مراجعة لكتاب

"حنو منهج أصويل"قضااي التجديد حسن الرتايب: للدكتور

عودة عبد عودة عبد هللا. د

(5002 – بريوت_ جملة املنهاج )

"نحو منهج أصولي: "قضايا التجديد

1

للدكتور حسن الرتايب (م1119/هـ1111معهد البحوث والدراسات االجتماعية، : اخلرطوم، السودان)

:مدخل

الشك أن إبراز النتاج الفكري للدكتور حسن الرتايب هو أمر يف غاية األمهية، فالرتايب ورمبا متيز الرتايب عن غريه من املفكرين أبنه . مفكر إسالمي يشهد له بذلك أنصاره وخمالفوه

وإن كان اخنراطه يف السياسة لفرتة طويلة قد صرف أنظار . كان رجل فكر ورجل سياسةالبعض عن إسهاماته الفكرية إال أن ذلك ال ينقص من قدر هذه اإلسهامات، ألهنا تعد

.إضافة ثرية للفكر اإلسالمي، ومنهجا متميزا، ودعوة جريئة يف ميدان التجديد اإلسالميولسنا هنا بصدد تقومي هذا الرجل سياسيا، أو عرض جتربته السياسية، وما حققته من

يف «قضااي التجديد»ولكننا نريد أن نقف مع كتابه القيم . وما آلت إليهجناح أو قصور، حماولة ملعاينة جوانب اإلبداع اليت ضمنها الرتايب هذا الكتاب، وللوقوف على نظرته الثاقبة يف إ عادة صياغة فكر إسالمي جديد يوائم حياة املسلمني مع توجيهات الدين ومقتضياته ألن

يف هذا الكتاب يعد ثورة فكرية جتديدية حقيقية يف سياق التحوالت ما قدمه الرتايب لنا .الثقافية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية اليت صاغتها الظروف العامة للحياة العصرية

:مقدمة الكتابالبد من «حنو منهج أصويل: قضااي التجديد»قبل أن نتحدث عن كتاب الرتايب

دمحم احلامدي ودمحم امليساوي، واليت أشادا : رائعة اليت خطها األستاذاناإلشارة إىل املقدمة الجمرد الدعوة "فيها ابلدور الرايدي للدكتور حسن الرتايب يف ميدان التجديد، والذي جتاوز فيه

إىل النظر يف تراثنا األصويل، كما جتاوز التناول اجلزئي لبعض مفاهيم علم األصول وقضاايه، .1"اغة نظرية متكاملة للتدينمتوفرا على صي

وذلك ألننا نعيش يف ظروف معقدة مل تعد جمرد إعادة الثقة ابلدين واإلقناع جبدواه يف احلياة أمرا كافيا، فذلك هو أقل املطلوب، أما اآلن فاملطلوب من حركة الفكر اإلسالمي كما

معهـــــد البحـــــوث والدراســـــات االجتماعيـــــة، : اخلرطـــــوم)، "حناااااو مااااانهج أصاااااويل": قضاااااااي التجدياااااد: الـــــرتايب، حســـــن 1 .11، ص(م1119/هـ1111

2

مستوى أعمق على صعيد بلورة أن تراتد ابملسلمني أفقا أرحب و : "يذكر احلامدي وامليساوي .2"املشروع اإلسالمي وفق رؤية أصولية شاملة

ويشري األستاذان إىل أن دعوة التجديد اليت محل الرتايب لوائها يف السبعينات توشك .اآلن أن تتحول إىل تيار دافق يتوزع رموزه بني أقطار عربية خمتلفة

القضااي األساسية يف الكتاب

دينا عبـــارة عـــن جمموعـــة مـــن الرســـائل واؤاضـــرات كتبهـــا امل لـــف أو الكتـــاب الـــذي بـــني أيـــوقـد جـاه هـذا الكتـاب يف فسـة فصـول تتنـاول ويعهـا موضـوع –ألقاها يف مناسـبات خمتلفـة

التجديد وقضاايه من زوااي خمتلفـة، ولكنهـا تصـب يف نفـجت االجتـاه وتعـزز نفـجت الفكـرة، وهـذه :الفصول هي

