التسويق السيايس

النظرية واملامرسة بني عاملني

15 كانون الثاين/ يناير 2018

وحدة األبحاث االجتامعية

مناف الحمد

1

املحتويات

2 ................................................................................................................................... مقدمة

: تعريف التسويق السياس يا

3 ................................................................................................. أول

ا: نشأة التس 4 .................................................................................................. ويق السياس يثانيا

ا: عوامل تطور التسويق السياس يا 5 ....................................................................................... ثالث

ا: عناصر التسويق السياس ي 6 ............................................................................................... رابعا

6 ...................................................................................................................................... السياس ي املنتج -1

7 ................................................................................................................................................... الترويج -2

17 ................................................................................................................................................ التوزيع -3

17 ............................................................................................................................................... التسعير -4

ا: مثال عملي من الواقع الغربي 18 ...................................................................................... خامسا

ا: التسويق السياس ي؛ مثال من الواقع العربي. 20 ................................................................ سادسا

ا: صوغ املنتج املتميز والعجز عن تسويقه 23 .......................................................................... سابعا

23 ................................................................................................................................. املاركسية تعريب -1

24 .................................................................................................. )(للسلطة التابعين لدينا رجال منتج -2

25 .................................................................................................................................. خاتمة

26 .................................................................................................................... املصادر واملراجع

2

مقدمة

مشتق من التسويق التجاري، وهو يعنى بتسويق األحزاب التسويق السياس ي علم حديث نسبيا

واملرشحين والبرامج، وكيفية تحقيق قبول املستهلكين بها، وهم هنا املستهدفون بهذه البرامج واألفكار. وبينما

يؤرخ لنشوء املصطلح منذ حقبة الرئيس األميركي "أيزنهاور" الذي يعد السياس ي األول الذي استخدم وسائل

ال الحديثة في حملته االنتخابية، إال أن محاوالت أصحاب الرؤى إقناع الجمهور برؤاهم وبرامجهم االتص

وتوجهاتهم السياسية محاوالت ضاربة في القدم، وال نبالغ إذا قلنا: إنها تعود إلى فالسفة اليونان، وقد أخذت

أنضج في عصر النهضة عقب ظهور األفكار السياسية امليكيافيلية.

شكال

وفن إقناع الجمهور الذي أصبح اليوم علما ذا بنية ناجزة تستخدم منهجيات صارمة لم يتغير في شكله

ومضمونه بمعزل عن التحول في االهتمام من املضمون إلى الشكل الذي رافق هيمنة الثقافة االستهالكية

الذي نتج من تحوالت في الفكر الغربي نزلت بالذات من عليائها األنطولوجي إ

لى سيادة إبستمولوجية وصوال

إلى عدها عرضا تاريخيا بال نواة.

وألجل قناعتنا بأهمية استخدام ميكانيزمات إقناع الجمهور، فإننا نجد من الضروري محاولة فهم

انتقائيا، ال تعامل

الخطوط العريضة لهذا العلم، ومعرفة جوانب قصوره؛ لكي نتعامل معه تعامال

قف الكل مستلبا، أو يرفض الكل مزدريا، كما كان ديدننا في التعامل مع منتج اآلخر.املدهوش الذي يتل

يحتذى، فقد استخدم نبي اإلسالم وسائل اإلعالن

وإن لنا في تجربة نبي اإلسالم عندما أعلن دعوته مثاال

(1)الناجح كلها التي يقع في مقدمتها:

أغلب املستهدفين. أن يكون اإلعالن عن املنتج في مكان يراه -

وأن يصاغ اإلعالن بلغة تجذب املستمع. -

وأن ينتزع من املستمع التصديق بأسلوب مقنع. -

عندما وقف نبي اإلسالم على مكان مرتفع، ودعا الناس إليه، حقق املقوم األول من مقومات نجاح

ا ممن دعاهم بصدقه وأمانته، ومن ثم أبلغهم بالوحي الذي نزل عليه. اإلعالن، ثم انتزع اعتراف

أن -على الرغم من رفض كثيرين في البداية-حقق النبي شروط اإلعالن الناجح عن دعوته، واستطاع

ا لفكر الرافض، والشاك، واألقرب إلى التصديق. يحدث تحريك

ممكن وهو بمعرفته املكتسبة من دراسة عميقة للواقع عرف املمكن األكثر قابلية للتحول الى واقع، إنه

التوحيد الذي كانت تتطلبه ضرورة التوحيد السياس ي واالقتصادي لدى القرشيين، ولم يكن هذا املمكن

.42-40(، ص. 0022، )القاهرة، الدار املصرية اللبنانية، 2انظر منى حديدي، اإلعالن، ط (1)

3

في الوقت عينه غريبا؛ إذ وجد من يتبنونه عقيدة لهم، وإن كانوا أفرادا، ومن لم يؤمن به لم ينكر موضوعه،

وهو هللا، ولكنه لم يقبل بوحدانيته.

ألساليب التسويق السياس ي في الفترة األخيرة في الوطن العربي يشير إلى إدراك إن ما نراه من استخدام

أهمية هذا العلم، ولكنه يحذو حذو األسلوب الغربي في التسويق السياس ي الذي سبق أن يهيمن فيه الشكل

ف على املضمون؛ بسبب سيرورة تاريخية طويلة من التحوالت في الفكر الغربي، وال يلتفت إلى اختال

السياقين، ال سيما أن هدفه في النهاية هو محاولة إقناع الجمهور بالوصول إلى الهدف املباشر، وليس

محاوالت إقناعه عن طريق اإلنجاز الذي يفي بالوعود.

: تعريف التسويق السياس يا

أول

األميركية ثمة تعريفات عدة للتسويق السياس ي، ولكن ربما كان التعريف الذي اعتمدته جمعية التسويق

هو: -بحسب تعريفها-أكثر إجرائية في بحثنا، فالتسويق

وتنفيذه لخلق "عملية تخطيط التصور والتسعير والترويج والتوزيع لألفكار والسلع والخدمات

(2) ".التبادالت التي تلبي األهداف الفردية والتنظيمية

األفكار، وليس السلع والخدمات وما يهمنا في هذا التعريف هو مفردة األفكار التي تجعل التسوي

ق شامال

فحسب. وهو ما يجعل مقاربتنا بعض األمثلة مقاربة مشروعة، وإن تحركت في فضاء أوسع من فضاء

تقنيات التسويق السياس ي املحضة.

أما التعريف الثاني الذي نختاره؛ لتعلقه بما نريد أن نصل إليه فهو:

وتعزيزها على املدى الطويل محققة الفائدة للمجتمع واألحزاب "إقامة العالقات مع الناخبين وصيانتها

السياسية، وبحيث يجري استيفاء أهداف الجهات السياسية الفردية واملنظمات املعنية، وذلك عن طريق

(3)الوفاء بالوعود".

)2( Christian Schafferer, Election Campaigning in East and Southeast Asia Globalization of Political

Marketing (Hampshire: Ashgate Publishing limited, 2006), pp. 1–9. ي املجال السياس ي، )جامعة األزهر، غزة، عبد ربه عبد القادر العنزي، نظرية التسويق السياس ي املفاهيم والدالالت ف (3)

.57(، ص. 2016فلسطين،

http://strategicvisions.ecssr.com/ECSSR/ECSSR_DOCDATA_PRO_EN/Resources/PDF/Rua_Strategia/Ru

a-Issue-12/rua12_50.pdf

4

إن األول وفي التعريف األخير تأكيد ملا ذكرناه عن الفرق بين التسويق السياس ي والتسويق االنتخابي؛ إذ

إلى بغيته، وإنما يلزمه بمتابعة الوفاء بالوعود التي يعد الوفاء -حزبا أم شخصا-ال يكتفي بوصول املرشح

بها مكونا عضويا من مكونات التسويق السياس ي.

