ﻝﻮـــــﺻﺃ ﻲﻣﻼﺳﻹﺍ ﻪﻘﻔﻟﺍ ...olc.bu.edu.eg/olc/images/425.pdf ·...

ول ـــــأص الفقه اإلسالمي

فصل دراسى ثانى–المستوى الرابع )٤٢٥(كود

الشحات إبراهيم منصور/ د .أ عمید كلیة الحقوق ببنھا

PDF created with pdfFactory Pro trial version www.pdffactory.com

http://www.pdffactory.com

٢

إن الحمد هللا نحمده ونستعين به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كلـه، ن، ونصلي ونسلم على سيدنا رسول اهللا وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهري

وبعد فإن دراسة علم األصول من أعظم الدراسات نفعاً وأكثرها فائدة، حيث يتم في هذه الدراسة االمتزاج بين العقل والنقل، فهو علم ال يـستغني عنـه مجتهد في تبينه النصوص، وتوضيحه ماال نص فيه، وال قاض فـي فهمـه

ـ ا قـصده مواد القانون حق فهمها وتطبيقها التطبيق الذي يحقق العـدل ومالشارع بها، وال فقيه في بحث ودرسه وتحليلـه ومقارنتـه ومقابلتـه بـين

.المذاهب واآلراءفهو علم ال يستغني عنه طالب المعرفة ومريد الحقيقة وكيف ال؟ وهو

الذي يبين المناهج التي سار عليها األئمة المجتهدون وهم يستنبطون األحكام وم وأعظمها أثراً فـي تكـوين العقـل فهو بال شك من أجل العل . من األدلة

الفقهي، وهذا هو السر في أن علماء األمة جزاهم اهللا خيراً أعملوا جهـدهم في فسيح مجاالته، وركبوا الصعاب من أجل تحديد معالمه حتى يجعلوه علماً

ولقد راعيت في كتابة هذه السطور السهولة واليسر مقتدياً فـي . قائماً بذاته لهذا آمل أن تنال القبول من كل قارئ . سار عليه أساتذتنا ذلك بالمنهج الذي

لها، وما أظن أن ما سطرت قد وصل إلى الكمال أو قاربه، فالكمال لكتـاب ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل من حكـيم "اهللا تعالى وحده

نـه ال إني رأيت أ: "وال أجد في هذا خيراً من قول العماد األصفهاني " حميد



٣

لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد : يكتب إنسان كتاباً في يوم إال قال في غده كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا

.من أعظم العبر، وهذا دليل على استيالء النقص على جملة البشر وصلى اهللا وسلم على )ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (

.سيدنا محمد في األولين واآلخرين والحمد هللا رب العالمين المؤلـف



٤

األولم ــــالقس

نشأة أصول الفقھ والتعریف بھ



٥

في نشأة علم أصول الفقھ وتدوینھ: المبحـث األول

الدارس لتاريخ التشريع في مراحله المختلفة يجد أن الوحي اإللهـي كان مصدر التشريع في " وهو السنة"وغير المتلو " وهو القرآن"متلو بقسيمة ال

عصر النبي صلى اهللا عليه وسلم ولم تكن هناك ضرورة تدعوه صـلى اهللا .عليه وسلم إلى وضع قواعد وأسس يسير عليها في تشريعاته

فإذا طرأ ما يقتضي تشريعاً في خـصومة أو واقعـة أو سـؤال أو جل إلى رسوله صلى اهللا عليه وسلم بأية أو آيـات استفتاء أوحي اهللا عز و

فيها حكم ما أريد معرفته من أحكام ثم يبلغ صلى اهللا عليه وسلم ما أوحـي .إليه وكان شرعاً واجب اإلتباع

فإن كل ما يقتضي تشريعاً ولم ينزل قرآن يبين الحكم ولكن اهللا عـز ليه وسلم في التعبير وجل الهمه صلى اهللا عليه وسلم الحكم اجتهد صلى اهللا ع

عنه بقوله أو فعله أو تقريره فهذا الحكم حكم إلهي ليس له صلى اهللا عليـه وسلم فيه إال التعبير عنه وإذا طرأ ما يقتضي تشريعاً ولم ينزل قرآن يبـين الحكم ولم يلهمه اهللا اجتهد صلى اهللا عليه وسلم في معرفة الحكم والتعبيـر

ا أقره اهللا، وإن كان غير ذلك بين اهللا عـز وهذا الحكم إن كان صواب . عنه .وجل له الصواب



٦

حادث افتداء أسرى بدر فقد وقع في أيدي المسلمين : ومن أمثلة ذلك سبعون أسيراً من المشركين، ولم يكن قد شرع حكم األسرى، فاجتهد النبـي

. صلى اهللا عليه وسلم واستشار أصحابه رضي اهللا عنهم فيما يفعل بهم: عليه أبو بكر الصديق رضي اهللا عنه بأخذ الفدية منهم، وقال فأشار

يا رسول اهللا ، قومك وأهلك استبقهم، لعل اهللا يتوب عليهم وخذ منهم فديـة يا : وأشار عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه بقتلهم وقال . تقوى بها أصحابك

ـ ر رسول اهللا كذبوك وأخرجوك من بلدك فأضرب أعناقهم، هؤالء أئمة الكفوقد أدى اجتهاده صلى اهللا عليه وسلم إلـى األخـذ . واهللا أغناك عن الفداء

برأي الصديق أبي بكر رضي اهللا عنه، فقبل نمهم الفداء، فنزل الوحي معاتباً مـا : النبي صلى اهللا عليه وسلم ومبيناً وجه الصواب ألصحابه فقال تعالى

ون عرض الـدنيا كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في األرض تريد واهللا يريد اآلخرة واهللا عزيز حكيم، لوال كتاب من اهللا سبق لمسكم فيما أخذتم

".عذاب عظيم :األحكـام هي

.النظر في القرآن الكريم الذي يعتبر عمدة األحكام -١النظر في سنة رسول اهللا عندما لم يجدوا حكم ما يريدون في القـر، -٢

لرسول فخذوه ومـا نهـاكم عنـه وما آتاكم ا: "مصداقا لقوله تعالى ".فانتهوا



٧

إلحاق ما ليس فيه نص على ما فيه نص عن طريق اجتهاد هـؤالء -٣الصحابة حيث جدت حوادث للمسلمين لم تكن موجودة في عـصر الرسول صلى اهللا عليه وسلم وال يوجد فيها نص ، فاستلزم األمـر

ـ صحابة إيجاد حكم لهذا القضايا والمستجدات على الساحة، فألحق الالشبيه بالشبيه والمثيل بالمثل وسووا بينهما في الحكم مـراعين فـي

يقـال إن : ذلك المصالح التي راعتها الشريعة في األحكام وعليـه القياس باعتباره مصدراً من المصادر كان معروفـاً منـذ عـصر الصحابة وبالتالي معرفتهم ألصول الفقه في ظل هذا القياس، ومـن

: حابةأمثلة اجتهاد الص

المعتدة التي تتزوج بغير مطلقها، فلقد أفتى عمر بن الخطاب بأنهـا -١تحرم على الزوج الثاني إن دخل بها حرمة مؤبدة، وذلك معاملة لـه بنقيض مقصوده وزجراً على مخالفة أمر اهللا تعالى ومحافظة علـى

إذا : النسل أخذاً بالمصالح المرسلة، وخالفه على بن أبي طالب وقال . عدتها من األول تزوجت باآلخرانقضت

قضاء على بن أبي طالب كرم اهللا وجه بجلد شارب الخمر ثمـانين -٢والذين يرمون : "جلدة قياساً عن عقوبة القذف، أخذاً من قوله تعالى

وعلـل " المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة



٨

سكر، وإذا سـكر أنه إذا شرب : على بن أبي طالب حكمه هذا بقوله .هذى، وإذى هذى افترى، فحده حد المفتر، وهو ثمانون جلدة

بأن قواعد أصول الفقه عرفت فـي عـصر : ومن هنا يمكن القول الصحابة واتسعت في عهد التابعين وكثرت في القرن الثاني الهجري عصر

.المذاهب الفقهيةونه قبل أن أول من أظهر علم األصول إلى الوجود ود: والقول الحق

غيره من الفقهاء هو اإلمام محمد ابن إدريس الشافعي رحمه اهللا الذي رتب أبواب هذا العلم، وجمع فصوله ولم يقتصر على مبحث دون مبحـث فـي الكتاب، كما بحث في السنة وطرق إثباتها ومقامها من القرآن الكريم وبحث

المجمل والمبـين في الدالالت اللفظية، فتكلم في العام والخاص والمشترك و .وبحث في اإلجماع وحقيقته وضبط القياس وتكلم في االستحسان

ويمكن تلخيص األسباب التي دعت اإلمام الشافعي إلى تدوين رسالته :فيما يلي

ضعف اللسان العربي وقصور المدارك في فهم مقاصـد الـشريعة -١بسبب اختالط العرب بغيرهم الذين دخلوا اإلسالم، األمر الذي جعل

. الشرعية من مصادرها أمراً عسيراًاستنباط األحكام



٩

تجدد حوادث وقضايا ال يمكن الوقوف على أحكامـا مباشـرة مـن -٢القرآن والسنة، فكانت الحاجة ماسة إلى القياس للتعـرف بواسـطته

.على حكم تلك الحوادث

يعد العهد بين عصر الشافعي رضي اهللا عنه والعصر النبوي وكثرة -٣ .ث الرسول صلى اهللا عليه وسلمالوضع في أحادي

احترام الجدل بين أهل الحديث وأهل الرأي، فـاجترأ بعـض ذوي -٤األهواء على االحتجاج بما ال يحتج به وإنكار بعض ما يحتج به، كل هذا دعا إلى وضع ضوابط وبحوث في الدلة الشرعية االسـتداللية

غيراً كما ولكنه بدأ ص . وتلك الضوابط اللغوية تكون علم أصول الفقه يوجد كل مولود أول نشأته ثم تدرج في النمو حتى بلغـت أسـفاره المائتين، بدأ منثوراً مفرقاً في خالل أحكام الفقه ألن كل مجتهد مـن األئمة األربعة وغيرهم كان يشير إلى دليل حكمه ووجه استدالله به، وكل مخالف كان يحتج على مخالفه بوجوه من الحجج، وكـل هـذه

ولقد أشاد . جات واالستدالالت تنطوي على ضوابط أصولية االحتجا .كثير من العلماء برسالة اإلمام الشافعي التي دونها في أصول الفقه

إال أنه لم يقتصر عليه بل كتب غيره مثل كتاب أبطـال االستحـسان .وكتاب جماع العلم



١٠

ولما رأى العلماء أن الغاية من وراء هذا العلم هو الوصـول إلـى :اط األحكام من األدلة نظموا أبحاثهم في أربعة أبواب استنب .وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس: األدلة -١ .األحكام من الوجوب والندب والحظر والكراهة واإلباحة -٢

.طريق االستنباط وهي وجوه داللة األدلة -٣

.المستنبط وهو المتجهد -٤



١١

ھفي تعریف أصول الفقھ وبیان أھمیت: المبحث الثاني :لكلمة أصول الفقه اعتباران عند العلماء : تعريفـه v قبل أن تكون علماً على ذلك الفن المخصوص، وهي : االعتبار األول

حينئذ مركب إضافي تتوقف معرفته على معرفة جزئية اللذين همـا .أصول وفقه، ضرورة أن معرفة المركب تتوقف على معرفة أجزائه

v ي، وهو العلم الذي جعل هـذا المركـب معناه اللقب : االعتبار الثاني .اإلضافي لقبا له ونقل عن معناه األول إليه

: معنى األصل لغة واصطالحا األصل مفرد أصول وهو في اللغة يطلق على معان متعددة، أقربهـا

ما يبني عليه غيره سواء كان البناء حسياً، كبناء الحائط علـى األسـاس أو حقيقة، أو عقلياً كبناء الحكم على الدليل، فكل من عرفياً، كبناء المجاز على ال

األساس والحقيقة والدليل أصل، ألنه بني عليه غيره من الحـائط والمجـاز : أما في االصطالح فله أربعة معان . والحكمالخمر أصل للنبيذ، علـى : الصورة المقيس عليها، كقولهم : أحدهما -

مة، والتـأفيف للوالـدين معنى أن الخمر مقيس عليها النبيذ في الحر .أصل يقاس عليه الضرب في الحرمة

القاعدة المستمرة، وذلك مثل إباحة الميتـة للمـضطر علـى : ثانيها - .خالف األصل، أي على خالف القاعدة المستمرة



١٢

الراجح، وذلك كقولنا، األصل في الكالم الحقيقة، أي الراجح : ثالثها - .القرينة الصارفة إليهلدى السامع الحقيقة ال المجازعند عدم

وآتوا (األصل في وجوب الزكاة قوله تعالى : الديل، كقولنا : رابعها -أي الدليل على وجوبها، وهذا المعنى هو المراد عند اإلضافة، ) الزكاة

فيقال أصول الفقه، أي أدلته، ألن األصل في اللغة هو ما يبنى عليـه الفقه، ولـيس مبنـاه إال غيره، فإذا أضيف إليه الفقه كان معناه مبني

.الدليل : تعریـف الفقـھ

. تأتي كلمة الفقه فـي عـرف اللغـة : تعريف الفقه في اللغة : أوال بمعنى الفهم مطلقاً، سواء كان الفهم دقيقاً أم غيره، وسواء كان غرضاً لمتكلم

ما نفقه كثيراً ممـا "أم غيره، والدليل على ذلك قوله تعالى على لسان شعيب " فما لهؤالء القوم ال يكادون يفقهون حديثاً "وقوله تعالى في شأن الكفار " تقول

فهـذه " وإن من شيئ إال يسبح بحمده ولكن ال تفقهون تسبيحهم "وقوله تعالى اآليات كلمة فقه فيها تفيد معنى الفهم مطلقاً وهذا المعنى هو الظـاهر فـي

.عرف اللغةألشياء الدقيقة فقط، فال يصلح أن تأتي كلمة الفقه بمعنى الفهم ل : ثانيا

.يقول اإلنسان فهمت أن هذا ماء وهذا جماد



١٣

يراد بكلمة الفقه في اللغة فوق ما سبق فهم غرض المتكلم مـن : ثالثاً .كالمه هذه األقوال الواردة في تعريف الفقه لغة

:تعریـف الفقھ اصطالحا لمكتسب من أدلتها العلم باألحكام الشرعية العلمية ا : عرف الفقه بأنه

. مطلق اإلدراك الشامل للتصور والتصديق: ويراد بالعلم هنا . التفصيليةالنسب التامة بين الطـرفين التـي هـي ثبـوت : والمراد باألحكام

.الصالة واجبة، الزنا حرام: المحمول للموضوع أو نفيه عنه، كقولنا أدلـة أي المنسوبة للشرع وهي ما كانت مأخوذة مـن : الشرعيـة

.الشرع المبعوث بها النبي صلى اهللا عليه وسلم كالتاب والسنة وغيرهماأي المنسوبة إلى العمل، بأن يكون الموضوع فيها عمـالً : العلميـة

من أعمال المكلف والمحمول حكم فقهي، كقولنا الزكـاة واجبـة، والمـراد االعتقاديـة أفعال الجوارح الظاهرة كالصالة، والباطنة غير : باألعمال هنا

كالنية، وكون األحكام الفقهية عملية أغلبي، ألن منها ما ليس عملياً كثبـوت طهارة الخمر إذا تخللت بنفسها، ومنع الرق لإلرث، وغير ذلك ألن المحمول وإن كان حكماً شرعياً وهو الطهارة في الخمر مثالً، لكن الموضـوع لـيس

.لطهارة ليست صفة ذاتعمالً من أعمال المكلف ألنه ذات الخمر، فا .أي الحاصل بعد أن لم يكن: المكتـسب



١٤

وبناء على تعريف األصل والفقه نستطيع أن نعرف أصـول الفقـه أن علـم : فنقول إن العلماء قد ذكروا تعريفات عديدة لعلم األصول أهمهـا

أصول الفقه هو العلم بالقواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة األحكام العلم بالقواعد التي يتوصل بها : وهو . ية العلمية من أدلتها التفصيلية الشرع

أن علم : ومعناه . إلى استنباط األحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية األصول هو معرفة القواعد التي يستطيع المجتهد بواسطتها أن يستخرج من

.األدلة الشرعية حكماً لمسألة فرعية : قھ موضوع أصول الف

إعلم أن موضوع كل علم، هو الشئ الذي يبحث في : يقول اآلمـدي ذلك العلم عن أحواله العارضة لذاته، ولما كانت مباحث األصوليين في علم األصول ال تخرج عن أحوال األدلة الموصلة إلى األحكام الشرعية المبعوث

كـام الـشرعية عنها فيه، وأقسامها، واختالف مراتبها، وكيفية استثمار األح .عنها على وجه كلي كانت هي موضوع علم األصول

نجد أن موضوع البحث في علم الفقه هو فعل المكلـف : وبيان ذلك من حيث ما يثبت له من األحكام الشرعية، فالفقيه يبحث في بيـع المكلـف وإجارته ورهنه وتوكيله وصالته وصومه وحجه وقتلـه وقذفـه وسـرقته

أمـا . فة الحكم الشرعي في كل فعل من هذه األفعـال وإقراره ووقفه لمعر موضوع البحث في علم أصول الفقه فهو الدليل الشرعي الكلي من حيث ما



١٥

يثبت فيه من األحكام الكلية، فاألصولي يبحث في القياس وحجيته والعام وما وإيضاحاً لذلك نقول القرآن هو الـدليل : يقيده، واألمر وما يدل عليه وهكذا

ي األول على األحكام، ونصوصه التشريعية لم ترد على حال واحدة، الشرعبل منها ما ورد بصيغة األمر، ومنها مـا ورد بـصيغة العمـوم وصـيغة اإلطالق، أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام وهو القرآن، فاألصولي يبحث في كل نوع من هذه األنواع ليتوصل إلى نوع الحكم الكلي الذي يدل عليه مستعيناً في بحثه باستقراء األساليب العربية واالستعماالت الـشرعية، فإذا وصل ببحثه إلى أن صيغة األمر تدل على اإليجاب، وصيغة النهي تدل على التحريم، وصيغة العموم تدل على شمول جميع أفـراد العـام قطعـاً،

ـ ة األمـر وصيغة اإلطالق تدل على ثبوت الحكم مطلقاً وضع القواعد اآلتيلإليجاب، والنهي للتحريم، العام ينتظم جميع أفراده قطعاً، المطلق يدل على

وهذه القواعد الكلية وغيرها مما يتوصل األصـولي . الفرد الشائع بغير قيد ببحثه إلى وضعها، يأخذها الفقيه قواعد مسلمة ويطبقها على جزئيات الدليل

التفصيلي، فيطبق قاعدة األمر الكلي ليتوصل بها إلى الحكم الشرعي العملي ويحكم علـى "يا أيها ذالذين آمنوا أوفوا بالعقود : "لإليجاب على قوله تعالى

يا : "اإلبقاء بالعقود بأنه واجب، ويطبق قاعدة النهي للتحريم على قوله تعالى ويحكـم " أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم

.من قوم حرام هذا عن موضوع علم أصول الفقهبأن سخرية قوم



١٦

فلقد وجدنا من خالله، أن األصولي ال يبحث في األدلة الجزئيـة وال فيما تدل عليه من األحكام الجزئية، وإنما يبحث في الدليل الكلي ومـا يـدل عليه من حكم كلي ليضع قواعد كلية لداللة األدلة كي يطبقها الفقيـه علـى

ستثمار الحكم التفصيلي منها، والفقيه ال يبحث في الدلة وال جزئيات األدلة ال فيما تدل عليه من أحكام كلية وإنما يبحث في الدليل الجزئي وما يدل عليـه

.من حكم جزئي :فائدة علم األصول

لما كانت الغاية المقصودة من علم أصول الفقه هي تطبيـق قواعـده لى األحكام الشرعية التي تدل عليها ونظرياته على األدلة التفصيلية للتوصل إ

فبقواعده وبحوثه تفهم النصوص الشرعية التي تدل عليه من األحكام ويعرف ما يزال به خفاء الخفي منها، وما يرجح منه عند تعارض بعـضها بـبعض وبقواعده وبحوثه يستنبط الحكم بالقياس أو االستحسان أو االستـصحاب أو

د نص بحكمها، وبقواعده وبحوثـه يفهـم مـا غيرها في الواقعة التي لم ير استنبطه األئمة المجتهدون حق فهمه، ويوازن بين مذاهبهم المختلفة في حكم الواقعة الواحدة، ألن فهم الحكم على وجهه والموازنة بين حكمين مختلفين ال يكون إال بالوقوف على دليل الحكم ووجه استمداد الحكم من دليله، وال يكون

.أصول الفقه فهو عماد الفقه المقارنإال بعلم : فإن فائدة علم األصول تتجدلى في .. وبناء عليه



١٧

.القدرة على استنباط األحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية -١القدرة على الموازنة بين أدلة األئمة المجتهدين حتى تطمئن النفس ما -٢

.قلدت من أحكام عن هؤالء األئمة

يمكننا من استنباط األحاكم الفقهيـة للحـوادث العلم بقواعد األصول -٣المتجددة التي لم يتعرض لها األئمة السابقون، وبذا تكون الـشريعة اإلسالمية غير جامدة أمام األحداث وإنما تكون مرنـة مـع تطـور

.الزمن باقية على مر الزمان



١٨

الباب األول مصادر الحكم الشرعي

اد منه حكم شرعي عملـي، ما يستف : يقصد بمصادر الحكم الشرعي وعلى هذا يطلق على مصادر الحكم األدلة الشرعية، ولقد ثبت باالستقراء أن

–األدلة الشرعية التي تستفاد منها األحكام العملية ترجع إلى أربعة القـرآن القياس، وهذه األدلة األربعة اتفق جمهور المسلمين على – اإلجماع –السنة

: أيضاً أنها مرتبة في االستدالل بها هـذا الترتيـب االستدالل بها، واتفقوا فإذا حدثت واقعة نظر أوالً في القرآن . القياس – اإلجماع – السنة –القرآن

الكريم، فإن وجد فيها حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها نظـر فـي السنة، فإن وجد فيها حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها نظر هل أجمع

ون في عصر من العصور على حكم فيها فإن وجد أمضى، وإن لـم المتجهديوجد اجتهد في الوصول إلى حكمها بقياسها على ما ورد الـنص بحكمـه

يا أيها الذين آمنوا : "قوله تعالى : والدليل على اإلستدالل بهذه المصادر هو ه أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في شيئ فردو " إلى اهللا والرسول إن كنتم تؤمنون باهللا واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال

فاألمر بإطاعة اهللا وإطاعة رسوله، أمر بإتباع القرآن والسنة، ذلك أن طاعة اهللا إنما تكون باتباع ما جاء في كتابه، وكما أمر اهللا تعالى بطاعته وطاعـة

عة أولي األمر من المسلمين أمـر وكذا األمر بطا . رسوله يكون باتباع سنته



١٩

باتباع ما اتفقت عليه كلمة المجتهدين من األحكـام، ألنهـم أولـو األمـر التشريعي من المسلمين واألمر برد الوقائع المتنازع فيها إلى اهللا والرسـول أمر باتباع القياس حيث ال نص وال إجماع، ألن القياس فيه رد المتنازع فيه

الحاق واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد الـنص إلى اهللا ورسوله ألنه بحكمها في الحكم الذي ورد به النص لتتساوى الواقعتين في علـة الحكـم،

وأما الدليل على ترتيبها في االستدالل بها . فاآلية تدل على اتباع هذه األربعة فهو ما رواه البغوي عن معاذ بن جبل أن رسول . على النحو السالف ذكره

كيف تقضي إذا عرض : "صلى اهللا عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له اهللا فإن لم تجد في كتاب اهللا؟ قال فبسنة : أقي بكتاب اهللا، قال : ؟ قال .لك قضاء

اجتهد فـي رأيـي وال : فإن لم تجد في سنة رسول اهللا ؟ : رسول اهللا، قال على صـدره فضرب رسول اهللا : قال – أي ال أقصر في اجتهادي –آلوا وأيضاً " الحمد هللا الذي وفق رسول رسول اهللا لما يرضى اهللا ورسوله: وقال

كان أبو بكـر إذا ورد عليـه : ما رواه البغوي عن ميمون بن مهران قال : الخصوم نظر في كتاب اهللا، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم

سنة قضى بها، فإن أعياه يكن في الكتاب وعلم عن رسول اهللا في ذلك األمر أن يجد في سنة رسول اهللا جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستـشارهم، فـإن أجمع رأيهم على أمر قضى به، وكذلك كان يفعل عمر، وأقرهما على ذلـك كبار الصحابة ورؤوس المسلمين ولم يعرف بينهم مخالف في هذا الترتيب،



٢٠

– اإلجمـاع – الـسنة –رآن الق –ألن المصادر التي أشرنا إليها : ونظراً محل اتفاق بين جمهور المسلمين كما يوجد مصادر أخرى مختلف –القياس

في إمكانية اإلستدالل بها بين الفقهاء، مثل المصلحة المرسلة اإلستحسان سد الذرائع، قول الصحابي، فإننا نخصص الفصل األول من هذا الباب للمصادر

:ادر المختلفة فيها المتفق عليها والفصل الثاني للمص الفصل األول

المصادر المتفق علیھا للحكم الشرعيالمصادر األساسية للحكم الشرعي والمتفـق عليهـا مـن : كما قلنا

جمهور الفقهاء هي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس، ولقد أوردنـا الـدليل لـى هـذا على اإلستدالل بها ثم األدلة على ترتيبها الترتيب السابق بيانه وع

الفصل نقوم بشرح كل مصدر من هذه المصادر في مبحث مـستقل علـى :النحو التالي

القـرآن الكریــم: المبحث األول القرآن في اللغة مصدر بمعنى القراءة، وغلب في العرف العام على

المجموع المعين من كالم اهللا سبحانه وتعالى المقروء بألسنة العباد، وهـوف شهر من لفظ الكتاب وأظهر، ولذا جعل تفسيراً لـه، فهـذا ي هذا المعنى أ

ولقد عرف علماء األصول القرآن بأنه اللفـظ العربـي . تعريف القرآن لغة المنزل على سيدنا محمد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسـلم المنقـول إلينـا



٢١

بالتواتر المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس المجموع بين دفتـي . الموحي به إلى الرسول صلى اهللا عليه وسلم باللفظ والمعنىالمصحف

إن : "ومعلوم أن في القرآن الهداية والبشرى كاء جاء في قوله تعالى هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن

".لهم أجراً كبيراًوتنزل مـن "بعه وفيه شفاء لما في الصور والرحمة لمن آمن به وات

القرآن ما هو شفاء ورحمة لمن آمن به واتبعه وتنزل من القرآن ما هو شفاء ، ولقـد أنزلـه اهللا سـبحانه "ورحمة للمؤمنين وال يزيد الظالمين إال خسارا

وتعالى على نبيه صلى اهللا عليه وسلم لينذر الناس ويعلمهم أن المصير إلـى ذا أوحينا إليك قرآنا عربياً لتنذر أم القرى اهللا وأنها لجنة أبدا أو لنار أبدا وك

ومن حولها وتنذر يوم الجمع ال ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير، ولقد أنزله اهللا تعالى بلغتهم استئناسا لقلوبهم عليهم يوقون أنفـسهم وأهلـيهم ناراً وقودها الناس والحجارة إذا ما اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحـسنوا، يقـول

وكذلك أنزلناه قرآنـا عربيـاً " إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون : "عالى تولقد ضربنا للناس . "وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا

في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عظيم، قوى متين ال يحتمل يان عظمة اهللا الخـالق القـادر ما فيه إال من قدره اهللا على احتماله إذ فيه ب

واألمر بالخضوع له واالنقياد لتعاليمه، فمن خوطب به حق عليه الخشوع هللا



٢٢

لو أنزلنا هذا القرآن : "وطاعة أوامره، وصدق اهللا العظيم إذ بين ذلك بقوله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية اهللا وتلك األمثال نضربها للناس

في الحديث عن القرآن أنه كالم اهللا الذي وصفه من أنزله ويك" لعلهم يتفكرونفال أقسم بمواقع النجوم وأنـه : "العليم به الخبير بكنهه وما فيه بقوله تعالى

لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم فـي كتـاب مكنـون ال يمـسه إال ولقد بلغ الرسول صلى اهللا عليه وسـلم " المطهرون تنزيل من رب العالمين

قرآن للناس و أمرهم بحفظه وكفارته استجابة لما أمره به ربـه سـبحانه اليا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فمـا : "وتعالى بقوله

لم تلبث " بلغت رسالته واهللا يعصمك من الناس إن اهللا ال يهدي القوم الكافرين قالوا : "في سورة الجن الجن إذ سمعته إال أن قالت كما حكى القرآن الكريم

إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنـه ".تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة وال ولدا

:في خصائص القرآن الكریم : المطلب األول يتبين أن له خصائص امتـاز – السابق ذكره -ومن تعريف القرآن

ية األخرى وعن كل ما نزل به وحي السماء بها عن غيره من الكتب السماو :ومن هذه الخصائص التي امتاز بها القرآن الكريم ما يأتي

أنزل اهللا سـبحانه وتعـالى -: القرآن لفظه ومعناه من عند اهللا تعالى -١القرآن على النبي صلى اهللا عليه وسلم بألفاظه ومعانيه، هذه األلفاظ العربية



٢٣

لقد أثبت القرآن الكريم لنفسه هذه الخاصية في كثيـر البليغة المتحدى بها، و ولقـد ". "إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون "من آياته التي تحدثت عن ذلك

نعلم إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون إليه أعجمي وهـذا لـسان عربـي ".مبين

هو وقد بلغه رسول اهللا كما أنزله اهللا بسوره وآياته وكلماته وحروفه ف من عند اهللا تعالى بألفاظه وبمعانيه التي تضمنتها كلماتـه النورانيـة حيـث يسرها اهللا العليم الخبير بلسان نبيه البشير النذير بما يمكن للبشر أن يتدبروا

بأنه –ويتميز القرآن الكريم . آياته، فيسعدوا برضوان اهللا في الدنيا واآلخرة أوحي به لألنبياء الـسابقين، فمـا عن غيره من كل ما –نزل بلسان عربي

كما يتميز القرآن أيـضاً . أوحي به قبله نزل بلفظ غير القرآن العربي المبين بكونه نزل بلفظه ومعناه المتحدي به عن األحاديث سواء كانـت أحاديـث

فاألحاديث القدسية هي التي رواها الرسول صـلى . قدسية أو أحاديث نبوية انه وتعالى وهي تخالف القرآن الكريم من وجوه اهللا عليه وسلم عن ربه سبح

:هي أن القرآن لفظه ومعناه من عند اهللا تعالى، أما األحاديث فمعناها من عند -١

ولمـا كـان . اهللا تعالى ولفظها من عند الرسول صلى اهللا عليه وسـلم األصل أن السنة تبين القرآن الكريم وتفسره وتوضـحه، قـال تعـالى

وهذا البيان إنما هو معنى " ر لتبين للناس ما نزل إليهم وأنزلنا إليك الذك :"



٢٤

فجـوهر . يلقيه اهللا تعالى في قلب نبيه صلى اهللا عليه وسلم فيبين ألمته البيان من عند اهللا وليس بشرط أن يتنزل به جبريل إنما يلقى مباشرة في قلب النبي عليه الصالة والسالم ويترك له أن يعبر عـن هـذا المعنـى

يؤكد ذلـك قولـه . التي يختارها ويراها مالئمة ألفهام أصحابه باأللفاظال تحرك به لسانك لتعجل به إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه : (تعالى

).فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانهأن ما ألهم اهللا به رسوله من المعاني ولم ينزل عليه ألفاظها بل عبر

ال يعد من القرآن وال تثبت له أحكـام الرسول بألفاظ من عنده عما ألهم به وكذلك األحاديث . القرآن وإنما هو من أحاديث الرسول صلى اهللا عليه وسلم

القدسية فهي وإن رواها الرسول عن ربه ال تعد من القرآن وال تثبـت لهـا أحكام القرآن فال تكون في مرتبته في الحجية وال تصح الصالة بها وال يتعبد

.بتالوتها سورة أو آية بألفاظ عربية مرادفة أللفاظ القرآن دالة على مـا تفسير

دلت عليه ألفاظه ال يعد قرآنا مهما كان مطابقاً للمفسر في داللته، ألن القرآن .ألفاظه عربية خاصة أنزلت من عند اهللا تعالى

القرآن الكريم نزل به جبريل اآلمين عليه السالم لفظـا ومعنـى علـى -٢ كما قلنا قد يكـون –يه وسلم، أما الحديث القدسي الرسول صلى اهللا عل



٢٥

إلها ما ألقى به اهللا في قلب النبي صلى اهللا عليه وسلم ولـم ينـزل بـه .جبريل

القرآن الكريم معجز للعرب، فقد تحداهم اهللا سبحانه وتعالى بـأن يـأتوا -٣أم : "بمثله أو بعشر سور أو بسورة واحدة من مثله فعجزوا، قال تعالى

وقال " فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين . تقوله بل ال يؤمنون يقولون قل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ال : "تعالى

قل فأتوا بكتاب من عند اهللا " "يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ت أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثلـه مفتريـا " "هو أهدى منهما

وإن كنتم في ريـب " "وادعوا من استطعتم من دون اهللا إن كنتم صادقين مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اهللا

أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعـوا مـن ". "إن كنتم صادقين ـ " استطعتم من دون اهللا إن كنتم صادقين شترط أما الحديث القدسي فال ي

فيه اإلعجاز وإن جاز فيه ذلك ولم يتحد اهللا سـبحانه وتعـالى العـرب .باإلتيان بشئ من مثله

واإلعجاز معناه نسبة العجز إلى الغير وإثباته له، وال يتحقق اإلعجاز : هذا :إال إذا توافرت أمور ثالث هي

.التحدي، أي طلب النازلة والمعارضة -١



٢٦

ـ -٢ دي إلـى المبـاراة والمنازلـة أن يوجد المقتضي الذي يدفع المتح .والمعارضة

.أن ينتفي المانع الذي يمنعه من هذا التحدي -٣

فإذا ادعى رياضي أنه بطل نوع من أنواع الرياضة، وأنكـر عليـه دعواه آخر فتحدى مدعي البطولة من أنكر عليه وطلبت منه أن يباريه أو أن

وى المـدعي، يأتي بمن يباريه وهذا المنكر مع شدة حرصه على إبطال دع ومع أنه ليس به مرض وال له أي عذر يمنعه عن مباراته وعن اإلتيان بمن يباريه لم يتقدم لمباراته ولم يأت بمن يباريه، فإن هذا اعتراف منه بـالعجز

.وتسليم بالدعوىوالقرآن الكريم توافر في التحدي به، ووجد المقتضي لمن تحدوا بـه

أمـا .مع هذا لم يعارضوه ولم يأتوا بمثلـه أن يعارضوه وانتفى المانع لهم، و التحدي فإن الرسول صلى اهللا عليه وسلم قال للناس إني رسول اهللا وبرهاني على أني رسول اهللا هذا القرآن الذي اتلوه عليكم ألنه أوحى إلي به من عند اهللا، فلما أنكروا عليه دعواه، قال لهم إن كنتم في ريب من أنه من عنـد اهللا

إلى عقولكم أنه من صنع البشر فأتوا بمثله أو بعشر سـور مثلـه أو وتبادربسورة من مثله وتحداهم وطلب منهم هذه المعارضة بلهجات واخزة وألفاظ قارعة وعبارات تهكمية تستفز العزيمة وتدعوا إلى المباراة، واقسم أنهـم ال

م حيـث إن ومع انتفاء المانع لـديه . يأتون بمثله، ولن يفعلوا ولن يستجيبوا



٢٧

القرآن بلسان عربي مبين، وألفاظه من أحرف العرب الهجائيـة وعباراتـه على أسلوب العرب وهم أهل البيان وفيهم ملوك الفصاحة وقـادة البالغـة وميدان سباقهم مملوء بالشعراء والخطباء والفصحاء في مختلف فنون القول

لوا مـا ينقـصهم ولقد تحداهم القرآن في أن يستعينوا بمن شاءوا ليـستكم : ويتموا عدتهم وفيهم الكهان وأهل الكتاب كما أن القرآن لم ينزل جملة واحدة حتى يحتجوا بأن زمنهم ال يتيح للمعارضة بل نزل مفرقاً في ثالث وعشرين سنة، بين كل مجموعة وأخرى زمن فيه متسع للمعارضة واإلتيان بمثله لـو

.كان في مقدورهم :م وجوه إعجاز القرآن الكری

.اتساق عباراته ومعانيه وأحكامه ونظرياته -١ .انطباق آياته على ما يكشفه العلم من نظريات علمية -٢

.أخباره بوقائع ال يعلمها إال اهللا -٣

.فصحاة ألفاظه وبالغة عباراته وقوة تأثيره -٤

ال يخفى أن من يجحد شيئاً من القرآن وينكره وال : الخاصية الرابعة -٥را، أما من يجحد شيئاً من الحديث القدسي يعترف بقرآنيته يعتبر كاف

.فال يحكم عليه بالكفر بسبب ذلك

– الفاتحة وغيرها معهـا –الصالة ال تتم إال بقراءة شئ من القرآن -٦ .إن أمكن بالنسبة لغير الفاتحة، وال تصح الصالة بالحديث القدسي



٢٨

إنه لقـرآن : "القرآن ال يمسه إال المطهرون كما جاء في قوله تعالى -٧أما الحديث القدسـي " كريم في كتاب مكنون ال يمسه إال المطهرون

فال يشترط فيه ذلك، وإن كان يحسن من باب األدب مـع الحـديث ويترتب على كون القرآن الكريم منـزالً . سواء أكان قدسياً أم نبوياً

من عند اهللا باللفظ والمعنى ومتحدياً للمشركين ومعجزاً لهم، أن أشير .ام فيما أثير حول ترجمة القرآنفي هذا المق

نقل الخبر جماعة عن جماعة يستحيل تواطـؤهم : وفي االصطالح ولألخبار المتواترة أمثلة كثيرة ال تحـصى، . على الكذب أو نقالً يفيد اليقنين

العلم بوجـود مكـة المكرمـة وبعـدد : وأقرب هذه األمثلة إلى موضوعنا واألصل أن هذا العلم ليس . الصلوات الخمس وبفرضية صوم شهر رمضان

محسوساً بل العقل هو الذي يحكم بصدقه، ووسيلته في ذلك السمع المتكـرر مثله في ذلك مثل تكرار التجربة، ولكل مرة في التجربة شهادة إلى أن ينقلب

.الظن علماً فهذه مدارك العلوم اليقينية الحقيقية الصالحة لمقدمات البراهين :نـزول القرآن منجمـًا

اآليات القرآنية إما مكية وإما مدنية، ومعلوم أن الوحي جاء لرسـول اقـرأ باسـم (اهللا وهو يتعبد، وأنزل اهللا تعالى عليه أول آيات القرآن الكريم

الـذي علـم * خلق اإلنسان من علق اقرأ وربك األكـرم * ربك الذي خلق ).علم اإلنسان ما لم يعلم* بالقلم



٢٩

ت، كان النبي صلى اهللا عليه وسلم يتحرق ثم انقطع الوحي ثالث سنوا شوقاً لنزول الوحي عليه، بعد أن ذهبت السيدة خديجة إلى ورقة بن نوفـل وحدثته ما كان من أمر محمد وأخبرها بأن هذا هو الناموس الذي ينزل على األنبياء، وأثناء سير النبي صلى اهللا عليه وسلم فوق رؤوس الجمال إذ سمع

فرفع بصره فإذا الملك الذي جاءه بحراء فرعـب منـه صوتاً من السماء، * يا أيها المدثر (زملوني، فأنزل اهللا تعالى : ورجع إلى زوجته خديجة فقال

ثم تتابع الوحي، وعالج ) وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر * ق فأنذر الوحي الذي نزل بمكة أمور العقيدة، ومناقشة ما عليه القوم وتقويم أخالقهم

تهذيب نفوسهم، وسلك لذلك طرقاً جمة داعيا إلى عبـادة الواحـد القهـار ومستهيناً بما يعتقدون ويعبدون من أحجار ال تضر وال تنفع، داعياً فطـرتهم اإلنسانية التي فطر اهللا الناس عليه إلى تدبر ما تردت فيه وهي تسير خلـف

الفكر اإلنساني إلـى تقاليد بالية حمقاء توارثوها عن اآلباء واألجداد مستحثاً كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلـك آليـات (النظر إلى ما حوله وما يعايشه

أفال ينظـرون ) (مرج البحرين يلتقيان بينهم برزخ ال يبغيان ) (ألولي النهى وإلى الجبال كيف نـصبت * إلى اإلبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت

ما خلق خلق من ماء دافـق فلينظر اإلنسان م ). (وإلى األرض كيف سطحت ).يخرج من بين الصلب والترائب أنه على رجعه لقادر



٣٠

بمثل هذه األمر والتي يعايشها الناس استصرخ اهللا فكرهم إلى التدبر وعقلهم إلى الفهم ونفسهم للهداية، فآمن كل مفكر عاقل واسـتجاب لـدعوة

زل على رسول هذه سمات القرآن المكي الذي ن . الكون له إلى اإليمان بربه اهللا صلى اهللا عليه وسلم في مكة قبل أن يتركها مهاجراً إلى يثرب، وكانـت هذه اآليات التي ينزل كل منها تلو اآلخر مشاعل هداية واكبت رسـول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مواسية تارة ومقوية عزمه تارة أخرى، ومقرعة للكفر

دفعة واحدة وإنما نزلت مجيبة والكفرة مرة أخرى وهكذا لم تنزل هذه اآلياتعلى سؤال أو رادة على من حاول الكيد للرسول والمسلمين طوال سـنوات زادت على اثنى عشرة سنة قضاها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسـلم بمكـة

.وبين أهلهاأما بعد أن هاجر الرسول صلى اهللا عليه وسلم إلى المدينـة وأقـام

سالمي يأخذ كشالً جديداً بدأت اآليات القرآنية المسلمون بها وبدأ المجتمع اإل تنزل منظمة شئون هذا المجتمع ومعالجة قضايا ومجيبة على كل ما يوجـه إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من أسئلة وأمور موضحة مواقف تتطلب البيان والتوضيح، متحدثة عمن يسكن المدنية مع الرسول صـلى اهللا عليـه

نافقين، كاشفة مؤامرتهم وخيانتهم مفشية ما تكنه قلـوبهم وسلم من يهود وم إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اهللا واهللا يعلم إنك لرسـوله واهللا (

اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل اهللا أنهـم * يشهد أن المنافقين لكاذبون



٣١

هم فهـم ال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوب * ساء ما كانوا يعملون وهكذا نرى أن اهللا سبحانه وتعالى أنزل القرآن على رسوله محمـد ) يفقهون

صلى اهللا عليه وسلم مفرقاً ليتدرج باألحكام حكماً بعد آخر تخفيفـاً مـن اهللا وتيسيراً وليجبي المرة تلو األخرى على ما كان يوجه لنبيه من أسئلة ومـا

لى اهللا عليه وسلم ويؤنسه يعرض له من أحداث وليثبت به قلب الرسول ص بتكرار وحي السماء عليه وليمكنه من حفظه وكتابته وتبليغه، قـال تعـالى

وقـال الـذين ) (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيال (كفروا لوال نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت بـه فـؤادك ورتلنـاه

).ك بالحق وأحسن تفسيراترتيال وال يأتونك بمثل إال جئنا :حجیة القرآن وداللتھ على األحكام : المطلب الرابع

أنه الحجة من عند اهللا القائمـة علـى خلقـه : يقصد بحجية القرآن بضرورة اإليمان به، وامتثال أمره واجتناب نهيه، وأما داللته على األحكـام

األخرى تفيد حكمـا فمعناها أن اآلية القرآنية تدل على حكم معين وأن اآلية .آخر :حجیـة القـرآن : أوًال

أجمعت األمة كلها على أن القرآن الكريم هو حجة اهللا البالغة وأنـه المصدر األول لتشريع األحكام، فإذا نص القرآن على حكم وجب العمل بـه

فمن القرآن الكريم علمنا أن السنة هي المصدر األساسـي . واألخذ بمقتضاه وما آتاكم الرسول فخذوه ومـا نهـاكم (حيث يقول اهللا تعالى الثاني للتشريع



٣٢

ومن القرآن علمنا أن اإلجماع مصدر للتشريع حيث يقول اهللا ). عنه فانتهوا وطاعة أولي األمر ..) أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأولى األمر منكم (تعالى

كام لم الذين هم أهل الحل والعقد يكون بالرجوع إلى ما أجمعوا عليه من أح كما أن اآلية نفسها أشارت إلـى القيـاس . يجدوا لها نصاً في كتاب أو سنة

فإن تنازعتم فردوه إلى اهللا والرسول والرد إلى اهللا تعالى يكون برد القضية (موضوع النزاع إلى كتاب اهللا، والرد إلى الرسول يكون برد هذه القضية إلى

.لثابتة في الكتاب والسنةسنة رسول اهللا وذلك بالقياس على األحكام ا :داللة القرآن على األحكام : ثانیًا

القرآن الكريم كتاب هداية وإصالح وإرشاد، مصداقاً لقولـه تعـالى هذا والقرآن الكريم في داللته على ). ذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين (

: األحكام قد سلك طريقين ورة كلية، بمعنـى أن وهو طريق التعبير عن األحكام بص : أحدهما

القرآن الكريم وضع القاعدة الكلية التي تنظم سلوكيات اإلنسان في جانب من الجوانب المتصلة به، وترك ذكر تفصيالت هذه األحكام للرسول صـلى اهللا عليه وسلم الذي بين ألمته أكثر هذه األحكام وتـرك بعـضا منهـا ليعمـل

حسب حاجات البشر في مختلف المتجهدون من المسلمين فيه آراءهم عقولهم العصور واألزمان طبقاً لما وضعه الرسول صلى اهللا عليه وسلم وجاء بـه أيضاً القرآن الكريم من ضوابط وقواعد تشريعية، من هـذا النـوع أحكـام



٣٣

: الثـاني . المعامالت وما جرى مجراها من العقوبات التعزيرية وغيرهـا ورة تفصيلية دقيقة ووضعها فـي الطريق الثاني وهو تنظيم حياة الناس بص

قوالب لفظية قاطعة الداللة على هذه األحكام غير محتملة لبس وال شـبهة، .مثل أحكام الحدود والمواريث ونحوها

هذا واآليات القرآنية في مدلولها على األحكام المأخوذة منها إمـا أن تها عليـه تكون اآلية قد دلت على الحكم الشرعي داللة قطعية، أو تكون دالل

. داللة ظنية :الداللة القطعيـة

وهي التي تدل على المعنى المراد داللة ال لبس فيها وال خفـاء وال تحتمل معنى آخر، فيكون النص القرآني مفيداً للمعنى المقصود إفادة قاطعة

.دون أدنى احتمال ألي معنى آخر سواهفإن هـذا ) الزكاة وأقيموا الصالة وآتوا (قوله تعالى : ومن أمثلة ذلك

أي أنه يدل على فرضية الصالة وفرضية الزكاة دون –النص قطعي الداللة حيث يدل ) كتب عليكم الصيام (وكقوله تعالى . أدنى احتمال ألي معنى آخر

.على فرضية الصيام داللة قاطعة ال مجال فيه لدنى ترددف حيـث ال لهذه الداللة الحاسمة فإنه لم يثر بشأنها أي خال : ونظراً

بل ال يتصور وجود من يخالف في ذلك، ألن هذه األحكام هـي –تجد فقيهاً .من األمور المعلومة من الدين بالضرورة



٣٤

:الداللـة الظنيـة أما الداللة الظنية فهي تلك التي يكون النص فيها محتمالً ألكثر مـن

عية على يدل داللة قط ) وامسحوا برءوسكم (قوله تعالى : مثـال ذلك . معنىولكن لما كانت .أن مسح الرأس من فرائض الوضوء، وهذا خالف في شأنه

في اللغة العربية تستعمل ألكثر من معنى، فهـي تـستعمل للتأكيـد " الباء"ومن هنا اختلف الفقهاء في المقدار الذي يجب مسحه من الرأس . وللتبعيض

ؤكـدة زائـدة، فقال جمهور الفقهاء إنه يجب مسح جميع الرأس، ألن الباء م ".والمعنى وامسحوا رؤوسكم

