من هو الشيخ الإمام محمد قاسم النانوتوي uddiysh.doc · web viewفي...

375
ث ي حاد الأ ة ودي ل ا ي ف مة ج ر ت19 ن م ر ت كا ا ة ب ش ارة ق ل ا ة دي ن ه ل ا و ب ا س ح ل ا ي ن ل2 ا ي ار غ1

Upload: others

Post on 06-Feb-2020

10 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

من هو الشيخ الإمام محمد قاسم النانوتوي

1

الأحاديث الودية في ترجمة 19 من أكابر شبه القارة الهندية

(

أبو الحسين آل غازي

مـركز الإعـلام العالـمي ، داكـا – بنغلاديش

تأليف

أبو الحسين آل غازي

الطبعة الأولي

شعبان 1435هـ ، يونيو 2014م

إصدار

مـركز الإعـلام العالـمي داكـا - بنغلاديش

:01715398775

سعر النسخة : 500 تاكا

سبب تأليف الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام علي نبيه الكريم ، محمد وآله وصحبه ومن تبعهم إلي يوم الدين ، وبعد :

اذكر الأسلاف والأكابر من بواعث تجدد الإيمان والتحمس والتفرغ لأعمال الخير التي وقفوا حياتهم في سبيلها ، وأيضا يشجع الإنسان علي التحلي بالأخلاق الحميدة والتواضع والتضحية وتجنب الأخلاق السيئة والتكبر والانتهازية.

مع السبب المذكور أعلاه من تأليف هذا الكتاب هنا أيضا أسباب أخري شجعتني علي تأليف هذا الكتاب ، وهي :

· عدم وجود أي كتاب عربي لتراجم أكابر شبه القارة الهندية –الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال-.

· إهداء كتاب عربي إلي طلاب العلم عن أكابرنا الكرام.

· إعلام طلاب العلم العرب عن علماء شبه القارة الهندية وأوضاع دين الإسلام فيها.

· إزالة ما يثار عني بسبب كتاباتني الجهادية من شبهات عن بعض طلاب العلم بأني لا أحب ولا أعظم الأكابر.

ولا شك أن لعلماء ودعاة شبه القارة الهندية فضل كبير في نشر علوم القرآن والسنة في أنحاء العالم.

وأقول : إذا كان لمسلمي شبه الجزيرة العربية الفضل الأول في قبول ونشر دين الله في أنحاء العالم ولمسلمي العراق والشام ومصر الفضل الثاني في ذلك ولمسلمي المغرب العربي -ليبيا ، تونس ، الجزائر ، المغرب ، موريتانيا- والأندلس الفضل الثالث و للمسلمين الأكراد والأتراك الفضل الرابع ولمسلمي خراسان –إيران ، أفغانستان ، أوزبكستان ، تركمنستان- الفضل الخامس فلا شك أن لمسلمي شبه القارة الهندية –الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال- الفضل السادس في قبول دين الله ونشره في أنحاء العالم.

وليس بوسعي ولا بوسع أحد أن يجمع ويؤلف تراجم جميع أكابر شبه القارة الهندية ، لذا اخترت تسعة عشر منهم تيمنا بهذا الذي العدد الذي ذكره الله في قوله : عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [سورة الحاقة : 30]. ولأن عدد حروف باسم الله الرحمان الرحيم أيضا تسعة عشر.

كنت أردت ضم ترجمة صاحب "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال" العلامة المتقي الهندي (885- 975 هـ) في بداية هذا الكتاب ، إلا أنني للأسف الشديد لم أجد له رحمه الله معلومات كافية عن حياته ، لذا امتنعت عن ضم ترجمته رحمه الله ، وكل ما وجدت في ترجمته هو ما يلي :

هو الإمام العلامة المحدث الفقيه العالم العامل الورع علاء الدين علي بن حسام الدين بن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي البرهانفوري ثم المدني فالمكي الشهير بالمتقي الهندي ، كان رحمه الله فقيها حنفيا ومحدثا واعظا. أصله من جونفور ، ومولده في برهانفور من بلاد الدكن في الهند. علت مكانته عند السلطان محمود حاكم كجرات. سكن المدينة المنورة ثم أقام في مكة المكرمة ، وتوفي بها عام975 هـ ، 1567م بعد مجاورة طويلة.

وكتبه الأخري غير كنز العمال هي :

· إرشاد العرفان وعبارة الإيمان.

· البرهان الجلي في معرفة الولي.

· الرَّق المرقوم في غايات العلوم.

· المواهب العلية في الجمع بين الحكم القرآنية والحديثية.

· جوامع الكلم في الواعظ والحكم.

وتجنبت ترجمة العلامة المتبحر محمد المرتضى الهندي الزبيدي (1145 هـ-1205 هـ) صاحب المؤلفات الغزيرة لكونه نشأ في اليمن وتعلم في الحجاز واستقر في مصر ، ولم يكن له صلة وطيدة بمسقط رأس أمه "بلكرام ، الهند". وقد صنف رحمه الله أكثر من 100 كتاب ورسالة ، من أهمها :

· تاج العروس من جواهر القاموس.

· إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين.

· لقط اللآليء المتناثرة في الأحاديث المتواترة.

· عقود الجواهر الحنيفة في أدلة مذهب أبي حنيفة.

· كشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام.

· أسانيد الكتب الستة.

· رفع الشكوى وترويح القلوب في ذكر ملوك بني أيوب.

· ألفية السند ، وهو كتاب في علم الحديث النبوي يحوي ألف وخمس مائة بيت شعر وشرحها.

· مختصر العين ، وهو مختصر كتاب العين المنسوب للخليل بن أحمد الفراهيدي.

· التكملة والصلة والذيل للقاموس ، وهو في مجلدين ضخمين.

· إيضاح المدارك بالإفصاح عن العواتك ، وهو رسالة تتحدث عن أمهات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كل واحدة تسمى عاتكة ، وقد حققه الباحث مساعد بن سالم العبد الجادر الأنصاري.

· العروس المجلية في الحديث المسلسل بالأولية.

· عقد الجمان في بيان شعب الإيمان.

· تحفة القماعيل في مدح شيخ العرب إسماعيل.

· تحقيق الوسائل لمعرفة المكاتبات والرسائل.

· جذوة الأقتباس في نسب بني العباس.

· حكمة الإشراق إلى كتاب الآفاق.

· الروض المعطار في نسب آل جعفر الطيار.

· مزيل نقاب الخفاء عن كنى سادتنا بني الوفاء.

· بلغة الغريب في مصطلح آثار الحبيب.

· تنبيه العارف البصير على أسرار الحزب الكبير.

· سفينة النجاة المحتوية على بضاعة مزجاة من الفوائد المنتقاة.

· غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد مسلم بن الحجاج.

· نشوة الأرتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح.

· معجم التكملة والذيل والصلة لما فات صاحب القاموس من اللغة

قال عنه –رحمه الله- تلميذه العلامة عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي (1756 -1825م) في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" عند تأريخه لسنة 1205 هجرية:

"ومات شيخنا علم الأعلام والساحر اللاعب بالأفهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والاقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحالة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر الشيخ أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي ، هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ، ولد سنة خمس وأربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه ورويته بخطه ، ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارًا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن أحمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه إلى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين ، فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وأجازه ، وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية وألبسه الخرقة وأجازه بمروياته ومسموعاته ، قال: وهو الذي شوقني إلى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وامرائها وادبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب.

ثم ورد إلى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة وألف وسكن بخان الصاغة وأول من عشره وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم ، وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه ، واعتنى بشانه إسماعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ، ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر إلى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه وأكرمه شيخ العرب همام وإسماعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاده ، وكذلك ارتحل إلى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارًا حين كانت مزينة بأهلها عامرة بأكابرها ، وأكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي وأرباب العلم والسلوك ، وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم ، وصنَّف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظمًا نثرًا لو جمعت كانت مجلدًا ضخمًا ، وكنَّاه السيد أبو الأنوار بن وفا بـ"أبي الفيض" وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ، وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ، ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة ، وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلدًا وسمَّاه "تاج العروس" ، ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية ، وذلك في سنة إحدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرًا ونظمًا ، فمن قرَّظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ أحمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الأمير والشيخ حسن الجداوي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقري والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرَّظ عليه ، وكنت إذ ذاك حاضرًا وكتبه نظمًا ارتجالا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة أربعة وتسعين ومائة وأالف."

وجدير بالذكر هنا أني تجنب ذكر رجال الفرق الخمس المنحرفة التي نشأت في شبه القارة الهندية ، وهي : القاديانية ، والشيعة ، والبريلوية ، وأهل الحديث ، جماعة الإسلام الموديودية.

