1

الجمهورية التونسيةوزارة العدل

المحاكم المختصة كوسيلة لالرتقاء والعدالة بقلم القاضي محمد

الصالح بنحسين وكيل الرئيس األول

لمحكمة التعقيب

المقدمة: تركز مختل��ف سياس��ات دول الع��الم الي��وم اهتماماته��ا على

فمن��ه تس��توحي م��ا يجب ، وبرأي��ه ك��ذلك تس��تبعد م��ا ال المواطن يجب ، فسلطة الشعب التي تعد الركيزة األساسية للديمقراطي��ة توحي بأن يكون المواطن في قلب كل اختيار فهو المنطلق وه��و الغاي��ة ، وك��ل مس��عى يجب أن يص��ب في ه��ذا االتج��اه ، ف��دوام الحضارات من رفاه الشعوب وأمنه��ا. وم��ا الش��عوب إال أن��ا وأنت

واآلخرون . وإذا ما كان اإلنسان ذات ، ومكاس��ب ، وتواص��ل ، ك��ان من الالزم الحفاظ على ذاته ومكاسبه ، وعلى تواصله مع اآلخ��رين ، وذل��ك ال يك��ون إال بمن��اخ تش��ريعي مالئم ومحي��ط خ��دماتي - من ضمن مكوناته القضاء - يرقى قدر اإلمكان إلى األفضل ، وما ه��و

إال جهد بشري مستمر يتوق على الدوام إلى ما هو أحسن. فب��األمس الق��ريب يتح��دث المؤرخ��ون ورج��ال الق��انون عن

(، وعن المجل��ة المدني��ة الفرنس��ية - مجل��ة1ق��انون حم��ورابي )

البشري ) 1 التاريخ في المكتوبة الشرائع أقدم من القديمة بابل ملوك سادس حمورابي شريعة تعتبرعام إلى الحياة 1790وتعود نواحي لكل وشاملة متكاملة القوانين من مجموعة من وتتكون الميالد قبل

) ( ، المرأة وحقوق ، الممتلكات وإتالف األغنام رعاية أو والزراعة ، السرقة على ركزت ، بابل فيمن البنود ورقمت ، واإلصابات ، والموت ، والقتل ، العبيد وحقوق ، األطفال المرجع ) 282إلى 1وحقوق

الحرة: (. الموسوعة ، ويكيبيديا ، حمورابي شريعة

16/05/2023

2

( وعن غ��يرعم ممن ال يتس��ع3(، وعن القاضي عياض )2نابليون - ) المج��ال ل��ذكرهم ، ف��أين نحن من ك��ل ذل��ك ، ف��إن ّزين ه��ؤالء وغيرهم بمآثرهم تاريخ البشرية وساهموا من موقعهم آنذاك في وضع اللمسات األولى لمجال المعامالت ، دعت الحاج��ة والتط��ور البشري إلى التشوف إلى ما هو أفضل. وليس أدل على ذلك من أن المجلة المدنية التونسية ) مجل��ة االلتزام��ات والعق��ود ( ك��انت

( ، ثم4 تشمل كل فروع النش��اط الم��دني )1906حين سنها سنة ( ، وب��دت الحاج��ة5وبمرور الوقت أخذت تلك المجلة األم تتآكل )

إلى سن قوانين خاص��ة أك��ثر مالءم��ة للواق��ع ، وأحس��ن اس��تجابة للتطور لينفصل عنها القانون العي��ني وذل�ك بس�ن مجل��ة الحق�وق

( ال��تي ع��رفت ب��دورها7 ( وك��ذلك المجل��ة التجاري��ة ) 6العيني��ة ) مرحل��ة ثاني��ة من االنفص��ال يتمث��ل في إص��دار مجل��ة الش��ركات

( ،9 ( . كل ذل�ك دون أن ننس�ى الق�وانين اإلجرائي�ة )8التجارية ) سنة (2 سبتة بمدينة ولد اليحصبي موسى بن عياض الفضل أبو سنة 476هو وتوفي هجري 544هجري

العمر من وله سبتة بمدينة القضاء سيرته 35ولي الناس وحمد صيته فذاع غرناطة قضاء ثم سنةالحرة) : (. الموسوعة ويكيبيديا ، عياض القاضي المرجع

الفرنسي (3 االمبراطور إلى وينسب الفرنسي المدني القانون تحكم التي القوانين من مجموعة هوبونابارت : نابليون

(code napoleon ) عام القوانين 1800ففي كل لوضع متمرسين قضاة أربعة من لجنة نابليون كلففي القوانين بهذه العمل وبدأ واحدة مجموعة في الفرنسية المرجع ) :1804مارس 21المدنية

حمورابي : ( شريعة ، الحرة الموسوعة ويكيبيديافي( 4 المؤرخ األمر بموجب التونسية المملكة صاحب باي باشا الناصر محمد الباي سنة 28أصدر شوال

ل� 1324 من 1906ديسمبر 15الموافق األول الفصل ونص والعقود بااللتزامات المتعلقة والقواعد العوائدتأليف : في جمعت والعقود بااللتزامات المتعلقة بعد فيما المنشورة النصوص يلي ما على المذكور األمر

أنه " " على األمر نفس من الثالث الفصل نص كما ، التونسية والعقود االلتزامات مجلة وباسم واحدعام جوان غرة من التونسية محاكمنا في تطبيقها ويقع المجلة هذه بأحكام . 1907يجري

العام " " ( 5 اإلجرائي القانون وتجارية مدنية إجراءات كتابه في الغزواني الدين نور الدكتور يقولتونس المختص للكتاب األطرش مجمع ص 2012منشورات والعقود االلتزامات مجلة عن يبدو " 33متحدثا

وطرقته ... إال القانون في بابا تترك فلم بطرف شيء كل من أخذت قد المجلة هذه أنت فعالعدد( 6 القانون بمقتضى العينية الحقوق مجلة في 1965لسنة 5أحدثت الموافق 1384شوال 11المؤرخ

إليها : 1965فيفري 12ل� المشار بالمجلة العمل إجراء تاريخ من بداية أنه على منه الثاني الفصل ونصاألخص - وعلى لها المخالفة النصوص جميع و 1364إلى 1351و 1248إلى 1227و 113إلى 110تلغى

. 1632إلى 1623و 1612إلى 1532 والعقود االلتزامات مجلة منعدد( 7 القانون بموجب التجارية المجلة الثاني 1959لسنة 129أحدثت ربيع في ل� 1379المؤرخ الموافق

جميع " 1959أكتوبر 5 تلغى إليها المشار بالمجلة العمل تاريخ من بداية أنه على منه الثالث الفصل ونصالفصول منها وباألخص لها المخالفة الفصل 953إلى 888و 405النصوص من الثانية 1162والفقرة

والعقود ..."1238والفصل االلتزامات مجلة منعدد( 8 القانون بمقتضى التجارية الشركات مجلة في 2000لسنة 93أحدثت 2000نوفمبر 3المؤرخ

لها : المخالفة األحكام جميع المجلة بهذه العمل جريان تاريخ من تلغى أنه على منه الثاني الفصل ونصمن – الفصول التجارية 188إلى 14وخاصة المجلة من

العام " " (9 اإلجرائي القانون وتجارية مدنية إجراءات كتابه في الغزواني الدين نور الدكتور يذهبتونس المختص للكتاب األطرش مجمع المدنية 2012منشورات المرافعات أحكام مصادر عن حديثه عند

ص المصدر " 32والتجارية تعد والعقود االلتزامات مجلة أن المجال هذا في االنتباه يسترعي ما أن إلىللنظر " " والملفت ويضيف اإلجراءات مادة في والتجارية المدنية المرافعات مجلة بعد الثاني الرئيسيالكثيرة اإلجرائية األحكام إلى الرجوع يقع ما نادرا إذ الهام المصدر لهذا مقصود غير إهماال هناك أن حقا

وطلب بها االحتجاج الممكن ومن المفعول وسارية نافذة تزال ال والتي والعقود االلتزامات مجلة فيالمحاكم . أمام تطبيقها

المجالت أم أو األم المجلة حقا هي والعقود االلتزامات مجلة كانت إن هذه والحالة نتساءل أن ويصحالتونسية ". القانونية

16/05/2023

3

والق��انون الج��زائي ، والق��وانين الخاص��ة المس��تحدثة وال��تي له��ا (... 10أولوية التطبيق عن القوانين العامة )

وهذا التمّشي فرضه النسق الطبيعي للتطور البشري ال��ذي ي��رفض الجم��ود ويت��وق إلى األفض��ل ، ولكي يك��ون الق��انون كم��ا يوصف وضعيا عليه أن يجسم حاجة المجتمع إليه ، وأن يج��د في��ه المواطن ما يحتاجه من متطلبات ، فكان من الب��ديهي أن يس��تمدّ من الظواهر االجتماعية ، وأن يكون أكثر التصاقا بالواقع المعاش

وتجاوبا معه . ونجاع��ة ه��ذا التوج��ه ال يجب أن تقتص��ر على مج��رد س��ني س��ليما الق��وانين ، وإنم��ا تتطلب باألس��اس ولكي يك��ون التمش��ّ وحتى تحقق تلك القوانين أهدافها ، أن يوكل أمر تطبيقها والعمل بمضمونها إلى ذوي الخ��برة من المتض��لّعين في المج��االت ال��تي

