interpretation of quraish (all creation) fortress | تأويل سورة قريش

Upload: amin-sheikhocom

Post on 25-Mar-2016

228 views

Category:

Documents


6 download

DESCRIPTION

موسوعة عم، آلاء الرحمن في تأويل القرآن

TRANSCRIPT

٢

بريامة اإلنساين الكة العليلضف

د أمني شيخوحمم قدس اهللا سره

}موسوعة عم{ )٩(

Ýíëdm@ @”ífl‹Ó@ñŠì

األستاذ يب مجعه وحققه املر عبد القادر حيىي الشهري يالديراين

ابن حمدث دمشق األكرب املرحوم الشيخ حممد الديراين

٣

٤............................)دعوة للعودة للمائدة اإلهلية السنية( مقدمة ـ

١٠.........................)قريش(املعىن العميق، والسر الدقيق لسورة ـ كلمة تشمل كل ما تراه عينك يف ترابطه ومتاسك أجزائه ): قريش(ـ

١١...............................................الواسع يف هذا الكون ١٩.............................................مفهوم العبادة والطاعةـ ٢١ ...................................................فليعبدوا رب هذا البيتـ

٤

دعــوة للـعـودة للمـائـدة اإللـهيـة السـنيـة

هلموا بنا معا لنقرأ عرضا فريدا به سعادة .. أيها اإلخوة األعزاءة واإلنسانية، بل وكافة ما خلق اهللا منذ األزل إىل األبد لنستعرض البشري

إنا عرضنا األمانة على السموات واألرض واجلبال [قول اخلالق العظيم فأبني أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اإلنسان إنه كان ظلوما

.)١(]جهوالت كلمة السموات واألرض واجلبال ما فيهن من أنفس وينطوي حت

وخملوقات، كما تشمل كلمة اإلنسان أفراد النوع اإلنساين واجلان، اليت جاءت بصيغة االستفهام )إنه كان ظلوما جهوال(وتشري كلمة

االستنكاري للمدح واإلكبار ال إلثبات الظلم واجلهل ألنه عرف ما .سعادة ال تتناهى فتقدم وغامر حبملهاوراء محل األمانة من

كان ذلك يف عامل األزل يوم خلق تعاىل النفوس وكشف عن بره وإحسانه وأظهر كرمه وفضله ملا خلق جل كماله ببهاء نوره اخلالئق كلها وجتلى عليها مجيعها جبالله ومجاله وكماالته العلية، غرقوا يف حبور

وا ومتتعوا وشهدوا فهاموا بعايل اه فكانوا النعيم واهلناء واحلبور وذاق

).٧٣: (اآلية: سورة األحزاب )١(

٥

جبنة أكلها دائم وظلها؛ وسبحوا يف حميطات فضله وعطفه وحنانه، تشربوا الفضل واإلحسان والكرم اإلهلي لكنهم توقفوا وبقوا على حال عال سام واحد، مل التوقف وحبور فضله تعاىل السرمدية ال انتهاء وال

هلا؛ لذا البد من خمطط سام وطريق للثقة تثق النفوس حد والتوقف بذاا برضاء موالها عنها لتقبل من جديد على ربها الكرمي الرحيم لترقى بفضله وتنعم مبشاهدات جليلة جديدة وتنتقل يف منازل اإلقبال

بدميومة الرقي والعلو لتنتقل من جنتها العالية "على اهللا من حال إىل حال إىل جنة أعلى مث جلنة أرقى وأمسى بال توقف من مسو لسمو أعلى احملددة

ومن مجيل ألمجل ومن حسن ألحسن واهللا تعاىل ال اية له وجناته ، لذا عرض تعاىل اخلروج للدنيا لكسب طيب "وعطاءاته بال اية

األعمال املبنية على االختيار واالطالق، ليكسب املخلوق ثقة بعمله لى ربه، ويرقى بأعماله باجلنان من جنة جلنة أعلى فيقبل من جديد ع

.ومن نعيم لنعيم جديد أحلى وأرقى وهلم جرانعم تقدمت سائر املخلوقات باألزل حلمل األمانة بعد أن عرضها تعاىل عليها مث بين تعاىل هلا أن محل األمانة أي حرية األختيار بالسري

خلوق يستطيع ذا االختيار لألعمال أمر ذو خطر عظيم، فإذا كان املأن يرقى بعمله ويصل ملرتبة دوا سائر املخلوقات فهو إىل جانب ذلك

.قد يهوي به عمله إىل درجة ال ميكن أن ينحط إليها أحد من العاملنيوذلك إن محلت النفس األمانة مث جاءت إىل الدنيا ومل تستنر بنوره

٦

تابا يكون نرباسا ومرجعا هلا تعاىل ومل تستهد داه، حينما يرسل هلا كيف أعماهلا فكذبت به، أي كذبت بالدين فستخطيء طريق احلق الذي يصل ا للسعادة واليقني، وستكون أعماهلا كلها أذى وإضرارا باخللق فستخسر خسارة كربى، ستخسر جناا وسيحرقها تفريطها يف جنب

خسر مقامها؛ بتلك اللحظة احلامسة اهللا حريقا دونه بكثري أمل النار، إذ ستتقهقرت مجيع املخلوقات ورهبت من التقدم هلذا االمتحان الذي به حقا أعلى وأغلى وأمثن الشهادات واملناصب واملنح واألعطيات جنات عال وما تدري نفس ما أخفي هلم من قرة أعني، لكنها رهبت التقدم

وإن كان بالنجاح فيه ما فيه لالمتحان ملا قد يتبعه من الفشل والشقاء .من السعادة الكربى واخلريات

نعم إن األنفس كلها أبت محل األمانة وأشفقت منها وتقدمت حلملها فئة واحدة غامرت مغامرة عظيمة وعاهدت ربها على عدم االنقطاع عنه تعاىل لتفوز بعد سريها احلق الصحيح باحلياة الدنيا وهنالك قبل ربها عهدها

.وميثاقها وأكرب مغامرا ووعدها جبنة اخللد إن هي وفت بعهدهاوهكذا وإثر اخللق املادي وايء هلذه الدنيا أناس وفوا بالعهد وجنحوا

، نال جناحا منقطع النظري وهم السادة الرسل واألنبياء وسيد اخللق نات ما املرتلة العلية واملرتبة األوىل فنال ما نال من ربه، وحاز من اجل

حاز وأحب للخلق هذا النوال، لذلك توجه باخلطاب على لسان حضرة اهللا تعاىل بسورة قريش وهم كافة اخلالئق طرا أمجعني والنفوس املكلفني

٧

وغري املكلفني، أي ملن دخل االمتحان مث حتول وغاص يف حبر النسيان ورهب التقدم ونسي العهد وآلف على حطام الدنيا الزائلة وملن تقهقر

حلمل األمانات، وآلفوا على حال واحد فهم يف خضم الفصول األربعة والليل والنهار دائرون وسادرون وعن الرقي ومعايل اجلنات غافلون تنبيها ووعظا وحضا، حبا م ليعودوا للعلو والسمو الذي أراده رب

طعمهم من جوع ليعبدوا رب هذا البيت الذي أ: العاملني الرمحن الرحيمفقد أمدهم مبا شاؤوا وعليه أصروا من الشهوات فليتطلبوا ما شاء هلم من املكرمات من أوجه عالية خيرات ما تسمو م ألقاصي السموات يف مرابع اجلنات، فما أكرمك وما أرمحك يارب اخلالئق والعباد وما

ا أنفسهم أقسى قلوب املعرضني عن جليل وعظيم إنعاماتك، كم ظلمو .وحرموها من حتف املكرمات