ا: نشأة التسويق السياس ي ثانيا

دم، ولكن نشوءه مصطلحا موغل في الق -بوصفه فن إقناع–سبق أن أشرنا إلى أن التسويق السياس ي

، ولكن باحثين (4)ومفهوما مستقلين يتداخل فيهما السياس ي مع التسويقي بدأ في نظر باحثين كثر مع أيزنهاور

من أيزنهاور إلى عهد الرئيس األميركي ويلسون بعـد تـورط إدارتـه في

آخرين يرجعون إلى ما هو أقدم قليال

للدعايـة الحكوميـة، التي نجحـت في تحويل الشـعب مـن شـعب (5)كريل الحـرب األوروبية، وتأسـيس لجنـة

هادئ إلى شـعب هسـتيري، يتاجر بالحـرب ويروج لها، وقـد طرح املثقفـون األميركيون على الرئيـس ويلسـون

م "هندسـة التاريـخ" خالل الحـرب العاملية األولى للسـيطرة على فكر الشـعوب. ويعد آخـرون أن مفهـو

التسـويق السـياس ي ظهـر أول مـرة في الثالثينيـات مـن القـرن املاض ي حينما عمـد الحزب الديمقراطـي األميركي

.1928إلى خلـق مصلحـة إشـهار تابعـة له بعد هزيمتـه في االنتخابات الرئاسـية سـنة

لسـياس ي؛ إذ كان أول من واسـتخدم الرئيـس األميركي روزفلـت أحدث الوسـائل الدعائية في التسـويق ا

(6) السـياس ي.أدخل في جهـاز الحكومـة قسـم "العالقات العامـة"، وغير مفهـوم الدعايـة إلى مصطلـح التسـويق

مراد بن عيس ى بو شحيط، صناعة صورة الرئيس األميركي: مقاربة في مفهوم التسويق السياس ي وإستراتيجياته، املركز (4)

الديمقراطي العربي للدراسات اإلستراتيجية والسياسية واالقتصادية،

http://democraticac.de/?p=38856 نسبة إلى جورج كريل، وهو الصحافي الذي لجأ إليه الرئيس األميركي ويلسون؛ لكي يساعده في إقناع الشعب األميركي (5)

بضرورة انخراط أميركا في الحرب العاملية األولى. .61العنزي، املرجع السابق، ص. (6)

5

ا: عوامل تطور التسويق السياس يا ثالث

عوامل كثيرة ساهمت في تطور التسويق السياس ي، يأتي في مقدمتها:

عية والسياسية من األيديولوجيات املصمتة إلى البرامج واألفكار تغير حامل االنقسامات االجتما -1

األكثر مرونة، وهو تغير مرتبط بتكريس مفهوم الفردية الذي يجعل من الصعب أسر الفرد بين جدران

أيديولوجيا مفروضة، وهو تطور ناتج من تطور مفهوم الذات من ذات معرفة بدورها االجتماعي املحدد

دة بمجموعة من القواعد والواجبات التي ال يستثنى منها عمليا أي مجال من مجاالت منذ الوالدة، مقي

التي ساهمت املساهمة األكبر في تبدل -النشاط إلى ذات مثقلة بالعوارض االجتماعية تمنحها السوق الحرة

عد باالنتقال إلى الفرص التي تهتبلها بجهدها وبإرادتها، وهو ما -بنية اإلنسان وذهنيته في العصور الوسطى

تح لهم األوضاع االجتماعية مرحلة أكثر تقدما في تمحيص مفهوم العدالة ظلما واقعا على من لم ت

والطبيعية ما أتاحته لغيرهم، فأفسح املجال ملفهوم املساواة الليبرالية التي تبنت مبدأ تكافؤ الفرص الذي

(7)لطبيعية واملنزلة املوروثة.يعد فيه الفرد مجردا من العوارض االجتماعية وا

مبدأ قاصر بحسبانه الدافع الذي يحرض الشخص على ” راولز“ولكنه كان في نظر ليبراليين معاصرين كـ

ه التصور الديمقراطي الذي استغالل إمكاناته في تحصيل الفرصة املتكافئة دافعا اعتباطيا، فحل محل

(8) غاياتها.ملنسوبة إليه، وتعد فيه األنا سابقة على يقض ي بأن الفرد مجرد من الصفات العرضية ا

تزامن نضج التسويق السياس ي مع تكريس املبدأ الديمقراطي وانتهاج -إلى حد ما-وهو ما يفسر

السياسات الديمقراطية.

(9) مشاعا.التطورات التقنية التي ساهمت في جعل املعرفة بضاعة -2

(10) املرشح.ضرورة تحمله مسؤولية املساهمة في اختيار تنامي وعي املستهلك السياس ي ب -3

ا صار املستهلك السياس ي العادي يؤمن أكثر أن عليه تحمل مسؤولية االختيار، واملبادرة ليصبح مستهلك

ا وحارسا في الوقت نفسه للعملية السياسية واالنتخابية، بحسبان أن الخطر املحتمل الناتج من تبني يقظ

بية سياسية خاطئة خطر كبير وعواقبه وخيمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.خيارات انتخا

، )بيروت: املؤسسة العربية للدراسات 1الخوف من الحرية، مجاهد عبد املنعم مجاهد )مترجم(، ط انظر إريك فروم، (7)

وما بعدها. 40(، ص. 1972والنشر، ، )بيروت: املنظمة العربية للترجمة، 1انظر مايكل ج. ساندل، الليبرالية وحدود العدالة، محمد هناد )مترجم(، ط (8)

.61-60(، ص. 2009، دور التسويق السياس ي في تحسين أداء املنظمة السياسية، دراسة حالة: عينة من األحزاب السياسية نوال فرقش (9)

الجزائرية. أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علوم التسيير، وزارة التعليم العالي، كلية العلوم االقتصادية

.61، ص. 2016-2015والتجارية وعلوم التسيير، الجزائر، .62نوال فرقش، دور التسويق السياس ي في تحسين أداء املنظمة السياسية، ص. (10)

6

ا: عناصر التسويق السياس ي رابعا

املنتج السياس ي -1

"مجموعة من الصفات الشخصية وغير الشخصية، ومن ضمنها خصائص املرشح، وصورة (11) وهو

يقبلها الجمهور على أنها تشبع حاجتهم املرشح، وصورة الحزب الذي ينتمي إليه، والوعود املقدمة التي

ورغباتهم".

(12)وفي الحديث عن املنتج ال بد من التفريق بين ثالثة أصناف له بحسب درجة مرونته:

منتج سياس ي مرن: وهو البرنامج أو الرؤية التي يقدمها السياس ي، وهو مرن؛ ألن التحكم فيه ممكن.

ومظهره الخارجي، وهو أكثر ممانعة للتحكم فيه وتغييره منتج سياس ي شبه مرن: وهو كاريزما السياس ي

من األول.

منتج سياس ي صلب: تمثله األيديولوجيا التي يحملها السياس ي ويحاول تسويقها، وهي عصية على التحكم

بها.

وفي الحديث عن املنتج ال بد من ذكر ما يصوغه هذا املنتج من انطباع سياس ي لدى املستهلك وهو ما

وظيفة الترويج. يدخل في

.2017املوسوعة السياسية، مفهوم التسويق السياس ي، (11)

https://goo.gl/RuyfXU )12( Muhammad Suhail Nazar, Abdul Latif, Scope of Political Marketing in the Context of Pakistani Political

Environment, The Islamia University of Bahawalpur (63100), Punjab, Pakistan, 2009, pp.4.

7

الترويج -2

ز على الشكل، واللغة، ونوع الشخصية، وهي ثالثة ومن أهم وسائله إدارة االنطباع السياس ي التي ترك

(13) الناخبين.بارامترات يستخدمها مستشارو السياسيين في العالم؛ لكي يزيدوا أسهمهم لدى

ن االهتمام باملضمون إلى جعله ثانويا وقد حصل تحول في أوضاع هيمنة وسائل اإلعالم البصرية م

بالنسبة إلى الشكل.

وألجل هذا يكون مستشارو التسويق السياس ي انطباعات الناخبين عن املرشحين من خالل بعض

اإلشارات كاللغة، وسمات املظهر، والسلوك غير اللفظي؛ ألن هذا التحول املشار اليه في االهتمام جعل

من الطريق املركزي املتمثل في الحجج في الناخبين يسلكون الطريق ا

ملحيطي املتمثل في اإلشارات بدال

معالجة املعلومات.

من العامل العقالني.

ومن ميزات هذا الطريق املحيطي التركيز على العامل العاطفي بدال

فيها يكون إن سياسات تشكيل االنطباع التي تعتمد على العناصر السابقة تسمى "سياسات اإلدراك"، و

التركيز على الشكل على حساب املحتوى، أو باألحرى يجري تفاعل غير متناسب بين الشكل واملحتوى

(14) املعنى.لحساب األخير. بينما كان التركيز في السياسات التقليدية على املحتوى الذي يحتكر صناعة

ب تغيرات توقعات اللغة: يحرص السياسيون على استخدام خطاب مصاغ بأسلوب متغير بحس -أ

الجمهور، وال ينسون إضفاء صبغة مسلية على خطاباتهم لجذب املستمعين.

وألن التنافس ال يرحم تجد صراعا بين املرشحين والوقت؛ وألجل تحقيق الغلبة على الوقت الذي ال يتيح

وهو ما يصبغ (15) .املتاحفرصة كبيرة للتأمل تستخدم لغة عاطفية أكثر قدرة على التأثير في الوقت القصير

هذه اللغة بالصبغة املجازية التي تتيح إخفاء أشياء وإظهار أخرى.

ر مهم وتعبر اللغة عن قدرة السياس ي البالغية، ونسبة استخدام االستعارات واملجازات في خطابه مؤش

في، ولوحظ أن لها لقياسها، وقد ثبت أن لها تأثيرا كبيرا على الناخبين؛ لقدرتها على مخاطبة الجانب العاط

عالقة بعمق املضمون النظري للخطاب وتعقيده، إذ يزيد الوزن النسبي لها في الخطاب الذي تستخدمه

)13( Christ'l De Landtsheer, Philippe De Vries, Dieter Vertessen, Political Impression Management: How

Metaphors, Sound Bites, Appearance Effectiveness, and Personality Traits Can Win Elections, Journal

Journal of Political Marketing

Volume 7, 2008 - Issue 3-4, pp. 219. )14( Ibid, pp.220. )15( Weinberger, O. Argumentation in law and politics. Communication and Cognition, (1995).

