ﺔﻴﻔﻨﳊﺍ ﻢﺟﺍﺮﺗ ﰲ ﺔﻴﻨﺴﻟﺍ …2 ﻱﺰﻐﻟﺍ...

688
1 ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﰲ ﺗﺮﺍﺟﻢ ﺍﳊﻨﻔﻴﺔ- ﺍﻟﺘﻘﻲ ﺍﻟﻐﺰﻱ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﻴﺔ ﰲ ﺗﺮﺍﺟﻢ ﺍﳊﻨﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻲ ﺍﻟﻐﺰﻱTo PDF: www.al-mostafa.com

Upload: others

Post on 16-Jul-2020

6 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 1

    الطبقات السنية يف تراجم احلنفية

    التقي الغزي

    To PDF: www.al-mostafa.com

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 2

    الكتاب

    بسم اهللا الرمحن الرحيماحلمد هللا الذي أرسل رسوله باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ولو كره املشركون، وأيده

    لنجوم يأمرون باملعروف وينهون عن املنكر وم أصحاب الضاللة يهتدون، وأتبعهم بعلماء بأصحاب كاكأنبياء بين إسرائيل يعلمون الناس من شريعة نبيهم ما جيهلون، صلى اهللا وسلم عليه وعلى آله وصحبه،

    .عدد ما كان، وما يكون صالة وسالماً دائمني متالزمني إىل يوم يبعثون أراد النجاة يف الدارين، والسعادة يف احلالني، واالتباع باإلحسان، واإلحسان باتباع وبعد؛ فإن من

    األعيان، فعليه بسلوك طريقة من سلف من األئمة املهتدين، والعلماء العاملني، والفضالء احملققني ه على العبادة، واره الفاضلني، ممن مل يرد بالعلم مماراة وال مباهاة، وال مجادلة وال مضاهاة، بل قصر ليل

    على اإلفادة يقول احلق ويعمل به، ويفعل اخلري ويرشد إليه، ال تأخذه يف اهللا لومة الئم، وال يصده عن .احلق رهبة ظامل

    وال سبيل إىل هذا السبيل إال بعد معرفتهم، والوقوف على جليتهم، واإلحاطة بأوصاف أخيارهم، .واالطالع على جملة أخبارهم

    ان هذا أمراً يتعذر، وعمالُ يتعسر، بل ال يدخل حتت مقدور البشرية، وال يمكن إدراكه بالكلية، وملا ك .ماال يدرك كله ال يترك كله، وواجب علينا أن نبدأ باألهم، واألوىل فاألوىل: وقد قيل

    فيما يراه، وكان من أهم املهمات أن يعرف الشخص أوالً من جعله وسيلة اهلداية بينه وبني اهللا، وقلده .وتبعه فيما يتحراه، اقتضى احلال على أن نقتصر على ذكر أئمتنا الذين تدي، وبأقواهلم وأفعاهلم نقتدي

    وأمني اهللا تعاىل على حفظ شريعته يف أرضه، واملُميز لعباده بني واجبه "وهم إمام األئمة، وسراج األمة هللا بالرمحة والرضوان، وأسكنه فسيح اجلنان، ، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكويف، تغمده ا"وفرضه

    وأصحابه الذين أخذوا عنه، واقتدوا به، واتبعوه بإحسان، إىل زمننا هذا، رضي اهللا تعاىل عنهم أمجعني، فإن فيهم كفاية، ملن أراد اهلداية، واية، ملن أراد الدراية، وليس يف أصحاب املذاهب أجل منهم، وال

    م يستغىن عنهم، فالناس خصوصاً يف الفقه عيال عليهم، ويف الرحلة أجل من أحد عاصرهم أو جاء بعده. تضرب أكباد اإلبل إليهم، ما تركوا علماً يمكن تعلمه إال حصلوه، وال فعالً حمموداً إال فعلوه

    وقد صنف يف مناقبهم وفضائلهم وطبقام، كتب كثرية، وجملدات كبرية، غري أن تقادم الزمان أخلق ستقره، وكان منها أيضاً مبا ِجدلتها؛ فإن غالبها كان بالعراقني مقره، وبدار السالم مثواه وما، وأنقض ع

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 3

    وراء النهر، ماال يدخل حتت احلصر، ِمما حال بيننا وبينه بعد املراحل، وانقطاع القوافل، وتداول الِفتن، باإلحراق، واندرست اآلثار، وتناوب صروف الزمن، وضاعت الكتب، بعضها باإلغراق، وبعضها

    .ونسيت األخبار وأصيب اإلسالم وأهله، فإنا هللا وإنا إليه راجعونفخطر يف خلدي أن أمجع كتاباً مفرداً، جامعاً لتراجم السادة احلنفية، مستوفياً ألخبارهم وفضائلهم

    ذلك، حبسب الطاقة، ومناقبهم، وذكر مؤلفام ومصنفام، وحماسن أشعارهم، ونوادر أخبارهم، وغري .واية القدرة، وإال فهم ِممن ال يمكن حصره، وال يطمع يف اإلحاطة به، وال يف الوصول إليهتاريخ : "فانتخبت ذلك من الكتب املعتربة، اليت يرجع يف النقل إليها، ويعول يف الرواية عليها؛ من ذلك

    ".اخلطيب البغدادي ".تاريخ ابن خلكان" ".تاريخ ابن كثري" .، للحافظ ابن حجر"الدرر الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" .له أيضاً" انباء الغمر بأنباء العمر" .له أيضاً" رفع اإلصر عن قضاة مصر"

    .لتلديذه الشيخ مشس الدين السخاوي" بغية العلماء والرواة"ذيله، املسمى ب .، للحافظ جالل الدين السيوطي"طبقات الغويني والنحاة" .، له أيضاً"طبقات املفسرين" .، وله أيضاً"نظم العقيان يف أعيان األعيان" .، ألمحد بن اللبودي"الروض البسام يف من وىل قضاء الشام"، للشيخ عبد القادر القُرشي، وهي أكرب طبقات وقفت عليها ألئمتنا "اجلواهر املُضية يف طبقات احلنفية"

    .النسبة إىل شأن من صنفت يف حقهمالسادة احلنفية، مع أا خمتصرة ب .، للشهاب املقريزي"طبقات احلنفية" .، للشيخ قاسم قطلوبغا احلنفي"طبقات احلنفية"

    ، أليب إسحاق الشريازي، وهي شاملة لسائر الفقهاء الكبار، واتهدين األخيار، من "طبقات الفهاء"لتابعني وغريهم، إىل الزمن الذي كان فيه، رمحه اهللا أصحاب املذاهب املتبعة، وغري املتبعة، من الصحابة وا

    .تعاىل .للثعاليب" يتيمة الدهر"

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 4

    .، له أيضاً"تتمة اليتيمة" .، للباخرزي"دمية القصر" .للعماد الكاتب" اخلريدة" .أليب القاسم الرافعي" تاريخ قزوين" .، للحافظ السهمي"تاريخ جرجان" .خزرجيبغري ألف والم، لل" تاريخ آل رسول" .لياقوت احلموي" معجم البلدان" .، للحافظ الذهيب"طبقات احملدثني" .له أيضاً" تاريخ اإلسالم" .له أيضاً" الِعرب" .للحافظ زين الدين العراقي" ذيل العرب" .، ألبن قاضي شهبة"طبقات النحاة" .، للصالح الصفدي"الوايف بالوفيات". له أيضاً" أعيان العصر وأعوان النصر" .، البن طاش كربى"الشقائق" .، لإلمام النووي"ذيب األمساء واللغات" .لألذفوي" تاريخ الصعيد" ".تاريخ اليافعي" ".أمساء شيوخ ابن حجر" ".أمساء شيوخ السيوطي" .، لسبط ابن اجلوزي"مرآة الزمان" .، لليونيين"الذيل على مرآة الزمان" .البن اجلوزي" املنتظم"

    تواريخ، والطبقات والتراجم، وأمساء الرجال ودواوين الشعراء، وجماميع األدباء، ومن وغري ذلك من ال .أفواه الثقات، وأعيان الرواة، وال أنقل شيئاً إال بعد أن يشهد له العقل والنقْل، وغلبة الظن بالصحة

    ائد مهمة، وقد صدرت هذا الكتاب مبقدمة، تشتمل على بيان من ألفته بامسه، وعملته برمسه، وعلى فوتتعلق بفن التاريخ، ال يسع املؤرخ جهلها، وعلى بيان ما اصطلحت عليه يف هذا الكتاب، وهي مقدمة

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 5

    .حتتوي على أبواب وفصول، جعلها اهللا تعاىل منتجة لكل خري، موصلة لكل مأمول، مبنه وكرمه ".الطبقات السنية يف تراجم احلنفية"ومسيته

    .ه، مبنه وكرمه؛ إنه على كل ما يشاُء قدير، وباإلجابة قَِمن وجديرنفع اهللا تعاىل به، وأثاب علي

    وعلمته برسمه ، في بيان من ألفته باسمهباب

    وهو صاحب القران السعيد، وسلطان األوان املديد، وإسكندر الزمان، وفخر آل عثمان، مىت تفتخر األنام يف ظل عدله، وأحىي موات العدم امللوك بتقبيل أعتابه، وتتباهى السالطني خبدمة أبوابه، ومن أنان

    بوافر إحسانه وفضله، ونصر الدين احملمدي وأقام مناره، وخفض كلمة الباطل وأذهب شعاره، ومشل .الكُفر بعزته كل خزي ونكال، وتسلط على ذويه كل قهر وبال

    ذهب خزائنه فلم يبق غُراب إال غربت مشسه، وال مقاتل إال وسالت على الصوارم نفسه، وال ذهب إالاملعمورة، وال حرمي هلم إال وقد هتكت حرمته املستورة، وال قلعة إال قُلعت من أصوهلا، وال قافلة إال

    .قطعت عن قفوهلاوأطلق سيوفه الباترة، يف أعناق طغاة الروافض الفاجرة، فما أبقى هلم مشالً إال بدده، وال مجعاً إال أفرده

    . إال أتلفهاوال قوة إال أضعفها، وال مهجةأصبحو هناصرو فضفي الر هقِّ قاهرالح ذلٍة وإمام

    قُطٍْر بها تُزهى منابره فكلُّ وشَوكة السنة الغَراِء قد قِّويتْوهو السلطان األعظم، واخلاقان األكرم؛ سيف اهللا القاطع، وِشهابه الالمع، واملُحامي عن دينه واملدافع،

    مه واملمانع، السلطان مراد خان، أدام اهللا دولته إىل آخر الزمان، ابن السلطان سليم خان، والذاب عن حر -ابن السلطان سليمان خان، ابن السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد خان، ابن السلطان حممد خان

    لطان حممد خان، ابن ابن السلطان مراد خان، ابن الس-فاتح قُسطَنطينية، محاها اهللا عن كل آفة وبلية السلطان بايزيد خان، ابن السلطان مراد خان الغازي، ابن السلطان أورخان، ابن السلطان عثمان

    أدام اهللا أيام دولتهم، وخلد أوقات سعادم، ورحم أوهلم، . الغازي، الذي تنسب إليه هذه السالطني ساماً عنهلم راية عن غاية، وال ح ايةونصر آخرهم، وال رد .

