تنـتعش . . كما أم ال يستطيعون التالعب و الغش كرماء بشكل زائف ،

النخب املضطهدة من خالل سحق الناس حتت أقدامها ، يتمكن القادة الثوريون مـن و هكذا ، ال ميكن لنـشاط املـضطهدين أن . االنتعاش فقط يف التالحم مع الشعب

.يكون إنسانيا ، بينما نشاط الثوريني و عملهم إنساين بالضرورة

و لكـن . تلجأ عدم إنسانية املضطهدين و كذلك اإلنسانية الثورية الستخدام العلـم ؛ " األشياء"العلم والتكنولوجيا يف خدمة األوىل تستخدم يف اختزال الناس إىل مصاف

،إذ جيب أن يصبح املـضطهدون " األنسنة"أما يف خدمة األخرية فهي تستخدم لدعم ، حىت ال يستمر النظر إليهم على أم جمرد أشياء تـستحق العملية األخرية " فاعلي"

.االهتمام العلمي

ال ميكن لإلنسانية الثورية العلمية أن تعامل ، باسم الثورة ، املضطهدين علـى أـم وصـفات ) اعتمادا على نتائج ذلك التحليل (أو أشياء جيب حتليلها وتقدمي " أهداف"

ل يعين الوقوع يف إحدى خرافـات أيديولوجيـة فالقيام مبثل هذا العم . سلوك هلا و تعين هذه اخلرافة وجود شخص مـا يقـرر . جعل اجلهل أمرا مطلقا : املضطهدين

و الشخص الذي يصدر القرار ينصب نفسه و الطبقة اليت ينتمي . جتهيل شخص آخر . ت غريبـة إليها كمن يعرف أو ولدوا ليعرفوا ؛ و التايل حيدد أن اآلخـرين كيانـا

اليت يفرضـها أو حيـاول " الصحيحة الصادقة "وتصبح كلمات طبقته هي الكلمات و ينشأ عند أولئـك . املضطهدون الذين سلبت كلمام منهم : فرضها على اآلخرين

الذين يسلبون كلمات اآلخرين شك عميق يف قدرات اآلخرين و يعتربوم عجـزة ال هم دون االستماع إىل كلمة من حرمـوهم مـن و دائما ينطقون كلمت . قدرة لديهم

Page 146: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

146

الكالم ، و يتعودون أكثر فأكثر على السلطة و يكتسبون طعم التوجيـه و إصـدار و ال يستطيعون العيش من غري أن يكون هناك من يصدر األوامـر . األوامر و القيادة

.و يف هذا اجلو يكون احلوار مستحيال . هلم

لقادة الثوريني اإلنسانيني أن يؤمنوا خبرافة جهل الشعب من الناحية األخرى ، ال ميكن ل و ال ميكن هلم أن .فليس هلم احلق يف الشك و لو للحظة واحدة بأن ذلك جمرد خرافة .

و . يؤمنوا أم هم ، و هم فقط يعرفون كل شيء ؛ ألن ذلك يعين الشك يف الشعب –لـوعيهم الثـوري نتيجـة –رغم أم قد يعتربون أم أنفسهم ، بشكل مشروع

ميلكون مستوى معرفة ثورية ختتلف عن مستوى املعرفة العملية اليت ميلكها الـشعب ، كما ال ميكنـهم خماطبـة . فإم ال يستطيعون فرض أنفسهم و معرفتهم على الشعب

الشعب بالشعارات ، بل جيب عليهم الدخول يف حوار معه ، حىت تتحـول معرفـة اليت تغذيها معرفة القادة االنتقاديـة ، تـدرجييا إىل معرفـة الشعب العملية بالواقع ،

.بأسباب الواقع

إن من السذاجة أن يتوقع املرء من النخب املضطهدة أن تشجب اخلرافة الـيت جتعـل جهل الشعب أمرا مطلقا ؛ و لكن عدم قيام القادة الثوريني بذلك سـيكون تناقـضا

فمهمـة . صرفوا أيضا وفقا لتلك اخلرافـة أساسيا ، و سيكون تناقضا أكرب لو أم ت القادة الثوريني ليست فقط طرح اخلرافة كمشكلة ، بل طرح مجيع اخلرافات األخرى

و لكن إذا أصر القـادة .اليت تستخدمها النخب املضطهدة من أجل االضطهاد أيضا الثوريون ،بدال من ذلك ، على تقليد أساليب سيطرة املضطهدين ، فـسريد النـاس

بفعل احملتويات اجلديدة اليت " يتدجنون"يف ظروف تارخيية معينة قد : بطريقة من اثنتني قد " كلمة"و يف ظروف أخرى قد يداخلهم اخلوف من جراء . سيودعها القادة فيهم

Page 147: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

147

ففـي . و يف كلتا احلالتني ال يصبحون ثـوريني ) )1دد املضطهد القابع يف نفوسهم .رة عبارة عن وهم ، و يف احلالة الثانية مستحيلة احلالة األوىل ، تكون الثو

يفترض بعض األشخاص حسنو النية ، و لكن مضللون ، أنه مع كون العملية احلوارية ، جيب عليهم القيام بالثورة دون تواصل ، ) باملناسبة ، هذا غري صحيح ) (2(قد طالت

، " البيانات"عرب

ليس من (فوجود شخص . جيري التفوه ا ال " الكلمة"يف بعض األحيان حىت هذه (1)يف نفوس النـاس " القابع"ميكنه ديد املضطهد ) الضروري أن ينتمي إىل جمموعة ثورية .يكفي ألن يتخذ الناس مواقف هدامة

لقد قال يل طالب يف إحدى املرات كيف قام قس متعـصب يف إحـدى اتمعـات اثـنني يف ذلـك اتمـع ، " شيوعيني"جود الفالحية يف أمريكا الالتينية بالتشهري بو

يف تلك الليلة جتمع الناس كلـهم حلـرق " . اإلميان الكاثوليكي "ما أمساه " يهددان"من احملتمل أن . معلمي املدرسة االبتدائية البسيطني اللذين كانا يعلمان األطفال احملليني

…ية القس رأى يف بيت املعلمني كتابا على غالفه صورة رجل ذي حل

فلـيس . أود أن أؤكد مرة أخرى عدم وجود انفصام بني احلوار و العمل الثوري (2)بل على العكس ، احلوار هـو جـوهر . هناك مرحلة للحوار و أخرى للعمل الثوري

فيما بينهم بتوجيه عملـهم " الالعبون"و يف نظرية هذا العمل ، يقوم . العمل الثوري األمر الذي سيتحقق (الناس " أنسنة"دف ) ط بينهم الواقع الذي يتوس " (مفعول "إىل

و يف نظرية العمل االضطهادي ، الذي هو معاد للحـوار يف ). من خالل حتوير الواقع لديـه هـدفان أو " الالعـبني "فعمـل .جوهره ، جيري تبسيط املخطط املذكور آنفا

Page 148: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

148

=الواقع و املضطهدون ، و كذلك : متزامنان " مفعوالن "

ويزيدون يف ، يتم انتصار الثورة سيقومون حينئذ بتطوير جهد تعليمي شامل و عندما قبل – التعليم التحرري –تربير هذا اإلجراء بالقول إنه من غري املمكن القيام بالتعليم

. تويل السلطة

أو (إن هؤالء الناس . و من اجلدير حتليل بعض النقاط اجلوهرية يف التأكيدات السابقة يؤمنون بضرورة احلوار مع الشعب ، و لكنهم ال يؤمنون أن هـذا احلـوار ) غالبيتهم

فبإنكارهم إلمكانية قيام القادة بالتصرف بإسلوب تعليمـي . ممكن قبل تويل السلطة انتقادي قبل تويل السلطة ، ينكرون الصفة التعليمية للثورة كعمل ثقايف يـستعد ألن

ثقايف بالتعليم اجلديد الذي سيتم تدشينه عنـد و خيلطون العمل ال . يصبح ثورة ثقافية .تويل السلطة

لقد سبق و أكدت أنه ألمر ساذج ، يف الواقع ، أن يتوقع املرء من النخب املـضطهدة و لكن ألن للثورة طبيعة تعليمية ، ال ميكن إنكارها ، مبعىن أـا . تطبيق تعليم حترري

على السلطة يشكل حلظة واحدة فقـط، إن مل حترر فهي ليست ثورة ، فإن االستيالء يقع يف اتمع " ما قبل الثورة "و كعملية ، فإن . مهما كانت حامسة ،يف العملية الثورية

.االضطهادي ، و يبدو فقط للوعي الثوري

و ال ميكن هلـا أن تفـشل يف . تولد الثورة ككيان اجتماعي يف إطار اتمع القمعي و . ان االجتماعي الذي ولدت فيه ما دامت عمال ثقافيا االنسجام مع إمكانيات الكي

و رغـم أن .داخل ذاته من خالل تفاعـل تناقـضاته ) أو يتحول (كل كيان يتطور ). 1(التناقضات اخلارجية ضرورية إال أا فعالة فقط إذا تطابقت مع تلك اإلمكانيات

Page 149: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

149

يشكل تويل السلطة فقط و تولد حداثة الثورة داخل إطار اتمع القدمي املضطهد، و و ال يوجد بالنسبة للنظرة الديناميكية ، و . حلظة حامسة من العملية الثورية املستمرة

مطلق ، حبيث يشكل االستيالء على السلطة " بعد"أو " قبل"ليس الساكنة ، للثورة أي .اخلط الفاصل بينهما

حمل وضـع االضـطهاد إن الثورة ، اليت تولد يف ظروف موضوعية ، تسعى إىل احلل و بالتايل فإن الـصفة التعليميـة و . بإقامة جمتمع من الناس يف حالة عملية حترر دائم

. أيضا ، جيب أن توجد يف مجيع مراحلها " ثورة ثقافية"احلوارية للثورة ، اليت جتعل منها ثورة و هذه الصفة التعليمية هي من أكثر األدوات فعالية يف احليلولة دون أن تصبح ال

ومنضدة يف بريوقراطية ثورة مضادة ، ألن الثورة املضادة يقوم ا ثوريون " مؤسساتية" .يتحولون إىل رجعيني

لو مل يكن من املمكن احلوار مع الشعب قبل تويل السلطة لعدم خربته يف احلوار ، لـن ام السلطة يكون ممكنا للشعب أن يتوىل السلطة ، ألنه ال ميلك اخلربة كذلك يف استخد

إن العملية الثورية هي عملية ديناميكية ، و يف هذه الديناميكية املستمرة ، يف ممارسة . . الشعب مع القادة الثوريني ، سيتعلم الشعب و القادة احلوار و اسـتخدام الـسلطة

هذا أمر واضح وضوح التأكيد بأن اإلنسان (

.كهدف هلم ) القمعيمن خالل احلفاظ على الواقع(احلفاظ على االضطهاد =

.راجع ماو تسي تونج ، املصدر الذي سبق ذكره (1)

).يتعلم السباحة يف املاء و ليس يف املكتبة

إن احلوار مع الشعب ليس تنازال أو هبة ، كما أنه ليس تكتيكا يستخدم مـن أجـل

Page 150: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

150

سي العامل ، هو شرط أسا " تسمية"احلوار ، باعتباره مواجهة بني الناس لـ . السيطرة العمل احلر : "و كما يقول كاجو بتروفيتش . الناس بشكل حقيقي " أنسنة"من شروط

و الشرط اإلجيايب … هو ذلك العمل الذي يستطيع املرء من خالله تغيري عامله و نفسه و النضال من … للحرية هو معرفة حدود الضرورة ، إدراك إمكانيات اخللق اإلنساين

من أجل جمتمع حر إال إذا مت من خالله حتقيق درجـة أجل جمتمع حر هو ليس نضاال )1". (أكرب من احلرية الفردية

و . إذا صحت هذه النظرة ، فإن العملية الثورية ذات طابع تعليمي بالدرجـة األوىل هكذا فإن الطريق إىل الثورة تعين االنفتاح على الشعب و ليس االنغالق عليه كـسد

و كما أشار لينني ، كلما . مع الشعب ، و ليس عدم الثقة به إا تعين التالحم . منيع ازدادت حاجة الثورة إىل نظرية ، كلما تعني على قادا أن يكونوا مع الشعب حـىت

.يتصدوا لسلطة االضطهاد

و استنادا إىل هذه اآلراء العامة لنقم بتحليل مطول لنظريات العمل املعادي للحوار و غزوال.للعمل احلواري

فالشخص املعادي للحـوار .السمة األوىل للعمل املعادي للحوار هي احلاجة إىل الغزو بـشكل متزايـد و بكـل –يرمي ، يف عالقاته مع األشخاص اآلخرين ، إىل غزوهم

الوسائل ، من األشد عنفا إىل األكثر ذيبا و رقة ، من أشدها قمعية إىل أكثرها عناية ) .أي أبوية( و اهتماما

الغـازي يفـرض . ن كل عملية غزو تعين وجود غاز و شخص أو شيء يتم غزوه إو يفرض حدوده اخلاصة على املغلـوبني ، . أهدافه على املغلوبني ، و جيعلهم ملكا له

Page 151: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

151

شخـصا " تأوي"، " غامضة مبهمة "الذين يستلهمون هذا الشكل و يصبحون كائنات مصاف األشياء ، هي ، من البداية، محبة و عملية الغزو ، اليت حتيل الناس إىل . آخر

.للموت

و كما أن العمل املعادي للحوار يالزم وضع االضطهاد احلقيقي امللموس ،فإن العمـل إن اإلنـسان لـيس معاديـا . احلواري ال غىن عنه إلحالل الثورية حمل ذلك الوضع

للحوار أو حماورا

ه ليس معاديا للحـوار يف البدايـة،مث يـصبح إن.بشكل جتريدي،و لكن يف إطار العامل ففي وضع اضطهاد موضوعي يكـون .مضطهدا ، بل يصبح كليهما يف الوقت نفسه

العداء للحوار ضروريا للمضطهد

,Man and Freedom" in Socialist Humanism“: راجع كاجو بيتروفيتش

edited by Eric Fromm (New York ،1965 ( ا و أيض . 276-274، صنيويـورك ، (Marx in the Mid-Twentieth Centuryللمؤلف نفسه كتاب

1967 (

املغلوبون جيري : ليس فقط اقتصاديا ، بل ثقافيا أيضا –كوسيلة ملزيد من االضطهاد و باإلضـافة . جتريدهم من كلمتهم و القدرة على التعبري عن أنفسهم ، و من ثقافتهم

ضع قمعي يصبح ال غىن عن العداء للحوار من أجل احلفاظ إىل ذلك ، عندما ينشأ و .على ذلك الوضع

و ألن العمل التحرري حواري بطبيعته ، ال ميكن للحوار أن يأيت يف أعقـاب ذلـك و مبا أن التحرر جيب أن يكون حالة دائمـة ، . العمل ، بل جيب أن يكون مالزما له

Page 152: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

152

).1(حرري فإن احلوار يصبح جانبا مستمرا من العمل الت

موجودة يف كل األوقات يف العمـل ) أو باألحرى ضرورة الغزو (إن الرغبة يف الغزو و من أجل حتقيق هذا اهلدف حياول املـضطهدون تـدمري خـصلة . املعادي للحوار

و مبا أن املضطهدين ال يستطيعون تدمري ذلك كليـة . يف العامل لدى الناس " التبصر" كـي يقـدموا –و يقـوم املـضطهدون . على العامل يتوجب عليهم إضفاء خرافة

بتطـوير –للمضطهدين و املقهورين عاملا من اخلداع معدا لزيادة اغترام وسلبيتهم سلسلة من األساليب اليت تستثين أي تقدمي للعامل كمشكلة ، بل تقدمه ككيان ثابت ،

.د متفرجني شيء يتعني على الناس التكيف معه ألم جمر–كشيء مقرر

إن من الضروري ، بالنسبة للمضطهدين التعامل مع الناس من خالل القهر إلبقـائهم و لكن هذا التقدير التقرييب ال يشمل ضرورة كوم مع الشعب ، أو يتطلب . سلبيني

خرافات ال غـىن عنـها " بإيداع"إنه يتم من خالل قيام املضطهدين . تواصال حقيقيا جمتمـع "على سبيل املثال ، خرافة أن النظام القمعي هو : القائم للحفاظ على الوضع

، و خرافة أن مجيع الناس أحرار يف العمل حيث يشاؤون ، و إم إن مل يرتـاحوا " حرلرؤسائهم حيق هلم ترك العمل و البحث عن مكان آخر ؛ خرافة أن هذا النظام حيتـرم

خرافة أن أي شخص جمتهد ميكنه أن حقوق اإلنسان و بالتايل فهو يستحق االحترام ؛ و األسوأ من ذلك خرافة أن البائع املتجول يف الشوارع هو .يصبح من رجال األعمال

رجل أعمال مثله مثل صاحب مصنع كبري ، خرافة احلق يف التعليم العام للجميـع يف تعليم الوقت الذي تبلغ نسبة من يصل من األطفال الربازيليني يف املدارس األولية إىل ال

: اجلامعي هي نسبة ضئيلة للغاية ، خرافة كون اجلميع متساوين عندما يطرح السؤال احلضارة الغربية "، خرافة بطولة طبقة املضطهدين كحماة " هل تعرف مع من تتكلم ؟ "

Page 153: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

153

، خرافة كرم النخب و فعلها للخري،بينما ما تفعله " الرببرية املادية "يف وجه " املسيحيةاليت جيري نـسجها الحقـا (االنتقائية " األعمال الطيبة "ع،هو تكريس كطبقة،يف الواق

) 2(، اليت انتقدها بشدة على الصعيد العاملي "مساعدات نزيهة"كخرافة تتحدث عن

عند تويل ثورة شعبية السلطة فإن حقيقة وقوع مسؤولية أخالقية على عاتق السلطة (1)عي القدمي، ال يعين أن الثورة تناقض طابعها اجلديدة لقمع أية حماولة إلعادة النظام القم

فاحلوار بني املضطهدين السابقني واملضطهدين ، كطبقات متناحرة ، مل يكن . احلواري . ممكنا قبل الثورة ، و يستمر مستحيال بعدها

باإلضافة إىل ذلك يتعني على البلدان املتقدمة اقتصاديا أن تويل اهتماما خاصا بأن "(2) = ول من خالل ال حتا

، " مدركـة لواجبـها "البابا يوحنا الثالث و العشرون ، خرافة أن النخب املسيطرة ، تدعو إىل تقدم الشعب ، حىت يقوم الشعب ، عرفانا باجلميل ، بقبول ما تقوله النخب و يلتزم ا ، خرافة أن التمرد هو خطيئة يف حق اهللا ، خرافة أن امللكية اخلاصة شـيء