28(1), 37–54.

8

األحزاب والشخصيات اليمينية؛ ألن مضمونه النظري أقل تعقيدا وعمقا من نظيره لدى األحزاب

(16) اليسارية.والشخصيات

تحديث اللغة ملواكبة التغيرات، وعدم اإلفراط في املجازات وينصح مديرو االنطباع السياس ي بضرورة

إال في أحوال األزمات، بعكس ما يفعل القادة املتطرفون واملجموعات املتطرفة التي تعمد إلى استخدام اللغة

(17) كلها.املجازية للتأثير في العاطفة في األوقات

قة، فإن تحديات كثيرة تواجه هذا العنصر وملا يسببه استخدام املجاز بطبيعته من ازورار عن الحقي

من عناصر ما أسميناها "سياسات اإلدراك". منها:

هل يمكن اجتراح خطاب يوفق بين استثمار اإلعالم للوصول إلى الجمهور، ومتطلبات الديمقراطية؟.

من هل يمكن أال تتحول الرسائل املصاغة بلغة مجازية بما تنطوي عليه من بعد عاطفي، ومن خلو

(18)العمق إلى عبارات جوفاء؟.

وما الثقل النسبي للعنصر البالغي بين مجموع عناصر االنطباع السياس ي؟.

اآلخرين من عناصر تشكيل مع العنصرينالشكل: ملواجهة التحديات السابقة يجب أن تتكامل اللغة -ب

االنطباع السياس ي، وهما الشكل والشخصية.

أما الشكل فثمة تجارب عدة ت

دل على نجوعه في التأثير في انطباع املستهلك أو الناخب. فقد لوحظ مثال

(19) للوزراء.أن مارغريت تاتشر أجرت تغييرات عدة على مظهرها خالل األعوام التي قضتها رئيسة

وبرلسكوني رئيس وزراء إيطاليا السابق لم يتوان في إحدى املرات التي عرض فيها برنامجا جديدا لحكومته

(20) شد.عن عرض وجه جديد خال من أمارات الشيخوخة بعد أن أجرى لوجهه عملية

)16( Scheuer, J. The sound bite society: Television and the American mind. New York: Four Walls Eight

Windows ,(1999). )17( Ibid. )18( Franklin, B. Packaging politics: Political communications in Britain’s media democracy (2nd ed.).

London: Hodder Arnold ,(2004). )19( De Landtsheer, C. Politiek impressiemanagement in Vlaanderen en Nederland. [Political impression

management in Flanders and The Netherlands]. Leuven, Belgium: Acco ,(2004). )20( Ginsborg, P. Silvio Berlusconi: Television, power and patrimony. London: Verso ,(2004).

9

وحاول جورج بوش االبن أن يخفي قصر قامته، خصوصا، باملقارنة مع منافسه في االنتخابات جون

عن األرض؛ لكي يبدو أطول مما

كيري، فعمد في املناظرات مع خصمه إلى الوقوف على قطعة مرتفعة قليال

(21)عليه. هو

وقد أثبتت دراسات عدة معمقة أن الجمهور ينسب صفات شخصية باالستناد إلى املظهر، وهو ما يجعل

وقدرة على تشكيل انطباع إيجابي.

(22)السياسيين يحدثون تغييرات على هذا املظهر؛ لكي يجعلوه أكثر قبوال

أن الجمهور يفضل السياس ي

الذكر ذا الشعر الغامق املسرح بعناية، ومن نتائج الدراسات املذكورة مثال

وذا الجبهة العالية. وال يفضل الذكور من السياسيين ذوي الشعر األشقر غير املسرح.

. وربطة عنقومن نتائجها: تفضيل ارتداء الرجال ثيابا غامقة كالسيكية مع قميص أزرق فاتح أو أبيض

ر أو متوسط الطول وتسريحة كالسيكية، بينما أما النساء، فيفضل الجمهور أن يكن بشعر داكن قصي

يبدو الشعر األشقر غير مرغوب فيه.

(23)أما اللباس فيفضل أن يكون جاكيتا وبلوزة بألوان زاهية متغايرة.

ومن ضمن ما تؤكده هذه الدراسات أن اإلدراك السياس ي للصغار ال يختلف كثيرا عن اإلدراك السياس ي

السيدات ذوات الشعر الداكن.للبالغين، فكالهما يفضل مثال

وعلى الرغم من الفرق املتمثل في أن رأي البالغين السياس ي متأثر بمعرفة سابقة عن السياسيين، بينما

ال يمتلك الصغار مثل هذه املعرفة، فإن الصغار قد وصلوا إلى النتائج نفسها؛ ألن تقويمات الصغار ارتبطت

ا قويا. (24)بتقويمات البالغين ارتباط

الشخصية: البارامتر األخير هو بارامتر الشخصية، وقد صنفتها إحدى النظريات التي تدعى "نظرية -ج

حقول عدة تتجلى فيها، منها الشخصية االنطوائية، تندرج فيميلون" إلى بضعة أنموذجات للشخصية،

الودية، وهي والشخصية املنفتحة، والشخصية الجسورة الشجاعة، والشخصية الطموحة، والشخصية

(25)أنموذجات يمكن دراستها في حقول مختلفة كالحقل اإلدراكي والسلوكي والتعبيري والبيشخص ي.

)21( Christ'l De Landtsheer, Philippe De Vries, Dieter Vertessen, pp. 225. )22( Ibid. pp. 225. )23( Landtsheer, pp. 226. )24( Landtsheer, C., P. De Vries, and D. Vertessen D. (2004). Wie maakt op kinderen de beste indruk?

Onderzoeksrapport Universiteit Antwerpen. [Exploring children’s political impressions. Research Paper

University of Antwerp]. )25( Immelman, A. and A. Beatty. The political personality of U.S. presidential candidate John Kerry. Paper

presented at the 28th Annual Scientific Meeting of The International Society of Political Psychology,

Toronto. Canada, (2004).

10

يمكن استثمار هذا البارامتر من أجل تعديل الصورة املدركة لدى الجمهور عن الشخصية.

ن السياسيين من إجراء تعديالت تلبي التوقعات النتيجةمك

التي تقول: إن من ضمن النتائج التي ت

أكثر من الشخصية االنطوائية ذات النزعة العدائية.

الشخصية املنفتحة والصريحة تلقى قبوال

أثر عناصر تشكيل االنطباع السياس ي في الديمقراطية -

؛ ألن (26) الديمقراطيةما ذكرناه من بارامترات إلدارة االنطباع السياس ي ينذر بخطر تأثيرها السلبي في

ا أكبر يجمعها هو تغير الواقع مرة عن طريق اللغة املجازية، وأخرى عن طريق التالعب باملظهر قاسما مشترك

والشخصية. وهي إذ تؤثر تأثيرا سلبيا، فإن السبب هو فقدان الديمقراطية معناها بخداع الجمهور أيا كانت

ذا املنطق الذي أصبح مهيمنا درجة هذا الخداع، واالنسياق خلف املنطق اإلعالمي في صوغ السياسات. ه

في عصر العوملة، وإضفاء الصبغة التجارية على النشاط معظمه، وغلبة ثقافة الصورة.

وهي عوامل جارت على املحتوى ملصلحة الشكل، وهو هزال للمحتوى وانتفاخ للشكل ال يحتاج إلى إثبات

دقية.عواقبه السيئة على الديمقراطية التي ال تتحقق من دون شفافية وص

ولعل هذا الخوف على الديمقراطية ليس محض خوف من مستقبل، وإنما هو خوف من خطر ماثل،

: عمد سياسيون بلجيكيون إلى تكليف اختصاصيين في التسويق ملساعدتهم في النجاح في االنتخابات،

فمثال

وتقديم ما هو مسل وقد أفرط اختصاصيو التسويق هؤالء في دفع املعتقدات السياسية إلى خلفية املشهد،

(27)وجذاب؛ من أجل الوصول إلى أكبر عدد من الناخبين.

حساب القناعات السياسية يكسب املرشح أصواتا باالستناد والشخصية علىوالتالعب باللغة واملظهر

إلى قدرات وسمات ليست موجودة بالضرورة في شخصيته الحقيقية.

الغ الكبيرة التي ينفقها السياسيون واألحزاب على الحمالت وتهديد الديمقراطية يمكن أن يأتي من املب

االنتخابية، وهي نفقات رصدت في بعض البلدان، وسنت قوانين لضبطها كما حدث في بلجيكا عندما سن

، وهو يقض ي بتنظيم نفقات الحمالت 1995، ثم عدله بقانون عام 1989البرملان البلجيكي قانونا عام

االنتخابية وضبطها.