إنه يكفي ألداء الفريضة مسح جزء من الـرأس، ألن : وقال آخرون الباء للتبعيض، والمعنى ببعض رؤوسكم، ولكن أجمع الفقهاء على أن مـن

. فالداللة الظنية هنا ترجع إلى استعمال البـاء ). يمسح رأسه كله فقد أحسن فيـه داللـة ) على الصلوات والصالة الوسطى حافظوا (قوله تعالى : أيضاً

قطعية على وجوب المحافظة على الصلوات الخمس بأدائهـا فـي أوقاتهـا وإعطاء أهمية خاصة للصالة الوسطي، وهذا ال خالف فيه، ولكن ما هـي الصالة الوسطى؟ فاآلية لم تحددها فهي محتملة ألكثر من معنى، وداللة اآلية

داللة ظنية، ومن هنا اختلف الصحابة ونم بعدهم على تحديد الصالة الوسطى .من األئمة في تحديد هذه الصالة



٣٥

في السنـة : المبحث الثاني :في التعریف بالسنـة :المطلب األول

الطريقة المسلوكة، وأصلها من قولها سننت الـشئ : السنة في اللغة . بالمسن إذا أمررته عليه حتى يؤثر فيه سنا طريقا

سنة معناها األمر باإلدامة من : معناها الدوام، فقولنا : سائي وقال الك .سننت الماء إذا واليت في حبه: قولهم

أصلها الطريقة المحمودة، فإذا أطلقنا انصرفت إليها، : قال الخطابي هـي : وقيـل " من سن سنة سـيئة : "وقد يستعمل في غيرها مقيدة كقوله

مـن : يئة، كما في الحديث الصحيح الطريقة المعتادة، سوءا كانت حسنة س سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة

فالسنة عبـارة ". سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة عن الطريقة، فسنة كل أحد ما عهدت منه المحافظة عليه واإلكثار منه، كان

".السنة في اصطالح األصوليين. " غيرهاذلك من األمور الحميدة أوكل ما صدر عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من قول أو فعل أو هي أحاديثه التي قالهـا فـي مختلـف األغـراض : فالسنن القولية . تقرير

وقولـه " ال ضرر وال ضرار : "والمناسبات مثل قوله صلى اهللا عليه وسلم .وغير ذلك" الطهور ماله الحل ميتتههو "صلى اهللا عليه وسلم في البحر



٣٦

هي أفعاله صلى اهللا عليه وسلم مثل أدائه الصلوات : والسنة الفعليـة الخمس بهيئاتها وأركانها وأدائه مناسك الحج، وقضائه بشاهد واحد ويمـين

.المدعي :والسنن التقریریـة

هي ما أقره الرسول مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال ته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه فيعتبر بهـذا اإلقـرار بسكو

ما روي أن صحابيين : وذلك مثل . والموافقة عليه صادراً عن الرسول نفسه خرجا في سفر فحضرتهما الصالة ولم يجدا ماء فتيمما وصيا، ثم وجدا الماء

الرسول أقر في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد اآلخر، فلما قصا أمرهما على كال مهما على ما فعل، فقال للذي لم يعد أصبت سنة وأجزأتك صالتك، وقال

روي أنه صلى اهللا عليه وسلم لما : ومثل ذلك . للذي أعاد لك األجر مرتين أقضي بكتـاب اهللا، : بم تقضي؟ قال : بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له

فإن لم تجد قال أجتهد رأيي : فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول اهللا، قال : قال وال آلوا، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الحمد هللا الذي وفق رسـول

.رسول اهللا لما يرضي اهللا ورسوله :السنـة عند الفقھاء

يبحث الفقهاء في النصوص الستخراج الحكم الفقهـي أو الـشرعي، عليه وسلم من غير وعلى هذا فإن السنة عندهم ما ثبت عن النبي صلى اهللا

افتراض وال وجوب، أي أن السنة ترجح جانب الفعل على جانـب التـرك



٣٧

ترجيحاً ال يصل حد وجوب الفعل، وإنما فيه حث على اتيانه والقيام به مـن غير منع من فعل نقيضه، إذ أن دليل الترجيح ال يفيد تحريم الترك فالفاعـل

.يثاب على فعل الشئ وال يعاقب على تركهل ذلك ما روي من أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كان يصوم مثا

يوم العاشر من شهر المحرم، ومن أن الرسول صلى اهللا عليه وسـلم قـد اعتمر، وأنه كان يصلي ركعات غير الفرائض الذي فرضها اهللا عليه، ومن أنه صلى اهللا عليه وسلم كان يأتي بأفعال وهو يتوضـأ كغـسل كفيـه ثـم

نشق إلى غير ذلك من األفعال التي لم يأمر بها علـى سـبيل يتمضمض يست .االفتراض او الوجوب

فكل هذه األفعال ثبت وقوعها من النبي صلى اهللا عليه وسلم ولم يشر بأن هذه األمور من األمور الواجبة أو المفترضة على األمة، فهي إذا مـن

س في ذلك مـا األمور التي رجحت السنة جانب فعلها على جانب تركها ولي .يمنع من عدم القيام بها :السنـة عند المحدثین

هي كل ما أثر عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من قول أو فعـل .أو تقرير أو صف قبل الرسالة أو بعدها أثبت حكما شرعياً أم لم يثبت



٣٨

والسنة بهذا المعنى ترادف الحديث عند بعض المحدثين، كما أطلقهـا ن فشملت أيضاً ما أثر عن الخلفاء الراشدين الذين التزموا بنهج بعض المحدثي

.رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم واقتفوا أثرهوقد استدل هؤالء على ما ذهبوا إليه بما رواه العرباض بن سـارية

بقوله صلى بنا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه فت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل يا فوعظنا موعظة بليغة ذر

أوصيكم بتقوى : كأن هذا موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا، قال : رسول اهللا اهللا والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعـيش مـنكم بعـدي فسيري اختالفا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا

وعضوا عليها بالنواجز، وإياكم ومحدثات األمور فإن كل محدثة بدعـة، بها : وكل بدعة ضاللة، ولكل ضاللة في النار وبناء على ما سبق نجد

أن األصوليين يهتمون بما وضعه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من -قواعد يحتكم إليها المجتهدون عند بيانهم لألحكام الشرعية، ولذا عنوا

ه صلى اهللا عليه وسلم وأفعاله وتقريراته التي تضع للمـسلمين بأقوال .دستوراً شرعياً خالياً من الزلل أو األهواء

فقد استهدفوا استخراج الحكم الشرعي ألفعـال العبـاد : أما الفقهاء -سواء اكن ذلك الحكم هو الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أواإلباحة أو

كم وأنواعه وحجيته أمـا علمـاء وما إلى ذلك من مراتب الح . الندب



٣٩

الحديث فإنهم استهدفوا جميع ما كان من الرسول صلى اهللا عليه وسلم في غدوة ورواحه، وفي سيرته وأخالقه وأوصافه حتى قيل البعثة بل وأكثر من ذلك ما وقع من الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، مـع

وسلم والعناية بمن بيان درجة إسناد ذلك إلى الرسول صلى اهللا عليه سمعه منه ونقله عنه إلى غير ذلك مما يتصل بتوثيق اإلسـناد إليـه

.صلى اهللا عليه وسلم

وال يخفى أنهم جميعاً يجنون ثماراً وأزهاراً يانعة باسقة من شـجرة -مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حـين بـإذن

تمسسه نار، نرو على نور ربها، شجرة نورانية يضئ هديها ولو لم يهدي اهللا لنوره من يشاء، تلكم هي شجرة األنوار المحمدية وواحـة

.الظالل جنية الثمار، ال ينقطع مددها وال يغيض فيضها

ولما كانت هذه الشجرة المباركة هي محور بحث هؤالء السادة جميعاً -فإذا جنيهم قريب المذاق متحد طيب الرائحة ال يكـاد يوجـد فـرق

.موس بين بعضه البعضمل

هم في بحثهم الدائب الدؤوب يكتشفون كل يوم جديداً ممن ال ينضب - .ورحيق لن ينتهي ومطعوم شهي ال يمل دوامه



٤٠

: في حجیـة السنـة : المطلب الثاني

أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول اهللا من قول أو فعل أو ونقل بسند صحيح يفيد القطع أو تقرير، وكان مقصوداً به التشريع واالقتداء،

الظن الراجح بصدقه يكون حجة المسلمين ومصدراً تشريعياً يـستنبط منـه أي أن األحكام الواردة في هذا . المتجهدون األحكام الشرعية ألفعال المكلفين

.الشأن تكون مع األحكام الواردة في القرآن قانونا واجب االتباعنة المطهرة مستقلة بتـشريع األحكـام ولقد أجمع العلماء على أن الس

: وتحليل الحالل، وتحريم الحرام، فقد ثبت عنهأنه صلى اهللا عليه وسلم قال أي أوتيت مثله من السنة التي لم ينطـق " أال وإني أوتيت القرآن ومثله معا "

بها القرآن، وذلك كتحريم لحوم الحمر األهلية، وتحريم كل ذي نـاب مـن ر، دينية ال يخالف في ذلك إال من الحـظ لـه فـي السبع ومخلب من الطي

ومع أن هذه الضرورة الدينية ال تحتاج بذاتها إلى برهـان، فـإن . اإلسالمالقرآن الكريم أكد هذا البرهان من وجوه كثيرة، وفيما يلي نبذة مختصرة عن

:هذه الوجوه . اإلیمان بالرسول مقرون مع اإلیمان باهللا تعالى: الوجھ األول

اء اإليمان بالرسول في القرآن الكريم مقروناً مـع اإليمـان بـاهللا ج، ويقول جـل شـأنه )آمنوا باهللا ورسوله (تعالى، حيث يقول سبحانه وتعالى



٤١

إنما المؤمنون الذين آمنوا باهللا ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لـم ( ).يذهبوا حتى يستأذنوه

إيمان من آمن باهللا ورسوله وال يكمل : والمعنى كما يقول المفسرون إال بأن يكون من الرسول سامعا غير متعنت في أن يكون الرسـول يريـد إكمال أمر، ويريد هو إفساده بزواله وقد بين اهللا تعالى في أول هذه السورة أنه أنزل آيات بينات فختم السورة بتأكيد األمر في متابعته عليه السالم، ليعلم

.آنأن أوامره كأوامر القر :طاعة الرسول من طاعة اهللا : الوجھ الثاني

أمر اهللا سبحانه وتعالى الناس بطاعته وامتثال أمره، ثم قرن األمـر بطاعته سبحانه باألمر بطاعة الرسول صلى اهللا عليه وسلم، ألنه صـلى اهللا عليه وسلم مبين للناس ومبلغ تشريع اهللا سبحانه وتعالى، وقد سلك القـرآن

األمر بطاعة الرسول صلى اهللا عليه وسلم مسالك يستشف منهـا الكريم في اللغوي مدى الدقة في األمر بالطاعة للرسول وإلزام النـاس بـذلك، إذ أن القرآن الكريم في إيراده لألمر بطاعة الرسول عطفها تـارة علـى األمـر بطاعة اهللا سبحانه وتعالى، وتارة أخرى أورد مع العطف تكرار العامل، ففي

وقوله سبحانه وتعـالى ). قل أطيعوا اهللا والرسول : (ولى مثل قوله تعالى األأطيعـوا اهللا : (ومثال الثانية ) . ومن يطع اهللا ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما (

: ولقد أشار اإلمام محمد عبده إلى جانب من ذلك حين قال ) وأطيعوا الرسول



٤٢

لرسول، ألنه هو الـذي أمر بطاعة اهللا وهي العمل بكتابه العزيز وبطاعة ا يبين للناس ما نزل إليهم، وقد أعاد لفظ الطاعة لتأكيد طاعة الرسـول، ألن دين اإلسالم دين توحيد محض ال يجعل لغير اهللا أمراً وال نهياً وال تـشريعاً وال تأثيراً، فكان ربما يستغرب في كتابه األمر بطاعة غير وحي اهللا، ولكن

شرعه للناس رسل منهم، وتكفل بعصمتهم فـي قضت سنة اهللا بأن يبلغ عنه االتبليغ، ولذلك وجب أن يطاعوا فيما يبينون به الدين والشرع، مثال ذلك أن اهللا تعالى هو الذي شرع لنا عبادة الصالة وأمرنا بها ولكنه لم يبين لنا فـي الكتاب كيفيتها وعدد ركعهاتها وال ركوعها وسجودها وال تحديـد أوقاتهـا،

صلى اهللا عليه وسلم وهذا البيان إرشاد من اهللا تعالى فاتباعه ال ينافي فبينها .التوحيد وال كون الشارع هو اهللا وحده

وإليك بعض آيات القرآن الكريم التي أمر اهللا تعالى الناس فيها بطاعة الرسول محمد صلى اهللا عليه وسلم وقرنها بطاعة اهللا سبحانه وتعالى وجعل

:ين ال تنفك إحداهما عن األخرى وال تتحقق بدونها الطاعتين متالزمتقل إن كنتم تحبون اهللا فاتبعوني يحببكم اهللا ويغفـر لكـم (قال تعالى -١

قل أطيعوا اهللا والرسول فإن تولوا فإن اهللا * ذنوبكم واهللا غفور رحيم فلقد بين اهللا سبحانه وتعالى أن الحب هللا ال يصدق ) ال يحب الكافرين

.رسول صلى اهللا عليه وسلم وطاعتهإال باتباع ال



٤٣

يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا اهللا لعلكم ( -٢وأطيعوا اهللا والرسـول * واتقوا النار التي أعدت للكافرين * تفلحون

وسارعوا إلى مغفرة من ربكـم وجنـة عرضـها * لعلكم ترجعون ).السموات واألرض أعدت للمتقين

يات يخاطب اهللا تعالى المتعاملين بالربا ناهياً لهم عما هم ففي هذه اآل فيه طالباً منهم االستجابة والطاعة لعل رحمـة اهللا تنـالهم فيـدخلون جنـة

.عرضها السموات واألرض أعدها اهللا لمن أطاع اهللا ورسولهتلك حدود اهللا ومن يطع اهللا ورسوله يدخله جنات تجـري نـم تحتهـا (-٣

فيها وذلك الفور العظيم، ومن يعـص اهللا ورسـوله ويتعـد األنهار خالدين ومن يطـع اهللا (وقوله تعالى ) حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين

والرسول فأولئك مع الذين أنعم اهللا عليهم من النبيين والصديقين والـشهداء ).والصالحين وحسن أولئك رفيقا

كام المواريث وما يتـصل بهـا ففي األولى بعد أن بين اهللا تعالى أح وأعلمها الرسول صلى اهللا عليه وسلم للناس، فأعلم اهللا الناس أن هذه الحدود حدود اهللا في المواريث فمن يطع اهللا ورسوله فيما بين الرسول صـلى اهللا عليه وسلم فجزاؤه الجنة بما فيها من نعيم مقيم، ومن يعـص اهللا ورسـوله

العذاب المهين، وفي اآليـة الثانيـة تأكيـد لهـذا فجزاؤه جهنم بما فيها من .المعنى



٤٤

وغير ذلك من اآليات التي تقرن طاعة اهللا بطاعة رسوله صـلى اهللا . عليه وسلم

فطاعة الرسول واجبة واألمر بها ملزم لجميع المكلفـين : وعلى هذا ممن يقع علهيم الخطاب ويصل إليهم ويبلغون به، واألمر هنا للوجـوب ال

ألن طاعة اهللا تعالى واجبة، وما دام األمر كذلك فإن طاعة الرسـول غير،تكون واجبة، ألن اهللا تعالى قد أمر بطاعته وطاعة رسوله وأتى بهذا األمـر معطوفاً على األمر بطاعته سبحانه وتعالى، تارة بحـرف العطـف دون أن

لرسـول يكرر الفعل، وأخرى مع تكرار الفعل، وثالثة بالتحذير من مخالفة ا والتوعد على المخالفة، وهذا كله ال ينصرف إال للوجـوب فتكـون طاعـة

.الرسول واجبة :أمر الرسول من أمر اهللا ونھیھ من نھیھ : الوجھ الثالث

يؤكد القرآن الكريم أن كل ما يأمر به رسـول اهللا صـلى اهللا عليـه االتبـاع، وسلم، فإنه يتعين على كل مسلم أن يمتثل هذا األمر، فأمره واجب

وكل ما ينهى عنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فإنه يجب االنتهاء عنـه، وما آتاكم (بحيث يحرم على كل مسلم ما نهى عنه رسول اهللا يقول اهللا تعالى

، وإذا )الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اهللا إن اهللا شديد العقـاب عن الفئ وتقسيم رسول اهللا صـلى اهللا كانت اآلية الكريمة في مطلعها تتكلم

عليه وسلم إياه، فإنها في نهايتها تقرر حكماً عاماً في جميع أوامـر النبـي



٤٥

صلى اهللا عليه وسلم ونواهيه، ألنه ال يأمر إال باإلصالح، وال ينهى إال عن إفساد، فنتج من هذه اآلية أن كل ما أمر به النبي صلى اهللا عليه وسلم أمـر

الى، وأن كل ما ينهى عنه النبي صلى اهللا عليه وسلم نهى من اهللا من اهللا تع تعالى، فقد جمعت اآلية أمور الدين كما هو معلوم، ويقول العالمة ابن كثير في هذا المقام أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فـاجتنبوه، فإنـه

.يأمر بخير وإنما ينهى عن شر :خالفة أمر الرسول التحذیر من م: الوجھ الرابع

حذر القرآن الكريم أولئك الذين يخرجون على أوامر رسول اهللا صلى فيحذر الذين يخالفون عـن (اهللا عليه وسلم عناداً منهم، وذلك في قوله تعالى

وبدأت اآلية الكريمة في أولهـا ). أمر أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وب بالتقوير لرسول اهللا صـلى اهللا عليـه بما البد منه، فالبد من امتالء القل

وسلم حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه، فكان مطلع اآلية هـو فال تنادوا ) ال تجعلوا دعاء الروسل بينكم كدعاء بعضكم بعضا(النص الكريم

يا : النبي باسمه ولكن نادوه وخاطبوه بالتكريم والتعظيم والتوقير، بأن تقولوا ثم تحذر اآلية المنافقين .. يا نبي اهللا، يا رسول اهللا رب العالمين رسول اهللا،

الذين يتسللون من مجلس رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ويذهبون دون إذن ثم توجه اإلنذار الصريح للذين يخالفون عن أمره فليحذر الذين يخالفون عن

ن تصيبهم فتنة أمره ويتبعون نهجاً غير نهجه أو يتهجمون على سنته ليحذر أ



٤٦

تضطرب فيها المقاييس وتختل فيها الموازين ويختلط الحق بالباطل، والطيب بالخبيث وتفسد األمور في الجتمع فال يأمن على نفسه أحد وال يتميـز فيهـا

ولقد بين اهللا سبحانه وتعالى شأن المنافقين وما كان منهم مـن . خير من شر ليه وسلم بينهم في خـصوماتهم محاولة البعد عن حكم الرسول صلى اهللا ع

ورضاهم بحكم من وضعه اهللا سبحانه وتعالى بالطاغوت، واهللا تعـالى قـد أمرهم أن يؤمنوا بالرسول وبحكمه فإن يكفروا بالطاغوت وحكمه، وبين اهللا أن ذلك من احتالل الشيطان لهم، صلى اهللا عليه وسلم بينهم في شئونهم وما

قضايا، ثم يرضون بما حكـم رسـول اهللا يتصل بهم من أحكام وما لهم من ألـم (صلى اهللا عليه وسلم عن رضا وطيب خاطر وتسليم كامل يقول تعالى

تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريـدون أن يتحاكوا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم

قيل تعالوا إلى ما أنزل اهللا وإلى الروسل رأيت المنـافقين وإذا. ضالالً بعيداً فال وربك ال يؤمنون حتى يحكمـوك (يصدون عنك صدوداً إلى قوله تعالى

).فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما :من خالل الوجوه المتقدمة نستطيع أن نقول

حانه وتعالى فإنه يكون واضحاً وصريحاً إن األمر إذا جاء من اهللا سب -باتباع الرسول صلى اهللا عليه وسلم ووجوب اتباع أمره واجتناب نهيه ولقد أعلن ذلك رسول اهللا عليه وسلم ألصحابه ولمن جـاء بعـدهم



٤٧

معلما الجميع أن سنته صلى اهللا عليه وسلم العم لبها واجب إذ يقـول أمرتكم به فافعلوا منـه مـا ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما (المصطفى

استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واخـتالفهم علـى ).أنبيائهم

وروى أبو داود عن أبي رافع عن النبي صلى اهللا عليه وسلم أنه قال -ال ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه األمر من أمري مما أمرت به

وعـن ) ا في كتاب اهللا اتبعنـاه أو نهيت عنه فيقول ال ندري ما وجدن العرباض بن سارية أنه حضر رسول اهللا صـلى اهللا عليـه وسـلم

أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته وهو يظن (يخطب الناس وهو يقول أن اهللا لم يحرم شيئاً إال ما في هذا القرآن إال وهي واهللا قـد أمـرت

لك يوضح فكل ذ ) ووعظت ونهيت عن أشياء أنها لمثل القرآن وأكثر أن طاعة الرسول صلى اهللا عليه وسلم واالمتثال بأمره أمر واجـب أوجبه اهللا سبحانه وتعالى ونص عليه باللفظ الصريح الواضح وساقت اآليات القرآنية الدليل تلو الدليل على ذلك في سياقات مختلفة ومتعددة يستشعرها العربي صاحب البالغة والبيان الذي نزل القرآن بلغتـه،

يستشفها القلب المؤمن في كلمات اهللا المباركة التي تخـالط شـفاهه و .وتعمرها بنور اهللا نور السموات واألرض



٤٨

:في أقســام السنـة : المطلب الثالث :تقسيم السنة ألقسام مختلفة العتبارات متعددة

تنقـسم الـسنة باعتبـار : تقسیم السنة باعتبار النص الوارد فیھا: أوال .د فيها إلى سنة قولية وسنة فعلية وتقريريةالنص الوار

هي عبارة عن األقوال الواردة عن النبي صلى اهللا : السنـة القوليـة بمعنى أن يكون النص الوارد إلينا قوالً . عليه وسلم في مقام التشريع والهداية

من أقواله في أمر من أمور الدين ولقد نص القرآن الكريم على أهمية كل ما ومـا ( النبي صلى اهللا عليه وسلم في هذا المقام حيث قال تعـالى ينطق به

كما بين لنا النبي عليـه الـصالة ) ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى رحم اهللا أمرءاً سمع مقالتي فحفظهـا : "والسالم حدود هذه األهمية حيث قال

ووعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلـى نضر اهللا أمرءا سمع منا شـيئاً فبلغـه كمـا : وفي رواية " من هو أفقه منه

". سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامعوكما هو معروف فإن اإلعجاز والتحدي إنما هو في آيات اهللا البينات

وكذا يوجد اإلعجاز في بعض األحاديث المروية عن – أي القرآن العظيم –ازاً شهدت به القرون على مرأى ومسمع من النبي صلى اهللا عليه وسلم إعج

العالمين، ولعل الحديث الذي معنا هو من هذه األحاديث فبعد عهـد عـصر الصحابة رضوان اهللا عليهم، ظهر كثير من فقهاء التابعين، وفـي القـرنين



٤٩

الثاني والثالث كان األئمة المجتهدون أئمة المذاهب األربعة المعروفة، وفـي هاء عظام كلهم تلقفوا السنة وخاصة القولية وبحثوها بحثـاً القرون التالية فق

.مستفيضاً بما أفاء اهللا عليهم من فهم وما أفاض عليهم من علم :السنـة الفعليـة

ويقصد بالسنة الفعلية أو العملية ما قام به النبي صلى اهللا عليه وسلم تي شـرعها اهللا أدائه للعبادات ال: وذلك مثل . من أفعال مقصود بها التشريع

:تعالى فقد علم األمة كيفية أداء التكاليف الشرعيـة وهي العبادة المخصوصة بأركانها وشروطها وركوعهـا : فالصالة

وسجودها وما تتطلبه من طهارة البدن والثوب والمكان، وما تتـضمنه مـن تكبير وقراءة وقيام وقعود وتسبيح وتشهد ودعاء وتسليم، كل هذا من السنن

عملية التي نقلتها األجيال عن النبي صلى اهللا عليه وسلم ومـا قلنـاه فـي الالصالة يقال في الزكاة والصيام والحج وسائر التكاليف الشرعية العملية التي

ولكن . فرضها اهللا تعالى وبينها ونفذها عمالً رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم اً على األمة إذا كانت بياناً يالحظ أن األفعال التي يقوم بها النبي تكون فرض

لفرض كما هو الحال في فرائض الصالة ومقادير الزكاة وما إلى ذلك مـن الفرائض، أما إذا كان الفعل الذي ثبت عن النبي صلى اهللا عليه وسلم غيـر مفروض فإنه يكون مستحباً، أو مندوباً في حق األمة، كما هو الحال بالنسبة



٥٠

صدقات بعد الفريضة، والذكر واالستغفار والدعاء، لنوافل الصالة وبالنسبة لل .مع مالحظة ما قام الدليل على أنه من خصائص النبي صلى اهللا عليه وسلم

:السنـة التقريريـة أن يسكت النبي صلى اهللا – أي التقرير –وصورته : يقول الشوكاني

ـ سكت عليه وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه أو في عصره، وعلم به، أو يعن إنكار فعل فعل بين يديه أو في عصره وعلم به، فإن ذلك يـدل علـى

فالمدار على السنة التقريرية هو سكوت . الجواز، وذلك كأكل العنب بين يديه النبي صلى اهللا عليه وسلم على ما رآه أو علمه دون اعتراض نمه، سـواء

حد الصحابة في كان العمل قد تم بين يدي النبي ولم يعترض عليه، أو فعله أ مكان ما ثم أخبر النبي صلى اهللا عليه وسلم بهذا الفعل فأقره ولم يعتـرض

.عليه وهذا مما ال خالف فيه :أقسام السنة من حیث عدد رواتھا

قسم العلماء الحديث من حديث اتصال روايته أو انقطاعها إلى متصل إلـى النبـي وهي التي رويت بالسند –ومنقطع، ثم قسموا الحديث المتصل

إلـى حـديث متـواتر –صلى اهللا عليه وسلم ولم يسقط من السند أي راو .وحديث آحاد ومشهور

وهو الحديث الصحيح الذي يرويه جماعـة :الحديث المتواتر : أوالً عن جماعة يحيل العقل والعادة تواطؤهم على الكذب منذ سماعهم لـه مـن



٥١

ه، ومثل هذا يفيد اليقين والعلم الرسول صلى اهللا عليه وسلم حتى زمن تكوين الضروري ويقطع بصحته، والعمل به حجة فيما ورد فيه دون بحـث عـن

من الفقهاء في اعتبـار رجاله، ومن اشتراط عدالتهم لم يخالف في ذلك أحد .هذا النوع من الحديث حجة يجب األحذية

وال يشترط في الجماعة التي تروي الحديث أن تكون عـدد معـين، هو نقل المجموع المتواتر على مر الزمن الذي يفيد الصدق اليقينـي، وإنما

ال سبيل لنا إلى معرفة أقل عـدد : وقد أشار اإلمام الغزالي إلى العدد فقال يحصل به العلم الضروري، فإننا ال ندري متى حصل علمنا بوجـود مكـة

نا ويعـسر ووجود الشافعي ووجود األنبياء عليهم السالم عند تواتر الخبر إلي علينا تجربة ذلك وإن تكلفناها، وسبيل التكلف أن نراقب أنفسنا، إذا قتل رجل في السوق مثال، وانصرف جماعة عن موضوع القتل ودخلوا علينا فخبرونا عن قتله، فإن قول األول يحرك الظن، وقول الثاني والثالث يؤكده، وال يزال

أن نشكك فيـه أنفـسنا، فلـو يتزايد تأكيده إلى أن يصير ضرورياً ال يمكن تصورنا الوقوف على اللحظة التي يحدث العلم فيها ضرورة وحفظ حـساب المخيرين وعددهم ألمكن الوقوف، ولكن درك تلك اللحظـة عـسير، فإنـه تتزايد قوة االعتقاد تزايداً خفي التدريج، نحو تزايد عقل الصبي المميز إلـى

الصحب إلى أن ينتهي إلـى حـد أن يبلغ حدا التكليف، ونحو تزايد ضوء .الكمال فلذلك تعذر على القوة البشرية إدراكه



٥٢

هذا ومعظم السنن المتواترة سنن عملية، مثل بيانه صـلى اهللا عليـه وسلم للصالة من تكبير وقراءة وركوع وسجود ودعاء وتشهد وسالم، وبيانه

ملية منقولة لسائر األحكام التي جاءت في القرآن الكريم مجملة، فهي سنن ع نقالً متواترا، ولذلك لم يوجد بين العلماء خالف حولها، سواء كانت مفروضة

كما هو الحال بالنسةب لبيان الفرائض، أوغير مفروضة كما هو الحـال –بالنسبة لصالة الوتر التي واظب عليها النبي صلى اهللا عليه وسلم ونقلت نقالً

.متواتراًواترة ورغم ندرتها فإنها موجودة مثـل ويندر أن توجد سنة قولية مت

" من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده مـن النـار : قوله صلى اهللا عليه وسلم فهو حديث متواتر رواه جمع كبير من الصحابة مـنهم العـشرة المبـشرين

وحتى المخيرين به عالمين بما أخبروا به غير مجازفين، فلـو : هذا . بالجنة .فد الحديث القطعكانوا ظانين فقط لم ي

أن يعلموا ذلك عن ضرورة من مشاهدة أو سماع، ألن مـاال يكـون - .كذلك يحتمل دخول الغلط فيه

أن يبلغ عددهم إلى مبلغ معين يمنع في العادة تواطؤهم على الكـذب - بل ضـابطه حـصول العلـم – كما قلنا -وال يقيد ذلك بعدد معين

. وإال فالالضروري به فإذا حصل ذلك علمنا أنه متواتر



٥٣

وجود العدد المعتبر في كل الطبقات، فيروي ذلك العدد عن مثله إلى -أن يتصل بالمخبر عنه، وقد اشترط عدالة النقلة لخبر التـواتر، فـال

.يصح أن يكونوا أو بعضهم غير عدول

: ينقسم الحديث المتواتر إلى قسمين :أقسام الحديث المتواتـر : واة على لفظه ومعناه، ومن أمثلته وهي ما اتفق الر : متواتر لفظي -١

من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده مـن "وقوله صلى اهللا عليه وسلم فإن الرواة قد اتفقوا على لفظه ومعناه، ومن أمثلتـه حـديث " النار

فإن الرواة قد اتفقوا على لفظه ومعناه وهو مـا . المسح على الخفين .يسمى بالتواتر اللفظي

وهو ما تواتر القدر المشترك فيه، بمعنى أن الرواة : متواتر معنوي -٢يتفقون على معنى مشترك في الحديث، وإن اختلفت األلفـاظ التـي رويت بها الحديث من جماعة إلى جماعة، وهذا النوع من الكثـرة الكثيرة في السنة الفعلية، نظراً ألن المسلمين المعاصرين لرسول اهللا

وا أفعاله واطلعوا عليهـا، كوضـوئه صلى اهللا عليه وسلم قد عايش صلى اهللا عليه وسلم وما إلى ذلـك مـن الـسنن –وصالته وحجه

.الفعلية

:السنـة المشهـورة : ثانيا



٥٤

هي ما رواها عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم صحابي أو اثنـان أو جماعة لم تبلغ حد التواتر، ثم رواها عن هذا الراوي أو الرواة جمع من

لتواتر، ورواها عن هذا الجمع جمع مثله، وعن هذا الجمع جمع مثله جموع ا حتى وصلت إلينا بسند، أول طبقة فيه سمعوا من الرسول قوله أو شـاهدوا فعله فرد أو فردان أو أفراد لم يصلوا إلى جمع التواتر وسائر طبقاته جموع

بـن التواتر، ومن هذا القسم بعض األحاديث التي رواها عن الرسول عمر الخطاب أو عبد اهللا بن مسعود أو أبو بكر الصديق ثم رواها عن أحد هؤالء جمع ال يتفق أفراده على كذب مثل حديث إنما األعمال بالنيات وحديث بني

.اإلسالم على خمس وحديث ال ضرار وال ضرار :الفرق بین السنة المتواترة والسنة المشھـورة

لة سندها جمع التواتر من مبدأ التلقي عن كل حلقة في سلس :السنة المتواترة .الرسول إلى وصولها إلينا

فالحلقة األولى في سندها ليست جمعاً مـن جمـوع :أما السنة المشهورة التواتر، بل الذي تلقاها عن الرسول واحد أو اثنان أو جمع لم يبلـغ جمـع

.التواتر وسائر الحلقات جموع التواتر :مستفیض الحدیث المشھور والحدیث ال

هو السنة المشهورة وقد سبق بيانها، وقريب من : الحديث المشهور الحديث المشهور الحديث المستفيض، بل إن جمهور الفقهاء يعتبرونهما من

. أخبار اآلحاد، أو هما بمعنى واحد عند علماء األصول



٥٥

المستفيض ما رواه ثالثة : ويفرق بينهما بعض األصوليين من الحنفية فيقول والمختـار عنـد الحنفيـة أن –دون أن ينتهي إلى حد التـواتر –فصاعدا

عن أصل إمام معتد به في الروايةالمستفيض ما يعده الناس شائعاً وقد صدرفهو ما كان آحادا في األصل ثم تواتر فـي القـرن : أما المشهـور

ويالحظ أن الجمهور يعتبرون الـسنة المـشهورة . الثاني أو الثالث الهجري .وكذلك المستفيضة نوعا من سنة اآلحاد

:حديث اآلحـاد : ثالثاوهو ما ليس بمتواتر، بمعنى أنه لم يرويه جماعة عن جماعة : حديث اآلحاد

في جميع حلقات روايته وإنما انتقصت الجماعة التي روته في عهد الرسول :أو في عصر الصحابة أو التابعين فيطلق حديث اآلحاد على ما يأتي

ق حديث اآلحاد على الحديث الذي رواه واحد في طبقة واحدة في يطل -١ .اإلسناد، يوسمى حينئذ بالحديث الغريب

يطلق حديث اآلحاد أيضاً على الحديث الذي رواه راويان ولو فـي -٢طبقة واحدة في اإلنساد، ويسمى حينئذ بالحديث العزيز لعزته، أو لنه

:عز وقوي نظراً لمجيئه من طريقيـن

أيضاً على ما رواه ثالثة رواة أو أكثر بحيث ال يصل عددهم ويطلق -٣ .حد التواتر، وهذا ما يطلق عليه الحديث المشهور



٥٦

: حدیث اآلحاد وأعمال الفقھاء لھ في األحكام : للفقهاء في أعمال أحاديث اآلحاد في األحكام واألخذ عنهـا رأيـان ال تفيد اليقين الكامل، أن حديث اآلحاد يلزم العمل به وإن كان حجة : األول

إذ هو وإن أفاد الظن فهو موجب للعلم والعمل معـاً، وهـو رأي جمهـور .الفقهاء : وقد استدل جمهور الفقهاء على أعمال حديث اآلحاد بما يأتي يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبـأ فتبينـوا أن : (قوله تعالى -١

، فلقد نزلت هذه )تم نادمين تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعل اآلية فيمن بعثه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إلى بني المـصطلق ليعرف ما هم عليه، فلما أبصره أقبلوا نحوه فهابهم، فرجع إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم وأخبره أنهم ارتدوا عن اإلسالم، فبعث رسول

أن يتثبت وال يعجـل، اهللا صلى اهللا عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره فانطلق خالد حتى آتاهم ليالً فراى منهم ما سره فرجع إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأخبره بأنهم مسلمون فقال صلى اهللا عليه وسلم

.فنزلت اآلية" التأني من اهللا والعجلة من الشيطان" سبحانه وقد استدل بهذه اآلية على قبول خبر الواحد إذا كان عدالً، أن اهللا

وتعالى إنما أثر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق ومن ثبت فسقه بطـل .قوله في األخبار إجماعاً، ألن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها



٥٧

أجمع الصحابة رضوان اهللا عليهم أجمعين على العمل بأخبار اآلحاد -٢ة وما دم من نقلها موثوق في أخباره ونقله، وإذا كان بعض الـصحاب

قد توقف في بعض أخبار اآلحاد، فإن مرد ذلك راجع لنه ارتاب بمن نقل وروى وطلب توثيق الخبر، فلما انضم لخبر اآلحاد مـا يقويـه

.ويثبته عمل به واحتكم إليه

كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يستقبل في صالته بيت المقدس -٣رام ويحب أن في أول الدعوة وكان عليه السالم يحب مكة والبيت الح

يستقبلها في صالته خصوصاً بعد أن كثر اليهود فـي طعـنهم فـي اإلسالم ونبيه، فاستجاب اهللا لنبيه وأمره بالتحول إلى البيت الحـرام

قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهـك ( )شطر المسجد الحرام

د أن أبلغهم واحـد فتحول الرسول إلى البيت الحرام والمسلمون كذلك بع وفي ذلك دليل على قبول خبر الواحد وهو مجمع . من الصحابة األجالء

عليه من السلف ومعلوم بالتواتر من عادة النبي صلى اهللا عليه وسلم في .توجيه والته ورسله آحاداً لآلفاق ليعلموا الناس دينهم

الظن كما بين ذهب بعض العلماء إلى القول بأن خبر اآلحاد ال يفيد : الثانيولقد تصدى ابن حزم للـرد علـى مـن . جمهور الفقهاء بل هي تفيد اليقين

إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول اهللا صـلى اهللا ": خالف ذلك فقال



٥٨

عليه وسلم يوجب العلم والعمل معاً، ألن كالم رسول اهللا كله في الدين وحي .من عند اهللا عز وجل ال شك في ذلك

بني أحد من أهل اللغة والشريعة أن كل وحي نـزل مـن وال خالف عند اهللا تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ اهللا تعالى له بيقين، وكل ما تكفل اهللا بحفظه فمضمون أنه ال يضيع منه شئ وأال يحـرف منـه شئ أبداً تحريفاً ال يأتي البيان ببطالنه وهكذا فكل خبر رواه الثقة عن الثقـة مسنداً إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم في الديانة فإنه حق فقد قاله عليه السالم كما هو وأنه يوجب العلم ونقطع بصحته، وال يجوز أن يختلط به خبر موضوع أو موهوم فيه لم يقله رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قط اختالطـاً

.ال يتميز فيه الحق من الباطل أبداًم مجمعون معنا على أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسـلم وأيضاً فإنه

أخبرونا عن الفـضيلة : معصوم من اهللا تعالى في تبليغ الشريعة فنقول لهم بالعصمة التي جعلها اهللا تعالى لرسوله صلى اهللا عليه وسـلم فـي تبليغـه الشريعة التي بعث له أهي له عليه السالم في أخباره الصحابة بذلك فقط ؟ أم

ي باقية لما أتى به عليه السالم في بلوغه إلينا إلى يوم القيامة فإن قالوا بل هالفضيلة بعصمة ما أتى النبي صلى اهللا عليه وسلم به من الدين باقية إلى يوم

.القيامة صاروا إلى الحق الذي هو قولنا وهللا تعالى الحمد :الراجــح



٥٩

نت منذ زمن بعيد يزيد هو ما أرتاه ابن حزم حيث إن هذه السنة قد دو على اثني عشر قرناً وبالتالي فهي سنة صحيحة نقلتها األجيال جيالً عن جيل

.وبالتالي فهي توجب العلم اليقيني وجوباً حتمياً ال شك فيه :منھج الفقھاء في العمل بأحادیث اآلحاد

اختلفت طريقة ومنهج الفقهاء في العمل بأحاديث اآلحاد، فكـل فقيـه -هج الذي يرجح جانب الصدق ويقوي هذا الحديث ونوضح وضع المن

:آراءهم فيما يلي : اشترط الحنفية للعمل بخبر الواحد الشروط التالية : منهـج الحنفيـة - أال يكون الحديث وارداً فيما يتكرر وقوعه وتعم به البلوى، فإنه إذا جاء -١

مما يكثر وقوعه الحديث عن طريق اآلحاد، والشأن في موضوع الحديث أنه ويحتاج كل مكلف إلى معرفة حكمه فوروده بطريق اآلحاد آمارة على عـدم ثبوته عن الرسول صلى اهللا عليه وسلم، ولذلك لم يأخذ الحنفية بحديث عبـد اهللا بن عمر أن النبي صلى اهللا عليه وسلم، ولذلك لم يأخذ الحنفية بحـديث

سلم كان يرفع يديه عند الركوع، عبد اهللا بن عمر أن النبي صلى اهللا عليه و وعند رفع الرأس منه، ألن ذلك مما يكثر وقوعه، فلو كان ثابت لنقله الكثير

.وحرص الناس على روايتهأال يعمل الراوي بخالف ما روى عنه، فإذا عمل الراوي بخالف ما روى *

عنه فالعبرة بعمله ال بروايته، ألن الراوي ال يخالف ما يرويه عن الرسـول



٦٠

صلى اهللا عليه وسلم ال إذا قام دليل على نسخه، ولذلك لـم يأخـذ الحنفيـة أيمـا امـرأة "بالحديث الذي روته عائشة عن الرسول صلى اهللا عليه وسلم

وأجاز لها أن تزوج نفسها إذا كانت .." نكحت بغير أدت وليها فنكاحها باطل خـالف مـا بالغة عاقلة، وأن تزوج غيرها، ألن السيدة عائشة عملت على

روته، فقد زوجت بنت أخيها عبد الرحمن وهو غائب، فلما حضر غائـب، .ولكنه لم ينقل أنه أبطل العقد

أال يكون الحديث مخالفاً للقياس واألصول الـشرعية إذا كـان الـراوي * وذلك ألن رواية الحـديث بـالمعنى . للحديث غير معروف بالفقه واالجتهاد

كان الراوي معروفاً بالفقه واالجتهاد فإنه حتى كانت شائعة بين الرواة، فإذا وإن استبدل كلمة مكان كلمة فإن فقهه واجتهـاده يجعالنـه يـضع الكلمـة المرادفة للكلمة التي قالها الرسول صلى اهللا عليه وسلم والتي تؤدي معناها، أما إذا كان الراوي غير معروف بذلك فإنه ال يتحقق االطمئنـان، وإذا لـم

طمئنان من هذه الناحية مع مخالفته للقياس واألصول الشرعية فإنه يتحقق اال .ال يعمل به، ويعمل بالقياس واألصول الشرعية

لم يشترط المالكية في العمل بأحاديث اآلحاد إال شـرطاً :مذهب المالكيـة .واحداً وهو أال يخالف الحديث عمل أهل المدينة، فإن خالف ذلك لم يعمل به

اشترط الشافعية للعمل بخبـر الواحـد صـحة الـسند :ـة مذهب الشافعي واتصاله، بأن يرويه عدل ضابط ضبط تاما عن مثله إلى منتهى السند مـن



٦١

غير شذوذ وال علة قادحة وأال يسقط راو من رواته إلى أن يتـصل الـسند .بالرسول صلى اهللا عليه وسلم

:مذهب الحنابلة

بر الواحد صحة السند فقـط، اشترط اإلمام أحمد بن حنبل للعمل بخ ويتبين من خالل منهج الفقهاء أن دائرة العمل بأحاديث اآلحاد عند الحنفيـة

.أضيق الدوائر وأن أوسعها الحنابلة، ويأتي بينهما الشافعية والمالكية :شروط سنة اآلحاد

يشترط للعمل بسنة اآلحاد شروط كثيرة منها ما يتعلق بالراو، ومنها .طوق الحديث ومضمونهما يتعلق بمن

:شروط الراوي : أوالَيشترط في الراوي عدة شروط، تؤخذ في جملتها من قوله صلى اهللا

ذلك أن عبارة " نضر اهللا عبداً سمع مقالتي فوعاها فحفظها فأداها "عليه وسلم توجب البحث عن شروط الراوي عند التحمـل أي عنـد " فوعاها فحفظها "

وهناك شروط أخرى مطلـوب . ة تبليغه لغيره سماع الحديث وتحمل مسئولي .توافرها في الراوي عند األداء، أي عند تبليغ الحديث الذي سمعه

:شروط الراوي عند السماع



٦٢

يشترط في الراوي عند سماع الحديث وتحمل مـسئوليته أن يكـون .مميزاً، وأن يكون ضابطاً

ي الحـديث وهو التمييز، فيجب أن يكون لـدى راو : أما الشرط األول •القدرة العقلية على إدراك ما سمع، فلو كان غير مميز ال يمكـن قبـول روايته لكن ال يشترط أن يكون بالغاً عند سماع الحديث، بل ينبغـي أن تكون لديه القدرة على تمييز الخير والشر والحسن والقبيح، أما البلـوغ

ثل عبد فغير مشروط عند التحمل بدليل قبول روايات صغار الصحابة م .اهللا بن عباس، وعبد اهللا بن الزبير

ويشترط في الراوي عند سـماع الحـديث أن يكـون : الشرط الثـاني •ضابطاً، بمعنى أن يكون واعياً لعبارة الحديث الي يرويه، وهو ما أشار

يكفي لتحقيـق هـذا : وهنا يقول العلماء " فحفظها ووعاها "إليه الحديث فكل إنـسان . ه ويعرف ذلك بالشهرة الشرط أن يترجح ضبطه على غفلت

له حالة مشهورة بين الناس من حيث ضبطه أو من حيث نسيانه وغفلته، وعلى ذلك يقوم البحث عن الراوي في الوسط الذي يعيش فيه، بحيـث

.تعرف أحواله تماماً، ومنها مدى حفظه وضبطه وعدم نسيانه

:شروط الراوي عند األداء الحديث أن يكون بالغاً، عاقالً، ضـابطاً، يشترط في الراوي عند أداء

.مسلماً، عدالً



٦٣

يشترط في راوي الحديث أن يكون بالغاً عند األداء، أي عند :البلوغ -تبليغ الحديث إلى غيره، وهو شرط جوهري البد من مراعاته عنـد تبليغ الحديث إلى غيره، وهو شرط جوهري البد من مراعاته عنـد

تبليغ إال من مكلف، وال تكليف قبل البلـوغ، تبليغ الحديث فال يصح ال وعلى ذلك فال تقبل رواية الصبي، ألنه قد ال يخشى اهللا حق خـشيته

أمـا إذا . فينعدم لديه الوازع من الكذب فال تحصل الثقة في روايتـه كان صبياً مميزاً عند التحل بالغاً عند أداء الرواية فإن روايته تقبـل،

في أدائه ويدل على قبول روايته إجمـاع ألنه ال خلل في تحمله وال األمة على قبولخبر ابن عباس وابن الزبيـر والنعمـان بـن بـشير وغيرهم من صغار الصحابة من غير فرق بين ما تحملوه بعد البلوغ

.أو قبله طالما أن األداء بعد البلوغ يشترط في راو الحديث أن يكون مسلماً عند األداء، فـال :اإلسـالم -

: واية غير المسلم وهو حكم أجمعت عليه األمة، قال الـرازي تقبل ر أجمعت األمة على أنه ال تقبل رواية الكافر سواء علـم مـن دينـه

إن جاءكم فاسق : "االحتراز عن الكذب أو لم يعلم، وذلك لقوله تعالى فأمر بالتثبت عند نبأ الفاسق، وهذا الكافر فاسق فوجـب " بنبأ فتبينوا

وبالتالي ال يقبل خبره وذلك الحتمال الكذب مـنهم التثبت عند خبره .على رسول اهللا فال يقبل قوله وهنا أولى



٦٤

العدالة هي التمسك بآداب الشرع، فمن تمسك بهـا فعـالً :العدالـة -وتركا فهو العدل المرضي، ومن أخل بشئ منها فإن كـان اإلخـالل

عـل الحـرام قادحاً في دينه فليس بعدل، واإلخالل القادح في الدين ف يا أيها الذين : "وترك الواجب واألصل في اشتراط العدالة قوله تعالى

فاهللا تبارك وتعالى يحـذر مـن .." آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا اعتماد قول الفاسق وهو عام في كل خبر أو شهادة، فما بالك بالخبر

وي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأولى ثم أولى أن يكـون را الحديث عدالً حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه وال ثقة فيمن ال يخاف

أما عن شرطي التمييز والـضبط . اهللا تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب .فقد سبق الحديثع نهما وال داعي إلعادته

:شروط منطـوق الحديـث :يشترط في الكلمات التي يتكون منها الحديث ما يلي وهو شرط بدهي كمـا :حيل وجوده في العقل أال يست : الشرط األول -