ما دام املضطهدون هـم املخلوقـات اإلنـسانية (ي للتطور اإلنساين الفردي جوهر، خرافة اجتهاد املضطهدين ، و كسل و عدم أمانة املضطهدين ، و كـذلك ) الوحيدة

) 1. (أكذوبة احنطاط املضطهدين و تفوق املضطهدين

ستلهامها ضـروريا اليت يعترب ا ) و غريها مما قد يضيفه القراء (إن مجيع هذه اخلرافات لقهر املضطهدين ، تقدم إليهم عن طريق دعاية حسنة التنظيم و شعارات من خـالل

).2( و كأن اغترابا من هذا القبيل ميثل تواصال حقيقيا –مجاهريية " اتصال"وسائل

باختصار ، ال يوجد هناك واقع قمعي ليس هو، يف الوقت ذاته و بالضرورة ، معاديـا

Page 154: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

154

نه ليس هنالك عداء للحوار ال يكرس املضطهدون فيه أنفسهم بال كلل للحوار، كما أففي روما القدمية ، كانت النخب املسيطرة تتحـدث . لغزو املضطهدين بشكل دائم

و . و ضمان هدوئه " تليينه"للشعب من أجل " اخلبز و السريك "عن احلاجة إىل توفري مبوجب صـيغة (ية حقبة أخرى ، تستمر النخب املسيطرة اليوم ، مثلها مثل تلك يف أ

و . باخلبز و الـسريك أو بـدوما –يف احلاجة إىل غزو اآلخرين ") اخلطيئة األصلية "طاملا النخب املـسيطرة (خيتلف حمتوى و أسلوب الغزو تارخييا ، و لكن الذي مل يتغير

.هو الشهوة املميتة لالضطهاد ) موجودة

فرق تسد

. أبعاد نظرية العمل القمعي ، قدمي قدم االضطهاد نفـسه هذا بعد جوهري آخر من فبما أن األقلية اليت متارس االضطهاد تقهر األغلبية و تسيطر عليها ، ال بد هلا مـن أن

و ال ميكن لألقليـة أن . تفرقها و اإلبقاء عليها مشتتة حىت تستطيع البقاء يف السلطة ستـشكل دون ] إذ أن الوحـدة [، تسمح لنفسها بترف التسامح مع وحدة الشعب

مبـا يف ذلـك (و بالتايل ، يقوم املضطهدون بأية وسيلة . شك ديدا خطريا هليمنتها ، مبنع أي عمل يؤدي حىت و لو بشكل بدائي إىل تنبيه املضطهدين) العنف

يف تلـك [إعطائها مساعدات إىل البلدان األفقر حتويل الوضع الـسياسي الـسائد =فإذا صدف و حدثت مثـل هـذه . احلها وأن تسعى إىل السيطرة عليها لص] البلدان

احملاوالت ، ستكون بوضوح شكال آخر من أشكال االستعمار املقنع امسيـا فقـط ، إن إعاقة العالقات الدوليـة . وسيعكس جماال انقضى زمنه و ختلت عنه بلدان كثرية

,Pope John XXIII :راجع." هكذا سيعرض للخطر التقدم املنتظم كافة الشعوب "Christianity and Social Progress”, from the Encyclical Letter

Mater et Magistra, articles 171 and 172 .

Page 155: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

155

مـن خـالل : "يشري ميمي إىل الصورة اليت يشكلها املستعمر للمستعمر بالقول (1)أن الكـسل مكـون يف طبيعـة ويقرر . ااماته يثبت املستعمر أن املستعمر كسول

. 81ميمي ، املصدر الذي سبق ذكره ، ص : راجع " املستعمر نفسها

.أنا ال أنتقد وسائل اإلعالم نفسها ، بل الطريقة اليت جيري استخدامها فيها (2)

فمفاهيم مثل الوحدة و التنظيم و النضال جيري وصـفها علـى . إىل ضرورة الوحدة ألن – بالنـسبة للمـضطهدين –يف الواقع،إا مفاهيم خطرة و . الفور بأا خطرة

.تطبيقها ضروري للنشاطات التحررية

إن من مصلحة املضطهدين إضعاف املضطهدين أكثـر فـأكثر ، و عـزهلم و خلـق و ذلك جيري بطرق خمتلفة ، بدءا من األساليب القمعية . انقسامات بينهم و تعميقها

وانتهاء بأشكال العمل الثقايف اليت يستخدموا للتالعـب للبريوقراطية احلكومية ، .بالشعب و غشه و خلق االنطباع لديه بأم يقدمون له املساعدة

و إحدى السمات املميزة للعمل الثقايف القمعي ، الذي ال يتم إدراكه على اإلطـالق أكيد على النظرة تقريبا من قبل احملترفني املخلصني السذج الذين يشاركون فيه، هو الت

املركزة أو البؤرية

(Focalized) تنميـة "ففي مشاريع " . الكل"للمشاكل بدال من رؤيتها كأبعاد لـدون دراسة هذه " جمتمعات حملية "فإن اإلفراط يف جتزئة إقليم أو منطقة إىل " اتمعات

يم و إىل ما غـري املنطقة و اإلقل (اتمعات ككل يف حد ذاا وكأجزاء من كل آخر –) األمة ، و كجزء من الكل القـاري ( اليت هي بدورها جزءا من كل أكرب –) ذلك

و مع ازدياد اغتراب الـشعب يـصبح مـن . سيؤدي إىل زيادة االغتراب و تعميقه

Page 156: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

156

هـذه ، مـن " البؤرية"و تقوم أشكال العمل .األسهل تقسيمه و اإلبقاء عليه منقسما ، بإعاقـة ) ال سيما يف املناطق الريفية (ملضطهدين البؤرية خالل تشديد طريقة حياة ا

املضطهدين من إدراك الواقع بشكل انتقادي،و تبقيهم يف عزلة عن مـشاكل النـاس )1. (املضطهدين يف مناطق أخرى

دورات "و حيدث التأثري ذاته الذي يسبب الشقاق و الفرقة فيما يتعلق مبـا يـسمى رغم أا تنظم دون توفر مثل هذه النية لدى العديـد مـن (ي ، اليت ه " تدريب القادة

و تستند هذه الدورات إىل الفرضية . يف التحليل النهائي تؤدي إىل االغتراب ) منظميها كأن األجزاء تـدعم –الساذجة أن بإمكان املرء دعم اتمع من خالل تدريب قادته

إن أعضاء اتمعات الـذين . الكل و ليس الكل يدعم األجزاء من خالل دعمه ذاته يظهرون قدرات قيادية كافية تؤهلهم ألن يتم اختيارهم هلذه الـدورات ، يعكـسون

إم ، يف الواقع ، يف انسجام .بالضرورة تطلعات األفراد يف جمتمعام و يعربون عنهم في مع طريقة املعيشة و التفكري اليت متيز رفاقهم ، حىت و إن أبدوا قدرات خاصة تـض

و حال انتهائهم من الدورة و عودم إىل جمتمعام بإمكانيات مل " . القادة"عليهم صفة ميلكوها يف السابق، يقومون إما باستخدامها للتحكم بوعي رفاقهم اخلاضع للسيطرة و

املطمور، أو أم يصبحون غرباء

تند إىل فهـم ال ينطبق هذا النقد على األعمال اليت تتم يف إطار أفق جديل و تـس (1)إنه موجه إىل أولئك الذين . للمجتمع احمللي ككل يف حد ذاته و كجزء من كل أكرب

ال يدركون أن تطوير اتمع احمللي ال ميكن أن يتم إال يف السياق الشامل الذي يشكل و هذا املتطلب يعين وعـي الوحـدة يف . هو جزء منه ، يف تفاعل مع أجزاء أخرى

ك التنظيم الذي يوجه القوى املوزعة ، و يعين وعيا واضحا بـضرورة تنوعها ، و إدرا

Page 157: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

157

) .وهو أمر مفهوم(هذا هو ما خييف املضطهدين . حتوير الواقع

و رمبا يلجأون، كي ال . يف جمتمعام ، و بالتايل تصبح مكانتهم القيادية السابقة مهددة و الغش يف جمتمعهم ، و لكـن يفقدوا مكانتهم القيادية ، إىل االستمرار يف التالعب

. بإسلوب أكثر كفاءة

و عندما يقوم العمل الثقايف ، باعتباره عملية كلية و تؤدي إىل الكلية ، بالتعامل مـع فإما أن ينمو و يكـرب . جمتمع بأسره ، و ليس فقط مع قادته ، حتدث عملية عكسية

قادة جدد يربزون نتيجة للوعي القادة السابقون مع اآلخرين مجيعا ، أو يتم استبداهلم ب .االجتماعي اجلديد للمجتمع

فالنـهج . و ال حيبذ املضطهدون دعم اتمع و تطويره ككل ، بل دعم قادة خمتارين األخري يعيق ، من خالل اإلبقاء على حالة االغتراب ،ظهور وعي و تدخل انتقادي يف

الصعب على الدوام حتقيـق و بدون هذا التدخل االنتقادي ، يكون من . واقع كلي .وحدة املضطهدين كطبقة

إن التناحر الطبقي هو مفهوم آخر يزعج املضطهدين ، مبا أم ال يرغبـون يف اعتبـار و مبا أم ال يقدرون إنكار ، مهما حاولوا ، وجود طبقـات . أنفسهم طبقة مضطهدة

ولئك الذين يشترون العمل و اجتماعية ، يبشرون باحلاجة إىل التفاهم و االنسجام بني أ إال أن اخلصومة اليت ال ميكـن إخفاؤهـا بـني ) 1.(أولئك املضطرين إىل بيع عملهم

" االنسجام"إن النخب تدعو إىل ) 2. (أمرا مستحيال " االنسجام"الطبقتني جتعل هذا بني الطبقات و كأن الطبقات تكتل عرضي ألفراد يتفرجون باستغراب على واجهة حمل

إن االنسجام الوحيد املمكن و متكن . بعد ظهر أحد أيام األحد جتاري

Page 158: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

158

إذا مل يصبح العمال : "يشري األسقف فرنيك سبليت ببالغة إىل هذه النقطة (1) . لن تكون هناك أية جدوى لكافة اإلصالحات اهليكلية مالكني على حنو ما لعملهم،

أ على يف نظام اقتصادي ، حىت و لو حصل العمال على رواتب] هذا صحيح[ إم يريدون أن يكونوا مالكني لعملهم و ليس . و لكنهم غري راضني ذه الزيادة

إن العمال يف الوقت احلاضر أخذوا يدركون بـشكل متزايـد أن …بائعني له ال واإلنسان ال ميكن أن يشترى ، كمـا أنـه . العمل ميثل جزءا من اإلنسان

و تطـور . فأي شراء أو بيع للعمل هو نوع من العبوديـة . يستطيع بيع نفسه اتمع اإلنساين ، من هذه الناحية جيري كما هو واضح يف إطار نظام يقال إنـه أقـل

استجابة من نظامنا

Obispos hablan 15“: راجع ." ملوضوع الكرامة اإلنسانية ، أي املاركسية en prol del Tercer

Mundo", CIDOC Informa, (Mexico,1967), Doc.67/35, 1ص-11

الذي غالبا ما يتهم كـارل (فيما يتعلق بالطبقات االجتماعية و الصراع بينها (1) راجع ) ماركس باختراعه

ال يعـود … : "1852آذار / مارس 1فايدماير ، املؤرخة .رسالة ماركس إىل ج ل يل يف اكتشاف أي فض

فقبلي بكثري قام املؤرخون . وجود طبقات يف اتمع احلديث ، أو الصراع بينها البورجوازيون بوصف التطور

Page 159: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

159

التارخيي هلذا الصراع الطبقي ، كما وصف االقتصاديون البورجوازيون تـشريح إن . الطبقات االقتصادي

أن وجود الطبقات مـرتبط فقـط ) 1: ( إثبات الشيء اجلديد الذي قمت به هو =مبراحل

فعلى الرغم من أم قد خيتلفون ، و . رؤيته هو ذلك السائد بني املضطهدين أنفسهم حىت يصطدمون يف بعض املناسبات حول مصاحل اموعة ، إال أم يتحدون على الفور

نسجام يف صفوف طبقة وكذلك باملثل ، ميكن أن يسود اال . إزاء أي ديد لطبقتهم و يف .املضطهدين فقط عندما يكون أعضاؤها منهمكني يف النضال من أجـل التحـرر

حاالت استثنائية فقط يصبح من غري املمكن،بل وضروريا للطبقتني أن تتحدا وتعمـال و لكن عندما ينتهي الظرف الطارئ الذي محلهما على الوحدة .معا يف انسجام وحسب

.قض الذي حدد وجودمها و الذي مل خيتف على اإلطالق يف الواقع تعودان إىل التنا

إن مجيع أعمال الطبقات املسيطرة تعكس حاجتها إىل أن تفرق كي يسهل احلفاظ على الطبقات اخلاضـعة " ممثلي"تدخلها يف النقابات ، و تفضيلها بعض : حالة االضطهاد

، مساندا و دعوـا ) دين ، و ليس رفاقهم الذين ميثلون يف الواقع املضطه (للسيطرة ـذه " تليينهم"ألشخاص يبدون قدرات قيادية من املمكن أن يشكلوا خطرا لو مل يتم

الطريقة ؛ قيامها بتوزيع الفوائد على البعض وفرض عقوبات على آخرين ، و تلـك ال عمـل إا أشك .كلها طرق للتفرقة من أجل احلفاظ على النظام الذي حيايب النخب

شعورهم بعدم : تستغل ، بشكل مباشر أو غري مباشر،إحدى نقاط ضعف املضطهدين فاملضطهدون يشعرون بعـدم األمـان يف ازدواجيتـهم ككائنـات . األمان أساسا

املضطهدين ، من ناحية يقاوموم ، و من ناحية أخرى ، ينجذبون حنـوهم يف "تأوي"

Page 160: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

160

مثل هذه الظروف ، حيصل املـضطهدون بـسهولة يف. مرحلة معينة من عالقام م .على نتائج إجيابية من عملهم الذي يؤدي إىل التفرقة

تقدم دف منع وحدم " دعوة"باإلضافة إىل ذلك ، يعرف املضطهدون مثن عدم قبول ، مما يعين أن إغـالق " القائمة السوداء "فقدان وظائفهم و وضع أمسائهم يف : كطبقة و هكذا فإن عدم شـعورهم . أمام وظائف أخرى هو أقل ما ميكن أن حيدث األبواب

مما يعين حقا استعباد أشخاصهم ، كما أكد األسـقف (باألمان مرتبط باستعباد عملهم ) .سبليت

الـذي (إن الناس تشعر باالكتمال و إجناز ما يصبون إليه بالقدر الذي ختلق فيه عاملها من مث فـإن إجنـاز النـاس و . بعملها الذي حيقق التغيري ، و ختلقه ) هو عامل اإلنسان

فإذا كان وجود الناس يف عامل العمل يعين أن . اكتماهلم كناس يكمن يف اكتمال العامل إذا كان عملـهم –يكونوا تابعني كلية و غري آمنني ويتعرضون للتهديد بشكل دائم

فالعمل غري . عرون بالرضى عندها ال ميكن هلم أن يكونوا مكتملني يش –ليس ملكهم . احلر يكف عن كونه عمال مرضيا و يصبح أسلوبا فعاال للتجريد من اإلنسانية

أن الصراع الطبقـي يقـود بالـضرورة إىل ) 2(تارخيية معينة من تطور اإلنتاج ، =] مرحلـة [أن هذه الديكتاتورية نفسها تـشكل فقـط ) 3(ديكتاتورية الربوليتاريا ،

Karl Marx and: راجع ." ىل إلغاء مجيع الطبقات و إىل اتمع الالطبقياالنتقال إ

Fredrick Engels, Selected Works, (New York,1968) 679، ص .