فرضت كذلك إجراءات تلزم األحزاب السياسية بضبط الدفاتر العامة، وتقليص كمية اإلعالنات، و

وتحديد فترة يحظر فيها نشاط الحمالت السياسية.

)26( O’Shaughnessy, N. Toward an ethical framework for political marketing. Psychology & Marketing, 19,

1079–1094. )27( De Ridder, H. Vijftig jaar stemmenmakerij [Fifty years of producing votes]. Ghent, Belgium: Uitgeverij

Scoop ,(2002).

11

والخطر الذي نتحدث عنه بسبب النفقات وطرائق مواجهتها كامن في التحايل على هذه القوانين

ا يؤثر في الصدقية والشفافية التي عدها املفكر األميركي واإلجراءات من طرف السياسيين واألحزاب، وهو م

(28)"روربت دال" مقوما من مقومات الديمقراطية.

ولعل هذه الحال من اإلفراط في النفقات وضعف الشفافية املتمثلة في االمتناع عن وضع جدول األعمال

كي يتطور نحو نظام أوليغاركي أمام الجمهور هو ما يجعل "روبرت دال" يرى أن النظام السياس ي األمير

(29)تحكمه ثلة من أصحاب رؤوس األموال، وليس نظاما تعدديا يحكم بموافقة األكثرية.

اللوم على وسائل اإلعالم وتقنيات االتصاالت الحديثة؛ ألنها حولت السياسات إلى ش يء (30) النقاديصب

مختلف تماما عما تجسد في الديمقراطية تقليديا.

يل املواطنين إلى مستهلكين سياسيين، وتشظية املشاركة السياسية يعدان نتيجتين كفيلتين إن تحو

بتشويه وظيفة الديمقراطية.

إن ما جرى من تحويل املواطنين إلى مستهلكين حول باملقابل األحزاب السياسية والسياسيين إلى عالمات

لوف من حيث تعقيد منتجاتها التي تشمل برامجها ماركات"، وإن اختلفت عن مفهومها التجاري املأتجارية "

التعليمية والصحية وغيرهما.

وهو تحويل يفض ي أيضا إلى إضرار بالعملية الديمقراطية؛ ألن صنع ماركة للحزب السياس ي، أو جعله

هو نفسه ماركة يكون على حساب العملية السياسية.

التجارية في حقل التسويق السياس ي بتوجهها نحو أن العالمات (31) بديلةولكن باملقابل تؤكد مقاربات

املستهلك تساهم في تعليم املستهلك، وتوفير الوقت والجهد اللذين يبذلهما للوصول إلى اتخاذ قرار

التصويت.

تقدم منتجات متكافئة من حيث قيمتها للناخبين؛ ألن غاياتها متوافقة، ولكن

فاألحزاب البريطانية مثال

الغايات متباينة. ولهذا تكون كلفة التعلم على الناخبين كبيرة للمفاضلة بين منتجات وسائل تحقيق هذه

األحزاب السياسية، ومن هنا تأتي العالمة التجارية بتقديمها معلومات مكثفة ومختصرة مساعدة للناخبين

في التوصل إلى قرار.

)28( Christ'l De Landtsheer, Philippe De Vries, Dieter Vertessen, pp. 230. )29( Dahl, R. A preface to democratic theory. Chicago: University of Chicago Press ,(1956). )30( Mazzoleni, G. and W. Schulz. Mediatization of politics: A challenge for democracy. Political

Communication, (1999). 16, 247–261. )31( 1Garesmith. "Conceptualizing and Testing Brand Personality in British Politics", Journal of political

marketing, (2009) ,8: 3, pp. 212.

12

في جذب الناخبين من السياسات التي أن صور القادة واألحزاب أكثر تأثيرا (32) أخيرةوقد أكدت أبحاث

تتبناها هذه األحزاب وهؤالء القادة.

مدركة على أنه سياس ي قادر على تحقيق

فقد كانت صورة كلينتون، الرئيس األميركي السابق، مثال

أهداف سياسية محددة مسبقا مشتقة من صورة حزبه.

مشتقة من عالمة صممها هو بسلوك -سابقوكانت صورة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني ال

انتهجه، حاول من خالله أن يعرض ديناميته، وحداثته بذهابه إلى العمل على دراجته، وارتدائه أحذية

صغيرا، وهي سلوكات تتوخى تصميم عالمة تجارية سياسية، وليس عرض

رياضية، واستخدامه محموال

شخصية السياس ي الحقيقية.

ساهم في استنباط سمات شخصيته؛ فكونه شابا يجعل من السهل رسم صورة لدى أما املظهر فهو ي

كال عليه كسلفه املتقدم في السن، الناخبين تظهره "عصريا"، ولكنه يجعله أقل موثوقية في نظرهم لالت

الذي يفترض الناخبون أنه أنضج وأكثر خبرة.

-بحسب هابرماس-ناقشة القضايا بعمق يقود إن التركيز على الشكل أكثر من املضمون، واالبتعاد عن مإلى إغراء األحزاب السياسية والسياسيين بالتالعب بالرسائل السياسية، وهو ما يفض ي إلى منع تشكل (33)

رأي عام متماسك. فاختزال البحث عن املعلومات إلى صورة ورموز وإشارات يساهم في تقويض عملية صنع

في الحمالت التسويقية التي تجري في ظل أنظمة مستبدة؛ إذ ال -عادة- القرار الديمقراطي، وهو ما يلحظ

يكون ثمة فرصة أمام املستهلكين لالستماع إلى املناقشة والخطاب السياس ي، وهو ما يقود غالبا إلى توحيد

االستجابة للقضايا.

ن يكونا عاملين من في نظر هابرماس إن هذا التحول من املضمون إلى الشكل وتنميط االستجابة يمكن أ

عوامل الخداع، وذلك بالتركيز على مشاعر القلق وعدم الشعور باألمان، وهو شعور كفيل بتوجيه صاحبه

إلى انتهاج منهج اختيار ال عقالني.

واقتراح هابرماس املعروف هو نظرية الفعل التواصلي الذي يخلق فضاء تفاهم بين الفرد واآلخرين وهو

ا إليه اتصال، وإنما هو اتصال بين فاعلين يلزم عنه أفعال.فعل ليس مضاف

وعنصر العقالنية األساس في هذا الفعل التواصلي الهابرماس ي هو االستدالل املنطقي الذي يصاغ من

خالله الرأي عبر تواصل بين املرء ومجموعته املرجعية ووسائل اإلعالم التي يتلقى رسائلها.

)32( O’Shaughnessy, N. The symbolic state: A British experience. Journal of Public Affairs, (2003). 3(4),

297–312. )33( Deana; Robin Croftb, "Reason and Choice: A Conceptual Study of Consumer Decision Making and

Electoral Behavior", Journal of Political Marketing, 8: 2, 2009, pp. 136.

13

لسياسية التي أشرنا إلى طرف من عناصرها ودورها يمكن أن تعرف بأنها: املاركة السياسية: إن املاركة ا -

(34)"معرفة بموضوع موجودة في ذاكرة املستهلكين".

وتتشكل معرفة املاركة من أجزاء مفردة من املعلومات تدعى العقد ترتبط مع بعضها في الذاكرة؛ لتشكل

شبكة مترابطة معقدة.

عندما تحرض العقدة بعملية تدعى: "التنشيط".تستدعى هذه املعلومات من الذاكرة

مثال رؤية توني بلير"رئيس الوزراء البريطاني األسبق" على التلفاز محرض يعمل على تنشيط ترابطات

وهكذاأخرى من الذاكرة، مثل حزب العمال، أسلحة الدمار الشامل، وحالة الذهاب إلى الحرب في العراق

(35)

جموعة من املعاني املبنية بواسطة مراقب لتصف سمات داخلية لشخص و تعرف الشخصية بأنها: "م

(36)آخر".

وبناء على ما سبق تعرف شخصية املاركة بأنها: "مجموعة من السمات اإلنسانية املترابطة مع

(37)املاركة".

بما أن األحزاب تقدم منتجات متنوعة للناخب حيث توافق جميعها على الغايات نفسها، لكنها تختلف

في وسائل تحقيقها، فإن هذا يزيد من الجهد املطلوب إلجراء املفاضلة بين األحزاب؛ لذا يلجأ املصوتون

(38)لتوفير الوقت والجهد باستخدام معلومات مختصرة ملساعدتهم في الوصول إلى قرار التصويت.

خطر التصويت دافع آخر مهم لتطوير شبكة مترابطة من املعلومات عن الحزب السياس ي، وهو إنقاص

للحزب الخطأ، فبما أنه من الصعب معرفة في ما إذا كانت الوعود السياسية ستنفذ، فإن املصوتين

سيجنحون إلى املفاضلة وإنقاص الخطر بدعم الحزب الذي يثقون بقدرته أكثر من غيره على تنفيذ الوعود،

)34( Keller, K. L, Conceptualizing, measuring and managing customer-based brand equity. Journal of

Marketing, 57, 1993, 1–22. )35( Garesmith, pp. 212. )36( Allen, D. E. and J. Olson. Conceptualizing and creating brand personality: A narrative theory approach.