أن تجد حديثاً من هذا النـوع – بل يستحيل – وال يكاد –هو ظاهر فإن بحث هذا الشرط ليس في : وعلى ذلك . والحمد هللا رب العالمين

الحديث وإنما هو في الرواية، فإذا جاءت الرواية متضمنة معنى من – وحاشـا هللا –واية مردودة المعاني التي يحليها العقل فإنها قطعا ر



٦٥

أن يصدر مثل هذا من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وهو الذي قال :.وما ينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحي"فيه اهللا

فيشترط في سنة : أال يكون مخالفاً لنص مقطوع به : الشرط الثاني - اآلحاد أال يكون منطوقها مخالفا لنص مقطوع به على وجه ال يمكـن الجمع بينهما بحال، وهذا الشرط بدهي أيـضاً، فالتعـارض بمعنـاه الحقيقي يستحيل وجوده، أما الموجود فهو التعارض الظاهري، ولذلك فال يصح أن يحكم بعدم صحةالحديث ألول وهلة ، بـل البـد مـن محاولة التفويق بين النصين، فلعل هناك وجهة معينة يمكـن توجيـه

فإن بذلت المحاولة . ارض مع النص القاطع الحديث نحوها بما ال يتع هـذا . بصدق ولم يمكن الجمع دل ذلك على أن الخبر غير صـحيح

ومن المقارنة بين نصوص القرآن ونصوص السنة من جهة القطعية والظنية ينتج أن نصوص القرآن الكريم كلها قطعية الورود، ومنهـا

فمنها ما : السنـة وأما . ماهو قطعي الداللة ومنها ما هو ظني الداللة هو قطعي الورود ومنها ما هو ظني الورود، وكل واحد منهمـا قـد

.يكون قطعي الداللة وقد يكون ظني الداللةالمتواترة والمشهورة وسنن اآلحاد : وكل سنة من أقسام السنن الثالثة

حجة واجب اتباعها والعمل بها، أما المتواترة فألنهـا مقطـوع بـصدورها ول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأما المشهورة أو سنة اآلحاد وورودها ن رس



٦٦

فألنها وإن كانت ظنية الورود عن رسول اهللا، إال أن هذا الظن ترجح بمـا توافر في الرواة من العدالة وتمام الضبط واإلتقان، ورجحان الظن كاف في وجوب العمل، لهذا يقضي القاضي بشهادة الشاهد، وهي أنما تفيد رجحـان

لظن بالمشهور به، وتصح الصالة بالتحري في استقبال الكعبة وهو إنما يفيد اغلبة الظن وكثير من األحكام مبنية على الظن ولو التزم القطع واليقين فـي

.كل أمر عملي لنال الناس الحرج :في عالقـة السنـة بالقرآن : المطلب الرابع

مـا ورد بالكتـاب اهللا تتبع العلماء األحكام الثابتة بالسنة على ضوء : تعالى من أحكام فوجدوا إنها تأتي على أربعة أنحاء

أن السنة تأتي موافقة للكتاب، فتكون حينئذ واردة مورد التأكيد : األول -ال يحل مال امرئ مسلم إال "ومن هذا القيل قوله صلى اهللا عليه وسلم

تـأكلوا وال: "، فإن هذا الحديث يوافق قوله تعـالى "بطيب من نفسه فالسنة هنا " أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم

قد أكدت الحكم الذي نص عليه القرآن الكريم وجاءت موافقـة لـه فيكون الحكم له مصدران وعليه دليالن، دليل مثبت من آي القـرآن الكريم، ودليل مؤيد من سنة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ومـن

األمر بإقامة الصالة، وإيتاء الزكـاة، وصـوم –حكام أيضاً هذه األ رمضان، وحج البيت، والنهي عن الشرك بـاهللا، وشـهادة الـزور،



٦٧

وعقوق الوالدين، وقتل النفس بغير حق، وغير ذلك من المـأمورات والمنهيات التي دلت عليها آيات القرآن وأيدتها سنن الرسول صـلى

.ليها منهمااهللا عليه وسلم ويقام الديلل عأن السنة تأتي مبينة لما أجمله الكتاب وموضحة لما أشـكل : الثاني -

.ومخصصة للعام ومقيدة للمطلق

:ومن أمثلة ذلك مبينة للجمل، مثل الحاديث الواردة في بيان أوقات الـصالة وعـدد -١

ركعاتها وكيفية أدائها، وكذلك األحاديث المبينة لمقدار المال الـذي ومقدار الواجب فيه، وأنواع المال الذي تؤخذ منـه تجب فيه الزكاة

كل هذه األحاديث مبينة لما أجمله الكتاب بالنسبة لهذين الركعتين في كما جاءت األحاديث مبينة " أقيموا الصالة وآتوا الزكاة : "قوله تعالى

لمقدار الدية في القتل الخطأ، وكيفية أدائها حيث إن القرآن الكـريم ومـن : "ان لمقدارها وال كيفية أدائها، قال تعالى نص عليها دون بي

".قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهلهتأتي السنة موضحة للمشكل، مثل تفسيره صلى اهللا عليه وسلم مـا -٢

: ورد بشأن بيان نهاية إباحة األكل في ليالي رمضان في قوله تعالى األبيض من الخيط األسود من وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط "



٦٨

، بأن المقصود بالخيط األبيض واألسود بياض النهار وسـواد "الفجر .الليل، فليس المقصود بالخيط معناه الحقيقي

تخصيص السنة للفظ العام من القرآن ومنه تخصيصه صلى اهللا عليه -٣الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمـانهم : "وسلم الظلم الوارد في قوله تعالى

بأن المراد بالظلم هو الشرك باهللا، إذ أن بعض الصحابة فهـم " لمبظأن الظلم مراد منه عموم أنواع الظلم حتى قال أينا لم يظلـم، فقـال

".ليس بذلك وإنما هو الشرك"النبي صلى اهللا عليه وسلم

والـسارق والـسارقة :"تقييد السنة للمطلق، ومن أمثلته قوله تعالى -٤ .قيدت السنة بقطع اليد اليمنىفقد " فاقطعوا أيديهما

أن السنة تدل على حكم سكت عنه القرآن، فقد تكون سـنة : الثالث -مثبتة ومنشئة لحكم ثبت عنه القرآن، فيكونهذا الحكم ثابتاً بالسنة، وال

تحريم الجمـع بـين المـرأة : يدل عليه نص في القرآن، ومن هذا ب مـن الـسباع وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وتحريم كل ذي نـا

ومخلب من الطير، وتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب على الرجال يحرم من الرضاع ما : "وما جاء عنه من قوله صلى اهللا علريه وسلم

مع أن القرآن الكريم لم يـنص إال علـى تحـريم " يحرم من النسب .: الزواج من األمهات الالتي أرضعن واألخـوات مـن الرضـاعة

أن الرضاعة تحدث نفس األثر الذي تحدثه القرابة فنصت السنة على



٦٩

يحرم مثله من النسب وبهذا جاءت السنة بأحكـام سـكت عنهـا –كما أن القرآن لم ينص فيه على رجـم الزانـي المحـصن، . القرآن

وجاءت به السنة حيث رجم الرسول صلى اهللا عليه وسلم مـا عـزا – وهو الدس –ث والغامدية، وجاءت السنة بنصيب للجدة في الميرا

ولم ينص عليه الكتاب، وجاءت أيضاً بإيجاب الكفارة على من انتهك حرمة رمضان، كما جاءت السنة بجواز الرهن في الحضر، مـع أن

وإن كنتم على سفر : "القرآن نص على جوازه في السفر، قال تعالى ".ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة

هل العلم مخالفاً من أن سنن النبـي لم أعلم من أ : قال اإلمام الشافعي -ما أنـزل اهللا عـز : أحدهما : صلى اهللا عليه وسلم من ثالثة وجوه

وجل فيه نص كتاب فسنن الرسول اهللا مثل ما نص الكتاب، واآلخر، والوجـه . ما أنزل اهللا عز وجل فيه جملة فبين عن اهللا معنى ما أراد

.تابما سن رسول اهللا مما ليس فيه نص ك: الثالث أن األحكام التي وردت في السنة إمـا أحكـام مقـررة .. وخالصـة ذلك

ألحكام القرآن، أو أحكام مبينة لها، أو أحكام سكت عنها القـرآن مـستمدة بالقياس على ما جاء فيه أو بتطبيق أصوله ومبادئه العامة ومن هذا يتبين أنه

.رضال يمكن أن يقع بين أحكام القرآن والسنة تخالف أو تعا



٧٠

اعــــاإلجمـ : المبحث الثالث :في التعریف بھ وبیان أركانھ : المطلب األول

معنى في اللغة ومعنى في االصطالح، وإليك بيان : لإلجماع معنيان : كل من تعريف اإلجماع في اللغة يطلق اإلجماع في اللغة علـى معنيـين

فالن على السفر إذا أجمع : العزم على الشئ والتصميم عليه، فيقال : أولهما : عزم عليه وأجمع القوم على السير إذا عزموا عليه، ومنه قولـه تعـالى

بمعنى مع " وشركاءكم: "قالوا وفي قوله تعالى " فأجمعوا أمركم وشركاءكم (فيكون المعنى اعزموا على ما تريدون وصمموا عليه مع شركائكم، وأيـضاً

أي عزمـوا علـى أن " الجـب وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة : "قوله تعالى أي اعزموا علـى " فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا : "يجعلوه، ومنه قوله تعالى

من لم يجمع الصيام قبـل : "ومنه قوله الرسول صلى اهللا عليه وسلم . كيدكماإلتفـاق : ثانيهما . أي من لم يعزم عليه من الليل فينويه " الفجر فال صيام له دم على كذا، أي اتفقوا عليه، ومنه قوله صلى اهللا أجمع الق : على شئ، فيقال

أي ال يتفقون عليها، وهذا المعنى " ال تجتمع أمتي على ضاللة : "عليه وسلم .هو األنسب للمعنى االصطالحي

بما . يفرق بين المعنيين السابقين للتعرف اللغوي لإلجماع : الفرق المعنيين : يأتي من الواحد كما يتصور من المتعدد، أما اإلجماع بمعنى العزم يتصور : أوالً

. بمعنى اإلتفاق فال يتصور إال من متعدد اثنتين فأكثر



٧١

.العزم فيه جمع للخواطر، أما اإلتفاق ففيه جمع لآلراء : ثانياًاإلجماع بمعنى العزم يتعدى بنفسه، كما يتعدى بعلـي، أمـا بمعنـى : ثالثاً

.اإلتفاق فال يتعدى إال بعلي :اع اصطالحا تعریف اإلجم

قبل أن أتحدث عن تعريف اإلجماع اصطالحا، يجد ربنا أن ننبه، أن اإلجمـاع العـام دون – عند األصـوليين –اإلجماع عند االطالق يراد به

اإلجماع الخاص كإجماع الخلفاء الراشدين وإجماع أهل المدينة، وقد ذكرت :تعريفات كثيرة لإلجماع لعل أهمها أن اإلجماع هو

بعد وفاته فـي –ق المجتهدين من أمة محمد صلى اهللا عليه وسلم اتفا - .عصر من العصور على حكم شرعي

:أركـان اإلجمـاع :يتضح من التعريف السابق أن أركان اإلجماع هي أن يكون اإلتفاق من المجتهدين، أما العوام فإنه ال عبرة باتفاقهم وال -١

من أهل النظر في مدارك بخالفهم في األحكام الشرعية، ألنهم ليسوا األحكام وال فهم الحجة والبرهان، وكذا لو خالف أحد المجتهدين رأي باقي المجتهدين لم ينعقد اإلجماع مهما كثـر عـدد المثقفـين، ألن

.المخالف قد يكون على صوابأن يكون المجتهدون من أمة محمد صلى اهللا عليه وسلم فأما اتفـاق -٢

.ة فإنه ال يعتبرا جماعاً شرعياًالمجتهدين من األمم السابق



٧٢

أن يكون اتفاقهم بعد وفاة الرسول صلى اهللا عليه وسلم، ألن اإلجماع -٣في عصره ال عبرة به، إذ أنهم إن اتفقوا على أمر فوافق الرسـول صلى اهللا عليه وسلم عليه كان العمل به ال على أنه إجماع بل علـى

باب الوحي مفتوح فـي أنه سنة وإن لم يوافق عليه سقط، وذلك ألن حياة النبي صلى اهللا عليه وسلم فالواقعة المستحدثة إما أن ينزل فيها وحي من السماء، وإما أن يبين رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم هذه الواقعة، وفي كلتا الحالتين يكون المرجع في الحكم الـشرعي إلـى

ـ د وفـاة الوحي وبالتالي حتى يكون هناك إجماع البد وأن يكون بع .الرسول صلى اهللا عليه وسلم

أن يكون اتفاقهم في عصر من العصور، أي أنه ال يشترط إجماعهم -٤في جميع العصور إلى يوم القيامة، وإنما يشترط أني كون ذلك فـي عصره من العصور والمراد بالعصر الذي أجمعوا فيه عصر مـن

تي احتيج وجد من أهل االجتهاد في الوقت الذي حدث فيه المسألة ال إلى بيان حكمها، فال يعد بمن صار مجتهداً بعد حـدوثها وإن كـان المتجهدون في هذه المسألة المجمعون على حكمها ال زالوا على قيد

.الحياة

أن يكون المجتهدون جماعة، فمن العلمـاء مـن يـشترط أن يبلـغ -٥المجتهدون الموجودون وقت حدوث المسألة حد التواتر حتى ينعقـد



٧٣

، ومنهم من اكتفى بثالثة، وعلى هذا أن لـم يوجـد سـوى اإلجماعأن يتفق المجتهدون على حكم شرعي، . مجتهد واحد اثنان على رأي

كالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهية أو الصحة أو الـبطالن، الحسية أو اللغوية، فاإلتفاق على مثلها ال يعتبر أما األحكام العقلية أو

.ي فال تعد مخالفته كفراًإجماعاً على حكم شرع

:اإلجماع باعتبار الطريقة التي تم بها إلى نوعين يتنوع:أنـواع اإلجمـاع

إجماع سكوتي- إجماع صريح - وهو أن تعرض المسألة على المجتهدين في مجلس واحد :اإلجماع الصريح

ـ التين فيبدي كل منهم رأيه فيها بالتكلم، أو يعمل بما أفتوا به فيتفقون في الح .إجماع عملي: إجماع قولي، والثاني : فاألول . على حكمها

أن يتكلم البعض في المسألة ويسكت البعض إذا كـانوا :اإلجماع السكوتي مجتمعين، أو يبدي مجتهد فيها رأيه إذا كانوا غير مجتمعين، ويـصل هـذا

وال الرأي إلى المجتهدين فيسكنون بعد مضي مدة التأمل والتفكير في الحكم، يكون هناك مانع من إعالن المعارضة من ظلم أو أحياء أو تقنيـة أو غيـر

وهذا النوع من اإلجماع رخصة عند القائلينبه، ألنه جعل . ذلك من األسباب .إجماعاً للضرورة والرخصة مبينة على الضرورة



٧٤

:في حجة اإلجمـاع : المطلب الثاني اإلجماع هـو المـصدر جمهور العلماء من األمة اإلسالمية على أن

األساسي الثالث من مصادر الفقه اإلسالمي، وقال بحجته أكثر المسلمين ولم واتفق أكثر المـسلمين . يخالف في ذلك إال البعض، وفي ذلك يقول اآلمدي

على أن اإلجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم خالفاً للـشيعة : اإلجماع ما يأتي والخوارج والنظام من المعتزلة، ودليل حجية

:من الكتـاب

ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبـع : "قوله تعالى -١". غير سبيل المؤمنين هو له ما تولى ونصله جهنم وساءت مـصيرا

ووجه االحتجاج باآلية أنه تعالى توعد على متابعـة غيـر سـبيل لما حسن الجمع المؤمنين، ولمو لم يكن ذلك محرما لما توعد عليه، و

بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول عليه وسلم في التوعد، كمـا ال يحسن التوعد، كما ال يحسن التوعد على الجمع بين الكفـر وأكـل

.الخبز المباحيا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأولي : "قوله تعالى -٢

ووجـه ". والرسـول األمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى اهللا أن اهللا تعالى شرط التنازع عند وجوب الرد إلـى : االحتجاج باآلية



٧٥

الكتاب والسنة، والمشروط على العدم عند عدم الشرط، وذلك علـى أنه إذا لم يوجد التنازع، فاالتفاق على الحكم كاف عن الكتاب والسنة

.وال معنى لكون اإلجماع حجة سوى هذا

ير أمة أخرجت للنـاس تـأمرون بـالمعروف كنتم خ : "قوله تعالى -٣أن الخيريـة توجـب : ووجه االحتجاج باآلية ". وتنهون عن المنكر

الحقية فيما اجتمعوا عليه، ألن كلمة خير بمعنى أفعل فدل على أنهم .إذا أجمعوا على شئ أصابوا الحق الذي هو من عند اهللا تعالى

:حجیـة اإلجماع من السنة صلى اهللا عليه وسلم الكثير من األحاديث التـي روى عن رسول اهللا

وهـذا التـواتر . تواتر معناها وإن لم يتواتر لفظها لورودها بألفاظ مختلفـة :المعنوي أفاد أمرين

.عصمة األمة عن الخطأ: أحدهما .ال تجمع امتي على ضاللة: ثانيها

عليـه وهذان األمران موجبان لصدق األمة يقينا فيكون قولها الذي أجمعت .حجة

:أما األحاديث فهي :وفي روايـة " ال تجتمع أمتي على خطأ : "قوله صلى اهللا عليه وسلم

، ووجه الداللة من الحديث، أن النبي صلى اهللا عليه "ال تجتمع على ضاللة "



٧٦

وسلم نفي جميع الخطأ والضاللة عن إجماع أمته، ألن النكرة في سياق النفي . واباً غير خطأ وحقاً غير باطلتعم، فيكون ما أجمعوا عليه ص

:وقد ورد ثبوت هذا المعنى كثير من اآلثار منها ما رآه المسلمون حسناً فهو عند اهللا حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عنـد

أخبرنا سفيان بن عبد اهللا بن أبي لبيد عـن ابـن : يقول الشافعي . اهللا قبيح الناس بالجابية، فقـال سليمان بن يسار عن أبيه، أن عمر بن الخطاب خطب

إن رسول اهللا قام فينا كمقامي فيكم فقال أكرموا أصحابي، ثم الذين يلـونهم، ثم يظهر الكذب حتى إن الرجل ليحلف وال يستحلف ويشهد وال يستشهد، أال فمن سره بحبحة، الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الفـذ، وهـو مـن

فإن الشيطان ثالثهم، ومن سرته حـسنته االثنين أبعد وال يخلون رجل بإمرأة .وساءت سيئته فهو مؤمن

:ووجه االستدالل بهذا الحديث أن النبي صلى اهللا عليه وسلم أمر بلزم جماعة المسلمين وال معنـى

للزوم جماعتهم إال متابعتهم فيما اتفقوا عليه عن حل وتحريم، فمن وافقهـم من خالفهم صدق عليـه أنـه في ذلك صدق عليه أن لزم جماعة المسلمين و

وال يمكن أن يكون األمر في الحـديث . خالف جماعة المسلمين أمر بلزومها مقصوداً به لزوم أبدان جماعة المسلمين ألن لزوم أبدانهم غير ممكـن فـي حالة تفرقهم، وألن اجتماع األبدان دون اآلراء ال يضع شـيئاً فيمـا نحـن



٧٧

وم جماعتهم إال متابعتهم فيما اتفقـوا ومن هذا يتبين أنه لم يكن للز . بصدده .عليه من حل وتحريم

:مستنـد اإلجمـاع يرى جمهور الفقهاء أنه البد لإلجماع من سند دليل وإمـارة يعتمـد

عليه المجتهدون في الحكم الذي أجمعوا عليه، وذلك ألن أهل اإلجماع لـيس غيـر مـستند ال لهم االستقالل بإثبات األحكام، ألنه لو انعقد اإلجماع مـن

اقتضى أحداث شرع جديد بعد وفاة الرسول صلى اهللا عليه وسـلم، وهـذا باطل، ألن القول في دين اهللا ال يجوز بغير دليل، فوجب أن يكون لإلجماع مستند وهذا ما جرى عليه العمل من الصحابة وفائدة اإلجماع بعـد وجـود

.ويصير الحكم قطعيااسند أن يسقط البحث في هذه المسألة وتحرم المخالفة والسند يكون نصا من كتاب أو سنة ويرى جمهور العلماء جـواز أن

.يكون قياساًأما اإلجماع المستند إلى الكتاب فمثاله اتفاق المجتهدين على تحـريم

حرمـت علـيكم (الزواج بالجدة، فإن مستند هذا اإلجماع هو قول اهللا تعالى ص األصل مطلقاً، وهو من ينسب إليـه فإن المراد األم في هذا الن ) أمهاتكم

غيره، سواء كان انتسابه إليه بواسطة أم بغير واسطة، والجدة أصـل بهـذا .المعنى



٧٨

أما اإلجماع المستند إلى السنة فمثاله اتفاق المجتهدين على منع بيـع شئ من المطعومات قبل أن يقبضه المشتري من البائع، فإن سندهم في هذا

من ابتاع طعاماً فال يبعه حتـى "صلى اهللا عليه وسلم اإلجماع قول الرسول ومثال اإلجماع المستند إلى القياس اإلجماع خالفة أبي بكر قياسـاً ". يقبضه

على إمامته في الصالة حتى قيل رضيه رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم .ألمر ديننا أفال نرضاه ألمر دنيانا



٧٩

في القیـاس :المبحث الرابع : لغـة تعریف القیاس

القياس يطلق في اللغة على التقدير يقال قست اثوبـت بالـذراع أي .فالن يقاس لفالن، أي يساويه: قدرته به، ويطلق على المساواة، يقال

:القیاس في اصطالح األصولیین عرف القياس بتعريفات متعددة تتفق كلها في المعنـى وإن اختلفـت

.ألفاظها من هذه التعريفاتإلحاق حادثة ال نص فيها وال إجماع بحادثة فيها نـص : القياس هو -١

أو إجماع بحادثة فيها نص أو إجماع في الحم لتساوي الحادثتين في أو هو إسناد حكم األصل إلى الفرع للتساوي فـي علـة . علة الحكم

فإذا دل نص من كتاب أو سنة أو إجماع علي حكم في حادثه، . الحكمجلها شرع هذا الحكم بطريق من طرق وعرف المجتهد العلة التي أل

معرفة العلة ثم وجدت حادثة أخرى، لم يرد نص بحكمهـا، ولكـن توجد فيها تلك العلة، فإن المجتهد يغلب على ظنـه اشـتراكها مـع الحادثة مورد النص في الحكم بناء على اشتراكهما في العلـة، ألن

ما لم يـرد الحكم يدور مع علته وجوداً وعدما وعندئذ يلحق المجتهد .فيه نص بما ورد فيه النص ويسوي بينهما في الحكم

:أمثلة توضح القياس



٨٠

يا أيها الـذين : ( شرب الخمر واقعة ورد حكمها النص وهو قوله تعالى -١رجس من عمل الـشيطان * واألنساب واألزالم * آمنوا إنها الخمر والميسر

بينكم العداوة والبغضاء إنما يريد الشيطان أن يوقع * فاجتنبوه لعلكم تفلحون ).في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر اهللا وعن الصالة فهل أنتم منتهون

فقد حرم اهللا شرب الخمر بالنص لما لها مـن مفاسـد، لعلـة هـي اإلسكار، والخمر عند العرب هي عصير العنب النيئ إذا ترك حتى يـشتد

هي ما اتخذ مـن وقد وجدت أشياء أخرى تفعل فعل الخمر وتؤثر أثرها، و غير العنب من الثمار والحبوب والنباتات المختلفة مما يغيب العقل ويحجبـه عن العمل، فالمجتهد يلحق هذه األشياء بالخمر لتحقيق العلة التي شرع مـن

.أجلها التحريم فتكون محرمة .فالخمر هي األصل أو المقيس عليه - .والمشروبات األخرى هي الفرع أو المقيس -

. هو الحرمةاوإلسكار -

.والحكم هو الحرمة -

أخذ مال : الميسر حرام بنص القرآن الكريم النص السابق لعلة هي -٢الغير على سبيل المخاطرة، وقد وجدت هذه العلة في ورق اليانصيب

.فيحرم



٨١

:في حجیـة القیـاس : المطلب األول بأنـه حجـة –ل السنة وكثير من المعتزلة ÷ يراه جمهور أ –القياس وأنه يأتي في المرتبة الرابعـة – ال االعتقادية – في المسائل العملية شرعية

بعد كتاب اهللا تعالى وسنة رسوله صلى اهللا عليه وسلم واإلجماع، بحيث إذا حدثت واقعة فإذا لم يوجد لها نص من كتاب اهللا تعالى ينظر في السنة وكذا

جماع، وثبـت أنهـا اإلجماع، فإذا لم يوجد في الحادثة نص لها من سنة أو إ تساوي واقعة أخرى ورد نص على حكمها في علة هذا الحكم فإنها تقـاس عليها ويحكم فيها بحكمها ويكون هذا حكمها شرعاً ويسع المكلـف اتباعـه

.والعمل به وهؤالء العلماء يطلق عليهم مثبتوا القياسوذهب النظام والظاهرية بوعض الشيعة والخوارج إلى أن القيـاس

.حجة شرعية على األحكام وهؤالء يطلق عليهم نفاة القياسليس :القياس يتنازعه رأيان: إذاً

أن القياس حجة شرعية يأتي بعد الكتاب والسنة باإلجماع وهؤالء هم -١ .الجمهور

: ؤالء هم البعض،ولكل منهما أدلتهأن القياس ليس حجة شرعية وه -٢

.أدلة مثبتي القيـاس: أوالً



٨٢

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهللا وأطيعـوا الرسـول ( تعالى قوله: من الكتاب وأولي األمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى اهللا والرسـول إن كنـتم

).تؤمنون باهللا واليوم اآلخر ذلك خير وأحسن تأويال : ووجه االستدالل بهذه اآلية

س فيـه لـي –أن اهللا سبحانه وتعالى أمر المؤمنين إن تنازعوا فيأمر أن يردوه إلى اهللا والرسول بأي طريق من –حكم هللا وال ألولي األمر منهم

هو إلحاق حادثة ال نص فيها بحادثة فيها –كما قلنا –. طرق الرد، والقياس نص لتساويهما في علة الحكم، وهذا هو رد المتنازع فيه إلى اهللا والرسـول

وإذا جاءهم أمر من : (لى قال تعا . فيكون القياس حجة شرعية ثبتت بالكتاب األمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمـر مـنهم

).لعلمه الذين يستنبطونه منهم : وجه الداللة من اآلية

فاآلية الكريمة تتكلم صراحة عن رد هذا األمر إلى النبي صـلى اهللا ى اهللا بفضله ورحمته عليه وسلم في حياته، أو إلى سنته بعد وفاته، وقد أعط

أولى األمر الذين منحهم اهللا القدرة على االستنباط حيث أعطـاهم سـبحانه حق البحث في النصوص الشرعية الستنباط الواقعـة –وتعالى النص كتابة

إذا توقف األمر على مجتهد بعينه، إذ . العارضة، وهذا األمر قد يكون واجباً .البد من إظهار حكم اهللا عز وجل



٨٣

كل ما نزل بمسام ففيه حكـم الزم، : ول اإلمام الشافعي رحمه اهللا يق أو على سبيل الحق فيه داللة موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حكم وجـب اتباعه، وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الداللة على سبيل الحق فيـه باالجتهـاد

فروا من أهل هو الذي أخرج الذين ك (قوله تعالى : أيضاً . واالجتهاد القياس أنهم الكتاب من ديارهم ألول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا

مانعتهم حصونهم من اهللا فآتاهم اهللا من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلـوبهم ).الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي األبصار

فاهللا سبحانه وتعالى بعـد ) افاعتبرو(وموضع االستدالل قوله سبحانه أن قص ما كان من بني النضير الذين كفروا وبين ما حاق بهم من حيث لم

أي قيسوا أنفسكم بهم لنكم أنـاس ) فاعتبروا يا أولي األبصار (يحتسبوا، قال مثلهم إن فعلتم مثل فعلهم حاق بكم مثل ما حاق بهم، وهذا يدل على أن سنة

مه وجميع أحكامه هي نتـائج لمقـدمات أنتجتهـا اهللا في كونه، أن نعمه ونق ومسببات ألسباب ترتبت عليها، وأنه حيث وجدت األسباب ترتبـت عليهـا مسبباتها، وما القياس األسير على هذا السنن اإللهي وترتيب المسبب علـى

قل يحيها الذي أنش؟أهـا أول : (قوله تعالى : أيضاً. سببه في أي محل وجد ).من يحي العظام وهي رميم (جواباً لمن قال) مرة

أن اهللا سبحانه وتعالى قد استدل على ما : ووجه االستدالل بهذه اآلية أنكره منكروا البعث بالقياس، فإن اهللا سبحانه قاس إعادة المخلوقـات بعـد



٨٤

فنائها على بدء خلقها وإنشائها أول مرة، ألننا الجاحدين بأن من قدر علـى مرة قادر على أن يعيده بل هذا أهون عليه، فهذا بدء خلق الشئ وإنشائه أول

.االستدالل بالقياس إقرار لحجية القياس وصحة االستدالل بهوهذه اآليات الدالة على حدية القياس أيدها في داللتها أن اهللا سبحانه

وقوله تعالى " قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض "وتعالى في المحيض ألن في هذا إرشاداً إلى " يريد اهللا ليجعل عليكم من حرج ما "في إباحة التيمم

أن األحكام مبينة على المصالح ومرتبطة باألسباب، وإشارة إلى أن الحكـم استدل جمهور العلماء على حجيـة " من السنة. "يوجد مع سببه وما بني عليه ما روى عن النبي صلى اهللا عليه وسلم لما بعث : القياس من السنة بما يأتي

اجتهـد : معاذ بن جبل إلى اليمن قال له بما تقتضي ؟ قال فإن لم تجد قـال رأيي وال آلوا، قال الحمد هللا الذي وفق رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لمعاذ بن جبل على االجتهاد إذا لم يجد نصاً في كتاب اهللا تعالى، وال في سنة نبيه

للوصول إلى الحكم الشرعي صلى اهللا عليه وسلم، واالجتهاد هو بذل الجهد .وهذا يشمل القياس، ألن القياس نوع من أنواع االجتهاد واالستدالل

ما ثبت في صحاح السنة من أن رسول اهللا في كثير من الوقـائع التـي -٢عرضت عليه ولم يوح إليه بحكمها استدل على حكمها بطريق القياس وفعل

لم يقم دليل على اختصاصه بـه الرسول في هذا األمر العام تشريع ألمته، و فلقـد ورد أن . فالقياس فيم ال نص فيه من سنن الرسول وللمسلمين به أسوة



٨٥

يا رسول اهللا إن أبي أدركته فريضة الحج زمنـاً ال : جارية خشعمية قالت أرأيت لو كان على : يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ قال لها

أرأيت لو كان على أبيك ديـن : قالت لها . كأبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذل ولقـد . نعم، فقال لها فدين اهللا أحق بالقضاء : فقضيته أكان ينفعه ذلك، قالت

أن عمر سأل الرسول صلى اهللا عليه وسلم عن قبلة الصائم من غير انزال، : فقال له الرسول أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم ؟ فقال عمـر

. لك، قال فمه أي اكتف بهذاال بأس بذ: قلت وورد أن رجالً من فزارة أنكر ولده لما جاءت به امرأته أسود، فقال

: ما ألوانه؟ قال حمر، قـال : نعم، قال : هل لك من إبل؟ قال : له الرسول : قـال –هل فيها من أورق؟ أي األسود غير الحالك الذي يميل إلى الغبرة

.وهذا لعله نزعة عرق: نزعة عرق، قال لعله : نعم، قال فمن أين؟ قال :أفعـال الصحابـة

وأما أفعال الصحابة وأقوالهم فهي ناطقة بأن القياس حجة شـرعية، فقد كانوا يجتهدون في الواقع التي ال نص فيها ويقيسون ما ال نص فيه على ما فيه نص ويعتبرون النظير بنظيره فلقد قاسوا الخالفة ألبي بكـر علـى

رضـيه : بقـولهم . في الصالة، وبايعوا أبا بكر وبينوا أساس القياس إمامته رسول اهللا لديننا أفال نرضاه لدنيانا، وحاربوا مانعي الزكاة استناداً إلـى أن الرسول كان يأخذها، وال فرق بين الصالة والزكاة، وقال عمر بن الخطاب



٨٦

مما ورد عليك ثم الفهم فيما أدلى إليك : في عهده إلى أبي موسى األشعري مما ليس فيه قرآن وال سنة، ثم قايس األمور عند ذلك واعرف األمثال ثـم اعمد فيما ترى أحبها إلى اهللا وأشبهها بالحق، وقال علي بـن أبـي طالـب

بالمقايسة عند ذوي األلبـاب، ولمـا روي ابـن عبـاس أن . ويعرف الحق . كل شئ األمثلةال أحسب : الرسول نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض، قال

هذا وقد كانت هناك فتاوى كثيرة ألصحاب رسول اهللا أفتـوا فيهـا باجتهادهم بطريق القياس، وما أنكر الرسول في حياته على من اجهتد مـن صحابته، وما أنكر بعض الحصابة على بعض اجتهاد الرأي وقياس األشباه

بة في اجتهـادهم باألشباه، فإنكار حجية القياس تخطئة لما سار عليه الصحا .وما قرروه بأفعالهم وأقوالهم

: من المعقول فمعلوم أن اهللا سبحانه وتعالى ما شـرع حكمـاً إال لمـصلحة، وأن مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع األحكام، فإذا ساوت الواقعـة التي ال نص فيها الواقعة المنصوص عليها في علة الحكم التي هـي مظنـة

قضت الحكمة والعدالة أن تساويها في الحكم تحقيقاً للمصلحة التي المصلحة هي مقصود الشارع من التشريع، وال يتفق وعدل اهللا وحكمته أنـي حـرم شرب الخمر إلسكاره محافظة على عقول عباده ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصية الخمر وهي اإلسكار ألن مآل هذا المحافظة على العقول من مسكر، وتركها



٨٧

إن نصوص القرآن والـسنة محـددة : أيضاً –عرضة للذهاب بمسكر آخر ومتناهية ووقائع الناس وأقضيتهم غير محدودة وال متناهية، فـال يمكـن أن تكون النصوص المتناهية وحدها هي المصدر التشريعي لمـا ال يتنـاهى، فالقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجددة ويكشف حكـم

.ريعة فيما يقع من الحوادث ويوقف بين التشريع والمصالحالشأيضاً إن القياس دليل تؤيده الفطرة السليمة والمنطق الصحيح، فـإن من نهى عن شراب لنه سام يقيس بهذا الشراب كل سام، ومن حـرم عليـه تصرف، ألن فيه اعتداء وظلماً لغيره وال يعرف بين الناس اختالف فـي أن

. المثلين يجري على اآلخر ما دام ال فارق بينهماما جرى على أحد :أدلة نفاة القیـاس

والمبنـي – بأن علة حكم النص هي كذا –القياس مبني على الظن -١على الظن ظني، واهللا سبحانه وتعالى نعى على من يتبعـون الظـن

فال يصح الحكم بالقيـاس " وال تقف ما ليس لك به علم "وقال سبحانه .نألنه اتباع للظ

القياس مبني على اختالف األنظار في تعليل األحكام، فهـو مثـار -٢ .اختالف األحكام وتناقضها، والشرع الحكيم ال تناقض بين أحكامه



٨٨

إن بعض الصحابة ذموا فيها الرأي والقول في الحكام بالرأي، مثـل -٣قول عمر إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم األحاديث

.لوا بالرأي فضلوا وأضلواأن يحفوظها فقا

:الرد على أدلة النافين للقياس إن القياس مبني على الظن، فهذا دليل واهـي، ألن المنهـي : قولهم

عنه هو اتباع الظن في العقيدة، وأما في األحكام العملية فأكثر أدلتها ظنيـة، ظن ولو اعتبرت هذه الشهرة ال يعمل بالنصوص الظنية الدالة، ألنه اتباع لل

.وهذا باطل باالتفاق، ألن أكثر النصوص ظنية الداللةإن القياس مبني على االختالف األنظـار فهـو دليـل : وأما قولهم

أضعف من سابقه ألن االختالف بناء على القياس ليس اختالفا في العقيدة أو في أصل من أصول الدين، وإنما هو اختالف في أحكام جزئيـة عمليـة ال

فيها إلى أية مفسدة، بل ربما كـان رحمـة بالنـاس وفيـه يؤدي االختالف .مصلحتهم

.." إياكم وأصاحب الرأي"أما عن االستدالل باألثر المروي عن عمر، فليس المراد منه إنكار القياس أو االحتجاج به، وإنما المراد منه النهي عـن

. اتباع الهوى والرأي الذي ليس له مرجع من النصوص لنا أن ما استدل به النافون للقياس كلها أدلة واهية ال ومما سبق يتبين

تصلح لمدعاهم، ومن ثم فإن القياس دليل رابع يأتي بعـد الكتـاب والـسنة



٨٩

واإلجماع، ولقد قامت األدلة المتضافرة على حجية القياس، ومن هنا نـرى أيضاً أنه ينبغي أال يوجد خالف على القياس والخالف الذي كان موجوداً إنما هو خالف طارئ بعد إجماع متيقن ما كان ينبغي وجوده وال النظر إليه، ولو فرضنا جدالً النظر إليه فإنك تجده خالفاً تاريخياً مضى زمنه وانتهى عهده،

ورأي ذلـك – في بداية هذا القرن –ولو كان المعارض موجود معنا اآلن .التقدم العلمي لما عارض في حجية القياس

:أركان القیاس وشروطھ : المطلب الثاني هو ما يقوم به الشئ ، أو جزء الماهية، والقياس يقوم على أربعـة : الركن

: أركان هي وهو الواقعة التي ورد فيها نص من الكتـاب أو الـسنة ويـسمى : األصل

.المقيس عليه أو المشبه بهوهو الحادثة التي لم يرد بحكمها نص من كتاب أو سـنة، يـراد : الفرع

.إلحاقها باألصل في حكمه، وتسمى المقيس أو المشبهوهو الحكم الشرعي الثابت لألصل ويراد إثباته للفرع بطريق : األصل حكم

.القياسوهي الوصف الذي انبنى عليه حكم األصل وهو موجود في الفرع : العلـة

.ويراد تسويتهما في الحكم



٩٠

معلوم أن : وضيحيةويمكن معرفة هذه األركان بذكر بعض األمثلة الت يا أيها الذين آمنوا إنمـا (اهللا سبحانه وتعالى قد حرم الخمر بقوله عز وجل

الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم : فاألصل هو الخمر، وحكم األصل هو التحريم الثابت بقوله تعالى ) تفلحون

تؤثر في العقل وتغيبه، سواء كانت من وأما الفرع، فهو كل مادة ) فاجتنبوه(وأما العلة فهي الوصف الذي بني عليه حكم األصـل، . السوائل أو الجوامد

.أي الذي من أجله ثبت هذا الحكموالعلة في المثال الذي معنا هي اإلسكار، فاهللا سبحانه وتعالى حـرم

تورث الخمر ألنها مسكرة، وهي بإسكارها تصد عن ذكر اهللا وعن الصالة و العداوة والبغضاء، فاإلسكار علة تحريم الخمر، ومتى تحقق وجود العلة في

.أي مادة أيا كانت فإنها تعتبر محرمة شرعاً :شـروط القیـاس

وضع الفقهاء شروطاً يلزم توافرها في القياس، منها ما يرجـع إلـى ـ ين حكم األصل، ومنها ما يرجع إلى الفرع، ومنها ما يرجع إلى العلة، وتب

:فيما يلي أهم هذه الشروط .فال يشترط فيه إال ورود نص بحكمه أو إجماع: فأما األصل :فقد اشترطوا فيه ثالثة شروط هي : وأما الفرع



٩١

أال يثبت فيه حكم بنص أو إجماع يخالف القياس، لن القيـاس حئنـذ -١يصادم نصاً أو إجماعاً، والقياس المصادم لنص أو إجماع ال يكـون

ويقال له إنه قياس فاسد االعتبار، كقياس كفارة اليمين على صحيحاً، كفارة القتل في عتق الرقبة المؤمنة، ألن كال منهما ثبت بالنص، قال

ال يؤاخذكم اهللا باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بمـا عقـدتم (تعالى األيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهلـيكم

حرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثالثة أيام ذلك كفـارة أو كسوتهم أوت وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا : (وقال تعالى ...). أيمانكم إذا حلقتم

إال خطئاً ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى ..).أهله إال أن يصدقوا

منهـا ثبـت فهنا قياس كفارة اليمين على كفارة القتل قياس فاسد، ألن كـال .بالنص القرآني كما هو واضح، ألن الشرط في الفرع أال يثبت حكمه بنص

وسيأتي الحـديث عـن –أن تكون علة الحكم موجودة فيه ولو ظنا -٢ .العلة، بعد ذلك، فإذا لم توجد العلة في الفرع فال يكون هناك قياساً

أن يكون الفرع مساويا لألصل في علة الحكم، وذلم ألن التساوي في -٣العلة هو الطريق إلى إثبات حكم األصل للفرع، فإذا انتفى التـشابه والتماثل بين األصل والفرع وإذا انتفى التماثل انتفى إثبات حكم لـه

.فال يكون هناك قياس



٩٢

: شروط حكم األصل هو الحكم الشرعي الذي أثبته الشارع الحكيم لواقعة معينـة، : حكم األصل

ولكن لما كان كل حكم ال يمكن تعديته إلى الفـرع، ويراد تعديته إلى الفرع، ولكن لما كان كل حكم ال يمكن تعديته وإسناده إلى وقائع فرعية، فإنه يجـب

:أن تتوافر فيه شروط خاصة هذه الشروط هي :أن یكون حكما شرعیا عملیا ثبت بالنص :الشرط األول

كما شرعياً فحكم األصل الذي يعتبر ركنا في القياس يجب أن يكون ح أو – كما هو الحال بالنسبة لتحريم الخمر –عملياً ثبت بنص الكتاب الكريم

وذلك كالنهي الـوارد مـن –يكون حكماً شرعياً عملياً ثبت بنص في السنة النبي صلى اهللا عليه وسلم والذي ينص على حرمة اشتياع المؤمن على بيع

خو المؤمن، وال يحل للمؤمن المؤمن أ : "أخيه في قوله صلى اهللا عليه وسلم فاالبتيـاع ) أن يخطب على خطبة أخيه، أو يبتاع على بيع أخيه حتىـي ذر

على بيع األخ أصل محكوم عليه في النص بالحرمة لعلة أنه مبادلة تـؤدي إلى قطيعته وعداوته، واالستئجار على استجار األخ فرع وقد تحقق فيه علة

.حكمحكم األصل فلزم أن يكون مثله في الفالحكم الشرعي الثابت بنص الكتاب أو السنة هو الذي يمكن إسـناده

إذ توافرت سـائر – كما في األمثلة السابقة –إلى غيره من الفروع المماثلة األركان والشروط، وهذا محل اتفاق بين علماء األصول، أما إذا كان الحكم

: هما ثابتاً باإلجماع فقد اختلف األصوليون بشأنه إلى رأيين



٩٣

أن الحكم الشرعي الثابت باإلجماع يصح تعديته إلى الفرع، وذلـك -١ألن اإلجماع ًأل في إثبات األحكام كالنص، فإذا جاز القيـاس علـى

.الثابت بالنص جاز على الثابت باإلجماعأن الحكم الشرعي العملي الذي ثبت باإلجماع ال يصح تعديته إلـى -٢

إلى الفرع، ألن اإلجماع كما هو الفرع، ألن اإلجماع ال يصح تعديته مقرر ال يلتزم فيه أن يذكر مع الحكم المجمع عليه مستنده، ومن غير ذكر المستند ال يلتزم ال سبيل إلى إدراك علة الحكم فال يمكن القياس على الحكم المجتمع عليه، وهذا على فرض وجود حكم أجمع عليـه

لرأي هـو الـذي بمعنى اإلجماع في اصطالح األصوليون، وهذا ا : رجحه أستاذنا وذلك لألسباب التالية

لالحتياط في إثبات األحكام الشرعية، فربط الحكم الشرعي بـالنص -١ .الثابت في الكتاب والسنة هو الضمان األكيد لسالمة هذا الحكم

وإذا أردنا القيـاس –إن اإلجماع البد له من سند في الكتاب والسنة -٢إظهار سند اإلجماع وهـو الـنص فـي على هذا اإلجماع فالبد من

فـي –وأقوى األسـباب . الكتاب أو السنة حتى يكون قياساً صحيحاً فإن تنازعتم في شئ فردوه إلـى اهللا ( هو قوله تعالى –نظر أستاذتنا

فاآلية قد أشارت عند عدم االتفاق يتحتم الرد إلى اهللا وإلى ) والرسولزع إلى أولي األمر الذين هم الرسول، ولم تشر اآلية مطلقاً عند التنا



٩٤

أما الحكم الشرعي الذي ثبت بالقيـاس فـال يـصح . أصل اإلجماع تعديته أصال، ألن الفرع إن كان يساوي ما ثبت فيه الحكم بالقيـاس في العلة فهو يساوي واقعة النص في نفس العلـة ويكـون الحكـم المعدي بالقياس هو حكم النص، وإن كان ال يساويه في العلـة فـال يصح أن يساويه في الحكم، وعلى هذا ال يصح أن يقال حرم نبيـذ التفاح قياساً على نبيذ التمر في اإلسكان فهو يساوي الخمر، ويكـون تحريمه بالقياس على الخمر ال على نبيذ التمر، وإن كان ال يـساويه

.في اإلسكار فال يساويه في التحريم :لعقل سبیل إلى إدراك علتھ أن یكون حكم األصل مما ل: الشـرط الثاني

أو بمعنى أوضح أن يكون حكم األصل معقول المعنى، فإذا كان حكم األصل ال سبيل للعقل إلى إدراك علته، فال يمكن أن يعدي بواسطة القياس،

.ألن أساس القياس إدراك علة حكم األصل، وإدراك تحققها في الفرع : ولتوضيح هذا لشرط نقول

رعية العملية جميعها إنما شرعت لمصالح الناس ولعلل إن األحكام الش : بنيت عليها، وما شرع حكم منها عبثا لغير علة، غير أن األحكـام نوعـان

حكم استأثر اهللا بعلم عللها، ولم يمهد السبيل إلى إدراك هذا العلـل ليختبـر عباده هل يمتثلون وينفذون ولو لم يدركوا ما بني عليه الحكـم مـن علـة،

تحديد أعـداد : ومثالها . هذه األحكام التعبدية أو غير معقولة المعنى وتسمى



٩٥

الركعات في الصلوات الخمس، وتحديد مقادير األنصبة في األمـوال التـي تجب فيها الزكاة ومقادير ما يجب فيها، ومقادير الحدود والكفارات وفروض

كـام غيـر فهذه كلها أحكام استُأر اهللا بعلم عللها فهـي أح . أصحاب اإلرث معقولة المعنى، فاألحكام التعبدية مقصورة على موضوع النص الوارد فيها

.وال يقاس عليهاأحكام أرشد اهللا العقول إلى عللها بنصوص أو بدالئل : النوع الثاني

أخرى أقامها لالهتداء بها، فهي أحكام معقولة المعنى، وهذه هي التي يمكـن –ة القياس، سواء أكانت أحكاما مبتدأة أن تعدي من األصل إلى غيره بواسط

ولهذا يشترط في الحكم األصل الذي يراد –أي ليست استثناء من أحكام كلية اسناده إلى الفرع أن يكون معقول المعنى حتى يستطيع المجتهد اسـتخراج علته، فإن تحقق من وجودها في الفرع أسند هذا الحكم إليه، ومن ذلك مـا

الخمر، فإن التحريم يعدي إلى كـل مـادة مـسكرة، أشرنا إليه من تحريم وتحريم الربا من القمح والشعير الذي عدي بالقياس إلى بيع الـذرة واألرز

. وغيرها من الحبوب المشابهةومن أمثلة ذلك أيضاً ما ورد في السنة أن الذي يأكل أو يشرب ناسيا

ومه يظل صحيحاً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه اهللا وسقاه، أي أن ص وال يبطل وال قضاء عليه كما قرر ذلك بعض الفقهاء، وهذا الحلم قد عـدي إلى الصائم الذي يأكل أو يشرب خطأ، وإذا كان الصوم يبقى صحيحا مـع