حقا حرموها مما ال عني رأت هلا مثيال وال أذن مسعت، بل وال خطر ياقوم أجيبوا داعي اهللا من . على قلب بشر، فعودا للحق والعود أمحد

.قبل أن يأيت يوم البيع فيه وال خلة وال شفاعة والكافرون هم الظاملون

تقدمي املريب األستاذ القادر حيىي الشهري بالديراينعبد

٨

سورة قريش

.أتدري إالم يشري مطلع هذه السورة الكرمية أيها اإلنسان؟ .وهل تعلم ماذا يريد أن يثبت يف نفسك من معان؟

إنه يشري إىل عظمة خالق الكون ومربيه، إىل تدبريه تعاىل وتنظيمه ا الكون وحدة مؤتلفة احلكيم، إىل تلك اإلرادة العليا اليت جعلت من هذ

منتظمة منسجمة إىل القدرة اإلهلية العظمى اليت تنقل الكرة األرضية جارية يف هذا الفضاء الواسع الالمتناهي، وأنت حممول على ظهرها ترحل بك من شتاء إىل صيف، ومن صيف إىل شتاء، إىل ضعفك وصغر جرمك، إىل جالل ربك وعظمة مسيرك، إىل لطفه تعاىل يفتسيري هذا الكون وتدبري شؤونه، إىل امللك والتربية، إىل العلم واحلكمة، إىل عدد عديد من األمساء احلسىن، وما ذلك إال طرف يسري مما انطوى

.}إليالف قريش، إيالفهم رحلة الشتاء والصيف{: عليه قوله تعاىل ملا انطوت عليه السورة والواقع أن فواتح السور ومطالعها مفاتيح

جبملتها، فإن أنت آمنت باهللا ورسوله حق اإلميان وأعطيت هذه املطالع حقها من التفكري والتدبر، هداك اهللا تعاىل وأراك وهنالك تدرك بعض ما تشري إليه من معىن عميق وسر دقيق، فتعظم خالقك وتكبره وتدرك أين

.مأنت ومن أنت يف هذا الكون العظيوأولئك هم .. من عرف ربه، عرف نفسه، ومن نسي ربه نسي نفسه

٩

وال تكونوا كالذين نسوا اهللا فأنساهم أنفسهم أولئك هم . [الفاسقون .)١(]الفاسقون

ففي الكون كله ويف كل خملوق من خملوقاته آالف الدالئل واآليات، كل سورة من سوره فواتح ومطالع وفصول ومقاطع ويف القرآن، ال بل يف

تشري دوما إىل تلك اآليات الكونية الدالة على اهللا تعاىل واملعرفة بأمسائه، وهو من : والسمع والبصر والفؤاد وما وهبك اهللا من حواس وكذلك الفكر

أعظم ما تفضل به عليك ربك، كل ذلك خري معني لك على رؤية ما يف مة، وما فيه من قدرة وحكمة، وما يشري إليه من حنان إهلي الكون من عظ

ورمحة، فما عليك وقد يسر اهللا لك السبيل، سبيل اهلدى إال أن تنظر يف الكون مفكرا وتتدبر ما يف القرآن الكرمي من إرشادات وآيات، وهنالك ه ترى ما يف الكون من عظمة، وما يف القرآن الكرمي من علم وحكمة وتفق

.}إليالف قريش، إيالفهم رحلة الشتاء والصيف{: طرفا من قوله تعاىلوإن شئت تفصيال ملعىن هاتني اآليتني الكرميتني فاستمع إىل ما سنبينه

. لك يف مطلع هذه السورة الكرمية يلفت يريد اهللا تعاىل أن يبين ذلك النظام البديع الذي قام عليه الكون، مث

تعاىل نظر عباده ويذكرهم بذلك الترتيب احلكيم الذي جعل املخلوقات متآلفة مع تبدالت الفصول، فلعلهم إن فكروا يف هذا النظام، توصلوا منه إىل

).١٩(اآلية : سورة احلشر)١(

١٠

الرب املنظم، وتعرفوا إىل اخلالق العظيم احلكيم املبدع، والقرآن الكرمي، إذا وعرجت يف معارج التقوى يبدو لك عربيا أنت وصلت إىل اإلميان الصحيح

:مفصال، لكننا نعرفك ببعض ما انطوت عليه هذه السورة فنقولألف احليوان اإلنسان، : مأخوذة يف أصلها من ألف، يقال: اإليالف

تعوده، وألف : أنس به، وألف املسافر البلد واملكان إيالفا، أي: أيكان بينهما ائتالف وجتاذب، : لوق، أيالشيء الشيء، واملخلوق املخ

جعل اهللا تعاىل : وآلف اهللا تعاىل البشر رحلة الشتاء والصيف إيالفا، أيهلذه الكرة األرضية وهي جتري ذا اإلنسان يف هذا الفضاء، من القوانني واألنظمة ما يؤمن هلم كل راحة واطمئنان، فإذا هم قد ألفوا هذه الرحلة

.دون أي مشقة وال يشعرون بأدىن انزعاج واضطرابإيالفا ال جي: مجع، يقال: مبعىن) قرش(فمأخوذة من كلمة ، )قريش(أما كلمة

: مجعه وضم بعضه إىل بعض، وتقرش القوم، أي: قرش الشيء، أيجتمعوا، ومن ذلك سميت القبيلة اليت سكنت مكة من قبل بقريش، ألن

د الكعبة حول املسجد احلرام متعاونني على أفرادها إذ ذاك اجتمعوا عن .سقاية احلاج وعمارة املسجد احلرام

: وعلى ضوء ما قدمناه من شرح هلذه الكلمة نقولكل ما تراه عينك يف ترابطه ومتاسك أجزائه، ) قريش(تشمل كلمة

ومجيع ما تدركه مشاعرك يف جتمعه وجتاذب ذراته، فالكون كله جبميع ما

١١

لوقات، إذا أنت نظرت إىل ما بني أجزائه من إيالف ومؤالفة، فيه من خم .}إليالف قريش{: جتده منطويا حتت هذه اآلية الكرمية وهي قوله تعاىل :وزيادة يف اإليضاح وعلى وجه التعميم نقول

الكون كله وحدة منسجمة جتمعت أجزاؤها إىل بعضها وجتاذبت اذا ومتاسكها، والشمس مقرونة إىل األرض وتآلفت ذراا، فالنجوم يف جت

طائفة ا، والقمر مرتبطا باألرض منجذبا إليها يف دورانه حوهلا، واألشجار يف ترابط أوراقها ومثارها وسير املاء يف أوعيتها، ودورة املاء يف مجيع أجزائها، واإلنسان يف انتظام أعضائه وتناسقها وقيام كل جهاز من أجهزته

ه وافتقار هذه األجهزة إىل بعضها، هذه األغذية اليت نتناوهلا يف بوظائفإيالفها مع أجسامنا وحتوهلا بعد اهلضم إىل مواد نافعة لنا ومتثلها إىل أنسجة وحجريات عصبية وحلمية على حسب األعضاء اليت تساق إليها، مث

را، الناس احليوانات يف اجتماع أنواعها وحنينها إىل بعضها، وأخريا ال آخيف روابطهم اإلجتماعية كلها، األم مع أطفاهلا، والزوجة مع زوجها،

كل ما .. وأرباب احلرف واألموال يف عدم استغنائهم عن بعضهم بعضاذكرناه ومجيع ما تراه يف هذا الكون من انسجام وترابط وانتظام، هو ما

: تقول واليت} ريشإليالف ق{: تراه حتت هذه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل .هل نظر عبادي إليالف هذا الكون وما بينهما من جتاذب وارتباط؟ .هل شاهدوا ما هو عليه من تنظيم بديع وتنسيق حكيم وائتالف؟