Advances in Consumer Research, (1995). 22, 392–393. )37( Aaker, J. L. (1997). Dimensions of brand personality. Journal of Marketing Research, 34(August), 347–

356. )38( Nelson, B. J. Making an issue of child abuse: Political agenda setting for social problems. Chicago:

University of Chicago Press. (1984).

14

املدركة للقائد أو حزبه السياس ي وفي غياب أي طريقة موضوعية لتحديد هذه الثقة، فإن الثقة بالشخصية

.

(39)ستعمل مقياسا بديال

يوجد عدد ال محدود من مصادر املعلومات يمكن أن تؤثر في الشخصية املدركة للحزب. أهم هذه

(40)املصادر هي الحوادث، والفعل السياس ي، واإلعالن، والداعمون من خارج الحقل السياس ي.

ها أو الرسائل أ تمر املعلوماتو اآلثار لهذه املصادر عبر مصفاة والء الناخب للحزب أو السياس ي الذي كل

يجري عملية استبعاد ملا ال يتناسب مع والئه، واإلبقاء على ما يتناسب معه، ومن ثم، بعد عملية التصفية

نجز عملية بلورة الشخصية السياسية للماركة لدى الناخب التي على أساسها يتخذ قراره. (41)هذه ت

يصفي أثر املصادر السابقة في قرار التصويت.

الوالء وهو مستوى االلتزام تجاه الحزب يعد معدال

ويمكن توضيح املتغيرات املذكورة بالشكل اآلتي:

املتغير التابع املتغير الوسيط املتغيرات املستقلة

قرار الناخب والء الناخب وسائل تشكيل شخصية املاركة السياسية

الحوادث-1

الحوادث املتحكم بها -أ

الحوادث غير املتحكم بها -ب

الفعل السياس ي-2

املظهر الخارجي للسياس ي -أ

قوة البالغة للسياس ي -ب

السلوك السياس ي السابق للحزب/السياس ي -ج

السلوك الحالي للحزب/السياس ي -د

اإلعالن عن الحزب السياس ي -3

لداعمون للحزب السياس يا -4

)39( Mahajan, V. and Y. Wind. Got emotional product positioning? Marketing Management, (2002). 11(3),

36–42. )40( Gareth Smitha, pp.213. )41( Ibid.

15

ولضرب مثال بسيط نقول: إن للحزب السياس ي مجموعة واسعة من املعاني املترافقة معه، وهي يمكن

أن تكون مصدرا مهما للسمات الشخصية املشتقة من أيديولوجيا الحزب وقيمه الرئيسة.

التزام حزب العمال في بريطانيا على املدى الطويل بالحد من ا

لفقر، يمكن أن يرسم عالمة تجارية مثال

(42)له جوهرها: توجهه نحو العائلة.

وسلوك الحزب السابق له دور في تصميم العالمة التجارية "املاركة"، فقد ضعف حزب العمال انتخابيا

ظر إليه من طرف كثيرين خالل ثمانينيات القرن املاض يقديما ال يواكب بوصفه حزباوتسعينياته؛ ألنه ن

عصر. وقد اشتقت هذه العالمة من مواقف سابقة للحزب مثل: دعم نزع السالح النووي، والدعم ال

املستمر لتأميم الصناعات األساسية.

وسلوك الحزب الحديث، مثل موقفه من اإلجراءات املتخذة بخصوص الجريمة يمكن أن ترسم صورة

لشخصية الحزب على أنها شخصية قاسية.

، فقد حرض 2005اء الحزب على الغجر واملهاجرين حملتهم االنتخابية عام وبينما دعم تركيز أعض

(43)باملقابل روابط في الذاكرة لصورة منفرة للحزب عند ناخبين معينين.

شخصية الحزب ال تنفصل عن شخصيات السياسيين، ولكنهما يندمجان لتشكيل شبكة مترابطة في

أحيانا تستثمر شخصية السياس ي القيادي إلعادة توضيع الذاكرة للعالمة التجارية ويقويان بعضهما. و

صورة األحزاب املغمورة. فأعضاء حزب املحافظين رسموا صورة نمطية للحزب تصوره على أنه حزب طبقة

وسطى، قديم غير عصري، وهي صفة توحي بداللة سلبية يجهد أعضاء الحزب لتغييرها من خالل عقد

(44)ومنظمين ومدربين.فاعليات يظهرون بها محبين للعمل

وقد يساهم في إحكام االرتباطات في الذاكرة استثمار مشاهير يطلق عليهم عادة اسم لقب "قادة الرأي"؛

(45)ملا تمثله جاذبيتهم وصدقيتهم من تأثير في الجمهور.

ومن مصادر تشكيل شخصية املاركة الحوادث، وهي تحدث أثرها املهم في تشكيل شخصية املاركة

ة عندما تترابط مع بعضها في ذاكرة الجمهور مشكلة بترابطها صورة توضح سمات شخصية الحزب السياسي

ا ساهم في هز صورة رئيس الوزراء السياس ي الرئيسة. فمشاركة بريطانيا في حرب العراق كانت حدث

البريطاني بلير. ولذلك من الضروري لتجنب رسم صورة سلبية معالجة الحوادث معالجة إيجابية.

)42( Ibid, pp. 215. )43( Ibid. )44( Ibid. )45( Ibid.

16

ويؤدي اإلعالن دورا بالغ األهمية في تشكيل شخصية املاركة السياسية ومن أمثلة اإلعالن البارزة

بعد اغتيال كينيدي، وقد ركز اإلعالن على خيارات (46)1964اإلعالن الذي استخدمته حملة جونسون عام

ه الخيارات في عالقات أميركا املرشح املنافس الخاطئة، في تحريك مخاوف األميركيين من األثر الضار ملثل هذ

الخارجية.

واإلعالن فيلم قصير تظهر فيه طفلة تدعى "ديزي" تبلغ من العمر أربع سنوات في املروج، وهي تحسب

من الرقم واحد إلى الرقم عشرة وريقات زهرة األقحوان على خلفية من زقزقة للعصافير، وحين يكتمل عد

، ثم تقترب الكاميرا بلقطة الزوم إلى عين 0إلى الرقم 10الرقم الطفلة نسمع عدا عكسيا بصوت رجل من

الطفلة، وهنا نشاهد انفجارا كبيرا لقنبلة ذرية ثم نسمع صوتا خلفيا قويا يقول:

"هذه هي الرهانات: خلق عالم يستطيع فيه كل أطفال الرب العيش بسالم، أو الذهاب إلى الظالم

"انتخب الرئيس جونسون دعائية:أو املوت". ثم ينتهي الشريط بعبارة الدامس، يجب علينا محبة بعضنا

تشرين الثاني/ نوفمبر". 3في

الفيلم في برنامج يتابعه جمهور غفير على قناة من أشهر القنوات التلفزيونية األميركية، وأثار مخاوف بث

ن مرة بإشعال حرب نووية مع األميركيين من تصريحات املرشح املنافس لـ "جونسون" الذي هدد أكثر م

االتحاد السوفياتي، وحرك في الوقت نفسه تعاطفا مع الطفولة التي مثلتها ديزي، التي ستكون ضحية بريئة

من ضحايا خيارات املرشح املنافس.

وللفعل السياس ي دور كبير في صنع شخصية املاركة السياسية للمرشح السياس ي؛ فخالل حملته

غان نزوع األميركيين الديني، خصوصا في ظل ظهور الحركات التي تجرح الشعور الديني االنتخابية استغل ري

مثل الهيبز.

سعى ريغان لكسب األصوات اليهودية من خالل حرصه على زيادة الروابط مع املؤسسات اليهودية

مارشال بيرغر" الصهيونية في الواليات املتحدة قبل موعد االنتخابات الرئاسية، وعين ريغان اليهودي "

عن التنسيق بين لجنة الحملة االنتخابية واملجموعات اليهودية في الواليات املتحدة، وعين كذلك

مسؤوال

اليهودي "ألبرت شبيغل" رئيسا لحملته االنتخابية، وأخذ شبيغل يعرض لليهود سجل "ريغان" املؤيد لـ

م عندما كان حاكما 1967يام الستة في عام )إسرائيل(، ومنها حضوره تجمعات مؤيدة لها خالل حرب األ

لكاليفورنيا.

مراد بن عيس ى بو شحيط، صناعة صورة الرئيس األميركي: مقاربة في مفهوم التسويق السياس ي وإستراتيجياته، قسم (46)

البرامج واملنظومات الديمقراطية، املركز الديمقراطي العربي،

http://democraticac.de/?p=38856

17

، وألقى خطابا 1980وخالل حملته االنتخابية زار ريغان املنظمة اليهودية "بناي برث" في واشنطن العام

قال فيه: "إن )إسرائيل( ليست أمة فقط بل هي رمز، ففي دفاعنا عن حق )إسرائيل( في الوجود إنما ندافع

(47)ها التي بنيت على أساسها أمتنا".عن القيم نفس

املتغير الوسيط بين مصادر تشكيل املاركة السياسية والجمهور هو الوالء الذي يعد مصفاة يفسر من

خاللها الفرد من أفراد الجمهور املعلومات عن الحزب وسياسييه.