القاديانية أمرهم وضلالهم معروف ، والشيعة أيضا أمرهم وانحرافهم معروف ، والبريلوية هي فرقة تنتسب إلي المذهب الحنفي والتصوف ، لكنهم غلاة ومتطاولون علي أسلاف الأمة الصالحين وعلمائها الكبار الربانين ، شلغهم الأكبر هي تكفير وتبطيل من لا يرونه علي فكرتهم ، لا يهمهم إصلاح الأمة وتزهيدهم عن الدنيا إلي الآخرة بنشر علم الكتاب والسنة ، وأهل الحديث هي أيضا فرقة منحرة غالية ، لا تكن محبة ووقارا لأسلاف الأمة الصالحين وعلمائها الكبار الربانين وأوليائها الزاهدين أمثال جنيد البغدادي وعبد القادر الجيلاني وبهاء الدين النقشبندي ومعين الدين الجشتي وأبو الحسن الشاذلي وغيرهم ، بل شغلهم الأكبر إسقاطهم بتبديعهم وتبطيلهم والبحث عن أخطائهم والتطاول عليهم والنيل من شأنهم بحجة أنهم مبتدعون ومقلدون ، بل تعدوا إلي النيل من شأن أفاضل الصحابة أمثال عمر وعثمان رضي الله عنهم. بل أحيانا يذكرون اسم النبي صلي الله عليه وسلم بغير أدب واحترام. والحقيقة أن هؤلاء الناس -أهل الحديث وغلاة السلفية – هم مقلدون أكثر من غيرهم ، لأنهم يتبعون مشايخهم الذين هم دون فقهاء المذاهب الأربعة في العلم والتقوي. وهم أيضا مبتدعون بإنكارهم كرامات الأولياء التي اعترف بها كل الصحابة والتابعين وتابعيهم. فهذا الولي الصالح ويس بن عامر القرني يطلب منه الدعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأمر من النبي صلي الله عليه وسلم.

فعَنْ أُسيْرِ بْنِ عَمْرٍو ويُقَالُ : ابْنُ جابِر رضي الله عنه ، قال : كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عنهُ ، إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدادُ أَهْلِ الْيمنِ سأَلَهُمْ : أَفيُّكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حتَّى أَتَى عَلَيهِ أُوَيْسٍ رَضِيَ الله عنهُ ، فقال له : أَنْتَ أُويْس بْنُ عامِرٍ ؟ قال : نَعَمْ ، قال : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قال : نعَمْ ، قال : فكَانَ بِكَ بَرَصٌ ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضعَ دِرْهَمٍ ؟ قال : نَعَمْ . قال : لَكَ والِدَةٌ ؟ قال : نَعَمْ . قال سَمِعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مع أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ برصٌ ، فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها برٌّ لَوْ أَقْسمَ على اللَّه لأَبَرَّهُ ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ » فَاسْتَغْفِرْ لي ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ . فقال له عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قال : الْكُوفَةَ ، قال : أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلى عَامِلهَا ؟ قال : أَكُونُ في غَبْراءِ النَّاسِ أَحبُّ إِلَيَّ . فَلمَّا كَان منَ العَام الْمُقْبلِ حجَّ رَجلٌ من أشرَافهِم . فوَافقَ عُمرَ . فسَأله عَن أوَيسٍ . قالَ : تركتُه رثَّ البيتِ قليلَ الْمتَاعِ . قالَ : سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله علَيه وسلَّم يقولُ : « يأتي عليكُم أويسُ بنُ عامرٍ معَ أمدادِ أهل اليمَن من مُرادٍ ثم مِن قرنٍ ، كانَ بِه برصٌ فبرأ منه ، إلا مَوضِع دِرهمٍ ، لَه وَالدَة هُو بِها بَرُّ ، لو أقسَم علَى الله لأبرَّه ، فإن استَطعتَ أن يَسْتغْفرَ لكَ فافعَل » فأتَى أويسًا فقالَ : استغفِر لِي . قالَ : أنتَ أحْدثُ عهْدَا بسفرٍ صالِحٍ . فاستغفِر لِي . قالَ : استغفِر لِي . قالَ : أنتَ أحدثُ عهدًا بسفَرٍ صالِحٍ . فاستغفِر لِي . قالَ : لقيتَ عُمرَ ؟ قالَ : نعَم . فَاستغفَرَ لهُ . فَفطِن لَه النَّاسُ ، فانطَلقَ علَى وجهِه . أخرجه مسلم (4/1969 ، رقم 2542) ، والحاكم (3/456 ، رقم 5719) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، والبزار (1/479 ، رقم 342) ، وابن سعد (6/163) .

وأيضا أصحاب هذه الفرقة مبتدعون ، لأنهم يزكون أنفسهم ولا يتواضعون أمام من فوقهم في العلم والتقوي والإحسان ، مع أن المنهج النبوي والسلفي الأصيل هو التواضع وتعظيم شأن الغير من الصالحين ، فقد قال الله تعالي : إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى . سورة النجم : 32

وهذا سيد البشرية صلي الله عليه وسلم يقول متواضعا : « لا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى » أخرجه البخارى (3/1254 ، رقم 3233) ، ومسلم (4/1843 ، رقم 2373) .

وهو صلي الله عليه وسلم يقول : « ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله » أخرجه مسلم (4/2001 ، رقم 2588) ، والترمذى (4/376 ، رقم 2029) وقال : حسن صحيح . وأحمد (2/235 ، رقم 7205) ، وابن حبان (8/40 ، رقم 3248) ، والدارمى (1/486 ، رقم 1676) وأبو يعلى (11/344 ، رقم 6458) ، والبيهقى فى السنن الكبرى (8/161 ، رقم 16423) ، وفى شعب الإيمان (6/258 ، رقم 8071) عََنْ أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.

وجماعة الإسلام المودودية هي النسخة الهندية لفكرة حسن البناء المصري مؤسس"الإخوان المسلمين" ، هي أيضا جماعة منحرفة ، تركوا سبيل الإصلاح الدعوي وأحدثوا المنهج الثوري الضار ، لا يلتفتون إلي كتاب الفتن من كتب الأحاديث ، بل يتطاولون علي العلماء الربانيين ومشايخ الطرق الزاهدين ليلا ونهارا ، مع أن إيمان هؤلاء الحركيين الإخوانيين ضعيف إلي درجة لا يحملهم علي إعفاء اللحية رغم صراحة أمر النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك ، بل يحملهم علي لبس البنطلون الغربي.

وأخيرا أرجو من القراء الكرام الدعاء لي ليوفقني مزيدا من الكتابة عن الأكابر والأسلاف العرب والعجم الذي بذلوا ما في وسعهم في نشر علوم هذا الدين بين الناس كتابة وتعليما وإيصالها إلي الأجيال اللاحقة والآتية إلي يوم الدين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو الحسين آل غازي

5 رجب 1435هـ ، بنغلاديش

الإمام المجدد أحمد السرهندي

(971هـ - 1034هـ)

هو الإمام المجدد محي السنة وقامع البدعة العلامة الفهامة أحمد السرهندي الفاروقي ، ينتهي نسبه إلي خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد قدم أحد من أجداده من المدينة المنورة إلي عاصمة أفغانستان ، ثم انتقل بعض أولاده أو أحفاده إلي مدينة سرهند الواقعة في ولاية بنجاب الهندية.

نشأته

ولد رحمه الله سنة 971 هـ في بلدة سرهند من الهند. ونشأ في حجر والده عبد الأحد -وكان عالما ممتازا وزاهدا معروفا ومجازا من الشيخ عبد القدوس الكنكوهي- ، فأخذ منه مبادئ الكتب العربية وحفظ القرآن الكريم في صغره واستظهر عدة من المتون في أنواع العلوم مع اتقان المنطوق والمفهوم. ثم رحل إلى سيالكوت وقرأ هناك على كمال الدين الكشميري بعض كتب المعقولات. وأخذ الحديث عن يعقوب الكشميري الصرفي وأيضا أخذ الحديث في الحرمين الشريفين من كبار المحدثين مثل ابن حجر المكي وعبد الرحمن بن فهد المكي وحصل إجازة كتب الحديث والتفسير وبعض كتب الأصول. ولم يبلغ من العمر سبعة عشرة سنه إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم الدراسية وتفرغ للتدريس.

حصل الإمام رحمه الله الإجازة في الطريقة الجشتية من والده رحمه الله ، وفي الطريقة القادرية من الشيخ سكندر كيتهلي ، وفي سنة 1007 هـ حضر رحمه الله عند الشيخ الخواجه باقي بالله في دهلي وحصل الإجازة في الطريقة النقشبندية منه.

إجازة مطلقة من شيخه في الطريقة النقشبندية

بعد مضى شهر وعدة أيام على هذا الحال لدي الشيخ الخواجه باقي بالله أجازة الشيخ في الطريقة النقشبندية إجازة مطلقة وأمره بالرجوع إلى وطنه ، فرجع وجلس على مسند الإرشاد والافاضة وشرع في هداية الطالبين وتربية السالكين بكمال النشاط. وانتشرت كمالاته في سائر الأقطار فتهافت عليه العلماء والفضلاء والأمراء من جميع الديار وكان يحرض اصحابه التمسك بالشريعة وإحياء السنة النبوية والعمل بما فيها واجتناب البدعات المخالفة. وكان يحث على ذلك أمراء عصره وحكام دهره بواسطة مكاتيب عديدة حتى استنارت أقطار الهند وما يليها بنور السنة النبوية.