    وال زالت أيام هذا السلطان يف سعادة وإقبال، وعظمٍة وإجالل؛ فإنه ما زال يقرب أهل العلم من ساحة إحسانه، ويأويهم إىل كنف جوده وامتنانه، ويقابل حمسنهم باإلحسان، ومسيئهم بالغفران، وفاضلهم

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 6

    .باإلفضال، وكبريهم باإلكرام واإلجالل

    تكن له رغبة، وتأهب لالشتغال من مل يكن عنده اهلبة، وصار كل منهم فرغب يف حتصيل العلوم من مل يظهر بالتأليف مقدوره، ويبذل يف التصنيف ميسوره، ويشرف ما ألفه وصنفه، خبدمة سدته السنية،

    .وأبوابه العلية، ويبلغ به من إحسانه أقصى املرام واألمنيةهالً، وأضرب معهم يف اخلدمة بسهٍم وإن مل فأحببت أن أدخل نفسي يف عدادهم وإن مل أكن لذلك أ

    .أكن ممن يعرف الضرب أصالً .فالكرمي يغض عن الزلة، واحلليم يعفو عن الذنب؛ واخليار يستر العوار، والكالم يشرف فيمن قيل فيه

    وقد شرفت نظمي مبدحيه، وقلت فيه قصيدة، أحببت أن أجعلها يف هذه املقدمة مقدمة، ويف هذه الترمجة .خمةمف

    : وهي هذهمواُألم امِتك األيبيانتْ لهوقد د يفُ والقلمفيها الس كأطَاع

    تَ به وليسرعن أمٍر أم جإال يخر ملِت القدز بِه قد شقي له في جميع األرض معتَصم يلْفي وأصبح الجور ال يجار وال

    عصبِة الظلِم والعدوان ينتقم من في كفِّه ماٍض أشَم به والعدُل سواه وقد أودى به النَّهم راٍع يظلم الذئب شاةَ البر ليس لها ال

    كَثِْرة األمِن يمشي الذئب والغنم ِمن الذي ِقيل في أمثاِل من سلفوا هذا له ِنعميفْنَى وال تفنى والغيثُ يحصى الحصا قبَل أن تُحصى مآثره

    هكرساء عجيمَل في الهكاِثر الري أمم هدحم ون شئتَ منهكلُّ مو عالم الذَّر أن يحيى به العدم في المراد الذي رب العباِد قَضى هو وعدالً وجوداً دونَه الديم ِعلْماً تَعد به الدنيا كما بِدئتْ وأن يزداد نقصاً ليس ينكتم والجهل رى العلم ينمو كُلَّ آونٍةت أما أصبح الَ بنْد وال علَم والكفر ترى علَم اإلسالِم مرتفعاً أما

    وكلُّ أرٍض على من حلَّها حرم فاض وفاض الباِذلُون له والماُل الملُوك وهل يرجى نظيرهم بين آَل عثمان يا من ال نظير لهم يا

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 7

    كلِّ ملُوِك األرض تستلم ِشفاه من بأعتابهم ِمن حين ما نُِصبتْ يا التكدِر إال في زماِنكم من تصفُ للناس أيام وال سلمتْ لم

    دولةٌ يحيى بها النَّسم فإنِّها يبِقي ألهِل األرض دولَتَكم فاُهللا وال عن مداه تُفِْصح الكَِلم وصفٌ يعطيكُم ماال يحيطُ ِبِه واُهللا بخَفِْض عيٍش وثغْر الدهر يبتسم تزال الورى في ظلِّ دولتكم وال

    تتعلق بفن التاريخيشتمل على فوائد مهمةباب

    : ال يسع املؤرخ جهلها وهو باب يشتمل على فصول

    الفصل األول

    ت العرب تؤرخ يف بين كنانة من موت كعب بن لؤي، فلما كان عام الفيل أرخت منه، وكانت املدة كان .بينهما مائة وعشرين سنة

    إنه ملا مات الوليد بن املغرية بن عبد اهللا ابن عمرو ابن ":األغاين"قال أبو الفرج األصبهاين، صاحب هكذا ذكره ابن . ا كان عام الفيل جعلوه تارخياخمزوم، أرخت قريش بوفاته مدة؛ إلعظامها إياه، حىت إذ

    .دأبوأما الزبري بن بكار فذكر أا كانت تؤرخ بوفاة هشام بن املغرية تسع سنني، إىل أن كانت السنة اليت بنو

    .انتهى. فيها الكعبة، فأرخوا ابنائه البيت، ومن بنائه وأرخ بنو إمساعيل عليه الصالة والسالم من نار إبراهيم عليه الصالة والسالم إىل

    البيت إىل تفرق معد ومن تفرق معد إىل موت كعب بن لؤي؛ ومن عادة الناس أن يؤرخوا بالواقع .املشهور، واألمر العظيم، فأرخ بعض العرب بأيام اخلُنان لشهرا

    : قال النابغة اجلعدي الِفتيان أيام الخُنَان ِمن فَمن يك سائالً عني فإني

    تْملدتُ فيه ضمائةٌ و بعد ذاك وحجتان وعام

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 8

    أبقتْ من السيِف اليماني كما وقد أبقَتْ صروفُ الدهر منيإن أيام اخلُنان أيام كانت للعرب قدمية، ": غُرر الفوائد، ودرر القالئد"قال الشريف املرتضى، يف كتابه

    .هاج م مرض يف انوفهم وحلوقهم .بضم اخلاء وفتح النون، وقد يشتبه باِخلتان، بكسر اخلاء والتاء املثناة من فوقوهو : قلت

    وأول من . نجمت على فالن كذا حىت يؤديه يف جنوم: وكانت العرب تؤرخ بالنجوم، وهو أصل قولكأرخ الكتب من اهلجرة عمر بن اخلطاب رضي اهللا تعاىل عنه، يف شهر ربيع األول، سنة ست عشرة،

    إنه يأتينا من قبل : سبب ذلك، أن أبا موسى األشعري رضي اهللا عنه، كتب إىل عمر رضي اهللا عنهوكانأمري املؤمنني كتب ال ندري على أيها نعمل، قد قرأنا صكاً منها حملة شعبان فما ندري أي الشعبانني،

    أوله رمضان، فرأى أن فعل عمر رضي اهللا تعاىل عنه على كتب التاريخ، فأراد أن جيعل. املاضي أو اآليت .األشهر احلرم تقع حينئذ يف سنتني، فجعله من املُحرم، وهو آخرها، فصريه أوالً لتجتمع يف سنة واحدة

    وكان قد هاجر صلى اهللا عليه وسلم يوم اخلميس، أليام من احملرم، فمكث مهاجراً بني سري ومقام مدة .شهرين ومثانية أيام

    فصل

    ، فيقلبون اهلمزة واواً، ألن اهلمزة نظري الواو يف املخرج، فاهلمزة من أقصى أرخت وورخت: تقول العرب: أجوه، ويف أثؤب: أعد، ويف وجوه: احللق، والواو من آخر الفم، فهي حتاذيها، ولذلك قالوا يف وعد

    . فعلى ذلك يكون املصدر تارخياوتورخيا مبعىن. وحد: أثوب، ويف أحد ية أن يؤرخوا بالليايل دون األيام؛ ألن اهلالل إمنا يرى ليالً، مث إم يؤنثون وقاعدة التاريخ عند أهل العرب

    .ثالثة غلمان، وأربع جواري: املذكر ويذكرون املؤنث، على قاعدة العدد؛ ألنك تقول .ثالث ليايل، وأربع ليايل، إىل بابه: إذا عرفت ذلك، فإنك تقول يف الليايل ما بني الثالث إىل العشر

    .ثالثة أيام، وأربعة أيام، إىل بابه: يف األيام ما بني الثالثة إىل العشرةوتقول : وأما واحد واثنان، فلم يضيفوها إىل مميز، فأما ما جاء من قول الشاعر

    ِل كأنلده ِمن التَّديينظَِل خُصوٍز فيه ِثنتا حظَرف عج متنعوا من ذلك؛ ألنه يكون من باب إضافة الشيء إىل فبابه الشعر، وضرورة الشعر ال تكون قاعدة، وإمنا ا

    : اثنا يومني، أو واحد رجل، فاليومان مها االثنان، والواحد هو الرجل، وإذا قلت: نفسه؛ فإنك إذا قلتفقد دللن على الكمية واجلنس، وليس كذلك يف أيام ورجال، فيما فوق الثالثة؛ ألن ذلك . يوم ورجالن

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 9

    .، فيضاف العدد إليه لتعلم الكميةيصح على القليل والكثريثالثة أيام، وأربعة أمحال، ومخسة أشهر، : وأضافوا العدد من الثالثة إىل العشرة إىل مجوع الِقلة، فقالوا

    ، ألنه ميز الثالثة جبمع الكثرة؛ ألن املعىن كل واحد "ثَالَثَةَ قُروٍء": وستة أرغفة، وال يورد هاهنا قوله تعاىلتربص للعدة ثالثة أقراء، فلما كان جمموع األقراء من املطلقات كثرياً ميز الثالثة، جبمع من املطلقات ت