إنـه يعـين أن .كل حترك من املضطهدين حنو الوحدة يشري يف اجتاه أعمال أخـرى خـصيام و املضطهدين ، إن عاجال أم آجال ، سيستوعبون وضع جتريدهم مـن ش

Page 161: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

161

يكتشفون أنه ما داموا منقسمني على أنفسهم سيظلون على الدوام فريـسة سـهلة فالوحدة و التنظيم سيمكنام من تغيري ضعفهم إىل قوة . للتالعب و الغش و السيطرة

إال أن العامل ) 1. (، تغيري يستطيعون من خالله إعادة خلق العامل و جعله أكثر إنسانية اخلـاص " عامل اإلنسان " الذي يتطلعون إليه ، عن وجه حق ، هو نقيض األكثر إنسانية عامل هو ملكية خاصة مقتصرة على املضطهدين الذين ينادون بانسجام –باملضطهدين

الذين (، و بني املضطهدين ) هم الذين جيردون من اإلنسانية (مستحيل التحقيق بينهم دين و املضطهدين نقيضان فإن ما خيدم مصاحل و مبا أن املضطه ). جردوا من إنسانيتهم

.جمموعة يضر مبصاحل اموعة األخرى

بالتايل فإن التفرقة من أجل احلفاظ على الوضع القائم هي بالضرورة هدف جـوهري باإلضافة إىل ذلك ، حياول املسيطرون تقدمي أنفـسهم . لنظرية العمل املعادي للحوار

إال أن هـذه . لذين جيردوم من إنـسانيتهم و يفرقـوم على أم من ينقذ الناس ا إم يريـدون إنقـاذ . إنقاذ أنفسهم : ال ميكن هلا أن ختفي نيتهم احلقيقية " الرسالة"

األشياء اليت متكنهم من إخـضاع اآلخـرين و : ثروام و سلطتهم و طريقة حيام بغض النظـر عـن ( ذوام و لكن خطأهم هو أن الناس ال يستطيعون إنقاذ . قهرهم

. كأشخاص أو كطبقـة مـضطهدة : يف كلتي احلالتني ") إنقاذ"كيف يفهم املرء معىن و لكن مبا أن النخـب تقـوم . اإلنقاذ و اخلالص ميكن أن يتحققا فقط مع اآلخرين

باالضطهاد فإنه ال ميكن هلا أن تكون مع املضطهدين ، ألن الوقوف ضدهم هو جوهر .االضطهاد

-للمـضطهدين " الكرم الزائف "د يكشف التحليل النفسي للعمل القمعي عن أن قفيحاولون ذا . هو أحد أبعاد شعور املضطهدين بالذنب -حتدثنا عنه يف الفصل األول

Page 162: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

162

السالم " شراء"الكرم الزائف ليس فقط احلفاظ على نظام غري عادل مميت ، بل أيضا فالسالم تـتم جتربتـه يف . ميكن شراء السالم ولكن ، كما هو احلال ، ال . ألنفسهم

و من مث فإن . األعمال التضامنية و املفعمة باحلب ، اليت ال ميكن أن تتجسد يف القمع لنظرية العمل املعادي للحوار هو تعزيز الـسمة األوىل هلـذا " رسالة اخلالص "عنصر .ضرورة الغزو : العمل

هم أمر ضروري من أجل احلفاظ علـى الوضـع و مبا أن تقسيم الناس و التفرقة بين القائم

هلذا السبب ال يستغين املضطهدون عن اإلبقاء على الفالحني يف عزلة عن العمـال (1)فاسـتعداد . يف املدن ، كما أنه ال غين عن احملافظة على عزلة اموعتني عن الطالب

جيعلهم ) حية االجتماعية على الرغم من أم ال يشكلون طبقة من النا (الطالب للتمرد و هكذا فإن من الضروري إقناع الطبقات الدنيا . خطرين إذا ما انضموا إىل الشعب

بأن الطالب غري مسؤولني و مشاغبني ، و أن استعدادهم زائف ، ألم كطالب جيب عليهم أن ينكبوا على الدراسة ، متاما مثلما يتعني على العمال الصناعيني و الفالحـني

" . تقدم األمة"ملوا من أجل أن يع

بالتايل احلفاظ على سلطة املسيطرين ، فإن من األمور األساسية بالنسبة للمـضطهدين و من مث فإنه يتعني على اموعـة . احليلولة دون إدراك املضطهدين الستراتيجيتهم

مـشني و للمه"األوىل إقناع اموعة األخرية الدفاع عنها ضد األعمال الـشيطانية ألن هذه هي الصفات اليت تلصق باألشخاص الذين عاشوا و " (املشاغبني و أعداء اهللا

و من أجل تفرقة الناس و تشويشها ) . الناس" أنسنة"يعيشون يف سعي شجاع لتحقيق يطلق املدمرون على أنفسهم صفة البنائني ، و يتهمون البنائني احلقيقيني بأم هدامون

Page 163: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

163

و اليـوم ، رغـم أن . يخ يتوىل بنفسه دائما تصحيح هـذه الـصفات و لكن التار .باملتآمر و احلركة التحررية اليت ) 1(االصطالحات الرمسية مستمرة يف وصف تريادنتس

ليس هو ذلك الـشخص الـذي قـال عـن ) 2(قادها باملؤامرة، فإن البطل القومي ائها قطعا يف شوارع القرى و أمر بشنقه و تقطيع جثته و إلق " قاطع طرق "تريادنتس إنه

الذي " اللقب"لقد مزق التاريخ ذلك . إن تريادنتس هو البطل . ااورة ليكون عربة إن األبطال هم األشـخاص . عترف بعمله قدر ما هو جدير به منحته إياه النخب و ا

الذين سعوا يف زمام إىل الوحدة من أجل التحرير ، و ليس أولئك الذين يستخدمون .طتهم يف التفرقة كي يسودوا سل

التالعب و الغش

االحتيال أو التالعب هو بعد آخر من أبعاد نظرية العمل املعادي للحوار ، و مثله مثل اهلدف الذي تدور حوله مجيع أبعـاد : استراتيجية التفرقة فإنه أداة من أدوات الغزو

الغش ، محل اجلماهري فالنخب المسيطرة حتاول ، من خالل التالعب و . تلك النظرية يف الريف (و كلما كان عدم النضوج السياسي للناس كبريا . على االمتثال ألهدافها

كلما سهل التالعب م و غشهم من قبل أولئك الذين ال يريدون خـسارة ) و املدن .سلطتهم

جيري التالعب بالناس و غشهم عرب سلسلة من اخلرافات و األساطري الـيت سـبق و منوذجها الذي : احلديث عنها يف هذا الفصل ، و أيضا من خالل خرافة أخرى جرى

و لكن جيب على الناس . تقدمه البورجوازية إىل الناس على أن من املمكن االرتقاء إليه .أن تصدق كالم البورجوازية حىت تنطلي اخلرافة

Page 164: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

164

طبقات املضطهدة يتم التالعب و الغش يف ظروف تارخيية حمددة من خالل حتالف بني ال حتالفات قد تعطي انطباعا بأنه حوار بني الطبقات ،فيما لو نظر –والطبقات املضطهدة و لكن هذه التحالفات ليست يف الواقع حوارا ، ألن أهـدافها .إليها بشكل سطحي

احلقيقية تقررها املصاحل اليت ال

ستقالل عـن الربتغـال يف كان تريادنتس زعيم الثورة الربازيلية اليت سعت إىل اال (1) يف مدينة أورو برتو بوالية ميناس جريايس ، وقد عرفت هذه احلركة تارخييـا 1789

املترجم . Inconfidencia Mineiraباسم املؤامرة أو بالربتغالية بـ

املترجم –هو الفيكونت دي بارباسينا ، احلاكم امللكي الربتغايل للمقاطعة (2)

و يف التحليل النهائي ، يستخدم املسيطرون التحالفات . املسيطرة لبس فيها للنخب ، " البورجوازية الوطنيـة "وتأييد الناس ملا يسمى بـ ) . 1(لتحقيق أهدافهم اخلاصة

فهذه التحالفات تزيـد . هو مثال على ذلك " الرأمسالية الوطنية "دفاعا عما يسمى بـ و جيري اقتراحها فقـط عنـدما . الشعب على الدوام ، إن عاجال أم آجال ، من قهر

يف الظهور من العملية التارخيية ، ويهدد ، بظهوره ، ) حىت بشكل ساذج(يأخذ الشعب فوجود الشعب يف العملية التارخيية ، ليس كمجرد متفرج ، بل . هذا النخب املسيطرة

ة تكتيكات ببوادر عدوانية أولية ، يكفي إلثارة خماوف النخب املسيطرة إىل حد مضاعف .التالعب و الغش

و يف هذه املرحلة التارخيية ،يصبح التالعب و الغش أداة جوهرية يف احلفـاظ علـى ، بل يوجـد ) باملعىن الدقيق (فقبل ظهور الشعب ال يوجد تالعب و غش . السيطرة

قمع تام ، إذ ال حاجة للتالعب باملضطهدين و غشهم عندما يكونون غارقني تقريبا يف

Page 165: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

165

فبموجب نظرية العمل املعادي للحوار ، التالعب و الغش مها رد املضطهدين . اقع الوو تستطيع النخب املسيطرة ، مـن . على الظروف امللموسة اجلديدة للعملية التارخيية

غري السليم ، و مـن مث " التنظيم"خالل التالعب و الغش ، دفع الشعب إىل نوع من ناس حديثي الظهور و اآلخذين يف الظهور بشكل سليم تنظيم ال : تفادي البديل اخلطري

إمـا أن : و لدى هؤالء الناس احتماالن ال غري عند دخوهلم يف العملية التارخيية ) .2(و من . ينتظموا بشكل صحيح من أجل حتررهم ، أو أن تتالعب م النخب و تغشهم

.ة القادة الثوريني الواضح أن املسيطرين لن حيفزوا التنظيم السليم ؛ إنه مهم

و لكن يصدف أن قطاعات واسعة من املضطهدين هي من الربوليتاريا يف املـدن ، ال فعلى الرغم من أن هذه القطاعات يعتريها . سيما يف املناطق األكثر تصنيعا من البالد

. التململ بني احلني واآلخر ، إال أا تفتقر إىل الوعي الثوري و تعترب نفسها حمظوظة و عادة ما جيد التالعب و الغش ، مبا فيه من سلسلة وعود و خديعة ، أرضية خـصبة

.بينهم

يكمن العالج الشايف من التالعب و الغش يف التنظيم الثوري الواعي االنتقادي ، الذي سيطرح على الشعب ، كقضايا ، مكانته يف العملية التارخييـة و الواقـع القـومي و

إن مجيع سياسات اليسار قائمة : "كما يقول فرنشيسكو ويفرت و. التالعب و الغش على اجلماهري و تعتمد على وعيها،

، مـا دامـت ) ويف هذه احلالة مل تعد حتالفات (التحالفات صاحلة للجماهري فقط (1) .أهداف العمل اجلاري أو الذي سيجري خاضعة لقرارهم

الذين –، جيري تكييف الناس الذي ينتج عن أعمال تالعب و غش " التنظيم"يف (2)

Page 166: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

166

أما يف التنظـيم . ألهداف من ميارسون التالعب و الغش –هم جمرد أهداف موجهة السليم ، فإن األفراد أنفسهم نشيطون يف عملية التنظيم ، وال جيري فرض أهـداف

لتحويل اجلمـاهري إىل "يف احلالة األوىل ، التنظيم هو وسيلة . التنظيم من قبل آخرين .، و يف احلالة الثانية وسيلة للتحرير " ع ال يفكر ، سهل القيادةجتم

سقوطه األكيد ، ] موعد[فإذا تشوش هذا الوعي ، سيفقد اليسار جذوره و سيقترب قد جيري تضليله بالتفكري، و بـأن بإمكانـه ) كما يف احلالة الربازيلية (رغم أن اليسار

)1."(ةحتقيق الثورة من خالل عودة سريعة إىل السلط

بالعودة الـسريعة إىل "يتم إغراء اليسار على الدوام تقريبا ، يف حالة تالعب و غش ، ، فينسى ضرورة االنضمام إىل املضطهدين لتشكيل تنظـيم ، و ينجـرف يف "السلطة

و ينتهي األمر بأن تتالعب به تلك النخب و . مستحيل مع النخب املسيطرة " حوار" " .الواقعية" يتورط يف لعبة خنبوية تسمى تغشه ، و ليس من النادر أن

إن التالعب و الغش كالغزو، و خلدمة أهدافهما حياوالن ختدير الشعب كي ال يفكر فإذا أضاف الشعب إىل وجوده يف العملية التارخيية تفكريا انتقاديا حـول العمليـة .

لى هذا التفكري و بغض النظر عما يطلقه املرء ع. ،عندئذسيتحقق خطر ظهوره يف ثورة و النخب . ، فإنه شرط ال غىن عنه للثورة "وعي طبقي "أم " وعي ثوري "السليم ، أهو

املسيطرة تدرك هذه احلقيقة إدراكا جيدا إىل حد أا تستخدم بشكل غريزي األساليب إن لديها حاسة بديهية . كافة ، مبا يف ذلك العنف اجلسدي ، ملنع الشعب من التفكري

ففي الوقت الذي يعترب فيه بعض القادة . ر على تطوير القدرة على االنتقاد بقدرة احلوا ، تعترب البورجوازية احلوار بني " بورجوازيا و رجعيا "الثوريني احلوار مع الشعب نشاطا

.املضطهدين و القادة الثوريني خطرا حقيقيا للغاية جيب تفاديه

Page 167: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

167

راد بالشهية البورجوازيـة للنجـاح إن أحد أساليب التالعب و الغش هو تطعيم األف يف بعض األحيان تقوم النخب مباشرة بعمل ذلك ، و يف أحيان أخـرى . الشخصي

و كما يقول ويفرت ، يلعب هؤالء القادة دور . بشكل غري مباشر عرب قادة شعبويني و من مث فإن ظهور الشعبوية كأسـلوب . الوسيط بني النخب األوليغاركية والشعب

فالزعيم الشعبوي الذي يظهر من . ي يتطابق صدفة مع ظهور املضطهدين عمل سياس ، ينتقل جيئـة و "عنصرين"يعيش يف " برمائي"هذه العملية هو كائن غامض ،كائن

.ذهابا بني الشعب و األوليغاركيات املسيطرة ، و حيمل مسات اموعتني

، بدال من الكفاح من أجل و مبا أن الزعيم الشعبوي يقوم ببساطة بالتالعب و الغش حتقيق تنظيم شعيب حقيقي ، فإن هذا النوع من الزعماء خيدم الثورة قليال ، فيمـا إذا

و عندما يتخلى فقط عن شخصيته الغامضة و عمله املزدوج و . خدمها على اإلطالق يكون قد ختلى عن ) و من مث الكف عن كونه شعبويا) ينحاز بشكل حاسم إىل الشعب

و عند هذه النقطة يكف عـن . و الغش و كرس نفسه ملهمة التنظيم الثورية التالعبكونه وسيطا بني الشعب و النخب ، و يصبح نقيضا لألخرية ، عندئذ تجمع النخـب

لنالحظ الكلمات الدراماتيكية ، و يف النهاية اليت.قواها على الفور لكبح مجاحه

Francisco Weffert, "Politica de massas، ”Politica e: راجـع (1)

Revolucao social no Brasil ، ) ، 187ص ) 1967ريو دي جانريو .

-العمال يف احتفاالت األول من ) 1(ال لبس فيها ، اليت خاطب فيها جيتوليو فارجاس أريد أن أقول لكم أن عمـل التجديـد : "ايار خالل الدورة األخرية لرئاسته للدولة

إداريت يف تنفيذه ال ميكن أن ينجز بنجاح بدون تأييـد العمـال و اجلبار الذي بدأت )2". (تعاوم اليومي احلاسم

Page 168: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

168

و حتدث فارجاس بعد ذلك عن األيام التسعني األوىل له يف منصبه ، و اليت قال إـا و ." تقديرا للمصاعب و العقبات هنا و هناك اليت تثار ملعارضة أعمال احلكومة "كانت

العجـز و الفقـر و "شر إىل الشعب عن مدى شعوره العميق بــ حتدث بشكل مبا و يأس سـيئي احلـظ و متطلبـات … تكاليف املعيشة الباهظة و الرواتب املتدنية

."األغلبية اليت تعيش على أمل أن تشهد أياما أفضل

:مث اختذ نداؤه إىل العمال نربة أكثر موضوعية

ظة ليست لديها بعـد القـوانني أو األدوات أتيت ألقول إن اإلدارة يف هذه اللح " و بالتايل فإن من الضروري أن ينظم . امللموسة للعمل فورا دفاعا عن اقتصاد الشعب

ليس فقط من أجل الدفاع عن مصاحله ، بل أيضا من أجـل تـوفري –الشعب نفسه إىل إنـين يف حاجـة … قاعدة التأييد اليت حتتاجها احلكومة لتحقيق أهدافها

إنين يف حاجة إلـيكم . إنين حباجة إليكم ألن تنظموا أنفسكم يف نقابات . وحدتكم ألن تشكلوا كتلة قوية متالمحة تقف إىل جانب احلكومة حبيث تتوفر هلا كل القوة اليت

إنين يف حاجة إىل وحدتكم لكي تتمكنوا من حماربة املخربني ، .حتتاجها حلل مشاكلكم ة ملصاحل املضاربني و األوغاد اجلشعني مما يضر مبصاحل الـشعب و حىت ال تقعوا فريس

ففي …احتدوا يف نقاباتكم كقوة حرة منظمة : لقد حانت الساعة ملناشدة العمال …الوقت احلايل ليس من إدارة تستطيع احلياة أو التمتع بقوة كافية لتحقيـق أهـدافها

)3(." االجتماعية إن مل تتمتع بتأييد منظمات العاملني

باختصار ناشد فارجاس الشعب حبماس يف خطابه بأن ينظم نفسه و يتحد دفاعا عـن و حدثه ، كرئيس للدولة ، عن العقبات و املعوقات ، و املصاعب اليت ال تعد . حقوقه

و منذ تلك اللحظة راحـت إدارتـه . و ال حتصى و هي املتعلقة مبمارسة احلكم معه

Page 169: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

169

آب /اللحظـة احلامسـة املأسـاوية يف أغـسطس تواجه مصاعب متزايدة حىت وقعت هذا التـشجيع الـصريح ] لرئاسته[و لو مل يبد فارجاس يف الدورة األخرية .1954

لتنظيم الشعب ، الذي ارتبط الحقا بسلسلة من اإلجراءات دفاعا عن املصاحل

. الربازيل يف1930جتوليو فارجاس قاد ثورة أطاحت بالرئيس واشنطن لويس يف (1) عاد إىل السلطة كـرئيس 1950و يف . 1945و بقي يف السلطة كديكتاتور حىت

، عندما كانت املعارضة على وشك اإلطاحة به 1954آب /و يف أغسطس . منتخب املترجم –، انتحر

O: راجع 1950أيار /خطاب ألقي يف أستاد فاسكو دي جاما يف األول من مايو(2)

Governo Trabalhista no Brasil) 324-322ص ) ريو

) .التأكيد منا(املصدر ذاته (3)

القومية ، ملا متكنت النخب الرجعية ، على األرجح ، من اختاذ اإلجراءات املتطرفة اليت . اختذا

يف اجتاه الشعب بطريق آخر عن كونه وسيطا ) و لو حبذر (إن أي زعيم شعبوي يتحرك بكبح مجاحه ، و إذا كان لديها قوة كافيـة فـستقوم لألوليغاركيات ، فإا ستقوم

و لكن ما دام الزعيم حيصر نفسه يف األبوية و نشاطات الرفـاه االجتمـاعي . بإيقافه فمن النادر أن تقع خالفات عميقة بينه وبني اموعات األوليغاركية ، على الرغم من

و هذا .ري املساس مبصاحلهاإمكانية حدوث خالفات بينه و بني جمموعات أوليغاركية جي ألن برامج الرفاه االجتماعي، باعتبارها أدوات تالعب وغش ختدم يف النهاية هـدف

إا تعمل كمخدر ، حترف املضطهدين عن األسباب احلقيقية ملشاكلهم و عن . الغزو

Page 170: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

170

و هي تشرذم املضطهدين و تقسمهم إىل جمموعـات . احللول امللموسة لتلك املشاكل إال أن هذا الوضع . راد تأمل يف احلصول لنفسها على بعض الفوائد اإلضافية من األف

األشخاص الذين حيصلون على شيء من املساعدة يريدون : حيتوي على عنصر إجيايب دائما املزيد ؛ و أولئك الذين ال يتلقون مساعدة يشعرون باحلسد و يريدون مساعدات

" مـساعدة "أن النخب املسيطرة ال تستطيع ومبا . وهم يرون منوذج من حيصلون عليه . اجلميع،فإن األمر ينتهي بزيادة متلمل املضطهدين

فيتعني على القادة الثوريني االستفادة من تناقضات التالعـب بطرحهـا كمـشكلة . للمضطهدين و اهلدف من ذلك تنظيمهم