نشر السنة والرد علي فتنة التوحيد الوجودي

كان رحمه الله متنفرا عن فكرة التوحيد الوجودي أو وحدة الوجود التي قال بها الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي ، كان رحمه الله يحث الناس بأخذ الشريعة والسنة مع إصلاح الباطن الذي نشأ لأجله فن التصوف في أواخر أيام القرن الثالث . قال رحمه الله في مكتوباته : "سألني أحد عن مقولة "لا يعلم الله الغيب" التي قالها بعض أئمة التصوف ، فقلت : ليس بإمكان هذا المسكين الاستماع إلي مثل هذه الأقوال ، ويهيج دمي الفاروقي عند سماعه ، وليس لي رغبة إلي إضاعة الوقت بالرد عليه ، لذا لا يهمني من قال هذا القول من الشيخ الكبير اليمني أو الشيخ الأكبر الشامي ، أنا أريد قول الرسول صلي الله عليه وسلم ، ولا أريد قول محي الدين ابن العربي ولا قول صدر الدين القونوي ولا قول عبد الرزاق الكاشاني ، نحن مرجعنا النص ، لا الفص –إشارة إلي فصوص الحكم لابن عربي- ، نفرتنا الفتوحات المدنية –إشارة إلي الكتاب والسنة- ، من الفتوحات المكية –كتاب لابن عربي- ".

قمع البدعة وفتنة "الدين الإلهي"

انتشرت بين المسلمين كثيرة من التقاليد الهندوسية أيام العهد المغولي في الهند ، وقد سعى سلطان الهند المغولي الشاب جلال الدين أكبر لتوحيد المجتمع المجتمع الهندي بهدم الفوارق بين الأجناس والأديان ، فقرب إليه زعماء الهندوس ، وعهد إلى بعضهم بمناصب عالية في الإدارة والجيش ، وأصهر إليهم هو وولي عهده. واتبع سياسة المساواة الاجتماعية ، ومساواة الجميع في التكاليف المالية ، فألغى ضريبة الجزية على الهندوس ، وضريبة الحج إلى أماكنهم المقدسة.

وقد سعي أكبر للخلط بين الإسلام والهندوسية وبناء دين جديد يوحد الهندوسية والإسلام علي حد زعمه ، ويقضي علي العداوة بينهم ويحصل بذلك علي تأييد ومحبة الطوائف الهندوسية ، فصنع بعض علماء السلاطين -أمثال أبو الفضل- دينا خليطا من الإسلام والهندوسية وسموه "الدين الإلهي" ، إلا أنه واجه الرفض الشديد من علماء المسلمين ، خاصة من الإمام أحمد السرهندي ، فوقفوا أمام هذه المبادرة وقفة الصمود ، وحذروا المسلمين من مثل هذه اللعبة بالدين الإسلامي. ففشل مشروعه الضال ، ولم يبقي اليوم من ذلك الدين إلا تاريخا يلعن المسلمون مخترعيه.

وقد قال رحمه الله عن البدعة الحسنة التي يحتجون بها أهل الزيغ : "يقول الناس أن البدعة قسمان ، حسنة وسيئة ، إلا أن هذا العبد الفقير لا يري أي حسن ونور في أي بدعة ، بل يرى فيها الظلام والانحراف".

محنة الإمام

ككل مصلح رباني واجه الإمام أحمد السرهندي أيضا بلايا شتي في حياته ، وكان من أشهرها تسجينه رحمه الله من السلطان المغولي جهانغير بن أكبر ، فقد شكي إلي السلطان بعض علماء السلاطين -علماء سوء- أن الشيخ أحمد لا يحترم السلطان ولا يعترف بجواز سجدة التعظيم التي يقوم بها الناس أمام السلطان ، فدعا السلطان الإمام أحمد ، فحضر رحمه الله باب السلطان ، إلا أنه لم يخر له ساجدا ، فسأله السلطان عن السبب ، فقال رحمه الله : "لا تجوز السجدة لأحد غير الله ، هذه حق الله وحده ، لا يشركه فيها أحد من عباده".

فبدأ السلطان يناظر الإمام حتي يخر له ساجدا ، إلا أن رحمه الله وقف صامدا علي موقفه الشجاع ، فأشار بعض الأمراء والعلماء الموجودين السلطان إلي قتله ، إلا أن السلطان لم يجترئ عليه لما وجد في الإمام من آثار العظمة والولاية لله وحده ، وأمر الناس بحبس الإمام في معتقل من المعتقلات ، فألقوه فيه ، إلا أن رحمه الله لم يهن ولم يحزن ، بل قال بالدعوة والإرشاد بين نزلاء السجن ، فأسلم علي يديه بعض الهنادس ، وصار حراس السجن يوقرون الإمام ويكرمونه ، وأخيرا أدرك السلطان خطأه ، فأمر بإخلاء سبيل الإمام وإكرامه.

تلقيب بـ"مجدد الألفية الثانية"

اشتهر اسمه رحمه الله وذاع صيته وحسنت سمعته في وخراسان وبلاد ماوراء النهر ، حتي لقَّبوه بالمجدد ، وسماه معاصره الشيخ عبد الحكيم السيالكوتي "مجدد الألفية الثانية" اعترافا بفضله في نشر السنة النبوية والقضاء علي الخرافات والبدع السائدة والدخلية -من الهندوسية- في المجتمعات الإسلامية الهندية في بداية الألفية الثانية من الهجرة النبوية.

مؤلفات الإمام

أشهر مؤلفات الإمام هو "المكتوبات الربانية" طبع في ثلاثة مجلدات. ضمّ هذا الكتاب معلوماته ومعارفه التي اكتسبها مدة حياته ، وكانت بعضها في ذم الدنيا الدنية ، وبعضها في النصائح والمواعظ ، وبعضها في الترغيب في ترويج أحكام الشريعة ، وأكثرها في بيان أسرار الشريعة وتحقيق حقائقها ، بالإضافة إلى حلّ رموز الطريقة النقشبندية وكشف دقائقها.

من أثنى عليه من معاصريه

عبد الحكيم السيالكوتي: « كان يعظمه تعظيما بليغا ويشنع على المنكرين بأشد التشنيع ويقرر بأنه مجدد الألف الثاني وقيل أنه أول من أطلق عليه هذا الوصف ».

و قال واحد من معاصريه حين سمع خرافات بعض المعاندين: « لو كان في أيام السلف لعرفوا قدره ومرتبته ودرجة كلامه ».

قال صاحب "سبحة المرجان في آثار هندوستان" ميرزا غلام على آزاد آزاد البلگرامي (المتوفي عام 1200 هـ): «لم يظهر في الهند مثل الفاروقيين: أحدهما في علم الحقائق ، وهو الشيخ أحمد السهرندي الفاروقي ، والثاني في علوم الحكمة والأدب ، وهو ملا محمود الفاروقي الجونفوري (993-1062 هـ) صاحب "الشمس البازغة "».

وقال أحد في حقه : « إن كتب القوم إما تصنيف وإما تأليف ، و التصنيف أن يحرر الشخص ما حصله من العلوم والأسرار والنكات والمقامات ، والتأليف أن يجمع شخص كلامات غيره بترتيب جيد ، وقد انقرض عهد التصنيف من العالم وما بقى إلا التأليف ، وأنا إن لم أكن من مريديه لكن الحق بأن مكاتبه - المكتوبات الربانية- تصنيفات لا تأليفات فكلما أمعنت النظر فيها لا أرى فيها نقلا عن الغير إلا على الندرة والضرورة ، وعامتها المكشوفات وملهماته الخاصة ، وكلها عالية مقبولة مستحسنة وموافقة للشريعة المطهرة ».

من كبار مريديه :

· السيد آدم البنوري

· مير محمد نعمان البدخشي

· شيخ تاج الدين الهندي صاحب الرسالة التاجية

وفاته رحمه الله

توفي رحمه الله في اليوم السابع والعشرين من شهر صفر لعام 1034هـ وله من العمر 63 سنة ، وكان له رحمه الله عشرة من الأولاد ، سبعة ذكور ، وثلاث إناث.

المراجع :

· ويكيبيديا –الموسوعة الحرة- العربية والأردية عام 2014.

· بعض الكتب والمقالات البنغالية عن حياة وأعمال الإمام السرهندي.

الإمام المجدد شاه ولي الله الدهلوي

(14 شوال 1114 هـ - 26 محرم 1176 هـ)

هو الامام الهمام حجة الله بين الأنام ، موضح محجة الملة والاسلام ، العلامة أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين بن معظم بن منصور المعروف بمسند الهند أبي محمد "الشاه ولي الله الدهلوي".

نشأته

ولد يوم الأربعاء لأربعة خلت من شوال عام 1114 هـ = 1703م في قرية بهلت بمديرية مظفر نكر ، الهندية ، وكان ذلك قبل وفاة السلطان عالمكير بأربع سنوات ، ويعني هذا أن الشيخ عاش في فترة ضعف الدولة المغولية الهندية وشيخوختها.