    الكثرة، وال يضاف عدد أقل من ستة إىل مميزين؛ ذكٍر وأنثى؛ ألن كل واحٍد من املميزين مجع، وأقل .اجلمع ثالثة

    إحدى عشرة ليلة، وما بعده : هوقالوا يف العدد املركب من بعد العشرة إىل العشرين، وهو أحد عشر وبابإىل العشرين، بإثبات التأنيث يف اجلُزءين من إحدى عشرة، واثنيت عشرة، وحذف التأنيث من اجلزء األول

    وأحد عشر يوماً، واثنا عشر يوما، وثالثة عشر يوما، وما بعده إىل العشرين، خبلو . يف الباقي للمؤنثجلزء األول ملا بعده يف املذكر، واحلجازيون يسكنون الشني يف اجلزءين األولني من التأنيث وإثباته يف ا

    .عشرة، وبنو متيم يكسرواأحد عشر كوكباً : وميزوا ما بعد العشرة إىل العشرين وما بعدها من العقود إىل التسعني، مبنصوب فقالوا

    أحد وعشرون، : فقالواوأربعني ليلة، وأتوا بواو العطف بعد العشرين، ومنعوها بعد العشرة إىل العشرين،مائة يوم، ومائتا يوم؛ فجعلوا املميز من املائة إىل األلف وما بعده مضافاً، ومل يجروه : وأحد عشرة، وقالوا

    .مجرى ما بعد العشرة إىل التسعني يف فأجروا ذلك. ألف ليلة: وبابه، فميزوه باملفرد، ومل مييزوا باجلمع، وقالوا. ثالمثائة وأربعمائة: وقالوا

    .التمييز مجرى املائة

    فائدة

    ، وقد تقرر أن "يمِددكُم ربكُم ِبخمسِة آالٍَف ِمن املَالَِئكَِة": مذكر، والدليل عليه قوله تعاىل" ألف"لفظ .املعدود املذكر يؤنث، واملؤنث يذكر

    هذه : ىل األلف، وتقديره؛ فإن اإلشارة إمنا هي إىل الدراهم، ال إ"هذه ألف درهم: "وال يورد قوهلم .الدراهم ألف

    فائدة أخرى

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 10

    ومائة "، "ثالثة الرجال"إذا أردت تعريف العدد املُضاف، أدخلت األداة على االسم الثاين، فتعرف به، حنو : قال ذو الرمة". غُالم الرجل: "كقولك" الدراهم

    البالِقعاألثافي والرسوم ثالثُ وهل يرجع التسليم أو يكِشف العمى؛ ألن اإلضافة للتخصيص، وختصيص األول بالالم يغنيه عن ذلك، فأما ما مل "اخلمسة دراهم"وال جيوز

    ؛ إذ ال ختصيص بغري الالم، وقد جاء شيء على "اخلمسة عشر درمهاً"يضف، فأداة التعريف يف األول حنو .خالف ذلك

    تنبيه

    ؛ أن الياء هنا ياء "ومثاين مائة درهم"و " ين عشرة جاريةمثا"و " عندي مثاين نسوة: "الفصيح أن تقول : املنقوص، وهي ثابتة يف حالة اإلضافة والنصب، كياء قاضي وأما قول األعشى

    وثَماِن عشرةَ واثْنتَين وأربعا شربتُ ثمانياً وثمانياً ولقد : فبابه ضرورة الشعر، كما قال اآلخرمعِلى في ينْصتُ بماِمى الٍتوطروا دالسِريح خِْبطْناأليِد ي

    .بضم الراء. "ولَه الْجوار املُنشآت": على أنه قد قُِرئ" األيدي"يريد

    فصل في كيفية كتابة التاريخ

    .خلَون؛ ألن املميز مجع، واجلمع مؤنث: تقول للعشرة وما دوا .ون أن مميزه واحدخلَت، ومضت؛ ألم يريد: وقالوا ملا فوق العشرة

    لتسع إن بقني، ومثان إن بقني، تأيت بلفظ الشك؛ الحتمال أن يكون الشهر : وتقول من بعد العشرين .ناقصاً أو كامالً

    ملُستهل؛ ألن االستهالل قد مضى، ونص على أن يؤرخ بأول الشهر يف اليوم، : وقد منع أبو على الفارسي .أو بليلة خلت منه

    آخر، وهو أن جتعل ضمري اجلمع كثري اهلاء واأللف، وضمري اجلمع القليل اهلاء والنون وهلم اختيار : قالإنَّ ِعدة الشهوِر عند اِهللا اثْنا عشر شَهراً يف ِكتاب اهللا يوم ": املشددة، كما نطق القرآن به، قال اهللا تعاىل

    فجعل ضمري . "دين القَيم فال تظِْلموا ِفيهن أنفُسكُمخلَق السمواِت واألرض ِمنها أربعةٌ حرم ذلك ال .األشهر احلرم باهلاء والنون لقلتهن، وضمري شهور السنة اهلاء واأللف لكثرا

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 11

    أعطيته دراهم كثرية، وأقمت أياماً : وكذلك اختاروا أيضاً أن أحلقوا لصفة اجلمع الكثري اهلاء، فقالوا .أقمت أياماً معدودات، وكسوته أثواباً رفيعات: مع القليل األلف والتاء فقالواوأحلقوا لصفة اجل. معدودة

    إالَّ أياماً "ويف سورة آل عمران . "وقَالوا لَن تمسنا النار إال أياماً معدودةً": وعلى هذا جاء يف سورة البقرة .وا عنه فقصروا املدة انتهىكأم قالوا أوال ِبطُول املدة، ثن إم رجع. "معدوداٍت

    .لليلة خلت منه، أو لغرته، أو ملُستهله: والواجب أن تقول يف أول الشهر .انسالخه، أو سلخه، أو آخره: فإذا حتققت آخره، قلت

    .واألحسن أن تؤرخ باألقل فيما مضى وما بقى، فإذا أرخت بأيهما شئت: قال ابن عصفور: بل إن كان يف خامس عشر، قلت: الم ابن عصفور هذا، قلتوقال الصالح الصفدي، بعد نقله ك

    منتصف، أو يف خامس عشر، وهو أكثر حتقيقاً؛ الحتمال أن يكون الشهر ناقصاً، وإن كان يف الرابع . عشر، ذكرته، أو السادس عشر ذكرته

    تنبيه

    كروا معه شهراً، رأيت الفضالء قد كتبوا بعض الشهور بشهر كذا، وبعضها مل يذ: قال الصالح الصفديوطلبت اخلاصة يف ذلك فلم أجدها أتوا بشهر إال مع شهر يكون أوله حرف راء، مثل شهري ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان، ومل أدِر العلة يف ذلك ما هي؟، وال وجه املناسبة؟ ألنه كان ينبغي أن

    داود، : من ذلك وكتبوايحذف لفظ شهر من هذه املواضع؛ ألنه جيتمع يف ذلك راآن، وهم قد فروا .انتهى. وناوس، وطاوس، بواو واحدة؛ كراهية اجلمع بني املثلني

    ، بعد نقله كالم الصفدي "نظم العقبان، يف أعيان األعيان"وقال احلافظ جالل الدين السيوطي يف كتابه لشهور كلها ا: ، فقال"املتمم"قد تعرض للمسألة من املتقدمني ابن درستويه، يف الكتاب : هذا، قلت

    : مذكرة إال مجادى، وليس شيء منها يضاف إليه شهراً إال شهرا ربيع، وشهر رمضان، قال اهللا تعاىل ."شهر رمضانَ الِذي أُنِزلَ فيه القُرآنُ"

    : وقال الراعي إال حمضاً وخْمة ودِويالً شَهري ربيٍع ما تذُق لَبونهم

    للشهر، أو صفة قامت مقام االسم، فهو الذي مل يجز أن يضاف الشهر إليه، وال فما كان من أمسائها أمساًيذكر معه، كاحملرم، إمنا معناه الشهر احملرم؛ وهو من األشهر احلرم، وكصفر، وهو اسم معرفة كزيد، من

    ملاء، صفر اإلناء يصفر صفراً، إذا خال، وجمادى، وهي معرفة، وليست بصفة، وهي من مجود ا: قوهلم

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 12

    أي عظمته؛ ألنه أيضاً من األشهر احلرم، . رجبت الشيء: ورجب وهو معرف، مثل صفر، وهو من قوهلموشعبان؛ وهو صفة مبرتلة عطشان، من التشعب والتفرق، وشوال، وهو صفة جرت جمرى االسم،

    لتصرف، وصارت معرفة، وفيها تشول اإلبل، وذي القعدة، وهي صفة قامت مقام الشهر والقعود عن اذو اجللسة، وذي اِحلجة مثله، مأخوذ من : كقولك، هذا الرجل ذو اجللسة، فإذا حذفت الرجل قلت

    .احلجوأما الربيعان، ورمضان، فليست بأمساء للشهر، وال صفات له، فال بد من إضافة شهر إليها، كقولك

    لك الغليان، وليس شهر ربيع، وشهر رمضان، ويدلُك على ذلك أن رمضان فعالن من الرمضاء، كقوالغليان بالشهر ولكن الشهر شهر الغليان، وجعل رمضان امساً معرفة للرمضاء، فلم يصرف لذلك، فأما

    وربيع إمنا هو اسم للغيث، وليس الغيث بالشهر، ولكن . رواة احلديث فريون أن اسم من أمساء اهللا تعاىلشهر ربيع األول واآلخر، فهما صفتان : ا قلتالشهر شهر غيث، فصار ربيع امساً للغيث معرفة كزيد، فإذ

    لشهٍر، وإعراما كإعرابه، وال يكونان صفة لربيع، وإن كان معرفة، ألنه ليس هنا ربيعان، وإمنا هو ربيع .واحد، وشهرا ربيع، ولو كان كذلك لكانا نكرتني، ولكانا مضافني إىل معرفة، وصارا به معرفة

    .ه السيوطيانتهى كالم ابن درستويه كما نقل .كما ذكر الصفدي، فليتأمل. ويؤخذ منه أن رجب ال يضاف إليه لفظ شهر