الدين والتجديد .1 لتجديدمشكالت ا .2 جتديد الفكر اإلسالمي .3 جتديد أصول الفقه .1 منهجية التشريع اإلسالمي .5

حنو منهج أصويل: قضااي التجديد

ي سـجت الــرتايب دعوتـه إىل التجديــد علــى الواقـع الــراهن، ذلــك أنل حاجتنـا إىل التجديــد إ ــا يــد والــرتاث تنبــع مــن واقــع ضــعفنا وهيمنــة احلضــارة النربيــة، مــع أننــا حنــن أصــحاب املاضــي اج

.العريقوهــذه احلاجــة إىل التجديــد ليســت ترفــا فكــراي أو بدعــة قوتــة، وإ ــا هــي بعــة مــن أصــل

توحيــد بــني شــسن اإلنســان يف الــدنيا وشــسنه يف اآلخــرة، "فالــدين كمــا يعرفــه الــرتايب . هــذا الــدين .3"بني الثابت املطلق والنسيب املتحول

.٨املرجع السابق، ص 2 .33املرجع السابق، ص 3

3

واقعـا يف اإلطـار الظـريف، -إلنسـان كسـب منـهمن حيـ هـو خطـاب ل-وما دام الدين فـــال بـــدل أن يعرتيـــه شـــيه مـــن أحـــوال احلركـــة الكونيـــة، ولكنـــه مـــن حيـــ هـــو صـــلة اب متعلـــق

قـائم علـى "فهـو ذـذا وذا . ابألزل املطلق الثابت، إ ا يقوم على أصول وسـنن ببتـة ال تتبـدل .4"الثابــت، ورد الفعــل الزمــامل إىل املقصــد الالهنــائيرد الشــسن الظــريف املتحــول إىل حمــور احلــق

. ومعىن ذلك أنه يلزم منه حركة تصحح وجهته لئال ينحرف عن سنة هللا الواجبة

ويعزز لنا ذلك . وهكذا يرى الرتايب أنل الدين يدور بني الثابت املطلق والنسيب املتحول : أبمثلة واضحة ال يادل فيها مــا يف الــوحي مــن أخبــار النيــب، فهــذه ببتــة يف كــل الرســاالت ويف فمــن الثابــت مــثال

ولكن يف املقابل هنا املتنـري، كالشـرائع الفرعيـة . كل األزمان وإن اختلفت صورة التعبري عنهااملتصــلة أبحــوال الوجــود الــزم، املتحــر ، وهنــا تنــدوا احلركــة جــائزة يف شــرع هللا، ليوافــق ظــروف

. ا عن حق هللاقدر هللا، ويبقى معب وعلــى ذلــك يــرى الــرتايب التجديــد شــري ألصــالة التــدين واســتمراره، وهــو بــذلك شــري للتوحيـــد يف الـــدين، فـــدذا مل تتجـــدد العبـــادة حـــاال مـــن الـــزمن بعـــد حـــال، انقطـــع اتصـــا ا بثنـــرة

ينطــوي "ألن التجديـد . زمنيـة، وإذا مل تتحقـق يف التـاريي جــيال بعـد جيـل، احنجـب عنهــا جيـلذلـك أنـه يثبـت قـدرة اإلنسـان -أخـص خصـائص البشـر–على إثبات البعد الروحي لإلنسـان

علـــى جتـــاوز ظـــروف التـــاريي الـــذي يتجـــه بعاقبـــه وكثافتـــه إىل أن جـــب اإلنســـان عـــن أصـــول .5"الوحي والشرع األول

ويقـرر الـرتايب حاجتنـا إىل التجديـد انطالقـا مـن حيويـة أحكـام الشـريعة وعـدم وودهــا،. حـــت تتـــيح لنـــا الفهـــم واالســـتيعاب ووضـــوح الرؤيـــة ضـــمن معطيـــات الـــزمن الـــذي نعـــيش فيـــه