عائلته

والده هو الشيخ عبد الرحيم بن الشهيد وجيه الدين ، كان من معاصري السلطان الزاهد أونك زيب عالم كير (السلطان المغولي الشهير) ، شارك لفترة في مشروع تقنين الفقه الإسلامي ، والذي ظهر بعد ذلك في صورة الفتاوى العالمكيرية أو الفتاوى الهندية ، ثم ترك هذا العمل بتوجيه من شيخه ، وكان من المبرزين في العلوم العقلية والنقلية ، وكان حنفيا من أهل الطريقة النقشبندية ، وقد جمع ابنه الشاه أهل الله -شقيق الشاه ولي الله- مكاتيبه وأحاديثه العرفانية في كتاب سماه "أنفاس رحيمية". وتذكر كتب التراجم أن مناصب الإفتاء والقضاء كانت مختصة بأسرة الدهلوي من القرن السادس الهجري. تزوج الإمام الشاه ولي الله الدهلوي باثنتين: الأولى عندما كان عمره خمسة عشر عاما ، وولدت له بنتين -هما صالحة وأمة العزيز- ثم محمدا عام 1146هـ ، وتوفيت سنة 1149 هـ. بعد وفاتها تزوج الثانية ، فأنجبت له بنتين وأربعة أولاد ، نعرف بأولاده هنا باختصار ، وهم بالترتيب على النحو التالي:

الشاه عبد العزيز (1159-1239هـ): وهو أكبر الأولاد من الزوجة الثانية ، رباه أبوه مع آخرين. توفي أبوه وهو ابن سبعة عشر عاما ، لكنه حمل وراثة أبيه ، قيادة مسلمي الهند الدينية والاجتماعية في ظروف كانت أشد من ظروف أبيه ، وقاد المسلمين بجدارة ، ولقب بسراج الهند. من أهم تصانيفه: "التفسير العزيزي" ، "والفتاوى العزيزية" ، و"ملفوظات الشاه عبد العزيز" ، و"العجالة النافعة" ، و"بستان المحدثين" ، و"التحفة الإثنا عشرية" ، و"سر الشهادتين" ، و"ميزان البلاغة" ، و"تحقيق الرؤيا" ، و"ميزان الكلام" ، "حاشية مير زاهد" وغيرها.

الشاه رفيع الدين (1163- 1233 هـ): درس العلوم الابتدائية على أبيه الذي توفي وهو في سن الثالثة عشرة ، فتولى أخوه الأكبر تربيته ، ثم حفظ القرآن الكريم. اشتهر من مؤلفاته: "دمغ الباطل" و"مقدمة العلم" و"كتاب التكميل" ، و"أسرار المحبة" ، و"رسالة في العروض والقوافي" ، و"رسالة شق القمر" ، و"راه نجات" (طريق النجاة) ، و"ترجمة القرآن الكريم باللغة الأردية".

الشاه عبد القادر (1167- 1230هـ): كان معروفا بالعلم والفضل والاستغناء والتقوى. كتب ترجمة تفسيرية للقرآن الكريم ، وكتب تفسيرا مختصرا له سماه موضح القرآن ، وتعتبر هذه الترجمة من أدق تراجم القرآن الكريم وأحسنها ، مثل "ترجمة أبيه للقرآن الكريم باللغة الفارسية" ، كان يقوم بتربية الراغبين في التربية والمقبلين عليها ، ودرس كتاب الله طول حياته.

الشاه عبد الغني: هو أصغر أولاد الشاه ولي الله الدهلوي ، ولد عام 1171هـ ، ترك ابنا كان غرة جبين الإصلاح والحركة الجهادية في الهند ، وهو السيد إسماعيل الشهيد.

تعليمه

تلقى الشيخ ولي الله العلوم الابتدائية من والده الشيخ عبد الرحيم الذي كان مديرا لمدرسة كانت تسمى المدرسة الرحيمية ، دخل الكتّاب في الخامسة من عمره ، وأكمل القرآن الكريم في السابعة ، وأكمل دراسته للعلوم الابتدائية وهو ابن عشر سنوات. كان يدرس كتاب "شرح الملا جامي على كتاب الكافية" لابن الحاجب ، ولما بلغ أربع عشرة سنة درس الجزء المقرر من "تفسير البيضاوي" ، وتزوج في نفس السنة ، وأكمل التحصيل العلمي ، وبايع والده في سن الخامسة عشرة على الطريقة النقشبندية. وكان الشيخ ولي الله الدهلوي ذكيا مفرطا في الذكاء ، جيد الحفظ ، ومن هنا تمكن من إكمال الدراسة في هذا العمر المبكر ، يقول ابنه الشاه عبد العزيز عنه: "ما رأيت أحدا أقوى ذاكرة من والدي".

أما المنهج الدراسي الذي درسه الشيخ وتخرج عليه فكان بسيطا جدا ، فقد درس -حسب ما ذكره بنفسه- في كل فن كتبا معينة على التفصيل التالي:

- التفسير: "مدارك التنزيل" ، وأجزاء من "تفسير البيضاوي".

- الحديث: "مشكاة المصابيح" كاملا -باستثناء من كتاب البيوع إلى كتاب الأدب- ، و"صحيح البخاري" -من البداية إلى كتاب الطهارة- ، و"شمائل النبي" للترمذي.

- الفقه: "شرح الوقاية والهداية" للمرغيناني كله -إلا القليل منه-.

- أصول الفقه: "الحسامي" ، و"التوضيح والتلويح" -بعض أجزائه-.

- المنطق والفلسفة: "شرح الرسالة الشمسية" ، و"شرح المطالع" ، و"شرح هداية الحكمة" -الميبذي-.

- علم الكلام: "شرح العقائد النسفية" للتفتازاني مع حاشيته للخيالي ، و"شرح المواقف".

- التصوف: "عوارف المعارف" -بعض أجزائه- "الرسائل النقشبندية" ، و"شرح رباعيات الملا جامي" ، و"اللوائح" ، و"مقدمة شرح اللمعات" ، و"مقدمة نقد الفصوص".

- الطب: "موجز القانون".

- النحو: "الكافية" ، و"شرح الملا عبد الرحمن الجامي على الكافية".

- البلاغة: "مختصر المعاني" ، و"المطول" ، شرحان لـ"تلخيص المفتاح" للتفتازاني.

- الرياضي: بعض الرسائل المختصرة.

- خواص الأسماء والآيات: استفاد من والده في ذلك مباشرة.

لم يكتف الشيخ بهذه الدراسة المنهجية فقط ، بل كان يقرأ كتبا خارج المنهج ، وكان يتدبر كتاب الله عز وجل ، يقول في هذا الصدد: "حضرت في خدمة الوالد في المدرسة عدة مرات بعد التدبر في أسباب النزول ، والتفكر في معاني القرآن ، وبعد قراءة التفاسير ، وكان هذا المنهج سبب فتح عظيم لي".

لما توفي والده الشيخ عبد الرحيم عام 1131هـ كان عمره سبعة عشر عاما ، فتولى منصب التدريس في المدرسة الرحيمية ، واستمر فيه اثني عشر عاما كاملا ، وفي هذه الفترة وجد الفرصة لقراءة الكتب ومطالعتها بنهم كبير ، فتوسعت آفاق معرفته ، ونضج إدراكه وفهمه ، وتحددت لديه في هذه الفترة معالم منهجه العلمي القادم ، يقول الشيخ في هذا: "بعد الاطلاع على كتب المذاهب الفقهية الأربعة في الفقه وأصول الفقه والنظر في الأحاديث التي يستدلون بها اطمئنان القلب. وهذا يعني أنه قرر أن يسلك مسلك الفقهاء والمحدثين في عملية الإصلاح والتجديد ، وليس منهج العقلانيين من أهل العلوم العقلية وغيرهم.

في أواخر عام 1143هـ سافر لأداء فريضة الحج ، وبعد أدائها زار المدينة المنورة ، وقرر أخذ الحديث عن علماء الحرمين ، فحضر دروس الشيخ أبي طاهر المدني ، ودرس عليه كتب الحديث كـ"صحيح البخاري" ، و"صحيح مسلم" ، و"سنن الترمذي" ، و"سنن أبي داود" ، و"سنن ابن ماجة" ، و"موطأ الإمام مالك" ، و"مسند الإمام أحمد" ، و"الرسالة" للإمام الشافعي ، و"الأدب المفرد" للإمام البخاري ، و"الشفا في حقوق المصطفى" للقاضي عياض ، وحصل على الإجازة من الشيخ لرواية كتب الحديث.

وعاد إلى مكة في العام التالي لأداء الحج ثانية ، وفيها درس "الموطأ" على الشيخ وفد الله المالكي ، وحصل منه على الإجازة لجميع مرويات والده من الأحاديث ، وشارك في درس "صحيح البخاري" للشيخ تاج الدين القلعي. ودرس الشيخ على عدد كبير من المشايخ في الحرمين المكي والمدني ، منهم الشيخ حسن العجيمي ، والشيخ أحمد النخلي ، والشيخ عبد الله بن سالم البصري ، والشيخ أحمد بن علي الشناوي ، والشيخ أحمد بن محمد بن يونس القشاقشي ، والشيخ عبد الرحمن الإدريسي ، والشيخ شمس الدين محمد بن علاء البابلي ، والشيخ عيسى الجعفري المغربي ، والشيخ محمد بن محمد سليمان المغربي ، والشيخ إبراهيم الكردي ، وغيرهم.

بعد هذه الإفادة من المشايخ في الحرمين ، والتحصيل العلمي المتميز ، وخاصة في مجال حديث الرسول رجع الشيخ ولي الله الدهلوي إلى الهند في شهر رجب عام 1145هـ واستمر في عمله إلى نهاية عمره.

عمله التجديدي والإصلاحي

قام الإمام ولي الله الدهلوي بعمل تجديدي وإصلاحي ضخم جدا ، ولا يمكن تخيلُ ضخامة ذلك العمل التجديدي ما لم نطلع على أحوال المسلمين في الهند في تلك الفترة ، وما لم نتصور تلك الظروف التي آلت إليها الحالة السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية للمسلمين في الهند في الفترة التي بدأ فيها الشيخ عمله التجديدي ، لكننا لا نستطيع أن نتناول تلك الظروف بالتفصيل في هذه العجالة ، لكن يمكننا تناول ذلك العمل تحت ثلاثة عناوين تالية: التدريس ، والإصلاح الفكري والعلمي ، والتصنيف.