    شهر رجب الفرد، أو األصم، أو : ويف شهر رجب. شهر اهللا: وجرت العادة بأن يقولوا يف شهر احملرمشوال املبارك، ويؤرخوا أول : ويف شوال. رمضان املعظم: املُكرم، ويف رمضان: األصب، ويف شعبان

    ل بعيد الفطر، وثامن احلجة، بيوم التروية، وتاسعه، بيوم عرفة، وعاشره بعيد النحر، وتاسع احملرم شوا. فال حيتاجون أن يذكروا الشهر، ولكن ال بد من ذكر السنة. بيوم تاسوعاء، وعاشره بيوم عاشوراء

    فائدة

    : يد الياء ومن قالنيف وعشرون، وهو بتشد: ، مثل قوهلم"بضع"و " نيف"قد جيئ يف بعض املواضع وهذا اللفظ مشق من أناف على الشيء، إذا أشرف عليه، فكأنه ملا زاد على . بسكوا، فذاك حلن. نيف

    : العشرين كان مبثابة املُشرف عليها، ومنه قول الشاعر على كُلِّ راِبيٍة نَيفُ براِبيٍة رأسها حلَلْتُ

    .هو الواحد إىل الثالثة: ا بني العقدين، وقال غريهواختلف يف مقداره، فذكر أبو زيد أنه م .ولعل هذا األقرب إىل الصحيح: قال الصفدي

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 13

    بل هو ما دون نصف : وقيل. البضع أكثر ما يستعمل فيما بني الثالث إىل العشر. ِبضع عشر سنة: وقوهلموهم ِمن بعِد غَلَِبهم ": ه تعاىلوقد انزوى القول األول إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم، يف تفسري قول. العقد

    ، وذلك أن املسلمني كانوا حيبون أن تظهر الروم على فارس، ألم أهل كتاب، "يف ِبضِع ِسِنني* سيغِلبونَوكان املشركون مييلون إىل أهل فارس؛ ألم أهل أوثان، فلما بشر اهللا تعاىل املسلمني بأن الروم سيغلبون

    ر املسلمون بذلك، مث إن أبا بكر رضي اهللا تعاىل عنه بادر إىل مشركي قريش، فأخربهم يف بضع سنني، سمبا له مدة الثالث سنني، مث أتى النيب صلى اهللا عليه وسلم، فسأله كم البضع، فقال، ما بني الثالث إىل

    الثقة باهللا ورسوله : ، فقال"ما محلك على تقريب املدة؟: "فقال. فأخربه مبا خاطر به أيب بن خلف. العشر". عد إليِهم فَِزدهم يف اخلَطِْر وازدد يف األجِل: "فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم. صلى اهللا عليه وسلم

    فزادهم قلوصني، وازداد منهم يف األجل سنتني، فأظفر اهللا تعاىل الروم بفارس قبل انقضاء األجل الثاين، . عنهتصديقاً لتقدير أيب بكر رضي اهللا

    وكان أُبي قد مات من جرح رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فأخذ أبو بكر اخلطر من ورثة أُيب، فقال .وكانت املُخاطرة بينهما قبل حترمي الِقمار" تصدق ِبِه: "النيب صلى اهللا عليه وسلم

    .الذي خاطر أبا بكر رضي اهللا عنه إمنا هو أبو سفيان، واألول أصح: وقيل .للصالح الصفدي، رمحه اهللا تعاىل" الوايف بالوفيات"ا يف كذ

    وكيفية ترتيب ، واللقب ، والكنية ، في بيان العلمباب

    ذلك مع النسبة على اختالفها املتنوع اعلم أن الدال على معني مطلقا إما أن ييكون مصدراً باب أو أم كأيب بكر، وأم كلثوم، وأم سلمة، وإما

    سمى، كمالعب األسنة، وعروة الصعاليك، وزيد اخليل، والرشيد، واملأمون، والواثق، أن يشعر برفعة املواملكتفي، والظاهر، والنصر، وسيف الدولة، وعضد الدولة، ومجال الدين، وعز الدين، وإمام احلرمني، وصدر الشريعة، وتاج الشريعة، وفخر اإلسالم، وملك النحاة، وإما أن يشعر بضعة املسمى كجحى،وشيطان الطاق، وأيب العرب، وجحظة، وقد ال يشعر بواحد منهما، بل أجرى عليه ذلك بواقعة جرت،

    غسيل املالئكة، ومحى الدبر، ومطني، وصاحل جزرة، واملُربد، وثابت قُطنة، وذي الرمة، والصعق، : مثل. وصردر، وحيص بيص

    .فهذه األقسام الثالثة تسمى األلقابص، كزيد وعمرو، وهذا هو العلم، وقد يكون مفرداً كما تقدم، وقد يكون مركباً، وإال فهو االسم اخلا

    إما من فعل وفاعل كتأبط شراً، وبرق حنره، وإما من مضاف ومضاف إليه كعبد اهللا، أو من امسني قد

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 14

    علمية، ركبا وجعال مبرتلة اسم واحد كسيبويه، واملفرد قد يكون مرجتالً، وهو الذي ما استعمل يف غري الكمذحج وأدد، وقد يكون منقوالً، إما من مصدٍر؛ كسعد، وفضل، أو من اسم فاعل؛ كعامر، وصاحل،

    أو من اسم مفعول؛ كمحمد، ومسعود، أو من أفعل تفضيل؛ كأمحد، وأسعد، أو من صفة؛ كثقيف وهو عني؛ كأسد، الدرب باألمور الظافر باملطلوب، وسلول، وهو الكثري السل، وقد يكون منقوالً من اسم

    .وصقر، وقد يكون منقوالً من فعل ماض؛ كأبان ومشَّر، أو من فعل مضارع؛ كيزيد، ويشكرتقدم اللقب على الكنية، والكنية : وإذ قد عرفت العلم، والكنية، واللقب، فسردها يكون على الترتيب

    ىل املذهب يف االعتقاد، مث إىل على العلم، مث النسبة إىل البلد، مث األصل، مث إىل املذهب يف الفروع، مث إالعلم، أو الصناعة، أو اخلالفة، أو السلطنة، أو الوزارة، أو القضاء، أو اإلمرة، أو املشيخة، أو احلج، أو

    .احلرفة، كلها مقدم على اجلميعأمري املؤمنني الناصر لدين اهللا أبو العباس أمحد السامري، إن كان بسر من رأى، : فتقول يف اخلالفة

    بغدادي، فرقاً بينه وبني الناصر األموي صاحب األندلس، احلنفي األشعري، إن كان يتمذهب يف ال .القُرشي، اهلامشي، العباسي: الفروع بفقه أيب حنيفة، ومييل يف االعتقاد إىل أيب احلسن األشعري، مث تقول

    نسبة إىل أستاذه امللك -يالسلطان امللك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيربس الصاحل: وتقول يف السلطنة . التركي احلنفي البندقدار، أو السالح دار-الصاحل

    .وزير فالن: الوزير فالن الدين أبو كذا، وتسرد اجلميع كما تقدم، مث تقول: وتقول يف الوزراء

    .القاضي فالن الدين، وتسرد الباقي، كما تقدم: وتقول يف القضاة كذلكمري فالن الدين، وتسرد الباقي، إىل أن جتعل اآلخر وظيفته اليت كان يعرف األ: وتقول يف األمراء كذلك

    .ا قبل اإلمرة، مثل اجلاشكري، أو الساقي، أو غريمهاالعالمة، أو احلافظ، أو املسند، فيمن عمر وأكثر الرواية، أو اإلمام، أو الفقيه، : وتقول يف أشياخ العلم

    .باألصويل، أو النحوي، أو املنطقيوتسرد الباقي إىل أن ختتم اجلميع فالن الدين، وتسرد اجلميع إىل أن تقول احلرفة إما البزاز، أو العطار، أو : وتقول يف أصحاب احلرف

    .اخلياطالقُرشي، التيمي، البكري؛ ألن القرشي : فإن كان النسب إىل أيب بكر الصديق رضي اهللا تعاىل عنه قلت

    .مي أعم من أن يكون من ولد أيب بكر رضي اهللا عنهأعم من أن يكون تيمياً، والتي .القرشي، العدوي، العمري: وإن كان النسب إىل عمر بن اخلطاب رضي اهللا تعاىل عنه، قلت

    .القرشي، األموي، العثماين: وإن كان النسب إىل عثمان رضي اهللا تعاىل عنه، قلت

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 15

    . القُرشي، اهلامشي، العلوي: ه، قلتوإن كان النسب إىل علي بن أيب طالب رضي اهللا تعاىل عن .القرشي، التيمي، الطلحي: وإن كان النسب إىل طلحة رضي اهللا تعاىل عنه، قلت .القرشي، األسدي، الزبريي: وإن كان النسب إىل الزبري رضي اهللا تعاىل عنه، قلت

    .السعديوإن كان النسب إىل سعد بن أيب وقاص رضي اهللا تعاىل عنه، قلت القرشي، الزهري، القرشي، العدوي، السعيدي، إال أنه ما نسب إليه : وإن كان النسب إىل سعيد رضي اهللا تعاىل عنه، قلت

    .فيما علموإن كان النسب إىل عبد الرمحن بن عوف رضي اهللا تعاىل عنه قلت، القرشي، الزهري، العويف، من ولد

    .عبد الرمحن بن عوف .القرشي، من ولد أيب عبيدة، على أنه ما أعقب: راح، قلتوإن كان النسب إىل أيب عبيدة بن اجل

    .هذا الذي ذكرته هنا هو القاعدة املعروفة، واجلادة املسلوكة املألوفة، عند أهل العلموإن جاء يف الكتاب يف بعض التراجم ما يخالف ذلك من تقدمي وتأخري، فإمنا هو سبق من القلم، وذهول

    واهللا أعلم. رد إليه، وال يعترض بعد وضوح االعتذار عليهمن الفكر، وما خالف األصل ي.