الغزو الثقايف

الغزو الثقايف ، الـذي خيـدم : لحوار هنالك مسة مميزة أخرية لنظرية العمل املعادي ل يقوم الغـزاة مبوجـب هـذه . أهداف الغزو، مثله مثل تكتيكات التفرقة و التالعب

الظاهرة بالتغلغل يف السياق الثقايف موعة أخرى ، من غري احترام إلمكانيات تلـك خـالل اموعة ، و يفرضون نظرم إىل العامل على من يغزون و يكبتون إبداعهم من

.عن أنفسهم ] الضحايا[جلم تعبري

إن الغزو الثقايف ، ألطيفا كان أم قاسيا ، هو على الدوام عمل عنيف ضد أشخاص تتعرض كما (ففي الغزو الثقايف . ثقافتهم للغزو ، و يفقدون أصالتهم أو يواجهون خطر فقداا

العمليـة و " مؤلفي"ة هم يكون الغزا ) هو احلال يف مجيع أمناط العمل املعادي للحوار إن الغزاة هم الذين ". املفعول م "فيها ، والذين يغزوم هم األهداف أو " الالعبني"الغزاة خيتارون ، والذين يغزوم ". قولبتهم"، و الذين يغزوم هم من جتري " يقولبون"

Page 171: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

171

فقط بأم يعملـون الغزاة يعملون ، والذين يغزوم يتومهون . يتبعون ذلك االختيار .من خالل عمل الغزاة

و السيطرة كلها تشتمل على غزو يف بعض األحيان بشكل عملي و مكشوف ، و يف و يف التحليل النهائي . أحيان أخرى مقنع ، حيث يتقمص الغزاة دور الصديق املساعد ـ . ، إن الغزو هو شكل من أشكال السيطرة االقتصادية و الثقافية ارس و ميكن أن مي

جمتمع متقدم غزو جمتمع تابع ، أو ميكن أن يرد ضمنيا يف سيطرة طبقة على أخرى يف .جمتمع واحد

فيأخـذون يف . يؤدي الغزو الثقايف إىل عدم األصالة الثقافية بالنسبة ملن يتم غـزوهم و يرغب الغزاة ، من خـالل شـهوم . االستجابة إىل قيم و معايري و أهداف الغزاة

و صياغة اآلخرين يف منحاهم و أسلوب حيام ، معرفة كيف يدرك الواقـع للسيطرة و لكن فقط من أجل أن يقوموا بالسيطرة عليهم بفاعلية أكرب –اولئك الذين غزوهم

ذلك إنه ألمر أساسي يف الغزو الثقايف أن يصل من جرى غزوهم إىل رؤية الواقع ). 1( و ذلك ألنه كلما ازداد تقليدهم للغزاة ، كلما مبنظار الغزاة بدال من خالل منظارهم ،

.أصبحت مكانة الغزاة أكثر استقرارا

و من أجل أن ينجح الغزو الثقايف ال بد ملن مت غزوهم أن يقتنعوا بتدين مكانتهم مـن و مبا أن لكل شيء نقيضه ، و ما دام من مت غزوهم يعتربون أنفـسهم . حيث اجلوهر

ون بالتايل ، برفعة مكانة الغزاة ؛ و من مث تصبح قيم األخريين أحط مكانة ، فإم يعترف و كلما ازداد تعميق الغزو و أصبح مـن مت . النموذج بالنسبة ملن مت غزوهم ] الغزاة[

غزوهم أكثر اغترابا عن روحية ثقافتهم و عن ذام ، كلما ازدادت رغبتـهم يف أن . ثلهم و يتكلمون مثلهم يسريون مثلهم ، يلبسون م: يكونوا مثل الغزاة

Page 172: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

172

جيـري " اجتماعية " أنا"مثل كل " االجتماعية للشخص الذي مت غزوه " أنا"إن الـ تشكيلها يف العالقات االجتماعية و الثقافية للبنية االجتماعيـة ،و بالتـايل تعكـس

ا ملاذ) اليت سبق و وصفناها (و تفسر هذه االزدواجية . ازدواجية الثقافة اليت مت غزوها يقوم األشخاص الذين مت غزوهم و السيطرة عليهم ، يف بعض األوقات من جتربتـهم

املضطهدين جيـب أن " أنا"فـ . املضطهدين " أنت"تقريبا بـ " بااللتزام"الوجودية ، املضطهدين ، و االبتعاد عنها حىت ترى املضطهدين " أنت"تنسلخ عن شبه االلتزام بـ

يستطيع املضطهد أن يعرف نفسه بشكل انتقادي بأنـه يف مبوضوعية أكرب ، عندئذ البنية اليت جيري اضطهاده فيهـا " يعترب"و عندما يفعل ذلك . تناقض مع املضطهدين

و ميكن حتقيق هذا التغيري النوعي يف إدراك العامل فقـط . بأا واقع جيرد من اإلنسانية .من خالل املمارسة

و من . ية ، أداة سيطرة ، و من ناحية أخرى نتاج للسيطرة الغزو الثقايف هو ، من ناح ) مثل األشكال األخرى للعمل املعادي للحوار (مث فإن العمل الثقايف ذا طابع السيطرة

.هو مبعىن آخر، وببساطة، نتاج لواقع قمعي ، باإلضافة إىل كونه متعمدا و خمططا

بالضرورة على مؤسـسات تربيـة و على سبيل املثال ، إن بنية اجتماعية جائرة تؤثر و حتتذي هذه املؤسسات يف عملها بأسلوب البنية . تعليم األطفال يف إطار تلك البنية

ال توجـد ) من رياض األطفال حىت اجلامعات (و تنقل خرافاا ، فالبيوت و املدارس . بشكل جمرد ، بل يف زمان و مكان

و التكنولوجيا ، و إىل حد ما العلـوم الطبيعيـة يزداد استخدام الغزاة للعلوم االجتماعية (1)فال غىن للغزاة عن معرفـة . أيضا لتطوير عملهم وذيبه من أجل حتقيق هذا اهلدف

ماضي و حاضر من يتم غزوهم حىت يتبينوا اخليارات أمام مستقبل من مت غزوهم ، و

Page 173: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

173

.من مث حماولة توجيه تطور املستقبل وفق اخلطوط اليت ختدم مصاحلهم

.و تعمل إىل حد كبري يف إطار هياكل السيطرة كوكاالت إلعداد غزاة املستقبل

و تعكس ، يف العادة ، العالقة بني الوالدين و األطفال يف البيت الظـروف الثقافيـة فإذا كانت الظروف اليت تتغلغل يف البيت هـي . املوضوعية للبنية االجتماعية احمليطة

و مع ) . 1(بعة بالسيطرة ، سيزيد البيت من جو االضطهاد استبدادية و جامدة و مش ازدياد هذه العالقات املتسلطة بني الوالدين و األطفال ، يقـوم األوالد يف طفولتـهم

.باستلهام سلطة الوالدين بشكل متزايد

الظروف ) بوضوحه املعهود (حيلل فروم ، من خالل تقدميه ملوضوع حب املوت و حب احلياة عالقة األطفال بالوالدين يف جـو ( اليت تولد كل حاله ، إن كان يف البيت املوضوعية

إذا مل . ثقـايف -أو يف سياق اجتمـاعي ) عدم مباالة و جور ، أو يف جو حب و حرية يتمكن األطفال الذين يتربون يف جو خال من احلب و جائر و جرى إحباط قدرام ،

، فـإم إمـا أن ينـساقوا يف طريـق خالل شبام من اتباع طريق التمرد الصحيح الالمباالة التامة ، فيغتربون عن الواقع على يد السلطات واخلرافات اليت تـستخدمها

.، أو أم ينغمسون يف أنواع من العمل املدمر " لتشكيلهم"

) كما يف البيـت (و جتري إطالة جو البيت يف املدرسة ، حيث سرعان ما يكتشف الطالب أنه ا شاؤوا أن حيققوا شيئا من الرضى، أن يتكيفوا مـع اإلرشـادات الـيت مت عليهم إذ

. وضعها فوقيا ، وإحدى هذه اإلرشادات هي عدم التفكري

عندما يستلهم هؤالء الشباب سلطة الوالدين من خالل بنية العالقات اجلامـدة الـيت اخلوف من احلريـة بسبب (– بعد أن يصبحوا من املهنيني –تؤكدها املدرسة مييلون

Page 174: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

174

و . إىل تكرار األمناط اجلامدة اليت أسيء تربيتهم مبوجبها ) الذي تزرعه هذه العالقات لعل هذه الظاهرة تفسر ، باإلضافة إىل وضعهم الطبقي ، سبب متسك أعداد كبرية من

إم ). 1(املهنيني بالعمل املعادي للحوار

أن - بغض النظر عن االختصاص الذي جيعلهم حيتكون بالناس -قناعة راسخة تقريبا مقتنعون الناس ما لديهم من معرفة و تكنيـك ؛ فهـم يـرون أنفـسهم " منح"رسالتهم هي

اليت من املمكن أن يوصي ا أي منظر (و تشمل برامج عملهم . عن الناس " مدافعني"إـم ال يـصغون إىل . و اهتمامام اخلاصة أهدافهم وقناعتهم ) جيد للعمل القمعي

التخلص من الكسل الـذي "الشعب ، بل خيططون ، بدال من ذلك ، لتعليمه كيفية النظرة "و يبدو هلؤالء املهنيني أن من السخف التفكري بضرورة احترام " . يولد التخلف

ويعتربون أن من " . املنظرة إىل الع "فاملهنيون هم من ميلك . اليت حيملها الشعب "للعاملالسخف أيضا التأكيد على أنه من الضروري أن يستشري املرء الشعب عنـدما يـنظم

و يشعرون أن جهل الشعب هو جهل مطبق إىل حد أنه .حمتوى برنامج العمل التعليمي ال يصلح ألي

زام لعلها تفسر أيضا لتصرف االشخاص املعادي للحوار ، الذين رغم قناعتـهم بـااللت (1)فمثل هـؤالء . الثوري ، يستمرون يف عدم الثقة بالشعب و خيافون من التالحم معه

يف [السيد " يأوون"األشخاص حيتفظون عن غري وعي باملضطهد يف أنفسهم ؛ وألم .خيافون من احلرية ] داخلهم

.شيء سوى تلقي تعليمات ذوي املهن

يف -ة معينة من جتربتهم الوجوديـة عند مرحل –و لكن عندما يأخذ الذين مت غزوهم

Page 175: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

175

بطريقة أو بأخرى يقـول ) الذي رمبا كانوا قد تكيفوا معه يف السابق (رفض هذا الغزو " أدىن مكانة "ذوو املهن ، يف حماولة لتربير فشلهم ، أن أعضاء اموعة اليت مت غزوها

" .تلطةذوو دماء خم"أو " مرضى"، " عدميو احليلة "، " جاحدون للجميل"ألم

ليس كأيديولوجية " الغزو"الذين يستخدمون (و يكتشف املهنيون ذوو النوايا احلسنة تدرجييا أن من الضروري أن يعزوا بعـض نـواحي ) متعمدة، بل كتعبري عن تربيتهم

، بل إىل عنف عمليـة " بسطاء الناس من الشعب "فشلهم التعليمي، ليس لضعة مكانة يشعرون باحلاجة : ون إىل هذا االكتشاف خيارا صعبا و يواجه الذين يتوصل . غزوهم

إىل نبذ الغزو ، و لكن أمناط السيطرة مستحكمة يف داخلهم إىل حد أن نبذ الغزو قـد فنبذ الغزو سيعين إاء ازدواجية وضعهم كمسيطرين و . يشكل ديدا خطريا هلويتهم

ليت تغذي الغزو ، و البدء و سيعين أيضا التخلي عن مجيع اخلرافات ا . مسيطر عليهم " فوق"هلذا السبب بالذات سيعين ذلك التوقف عن كوم . يف جتسيد العمل احلواري

و هكذا فإن اخلوف ) . كرفاق" (مع"من أجل أن يصبحوا ) كالغرباء" (يف الداخل "أو و خالل هذه العملية املؤملة مييلون بالطبع . من احلرية يستحوذ على هؤالء األشخاص

.ىل تربير خوفهم بسلسلة من أعمال املراوغة إ

إن اخلوف من احلرية ما زال أكرب لدى املهنيني الذين مل يكتشفوا بأنفسهم بعد الطبيعة و غالبا ما يسأل . العدوانية الغازية لعملهم ، و يقال هلم أن عملهم يجرد من اإلنسانية

شكل خاص إبان فك رموز أوضاع املشاركون يف دورات التدريب املنسق حبدة ، و ب و لكن املنسق ال حياول توجيههم " على كل حال إىل أين تفكر أنك تقودنا ؟ :"حمددة

كل ما يف األمر أن املشاركني عند مواجهتهم لوضع ملموس على شكل . إىل أية وجهة هم مشكلة ، يبدأون يف إدراك أنه لو تعمقوا يف حتليلهم للوضع سيضطرون إما إىل ختلص

Page 176: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

176

و ميثل ، يف تلك اللحظة ، ختلصهم مما لديهم . مما حيملون من خرافات أو أن يؤكدوها و من الناحية األخرى ، فإن تأكيد . من خرافات و نبذهم هلا عملية عنف ضد الذات

و بالتايل ، فإن الطريقة الوحيدة . تلك اخلرافات يعين الكشف عن أنفسهم و تعريتها هي أن يعكسوا يف املنسق ممارسـام املألوفـة التقليديـة ) يةاليت تعمل كأداة دفاع ( )1. (التوجيه والغزو و االجتياح:

حيدث التراجع ذاته ، و إن كان بدرجة أقل ، بني أشخاص مـن الـشعب " . اإلحـسان "أقعدهم وضع االضطهاد امللموس و جرى تدجينهم من خالل أعمال

احللقة"حيدثنا أحد املعلمني يف

Extensao ou Comunicacao?" in“: حبـث املؤلـف املعنـون راجع(1)

Introduccion a la Accion Cultural) ، 1969سانتياغو. (

اليت نفذت برناجما تعليميا قيما يف مدينة نيويورك حتت إشراف املنـسق ) 1" (الكاملة مت تقدمي وضع ذي رموز إىل جمموعـة يف أحـد : روبرت فوكس ، عن احلادثة التالية

–أحياء نيويورك الفقرية ، تظهر فيه كومة كبرية من القمامة عند زاوية أحد الشوارع : قال أحد املشاركني على الفـور . الشارع نفسه الذي كانت جتتمع اموعة عنده

وملـاذا لـيس يف "فسأل املعلـم ." إنين أرى شارعا يف إفريقيا أو يف أمريكا الالتينية "." ألنه يف الواليات املتحدة ال ميكن أن حيدث مثل هذا ] "بو جاء اجلوا " [ نيويورك؟

بال شك، فإن هذا الرجل و رفاقه الذين وافقوه كانوا يهربون من واقع كريه بالنـسبة ، تطبع بثقافـة اإلجنـاز "مغترب"فقيام شخص . هلم، إىل حد أن اإلقرار به يهددهم

اتيا يبدو إعاقة إلمكانيات الشخصي و النجاح ، باإلقرار بأن وضعه موضوعيا ليس مو .جناحه

Page 177: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

177

يف احلادثة اليت تكلمنا عنها ، و يف حالة املهنيني ، تبدو قوة الثقافة املقررة اليت تنمـي واضحة يف كلتي احلالتني ، تعيق ثقافة الطبقة .اخلرافات اليت يستلهمها الناس يف النهاية

هنيـون و ال املـشاركون يف فال امل " . كائنات قرارات "املسيطرة تأكيد كون الناس نـشيطني " كفاعلني"املناقشة يف احلي الفقري يف نيويورك، يتكلمون و يعملون ألنفسهم

بـل علـى . فليس منهم من هو منظر للسيطرة أو من دعاا . يف العملية التارخيية هذا هو أحـد أخطـر . العكس ، إم نتاج للسيطرة يصبحون بدورهم ، أسبابا هلا

و تتطلـب هـذه . شاكل اليت يتعني على الثورة مواجهتها عندما تصل إىل السلطة املاملرحلة من القادة أقصى ما ميكن من احلكمة السياسية و القرار و الشجاعة والـذين يتعني عليهم هلذا السبب بالذات التحلي حبكمة كافية ، حـىت ال يقعـوا يف مواقـف

.انعزالية و ال عقالنية

تقـرروا "ني من أي اختصاص ، خرجيي جامعـات أم ال ، هـم أشـخاص إن املهني لو احندروا مـن . (من قبل ثقافة سيطرة كونتهم ككائنات ذات ازدواجية ) 2"(فوقيا

و مع ذلك فهـؤالء .) طبقات أدىن لكان سوء التربية هذا هو ذاته ، إن مل يكن أسوأ حىت –و مبا أن العديد من الشباب . املهنيون ضروريون إلعادة تنظيم اتمع اجلديد

و يعزفون عن املشاركة يف العمل الـذي يـؤدي إىل " الذين خيافون من احلرية "أولئك مضللون أكثر من أي شيء آخر ، فال ميكن فقط استردادهم مـن قبـل –" األنسنة"

.الثورة ، بل جيب أن يتم ذلك

ن مما كان سابقا عمـال ثقافيـا يتطلب استردادهم أن يقوم القادة الثوريون ، منحدري عند هذا احلد تقوم السلطة الثورية بتجاوز دورها " . الثورة الثقافية "حواريا ، بتدشني

كعقبة ضرورية ملواجهة أولئك الذين يرغبون يف إنكار الناس ، و تكتسب موقعا جديدا

Page 178: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

178

و ذا . و جرأة أكثر بدعوة واضحة لكل من يرغب يف املسامهة يف إعادة بناء اتمع استمرارا ضروريا" الثورة الثقافية"املعىن ، تكون

Mary Cole, Summer in the Cityفيما يتعلق بنشاط هذه املؤسسة راجع (1) )1968نيويورك ، (

، الذي خيصص يف كتابه ) 1967باريس ، (Pour Marxراجع لويس التوسر ، (2) ). Surdetermination"(ديالكتيك التقرير الفوقي"فصال كامال ملوضوع

.للعمل الثقايف احلواري الذي جيب أن ينفذ قبل وصول الثورة إىل السلطة

جممل اتمع الذي سيعاد بناؤه ، مبا يف ذلك النشاط اإلنساين ، " الثورة الثقافية "تأخذ فاتمع ال ميكن إعادة بنائه بأسلوب ميكـانيكي ، و . كهدف لعمل إعادة التشكيل