· التدريس وإعداد الرجال:

كان الشيخ يُدرّس مختلف العلوم والفنون في بداية أمره ، ثم ركز على تدريس كتب الحديث ، والقرآن الكريم ، وسلم تدريس الفنون الأخرى لمن أعدهم لتلك الفنون ، فإنه أعد في كل فن شخصا ماهرا. يقول ابنه عبد العزيز: "إن الوالد المحترم كان قد أعد شخصا في كل فن وعلم ، وكان يسلم طلاب ذلك الفن والعلم له ، أما هو فكان مشغولا بالوعظ والكتابة وتدريس الحديث". وقد ذكر الشيخ ولي الله في مقدمة "فتح الرحمن بترجمة القرآن" أن تدريسه القرآن الكريم كان سببا في كتابة جزء من ترجمة القرآن الكريم ، يقول: "لاجرم صمم العزم على تأليف ترجمة أخرى ، وأنجزت ترجمة الزهراوين بالفعل ، ثم عرَضت رحلةٌ إلى الحرمين ، وانقطعت هذه السلسلة ، وبعد سنوات من ذلك حضر أحد الأعزاء وبدأ عليه قراءة القرآن مع ترجمته ، فأثارت هذه الحال تلك العزيمة السابقة ، وتم الاتفاق على أن تُكتب الدروس التي تتم دراستها كل يوم ، ولما وصلنا إلى ثلث القرآن عرض لذلك العزيز سفرٌ فتوقفت الكتابة". والسبب في اهتمامه بتدريس كتب الحديث والقرآن الكريم أن الناس كانوا يهتمون بالعلوم العقلية والعلوم الآلية الأخرى ، وكانوا قد نسوا الكتاب والسنة والاهتمام بهما. ومن أشهر تلامذيه أنجاله الأربعة: الشاه عبد العزيز -الذي كان خليفة أبيه ، وهو أكبر إخوته سنا وآخرهم وفاة- والشاه رفيع الدين ، والشاه عبد القادر ، والشاه عبد الغني ، ومنهم الشيخ معين الدين السندي صاحب "دراسات اللبيب في الأسوة بالحبيب" ، والشيخ محمد أمين الكشميري ، ومرتضى الزبيدي البلجرامي (ت 1205هـ) صاحب "تاج العروس شرح القاموس" ، وصاحب "إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين" ، والشيخ ثناء الله الباني بتي (ت 1225هـ) صاحب "التفسير المظهري" ، والمجدد الجيلاني ولي الدين القادري البغدادي (ت1741م) وغيرهم كثيرون.

· الوعظ والإرشاد والإصلاح الاجتماعي العام:

لما كان الوضع في الهند يغلب عليه الطابع العرفاني الصوفي ، اختار الشاه ولي الله الدهلوي نفس الأسلوب لعملية الإصلاح الاجتماعي والفكري العام ، لكن لم يقتصر جهده على الأوراد والأذكار فقط ، بل كان يهتم بإصلاح مريديه في كل نواحي الحياة ، وقد حالفه نجاح كبير في هذا الجانب حيث ربى مجموعة جيدة من الرجال ، لكنه لم يتمكن -كما يرى الأستاذ المودودي- أن ينشئ حركةً تعمل لتنفيذ خطته الفكرية والحضارية؛ لأن العمل الفكري والعلمي أخذ كل وقته. إلى جانب ذلك حاول تنقية التصوف من شوائب الشرك وخرافات البدع ، وخاصة بعد عودته من رحلة الحج التي كانت في الحقيقة رحلة في طلب العلم ، وخاصة في طلب الحديث.

· العمل العلمي والإصلاح الفكري:

من أهم ما قام به الإمام الدهلوي هو توجيه النقد لتاريخ الإسلام والمسلمين بعد أن ميز بصورة دقيقة بين ما يمكن أن يسمى بتاريخ الإسلام وما يمكن تسميته بتاريخ المسلمين ، ثم ألقى نظرة دقيقة على التاريخ وذكر خصائص كل فترة زمنية ، ومن خلال ذلك توصل إلى المشاكل والمفاسد الموجودة في مختلف الفترات التاريخية ، وتوصل إلى أن السبب الحقيقي وراء كل تلك المفاسد والمشاكل أمران:

الأول: انتقال السلطة السياسية من الخلافة الراشدة إلى الملكية ، وقد تحدث عن الفروق الأساسية بين النظامين بالتفصيل في كتابه "إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء" ، وتحدث عن الآثار المترتبة على هذا التغير والانتقال من الخلافة إلى الملكية.

والثاني: استيلاء الجمود على العقول وموت روح الاجتهاد ، وأما هذه المشكلة والمفسدة فقد تحدث عنها في جميع كتبه ، مثل "إزالة الخفاء" ، و"حجة الله البالغة" ، و"البدور البازغة" ، و"التفهيمات" وغيرها.

· توجيه النقد للأوضاع القائمة في عصره:

أيضا توجه الشيخ إلى نقد الأوضاع القائمة في عصره ، وتبيين الانحرافات الموجودة لدى جميع أطياف المجتمع وطبقاته ، فنبه على المشاكل الموجودة لدى العلماء والمولعين بالعلوم العقلية والمناظرات الاستدلالية ، وذكر الفقهاء واختلافاتهم الفقهية وتعصب كل فريق لرأيه ، وتحدث عن الصوفية وخرافاتهم ، وذكر طلاب العلم وتركهم لدراسة كتاب الله وسنة رسوله ، وانهماكهم في الفلسفة اليونانية والعلوم الآلية وتفريعات الفقهاء ، وذكر الوعاظ وتضييقهم الأمور على خلق الله ، مع أنهم مأمورون أن يوسعوا على الناس ، وذكر الأمراء وأهل السلطان وانغماسهم في الشهوات المحرمة وشرب الخمر ، وذكر العساكر وظلمهم للناس ، وتحدث عن عامة الناس أهل الحرف ، وابتعادهم عن دين الله وعن الأخلاق الحميدة ، وانتشار الخرافات والأعمال الشركية فيهم ، والتبذير الذي راج فيهم ، وتناول جميع أنواع الفساد وما وقع فيه أهل زمانه. والنتيجة الطبيعية لعملية النقد أن يبدأ الناس بتمييز الصحيح من الخطأ ، والخير من الشر ، والبحث عن الطرق العملية لإزالة الجاهلية والفساد ، ونشر الخير والصلاح ، وبذلك هيأ الظروف لإقامة حركة إسلامية لتصحيح تلك الأوضاع وإقامتها على الإسلام الصحيح ، وإعادة الأمور إلى نصابها ، كان طبيعيا أن تتكون -بعد فترة وجيزة من هذا العمل الإصلاحي- حركة المجاهدين بقيادة أحمد بن عرفان والسيد إسماعيل الشهيد حفيد الشيخ ، فتحاول إقامة النظام الإسلامي ، وأن تتوالى بعد ذلك الحركات التجديدية في شبه القارة الهندية.

· التجديد الفكري والعلمي:

إلى جانب العمل النقدي قام الإمام بعملٍ فكري تجديدي بَنّاءٍ كبير قدم من خلاله الإسلام في صورة نظام أخلاقي وحضاري متكامل ، وذلك من خلال اثنين من كتبه العظيمة؛ هما "حجة الله البالغة" ، و"البدور البازغة" ، فإنه أقام فلسفة اجتماعية متكاملة على النظام الأخلاقي في كتاب "حجة الله البالغة" ، فتحدث بالتفصيل عن آداب المعاش ، وتدبير المنزل ، وفن المعاملات ، وسياسة المدينة ، والعدل ، والضرائب على المحاصيل ، ونظام الدولة ، وتنظيم الجيوش ، وأشار ضمن ذلك إلى ما يوجب الفساد في الحضارة ، وتناول بعد ذلك نظام الشريعة ، والعبادات ، والأحكام والقوانين ، ووضح حِكَمها بالتفصيل ، وفي نهاية الكتاب ألقى نظرة على تاريخ الأمم بعد مجيء الإسلام ، وتحدث عن الصراع المستمر بين الإسلام والجاهلية ، والخير والشر بصورة لم يُسبق إليها. حاول الشيخ تقديم خطة متكاملة للإصلاح ، لإزالة الواقع الفاسد ، وإقامة البديل الصحيح له ، فقدم من خلال عملية النقد معالم الواقع الفاسد ، ومن خلال العمل الفكري قدم معالم النظام السليم الذي يجب أن يحل محله.

· إحياء علوم الكتاب والسنة:

كان العصر الذي عاش فيه الشاه ولي الله عصر تخلف للمسلمين في الهند ، حتى المناهج الدراسية كان يغلب عليها طابع العلوم العقلية والعلوم الآلية ، فأحيى الله سبحانه وتعالى به علوم الكتاب والسنة ، فترجم القرآن إلى اللغة الفارسية الدارجة حينذاك ، ولما رجع من سفر الحج -الذي أسميه رحلته في طلب الحديث- عاد ومعه علوم السنة النبوية ، ومن هنا وقف نفسه بعد ذلك لنشرها ، وهو عمل لا يدرك فضله إلا من يعرف الظروف التي كان يعيش فيها العلماء وطلاب العلم في ذلك الوقت.