    تنبيه

    فقد حكى أبو الفرج . كلما رفعت يف أمساء اآلباء والنسب وزدت انتفعت بذلك، وحصل لك الفرقيا أبا : حججت يف سنٍة، وكنت مبىن أيام التشريق، فسمعت منادياً ينادي: املعاىف بن زكريا النهرواين، قال

    يا أبا الفرج : يف الناس كثري ممن يكىن أبا الفرج، فلم أجبه، فنادى: لعله يريدين، مث قلت: تفقل. الفرجفنادى يا أبا . فلم أجبه. قد يكون من امسه املعاىف وكنيته أبو الفرج: فهممت بإجابته، مث قلت. املُعاىف

    ذ ذكر كنييت، وأمسي، وأسم أيب، مل يبق شك يف مناداته إياي؛ إ: فقلت. الفرج املُعاىف بن زكريا النهرواين .نعم: لعلك من روان الشرق؟ فقلت: ها أنا ذا، فما تريد؟ فقال: وبلدي، فقلت

    .حنن نريد روان الغرب: فقال .انتهى. فعجبت من اتفاق ذلك

    ؛ واحلسن بن عبد اهللا "األوائل"وكذلك احلسن بن عبد اهللا العسكري أبو هالل، صاحب كتاب كالمها احلسن بن عبد اهللا العسكري، األول " التصحيف"د اللغوي صاحب كتاب العسكري أبو أمح

    موجوداً يف سنة مخس وتسعني وثالمثائة، والثاين تويف سنة اثنتني ومثانني وثالمثائة، فاتفقا يف االسم، واسم و هالل؛ والثاين أبو األب، والنسبة، والعلم، وتقاربا يف الزمان، ومل يفرق بينهما إال بالكنية؛ ألن األول أب

    أمحد، واألول ابن عبد اهللا بن سهل ابن سعيد والثاين ابن عبد اهللا بن سعيد بن إمساعيل؛ وهلذا كثري من

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 16

    .أهل العلم بالتاريخ ال يفرقون بينهما، ويظنون أما واحد .واهللا تعاىل أعلم. ويف هذا القدر كفاية. ومثل هذا كثري جداً

    فصل

    من حيث اللغةفي معرفة أصل الوفاة

    ويف ذكر فائدا يف التواريخ أصلها وفَية، بتحريك الواو والفاء والياء، على وزن بقرة، وملا كانت الياء حرف علة سكنوها : فنقول

    وفَاة، وهلذا ملا مجعوه رجعوا إىل : فصارت وفَية، فلما سكنت الياء وانفتح ما قبلها قُلبت ألفا، فقالواتوفِّي : وقالوا يف الفعل منه. فَيات، بفتح الواو والفاء والياء، كما قالوا شجرة وشجراتو: أصله، فقالوا

    زيد، بضم التاء والواو وكسر الفاء وفتح الياء، فبنوه على مال يسم فاعله؛ ألن اإلنسان ال يتوىف نفسه، . املتوىف، بفتح الفاءفعلى هذا املتوىف، بكسر الفاء هو اهللا، أو أحد املالئكة بأمره تعاىل، وزيد

    اهللا : فقال. وقد حكي أن بعضهم حضر جنازة فسأل بعض الفضالء، وقال من املتوفِّي؟ بكسر الفاءذكر ذلك الصفدي يف مقدمة . قُل املُتوفَّى بفتح الفاء: إىل أن بني لع الغلط، فقال. فأنكر ذلك. تعاىل

    ".الوايف بالوفيات"تارخيه منها واقعة رئيس الرؤساء مع اليهودي الذي أظهر كتاباً فيه أن : تاريخ، وقالوذكر فيه أيضاً فوائد لل

    رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أمر بإسقاط اجلزية عن أهل خيرب، وفيه شهادة الصحابة رضي اهللا تعاىل ه عنهم، منهم علي بن أيب طالب رضي اهللا تعاىل عنه، فحمل الكتاب إىل رئيس الرؤساء، ووقع الناس من

    من أين لك : فقيل له. إن هذا مزور: يف حرية، فعرضه على احلافظ أيب بكر، خطيب بغداد، فتأمله، وقالفيه شهادة معاوية رضي اهللا تعاىل عنه، وهو أسلم عام الفتح، وفتوح خيرب سنة سبع، وفيه : فقال. ذلك؟

    ففرج ذلك على . نتنيسعد ابن معاذ رضي اهللا تعاىل عنه، ومات سعد يوم بين قريظة قبل خيرب بس .املسلمني غماً

    كنت بالعراق، فأتاين أهل احلديث، فقالوا : وروي عن إمساعيل بن عياش، أنه قال: قال الصالح الصفدي .أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟: ها هنا رجل حيدث عن خالد بن معدان، فأتيته، فقلت

    .ومائة: سنة ثالثة عشرة، يعين: فقال .نك مسعت منه بعد موته بسبع سنني، ألن خالداً مات سنة ست ومائةأنت تزعم أ: فقلت

    - بالشني والسني معاً-ملا قدم أبو جعفر حممد بن حامت الكشي: وروي عن احلاكم أيب عبد اهللا، أنه قال

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 17

    هذا : فقلت ألصحابنا. وحدث عن عبد اهللا بن محيد، سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستني ومائتني .بد بن محيد بعد موته بثالث عشرة سنةمسع من ع

    .وفوائد تاريخ الوفاة ال تنحصر، وهذا القدر كاٍف منها، واهللا أعلم

    في تعريف التاريخباب

    قد كثرت األقوال يف تعريف التاريخ، وبيان : بيان معناه وفضيلته، يف أدب املؤرخ أقول وباهللا التوفيق، وهو "غرر احملاضرة، ودرر املكاثرة"له صاحب كتاب فضيلته، وأحسن ما وقفت عليه من ذلك، ما نق

    قال : الشيخ اإلمام املؤرخ تاج الدين علي بن أجنب املعروف بابن اخلازن، فإنه قال يف كتابه املذكورالتاريخ معاد معنوي؛ ألنه يعيد األعصار وقد سلفت، وينشر أهلها وقد ذهبت آثارهم وعفت، : العلماء

    ارب من كان غراً، ويلقى آدم ومن بعده من األمم وهلم جرا، فهم لديه أحياء وبه يستفيد عقول التجوقد تظمنهم بطون القبور، وغياب وهم عنده يف عداد احلضور، ولوال التاريخ جلُهلت األنساب، ونسيت األحساب، ومل يعلم اإلنسان أن أصله من تراب، وكذلك لواله ملاتت الدول مبوت زعمائها، وعمي على

    .اخر حال قُدمائهااألووملكان العناية به مل خيل منه كتاب من كتب اهللا املُرتلة، فمنهم ما أتى بأخباره املُجملة، ومنا ما أتى

    . وقد ورد يف التوراة سفر من أسفارها، يتضمن أحوال األمم السالفة ومدد أعمارها. بأخباره املفصلة بطه، تصرف إىل التواريخ جل دواعيها، وجتعل وكانت العرب على جهلها بالقلم وخطه، والكتاب وض

    هلا أوفر حظ من مساعيها، وتستغين حبفظ قلوا عن حفظ مكتوا، وتعتاض برقم صدورها، عن رقم مسطورها، كل ذلك عناية بأخبار أوائلها، وأيام فضائلها، فهل لإلنسان إال ما أسسه وبناه، وهل البقاء

    .انتهى. لصورة حلمه ودمه لوال بقاء معناهقاعدة يف املؤرخني : له قاعدة حسنة، فقال" طبقاته الكربى"وأما أدب املؤرخ، فقد ذكر أبن السبكي يف

    نافعة جداً، فإن أهل التاريخ رمبا وضعوا من أناس، أو رفعوا أتاساً، إما لتعصب، أو جلهل، أو رد اعتماد ل يف املؤرخني أكثر منه يف أه اجلرح والتعديل، على نقل من ال يوثق به، أو غري ذلك من األسباب، واجله

    .وكذلك التعصب، قل أن رأيت تارخياً خالياً من ذلك

    غفر اهللا له، فإته على حسنه ومجعه، مشحون بالتعصب املُفرط، ال واخذه " شيخنا الذهيب"وأما تاريخ لق، واستطال بلسانه على كثري من اهللا، فلقد أكثر الوقيعة يف أهل الدين، أعين الفقراء، الذين هم صفوة اخل

    هذا وهو احلافظ اِملدره، . أئمة الشافعيني واحلنفيني، ومال فأفرط على األشاعرة، ومدح فزاد يف املُجسمة

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 18

    .واإلمام املبجل، فما ظنك بعوام املؤرخنيهو الشيخ فالرأي عندنا ال يقبل مدح وال ذم من املؤرخني، إال مبا اشترطه إمام األئمة، وحرب األمة، و

    يشترط يف املؤرخ الصدق، وإذا نقل : اإلمام الوالد رمحه اهللا تعاىل، حيث قال، ونقلته من خطه يف جماميعهيعتمد اللفظ دون املعىن، وأن ال يكون ذلك الذي نقله أخذه يف املذاكرة، وكتبه بعد ذلك، وأن يسمي

    .املنقول عنه؛ فهذه شروط أربعة فيما ينقلهاً ملا يترمجه من عند نفسه، وملا عساه يطول يف التراجم من املنقول ويقصر، أن يكون ويشترط فيه أيض

    عارفاً حبال صاحب الترمجة، علماً، وديناً، وغريمها من الصفات، وهذا عزيز جداً، وأن يكون حسن ك العبارة، عارفاً مبدلوالت األلفاظ، وأن يكون حسن التصور، حىت يتصور حال ترمجته مجيع حال ذل

    الشخص، ويعرب عنه بعبارة ال تزيد عليه وال تنقص عنه، وأن ال يغلبه اهلوى، فيخيل إليه هواه اإلطناب يف مدح من حيبه، والتقصري يف غريه، بل يكون جمرداً عن اهلوى، وهو عزيز جداً وإما أن يكون عنده من

    ولك أن جتعلها مخسة؛ ألن فهذه أربعة شروط أخرى، . العدل ما يقهر به هواه، ويسلك طريق اإلنصافحسن تصوره وعلمه، قد ال حيصل معهما االستحضار حني التصنيف، فتجعل حضور التصور زائداً على