اليت جتري إعادة خلقها ثقافيا من خالل الثورة ، هي األداة اجلوهرية يف إعـادة الثقافة جيب –هي أقصى جهد للنظام الثوري لتحقيق الوعي " الثورة الثقافية "و . البناء هذه

.أن تصل إىل كل فرد بغض النظر عن مهمته

ب الفين بالتايل ، ال ميكن هلذا اجلهد اخلاص بتحقيق الوعي أن يرضى بالتدري فاتمع اجلديد يصبح متميزا نوعيـا . و العلمي ملن يراد هلم أن يصبحوا اختصاصيني

و ال ميكن للمجتمع الثوري أن يسند ) . 1(بأكثر من طريقة جزئية عن اتمع القدمي و بالتـايل ، جيـب أن . للتكنولوجيا األهداف ذاا اليت أسندها إليها اتمع السابق

فالتدريب التكنيكي و العلمـي ال . ألشخاص يف اتمعني خمتلفا أيضا يكون تدريب ا حيتاج أن يكون منافيا للتعليم اإلنساين ، ما دام العلم و التكنولوجيا يف اتمع الثوري

" .األنسنة"يف خدمة التحرر الدائم و

Page 179: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

179

من وجهة ) مبا أن مجيع املهن تقع يف زمان و مكان (يقتضي تدريب األشخاص ألية مهنة حيـة مـن " ببقايا"للثقافة كبنية فوقية ، ميكن هلا أن حتتفظ ) أ: (النظر هذه إىل فهما

للمهنة ذاا كأداة لتحوير ) ب(يف البنية التحتية اليت متر بتحول ثوري و ) 2(املاضي و مع قيام الثورة الثقافية بتعميق الوعي يف املمارسة اخلالقة للمجتمع اجلديد ، . الثقافة

سيبدأ الناس يف إدراك سبب استمرار وجود بقايا اخلرافات العائدة إىل اتمع القدمي يف و عندئذ سيتمكن الناس من حترير أنفسهم بشكل أسرع من هـذه . اجلديد ] اتمع[

األشباح اليت تشكل باستمرار ، بإعاقتها لبناء اتمع اجلديد ، مشكلة جديـة لكـل هذه املرة – القمعي ، من خالل هذه البقايا الثقافية ، يف الغزو و يستمر اتمع . ثورة

. يف غزو اتمع الثوري نفسه

هذا الغزو مريع بشكل خاص ألنه ال يتم على يد النخبة املسيطرة اليت أعيد تنظيمهـا " يأوون"فهم ، كأشخاص . على هذا النحو ، بل على يد أشخاص شاركوا يف الثورة

قاومون، مثل اجلزء اآلخر من أنفسهم ، اخلطوات األساسية األخرى ، ي " املضطهدينبسبب البقايا (و ككائنات ذات ازدواجية يقبلون أيضا . اليت جيب على الثورة اختاذها

و ميكـن تفـسري هـذه . بسلطة تصبح بريوقراطية و تقوم باضطهادهم بعنف ) أيضا" تنشيط عناصر قدمية "إعادة ) "3(ر السلطة البريوقراطية القمعية مبا أطلق عليه ألتوس

.يف اتمع اجلديد يف كل وقت تسمح فيه الظروف اخلاصة

إين أفسر العملية الثورية ، لكل األسباب املذكورة آنفا ، على أا عملية جهد ثقـايف لكن هذه العملية ال حتدث فجأة ، كمـا يفتـرض بـسذاجة املفكـرون (1)حواري

.امليكانيكيون

.، املصدر الذي سبق ذكره ألتوسر (2)

Page 180: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

180

فيلسوف فرنسي ، جدد دراسة املاركـسية و ) : 1990-1918(لويس ألتوسر (3) املترجم –البحث فيها

و يف كلتـا املـرحلتني مـن . عند تويل السلطة " الثورة الثقافية "جتري إطالة أمده يف الله الضروري بذل جهد جدي و معمق لتحقيق الوعي ، الذي سيتمكن الناس من خ

لتبوء مكانـة " األهداف أو املفعول م "و باملمارسة احلقيقية أن يتركوا خلفهم مكانة .التارخييني " الفاعلني"

يف النهاية ، إن الثورة الثقافية تطور ممارسة احلوار الـدائم بـني القـادة و ة و ذه الطريقة تتمكن الثورة بسهول . الشعب ، و تعزز مشاركة الشعب يف السلطة

من الدفاع عن نفـسها - مع استمرار القادة والشعب يف نشاطهم االنتقادي -أكرب " الغـزو "و ضد ) اليت تؤدي إىل أشكال اضطهاد جديدة (ضد االجتاهات البريوقراطية

قد يكون عاملا يف – يف جمتمع بورجوازي أو ثوري –فالغازي ) . الذي هو دائما ذاته ( اقتصاديا أو مهندس صحة عامة ، أو قسا أو كاهنا ، أو الزراعة أو علم االجتماع ، أو

. أو ثوريا –مربيا أو عامال اجتماعيا

يشتمل الغزو الثقايف ، الذي خيدم أهداف الغزو و احلفاظ على االضطهاد ، دائما على نظرة ضيقة إىل الواقع و إدراك ساكن للعامل ، و فرض نظرة أحدهم إىل العامل علـى

مـن مت غـزوهم ، و " احنطاط مكانة "الغزاة و " رفعة مكانة "يعين أيضا و . اآلخرين .كذلك فرض قيم اموعة األوىل اليت متتلك اموعة األخرية و ختشى أن تفقدها

باإلضافة إىل ذلك، يعين الغزو الثقايف أن مركز القرار النهائي فيما يتعلق بعمل أولئك و عندما توجد سلطة القرار خارج . الغزاة الذين مت غزوهم يكمن ليس عندهم بل مع

Page 181: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

181

بأم ] الذين مت غزوهم [الشخص الذي جيب أن يقرر و ليس يف داخله ، يتوهم فقط هلذا ال ميكن أن تتحقق أية تنمية اجتماعية و اقتصادية يف جمتمع مت غـزوه و . يقررون

حركـة حبـث و وجود ) أ: (و ال بد لتحقيق التنمية من " . انفعايل"ذي ازدواجية و أن ال حتدث هذه احلركة يف فضاء فقط ، بل ) ب(إبداع يقع مركز قرارها يف الباحث

.أيضا يف الزمن الوجودي للباحث الواعي

و هكذا ، فإنه يف الوقت الذي تكون كل تنمية فيه هي حتوير ، فليس كل حتوير تنمية و . مو و تترعرع ليس تنمية فالتحوير الذي يطرأ على بذرة تأخذ ظروفا مواتية بالن .

فتحوير البـذور و احليوانـات . بالطريقة ذاا أي تغيري يطرأ على احليوان ليس تنمية تقرره الفصائل اليت ينتمون إليها، و حيدث يف زمن ليس ملكهم ، إذ أن الزمن ملـك

.اإلنسان

و حيـدث .الناس هم الوحيدون من بني الكائنات غري املكتملة ، الذين يتطـورون التارخيية و هلا سريا الذاتية اليت ختطها بنفسها ، يف " ككائنات لذاا ) "تطورهم(حتوهلم

و الناس ، الذين خيـضعون . وقتهم الوجودي اخلاص ،و ليس خارجه على اإلطالق الكائنـات "مـن " كائنات مغتربة آلخرين "لظروف اضطهاد ملموسة يصبحون فيها

و لكوم . عتمدون عليها ، وال يقدرون على التطور تطورا حقيقيا الزائفة اليت ي " لذااقد حرموا من قدرم على اختاذ القرار ، اليت تستقر يف املضطهدين ، فهـم يتبعـون

و يبدأ املضطهدون يف التطور عنـدمايتغلبون علـى . و وصفات املضطهدين " أوامر" " . مكائنات لذا"التناقض الذين هم فيه ، و يصبحون

قادرا علـى " كائن لذاته "إذا اعتربنا أن اتمع كائن، سيكون عندئذ اتمع الذي هو و اليت مت غزوها و تابعة تمع "االنفعالية"أما اتمعات ذات االزدواجية ، و . التطور

Page 182: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

182

إن سلطة اختاذ القـرار الـسياسي و " . مغتربة"متقدم، فإا ال تستطيع التطور ألا و يف . صادي و الثقايف لديها تقع خارج ذاا ، يف اتمع الـذي قـام بغزوهـا االقت

جمرد حتول ؛ ألن حتوهلا : األوىل] اتمعات[التحليل النهائي ، يقرر ذلك اتمع مصري . هو ما خيدم مصلحة اتمع املتقدم – وليس تطورها –

رغم أنه قد يؤثر على –ألول فا. إن من الضروري عدم اخللط بني التحديث و التنمية مسبب "أو " مستورد" أمر –" اتمع الذي يدور يف فلك الغزاة "بعض اموعات يف

. يف غالب األحيان ؛ و اتمع املتقدم هو الذي جيين الفوائد احلقيقية من ذلك " خارجياـ –ارجي و اتمع الذي مت حتديثه فقط دون تنمية سيستمر يف االعتماد على البلد اخل

هذا هو مصري أي جمتمع . حىت و إن حصل على احلد األدىن من سلطات اختاذ القرار .تابع ، ما بقي تابعا

يتعني على املرء كي يقرر إن كان جمتمع ما يتطور أم ال ، أن يتجاوز املعايري اليت تستند ، ) ةتلك اليت جيري التعبري عنها بشكل إحصائيات مضلل " (الفرد"إىل مؤشرات دخل

إن املعيار األول و األساسي هـو هـل . و تلك اليت تركز على دراسة إمجايل الدخل فإن كان ال، ستكون املعايري األخرى مؤشرا على التحديث . أم ال " قائم لذاته "اتمع

. و ليس التنمية

ها و إن التناقض األساسي يف اتمعات ذات االزدواجية هي عالقات التبعية القائمة بين و عندما جتري االستعاضة عن هذا التناقض يـصبح التحـول . بني اتمعات املتقدمة

، اليت عادت بالفائدة بالدرجة األوىل على اتمع املتقدم ، " املساعدة"الذي ينجم عن ".الكائن لذاته"تنمية حقيقية تعود بالفائدة على

Page 183: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

183

صالحية اخلالصة اليت حتاوهلا هـذه هلذه األسباب املذكورة آنفا ، لن تؤدي احللول اإل و إن أخافت و حىت أرعبت بعض هذه اإلصالحات األعضاء األكثر رجعية (اتمعات

فاتمعات املتقدمة تطـرح . إىل حل تناقضاا اخلارجية و الداخلية ) موعات النخبة كوسـيلة على الدوام تقريبا هذه احللول اإلصالحية ردا على مطالب العملية التارخيية

لنقم باإلصالحات قبـل أن "و كأن اتمع املتقدم يقول .جديدة لإلبقاء على هيمنتها و من أجل حتقيق هذا اهلدف، ليس من خيار أمـام اتمـع ." يقوم الشعب بالثورة

ويف بعـض (املتقدم سوى الغزو و التالعب و الغش و الغزو االقتـصادي و الثقـايف غزو يلعب فيه قادة النخب يف اتمعات الواقعة –التابع للمجتمع ) األحيان العسكري

.حتت السيطرة جمرد دور السماسرة لقادة اتمعات املتقدمة

وأود يف ختام هذا التحليل األويل لنظرية العمل املعادي للحوار أن أعيد تأكيد ضرورة اليت يـستخدمها عدم قيام القادة الثوريني باستخدام اإلجراءات املعادية للحوار ذاا

.بل على العكس ، جيب عليهم اتباع طريق احلوار و التواصل . املضطهدون

و قبل االنتقال إىل حتليل نظرية العمل القائم على احلوار ، فإنه من الضروري و بشكل مقتضب مناقشة كيف يتم تشكيل جمموعة القيادة الثورية ، و بعض العواقب التارخيية

تتألف هذه اموعة القيادية يف العادة من أشـخاص . ملية الثورية و االجتماعية للع و عند نقطـة . كانوا ، بطريقة أو بأخرى ، ينتمون إىل شرحية املسيطرين االجتماعية

معينة من جتربتهم الوجودية ، و يف ظل ظروف تارخيية معينة يتخلى هؤالء األشـخاص أو (ملضطهدين يف عملية تضامن حقيقـي عن الطبقة اليت ينتمون إليها و ينضمون إىل ا

و بغض النظر إن كان هذا االلتزام نامجا عن حتليل علمي للواقع أم ) . هكذا يأمل املرء و يتطلـب ) . 1(عملية حب و التزام حقيقـي ) عندما يكون حقيقيا (ال ، فإنه ميثل

Page 184: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

184

أن جيد نفسه فالشعب ال بد . االنضمام إىل املضطهدين التوجه إليهم و التواصل معهم .يف القادة اجلدد، كما أم جيدون أنفسهم يف الشعب

و يعكس القادة اجلدد الذين أخذوا يف الظهور، بالضرورة ، تناقض النخب املـسيطرة الذي نقل إليهم عن طريق املضطهدين ، الذين رمبا مل يدركوا بوضوح بعد، وضـعهم

. ات العداء اليت بينهم و بني املضطهدين املضطهد أو أم مل يعوا بشكل انتقادي عالق و لكن . باملضطهد " التبعية و االلتصاق "و قد يكونون يف وضع سبق و أن وصفناه بـ

من املمكن ، من الناحية األخرى ، أن يكونوا قد وصلوا ، بسبب بعـض الظـروف .التارخيية املوضوعية ، إىل إدراك واضح نسبيا لوضعهم املضطهد

و إن كان التصاقا جزئيـا –ة األوىل ، جتعل تبعية الناس و التصاقهم باملضطهد يف احلال أن حيددوا مكان املضطهد خـارج ) 2) (ولنكرر نقطة فانون ( من املستحيل عليهم –

و يف احلالة الثانية ، يستطيعون حتديد مكان املضطهد و من مث التعرف بشكل . أنفسهم .انتقادي على عالقة العداء جتاهه

املضطهد داخل الناس ، و الغموض الناجم عن ذلك جيعلـهم " يقبع"يف احلالة األوىل إىل تفسريات سحرية أو نظرة زائفة ) بدافع من املضطهد (خيافون من احلرية ، فيلجأون

. عن الرب الذي حييلون إليه بشكل قدري مسؤولية وضع االضطهاد الذي هم فيـه أن و من غري احملتمل للغاية ) 3(

و يقول جريمـان . أشرنا يف الفصل السابق إىل أفكار جيفارا حول هذا املوضوع (1)و يف كل األوقات حافظ على . لقد أعطى كل شيء …"جوزمان عن كاميلو توريس

جريمـان : راجـع ." كقس و كمسيحي وكثوري –موقف التزام حيوي بالشعب

Page 185: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

185

5ص ) 1967 بوجوتا ، (Camilo – El Cura Guerrilleroجوزمان ،

حملل نفساين و كاتب و فيلسوف من مارتينيك ، ): 1961-1925(فرانتز فانون (2)ناصـر .اهتم بشكل خاص بوعي السود و هويتهم ، و قضايا القومية و االسـتعمار

املترجم–الثورة اجلزائرية ضد فرنسا

1966قال يل قس من تشيلي ذو مستوى فكري و أخالقي عال ، زار رسيفي يف (3)عندما ذهبت و زميل لزيارة عدة عائالت تعيش يف بيوت الصفيح يف فقر ال يوصف ، "

ماذا : سألتهم كيف يتحملون العيش على هذا النحو ، فكان اجلواب هو نفسه دائما ."بوسعي عمله ؟ إا مشيئة اهللا ، و علي أن أقبل ا

اليائسون ، إىل حترير يسعى هؤالء األشخاص الذين ال يثقون بأنفسهم ، املسحوقون و عملية مترد قد ينظرون إليها على أا خرق ملشيئة اهللا و عـصيان هلـا ، و –أنفسهم

لذا كان التأكيد الدائم على ضرورة طرح اخلرافات ، . (مواجهة ال مربر هلا مع القدر ل و يف احلالة الثانية ، عندما يـص ) اليت يغذيها املضطهدون للناس ، على هيئة مشاكل

الناس إىل صورة واضحة نسبيا لالضطهاد الذي يؤدي م إىل حتديد املضطهد خـارج يف هذه اللحظة يتغلبون . أنفسهم ، يقومون بالنضال للتغلب على التناقض الواقعني فيه

)1" .(الوعي الطبقي"و " الضرورة الطبقية"على املسافة بني

حلظ و بشكل غـري طـوعي ، نقيـضا يف احلالة األوىل يصبح القادة الثوريون لسوء ا ويف احلالة الثانية ، حيظى القادة اجلدد على تأييد متعاطف و فوري تقريبـا . للشعب

و يتوجـه القـادة إىل . من الشعب ، مييل إىل االزدياد خالل عملية النشاط الثوري الشعب بأسلوب حواري تلقائي ، و على الفور تقريبا يتم تبـادل األحاسـيس بـني

Page 186: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

186

يتم إبرام التزام مشترك بينهم على الفـور ، و يعتـربون : ب و القادة الثوريني الشعو تصبح ، منذ تلك . النقيض املشترك للنخب املسيطرة – يف زمالتهم هذه –أنفسهم

اللحظة فصاعدا ، ممارسة احلوار اليت أرسيت بني الشعب و القادة راسخة ال تتزعزع ما يتم الوصول إىل السلطة ، و سيعرف الـشعب وسيستمر ذلك احلوار عند . تقريبا

. أنه وصل إىل السلطة

ال تقلل هذه الشراكة ، بأي حال من األحوال من روح النضال و الشجاعة و القدرة لقد قرن فيديل كاسترو و رفاقـه . على احملبة ، أو اجلرأة املطلوبة من القادة الثوريني

، و هم جمموعة ") مغامرين و غري مسؤولني " الوقت الذين اعتربهم الكثريون يف ذلك (قيادية حوارية بارزة ، بالشعب الذي كان يعاين من العنـف الوحـشي لديكتاتوريـة

مل يكن هذا االلتزام سهال ، بل اقتضى شجاعة من القادة لإلقدام على حـب . باتيستا صميما شـجاعا وتطلب ت . الشعب مبا فيه الكفاية حبيث يضحون بأنفسهم من أجله

يدفعهم إىل البدء من جديد بعد كل كارثة حتل م ، حيدوهم أمل مفعـم بالثقـة يف ، يكون ملكا ليس للقادة وحدهم ، بل للقادة ) لكوم متحدين مع الشعب (املستقبل