ة الواردة عن طريق معالجة والخطر يكمن في هذه القناة التي يحدث كثيرا فيها أن يشوه املتلقي املعلوم

متحيزة؛ ألن املعلومة ال تتفق مع الرؤى التي يحملها، فيشوه املعلومة، أو يقلل من صدقية مصدرها.

التوزيع -3

من خالل وظيفة التوزيع يقدم السياس ي للناخب مداخل للوصول إلى كل املعلومات املتعلقة باملنتج

التي تربط بين السياسيين والجمهور، ومن الضروري أن تكون السياس ي، ومن خاللها تختار قنوات االتصال

(48)قنوات االتصال مالئمة أليديولوجيا السياس ي ورؤيته. ومن ضمن وظيفة التوزيع إنجاز الوعود.

التسعير -4

من املعلوم أن التسعير أحد أهم عناصر التسويق التجاري، وأن غايته جعل املنتج متاحا بحيث يقدم

مما يدفعه املستهلك مقارنة بمنتجات منافسة.منفعة أكبر

أما في التسويق السياس ي فينبغي أن تتاح معلومات الحملة االنتخابية للناخبين من دون أن يدفعوا

فلسا.

فالناخبون سيدفعون ثمنا من نوع آخر هو مشاعر األمل بتحسن أوضاعهم النفسية واالقتصادية،

ون إلى دفع ثمن آخر هو مشاعر بانعدام األمن.واألمل بتطور وطنهم، أو ربما يضطر

دت توقعات كبيرة وأحيانا تكون التكلفة التي يدفعها الناخبون باهظة عندما تكون الوعود الكبيرة قد ول

انكشف زيفها، فينتج من انكشاف زيفها إحباط كبير.

السياسية، ونشر ومن وضمن الوظائف املهمة: وظيفة االتصال التي تتمثل في تفسير املصطلحات

(49)األفكار وعرض البرامج املستقبلية، وتبسيط الرسالة السياسية.

املرجع نفسه. (47)

)48( Muhammad Suhail Nazar." Scope of Political Marketing in the Context of Pakistani Political

Environment", Department of management Sciences, The Islamia University of Bahawalpur (63100),

Punjab, Pakistan. (2009) )49( Ibid.

18

ا: مثال عملي من الواقع الغربي خامسا

التسويق السياس ي لباراك أوباما

كانت شعار: "نعم نحن نستطيع"، ولم يكن الشعار ليتحول إلى ماركة (50) أوبامااملاركة السياسية لباراك

للسوق االنتخابية أعدها مستشارو التسويق السياس ي ألوباما، ووضع إستراتيجية لوال دراسة عميقة

تواصل فاعلة مع الناخبين وتنفيذها بحيث حولت املنتج السياس ي إلى منتج راسخ في عقل الناخب األميركي

ووجدانه.

االتصال فقد ساهم اإلعالن السياس ي في صنع شخصية املاركة السياسية من خالل استخدام تقنيات

ى التفتوا، ويتفاعلون مع موقعه على الحديثة التي صورت أوباما مرشحا قريبا من الناس، يلتقون به أن

اليوتيوب عبر كم هائل من الفيديوهات. ولم تنس الحملة استثمار الداعمين إذ استطاعت جلب دعم عدد

كبير من نجوم هوليود.

إستراتيجية محكمة، بدأت بقراءة جيدة ومعمقة لـ"السوق" هذا النجاح الباهر واالستثنائي يعود إلى

االنتخابية األميركية، واختيار تموضع إستراتيجي يعتمد على التغيير اإليجابي، وسياسة تواصلية تعتمد على

القرب من الناخبين، خصوصا الشباب منهم، وذلك من خالل الظهور املكثف على مختلف وسائل التواصل

استمالة دعم عدد كبير من نجوم هوليوود.االجتماعي، و

لقد استطاع أوباما آنذاك أن يصنع هوية خاصة به تنافس أكبر املاركات التجارية. صار له شعار وإعالن

مميزان كأي عالمة تجارية. صار اسمه منافسا كبيرا في القيمة ألشهر األسماء التجارية في العالم، وشعاره

ق األلسن، بل أضحى ملهما لعدد كبير من السياسيين حول العالم."نعم نستطيع" صار ال يفار

النجاح الكبير ألوباما آنذاك كان أحد أهم تجليات القوة املتزايدة للتسويق السياس ي والقدرة الهائلة لهذا

التخصص العلمي في تحقيق نتائج باهرة في "السوق" السياسية. وكما هو الشأن بالنسبة إلى التسويق

ي تكتسب الدراسات األولية أهمية بالغة في امليدان السياس ي.التجار

وأهم ما تنطوي عليه هذه الدراسات أمران يؤديان دورا كبيرا في نجاح اإلستراتيجية التسويقية وهما:

القراءة الجيدة للواقع، ودراسة الجوانب النفسية والسلوكية للناخبين. الهدف الكبير من خاللها الوصول

فة سيكولوجية السوق املستهدفة واتجاهاتها، ومن ثم وضع اليد على أفضل الوسائل وأقصر الطرق إلى معر

نحو عقل الناخب.

دراسة الحملة التسويقية ألوباما للجانب السيكولوجي للناخب األميركي الذي أرهقته سياسات بوش

بناء على هذه الدراسة -وبذل وعود االبن، ومغامراته العسكرية، وما تسبب عنها من أعباء اقتصادية كبيرة،

الغربي، التسويق السياس ي بين أحالم أوباما ومخاوف ترامب، شبكة النبأ املعلوماتية. أحمد (50)

http://annabaa.org/arabic/internationalpress/7374

19

بتصحيح أخطاء سابقه، وتنقية الجو املشحون بغبار الحروب والكساد االقتصادي. وزرع األمل -املعمقة

في أنفس الناخبين بتغييرات كبرى تعيد الرفاه االقتصادي، والعدالة االجتماعية، وتوفر التأمين الصحي

للجميع.

من وبينما كانت البشرة السوداء

تنذر بموقف سلبي، فقد كان هذا املظهر بعكس التوقعات عامال

عوامل تكريس الرغبة الذاهبة إلى أقص ى مدى في تغيير كل ش يء بما في ذلك مظهر املرشح.

ومن ضمن وسائل صنع شخصية املاركة التي عززت تموضعها التاريخ الذي استجلبت منه قصص

ضاع قاهرة وحققوا نجاحات كبرى، وكانت أفالم هوليوود معينا أسطورية ألميركيين سود تغلبوا على أو

لترسيخ هذه القصص.

فتكمن في صوغ جمل ال رابط منطقيا بينها تتجاور عبر حروف عطف، وهو يبدو (51) أوباماأما بالغة

عامدا؛ لكي يبقى الخطاب من دون مرجعية صارمة تحسم املوقف وتحدد االتجاه.

فتح الخطاب على التأويالت املختلفة كامنة في شخصيته املزدوجة، وهو ما يفصح ولعل هذه القدرة على

عنه هو في حديثه عن شخصيته:

"كنت أخطو إلى الخلف وإلى األمام بين عالم السود وعالم البيض، لكل من العاملين عاداته ولغته والبنى

املفهومية الخاصة به".

(51)c of Barack Obama: The Price and Promise of Consciousness and the Rhetori-Robert E. Terrill, Double

Citizenship, University of South Carolina Press ,Columbia, South Carolina 29208, 2015, pp. 25.

20

ا: التسويق السياس ي؛ مثال من الو اقع العربي.سادسا

ضت عن نجاح "عبد الفتاح السيس ي" تنافس مع األخير املعارض في انتخابات الرئاسة املصرية التي تمخ

من -كما يبدو-املصري "حمدين صباحي"، وقد استخدم صباحي تقنيات تسويق سياس ي أكثر نضجا

منافسه ولكنه هزم أمامه.