    وأصعبها االطالع على حال الشخص يف اعلم؛ . فهذه تسعة شروط يف املؤرخ. حسن التصور، والعلم .انتهى. فإنه حيتاج إىل املشاركة يف علمه، والقرب منه حىت يعرف مرتبته

    إنه : مث ذكر أن كتابته هلذه الشروط بعد أن وقف على كالم ابن معني يف الشافعي، وقول أمحد ابن حنبل .ال يعرف الشافعي، وال يعرف ما يقول

    فإنه أشار به إىل فائدة جليلة، " وملا عساه يطول يف التراجم من املنقول، ويقصر" وما أحسن قوله : قلت منها املوفقون، وهي تطويل التراجم وتقصريها؛ فرب حمتاط لنفسه ال يذكر يغفل عنها كثريون؛ وحيترز

    إال ما وجده منقوالً، مث يأيت إىل من يبغضه فينقل مجيع ما ذكر من مذامه، وحيذف كثرياً مما نقل من ممادحه، وجيئ إىل من يحبه فيعكس احلال فيه، يظن املسكني أنه مل يأت بذنٍب؛ ألنه ليس جيب عليه

    ما ذكر من ممادحه، وما يظن املغتر أن تقصريه لترمجته ذه النية استزراء . ويل ترمجة أحٍد وال استيفاءتطبه، وخيانة هللا، ولرسوله صلى اهللا عليه وسلم، وللمؤمنني، يف تأدية ما قيل يف حقه؛ من مدح وذم، فهو

    فيظن أنه مل يعتبه . اهللا يصلحه: إنه عجيب، أو: دعونا منه، أو: كمن يذكر بني يديه بعض الناس فيقول. بشٍئ من ذلك، وما يظن أن ذلك من أقبح الغيبة

    على ترمجة الشيخ املوفق ابن قدامة احلنبلي، والشيخ فخر الدين ابن " تاريخ الذهيب"ولقد وقفت يف عري، عساكر، وقد أطال تلك، وقصر هذه، وأتى مبا ال يشك الثبت أنه مل حيمله على ذلك إال أن هذا أش

    .وذلك حنبلي، وسيقفون بني يدي رب العاملني

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 19

    .؛ فإن اهلوى غالب إال من عصمه اهللا تعاىل"وأن ال يغلبه اهلوى: "وكذلك ما أحسن قول الشيخ اإلمامقد ال : عندنا فيه زيادة، فنقول" فإما أن يتجرد عن اهلوى، أو يكون عنده العدل ما يقهر به هواه: "وقوله

    نه ال يظنه هوى، بل يظنه جلهله، أو لبدعته حقاً؛ ولذلك ال يتطلب ما يقهر به يتجرد من اهلوى، ولكهواه؛ ألن املستقر يف ذهنه أن حمق، وهذا كما يفعل كثري من املتخالفني يف العقائد بعضهم يف بعض، فال

    عاينه أو ينبغي أن يقبل قول مخالف يف العقيدة على اإلطالق، إال أن يكون ثقة، وقد روى شيئاً مضبوطاً .حققهاحترزنا به عن رواية ماال ينضبط، من الترهات اليت ال يترتب عليها عند التأمل " مضبوطاً: "وقولنا

    .والتحقق شيء .ليخرج ما يرويه عن من غال أو رخص تروجياً لعقيدته" عاينه أو حققه: "وقولنا

    ريون جبهلهم يف جرح مجاعة وما احسن اشتراطه العلم، ومعرفة مدلوالت األلفاظ، فلقد وقع كثهدفقد قيل يف أمحد بن صاحل، . بالفلسفة، ظناً منهم أن علم الكالم فلسفة، إىل أمثال ذلك مما يطول ع

    وكذلك قيل يف أيب حامت الرازي، . والذي قال هذا ال يعرف الفلسفة. إنه يتفلسف: الذي حنن يف ترمجتهومل يكن . إنه يعرف مضايق املعقول: ل الذهيب يف املُزينوقريب من هذا قو. وإمنا كان رجالً متكلماً

    .الذهيب وال املزين يدريان شيئاً من املعقولواهللا . والذي أفىت به، أنه ال جيوز االعتماد على كالم شيخنا الذهيب يف ذم أشعري، وال شكر حنبلي

    .املستعان .انتهى كالم ابن السبكي حبروفه

    يف أكثر املؤرخني، يف غالب التواريخ، خصوصاً تواريخ املتأخرين، أكثر هذه الشروط مفقودة : قلتحق " طبقاته"وقلما تراها جمتمعة، حىت إن ابن السبكي نفسه خيالفهم يف كثري من املواضع، ومن تأمل

    التأمل، ووقف على كالمه يف حق بعض املعاصرين له، ظهر له صحة ما ذكرنا، وحنن نسأل اهللا تعاىل أن ل جبميعها، وأن يعيننا عليه، ويساحمنا مبا طغى به القلم، وحصل فيه الذهول، وكل عنه الفكر، يوفقنا للعم

    . وقصر يف التعبري عنه اللسام، مبنه وكرمه

    فصل

    في كيفية ضبط حروف المعجم

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 20

    ، الباء ثاين احلروف، والتاء املثناة من فوق، لئال حيصل الشبه بالياء: الياء املوحدة، وبعضهم يقول: قالواثالثة احلروف، والتاء املثلثة، واجليم، واحلاء املهملة، واخلاء : ألا مثناة، ولكنها من حتت، وبعضهم قال

    الراء املهملة، والزاي املعجمة، : وبعضهم يقول. املعجمة، والذال املهملة، والذال املعجمة، والراء والزايد املعجمة، والطاء املهملة، والظاء املعجمة والعني والسني املهملة، والشني املعجمة، والصاد املهملة، والضا

    : املهملة، والغني املعجمة، والفاء، والقاف، والكاف، والالم، واهلاء، والواو، والياء املثناة، وبعضهم يقول .آخر احلروف

    فيذكرون كلمة توازا، . على وزن كذا: هكذا يقولون إذا أرادوا ضبط كلمة؛ فإن أرادوا زيادة قالوابفتح الفاء وضم الالم وتشديد الواو، على : هي أشهر منها، كما إذا قيدوا فلوا، وهو املهر، قالوا فيهو

    .وزن عدو، فحينئذ يكون احلال قد اتضح، واإلشكال قد زال

    فائدة مهمة

    .يعرف منها فضيلة بيان طبقات الفقهاء، ومراتبهم واالحتياجات إىل ذلكتتعلق الرسالة . إلمام العالمة أمحد بن سليمان الشهري بابن كمال باشاألفها ا" رسالة"رأيتها يف آخر

    .بالكالم على مسألة دخول ولِد البنت يف املوقوف على أوالد األوالدال بد للمفيت املقلد أن يعلم حال من يفىت بقوله، وال نعين بذلك معرفته بامسه ونسبه : "قال رمحه اهللا تعاىل

    ال يسمن ذلك من جوع وال يغين، بل نعين معرفته يف الرواية، ودرجته يف الدراية، إىل بلد من البالد، إذ وطبقته من طبقات الفقهاء، ليكون على بصرية وافية يف التمييز بني القائلني املتخالفني، وقدرة كافية يف

    .الترجيح بني القولني املتعارضنياألوىل، طبقة اتهدين يف الشرع، كاألئمة : تأعلم أن الفقهاء على سبع طبقا: فنقول وباهللا التوفيق

    األربعة، رضي اهللا عنهم، ومن سلك مسلكهم يف تأسيس قواعد األصول، واستنباط أحكام الفروع عن األدلة األربعة؛ الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس، على حسب تلك القواعد، من غري تقليد ألحٍد ال يف

    .الفروع، وال يف األصولطبقة اتهدين يف املذهب، كأيب يوسف وحممد، وسائر أصحاب أيب حنيفة، القادرين على : والثانية

    استخراج األحكام عن األدلة املذكورة على مقتضى القواعد اليت قررها أستاذهم أبو حنيفة، وإن خالفوه املذهب، يف بعض األحكام الفروع، لكن يقلدونه يف قواعد األصول، وبه ميتازون عن املُعارضني يف

    .ويفارقوم، كالشافعي ونظرائه، املخالفني أليب حنيفة يف األحكام، غري مقلدين له يف األصولطبقة اتهدين يف املسائل اليت ال رواية فيها عن أصحاب املذهب، كاخلصاف، وأيب جعفر : والثالثة

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 21

    سي، وفخر اإلسالم الطحاوي، وأيب احلسن الكرخي، ومشس األئمة احللواين، ومشس األئمة السرخالبزدوي، وفخر الدين قاضي خان، وأمثاهلم؛ فإم ال يقدرون على املخالفة لشيخ، ال يف األصول، وال يف

    الفروع، ولكنهم يستنبطون األحكام يف املسائل اليت ال نص عنه فيها حسب أصول قررها، ومقتضى .قواعد بسيطة

    كالرازي، وأضرابه، فإم ال يقدرون على االجتهاد أصالً، طبقة أصحاب التخريج من املقلدين،: والرابعةلكنهم إلحاطتهم باألصول، وضبطهم للمأخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل يف وجهني، وحكم مهم

    محتمل ألمرين، منقول عن صاحب املذهب، أو عن واحد من أصحابه اتهدين، برأيهم ونظرهم يف : من قوله" اهلداية"ونظرائه من الفروع، وما وقع يف بعض املواضع من األصول، واملُقايسة على أمثاله

    . ، من هذا القبيل"كذا يف خترج الكرخي وختريج الرازي" ، وأمثاهلما، "اهلداية"طبقة أصحاب الترجيح من املقلدين، كأيب احلسني القدوري، وصاحب : واخلامسة

    .ا أوىل، وهذا أصح رواية، وهذا أرفق للناسهذ: وشأم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقوهلمطبقة املقلدين القادرين على التمييز بني األقوى، والقوي، والضعيف، وظاهر املذهب، وظاهر : والسادسة

    ، وصاحب "الكرت"الرواية، والرواية النادرة، كأصحاب العقول املعتربة من املتأخرين، مثل صاحب ، وشأم أن ال ينقلوا يف كتبهم األقوال املردودة، "امع"ب ، وصاح"الوقاية"، وصاحب "املختار"