وهــــذه . فالشــــريعة تنـــــزللت أحكامــــا حيلــــة علــــى واقــــع متحــــر ، موصــــولة ابملقاصــــد املتبنــــاة منــــهاألحكــام قــد تكــون مرتبطــة أبمــور ببتــة ال تتحــول، ولكنهــا يف املقابــل قــد تنــاي بقاعــدة ظرفيــة

تنــري معهــا األحكــام، ألهنــا وردت أصـــال بصــورة متســعة تتــيح متثرلهــا يف الواقــع بصـــور متنــرية فتبـــل قـــد جتـــيه األحكـــام أحيـــا صـــبة للمـــ منني "شـــت حســـب مـــا تتطلبـــه الظـــروف اخلاصـــة،

.14املرجع السابق، ص 4 .55املرجع السابق، ص 5

4

مقصــدا واجبــا اتركــة ــم وســائل قيقــه عفـــوا حســبما يتهيــس ــم يف كــل زمــان، وجتــيه املعـــامل إميــان كلــي اتركــة ــم تفصــيالته وهويالتــه ووجــه التجــادل فيــه أو التفاعــل بــه هاديــة إىل موقــف

.6"حسبما يقتضي االبتاله الظريف املعنيل الرتايب لـذلك ابإلحالـة علـى النمـوذج الشـرعي األول بتوجهاتـه وسـننه العمليـة، وي ص

عتـــب مـــن إدرا فقـــه يشـــكل بنـــاه عضـــواي حيـــا ميكـــن املســـتقر وامل -مـــن وجهـــة نظـــره–فدنـــه االعتقاد والعمـل يف الشـريعة، ومـن ترتيـب عالقاأـا وأولوايأـا املتكاملـة، ومـن تركيـب مـا يـتالزم فيها من مظاهر األوضاع واألفعـال وابطـن النيـات ومـا يتقابـل مـع صـاظ الـواعو الـدي، وفاسـد

وعلـل، أو بـني مـا هـو الواقع االجتماعي، ومن التمييز بينما هو وسائل وذرائع وما هو مقاصد .7هوامش وبنوايت وما هو أركان وأصول

وحـــرين بنـــا أن نشـــري إىل حضـــور مفهـــوم التوحيـــد لـــدى الـــدكتور حســـن الـــرتايب يف كـــل القضـــااي الـــيت يعاجلهـــا، حـــت إنـــه ال يتنـــاول شـــس مـــن شـــ ون الفكـــر واحليـــاة إال وهـــذا املفهـــوم

.حاضر لديه بكل قوة ووضوحرحه لقضـية التجديـد الـدي، علـى أن الـدين حركـة توحيـد بـني التعلـق ويركز الرتايب يف ط

فالتوحيد . اإلميامل ابألزل، والتعلق العملي ابلظروف، بني اإلنسانية والبشرية، بني الروح واملادةمفتاح احلياة الدينيـة، وهـو مـن مفتـاح العلـم الـدي،، فـال بـد مـن جتلـي املبـدأ "عند الرتايب هو املختصــة بكــل علـــم، ةحــدة مــنهج العلــوم قاطبــة، يف وحــدة عناصــر املنهجيــالتوحيــدي يف و

وكمـــا كـــان الشـــر نقـــيض التوحيـــد فـــدن اـــات املـــنهج العلمـــي اإلشـــراكي تتميـــز عـــن املـــنهج اإلسـالمي التوحيـدي بتجزئتهـا للحــق واحلقيقـة، وغلوهـا يف اعتبــار أو اعتبـار مقابـل، وتناقضــها

.8"ارخييوانقطاع نسقها النظري والتولعــلل الــرتايب كــان صـــاحب فكــر بقــب حــني تنـــاول التجديــد بصــورته العامــة، وجتـــاوز مرحلة احلدي عن جزئيات األحكام وفرادى النصوص، إىل مرحلة هصيل جديد على صـعيد

. نسق الدين ونظامه املتكامل

.42السابق، ص املرجع 6 .43املرجع السابق، ص: انظر 7 .251املرجع السابق، ص 8

5

فية األوىل ينتقـل الــرتايب للحــدي عــن الســلفية والتجديـد، وجنــد أنــه يقــارن بــني الســلرجـال فـروع، وبـني مـن يتسـملون ابلسـلفية اآلن، االيت كان أصحاذا رجال أصول أكثر ا كانو