١٢

.هل فكروا فيما بني خملوقاته املترابطة املتجاذبة من إيالف؟وا يف عبادي انظروا إىل الترابط املوجود يف هذا العامل، ودقق: أي

.إيالف األشياء املوجودة يف هذا الكونواآلن بعد أن لفت تعاىل نظرنا إىل الكون كله يف ترابطه ومتاسك أجزائه وإيالف خملوقاته وجتاذا، أراد تعاىل أن يعرفنا بناحية من النواحي الكونية إىل إيالف األشياء مع تبدالت الفصول بصورة خاصة، لننتقل

معرفة اخلالق، ومن تعظيم سري الكون إىل تعظيم اإلله من املخلوق إىل .}إيالفهم رحلة الشتاء والصيف{: املسير فقال تعاىلكما رأينا من قبل هو تعود الشيء واألنس به وعدم : واإليالف

اإلستيحاش منه، وهو انسجام األشياء ومؤالفتها، والضمري يف كلمة .على العاقل إمنا يعين بين اإلنسان) هم(ري وتطلق ضم، )إيالفهم(

وهل نظر عبادي إليالفهم تلك : جاءت تقول) إيالفهم(كلمة .الرحلة، رحلة الشتاء والصيف؟

هي االنتقال، وال يقتصر املعىن يف رحلة الشتاء والصيف على : والرحلةهذين الفصلني املذكورين، بل يشمل ضمنا الفصول األربعة كلها، إذ

واالرحتال من فصل الشتاء إىل الصيف وبالعكس، . ة هي االرحتالالرحليتضمن املرور بفصلي اخلريف والربيع ويشملهما، هذه اآلية تشري إىل

فالنباتات واحليوانات . إيالف األشياء وانسجامها مع تبدالت الفصول

١٣

وكذلك اإلنسان، بل سائر املوجودات مجيعها أيضا هلا انسجام وإيالف مع :الفصول األربعة، وما حيدث فيها من تغيرات، وعلى سبيل املثال نقول

من األشجار ما تتساقط أوراقها شتاء كاملشمش والتفاح، فهذه األشجار مع رقة أوراقها ولطافة نسجها، لوال نومها وتساقط أوراقها ولوال تقبض

ملاء عند اشتداد الجنمد ا: أوعيتها ومجود حركتها يف الشتاء، أقول لوال ذلكأنابيب أوعيتها فال تقوى على البقاء الربد يف أنسجة أوراقها وهنالك تتفجر

ومتوت، أفليس استسالمها للنوم وسقوط أوراقها يف فصل الشتاء إيالف مع . هذا الفصل وما حيصل فيه من صقيع وبرد واجنماد

تظل دورا ولننظر اآلن إىل األشجار اليت ال تسقط أوراقها شتاء، بل النسغية جارية، وتبقى حياا وحركة املاء فيها مستمرة كالزيتون والليمون وغريها من احلمضيات، فنضج مثار هذه األشجار شتاء يقضي

لذلك جتد أوراقها مستورة بطبقة . بدوام حياا، وبقاء جريان النسغ فيها . وأشد مقاومةمشعية، أو ليفية األوعية، وبذا تكون أكثر حتمال

أفال يدل تركيبها الذي هي عليه على إيالفها مع رحلة الشتاء والصيف، أوال تدل تبدالت هذين النوعني املذكورين على قوة خفية تزوي احلياة عن النوع األول شتاء، ومتد النوع الثاين امدادا متواصال،

ف على وجود أفال يدل إيالف هذه األشجار مع رحلة الشتاء والصي !.رب عظيم وخالق قدير وحكيم قائم مشرف عليها

١٤

وما ذكرناه عن إيالف األشجار ينطبق على اإلنسان، : أقولفلإلنسان إيالف مع الفصول حرها وبردها، مثارها وفواكهها، وكذلك احليوانات واملخلوقات مجيعها هلا إيالف مع تغيرات الفصول، وما

وتلك األمثال . [ من األمثال، وآية من اآلياتضربناه فإمنا هو مثل .)١(]نضربها للناس وما يعقلها إال العالمون

فاهللا سبحانه مبا ذكره لنا من إيالف املخلوقات مع تبدالت الفصول يريد توجيهنا إىل التفكري والتأمل يف هذا الكون، فلعلنا إن فكرنا التفكري !.الدقيق، توصلنا إىل معرفة ربنا العظيم، وخالقنا الكرمي ومسيرنا الرحيم

كذلك فإن هذه اآلية تريد أن تعرفنا بالعظمة اإلهلية يف التسيري، إا تريد أن تلفت نظرنا إىل الفلك املشحون، وأعين به الكرة األرضية اليت تسبح بنا

. من صيف لشتاء، ومن شتاء لصيفيف هذا الفضاء الواسع متنقلة، مرحتلةإا تريد أن تعرفنا بذلك التنقل وذلك النظام الذي تتولد معه الفصول األربعة، بذلك اللطف للتسيري اإلهلي الذي ال نشعر معه مبا يقلقنا يف سفرنا، وال نشعر معه مبا يتعبنا يف رحلتنا، فإذا األرض على ثقل وزا

تها متر بنا مر السحاب بلطف وهدوء، وإذا وكبري حجمها وهائل سرعالبشر احملمولون على ظهرها يروحون ويغدون إىل أعماهلم براحة

.واطمئنان

).٤٣(اآلية : سورة العنكبوت)١(

١٥

إا تعرف اإلنسان بضعفه وصغر حجمه، إا تعرفه بعناية ربه وعظمة خالقه وبالغ قدرته تعاىل ولطفه يف تسيريه، وما ذاك كله إال ناحية من

.}إيالفهم رحلة الشتاء والصيف{: اليت اشتملت عليها آيةالنواحي . فهال نظرت أيها اإلنسان إىل هذا مفكرا فيه بعض التفكري؟

من الذي يسير هذا الفلك املشحون الذي أنا : هال تساءلت قائالبذلك حممول عليه ينقله يف ذلك اخلضم الواسع، وبتلك السرعة اهلائلة، و

.النظام الدقيق من الصيف إىل الشتاء، ومن الشتاء إىل الصيف؟من الذي جعل األرض على هذا الوضع املعين، : هال قلت لنفسك

وذا امليل املقدر بصورة تتولد معها الفصول األربعة، فينتقل الناس من .خريف لشتاء ومن ربيع لصيف؟

ك من الذي جعل هلذه األرض هال سمعت نفسك قول امللك ينادي .تلك السنن والقوانني، هال فكرت أيها اإلنسان ذا ونظرت إليه؟

هال كنت أرقى من ذلك املخلوق الذي ال يعرف سوى مطعمه ومشربه فقلت لنفسك أين أنا يف هذا الوجود، ومن أنا يف هذا الكون،

ىن يب هذه العناية وما هذه اليد العظيمة اليت خلقتين وأوجدتين، وهي تع .وتربيين هذه التربية وتسير مركيب هذا التسيري اللطيف؟

إليالف أجزاء هذا الكون مع بعضها .. هال نظرت أيها اإلنسانبعضا، وإليالف هذا النوع البشري احملمول على وجه األرض مع رحلة

١٦

. الشتاء والصيفتبدالت الفصول، أال يا عبادي انظروا إىل إيالف املخلوقات مع

جتدوا أن هلذا الكون ربا عظيما ومسيرا حكيما يقبض ويبسط، ويعطي ومينع، وقد سير هذا الكون كله ضمن احلكمة والرمحة ومبا يعود على

. الكون وعليك باخلري واملنفعةإذا أنت نظرت إىل هذا وعرفت خالقك ومربيك وآمنت ذه اليد

سين تعاىل لك ما يدلك العظيمة اليت تر هذا الكون العظيم من بعد أن بيعلى وجوده وعظيم حكمته أراد أن يدعوك إىل عبادته أي طاعته والسري ضمن هدايته وداللته فإن شئت اهلداية والسعادة فاستمع إىل ما

فليعبدوا رب هذا {: يأمرك به وما يمليه عليك به يف قوله الكرمييتالب{.