    .والروايات الضعيفةطبقة املقلدين الذين ال يقدرون على ما ذُكر، وال يفرقون بني الغث والسمني، وال مييزون : والسابعة

    ".الشمال عن اليمني، بل جيمعون ما جيدون، كحاطب الليل، فالويل هلم وملن قلدهم كل الويل .نتهى ما قاله ابن كمال باشا حبروفه، وهو تقسيم حني جداًا

    فائدة مهمة

    يتعني إيرادها، وال يستغىن عنها، نقلتها من خط املوىل العالمة علي جليب بن أمر اهللا الشهري بقنايل زاده، .رمحه اهللا تعاىل

    مسائل : األوىل: الث طبقاتاعلم، وفقك اهللا تعاىل، أن مسائل أصحابنا احلنفية، رمحهم اهللا تعاىل، على ثاألصول، وتسمى ظاهر الرواية أيضاً، وهي مسائل رويت عن أصحاب املذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، وحممد رمحهم اهللا تعاىل، لكن الغالب الشائع يف ظاهر الرواية، أن يكون قول الثالثة، أو قول

    .بعضهم

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 22

    ؛ "املبسوط: "ألصول، هي ما وجد يف كتب حممد اليت هيمث هذه املسائل اليت تسمى بظاهر الرواية وا ".والسير"، "واجلامع الكبري"، "واجلامع الصغري"، "والزيادات"

    وإمنا مسيت بظاهر الرواية، ألا رويت عن حممد بروايات الثقات، فهي ثابةٌ عنه؛ إما متواترة، أو .مشهورة

    حاب املذاهب املذكورين، لكن ال يف الكتب املذكورة؛ مسائل النوادر، وهي مسائل مروية عن أص: الثانية ".الرقيات"، و "اجلرجانيات"، و "اهلارونيات"، و "الكَيسانيات"إما يف كتب أخر حملمد وغريها، ك

    منا قيل هلا غري ظاهرة الرواية؛ ألا مل ترد عن حممد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب األوىل، 'و .للحسن بن زياد، وغريه" ارد"ب حممد ككتاب وإما يف كتب غري كت

    املروية عن أيب يوسف، واإلمالء أن يقعد العامل وحوله تالمذته باحملابر والقراطيس، " األمايل"ومنها كتب فيقول مبا فتحه اهللا عليه من ظهر قلبه، وتكتبه التالمذة، مث جيمعون ما يكتبونه يف االس، ويصري كتاباً

    .الء واألمايلفيسمونه اإلموكان ذلك عادة العلماء السلف من الفقهاء، واحملدثني، وأصحاب العربية، فاندرست لذهاب العلم

    . وأهله، وإىل اهللا تعاىل املصري .وإما بروايات مفردة، مثل رواية أبن مساعة، ومعلى بن منصور، وغريها، يف مسائل معينة

    ، وهي مسائل استنبطها اتهدون املتأخرون ملا سئل منهم، ومل الفتاوي، وتسمى الواقعات أيضاً: والثالثةجيدوا فيها رواية عن أصحاب املذهب، وهم أصحاب أيب يوسف وحممد، وأصحاب أصحاما، وهلم

    .ألصحابنا" الطبقات"جرا، وهم كثريون، موضع ضبطهم كتاب ة، ونصري ابن حيىي، وأيب وغالب من ينقل عنهم املسائل أصحاب أيب يوسف وحممد، كمحمد بن سلم

    .القاسم الصفار .ومن أصحاب أيب يوسف، مثل عصام بن يوسف، وأبن رستم

    .ومن أصحاب حممد، مثل أيب حفص البخاري، وكثريين .وقد يتفق هلؤالء العلماء أن خيالفوا أصحاب املذاهب، لدالئل وأسباب ظهرت هلم بعدهم

    له؛ فإنه " العيون"لفقيه أيب الليث السمرقندي، وكذلك ل" النوازل"وأول كتاب جمع يف فتاويهم كتاب : سئل أبو القاسم يف رجل كذا أو كذا، فقال: مجع صور فتاوي مجاعة من املشايخ، ممن أدركهم بقوله

    .وهكذا. كذا أو كذا: سئل حممد بن سلمة عن رجل كذا وكذا، فقال. كذا وكذا

    للصدر " الواقعات"للناطفي، و " جمموع النوازل والواقعات "مث مجع املشايخ بعده كتباً أخر يف الفتاوى ك

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 23

    .الشهيد، رمحه اهللا تعاىل، "جامع قاضي خان"مث مجع املتأخرون هذه املسائل يف فتاواهم وكتبهم خمتلطة، غري متميزة، كما يف

    .، وغريمها"اخلالصة" مسائل األصول، مث النوادر، لرضي الدين السرخسي؛ فإنه ذكر أوالً" احمليط"وميز بعضهم كما يف كتاب

    .مث الفتاوى، ونعم ما فعل .للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد يف نقل املذهب" الكايف"واعلم أن من كتب األصول، كتاب

    السرخسي، واإلمام " مبسوط"اإلمام مشس األئمة السرخسي وهو : وشرحه مجاعة من املشايخ منهم .القاضي األسبيجايب، وغريمها

    بعد ذكره " احمليط"له أيضاً، إال أن فيه بعض النوادر؛ وهلذا يذكره صاحب " املنتقى"املذهب ومن كتب .يف هذه األعصار" املنتقى"النوادر معنوناً باملنتقى، وال يوجد

    .املروى عن حممد متعددة، وأظهرها مبسوط أيب سليمان اجلُوزجاين" املبسوط"واعلم أيضاً أن نسخ املبسوط "خرون، مثل شيخ اإلسالم أيب بكر املعروف خبواهر زاده، ويسمى املتأ" املبسوط"وشرح والصدر الشهيد وغريمها، ومبسوطهم شروح يف احلقيقة، ذكرها خمتلطة مببسوط حممد، كما فعل " البكري .، مثل فخر اإلسالم، وشيخ اإلسالم، وقاضي خان، وغريهم"اجلامع الصغري"شراح

    ، مثل فخر اإلسالم، وشيخ اإلسالم، وقاضي خان، "اجلامع الصغري" يف ذكره قاضي خان،: وقد يقال .وغريهم

    .، واملراد شرحه، وكذا غريه، فاعلم ذلك، واهللا أعلم"اجلامع الصغري"ذكره قاضي خان، يف : وقد يقال

    فصل

    يتضمن بيان ماصطلحت عليه في هذا الكتاب

    قد رتب : ، وال تتعسر مراجعته فأقول وباهللا التوفيقمن ترتيب وتقدمي وتأخري، وغري ذلك؛ ليسهل كَشفُه .هذا التأليف على حروف املعجم كترتيب أكثر املؤرخني

    فأبتدى أوالً من األمساء مبا أوله مهزة وثانيه مهزة، مث مبا أوله مهزة وثانيه ألف ساكنة، مث مبا أوله مهزة .مث مبا ثانية ثاء مثلثة، وهكذا إىل آخر احلروفوثانيه باء موحدة، مث مبا ثانيه تاء مثناة من فوق،

    مث مبا أوله باء موحدة وثانيه مهزة أو ألف ساكنة، مث مبا ثانيه باء أيضاً، مث مبا ثانيه تاء مثناة، وهكذا إىل .آخر احلروف

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 24

    مث أذكر يف أواخر الكتاب أصحاب الكُىن مجيعاً يف حروف اهلمزة، أقدم من مل يعرف له أسم سوى كنية، مث من له اسم واشتهر بكنيته وله ترمجة يف حرف من احلروف، أذكره باختصار، وال أعيد له ال

    .ترمجة، وأذكر امسه واسم أبيه ليسهل كشفه يف حملهوأذكر مجيع هذه الكُىن مرتبة ترتيب األمساء وبالنظر إىل ما بعد ذكر األب، كأيب إبراهيم، أذكره مقدماً

    .اود مقدماً على أيب ذر، وهكذا إىل آخر احلروفعلى أيب أمحد، وأيب د .وأذكر يف آخر الكتاب باباً لأللقاب، وباباً فيمن اشتهر بابن فالن، وباباً يف األنساب

    أقدم يف كل من البابني األولني من اشتهر بلقبه، واشتهر بأبيه ومل يعرف له اسم، مث من له اسم منهما .اذكره باختصار، كما فعلته يف الكىن

    وأما األنساب فأقدم فيها من ال يعرف إال بالنسبة ومل يذكر له يف الكتاب ترمجة، وأما من ذكر له يف الكتاب ترمجة، فقد أذكره يف نسبته، وقد ال أذكره، ألن ذكر مجيع من انتسب يف الكتاب إىل املوصل أو

    . كبري فائدةالشام أو محاة مثالً يف تلك النسبة، مما يطول شرحه، ويمل ذكره، بالهذا وملا كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم هو الذي أظهر هذا الدين القومي، وأنار هذا السراط

    املستقيم، وكان كل فضل منسوباً إىل فضله، وكل علم مستفاداً من علمه، ولواله ما كان عامل يذكر، ولياء املخلصني، والصلحاء وال فاضل علمه ينشر، وكانت سائر األفاضل، والعلماء األماثل، واأل

    .السابقني، يغترفون من ذلك البحر، ويستنريون بذلك البد : وكانوا كما قال صاحب الربدة، رمحه اهللا تعاىل

    موكُلُه لتِمسوِل اِهللا مسِم ِمن رشْفاً من الَّير أو رحفاً من البغَر افه املُنيفة، لتكون هلذا الكتاب مشرفة، وعلى تعني أن نبدأ بذكر شيء يسري من سريته الشريفة، وأوص

    غريه من الطبقات اليت خلت عنها مفضلة، ويكون هلم يف الذكر إماماً، كما كان هلم يف الدين هادياً . وهماماً

    مث نتلوه بذكر ترمجة اإلمام األعظم، واحلرب البحر املُكرم، أحد أفراد الزمان، وإنسان عني األعيان، الذي بفضله الركبان، وعمت فواضله سائر البلدان، واعترف مبعروفه الشامل كل قاص ودان، وأمجعت سارت