تغطيها. وهك��ذا ف��رض التخص�ص ذات�ه ، فب��دا حاج�ة ملح��ة واختي�ارا اس��تراتيجيا ال محي��د عن��ه ، اهتمت ب��ه مختل��ف تش��اريع ال��دول ، وركّزت علي��ه ، وس��عت إلى تحقيق��ه بخط��وات ج��ادة ، تختل��ف ال محالة من دولة إلى أخرى بحسب إمكانياته��ا المادي��ة والبش��رية ،

ووفقا لحاجياتها ، وما تراه أولى بالمبادرة والتطبيق. هذا ما سنتعرض إليه ضمن هذه المداخلة لن��بين في الج��زء

( ون��برز في1األول كيف أن التخصص القض��ائي مطلب ملح ) ج (.2الجزء الثاني مدى مساهمته في تحقيق االرتقاء والعدالة )

الجزء األول المحاكم المختصة مطلب ملح

في( 10 المؤرخ العلي األمر بموجب الصادرة الشخصية األحوال مجلة منها 13 ) 1376محرم 6نذكرعدد ( 1956أوت القانون بموجب الصادرة البحرية التجارة ومجلة في 1962لسنة 13، ذي 19المؤرخ

عدد ( 1962أفريل 24 ) 1381القعدة القانون بموجب الصادرة الشغل ومجلة المؤرخ 1966لسنة 27،عدد 1966أفريل 30في القانون بموجب الصادرة الجبائية واإلجراءات الحقوق ومجلة 2000لسنة 82،

في ...2000أوت 9المؤرخ

16/05/2023

4

ص الش��يء يقال خص وخصوصا فالنا بالشيء فّضله ، وخص��ّ ضد عّممه ، واختّص بالشيء انفرد به ، ومنها قوله تع��الى" والل��ه

(.11يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" ) فللتخصص وقع إيجابي ، وفيه م��رور من مرحل��ة الع��ام إلى الخاص ، إي أن��ه إض��افة تحص��ل للمتخص��ص لت��نزاد إلى مكاس��به العامة ، ف��إن تعل��ق بنص ق��انوني مث��ل "مجل��ة الش��غل" دل على الرغبة في حسن تنظيم ذلك القطاع واستقالليته والخروج ب��ه من المبادئ العامة التي ك�انت تنظم�ه إلى نص�وص خاص�ة أك�ثر دق�ة وعمق وإلماما بكل جزئياته ، وفيه ك��ذلك تج��اوب م��ع الرغب��ة في ال��دخول في مرحل��ة جدي��دة ص��ارت معه��ا الق��وانين الس��ابقة المعمول بها غير قادرة على استيعابها. وهو بهذه الكيفية نوع من التأهيل التشريعي المطلوب لدخول غمار مرحلة جدي��دة بوس��ائل

عمل أكثر دقة وأفضل حبك ومردودية. ولكي يكتب لهذا التص��ور النج��اح ك��ان ال ب��د من توف��ير ك��ل مستلزماته وإن كان على مراح��ل، من فض��اء مالئم ) ف أولى (

وإطار متخصص ووسائل عمل تستجيب للحاجة ) ف ثانية (.الفقرة األولى

المقصود من التخصص القضائي فالقضاء مرفق ، وهو من أهم المرافق العامة لما يقدمه من خدمات متعددة للمواطنين ، فهو الذي يسهر على حفظ

حياتهم ، وعرضهم ، ومالهم ، وهو الذي يحرس في كل ذلك أن يكون شفافا وعلى نفس المسافة من جميع األطراف . ونظرا

الختالف مشارب من يؤمه ، وتنوع مطالبهم ، وتباعدها من حيث اإلجراءات ، وطبيعة الخدمات المطلوبة ، شكل الجمع بينهم في

فضاء واحد أمرا مستحيال وعائقا كبيرا لحسن سير العمل والجودة في تقديم الخدمات ، وبات فرز هذا عن ذاك مطلبا ملحا وحاجة ضرورية سواء ببعث محاكم مختصة أو بإحداث

فضاءات تستجيب لشريحة معينة من المتقاضين فما المقصودبالمحاكم المختصة؟.

اآلية( 11 ، البقرة 105سورة

16/05/2023

5

مفهوم المحاكم المختصةأوال : فإذا ما اعتمدنا الهيكل الحظنا أن للتخصيص صورتان فإما

تخصيص المقر ) أ ( أو تخصيص الفضاء ) ب (أ( تخصيص المقر

فالمقر هو الجهة التي يتجه إليها المتقاضي لطلب خدمة قضائية معينة ، وهو إجماال متوفر على مستوى الفروع الكبرى

للقضاء كالقضاء العدلي ، والقضاء اإلداري ، والقضاء العسكري ، فمقر المحكمة اإلدارية اليوم وهياكلها غير مقر محاكم الحق

العام وهياكلها ، وال مقر المحكمة العسكرية وهياكلها ، فكل واحد مستقل عن اآلخر. وهذا التباعد له مبرراته ، فالمحاكم العدلية

( ، والمحاكم اإلدارية تختص12تعنى بقضايا الحق العام ) ( ، بينما تتولى المحاكم13بالنزاعات المرفوعة ضد اإلدارة )

( .وكل هيكل منها14العسكرية النظر في القضايا العسكرية ) يرجع إلى سلطة إشراف مغايرة لألخرى . ونظرا لتباعد هذه

االختصاصات واختالفها يكاد يكون التقسيم محترما ومعموال به لدى مختلف الدول ، وإن حصل لبس أو تداخل أمكن فضه

( . ثم وعلى مستوى محاكم الحق15بالوسائل القانونية المتوفرة ) العام نجد المحاكم العقارية وفروعها ، والمحاكم التجارية ،

والمحاكم العرفية... ونظرا الرتباط هذا التوجه بإمكانيات الدول فقد تكتفي

البعض منها ب�: ب( تخصيص الفضاءات بالنسبة لنشاط قضائي معين

عدد( 12 القانون بموجب المحدثة والتجارية المدنية المرافعات مجلة من األول الفصل لسنة 130نصفي 1959 الثاني 2المؤرخ ل� 1379ربيع بيانها " 1959أكتوبر 5الموافق اآلتي المحاكم تنظر أنه على

والتجارية " المدنية النزاعات جميع في القانون هذا أحكام وطبق اختصاصاتها حسبعدد( 13 القانون بمقتضى اإلدارية المحكمة جوان 1972لسنة 40أحدثت أول في ونص 1972المؤرخ

العاصمة " . تونس اإلدارية المحكمة مقر أن على منه األول الفصلالعمل( " 14 جريان تاريخ من ابتداء أنه على العسكرية والعقوبات المرافعات مجلة من األول الفصل نص

العاصمة – ..." تونس مقرها دائمة عسكرية محكمة العسكرية القضايا في تنظر القانون بهذاعدد( 15 األساسي القانون من الرابع الفصل في 1996لسنة 38تضمن والمتعلق 1996جوان 3المؤرخ

يلي : " ما االختصاص لتنازع مجلس وإحداث اإلدارية والمحكمة العدلية المحاكم بين االختصاص بتوزيعاإلداري والقضاء العدلي القضاء جهازي بين االختصاص نزاعات في ينظر االختصاص تنازع مجلس أحدث

العاصمة ". بتونس مقره

16/05/2023

6

من ضمن االختيارات المتبعة وفقا للتمّشي المذكور أعاله تخصيص فضاءات معينة لنشاط قضائي بذاته ، فتوفير محاكم

تجارية متخصصة ذات مقر مستقل أو محاكم عرفية تعنى بقضايا ( أو عقارية مهمتها النظر في مطالب التسجيل16الشغالين )

(...، كلها مطالب مكلفة قد ال تقدر الدول على تحقيقها17) فتفضل عنها الفضاءات الخاصة المحدثة داخل محاكم الحق العام

. من ذلك أنه نظرا للطابع الخاص والتشعب الذي تتسم به النزاعات األسرية وما تتطلبه من سرية وإحاطة اتجه التفكير إلى

إحداث فضاءات خاصة بهذا النوع من النزاعات . وقد بارك رجال القانون والمتقاضين أنفسهم هذا التوجه الذي يجسم حرس جميع األطراف المتداخلة على حماية األسرة وتوفير

( والذي حسن في نتائج18متطلبات استمرارها وتماسكها )الخدمات المقدمة لهؤالء وقلل من حدة النزاعات األسرية.