· محاربة الجمود والتقليد:

ومن أهم ما قام به الشيخ محاربة الجمود والتقليد في جميع المجالات الفكرية ، وخاصة في مجال الفقه؛ فقد قدم ضوابط الاجتهاد مفصلة من خلال كتابيه: "عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد" ، و"الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف بين الفقهاء والمحدثين" ، ومن خلال كتبه في شرح كتب الحديث وغيرها.

مؤلفاتهفي الحديث

1. "الأربعين": مجموعة من أربعين حديثا جامعا ، جمعها الشيخ على طريقة الأئمة السابقين بالسند المتصل عن طريق شيخه أبي طاهر المدني ، رغبة في بشارة الرسول حيث قال: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما ينفعهم من أمر دينهم ، بعثه الله يوم القيامة من العلماء" ، وترجمه الشيخ عبد الماجد دريابادي إلى اللغة الأردية ، وطبع الكتاب في مطبعة أنوار محمدي ، لكناو ، الهند ، عام 1319هـ.

2. "الإرشاد إلى مهمات الإسناد": كتيب باللغة العربية جمع فيه الشيخ أحوال مشايخه الذين درس عليهم في رحلة الحج ، وتكلم فيه على أسانيدهم ، وطبع الكتاب في مطبع أحمدي ، جشن خان ، دهلي ، عام 1307هـ.

3. "شرح تراجم أبواب البخاري": وهو كتاب نفيس باللغة العربية ، تحدث فيه عن شرح تراجم الأبواب (عناوين الأبواب) في "صحيح البخاري" ، وتحدث فيه عن كيفية الاستدلال بالأحاديث الواردة في كل باب على ترجمة الباب ، فإن هذين الأمرين يدق فهمهما على العلماء وشراح الحديث ، ومن هنا قالوا: "فقه البخاري في تراجمه" ، وقد وُفق الإمام ولي الله الدهلوي أيما توفيق في ذلك. هذه الرسالة تطبع باستمرار مع نسخة صحيح البخاري المطبوعة في الهند بتعليق الشيخ أحمد علي السهارنفوري.

4. "تراجم أبواب البخاري": رسالة مختصرة باللغة العربية ، تحدث فيها عن قواعد وأصول لفهم تراجم الإمام البخاري في كتابه "الصحيح" ، طُبعت هذه الرسالة في مطبع نور الأنوار ، آره ، عام 1899م ، ثم طُبعت مع كتاب "شرح تراجم أبواب البخاري" من قبل دائرة المعارف ، حيدر آباد ، الدكن ، الهند ، عام 1323هـ.

5. "فضل المبين في المسلسل من حديث النبي الأمين": كتاب صغير كتبه الشيخ باللغة العربية عن الحديث المسلسل.

6. "المسوى شرح الموطا": شرح وجيز لـ"موطأ الإمام مالك" باللغة العربية ، اهتم فيه ببعض القضايا المتعلقة بشرح الحديث ، طبع الكتاب عدة طبعات ، وهو كتاب متداول معروف.

7. "المصفى شرح الموطا": ترجمة لـ"موطأ مالك" ، وشرحه الإمام شرحا وجيزا باللغة الفارسية ، وهو متداول معروف طبع عدة طبعات ، منها طبعة كتب خانه رحيمية ، سنهري مسجد ، دهلي ، الهند. ويظهر من هذا الاهتمام أهمية "الموطأ" لدى الإمام ، والسبب في ذلك كما يقول في مقدمة الكتاب أنه "كان مشوشا لفترة غير قصيرة لاختلاف الفقهاء ، ولكثرة مذاهب العلماء وآرائهم ، ومنازعاتهم الكثيرة ، وسبب التشويش أن التعيين أمر مهم للعمل ، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق الترجيح ، ولكنني وجدت وجوه الترجيح مختلف فيها كذلك ، فسعيت هنا وهناك ، واستعنت بكل واحد ، لكن لم أعد بطائل ، فتوجهت إلى الله عز وجل أتمتم بهذه الكلمات الدعائية {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} ، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، فتمت الإشارة إلى كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس".

8. "النوادر من أحاديث سيد الأوائل والأواخر": كتب هذا الكتاب باللغة العربية ، وطبعته مطبعة نور الأنوار ، آره.

9. "الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين": وهو رسالة صغيرة جمع فيها المؤلف الرؤى التي بشره فيها النبي هو وآباؤه ، وقد أورد بعض هذه البشارات في آخر كتابه "التفهيمات الإلهية" كذلك ، وقد طبع "الدر الثمين" في مطبع أحمدي ، دهلي ، الهند.

10. "أنسان العين في مشايخ الحرمين": رسالة مختصرة جمع فيها تراجم مشايخه في مكة المكرمة و المدينة المنورة ، وضمنه كتابه أنفاس العارفين.

في أصول الدين وفلسفة الشريعة

1. "حجة الله البالغة": يعتبر هذا الكتاب لدى المحققين من أهم كتب الإمام ولي الله الدهلوي على الإطلاق ، كتبه باللغة العربية ، ويرى بعض المحققين أنه أول كتاب يدون في موضوع فلسفة الدين عموما وفي فلسفة الإسلام خصوصا ، تحدث فيه عن أسرار الشريعة ، و-في رأي الأستاذ المودودي- قدم الشيخ من خلاله تصوره الكامل للنظام الحضاري المتكامل للإسلام. وهو كتاب متداول معروف ، وقد ترجم إلى لغات كثيرة منها اللغة الأردية ، واللغة الفارسية ، واللغة الإنجليزية (ترجمه إلى اللغة الإنجليزية الدكتور محمد الغزالي) طبع في اللغة العربية أكثر من طبعة ، ومن أواخر الطبعات المتداولة طبعة دار الجيل بتحقيق: الشيخ سيد سابق.

2. "البدور البازغة": هو أيضا من أهم كتب الإمام ولي الله الدهلوي ، وموضوعه يقرب من موضوع الكتاب السابق ، كتبه باللغة العربية ، طبع في سلسلة مطبوعات المجلس العلمي بدابهيل سورت ، الهند ، عام 1354هـ.

3. "حسن العقيدة": رسالة مختصرة بالعربية عن العقيدة.

4. "المقدمة السنية في انتصار الفرقة السنية"

5. "التفهيمات الإلهية": كتاب باللغتين العربية والفارسية ، وعدّه البعض من كتبه في التصوف والسلوك ، لكنه في الحقيقة كتاب جمع فيه الشيخ آراءه في مسائل متنوعة جدا ، على غرار كتاب "صيد الخاطر" لابن الجوزي ، منها قضايا متعلقة بالتصوف والسلوك ، ومنها حوادث ووقائع وقعت للمؤلف ، ومنها آراؤه في تفسير بعض الآيات ، ومنها شرحه لبعض الأحاديث ، ومنها قضايا متعلقة بطبيعة الدين والشريعة ، وفلسفتهما ، ومنها قضايا متعلقة بالإصلاح والتقويم للأوضاع القائمة في عصره ، ومنها الإشارات إلى الانحرافات العقدية ، فهو كشكول عالم حوى معارف متنوعة ، وقد طبع الكتاب ضمن سلسلة مطبوعات المجلس العلمي بدابهيل سورت ، الهند ، عام 1355هـ.

في التصوف والسلوك

1. "ألطاف القدس": كتبه باللغة الفارسية ، تحدث فيه عن فلسفة التصوف ولطائفه ، وعن مقامات النفس ، وعن قوى الإنسان الباطنية ، طبع في مطبع أحمدي ، دهلي ، الهند.

2. "فيوض الحرمين": كتبه باللغة العربية ، تحدث فيه عن المشاهدات المنامية ، والمعارف الروحانية ، طبع في مطبع أحمدي بدهلي ، مع ترجمته باللغة الأردية عام 1308هـ.

3. "القول الجميل في بيان سواء السبيل": كتبه باللغة العربية ، تحدث فيه عن آداب الشيخ والمريد ، وعن البيعة ، وتاريخ نظام التصوف والسلوك.

4. "سطعات": كتبه الشيخ ولي الله الدهلوي بالفارسية ، تحدث فيه عن قضايا علم الكلام والعقيدة ، وعن بعض المسائل في التصوف والسلوك ، طبع في مطبع أحمدي ، دهلي ، عام 1929م ، ثم توالت طبعاته في أماكن أخرى أيضا.

5. "الانتباه في سلاسل الأولياء": كتب هذا الكتاب باللغة الفارسية عن سلاسل الصوفية المختلفة وتاريخها ، طبع في مطبع أحمدي ، عام 1311هـ.

6. "همعات": كتبه باللغة الفارسية ، تحدث فيه عن مراحل أربع في نشأة التصوف وارتقائه ، وبيّن خصائص كل مرحلة ، طبع الكتاب في تحفه محمدية ، دهلي ، الهند.

7. "شفاء القلوب": باللغة الفارسية.

8. "لمعات": باللغة الفارسية.

9. "كشف الغين عن شرح الرباعيتين": باللغة الفارسية ، شرح في هذا الكتاب باللغة الفارسية رباعيتين لأحد الصلحاء المعروفين وهو خواجه باقي بالله ، وطبع الكتاب عام 1310هـ ، في مطبعة مجتبائي ، دهلي ، الهند.