٩٦

األكل أو الشرب نسيانا فإن من يتكلم في الـصالة نـسيانا تعتبـر صـالته .صحيحة وهكذا

معقول المعنى، أما إذا كان غير إذا الشرط لتعدية حكم الًل أن يكون معقول المعنى، أما إذا كان غير معقول المعنى فال يصح تعديته سواء كـان حكما أصليا أم استثنائيات وعلى هذا ال قياس في العبادات والحدود وفروض

.اإلرث وأعداد الركعات :أن یكون حكم األصل غیر خاص بھ : الشرط الثالث

يكون حكما عاماً ينطبق على الحالة التي فيشترط في حكم األصل أن ورد فيها وعلى غيرها، أما إذا كان حكم األصل خاصاً بهذا األصل وحـده دون غيره، فإنه ال يجري فيه القياس حيث ال يمكن أن يعدي هذا الحكم إلى

: غيره هذا األصل ويكون حكم األصل مختصاً بهذا األصل في حالتين هما مقصورة على األصل بحيث ال يتصور وجودها أن تكون علة الحكم -١

في غيره فقد رخصت الشريعة للمسافر أن يقص رالصالة الرباعية، وهذا الحكم معقول المعنى، فالسفر ال يخلو من مشقة غالبا، وقـصر الصالة لدفع المشقة، وعلة الحكم هنا السفر وليست المشقة، ومن هنا

فال يتصور وجودهـا كانت رخصة القصر في السفر خاصة به فقط في المسافر، ولذلك فال يجوز قصر الصالة إال في السفر، أما غيـر

وكذلك إباحة المسح . المسافر فال يقصر ولو كانت به بعض المشاق



٩٧

على الخفين، فهو حكم معقول المعنى، ألن فيه تيسير ورفع حـرج، .ولكن علته لبس الخفين وال يتصور وجوده في غير لبسهما

ألصل إذا مختصاً باألصل إذا دل دليل على تخـصيص يكون حكم ا -٢وذلك مثل األحكام التي دل الدليل على أنها مختصة . حكم األصل به

بالرسول صلى اهللا عليه وسلم، كتزوجه بأكثر من أربـع زوجـات، وتحريم الزواج بإحدى زوجاته بعد موته المنصوص عليه في قولـه

فاء بشهادة خزيمة بن ثابـت ومثل اإلكت ) كان عند اهللا عظيما (تعالى من شهد له خزيمة فهـو (وحده بقول الرسول صلى اهللا لعيه وسلم

فإن النصوص التي وردت في القرآن والسنة دالة على أنـه ). حسبهفأنكحوا ما طالب لكم من النـساء (ال يباح التزوج بأكثر من أربع،

ـ ث ورباع فإن خفتم أن ال تعدلوا ف مثنى وثال ت واحـدة أو مـا ملكووردت أن المتوفى عنها زوجها بعد انقضاء عدتها يحل ..) أيمانكم

والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً (لها أن تتزوج بنص قوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فـال جنـاح

كـذلك ). عليكم فيما فعلن بأنفسهن بالمعروف واهللا بما تعملون خبير على أنه البد في الـشهادة مـن رجلـين أو رجـل دلت النصوص

واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل (وامرأتين



٩٨

فما ورد يدل على تخـصيص ). وامرأتان ممن ترضون من الشهداء .الحكم بالرسول صلى اهللا عليه وسلم وتحريمه

: شروط العلة ومسالكھا :ونتحدث فيها عن ثالث نواح هي أهم ركن من أركان القياس، : العلة

.في تعريف العلة : الناحية األولى .في شروط العلة : الناحية الثانية .في مسالك العلة : الناحية الثالثة

:تعریف العلة : أوًالاسم لما يتغير الشئ بحصوله أخذا من العلة التي هي : العلة في اللغة

ي ذات المريض، يقال اعتـل المرض، ألن تأثيرها في الحكم كتأثير العلة ف فالن، إذا حال عن الصحة إلى السقم وقيل إنها مأخوذة من العلل بعد النهل، وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة، ألن المتجهد في استخراجها يعاود النظر

.مرة بعد مرة :تعریفھا في اصطالح األصولیین

لغزالـي وردت للعلة تعريفات كثيرة عند األصوليين، فقد عرفهـا ا فالعلة . وصف أضاف الشارع الحكم إليه وناطه به ونصبه عالمة عليه : بأنها

. وصف في األصل بني عليه حكمه ويعرف به وجود هذا الحكم في الفـرع قائم باألصل، هذا الوصف أو هذا هو الذي ثبت فالوصف معني من المعاني

. من أجله الحكم الشرعي لهذا األصل



٩٩

الوصف الذي يبني عليه الحكـم الـشرعي واألوصاف كثيرة، ولكن يجب أن يكون وصفا ظاهرا منضبطاً حتى يمكن التأكد من وجود هذا حقيقة

فالشراب المحرم له أوصاف كثيرة، ولكـن . في الفرع وإال لما صح القياس حينما ثبت التحريم على الخمر إنما كان ذلك من أجل وصف ظاهر منضبط

ا الوصف في أي مادة أخرى ثبت الحكم فـي أال وهو اإلسكار، فإذا وجد هذ تلك المادة أيضاً وهو التحريم، واالعتداء وصف في ابتياع اإلنـسان علـى ابتياع أخيه عليه تحريمه، ويعرف به وجود التحريم في ابتياع اإلنسان على

.العلة المعرفة للحكم: استئجار أخيه، وهذا هو مراد األصوليين بقولهم اط الحكم وسببه وإمارته، ومن المتفق عليـه بـين من: وتسمى العلة

جمهور علماء المسلمين أن اهللا سبحانه وتعالى ما شرع حكما إال لمـصلحة العباد فالباعث على تشرعي أي حكم شرعي وهو مـصلحة النـاس وهـذا الباعث على تشريع الحكم هو الغاية المقصودة من تشريع وهو حكمة الحكم،

رمضان حكمته دفع المـشقة عـن المـريض، فحكمة الفطر للمريض في واستحقاق الشفعة للشريك أو الجار حكمته دفع الـضرر عنـه، وإيجـاب القصاص من القاتل عمدا عدوانا حكمته حفظ حياة الناس، وإيجاب قطع يـد السارق حكمته حفظ أموال الناس، وإباحة المعاوضات حكمتها دفع الحـرج

م شرعي تحقيـق مـصلحة أو دفـع عن الناس بسد حاجاتهم فحكمة كل حك مفسدة، وكان المتبادر أن يبني كل حكم على حكمته، وأن يـرتبط وجـوده



١٠٠

بوجودها وعدمه بعدمها، ألنها هي الباعث على تشريعه والغاية المقـصودة منه، ولكن رئي باالستراء أن الحكمة في تشريع بعض األحكام قد تكون أمراً

من الحواس الظاهرة، فال يمكن التحقق خفيا غير ظاهر، أي ال يدرك بحاسة من وجوده وال من عدم وجوده، وال يمكن بناء الحكم عليه وال ربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه، مثل إباحة المعاوضات التي حكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، فالحاجة أمر خفي، وال يمكن معرفـة أن المعاوضـات

: يمكن لنا أن نفرق بين علة الحكم وحكمته من هنا. لحاجة أو لغير حاجةفقد سبق أن بينا أن العلة هي وصف َأاف الشارع الحكم إليـه أمـا

الحكمة فهي الغاية المراد تحقيقها، وهي إما جلب منفعـة أو دفـع مفـسدة، واألحكام الشرعية ترتبط بالعلة حيث يبني الحكم على علته، أما لمـاذا لـم

كمته التشريعية؟يرتبط الحكم الشرعي وحفقد أجاب على ذلك أستاذنا الدكتور يوسف قاسم عن هـذا التـساؤل

وقد تكون هذه هي الغاية – كما أشرنا –بقوله إن الحكمة هي الغاية النهائية أمراً خفيا غير ظاهر للمجتهد، وأيضاً هذا األمر الخفي قد يتحقق لدى بعض

ا أمراً خفيا فإن الوجـود غيـر الناس وقد ال يتحقق فالحكمة فضالً عن كونه منضبط، واألحكام الشرعية ال تبني إال على الوصف الظاهر المنضبط ومن

ولقـد سـاق أسـتاذنا مثـاالً . هنا ارتبط الحكم الشرعي بالعلة دون الحكمة :لتوضيح ذلك فقال



١٠١

أباح اهللا تعالى للمسافر في نهار رمضان أن يفطر هذا حكم شـرعي -فر، فعلة هذا الحكم هي السفر حيـث ارتـبط هو إباحة الفطر للمسا

إفطار المسافر في نهار رمضان بسفره، فإن سافر أبيح له الفطر وإن وأما الحكمة من تشريع هذا الحكم فهي دفع المشقة . لم يسافر ال يباح

ألن . ولكن لماذا ارتبط الحكم بالعلة ولم يرتبط الحكمة؟ . عن المسافر بط الذي ارتبط به الحكم الـشرعي السفر هو الوصف الظاهر المنض

السفر وصف ظاهر غير خفـي . وهو إباحة الفطر في نهار رمضان ليس فيه أدنى القياس إذ هو معلوم وواضح فيه لدى أي إنسان والسفر أيضاً وصف منضبط فهو معنى من المعاني معنى محدد ال يختلـف من شخص إلى شخص، إنما هو مجرد انتقال شخص من مكان إلـى

.ن تفصل بينهما مسافة معلومةمكاويمكن القول بناء على ذلك إن كل من يسافر تلك المسافة يجوز لـه -

.أن يفطر

وإلى هنا فهمنا لماذا ارتبط الحكم الشرعي بعلته وأما لماذا لم يرتبط بحكمته ؟ فألن الحكمة معنى غير ظاهر وغير منضبط، أما أنه غير ظاهر فذلك ألن

انى الخفية التي ال يمكن معرفتها بسهولة، تدرك ذلـك المشقة معنى من المع .جلياً من المقابلة بينها وبين السفر



١٠٢

وأما إن المشقة وصف غير منضبط، فألنها تختلف من شخص إلـى شخص، هذا من األمور التي تحتاج إلى أدنى تأمل بل هي معلومة علماً يقينا

بها حكم شرعي ألنها ال شك فيه وبهذا يظهر أن الحكمة ال تصلح أن يرتبط غير ظاهرة وغير منضبطة وهكذا وجب ربط الحكم الشرعي بعلته التي هي

.الوصف الظاهر المنضبط المناسب الحكم أي المالئم ألن يبني عليه الحكموما دام الحكم الشرعي يبني على علته ال على حكمته فعلى المجتهـد

العلة ال في الحكمـة، عند القياس أن يتحقق من تساوي األصل والفرع في وعلى القاضي أن يقضي بالحكم حيث توجد العلـة بـصرف النظـر عـن الحكمة، فإذا قضى بالشفعة لغير شريك وال جار بناء على أنه يناله الضرر من شراء هذا المشتري فهو خاطئ، وإذا رفض الحكم باسـتحقاق الـشفعة

المـشتري فهـو لشريك أو جار بناء على أنه ال ضرر عليه من شراء هذا .خاطئ

ولكن في بعض األحكام رئ أن الحكم قد تخلف عن علته، فقد قـرر الفقهاء إن بيع المكره باطل، فالعلة وهي صيغة العقد وجدت ولم يوجد الحكم

١٩٢٩ لـسنة ٢٥ من القانون رقم ١٥ولقد نصت المادة . وهو نقل الملكية جة ثبت عـدم التالقـي على أنه ال تسمع دعوى النسب عند اإلنكار لولد زو

بينها وبين زوجها من حين عقد العقد، فالزواج وجد ولم يوجد حكمه وهـو .ثبوت النسب



١٠٣

سنة ودلت القرائن على أنه غير رشيد ال تنتهي ٢١والقاصر إذا بلغ .الوالية عليه مع وجود علة انتهائها وهو بلوغه سن الرشد

ة بينها وبين ما تقدم، لننا إن هذه األحكام وأمثالها ال منافا : والحقيقـةإن العلل الظاهرة المنضبطة إنما تبني األحكام عليها، على أساس أنها : قلنا

لكن إذا قام الدليل على نفـي . مظان لحكمها، وأن المظنة أقيمت مقام المئنة أن يكون هذا الظاهر المنضبط مظنة لحكمة الحكم فقد دل على أنه فقد أساس

فاإلكراه على البيع نفي أن تكون الصيغة مظنة التراض .العلية ولم يبق علة الذي هو دليل الحاجة، فالصيغة من المكره ليست علة، والزوجية التي ثبـت فيها أن الزوجين لم يلتقيان من حين العقد لم تبق مظنة لن تكـون الزوجـة

سنة لـم ٢١حملت من زوجها فليست علة لثبوت النسب، وبلوغ سن الرشد .لحسن التصرف المالي مع عدم دالئل الرشديبق مظنة

:شـروط العـلة يشترط في الوصف حتى يصلح أن يكون علة للحكـم الـشرعي أن

وهذه الشروط األربعة قد اتفق عليهـا . يكون ظاهراً منضبطاً مالئماً متعدياً األصوليون، وذلك ألن كل وصف في األصل يصلح أن يكون علة لحكمـه،

ذي يعلل به حكم األصل من توافر الشروط الـسابقة، بل البد في الوصف ال وهذه الشروط قد استمدها األصويون من استقراء العلل المنصوص عليها في

.الكتاب والسنة



١٠٤

: وإليك بيان هذه الشروط : أن تكون العلة وصفا ظاھرا : الشرط األول

ومعنى ظهوره أن يكون محسا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة ألن هي العرف للحكم في الفرع فالبد أن تكون أمراً ظاهراً يدرك بـالحس العلة

في األصل، ويدرك بالحس في وجوده في الفرع، كاإلسكار الـذي يـدرك بالحس في الخمر ويتحقق بالحس في الخمر ويتحقق بالحس من وجوده في

قد نبيذ آخر مسكر فالعلة هنا ظاهرة ظهوراً معنوياً، وذلك مثل قوة القرابة، ف أجمع الصحابة واألمة في كل عصورها على أن األخ الـشقيق يقـدم فـي الميراث على األخ ألب، وعلة هذا الحكم هو قوة القرابة، فاألخ الذي ينتسب إلى المتوفى عن طريق األم واألب أقوى من الذي ينتمي إليه عـن طريـق

يـدرك فقوة القرابة وصف ظاهرياً بينما ال شك فيه، وإن كـان ال . أحدهمابالحواس الخمس بل يدرك إدراكاً عقلياً متيقناً، ومن هنا صح القياس يقينا في حاالت التوارث األخرى التي توجد فيها نفس العلة، فابن األخ الشقيق مقـدم

.حتما على ابن األخ ألب، والعم الشقيق مقدم على العم ألب وهكذاألنـه ال يمكـن ولهذا ال يصح التلعيل بأمر ال يدرك بحاسة ظاهرة،

التحقق من وجوده وال عدمه، فال يعلل ثبوت النسب بحصول نطفة الـزوج في رحم زوجته بل يعلل بمظنته الظاهرة وهي اإليجاب والقبول، وال يعلـل



١٠٥

سـنة أو ١٥بلوغ الحلم بكمال العقل بل يعلل بمظنته الظاهرة وهي بلـوغ .ظهور عالمة من عالمات البلوغ قبلها

: أن تكون العلة وصفا منضبطا :الشرط الثاني أن تكون له حقيقة معينة محدودة يمكن التحقق من : ومعنى انضباطه

وجودها في الفرع بحدها أو بتفاوت يسير، فالشرط فـي العلـة أن تكـون مطردة في كل الحاالت المماثلة، فإن كان الوصف يختلف من شخص إلـى

.شخص فإن هذا الوصف ال يصلح أن يكون علةما كان القياس يقوم على أساس التساوي في العلـة بـين األصـل ول

والفرع فإن عدم انضباط العلة وتحقق وجودها في الفرع يؤدي إلـى عـدم وجود القياس وعلى ذلك يمكن القول بأن العلة في حرمان القاتل من الميراث

ليس: "هي القتل العمد العدوان، فقد صح أن النبي صلى اهللا عليه وسلم قال وهذه العلة منضبطة بحيث يمكن التحقق من وجودها في حالة " لقاتل ميراث

وأيضاً فإن العلة في إباحة الفطر نهـاراً .. ما إذا قتل الموصى له الموصى في رمضان للمسافر هي السفر وهو وصف منضبط ألنه ال يختلـف مـن

.شخص إلى آخرة في الـسفر ولكن الوصف غير المنضبط ال يصح التعليل به، فالمشق

ال يصلح أن تكون علة إلباحة الفطر، ألن المشقة تختلف من شـخص إلـى



١٠٦

شخص حسب الحالة الصحية وقوة التحمل وما إلى ذلـك مـن الظـروف .الشخصية األخرى

:أن تكون العلة وصفا مناسبا: الشرط الثالث ن، أي أن ربـط ومعنى مناسبته أن تكون مظنة لتحقيق حكمة الحكم

من شأنه أن يحقق ما قصده الشارع بتشريع الحكم مـن وعدماً الحكم وجوداً جلب نفع أو ضرر، ألن الباعث الحقيقي علـى تـشريع الحكـم والغايـة المقصودة منه هو حكمته، ولو كانت الحكمة في جميـع األحكـام ظـاهرة مضبوطة لكانت هي علل األحكام، ألنها هي الباعثة على تشريعها، ولكـن

عض األحكام وعدم انضباطها في بعضاه أقيمت مقامهـا لعدم ظهورها في ب ومـا سـغ اعتبـار هـذه . أوصاف ظاهرة مضبوطة مالئمة ومناسبة لها

األوصاف علالً لألحكام وال أقيمت مقام حكمها إال ألنها مظنة الحكم، فإذا لم تكن مناسبة وال مالئمة لم تصلح علة للحكم، فاإلسـكار مناسـب لتحـريم

اء التحريم عليه حفظ العقول فاهللا سبحانه وتعـالى حـرم الخمر، ألن في بن الخمر بقوله تعالى فاجتنبوه وقد بحث علماء األصول عن حكمـة التـشريع فوجدوها المحافظة على العقول، حيث أشار اهللا عز وجل إلى ذلـك بقولـه

إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العـداوة والبغـضاء فـي الخمـر (تعالى كمـا بحـث ) كم عن ذكر اهللا وعن الصالة فهل أنتم منتهون والميسر ويصد

العلماء عن العلة التي ارتبط بها هذا الحكم الشرعي فوجدوها في اإلسـكار،



١٠٧

ذلك أن اإلسكار هو الوصف المناسب لتحريم الخمر، والذي يمكن بناء عليه .المحافظة على العقول

ر، ومـن هـذا وهذه المناسبة أو المالئمة في غاية الوضوح والظهو وتـسمى باألوصـاف –يتبين أنه ال يصح التعليل باألوصاف غير المناسبة

التي ال تعقل عالقة لها بالحكم، وال بحكمته، كلـون –الطردية أو االتفاقية الخمر، أو كون القاتل عمداً مصري الجنسية، أو كون السارق أسمر اللـون

– لـون الخمـر – أو كون المفطر في رمضان أعرابيا، فهذه األوصـاف أعرابيا، يستحيل عقال أن توجد بينها وبين – أسمر اللون –مصري الجنس

.الحكم الشرعي مالئمة من أي وجه :أن یكون الوصف متعدیا : الشرط الرابع

ومعنى كون الوصف متعدي، أي غير مقصور على األصل، حتـى فحيـث وجـد يمكن وجوده وتحققه في أفراد متعددة، فاإلسكار علة متعدية

اإلسكار في أي مادة كان التحريم، والقتل العمد العدوان في الحرمـان مـن الميراث علة متعدية في حالة القتل الصادر من الموصي له والواقـع علـى الموصي، أما إذا كانت العلة قاصرة، أي ال تتعدى األصل، فإنه ال يتـصور

ر في نهار رمضان هذه تعدية حكم األصل إلى غيره، فالسفر بالنسبة لإلفطا .العلة مقصورة على المسافر، حيث ال يتصور سفر بدون مسافر



١٠٨



١٠٩



١١٠

القسم الثاني في الحكم الشرعي



١١١

الحكـم الشرعي :ي اللغة ويراد به الحكم فيطلق :

كمـا يطلـق . أي علماً وفقهاً )١()وآتيناه الحكم صبياً (قال تعالى : العلم والفقه ويراد منه

حكم له، وحكم عليه، وحكم بينهم، أي قضى، وقد اسـتعمل : يقال : اء القضلفظ الحكم في القرآن الكريم في نحو مائة موضع ترجع فـي جملتهـا إلـى

إنا أنزلنـا (القضاء والفصل لمنع العدوان والظلم، من هذه اآليات قوله تعالى .، )٢( )إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اهللا

: عند علماء اصول الفقه فيعرف الحكم بانهاما .)٣( )خطاب اهللا تعالى المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير أو الوضع (

: ان المقصود من خطاب اهللا تعالي : ونحن في بيان مبسط لهذا التعريف نقول هليـة أي عباد اهللا الذين ثبتت لديهم أ : الموجه إلي المكلفين . كالمه عز وجل

التكليف الشرعي ، وهذا الخطاب الموجهى إلي هؤالء المكلفين يتعلق بأفعالهم دون اشخاصهم فهو موجه إليهم بقصد اتيانهم أفعاال معينة أو االمتناع عن فعل

وهذا معني كلمة اقتضاء في التعريف للحكم الشرعي . اشياء أخري حددها لهم

.١٢/سورة مريم آية) ١( .١٠٥/سورة النساء اآلية) ٢(ـ ) ٣( ـ ٧٠ ص ١األحكام لآلمدي ج ، شرح العضد على مختـصر ٨٩ ص ١، المحصول للرازي ج

ـ ، إرشاد الفحـول ٦ غاية الوصول شرح لب األصول لألنصاري ص ٢٢٢ ص ١ابن الحاجب ج .٥٤ ص ١، فواتح الرحموت جـ٦ص



١١٢

نه وتعالي يطلب مـنهم أن يقومـوا إذ أن معني كلمة اقتضاء الطلب فاهللا سبحا بأفعال معينة كالصالة والصيام والحج او يطلب منهم البعد عن أفعـال معينـة كالربا والزنا والسرقة ونحو ذلك ، ومثلما يكون الطلب بفعل شئ أو االمتنـاع عن فعل شئ فإن الطلب قد ياتي إليهم ليخيرهم بين القيام بالفعل وعدم القيام به

ت من األمور ، إذن معني خطاب اهللا المتعلق بأفعال المكلفين علي مثل المباحا جهة االقتضاء او التخيير، ان اهللا يطلب منا نحن المكلفين فعل شئ او االمتناه

. هن فعل شئ او التخيير بين الفعل وعدمه والمراد بخطاب اهللا، كالم اهللا تعالى النفسي األزلي القديم الذي بين صفات الصادرة من المكلفين، وخطاب اهللا تعالى يشمل ما كان منسوباً إليه تعالى األفعال

مباشرة كالقرآن الكريم، أم بالواسطة كالسنة واإلجماع والقياس وغيرها من األدلة الشرعية، ألن هذه األدلة في الواقع راجعة إلى اهللا تعالى، وهي كلها في الحقيقة

.حكامهمعرفات لخطاب اهللا تعالى كاشفة عن أالخطـاب . وتقييد الخطاب بكونه متعلقاً بأفعال المكلفين يخرج عن الحكم

شهد اهللا أنه ال إله إال هو والمالئكة وأولوا (المتعلق بذات اهللا تعالى كقوله تعالى .)٤( )اهللا ال إله إال هو الحي القيوم(، أو صفات اهللا تعالى كقوله تعالى )العلم

ولقـد (تعلق بذوات المكلفين كقولـه سـبحانه ويخرج أيضاً الخطاب الم ويوم نـسير (، وكذلك المتعلق بالجمادات كقوله سبحانه )٥( )خلقناكم ثم صورناكم

.٢٥٥/رة البقرة آيةسو) ٤( .١١/سورة األعراف آية) ٥(



١١٣

)يا جبال أوبي معه والطيـر (، وكذلك المتعلق بالحيوان كقوله تعالى )٦( )الجبال، وكذلك الخطاب المتعلق بفعل الصبي من عبادات كندب الصالة فـي حقـه )٧(

مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء (ث لحديفالخطاب هنا ال يسمى حكماً وإنمـا هـو . )٨( )عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع

.ن مأموراً بهلحكمة أن يعتادها فال يتركها ويثاب عليها وإن لم يكـ ) أو وضعا { بقي من التعريف السابق كلمة سميه علمـاء وتلك خاصة بمـا ي

خطاب اهللا المتعلق بجعل الشيئ سببا لشيئ او : األصول الحكم الوضعي ومعناه أقم الصالة لـدلوك ( فمثال قوله تعالي . شرطا له أو مانعا أو صحيحا أو فاسدا

فهنا خطاب اهللا تعالي للمكلفين بجعل زوال الشمس الذي هـو الـدلوك ) الشمس كون أمام حكم وضعي ، أي ان اهللا وضـع سببا لوجوب صالة الظهر فنحن هنا ن

إذا قمتم إلي الصالة ( هذه العالمة علي وجوب صالة الظهر ، وكذلك قوله تعالي فهنا أيضا خطاب كمن اهللا سـبحانه ....) فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلي المرافق

وتعالي بجعل الطهارة شرطا للصالة ، وهي ايضا حكم وضعي أي أن الـشارع الذي وضع هذا الشرط بحيث ال تصح الصالة إال به ، وكـذا قولـه الحكيم هو

فهو هنا ايضا يجعل الشارع الحكـيم ) ال يرث القاتل شيئا ( صلي اهللا عليه وسلم

.٤٧/سورة الكهف آية) ٦( .١٠/سورة سبأ آية) ٧( . رواه أبو داود والحاكم والترمذي من حديث عمرو بن العاص رضي اهللا عنهما) ٨(



١١٤

القتل مانع من موانع الميراث وهو حكم أيضا وضعي ، ألن الـشارع جعلـه اي .عالمة علي المنع من الميراث وهكذا القتل

ذا تعريف للحكم عند األصوليين فهل الحكم يختلف عند الفقهاء؟ إذا كنا نقول هالبد أن نعي جيدا أن الحكم عند االصوليين هو نفس الخطاب الذي جـاء

من قبل الشارع او بمعني أو ضح هو نفس النص الذي جاء به القرآن او الـسنة وال تقربـوا ( ي وكقوله تعال) اقيموا الصالة وآتوا الزكاة ( النبوية ، كقوله تعالي

هذا هو نفس الحكم المراد عند األصوليين ، فالحكم عندهم الـنص الـذي ) الزنا .جاء به الشارع

هو األثر الذي يقتضيه خطاب الشارع في الفعل، كالوجوب فالحكم عند الفقهاء أما حـافظوا علـى الـصلوات (للصالة فهو أثر الخطاب الشارع وهو قوله تعـالى

، وكالحرمة للزنا فهو أثر لخطاب الشارع وهو قوله تعالى )٩( )والصالة الوسطى ١٠( )وال تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيال(

فالفرق بين اصطالح األصوليين واصطالح الفقهـاء، أن الحكـم عنـد األصوليين نفس النص الشرعي وعند الفقهاء األثر الذي يقتضيه ذلك النص

تالف في النظرة للحكم عند األصوليين والفقهاء ومما يجب مالحظته ان هذا االخ .ال يترتب عليه اثر عملي

.٢٣٨/سورة البقرة آية) ٩( .٣٢/سورة اإلسراء آية) ١٠(



١١٥

الفصل األول أقسـام الحكم الشرعي

الحكم التكليفي ، والحكم الوضعي : إلي قسمين – كما بينا –ينقسم الحكم الشرعي ، وقلنا إن القسم األول مأخوذ من قول علماء أصول الفقه فـي تعريـف الحكـم

ه خطاب اهللا تعالي المتعلق بافعال المكلفين اقتضاء أو تخييرا ، وأمـا الشرعي إن فمأخوذ من عبارة أو وضـعا الـواردة فـي وهو الحكم الوضعي : القسم الثاني

:وهكذا فإننا نقسم الدراسة إلي قسمين .التعريف السابق .الحكم الوضعي الحكم التكليفي

:تعريف الحكم التكليفي عالى المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير، وقـد هو خطاب اهللا ت

.سبق لنا شرح هذا التعريف عند تعرضنا لتعريف الحكم الشرعيوسمي هذا الحكم بالتكليفي، ألن فيه كلفة ومشقة على اإلنسان وهذا ظاهر

فيما طلب فيه الفعل أو الترك، أما ما فيه تخيير فقد جعل أيضاً من الحكم التكليفي المباح قـد إن : أو يقال ى سبيل التسامح والتغليب إذ ان التخيير ليس تكليفا ، عل

يعرض له بعض الظروف فتجعل الفعل الذي كان مباحا أصبح مفروضا، وذلـك مثل الطعام والشراب والدواء كل هذه في األصل مباحات فالصل انها تخرج من

ع لكن إذا مـا تعـرض االنـسان دائرة الحكم التكليفي الذي هو الطلب أو االمتنا للهالك او الموت نتيجة عدم االقدام علي الطعام والشراب فغن هذا المباح ينقلـب



١١٦

إلي فرضا حيث إن االنسان واجب عليه أن يحافظ علي نفسه من الهالك وبالتالي .، لي واجب أو فرض دخل في دائرة الحكم التكليفي ح إبعد انقلب المبا

:تعريف الحكم الوضعي هو خطاب اهللا تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً أو شـرطاً أو مانعـاً أو

.صحيحاً أو فاسداًوسمى بالحكم الوضعي ، ألنه ربط بين شيئين بالـسببية أو الـشرطية أو

المانعية، بوضع من الشارع ولوال جعل الشارع إياه سبباً أو شرطاً أو مانعاً لمـا .كان كذلك

:كليفي والحكم الوضعي الفرق بين الحكم الت : الفرق بين نوعي الحكم من تعريف كل منهما، وذلك من وجهين يتبين

. الحكم التكليفي يتطلب فعل شيء أو تركه أو إباحة الفعل والترك للمكلـف :أوالًأما الحكم الوضعي فال يفيد شيئاً من ذلك، إذ ال يقصد به إال بيان ما جعله الشارع

شرطاً له أو مانعاً منه، ليعرف المكلف متى يثبـت الحكـم سبباً لوجود شيء أو .الشرعي، ومتى ينتفي؟ فيكون على بينة من أمره

المكلف به في الحكم التكليفي أمر يستطيع المكلف فعله وتركه، فهو داخل : ثانيـاً في حدود قدرته واستطاعته، ألن الغرض من التكليف امتثال المكلف ما كلف به،

اً عن قدرته واستطاعته كان التكليف به عبثاً ينزه عنـه الـشارع فإذا كان خارج .الحكيم



١١٧

أما في الحكم الوضعي فال يشترط في موضوعه أن يكـون فـي قـدرة فمن الحكـم . المكلف ومن ثم كان منه المقدور للمكلف، ومنه الخارج عن قدرته

الـشارع الوضعي المقدور للمكلف، السرقة والزنى وسائر الجرائم، فقد جعلهـا سبب لقطع يد الساق، وهي مقدرة للمكلـف، – مثالً –أسباباً لمسبباتها، فالسرقة

وكذلك الزنى جعله الشارع . )١١( )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (قال تعالى .سبباً لجلد الزاني أو رجمه وهكذا بقية الجرائم

، فـالبيع وكذلك سائر العقود والتصرفات، فهي أسباب آلثارها الـشرعية ومثـال الـشرط المقـدور . سبب لنقل الملكية والنكاح سبب للحل بين الزوجين

. للمكلف إحضار شاهدين في عقد الزواج، والطهارة شرط لصحة الصالة .ومثال المانع المقدور للمكلف، قتل الوارث مورثه

.ومن الحكم الوضعي غير المقدور للمكلفرابة فإنها سبب لإلرث، ودلوك الشمس سبب مثال السبب الغير مقدور للمكلف، الق

ومثـال الـشرط . لوجوب الصالة، وحلول شهر رمضان سبب لوجوب الصوم الغير مقدور للمكلف، بلوغ الحلم فإنه شرط النتهاء الوالية على النفس، وبلـوغ

ومثال المانع الغير مقدور للمكلف، األبوة فإنها تمنع . الرشد شرط لنفاذ التصرفاتقتل الوالد ولده عند جمهور الفقهاء، وكون الموصي له وارثاً مانع من القصاص ب

.نفاذ الوصية على رأي أكثر الفقهاء

.٣٨/سورة المائدة آية) ١١(



١١٨

الفصل الثاني أقسام الحكم التكلیفي

مما سبق يتبين لنا ان الحكم التكليفي قد يكون مقتضيا لإليجاب وقد يكون مقتضيا عضها عن البعض ، فما يلـي للتحريم ، وبين االيجاب والتحريم درجات يتفاوت ب

االيجاب في الترتيب هو الندب واالستحباب وتناقص االيجاب يؤدي شيئا فشيئاإلي الذي هو الترغيب واالستحباب ،واألخيرة بـدورها الدخول في دائرة الندب

تتناقص شيئا فشيئا إلي رتبة لو تناقصت لوصلت إلي دائـرة –اي دائرة الندب – .المباح

يتفاوت فـي – الذي هو التحريم –ي فإن طلب الكف عن الفعل ومن ناحية أخر .نفسه درجة درجة إلي رتبة لو نقصت لدخلت في دائرة المكروه

االيجاب ، الندب ، اإلباحـة ، : وبهذا يتبين أن الحكم التكليفي أقساما خمسة هي .الكراهة ، التحريم

واجـب أو منـدوب، وجه الحصر في هذه الخمسة، أن الفعل المطلوب فعله إما والفعل المطلوب تركه إما محرم أو مكروه، والفعل المخير في فعله أو تركه هو

المباحما سبق هو نظرة جمهور األصوليين من غير الحنفية ، أما فقهاء الحنفية فقد

الفرض والمكـروه كراهـة : زادوا قسمبن آخرين إلي األقسام السابقة ، وهما هم هذا علي أن خطاب الشارع الثابت بدليل قطعي فهو وقد أسسوا كالم.تنزيهية

.الفرض ، اما إن كان ثابتا بدليل ظني كخبر األحاد فهو الواجب



١١٩

اما إن كان طلب الفعل علي غير جهة الحتم واللزوم فهو الندب ، وإن كان طلب الترك للفعل علي جهة الحتم واللزوم وكان دليله قطعي الثبوت والداللـة فهـو

كطلب ترك السرقة والزنا ، وإن كان طلب ترك الفعل علي جهة الحـتم التحريمواللزوم وكان دليله ظنيا من ناحية الثبوت والداللة أو احدهما فهـو الكراهـة

كطلب ترك لـبس الحريـر والـذهب - أي هو إلي الحرام أقرب –التحريمية احل الـذهب ( بالنسبة للرجال والذي جاء في قول النبي صلي اهللا عليه وسلم

فالحديث لما كان من خبر األحاد فهو ) والحرير لنساء أمتي وحرم علي ذكورها ظني من حيث الثبوت وإن كان قطعي من حيث الداللة في تحريم الذهب والفضة

.علي الرجال وإن كان طلب الترك للفعل علي غير جهة الحتم واللزوم فهو الكراهة التنزيهية

ستدبار القبلة اثناء قضاء الحاجة المدلول علي طلـب وهو إلي الحالل أقرب كا إذا جلس أحدكم لحاجته ( الكف عنه طلبا غبر جازما بقوله صلي اهللا عليه وسلم

فقد طلب الشارع من المكلـف الكـف عـن ) فال يستقبل القبلة وال يستدبرها استدبار القبلة أثناء قضاء الحاجة ولكن هذا الطلب جاء علي غير جهة الحـتم

.واللزوم : من هنا فإننا نجد أن الحنفية قسموا الحكم الشرعي عندهم إلي سبعة أقسام هي

الفرض ، ا اإليجاب ، الندب ، التحريم ، المكروه كراهة تحريميـة ، المكـروه .كراهة تنزيهية ، اإلباحة



١٢٠

وبالتالي نجد المغايرة بين الجمهور والحنفية حيث يري الجمهور ان الفـرض كذلك المكـروه كراهـة . معني واحد ، وهما متغايران عند الحنفية والواجب ب

. تحريمية هي والتحريم بمعني واحد بينما هما متغايران عند الحنفية كما بينا :وإليك تعريف أقسام الحكم التكليفي

المتعلق بأفعال المكلفين علي سبيل اللزوم هو خطاب اهللا تعالى:اإليجـاب .األفعال المطلوبة وتوصف هذه األفعال بأنها واجبة : ومتعلق االيجاب

االيجاب هو توجيه األمر من اهللا تعالي إلي العباد بطلب : االيجاب والواجب ، أو طلب المنع وبصدور هذا األمر يصير الفعل واجبا فكأن الوجوب الفعل

.هو وصف شرعي للفعل الذي اوجبه اهللا تعالي . اعله ويذم تاركـه علـي بعـض الوجـوه هو ما يمدح ف : تعريف الواجب

والواجب بهذا المعني هو الفرض عند الجمهور حيث ال يفرقون بين الفرض .والواجب إذهما بمعني واحد عندهم

فالصالة واجبة والزكاة واجبة وطاعة الوالدين واجبة كل ذلك وغيـره مـن عن المدح الواجبات التي هي فرائض ال زمة ، من أداها كان له الثواب فضال

.والذكر الحسن ، ومن تركها كان عليه العقاب فضال عن الذم واألثر السيئ



١٢١

المطلب األول الواجـب وأقسامـھ

:تعريـفه هو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلباً جازماً، بأن اقترن طلبه بما يدل

له تعالى على تحتيم فعله كصيغة األمر المجردة فهي تدل على الوجوب كما في قو، أو من المـصدر )١٢( )فأقيموا الصالة وآتوا الزكاة واعتصموا باهللا هو موالكم (

)ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة (النائب عن فعله، كما في قوله تعالى لينفق ذو سـعة (، أو من الفعل المضارع المقترن بالالم، كما في قوله تعالى )١٣(

أو )١٥( )عليكم أنفسكم(األمر، كما في قوله تعالى ، أو من اسم فعل )١٤( )من سعته، أو من أي صـيغة )١٦( )كتب عليكم الصيام (من مادة الفعل كما في قوله تعالى

.تدل على الوجوبحكمه أنه يلزم اإلتيان به، ويثاب فاعله، ويعاقب تاركه، ويكفر من :حكم الواجب

.أنكره إذا ثبت بدليل قطعي

.٧٨/سورة الحج آية) ١٢( .٩٢/سورة النساء آية) ١٣( .٧/سورة الطالق آية) ١٤( .١٠٥/سورة المائدة آية) ١٥( .١٨٣/سورة البقرة آية) ١٦(



١٢٢

سبق أن قلنا أن جمهور الفقهاء ال يفرقـون بـين :الفرق بين الفرض والواجبالفرض والواجب، فهما لفظان مترادفان معناهما واحد وهو الفعل الذي يذم شرعاً

.تاركه، وال فرق في ذلك بين كونه ثابتاً بدليل قطعي أو ظنيأما الحنفية فإنهم يفرقون بينهما، إذ الفرض ما ثبت بدليل قطعي ال شبهة

أما الواجب فهو الفعـل الثابـت . ة فهي فريضة ثبتت بالقرآن الكريم فيه، كالصال .بدليل ظني كتعيين قراءة الفاتحة في الصالة لثبوتها، بحديث آحاد

ولكل من الفرض والواجب عند الحنفية حكم يخالف اآلخر، فحكم الفرض حكم لزوم اإلتيان به واستحقاق العقاب على تركه والحكم بالكفر على من أنكره، و

الواجب لزوم اإلتيان به ولكن ال يكفر جاحده، وإذا ترك استخفافاً بخبـر اآلحـاد .يفسق تاركه أما إذا تركه لمعنى اجتهادي كضعف الحديث عنده فال يفسق

والخالف بين الحنفية والجمهور ليس خالفاً نظرياً قاصراً على التـسمية، :بل تجاوز ذلك إلى الفروع وله آثار فقهية منها

إن ترك القراءة في الصالة يبطلها، ألن األمر بها قد ثبت بدليل قطعـي -١، أمـا )١٧( )فاقرءوا ما تيسر من القرآن (وارد في القرآن هو قوله تعالى

ترك قراءة الفاتحة بعينها في الصالة فال يبطلها، ألن األمر بها ثبت بخبر الة لمن لـم ال ص(أحادي وهو يفيد الظن، فإن قوله صلى اهللا عليه وسلم

حديث أحادي، وهو ظني، ألنه يحتمل أن يكون النفي ) يقرأ بفاتحة الكتاب راجعاً إلى الصحة ويحتمل أن يكون راجعاً إلى الكمال، فعلى االحتمـال

.٢٠/سورة المزمل آية) ١٧(



١٢٣

األول يكون المعنى ال صالة صحيحة إال بقراءة فاتحة الكتاب، وعلـى .االحتمال الثاني ال صال كاملة إال بقراءة الفاتحة

رض يكفر منكره، فمن أنكر الصالة أو الزكاة فقد كفر، ألنه ينكر أمراً الف -٢ثبت عن الشارع بدليل قطعي ال شبهة فيه، أما من ينكر الواجب فال يكفر

.، ألنه ثبت بدليل ظني فيه شبهة

ومما تجدر اإلشارة إليه، أن الحنفية يسمون العمل بالواجب فرضاً عملياً، أي أن فرض في االعتقاد والعمل وهو الثابت بدليل قطعـي، : الفرض عندهم فرضان . وهو الثابت بدليل ظني– االعتقاد –وفرض في العمل فقط

تلزم بالعمل وال تلزم باالعتقادومن المقرر عند علماء األصول، أن األدلة الظنية

:أقسـام الواجب :ا يلي ينقسم الواجب إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة نعرض أهمها فيم

: باعتبار تعیین المطلوب وعدم تعینھ : التقسیم األول :ينقسم الواجب بهذا االعتبار إلى قسمين

. واجب مخير-٢ . واجب معين-١ : الواجب المعين -١

بعينه من غير تخيير بين أفراد مختلفـة، من كل فرد هو ما طلبه الشارع الواجبات التـي ال تبـرأ ذمـة كالصالة والصيام والزكاة والحج ونحو ذلك من

وحكم هذا لواجب، أن المكلف مطالب بـه، . المكلف إال بأدائها كما عينها الشارع .وأن ذمته ال تبرأ إال بفعله بعينه

: الواجب المخير -٢



١٢٤

من األمة في مجموعها بحيث إذا قام بـه الـبعض وهو ما طلبه الشارع مطلقا أثم الجميع لتقصيرهم في آداء سقط الفرض عن الباقين اما إذا لم يقم به أحد

مبهماً ضمن أمور معينة، كأحد خصال وقد يكون الواجب المعين واحدا الواجب فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط (الكفارة المنصوص عليها في قوله تعالى

.)١٨( )ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةور الثالثة، وتبرأ ذمته بأي واحد منهـا فالحانث مخير ابتداء بين هذه األم

وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، وهـذا عنـد االسـتطاعة وقد يكـون هـذا . والمقدرة، أما عند عدمها فالواجب معين وهو صيام ثالثة أيام

الواجب واحداً من اثنين وللمكلف أن يختار أحدهما كما في قوله تعالى في أسرى ى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتـى تـضع حت(..الحرب

.فلإلمام أن يمن على األسرى أو يفاديهم بغيرهم. )١٩( )الحرب أوزارهاأنه يجب على المكلف أن يفعل واحداً فقط من األمور : وحكم هذا الواجب

.التي خيره الشارع فيها، وإذا لم يفعل كان آثماً ومستحقاً للعقاب : ينقسم الواجب المخير إلى قسمين :قسـام الواجب المخير أ

قسم يجوز الجمع بين األفعال كلها كما في خصال الكفارة، فـإن الوجـوب –أ المدلول عليه في اآلية الكريمة قد تعلق بواحد من اإلطعام والكسوة والعتق، ومع

.ذلك يجوز إخراج الجميع

.٨٩/سورة المائدة آية) ١٨( .٤/سورة محمد آية) ١٩(



١٢٥

مام األعظم ووجدنا جماعة قد استعدوا قسم ال يجوز الجمع، كما إذا مات اإل -بلإلمامة بتحقق شروطها، فإنه يجب على الناس أن ينصبوا واحداً منهم، وال يجوز نصب زيادة عليه، وكتزويج الوالي موليته ألحد كفتين تقدماً إليها يطلبان نكاحها، وكما في التخيير في األسرى بين المن والفداء، وقد اختلـف األصـوليون فـي

.اجب المطلوب في الواجب المخيرالوإن الواجب من األمور المخيـر : فقال أهل السنة من الفقهاء واألشاعرة

بينها هو واحد ال بعينه، ويتعين بفعل المكلف، فكل واحد من األمور المخير بينها صالح ألن يتأدى به الواجب صالحية غيره من األفراد لذلك، فالواجب هو واحد

.مبهمإن الواجب معين بخصوصه من بين هذه األشـياء : ض المعتزلة وقال بع

ن الواجب معين عند اهللا ال عندناوتعينه في علم اهللا سبحانه وتعالى، أي أ :الموسع والواجب المضیقالواجب : التقسیم الثاني - :الواجب الموسع

هوالواجب الذي في وقته منسع من الوقت ألدائه واداء غيره من الواجبات ،فمثال صالة الظهر تجب بزوال الشمس ذا الواجب هألخري التي هي من جنس ا

والوقت المحدد لها يكفي لها ولغيرها من الصلوات االخري فهـي إذن واجـب موسع اي أن الوقت التي تؤدي فيه هذا الصالة أداء يسع هذا الواجب وأداء غيره

صلوات التي هي من من جنسه فالوقت هذا يسع صالة الظهر ويسع غيرها من ال .جنسها ولذا سني هذا الواجب بالواجب الموسع



١٢٦

:الواجب المضيقهو الواجب الذي له وقت محددال يكفي إال ألداء هذا الواجب دون غيـره من جنسه ، فهو علي عكس الواجب الموسع وخير مثال له شهر رمضان فالصيام

هذا الوقت المحدد الذي فيه واجب علي كل مسلم مكلف ال عذرله ، وبالتالي فإن هو شهر رمضان ال يتسع إال له هو فقط دون غيره من بني جنسه فـال يمكـن لشخص مكلف وجب عليه صيام هذا الشهر أن يصومه ويصوم صوما آخر في

.نفس الوقت مع مالحظة ان الواجب الموسع قد يصير مضيقا ، فمن تغافل عن صالة العصر

ال يكفي إال ألداء صالة العصر فقط فإن الواجـب مثال حتي كاد وقتها أن يخرج .الذي كان موسعا اصبح مضيقا ألنه أصبح ال يتسع إال لفرض واحد فقط

أيضا بالنسبة للحج فهو من جهة واجب موسع ومن جهة أخري يكـون واجـب فهو من هذه ) الحج أشهر معلومات ( مضيق ، ذلك ألن اهللا سبحانه وتعالي يقول

موسع ، حيث يصح االحرام في شوال وذي القعدة والتسع األوائل الوجهة واجب ففي خالل هذه الفترة يجوز الطواف والسعي وغير ذلـك مـن . من ذي الحجة

.أفعال الحج اآلخري باعتبارها عمرة والعمرة من جنس الحج ومن جهة أخري بالنظر إلي أن الحج عرفة ومن لم يقف بعرفة فـال حـج لـه

ركن الجوهري للحج وهو الوقوف بعرفة له وقت محدد اليسع فيه وبالتالي فإن ال .غيره من بني جنسه فهو من هذه الوجهة واجب مضيق



١٢٧

:ھ إلي أداء وقضاء ومعجل ومعادالواجب بالنظر إلى وقت: قسیم الثالث التيقصد باألداء هو تنفيذ الواجب في الوقت المحدد له شرعا ، فمـن أدي : األداء

ها المحدد لها شرعا اداء صحيحا أي مستكملة شروطها وأركانهـا الصالة في وقت فإنه يكون قد نفذ الواجب تنفيذا يسمي أداء ، وهو الذي يرد علي ألسنة العامة أنه صلي الصالة حاضرة ، أي انه أداها في وقتها المحدد لهـا شـرعا بـشروطها

.وأركانها خلل يكون قد نفـذ كذلك من صام شهر رمضان صياما صحيحا لم يطرأ عليه

.فريضة الصيام أداء هو تنفيذ الواجب بعد خروج الوقت المحدد له شرعا ، فصالة الـصبح : القضاء