اربة الفقر وتحقيق العدالة االجتماعية التي تعد جزءا قدم صباحي منتجا سياسيا قائما على وعود بمح

محوريا في برنامجه االنتخابي القائم على ثالث ركائز أساسية: التنمية االقتصادية والعدالة االجتماعية،

وإرساء نظام ديمقراطي، وتحقيق االستقالل الوطني. وقد شكلت العدالة االجتماعية السمة الجوهرية

(52)ة السياسية لصباحي كما يوضح الشكل:لشخصية املارك

أما حملة السيس ي فقد شكل شخصية املاركة السياسية الخاصة بها الوعد بتحقيق األمان واالستقرار

ألنه أولوية تفوق أي أولوية، وقد صرح بذلك مرات عدة:

نا مهددون من "تحقيق االستقرار واألمن في البالد سيكون أهم األولويات خالل الفترة األولى؛ ألن

اإلرهابيين، من أطراف تسعى لتدمير حياتنا وسالمنا وأمننا. صحيح أن اليوم هو آخر يوم لي بالزي

العسكري، لكنني سأظل أحارب كل يوم، من أجل مصر خالية من الخوف واإلرهاب...ليس مصر فقط، بل

(53)املنطقة بأكملها"

(54)الشكل:ويمكن توضيح محورية املاركة السياسية لحملته في

.5، ص. 2014محمد الراجي، االنتخابات املصرية: إستراتيجيات التسويق السياس ي، مركز الجزيرة للدراسات، (52) االنتخابات املصرية: إستراتيجيات التسويق السياس ي. محمد الراجي، (53) .6محمد الراجي، االنتخابات املصرية: إستراتيجيات التسويق السياس ي، ص. (54)

21

يسعى

أما االنطباع الذي حاول صباحي تشكيله لدى الناخبين فقد كان رسم صورة له تظهره مناضال

، وزعيما شعبيا يسير على خطا عبد الناصر.2011لتحقيق أهداف ثورة كانون الثاني/ يناير

ن وجوده على سدة بينما سعى السيس ي لترسيخ انطباع عن نفسه على أنه زعيم مخلص وضرورة، ال بد م

الرئاسة؛ لكي يخلص املصريين من حكم اإلخوان وامتداداته، وينقذ مصر من خطر اإلرهاب.

في املقارنة بين مظهري الرجلين يبدو أن املظهر املديني لصباحي كان أقل جذبا من املظهر املوحي بالقوة

ل.والصرامة العسكرية للسيس ي بالنسبة إلى ناخب مذعور من مستقبل مجهو

وألن البالغة بالتعريف هي مطابقة الكالم ملقتض ى الحال، فإن قدرة صباحي البالغية لم تكن مطابقة

ملقتض ى الحال، بينما كانت ركاكة السيس ي محققة للشرط البالغي أكثر من بالغة صباحي.

ات عن نهضة واستقالل وطني وديمقراطية بلغة مشتقة من أيديولوجيا الخمسيني (55) يتحدثفصباحي

والستينيات:

"هذا برنامجنا، عهدنا، عقدنا، ونحن عازمون أن نحققه، وأن نعيش معا في هذا الوطن تحت راية

العدالة االجتماعية والديمقراطية واالستقالل الوطني، نستطيع أن نحقق مصر اللي جاية )القادمة( ونبنيها

من جديد".

عدا قطعيا بتحقيق االستقرار بيد من حديد.بينما يضمن السيس ي خطابه عبارات حاسمة تعد و

صباحي: سألغي قانون التظاهر وأفرج عن املعتقلين السياسيين حال فوزي برئاسة مصر. موقع القدس العربي، (55)

2014،

http://www.alquds.co.uk/?p=162657

22

بتحقيق وعود لم يكن متعذرا على الحس

وكان السعر املطلوب من الناخب دفعه في حملة صباحي آماال

املصري العام إدراك طوباويتها، فالفقر املائي الذي تعانيه مصر ال يتيح تحقيق وعد صباحي بتخصيص

.

(56)فدان لكل مواطن مصري مثال

ينما توحي قوة السيس ي بقدرة على تحقيق مشروعات قومية كبرى تتطلب سعرا هو أمل قطافه دان.ب

وبينما اعتمد السيس ي تقنية تواصل احترافية مستفيدا من أحدث تقنيات التواصل، فركز على

يون واإلذاعة استخدام وسائل اإلعالم جميعها إليصال رسالة املرشح إلى الناخبين، التقليدية منها )التليفز

والصحافة(، وغير التقليدية عبر إنشاء موقع رسمي للحملة االنتخابية الذي يتضمن البرنامج االنتخابي

للمرشح، وأخبار الحملة االنتخابية.

لم يتواصل السيس ي مع خزانه االنتخابي، وبرر مستشارو حملته ذلك بأنه معرض للخطر، ولذلك يجب

من أن يعتمد على التواصل مع القواعد الشعبية ركزت حملته أن يكون شديد الحذر من الظهور

، وبدال

االنتخابية لتعويض التواصل مع هذه القواعد على اتباع أسلوب هرمي عن طريق االعتماد لترويج املرشح

على النخب في مختلف املجاالت. وقد تبين أن هذا األسلوب كان ذا أثر أكبر في التأثير في قرارات الناخبين.

كان واضحا أن الحاجة الكامنة األساسية للناخب املصري تتمحور حول تحقيق االستقرار واألمن، وأن

تلبية هذه الحاجة ال تكون بخطاب مستوحى من خطاب التجربة الناصرية الذي قدمه صباحي، وهو ما

من"، ولم يكن أدركه صانعو حملة السيس ي، الذين ركزوا على بذل الوعود بتحقيقهما "االستقرار واأل

تشكيل االنطباع بالقرب من الناس الذي اعتمد صباحي في تشكيله على وسائل التواصل التقليدية

والحديثة وعلى بعض األفعال كزيارات قام بها إلى بيوت شخصيات شعبية قادرا على مقاربة الوسيلة األكثر

ما بسبب رغبة الناخب املصري القوية قدرة على جسر الصلة مع الناس، وهي االعتماد على قادة الرأي؛ رب

جهضت ثورته، ودخلت البالد في حال من الفوض ى وانعدام األمن واالستقرار. بوجود من يوجهه بعد أن أ

.10محمد الراجي، ص. (56)

23

ا: صوغ املنتج املتميز والعجز عن تسويقه سابعا

تعريب املاركسية -1

ا أن نتعرض لتجارب فكرية ملفكرين كنا قد أشرنا في البداية إلى تعريف يشمل تسويق األفكار؛ ألننا أردن

أملعيين فشلوا في تسويق منتجاتهم، وهم من دون إدراك وقصد استخدموا أدوات تسويق بدائية لم تفلح في

توضيع منتجهم في العقل والوجدان الجمعيين.

فاعلة.ال يكفي أن تكون مفكرا أملعيا، ألن منتجك سيتلف مهما كان فائقا إذا لم تمتلك أدوات تسويق

في ضوء ما ذكرناه يمكن لنا أن نحاكم تجربة تعريب املاركسية التي كانت منتجا متميزا إذا فحص

عن مدى اختراقه للسوق السياسية.

(57)منفصال

أن تعمد إلى تبيئة املنتج عمل حصيف، وينبئ عن إدراك لضرورة فهم السياق التاريخي، ولكن ما حدث

وا فتح السكر أمام ممكن أكثر قابلة للتحقق؛ ألن تغلغل فكر يقوم على أن منظري التعريب لم يستطيع

أسس مغايرة بشكل جذري ألسس البيئة املستوردة أمر يشبه املستحيل. وهو ما يجعل توسيط البعد

القومي بين املنظومة املاركسية، وبين استنباتها محليا غير كاف، وإن كان ضروريا.

ا، لم تكن دراسة مستفيضة؛ ألنها استندت إلى مقدمة لدى صانع املنتج أن منتجه دراسة السوق، إذ

إعادة صوغ ملنتج يصلح لكل مجتمع، بما ينطوي عليه من أسس علمية، وما يخنزنه من قيم إنسانية، وهي

مقدمة غير مقطوع بها لدى كثير من الفاعلين االجتماعيين في املكان املستهدف، ومرفوضة من جانب

األغلبية.

أما أدوات الترويج، وفي مقدمتها اإلعالن فلم تتجاوز تأسيس حزب سياس ي في ظل طغيان مد إسالمي و

على براميل البترول. -على حد تعبير أبرزهم-لم يكونوا غافلين عنه، وقد جاء هذا املد

محموال

التداولي املشترك، وأما اللغة املستخدمة فقد كانت لغة ال صلة لها باملستهدفين، وظلت مفارقة للخطاب

وهو ما أورث متداوليها بعد تطاول العهد شعورا وهميا بالتفوق، وقدرا غير قليل من االستعالء، مع أنهم

ليسوا أكثر من مرددين لهذه اللغة، وليسوا مخترعين لها.

سماء وأهم من يظن أن نظرية تقوم على أساس كلي واقعي )وهو قسيم للكلي االسمي الذي يرفض عد األ

مطابقة للماهيات، ويرفض عد القيم ذاتية في األشياء(، يستغني عن مركز للوجود يمكن أن تتصدر

موقع ، «في الذكرى الثامنة والثالثين لرحيل ياسين الحافظ )تسويق املنتج أهم من املنتج نفسه»مناف الحمد، - (57)

.2016، حزب الشعب الديمقراطي السوري

https://goo.gl/jZdheq

24

إذا ظن أن

ا فاشالالساحة في مجتمعات يمثل التوحيد عند عمومها منطلق الحياة وغايتها، ويكون مسوق

توسيط القومية يكفي لجسر الهوة بين هذين املختلفين جذريا.