10. "فتح الودود لمعرفة الجنود": كتبه باللغة العربية.

11. رسالة في جواب رسالة الشيخ عبد الله بن عبد الباقي حسب اقتضاء كشفه.

12. "الهوامع": كتاب شرح فيه القصيدة الدعائية بعنوان "حزب البحر" للشيخ أبي الحسن الشاذلي.

في أصول الفقه

1. "الإنصاف في أسباب الاختلاف": هذا الكتاب مع وجازته من أفضل الكتب المؤلفة في هذا الموضوع ، وخاصة إذا نظر الإنسان إليه في الظروف التي ألف فيها ، وقد طبع الكتاب مرات عديدة باللغة العربية ، آخرها طبعة دار النفائس ، بيروت ، بتحقيق: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، وقد ترجم إلى عدة لغات ، منها اللغة الأردية ، ترجمه إليه الشيخ صدر الدين إصلاحي ، وهذه الترجمة متداولة معروفة ، وترجم إلى اللغة الفارسية كذلك.

2. "عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد": تحدث في هذا الكتاب عن حكم الاجتهاد ، وعن شروط المجتهد ، وأنواعه ، ومواصفاته ، وعن تقليد المذاهب الأربعة ، عن تقليد العالم للعالم ، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع ، وقد ضمن الأستاذ فريد وجدي هذا الكتاب في دائرة معارفه تحت كلمة "جهد" ، وقد طبع الكتاب مع ترجمته المسماة بـ"سلك مرواريد" في مطبع مجتبائي ، دهلي ، الهند ، عام 1310هـ.

في السيرة والتاريخ والأدب

1. "قرة العينين في تفضيل الشيخين": كتبه الإمام باللغة الفارسية لإثبات فضل الشيخين أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، ورد فيه على مزاعم الشيعة ، والكتاب مطبوع متداول.

2. "إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء": كتبه باللغة الفارسية ، ويعتبر من أشهر كتب الشيخ الشاه ولي الله وأهمها بعد "حجة الله البالغة" ، هذا الكتاب ضمنه الشيخ أفكاره السياسية ، وتحدث فيه عن مفهوم الخلافة وإثباتها بالكتاب والسنة. ويتضمن الرد على كثير من فِرى الشيعة والروافض ، وطبع عدة طبعات.

3. "أنفاس العارفين": هذا الكتاب يتضمن سبع رسائل تالية: "بوارق الولاية" ، "شوارق المعرفة" ، "الإمداد في مآثر الأجداد" ، "النبذة الإبريزية في اللطيفة العزيزية" ، "العطية الصمدية في الأنفاس المحمدية" ، "أنسان العين في مشايخ الحرمين" ، "الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف". في الغالب تتضمن هذه الرسائل السبع تراجم آباء الشيخ ولي الله الدهلوي وأجداده ومشايخه ، لكنه ضمن هذا الكتاب بحكايات خيالية كثيرة ، ولم يسلك فيه المنهج العلمي في التأكد من القصص والأخبار في الغالب ، والكتاب مطبوع ، في مطبع مجتبائي ، دهلي ، الهند ، عام 1917م.

4. "سرور المحزون": لخص فيه سيرة الرسول بالفارسية من كتاب "نور العيون في سيرة الأمين والمأمون" ، بطلب من الشيخ مظهر جان جانان ، وطبع الكتاب في مطبع جيون بركاش ، دهلي ، الهند.

5. "أطيب النغم في مدح سيد العرب والعجم": شرح فيه قصيدته البائية في نعت الرسول ، وطبع في مطبع مجتبائي ، دهلي ، عام 1308هـ.

6. "ديوان الشعر العربي": جمعه ولده الشاه عبد العزيز ، ورتبه ابنه الثاني الشاه رفيع الدين.

في التفسير وعلوم القرآن

1. "الفوز الكبير في أصول التفسير": هذا الكتاب أصله في اللغة الفارسية ، لكنه ترجم إلى اللغات الأخرى ، وهذه التراجم هي المتداولة الآن ، ترجم إلى اللغة العربية مرتين؛ الترجمة الأولى قام بها الشيخ محمد منير الدمشقي الأزهري ، والترجمة الثانية للشيخ سيد سليمان الندوي ، ولم يترجم أحدهما مبحث "الحروف المقطعات" فترجمه الشيخ محمد إعزاز علي الأمروهي ، وألحقه بالكتاب ، والكتاب يشتمل على أربعة أبواب على النحو التالي: الباب الأول: في العلوم الخمسة التي بينها القرآن العظيم بطريق التنصيص؛ وهي علم الأحكام ، وعلم مناظرة أهل الكتاب والمشركين والمنافقين ، وعلم التذكير بآلاء الله ، وعلم التذكير بأيام الله ، وعلم التذكير بالموت وما بعده. الباب الثاني: في بيان وجوه الخفاء في معاني نظم القرآن. تناول في هذا الباب شرح الغريب ، المواضيع الصعبة في فن التفسير ، حذف بعض أجزاء وأدوات الكلام ، المحكم والمتشابه ، الكناية ، التعريض ، والمجاز العقلي. الباب الثالث: في بديع أسلوب القرآن. وتناول في هذا الباب إعجاز القرآن. الباب الرابع: في بيان فنون التفسير وحل اختلاف ما وقع في تفسير الصحابة والتابعين. والكتاب مطبوع متداول مشهور ، ومعه الرسالة الثانية التي تعتبر ملحقة بـ"الفوز الكبير" ، وهي "فتح الخبير".

2. "فتح الخبير بما لابد من حفظه في علم التفسير": كتبه الشاه باللغة العربية ، ويعتبر تكملة لـ"الفوز الكبير" ، تناول فيه حسب السور القرآنية تفسير غريب القرآن ، وبعض أسباب النزول وخاصة ما لا يمكن فهم الآية إلا بها ، يقول الشيخ في مقدمته: "يقول العبد الضعيف ولي الله بن عبد الرحيم -عاملهما الله بلطفه العظيم- هذه جملة من شرح غريب القرآن من آثار حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس ما ، سلكت فيها طريق ابن أبي طلحة ، وكملتها من طريق الضحاك عنه ، كما فعل ذلك شيخ مشايخنا الإمام الجليل جلال الدين السيوطي في كتابه "الإتقان" -أعلى الله درجته في الجنان- ، ورأيت بعض الغريب غير مفسر في تينك الطريقين ، فكملته من طريق نافع بن الأزرق عنه ، وبما ذكره البخاري في "صحيحه" فإنه أصح ما يروى في هذا الباب ، ثم بغير ذلك مما ذكره الثقات من أهل النقل ، وقليل ما هو ، وجمعت مع ذلك ما يحتاج إليه المفسر من أسباب النزول منتخبا له من أصح تفاسير المحدثين الكرام أعني "تفسير البخاري" و"الترمذي" و"الحاكم" -أعلى الله منازلهم في دار السلام- ، فجاءت بحمد الله رسالة مفيدة في بابها عدة نافعة لمن أراد أن يقتحم في عبابها ، وسميتها "فتح الخبير بما لابد من حفظه في علم التفسير".

3. "تأويل الأحاديث في رموز قصص الأنبياء": كتيب صغير كتبه باللغة العربية طبع مع ترجمته بالأردية في مطبع أحمدي بدهلي في حوالي ثمانية وثمانين صفحة ، وقد تناول فيه قصص بعض الأنبياء بالبحث. ويعتبر هذا الكتاب من أهم كتب الشاه؛ لأن الموضوع الذي تناوله فيه خطير ، ولأن الشيخ تناول القصص القرآنية المتعلقة بالأنبياء ومعجزاتهم بالتأويل ، وحاول أن يقربها إلى الأفهام عن طريق التأويل. والخطورة فيه أنه أخرج هذه الحوادث من أن تكون معجزات أو خوارق للعادات؛ فإنه يرى كل القصص والمعجزات التي حصلت للأنبياء عليهم السلام أنها من قبيل المنامات والرؤى ، ومن ذلك في رأيه: إخراج آدم من الجنة ، وإلقاء إبراهيم في النار من قبل نمروذ ، وعصا موسى ، عليهم السلام ، يقول:"اعلم أن الأحوال الطارئة على نفوس الكمال والواقعات المنتظمة في المثال تكملة لهم ، حكمها حكم المنام ، وكذلك الحوادث الواقعة كلها منامات" ، وقد ذكر في هذا الكتاب بعض القواعد والضوابط بناها على فلسفته المتعلقة بـ"عالم المثال" ، وأول قصة آدم وخروجه من الجنة بناء على تلك الفلسفة كنموذج ، ثم قال: "هذا كله منام ورؤيا ، تعبيره أن الله أراد به أن يصير خليفة في الأرض ، ويبلغ إلى كماله النوعي ، وأما نهيه عن الشجرة ، ثم إلقاء وسواس الشيطان ثم معاتبته ، وإخراجه فكله صورة التقريب بحسب خروجه عن عالم المثال إلى الناسوت تدريجا". ويرى الشيخ ولي الله الدهلوي أن المعجزات لا تكون خارقة للعادة تماما ، ولا تكون مخالفة لها بالكامل ، بل تبقى واسطة العادة معها في مرتبة ما ، يقول في ذلك: "اعلم أن الله إذا أظهر خارق عادة لتدبير فإنه إنما يظهر في ضمن عادة ولو ضعيفة؛ فالخوارق أسباب ضعيفة كأنها وجدت مشايعة لنفاذ قضاء الله وعنايته بالأسباب الأرضية لئلا يخترق العادة من كل وجه ، وفي القرآن والسنة إشارات تدل عليها ، وفي القصة إيماء وفحوى مما يعرفها العارف ، بل كل لبيب منصف" ، وهكذا يستمر في تأويل القصص القرآنية ، ويذكر التوجيهات المادية للحوادث التي حصلت للأنبياء عليهم السلام ، فيرى على سبيل المثال أن نار نمروذ بردت لأن الله سبحانه وتعالى أرسل عليها هواء من الزمهرير ، وأن البحر انفلق لموسى ولقومه بسبب الهواء ، وأن مساكن ثمود كانت الجبال والمغارات فكان أقرب أنواع العذاب في حقهم الزلزال والصيحة. ويقول عن معجزة شق القمر لرسول الله : "وليس يجب انشقاقه البتة انشقاقا لعين القمر ، بل يمكن أن يكون ذلك بمنزلة الدخان وانقضاض الكوكب ، والكسوف ، والخسوف ، فما يظهر في الجو لأعين الناس ، فيستعمل بإزائها في اللغة العربية ألفاظ وضعت لا يقع على نفس هذه الأشياء" ، وبهذا قد شذ الشيخ الشاه ولي الله في كثير من تأويلاته لقصص الأنبياء ومعجزاتهم في كتابه هذا واختار منهجا يتعارض مع المنهج المختار لدى عامة أهل السنة.