غير أن المقر وإن كان إلى جانب القوانين المتعلقة بالتخصص من أهم مكونات التوجه نحو التخصص القضائي ، فإنه ال يكفي لتحقيق هذا المطلب الذي يتطلب باألساس وجود ذوي

الخبرة من المؤهلين لممارسة ذلك الفرع من النشاط القضائي . هل يمكن االكتفاء بالحديث عن المحاكم : ثانيا

المختصة دون القاضي المتخصصوما يمكن أن نالحظه في هذا الشأن هو :

أ( أهمية الترابط بين تخصيص الفضاء والتخصصالقضائي

ذلك أن الحديث عن تخصيص المقر يستوجب بالضرورة قرنه بالحديث عن تخصص اإلطار العامل به ، فال يستساغ الحديث عن القضاء العقاري مثال دون التركيز على القضاة

من( 16 الشغل مجلة تنظمها شغلية دوائر وإنما بالشغالين خاصة محاكم التونسية بالمحاكم توجد التنظر 232إلى 183الفصل االستئناف محاكم بمقرات وكذلك االبتدائية المحاكم بمقرات منتصبة منها

النزاعات تلك مثل فيبتاريخ( 17 العقارية المحكمة وبتاريخ " " 1885جويلية 1أحدثت العقاري المختلط المجلس اسم 19تحت

العقاري 1957فيفري القضاء ويتميز ، التونسية بالبالد العقارية بالمحكمة تسمى وأصبحت تنظيمها أعيدو العاصمة تونس مقرها مركزية عقارية محكمة توجد إذ العمل مقرات حيث من تامة باستقاللية 15اليوم

. المائتين يناهز اآلن بها العاملين القضاة عدد أن كما الجمهورية تراب كامل تغطي لها فرعابتونس( 18 االبتدائية المحاكم بكامل متوفرا الفضاء هذا يكون يكاد

16/05/2023

7

المتخصصين في المادة العقارية ، وال أيضا الحديث عن المادة التجارية دون الحديث عن القضاة المتخصصين في هذا الفرع من

النزاعات ، فالترابط بين المحكمة المختصة وبين القاضي المتخصص ترابط متين يستوجبه المنطق وتقتضيه الجدوى ،

والحديث بغير ذلك يفرغ التصور من مضمونه ويقلل من جدواه . فالقاضي المتخصص يمثل أبرز عنصر ضمن هذا التصور وعلينا

أن نوفره بالقدر الكافي ، ثم ومتى توفر علينا حسن توظيفه . ب( حسن توظيف التخصص القضائي يفترض توفر بنك

معلومات محين للقضاة لقد كان التفكير فيما مضى متجها نحو تكوين القاضي تكوينا شامال ، ثم وبحكم التطور وتشعب مجاالت النشاط

البشري وما صاحبها من زخم تشريعي ، أصبح من الصعب على القاضي أن يلم بكل مجاالت النزاع وأصبح الرأي القائل باألخذ بكل شيء بطرف قد تجاوزته األحداث وفقد الكثير من بريقه ،

ولهذا السبب اتجه التفكير إلى التخصص القضائي والتركيز عليه ، لما لذلك من أثر إيجابي على مرفق القضاء وعلى مردود

القاضي . وانكبت تبعا لذلك إدارة القضاء بالتنسيق مع رؤساء المحاكم على تتبع مراحل عمل القاضي وتوفير بنك معلومات بشأنه ، بدأ محتشما ثم تدعم مع مر السنين ومن شأنه إن تم

التقيّد به والعمل بمضمونه أن يقع تعيين القاضي ال محالة فيما يرغبه ، ولكن وبالخصوص فيما هو مؤهل له ، ومتكون فيه ،

فيعود ذلك بالنفع على جودة خدماته ويحصل االقتناع باألحكام . ونغتنم هذه المناسبة للدعوة إلى دعم هذا التوجه ، فما هو

إال لبنة في بناء قضاء عادل وناجز. خاصة وأن ألغلب الدول معاهد عليا للقضاء تركز في نشاطها على التخصص وتتولى

رسكلة القضاة ومتابعتهم في تكوينهم ، وتنسق في كل ذلك معسلطة اإلشراف .

ج( التخصص القضائي يقتضي توفره على مستوىجميع درجات التقاضي

16/05/2023

8

وما سبق أن ذكرته ال يجب أن يتعلق بطور من أطوار التقاضي ويقف عنده ، بل يجب أن يشمل مختلف درجاته ، وأن

يكون أكثر صالبة كلما تقدمنا في سلم التقاضي ، وبالخصوص ( المكلفون بمراقبة19على مستوى قضاة المحكمة العليا )

حسن تطبيق القانون ، كي ال نكون أمام قضاة من الدرجة األولى ملمين أكثر من رؤسائهم بفرع من فروع القانون ومتكونين فيه

تكوينا معمقا . وكمثال لذلك أذكر أنه في نطاق العمل بقانون الجباية

، وبحكم تخصيص القضاء العدلي بالتقاضي2000الصادر سنة ( ونظرا لنقص الخبرة لدى السادة القضاة في مادة20الجبائي )

تكوين2002الجباية تولى المعهد األعلى للقضاء بتونس منذ سنة قضاة يعملون بالمحاكم االبتدائية في مادة الجباية لمدة ستة

( قابلة لإلعادة إن رغب القاضي في ذلك ، فكان لذلك21أشهر) التكوين األثر اإليجابي على مستوى الطور االبتدائي من تلك

النزاعات فقط ، وبمرور المدة تكوّن لنا رصيد محترم من هؤالء المتخصصين في مادة الجباية ، إال أننا بقينا ننتظر صعود هؤالء

القضاة إلى الرتب العليا ليعم التخصص كل مراحل التقاضي ويتحسن المردود في هذا المجال . أما اليوم فقد أصبح للمحاكم

على اختالف درجات التقاضي قضاة مهرة متخصصين في تلك المادة المعقدة قادرين على فهم تركيبتها وحل ألغازها والخروج

بالحلول القانونية الصائبة. وإذا ما كانت هذه هي مكونات التخصص فما مقدار ما هو

متوفر منه؟.

الفقرة الثانيةالمتوفر منه دون المأمول

واإلبرام( 19 النقض محكمة وأيضا التعقيب محكمة وتسمىالتونسية 53الفصل( 20 الجبائية والحقوق اإلجراءات مجلة من يليه وماتكوين( 21 عن دورة كل تقل الجباية 20ال مادة في قاض

16/05/2023

9

يبقى التخصص القضائي مهما سعينا مطمحا نتوق إليه ، وإنجازا يختلف حجمه من بلد إلى آخر ، وما نالحظه من نقص في

مجال التخصص القضائي يرجع لعدة أسباب من أهمها الجانبالمادي .

عائق مادي يحول دون تطوير الخدمات القضائية : أوال إذ من الطبيعي أن تختلف نظرة الدول إلى القضاء ، فمنها

من تركز عليه وتدرجه ضمن أولوياتها وتعتبره السبيل األمثللتحقيق االستقرار واالزدهار ، ومنها من ترى غير ذلك .

ضبابية في إدراج مرفق القضاء ضمن أولوياتأ( التنمية

ال تزال الكثير من األنظمة تراوغ من أجل اعتبار القضاء سلطة ، فهي ال تهتم بالمواثيق الدولية التي توصي بذلك وتؤكد

عليه ، وال هي مقتنعة بما يساهم به القضاء المستقل في ازدهار الشعوب واستتباب األمن . وحتى وإن توفرت لها اإلمكانيات

المالية الكافية فإنها ال ترى ضرورة في التالزم بين هذا وذاك. ثم وإن هي اعتبرته سلطة جردته من الكثير من صالحياته

وأكثرت من العراقيل والقيود التي تجعل منه تابعا ال متبوعا وتصور كهذا من شأنه أن يؤثر على. وهيكال فارغا من مقوماته

الرغبة في تطوير القضاء وأن يقلل من االهتمام به ودعمه وأن يدفع بذوي القرار إلى اختالق الذرائع لتمرير تصوراتهم. في حين نجد من األنظمة من تدرج هذا المطلب ضمن أولوياتها وتسعى

جاهدة وإن على مراحل إلى تحقيقه. تدرج في التخصص بسبب محدودية اإلمكانياتب(

وقد يرجع هذا التدرج بالخصوص إلى محدودية إمكانيات الدول وإلى تعدد األولويات لديها ، من ذلك أنه تم بعث المحكمة العقارية بتونس وكان لها في البداية مقر رسمي بتونس العاصمة

وفرعان بسوسة وصفاقس مدمجان بمقرات محاكم الحق العام , ثم وبحكم األهمية التي أصبح يلعبها التسجيل العقاري في

مجال التنمية باعتباره من أهم الضمانات العينية للحصول على

16/05/2023

10

القروض ، واإلقبال الملحوظ على التسجيل االختياري ، وانطالق ( المكمل22الدولة التونسية أيضا في عملية التسجيل اإلجباري )

للتسجيل االختياري ، بدت الحاجة ملحة إلى التوسع في انتداب القضاة في الميدان العقاري ، وإلى بعث فروع لتلك المحكمة

بأغلب تراب الجمهورية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مستقلة بذاتها ، بمقراتها وتجهيزاتها ، ومسؤوليها. ونذكر في

نفس السياق إحداث الدوائر الجنائية ببعض المحاكم االبتدائية ثم التدرج في تعميمها بمختلف المحاكم بحسب توفر اإلمكانيات

ولما تتطلبه من مستلزمات ، وأيضا بعث فضاءات األسرةبمقرات المحاكم االبتدائية ...