ومما يؤكد ما قدمناه من شرح وما أسلفناه من بيان أن ترد الفاء يف رابطة للجواب على حد تعبري النحاة، ويكون جممل ما ) فليعبدوا(كلمة

:نفهمه من هذه اآلية الكرمية مقرونة إىل ما قبلهاإن نظر عبادي إليالف املخلوقات يف هذا الكون، وتعرفوا من وراء

علمي وحكميت، وإن هم نظروا إىل هذه األرض اليت ترحل ذلك إىلم يف الفضاء وأدى م ذلك إىل رؤية طرف من كبري قدريت وعظيم

.تسيريي ولطيف رمحيت

١٧

إذا نظر عبادي إليالف قريش وإن هم نظروا إليالفهم : وبكلمة وجيزةرحلة الشتاء والصيف وتوصلوا من ذلك إىل معرفة عظميت ومشاهدة

.}فليعبدوا رب هذا البيت{تسيريي هلذا الكون وبالغ عظميت نعم لقد جاءت هذه الفاء لتربط مفتاح السورة الكرمية مبا بعدها، ولتبين لك أن املراد باآليتني األوليتني دعوة اإلنسان إىل التأمل والتفكر، فلعله إن

والعظمة اإلهلية، ولعله إن نظر وفكر نظر وفكر يشاهد طرفا من اجلالل .يرى التسيري اإلهلي، وقد خالطه احلنان واللطف ومازجته الرأفة والرمحة

فريى ) ال إله إال اهللا(ولعله إن نظر وفكر يتوصل إىل اإلميان بكلمة تلك اليد العليمة احلكيمة اليت تسير هذا الكون كله مبا فيه من خملوقات،

ا لطيفا وتشرف عليه إشرافا دقيقا وهنالك ختضع النفس هللا تعاىل تسيري .طائعة فتعبده حق العبادة

واحلقيقة أن النفس البشرية مفطورة على تقدير الكمال، مطبوعة على اخلضوع لصاحب العظمة واجلالل، جمبولة على حب من ترى منه

اهللا اليت فطر العطف واللطف واإلحسان كائنا من كان، تلك هي فطرة .الناس عليها ال تبديل هلذا القانون وال تغيري

فإن أنت أردت لنفسك سلوكا يف طريق اإلميان باهللا، وإن رمت هلا مسوا وتقدما يف هذا املضمار، فما عليك إال أن تدعوها إىل التأمل

ما يف والتفكري، وتبصرها آنا بعد آن فيما يقع عليه نظرها من خملوقات و .هذا الكون من آيات

١٨

وتحرك .. وتبعث جامد نظرها.. عليك دوما أن تثري خامد تفكريها .ساكن تأملها

أال تنظرين، أال تفكرين، أال تتأملني، أال : عليك أن تقول لنفسكمن الذي أوجد هذا العامل وجعله على هذا النظام : تدققني، أال تقولني

إليالف ما يف الكون من خملوقات، أال تعظمني أال تعجبني. احملكم؟هذه اليد اليت تسير الكرة األرضية على هذا النظام الدقيق يف هذا الفضاء العظيم، تسيريا لطيفا هادئا ال يعكر صفوه معكر وال يكاد يشعر به

وكيف صرت أنا وما . وأين أنا؟. إنسان، أال تقولني متسائلة من أنا؟ . من قبل شيئا مذكورا؟كنت

عليك أن تطيل النظرات، وتواصل التأمالت، وتري نفسك كم يف هذا الكون من آيات، كم فيه من لطائف احلكمة ودالئل القدرة، وشواهد الرأفة والرمحة وعجائب اخللق املشرية إىل دقة الصنع وبالغ العلم

أنت توصلت إىل األخذ واخلربة، فإن استطعت أن تريها وتبصرها، وإن بيدها إىل مشاهدة العظمة اإلهلية، ورؤية احلكمة والعلم والقدرة، والتحقق باإلمداد الدائم والتربية، والتعظيم لذلك اإلمداد اإلهلي الدقيق

.الذي تقصر العقول عن إدراك حد له أو ايةطئ إن أنت توصلت إىل إراءا طرفا من هذا، فهنالك تطأ: أقول

خاضعة هللا تعاىل ساجدة، وتذعن لربها مستسلمة، وما إسالم النفس احلق إال من بعد رؤيتها وشهودها، فإن هي رأت وشاهدت خضعت وأذعنت،

١٩

وما هي مبذعنة وال خاضعة إال إذا رأت وشاهدت، ذلك كله إمنا يعرفنا إىل آيات الكون باحلكمة اإلهلية اليت جعلت مطالع السور وفواحتها تشري

.}فليعبدوا رب هذا البيت{: وعظمتها، وذلك كله إمنا توحي به آيةأما وقد أوضحنا طرفا مما نفهمه من هذه الفاء اليت جاءت رابطة

وطرفا مما ،)فليعبدوا(للجواب مقترنة به، فلنبين ما نفهمه من كلمة ):العبادة(تشري إليه كلمة عبادة مبرادف للطاعة دون أن يكون بني اللفظني فرق ليس معىن ال

من الفروق، أو شيء من االختالف، بل لكل لفظ إشارته، ولكل لفظ .معانيه ومقاصده

:وتوضيحا ملعىن العبادة وتبيانا لبعض الفروق بينها وبني الطاعة نقول قد يطيع اجلندي آمره، والطالب معلمه، والزوج زوجها يف أمر مناألمور، فينفذ كل منهم ما أمر به تطبيقا ملا يفرضه عليه النظام وما يقضي به الواجب، دون أن يقصر يف األمر أو ينقص فيه، ومع ذلك قد يكون يف طاعته هذه غري مذعن النفس وال راضيا باألمر، لكنها

.الظروف ومقتضيات احلال اضطرته إىل التطبيق دون تردد أو تأخريومن هنا يتبين لنا طرف من معىن العبادة والطاعة، فالطاعة تقتضي التطبيق

.لألمر، والعبادة جتمع إىل التطبيق اخلضوع النفسي واإلذعان املعنويومما ينطوي أيضا حتت العبادة من معان إىل جانب الطاعة املقرونة

٢٠

رات دون باخلضوع النفسي واإلذعان، أن تكون الطاعة شاملة سائر املأموأية خمالفة من املخالفات، فليس يعد عبدا خالص العبودية من يطيع يف أمر

وليس يعد . من األمور ويخالف يف أمور أخرى مل تتفق مع رغائبه وهواهعبدا كامل العبودية من يطبق األمر تطبيقا على حسب الظاهر ونفسه غري

. سره غري راض به وال مذعنمطمئنة هلذا التطبيق، وهو يفالعبادة احلقة هللا تقتضي الطاعة والتطبيق مقترنة باخلضوع النفسي

العبادة احلقة تقتضي العبادة الشاملة لسائر األوامر غري مشوبة . والرضابشيءمن املخالفات وقد وصف اهللا تعاىل رسوله الكرمي بوصف العبودية

سبحان الذي أسرى بعبده ليال من : [بسورة اإلسراء، فقال تعاىل .)١(..]المسجد الحرام إلى المسجد األقصا