بعد طلوع الشمس ال تعتبر أداء وإنما تعتبر قضاء ، ذلك ألن الوقت المحددلها قد فإذا ما طلعت الـشمس – من وقت طلوع الفجر إلي طلوع الشمس -خرج وقته قتها الذي هو وقت األداء وبالتالي تكون صالة الصبح بعـد طلـوع فقد خرج و

.الشمس قضاء، وإنما كانت قضاء ألن المكلف بأدائها قد أخرها حتي خرج وقتها هل هناك عالقة بين األداء والقضاء ؟

يالحظ ان األصل هـو تنفيـذ الواجبـات أو : يقول استاذنا الدكتور يوسف قاسم قت المحدد لها شرعا ، فإذا خرج الوقت تعـين قـضاء الفرائض أداء أي في الو

األداء يترتب عليه الثواب ، كما ان الواجب وتلك هي العالقة بين األداء والقضاء والقضاء يترتب عليه رفع االثم وتجنب العقاب ، غير انه إذا كان خروج الوقـت

ا كـان لعذر شرعي صح القضاء وسقط اإلثم وثبت الثواب إن شاء اهللا ، أمـا إذ المكلف قد قصر في آداء الفريضة حتي خرج وقتها دون عذر فإنه يكـون آثمـا



١٢٨

، وإن دون شك ، ورغم هذا اإلثم يصح منه القضاء علي ما عليه جمهور الفقهاء .ذهب الظاهرية إلي القول بأن من ترك الصالة متعمدا ال يصح منه القضاء

:الواجب المعجل واكببر مثال . يه المكلف قبل حلول وقته يقصد بالواجب المعجل الذي يؤد

علي الواجب المعجل الزكاة ، حيث إن الزكاة تجب في المحصول بعد حـصده ، وفي زكاة األموال تجب بحلول ) وآتوا حقه يوم حصاده ( مصداقا لقول اهللا تعالي

الحول ، وفي صدقة الفطر تجب قبل خروج شهر رمضان ، غير أن الـشريعة زت إخراج الزكاة قبل حلول اجلها لمصلحة العامة ، فلقد روي أن االسالمية اجا

العباس رضي اهللا عنه سأل النبي صلي اهللا عليه وسلم في تعجيل صدقته فرخص ولقد روي عن علي كرم اهللا وجهه ان النبي صلي له النبي صلي اهللا عليه وسلم ،

فأخذ أكثر أهل ) عامين إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة ( اهللا عليه وسلم قال .العلم من هذا دليال علي جواز تعجيل الزكاة وهو للمصلحة العامة

واما تعجيل الزكاة لمصلحة خاصة فيمكن التمثيل له بما ذكره بعض الفقهاء مـن .أنه يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل وقتها

:الواجب المعاد

ه مـرة أخـري إمـا هو الواجب الذي أداه المكلف أداء صحيحا ثم يعيد .لتصحيح خلل في االداء األول أو لزيادة الثواب في االداء الثاني



١٢٩

فمن أدي الصالة مستجمعة شروطها وأركانها ثم تبين له بعد أدائها أنه صـالها قبل وقتها فغنه يجب عليه إعادتها ، كذلك من أداها في وقتها ثم ظهر له بعد ذلك

نظرا أن ثوبه أو مكان صالته لم يكن طاهرا وجب عليه إعادة الصالة في وقتها . الثوب الذي كان يصلي فيه للخل الذي أصابها في عدم طهارة المكان أو

وكثيرا ما يؤدي المكلف الصالة منفردا ثم يجد جماعة يصلون هذه الفريضة فهنا يستحب له إعادة الصالة التي صالها ال من أجل خلل في الصالة األولي ، ولكن

.أمال في زيادة الثواب وتحصيل فضل صالة الجماعة .عيني وواجب كفائي إلي واجب هحيث المكلف بأدائأيضا من ينقسم الواجب

: الواجب العيني -هو ما طلب الشارع حصوله من كل واحد من المكلفين، فال يكفي فيه قيام

البعض دون البعض اآلخر، وال تبرأ ذمة المكلف منـه إال بأدائـه، ألن قـصد الشارع في هذا الواجب ال يتحقق إال إذا فعله كل مكلف، ومن ثم يـأثم تاركـه

فالمنظور إليه في هذا الواجب الفعل . ه العقاب وال يغني عنه قيام غيره به ويلحقالفرائض كلها من صالة وزكاة وصوم وحج، ووفـاء : نفسه والفاعل نفسه، مثاله

.بالعقود،وإعطاء كل ذي حق حقه لزوم اإلتيان به من المطالب به، وحتمية حصوله من : وحكم هذا الواجب

.كل فرد من المكلفين :التكليفات العينية ثالثة أقسام :نيابة في القيام بهذا الواجب ال



١٣٠

قسم يقبل النيابة وهو كل التكليفات المالية، كرد الودائع وقضاء الـديون ورد –أ الغصوبات وتفريق الزكاة والكفارات ولحوم الهدايا والضحايا ونحو ذلك، فهـذه

تفاع أهلها بها، وهو حاصل بأي األفعال يصح فيها النيابة إجماعاً، ألن المقصود ان .شخص

قسم ال يقبل النيابة، كاألعمال القلبية البدنية المحضة كالصالة والصوم، فهذه -باألفعال ال تصح فيها النيابة إجماعاً، ألن المقصود منهـا الخـضوع والخـشوع وتعظيم الرب سبحانه وتعالى وهو يحصل لفاعلها بنفسه، فإذا فعلهـا غيـره لـم

.لمصلحة التي طلبها الشارع الحكيمتتحقق ا قسم يقبل النيابة عند قيام العذر، وهو ما له جانبان، أحدهما بـدني واآلخـر -ج

مالي، كالحج فتصح اإلنابة فيه عند العجز البدني عن أدائه، وقد رويت أحاديـث كثيرة في ذلك، منها ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن امرأة

إن أمي نـذرت أن (ة جاءت إلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقالت من جهين : تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم

فدين : قال : نعم : حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت ).اهللا أحق بالوفاء

: الواجب الكفائي -

. رع حصوله من جماعة المكلفين، من غير نظر إلى من يفعلـه هو ما طلب الشا القضاء واإلفتاء واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنشاء المالجـئ : مثاله



١٣١

والمستشفيات، وتعليم الجاهل، وإنقاذ الغرقى والحرقى، وتعلم العلوم التي تحتاجها الجهاد في سبيل اهللا إذا لم األمة، وأداء الشهادات، وإمداد القوة، واتباع الجنائز، و

يتعين، وتعلم الصنائع، ورد السالم، فهذه كلها واجبات تتحقق المصالح بوجودهـا وفعلها من بعض الناس، ومطلوب اإلتيان بها من األمة أياً كـان فاعلهـا، إذ ال يتوقف إيجادها على شخص بعينه، وال يلزم قيام كل مكلف بها، ألن فعل البعض

.البعض اآلخريقوم مقام فعل لزوم اإلتيان به، وإذا فعله البعض سقط الطلب عن الباقين، وسقط اإلثم : حكمـه

عنهم جميعاً، وإن لمي قم به أحد أثم الجميع، ألنه مطلوب من مجمـوع األمـة، فالقادر على الفعل، عليه أن يفعله، والعاجز عنه عليه أن يحث القادر ويحمله على

.جب كان تقصيراً من الجميعفعله، فإذا لم يحصل الواوعلى هذا التصوير للواجب، وجب على األمة مراقبة الحكومة وحملها على القيام بالواجبات الكفائية، أو تهيئة األسباب الالزمة ألدائها، ألن الحكومة نائبة عن األمة في تحقيق المصالح العامة، وقادرة على القيام بأعباء الفـروض الكفائيـة، فـإذا

في ذلك أثمت األمة كلها بما فيها السلطة التنفيذية، األمة لعـدم حملهـا قصرت الحكومة على تهيئة ما تقام به الفروض الكفائية، والحكومة لعدم قيامها بالواجـب

وهذا هو التضامن في أداء الواجـب االجتمـاعي الـذي الكفائي مع القدرة عليه .ل في الجماعاتجاءت به الشريعة اإلسالمية وجعلته مظهراً للكما

:تحول الواجب الكفائي إلى عيني



١٣٢

عيني، وذلك حين يكون المطالب به قد ينقلب الواجب الكفائي إلى واجب واحداً أو يتعين فرد ألدائه، وهذا إذا لم يكن بالبلد إال طبيب واحد مثالً فإن إسعاف

ـ ده المريض حينئذ يكون واجباً عينياً عليه، وكذا من حضر استغاثة غريـق وحوكان يحسن السباحة، يكون إنقاذ هذا الغريق واجباً عينياً عليه، ومثله من انفـرد

وكالجهاد فـي سـبيل اهللا قـد . برؤية حادثة، ثم دعى للشهادة يتعين عليه أداؤها يصبح فرضاً عينياً على كل مكلف قادر على محاربة العدو إذا دخل العدو بالدنا،

.غير منكراً فعليه إنكاره بقدر استطاعته، وهكذاوكذا إذا شهد المكلف القادر دون :فيمن يتوجه إليه الخطاب في الواجب الكفائي

إن : اختلف العلماء فيمن يتوجه إليه الخطاب في الواجب الكفائي فقال الجمهـور الخطاب بالواجب الكفائي موجه إلى كل فرد، غير أن فعل البعض يسقط التكليف

.أو الطلب عن الباقين .ل فريق آخر، إن الخطاب موجه إلى هيئة المخاطبين االجتماعيةوقا

ولهذا الخالف ثمرة في العمل عند التدقيق، فإذا علم طبيب بوجود مـريض فـي ناحية معينة مثالً، وشك هل قام غيره بإسعافه أم ال؟ فإنه علـى رأي الجمهـور

جه إليه، كمـا يلزمه البحث والتحري للوقوف على حقيقة األمر، ألن األمر قد تو توجه إلى غيره وال يسقط التكليف عنه بالشك في مسقط الطلب وهـو حـصول الواجب من غيره، وأما على رأي البعض فإنه ال يلزمه البحث والتحري، ألنه لم

. يتيقن من توجه الطلب إليه واألصل عدم توجهه



١٣٣

االستحباب : المطلب الثانيندبه لألمر فانتـدب : عل، قال الجوهري هو الدعاء إلى الف االستحباب أو الندب

.)٢٠(له أي دعاه له فأجاب :المندوب في اصطالح األصوليين

هو ما طلب الشارع فعله من غير إلزام، أو هو ما يثاب فاعله وال يعاقب تاركه، .أو هو ما يمدح فاعله وال يذم في الشرع تركه

ا غير حتم ، ومعني المندوب ما طلب الشارع فعله طلب : يقول الشيخ الخضري ذلك أن يكون المندوب مطلوب الفعل عند الشارع مثابا عليه ولكنه ال إثم فـي

.تركه ، وربما استحق تاركه المالمة ألنه لم يقف عند قصد الشارع مثابا عليه :أساليب المندوب

نفس الصيغة، ويتحقق ذلك بأن تكون صيغة الطلب تدل عليه بنفسها، كما لو -١الحكيم يسن لكم، أو يندب أ يستحب أو نحو ذلك كما في حـديث قال الشارع

من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمـت ومـن (المصطفى صلى اهللا عليه وسلم ).اغتسل فالغسل أفضل

صيغة األمر مع وجود قرينة تعين المراد، بصرف األمر عن اإللـزام إلـى -٢ة النصية التي مثال القرين . غيره، سواء أكان الصارف نصاً أم قاعدة شرعية يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم (تصرف المر من الوجوب إلى الندب قوله تعالى

.٤٣٨٠ ص ٦لسان العرب جـ) ندب(مادة ) ٢٠(



١٣٤

، فإن األمر بكتاب الدين أمـر للنـدب ال )٢١( )بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه لإليجاب، بدليل القرينة النصية الدالة على ذلك، وهي في نفس اآلية إذ جـاء

) عضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمـن أمانتـه فإن أمن ب (في عجز اآلية الكريمة ومعناه أن للدائن أن يثق بمدينه ويأتمنه من غير كتابة الدين عليه، وهذه قرينة

ومثال القرينة المستفادة من القواعد الشرعية الكلية قولـه تعـالى . منصوصة، فإن األمر هنا للندب لوجـود القرينـة )٢٢( )فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً (

).أن المالك حر في التصرف في ملكه(ادة من القاعدة الشرعية وهي المستف

قد يستفاد الندب من عدم ترتيب العقوبة على ترك الفعل، كما في قوله تعالى -٣، فهذا األمر لتقويم الـسلوك، )٢٣( )واقصد في مشيك واغضض من صوتك (

.فمن لم يتمثل له فال عقاب عليه

لى اهللا عليه وسلم علـى فعـل مـن قد تكون قرينة عدم مواظبة الرسول ص -٤ .األفعال

هل المندوب والمستحب والسنة والتطوع والنفل والمرغب فيه أو الفضيلة ألفاظ مترادفة أم ال؟

.٢٨٢/ة آيةسورة البقر) ٢١( .٣٣/سورة النور آية) ٢٢( .١٩/سورة لقمان آية) ٢٣(



١٣٥

:اختلف العلماء في ذلك على قولين وهو للجمهور، أنها مترادفة عرفاً ومعناها واحد وهو الفعل الذي طلبـه : أولهما

سمي المندوب بهذا االسم، ألن الـشارع دعـا : وقالوا . الشارع طلباً غير جازم إليه، وسمى بالمستحب ألن الشارع يحبه، وبالنفل ألنه زائد على الفرض، وبالسنة لفعل الرسول عليه السالم، وبالتطوع، ألن فاعله يأتي به تبرعاً، وفـضيلة، ألن

فعله يفضل تركهبالنـسبة للمـستحب والـسنة وهو لبعض العلماء، أنها غير مترادفة : وثاينهما

والتطوع، ألن الفعل المطلوب طلباً غير جازم إن واظب عليه النبـي صـلى اهللا وإن لم يواظب عليه، بأن تركه أحياناً . عليه وسلم ولم يتركه إال لعذر فهو السنة

لغير عذر فهو المستحب، وإن لم يفعله النبي صلى اهللا عليه وسلم بل أنشأه المسلم أما ما عدا هذه الثالثة فهـي مترادفـة، . األوراد القرآنية فهو التطوع باختياره ك

المستحب مرغـب فيـه، والتطـوع : لصحة حمل كل واحد منها، عليها، فيقال .إلخ...مندوب

:ينقسم المندوب إلى ثالثة أقسام :أقسـام المندوب ويسمى سنة مؤكدة، وسنة الهدي، وهو ما واظـب : مندوب مؤكد فعله -١

: نبي صلى اهللا عليه وسلم ولم يتركه إال نادراً، وهو نوعان عليه السنة مؤكدة تكمل الواجب وتعد من شعائر اإلسالم، كـاآلذان واإلقامـة، - أ

أن فاعله يستحق الثـواب، : وحكم هذا النوع . وصالة الجماعة والعيدين وتاركه يستحق اللوم والعتاب، وإذا اتفق أهل قرية على ترك هذه الـسنن



١٣٦

ولكن الستهانتهم بإعالن شعائر اإلسالم . الهم، ال ألنهم تركوا سنة وجب قت .المحكمة لواجباته وإخفاء تلك الشعائر من عالمات النفاق

سنة غير مكملة لواجبات، لكن الرسول صلى اهللا عليه وسلم واظب عليها - بولم يتركها إال نادراً، كالمضمضة واالستنشاق في الوضوء، وسنن الـصالة

كصالة ركعتين قبل صالة الفجر، وبعد الظهر والمغـرب والعـشاء، الراتبة .وكقراءة سورة أو آية بعد الفاتحة في الصالة

وحكم هذا النوع كحكم النوع السابق، إال أنه إذا اتفق أهل قرية على ترك هذه السنن ال يجب قتالهم ألنها ليست من شعائر اإلسالم التي يحافظ فيهـا علـى

، فتركها ال يعد أمارة من أمارات النفاق أو االستخفاف بتعـاليم الظهور واإلعالم . اإلسالم

: مندوب غير مؤكد فعله -٢وهو ما فعله النبي صلى اهللا عليه وسلم أحياناً وتركه أحياناً من غير تأكيد

على فعله، ويدخل تحته جميع التطوعات كالتصدق علـى الفقـراء والمـساكين، ميس من كل أسبوع، وكصالة ركعات زيادة عن الفرض وصيام يوم اإلثنين والخ

وعن السنة المؤكدة كصالة الضحى، وكالتطوع بالحج والعمرة، واإلشهاد علـى .العقود وكتابة الدين

.ويسمى هذا القسم بالسنة غير المؤكدة وبالمستحب وبالنافلةأن فاعله يستحق الثواب وتاركه ال يستحق اللـوم وال : وحكم هذا القسم

العتاب، ألن فعله جعل للزيادة في الثواب



١٣٧

:لمندوب من أحكام التكاليف هل ا، ونفي ذلك أكثر الشافعية أن المندوب من األحكام التكليفية بعضذهب

أن التكليف طلب ما فيه كلفة ومشقة، والمندوب مساو : تهم في ذلك العلماء وحج . زيادة الثواب على الفعلللمباح في التخيير بين الفعل والترك من غر حرج مع

والواقع أنه من أقسام الحكم التكليفي باعتبار وجوب اعتقاد كونه مندوباً، أو ألنـه ال يخلو عن كلفه ومشقة، إذ هو سبب للثواب عند فعله، دون ترتيب شيء من الذم

.على تركه، ومن من فهو طاعة، والطاعة تشمل المأمور به امـھالحـرام وأقس : المطلب الثالث

هو ما طلب الشارع من المكلف تركه على وجـه ما أشعر بالعقوبة علي فعله او وال يفرق الجمهور بين التحريم بالدليل القطعي أو الدليل الظني، . الحتم واإللزام

. كخبر اآلحاد، حجة عندهم في العمل دون االعتقاد–ألن األدلة الظنية :لكف إلي قسمين باعتبار طريق الثبوت قسموا الطلب المقتضي لأما الحنفية فإنهم

ما ثبت قطعا ، وهو نصوص القرآن والسنة المتواترة واالجماع وهـذا : األول .مقتضاه التحريم فهو عندهم في مقابل الفرض

ماثبت ظنا وهو أخبار األحاد والقياس وهذ مقتضاه كراهة التحريم فهـو : الثاني فرقوا بين ما ثبت تحريمه بدليل لحنفية وبالتالي نجد أن ا . يقابل الواجب عندهم

قطعي وما ثبت تحريمه بدليل ظني، فأطلقوا على األول الحرام، وعلـى الثـاني .مكروه كراهة تحريم

:حكم الحرام



١٣٨

إن فعل الحرام يستوجب العقاب، ومنكره كافر إن كان قد ثبت بدليل قطعي، وإن .كان قد ثبت بدليل ظني ال يحكم بكفره

: األساليب التي تدل على حرمة الفعل كثيرة منها : حريـم أساليب التأن يكون طلب الكف عن الفعل بصيغة التحريم وما يشتق منها، كقوله تعالى -١

وقولـه . )٢٤()حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهللا به (. )٢٥( ..) بهإنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اهللا(تعالى

..)حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخـاالتكم (وقوله تعالى

كل المسلم على المسلم حرام دمه (وقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . )٢٦( ).وماله وعرضه

ال يحل لكـم أن ترثـوا النـساء (أن يكون التحريم بنفي الحل، كقوله تعالى -٢ال يحل مال امرئ مسلم إال [ صلى اهللا عليه وسلم ، وقول رسول اهللا)٢٧()كرهاً

].بطيب نفسه

وال (أن يكون التحريم بصيغة النهي الدال على أن الترك حتم، كقوله تعـالى -٣تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيال، وال تقتلوا النفس التي حـرم اهللا إال

عليكم أال تـشركوا قل تعالوا أتل ما حرم ربكم (، وقوله تعالى )٢٨( ..)بالحق

.٣/سورة المائدة آية) ٢٤( .١١٥/سورة النحل آية) ٢٥( .٢٣/سورة النساء آية) ٢٦( .١٩/سورة النساء آية) ٢٧( .٣٣، ٣٢/سورة اإلسراء اآليتان) ٢٨(



١٣٩

به شيئاً وبالوالدين إحساناً وال تقتلوا أوالدكم من إمالق نحن نرزقكم وإيـاهم وال تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وال تقتلوا النفس التي حرم اهللا إال بالحق ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون، وال تقربوا مال اليتيم إال بالتي هي أحسن

.)٢٩( ..)حتى يبلغ ِأشده

أن يكون التحريم بصيغة األمر باجتناب الفعل مع قرينة تدل علـى اإللـزام -٤يا أيها الذين آمنوا إنما الخمـر والميـسر واألنـصاب (بالترك، كقوله تعالى

، فوصـف )٣٠( )واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكـم تفلحـون األمر التحريم المنهي عنه بأنه رجس من عمل الشيطان دال على أن المراد ب

اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك باهللا، والـسحر، (وقوله صلى اهللا عليه وسلم وقتل النفس التي حرم اهللا إال بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتـولي

فوصـف المـأمور ). يوم الزحف، وقذف المحصنات الغـافالت المؤمنـات .ر لإللزام بالترك أي التحريمكالت دليل على أن األملباجتنابها بأنها مه

أن يكون التحريم مفهوماً من ترتيب الشارع العقوبة على الفعل، كقوله تعالى -٥ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهللا عليه وأعد لـه (

الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهمـا (وقوله تعالى . )٣١ ()عذاباً عظيماً تأخذكم بهما رأفة في دين اهللا إن كنتم تؤمنون باهللا واليوم اآلخر مائة جلدة وال

.١٥٢، ١٥١/سورة األعراف اآليتان) ٢٩( .٩٠/آيةسورة المائدة ) ٣٠( .٩٣/سورة النساء آية) ٣١(



١٤٠

مـن ( وقوله صلى اهللا عليه وسلم )٣٢ ()وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ).بدل دينه فاقتلوه

فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحـيم (التوعد على الفعل، كقوله تعالى -٦ذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنمـا إن ال (وقوله تعالى . )٣٣ ()هي المأوى

.)٣٤ ()يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً

.حرام لذاته، وحرام لغيره: ينقسم الحرام إلى قسمين :أقسـام الحـرام هو ما كان التحريم لمفسدة في ذات الفعل، كالقتل والزنا، : الحرام لذاته -١

وهذا النوع حرمـه اهللا . والسرقة وشرب الخمر، وأكل الميتة ونحو ذلك تعالى ابتداء، فهو غير مشروع أصالً، إذ منشأ الحرمة فيه عين المحـل نفسه، ولذا فإن التعاقد على شيء من المحرم لذاته يكون بـاطالً لعـدم

فمثالً الزنى ال يثبت به النـسب . صالحية المحل لظهور حكم الشرع فيه نساب ويسبب في مفسدة وال اإلرث، كما أن الزنى يفوت مصلحة حفظ األ

اختالطها والسرقة ال تصح سبباً للملكية، إذ تفوت مصلحة حفظ األموال، .أو تسبب مفسدة ضياعها وهكذا

ما كان التحريم ال لمفسدة في الفعل نفسه، وإنما ألمر هو :الحرام لغيره -٢. يتصل به، فهو في أصله مشروع، لكن المفسدة راجعة ألمر متصل به

:تنوع إلى نوعين وهذا القسم ي

.٢/سورة النساء آية) ٣٢( .٣٩، ٣٨، ٣٧/سورة النازعات اآليات) ٣٣( .١٠/سورة النساء آية) ٣٤(



١٤١

فعل حرم ألنه يؤدي إلى ما يفوت المصلحة أو يسبب المفسدة، ومن أمثلة هذا –أ النوع النظر إلى عورة المرأة األجنبية والخلوة بها، وسفر المـرأة دون زوج أو

فهذه األفعال قد حرمت ألنها قد تؤدي إلى الزنا، وفي الزنا فوات مصلحة . محرمفسدة اختالطها، والنظر والخلوة والسفر، ال تفوت هـذه حفظ األنساب أو جلب م

المصلحة وال تسبب المفسدة بذاتها، بل بواسطة، قد تؤدي إليه من الوقـوع فـي زواج المـرأة : الزنا الذي يجلب المفسدة ويفوت المصلحة بذاتها، ومن ذلك أيضاً

ـ ى عنهـا على عمتهاأ وخالتها فإنه حرام، ألنه يؤدي إلى قطيعة الرحم التي نهالشارع نهياً ذاتياً، فالحرمة ليست لذات الجمع وإنما لما يؤدي إلى مفسدة البغض

خطبة المعتدة تصريحاً ونكاحهـا فإنـه لـيس : ومن ذلك . والنزاع بين األقارب مفسدة في ذاته، ولكنه يؤدي إلى ما فيه مفسدة وهو الكذب في العدة، وفيه مفسدة

الربوية، فإنها حرام وحرمتها ليست لذاتها، بل اختالط األنساب، ومن ذلك البيوع .ألنها تؤدي إلى الربا المحرم لذاته

فعل ليس مفسدة في ذاته وليس ذريعة إلى مفسدة ولكن عرض له ما اقتضى -بالصالة في الدار المغصوبة وفي : من أمثلته . الفساد، فالتحريم فيه ألمر عارض

ذاتها وليست ذريعة إلـى مـا فيـه الثوب المغصوب، فإن الصالة مشروعة في ولكن لما كانت الصالة في الدار المغصوبة أو الثوب المغصوب تطـرق . مفسدة

البيـع : ومنهـا . وهو أمر عارض، فالحرمة هنا للغير . إليها الفساد من الغصب وقت النداء لصالة الجمعة وفي المسجد، وبشرط فاسد، فإن البيع ليس مفسدة في

ى ما فيه مفسدة، ولكنه لما وقع وقت النداء أو في المسجد، أو ذاتها، وال يؤدي إل



١٤٢

اشتمل على الشرط الفاسد وتطرق إليه الفساد من هذه األشياء، كان حراماً لهـذا زواج التحليل ، فالزواج في ذاته مشروع، ولـيس فيـه : األمر العارض، ومنها

بـه الـدوام مفسدة وال يؤدي إلى ذلك، لكن لما كان زواج التحليـل ال يقـصد .واالستقرار فكان لذلك حراماً، وهكذا

:اآلثار المترتبة على التفرقة بين الحرام لذاته والحرام لغيره :للتفرقة بين ما حرم لذاته وما حرم لغيره أثران هما

إذا كان محالً لعقد أو تصرف، ترتب عليه بطالن العقد أو ذاته إن الحرام ل : أوالًأما إذا كان . لشرع عليه أثراً، ألنه غير مشروع بأصله التصرف بحيث ال يرتب ا

الحرام لغيره محالً لعقد أو تصرف، فإنه ال يكون باطالً، بل يكون صحيحاً تترتب عليه جميع آثاره الشرعية على ما ذهب إليه بعض الفقهاء، أو فاسداً تترتب عليه

هاء، أو يكـون بعض اآلثار دون البعض على ما ذهب إليه البعض اآلخر من الفق .باطالً كما هو الشأن في الحرام لذاته على ما ذهب إليه البعض الثالث من الفقهاء

إذا كان محل العقد ميتة أو خمراً أو خنزيراً أو ما شاكل ذلك : وتطبيقاً على ذلك مما ليس بمال في نظر الشريعة اإلسالمية، فإن العقد يكون باطالً ال يترتب عليه

حرمة فيه ذاتية، أما البيع وقت النداء يوم الجمعـة، فإنـه يكـون أي أثر، ألن ال صحيحاً عند جمهور الفقهاء مع اإلثم والكراهة خالفاً للحنابلة والظاهرية، وكـذا الصالة في األرض المغصوبة أو في الثوب المغصوب، فإنها صحيحة في ذاتهـا

الفقهاء مع تأثيم ما دامت مستوفية ألركانها وشروطها على ما ذهب إليه جمهور .المكلف على ما ارتكبه من غصب خالفاً للحنابلة والشافعية في رواية



١٤٣

أن المحرم لذاته ال يباح إال للضرورة، وذلك ألن سبب تحريمه ذاتي فهـو : ثانيايمس ضرورياً من الضروريات الخمس، فال يباح إال لضروري مثله، والقاعـدة

).الضرورات تبيح المحظورات(رم لغيره فيكفي في إباحته الحاجة، وال يتوقف على الضرورة، ألنـه ال أما المح

يمس ضرورياً، وتطبيقاً على ذلك، فإن شرب الخمر وهو حرام لذاته، ال يباح إال لضرورة حفظ النفس من الهالك كأن غص ولم يجد ما يزل الغصة به، وكأكـل

.الميتة، ال يحل أكلها إال في مجاعة يخشى معه الهالك كشف العورة وهي محرمة لغيرها، فإنه يجوز عند الحاجة، بمعنى أن يبـاح أما

للطبيب المعالج إذا لم توجد طبيبة تحل محله أن ينظر إلى العورة لحاجة العالج لذلك، متى كانت الرؤية الزمة للعالج، ألن كشف العورة ليس مفسدة في ذاتـه،

به، فكانت الحاجة كافية فـي وأداؤه إلى ما فيه مفسدة وهو الزنا، ليس مقطوعاً .إباحته



١٤٤

المكـروه : المطلب الرابع :المكروه في اللغة

كرهه أبغضه ولم يحبه، ومنه قولـه تعـالى : البغيض إلى النفوس، يقال . )كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها(

:المكروه في اصطالح األصوليين م، أو هو الفعل الذي ترجح ما طلب الشارع الكف عنه ال على وجه الحتم واإللزا .فيه جانب الترك، أو هو ما يمدح تاركه وال يذم فاعله

:األساليب الدالة على كراهة الفعل :للكراهة أساليب كثيرة نذكر منها ما يلي

إن اهللا حـرم [صيغة كره أو أكره أو أبغض، كقوله صلى اهللا عيه وسلم -١لكم قيل وقال، وكثـرة عقوق األمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره

أبغض الحالل إلى [، وقوله صلى اهللا عليه وسلم ]السؤال، وإضاعة المال ].اهللا الطالق

يـا أيهـا (صيغة النهي إذا اقترن بها ما يدل على الكراهة، كقوله تعالى -٢الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين

فالقرينة التي صرفت هذا النهي من داللته علـى . )ينزل القرآن تبد لكم وإن تسألوا (التحريم إلى داللته على الكراهة، وقوله تعالى في نفس اآلية ).عنه حين ينزل القرآن تبد لكم عفا اهللا عنها واهللا غفور حليم



١٤٥

صيغة األمر الدالة على الترك بقرينة تصرفها عن التحريم إلى الكراهة، -٣فإن فعل مـا ] دع ما يريبك إلى ما ال يريبك [ه وسلم كقوله صلى اهللا علي

يشتبه أمره بين الحل والحرمة ليس حراماً، بل هو مكروه على التحقيـق بقرينة أن الشيء المشتبه فيه ال يوصف بالحل وال بالحرمـة، وإال لمـا

.سمي مشتبهاً وكان أحدهما

ال يأثم وإن كـان حكم المكروه على ما يراه الجمهور، أن فاعله :حكم المكروه يمدح ويثاب إذا نوى بتركه التقرب إلى اهللا تعـالى، ومنكـره ال ملوماً، وتاركه

.يكون كافراًالمكروه عند الحنفية ينقسم إلى مكروه تحريمـاً ومكـروه :المكروه عند الحنفية

.تنزيهاً وهو ما ثبت طلب الكف فيه حتماً بدليل ظني كخبر الواحد : المكروه تحريماً –أ

وحكم هذا . والقياس، ومثاله بيع اإلنسان على بيع أخيه، وخطبته على خطبة أخيه استحقاق فاعله العقاب كالحرام، إال أن جاحده ال يكفر، ألن ما كان : النوع عندهم

.طريقه الظن ال يكفر جاحده عند الجميع، وسمي هذا النوع عند الجمهور حرامف عنه ال على سبيل اإللـزام والحـتم، الك وهو ما طلب : المكروه تنزيهاً -ب

وحكم هـذا . كالوضوء من سؤر سباع الطير، وأكل لحوم الخيل، وشرب ألبانها النوع عندهم عدم استحقاق فاعله العقاب والذم، لكن فاعله يكون خالف األولـى،

.وهذا النوع هو ما أطلق عليه الجمهور المكروه



١٤٦

كخالفهم في الفرض والواجب، فهذا الخالف بين الحنفية وبين الجمهور، نظروا إلى دليل طلب الكف اإللزامي عن الفعل، فإن كان الدليل قطعياً : فالحنفية

فهو المحرم عندهم، وإن كان الدليل ظنياً، فهو المكروه تحريماً، وإن كان الكـف .غير إلزامي فهو المكروه تنزيهاً

ه وظنيتـه، وإنمـا فلم ينظروا إلى الدليل من جهة قطعيت : أما الجمهور نظروا إلى طبيعة طلب الكف عن الفعل، فإن كان إلزامياً فهو المحرم عنـدهم، سواء أكان دليله قطعياً أم ظنياً، وإن كان الكف غير إلزامي فهو المكروه عندهم

.وهو ما يقابل المكروه تنزيهاً عند الحنفية ـاحـــالمب : المطلب الخامس

:المباح في اللغـةباح فـالن : لغة مشتق من اإلباحة وهي اإلظهار واإلعالن، يقال المباح

أبحته كذا، أطلقتـه : بسره، أظهره وقد ترد اإلباحة بمعنى اإلطالق واإلذن، يقال .فيه وأذنت له، وتقول العرب أبحتك الشيء أحللته لك، فالمباح هو الحالل

:المباح في اصطالح األصوليين . ون مطلوبا فعله وال اجتنابه المباح من حيث هو مباح ال يك

ير بين فعل الـشيء هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل التخي . ألحد الجانبين على اآلخر ودون مدح أو ذموتركه دون ترجيح

:األساليب الدالة على إباحة الفعل : يستفاد الفعل المباح من أساليب كثيرة منها



١٤٧

اليوم أحل لكـم الطيبـات (يء، مثل قوله تعالى النص من الشارع بحل الش -١ .)٣٥( )وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم

قولـه : فمن األول : النص من الشارع على نفي اإلثم أو الجناح أو الحرج -٢: ومـن الثـاني . )٣٦( )فمن اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه : (تعالى

فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننـتم وال جناح عليكم : (قوله تعالى ليس على األعمـى حـرج وال : (ومن الثالث قوله تعالى . )٣٧( )في أنفسكم

على األعرج حرج وال على المريض حرج وال على أنفسكم أن تأكلوا مـن .)٣٨( )بيوتكم أو بيوت آبائكم

ـ -٣ الى صيغة األمر المفيدة لإلباحة بقرينة تصرفه عن الوجوب، مثل قوله تعوكلوا واشربوا حتى يتبين لكـم (، وقوله تعالى )٣٩( )وإذا حللتم فاصطادوا (

.)٤٠( )الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر

استصحاب اإلباحة لألشياء، وإذ األصل في األشياء اإلباحة، ألن كل شـيء -٤في األرض لمنفعة اإلنسان، فإذا لم يوجد في الفعل دليل يدل على حكمـه،

مباح، وذلك كحل أكل ما عدا الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح حكم بأنه .لغير اهللا، وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير

.٥/سورة المائدة آية) ٣٥( .١٧٣/سورة البقرة آية) ٣٦( .٢٣٥/سورة البقرة آية) ٣٧( .٦١/سورة النور آية) ٣٨( .٢/سورة المائدة آية) ٣٩( .١٨٧/سورة البقرة آية) ٤٠(



١٤٨

ب وال عقاب وال عتاب على فعلـه أو تركـه، ففعلـه االمباح ال ثو :حكم المباح .وتركه سواء

:هي إلي ثالثة أقسام ينقسم المباح:أقسـام المباح

فـافعلوه وإن شـئتم إن شـئتم : الشارع فيه بالتخيير ، كقوله ما صرح : االول .فاتركوه مالم يرد فيه عن الشارع دليل سمعي بالتخيير لكن صرح الشارع بنفـي : الثاني

.الحرج عن فعله .مالم يرد فيه عن الشارع شئ فيبقي علي البراءة االصلية : الثالث

:وقد قسم المباح غلي تقسيمات أخري هي

:المباح بالجزء الواجب بالكل : أوالًوذلك كاألصل في األكل والشرب، ووطء الزوجات، والبيع والشراء ونحو

ذلك، فهذه األمور مباحة بالجزء، أي في بعض األحوال واألوقات، بمعنى أن لكل فرد أن يأكل أو ال يأكل، وله أن يختار أحد األطعمة على غيرها، لكن ليس له أن

لشرب بالكلية وعلى جهة الدوام لما يترتب على هذا التـرك مـن يترك األكل وا .هالك النفس

وكذلك معاشرة الزوج لزوجته أمر مباح في الجملة، للزوج أن يفعله أو ال يفعله، لكن ليس له أن يمتنع عن هذه المعاشرة على وجه الدوام لما يترتب علـى

.ذلك من اإلضرار بها



١٤٩

لكسب المشروعة، يجوز لكل فرد بذاتـه أن وكذلك البيع والشراء وأوجه ا يفعل هذه األشياء وأن يتركها، لكن ال يجوز للمجموع االتفاق على تركها بالكلية،

.ألنها من الضروريات المترتبة على ضرورة االجتماع بين بني اإلنسان :المباح بالجزء المندوب بالكل : ثانياً

لشرب والملـبس والمـسكن كالتمتع بما فوق الحاجة من طيبات األكل وا والمركب، فإن التمتع على هذا الوجه مشروع بالجزء، بمعنى يجوز كرتـه فـي بعض األوقات مع القدرة، ولكنه مندوب بالكل، بمعنى لـو تـرك جملـة كـان

إذا [مكروها، إذ هو على خالف ما ندب إليه الشارع الحكيم ففي الحديث الشريف كم وإن اهللا يحب أن يرى أثـر نعمتـه علـى أوسع اهللا عليكم فأوسعوا على أنفس

].عبدهقاله النبي صـلى ] إن اهللا جميل يحب الجمال [وقوله صلى اهللا عليه وسلم

اهللا عليه وسلم في رده على أحد الصحابة حينما سأله عن الرجل يحب أن يكـون ثوبه حسناً وفعله حسناًن فهذا دليل على أن ارتداء المالبس الجميلة مندوب، وكذا

ركوب السيارات والسكنى في أماكن الوجاهة والوقار في أعـين النـاس فإنـه قل مـن (مندوب، إظهاراً لنعم اهللا تعالى على عباده، وصدق اهللا تعالى إذ يقول

يا أيهـا (، قوله تعالى )٤١( )حرم زينة اهللا التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق

.٣٢/سورة األعراف آية) ٤١(



١٥٠

، )٤٢( )روا هللا إن كنتم إياه تعبـدون الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشك .فإذا ترك المكلف هذا التمتع جملة كره له ذلك

:المباح بالجزء المحرم بالكل: ثالثاًوذلك المباحات التي تقدح المداومة عليها في العدالة، وذلك كمن يقـضي

وقته كله في لعب الشطرنج، أو السماع إلى الغناء المباح، أو اعتياد الحلف وشتم ألوالد، فإن هذه األفعال وإن كانت مباحة بالجزء، على معنى أنه ال حرج علـى ا

فعلها أو تركها في بعض الحاالت واألوقات، إال أنه ال ينبغي لعاقل االستمرار في . هذا المباح، لما يترتب على ذلك من إهمال المهمة األصلية التي خلق لها اإلنسان

ومة على المباح قد تصيره صـغيره، كمـا أن ولذلك قال اإلمام الغزالي إن المدا .المداومة الصغيرة تصيرها كبيرة، ومن هنا قيل ال صغيره مع اإلصرار

:المباح بالجزء المكروه بالكل : رابعاوذلك كالتنزه في البساتين وسماع تغريد الحمام واللعب المباح، فمثل هذا

حرج فيه، فإن فعل دائماً كـان مباح بالجزء، فإذا فعل يوماً ما أو في حالة ما فال مكروها، ونسب فاعله إلى قلة الفعل وإلى خالف محاسن العادات، وإلى اإلسراف

.في فعل ذلك المباح

.١٧٢/سورة البقرة آية) ٤٢(



١٥١

لمبحث الثانيا ومخالفتھ لھالتكلیفي باعتبار موافقة الحكم للدلیلأقسام الحكم

)العزیمة والرخصة( . باعتبار كونه على وفق الدليل أو على خالفه إلى عزيمة ورخصةمينقسم الحك

العزیمـة : المطلب األول :العزيمة في اللغة

مأخوذة من عزم على الشيء إذا أراد فعله وقطع عليه، أوجد فيه ومنـه ، وهي أيضاً )٤٣( ) المتوكلين فإذا عزمت فتوكل على اهللا إن اهللا يحب (قوله تعالى

ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجـد لـه (القصد المؤكد ومنه قوله تعالى ، ومنه سمي بعض الرسل بأولي العزم، لتأكد قصدهم في إظهار الحق )٤٤( )عزماً

: ، فالعزيمـة إذن )٤٥( )فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسـل : (قال تعالى .)٤٦(القصد المؤكد

:عزيمة في اصطالح األصوليين اليقصد بالعزيمة ما شرع من األحكام العامة ابتداء ، ومعني عموم الحكم

هم مكلفون وال ببعض األحوال كالصالة أنه ال يختص ببعض المكلفين من حيث فإنها مشروعة علي االطالق والعموم علي كل شخص وفي كل حال ، وكـذلك

.١٥٩/سورة آل عمران آية) ٤٣( .١١٥/سورة طه آية) ٤٤( .٣٥/سورة األحقاف آية) ٤٥( .٤٣٠، مختار الصحاح ص ٢٩٣٢ ص ٤لسان العرب جـ) عزم(مادة ) ٤٦(



١٥٢

ر االسالم ، ومعني شرعيتها ابتداء أن يكـون الصوم والزكاة والحج وسائر شعائ قصد الشارع بها انشاء األحكام التكليفية علي العباد من أول االمر فال يسبقها حكم

.شرعي قبل ذلك ، فإن سبقها وكان الثاني ناسخا فهو الحكم االبتدائي والعزيمة ال تطلق على حكم من األحكام الكلية كالصالة والزكاة والحـج رعت ابتداء من أول األمر، إال إذا كان في مقابلتها رخصة، أمـا مـا ال التي ش

.رخصة فيه فال يطلق عليه اسم العزيمة :أنـواع العزيمـة

:مما سبق يمكن القول بأن العزيمة تتنوع إلى نوعين .ما ثبت على وفق الدليل كإباحة األكل والشرب والنوم -١التكاليف الشرعية، من صالة ما ثبت على خالف الدليل لغير عذر كسائر -٢

وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، فهذه أحكام شرعت على خالف الـدليل األصل عدم التكاليف، ألن اإلنسان خلق وذمته بريئـة مـن : الذي هو

.التكاليف، فكانت المخالفة لالبتالء، ال لعذر فال تكون رخصة

:أقسـام العزيمـة المشهور ما ذكره اإلمام البيضاوي اختلف األصوليون في أقسام العزيمة، و

:من أنها تشمل األحكام الخمسة .كوجوب الصالة والصيام والحج: اإليجاب -١ .كصالة ركعتين قبل الصبح: الندب -٢

.كتحريم الزنا والسرقة: التحريم -٣



١٥٣

.كالتنقل في أوقات الكراهة: الكراهة -٤

. كإباحة األكل والشرب والنوم: اإلباحة -٥

لرخصـةا : المطلب الثاني .التيسير والتسهيل: الرخصة في اللغة

:تطلق الرخصة في لسان الشرع علي أربعة معان ما استثني من أصل كلي يقتضي المنع مطلقا من غير اعتبار لكونه لعذر : األول

شاق فيدخل فيه القرض وضرب الدية علي العاقلة وما أشبه ذلك ، دليل ذلك نهي ن بيع ما ليس عند االنسان ورخص صلي اهللا عليـه النبي صلي اهللا عليه وسلم ع

.وسلم في السلم ما وضع عن هذه األمة من التكاليف الغليظة واالعمال الشاقة التـي دل : الثاني

)ربنا وال تحمل علينا اصرا كما حملته علي الذين من قبلنا ( عليها قوله تعالي لقا مما هو راجع إلي نيل ما كان من المشروعات توسعة علي العباد مط : الثالث

.حظوظهم وقضاء أوطارهم الحكم الثابت على خالف الـدليل وهو الذي عليه اصطالح األصوليين : الرابع

فالرخصة . لعذر، أو هي ما شرعه اهللا تعالى من األحكام تخفيفاً عن المكلفين لعذرب علـى التي يصع – من القاعدة العامة –شرعت لمواجهة الحاالت االستثنائية

المكلف القيام باألحكام الشرعية، كحاالت الضرورة واألعذار الشاقة، ويقتـصر العمل بالرخصة على فترة العذر، بحيث يجب العمل بعد زوال العـذر بـالحكم

.األصلي



١٥٤

:للرخصة أسباب كثيرة نذكر منها : أسباب الرخصة كما لو أشرف شخص على الهالك من شدة الجوع، ولم يجد الضرورة، -١

سبيالً إال األكل من الميتة فإشرافه على الهالك ضرورة تستلزم األكل من فمن اضطر غير باغ وال عاد فـال (الميتة لينقذ نفسه، وذلك لقوله تعالى

، وكذا األكل من لحم الخنزير وشـرب )٤٧( )إثم عليه إن اهللا غفور رحيم .الخمر وكل ما تدعوه الضرورة إلى تناوله من غير المباحات

الحرج والضيق عن المكلفين، كإباحة الفطر للمـسافر وللمـريض رفع -٢وقصر الصالة الرباعية للمسافر لما في السفر من المـشقة ولمـا فـي

والمتأمل في " فالمشقة تجلب التيسير "المرض من المشقة أيضاً، ومن ثم الشريعة اإلسالمية يجدها متضمنة الكثير من التخفيفات التي جاءت لرفع

)وما جعل عليكم في الدين مـن حـرج (اقاً لقول اهللا تعالى الحرج مصد )٤٨(.