كثرة القضايا بالمحاكم تعيق مطلب تخصصج( القاضي

إن المتأمل في عدد القضايا المنشورة لدى المحاكم (، وإذا ما23يستغرب من األرقام المهولة واإلحصائيات المرتفعة )

حاول توزيعها على عدد القضاة المباشرين يالحظ ارتفاع النسب ( وتجده يتساءل كيف للقاضي أن يجسم كل ذلك . فمن شأن24)

هذا الزخم في القضايا أن يربك عمل القاضي وأن يفقد من تركيزه القدر الكبير وأن يجعله في آخر المطاف منهك القوى

غير قادر على تقديم منتوج جيد . إذ أننا ال نجد في مختلف المحاكم قاض مكلفا بعمل واحد ال غير متخصصا فيه يوليه كل

جهده وعنايته ، بل نجده مشتتا بين عديد الملفات والمهام ، فهو من ناحية قاض جالس ، وهو من أخرى مكلف بأعمال والئية مثال

أو غيرها ، وهو من ناحية ثالثة يشرف على جانب من الخدمات األخرى . فهل مرد ذلك الميل إلى التخاصم بين أفراد المجتمع ،

أم أنه نتاج تطور حقوق اإلنسان ومن ضمنها الحق في التقاضي ، وفي مجانية التقاضي ، وفي التقاضي على درجتين ، وفي طرق الطعن العادية وغير العادية...؟ وكيف لقاض منهك كهذا ، مشتت

عدد( 22 المرسوم بموجب في 1964لسنة 3وذلك المتعلق ( 1964فيفري 20 ) 1383شوال 7المؤرخاإلجباري العقاري بالتسجيل

القضائية( 23 السنة واتهام 2.384.772 : 2010/2011عرفت وجنائي وجناحي ومخالفات مدني بين قضيةونيابة وتحقيق

يناهز( 24 السنة لنفس بالنسبة القضاة عدد قاض 1850كان

16/05/2023

11

الجهد أن يرقى بعمله إلى األفضل ؟ وما هي الحلول الكفيلةبالحد من ذلك ؟.

( موروث تاريخي يربط قضاء البلدان العربية بجهاتد قضائية مختلفة

ترتبط أغلب الدول العربية بحكم مرحلة االستعمار التي مرت بها بالدول التي استعمرتها ارتباطا اقتصاديا ، وثقافيا ،

واجتماعيا ...، ويختلف تأثير ذلك على هذه الدول بنسب متفاوتة ( . فنحن نالحظ كيف أن المشرع الوطني يستروح توجهاته25)

ويقتبس الحلول من تشاريع تلك الدول ، إذ بصورة آلية أو تكاد ينظر المشرع التونسي في الحلول المعمول بها من طرف

المشرع الفرنسي في مجال معين ثم يسن على منواله بما ال يتعارض مع مقومات بلده. بل أكثر من ذلك نالحظ أن من تولى

الذي ال ينكرsantillanaسن المجلة المدنية التونسية هو الفقيه أحد قدراته وإنما كان أولى أن يحصل ذلك بيد وطنية وعقل

(. 26وطني ومن منظور وطني أيضا ) كما عرفت المرحلة األولى من االستقالل انفتاحا كبيرا على

فرنسا ودرس الكثيرون منا على يد كبار األساتذة من رجال ( ، وكلما دعت الحاجة إلى االستدالل برأي رجعنا27القانون منهم )

. ..mazeaud , carbonnier, batiffol tunc, mlle de la grangeإلى ما ذكره وغيرهم .

وهكذا نجد أنفسنا نعمل ضمن زاوية محدودة ، هي ال محالة هامة لكنها ال تكفي بل هي تتعارض مع العولمة ، ومع

الحاجة إلى االطالع على ما هو حاصل بالدول الناطقة باللغاتاألخرى ومن ضمنها اللغة اإلنجليزية .

تلكؤ تشريعي في مواكبة المتطلبات المستحدثة : ثانيا

كذلك( 25 تزال وال ، لتونس اقتصاديا األول الشريك فرنسا وتعد ، بتونس الثانية اللغة الفرنسية اللغة تعتبر ، القانون مادة في ذلك في بما بالخارج الدراسة في الراغبين للطلبة األولى الوجهة

عمو ( : 26 بن نذير l'avant propos de l'avant- projet de code civil et commercial tunisien األستاذ( commentaires d'un indigène décolonisé sur l'œuvre d'un orientaliste faisant fonction de législateur )

والعقود االلتزامات مجلة مائوية يليها .65ص 2006- 1906كتاب ومابالجامعات( 27 منها البعض مناقشة ويحضر الدكتوراه أطروحات تأطير على يشرف منهم البعض زال ال

التونسية .

16/05/2023

12

يجسم التشريع سياسة الدول وخياراتها ، فمما هو متوفر ندرك التوجه، ومما هو غير متوفر وضروري نفهم المقاصد ، وحتى وإن تمت االستجابة وسنت القوانين ورد مضمونها في

غالبه دون المأمول ، وبرزت في ثناياه كوابح تشدّ إلى الخلف ،(... 28وغلب عليه الطابع الزجري )

زخم تشريعي هدفه تلميع صورة األنظمة أ( فالقوانين كثيرة تكاد ترهق الدارس ، إال أنها ال تعود بالنفع

فيما أعدت له إال بالنزر القليل ، في حين تسّخر المنابر وكل الوسائل لإلشادة بما تم تقنينه ، من ذلك أنه اعتبرت العقوبات

البديلة ثورة وتوجه نحو التخفيف من العقوبات السالبة للحرية ، وتمت اإلشادة بهذا التوجه اإلنساني ، واستبشر به القضاة ، وبما

أن ذلك يتطلب باألساس تصورا متكامال من ضمنه توفر المؤسسات التي سيقّضي بها المحكوم عليه العقوبة البديلة ،

وضبط قائمة فيها وفي مدى جاهزيتها الستقبال هؤالء والتعامل معهم . ونظرا لعدم توفر هذا العنصر بالقدر الكافي والمدروس ،

وفي انتظار أن يتجسم ذلك وتتضح الرِؤيا، يجد القاضي نفسهوبكل مرارة مجبرا على العمل بالوسائل العقابية المألوفة. <

عدم مواكبة جوانب مستحدثة بالقدر الكافيب( يقول الشاعر والفيلسوف أبو العالء المعري :

إذا كان العلم ليس بنافع *** وال دافع فالخسر للعلماء فنحن نشهد اليوم زخما معلوماتيا مذهال وتناميا ملحوظا

الستعمال األجهزة اإللكترونية وأدوات التوثيق الحديثة مما أدخل أعرافا وأنماطا جديدة من التعامل بين الناس لم تكن متاحة وال

حتى متوقعة من قبل مهدت لإلعالن عن ميالد عصر جديد ، عصر االتصال الالمادي واختصار المسافات ، فإذا بالعالم على حد قول

( " بلدة متحدة تسكنها أمم29المصلح التونسي خير الدين )

الدساتير( 28 تحاول ناحية فمن الصحافة قانون المجال هذا في نسوقها أن يمكن التي األمثلة أبرز منتضمنت فمثال ذلك عكس نلمس لكننا التعبير حرية بضمان اإليهام القطاع ال المنظمة القوانين وكذلك

عدد القانون بموجب الصادرة التونسية الصحافة في 1975لسنة 32مجلة 1975أفريل 28المؤرخالسابق ... العهد في الصحافة مجلة بإصدار .80والمتعلق زجرية نصوص أغلبها تقريبا فصال

الممالك( " ". 29 أحوال معرفة في المسالك أقوم كتابه أنظر

16/05/2023

13

متعددة حاجة بعضهم لبعض متأكدة " ، عبارة سبقت ألكثر من قرن عبارة " العالم قرية " التي نتداولها اليوم . فأين نحن في

ظل هذا الوافد الجديد الذي فرض علينا ذاته وألزمنا باتباع نواميسه وتوفير ما يحتاجه من بنى أساسية لالتصاالت ، وماذا

أعددنا له؟ ونفس الشيء نسوقه بالنسبة للنشاط الرياضي الذي لم يكن فيما مضى محل اهتمام ، وانطالقا من النصف الثاني من

القرن العشرين تقريبا أصبح محل عناية الجميع ، وفسح المجال لالستثمار فيه وصرنا نتحدث عن حقوق الالعب ، وعن الوكالء الرياضيين ، وعن التأمين الرياضي ، وعن الشركات التجارية

الرياضية وعن الرهان الرياضي ...، وبدت لنا في األفق مالمح فرع جديد من القانون يسمى بالنظام الرياضي ، وصرنا نتساءل

عن عالقته بالنظم القانونية التقليدية ونبحث له عن موقع فيه (. ومع ذلك ال تزال المبادئ العامة للقوانين هي المسيطرة30)

في هذا المجال ، والمنظمة ألغلب فروعه . ونحن ندعو إلى الخروج من جلباب القواعد العامة التي صارت ال تفي بالحاجة ،

(.31واالنصراف نحو سن قوانين خاصة تتالءم معه ) التركيز في التخصص القضائي على القضاء الردعيج(

قبل غيره من الفروع األخرى من خصائص القاعدة القانونية أنها موضوعية تستمد من

الواقع ، وتلبي حاجة الناس إليها ، وهذا التصور ينسجم مع المناخ الديمقراطي الذي يستجيب في منتهاه إلى أحد مطالبهم ، وكلما

كانت الصورة على خالف ذلك وانعدم التناغم بين القاعدة القانونية والطابع الموضوعي الذي يجب أن تتحلى به سارع

المشرع إلى فرض العمل بها بإدراج نصوص زجرية ضمن القانون المقترح فإذا الخوف من العقاب هو الدافع إلى االمتثال لها ، وإذا بالنص القانوني المحدث بغرض تنظيم جانب معين منالحياة قد طغت عليه مسحة الزجر ووشحت مفاصله وجزئياته.