. أو للشعب مبا يف ذلك القادة –و الشعب

نتيجة لتجربته التارخيية ، قام فيديل تدرجييا باستقطاب الشعب الكويب ، الذي كان ، عن املضطهد اىل وصول " التراجع"و أدى هذا . قد بدأ يف كسر التزامه باملضطهدين

و هكذا ، مل حيدث على . األخري، و إىل رؤية نفسه كنقيض له " موضعة"الشعب إىل كان التخلي عن الثورة و اخليانـات . (اإلطالق أن دخل فيديل يف تناقض مع الشعب

Relato de la" (أحداث من احلرب الثورية"لعرضية اليت سجلها جيفارا يف كتابه ا

Guerra Revolucionaria (– أمرا – الذي أشار فيه أيضا إىل العديد ممن التزموا

Page 187: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

187

.)متوقعا

إما – بسبب ظروف تارخيية معينة –و هكذا ، يكون توجه القادة الثوريني إىل الشعب

.شيء آخر " الوعي الطبقي"شيء ، و " الضرورة الطبقية"(1)

حىت يستطيع القادة و الشعب أن يشكلوا جسما واحدا يف تنـاقض مـع -أفقيا أو على شكل مثلث ، حيتل فيه القادة موقع رأس املثلث ، يف تناقض مـع –املضطهد

وكما سبق و رأينا ، يفرض هـذا الوضـع علـى . املضطهدين و املضطهدين أيضا .ندما ال يكون الشعب قد حقق إدراكا انتقاديا للواقع اإلضطهادي الشعب ع

إال أنه ال ميكن موعة قيادية ثورية أن تتصور على اإلطالق أا تشكل تناقـضا مـع فمثل هذا التصور أو اإلدراك ، مؤمل يف الواقع ، و قد ختدم املقاومة يف مثل . الشعب

ة املطاف ، ليس من السهل على الزعماء الـذين و يف اي . هذه احلاله كأداة دفاعية . برزوا من خالل االلتزام باملضطهدين أن يدركوا أم يف تناقض مع من التزموا ـم

من املهم إدراك هذا اإلحجام عند حتليل بعض أشكال سلوك القادة الثـوريني الـذين .مع الشعب ) رغم أنه غري عدائي(يصبحون ال إراديا يف تناقض

. اج القادة الثوريون ، بال شك ، من أجل القيام بالثورة إىل التزام الشعب و تالمحه حيتفعندما يسعى قادة ، يشكلون تناقضا مع الشعب ، إىل هـذا االلتـزام و الـتالحم و يالقون شيئا من التعايل و عدم الثقة ، يعتربون ذلك يف الغالب على أنه مؤشـر علـى

ون حلظة تارخيية معينة من وعي الشعب على أـا ويفسر. وجود قصور يف الشعب و مبا أن القادة يف حاجة إىل التزام الشعب حىت ميكـن .مؤشر على وجود قصور لديه

يستهويهم ) و لكنهم يف الوقت ذاته ال يثقون يف الشعب الذي ال يثق م (حتقيق الثورة

Page 188: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

188

ـ و يقـول . طهاد استخدام اإلجراءات نفسها اليت تستخدمها النخب املسيطرة لالضالقادة يف تسويغهم الفتقارهم إىل الثقة بالشعب إن من املستحيل التحاور مع الـشعب

و حيـاولون بعـد . قبل تويل السلطة ، و بذلك خيتارون نظرية العمل املعادي للحوار يـصبحون مخلـصني ؛ و : غزو الـشعب - مثلهم مثل النخب املسيطرة –ذلك

و بتقدمهم يف هذه الـدروب ، . غش و يقومون بغزو ثقايف يستخدمون التالعب و ال .دروب االضطهاد ، لن حيققوا الثورة ، و إذا حققوها لن تكون ثورة حقيقية

حتت أية ظروف ، و بشكل خاص يف الظروف الـيت حتـدثنا (إن دور القيادة الثورية إىل اختـاذ هو التفكري جبد ، حىت و هي تعمل ، باألسباب اليت تدعو الـشعب ) عنها

موقف عدم الثقة ، و البحث عن طرق حقيقية للتالحم معه ، طرق ملساعدة الـشعب .على مساعدة نفسه كي يدرك بشكل انتقادي الواقع الذي يضطهده

إن الوعي اخلاضع للسيطرة هو وعي ذو ازدواجية و غامض و مفعم باخلوف و عدم ل يف بوليفيا ، عدة مرات إىل االفتقار يشري جيفارا يف مذكراته حول النضا ) 1. (الثقة

إىل مشاركة الفالحني،

The Application of Humanist“: راجع بشأن هذه النقطة إريك فـروم (1)Psychoanalysis to Marxist Theory," in Socialist Humanism (New York, 1966); and Reuben Osborn, Marxism and

Psychoanalysis (London, 1965 .(

ال توجد أية تعبئة للفالحني ، باستثناء املهام املعلوماتية اليت تثري استياءنا نوعا : "يقول ليسوا سريعني و ليس لديهم كفاءة كبرية ، و ميكن حتييـدهم ] الفالحون[إم . ما افتقار تام لدمج الفالحني ، على الرغم من أم أخذوا يتخلون عن خوفهم منـا و …

Page 189: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

189

) 1." (إا مهمة بطيئة و تتطلب صربا. إعجام أخذنا نكسب

يفسر استلهام وعي الفالحني اخلاضع لسيطرة املضطهدين خوف الفالحـني و عـدم .كفاءم

و ال بد لسلوك املضطهدين و ردود افعاهلم ، اليت تؤدي باملضطهدين إىل ممارسة الغزو ألمر الذي مييز القادة الثوريني عن فا. الثقايف ، أن تثري لدى الثوري نظرية عمل خمتلفة

فإذا تصرفوا بالطريقـة . النخب املسيطرة ليس فقط أهدافهم، بل مناهج عملهم أيضا إن قيام النخب املسيطرة بطـرح . ستتطابق األهداف ] اليت تتصرف ا النخب [ذاا

ض القادة العالقات بني الناس و العامل كمشاكل سيتناقض بالنسبة هلا مع ذاا مثل تناق .الثوريني مع ذام لو مل يطرحوا األمر كمشاكل

.و دعونا اآلن حنلل نظرية العمل الثقايف احلواري و حناول فهم عناصره املكونة

التعاون

" فاعل"على ) كسمته املميزة األساسية (يف نظرية العمل املعادي للحوار " الغزو"حيتوي أما يف نظرية العمل احلواري ، فيتالقـى " . شيء"يقوم بغزو شخص آخر و حيوله إىل

املسيطرة املعادية للحـوار " أنا"تقوم الـ . يف تعاون من أجل حتوير العامل " الفاعلون"و لكـن ) . 2" (شيء"اليت مت غزوها والسيطرة عليها إىل جمرد " أنت"بتحويل الـ

ـ احلوارية تعرف أن السبب الذي استدعى وجودها هو بالتحد " أنا"الـ " أنـت "يد الاليت تقتضي وجودها تـشكل بـدورها " أنت"و تعرف أيضا أن الـ ") . الالأنا"أي (ـ .بالنسبة هلا " أنت"اليت هي " أنا"، ـ " أنا"و هكذا يصبح ال يف جدلية هـذه " أنت"و ال

" .أنا"، اللتني تصبحان أيضا اثنتني من الـ " أنت"العالقات ، اثنتني من الـ

Page 190: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

190

" مفعـول بـه "يسيطر حبكم الغزو ، و " فاعل"احلواري على ال حتتوي نظرية العمل العـامل مـن " تسمية"يلتقون لـ " فاعلون"بل يوجد بدال من ذلك . خاضع للسيطرة

و إذا عجز املضطهدون يف حلظة تارخييـة معينـة ، ألسـباب سـبق و . أجل حتويره حبد ذاتـه ، سيساعدهم طرح اضطهادهم " فاعلني"وصفناها، عن القيام مبهمتهم كـ

.على حتقيق هذه املهمة ) األمر الذي يتطلب دائما نوعا من العمل(كمشكلة

بل يعين فقط أن .مما يعين املذكور آنفا أنه ال يوجد يف املهمة احلوارية دور لقيادة ثورية القادة،

The Secret Papers of a Revolutionary: The Diaryتشي جيفارا ، (1)

of Che Guevara (The Ramparts Edition, 1968( ، 106-105، ص ، 120

) 1958نيويورك ، (I and Thouراجع مارتن بوبر (2)

رغم دورهم اهلام و األساسي و الذي ال غىن عنه، ال ميلكون الشعب ، و لـيس هلـم فخالص من هذا القبيل سـيكون جمـرد . احلق يف توجيهه بشكل أعمى إىل خالصه

فصما لعرى احلوار بينهم و اختزاال للشعب من محـدث –شعب هدية من القادة لل .هلذا العمل " مفعول به"مشارك يف العمل التحرري إىل هدف أو

الذين " (الفاعلني" الذي جيري فقط بني –إن التعاون ، بصفته مسة مميزة للعمل احلواري ميكـن أن ) لفـة مع ذلك ، قد يكون هلم مستويات عمل ، و بالتايل ، مسؤوليات خمت

و احلوار بوصفه تواصال أساسيا ، جيب أن يكـون . يتحقق فقط من خالل التواصل ففي نظرية العمل احلواري ال يوجد مكان لغزو الـشعب باسـم . أساس أي تعاون

Page 191: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

191

و احلـوار ال يفـرض ، و ال . القضية الثورية ، بل هنالك مكان فقط لكسب التزامه جدو لكن هذا ال يعـين " . إلقاء الشعارات "ن و ال يعمد إىل يتالعب و يغش ، و ال ي

أن نظرية العمل احلواري ال تؤدي إىل أي مكان ، كما أنه ال يعين أن الشخص احملاور .ال ميلك فكرة واضحة عما يريد ، أو األهداف امللتزم ا

و ال ميكـن . ة التزام القادة الثوريني باملضطهدين هو ، يف الوقت ذاته ، التزام باحلري للقادة ، بسبب هذا االلتزام ، حماولة غزو املضطهدين ، بل جيب أن حيـصلوا علـى

و االلتزام الذي يتم غزوه ليس التزاما ، بل هو قيـام . التزامهم بالتحرر و اتباعهم له أما االلتزام احلقيقي فهو . الغازي الذي حيدد اخليارات املفتوحة لألول " باتباع"املقهور

ال ميكن أن حيدث مبعزل عن التواصل بني الناس مـع توسـط . تطابق حر للخيارات .الواقع

املتحاورين إىل تركيز اهتمامهم على الواقـع " بالفاعلني"و هكذا ، فإن التعاون يؤدي و الرد على ذلـك . يتحداهم – عند طرحه كمشكلة –الذي يتوسط بينهم و الذي

دعـوين . اورين املنصب على الواقع من أجل تغـيريه التحدي هو عمل الفاعلني املتح أعود و أؤكد أن طرح الواقع كمشكلة ال يعين إلقاء الشعارات ، بل يعـين حتليـل

.نقدي لواقع يشكل مشكلة

وخالفا ملمارسات إضفاء اخلرافات اليت تلجأ إليها النخب املسيطرة ، تتطلب النظريـة لكن ال يستطيع أي شخص الكشف لـشخص و. احلوارية أن يتم الكشف عن العامل

قد يبادر إىل الكشف نيابة عن آخـرين ، " فاعال"فعلى الرغم من أن . آخر عن العامل و يصبح التـزام . يف هذه العملية " فاعلني"إال أنه يتوجب على اآلخرين أن يصبحوا

.الشعب ممكنا من خالل الكشف عن العامل و عن أنفسهم يف ممارسة حقيقية

Page 192: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

192

يلتقي هذا الكشف مع بدء الشعب يف الثقة بنفسه و يف القادة الثوريني ، مع إدراكه و .و تعكس ثقة الشعب يف القادة ثقة القادة يف الشعب . إلخالص القادة و مصداقيتهم

جيب أن يؤمن القادة بالطاقـات الكامنـة . و لكن جيب أال تكون هذه الثقة ساذجة و جيـب أن . مل معه على أنه جمرد أهداف لعملهم للشعب الذي ال يستطيعون التعا

و لكن جيب عليهم . يؤمنوا بأن الشعب قادر على املشاركة يف العمل من أجل التحرر " القابع"دائما أال يثقوا يف غموض األشخاص املضطهدين ، و أن ال يثقوا يف املضطهد

لى أن يكونوا دائما عدميي و بالتايل ، فإن جيفارا عندما حيث الثوريني ع . يف نفوسهم .إمنا هو جمرد واقعي . ، ال يتجاهل الشرط األساسي لنظرية العمل احلواري) 1(الثقة

فهي . على الرغم من أن الثقة أمر أساسي للحوار ، إال أا ليست شرطا مسبقا لذلك يف شجب العامل كجزء " فاعلني مشاركني "تنجم عن التالقي الذي يكون فيه األشخاص

املضطهدين أقوى منهم " داخل"يف " القابع"و لكن ما دام املضطهد . من عملية تغيريه ، فإن خوفهم الطبيعي من احلرية قد يقودهم إىل شجب القادة الثوريني بدال من شجب

ليس بوسع القادة أن يكونوا سذجا ، بل جيب عليهم أن يكونوا يقظني هلـذه ! العامل على وجود مثل هذه " أحداث من احلرب الثورية "جيفارا يؤكد كتاب . االحتماالت

فجيفارا . ليس فقط التخلي عن القضية و اهلروب منها ، بل و حىت خيانتها : األخطار، مع اعترافه بضرورة معاقبة من يهربون من أجل احلفاظ علـى تالحـم اموعـة

أحد هذه العوامل ، و. وانضباطها ، يقر أيضا بوجود بعض العوامل اليت تفسر اهلروب .و لعله أمهها ، هو غموض من يهرب

ليس فقط كمقاتـل ، بـل (و جزء آخر من وثيقة جيفارا ،الذي يتحدث عن وجوده السريا مايسترا ، وله عالقة حبديثنا عـن ] جبال[يف جمتمع فالحني يف ) أيضا كطبيب

Page 193: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

193

ء الناس و مشاكلهم نتيجة لالتصال اليومي مع هؤال : "يقول. التعاون ، يلفت االنتباه و أصـبحت فكـرة . أصبحنا على قناعة راسخة باحلاجة إىل تغيري تام يف حياة شعبنا

و مل يعد التالحم مع الشعب جمرد نظرية بل أصبح . اإلصالح الزراعي واضحة للغاية " .جزءا ال يتجزأ من نفوسنا

يـستطيع أحـد أن ال . أخذ املقاتلون و الفالحون يف االنصهار يف كتلة صلبة واحدة حيدد مىت أصبحت األفكار ، يف هذه العملية الطويلة ، حقيقة ، و مىت أصـبحنا حنـن

] مايسترا[أما يف ما يتعلق يب ، فإن االحتكاك مبرضاي يف السريا . جزءا من الفالحني . قد حول قرارا تلقائيا و شاعريا نوعا ما إىل قوة أكثر رصانة ، ذات قيمة خمتلفة كلية

الفقراء ، املخلصني والذين يعانون ال يـستطيعون حـىت ] مايسترا[سكان السريا إن )2." (تصور املسامهة الكربى اليت قدموها لصهر أيديولوجيتنا الثورية وتدعيمها

قرار تلقائي و شاعري نوعا "إنتبهوا إىل تأكيد جيفارا أن التالحم كان حامسا يف حتويل ما

ال تثق خبيالك ، و ال تثق أبدا بالفالحني الودودين و املخربين و يف البداية :ال تثق "(1)ال تثق بشيء أو أحد حىت يتم حتريـر منطقـة .األدالء أو األشخاص املعينني لالتصال

نيويورك ، (Episodes of the Revolutionary Warتشي جيفارا ." كلية 102ص ) 1968

) د لناالتأكيد عائ (57-56املصدر ذاته ص (2)

هنالك ، إذا ، أصبحت ممارسة جيفارا " . إىل قوة أكثر رصانة ، ذات قيمة خمتلفة كليا و لكن ما مل يقله جيفـارا ، و لعلـه . الثورية ائية وأكيدة يف حواره مع الفالحني

Page 194: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

194

ب بدافع التواضع ، هو أن تواضعه و مقدرته على احلب مها ما جعل تالمحه مع الـشع و انتبـهوا إىل أن . ممكنا ، و أصبح هذا التالحم احلواري ، الذي ال شك فيه ، تعاونا

الذي مل يصعد إىل السريا مايسترا مع فيديل و رفاقه ألنه شاب حمبط يبحـث (جيفارا تالمحه مع الشعب مل يعد جمرد شيئ نظري ، بل أصبح جـزءا ال "يقر بأن ) عن مغامرة

" صـناع "كد كيف أنه منذ حلظة التالحم أصبح الفالحون و يؤ ]" . من نفسه [يتجزأ .للمقاتلني الذين معه " األيديولوجية الثورية"

و يكشف أسلوب جيفارا اخلاص يف سرد جتاربـه و رفاقـه و وصـفه الحتكـاكهم بلغة تكاد أن تكون إجنيلية ، يكشف عن القدرة العميقة " الفقراء املخلصني "بالفالحني

و من مث تربز قوة إميانه بعمل شخص . لرائع على احلب و التواصل لدى هذا الرجل ا " .القس ، رجل حرب العصابات"كاميلو توريس ، : آخر يتحلى باحلب

لوال التالحم الذي يولد تعاونا حقيقيا ، لكان الشعب الكويب جمرد أهداف للنـشاط بوصفهم " التزامهم"الثوري للرجال الذين صعدوا إىل السريا مايسترا ، ، و الستحال

، و لكن كعنصر من عناصر " التزام"أقصى ما كان سيتم هو احتمال حدوث . أهدافا .السيطرة و ليست الثورة

يف النظرية احلوارية ، ال ميكن أن يستغين النشاط الثوري ، يف أية مرحلة من املراحل ، ي وصفه جيفارا ، و يستدعي التالحم بدوره تعاونا ، كالذ . عن التالحم مع الشعب

و ميكن هلذا االنصهار أن يوجد فقط إذا . ويؤدي بالقادة و الشعب إىل االنصهار سوية .كان العمل الثوري إنسانيا حقا، و حامسا و فيه تواصل و تواضع ، حبيث يكون حترريا

و قد تضطر من أجل أن ختلق احلياة ، إىل منع . إن الثورة مفعمة باحلب و ختلق احلياة

Page 195: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

195

فباإلضـافة إىل دورة احليـاة و املـوت . األشخاص من االلتفاف على احلياة بعضاحلياة اليت حترم من كماهلا : غري طبيعي " موت حي "األساسية يف الطبيعة ، هنالك أيضا