:أقسـام الرخصـة األصول مناهج مختلفة واتجاهات متعددة فـي تقـسيم الرخـصة، لعلماء

ونكتفي في هذه الدراسة بعرض منهجين من هذه المنـاهج، أحـدهما للـشافعية، .واآلخر للحنفية

.١٧٣/سورة البقرة آية) ٤٧( .٧٨/ الحج آيةسورة) ٤٨(



١٥٥

:اتجاه الشافعية : االتجاه األول .رخصة فعل ورخصة ترك: األصوليون من الشافعية الرخصة إلى قسمين قسم :رخصة الفعل : أوالً

وهي التي يدعو الشارع فيها بسبب الضرورة أو للحاجة إلى فعل ما نهى :عنه ويندرج تحت هذا القسم أربعة أنواع

: وجوب الفعل بعد أن كان محرماً -١ يدفع عنه التهلكة، فـإن أكـل أكل الميتة للمضطر، بالقدر الذي كوجوب

، ولكن عند الجـوع الـشديد )٤٩( )حرمت عليكم الميتة (الميتة محرم بقوله تعالى وال تلقـوا : (وخوف الهالك يجب األكل لعذر هو حفظ الحياة ودليله قوله تعالى

، وذلك مع قولـه )٥١( )وال تقتلوا أنفسكم (، وقوله تعالى )٥٠( )بأيديكم إلى التهلكة فمـن (وقولـه تعـالى . )٥٢( ) اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه فمن(تعالى

، ومن ثم كان أكل )٥٣( )اضطر في مخمصة غير متجانف إلثم فن اهللا غفور رحيمالميتة للمضطر رخصة ألنه ثبت بدليل على خـالف دليـل آخـر لعـذر هـو االضطرار، واألخذ بهذا الدليل واجب، فيجب على المضطر األخذ بهذه الرخصة

.وإال كان آثماً

.٢/سورة المائدة اآلية) ٤٩( .١٩٥/سورة البقرة آية) ٥٠( .٢٩/سورة النساء آية) ٥١( .١٨٣/سورة البقرة آية) ٥٢( .٣/سورة المائدة آية) ٥٣(



١٥٦

: الندب في حق المكلف بعد أن كان حراماً-٢وذلك كقصر الصالة الرباعية في السفر، الثابت بقوله صلى اهللا عليه وسلم

على خالف الدليل الموجب لإلتمـام ] صدقة تصدق اهللا بها عليكم فاقبلوا فصدقته [صلوا كما رأيتموني [وهو فعله صلى اهللا عليه وسلم مع قوله صلى اهللا عليه وسلم

).أقيموا الصالة(المبين لعدد الركعات المطلوبة في قوله تعالى ] أصلي : بعد أن كان الفعل حراماً اإلباحة-٣

، فنظره إليها محرم في األصل، وذلك كرؤية الطبيب عورة المرأة للعالج ى اهللا وكإباحة السلم الثابت بقوله صل . لكنه أبيح لرفع الحرج والتيسير على الناس

وهـذا ] من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم [عليه وسلم ال [الدليل مخالف للدليل الدال على حرمة بيع المعدوم كقوله صلى اهللا عليه وسلم

.وهذه المخالفة لعذر هو الحاجة إلى هذه المعاملة] تبع ما ليس عندك



١٥٧

الفصل الثالث أقسـام الحكم الوضعي

القول بأن الحكم الوضعي هو خطاب اهللا تعالى المتعلق بجعل الشيء سبق :سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً

:م هي سا ينقسم إلى خمسة أق فإن الحكم الوضعي وعلى ذلك .السببيـة -١ .الشرطيـة -٢

.المانعيـة -٣

.كون الشيء صحيحاً -٤

.كون الشيء فاسداً -٥

ء واعتباره سبباً، كجعل الـشارع دلـوك هي اعتبار الشي : فالسببيـة -١الشمس سبباً لوجوب الصالة، والقرابة سبباً لإلرث، والقتل العمد العدوان

.سبباً إليجاب القصاص، والزنا سبباً للحد، والسرقة سبباً للقطع هي جعل الشيء واعتباره شرطاً، كجعل الشارع القدرة على :الشرطية -٢

يع، والطهارة شرطاً في صحة الصالة، تسليم المبيع شرطاً في صحة الب شرطا لعقـد وحضور الشاهدين .وملك النصاب شرطاً إليجاب الزكاة

.وموت المورث حال حياة الوارث شرطا لإلرث الزواج

هي جعل الشيء واعتباره مانعاً، كجعل الـشارع الحـيض : المانعيـة -٣ث مانعاً من وجوب الصالة وصحتها، والصوم وصحته، وقتـل الـوار

. أبوة القاتل مانعا من القصاصمورثه مانعاً من اإلرث، و



١٥٨

هو اعتبار الشارع الشيء صحيحاً إذا فعل علـى :كون الشيء صحيحاً -٤النحو الذي أمر به، كاعتبار الصالة صحيحة إذا أقيمت مستوفية ألركانها

.وشروطها

ة هو اعتبار الشارع الشيء فاسداً إذا تم على صور :كون الشيء فاسداً -٥غير مشروعة كاعتبار الصالة فاسدة، إذا أتى بها الشخص غير مستوفية

.لجميع أركانها وشروطها

وقد انقسم متعلق الحكم الوضعي تبعاً لذلك إلى خمسة أقسام، ألن ما تعلقت :هذا به السببية يسمى سبباً، وما تعلقت به الشرطية يسمى شرطاً، ومـا تعلقـت بـه

تعلقت به الصحة يسمى صحيحاً وما تعلق بـه الفـساد المانعية سمى مانعاً وما .يسمى فاسداً

سبب، وشرط، ومانع، وصـحيح ، (إذاً متعلق الحكم الوضعي تبعاً لذلك .وفيما يلي بيان لهذه األنواع) وغير صحيح

المبحث األول السـبب وأقسامـھ

. األمر الذي يتوصل به إلى المقصود:السبب في اللغـة



١٥٩

وآتينـاه (لغة يأتي بعده معان منها الطريق من ذلك قوله تعالى وهو في ال فاهللا سبحانه وتعالى يسر لذي القرنين األسباب . )٥٤( )من كل شيء سبباً فأتبع سبباً

أي الطرق والوسائل التي فتح بها البالد وإذالل أهل الشرك، فأتبع سبباً أي طريقاً معنى الطريق، وقد يأتي الـسبب موصالً ما بين المشرق والمغرب، فالسبب هنا ب

وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ (بمعنى الباب، ومنه قوله تعالى ، فالسبب هنا بمعنى الباب، وقـد يـأتي بمعنـى )٥٥( )األسباب، أسباب السماوات

.)٥٦( )فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع(الحبل ومنه قوله تعالى :السبب في اصطالح األصوليين

الوصف الظاهر الذي جعله الشارع معرفا للحكم بحيـث يلـزم مـن هو .وجوده وجود الحكم ويلزم من عدمه عدم الحكم

الوصف الظاهر المنـضبط الـذي (وقد عرفه بعض علماء األصول بأنه جعل الشارع وجوده عالمة على وجود الحكم وانتفاءه عالمة على انتفاء الحكـم

.الحكم مناسبة ظاهرةوليس بينه وبين تشريع ومثال السبب الذي ليس بينه وبين الحكم مناسبة ظاهرة ميل الشيء عـن وسـط

أقم الصالة (السماء إلى جهة الغرب، فإنه سبب لوجوب صالة الظهر، قال تعالى ، فالمناسبة بين ميل الشمس ووجوب صـالة )٥٧( )لدلوك الشمس إلى غسق الليل

.٨٥، ٨٤/سورة الكهف اآليتان ) ٥٤( .٣٧، ٣٦/سورة غافر اآليتان) ٥٥( .١٠/سورة الحج آية) ٥٦( .٨٧/ آيةسورة اإلسراء) ٥٧(



١٦٠

لك شهود هالل شهر رمضان فإن الشارع جعله الظهر خفية ال يدركها العقل، وكذ فمن شهد مـنكم الـشهر (سبباً لوجود الصيام وربط وجوده بوجود، بقوله تعالى

، والمناسبة بين السبب وهو شهود الشهر والحكـم وهـو وجـوب )٥٨( )فليصمهالصوم خفية ال يدركها العقل، وكذلك أشهر الحج بالنسبة لوجوبـه علـى مـن

. فالمناسبة التي بين السبب الحكم خفية ال يدركها العقلاستطاع إليه سبيال، :الفرق بين السبب والعلة

الوصف الظاهر المنضبط الذي جعـل (عرف علماء األصول العلة بأنها الشارع وجوده عالمة على وجود الحكم وانتفاءه عالمة على انتفاء الحكم وكـان

ر بالنسبة لجـواز الفطـر فـي مناسباً لتشريع الحكم مناسبة ظاهرة، وذلك كالسف .رمضان والقتل بالنسبة للقصاص

ينقسم السبب إلى عدة أقسام باعتبارات مختلفة، وفيما يلي نعرض :أقسـام السبب :أهم هذه التقسيمات

:من حيث قدرة المكلف على فعله : التقسيم األول :ينقسم السبب من حيث قدرة المكلف على فعله إلى قسمين

ب في مقدور المكلف أن يفعله، فإذا فعله رتب الشارع عليه حكمـه، سب : األولسواء كان الحكم المترتب عليه حكماً تكليفياً كالسفر بالنسبة إلباحة الفطر، فالسفر

.١٨٥/سورة البقرة آية) ٥٨(



١٦١

من فعل المكلف وهو داخل في مقدوره ويترتب عليه إباحة الفطر، واإلباحة حكم فالسرقة من فعل المكلف وفي تكليفي، وكالسرقة بالنسبة لوجوب قطع يد السارق،

.مقدوره، ويترتب عليها وجوب قطع يد السارق، والوجوب حكم تكليفيوقد يكون الحكم المترتب عليه وضعياً كالبيع فهو من فعل المكلف وداخل

ي مقدوره ويترتب عليه ملك العين المبيعة للمشتري وملك الثمن للبائع والملـك فبالنسبة لملك المنفعة المعقود عليهـا، والوقـف حكم وضعي، ومثل البيع اإلجارة

.والعتق إلزالة الملك سبب ليس في مقدور المكلف أن يفعله، سواء ترتب عليه حكـم تكليفـي :الثاني

كدلوك الشمس بالنسبة لوجوب صالة الظهر، أو ترتب عليه حكم وضعي كبلوغ .الصبي لرفع الوالية عنه

: التكليفي عليه من حيث ترتب الحكم: التقسيم الثاني :ينقسم من حيث ترتب الحكم التكليفي عليه إلى قسمين

سبب يترتب عليه حكم تكليفي، سواء أكان من فعل المكلـف كالـسرقة -١أم كان في غير مقدوره كدخول الوقت بالنـسبة . والزنا والقتل والغصب

.للعبادة، وكشهود الشهر لوجوب الصوماء أكان من فعل المكلـف كعقـود سبب ال يترتب عليه حكم تكليفي، سو -٢

المعاوضات التي يترتب عليها ثبوت الملك، وعقود الزواج والطالق من حيث ترتب الحل وزواله، أم كان ليس من فعل المكلف كـالموت الـذي

.يترتب عليه اإلرث، فإن شيئاً من ذلك ال يعتبر حكماً تكليفاً



١٦٢

:من حيث المشروعية وعدمها : التقسيم الثالث :ع السبب من حيث المشروعية وعدمها إلى نوعين يتنو

وهو ما يؤدي إلى المصلحة في األصل، وإن اتصل بـه : سبب مشروع -١مفسدة تبعا، كاألمر بالمعروف، إذ يترتب عليه إظهار شعائر اإلسالم وإن اتصل به تلف نفس أو مال، وكالجهاد إلعالء كلمة اهللا فإنه يؤدي إلـى

الدفاع عن الوطن، وإن اتصل بـه هـالك مصلحة وهي حماية الدين و النفس، وكالزكاة فإن إخراجها يؤدي إلى مصلحة وهي الفقير وإن استتبع

.ذلك نقصان في المالوهو ما يؤدي إلى المفسدة فـي األصـل وإن أدى : سبب غير مشروع -٢

المصلحة تبعا، كعقد النكاح الفاسد فإنه يؤدي إلى المفاسد، وإن أدى إلـى وكالغصب وإن أدى إلى التملـك عنـد الـضمان لتغـر ثبوت النسب،

.المضمون في يد الغاصب



١٦٣

المبحث الثاني الشـرط وأقسامـھ

:تعريف الشرط في اللغة فهل ينظرون (الشرط في اللغة، العالمة المميزة الالزمة، ومنه قوله تعالى

لتكـون ، أي عالماتها الالزمة )٥٩( )إال الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها .الساعة آتية ال محالة، وجمعه شروط وأشراط

:تعريف الشرط عند األصوليين هو الوصف الظاهر المنضبط الذي يترتب علي عدمه عدم وجود الحكم

.وال بترتب علي وجوده وجود وال عدم الوضوء فإنه شرط لصحة الصالة، فإذا لم يوجد الوضـوء فـال : من أمثلته و.

الوضوء جزءاً من حقيقة الصالة، وال يلـزم مـن وجـود تصح الصالة، وليس الوضوء وجود الصالة، كما لو توضأ شخص ولم يصل، كما ال يلزم من الوضوء

.عدم إيقاع الصالة كما لو توضأ قبل دخول الوقتوالزوجية شرط إليقاع الطالق فإذا انعدمت الزوجية انعدم الطالق، وقـد

.توجد الزوجية وال يوجد الطالقوحضور الشاهدين في الزواج شرط في صحة الزواج، فإذا لـم يحـضر

عقد الزواج شاهدان، ال يوجد زواج صحيح تترتب عليه اآلثار شرعاً، والشاهدان خارجان عن ماهية الزواج، وقد يوجدان وال يوجد الزواج وهكذا كل شرط لشيء

.١٨/سورة محمد آية) ٥٩(



١٦٤

يكـن جـزءاً مـن لشرط وإن لم ال يتحقق ذلك الشيء وال يعتد به إال إذا تحقق ا . حقيقته

:الفرق بين الشرط والركن ظاهر من هذا أن الشرط يغاير الركن، ذلك أن حقيقة الركن تغاير تماما حقيقـة الشرط ، فالركن ما كان جزاء من ماهية الشيئ بمعني أنه داخل في تركيبه أو هو

ـ د عنصر من عناصر وجوده ، إذ ال وجود للشئ إال بوجود اركانه بحيث لو فقبعضها لكان هذا الشيئ منعدما ، أما الشرط فهو ما كان خارجا عن كماهية الشيئ بمعني أنه غير داخل في تركيبه وليس عنصرا من عناصر وجوده بل هو أمـر آخر يتوقف عليه وجود حكم شرعي يراد اثباته لهذا الشيئ فالركوع ركن الصالة

ا خارجة عنهـا وان كانـت ألنه جزء من ما هيتها والطهارة شرط للصالة آلنه .توقف صحتها علي الطهارة تيتفق الركن والشرط في أن الحكم يتوقف وجوده على وجودهما، فعدم كل منهما و

. ة الصالةيستلزم عدم الحكم فعدم الطهارة يستلزم عدم صحومن أجل هذا الفرق الواضح، كان حصول خلل في ركن مـن األركـان

وحصول خلل في شرط من الشروط يكون خلالً فـي خلالً في الماهية والحقيقة، .أمر خارج عن الماهية والحقيقة وهو الوصف

يتنوع الشرط إلى عدة أنواع وذلك باعتبارات مختلفة ذلك على :أنـواع الشـرط : النحو التالي



١٦٥

: أنواع الشرط من حيث ارتباطه بالسبب والمسبب :أوالً شرط مكمل للـسبب وشـرط (عين يتنوع الشرط من هذه الناحية إلى نو

).الحكم(مكمل للمسبب . وهو الذي يقوى السبب ويجعل مسببه يترتب عليـه : الشرط المكمل للسبب -

اإلحراز في السرقة، فالسرقة التي هي سبب في قطع اليد ال تقوى : ومن أمثلته وال تصل إلى الحد الذي يترتب عليه القطع إال إذا كان من المال المسروق وقت

.السرقة في حرز في أمثالهوكاشتراط العمدية والعدوان في القتل الموجب للقصاص، فالقتل سبب لكن

هذا القتل ال يقوى وال يصل إلى الحد الذي يترتب عليه مسببه وهو القصاص إال .إذا كان عمداً وعدواناً

وكاشتراط حوالن الحول على ملك النصاب في وجـوب الزكـاة، ذلـك هو سبب في وجوب الزكاة ال يكون قوياً بحيث يترتب عليه مسببه النصاب الذي

.وهو وجوب الزكاة إال إذا حال عليه الحولوكاشتراط اإلحصان، فإن شرط مكمل لوصف الزنا الذي هو سبب لتنفيذ

وكاشتراط القدرة على تسليم المبيع، فإنه شـرط فـي . العقوبة األشد وهي الرجم لى تسليم المبيع يستلزم عدم صحة البيعصحة البيع، فعدم القدرة ع

وهو الشرط الذي يشترط في الحكـم ويجعـل أثـره : الشرط المكمل للمسبب - : ومن أمثلته . مترتباً عليه

ستر العورة في الصالة، فإنه شرط في الصالة، ألنه مكمل في حقيقتهـا وهـو لذمة وحـصول الشعور بهيبة اهللا تعالى، ويجعل آثارها تترتب عليها من براءة ا

.الثواب



١٦٦

موت المورث وحياة الوارث، كالهما شرط مكمل للمسبب وهـو : ومنها . اإلرث بسبب القرابة أو الزوجية فاشتراط موت المورث شرط مكمل للمـسبب

ومنها التمييز شرط مكمل للمسبب وهو صحة التصرف في الملك التي هي سبب .من أسبابه

:أنواع الشرط باعتبار مصدره ).الشرط الشرعي، الشرط الجعلي(ذا االعتبار إلى نوعين ع الشرط بهيتنو

وهو ما كان مصدر اشتراطه الشارع، سواء كان مكمـالً :الشرط الشرعي للسبب، وذلك كجميع الشروط التي اشترطها الشارع في الـزواج والوصـية

.والبيع الهبة، وجميع العقود والتصرفات والعبادات والحدود وهو ما كان مصدر اشتراطه المكلـف، كالـشروط التـي :الشرط الجعلي

يشترطها الزوج ليقع الطالق على زوجته كقول الزوج لزوجتـه إن دخلـت الدار فأنت طالق، فدخول الدار شرط صدر من المكلف علق به وقوع الطالق على زوجته، فال يقع الطالق على الزوجة إال إذا دخلت الـدار، وكاشـتراط

هر في الزواج، واشتراط تقديم رهن بالثمن المؤجل في عقـد تقديم معجل الم .البيع، وكاشتراط عدم منع الزوجة من العمل في عقد الزواج

إذن هو ما يشترطه أحد المتعاقدين أو كل منهما في العقد فالشرط الجعلي ويشترط في هذا الشرط الذي يصدر من المكلف . ليحقق مقصداً لهما أو ألحدهما

افياً حكم العقد أو التصرف، وإال بطل، لن الشرط مكمل للسبب فـإذا أال يكون من .نافى حكمه أبطل سببيته



١٦٧

المبحث الثالث المانـع وأقسـامھ

:تعريف المانع في اللغة .المانع في اللغة هو الحائل بين الشيئين سواء كان حسياً أو معنوياً

:تعريف المانع عند األصوليين ضبط الذي يلزم من وجوده عدم السبب أو عـدم هو الوصف الظاهر المن

أو هو ما اعتبـره الـشارع . الحكم، وال يلزم من عدمه وجود أحدهما وال عدمه .حائالً دون وجود الحكم أو دون اقتضاء السبب

قتل الوارث مورثه، فإنه يلزم من وجود القتـل المنـع مـن : مثال ذلك .مهالميراث، وال يلزم من عدم القتل إرث وال عد

الصالة وإن تحقق وجود الحيض أو النفاس فإنه مانع من وجوب وكذلك سببه وهو الوقت وكذلك وجود الدين على من ملك نصاباً من أموال الزكاة، فـإن هذا الدين مانع من تحقيق سبب وجوب الزكاة، ألنه ال يتم مع وجود الدين ملـك

.النصاب، لن الدين لم يتحقق معه ملك النصاب :المانع عند جمھور األصولیین أقسام

:ينقسم المانع إلى قسمين هما .مانع يؤثر في السبب فال يكون الحكم -١ .مانع يؤثر في الحكم فيرفعه -٢



١٦٨

:المانع المؤثر في السبب : القسم األول وهو الذي يترتب على وجوده عدم ترتب المسبب مـع وجـود الـسبب

الزكاة لمالك النصاب، ألنه يزيل واستيفائه لشروطه، وذلك كالدين في منع وجوبفالدين مانع من تحقق . الحكمة التي يشتمل عليها السبب وهو الغنى بملك النصاب

السبب، فالملك هنا ليس بتام، إذ وجود الدين يمنع إتمامه، وانعدام اشرط يترتـب عليه انعدام المشروط وهو ملك النصاب الذي هو سبب في وجوب الزكـاة، وإذا

.بب فال يوجد المسبب، إذ ال مسبب بدون سببانتفى السوكالقتل المانع من استحقاق اإلرث بسبب القرابة مع موت المورث وحياة

.الوارث، فإنه منع السبب من ترتب أثره عليه :المانع المؤثر في الحكم : القسم الثاني

هو األمر الذي يترتب على وجوده عدم ترتب الحكم على سببه مع تحقق .ب وتوافر شروطهالسب

أبوة القاتل للمقتول، فإنها مانعة من القصاص، وليـست : من أمثلة ذلك رافعة للسبب ألن الحكم وهو القصاص قد تحقق سببه وهو القتل العمد العـدوان، وكون القاتل أباً للمقتول يمنع من القصاص، ألن الزجـر المقـصود بـشرعيته

يمنعه من التفكير في القتـل إال فـي يعارض حال األبوة المقتضي للعطف الذي .النادر اليسير، فال حاجة إذن إلى العقوبة الزاجرة

وكالشبهة المانعة من إقامة الحد، فإن الحكم قد وجد سـبه، ولكـن وجـد المانع وهو الشبهة، وكوجود الحيض والنفاس فإن كال منهما مـانع مـن ترتـب

. المسبب وهو وجوب الصالة على السبب وهو الوقت



١٦٩

الرابعالمبحث الصحـة والبطالن والفسـاد

ة البدن هي حالة طبيعية ، تجري افعاله معهـا صح: يقول علماء اللغة صحة الـصالة ، : علي المجري الطبيعي ، وقد استعيرت الصحة للمعاني فقيل

بمعني أسقطت القضاء ، وصح العقد ، إذا ترتب عليه اثره ، وصح القول غـذا طابق الواقع هي استتباع الغاية ، أي اداء الحكم : صحة في اصطالح االصوليين وال

، علي نحو يكفل تحقيق الغاية المطلوبة من شرعيته سواء كان عبادة أو معاملة وذلك تبعاً لتوفر أركان هذه األحكام وشروطها وعدم توفرها فتوصـف الـصالة

طها، كمـا وهي حكم تكليفي بأنها صحيحة إذا كانت مستوفية ألركانهـا وشـرو توصف بأنها غير صحيحة أو باطلة أو فاسدة إذا لم تكـن مـستوفية ألركانهـا وشروطها، ويوصف عقد البيع وهو حكم وضعي بأنه صحيح أو باطل أو فاسد،

.تبعاً لتوفر أركانه وشروطه أو عدم توافرهاترتب اآلثار الشرعية على األفعـال، : بناء على ما سبق فالصحة معناها ت راجعة إلى األسباب وصالحية الفعل، ألن يبني عليها ما شـرطت لـه إذا كان

.الشروط ووقوعها على المطلوبفالصحيح إذن هو الفعل الذي يترتب عليه األثر المقصود منه سواء كـان

عبادة أو معاملة فالصالة إذا فعلها المكلف مستوفية ألركانها وشروطها، كانـت صود منها وهو براءة الذمة وعـدم المطالبـة صحيحة، ويترتب عليها األثر المق



١٧٠

بفعلها مرة ثانية، وكالبيع إذا تم بين المتعاقدين مستوفياً شروطه وأركانه، فيكـون فالعبـادات . صحيحاً وتترتب عليه ثمرته، وهي الملك وحل االنتفاع بالعوضـين

والمعامالت تكون صحيحة إذا وافقت أمر الشارع، ولم يوجد مانع مـن تحققهـا .نعقاد سببهاوا

.والفقهاء متفقون في معنى الصحة كما بينا :معنى البطالن والفساد

إذا لم تستوف العبادة أو المعاملة ركناً من أركانها كانت باطلـة اتفاقـاً، أنه ال يترتب عليها أثر من آثارها الشرعية، فإن كانت صوماً لم ) البطالن(فمعنى

فالبطالن أو الفساد يؤدي . ينتقل الملك من البائع تبرأ ذمته منه، وإن كانت بيعاً لم إلى عكس ما تؤدي إليه الصحة، فال يترتب على الفعل الفاسد أو الباطل ما قصد

.منه في الدنيا، وال يترتب عليه ثواب في اآلخرة بمخالفة أمر الشارع . وقد اتفق الفقهاء على أن الباطل والفاسد مترادفان بالنسبة للعبادات يرون الباطل والفاسد مترادفين فـي – ما عدا الحنفية –مهور الفقهاء وج

العبادات والمعامالت جميعاً، فالصالة الباطلة التي فقدت ركنـاً مـن أركانهـا، كالصالة الفاسدة التي فقدت شرطاً من شروطها، والزواج الباطل كالزواج الفاسد

.ال يترتب عليه أي أثرفهم :الفقهاء علي هذا المعني في العبادات فقط والحنفية يتفقون مع جمهور .١

أما .يقولون بالفساد هو البطالن في العبادات ويتحقق بفوات ركن او شرط في المعامالت فإن الحنفية يخالفون جمهور الفقهاء من حيث تحديد معني



١٧١

فإن كان الخلل في ركن من أركان العقد في الصيغة أو : الفساد والبطالن معقود عليه، كان العقد بـاطالً، ال يترتـب عليـه أي أثـر العاقدين أو ال

.شرعي، فالباطل ما كان الخلل فيه راجعاً ألصل العقدوإن كان الخلل في شرط من شروطه، كان العقد فاسداً وترتب عليه بعض

اآلثار دون البعض، فالفاسد ما كان الخلل فيه راجعاً إلى ما اتصف به مع سالمة در من عديم األهلية باطل ال يترتب عليه أثر شرعي، وكـذلك فالبيع الصا . أصله

.زواج المحرم مع العلم بالحرمة باطل ال يترتب عليه أثر شرعيأما الزواج بغير شهود فهو فاسد تترتب عليه بعض اآلثار كوجوب المهر

وثبوت النسب ووجوب العدة، ولكن ال يحل للرجل أن يستمتع بالمرأة وال يحـل .تمكن الرجل من االستمتاع بهاللمرأة أن

:عند الحنفيةوأهمية هذه التفرقة تأتي اهمية هذه التفرقة علي الرغم من أن الباطل محرم والفاسد محرم ، إال أنـه في حالة فساد بعض المعامالت إذا أمكن إزالة اسباب الفساد فغن المعاملة تنقلب

متوافر األركان والـشروط صحيحة ، مثال ذلك عقد البيع الذي تم بين الطرفين إن هذا البيع فاسد ال باطل : ولكن المتبايعين لم يحددا ثمن السلعة ، يقول الحنفية

، فلو أمكن تحديد الثمن عن طريق ثمن المثل او تحديد القيمة فإن هذا العقد ينقلب . إلي عقد صحيح حيث زال سبب الفساد



١٧٢

الفصل الرابع أركان الحكم الشرعي

م البد له من حاكم يصدره ، وايضا ال بد له من موضوع يـصدر كل حك بشأنه ، وشخص مكلف به ، فأركان الحكم الشرعي ثالثة الحاكم والمحكوم فيـه

:هي والمحكوم عليه وبالتالي فإن أركان الحكم .وهو من صدر عنه الحكم، أو هو منشئ الحكم ومشرعه : الحاكم -١ .علق الخطاب بفعلهوهو المكلف الذي ت : المحكوم عليه -٢

.وهو الفعل الذي تعلق به خطاب الشارع : به المحكوم -٣

.وسنتكلم عن كل ركن بالتفصيل في مبحث خاص به



١٧٣

المبحث األول الحاكــم

الحاكم في الشريعة اإلسالمية هو اهللا سبحانه وتعالى، فهو مصدر لجميـع شريع سماوي، وكـل األحكام التكليفية أو الوضعية، إذ أن هذه الشريعة الغراء ت

حكام إما هي مناهج لمعرفة حكم اهللا تعالى ومعرفة أحكـام طرائق التعريف باأل دينه، يستوي في ذلك األحكام التي ورد بها نص كالقرآن أو السنة، أو التـي لـم يرد بشأنها نص وكان نتيجة إجماع أو قياس، ألن المجتهد مظهر للحكم ولـيس

.تفق المسلمون جميعاًمنشئاً له من عنده، وعلى هذا اوقد دل على أن الحاكم هو اهللا تعالى آيات عديدة من القرآن الكريم منهـا

ومن لم يحكـم بمـا أنـزل اهللا (، وقوله تعالى )٦٠( )إن الحكم إال هللا (قوله تعالى ، )٦٢( )أال له الحكم وهو أسرع الحاكمين (، وقوله تعالى )٦١( )فأولئك هم الكافرون

.)٦٣( )أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك اهللاإنا (وقوله تعالى وعلى هذا فالحاكم أي الذي يصدر عنه الحكم هو اهللا وحده، فال حكـم إال

بما حكم به وال شرع إال ما شرعه، وعلى هذا األساس كان الحكم بغير ما أنزل يفة الرسل إال تبليـغ اهللا كفراً، ألنه ليس لغير اهللا سلطة إصدار األحكام، وما وظ

.٥٧/، وأيضاً سورة األنعام آية٤٠/سورة يوسف آية) ٦٠( .٤٤/سورة المائدة آية) ٦١( .٦٢/سورة األنعام آية) ٦٢( .١٠٥/ سورة النساء آية )٦٣(



١٧٤

حكم اهللا، وما وظيفة المجتهدين إال التعرف على هذه األحكـام والكـشف عنهـا .ا علم األصولهبواسطة القواعد والمناهج التي وضع

هل يمكن للعقل أن يدرك بنفسه أحكام اهللا في أفعال المكلفين؟، بحيث يترتب اختلف العلماء في إمكانية معرفة حكم اهللا تعالى بواسطة العقل

:على معرفة العقل ثواب أو عقاب من غير وحي سماوي وذلك على ثالثة آراء : رأي المعتزلة -١

إن العقل يمكنه أن يدرك حكم اهللا تعالى في الفعل، فأفعال : قالت المعتزلة المكلفين يستطيع العقل أن يحكم عليها بالحسن أو القبح، بحسب ما يترتب عليا من

كم على األفعال النافعة بالحسن، وعلى األفعال الضارة بالقبح، وأن حكم ُآار، فيح اهللا تعالى على األفعال هو على حسب ما تدركه العقول من نفعها أو ضررها، فما رآه العقل حسناً كان مطلوباً هللا سبحانه، وإن فعله استحق الثواب من اهللا، وما رآه

.فإن فعله استحق العقاب منه سبحانهالعقل قبيحاً كان منهياً عنه من اهللا، فمن لم تبلغهم دعوة الرسل وشرائع اهللا مكلفون من اهللا بفعل مـا يـرى

عقلهم حسنه ويثابون من اهللا على فعله، ومكلفون بترك ما يـرى عقلهـم قبحـه .ويعاقبون من اهللا على فعله

لصدق وأساس هذا المذهب أن الحسن والقبح ذاتيان، فالشكر على النعمة وا واألمانة كل منهما حسن في ذاته، وعدم شكر المنعم والكذب والخيانة كل منهـا

.قبيح في ذاته، وأن العقل يدرك ذلك ولو لم يجئ الوحي



١٧٥

: رأي األشاعـرة -٢ إلى أن العقل ال يمكنه أن يعرف حكم اهللا تعالى في أفعال ذهب األشاعرة

ول تختلف اختالفاً بيناً في الحكم على المكلفين، إال بواسطة رسله وكتبه، ألن العق األفعال، فبعضها يستحسن ما يستقبحه البعض اآلخر، بل إن الشخص الواحد قـد يختلف حكمه على الشيء الواحد، فالعقل كثيراً ما يتأثر بالهوى والغـرض فـي

.حكمه، فيكون الحكم غير سليم حكم اهللا عن وعلى هذا ال يمكن االطمئنان إلى حكم العقل وال أن يعرف

طريقه، وال أن يقال إن ما رآه العقل حسناً فهو عند اهللا حسن ومطلـوب فعلـه ويثاب فاعله من اهللا تعالى، وأن ما رآه العقل قبيحاً فهو عند اهللا قبيح ومطلوب هللا

.تركه ويعاقب من اهللا فاعلهأن من لم تبلغهم دعوة الرسول وشـرائع اهللا، غيـر : ويترتب على هذا

وما كنـا (فين من اهللا بشيء وال يستحقون ثواباً وال عقاباً، وذلك لقوله تعالى مكل .)٦٤( )معذبين حتى نبعث رسوالً

فال عذاب وال عقاب إال بعد أن يأتي رسول اهللا يحمل للناس تكـاليف اهللا .لهم، ويبين لهم ويبلغ ما نزل إليهم من ربهم

يس ذاتياً، فالـصدق قـد أن حسن األفعال وقبحها ل : وأساس هذا المذهب يكون قبيحاً كما إذا ترتب عليه ضرر بالناس من غير حق، والكذب قـد يكـون

.حسناً، إذا ترتب عليه نجاة برئ ممن يريد إيذاءه

.١٥/سورة اإلسراء آية) ٦٤(



١٧٦

: رأي الماتريدية -٣ حسناً وقبحاً يستطيع العقل إدراكها في معظم األفعال، بناء على أن لألفعال

ب عليه من مصالح ومفاسد، ولكن ال يلزم من ما في الفعل من صفات، وما يترت كون الفعل حسناً حسب إدراك العقل أن يأمر به الشرع، وال يلزم من كون الفعل

.قبيحاً أن ينهي عنه الشرع ألن العقول مهما نضجت قاصرةال سبيل إلى معرفة حكم اهللا تعالى في أفعال العبـاد إال : وبناء على ذلك

تكليف وال ثواب وال عقاب إال بشرع من عنده سبحانه، بواسطة رسله وكتبه وال .فالناس غير مؤاخذين على أفعالهم قبل مجئ الشرع

ومـا كنـا (فمن النقل قوله تعالى : وقد استدلوا على ذلك بالنقل والعقل ، فقد نفى سبحانه أن يؤاخذ الناس أو يعذبهم حتى )٦٥( )معذبين حتى نبعث رسوال

رسـالً (وأيضاً قوله تعالى . ونهم شرعه ويعرفونهم أحكامهيرسل إليهم رسالً يبلغ ، فقد دل هـذا )٦٦( )مبشرين ومنذرين لئال يكون للناس على اهللا حجة بعد الرسل .على أن حكم اهللا ال يتعلق بأفعال المكلفين قبل ورود الشرع

إن إدراك الحسن أو القبح في األفعال أمـر : وقد استدلوا من العقل بقولهم طيعه كل الناس، لنهم ليسوا جميعاً في درجة واحدة من الفكر والنظر، فمن ال يست

.غير المعقول أن يعاقبوا من اهللا تعالى على ترك أمر لم يدركوا حسنه بعقولهم

.١٥/سورة اإلسراء آية) ٦٥( .١٦٥/ة اإلسراء اآليةسور) ٦٦(



١٧٧

ومن ينظر في رأي الماتريدية يجدهم قد وافقـوا المعتزلـة فـي وجـه فأما موافقتهم . اعرةوخالفوهم في وجه آخر وكذلك الحال بالنسبة لموقفهم من األش

للمعتزلة فقد وافقوهم في مقدمات رأيهم، وهو أن حسن األفعال وقبحها مما تدركه .العقول، بناء على ما في األفعال من نفع أو ضرر

ال يلزم : وأما مخالفتهم للمعتزلة فقد خالفوهم في نتيجة رأيهم، حيث قالوا لى وفق ما تدركه عقولهم من حسن أن تكون أحكام اهللا تعالى في أفعال المكلفين ع

أو قبح، ألن العقول قد تخطئ، وألن بعض األفعال قد يشتبه أمره عليهـا، فـال تالزم بين أحكام اهللا وأحكام العقل وعلى هذا ال سبيل إلى معرفة حكـم اهللا عـن

.طريق شرعهوأما موافقتهم لألشاعرة فقد وافقوهم في نتيجة رأيهم، وهي أن أحكام اهللا

وأمـا مخـالفتهم . الى في أفعال العباد ال تعرف إال عن طريق رسله وكتبـه تعإن في األفعال حسناً وقبحاً : حيث قالوا : لألشاعرة، فقد خالفوهم في مقدمة رأيهم

يدرك في وهذا مما تدركه العقول، وهذا على خالف قول األشاعرة، أن العقل ال .األفعال حسناً وال قبحاً



١٧٨

المبحث الثاني لمحكوم فیـھ أو بــھا

اهللا تعالي ، فإن كان التعلق علـي سـبيل هو الفعل الذي تعلق به خطاب االيجاب كان الفعل واجبا ، مثل الصالة والزكاة حيث تعلق بهما خطاب اهللا تعالي

وغن كان التعلق علي سبيل الندب ) أقيموا الصالة وآتوا الزكاة ( في قوله تعالي دوبا ، وإن كان التعلق علي سبيل التحريم كـان الفعـل كان الفعل ىالمطلوب من

.محرما وهكذا وخطاب الشارع سواء كان من قبيل الحكم التكليفي أو الوضـعي يتعلـق

بفعل المكلف، غير أن الخطاب إذا كان من قبيل الحكم التكليفي ال يكون المحكوم المحكوم فيه فعالً وقد فيه إال فعالً، أما إذا كان من قبيل الحكم الوضعي فقد يكون

.يكون ما ارتبط بهفالحكم التكليفي الذي ال يكون المحكوم فيه إال فعالً، إما أن يكـون هـذا

.الفعل طلبياً أو تخييرياًيـا أيهـا (فإن كان طلبياً، فإما أن يكون الطلب للفعل جازماً كقوله تعالى

عقد الذي هو فعل المكلـف ، فالمحكوم فيه وهو ال )٦٧( )الذين آمنوا أوفوا بالعقود .مطلوب طلباً جازماً لورود الخطاب بصيغة األمر التي تفيد الوجوب

يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجـل (أو غير جازم كقوله تعالى .)٦٨( )مسمى فاكتبوه

.١/سورة المائدة آية) ٦٧(



١٧٩

فالمحكوم فيه وهو كتابة الدين الذي هو فعل المكلف مطلوب ال على سبيل فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي أؤتمن (وله تعالى في اآلية نفسها الجزم بقرينة ق

وال تقتلـوا الـنفس (وإما أن يكون الطلب للترك طلباً جازماً كقوله تعالى ).أمانته، فالمحكوم فيه وهو القتل الذي هو فعـل المكلـف )٦٩( )التي حرم اهللا إال بالحق

ة النهـي، والنهـي يفيـد مطلوب تركه على سبيل الجزم، لورود الخطاب بصيغ .التحريمإن اهللا حرم عقـوق األمهـات [أو غير جازم كقوله صلى اهللا عليه وسلم

فالمحكوم فيه هو ] ووأد البنات وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال القيل والقال أو كثرة السؤال أو إضاعة المال، الذي هو فعل المكلف وهو مطلوب

.ل الجزمتركه ال على سبي، )٧٠( )وإذا حللـتم فاصـطادوا (أما الفعل التخييري فهو كقولـه تعـالى

فالمحكوم فيه وهو االصطياد الذي هو فعل المكلف خير الشارع فيه المكلف بين الفعل والترك، ألن األمر بعد الخطر يفيد اإلباحة وهذا األمر الوارد في الـنص

، والحكـم ) الصيد وأنـتم حـرم غير محلي (الكريم سبقه حظر وهو قوله تعالى .الوضعي إما أن يكون المحكوم فيه فعالً أو ما ارتبط به

.٢٨٢/سورة البقرة آية) ٦٨( .٣٣/سورة اإلسراء آية) ٦٩( .٢/سورة المائدة آية) ٧٠(



١٨٠

يا أيها (فاألول قد يكون الفعل شرطاً كالطهارة بالنسبة للصالة قال تعالى الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامـسحوا

).برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبينوقد يكون الفعل سبباً كالسرقة فإنها سبب لوجوب قطع اليد، قـال تعـالى

.)٧١( ..)والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما(وقد يكون الفعل المكلف، فقد يكون سبباً، كدلوك الشمس، فدلوك الـشمس

ليست فعالً من أفعال المكلف، ولكنها مرتبطة بفعل المكلف من ناحية أن الدلوك أقم الصالة لـدلوك (لصالة التي هي من فعل المكلف، قال تعالى سبب لوجوب ا

.)٧٢( )الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا :شروط المحكوم فيه

:وهو المحكوم فيه ان يتوافر فيه شرطان ل محل التكليفيشترط في الفع .أن يكون الفعل معلوماً للمكلف علماً تاماً -١ .الفعل المكلف به ممكناًأن يكون -٢

:الشرط األول أن يكون الفعل معلوماً للمكلف علماً تاماً، حتى يستطيع المكلف القيام بـه

كما طلب وعلى هذا، فال يصح التكليف بالمجمل إال بعد بيانه، كالصالة مجمله ال .يصح التكليف بها إال بعد بيان أركانها وشروطها وكيفية أدائها

.٣٨/سورة المائدة آية) ٧١( .٧٨/سورة اإلسراء آية) ٧٢(



١٨١

ليف بالزكاة مجملة إال بعد بيان حقيقتها ومقدارها، وكـذلك وال يصح التك كل فعل تعلق به خطاب من الشارع مجمل ال يصح التكليـف بـه وال مطالبـة المكلفين بامتثاله إال بعد بيانه، ولهذا أعطى الرسول صلوات اهللا وسـالمه عليـه

.)٧٣( )إليهموأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل (سلطة التبيين، قال تعالى وقد بين الرسول صلى اهللا عليه وسلم، ما أجمل في القرآن الكريم بـسنته

إن الصالة كانت على المؤمنين كتابـاً (القولية والفعلية فقد بين مجمل قوله تعالى ، وهكـذا )صلوا كما رأيتموني أصـلي [، بقوله صلى اهللا عليه وسلم )٧٤( )موقوتاً

.بها المكلفباقي األمور المجملة التي كلف وال يشترط حصول العلم فعالً، ولكن يكفي مجرد إمكان العلم بنفـسه أو

فاسألوا أهل الـذكر إن (بالواسطة، بأن يسأل أهل العلم عما كلف به، قال تعالى .)٧٥( )كنتم ال تعلمون

أن يكون الفعل معلوما علما يميزه عن غيره حتي يتصور أن يتجـه : وخالصته يكون هذا الفعل واضحا وضوحا يميزه عن غيره ، فأفعـال القصد إليه ، بحيث

.الصالة مميزة تمييزا كامال عن الزكاة والحج وغيرها كما سبق بيانه

.٤٤/سورة النحل آية) ٧٣( .١٠٣/سورة النساء آية) ٧٤( .٧/سورة األنبياء آية) ٧٥(



١٨٢

وال يشترط تحقق وصول العلم فعال او تيقنه ، بل يكفي العلم االفتراضي ، بـان معلومـة مـن الـدين يكون الشخص مفترض فيه العلم حيث إن هذه األفعـال

.ةوالضروروعلى هذا فمن كان في دار اإلسالم يتمكن من العلم باألحكـام الـشرعية

بنفسه أو بسؤال أهل العلم، فال عذر للمقيم في دار اإلسالم بسبب جهله باألحكـام ال يقبل في دار اإلسالم عذر الجهل بالحكم (الشرعية، ولذا قال الفقهاء من القواعد

لنسبة إلى دار الحرب، إذ العلم باألحكـام ، وهذا خالف ما هو المقرر با )الشرعيالشرعية غير مفترض بالنسبة لمن فيها، لعدم شيوع األحكام الشرعية فيها، ولهذا لو أسلم هناك شخص وجهل وجوب الصالة مثالً، لم يلزمه قضاؤها، إذا عـرف الوجوب بعد ذلك، وإذا شرب الخمر جاهالً بالتحريم، لم يعاقب علـى فعلـه، إذا

.ى دار اإلسالمرجع إل :نيالشرط الثا

أن يكون الفعل المكلف به ممكناً، وفي قدرة المكلف فعله أو الكف عنـه، فمجال التكليف الشرعي األفعال التي ال تخرج عن طاقة المكلفين ووسعهم، لويس فيه من العناء خروج عن المعهود في األعمال العادية، وإن ثقـل علـى الـنفس

إن أيسر األعمال إذا وقع التكليف به أحس المكلف بعبء لم يكن باعتباره تكليفاً، ف .قبل التكليف يحس به، وهو شعور فطري ال يمكن رفعه

:ويترتب على هذا الشرط األمور اآلتية



١٨٣

فهناك افعال يستطيع االنسانأن يقـوم بهـا : فعل ممكن ولكن بمشقة بالغة : أوالًفيها جهدا غير عادي يجعل االنسان ل ولكن يمشقة تفوق طاقته المعتادة بحيث يبذ

بها وقد دلت علي ذلك ايات كثيرة منهـا ال يصح التكليف في ضيق وحرج وهذه ال يكلف اهللا نفساً (، وقوله سبحانه )٧٦( )ال يكلف اهللا نفساً إال وسعها (قوله تعالى ن المعقول فهو أن المقصود من التكليف االمتثال، فإذا كا منو. )٧٧( )إال ما أتاها

المكلف به خارجاً عن طاقة اإلنسان، تعذر عليه االمتثال، وحينئذ يكون التكليـف .عبثاً والشارع منزه عن العبث

ال يصح التكليف باألشياء التي ال تخضع إلرادة اإلنسان، وال كسب : ثانياًله فيها ال اختيار كالغضب والفرح والحزن والحب والبغض، ألن هذه األمور إذا

ها ال تخضع إلرادة اإلنسان، فال يكلفها فعالً أو تركاً لخروجها عن وجدت دواعي .إرادته

اللهم هذا قـسمي [وقد دل على ذلك قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يعني المحبة، فهـذا يـدل علـى أن ] فيما أملك فال تؤاخذني فيما تملك وال أملك

نها من األمور التي ال تخـضع المحبة ال مؤاخذة عليها، فال يكلف اإلنسان بها، أل .إلرادة الناس

فإذا وردت بعض النصوص التي تطالب اإلنسان بما ال قدرة لـه عليـه، وال تمـوتن إال وأنـتم (قوله تعـالى : كانت مصروفة عن ظاهرها، مثال ذلك

.٢٨٦/سورة البقرة آية) ٧٦( .٧/سورة الطالق آية) ٧٧(



١٨٤

ظاهرة تكليفهم اآلن بأن يكونوا حين يموتون مسلمين، ولكن هذا غيـر ) مسلمونلظاهر غير مراد، بل حقيقة تكليفهم اآلن بأن يسيروا في طريق مقدور لهم، فهذا ا

.يثبت إيمانهم، أو المسارعة إلى اإلسالم قبل حلول الموتفـإن ) لكيال تأسوا على ما فاتكم وال تفرحوا بما آتاكم (وكذلك قوله تعالى

وهـذا . ظاهرة تكليف اإلنسان بأن ال يحزن على شيء فاته وال يفرح بشيء أتاه المراد، وإنما المراد التكليف بالكف عما يعقب قدور له، وليس الظاهر هو غير م

.االسترسال في الحزن من السخط، وعدم الرضا عند زوال نعمةفإن ] ال تغضب [ومن ذلك أيضاً قوله صلى اهللا عليه وسلم ألحد الصحابة

ظاهرة التكليف بالكف عن أمر طبيعي غير كسبي وهو الغـضب عنـد وجـود ، وهذا الظاهر غير مراد، وإنما المراد التكليف بالكف عما يعقب الغضب دواعيه

.من االنتقام والبطش، فالمراد إذن كظم الغيظ، وهكذا باقي النصوص :أقسـام المحكوم فيه

أفعال المكلفين التي تعلقت بها األحكام الشرعية، إما أن يكون المقـصود بها مصلحة عامة فالفعل يطلـق بها مصلحة عامة أو خاصة، فإن كان المقصود

عليه حق اهللا تعالى، وإن كان المقصود بها مصلحة خاصة فالفعل يطلق عليه حق العبد، وقد يجتمع في الفعل حق اهللا وحق العبد ويكون حق اهللا هو الغالـب وقـد

:يكون حق العبد هو الغالب، وعلى ذلك ينقسم المحكوم فيه إلى أربعة أقسام



١٨٥

: حق اهللا تعالى خالصاً :القسم األول وهو ما تعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد، ولهذا نسب إلى رب

العالمين جميعاً لعظم خطره وشمول نفعه، فه حق متعلـق بالنـاظم العـام دون مراعاة أفراد وهذا الحق ال يجوز إسقاطه، وال يحق لحد التنازل عنه أو الخروج

. رجال القانون بالنظام العامعليه، ويسمى هذا القسم عند :حق العبد الخالص : القسم الثاني

وهو ما قصد به تحقيق مصلحة خاصة بالفرد، كبـدل المتلفـات، وبـدل المغصوب، وملك المبيع للمشتري، وملك الثمن للبائع، وحق الزوج في الطالق،

مـن وحق الشفعة، وحق المستأجر في االنتفاع بالعين المستأجرة، وغيـر ذلـك .الحقوق التي ال يقصد بها الصالح العام

.أنه يجوز لصاحبه التنازل عنه أو استيفاؤه: وحكم هذا القسم .وهذا الحق قريب من المسائل التي ينتظمها القانون الخاص في القوانين الوضعية

:ما اجتمع في حق اهللا وحق العبد وحق اهللا غالب : القسم الثالث صول نفعه بإخالء العالم من الفساد يكون حقـاً هللا كحد القذف، فباعتبار ح

تعالى، وباعتبار صيانة العرض ودفع العار عن المقذوف، يكـون حقـاً للعبـد، .ولرجحان حق اهللا لم يكن للعبد إسقاطه

هذا ويرى بعض العلماء أن حد القذف، خالص هللا تعالى، ويرى اإلمـام جتمع فيها الحقان وحق العبد هـو الشافعي أن حد القذف من قبيل الحقوق التي ا

.الغالب، فيجري فيه اإلرث ويسقط بالعفو عن المقذوف



١٨٦

:ما اجتمع فيه حق اهللا وحق العبد وحق العبد غالب : القسم الرابع كالقصاص من القاتل على جهة العمد والعدوان، فالقصاص من القاتل حق

ولكم فـي (وس، قال تعالى هللا لما يترتب عليه من المصلحة العامة وهي حياة النف فاإلنسان إذا علم أن القاتل يقتل . )٧٨( )القصاص حياة يا أولي األلباب لعلكم تتقون

.ارتدع عن القتل، فيؤدي هذا إلى حفظ األمن وتقليل الجرائموأما اشتماله على حق العبد، لن فيه مصلحة خاصة ألولياء المقتول وهي

.شفاء صدورهم من الغيظ الذي يملؤهاولما كان القتل يمس المجني عليه أكثر مما يمس المجتمع ونظامه، كـان