وأشار تعاىل يف موضع آخر من كتابه احلكيم مبينا ذلك املقام العايل، وأنه لما قام [: مقام العبودية الذي وصل إليه سيد العاملني، إذ قال تعاىل

عبد اهللا يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا، قل إنما أدعوا ربي وال .)٢(]أشرك به أحدا

ومما شرعه لنا الشارع يف كل صالة نصليها أن نعرف أنفسنا مبقام له فتشهد ،ونذكرها بذلك املقام الذي حازه الرسول

العبودية والرسالة، من بعد أن تشهد هللا تعاىل مبقام األلوهية والوحدانية، أشهد أن ال إله إال اهللا وأشهد أن : (وذلك ما اشتملت عليه كلمة

).٢٠-١٩(اآلية : سورة اجلن )١( ).١(اآلية : سورة اإلسراء )١(

٢١

.تقوهلا وأنت يف آخر مرحلة من مراحل الصالة).. حممدا عبده ورسوله ما يتردد دوما وهكذا فإذا أنت أقررت معترفا بأنك عبد اهللا، وذلك

يف الصالة، فمعىن قولك وإقرارك )إياك نعبد(على لسانك عند قولك هذا أنك طائع هللا تعاىل خبضوع واستسالم، معاهده على تطبيق سائر

.األوامر دون أية خمالفة من املخالفات :نقول) العبادة(وبناء على ما قدمناه من بيان ملعىن كلمة

من بين اإلنسان الذين } بدوا رب هذا البيتفليع{تتطلب كلمة توصلوا إىل اإلميان من بعد نظر وتفكر واستدالل، أن يطيعوا أوامر اهللا تعاىل مستسلمني مذعنني، طاعة شاملة يف سائر األوامر دون استثناء، واحلقيقة أن عبادة اهللا تعاىل لتدخل يف مجيع ما يباشره اإلنسان من

وهي ال تقتصر على أعمال الصوم والصالة واحلج والزكاة، إا أعمال،لتدخل يف املبيع والشراء، يف الشركة والكفالة، يف الدين واحلوالة، إا لتدخل يف معاملة البنني والزوجة واألب واألم واألخوة، ويف معاملة اجلار والشريك والقريب والبعيد، إا لتدخل يف األكل والشرب والنوم واملشي يف الطريق والرتهة، حىت إا لتدخل يف احلرب والسلم والقتال، ال بل يف كل عمل من األعمال، وكل عمل إذا أنت عملته وراعيت يف تطبيقه األصول اليت شرعها اهللا تعاىل على لسان رسوله الكرمي فقد

.عبدت اهللا تعاىل فيهرمي يف كل ما يبدو لك وإن أنت طبقت أوامر اهللا تعاىل وسنة رسوله الك

٢٢

من ظروف، وما يعرض لك من أعمال فأنت عبد خالص العبودية، وأنت السعيد حقا ألن أوامر اهللا تعاىل كلها تدور حول راحتك، وتتضمن ما يصل بك إىل السعادة، سعادة الدنيا واآلخرة، ومن أدرى مبا فيه سعادتك

لقك وأوجدك وأوجد أعلم مبا فيه صالحك وخريك من اهللا، الذي خ ومن وكلما ازداد املرء علما باهللا وشهودا لرأفته ورمحته، الكون كله من أجلك،

ازداد حرصا على تطبيق أوامره تعاىل وتقيدا لشرعه وبالغ طاعته وعبادته، لذلك وحبا منه تعاىل بك وحرصا عليك، أراد أن يزيدك تعاىل معرفة به

وهذا ما سنشرحه لك ) رب هذا البيت(كلمة ) دوافليعب(فقرن إىل كلمة :بعض الشرح فنقول

: رب القوم أي: هو املمد مبا يلزم لبقاء احلياة ودوامها، تقول: الربساسهم ودبر شؤوم فكان مبا يقوم به من أعمال تدور حول تأمني بقاء مصاحلهم، وما يباشره من مهمات يتوفر هلم معها دوام النماء و

.احلياة وصالح األحوال، سيدا هلم مجيعا ومربيا هلم كافةوقد أطلق الناس هذا اللفظ على من تتوفر فيه هذه النواحي جزئيا، من : حيث قيامه على شؤون جمتمع من اتمعات أو عمل من األعمال، فقالوا

رب العمل، يريدون بذلك السيد والرئيس الذي على حسن رب األسرة،إشرافه وحكيم سياسته، ووافر عنايته ودوام إمداده مبا يلزم هذا اتمع أو

.العمل لدوام البقاء ودميومة احلياة الطيبة، ويكتب له التقدم والنماء املطردإذا أنت نظرت إليها من حيث كوا امسا من أمساء ) رب(أما كلمة

٢٣

كما ترى فيها األصل اهللا تعاىل، فال ريب أنك ترى فيها الشمول، .اللغوي الذي وضع من أجله هذا اللفظ

ترى فيها املعاين وقد تبدت ال على سبيل االستعارة وااز بل على .وجه احلقيقة الذي وضعت من أجله هذه الكلمة

فالرب احلقيقي هو اهللا سبحانه، يربي اخللق كافة بدوام إمداده إياهم ا يتوقف عليه حيام ووجودهم وتقدمي ما يضمن مبا يلزمهم، وتأمني م .مناءهم املطرد وبقاءهم

فهو سبحانه مبا ميد به اخلالئق كلها، سواء كان ذلك مبا يلزم يف طعامها وشراا أو تنفسها واستنشاقها، أو تأمني اجلو املناسب والوسط

ااالت اليت الالزم هلا، أو توفري شرائط احلياة اليت ال تعيش إال ا أو .تسعى فيها لكسب رزقها هو ربها حقا

وإن شئت أن تتعمق أكثر من هذا، فانظر إىل جسومها ذاا وانظر إىل ما تؤمنه يد التربية اإلهلية لكل عضو من أعضائها يف كل طرفة وحني، وتعمق أكثر فأكثر وانظر إىل كل ذرة، ال بل إىل كل حجرية

أن هنالك يدا مشرفة متد كال مبا يلزمه من رزق، وما من حجرياا جتديتطلبه بقاؤه وما يتوقف عليه وجوده، كل ذلك ندسة عجيبة وتناسق تام واتساق محكم، حىت إذا ما توسعت يف النظر وتوغلت وجدت اإلمداد اإلهلي باحلياة ساريا يف كل ذرة من ذرات الوجود، وإذا الكون

ائم بدوام هذا اإلمداد سائر يف أعماله وفق سياسة حكيمة تلفه كله ق

٢٤

الرمحة وتضمه العناية اإلهلية، ويسري إليه اإلمداد باحلياة بصورة .متواصلة

من حيث كوا امسا من أمساء ) رب(وذلك طرف مما نفهمه من كلمة رك كل اهللا تعاىل، وليس يحصي معاين هذا اإلسم الرفيع محص ولكن يد

.حبسب ما شاهد ورأى، وليس إلسم من أمساء اهللا تعاىل حد وال انتهاءفهي تشري مبعناها املتواضع إىل املسكن، يبيت فيه ) البيت(أما كلمة

املخلوق ليال فيجد فيه الطمأنينة والسكون ويأوي إليه فيطيب نفسا مبا .فيه من راحة وأمان

الشريفة بيتا ألن النفوس املؤمنة إذا هي وقد مسى اهللا تعاىل الكعبة فأقبلت مبعيته على اهللا تعاىل، أوت إليها اجتمعت بإمامها رسول اهللا

وهنالك جتد بقرا من خالقها وإقباهلا عليه سكونا واطمئنانا، وتشعر وهي يف حضرة الرحيم الرمحن براحة وأمان، وإذا هي يف سرور وسعادة