30 ) l,ordre sportifعدد ( " " 31 والتشريع القضاء الرياضية للمادة مشروع أي الزرمديني يليها 95ص 2012لسنة 3عادل وما

16/05/2023

14

وإذا ما رجعنا إلى المنظومة الجزائية التونسية وأحصينا ( ندرك بسهولة أن المنع32النصوص الزجرية التي تتضمنها )

يطغى على اإلباحة التي هي أصل كل عمل ، ويؤكد الطابعالمسقط للنصوص وضعف تجاوبها مع الواقع.

ثالثا( ظاهرة االستعاضة عن القضاء بالتحكيم يعرف التحكيم بكونه طريقة خاصة لفصل أصناف معينة

(33من النزاعات ، وحينما صدرت مجلة التحكيم التونسية ) استبشر بها رجال القانون ورحب بصدورها رجال األعمال

وتوقعوا من سنها النفع الكبير. فمن أهم ما يتميز به التحكيم عنالقضاء العدلي هو السرعة وعدم التشعب.

أ( في اللجوء إلى التحكيم هروب من تشعب القضاءالعادي وبطئه

إذ ال محالة أن أمر التحكيم كما التقاضي العدلي موكول لطرفي النزاع ، غير أن ما ينفره المتقاضون اليوم هو طول نشر

القضايا التي ينفرد بها القضاء العدلي حتى يفقد النزاع أو يكاد بعده االقتصادي واالجتماعي واألسري ويصبح دون فائدة وربما

مجرد ذكرى لمرحلة عاشها الفرد . والحقيقة أن القضاء العدلي مكبل بقيود فرضتها حقوق األطراف وارتقت بها إلى حد

التقديس ، إذ ال يكاد القاضي يخطو خطوة في الملف إال ومكّن أطرافه من اإلطالع عليها ومن إبداء رأيهم بشأنها ، وإن غفل

رمي باالنحياز وعدم احترام اإلجراءات األساسية ... كما أن النزاع ذاته مفتوح على مصراعيه للطعون العادية منها وغير

العادية . وإذا ما انتقلنا إلى المادة الجزائية يصبح األمر أكثر تعقيدا

الرتباطه الوثيق بقرينة البراءة وبالمواثيق الدولية . وبما أن التحكيم يتسم بالمرونة ويتضمن في ظاهره

وسائل للتخلص من هذه العوائق التي تتعارض مع السرعة في التعامل ، كما يمكن أن يستبعد منه تطبيق القواعد القانونية ويتم

مفهومها( 32 في جريمة آالف األربعة يتجاوز ما الدارسون إليه توصل حسبما الجزائية المنظومة تعدوجنايات وجنح مخالفات من الموسع

عدد( 33 في 1993لسنة 42القانون التحكيم 1993أفريل 26المؤرخ مجلة بإصدار المتعلق

16/05/2023

15

( ، فقد استحسنه البعض وعمل34اتباع قواعد العدل واإلنصاف ) به والقى فيه ما يرغب.

ب( في اختيار المحكمين اعتبار لجانب الخبرة وتدعيملفكرة التخصص

وبما أن لكل طرف في التحكيم اختيار من يمثله في هيئة المحكمين فإن ذلك سيفضي بطبيعة األمر إلى تكليف عناصر

متخصصة ذات خبرة في الموضوع وقادرة على الوصول به إلى أفضل الحلول ، وهي مسائل قد تكون غير متوفرة بالقدر الكافي

في القضاء العدلي ، وما يدعم هذا الرأي هو أن : ج( في اإلجازة للقاضي بأن يكون محكما تأكيد على

من القانون10 ) الفقرة الثالثة من الفصل عنصر التخصص المتعلق1993 أفريل 26 المؤرخ في 1993 لسنة 42عدد

بإصدار مجلة التحكيم (. 42 من القانون عدد 10إذ تنص الفقرة الثالثة من الفصل

المتعلق بإصدار مجلة التحكيم على أنه " يجوز1993لسنة للقاضي أو للعون العمومي أن يكون محكما بشرط عدم اإلخالل

بالوظيفة األصلية والحصول على ترخيص مسبق من السلطةالمختصة قبل القيام بأية مهمة في التحكيم".

ذلك أن اللجوء إلى القاضي لتكليفه بمهمة تحكيم ال يكون اعتباطيا وإنما هو حصيلة انطباع ونتيجة ما عرف به في عمله من

دراية ، وسعة إطالع ، وبعد نظر وإلمام بالمسائل المطروحة للتحكيم ، وفي ذلك تأكيد لجانب التخصص . وفيه كذلك تأكيد على أن اللجوء إلى التحكيم ليس بغرض الهروب من القاضي

وإنما بهدف تفادي إجراءات التقاضي وبطئه. وهكذا نرى أن التخصص القضائي ضروري وهو وباإلضافة

إلى ما تم بيانه وكما سنبين الحقا من أهم الوسائل لالرتقاءوالعدالة

الفصل( 34 القانون " 14ينص يطبقوا أن المحكمين على يجب أنه على التونسية التحكيم مجلة منالصورة . هذه وفي التحكيم اتفاقية في المصالحين المحكمين صفة األطراف لهم يفوض لم ما ، موضوعا

واإلنصاف ". العدل قواعد ويتبعون القانونية القواعد بتطبيق المحكمون يتقيد ال

16/05/2023

16

الجزء الثاني المحاكم المختصة من أهم الوسائل لالرتقاء والعدالة

المسلم به أن مرفق القضاء ال يكون في أحسن حالمن إال متى توفرت له كل مستلزماته ، فاألمر ال يتطلب وجود

النصوص القانونية المنظمة لمختلف جوانب الحياة واإلطار العدلي الساهر على ذلك فقط ، بل ال بد أن ترقى ظروف العمل المتصلة بخدمات هذا المرفق إلى مستوى ترتاح له كل األطراف

المتداخلة في الشأن القضائي وتجد فيه كل ما تحتاجه ، وفيمقدمة ذلك مقرات المحاكم.

الفقرة األولىالترابط الوثيق بين فضاء المحاكم والعدالة

فالتالزم بين العمل القضائي وبين الفضاء الذي يؤدى فيه ذلك العمل أمر ال جدال فيه ، ومن الخطإ صرف النظر عن

تطوير مقرات المحاكم أو تأجيل ذلك بحجة ضيق الحال وعدم توفر اإلمكانيات المالية الكافية ، بل من الحكمة السعي إلى المبادرة به قدر اإلمكان وبنفس الحجم واألهمية التي تعطى للمرات السيادية األخرى ، فمن خالله تتحقق الجودة ويرقى

العمل القضائي إلى ما هو أفضل. تأثير ظروف العمل على الخدمات القضائية : أوال

ذلك أن لكل عمل ظروفه ، وظروف عمل القضاء متشعبة ، تتداخل فيها أطراف متعددة ، وهي وإن كانت غاياتها متباينة فإنها

تبقى مع ذلك موشحة بوشاح العمل القضائي. وقار القاضي من وقار المقرأ(

يستغرب المرء من األهمية التي تعطى لمقرات الحكومات ، ولمقرات والّتها ومؤسساتها الوطنية والجهوية ، وإلى المجالس النيابية دون أن تولى نفس العناية لمقرات المحاكم. فإن كانت الوزارة ، والوالية ، والمجلس التشريعي وغيرها تمثل الصورة السيادية للدولة فللمحاكم نفس الدور وأكثر. ومن الخطأ تصور

16/05/2023

17

غير ذلك ، ومن الخطأ أيضا االستمرار على ذلك التصور. فقد أثبت التاريخ أن القضاء هو صمام األمان لكل الشعوب والدول

ومن حقه أن يكون في صدارة اهتماماتها، وأن يلقى العناية واالهتمام الالزمين ومن أهمها توفير المقرات الالئقة التي تزيد

من هيبة القضاء وترفع من نظرة الناس إليه ، فوقار القاضي منوقار مكان عمله .

ما المقصود بظروف عمل القاضي ب( أيها السادة ، إن العدل قيمة أزلية ثابتة وهو صفة من صفات

الله الحسنى فهو سبحانه وتعالى أعدل العادلين ، كما أن في العدل ضمانة الستمرار الحضارات وازدهارها ، فكلما ازدهرت

فترة من فترات الشعوب إال وصاحبها بالدليل القاطع العدل واالزدهار واألمن فإن غابوا حل الظلم وحل معه الخراب ، وليس

من فراغ أن يقول إعرابي ألمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) حكمت ، فعدلت ، فأمنت ، فنمت يا عمر (

(. وال من قبيل الصدف أن يؤكد العالمة أبن خلدون بأن "35) ( ، ومن36العدل أساس العمران وأن الظلم مؤذن بالخراب" )

المفروض أن تبقى هذه المعادلة بين العدل واألمن والطمأنينة شعار كل األمم والشعوب والهدف المنشود من كل مسعى أو تصور . فبفضلها تجاوزت بريطانيا محنتها وتغلبت على جراحها

واسترجعت عافيتها في حربها العالمية الثانية. وللعدل متطلبات ووسائل يحتاجها لكي يتحقق من أهمها راحة

القاضي وتعففه وانصرافه الكلي إلى عمله دون تردد أو تشويش ، وروي عن رسول الله قوله صلى الله عليه وسلم " ال

( . والمقصود من ذلك37يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان " ) أن ينصرف القاضي إلى عمله وينغمس فيه كل االنغماس خالي