4. "المقدمة في قوانين الترجمة": هذه الرسالة التي لا يتجاوز حجمها عشر صفحات كتبها الشيخ أثناء ترجمته للقرآن الكريم ، وهي رسالة مهمة جدا؛ لأن الشيخ عانى من مشاكل الترجمة بنفسه ، ومن هنا تكون لها قيمتها وأهميتها برغم صغر حجمها.

وأخيرا نسمع ترجمة وجيزة للإمام الشاه ولي الله الدهلوي من رسالة كتبها بيده وسماها "الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف" ، يقول رحمه الله فيها :

إني ولدت يوم الأربعاء رابع شوال وقت طلوع الشمس في سنة 1114هـ ، اسمي التأريخي "عظيم الدين" ، ورأى والدي وجماعة من الصلحاء مبشرات قبل ولادتى ، وهي مذكورة في كتاب "القول الجلي في ذكر آثار الولي" ، وفي الخامس من العمر أرسلوني إلى الكتَّاب ، وأمر الوالد بإقامة الصلاة والصوم وأنا ابن سبع ، وتمَّ اختتاني في السنة نفسها ، وكذلك أنهيت القرآن الكريم لأبدأ الكتب الفارسية ، حتى قرأت كتاب "شرح الملا جامي" وأنا ابن عشر سنين ، وتمكنت من مطالعة الكتب و دراستها ، وتزوجت في الرابع عشر من عمري ، وبايعت على يد الوالد في الخامس عشر ، واشتغلت بأشغال المشايخ الصوفية وخاصةً النقشبندية ، وقرأت في نفس السنة جزءاً من كتاب "البيضاوي" فكأني أنهيت بذلك المنهج الدراسي السائد في هذه البلاد. و عمل الوالد بهذه المناسبة مأدبةً عظيمةً دعا لها الناس عامتهم وخاصتهم. وأجازني الوالد بالتدريس. و قرأت من العلوم والفنون السائدة في هذه الديار درساً درساً الكتبَ التاليةَ: كتاب "مشكاة المصابيح" (إلا النزر اليسير منه وهو من كتاب البيوع إلى كتاب الآداب) ، و"صحيح البخاري" (لغاية كتاب الطهارة) ، و"الشمائل للترمذي" (برمته) ، وشيئاً من "تفسير البيضاويط ، و"تفسير المدارك".

ومن أعظم نعم الله علي أن وفقني لحضور درس القرآن الذي كان يلقيه الوالد ، وكنت أقدم عليه دراسةَ عدة كتبٍ تفسيريةٍ ، و إمعان نظر فيها. وبذلك قرآت نصوص القرآن الكريم غير مرةٍ على الوالد ، وهو مما فتح علي باباً عظيماً من أبواب الخير والبركة ، والحمد لله على ذلك.

وقرأت "الهداية" و"شرح الوقاية" - في الفقه - و"الحسامي" ، وجزءاً كبيراً من "التوضيح والتلويح" - في أصوله - و"شرح الشمسية" - بكامله - وشيئاً من "شرح المطالع" - في المنطق - و"شرح العقائد" مع "حاشية الخيالي" وجزءاً من "شرح المواقف" - في علم الكلام - "والعوارف" و"رسائل النقشبندية" وغيرهما - في التصوف - و"شرح رباعيات للجامي" و "اللوائح" - في علم الحقائق - بالإضافة إلى "مقدمة شرح اللمعات" و"مقدمة نقد النصوص" و في فن خواص الأسماء والآيات قرأت بعض المجموعات مما عمله الوالد ، وفي الطب: "الموجزَ" ، وفي الفلسفة: "شرحَ هداية الحكمة" وغيره ، وفي النحو: "الكافيةَ" و"شرح الجامي" وفي علم المعاني: "المطول" والجزء الذي علَّق عليه الملا زاده من "مختصر المعاني" وفي علم الهيئة و الحساب بعض الرسائل الوجيزة .

وأحمد الله تعالى على أن دراسة هذه الكتب أيام التحصيل أكسبتني نوعاً من العلاقة بكل علمٍ وفنٍ ، ورسخ في ذهني أهم قضاياه وأبرز مباحثه ، ووعاها قلبي.

وتوفي الوالد وأنا ابن سبع عشرة سنة ، وأجازني بأخذ البيعة والإرشاد وهو مريض ، ثم اشتغلت بتدريس الكتب الدينية والمعقولات نحو اثني عشرعاماً ، وتيسر لي إمعان النظر في كل علم وفن. و تشرفت بزيارة الحرمين الشريفين عام 1143هـ /1730م ، وفي عام 1144هـ /1731م أقمت بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وتلمذت على الشيخ أبي طاهرالمدني ، وغيره من مشايخ الحرمين و أسندت الحديثَ عنهم. وكانت الروضة المطهرة محط أنظاري خلال وجود بالمدينة المنورة ، فانهمرت عليّ من الفيوض والبركات ما لا أقدر وصفه ، كما سعدت كثيراً في هذه الرحلة بزيارة و مجالسة عددٍ غير قليل من علماء الحرمين الشريفين والعالم الإسلامي ، وخلع علي الشيخ أبوطاهر المدني خرقة تجمع بين طرق الصوفية كلها ثم قدَّر الله تعالى لي الحج مرةً ثانيةً في نهاية عام 1144هـ /1731م ، وعدت إلى البلاد عام 1145هـ /1732م حتى وصلت إلى الوطن يوم الجمعة 14/ من رجب عام 1145هـ .

ومن أعظم ما أنعم الله تعالى على هذا العبد - يعني نفسه - أن أولاه خلعة الفاتحية ، وعلى يده فتح هذا العهد الأخير؛ فكان أول من قرع هذا الباب. ومما وفقني الله تعالى للقيام به من الأعمال: تدوين المرضي من الفقه ، وتأسيس الجمع بين الفقه والحديث من جديد ، وتشييد الصرح العالي لهذا الفن الشريف. فقمت بضبط أسرار السنن ومصالح الأحكام وسائر ما جاء به صلى الله عليه وسلم من ربه عزّ وجل ، ضبطاً لم يسبقني إليه أحد حتى أثبتُّ عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج ، وطهّرتها من قذى أهل المعقول بحيث لا تمتد إليه يد الريب والجدال.

كما وفقني الله تعالى -كذلك- لأن أثبت معتقدات أهل السنة والجماعة بالأدلة والحجج ، وأُعْطِيتُ الحكمة العملية ، وتوفيق تشييدها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، و شرحها وبيانها ، وتمييز العلم المنقول من المحرف المدخول ، وفرق السنة السنية من البدعة غير المرضية. انتهى.

المراجع :

ويكيبيديا –الموسوعة الحرة- عام 2014.

بعض المجلات الإسلامية.

الإمام العلامة سراج الهند عبد العزيز الدهلوي

(1159 - 1239 هـ)

هو العالم الرباني العظيم والمحدث الكبير الشهير الشاه عبد العزيز بن ولي الله بن عبدالرحيم العمري الدهلوي ، أحد كبار العلماء المسلمين العلماء في عصره ، لقبه البعض بـ«سراج الهند» وبـ«حجة الله». يراه البعض كأحد مجددي الإسلام في زمانه. كان طويل القامة ، نحيف البدن ، أسمر اللون ، أنحل العينين ، كث اللحية ، وكان يكتب النسخ والرقاع بغاية الجودة ، وكانت له مهارة في الرمي والفروسية.

مولده ونشأتهولد رحمه الله عام 1159 هـ وتربَّى عند والده علاَّمة الوقت ، فحفظ القرآن ، وأخذ العلم عنه ، فقرأ عليه وسمع في الحديث وغيره من العلوم قراءةَ درايةٍ وتحقيق ، حتى حصلت له ملكة راسخة في العلوم ، �