. هذا البيت احلرامال جتدها إال يفيف اآلية الكرمية اليت حنن بصددها ال ) البيت(هذا وقد جاءت كلمة

لتشري إىل بيت اإلنسان الصغري الذي يأوي إليه مع زوجه وبنيه، وال إىل الكعبة البيت احلرام الذي جيب على اإلنسان أن يستقبله يف صالته،

لتشري إىل معىن أعم يقرره متجها منه إىل خالقه ومربيه، بل إمنا جاءت .مسرى اآليات ويؤكده جو الكالم الذي وردت فيه

٢٥

إا تشري إىل الكون كله من حيث كونه بيتا هلذا اإلنسان، أعد اهللا له ) البيت(فكلمة . فيه مجيع ما يؤمن له راحته وسائر ما يتطلبه وحيتاجه

مل الكون كله إذن، هنا وعلى حسب ترابط اآليات املتقدمة، تش .السموات وما فيها، واألرض وما عليها

وإذا . فإذا الكرة اليت حتمل هذا اإلنسان إمنا هي أرض هذا البيتوالقمر نوره وتقوميه . السماء سقفه والشمس املضيئة سراجه وضياؤه

.يبين املواقيت واحلسابه، واملناطق وإذا الكواكب مصابيحه وزينته، وإذا األار والينابيع ماؤ

القطبية مستودعات مياهه ومربداته، والبحار احمليطة خزاناته وملطفات جوه ومرطباته، وهكذا عدد ما شئت جتد الكون كله فيه مجيع ما تتطلبه

.وما يوفر هلذا النوع اإلنساين الوجود والبقاء واحلياةية هذا اإلنسان فحسب هنا ال إىل ترب) رب هذا البيت(وتشري كلمة

بل إىل تربية كل هذا الكون، من أرض ومساء ومشس وقمر وجنوم وكواكب وأجرام، من إنسان وحيوان، من مجاد ونبات، من معادن وأتربة وأشجار، إا تشري إىل البحار واألار، إىل العيون واآلبار، إىل

ليت تذهب السهول واجلبال، إىل مناطق القطبني املتجمدين وثلوجها ابالعقول لبارئها وتأخذ باألبصار إىل كل شيء تراه يف هذا الكون أو ال تراه، إا تشري إىل تربيته تعاىل كل ما يف الكون من حيث هو وحدة مؤتلفة األجزاء، ومن حيث هو بيت هلذا اإلنسان فإذا البشر مجيعا وقد

٢٦

حيتاجونه حبيام، أحاطت م تلك العناية اإلهلية، توفر هلم سائر ما مبثابة أسرة واحدة تعيش يف بيت واحد واهللا تعاىل رب هذا البيت،

واخللق كلهم «. واملشرف عليه فكل من فيه عباده ومجيعهم مفتقر إليه .»عيال اهللا وأحبهم إىل اهللا أنفعهم لعياله

وقد أراد تعاىل أن يزيدك علما بفضله عليك، ويلفت نظرك إىل مزيد .}الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف{: ك فقال تعاىلإحسانه إلي

يف بعض نواحيها إىل بعض } الذي أطعمهم من جوع{وتشري كلمة .عنايته بك من حيث تأمني طعامك

فإن أنت نظرت إىل األغذية اليت نتناوهلا من احلبوب واخلضار وفكرت يف ك من الفواكه واألمثار، رأيت من عنايته تعاىل بك العجب األطعمة اليت تأتي

.العجاب، وعظمت تلك اليد احملسنة اليت تواصل فضلها عليك دون انقطاعفانظر إىل هذه اخلضار اليت اختلفت أشكاهلا وتنوعت ألواا وتعددت منافعها وطعومها، ينبتها لك ربك يف خمتلف الفصول بصورة تتالءم مع

.تطلبه جسمك يف الربيع والصيف واخلريف والشتاءما يوانظر إىل هذه احلبوب اليت يخرجها لك ربك بكميات متناسبة مع احلاجة، ولكل خملوق رزقه، ولكل إنسان حظه منها حسب اللزوم واالحتياج، وانظر إىل هذه األمثار اليت اختلفت منتجاا، فمنها الذي

ما يعطيك سكرا، ومنها الذي تستخرج منه يعطيك زيتا ودهنا، ومنها

٢٧

شرابا حلوا، ومنها ما تتفكه به تفكها، ترى من الذي ذرأ لك يف األرض بذورها، وخصص لكل نوع من هذه البذور مبا خصصه به من

.صفات، وجعل له ما جعل من ألوان وأشكال وخصائص ومنافع؟ .هل فكرت يف هذا وهل نظرت فيه؟

حاولت أن تعدد أنواع ما خلقه اهللا تعاىل لك من نباتات، حىت إذا ما هلوجدت نفسك عاجزة أن حتدها حبد أو حتصيها بعد رجعت من هذا

على أن عنايته تعاىل بك . وبنفسك تقدير لعنايته تعاىل بك وواسع فضله عليكهذه من حيث تأمينه طعامك من النباتات ال تقتصر على أن أوجد لك

تشري إىل } الذي أطعمهم{األنواع، وذرأ بذورها يف األرض، بل إن كلمة . مجيع العوامل اليت تساعدها على منو هذه النباتات وخروجها من األرض

فالنباتات حتتاج يف خروجها ومنوها إىل عوامل عديدة يضيق عنها :فنقولاحلصر، ونعدد منها على سبيل التذكري ما نعدد

أتظن أن النباتات تظهر إىل عامل الوجود وتستيقظ أجنتها من البذور لوال تلك األمطار والثلوج يتناوب هطوهلا على األرض حينا بعد حني،

.حاملة يف طياا ما حتمل من املواد املليئة بالغذاء واخلريات؟ لو وهل تظن أن املاء النازل من السماء يكفي وحده خلروج النباتات،

مل يعقب األيام املاطرة صحو ودفء، ولو مل تساند األمطار والثلوج حرارة الشمس وما ينبعث عنها من اشعاعات ختترق ذرات التراب،

.وتنفذ إىل مواضع البذور فتبعث فيها احلياة؟

٢٨

وهل حتسب أن األمطار والثلوج الغزيرة مع ما يتلومها من إشعاع ات لوال اهلواء يتخلل ذرات التراب، وحرارة يكفيان يف خروج النبات

فيساعد األحياء الصغرية اليت تعمل يف عامل اجلذر على القيام بوظائفها، كما يحيط بالساق واألوراق فيقدم هلا يف اجلو احمليط ا ما يقدم من

وهل تعلم أن ضياء النهار الذي ال ميكن أن ينبت النبات بدونه . مواد؟وأنه ال بد للنباتات من الظالم والضياء يتعاقبان يف ليل ال يكفي وحده،

.وار كما ال بد له من احلرارة والربودة يتناوبان على الدوام؟. فمن الذي أوجد هذه العوامل كلها تعمل متضافرة بنظام عجيب؟

ومن الذي جعلها يساند بعضها بعضا يف إطار دقيق ووفق نظام محكم .من سنن وقوانني؟

وأية يد عظمى متتد إىل كل شيء، ومتد كل شيء يف هذا املصنع الكبري .واملعمل العظيم، فتجعله يقدم لك ما يقدم على أكمل وضع وبأمت تنظيم؟

.من الذي جعل يف الشمس ما جعل من أشعة وحرارة؟من الذي ميد تلك الكتلة العظيمة اهلائلة مبا ميدها به فإذا هي دائمة