البال ، مرتاح الضمير ، فال تؤثر فيه مصاعب الحياة وال اإلغراءات واألطماع . ومن المفروض بالخصوص أن تحافظ الدولة على

شعبه( 35 مع يتعامل وكيف ملكها يعيش كيف ليرى المنورة المدينة إلى اتجه الفرس من رسوال أن يروىيسقطه ال لكي عمر وضعه ماعز شعر وعليه الطين من مبنيا فوجده الخليفة بيت على استدل وصل ولما

من عدد ثوبه وفي شجرة ظل تحت نائم رجل إلى الناس أشار الخليفة عن سأل ولما ، رأسه على المطرقولته فقال وخدمه وحرسه وقصوره فارس كسرى وتذكر رآه مما فتعجب ، حراسة أي وبدون الرقع

عمر ( ( يا فنمت ، فآمنت ، فعدلت ، حكمت الشهيرةالفصل ( 36 ، خلدون ابن 316ص 43مقدمةصحته ( 37 على متفق حديث

16/05/2023

18

تعففه فتحمي ظهره من كل ذلك وتجعله في مأمن من المكائد ، والضيق ، والخصاصة فتكفيه حاجته ، وهذا ما تفطنت له الكثير

من الدول وهذا كذلك ولألسف الشديد ما تغافلت عليه بعض الدول األخرى أو تعمدت نسيانه . وهو وإن كان مطلب كل واحد

منا نحن القضاة ، فهو وباألساس مطلب المتقاضي المتشوف إلى العدل وكل مواطني العالم ، وهي دعوة لكافة الدول العربية

كي تهتم بالجانب المادي للقضاة وتحسن فيه بالقدر الكافي ، وإنّا على يقين بأنها ستلمس نتائجه على مستوى تطور

الخدمات ، وعلى مالمح المواطن. ب( ظروف العمل المالئمة تسمح للقاضي بالتواجد

المستمر والتأقلم مع حاجيات المتقاضي تعرف فضاءات المحاكم اليوم ضيقا كبيرا مخنقا أصبحت

معه غير قادرة على توفير مكاتب خاصة بكل قاض ، كما تعرف قاعات الجلسات اكتظاظا كبيرا أدى من ناحية إلى تداول الدوائر

العاملة بنفس المحكمة عليها في اليوم الواحد ، ومن ناحية أخرى إلى اكتظاظ القاعات بالحضور بسبب كثرة القضايا

المنشورة بالدائرة الواحدة وعدد المدعوين للحضور، وهذا من شأنه أن يرهق القاضي في عمله ويكلفه مشقة تسيير

الجلسات ، ويقلل من تركيزه وحسن اتخاذ التدابير الحينية المناسبة بالنسبة للملفات المطروحة أمامه ، وقد ينعكس كل

ذلك سلبا على مصالح المتقاضين كأن يطول نشر القضايا أو أن يقّل االقتناع بما تصدره المحاكم من أحكام فتكثر الطعون

ويرهق المرفق... وللسبب ذاته يقل حضور القضاة بالمحاكم ، ويقتصر فقط على الجلسات وإجراء التحريرات المكتبية والقيام بالتوجهات . ولو توفر كل ما سبق ذكره النقلبت اآلية ولوجد القاضي بمكتبه

في كل حين ، فما يحصل اآلن ليس برغبة منه وإنما هو نتيجةواقع المحاكم وتدني ظروف العمل بها.

من م م م تج206أين القضاء من روح الفصل ت( ( الذي ينص "يمكن للحاكم عند شديد التأكد38)

التونسية ( 38 والتجارية المدنية المرافعات مجلة

16/05/2023

19

اإلذن باالستدعاء لليوم نفسه أو للغد كما يمكن له أن يتلقى المطلب مباشرة ولو بمنزله الخاص ...(

... من م م م ت المذكور أعاله قراءة206حينما أقرأ الفصل

متأنية وأرى كيف يسّخر القانون القضاة لمباشرة القضايا حتى وهم بمنازلهم وفي أي ظرف كانوا ، أدرك جسامة المسؤولية

وقدسية الرسالة . فالقاضي طبيب ، وهو طبيب من نوع خاص وله مثله تدخالت مستعجلة ال تتحمل االنتظار ، وعليه أن يتدخل ولو كان ببيته ومتفرغا لعائلته التخاذ ما يتعين ولو بمسكّن للوجع

إلى حين طلوع الصباح . ونظرة كهذه حتى وإن كانت قليلة التنفيذ تحمل في طياتها سمو مكانة القاضي واألهبة التي يجب أن يكون عليها في كل

لحظة وحين ، ودوره الكبير في معالجة مشاكل الناس الذين لهم أن يقصدوه متى شاؤوا وأينما هو كائن، وما عليه إال التدّخل في

الحين والفصل فيما هو مطروح عليه. ونفس الشيء نسوقه بالنسبة لحصص استمرار قضاة

التحقيق ووكالء الجمهورية أو مساعديهم في ساعات تنام فيها عيون المواطنين وتبقى عين العدالة ساهرة تحرسهم وعلى أهبة

التدخل إن اقتضى األمر ، وكم هي كثيرة مثل تلك الحاالت. االنفتاح على اآلخر : ثانيا

إن المتأمل في القضاء الوطني يالحظ بسهولة وجود الطرف األجنبي فيه بأرقام تختلف من فرع من فروع النزاع إلى آخر ومن نوع من األنشطة إلى أخرى ويكفي أن ننظر في دفاتر

السجالت التجارية الممسوكة بالمحاكم لندرك أهمية تلكم األرقام ، ومن الثابت أن كل الدول تسعى إلى تواجد األجنبي لديها

كمستثمر ، وسائح ، وزائر ... وبالتالي فإن : أهمية القضايا المطروحة اليوم تتطلب التركيزأ(

على العناية بفضاءات المحاكم

16/05/2023

20

ذلك أنه إذا ما قارنا قضاء اليوم بما كان عليه القضاء في العشريات السابقة بدا لنا الفارق جليا ال من حيث الحجم فقط وإنما كذلك من حيث األهمية ، وأيضا بالنسبة للقيمة المالية ، فلقد أخذت النزاعات اليوم أبعادا مالية واقتصادية واجتماعية

هامة لم نألفها من قبل وأصبحت مكانة الدولة في مادة ( وفي نفس مستوى39الجباية مجرد طرف في التقاضي )

موقع المطالب باألداء ، وصرنا نتحدث عن البيئة ونوفر لها القوانين التي تحميها ، وعن إنقاذ المؤسسات التي تمر

بصعوبات اقتصادية والتي أصبحت بموجب ذلك شأنا وطنيا وهاجسا اجتماعيا واقتصاديا علينا ال فقط أن ننقضها بل وكذلك

أن نؤهلها لتعود إلى سالف نشاطها بأكثر فاعلية ونجاعة وتصميم. وصرنا نطالب بحذف امتيازات الدولة في التقاضي

( .40تجاه المواطن خصمها في النزاع والطرف الضعيف فيه ) وال يعقل بعد كل هذا الجهد أن تبقى دار لقمان على حالها

فنرفق كل هذه التوجهات بوسائل عتيقة وظروف عمل باليه الترقى إلى حجم ما ينظر فيه القاضي من نزاعات .

ثم إن : االنفتاح على األجنبي يجعل من القضاء الوطنيب(

واجهة من واجهات البالد التي تحتاج إلى التطوير ذلك أننا نجد الكثير من القضايا المنشورة لدى المحاكم

اليوم من يكون أحد طرفيها أجنبيا ، نذكر منها النزاعات المتعلقة بحاالت الزواج المختلط ، والقضايا التجارية البحرية ،

والشركات التجارية التي يكون فيها المستثمر أجنبيا ...إذ يحتاج هؤالء وغيرها من الحاالت المماثلة إلى مرفق قضائي يرقى إلى مستوى ما هو متوفر بالبلد األم ، وإلى قضاء في

مستوى ما عهدوه لديهم ، وإلى فضاء عصري مجهز بالوسائلالفصل( 39 المتعلقة " 54ينص الدعاوى في ابتدائيا بالنظر االبتدائية المحاكم تختص أنه على المجلة من

الفصل " ينص كما ، األداء باسترجاع المتعلقة أو لألداء اإلجباري التوظيف قرارات على من 55باالعتراضالجبائية " المصلحة بدائرتها توجد التي االبتدائية المحكمة لدى الجباية مصالح ضد الدعوى ترفع المجلة

بالملف ..." المتعهدةالفصل( 40 تضمنه ما منها القضايا " 32نذكر بتونس المنتصبة المحاكم لدى ترفع أنه من تج م م م من

الفصل ...( اقتضاه ما أو فيها طرفا الدولة تكون أو " 102التي الدولة كانت إذا أنه من المجلة نفس مناتفق إذا إال خبراء ثالثة بواسطة االختبار يكون أن يجب القضية في طرفا العمومية الهيئات من غيرها

ذلك ". خالف على الطرفان

16/05/2023

21

المعلوماتية الحديثة يقل فيه التعامل بالورق ويتميز بالسرعةوالنجاعة .

ولهذا السبب طورت أغلب التشاريع في مجال اختصاص وما يليه من مجلة القانون3المحاكم الوطنية ، فحدد الفصل

( مجال نظر المحاكم التونسية41الدولي الخاص التونسي )في مثل تلك القضايا .