والذين يرون الدين متمثال يف اتريي املتدينني، ويتعصـبون ـذا التـاريي، ويقلـدون السـلف ال يف ثقافـة صـاغها ويصـف هـ اله أبهنـم أهـل . مقاصدهم ومسالكهم، بـل يف حرفيـة أفعـا م وأقـوا م

.االننالق على القدمي، وال يعلمون كثريا عن الواقع احلاضر الذي يراد أن يقام فيه الدينوأ مع الرتايب يف أنل ما يقوم به ه اله إ ـا هـو نسـن نيـة، ولكنـه لصسـف تصـرف قـد

د الكثري من العراقيـل يف طريقـه ميـة لـو ذلـك أن بعـض الصـور القد. ال خيدم الدين بقدر ما يوجــدث مــن النتــائج مــا يــايف مقاصــد الشــريعة وينــاقض ســائر مت إقحامهــا يف واقــع خمتلــف، رمبــا

.أحكامهاعلينــــا إذا أن نعــــي تصــــرفات الســــابقني وفــــق مقاصــــدها والنــــرض الــــيت حرصــــت علــــى

ألن ذلــــك قــــد يكــــون ســــببا يف بعــــد عــــن روح الــــنص . قيقــــه، أكثــــر ــــا ننظــــر يف حرفيتهــــاومهمـا كـان اتريـي الســلف : "بـارة الـرتايب يف ذلـك هـي يف غايـة اجلمـال، إذ يقـولوع. ومقصـده

ذلــك أن . الصــاظ امتــدادا ألصــول الشــرع فدنــه ينبنــي أال يــوقلر ابنفعــال جــب تلــك األصــولالتقاليـد كلمـا تباعــدت طبقـات توارثهـا تــواردت عليهـا املــدخالت الظرفيـة الـيت تباعــد مـا بينهــا

.9"وىلوبني املصادر األوال يقـوللن قائـل أبنل الـرتايب يريـد بـذلك أن يهـدم تـراث األمـة ، وأن يلنـي فهـم الســلف ألصول الدين، ألن هذا ال يفهم من كالمه وال ميكن أن يقصده مثله، وإ ـا يريـد أن يفـرق لنـا

أصول الدين بني أصول الشرع وتصرفات السابقني املرتتبة على هذه األصول، وأن مييز لنا بني . وبني أصول التفقه يف الدين ومناهج تنـزيله على الواقع( نصوص القرآن والسنة)

فمـــا الضـــري مـــثال لـــو غـــري يف بعـــض معـــايري علـــم أصـــول الفقـــه ومبـــا يتفـــق مـــع مقاصـــد علما أبن الشافعي نفسه وهـو أول مـن كتـب يف . الشريعة وال يتناىف مع نصوص القرآن والسنة

فهـل نتعامـل بعـد ذلـك مـع أصـول الفقـه . يعلم بـذلك أنـه ي سـجت لعلـم جديـد األصول مل يكن كما نتعامل مع نصوص القرآن والسنة؟

.33ق، صالساب املرجع 9

6

ينتقــل الــرتايب إىل احلــدي عــن القــوة والضــعف يف الــدين، ولعلــي ال اتفــق معــه حــني : يقول. بني القوة والضعف نسب الظرف الذي مير فيه حجعل الدين يرتاو

ين أحوال القولة والضـعف، بقـدر مـا ميـد النبـات واحليـوان عالقـات حنـو وتطرأ على الد" .10"بيئة األرض والسماه الدنيا ليتنذى ويشتد عوده

فـــدذا كـــان النبـــات واحليـــوان تـــاج إىل غـــذاه حـــت يشـــتدل عـــوده ويقـــوى فلـــيجت الـــدين ين ضــعيف، بــل كــذلك، ألن الــدين قــوين مبصــدره، فــنحن لســنا ناجــة إىل التجديــد ألن الــد