.توقد دائبة اإلشعاع؟المن الذي أوجد يف هذا اهلواء ما أوجد من غازات، لو مل تكن

.مشحونة فيه ملا نبت النبات وملا عاش؟من الذي جعل يف األرض هذه التربة وقد حوت خمتلف األمالح والعدد

٢٩

.العديد من املواد، اليت ختتلف تركيبا باختالف ما ينجب فيها من نبات؟يف التربة من أحياء صغرية خمتلفة األنواع متعددة من الذي خلق

الوظائف واألشكال، حىت أن احلفنة الصغرية من التراب لتحتوي على ماليني املاليني من هذه املخلوقات اليت يسموا باجلراثيم النافعة، تعمل كلها يف الوسط احمليط جبذر النبات فتؤمن له املواد املالئمة املناسبة،

.ها يف حال قابل للتمثل واالمتصاص؟فتجعلمن الذي يرسل الرياح بشرا بني يدي رمحته تقل السحاب املشحون

.باخلريات؟من الذي يؤلف بني السحاب املسخر بني السماء واألرض فيجعله

خيرج من خالله، فإذا أصاب به من يشاء من ) املطر(ركاما فترى الودق .ن، وإن كانوا من قبل أن يرتل عليهم ملبلسني؟عباده إذا هم يستبشرو

من الذي يسوق الرياح اخلفيفة تلقح األزهار، ويبعث الفراشات واحلشرات تسعى بني النباتات متنقلة يف وظائفها، اليت يطول بنا الشرح

.لو أردنا أن نفصل فيها، قائمة مبا تقوم به من مهمات وأعمال؟نحل أن تطوف على األشجار تأكل من كل من الذي يوحي إىل ال

.الثمرات، فتساعد على انعقاد األزهار وحتوهلا إىل أمثار؟من الذي يرسل الطيور املختلفة األنواع املتعددة الوظائف تسعى يف احلقول بني الزروع، وتنتقل إىل أغصان األشجار وتنبش التربة ملتقطة ما

٣٠

ا، وانقضى عملها فتذهب ا فيها من ديدان وحشرات انتهت وظيفته .إىل حيث الفناء؟

من الذي يزرع هذه احلبة والنواة فيفلقها ويكشف عنها ما يحيط ا من قشر قوي صلب، مث خيلق هلا جذيرا يتفرع ممتدا يف األرض باحثا عن الغذاء، وجيعل هلا سويقا يشق لنفسه الطريق يف اهلواء، مث ينشئ هلا

راق فإذا هي بعد حني نبتة كاملة، أو شجرة باسقة تدر الرباعم واألو .عليك ما تدر من خريات؟

الذي {: ذلك كله طرف مما انطوت عليه اآلية الكرمية يف قوله تعاىل .}أطعمهم من جوع

فانظر إىل اجلو يف تبدالته وتناوب احلرارة والربودة عليه، وانظر إىل .سخر بني السماء واألرضتصريف الرياح والسحاب امل

وانظر إىل الليل والنهار يف تعاقبهما واختالفهما، وانظر إىل الشمس . والقمر فيما ينبعث عنهما، وإىل احلشرات والنحالت يف سعيها وطوافها

.وإىل اجلراثيم تعمل يف خفايا التراب.. وإىل الطيور يف هجرا وتنقلها، ترى أن هنالك يدا خفية تعمل من انظر يف ذلك كله مفكرا متعمقا

أجلك، وتفقه طرفا من معىن هذه اآلية الكرمية اليت حنن بصددها من .حيث إمداده تعاىل إياك مبا ميدك به من أغذية متنوعة من النباتات

وإن شئت أن تتوسع يف معىن هذه اآلية الكرمية أكثر فأكثر، فانظر

٣١

. احليواناتإىل ما يؤمنه لك تعاىل من غذاء منانظر إىل األنعام يسقيك اهللا مما يف بطوا من بني فرث ودم لبنا

.خالصا سائغا للشاربنيانظر إىل ما جعله اهللا تعاىل لك يف لبنها من زبدة ومسن وجنب وما

.تعطيك من حلم ودهنانظر إىل الدجاج ذلك املصنع العجيب ينتج لك البيض وفيه من

.نصيبعناصر التغذية أكرب .انظر إىل البحر وما فيه من حلم طري خمتلف األنواع

انظر إىل العسل جيمعه لك النحل من خمتلف األزهار والثمرات، كل ذلك إذا أنت نظرت فيه وجدت للفكر مراتع خصيبة وميادين واسعة

.وجماالت عديدةولك يف هذه اآلية الكرمية جماالت أخرى، وقد سهرت عليك العناية

.تطعمك من جوع وأنت صغري ضعيفاإلهلية ولك فيها جمال أوسع يوم خرجت من بطن أمك وأنت طفل رضيع،

.ولك فيها جمال أوسع وأوسع وأنت يف بطن أمك جننيوما مجيع ذلك إال طرف يسري مما تشري إليه هذه اآلية الكرمية يف قوله

.}الذي أطعمهم{: تعاىلكلمة مبا يتسع له اال، فلننتقل إىل الشطر أما وقد فصلنا يف هذه ال

٣٢

الذي {بآية ، }من جوع{: الثاين من هذه اآلية الكرمية وهو كلمة: اليت توحي لنا بنعمتني من نعمه تعاىل علينا ومها، }أطعمهم من جوع .اجلوع واإلطعام

حتار فتصور أنك أمام مائدة: وإذا أردت أن تلم بطرف من املعىناألعني مبا عليها من ألوان الطعام من خضار عديدة وحلوم منوعة وفواكه خمتلفة وأمثار، وأن هذه األطعمة قد طهيت وحضرت على أكمل وجه وأحسن ترتيب ونظام فما هي يا ترى فائدة املدعو إليها إذا كان امرءا

الطعام وامليل إليه مريضا عليال أدنفه املرض، وحالت بينه وبني الرغبة يفالعلة، فإذا به ال ينعم مبا يشم من هذا الطعام من رائحة، فضال عما جيده جتاهه من امشئزاز وكراهية، وإذا به ال جيد يف معاينته له شيئا من ميل أو

:شهوة، كما ال يستطيع بسبب أمله أن جيد لطعمه أدىن لذة، أقوليف اإلنسان لكان هذا حاله جتاه ما لوال اجلوع الذي خيلقه اهللا تعاىل

خلق له اهللا تعاىل من أطعمة، وما وضعه بني يديه من فواكه وأمثار، لكن من متام النعمة والفضل اإلهلي أن جعل فينا امليل والرغبة وخلق لنا الشهوة، والشعور واللذة، فإذا حنن يف تناولنا ما نتناول من أطعمة نذوق

ذ إىل جانب ما ننعم به من رائحة ذكية منها ما نذوق، من طعم لذي .ومنظر شهي وتغذية

إمنا تشري يف بعض نواحيها إىل ذلك الفضل ) من جوع(وهكذا فكلمة اإلهلي الذي تفضل اهللا تعاىل به على اإلنسان، إذ جعله بسبب هذا اجلوع ينعم

٣٣

.ذاقويتذوق ويشعر بلذة األطعمة وما خلق اهللا تعاىل فيها من طيب املوقد وردت يف هذه اآلية الكرمية ) من جوع(ومما ينطوي حتت كلمة

ذلك التنظيم اإلهلي الذي نظمه تعاىل هلذا اإلنسان، إذ جعل فيه من األعضاء واألجهزة، ومن الغدد ذات اإلفرازات املختلفة ما يهضم األطعمة

حتراق، فإذا اجلسم ويحوهلا إىل مادة سهلة االمتصاص، ممكنة التمثل أو االبعد حني، وبسبب هذا العمل الدائب واجلهد املستمر يتطلب ما يتطلب من طعام يعبر عنه اجلوع الذي يشعر به اإلنسان، فمن املشرف يا ترى على