يضاف إلى كل ذلك سهولة التواصل بين الدول وتفتحها على بعضها وحاجة كل منها إلى اآلخر ، وما يلعبه االستيراد

والتصدير بين الدول من دور في التنمية وكذلك ما يتبعه من نزاعات ومشاكل . فما القضاء إال أحد مكونات الدولة وواجهة من واجهاتها األساسية التي إن حسنت شجعت األجنبي على

اإلقبال عليها واالستثمار فيها . وإن بدت على عكس ذلك بعثت فيه الشك والريبة ونفّرته من اإلقبال على البالد ودفعته

إلى تحويل وجهته إلى جهات أخرى وكم هي كثيرة . الفقرة الثانية

عالقة التخصص بجودة الخدمات القضائية ذلك أن المتأمل في األنظمة القضائية لجل الدول يشعر

بحتمية التخصص القضائي لما يوفره من بوجود قناعة لديها نوعية راقية في العمل ، وبحرسها المتواصل على توفير

مستلزماته . التالزم الوثيق بين التخصص القضائي وجودة : أوال

الخدمات القضائية وبما أن التخصص القضائي ليس مجرد فكرة أو رغبة وإنما هو

تصور متكامل وغاية يتم السعي إلى تحقيقها بتظافر كل الجهود ، كانت مؤسسة المعهد األعلى للقضاء من ضمن هذه

المستلزمات وفي مقدمة من تم تسخيرها لتحقيق هذا التوجه. الفصل( 41 بين " 3ينص والتجارية المدنية النزاعات في التونسية المحاكم تنظر أنه على أعاله المذكور

بالفصل ". جاء كما التونسية بالبالد مقيما المطلوب كان إذا جنسيتهم كانت مهما األشخاص تنظر " 4جميعموضوع كان إذا إل لديها التقاضي المطلوب قبل إذا أو األطراف عينها إذا النزاع في التونسية المحاكم

الفصول ". حددت كما التونسية البالد خارج كائن بعقار متعلقا عينيا حقا أخرى 9، 8، 7و 6النزاع حاالت ، التونسية . المحاكم اختصاص من

16/05/2023

22

دور المعاهد العليا للقضاء بالدول العربية فيأ(تكوين القضاة ودعم خبرة كتبة المحاكم

يعتبر المعهد األعلى للقضاء من أهم المؤسسات التي تحقق مطلب التخصص القضائي ، وللسبب المذكور بادرت

أغلب الدول إلى إحداثه وتكليفه بمهام :التكوين األساسي للملحقين القضائيين-استكمال الخبرة للقضاة المباشرين-تكوين وتأهيل مساعدي القضاء .-

وتعتبر التجربة التونسية رائدة في هذا الشأن إذ أحدث المعهد المؤرخ1985 لسنة 80األعلى للقضاء بمقتضى القانون عدد

ووسعت مشموالته بمقتضى القانون عدد 1985 أوت11في لتشمل تكوين1992 جويلية 27 المؤرخ في 1992 لسنة 70

وتأهيل مساعدي القضاء من عدول تنفيذ وعدول إشهاد وخبراء عدليين ومترجمين محلفين .. وقد بلغ خريجوه من

القضاة اآلن الرتبة الثالثة وتولوا المسؤوليات وتخصصوا فيمجاالت عدة من النزاع .

عالوة على ما يقوم به من تنظيم ملتقيات بمختلف محاكم الجمهورية ، ومن مواكبة للمستجدات القانونية في إبانها حتى

يسهل على القاضي فهم مضمونها والعمل بمقتضاه. والمقترح على الدول العربية مزيد التنسيق فيما بينها

بخصوص هذه المؤسسة ومزيد تطوير طرق عملها ، وتوحيدبرامجها.

بـ( حاجة البالد إلى وجود قضاء ناجع تعد النجاعة الهدف األول من كل عمل يقوم به اإلنسان ، والمقصود بذلك أن يتم تحقيق الغاية المرجوة من العمل الذي نباشره بكل دقة ، وحرفية ، وإقناع . وبذلك يكون ما نقدمه من

إنتاج مقنعا إلى درجة ال تحتمل الشك وال التأويل ، وهذا األمر ليس بالسهل وال هو بمقدور أي كان . وإذا ما حاولنا تطبيق هذا

المفهوم على القضاء تبادر إلى ذهننا ما تلقيناه في بداية ممارسة

16/05/2023

23

هذه المهنة من أن " القاضي تصنعه األيام ". فاأليام رديف الممارسة وبالممارسة يشتد عود القاضي وتصقل مواهبه ،

وتتضح الرؤيا لديه ، وتستنبط الحلول المناسبة ، وقديما قيل : علمته الرماية ولما *** اشتد ساعده رماني

وال يشتد ساعد القاضي إال بطول الممارسة التي تفضي إلى التخصص. ولهذا السبب يرى البعض أنه يوجد ثالثة أصناف من

الناس كلما استمروا في النشاط إال وزادت خبرتهم ، وتطور عطاؤهم ، وحسن أداؤهم وهم : األستاذ الجامعي ، والطبيب

الجراح ، والقاضي . ويوصون بالحفاظ عليهم متى كانت ظروفهمتسمح بذلك.

ولهذا السبب تسعى الدول إلى التمديد للقضاة الذين هم على أبواب التقاعد كي تواصل استفادتها من خبراتهم ، وهو

( مخافة أن تؤثر عملية42اختيار يرفضه القضاة التونسيون ) انتقاء القضاة الممدد لهم على استقالليتهم في نطاق أدائهم

لمهامهم ، وكبديل لذلك يقترحون الترفيع في سن التقاعد أسوة ( وبما حصل بتونس أيضا لألطباء43بأغلب الدول األوروبية )

المبرزين ولألساتذة الجامعيين.كما أن من نتائج هذا التخصص التقليص من تشعب النزاع .ثانيا : تأثير التخصص على التقليص من تشعب النزاع رغم أن النزاع واحد فقد تتعلق به قضايا كثيرة يرفعها كل طرف

على خصمه أمام قضاء ليس له إال النظر فيها حتى وإن كانتفاقدة للجدية.

أ( ظاهرة تعدد القضايا بسبب نزاع واحد ذلك أن المتأمل في النزاعات المطروحة أمام المحاكم

يدرك أن لها خلفيات اجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية ، وهو وإن ليس من مشموالت القاضي معرفة تلك األسباب فإن معرفتها يساعد على فهم النزاع وفضه ، فإن كان للنزاع خلفية سياسية

ذلك( 42 في الرأي نشاطرهم ونحنسنة ( 43 منذ تم تونس خمسة 2008في إلى المبرزين واألطباء الجامعيين األساتذة تقاعد سن في الترفيع

عاما . وستين

16/05/2023

24

يستحسن أن ال يستعمل القضاء لتحقيق تلك المآرب ، أما إذا ما كان للنزاع خلفية اجتماعية أو اقتصادية ... فقد أوجد المشرع مؤسسة الصلح التي للقاضي أن يلجأ إليها لفض النزاع . وقد

خص المشرع التونسي قاضي الناحية وقاضي الحالة الشخصية بدعوة الطرفين إلى الصلح في حين عممت أغلب التشاريع

( . 44العمل بالصلح وجعلت منه إجراءا ملزما للقاضي) ثم إن المتأمل في اإلحصائيات المتوفرة لدى المصالح

(45المشرفة على القضاء يالحظ ارتفاع رقم القضايا المنشورة ) بكيفية تسترعي االنتباه وتوحي بأن كامل الشعب التونسي

متّضلع في الخصام ، والحال أن ما عليه طرق التقاضي اليوم من مجانية ، وتبسيط في اإلجراءات ، وتنوع في المسالك

المتاحة لمباشرة النزاع ، وتعدد في طرق الطعن بشأنه العادية منها وغير العادية ، أدت جميعها إلى حصول تضخم في هذا الرقم

الذي أصبح أضعاف ما هو كائن فعال . وأوحت بأن القضاء في ( . 46حاجة إلى الدعم البشري ، والحال أن الحلول متنوعة .. )

ب( ظاهرة توظيف القضاء الجزائي لعرقلة التعامالتالمدنية والتجارية

كثيرا ما يسعى المدعى عليه في نزاع مدني صرف إلى رفع شكايات بخصمه إلى النيابة العمومية وحتى القيام على

المسؤولية الخاصة لرمي ما كان التزم به لخصمه سواء بالتحيل أو الزور أو ... وكثيرا ما يعطل النظر في تلك الشكاية الدعاوى

المدنية المنشورة بحجة أن " الجزائي يوقف النظر في المدني " فترمى الملفات في أدراج كتابات المحاكم وتتعطل معها مصالح

األطراف المعنية بالقضية وتظل تنتظر مآل تتبع جزائي قد الينتهي.

والحقيقة أن النيابة العمومية تبدو متساهلة في فتح األبحاث والتتبعات رغم وضوح االتفاقات والعقود ، والحال أن في هذا التمّشي خطر على المعامالت وعلى حجية الوثائق والحجج .