) .1(

واألمريكيني (ليست مثة ضرورة لالستشهاد هنا باإلحصائيات إلظهار عدد الربازيليني آدميني ، رجال و نساء و أطفـال " أشباح"، " جثث حية "هم الذين ) الالتينيني عموما

، يلتهم الـسل و البلهارسـيا و إسـهال ) 2" (حرب غري مرئية "يائسني هم ضحايا غالبية هذه األمراض هـي يف (أمراض الفقر املتعددة … األطفال ما تبقى من حيام

") .أمراض استوائية"قاموس املضطهدين

، يف الفكـر " موت اهللا"اعات اإلنسان ضد موته ، يف أعقاب راجع فيما يتعلق بدف (1) )1968باريس ، ) Pour L’Hommeالراهن ، مايكل دوفرين ،

أنفسهم أو أفرادا من عائالم فيتحولون إىل عبيـد ] الفالحني[يبيع العديد من "(2)حنو مخـسني ’ بيلو هوريزنت ’اكتشفت إحدى الصحف و تدعي ] . اجلوع[هربا من =مت بيعهم مقابل مليون و (حية من هذا القبيل ألف ض

:علق األب شينو بالتايل على ردود الفعل احملتملة على حاالت متطرفة كاملذكورة آنفا

، و كذلك األشـخاص ] الكنسي[إن العديد من القساوسة الذين حضروا الس "تياجات و معاناة العاديون العارفون باألمور ، خيشون من أن نقوم ببساطة يف مواجهة اح

العامل ، بتبين احتجاج عاطفي حيبذ إجياد أعذار ملظاهر الفقر و الظلم و عوارضهما دون القيام بتحليل ألسباب الظلم و دون شجب النظام الذي يشمل هذا الظلم و يولد هذا

)1." (الفقر

Page 196: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

196

نظرية الوحدة من أجل التحرر يف الوقت الذي يضطر فيه املسيطرون بالضرورة ، وفق العمل املعادي للحوار ، إىل شق صفوف املضطهدين حىت يسهل اإلبقاء على وضـع االضطهاد ، يتعني على القادة يف النظرية احلوارية تكريس أنفسهم إىل القيام جبهـد ال

كـي حيققـوا – و وحدة القادة مع املضطهدين –يكل من أجل توحيد املضطهدين . التحرير

) مثلها مثل الفئات األخرى (كمن يف أن هذه الفئة من العمل احلواري إال أن الصعوبة ت أو علـى األقـل (إن ممارسة االضطهاد سهلة . ال ميكن أن حتدث مبعزل عن املمارسة

بالنسبة للنخب املسيطرة ، و لكن ليس من السهل على القادة الثوريني ) ليست صعبة أن تعتمد على استخدام أدوات السلطة فبوسع اموعة األوىل . القيام مبمارسة حتررية

اموعـة األوىل . ، و لكن بالنسبة للمجموعة الثانية فإن السلطة موجهـة ضـدها تستطيع تنظيم نفسها حبرية ، رغم أا قد متر بانقسامات عرضية ومؤقتة ، تعود بعدها

وعة الثانيـة و لكن ام. إىل االحتاد بسرعة يف وجه أي خطر يهدد مصاحلها اجلوهرية ال تستطيع العيش من غري الشعب ، و هذا الشرط حبد ذاته يـشكل أول عقبـة يف

.جهودها من أجل التنظيم

فالوحدة . يف الواقع إن مساح النخب املسيطرة للقادة الثوريني بالتنظيم أمر غري معقول . لشعب تستدعي تقسيم ا– اليت تعزز سلطتها و تنظمها –الداخلية للنخب املسيطرة

أمـا . وحدة القادة الثوريني توجد فقط يف وحدة الشعب نفسه و من مث وحدته معهم وحدة النخب فهي مستمدة من العداء للشعب ، بينما وحدة اموعة القيادية الثورية

الذي يؤدي –و وضع االضطهاد امللموس ). املوحد(مستمدة من التالحم مع الشعب لعائدة إىل املضطهد وجتعل منه ا" أنا"إىل ازدواجية الـ

Page 197: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

197

و قام أحد الصحفيني إلثبات ذلك بشراء رجل و زوجتـه ) . مخسمائة ألف دوالر ==لقد رأيت العديد من الناس الطيبني يتضورون جوعا "و قال العبد . مببلغ ثالثني دوالرا

سان باولو و عندما مت إلقاء القبض على أحد جتار الرقيق يف." ، هلذا مل أمانع يف أن أباع اعترف بأن له صالت مع مزارعني و مزارع قهوة و مشاريع بناء يف سـان 1959يف

باستثناء الفتيات املراهقات الاليت يـتم بـيعهن إىل بيـوت –باولو لتصريف بضاعته )1963نيويورك ، (The Great Fearجون جرياسي :"راجع . الدعارة

كمـا ورد يف Temoignage Chretien, April 1964شينو ، . د . راجع م (2) =كتاب أندريه موين

يسهل عملية التقسيم اليت يقوم ـا –غامضا غري مستقر عاطفيا و خياف من احلرية . املسيطر بإعاقة العمل التوحيدي الذي ال غىن عنه للتحرير

تقسيم باإلضافة إىل ذلك فإن السيطرة حبد ذاا عمل يؤدي موضوعيا إىل التجزئة و ال بالواقع الذي يبدو قويـا و " التصاق"العائدة للمضطهد يف حالة " أنا"فهي تبقي الـ .

. بتقدمي قوى غامضة لتفسري تلك الـسلطة " االغتراب"طاغيا للغاية ، مث حتمله على يقع يف الواقع الذي يلتصق به ، و جزء أخر يقع خارج ذاته ، " أنا"يوجد جزء من الـ

و هـو . اليت يعتربها مسؤولة عن واقع ال يستطيع فعل شيء حياله يف القوة الغامضة إنه شخص ال يفهـم نفـسه . مشتت بني ماض و حاضر متشاني و مستقبل بال أمل

و بالتايل ، ليس من املمكن أن يكون له مـستقبل يـبىن . على أنه يف طور أن يكون الواقع الذي يأخذ يف " ميوضع"و " التصاقه"و لكن عندما ينهي . بالوحدة مع اآلخرين

) الواقـع (يف مواجهة مفعول به ") أنا"الـ ("الظهور منه ، يبدأ يف دمج نفسه كفاعل و يصبح يف هذه اللحظة ، بعد أن يطرح جانبا الوحدة الزائفة لذاته ازأة ، شخـصا .

Page 198: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

198

. حقيقيا

طهدين إن أيديولوجية االضطهاد أمر ضروري ال غىن عنه من أجل شق صفوف املـض و باملقابل ، يتطلب حتقيق وحدم شكال من أشـكال العمـل الثقـايف . وتقسيمهم

اخلاصتني بالتصاقهم بالواقع " كيف"و الـ " ملاذا"يتوصلون من خالله إىل معرفة الـ و بالتايل فإن اجلهد الذي يبذل لتوحيد . يتطلب التخلي عن الدعوة لأليديولوجية –

فـإطالق مثـل هـذه [أيديولوجية ، " إطالق شعارات "لب جمرد املضطهدين ال يتط يقوم أيضا ، من خالل تشويه العالقة احلقيقية بـني الفاعـل و الواقـع ] الشعارات

للشخصية اإلمجاليـة " النشطة"و " االنفعالية"و " املدركة"املوضوعي ، بفصل اجلوانب . غري القابلة للتجزئة

املضطهدين من واقـع خـرايف " إخراج" هو ليس إن هدف العمل احلواري التحرري بل على العكس ، هدف العمل احلـواري هـو متكـني .بواقع آخر " ربطهم"دف

. املضطهدين ، حبفاظهم على التصاقهم ، من اختيار تغيري عامل ظامل

و مبا أن وحدة املضطهدين تشتمل على تضامن فيما بينهم ، بغض النظر عن مركزهم إال أن االنغماس يف الواقع ، . تطلب هذه الوحدة بدون أدىن شك وعيا طبقيا احملدد، ت

األمر الذي مييز الفالحني يف أمريكا الالتينية ، يعين أن إدراكهـم لوضـعهم كطبقـة التوصل إىل إدراك أم مـضطهدون ) أو على األقل يرافقه (مضطهدة جيب أن يسبقه

).1(كأفراد

=Christianos y Marxistas del Concilio ( ، ص ) 1965بيونس أيريس ،167

Page 199: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

199

يتطلب توصل املرء إىل وعي انتقادي ملكانته كشخص مضطهد إقرار انتقادي بـأن (1)فهم جلوهر "هلذا السبب بالتحديد ، يتطلب األمر التوصل إىل . واقعه هو واقع قمعي

نه أيضا دون شـك و عامل القوة األول ، أل "، الذي هو ، بالنسبة للوكاش " اتمع Histoire etجـورج لوكـاش ، : راجـع ." ببساطة األداة اخلالصة للـشقاق

Conscience de Classe) ، 93ص ) 1960باريس

و لكن . قد يبدو له أمرا غريبا " شخص"إن اقتراحا على فالح أورويب ،كمشكله أنه املهم يف العادة عند حدود هذا ال ينطبق على الفالحني يف أمريكا الالتينية الذين ينتهي ع

، و تقلد حركام إىل حد ما حركات احليوانـات و ] اليت يعملون فيها [اإلقطاعيات .األشجار و غالبا ما يعتربون أم متساوون مع احليوانات

إن األشخاص املرتبطني بالطبيعة ، و ذه الطريقة باملضطهدين ال بد أن يتوصـلوا إىل و يعـين اكتـشافهم " . أن يكونـوا "م على أم أشخاص منعوا من النظر إىل أنفسه

ويعين هـذا . ألنفسهم ، بالدرجة األوىل اكتشافهم بأم بيدرو و أنطونيو أو جوزيفا " الثقافة"، " الرجال"، " العامل"تعود كلمات : االكتشاف إدراكا خمتلفا ملعىن املسميات

و يرى الفالحـون . تسب أمهيتها احلقيقية و تك " احليوان"، و " العمل"، " الشجرة"، مـن خـالل ) يف السابق كانوا كيانا غامضا (اآلن أنفسهم بأم الذين يغيرون الواقع

أشخاص ، ال يـستطيعون بعـد االسـتمرار يف :و يكتشفون أم . عملهم اخلالق اد و يستطيعون االنتقال من الوعي بأنفسهم كأفر . ميلكها آخرون " كأشياء"وضعهم

.مضطهدين إىل الوعي بأم طبقة مضطهدة

و " شعارات"تعتمد على " تنشيطية"إن أية حماولة لتوحيد الفالحني قائمة على أساليب ال تعاجل هذه اجلوانب اجلوهرية، ستنتج حماذاة لألشخاص بعضهم ببعض ، و إضـفاء

Page 200: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

200

اإلنساين ، و وحدة املضطهدين تتم على املستوى . طابع ميكانيكي حبت على عملهم تتم يف واقع جيري فهمه بشكل صحيح فقط يف جدلية بني . ليس على مستوى األشياء

.البنية التحتية و الفوقية

يتعني على املضطهدين كي يتحدوا ، أوال أن يقطعوا احلبل السري للسحر و اخلرافة ب أن تكون فالوحدة اليت تربطهم ببعضهم البعض جي . الذي يربطهم إىل عامل االضطهاد

.ذات طبيعة خمتلفة

و ال بد للعملية الثورية أن تكون عمال ثقافيا من البداية حىت حتقق هذه الوحدة اليت ال وستعتمد األساليب املستخدمة لتحقيق وحدة املضطهدين على جتربتـهم . غىن عنها

.التارخيية و الوجودية يف إطار بنية اجتماعية

أمـا . ، حيث مركز قرار قمعي متماسـك واحـد "غلقم"يعيش الفالحون يف واقع املضطهدون احلضريون فيعيشون يف سياق متسع حيث مركز القيادة القمعي متعدد و

الفالحون يعيشون حتت سيطرة شخصية مهيمنة جتسد النظام القمعي ، بينما يف . معقد و يف كلـيت " . اضطهاد شخصية غري حمددة "املناطق احلضرية خيضع املضطهدون إىل

يف املناطق الريفية بسبب قرا من : إىل حد ما " غري مرئية "احلالتني تكون القوة القمعية .املضطهدين ، و يف املدن بسبب تشتتها

أن : و مع ذلك فإن أشكال العمل الثقايف يف مثل هذه األوضاع الصعبة هلا اهلدف ذاته . ربطهم باملضطهدين ، مرئيا كان أم ال توضح للمضطهدين الوضع املوضوعي الذي ي

اليت ال طائل منـها مـن " الثرثرة"فأشكال العمل اليت تتفادى جمرد إلقاء اخلطب و ناحية ، و النشاط امليكانيكي ، من الناحية األخرى ، هي فقط ميكنها أيضا أن تعارض

Page 201: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

201

.العمل اإلنشقاقي للنخب املسيطرة و التقدم حنو وحدة املضطهدين

ال غىن عن التالعب و الغش بالنسبة لنظرية العمل املعادي للحوار من أجـل لتنظيماو يف نظرية العمل احلواري ميثل تنظيم الشعب النقيض العدائي هلذا . الغش و السيطرة

و التنظيم ليس مرتبطا فقط بشكل مباشر بالوحدة ، بل إنه تطور طبيعـي . التالعب ن سعي القادة للوحدة هو بالـضرورة حماولـة لتنظـيم و بالتايل ، فإ . لتلك الوحدة

هـذه . الشعب ، و شاهد على حقيقة أن النضال من أجل التحرر هو مهمة مشتركة املستمرة املتواضعة و الشجاعة اليت تنجم عن التعاون يف جهـد ) Witness(الشهادة ل تتحاشى السيطرة املعادية للحوار و قـد خيتلـف شـك – حترير الناس –مشترك

إال أن الشهادة نفسها عنصر ال . الشهادة، اعتمادا على الظروف التارخيية ألي جمتمع .غىن عنه للعمل الثوري

لتلك الشهادة أن " كيف"و الـ " ماذا"و بالتايل فإنه من الضروري كي يتم حتديد الـ ا الناس عن تتوفر معرفة انتقادية متزايدة للسياق التارخيي الراهن ، و النظرة اليت حيمله و مبـا أن . العامل ، و التناقض الرئيسي يف اتمع ، و اجلانب الرئيسي لذلك التناقض

هذه األبعاد للشهادة هي تارخيية وحوارية ، و من مث جدلية ، فالشهادة ال ميكن هلـا ] أبعادهـا [ببساطة أن تستوردها من سياقات أخرى دون أن تقوم قبل ذلك بتحليل

شيء غري ذلك يعين جعل النسيب مطلقا و خرافيا ، عندئـذ يـصبح فعمل . اخلاصة أما يف نظرية العمل احلوارية فإن الشهادة هي إحدى . أمرا ال ميكن تفاديه " اإلغتراب"

.التعبريات األساسية عن الطابع الثقايف و التعليمي للثورة

اثل بـني األقـوال و التم: و تشمل العناصر األساسية للشهادة اليت ال ختتلف تارخييا الراديكاليـة . اجلرأة اليت حتث الشهود على مواجهة وجود خطـر دائـم . األفعال

Page 202: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

202

اليت تؤدي بكل من الشهود و أولئك الذين يتلقون الـشهادة إىل ) ليست االنعزالية (اليت هي أبعد من أن تكون تكيفا مع عامل ظـامل (الشجاعة على احلب . زيادة العمل

واإلميان بالـشعب ، مبـا أن ) . لك العامل باسم التحرر املتزايد للناس ،بل هي تغيري ذ رغم أن الشهادة للشعب تؤثر أيضا على النخب املسيطرة للعالقة –الشهادة تقدم له

) .اليت ترد على الشهادة بطريقتها املألوفة(اجلدلية اليت بني الشعب و تلك النخب

اجلرأة على اازفة ، مبـا يف ذلـك ) نتقاديةأي اال (و تشمل كافة الشهادات احلقيقية و الشهادة الـيت مل . احتمال أال يفوز القادة دائما بالتزام الشعب الفوري و اتباعه هلم

. تؤت مثارا يف حلظة معينة و يف ظروف حمددة تصبح غري قادرة على أن تؤيت مثارا غدا –هة مع العامل و مع الناس مواج –و مبا أن الشهادة ليست حركة جتريدية، بل عمال

إا عنصر ديناميكي تصبح جزءا من السياق االجتماعي الـذي . فهي ليست ساكنة )1. (تقع يف إطاره ، و منذ تلك اللحظة ال تكف عن التأثري يف ذلك السياق

يقوم التالعب و الغش يف العمل املعادي للحوار بتخدير الشعب ، و يسهل عمليـة و يف العمل احلواري يستبدل التالعب و الغش بـالتنظيم احلقيقـي . ه السيطرة علي

يف العمل املعادي للحوار خيدم التالعب و الغش أهداف الغزو ؛ بينمـا يف . الصحيح . العمل احلواري ختدم الشهادة اجلريئة و املفعمة باحلب أهداف التنظيم

و بالنسبة للقادة الثوريني يعـين . يعين التنظيم بالنسبة للنخب املسيطرة تنظيم نفسها يف احلالة األوىل ، تقوم النخب املسيطرة يكلـة . التنظيم تنظيم أنفسهم مع الشعب

سلطتها بشكل متزايد حبيث تتمكن من السيطرة بكفـاءة أكثـر ، و تجـرد مـن و يف احلالة الثانية يتطابق التنظيم فقط مع طبيعته و هدفه إذا كان يـشكل . الشخصية

و بالتايل ، فإن االنضباط الضروري ألي تنظيم جيب أال يـتم .د ذاته ممارسة للحرية حب

Page 203: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

203

إن من الصحيح أنه بال قيـادة وانـضباط و . اخللط بينه و بني تنظيم الناس كفرق ال ميكن ملنظمـة أن تعـيش ، – بال مهام تنجز و حساب يقدم –تصميم و أهداف

و لكن هذه احلقيقة ال ميكن هلا على اإلطالق . ثوري وبالتايل جيري ختفيف العمل ال فالشعب قد مت جتريده من شخصيته . أن تربر معاملة الشعب على أنه أشياء لالستخدام

و إذا قام القادة الثوريون بالتالعب به و غشه ، بدال من العمل –على يد االضطهاد ) .أي التحرر(ه معه لتنمية وعيه ، عندئذ يتم نفي هدف التنظيم حبد ذات