حق الشخص هو الغالب، إذ أن وجوب القصاص بطريق المماثلة، وفيـه معنـى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعـين بـالعين (قال تعالى . المقابلة بالمحل

.)٧٩( )اصواألنف باألنف واألذن باألذن والسن بالسن والجروح قصالغالب، فال يقتص من القاتل إال بطلب ولـي ولما كان حق الشخص هو

القتيل، وله أن يتنازل عن القصاص، أو يعتاض عنه بالمال، ولولي األمر تفويض .استيفاء القصاص تحت إشرافه إلى ولي الدم

ولما كان في القصاص حق هللا، فإن القاتل إذا نجا من الموت لعفو ولـي .فإن الدولة لها أن توقع عليه عقوبة تعزيريةالقتيل،

.١٧٩/سورة البقرة آية) ٧٨( .٤٥/سورة المائدة آية) ٧٩(



١٨٧

لمحكوم عليـها هو المكلف الذي تعلق خطاب الشارع بفعله: المحكوم عليه

في المكلف ان يكون فاهما للتكليف ، ومعني ذلك ان يكون في استطاعته يشترطوفهم النصوص التي خاطبه الشارع بها سواء كانت هذه النصوص قرآنا او سنة أو

.يرجع إليهما من قياس او اجماع ما : وبالتالي فإن يشترط في المحكوم عليه شروطا هي

.أن يكون المكلف قادراً على فهم دليل التكليف -١ .أن يكون أهالً لما كلف به -٢

:أن يكون المكلف قادراً على فهم دليل التكليف : الشرط األول يوجـه إليـه مـن أن يكون في استطاعة المكلف فهم ما : والمراد بذلك

الكالم، ألن من لم يستطيع فهم دليل التكليف ال يمكنه أن يمتثل ما كلف بـه، وال .يتجه قصده إليه

ويكفي في الفهم تصور معاني األلفاظ التي بها التكليف والتي يتوقف عليه االمتثال، لن المراد بتوجيه الخطاب هو العمل أي االمتثـال والطاعـة، أو دفـع

.اسالحجة من النويلزم من اشتراط الفهم اشتراط العقل، لن القدرة على فهم األدلـة إنمـا

تتحقق بالعقل، ألنه الوسيلة إلى اإلدراك، وبدونه ال يمكن الفهم، ولما لم يكن العقل له قدر منضبط، إذ هو درجات فوق بعض وله مراتب متفاوتة، كان البـد مـن

لبلوغ عاقالً ويعرف ذلـك بمـا وضع حد منضبط يكون مناطاً الستكماله وهو ا



١٨٨

يصدر عنه من األفعال، فمن بلغ الحلم من غير أن تظهر عليه أعراض خلل بقواه .العقلية فقد توافرت فيه القدرة على أن يكلف ويتوجه إليه الخطاب

:ما يترتب على هذا الشرط يمتنع تكليف من ال يفهم الخطاب، كالـصبي والمجنـون والنـائم والغافـل -١

ران، فهؤالء ال يكلفون، وذلك ألن الصبي والمجنون غير مكلفـين لعـدم والسكرفع القلم [قدرتهم على فهم خطاب الشارع ولقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحلم، وعن المجنون حتى : عن ثالث ن المتلفات في مال ووجوب الزكاة والنفق وضما ) حتى يعقل (، وفي رواية ]يفيق

الصبي والمجنون، ليس تكليفاً موجهاً إليهما وإنما هو تكليف موجه إلـى وليهمـا .المالي، وقد وجبت عليهما هذه الحقوق، ألنهما يملكان أهلية وجوب كما سيأتي

وأما النائم والغافل السكران فإنهم وإنهم وإن كانوا مكلفين، إال أنهـم فـي فبالنسبة للنائم أشار إلى . و السكر ليس في استطاعتهم الفهم حال النوم أو الغفلة أ

يا أيها الذين آمنوا ال : (ذلك الحديث السابق، وبالنسبة للسكران فقد قال اهللا تعالى وليس المقصود من الخطاب ) تقربوا الصالة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون سكر في وقت إرادة الـصالة هنا، النهي عن الصالة حالة السكر، بل النهي عن ال

حالة الصحو، فاآلية الكريمة تطلب االمتناع عن السكر حتى ال تقع صالتهم فـي حال سكرهم، فاآلية تشير من طرف خفي إلى الكف عن شرب الخمر، ألن حال النشوة تلزمهم أال يصلوا، وهم مأمورون أال يخرجوا الـصالة عـن وقتهـا وال



١٨٩

بعض من كان يشربها عن شربها حتى نـزل يدرون متى يصحون، ولذلك امتنع .البيان النهائي بشأن تحريم الخمر

واعتبار طالق السكران وسائر تصرفاته الذي قال بـه بعـض الفقهـاء .محمول على سبيل العقاب على السكر وليس على سبيل التكليف

وأما الغافل فلعدم قدرته على فهم ما كلف به، إذ هو أسوأ حاالً من الصبي والغافل هو المكلف الـذي ال يخطـر . مميز فيما يرجع إلى فهم خطاب الشارع ال

الشيء الذي هو غافل عنه بباله وإن لم يكن غافالً عن غيره، أي البـالغ العاقـل .الذي ال يدري خطاب الشارع وال يفهمه

أن يكون المكلف عارفاً باللغة العربية، إذ هي لغة القرآن والسنة النبوية وهما -٢ي السماء، والدليالن األساسيان على األحكام الشرعية، حتـى يـستطيع فهـم وح

.النصوص الشرعية، ومعرفة المراد منها، وما كلف به من أحكامأما من ال يعرف اللغة العربية، فال يكلف باألحكام الشرعية إال إذا تعلـم

نصوص اللغة العربية وقدر على فهم النصوص الشرعية، أو ترجمت له معاني ال ومـا أرسـلنا مـن : (الشرعية إلى لغته التي يعرفها، واهللا سبحانه وتعالى يقول

.)٨٠( )رسول إال بلسان قومه ليبين لهم

.٤/سورة إبراهيم آية) ٨٠(



١٩٠

ولهذا طولب المسلمون بتبليغ األحكام اإلسالمية إلـى مـن ال يعرفـون ولتكن منكم أمة يدعون (العربية، بترجمتها إلى لغاتهم، وفي ذلك يقول اهللا تعالى

.)٨١( )الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحونإلى أال هل بلغت، اللهـم [وقال الرسول صلى اهللا عليه وسلم في حجة الوداع

والغائب يشمل من ] فاشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع .قصود منهاغاب عن النصوص الشرعية العربية، لعدم إدراكها وفهم الم

وإذا كان أداء هذا الواجب الديني يتوقف على تعلم اللغات األجنبية، كـان تعلمها واجباً من الواجبات، ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب، وتعلم اللغات األجنبية المتعددة من الواجبات الكفائية التي يتوجه فيها الطلب إلى الجماعـة، ال

وموا بمهمة الترجمة لألجانب لكي يتعلمـوا أمـور ديـن إلى كل فرد بعينه، ليق .اإلسالم

:أن يكون أهالً لما كلف به : الشرط الثاني .يشترط أيضاً في المحكوم عليه أن يكون أهالً للتكليف

.واألهلية في اللغة الصالحيةوفي االصطالح، صالحية اإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه،

لشخص لإللزام وااللتزام، بمعنى أن يكون الشخص صالحاً ألن أو هي صالحية ا .تلزمه حقوق لغيره، وتثبت له حقوق قبل غيره، وصالحاً ألن يلتزم بهذه الحقوق

.١٠٤/سورة آل عمران آية) ٨١(



١٩١

: تنقسم األهلية عند علماء األصول إلى قسمين :أقسـام األهليـة . أهلية أداء-٢ . أهلية وجوب-١

:أهلية الوجوب : أوالًإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، أي صالحيته وهي صالحية ا

.لن تثبت له الحقوق وتجب عليه الواجبانوتثبت هذه األهلية لإلنسان بناء على ثبوت الذمة له، وهـي ثابتـة لكـل

.إأنسان، فما من مولود يولد إال وله ذمة، وبالتالي يكون أهالً للوجوب له وعليهساس ثبوت أهلية الوجـوب لإلنـسان هـو إن أ : وعلى هذا يمكن القول

الحياة، إذ بالحياة تكون لإلنسان ذمة، وعليها تنبني أهلية الوجوب، سـواء أكـان اإلنسان بالغاً أم صبياً وسواء أكان رشيداً أم غير رشيد، وسواء أكـان ذكـراً أم

.أنثى، وسواء أكان حراً أم عبداً، وتستمر هذه األهلية لإلنسان إلى أن يموت :واع أهلية الوجوب أن

: وتتنوع أهلية الوجوب إلى نوعين . أهلية وجوب كاملة -١ .أهلية وجوب ناقصة -٢

: أهلية الوجوب الكاملة -١وهي صالحية الشخص لثبوت الحق له وعليه، وتتحقق لـصاحبها منـذ

والدته حياً وتظل معه مدى حياته، فرث ويورث، وتجب له النفقة، وتجب عليـه .ا وليه عنهفي ماله يؤديه



١٩٢

: أهلية الوجوب الناقصة -٢وهي صالحية اإلنسان لوجوب الحقوق فقط، وتثبت هذه األهلية الناقـصة للجنين قبل والدته، وبها يكون أهالً لثبوت بعض الحقوق له، وهي التي تكون له فيها منفعة وال تحتاج إلى قبول منه، كثبوت نسبه مـن أبويـه، وثبـوت اإلرث

ا الحقوق التي تحتاج إلى قبول منه كالشراء والهبة فال تثبت لـه، والوصية له، أم ومن باب أولى ال يثبت عليه شيء من الحقوق لغيره، فال يجب عليه فـي مالـه

.وهو جنين نفقة األقارب المحتاجينوهذه األهلية للجنين في بطن أمه ناقصة، ألنها تثبت له حقوقاً وال تثبـت

ي تثبت له غير مستقرة وعلى خطر الـزوال، لـن عليه واجبات وألن حقوقه الت حياته محتملة، فقد يولد ميتاً فال يثبت له أي حق من الحقوق، وقد يولد حياً فتثبت

.له حقوق اإلنسان الكاملةوأهلية الوجوب بنوعيها تسمى فـي االصـطالح القـانوني بالشخـصية

صالحية اإلنـسان ألن : القانونية، وهي ثابتة عندهم لكل إنسان ويعرفونها بأنها .)٨٢(تكون له حقوق وعليه واجبات

.وتعريفهم هذا يماثل تعريف األصوليين ألهلية الوجوبأن مناط أهلية الوجوب هي الذمة أو أن الذمة الزمة : مما سبق يتبين لنا

لها، واألصوليون يعرفون الذمة بأنها وصف في اإلنسان الحي به يـصير أهـالً

.١٥١إسماعيل غانم، النظرية العامة ص . ، د٥٨البدراوي، المدخل ص . د) ٨٢(



١٩٣

ام بالواجبات، وعلى ذلك فال تثبـت هـذه األهليـة لغيـر لثبوت الحقوق وااللتز .اإلنسان

ويرى بعض الفقهاء المعاصرين أن الذمة وأهلية الوجوب كمـا تثبتـان – وهو ما يعرف بأهلية الشخص االعتبـاري –لإلنسان، تثبتان لغيره كالجهات

وسندهم في ذلك أن بعض الحقوق تثبت للوقوف وعليه، وليس الوقـف إنـساناً باشر ناظر الوقف هذه الحقوق، ويؤدي تلك االلتزامات نيابة عن الوقف، كمـا وي

ينوب ولي األمر عن بيت المال في المطالبة بما له من حقوق وأداء ما عليه من .واجبات كإنشاء الطرق والمنشآت العامة

ويثبت لبيت المال حق اإلرث ممن ال وارث له، كما تجب عليـه نفقـات ، وقد أجاز الفقهاء الوصية والوقف على الجهات والمنشآت، العاجزين عن الكسب

ومن ثـم يمكـن القـول بـأن . وبذلك تثبت لها الحقوق وليست شخصاً طبيعياً لألشخاص االعتبارية ذمة وأهلية وجوب كاإلنسان، وال تختلف عنها إال فـي أن

الـشخص أهلية الوجوب عند اإلنسان قد تثبت له أو عليه، حقوقاً ال تتفق وطبيعة .)٨٣(االعتباري فال تثبت له، وهذا ال ينافي أصل الوجوب

:أهليـة األداء : ثانياًهي صالحية اإلنسان لصدور التصرفات عنه على وجه يعتد به شـرعاً،

فإذا أدى واجباً عليه سقط عنه كصالة وحج . وتترتب األحكام على هذه التصرفات

.٥٣١لوب، أصول الفقه اإلسالمي، ص عبد المجيد مط. د) ٨٣(



١٩٤

جناية على نفس أو مال أو عرض، وصيام وزكاة أو نفقة لقريب، وإذا حدثت منه .أخذ بجنايته وعوقب عليها بدنياً ومالياً

. بأهلية التعامل أو أهلية المعاملة– أيضاً –وتسمى هذه األهلية :أساس ثبوت هذه األهلية

وأساس ثبوت هذه األهلية في اإلنسان التمييز والعقل، ال الحياة كما فـي ثبت أهلية األداء لإلنسان وهو جنين في بطـن أهلية الوجوب وإذا كان كذلك ال ت

أمه، كما ال تثبت له عند والدته وإنما تثبت له إذا بلغ سن التمييـز وهـي سـن .السابعة

: أهلية األداء إلى نوعين تتنوع:أنـواع أهلية األداء . أهلية أداء ناقصة-٢ . أهلية أداء كاملة-١

: أهلية األداء الكاملة -١اإلنسان لصدور التصرفات منه مع االعتداد بهـا شـرعاً وهي صالحية

وعدم توقفها على رأي غيره وهي الثابتة للبالغ الرشيد وهـي منـاط التكـاليف .الشرعية وتوجه الخطاب من الشارع

: أهلية األداء الناقصة -٢هي صالحية اإلنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض، أو لـصدور

ا على رأي من هو أكمل منه عقالً وأعلم بوجوه النفع تصرفات يتوقف االعتداد به .والضرر، كحال الصبي المميز في العقود المالية



١٩٥

بأن الصبي يبقى منذ والدته من غير أهلية أداء حتى يميز : ويمكن القول والتمييز يختلف باختالف األشخاص وتفاوت األفهام، وقد اعتبر . النافع من الضار

جعل من بلغ السابعة مميزاً تثبت له أهليـة أداء قاصـرة، الشارع الحكيم السن و ومما يدل على اعتبار سن السابعة ما روى عن الرسول صلى اهللا عليه وسلم أنه

..].مروا أوالدكم بالصالة لسبع واضربوهم عليها لعشر[قال فإذا أتم الصبي السابعة غير مميز لعارض أصابه من جنون أو عته، بقى

.ير أهلية أداء حتى يثبت له التمييزعلى حاله من غ :أدوار اإلنسان بالنسبة لألهلية

:قسم العلماء حياة اإلنسان بالنظر لألهلية إلى أربعة أدوار هي .دور الجنين في بطن أمه -١ .دور االنفصال إلى التمييز -٢

.دور التمييز إلى البلوغ -٣

.دور ما بعد البلوغ -٤

:دور الجنين في بطن أمه: الدور األول : الجنين في بطن أمه ينظر إليه من ناحيتين هما

كونه جزءاً من أمه، ووجوده مرتبط بوجودها، وهو من هذه الناحيـة غيـر –أ .مستقل فتنتفي عنه الذمة، فال يجب له حق وال يكلف بواجب

كونه نفساً مستقلة يوشك أن ينفصل عن أمه، ويستقل بوجوده، فـيحكم لـه -بم يحكم له بثبوت أهلية وجوب ناقصة، فتثبت لـه الحقـوق بثبوت الذمة، ومن ث



١٩٦

النافعة التي ال تحتاج إلى قبول كالميراث بشرط أن يولد حياً، وال تثبت له الحقوق أما أهلية األداء فال . النافعة التي تحتاج إلى قبول، كالهبة، وال تجب عليه واجبات

.ققة بالنسبة لهتصور لها في هذا الدور، ومن ثم فهي منتفية وغير متح :دور االنفصال إلى سن التمييز : الدور الثاني

الجنين متى انفصل حياً، تثبت له ذمة كاملة، فتثبت له أهلية وجوب كاملة، فتجب له الحقوق وعليه الواجبات، بمعنى أنه يرث ويورث وتجـب النفقـة لـه

.وعليهور عقلـه وعـدم أما أهلية األداء فال تثبت له في هذا الدور، وذلك لقص

تمييزه، ويطالب باألداء عنه وليه أو وصيه، وال يؤخذ بشيء مـن أقوالـه، وال يصح منه تصرف من التصرفات القولية بحال، وال يؤخذ مؤاخذة بدنية بشيء من أفعاله، ولكن يضمن ما أتلف إذا لم يكن اإلتالف بتسليط من المالك، وال يحرم من

.ول المختارالميراث إذا قتل مورثه على الق :دور التمييز إلى البلوغ : الدور الثالث

ودور التمييز هو الفترة من السابعة إلى البلوغ، ولإلنسان في هذا الـدور عقل لكنه قاصر فتثبت له أهلية وجوب كاملة كالصبي غر المميز، فليس هو أقل

.منه بل هو أحسن حاالًله، فال يطالب بأداء شـيء وتثبت له أهلية أداء ناقصة، نظراً لنقصان عق

بنفسه إال على سبيل التأديب والتهذيب، وال يؤخذ بأقواله وأفعاله مؤاخذة بدنيـة، .وما يقع منه من التصرفات إما متعلق بالعقيدة والعبادة وإما متعلق بالمال



١٩٧

أما ما يتعلق بالعقيدة والعبادة، فإنه يصح وتترتب عليه آثاره، فـإذا كـان إسالمه، وثبت به التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين، وكذلك إذا كافراً فأسلم صح

ارتد بعد إسالمه عند أبي حنيفة ومحمد، خالفاً للشافعي الذي لـم يعتـد بإسـالم الصبي وردته، فلم يرتب عليهما شيء من اآلثار، ألن الصبي عنده تابع ألبويـه

.)٨٤(في العقيدة حتى يبلغن صالة وصيام وحج ونحو ذلك، ويطالب كما تصح العبادة من الصبي م

أما ما يتعلـق . بها على سبيل التعليم والتأديب والتهذيب، ال على سبيل الوجوب : بالتصرفات المالية فقد قسمها العلماء إلى ثالثة أقسام

تصرفات نافعة نفعاً محضاً للصغير، كقبول الهبة والصدقة والوصية، هـذه -١وقف على إجازة الولي أو الوصي، ألنه التصرفات تصح من الصغير دون ت

.يترتب عليها دخول شيء في ملكه دون مقابلتصرفات ضارة بالصغير ضرراً محضاً، وهي التي يترتب عليها خـروج -٢

شيء من ملكه دون مقابل، كالهبة والوقف ونحوهما، وهذه التـصرفات ال حيحها، تصح من الصغير، بل ال تنعقد أصالً وال يملك الولي أو الوصي تص

ألنهما ال يملكان مباشرتهما في حق الصغير فال يملكان إجازتها ألن مبنـي الوالية النظر للصغير ورعاية مصلحته، وليس من النظر في شيء مباشرة

.التصرفات الضارة به، أو إجازتها إذا باشرها الصغير

زكي زكي زيدان بدون سنة نشر/ نقال عن الوجيز في أصول الفقه االسالمي ا د ) ٨٤(



١٩٨

التصرفات الدائرة بين النفع والضرر بحسب أصل وضعها، كالبيع واإلجارة -٣سائر المعاوضات المالية، فهذه التصرفات تحتمل الربح والخـسارة، فـإذا و

باشرها الصغير المميز وقعت صحيحة باعتبار تمتعه بأصل أهلية األداء، إال .أنها موقوفة على إجازة الولي لنقص أهليته، فإذا أجازها الولي نفذت إال فال

المالية قد أخذ بهـا وهذه األحكام التي ذكرناها بالنسبة لتصرفات الصغير القانون المدني المصري، وكذا القانون المدني العراقي، وقد أطلق القانون علـى

.)٨٥(النوع الثالث أنها قابلة لإلبطال وهو نفس المعنى عند األصوليين :دور البلوغ وما بعده : الدور الرابع

كاملـة، إذا بلغ اإلنسان عاقالً، ثبتت له أهلية وجوب كاملة، وأهليـة أداء فيتوجه إليه الخطاب بجميع التكاليف الشرعية، وتصح التزاماته، ويعتد بأعمالـه، فتترتب عليها آثارها، إال أن يوجد ما يدل على اختالل عقله أو نقصه فتتأثر بذلك

.أهليته،

.١٠٠عبد الكريم زيدان، أصول الفقه ص . زكي زيدان و د/ المرجع السابق أ د ) ٨٥(



١٩٩

الباب الثاني طرق استنباط األحكام من األدلة

:تمهيـد . ن صيغة الخطاب الذي ورد من الشارع استنباط الحكم الشرعي ال يكون إال م

وكما سبق القول فإن هذه الصيغة قد تكون طلبا للفعل ويأتي بصيغة األمر وهـي أفعل أو وا يدل عليها ، وقد تكون الصيغة طلبا للترك ويأتي بصيغة النهي وهي

عاما أو خاصا وقد يكون ال تفعل هذا واللفظ الدال علي األمر أو النهي قد يكون .تركا مش

وقد يكون خفيا في الداللة علي وهذا اللفظ بذاته قد يكون واضح الداللة علي معناه :وبهذا يتبين لنا أن قواعد االستنباط ستكون علي النحو التالي ، هذا المعني

األمر والنهي • العام والخاص والمشترك • كيفية داللة اللفظ علي المعني •

األمــر . لطلب الفعل على سبيل االستعالءهو اللفظ الموضوع:تعريـفه

: صيغة األمر تأتي على أنواع منها :صيغة األمر )أقم الصالة لدلوك الشمس إلى غـسق الليـل (صيغة الفعل نحو قوله تعالى -١

يا أيها الذين (، وقوله تعالى )٨٧( )يا يحيى خذ الكتاب بقوة(، وقوله تعالى )٨٦( .)٨٨( )آمنوا أوفوا بالعقود

. ٧٨/سورة اإلسراء آية) ٨٦( . ١٢/سورة مريم آية) ٨٧( . ١/دة آيةسورة المائ) ٨٨(



٢٠٠

، أي )٨٩( )يا أيها الذين آمنـوا علـيكم أنفـسكم ( قوله تعالى اسم الفعل نحو -٢عليكم [احفظوا أنفسكم من المعاصي، وقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

.أي إلزموا الصدق فإنه يهدي إلى البر] بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر

لينفق ذو سعة من سـعته : (المضارع المقرون بالم األمر نحو قوله تعالى -٣فمن شهد منكم (، وقوله تعالى )٩٠( )ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه اهللا

.)٩١( )الشهر فليصمه

فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب (المصدر الدال على الطلب، نحو قوله تعالى -٤الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تـضع

، أي أحـسنوا )٩٣( )وبالوالدين إحساناً (الى وقوله تع . )٩٢( )الحرب أوزارها .بهما إحساناً

الجملة الخبرية إذا قصد بها الطلب ودون اإلخبار، كما فـي قولـه تعـالى -٥ )والوالدات يرضعهن أوالدهن حولين كاملين لمن أرد أن يـتم الرضـاعة ( .إلى غير ذلك من الصيغ التي ال يتسع األمر لذكرها. )٩٤(

. ١٠٥/سورة المائدة آية) ٨٩( . ٧/سورة الطالق آية) ٩٠( . ١٨٤/سورة البقرة آية) ٩١( . ٤/سورة محمد آية) ٩٢( .٣٦/سورة النساء آية) ٩٣( .٢٣٣/سورة البقرة آية) ٩٤(



٢٠١

تستعلم صيغة األمر في معان كثيـرة :مر من المعاني ما تستعمل فيه صيغة األ :منها

، )٩٥( )وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول (الوجوب، كقوله تعالى -١ ].صلوا كما رأيتموني أصلي[وقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

بة ، والكتابة هي مكات )٩٦( )فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً (الندب كقوله تعالى -٢ .العبد على مال منجم

التأديب، كقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لعمرو بن أبي سـلمة وهـو -٣يا غالم، سم اهللا، وكل بيمينك وكل مما [دون البلوغ ويده تطيش في الصفحة

.فاألمر هنا للتأديب[ يليك

يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجـل مـسمى (اإلرشاد كقوله تعالى -٤ .، فاألمر هنا لإلرشاد إلى ما يحفظ الحق لصاحبه)٩٧( )كتبوهفا

وإذا (، وقوله تعالى )٩٨( )كلوا من طيبات ما رزقناكم (اإلباحة، كقوله تعالى -٥ .)٩٩( )حللتم فاصطادوا

.ادخل: اإلذن، كقوله من بداخل مكان للمستأذن عليه -٦

.٥٦/سورة النور آية) ٩٥( .٣٣/سورة النور آية) ٩٦( .٢٨٢/سورة البقرة آية) ٩٧( .٨١/سورة طه آية) ٩٨( .٢/سورة المائدة آية) ٩٩(



٢٠٢

، وقولـه )١٠٠( )اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بـصير (التهديد كقوله تعالى -٧واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلـك ورجلـك (تعالى

.)١٠١( )وشاركهم في األموال واألوالد وعدهم

، والفرق بين )١٠٢( )قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار (اإلنذار، كقوله تعالى -٨التهديد واإلنذار، أن التهديد هو التخويف، واإلنذار، إبالغ المخوف، وقيـل

. عرفاً أبلغ في الوعيد والغضب من اإلنذارالتهديد

، والفرق بينه وبين اإلباحة )١٠٣( )كلوا مما رزقكم اهللا(االمتنان، كقوله تعالى -٩ .أن اإلباحة مجرد إذن، واالمتنان البد فيه من اقتران حاجة الخلق لذلك

.)١٠٤( )ادخلوها بسالم آمنين(اإلكرام، كقوله تعالى -١٠

وقد صاروا كما أراد سبحانه،)١٠٥()قردة خاسئينكونوا (التسخير كقوله تعالى -١١

.، أي مثل القرآن)١٠٦ ()فأتوا بسورة من مثله(التعجيز كقوله تعالى -١٢

إلى غير ذلك من . )١٠٧ ()ذق إنك أنت العزيز الكريم (اإلهانة كقوله تعالى -١٣ .المعاني التي ال يتسع المقام لذكرها

.٤٠/سورة فصلت آية) ١٠٠( .٦٤/سورة اإلسراء آية) ١٠١( . ٣٠/سورة إبراهيم آية) ١٠٢( . ٨٨/سورة المائدة آية) ١٠٣( . ٤٦/سورة الحجر آية) ١٠٤( . ٦٥/سورة البقرة آية) ١٠٥( . ٢٣/سورة البقرة آية) ١٠٦( . ٤٩/سورة الدخان آية) ١٠٧(



٢٠٣

:ما تفيده صيغة األمر بعد الحظر )وإذا حللـتم فاصـطادوا ( الحظر، كما في قوله تعالى قد يرد األمر بعد

فـإذا قـضيت (، وكقوله تعـالى )غير محلي الصيد وأنتم حرم (، بعد قوله )١٠٨(، )فاسعوا إلى ذكر اهللا وذروا البيع(، بعد قوله )١٠٩( )الصالة فانتشروا في األرض

ال و(، بعـد قولـه )١١٠( )فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهللا (وكقوله تعالى ).تقربوهن حتى يطهرن

:اختلف األصوليون في هذه المسألة على أقوال كثيرة أشهرها ثالثة وهي :القول األول

إن األمر بعد الحظر يفيد الوجوب، وإلى هذا ذهب كثير من العلماء منهم .أبو الحسن البصري، والشيرازي والرازي، وعامة الحنفية، ونقل عن المعتزلة

: ذلك بما يلي وقد استدلوا علىأن األدلة الدالة على الوجوب جاءت عامة في كل صيغة أمر، ال فـرق -١

.بين أن يتقدمها حظر أو غيرهأن ورود األمر بعد الحظر ال يعارض الوجوب، ألنه رفع الحرمة، فـال -٢

.تكون معارضة له

. ٢/سورة المائدة آية) ١٠٨( . ١٠/سورة الجمعة آية) ١٠٩( . ٢٢٢/سورة البقرة آية) ١١٠(



٢٠٤

فـإذا (ولقد ورد إفادة األمر بعد الحظر للوجوب في الكتاب والسنة، فمن الكتاب ، ومن السنة قول رسول اهللا صـلى )١١١( )نسلخ األشهر الحرم فاقتلوا المشركين ا

، فثبـت )فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي (اهللا عليه وسلم للحائض .بهذا أن األمر بعد الحظر يفيد الوجوب

:القول الثاني إن صيغة األمر بعد الحظر يفيد اإلباحة، عزاه اإلمـام اإلسـنوي إلـى

:افعي ونقله أكثر الفقهاء والمتكلمين الش :وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي

باالستقراء والتتبع لنصوص الشريعة، وجدنا أن األمر إذا جاء بعد الحظـر -١كثر استعماله في اإلباحة، وإذا كان هذا هو المعنى الغالب، كان هو المتبادر من

.النصوص عند إطالقها، فيحمل اللفظ عليه . صيغة األمر بعد الحظر حقيقة في اإلباحة ومجاز فيما سواها:وعلى هذا نقول

، بعد قوله )١١٢( )وإذا حللتم فاصطادوا (قوله تعالى : ومن هذه النصوص فإنه أمر بالصيد بعد تحريمه حال اإلحـرام ) غير محلي الصيد وأنتم حرم (تعالى

.وهو لإلباحة باإلجماعضيت الصالة فانتشروا في األرض وابتغـوا فإذا ق (ومن ذلك قوله تعالى

يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم (، بعد قوله تعالى )١١٣( )من فضل اهللا

. ٥/سورة التوبة آية) ١١١( . ٤/سورة المائدة آية) ١١٢(



٢٠٥

، فإنه أمر باالنتشار في األرض عقـب )الجمعة فاسعوا إلى ذكر اهللا وذروا البيع .انتهاء الصالة بعد حظره وقت النداء للجمعة وهو لإلباحة باتفاق الفقهاء

كنت نهيتكم عـن زيـارة القبـور [ومن ذلك قوله صلى اهللا عليه وسلم .فإنه أمر بزيارة القبور بعد حظرها وهو لإلباحة، باتفاق العلماء] فزوروها

بالعرف، فإن المتعارف عليه أن السيد إذا منع عبده من فعل شيء ثم قال له -٢ع على ما جاء به العرف افعله، فإننا نفهم من هذا األمر اإلباحة، فيحمل في الشر

.أيضاًاألمر بعد الحظر، يرجع إلى ما كان عليه قبـل الحظـر، : القول الثالث

وإذا حللـتم (لزوال المانع، فإن كان لإلباحة حمل عليها كما فـي قولـه تعـالى فإن الصيد كان مباحاً قبل اإلحرام، ثم صار محظوراً به، فلما تحلـل ) فاصطادوا

.ر إلى ما كانمن اإلحرام عاد األموإن كان األمر للوجوب فيحمل عليه، كقوله صلى اهللا عليه وسلم للحائض

فإن الصالة كانت واجبة ثم حرمـت ] فاغسلي عنك الدم وصلي [بعد انقطاع الدم بالحيض، فإذا ارتفع الحيض عادت الصالة كما كانت على الوجوب، وينسب هذا

.بعض الفقهاءالقول إلى ابن تيمية والكمال بن الهمام و :وقد استدل أصحاب هذا لقول بما يلي

.باستقراء النصوص من الكتاب والسنة، فإنها تدل على صحة مذهبهم

. ٩/سورة الجمعة آية) ١١٣(



٢٠٦

وأرى بأن الرأي األخير هو األرجـح، كمـا يـشهد بـذلك : الراجـح االستقراء والتتبع، فإن استقراء األوامر التي وردت بعد الحظر في النصوص يدل

.ذي كان ثابتاً قبل ورود الحظر هو الحكم المأمور به فيهاعلى أن الحكم ال :داللة صيغة األمر على المرة أو التكرار

اتفق العلماء على أن األمر المقيد بالمرة أو بالتكرار يحمل على ما قيد به ومثال ما قيد بالمرة، األمر بالحج، فإنه دل علـى المـرة . من المرة أو المرات

. )١١٤( )وهللا على الناس حج البيت من استطاع إليه سـبيال (لى الواحدة لقوله تعا ومثال ما قيد بالمرات، األمر بالصلوات الخمس كل يـوم وليلـة لقولـه تعـالى

.)١١٥( )وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة(واختلفوا في األمر المطلق، وهو المجرد عما يشعر بالمرة أو المـرات،

موا صعيداً طيباً فامسحوا بوجـوهكم وأيـديكم فتيم(كما في التيمم في قوله تعالى .وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال. )١١٦( )منه

إن األمر المجرد عن القرائن ال يدل على المرة وال علـى :القول األول التكرار بصيغته، وإنما هو لطلب الفعل وحصوله، ولكن لما كان الفعل المطلوب

إال بالمرة، كان األمر المجرد داالً على هذه المرة بااللتزام ال يتحقق في الخارج .ال بالصيغة ذاتها، وإلى هذا ذهب جمهور األصوليين

. ٩٧/سورة آل عمران آية) ١١٤( . ٤٣/سورة البقرة آية) ١١٥( . ٦/سورة المائدة آية) ١١٦(



٢٠٧

أن األمر المجرد يقتضي الفعل مرة واحدة، فال يقتـضي : القول الثاني التكرار وال يحتمله، إال إذا وجد دليل يدل عليه، وبه قال ابن حـزم الظـاهري

.وبعض الفقهاءأن األمر المطلق يقتضي التكرار المستوعب لجميع العمر : القول الثالث

إال إذا قام دليل يمنع منه وعلى هذا يدل األمر على التكرار بدون قرينة، وال يدل .على غيره إال بالقرينة، وبه قال االسفراييني وجماعة من الفقهاء

حقيقة في التكرار، األمر المطلق حقيقة في المرة، كما أنه : القول الرابع .ومن ثم فهو من قبيل االشتراك اللفظي ذكره اإلسنوي ولم ينسبه لحد

التوقف عن تعيين ما يدل عليه األمر المطلق من المرة : القول الخامس .أو المرات، وينسب إلى الباقالني وجماعة من العلماء

:داللة صيغة األمر على الفور أو التراخي ء في أن األمر المقيد بما يفيد الفور يحمل عليه، كقول ال خالف بين العلما

.فإنه يقتضي الفور) سافر اآلن(الرئيس لمرؤوسه وال خالف بينهم في أن األمر المقيد بما يفيد التراخي يحمل عليه، كقـول

واختلفوا فـي . فإنه يفيد التراخي ) سافر في أول الشهر المقبل (الرئيس لمرؤوسه فالقائلون بأن األمر المطلق . لم يقيد بما يفيد الفور أو التراخي األمر المطلق الذي

بأنه يفيد الفور، ألن التكرار يوجـب اسـتغراق جميـع : يقتضي التكرار، قالوا األوقات بالفعل المأمور به، ويلزم من ذلك الفور، وإال فإنه يكون قد ترك وقتاً لم

.يمتثل فيه، ولم يكرر فيه الفعل المأمور به



٢٠٨

القائلون بأن األمر المطلق ال يقتضي التكرار فقد اختلفوا في ذلك على أما :مذاهب أشهرها ثالثة مذاهب

:المذهب األول أن األمر المطلق لمجرد طلب الفعل فقط، وال يدل على الفور أو التراخي،

عل إال بالقرينة الدالة على ذلك، وأما إذا لم تكن قرينة فاالمتثال يكون باإلتيان بالف في أي وقت بحيث ال يغلب على ظنه فوات الواجب، وإلى هذا ذهب أكثر الحنفية

.وأكثر الشافعية وبعض فقهاء المذاهب :وقد استدلوا على ذلك بما يلي

آمنـوا بـاهللا ورسـوله (بأن األمر قد ورد استعماله في الفور كقوله تعالى -١ـ )١١٧( )والكتاب الذي نزل على رسوله ي التراخـي، ، كما ورد استعماله ف، ولـو )١١٨( )اذهب إلى فرعون إن طغـى (كقوله تعالى لموسى عليه وسلم

كان يفيد الفور بصيغته لبادر موسى باالمتثال، وذهب من فوره إلى فرعون، رب اشرح لي صدري ويسر لـي (ولكنه بدأ يناجي ربه بعد هذا األمر فقال قد أوتيت (.. قوله فأجابه ربه ب ..) أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

وألن األمر إما يدل على طلب الفعل باتفاق أهـل اللغـة، ) سؤلك يا موسى واألصل عدم داللته على أمر خارج عن ذلك، ولكن الزمان ضرورة لوقوع الفعل، فلو كان األمر داالً على الفور لكان المؤخر عن أول الوقت عاصـياً

. ١٣٦/سورة النساء آية) ١١٧( . ٢٤/سورة طه آية) ١١٨(



٢٠٩

على التراخي لكـان المبـادر بالتأخير، وهذا خالف اإلجماع، ولو كان داالً .غير ممتثل، كما لو فعل قبل الوقت وهو خالف اإلجماع أيضاً

:المذهب الثاني

المجرد يفيد الفور، فالمكلف مطالب باإلتيان بالمأمور به عقـب أن األمر ورود األمر وإلى هذا ذهب بعض الحنفية، وجمهور المالكية والحنابلة، وبعـض

.لظاهريةالشافعية، وهو مذهب ا :وقد استدلوا على ذلك بما يلي

إن اهللا تعالى ذم إبليس ووبخه على مخالفة األمر بالسجود آلدم عليه الـسالم -١، ولو كان األمـر بالـسجود )١١٩( )ما منعك أال تسجد إذ أمرتك (في الحال بقوله

.مقتضياً للفور لما حسن ذمه عليه، ولكان ذلك عذراً إلبليس في تأخيرهبت أن األمر في اآلية للفور، ثبت أن األمر في غيرها كذلك، لعـدم وإذا ث

.الفرق بين أمر وأمر فكان األمر المطلق مقيداً للفوربأن أمر إبليس بالسجود آلدم لم يكن مطلقاً، بل كـان : ونوقش هذا الدليل

فإذا سويته ونفخت(مقترناً بقرينة لفظية موجبة لحمله على الفور وهي قوله تعالى ، ومن ثم فهذه اآلية ليـست فـي محـل )١٢٠( )فيه من روحي فقعوا له ساجدين

.النزاع

. ١٢/سورة األعراف آية) ١١٩( . ٧٢/آية) ص(سورة ) ١٢٠(



٢١٠

، وقوله تعالى )١٢١( )وسارعوا إل مغفرة من ربكم ( استدلوا كذلك بقوله تعالى -٢، فاهللا سبحانه وتعالى أمر في هاتين اآليتين )١٢٢( ..)سابقوا إلى مغفرة من ربكم (

ل بفعل المأمور به فيكون التعجيل واجباً، بالمسارعة واالستباق، ومعناهما التعجي .وهذا معنى الفور، فيكون األمر للفور

بأن الفور ليس مستفاداً من صيغة األمر هنا بل مـن : ونوقش هذا الدليل جوهر اللفظ، فلفظ المسارعة والمسابقة دال على الفور، ومن ثم فهذا الدليل ليس

.في محل نزاع . منهما مطلوب، والنهي يفيد الفور، فكذلك األمر األمر كالنهي في أن كالً-٣

بأنه قياس مع الفارق فال يصح، لن النهـي لمـا دل : ونوقش هذا الدليل على التكرار الشامل للوقت األول، كان مستلزماً للفور، بخالف األمر فإنه ال يفيد

. فال يكون مستلزماً له– كما تقدم –التكرار لق يفيد التراخي، وإلى هـذا ذهـب بعـض األمر المط : المذهب الثالث .الحنفية وبعض الفقهاء

:وقد استدلوا على ذلك بما يلي إن األمر له داللة على استدعاء الفعل وطلبه، وال داللة له على الزمـان،

بل األزمنة كلها باإلضافة إليه سواء، وحظ الفعل من الوقت الثاني كحظـه مـن .)١٢٣(جاز في الثانيالوقت األول، فكما جاز في األول

. ١٣٣/سور آل عمران آية) ١٢١( . ٢١/سورة الحديد آية) ١٢٢(األوامـر والنـواهي فـي الـشريعة : محمود عثمـان / زكي زيدان المرجع السابق و د .د) ١٢٣(

. ١٠٥اإلسالمية، ص



٢١١

وهذا المذهب قريب من المذهب األول، فالمراد بالتراخي هنا هو جـواز تأخير المأمور به عن أول وقت إمكان العلم به ال وجوبه، وعلى هذا فمهما فعل

.المكلف المأمور به مبادراً أو مؤخراً كان ممتثالً النھي وداللتـھ : المطلب الثالث

:تعريف النهي في اللغة .، فهو في اللغة المنع)١٢٤( )النهي خالف األمر(قال صاحب لسان العرب

:تعريف النهي عند األصوليين .هو طلب الكف عن الفعل على جهة االستعالء

:صيغ النهي :صيغ النهي كثيرة منها

وال (، وقوله تعالى )١٢٥( )ال تقربوا الزنى (كقوله تعالى ) ال تفعل (صيغة -١ إمالق نحن نرزقكم وإياهم وال تقربوا الفـواحش مـا تقتلوا أوالدكم من

.)١٢٦( )ظاهر منها وما بطن وال تقتلوا النفس التي حرم اهللا إال بالحق )وينهى عن الفحشاء والمنكر (التعبير بمادة تدل على النهي، كقوله تعالى -٢

)١٢٧(.