(58) للسلطةجال الدين التابعين منتج ر -2

وعلى محك معايير التسويق السياس ي يمكن وضع الخطاب الذي قدمه هؤالء. فكما ذكرنا سابقا فإن

املنتج السياس ي وفقا ملعايير التسويق السياس ي يصنف إلى ثالثة أصناف: منتج سياس ي مرن، منتج سياس ي

شبه مرن، ومنتج سياس ي صلب.

رجال الدين السلطويون بحكم طبيعته ال ينفصل عن األيديولوجيا، وإذ الخطاب الذي يقدمه

ف بغالف استخدمنا التصنيف املأخوذ من التسويق السياس ي نستطيع القول إنه منتج سياس ي مرن مغل

قوامه منتج صلب، منتج سياس ي بلبوس ديني.

ملقصود، ولكن املشكلة أن املحتوى وال ضير في ذلك لو كان قادرا على تلبية حاجة من حاجات املستهلك ا

ف بغالف مستجلب من وراء سجف القرون يجعل مروره في قناة االتصال بين املنتج السياس ي للمنتج املغل

واملستهلك أمرا بالغ الصعوبة، فعدا صالبة الغالف، ثمة نفور منه وصدود عنه كبيران؛ ألنه يعجز عن

االستجابة للحاجة الراهنة.

ضعف قاتلة في هذا املنتج الذي يقدمه هؤالء، إضافة إلى ما ذكر، هو ضعف صدقيته. وثمة نقطة

نتج بها. وهذه االنتقائية تتمثل في إغفالهم ملوقف علماء كبار وضعف املصدقية كامن في االنتقائية التي أ

وقف وأيد كل وسلوكهم، ومن أصحاب املذاهب األساسية أبرزهم أبو حنيفة النعمان الذي لم يتبن هذا امل

الثورات التي خرجت على حكم بني أمية، ليس على أساس عدهم كفارا، وإنما ألنهم استولوا على السلطة

بانقالب، وحولوا الخالفة إلى ملك عضوض.

مصطلح الحاجة الكامنة الذي استخدمناه آنفا، واملأخوذ من علم التسويق، ذو قدرة تفسيرية على

رهم.تفسير فشلهم وفقدان دو

لم يواكب هؤالء نتائج الظلم والغي والتجبر الذي مارسته األنظمة املستبدة على اإلنسان، الذي صار

بدون أمل في أن يؤسس أسرة، وفي

يفقد مصدر رزقه في لحظة؛ بسبب إرادة مسؤول فاسد، أو يصبح كهال

اش ي وفقدان األمل.أحيان كثيرة جدا ينقض عليه املوت في سن الشباب؛ بسبب الضغط املع

إسراف أنظمة االستبداد في عسفها وغيها وفسادها من دون أي اكتراث باإلنسان جعل من طرائق إشباع

الحاجات التي يقدمها رجال الدين السلطويون غير وافية بالغرض؛ ألن التعاسة تجاوزت حالتها

.2014 موقع الجمهورية،، «الغالف الصلب للمنتج السياس ي»مناف الحمد، (58)

https://www.aljumhuriya.net/ar/24705

25

ستغاللهم للحقل التداولي املشترك املتموضعة، وتحولت إلى تعاسة وجودية، قلق وجودي، وهو ما جعل ا

ق الحاجة الكامنة إلى األمن الوجودي وما يستلزمه من حرية -بينهم وبين املستهلكين غير مجد في ظل تخل

في رحم أنظمة االستبداد، وتحولها من القوة إلى الفعل. -سياسية واجتماعية

صميم، عندما قدموا محتوى سياسيا فشل مضاعف عاناه أمثال البوطي وحسون وغيرهما: فشل في الت

ل في االصطفاف إلى جانب املستبد؛ ألنه ضامن األمن واالستقرار وكان محتوى غير قادر على تلبية يتمث

القصور الوجداني الذي أصبح معاناة وجودية.

وفشل في التغليف، باستخدام غالف عتيق قوامه فقه الخروج على الحاكم من دون تبصر ال

جات، وال بتغير أذواق املستهلكين، وال بإدراك املستهلكين املتنامي لالنتقائية التي يمارسونها في تصميم بالحا

منتجاتهم عندما يصدرون حكما فقهيا ويغفلون حكما آخر مناقضا له؛ األمر الذي يفقد منتجهم صدقيته،

قناع، وهي إحدى نقاط الضعف القاتلة للمنإ

تج السياس ي.ومن ثم قدرته على اإل

خاتمة

ال شك في أن التسويق السياس ي علم خطر الشأن، وذو نفع جليل في املناخ الذي تشكل فيه، وال شك في

ونحن بصدد استثماره في -أن االستفادة منه مهمة ملحة، ولكن في ضوء ما عرضناه في هذه الورقة نحتاج،

وطنه، والفروق بين وسائل االستفادة منه لدى إلى إدراك عميق للسيرورة التي تشكل عبرها في م -بيئتنا

صانعيه، وبينها لدينا بوصفنا مستوردين.

إن االعتقاد أن محاكاة التطبيق الغربي لنظرية التسويق السياس ي كافية لجعله يؤتي أكله وهم كبير،

وه في ومثال حملة صباحي دليل على ذلك؛ ألن األنموذج املطبق في مجتمعات ديمقراطية ال يمكن حذ

مجتمعات ما تزال في مرحلة مخاض الطويل للتحول إلى الديمقراطية.

ولكن في الوقت نفسه تؤكد األمثلة فشل تجارب فكرية، وطروحات سلطوية عن ضرورة حمل التجارب

الفكرية على حامل تسويقي معاصر، وفضح الطروحات السلطوية بكشف فشلها التسويقي النابع من

خالقي.هزالها الفكري واأل

26

املصادر واملراجع

باللغة العربية:

العنزي. عبد ربه عبد القادر، نظرية التسويق السياس ي املفاهيم والدالالت في املجال السياس ي، .1

(.2016)جامعة األزهر، غزة، فلسطين،

ة ، )بيروت: املنظمة العربي1ساندال. مايكل ج، الليبرالية وحدود العدالة، محمد هناد )مترجم(، ط .2

(.2009للترجمة،

، )بيروت: املؤسسة 1فروم. إريك، الخوف من الحرية، مجاهد عبد املنعم مجاهد )مترجم(، ط .3

(.1972العربية للدراسات والنشر،

(.2002، )القاهرة، الدار املصرية اللبنانية، 2حديدي. منى، اإلعالن، ط .4

باللغة اإلنكليزية

1. Allen, D. E. and J. Olson. Conceptualizing and creating brand personality: A

narrative theory approach. Advances in Consumer Research, (1995).

2. Dahl, R. A preface to democratic theory. Chicago: University of Chicago Press ,

(1956).

3. De Landtsheer, C. Politiek impressiemanagement in Vlaanderen en Nederland.

[Political impression management in Flanders and The Netherlands]. Leuven,

Belgium: Acco ,(2004).

4. De Ridder, H. Vijftig jaar stemmenmakerij [Fifty years of producing votes]. Ghent,

Belgium: Uitgeverij Scoop ,(2002).

5. Franklin, B. Packaging politics: Political communications in Britain’s media

democracy (2nd ed.). London: Hodder Arnold ,(2004).

6. Ginsborg, P. Silvio Berlusconi: Television, power and patrimony. London: Verso ,

(2004).

27

7. Immelman, A. and A. Beatty. The political personality of U.S. presidential candidate

John Kerry. Paper presented at the 28th Annual Scientific Meeting of The

International Society of Political Psychology, Toronto. Canada, (2004).

8. Keller, K. L, Conceptualizing, measuring and managing customer-based brand

equity. Journal of Marketing, 57, 1993.

9. Mahajan, V. and Y. Wind. Got emotional product positioning? Marketing

Management, (2002).

10. Mazzoleni, G. and W. Schulz. Mediatization of politics: A challenge for democracy.

Political Communication, (1999).

11. Nazar. Muhammad Suhail, Abdul Latif, Scope of Political Marketing in the Context

of Pakistani Political Environment, The Islamia University of Bahawalpur (63100),

(Punjab, Pakistan, 2009(

12. Nelson, B. J. Making an issue of child abuse: Political agenda setting for social

problems. Chicago: University of Chicago Press. (1984).

13. O’Shaughnessy, N. Toward an ethical framework for political marketing.

Psychology & Marketing, 19, 1079–1094.

14. Schafferer. Christian, Election Campaigning in East and Southeast Asia

Globalization of Political Marketing (Hampshire: Ashgate Publishing limited,

2006).

15. Scheuer, J. The sound bite society: Television and the American mind. New York:

Four Walls Eight Windows ,(1999).

16. Terrill. Robert E, Double-Consciousness and the Rhetoric of Barack Obama: The

Price and Promise of Citizenship, University of South Carolina Press ,Columbia,

South Carolina 29208, 2015

17. Weinberger, O. Argumentation in law and politics. Communication and Cognition ,

(1995).