إن تنظيم الشعب هو العملية اليت يدشن فيها القادة الثوريون ، الذين حرموا أيضا من ،جتربة تعلم كيفية تسمية العامل ، و هذه جتربة تعلم حقيقي ، و من مث ) 2(قول كلمتهم ومن مث فإن القادة ال ميكنهم قول كلمتهم لوحدهم ، بـل جيـب أن . فهي حوارية

و القادة الذين ال يعملون بشكل حواري ، و يصرون على فرض . مع الشعب يقولوها إم ال حيررونه ، كمـا أـم ال . إم يتالعبون به –قرارام ، ال ينظمون الشعب

.إم يضطهدون : يتحررون

كون القادة الذين ينظمون الشعب ال ميلكون احلق يف فرض كلمتهم بشكل اعتبـاطي ني عليهم لذلك اختاذ موقف ليربايل يشجع الشعب ، الذي تعود علـى ال يعين أنه يتع االضطهاد ، على

إن الشهادة احلقيقية ، اليت تعترب عملية ، و ال تؤيت مثارا على الفـور ، ال ميكـن (1)فاألشخاص الذين ذحبوا تريادنـتس اسـتطاعوا تقـسيم . احلكم عليها بالفشل التام

. شهادته جسده، و لكنهم مل يستطيعوا حمو

قال يل يف مرة من املرات الدكتور أورالندو أجريي أورتيس ، مدير كلية الطب يف (2)

Page 204: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

204

الكلمـة و الـشعب و :إن الثورة حتتاج إىل ثالثة أشياء "إحدى اجلامعات الكوبية ، فانفجار البارود يوضح فهم الناس لوضعهم امللموس، سعيا من خالل العمل . البارود

، " الكلمة"كان ممتعا مالحظة كيف أكد هذا الطبيب الثوري على ." إىل حترير أنفسهم .كعمل و فكر ، كممارسة : باملعىن الذي أستخدمه يف هذا البحث

فنظرية العمل احلواري تعارض كال من السلطوية و االنفـالت ، و هـي . االنفالت ك ال توجد بذلك تؤكد على السلطة و احلرية ، إذ ال توجد حرية بال سلطة ، و كذل

ويف (إن كل حرية حتتوي على إمكانية أن تتحول يف ظروف معينـة . سلطة بال حرية ال ميكن عزل احلرية و السلطة عـن بعـضهما . إىل سلطة ) مستويات وجودية خمتلفة

).1(البعض ، بل جيب التفكري ما و النظر إليهما يف عالقتهما ببعضهما البعض

أن تتأكد بوصفها كذلك مبجرد انتقال السلطة إن السلطة احلقيقية ال ميكن إذا جرى ببـساطة .، بل من خالل تكليف أو توكيل ، أو من خالل التحام متعاطف

انتقال السلطة من جمموعة إىل أخرى ، أو جرى فرضها على األغلبية ، فإا سـتنحط ية تصبح حر"فالسلطة ستتفادى االصطدام باحلرية فقط إذا كانت . عندئذ إىل سلطوية

و كما أن السلطة ال ميكنها . إن تضخيم إحداها سيؤدي إىل ضمور األخرى " . سلطةأن توجد من غري أن تنفي احلرية ، فإن االنفالت ال ميكن أن يوجد من غري أن ينفـي

.السلطة

يتطلب التنظيم ، مبوجب نظرية العمل احلواري ، سلطة ، و بالتايل ال ميكنه أن يكون و التنظيم هو يف الواقع . يتطلب حرية ، و من مث ال ميكنه أن يكون منفلتا متسلطا ، و

عملية تعليمية عالية ، مير فيها القادة و الشعب سـوية بتجربـة الـسلطة و احلريـة إرساءمها يف اتمع بتغيري الواقـع ) الشعب فيما بعد (احلقيقيتني ، اللتني حياول القادة

Page 205: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

205

) Cultural Synthesis(ايف التوحيد الثق.الذي يتوسط هلم

العمل الثقايف هو على الدوام شكل من أشكال العمل املثابر و املتعمد الذي يستهدف و كل عمل ثقـايف ، . البنية االجتماعية، إما دف احملافظة على تلك البنية أو تغيريها

، و بالتايل بوصفه شكال من أشكال العمل املتعمد املثابر ، له نظريته اليت تقرر أهدافه أو حتـرر ) عن وعي أو بال وعي (و العمل الثقايف إما أن خيدم السيطرة . حتدد أساليبه

و مبا أن هذه األنواع املتعارضة جدليا من العمل الثقايف تعمل يف بنية اجتماعية . الناس and Change(و تنصب عليها ، فهي ختلق عالقات جدلية ، عالقات دوام وتغيري

Relations of Permanence. (

و ال بد للبنية االجتماعية أن تكون لتصبح ، بكالم آخر إن الصريورة هي الطريقـة بـاملعىن الربجـسوين ) Duration" (األجـل "اليت تعرب فيها البنية االجتماعية عن

) 2.(للكلمة

مبا هدف مستحيل ، (ليس هدف العمل الثقايف احلواري اختفاء جدلية الدوام و التغيري أن

ستكون هذه العالقة تناحرية إذا كان الوضع املوضوعي وضع اضطهاد أو وضـع (1) .انفالت

أو " الـدوام "هو لـيس ) ثقافية-وبالتايل تارخيية (إن ما جيعل البنية بنية اجتماعية (2)و يف التحليل . إذا أخذا بشكل مطلق ، و لكن العالقات اجلدلية بني االثنني " التغيري"

التغيري ، بـل جدليـة "أو " الدوام"ي إن ما يتبقى يف البنية االجتماعية هو ليس النهائ . الدوام و التغيري نفسها

Page 206: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

206

إنـه .) بالتايل اختفاء الناس (اختفاء اجلدلية سيتطلب اختفاء البنية االجتماعية ذاا ، يق حتـرر يرمي إىل التغلب على التناقضات التناحرية للبنية االجتماعية ، و بالتايل حتق

.الناس

من ناحية أخرى ، يرمي العمل الثقايف املعادي للحوار إىل إضفاء أسطورية على مثـل التحـول الراديكـايل ) أو إعاقة قدر اإلمكان (هذه التناقضات ، و يأمل بذلك تفادي

يف إطـار –فالعمل املعادي للحوار يرمي بشكل صريح أو ضمين إىل احلفاظ . للواقع ففي الوقت الذي ال ميكن . على األوضاع اليت يف صاحل عمالئها –عية البنية االجتما

أن يقبل فيه األخري تغيري البنية بشكل راديكايل مبا فيه الكفاية للتغلب على تناقـضاته التناحرية ، فإنه قد يقبل بإصالحات ال تؤثر على سلطته باختاذ القرارات يف ما يتعلـق

العمل يشمل غزو الشعب ، و شق وحدته و االحتيال و من مث فإن منط . باملضطهدين عليه و غشه و غزوه ثقافيا ، وهو بالضرورة و بـشكل جـوهري عمـل متعمـد

)Induced . ( ز باستبدال أي جانب متعمدو عدم قدرة . إال أن العمل احلواري يتمي و تكمن .السيطرة : العمل الثقايف املعادي للحوار على استبدال طابعه ينجم عن هدفه

.التحرير : قدرة العمل الثقايف احلواري على فعل ذلك يف هدفه

، يف الغزو الثقايف ، بإعداد حمتوى املوضوعات لعملهم مـن قـيمهم " الالعبون"يقوم وأيديولوجيتهم ، و نقطة البدء لديهم هي عاملهم ، الذي يدخلون من خالله إىل عـامل

" عامل آخر "القادمني من " الالعبني" الثقايف ، فإن "التوحيد"و يف . من يقومون بغزوهم إم ال يأتون كي يعلموا أو ينقلوا أو يعطوا شيئا ، . إىل عامل الشعب يأتون ليس كغزاة

.بل ليتعلموا مع الشعب عن عامل الشعب

الذين ال حيتاجون حىت للذهاب شخصيا إىل الثقافة " (الالعبون"يف الغزو الثقايف يصبح

Page 207: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

207

يفرضون أنفـسهم ) يتم غزوها ،فعملهم يتم بشكل متزايد عرب أدوات تكنولوجية اليتأمـا يف " . املفعول بـه "على الشعب الذي حيدد له دور املتفرج ، دور األهداف أو

الثقايف ، فالالعبون جيري تكاملهم مع الشعب الذي يصوغ بشكل مـشترك "التوحيد" .لق بالعاملمعهم العمل الذي يقومون به معا يف ما يتع

يف الغزو الثقايف يكون املتفرجون و الواقع الذي جتب احملافظة عليـه أهـدافا لعمـل " الالعـبني "الثقايف فال يوجد متفرجون ، و هدف عمل " التوحيد"أما يف " . الالعبني"

. هو الواقع الذي سيجري حتويره من أجل حترر الناس

مناط مواجهة الثقافة ذاا ، باعتبارها حتافظ الثقايف هو منط من أ " التوحيد"هكذا ، فإن و العمل الثقايف ، باعتباره عمال تارخييـا ، . على اهلياكل ذاا اليت أدت إىل تشكيلها

و ذا املعىن ، . هو أداة الستبدال الثقافة املسيطرة املغتربة و اليت حتمل على االغتراب .فأن كل ثورة حقيقية هي ثورة ثقافية

ث يف موضوعات الشعب املنتجة ، أو املوضوعات اليت هلا داللة اليت حتـدثنا إن البح و يف الواقع ، . عنها يف الفصل الثالث تشكل نقطة البدء لعملية العمل كتوحيد ثقايف

األوىل هي البحث يف : ليس من املمكن حقا تقسيم هذه العملية إىل خطوتني منفصلتني فانفصام من هذا القبيل سيعين مرحلـة . د ثقايف املوضوعات ، و من مث العمل كتوحي

أولية يتم خالهلا دراسة الشعب ، باعتباره أهدافا سلبية ، و حتليله و البحث فيه مـن وتقسيم من هذا القبيل سيؤدي . إجراء مماثل للعمل املعادي للحوار –قبل الباحثني

.لغزو إىل االستنتاج الساذج بأن العمل للتوحيد يتأتى من العمل ل

فالفاعلون يف دراسة و تقـصي . ال ميكن أن حتدث هذه التجزئة يف النظرية احلوارية

Page 208: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

208

املوضوعات هم ليسوا فقط الباحثون احملترفون ، بل أيضا أشخاص من الشعب الذين اللحظـة األوىل –خيلق البحث . جيري البحث يف الكون ذي املوضوعات اخلاص م

من اإلبداع و اخللق مييل إىل التطور يف مراحل العمل جوا –من العمل كتوحيد ثقايف ال يوجد مثل هذا اجلو يف الغزو الثقايف ، الذي يقوم من خالل االغتـراب . الالحقة

بقتل احلماس اخلالق لدى أولئك الذين يتم غزوهم ، فيتركهم عاجزين و خائفني من .قيقيني اازفة بإجراء جتارب ال ميكن دوا وجود إبداع و خلق ح

نادرا ما يتجاوز من يتم غزوهم ، بغض النظر عن مستواهم ، النماذج الـيت حيـددها . أما يف التوحيد الثقايف فال يوجد غزاة ، و بالتايل ال توجد مناذج مفروضة . الغزاة هلم

و ال يفـصلون (حيللون الواقع بشكل انتقادي " العبون"بل يوجد ، بدال من ذلك ، .ويتدخلون كفاعلني يف العملية التارخيية ) ل عن العملأبدا هذا التحلي

و بدال من أن يتبع القادة و الشعب خططا مقررة سلفا ، يقومون مـتالمحني بإرسـاء تتم إعادة والدة القادة و الشعب بطريقة مـا " التوحيد"و يف هذا . توجيهات عملهم

ربة إىل عمل حتويل يسفر عن و تؤدي معرفة الثقافة املغت . مبعرفة جديدة وعمل جديد و تتم إعادة صنع معرفة القادة بشكل أكثر حنكة . ثقافة جيري حتريرها من االغتراب

من خالل املعرفة التجريبية للشعب ، بينما جيري ذيب معرفة الشعب مبا لدى القادة .من معرفة

لتناقض بني نظـرة حل ا – و فقط يف التوحيد الثقايف –من املمكن يف التوحيد الثقايف فالتوحيد الثقـايف ال ينفـي . القادة إىل العامل و نظرة الشعب إليه ، مما يغين النظرتني

و لكنه ينفـي غـزو . إنه قائم يف الواقع على هذه اخلالفات . اخلالفات بني النظرتني طرف آلخر ، و لكنه يؤكد الدعم الذي ال ميكن إنكاره الذي يقدمه الطرفان لبعضهما

Page 209: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

209

.بعض ال

جيب على القادة الثوريني تفادي تنظيم أنفسهم مبعزل عن الشعب ، فال بد من حل أية تناقضات قد حتدث بشكل عرضي مع الشعب بسبب بعض الظروف التارخيية ، ال أن

هو التوحيـد ] لذلك[و الطريق الوحيد . تعمق بغزو ثقايف ناجم عن عالقة مفروضة .الثقايف

تكبون العديد من األخطاء و يسيؤون التقدير إذا مل يأخـذوا يف إن القادة الثوريني سري نظرة حتوي بشكل صريح و : احلسبان شيئا حقيقيا للغاية مثل نظرة الشعب إىل العامل

ضمين اهتماماته و شكوكه و آماله و طريقة نظرته إىل القادة ، ونظرته إىل نفسه و إىل ، و قدريتـه و ردود ) لبا ما تكون توحيديـة اليت غا (املضطهدين ، ومعتقداته الدينية

و ال ميكن النظر إىل أي من هذه العناصر بشكل مستقل ، ألـا يف . افعاله التمردية فقـط " الكـل "إن املضطهد مهتم مبعرفة هـذا . واحدا" كال"تفاعلها تشكل مجيعها

ادة الثوريني أما بالنسبة للق . كمساعد لعملية غزوه من أجل السيطرة أو احلفاظ عليها . أمر ال غىن عنه يف عملهم كتوحيد ثقايف " الكل"فإن معرفة هذا

أن أهداف العمل الثـوري جيـب أن ) ألنه توحيد بالتحديد (ال يعين التوحيد الثقايف فلو حـدث ذلـك . تنحصر يف إطار التطلعات اليت تعرب عنها نظرة الشعب إىل العامل

قادة الثوريون مرتبطني بشكل سليب بتلك النظرة سيكون ال ) حبجة احترام تلك النظرة (فليس من املقبول غزو القادة لنظرة الشعب إىل العامل ، أو جمرد تكيف القـادة مـع .

) .اليت هي يف الغالب ساذجة(تطلعات الشعب

إذا حدث يف حلظة تارخيية معينة أن ال تتعدى تطلعات الشعب : بشكل حمدد و ملموس

Page 210: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

210

بوسعهم قصر عملهم : رواتب ، عندئذ قد يرتكب القادة أحد خطأين املطالبة بزيادة ال ، أو أن يرفضوا هذا التطلع الـشعيب و ) 1(على حفز وحتريك هذا املطلب الواحد

و لكنه شيء مل يصل بعد إىل مقدمـة اهتمامـات –يستبدلونه بشيء آخر أكثر تأثريا و يف احلالة . ع مطالب الشعب يف احلالة األوىل سيتبع القادة خط التكيف م . الشعب

.الغزو الثقايف لعدم احترامهم لتطلعات الشعب ] خطأ[الثانية سيقعون يف

يتعني على القادة ، من ناحية ، أن يقرنـوا أنفـسهم مبطلـب : يقع احلل يف التوحيد الشعب بزيادة الرواتب ، بينما من الناحية األخرى يتوجب عليهم طرح ذلك املطلب

بعملهم هذا ، يكون القادة قد طرحوا وضعا تارخييا حقيقيـا ملموسـا و . كمشكلة و بالتايل سيتضح أن مطلب الرواتب وحده . يشكل مطلب الرواتب بعدا واحدا منه

فجوهر هذا احلل ميكن العثور عليه يف البيان الـصادر . ال يستطيع تشكيل حل ائي إذا مل يـصبح العمـال "، و القائل عن أساقفة العامل الثالث الذي سبق االستشهاد به

… بشكل ما مالكني لعملهم ، ستكون مجيع اإلصالحات البنيوية غري ذات فاعليـة ألن أي شراء أو بيع للعمل هو نوع …جيب أن يكونوا مالكني و ليس بائعني لعملهم

." من أنواع العبودية

،و أن "مالكا لعمله "ء للتوصل إىل وعي انتقادي للحقائق املتعلقة بضرورة أن يكون املر العمل

هاجم لينني بشدة ميل احلزب االشتراكي الدميقراطي الروسي للتأكيد على املطالب (1)االقتصادية للربوليتاريا كأداة من أدوات النضال الثوري ، و وصف هذا اإلجراء بأنه

:فالدميري لينني : راجع " . تلقائية اقتصادية"

Page 211: باولو فريري..نظرات في تربية المعذبين في الأرض

األرضباولو فريري نظرات يف تربية املعذبني يف

211

“What Is to be Done" يفOn Politics and Revolution, Selected

Writings) 1968نيويورك(

اإلنسان ال ميكن أن يبـاع ، أو أن يبيـع "و أن " يشكل جزءا من شخصية اإلنسان "إنه يعين االشـتراك يف . يعين اختاذ خطوة أبعد من جمرد خداع احللول املخففة " نفسه

من خالل إضفاء إنسانية على حتوير حقيقي للواقع من أجل إضفاء إنسانية على الناس .الواقع

خيدم الغزو الثقايف ، يف نظرية العمل املعادي للحوار ، أهداف التالعب و الغش ، اليت أما التوحيد الثقـايف . ختدم ، بدورها، أهداف الغزو ، و خيدم الغزو أهداف السيطرة

.فيخدم أهداف التنظيم ، و خيدم التنظيم أهداف التحرر

فكمـا حيتـاج املـضطهدون ، كـي : كتاب يعاجل حقيقة واضحة للغاية إن هذا ال يضطهدوا، إىل نظرية عمل اضطهادي ، حيتاج املضطهدون أيضا إىل نظرية عمل كـي

.يصبحوا أحرارا

كمـا أن .املضطهدون يعدون نظرية عملهم بدون الشعب ألم يقفون ضد الشعب مرا و مـضطهدا و يـستلهم صـورة ما دام مقموعا و مد –الشعب ، لن يستطيع

فهذه النظرية ميكن بناؤها فقط يف . إعداد نظرية عمله التحرري بنفسه –املضطهدين . التالقي بني الشعب و القادة الثوريني يف تالمحهم و يف ممارستهم