ومن املنظم هلذه . هذه األجهزة املختلفة اليت تعمل يف جسم هذا اإلنسان؟ . دقيقة حسب اللزوم واالحتياج؟الغدد تفرز ما تفرز وفق معايري

ومن القائم على هذا اجلسم يشرف عليه يف قيام كل عضو من أعضائه مبا خصص له من أعمال، فإذا اجلسم كله وحدة مترابطة، وإذا

.هو بني احلني واحلني يشعرك بسبب اجلوع ما يتطلبه من أغذية؟دير أجهزا وأعضاءها بتلك من املشرف على هذه األجسام كلها ي

الدقة الفائقة، فإذا هي بآن واحد تعمل سائرة بذلك النظام الدقيق، وإذا هي تشعر صاحبها بسبب اجلوع مبا يتطلبه من غذاء ووقود، وقد بلغت

.يف عددها ال بل فاقت مليارات املليارات وماليني املالينيجهاز ما هذه اليد اليت تطعم من جوع كل عضو من أعضائك وكل

من أجهزتك، ال بل كل حجرية من حجريات جسمك، وكل كرية

٣٤

تقدم لكل ما يتطلبه وبقدر احلاجة، فإذا كل ما يف جسمك من أجهزة وأعضاء، وإذا كل ما فيه من حجريات وكريات، يأتيه حقه وينال رزقه

.حسب اللزوم واالحتياج؟د لنا من أعضاء فكما أن اهللا تعاىل خلق فينا اجلوع مبا أوج: إذن

وأجهزة وخلق لنا من العصارات واألنظمة فتهضم أعضاؤنا الطعام وتذهب بفضالته، بعدها ينبعث اجلوع فهو إىل جانب ذلك يطعمنا فيمدنا مبا حنتاجه من فواكه وأمثار، وخيلق لنا ما خيلقه من نعيم وخريات،

وذا نتمتع مبا إذ بعد انبعاث اجلوع فينا تتجدد الشهوة للطعام جمددا .أعد اهللا لنا من النعيم واإلكرام

وإذا كان هذا إشرافه تعاىل على كل جهاز من أجهزة جسومنا : أقولوكل عضو من أعضائه، ال بل كل ذرة من الذرات، فهل يعقل وهل يتصور أن يكون هذا اإلشراف تاما كامال على األجسام فتعمل أجهزا

ائفها وفق ذلك النظام، وأال يكون حتضري األرزاق هلذا النوع الداخلية يف وظ .اإلنساين ال بل هلذه اخلالئق كلها متناسبا مع اللزوم وبقدر احلاجة؟

هل من املعقول أن يحيط تعاىل علما جبميع ما يف جسمك من أجهزة وأعضاء وحجريات وكريات فريى سريها وأعماهلا وميدها مجيعها

أوال يهيء لك ما حتتاجه من رزق وما تتطلبه من . اك أنت؟برزقها وينسأتظن أن الزروع تنبت، واألشجار تثمر، واألغنام . طعام وغذاء؟

واألبقار تتوالد ومصانع الرزق تعمل وتنتج يف هذا الكون جزافا وبغري

٣٥

.حساب، وأن اإلنتاج جيري بغري نظام وقانون؟يت ذلك النظام البديع القائم وإذا نظرت أنت يف جسمك نظرة ورأ

عليه، وعلمت أن التوزيع فيه جيري بنظام دقيق فال بد أنك ترى من بعد نظرتك هذه أن اليد املشرفة على هذا الكون عليمة بكل إنسان وخملوق، وهي يء لكل فرد رزقه، وتؤمن له حاجته، فال تنسى خملوقا وال تغفل

قال . كل خملوق وترتل لكل خملوق رزقهعن إنسان، فهي تطعم من جوع .)١(]وإن من شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر معلوم: [تعاىل

تضم يف طياا معان عدة فهي تشري إىل ما ) من جوع(وهكذا فكلمة ، وإىل ما يقوم عليه جسمه أوجده اهللا تعاىل يف هذا اإلنسان من ذوق ولذة

من تنظيم وما جيري فيه من عمليات هضم وامتصاص وتوزيع، وأن كل ذلك جيري بإحكام ودقة، كما تشري إىل طرف آخر، إىل أن تلك اإلرادة

.اإلهلية العليا إمنا تقدم األرزاق للمخلوقات حسب اللزوم وبقدر احلاجةبني أجزائه من إيالف، فإن أنت نظرت إىل هذا الكون ورأيت ما

وإن أنت نظرت إىل هذه األرض وهي تنتقل بك يف هذا الفضاء العظيم .تتم رحلتها يف أوقاا املعينة، وال تتجاوز املدة احملدودة

وإن أنت دققت يف ذلك النظام الذي يتم مبوجبه حتضري األغذية، وما

).٢١(اآلية : سورة احلجر)١(

٣٦

طار دقيق يشترك يف ذلك من عوامل خمتلفة، وإن كل ذلك يعمل يف إ .من قوانني ثابتة

وإن أنت رأيت أن هذه األغذية اليت نتناوهلا جيري توزيعها لكل ناحية :أقول. وذرة من جسومنا حسب اللزوم واحلاجة

إن أنت نظرت إىل هذا كله وفكرت فيه، وذلك ما أرادت هذه أمنت على نفسك من انقطاع " السورة الكرمية أن تلفت نظرك إليه

وعلمت . }وآمنهم من خوف {:وأدركت طرفا من قوله تعاىل" قالرزأن تلك اإلرادة اإلهلية ما كانت لتتفضل عليك ذا الفضل مث تنساك

تعرفنا بذلك ، }وآمنهم من خوف{وكلمة . وتغفل عن إمدادك بالرزقة اليت يتم ا النظام الذي رتبه تعاىل هلذا الوجود، وبتلك السنن الثابت

.خلق األغذية واألطعمة الالزمةهذه األرض الدائبة احلركة، هذه الفصول املتجددة منذ بدء اخلليقة، هذه األمطار التابعة يف نزوهلا لكثري من القوانني اجلوية، وهذه اجلراثيم النافعة اليت

ال خنشى تعمل على منو األغذية، كل ذلك جيعلنا نطمئن إىل تدبري اهللا، فوال خناف فقدان األغذية، ونعلم أن الذي خلق هذا الكون جعل له نظاما

.ثابتا مطردا، يتأمن به غذاؤنا وال خنشى معه اخلوف على الرزقفاطمئن قلبا مبا خلق اهللا تعاىل لك من نظام يتأمن معه لك الطعام

، فما نسيك وأنت والغذاء، وال ختش أن ينساك ربك يف يوم من األياميف بطن أمك جنينا كما مل ينسك يوم خروجك إىل الدنيا طفال رضيعا،

٣٧

لكنها العناية اإلهلية اليت ترعاك وحتوطك وال تغفل عنك طرفة عني، تقبض عنك حينا وتبسط حينا حبا بك وعطفا عليك، تعاملك كما

عنه الطعام أحيانا وحيميه يعامل الطبيب الناصح مريضا عزيزا عليه، مينع ال قسوة وال ضنا، لكنها املصلحة وحسن الرعاية ومجيل العناية تدعو

.الطبيب املخلص أن يعامل بتلك املعاملةفما بالك مبن خلقك وأوجد الكون من أجلك، وعين بك تلك

نفسكم وفي األرض آيات للموقنني، وفي أ: [العناية الفائقة، قال تعاىلأفال تبصرون، وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء

.)١(]واألرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون

).٢٣-٢٠: (اآلية: سورة الذاريات )١(