44 ... الغزواني( الدين نور األستاذالقضائية( 45 للسنة المنشورة القضايا عدد ، 2010/2011بلغ واتهام ، فروعه بمختلف وجزائي ، مدني من

ونيابة ) ، إليها( ) 2.384.772وتحقيق عقارية( 51.882يضاف قضيةالسابق( 46 المرجع ، الغزواني الين نور األستاذ

16/05/2023

25

والمطلوب أن يتحرى قلم االدعاء في هذا الشأن حتى يتبين الخيط الفاصل بين ما هو جزائي وما هو مدني فال يتدخل فيما ال يعنيه ويعطل مجال المعامالت بتخبطات يائسة يقوم بها المدين

كي ينسف ما كان التزم به عن تبصر وروية. ج( غياب توظيف القضاء للوسائل القانونية المتاحة له للحد من ظاهرة تعطيل سير النزاع ) المسائل األولية ،

الدفوع ...( تعرف أغلب النزاعات القضائية وخاصة المدنية منها متى

انطلقت تشعبا يصعب حصره ، ومرد ذلك أن كل طرف فيها يستعمل كل ما توفر لديه من وسائل لكسبه سواء منها

الدفوعات الشكلية ، أو الموضوعية ، أو األعمال والقضايا الموازية ، كاالختبارات ، أو إبطال االعالمات والتنابيه ، أو

اإلشكاالت التنفيذية ، أو إبطال العقود سند دعاوى األداء أو ... وتشعب كهذا قد يربك البعض من القضاة ويجعلهم يلجؤون

إلى الحكم بالرفض خشية البت في تلك المسائل والدفوعات المثارة التي تبدو لهم عويصة ، في حين ينطلق القاضي

المتمّرس في معالجة تلك المسائل واحدة بواحدة فيطوعها للنزاع ويدخلها في مكوناته إن أمكن إلى أن يأتي عليها كلها

مستعمال في ذلك آليات ووسائل قانونية متاحة يهرب منها غيره ويراها عويصة مثل : قاضي األصل هو قاضي الدفع ، ومبدأ الحياد

االيجابي للقاضي ، وآلية التحرير على الطرفين ، واليمين االستفائية ، والتداخل واإلدخال ... فإذا هي جميعها من عناصر

النزاع ال من معطالته ، وإذا بها تساهم في اإلتيان عليه مرة واحدة بصفة مجملة وجذرية ، وإذا بتلك التشعبات المفتعلة تشعبات وهمية من افتعال المتقاضي وصنعه بغرض إرباك

القاضي ودفعه في الغالب إلى الحكم برفض الدعوى والحال أنهفي إمكانه أن يأتي عليها ويدمجها في أصل النزاع وفي سياقه .

ثالثا : تأثير التخصص القضائي على النزاعات

16/05/2023

26

فمن خالل ما سبق بسطه يتبين أن للتخصص القضائي تأثير مباشر على األحكام الصادرة سواء من حيث وجاهتها ، أو فيمايتعلق باالطمئنان إليها ،أو بالنسبة لممارسة الطعون بشأنها.

قضاء متخصص : وجاهة في األحكام أ( إن المقارنة بين قاض متخصص في مادة معينة وآخر غير متخصص فيها كالمقارنة بين طبيب متخصص وطبيب عام ، فكما تختلف المقاربة بين معالجة ظاهرة مرضية من طرف

طبيب عام ومعالجتها من طرف طبيب متخصص فيها ، يكون األمر كذلك بالنسبة لمعالجة نزاع بين قاض تكوينه عادي

وشامل وبين آخر تلقى إضافة إلى تكوينه األصلي تكوينا أعمق وأدق بالنسبة للمسألة المطروحة ، فليس كل قاض مدني بقادر على مباشرة النزاعات التجارية بنفس الكفاءة التي

يباشرها بها القاضي المتخصص في المادة التجارية ، وليس لهذا القاضي التجاري ما يمكّنه من مباشرة نزاع عيني بنفس

المهارة التي تتوفر في القاضي العقاري ، وال لهذا القاضي العقاري المؤهالت التي تمكنه من مباشرة ملف في الجباية

بنفس الكفاءة التي عليها قاض متكون في مادة الجباية . ومرفق القضاء بصفة عامة في حاجة إلى هذا التنوع بما يتناسب مع تنوع النزاعات ، فتأتي األحكام وجيهة يجد فيها

صاحب الحق حقه ، ويقتنع المحكوم عليه فيها بوجاهتهافتعوزه الحجج واألدلة للسعي في نقض ما تضمنته.

قضاء متخصص : قناعة باألحكام واطمئنان علىب(المكاسب وتوجه نحو االستثمار

ولعل ما يعاب على القضاء الوطني هو فقدان هذا التنوع في الكفاءات القضائية وحسن توزيعها على مختلف

المحاكم بما يرقى بالخدمات القضائية إلى ما هو أفضل في كامل الجهات دون ميز وال تفضيل جهة على أخرى ، وهي

معادلة صعبة التحقيق كانت مهملة فيما مضى إلى حد كبير ، وتعترضها اآلن جملة من العراقيل من أهمها عدم

نقلة القاضي إال برضاه ...

16/05/2023

27

ومع ذلك ، ومع اقتناعنا بضرورة التدرج في تحقيق هذا المطلب ، يبقى التخصص القضائي الهدف المنشود من وراء كل حركة قضائية لما فيه من مردود إيجابي على

الخدمات القضائية ، ومن نفع للبالد ، وتشجيع علىاالستثمار.

قضاء متخصص : توحيد في التوجه وتقليص منت(الطعون

من ميزات القضاء المتخصص أنه يؤدي - ولو بعد حين - إلى توحيد التوجهات والمواقف بشأن مسائل قانونية مطروحة ، فتتضح الرؤيا للمتقاضين وللمتعاملين أيضا

فيدركون أن هذا هو الحل الذي استقر عليه القضاء والذي عليهم إتباعه ، ولن يجدوا حلوال أخرى أفضل ، ومن األنسب

لهم االمتثال لتلك التوجهات والعمل بها وإدراجها ضمن تعامالتهم وبذلك يقللون من الطعون الواهية والفاقدة

للجدوى . والمتأمل في سير عمل المحاكم يالحظ االختالف

البارز بين دوائرها فيما يتعلق بنفس المسائل القانونية وقد شملت هذه الظاهرة محكمة التعقيب ذاتها حتى كتب

البعض من رجال القانون عن القرارات المتناقضة لدى من م م م191 (. فحينما ينص الفصل 47محكمة التعقيب)

تج من أن " ...محكمة التعقيب متألّفة من دوائرها المجتمعة تتولى النظر في خصوص المسألة القانونية الواقع مخالفتها ) للمرة الثانية ( من دائرة اإلحالة ..."

تركيبة هاته الدوائر المتكونة من "193ويحدد الفصل الرئيس األول ورؤساء الدوائر وأقدم مستشار من كل

دائرة على أن ال يقل عدد أعضاء الهيئة عن الثلثين من كل صنف وتعقد جلساتها بمحضر وكيل الدولة العام وبمساعدة

كاتب المحكمة وتجتمع بدعوة من الرئيس األول ويكون رأيه مرجحا عند تعادل اآلراء " نتساءل مثال عن جدوى

مشاركة قضاة لهم تكوين مدني في مسائل قانونية جزائيةمن( " 47 ملتقى أعمال ، التعقيب التعقيب، محكمة دوائر قضاء فقه تباين حليمة بن ساسي إلى 4االستاذيليها .135ص 1988أفريل 7 وما

ص : : المرجع نفس ، القضاء ووحدة التعقيب السالمي حسين يليها 53االستاذ وما

16/05/2023

28

مطروحة للنقاش ، وعن مشاركة قضاة لهم تخصص جزائي في مسائل مدنية مطروحة كذلك للنقاش ، فالخلط بين

قضاة متباعدي التخصص في مناقشة مسألة قانونية مطروحة تتفاوت قدراتهم بشأنها واختيار الحلول وفق أغلبية األصوات مثلما يقتضيه الفصل المذكور أعاله من

شأنه أن يؤثر على جودة العمل ويجعل من االقتراع مسلكا غير سليم قد ينقص من دور محكمة التعقيب في توحيد

اآلراء ، والمقترح مراجعة الفصول المتعلقة بالدوائرالمجتمعة في اتجاه تجسيم جانب التخصص .

:الخاتمة تالحظون أيها السادة أن التخصص القضائي هكذا

تصور متكامل يتطلب توفر جميع مكوناته ، فإن نقص البعض منها بدت الصورة مشوهة فال تحقق الغاية المرجوة منها ، والحكمة تقتضي أنه إذا فعلنا شيئا أن نتقنه فال نعود إليه إال لنطوره وليس إلكمال النقائص أو إلعادة التجربة ...

وهو مطلب ملح يحتاج تحقيقه إلى مراحل ، وإلى منهجية في العمل ، وإلى سياسة قضائية واضحة وعادلة تسّخر لها اإلمكانيات ، وتشمل كل جهات البالد مع اعتبار ما تتميز به

، وكذلك ما يتوفر من الرصيدكل جهة منها عن األخرى (. 48البشري المتخصص في الغرض )

2013جويلية 15تونس في

محمد الصالح بنحسين

الهيا( 48 مع بالتنسيق حاليا بتونس العدل وزارة تنكبوذلك البالد مناطق بحسب بمقدارها ينغير المقر بمنحة يسمى ما توفير في النظر على المعنية كل

التونسية بالبالد النائية بالمناطق العمل على القضاة السادة تشجيع بغرض

16/05/2023