    األمة، أنه قدوة األئمة، وهو أبو حنيفة النعمان، رضي اهللا تعاىل عنه وأرضاه، وجعل اجلنة متقلبه ومثواه، .ويف ذلك احملل املقدس مجعنا وإياه

    يعتمدون، وله يقلدون، ومن حبر علمه يغترفون، تغمده اهللا فإنه صاحب املذهب الذي به يأخذون، وعليه

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 25

    برمحته ورضوانه، وأباحه حببوحة جنانه، ونفعنا بربكات علومه يف الدنيا واآلخرة، أنه جواد كرمي، رؤوف .رحيم

    واعلم أيها الواقف على كتايب هذا أين رمبا أكثرت يف بعض التراجم، من إيراد نفائس األشعار، وحماسن بار، ولطائف النوادر، ونوادر اللطائف، ورمبا ذكرت يف األنساب شيئاً من أوصاف البلدان، األخ

    وخصائصها، وما قيل فيها من األشعار، وورد يف حقها من األخبار واآلثار، ومقصودي بذلك أن يكون ، وال يصادف مطالعه مترتهاً يف رياض من اآلداب، ال يذوى زهرها، وال مينع مثرها، حىت ال ميل مطالعه

    .وهذا أوان الشروع يف املقصود، بعون امللك املعبود، فنقول وباهللا التوفيق، ومنه التيسري. الضجر سامعه

    سيرته

    صلى اهللا عليه وسلم محمد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وحبيبه وصفيه وخريته من خلقه، وأفضل املطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن األولني واآلخرين، أبو القاسم بن عبد اهللا بن عبد

    مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزمية بن مدركة بن الياس بن : مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الذي قيل فيه عالَ برسوِل اهللا عدنان كما وكم أٍب قد عال بابٍن ذُرى شرٍف

    ومن هنا إىل آدم عليه الصالة والسالم خمتلف فيه، ومذكور يف كتب السرية . تفق على صحتههذا هو امل .املطولة، فمن أراد الوقوف عليه فلرياجعها

    ثالثه، وقيل : ثانيه، وقيل: ولد صلى اهللا عليه وسلم يوم االثنني، يف شهر ربيع األول من عام الفيل، قيل .ثاين عشره، وقيل غري ذلك

    الهدايةُ زهرةَ اآلماِل فيه اء به الزمان وفتَّحتْيوم أضوهو حمل، وكفله : سبع، وقيل: ومات أبوه وله من العمر مثانيةٌ وعشرون شهراً، وقيل شهران، وقيل

    جده عبد املطلب، مث تويف عبد املطلب وله صلى اهللا عليه وسلم من العمر إذ ذاك مثان سنني وشهران .ه عمه أَبو طالبوعشرة أيام، فكفل

    .ست: وماتت أمه آمنة، وهو ابن أربع سنني، وقيل .وأرضعته حليمة السعدية، وثويبة األسلمية، وحضنته أم أمين

    وملا بلغ اثنيت عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام، خرج مع عمه أَيب طالب إىل الشام، فلما بلغ بصرى رآه هذا رسول رب العاملني، يبعثه اهللا رمحة للعاملني، : بيده، وقالحبريى الراهب، فعرفه، بصفته، فجاءه وأخذ

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 26

    إنكم حني أقبلتم من العقبة مل يبق حجر وال شجر إال خر ساجداً، وال يسجد إال لنيب، وإنا جنده يف . كُتبنا

    .فرده خوفاً عليه منهم. لئن قدمت به إىل الشام لتقتله اليهود: وقال أليب طالبنية إىل الشام، مع ميسرة غالم خدجية بنت خويلد، يف جتارة هلا قبل أن يتزوجها، فلما قدم مث خرج مرة ثا

    ما نزل حتت ظل هذه الشجرة إال : الشام، نزل حتت ظل شجرة قريباً من صومعة راهب، فقال الراهب .نيب

    .إذا كان اهلاجرة، واشتد احلر، نزل ملكان يظالنه: وكان ميسرة يقوله تزوج خدجية بنت خويلد، وعمره مخس وعشرون سنة وشهران وعشرة أيام، وقيل وملا رجع من سفر

    .غري ذلك .وملا بلغ مخساً وثالثني سنة شهد بنيان الكعبة، ووضع احلجر األسود بيده

    ونشأ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف قومه، وقد طهره اهللا تعاىل من دنس اجلاهلية ومن كل عيب، يل، حىت مل يكن يعرف من بينهم إال باألمني؛ ملا رأوه من أمانته، وصدق لسانه، ومنحه كل خلُق مج

    .وطهارته .اقرأ: وملا بلغ أربعني سنة ومياً بعثه اهللا بشرياً ونذيراً، وأتاه جربيل عليه السالم بغار حراء، فقال

    .ما أنا بقارئ: فقال .اقرأ: غ مين اجلهد، مث أرسلين، فقالفأخذين فغطين حىت بل: قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

    .ما أنا بقارئ: فقلت ."علّم اإلنسانَ ما لَم يعلَم": إىل قوله تعاىل"اقْرأ باسِم ربك الِذي خلَق": فقال يف الثالثة

    لرؤيا أول ما بدئ به رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من الوحي، ا: وقالت عائشة رضي اهللا تعاىل عنهاالصادقة يف النوم، وكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح، وحبب إليه اخلَالء، وكان خيلو بغار

    الليايل ذوات العدد قبل أن يرتع إىل أهله، ويتزود لذلك، مث يرجع - وهو التعبد-حراء فيتحنث فيهرواه البخاري ومسلم. خلدجية فيتزود ملثلها، حىت جاءه احلق.

    .ان مبدأ النبوة فيما ذُكر يوم االثنني ثامن شهر ربيع األولوك .مث حصره أهل مكة هو وأهل بيته يف الشعب ثالث سنني، مث خرج من الشعب وله تسع وأربعون سنة

    .وبعد ذلك بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوماً، مات عمه أبو طالب .ثة أياموماتت خدجية، رضي اهللا تعاىل عنها بعد أيب طالب بثال

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 27

    وكانت أول من آمن مبا جاء به، مث آمن أبو بكر، مثّ علي بن أيب طالب، وزيد بن حارثة، وبالل رضي اهللا تعاىل عنهم، مث بعد هؤالء عمرو بن عبسة السلمي، وخالد بن سعيد ابن العاص، وسعد بن أيب

    ان، مث كان عمر بن اخلطاب وقاص، وعثمان بن عفان، والزبري بن العوام، وطلحة بن عبيد اهللا ابن عثم ".خمتصر السرية"ذكر ذلك ابن حزم يف . رضي اهللا تعاىل عنه متام األربعني إسالماً

    .وملا بلغ مخسني سنة وثالثة أشهر قِدم عليه ِجن نصيبني فأسلموا .حدى ومخسني سنة وتسعة أشهر، أسري به إىل بيت املقدس'وملا بلغ

    ي، والنسائي، عن أنس بن مالك رضي اهللا تعاىل عنه، أن نيب اهللا صلى روى البخاري، ومسلم، والترمذ" يف احلجر مضطجع: " ورمبا قال-"بينما أنا يف احلطيم: "اهللا عليه وسلم حدثهم عن ليلة أُسري به، قال

    فشق ما بني هذه إىل : "فَسمعته يقول: ، قال"إذ أتاين آت"، "بني النائم واليقظان: " ومنهم من قال-. من قصه إىل ِشعرته: ومسعته يقول. من ثغرة حنره إىل ِشعرته: ما يعىن به؟ قال: فقيل للجارود. "هذه

    فاستخرج قليب مث أُتيت بطشت من ذهب مملوءة إمياناً، فغسل قليب مث حشي، مث دعي بدابة دون البغل " خطوة عند أقصى طرفه نعم، يضع: هو الرباق يا أبا محزة؟ فقال أنس: فقال له اجلارود" وفوق احلمار

    : قيل. نعم: أوقد أرسل إليه؟ قال: قيل. حممد: ومن معك؟ قال: قيل. فحملت عليه، فانطلق يب جربيل"ورأى األنبياء صلوات اهللا وسالمه عليهم، ورأى من آيات . احلديث بطوله" مرحباً به، فنعم ايء جاء

    أوحى إليه ما أوحى، وفرضت الصالة تلك ربه الكربى، مث دنا فتدىل، فكان قاب قوسني أو أدىن، و. الليلة، وملا أصبح قص على قريش ما رأى

    ملا : " وروى البخاري، ومسلم، والترمذي عن جابر، أنه مسع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، يقول كذبين قريش قُمت إىل احلجر األسود، فجال اهللا يل بيت املقدس، فطفقت أُخربهم عن آياته، وأنا أنظر

    ".إليهوقد اختلف الناس يف كيفية اإلسراء، فاألكثرون من طوائف املسلمني متفقون على أنه جبسده صلى اهللا

    .عليه وسلم، واألقلون قالوا بروحهوحكى هذا القول أيضاً عن عائشة، . كل ذلك رؤيا: عن حذيفة، أنه قال" تفسريه"حكى الطربي يف

    .وعن معاوية رضي اهللا تعاىل عنهما .م من قال جبسده إىل بيت املقدس، ومن هناك إىل السموات السبع بروحهومنه

    والصحيح األول؛ ألنه قد صح أن : قال الصالح الصفدي، بعد أن نقل ما ذكرناه من األقوال، قلترأيت رؤيا، ملا كُذِّب، وال أنكر ذلك على غريه، : قريشاً كذبته، ولو قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

    .وما ذلك ببدع. عنه؛ ألن آحاد الناس يرون يف منامهم أم ارتقوا إىل السمواتفضالً

  • التقي الغزي-الطبقات السنية يف تراجم احلنفية 28

    أنشدين لنفسه الشيخ اإلمام شهاب الدين أبو الثناء حممود بن سلمان بن فهد احلليب الكاتب رمحه اهللا : قال : عليه وسلمتعاىل قراءة مىن عليه، من مجلة قصيدة طويلة، من جملة مجلدة فيها مدح النيب صلى اهللا

    في المنام فَيقبُل التَّأويالَ ال ُأسرى إلى األق