. ٤٥٦٤ ص ٦لسان العرب جـ) ١٢٤( . ٣٢/ةسورة اإلسراء آي) ١٢٥( . ١٥١/سورة األنعام آية) ١٢٦( . ٥٣/سورة النحل آية) ١٢٧(



٢١٢

، )١٢٨( ..)حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم (التعبير بمادة تدل على التحريم -٣ .)١٢٩( ...)حرمت عليكم الميتة والدم( تعالى وقوله

فإن طلقها فال تحل له من بعد حتى تنكح (التعبير بنفي الحل كقوله تعالى -٤يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن ترثوا (، وقوله تعالى )١٣٠( )زوجاً غيره .)١٣١()النساء كرهاً

نا في كل ولقد بعث (ما يدل على ترك الفعل باألمر باجتنابه، كقوله تعالى -٥وقولـه تعـالى . )١٣٢( )أمة رسوالً أن اعبدوا اهللا واجتنبـوا الطـاغوت

.)١٣٣( )فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الزور(

إن الذين يأكلون (ما يدل على ترك الفعل بترتب الذم عليه، كقوله تعالى -٦ )١٣٤()أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً

:المعاني التي تستعمل فيها صيغة النهي :صيغة النهي ترد لمعان كثيرة منها

)١٣٥()وال تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيال(التحريم كما في قوله تعالى -١

. ٢٣/سورة النساء آية) ١٢٨( .٣/ سورة المائدة آية)١٢٩( . ٢٣/سورة البقرة آية) ١٣٠( . ١٩/سورة النساء آية) ١٣١( . ٣٦/سورة النحل آية) ١٣٢( . ٣٠/سورة الحج آية) ١٣٣( . ١٠/سورة النساء آية) ١٣٤( . ٣٢/آيةسورة اإلسراء ) ١٣٥(



٢١٣

يا أيها الذين آمنوا ال تحرموا طيبات ما أحـل (الكراهة، كما في قوله تعالى -٢ .)١٣٦( )اهللا لكم

، أي أن اهللا تعالى )١٣٧( )وال تنسوا الفضل بينكم (األدب، كما في قوله تعالى -٣ .يعلم األزواج كيفية التسامح فيما بينهم

وال تمدن عينيك إلى ما متعنا بـه (التحقير لشأن المنهي عنه، كقوله تعالى -٤ .)١٣٨( )أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه

.)١٣٩( )وال تموتن إال وأنتم مسلمون(التحذير، كقوله تعالى -٥

وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل اهللا أمواتـاً بـل (بيان العاقبة كقوله تعالى -٦ .)١٤٠( )أحياء عند ربهم يرزقون

يا أيها الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن تبـد لكـم (اإلرشاد، كقوله تعالى -٧ .)١٤١ ()تسؤكم

.)١٤٢ ()ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا(الدعاء، كقوله تعالى -٨

.)١٤٣ ()فاصبروا أو ال تصبروا سواء عليكم(كقوله تعالى التسوية، -٩

. ٨٧/سورة المائدة آية) ١٣٦( . ٢٣٧/سورة البقرة آية) ١٣٧( . ١٣١/سورة طه آية) ١٣٨( . ١٠٢/سورة آل عمران آية) ١٣٩( . ١٦٩/سورة آل عمران آية) ١٤٠( . ١٠١/سورة المائدة آية) ١٤١( . ٨/سورة آل عمران آية) ١٤٢( . ١٦/سورة الطور آية) ١٤٣(



٢١٤

إلى غير ذلك من المعاني التي ورد استعمال صيغة النهي فيهـا، والتـي .تستفاد من سياق الكالم والقرائن :المعنى الحقيقي لصيغة النهي

اتفق األصوليون على أن صيغة النهي قد استعملت في المعاني المتقدمة، أنها ليست حقيقة في جميع هذه المعاني، واتفقوا على أنه إذا اقترن كما اتفقوا على

بالنهي قرينة حمل النهي عليها سواء كانت القرينة تفيـد التحـريم أو الكراهـة .أو غيرهاواختلف األصوليون، إذا كان النهي مجرداً عن القرائن في موجب النهي،

. لحالةأي في معناه الحقيقي في هذه افذهب جمهور الفقهاء واألصوليين إلى أن النهي المجرد عن القرائن يفيد

.التحريم فيكون حقيقية في التحريم مجازاً فيما عداه، فاهللا سـبحانه )١٤٤( )وما نهاكم عنه فانتهوا (وقد استدلوا على ذلك بقوله

اء عن المنهي وتعالى أمر باالنتهاء عن المنهي عنه واألمر للوجوب، فيكون االنته عنه واجباً، وإذا كان االنتهاء عن الفعل واجباً، كان فعله حراماً فالنهي يقتـضي

.التحريمفإذا [... وأيضاً بما رواه مسلم بسنده عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فالنبي صلى اهللا ] أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوهأمر األمة باالنتهاء عما ينهى عنه، واألمر للوجوب، فيكون االنتهـاء عليه وسلم

. ٧/سورة الحشر آية) ١٤٤(



٢١٥

إلجمـاع : وأيـضاً . عن المنهي عنه واجباً، وإذا كان كذلك كان فعلـه حرامـاً الصحابة، فقد فهم الصحابة التحريم من صيغة النهـي إذا وردت مجـردة عـن

حرمة قتل النفس أن الصحابة فهموا : من ذلك . القرائن، والوقائع في ذلك كثيرة ، وأيـضاً )١٤٥( )وال تقتلوا النفس التي حرم اهللا إال بالحق (من مجرد قوله تعالى

.، فقد فهم الصحابة من ذلك حرمة الزنى)١٤٦( )وال تقربوا الزنا(قوله تعالى وألن فاعل ما نهى عنه عاص إجماعاً، والعاصي يستحق العقاب، وكـل

.نهي إذن يقتضي التحريمفعل يستحق فاعله العقاب فهو حرام، فال :ما يفيده النهي بعد األمر

اتفق العلماء القائلون بأن صيغة النهي الواردة ابتداء للتحـريم، علـى أن .صيغة النهي الواردة بعد األمر تكون للتحريم أيضاً

أما القائلون بأن األمر بعد الحظر يفيد اإلباحة، فقد اختلفـوا فـي النهـي فذهب أكثرهم إلى أن النهي بعد األمر للتحريم، وقيل للكراهة، الوارد بعد األمر،

.وقيل لرفع ما أوجبه األمر، وقيل بالتوقفوالصحيح أنها تفيد التحريم، لألدلة التي ذكرناها على أن النهي للتحـريم،

فهي أدلة عامة، تتناول النهي الوارد ابتداء، والنهي الوارد بعد األمر، وألن تقدم صلح أن يكون قرينة تمنع من داللة الصيغة على التحريم، وتـصرفها األمر ال ي

.إلى غيره، فيجب حمل الصيغة إلى معناها الحقيقي وهو التحريم

. ١٥١/ة األنعام آيةسور) ١٤٥( . ٣٢/سورة اإلسراء آية) ١٤٦(



٢١٦

نكاح المتعة فقد أذن فيه في أول األمر في غزوة : ومن األمثلة على ذلك خيبر ثم نهي عنه بعد ذلك في حجة الوداع حيث قال رسول اهللا صلى اهللا عليـه

يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في االستمتاع بالنساء، وإن اهللا قد حرم [وسلم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء منهن فليخل سـبيله وال تأخـذوا ممـا

.، وعلى ذلك فحكم نكاح المتعة التحريم]آتيتموهن شيئاً المبحث الثاني

العام وأثره في األحكام الشرعیة : في اللغة تعريف العام

عم الشيء بمعنى انتـشر : يقال – عم –كلمة عام، اسم فاعل من الفعل .الشمول: وشمل أفراداً كثيرين، فالعموم لغة

:تعريف العام في اصطالح األصوليين . هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له دفعة واحدة بحسب وضع واحـد

احداً ال متعـدداً، لـشمول جميـع أن العام وضع في اللغة وضعاً و: ومعنى هذا أفراده سوءا أكانت داللته على ذلك بلفظه ومعنـاه، كلفـظ الرجـال والنـساء، والمسلمين والمسلمات، أم كانت داللته على ذلك بمعناه فقط، وسواء أكان اللفـظ متناوالً لمجموع األفراد بصرف النظر عن آحادها كالقوم والرهط، أم كان اللفظ

من قتل (كما في الحديث ) من(فرد من األفراد مجتمعاً ومنفرداً مثل متناوالً لكل ).قتيالً فله سلبه

:الفرق بين العام والخاص



٢١٧

إن الخاص يدل على فرد واحد كرجـل، أو اثنـين كـرجلين، أو كميـة محصورة من الرجال، أما العام يدل على كثير من األفراد وغير محصورة على

.سبيل الشمول :العام والمطلق الفرق بين

العام يدل على شمول كل فرد من أفراده، أما المطلق يدل على فرد شائع أو أفراد شائعة ال على جميع األفراد، فالعام يتناول دفعة واحدة كل مـا يـصدق عليه من األفراد، وأما المطلق فال يتناول دفعة واحدة إال فرداً شائعاً من األفراد،

).عموم العام شمولي وعموم المطلق بدلي(ليون وهذا معنى ما قال األصو : صيغ العموم كثيرة منها :صيغ العموم

مثل كل وجميع، ومعشر، وكافة، وعامة، ونحوها، مثل قوله : ألفاظ الجموع -١أما يقولون نحن جميـع (وقوله تعالى . )١٤٧( )كل نفس ذائقة الموت (تعالى ، وقولـه تعـالى )١٤٩( )يا معشر الجن واإلنس (وقوله تعالى .)١٤٨( )منتصر

)جاءني القوم عامة(وكقولك.)١٥٠()وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة(

والـسارق والـسارقة (المفرد المعرف بأل االستغراقية، مثل قوله تعـالى -٢ .)١٥٢ ()وأحل اهللا البيع وحرم الربا(، وقوله تعالى )١٥١ ()فاقطعوا أيديهما

. ١٨٥/سورة آل عمران آية) ١٤٧( . ٣٣/سورة الرحمن آية) ١٤٨( . ١٣٠/سورة األنعام آية) ١٤٩( . ٣٦/سورة التوبة آية) ١٥٠( . ٣٨/سورة المائدة آية) ١٥١( . ٢٧٥/سورة البقرة آية) ١٥٢(



٢١٨

ـ -٣ وإن تعـدوا نعمـة اهللا ال (الى المفرد المعرف باإلضافة، مثـل قولـه تعهو الطهور ماؤه الحـل [وقول النبي صلى اهللا عليه وسلم . )١٥٣()تحصوها

.يدل على حل ميتة البحر بجميع أنواعها] ميتته

والمطلقـات يتربـصن (الجمع المعرف بأل االستغراقية، مثل قوله تعـالى -٤دهـن والوالـدات يرضـعن أوال (، وقوله تعالى )١٥٤( )بأنفسهن ثالثة قروء

.)١٥٥( )حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة

يوصيكم اهللا في أوالدكم للـذكر (الجمع المعرف باإلضافة، مثل قوله تعالى -٥ .)١٥٧( )خذ من أموالهم صدقة(وقوله تعالى . )١٥٦( )مثل حظ األنثيين

كما فـي ) الالتي(و) الالتي(و) الذين(و) من(و) ما(األسماء الموصولة، مثل -٦وما من دابة فـي (وقوله تعالى , )١٥٨( )وأحل لكم ما وراء ذلكم (قوله تعالى

وهللا يـسجد مـن فـي (، وقوله تعـالى )١٥٩( )األرض إال على اهللا رزقها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً (، وقوله تعالى )١٦٠()السماوات واألرض

والالئي (وقوله تعالى . )١٦١( )إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً

. ٣٤/سورة إبراهيم آية) ١٥٣( . ٢٢٨/يةسورة البقرة آ) ١٥٤( . ٢٣٣/سورة البقرة آية) ١٥٥( . ١١/سورة النساء آية) ١٥٦( .١٠٣/سورة التوبة آية) ١٥٧( . ٢٤/سورة النساء آية) ١٥٨( . ٦/سورة هود آية) ١٥٩( . ١٥/سورة الرعد آية) ١٦٠( . ١٠/سورة النساء آية) ١٦١(



٢١٩

والالتـي تخـافون (، وقوله تعـالى )١٦٢ ()يئسن من المحيض من نسائكم .)١٦٣ ()نشوزهن

كما في قولـه ) أي(، و )ماذا(و) متى(و) ما(و) من: (أسماء االستفهام، مثل -٧كـل (، وقولـه تعـالى )١٦٤ ()من ذا الذي يقرض اهللا قرضاً حسناً(تعالى

، )١٦٦ ()متـى نـصر اهللا (، وقوله تعالى )١٦٥ ()امرئ بما كسب رهين ليبلوكم أيكم (، وقوله تعالى )١٦٧ ()فأي الفريقين أحق باألمن (وقوله تعالى .)١٦٨ ()أحسن عمال

فمـن شـهد (، كما في قوله تعالى )أين(و) ما(و) من: (أسماء الشرط، مثل -٨ )وما تفعلوا من خير يعلمه اهللا (، وقوله تعالى )١٦٩ ()منكم الشهر فليصمه

الموت ولو كنـتم فـي بـروج أينما تكونوا يدرككم (، وقوله تعالى )١٧٠( .)١٧١ ()مشيدة

. ٤/سورة الطالق آية) ١٦٢( . ٣٤/سورة النساء آية) ١٦٣( . ٣٤٥/يةسورة البقرة آ) ١٦٤( . ٢١/سورة الطور آية) ١٦٥( . ٢١٤/سورة البقرة آية) ١٦٦( . ٨١/سورة األنعام آية) ١٦٧( . ٧/سورة هود آية) ١٦٨( . ١٨٥/سورة البقرة آية) ١٦٩( . ١٩٧/سورة البقرة آية) ١٧٠( . ٧٨/سورة النساء آية) ١٧١(



٢٢٠

وال تصل علـى (قوله تعالى : النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي، مثل -٩ال إكراه في الدين قد تبين الرشد (، وقوله تعالى )١٧٢ ()أحد منهم مات أبداً

.، إلى غير ذلك من الصيغ التي ال يتسع المقام لذكرها)١٧٣()من الغي

:داللة العـام لفاظ العامة الواردة في القرآن الكريم، ثبت باستقراء العلماء، أنها تتنوع األ

:إلى عدة أنواع عام أريد به العموم قطعاً، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي تخصيـصه :األول

اهللا (، وقوله تعـالى )١٧٤( )وجعلنا من الماء كل شيء حي (كالعام في قوله تعالى .)١٧٥()خالق كل شيء

.أنه يتناول جميع ما يصدق عليه من األفراد قطعاً: النوع وحكم هذاعام أريد به قطعاً الخصوص، وهو العام الذي صحبته قرينة من ذاتـه : الثاني

أم يحسدون الناس على ما آتاهم اهللا (كالعام في قوله تعالى . خصته ونفت عمومه احد وهـو ، فإن المقصود بكلمة الناس، وهي صيغة عامة فرد و )١٧٦()من فضله

النبي صلى اهللا عليه وسلم، لقيام القرينة الدالة على هذه اإلرادة، وهذه القرينة قد .تكون السياق أو سبب النزول أو قرائن األحوال

. ٨٤/سورة التوبة آية) ١٧٢( . ٢٥٦/سورة البقرة آية) ١٧٣( . ٣٠/بياء آيةسورة األن) ١٧٤( . ٦٢/سورة الزمر آية) ١٧٥( . ٥٤/سورة النساء آية) ١٧٦(



٢٢١

)الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكـم (قوله تعالى : ومثاله أيضاً لهم وهو نعـيم بـن األولى بعض الناس، ال ك " الناس"، فإن المقصود بكلمة )١٧٧(

بالعام الذي يرد بـه (الثانية أهل مكة، ويسمى هذا النوع " الناس"مسعود، وبكلمة ).الخصوص

أنه ال يتناول الباقي من أفراده ولو على سبيل الظـن، : وحكم هذا النوع . وهذا النوع ال يراد به إال الخصوص، فداللته داللة الخاص

م الذي اقترن به الدليل المخصص بالفعـل المخصوص، وهو العا العام: الثالث فمن شهد منكم الشهر فليـصمه ومـن كـان (قوله تعالى : مثاله . نصاً أو عقالً

، حيث أفادت اآلية وجوب الصوم )١٧٨( )مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر على كل من علم دخول الشهر، واقترن بها ما يخصص هذا العام ويقصره علـى

المسافر، ودليل التخصيص نص قرآني خـاص بـالمريض من عدا المريض و .والمسافر مقارناً بالنص القرآني العام

أن تناوله للباقي مـن أفـراده يكـون ظنيـاً باتفـاق : وحكم هذا النوع . األصوليين في ذلك الحتمال أن يخرج منه أفراد آخرون بدليل آخر من األدلة

يصحبه دليل ينفي احتمال تخصيصه أو العام المطلق، وهو العام الذي لم : الرابع ينفي احتمال إرادة العموم منه، فهو عام مطلق عن القرائن المخصصة والنافيـة

. ١٧٣/سورة آل عمران آية) ١٧٧( . ١٨٥/سورة البقرة آية) ١٧٨(



٢٢٢

والمطلقـات (قولـه تعـالى : مثاله . للتخصيص مع احتماله في ذاته للتخصيص .)١٧٩()يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء

محل خالف وحكم هذا النوع من حيث داللته على ما يستغرقه من أفراد، بين األصوليين هل هي داللة قطعية كداللة الخاص، أم أن داللته ظنية؟

:لألصوليون في ذلك مذهبان داللة العام المطلق على شمول أفراد، ظنية، وهو مـذهب الجمهـور أن :األول

.، وذلك الحتمال التخصيص)بعض الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة( العام المطلق على شمول أفراده داللة يقينيـة قطعيـة، كداللـة أن داللة : الثاني

.الخاص وإلى هذا ذهب جمهور الحنفية :وقد استدل الجمهور على أن داللة العام ظنية بما يلي

بأن اليقين والقطع ال يثبت مع االحتمال، ألن اليقين عبـارة عـن قطـع نه ال يرد إال على احتمـال االحتمال، واحتمال إرادة التخصيص في العام قائم، أل

الخصوص في نفسه، إال أني ثبت بالدليل أنه غير محتمل للخـصوص، كقولـه هللا ما في السماوات ومـا فـي (، وقوله تعالى )١٨٠( )واهللا بكل شيء عليم (تعالى

، وإذا كان االحتمال ثابتاً في نفسه، ال يمكن القول بثبوت موجبـه )١٨١( )األرض .ت بالقياس وخبر الواحدقطعاً مع االحتمال كالثاب

. ٢٢٨/سورة البقرة آية) ١٧٩( زكي زيدان المرجع السابق/ راجع في ذلك كله د . ٢٨٢/سورة البقرة آية) ١٨٠( . ٢٨٤/سورة البقرة آية) ١٨١(



٢٢٣

:واستدل الحنفية على أن داللة العام قطعية بما يلي أن اللفظ متى وضع لمعنى كان ذلك المعنى عند إطالقه واجباً، حتى يقوم -١

الدليل على خالفه، والعموم مما وضع له اللفظ، فكان الزماً قطعاً حتـى .دليل المجازيقوم دليل التخصيص كالخاص يثبت مسماه قطعاً حتى يقوم

واحتمال العام للتخصيص هو احتمال غير ناشئ عن دليـل فـال ينـافي الزانيـة (القطعية، كما أن احتمال الخاص للمجاز ال ينافي قطعيته، فقوله تعالى

، يشمل قطعاً كل زانيـة وزان، )١٨٢( )والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً (إال إذا جاء المخصص، وكذلك قوله تعالى

، يشمل قطعاً كـل متـوفي عنهـا )١٨٣( )يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا .زوجها، سواء أكانت الوفاة قبل الدخول أم بعده

:ثمـرة هذا الخـالف :تظهر الثمرة التشريعية لهذا الخالف في مسألتين هما

. بالدليل الظني كخبـر الواحـد تخصيص العام القطعي الثبوت : المسألة األولى اختلف األئمة األربعة في جواز تخصيص العام ابتـداء بالـدليل الظنـي، تبعـاً

.لالختالف في طبيعة داللة العام وقطعيتهفذهب أكثر الحنفية وهم القائلون بأن داللة العام على أفراده قطعية، إلـى

الواحـد والقيـاس، ألن أنه ال يجوز تخصيص العام ابتداء بالدليل الظني كخبر

. ٢/ النور آيةسورة) ١٨٢( . ٢٣٤/سورة البقرة آية) ١٨٣(



٢٢٤

داللتهما ظنية وداللة العام قطعية، والظني ال يعارض القطعي، بل القطعي يقـدم عليه، أما إن خصص العام أوالً بالقطعي كالمتواتر فقد صار بعـد التخـصيص ظنياً، وحينئذ فال مانع من تخصيصه بالظني كخبر الواحد والقياس، ألن الظنـي

.يعارض الظني المماثل لهوذهب جمهور الفقهاء وبعض الحنفية وهم القائلون بأن داللة العام علـى

.أفراده ظنية إلى أنه يجوز تخصيص العام بالدليل الظني كخبر اآلحاد والقياسوذلك ألن عام الكتاب والسنة المتواترة، وإن كان قطعي الثبوت، إال أنـه

وأيضاً إلجمـاع . قياسظني الداللة، فيجوز تخصيصه بالظني من خبر الواحد وال .الصحابة على تخصيص عام القرآن يخبر الواحد من غير نكير من أحد منهم



٢٢٥

تخصیص العام :تعريف التخصيص

.)١٨٤(إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه: عرفه اإلمام الرازي بأنه قصر اللفظ على بعض أفراده، بدليل : وعرفه صاحب جامع األسرار بأنه

.)١٨٥(مستقل مقارنوقد اتفق جمهور الفقهاء على جواز تخصيص العام بالدليل، بصرفه عن

عمومه إلى إرادة بعض األفراد والتي يتناولها، ولكنهم اختلفوا في الدليل الصارف له عن العموم، هل يشترط أن يكون مقارناً للعام ومستقالً عن جملته أو ال؟ وذلك

:على مذهبينن التخصيص هو صرف العام عـن يرى الجمهور، أ : مذهب الجمهور -١

عمومه، وقصره على بعض ما يتناوله من األفراد لدليل يدل عليه، سواء أكان مستقالً عنه أم غير مستقل، وسواء أكان متصالً به أم منفصالً عنه، ما دام لم يتأخر وروده عن وقت العمل به، فإن تأخر وروده عن العمـل

نسخ هو رفع الحكم بدليل شرعي وذلك لن ال . به كان ناسخاً ال مخصصاً .متأخر، وأما التخصيص فهو بيان أن المراد من العام بعض أفراده

وذهب الحنفية إلى أن قصر العام على بعض أفراده يعتبـر تخصيـصاً -٢ : بشرطين

زكي زيدان المرجع السابق/ راجع في ذلك د . ٣٩٦ ص ١المحصول جـ) ١٨٤( . ٢٨١ ص ١جامع األسرار جـ) ١٨٥(



٢٢٦

أن يكون الدليل المخصص مستقالً، فال يجوز أن يكون جزءاً من كـالم : األول .سابقه إليه كاالستثناء والشرطسابق ال يفهم له معنى إال بضم

أن يكون الدليل المستقل مقارناً للعام، أي موصوالً به ، ال متراخياً عنه، : الثاني قولـه تعـالى : مثـال التخصيص بدليل مستقل مقارن . فإن تراخى كان ناسخاً

فلفظ البيع عام، إذ ) وأحل اهللا البيع (، عقب قوله تعالى مباشرة )١٨٦()وحرم الربا (مفرد محلي بالالم االستغراقية، والبيوع الربوية من أفراد البيع وأنواع منـه، هو

على بعض أفراده منذ تشريعه، بدليل – وهو الحل –فكان البيع مقصوراً حكمه ).وحرم الربا(التخصيص المستقل المقارن وهو قوله تعالى

)خـر ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيـام أ (وأيضاً قوله تعالى ، )١٨٨( )فمن شهد منكم الشهر فليـصمه (، جاء مقارناً للعام في قوله تعالى )١٨٧(

. على من عدا المسافر والمريض– وهو وجوب الصوم –فالعام مقصور حكمه :موقف العلماء من جواز التخصيص

ذهب جمهور العلماء إلى أن التخصيص جائز وواقع في الخبر وفي غيره إن التخصيص غير : الف في ذلك بعض العلماء وقالوا وخ. من األوامر والنواهي

.جائز في الخبروقد استدل الجمهور على الجواز بالوقوع، فقد وقع التخصيص في الخبر

.كما وقع في األمر والنهي والوقوع أقوى دليل على الجواز

. ٢٧٥/سورة البقرة آية) ١٨٦( . ١٨٥/سورة البقرة آية) ١٨٧( . ١٨٥/سورة البقرة آية) ١٨٨(



٢٢٧

)اهللا خالق كـل شـيء (قوله تعالى : مثـال وقوع التخصيص في الخبر ، وقوله تعالى في حق الريح )١٩٠( )واهللا على كل شيء قدير (ى ، وقوله تعال )١٨٩(، فإن العقل يقضي بأن هذه )١٩١( )ما تذر من شيء أتت عليه إال جعلته كالرميم (

األخبار ليس مراداً منها العموم، ضرورة أن اهللا لم يخلق ذاته وال صفاته، كما أن قلي، وقد أتت الريح علـى القدرة لم تتعلق بهما، ألن القدرة لم تتعلق بالواجب الع

األرض والجبال فلم تجعلها كالرميم، وإذا كانت هذه األخبار غير مـراده علـى .العموم، يكون التخصيص قد دخلها، فيكون التخصيص واقعاً في األخبار

والـسارق والـسارقة (قوله تعـالى : ومثال وقوع التخصيص في األمر نية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة الزا(، وقوله تعالى )١٩٢( )فاقطعوا أيديهما

فإنه ليس كل سارق يقطع بل يقطع من سـرق النـصاب بـشروط . )١٩٣( )جلدة .معلومة في الفروع، وليس كل زان يجلد، بل الذي يجلد هو الزاني غير المحصن

أن النبي صلى اهللا عليه وسلم نهـى : ومثال وقوع التخصيص في النهي . أجاز ذلك في العرايا، فكان هذا النهي مخصوصاًعن بيع الرطب بالتمر، و

:وقد استدل المخالفون في ذلك بما يلي

. ٦٢/سورة الزمر آية) ١٨٩( . ٢٨٤/رة آيةسورة البق) ١٩٠( . ٤٢/سورة الذاريات آية) ١٩١( . ٣٨/سورة المائدة آية) ١٩٢( . ٢/سورة النور آية) ١٩٣(



٢٢٨

إن تخصيص الخبر يوهم الكذب في خبر اهللا تعالى، وإيهام الكذب محـال على اهللا تعالى كالكذب سواء بسواء، فما أدى إليه وهو تخصيص الخبـر يكـون

.ه، ألنه بمعنى النسخوألنه ال يجوز نسخه فال يجوز تخصيص. محاالً :وقد أجاب جمهور العلماء على ذلك

بأن العام سواء كان في الخبر أو في غيره محتمل للتخـصيص احتمـاالً وهذا االحتمال يجعـل ) ما من عام إال وخصص (راجحاًن حتى شاع بين العلماء

بعض السامع للخبر مجوزاً إرادة بعض العام من العام، فإذا ورد ما يثبت إرادة ال وهو المخصص، علم أن البعض المخرج لم يكن مراداً من العام وحيث لم يكـن مراداً فال كذب وال إيهام لكذب، فهذا القول منهم يعتبر تشكيكاً في أمر ضروري

.فال يكون مقبوالً :)١٩٤(ما يقبل التخصيص وما ال يقبله

اول إال لواحد التخصيص ال يكون إال فيما يتناوله اللفظ، واللفظ الذي ال يتن – التخـصيص –ال يجوز تخصيصه، بمعنى إخراج بعض الجزئيات منه، ألنه

.إخراج البعض مع بقاء البعض، والواحد ال بعض له فاستحال تخصيصه :الفرق بين التخصيص والنسخ

لما كان التخصيص شديد الشبه بالنسخ،الشتراكهما في اختصاص الحكـم علماء األصول إلى بيان الفرق بينهما من وجـوه ببعض ما يتناوله اللفظ، احتاج

:أهمها

. ٨٤، ٨٣ماهر أحمد عامر، تخصيص العام وأثر ذلك في استنباط األحكام ص . د) ١٩٤(



٢٢٩

.يجوز نسخ شريعة بشريعة، وال يجوز تخصيص شريعة بشريعة -١ .التخصيص بيان ما أريد بالعموم، والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ -٢

.التخصيص ال يدخل في األمر بمأمور واحد، والنسخ يدخل فيه -٣

.ا النسخ فإنه يكون لكل األفرادالتخصيص ال يكون إال لبعض األفراد، أم -٤

.التخصيص تقليل، والنسخ تبديل -٥

، أما النسخ رفع الحكم بعد ثبوتهالتخصيص المراد به بيان المراد باللفظ العام -٦

.النسخ تخصيص الحكم بزمان معين بطريق خاص بخالف التخصيص -٧

يجوز تأخير النسخ عن وقت العمل بالمنسوخ، وال يجوز تأخير التخصيص -٨ .ت العمل بالمخصوصعن وق

التخصيص يجوز أن يكون مقترناً بالعام أو متقدماً عليه أو متأخراً عنه عند -٩الجمهور وال يجوز عند الحنفية إال مقترناً، وال يجوز أن يكون الناسخ متقدماً

.على المنسوخ وال مقترناً به، بل يجب أن يتأخر عنه

.قعتخصيص المقطوع بالمظنون واقع، ونسخه به غير وا -١٠

.التخصيص على الفور والنسخ على التراخي -١١

.التخصيص يجوز أن يكون باإلجماع، والنسخ ال يجوز به -١٢

حكام، والنسخ يختص بأحكام الشرعالتخصيص يجوز أن يكون في األخبار واأل -١٣

النسخ ال يكون إال بقول وخطاب، والتخصيص قد يكـون بأدلـة العقـل -١٤ .والقرائن وسائر أدلة السمع

لنسخ فإنه يرفع حكم العام والخاصيدخل في غير التام، بخالف االتخصيص ال -١٥



٢٣٠

:أقسـام المخصص المخصص المـستقل، (ينقسم المخصص عند جمهور الفقهاء إلى قسمين

).المخصص غير المستقل :المخصص المستقل : القسم األول

وهو الكالم التام بنفسه المذكور مع العام في النص الذي اشتمل على اللفظ .العام وأفاد معنى مستقالً عن الكالم الذي خصصه

:وهو ثالثة أنواع :العقـل : النوع األول

كما في النصوص التي جاءت بتكاليف شرعية على سبيل العموم، كقولـه ، فإن العقل يقضي بقصر التكليـف )١٩٥( )فمن شهد منكم الشهر فليصمه (تعالى

الذي لـيس ) من( المستفاد من لفظ بالصوم على المكلفين، فيخرج عن هذا العموم .أهالً للتكليف كاألطفال والمجانين

)وهللا على الناس حج البيت من استطاع إليه سـبيال (وكما في قوله تعالى ، فإن الصبي والمجنون من الناس حقيقة، وهما غير مرادين من العمـوم، )١٩٦(

تخـصيص سـوى بداللة نظر العقل على امتناع تكليف من ال يفهم، وال معنى لل .ذلك

. ١٨٥/سورة البقرة آية) ١٩٥( . ٩٧/سورة آل عمران آية) ١٩٦(



٢٣١

، فكل شيء مخلـوق هللا تعـالى )١٩٧( )اهللا خالق كل شيء (وكقوله تعالى وهو لفظ عام، ولكن العقل خصصه بغير اهللا تعالى، فال تكون ذات اهللا مخلوقـة،

.وليس اهللا خالقاً لنفسه، ألنه قديم أزلي غير مسبوق بالعدم :العرف والعادة : النوع الثاني

رى عرف الناس بإرادة بعض األفراد منه، فإن هـذا إذا ورد لفظ عام وج .العام يحمل على ما يقضي به العرف قولياً كان العرف أو عملياً

هو أن يجري عرف الناس على استعمال بعض األلفاظ : والعرف القولي والتراكيب في معنى مخصوص من معانيها التي وضعت لها من أصـل اللغـة،

ى العرفي مفهوماً أو متبادراً إلى األذهان بال قرينة بطريقة يضحي معها ذلك المعن .وال عالقة عقلية

للداللة على الذكر دون األنثى، مع أنـه فـي ) الولد(وذلك كاستعمال لفظ يوصـيكم اهللا فـي (أصل اللغة يشمل الذكر واألنثى، وذلك كما في قوله تعـالى

.)١٩٨( )أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيينعلى ما عدا السمك، مع أن السمك يسمى لحماً فـي " لحمال"وكإطالق لفظ

.)١٩٩( )وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً(اللغة، قال تعالى

. ٦٢/سورة الزمر آية) ١٩٧( . ١١/ النساء آيةسورة) ١٩٨( . ١٤/سورة النحل آية) ١٩٩(



٢٣٢

وهذا النوع من العرف، اتفق العلماء من الشافعية والحنفية على تخصيص .العام به ألنه من قبيل الحقيقة العرفية وهي معتبرة

اعتياد الناس على شيء من األفعال وجريانهم وهو: وأما العرف العملي عليها، كتعارف قوم على أكل البر بطريقة يكون معها هـو طعـامهم الغالـب، وكتعارف الناس على البيع بالتعاطي، بأن يعطي المشتري الثمن للبـائع، ويأخـذ السلعة من غير أن يستخدم في ذلك صيغة اإليجاب والقبول، وكتعـارف النـاس

.ن األجرة مشاهرةعلى أن تكو :وهذا النوع من العرف اختلف العلماء في التخصيص به على قولين العرف العملي الذي ال يستند إلى إقرار من الرسول صلى اهللا عليه وسلم، : األول

ال يكون مخصصاً للعام الوارد على لسان الشرع، ألن إقفال الناس ال يكون حجة ار منه صلى اهللا عليه وسلم، فإن هذا اإلقـرار على الشرع، أما إن استند إلى إقر

.يكون هو المخصص، وهذا القول لجمهور العلماء، كما صرح اإلسنوييخصص العام بالعرف العملي، كما يخصص بالعرف القولي، وهذا القول :الثاني .للحنفية

:ويتضح الخالف بين القولين فيما يلي ضالً، وتعارف النـاس علـى لو نهى الشارع عن بيع الطعام بجنسه متفا

طعام خاص فيما بينهم كالبر مثالً، فالطعام إذا أطلق في عرفهم يتبادر منه هـذا النوع بخصوصه، فهل يكون العام مخصصاً بهذا العرف أو ال يكون مخصـصاً

به؟



٢٣٣

.يخصصون به: ال يكون مخصصاً به، والحنفية : الجمهور يقولون :النـص : النوع الثالث

بالنص، القرآن والسنة واإلجماع، سواء كان النص مذكوراً عقب والمراد .العام مباشرة، أو منفصالً عنه

: تخصيص الكتاب بالكتاب –أ اتفق العلماء على جواز تخـصيص الكتـاب بالكتـاب، خالفـاً لـبعض

قولـه : مثال المتـصل . الظاهرية، سواء كان النص القرآني متصالً أم منفصالً ، فإن الثاني خص األول وقصر الحـل )٢٠٠( ) البيع وحرم الربا وأحل اهللا (تعالى

والمطلقات يتربصن بأنفسهن (ومثال المنفصل قوله تعالى . على بعض أفراد البيع .)٢٠١( )ثالثة قروء

وأوالت (فإنه عام شامل ألوالت األحمال وغيرهن، وخصص بقوله تعالى عدة أوالت األحمـال فإنه يدل على أن . )٢٠٢( )األحمال أجلهن أن يضعن حملهن

يا أيها (بوضع الحمل، ال بثالثة قروء، وهن بعض المطلقات، وأيضاً قوله تعالى الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن

.، فقد أخرجت هذه اآلية بعض المطلقات من وجوب العدة)٢٠٣( )من عدة تعتدونها

. ٢٧٥/سورة البقرة آية) ٢٠٠( . ٢٢٨/سورة البقرة آية) ٢٠١( . ٤/سورة الطالق آية) ٢٠٢( . ٤٩/ سورة األحزاب آية) ٢٠٣(



٢٣٤

والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من ( قوله تعالى :ومن األمثلة أيضاً )وال تنكحوا المشركات حتـى يـؤمن (، فقد ود مخصصاً لقوله تعالى )٢٠٤()قبلكم

.، والوقوع دليل الجواز)٢٠٥( : تخصيص الكتاب بالسنة النبوية -ب

، )٢٠٦()يوصيكم اهللا في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين (مثاله قوله تعالى عامة تقتضي استحقاق الولد اإلرث سـواء كـان قـاتالً أو ال، وقـد فهذه اآلية

ومـن األمثلـة ). القاتل ال يرث (تخصص بقول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ، فهذا )٢٠٧( )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (قوله تعالى : أيضاً

ـ صن، وقـد النص يقتضي وجوب جلد الزاني سواء كان محصناً أو غيـر محخصص بفعل النبي صلى اهللا عليه وسلم فقد ثبت أنه صلى اهللا عليه وسلم أمـر

.برجم المحصن : تخصيص الكتاب والسنة المتواترة باإلجماع -ج

تخصيص الكتاب والسنة باإلجمـاع جـائز، ألنـه : قال اإلمام الرازي فيكـون فقد أجمع العلماء على أن العبد يجلد نصف الحر في القـذف . )٢٠٨(واقع

. ٥/سورة المائدة آية) ٢٠٤( . ٢٢١/سورة البقرة آية) ٢٠٥( . ١١/سورة النساء آية) ٢٠٦( . ٢/سورة النور آية) ٢٠٧( . ٤٣٠ ص ١ المحصول جـ)٢٠٨(



٢٣٥

والذين يرمون المحصنات ثـم لـم يـأتوا (إجماعهم مخصصاً لعموم قوله تعالى .)٢٠٩()بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة

:المخصص غیر المستقل : القسم الثانيوهو الذي ال يستقل عن الكالم الذي اشتمل عليه وال يستفاد منـه معنـى

االسـتثناء، الـشرط، : (بع أنواع ويتنوع هذا القسم إلى أر . بدون كالم آخر قبله ).الصفة، الغايةاإلخراج بإال أو إحدى أخواتها مـن : االستثناء هو : االستثنـاء : النوع األول

).االستثناء المتصل، االستثناء المنقطع(وهو ينقسم إلى قسمين . متكلم واحداله قوله مث: هو ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه : االستثناء المتصل -أ

فإن . )٢١٠( )من كفر باهللا من بعد إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان (تعالى يشمل كل كافر، ولكن االستثناء خصص هذا العموم وجعلـه ) من كفر باهللا (قوله

مقصوراً على من كفر عن رضا واختيار، ولوال هذا االستثناء لكان شامالً لكـل باهللا بعد إيمانه، فإنه ال يكون مؤمناً، إال الشخص ومعنى اآلية إن من يكفر . كافر

الذي يكرهه آخر على الكفر، فيتلفظ به، فإنه يكون مؤمناً ولو جرى على لـسانه .كلمة الكفر

مثاله . وهو ما كان المستثني ليس من جنس المستثني منه: االستثناء المنقطع -ب، فـإن )٢١١( )دوا إال إبلـيس وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسج : (قوله تعالى :

. ٤/سورة النور آية) ٢٠٩( . ١٠٤/سورة النحل آية) ٢١٠( . ٣٤/سورة البقرة آية) ٢١١(



٢٣٦

ما لهم به من علم إال اتبـاع (وأيضاً قوله تعالى . إبليس ليس من جنس المالئكة .، والظن ليس من جنس العلم)٢١٢( )الظن

:الشـرط : النوع الثاني . ما ال يوجد المشروط دونه، وال يلزم أن يوجد عند وجـوده : الشرط هو ، )٢١٣( ..) أزواجكم إن لم يكن لهن ولـد ولكم نصف ما ترك (قوله تعالى : مثاله جمع مضاف، وهو من صيغ العموم، الذي يفيد استحقاق األزواج ) أزواجكم(فلفظ

نصف تركة زوجاتهم، ولكن الشرط خصص هذا العام، وجعل حق النصف لهـم .مشروطاً بعدم وجود ولد لهن

:الصفـة : النوع الثالث . النعت المذكور في علم النحـو المعنوية ال مجرد : والمراد بالصفة هنا ومن لم يستطع منكم طوالً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما (قوله تعالى : مثاله

عامـة تـشمل ) فتيـاتكم (، فإن كلمـة )٢١٤( )ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات .المؤمنات وغير المؤمنات، ثم خصصت بالصفة فصارت ال تشمل غيرهن

:الغايـة : النوع الرابع

. ١٥٧/سورة النساء آية) ٢١٢( . ١٢/سورة النساء آية) ٢١٣( . ٢٥/سورة النساء آية) ٢١٤(



٢٣٧

مثال . والغاية هي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها وانتفائه بعدها يا أيهـا (، وأيضاً قوله تعالى )٢١٥( )وال تقربوهن حتى يطهرن (ذلك قوله تعالى

.)٢١٦( )الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق

. ٢٢٢/سورة البقرة آية) ٢١٥( . ٥/سورة المائدة آية) ٢١٦(



٢٣٨

المبحث الثالث الشرعیةالمشترك وأثره في األحكام

:تعريف المشترك . هو اللفظ الذي وضع للداللة على معنيين أو معان متعددة بأوضاع متعددة

فإنه يطلق على الجاسوس، وعين الماء، والذهب، وقد وضـع " العين"لفظ : مثالهفإنه يطلق على الحـيض )القرء(لفظ : وأيضاً . لكل معنى منها بوضع على حدة

.ن، وقد وضع لكل منهما بوضع خاصوالطهر الفاصل بين الحضتي :لوجود المشترك في اللغة أسباب كثيرة منها : أسباب وجود المشترك

اختالف االصطالح بين القبائل في إطالق اللفظ على المعنى، فقد تـضع -١قبيلة من القبائل اللفظ لمعنى، وتضعه قبيلة أخرى لمعنى آخر، وقـد ال

ر اللفظ موضوعاً لمعنيين، ويتعدد تكون هناك مناسبة بين المعنيين، فيصي وصفه، ثم ينقله اللغويون إلينا مستعمالً في أكثر مـن معنـى بـدون أن

.ينصوا على تعدد وضع اللفظ وواضعهاستعمال اللفظ في غير معناه الحقيقي الذي وضع له لوجود عالقة بـين -٢

المعنيين ثم اشتهار هذا المعنى المجازي، ونسيان أنه معنـى مجـازي، .له إلينا على أنه موضوع للمعنيينونق

أن يكون اللفظ وضع لمعنى مشترك بين معنيين، فتصلح الكلمة لكل من -٣المعنيين لوجود الجامع بينهما، ثم يغفل الناس هذا المعنى الجامع، فيعدون

اسم لكـل وقـت ) القرء(فإأن " كالقرء"الكلمة من قبيل المشترك اللفظي



٢٣٩

للحمى قرء، أي دور معتاد تكون فيـه، : اعتيد فيه أمر خاص، فيقولون .وللمرأة قرء، أي وقت تحيض فيه وتطهر فيه

:حكم المشترك األصل عدم االشتراك، ولكن إذا احتمل اللفظ االشتراك وعدمه، نـرجح

وإذا تحقق االشتراك، فإن قامت قرينة على المعنى المارد فيهـا، . عدم االشتراك ، فإن التفجير قرينة على أن المـراد عيـون )فجرنا عيون األرض (كما إذا قيل

. أما إذا لم تكن قرينة على االشتراك، فإن العلماء اختلفوا في ذلك. الماءفقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية، يجب التوقف حتى يقوم الدليل علـى

تعيين معنى من معاني المشترك، وال يصح أن يستعمل المشترك لم يوضع لكـل حد، وإنما وضع لكل معنى من معانيه بوضع خاص، فال يـراد معانيه بوضع وا

.منه مجموع معانيه حقيقة، ألنه لم يوضع لهفإذا وقع المشترك، فالبد أن يقع معه من القرائن اللفظية أو الحالية ما يدل

على المراد منه وإال كان استعماله مخالً باإلبانة، لن الكالم حينئذ يكون مهمـالً، أن يبحث عن هذه القرائن، بالبحث والتأمل، وقد يجدها في فعل نم وعلى المجتهد

في حد الـسرقة، فإنـه ) األيدي(أفعال الرسول صلى اهللا عليه وسلم كما في لفظ مشترك بين األيمان والشمائل، وقد بين فعل الرسول صلى اهللا عليـه وسـلم أن

.المراد به األيماني وآخر شرعي ، فوروده في نص وقد يكون اللفظ مشتركاً بين معنى لغو

شرعي قرينة على إرادة المعنى الشرعي، كلفظ الصوم في قوله صلى اهللا عليـه



٢٤٠

فإنه مشترك بين المعنـى ] من نسى وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه [وسلم اللغوي، وهو مطلق اإلمساك والمعنى الشرعي وهو إمساك يقـع عـن العبـادة

اني، لورود الكلمة في نص شرعي، وبهذا ال يجـب المطلوبة، فيتعين المعنى الث على من شرب أو أكل ناسياً أن يعيد الصوم، ومثل ذلك ألفاظ الـصالة والزكـاة والحج الواردة في القرآن أو السنة، فإن المراد من كل لفظ منها المعنى الشرعي

.ال اللغويمـراد إذا لم تقم قرينـة علـى ال : وقال جمهور الشافعية وبعض الحنفية

.بالمشترك، وجب حمله على كل معانيه متى أمكن الجمع بينهاألم (وقوعه في لسان الشرع، ومنه قوله تعالى : والدليل على صحة ذلك

تر أن اهللا يسجد له من في السماوات ومن في األرض والشمس والقمر والنجـوم فـإن . )٢١٧( )والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب

السجود مشترك بين وضع الجبهة أو الوجه على األرض والخـضوع لـسنن اهللا الكونية في الخلق، وكالهما مراد، إذ ال يصح االقتصار على األول، ألنه ال يتأتى

فإن ) وكثير من الناس (من غير العاقل، وال على الثاني، ألنه ال يالئم قوله تعالى .اني، ال الكثير منهم فقطالناس جميعاً يخضعون بالمعنى الث

، فإن الصالة )٢١٨( )إن اهللا ومالئكته يصلون على النبي (ومنه قوله تعالى .من اهللا الرحمة، ومن المالئكة الدعاء واالستغفار، وكالهما مراد حتماً

. ١٨/سورة الحج آية) ٢١٧( . ٥٦/سورة األحزاب آية) ٢١٨(



٢٤١

)واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيـات اهللا والحكمـة (ومنه قوله تعالى عاظاً وشكراً، ويحتمل ذكـر اللـسان إخبـاراً ، فالذكر يحتمل ذكر القلب ات )٢١٩(

.وتبليغاًة األولـى، ]بأن المـراد بالـسجود فـي اآل : وقد رد الحنفية هذه األدلة

فاعـل ) وكثير من النـاس (الخضوع لسنن اهللا تعالى وتصرفه في الكون، وقوله بمعنى يضع جبهته على األرض، أو هو مبتدأ خبره ) يسجد(لفعل محذوف تقديره

وما بينهما معطوف علـى ) حق عليه العذاب (مفهوم مما بعده، أو خبره ) بيثا(خبره، أي هناك كثير من ) ومن الناس (مبتدأ، ) كثير(كثير للمبالغة في الكثرة أو

الناس يستحقون االتصاف باإلنسانية لخـضوعهم هللا، ومـع هـذه االحتمـاالت .فعيةالمستقيمة للمعاني، ال تنهض اآلية دليالً لجمهور الشا

والمراد بالصالة في اآلية الثانية، طلب الخير للرسول عليـه الـسالم، أو الرغبة في إيصال الخير إليه فكأن اهللا تعالى يطلب مـن ذاتـه إيـصال الخيـر

.للرسول، والمالئكة يطلبون ذلك منه، فال اشتراك بالمعنى المتنازع فيه، وهكذا، فإن قامت القرينة علـى ولذلك نرى بأن المشترك موقوف على القرينة

.إرادة جميع المعاني فال مانع مطلقاً

يوسف قاسـم المـرجعين / زكي زيدان ود /: راجع فيما سبق د . ٢٤/سورة األحزاب آية ) ٢١٩(

السابقين



٢٤٢

الفھرس ٤.................................بھ والتعریف الفقھ أصول نشأة األول القســــم ٥..........................وتدوينه الفقه أصول علم نشأة في : األول المبحـث ١١......................أهميته وبيان الفقه أصول تعريف في : الثاني المبحث ١١.............................................. :واصطالحا لغة األصل معنى

١٢.......................................................... :الفقـه تعريـف ١٣.................................................. :اصطالحا الفقه تعريـف ١٤..................................................... :الفقه أصول موضوع ١٦........................................................ :األصول علم فائدة ١٨..........................................الشرعي حكمال مصادر األول الباب ٢٠.........................الشرعي للحكم عليها المتفق المصادر األول الفصل ٢٠.........................................الكريــم القـرآن : األول المبحث ٢٢............................... :الكريم القرآن خصائص في : األول المطلب ٢٧............................................... :الكريم القرآن إعجاز وجوه ٢٨....................................................:منجمـاً القرآن نـزول ٣١....................... :األحكام على وداللته القرآن حجية : الرابع المطلب ٣١.................................................... :القـرآن حجيـة: أوالً ٣٢........................................... :األحكام على القرآن داللة: ثانياً

٣٥................................................السنـة في : الثاني المبحث ٣٥...................................... :بالسنـة التعريف في :ألولا المطلب ٣٦....................................................... :التقريريـة والسنن ٣٦...................................................... :الفقهاء عند السنـة ٣٧.................................................... :المحدثين عند السنـة ٤٠...................................... :السنـة حجيـة في : الثاني المطلب



٢٤٣

٤٠...............تعالى باهللا اإليمان مع مقرون بالرسول اإليمان : األول الوجه ٤١.............................. :اهللا طاعة من الرسول طاعة : الثاني الوجه ٤٤.................. :نهيه من ونهيه اهللا أمر من الرسول أمر : الثالث الوجه ٤٥........................... :الرسول أمر مخالفة من التحذير : الرابع الوجه ٤٨.................................... :السنـة أقســام في : الثالث المطلب ٤٨...............................فيها الوارد النص باعتبار السنة تقسيم : أوال ٥٠........................................ :رواتها عدد حيث من السنة أقسام ٥٤........................... :ـورةالمشه والسنة المتواترة السنة بين الفرق ٥٤.................................... :المستفيض والحديث المشهور الحديث ٥٦............................... :األحكام في له الفقهاء وأعمال اآلحاد حديث ٥٩................................... :اآلحاد بأحاديث العمل في الفقهاء منهج

٦٦............................. :بالقرآن السنـة عالقـة في : الرابع المطلب ٧٠..........................................اإلجمـــــاع : لثالثا المبحث ٧٠............................. :أركانه وبيان به التعريف في : األول المطلب ٧١................................................. :اصطالحا اإلجماع تعريف ٧١........................................................ :اإلجمـاع أركـان ٧٣.:نوعين إلى بها تم التي الطريقة باعتبار اإلجماع يتنوع :اإلجمـاع أنـواع

٧٤...................................... :اإلجمـاع حجة في : الثاني طلبالم ٧٥................................................ :السنة من اإلجماع حجيـة ٧٧........................................................ :اإلجمـاع مستنـد ٧٩...............................................القيـاس في :الرابع المبحث ٧٩..................................................... :لغـة القياس تعريف ٧٩........................................... :األصوليين اصطالح في القياس



٢٤٤

٨١..................................... :القيـاس حجيـة في : األول المطلب ٨٥........................................................ :الصحابـة أفعـال ٨٧........................................................ :القيـاس نفاة أدلة

٨٩.................................. :وشروطه القياس أركان : الثاني المطلب ٩٠........................................................ :القيـاس شـروط ٩٢........................................................ :صلاأل حكم شروط ٩٢................... :بالنص ثبت عمليا شرعيا حكما يكون أن :األول الشرط

٩٤... :علته إدراك إلى سبيل للعقل مما األصل حكم يكون أن : الثاني الشـرط ٩٦....................... :به خاص غير األصل حكم يكون أن : الثالث الشرط ٩٨.................................................... :ومسالكها العلة شروط ٩٨........................................................ :العلة تعريف: أوالً

٩٨.......................................... :األصوليين اصطالح في تعريفها ١٠٣........................................................ :العـلة شـروط ١٠٤.............................. :ظاهرا وصفا العلة تكون أن: األول الشرط ١٠٥........................... :منضبطا وصفا العلة تكون أن : الثاني الشرط ١٠٦.............................:مناسبا وصفا العلة تكون أن: الثالث الشرط ١٠٧................................ :متعديا الوصف يكون أن : الرابع الشرط ١١٠............................................................. الثاني القسم ١١١.............................................الشرعي الحكـم األول الباب ١١٥......................................الشرعي الحكم أقسـام األول الفصل ١١٨........................................التكليفي الحكم أقسام الثاني الفصل ١٢١.......................................وأقسامـه الواجـب األول المطلب ١٢٣........................................................ :الواجب أقسـام



٢٤٥

١٢٣..................... :تعينه وعدم المطلوب تعيين باعتبار : األول التقسيم ١٢٥..................... :المضيق والواجب الموسع الواجب : الثاني مالتقسي ١٢٧:ومعاد ومعجل وقضاء أداء إلي وقته إلى بالنظر الواجب : الثالث التقسيم ١٣٣...............................................االستحباب : انيالث المطلب ١٣٧.....................................وأقسامـه الحـرام : الثالث المطلب ١٤٤...............................................المكـروه : الرابع المطلب ١٤٦.........................................المبــــاح : الخامس المطلب له ومخالفته للدليل الحكم موافقة باعتبار التكليفي الحكم أقسام الثاني المبحث

١٥١......................................................)والرخصة العزيمة( ١٥١................................................العزيمـة : األول المطلب ١٥٣...............................................الرخصـة : الثاني المطلب ١٥٧.....................................الوضعي الحكم أقسـام الثالث الفصل ١٥٨........................................وأقسامـه السـبب األول المبحث ١٦٣........................................وأقسامـه الشـرط الثاني ثالمبح

١٦٧........................................وأقسـامه المانـع الثالث المبحث ١٦٧.................................... :األصوليين جمهور عند المانع أقسام ١٦٨................................. :السبب في المؤثر المانع : األول القسم ١٦٨.................................. :الحكم في المؤثر المانع : الثاني القسم ١٦٩..............................والفسـاد والبطالن الصحـة الرابع المبحث ١٧٢.......................................الشرعي الحكم كانأر الرابع الفصل ١٧٣..................................................الحاكــم األول المبحث ١٧٨...................................بــه أو فيـه المحكوم الثاني المبحث ١٩٩..............................األدلة من األحكام استنباط طرق الثاني الباب



٢٤٦

٢١١.........................................وداللتـه يالنه : الثالث المطلب ٢١٦...........................الشرعية األحكام في وأثره العام الثاني المبحث

٢٢٥...........................................................العام تخصيص ٢٣٠..................................................... :المخصص أقسـام ٢٣٠...................................... :المستقل المخصص : األول القسم ٢٣٥.................................. :المستقل رغي المخصص: الثاني القسم ٢٣٨.......................الشرعية األحكام في وأثره المشترك الثالث المبحث ٢٤٢..................................................................الفهرس



ﻝﻮـــــﺻﺃ ﻲﻣﻼﺳﻹﺍ ﻪﻘﻔﻟﺍ ...olc.bu.edu.eg/olc/images/425.pdf ·...

Documents