فالدين إذا قوي، ولكـن مـن ملـون هـذا الـدين هـم الضـعفاه، لـذلك حنـن . ألننا حنن الضعفاهناجـــة إىل نظـــرة جتديديـــة يف الـــدين مبـــا يتناســـب وظـــروف العصـــر، حـــت نفهمـــه ونعيـــه جيـــدا

. وندر أبعاده ومقاصده، لنتجاوز بذلك ضعفنا، ونستمدل منه قوتنا

يد أعمق من جمرلد التنقيـب يف املـوروث الفقهـي عـن فتـاوى تناسـب ونظرة الرتايب للتجدألننـا إذا كنـا نريـد بعثـا . الطار احلدي ، أو استحداث فتاوى متطورة يف شـسن فرعـي أو آخـر

شــامال يف فحــواه، فــال بــدل أن يكــون التجديــد أصــوليا، وال بــد أن يكــون ذلــك مــن خــالل بنــاه نباطا مــن القـرآن والسـنة، واعتبـارا ابلـرتاث، واسـتعانة ابلعلــم مـنهج أصـويل جديـد لالجتهـاد اسـت

.11والتجربة املعاصرة، لتنطية حاجات الفتاوى يف قطاعات جليلة من احلياةفليجت التجديد إذا جتاوزا للدين وال خروجـا عليـه، ولكنـه اسـتجابة حلاجـات التـدين يف

ة كثرية ـذه الظـاهرة، ويضـرب الـرتايب لنـا ويف تراثنا الفكري أمثل. عصر متجدد وظروف حادثة : مثال حلالة تقادم سببها جتدد التحدايت، وهو مثل متعلق ابلشر

فقدميا كان الفكر العقـدي، إمـا كالمـا موجهـا إىل عـالج القضـااي الكالميـة الـيت أبرهـا ضـــد الشـــر دخــول املنطـــق والنـــزو الفكــري ا يليـــ، علـــى املســلمني، أو فكـــرا توحيـــداي موجهــا

تمثــل يف النــذر لنــري هللا، أو االســتعانة بنــريه، أو الطــواف بــوثن الشــعائري، وهــو الشــر الــذي يولكـن حــال الزمـان وأصـبح اليــوم يانبهـا شـر جديـد هــو الشـر السياسـي، وهــو . وغـري ذلـك

أن يتخـذ النـاآ آ ـة مـن دون هللا يتحـاكمون إليهـا ويتخـذوهنا مصـدرا للتشـريع وأهـال للطاعــة، اجلديــد لــيجت يف الفكــر اإلســالمي العقــدي القــدمي كثــري وهــذا الشــر . ومصــدرا لوضــع القــوانني

.195املرجع السابق، ص 10 .119املرجع السابق، ص: انظر 11

7

وكـــان ال بـــد أن . ولـــذلك انـــبت لــــه أقـــالم مفكـــرين أمثـــال املـــودودي وســـيد قطـــب. عـــالج لـــه .يتوجه إليه فكر عقدي جديد

ومـنهم . وقدميا بع هللا األنبياه ليقرروا معىن التوحيد وليحـاربوا الشـر يف صـور أخـرىي كانت قضية التوحيد عنده مرتبطة ابالقتصاد، وموسى عليه السـالم شعيب عليه السالم الذ

الذي كانت قضية التوحيد عنده مرتبطة ابلسياسـة مـن جانـب يف وجـه فرعـون وابالقتصـاد مـن فكــــا عليهمــــا الســــالم ميــــثالن وجهــــني مــــن وجــــوه التصــــدي للشــــر . جانـــب يف وجــــه قــــارون .السياسي واالقتصادي

ليعــاو ويابــه نــوع "الفكــر العقائــدي كمــا يقــول الــرتايب ولــذلك ال بــد مــن أن يتجــدداملرض اإلشراكي وعلل التوحيد اليت يطرحها الواقع احلاضـر، وال بـد أن نتجـه ـذه العلـل بوجـه جديد يف كل عصر ويف كل زمـان ومكـان، فنعبـد هللا سـبحانه وتعـاىل ونكيـف تلـك العبـادة مبـا

.12"يكافئ حاجات ذلك الزمان واملكانألنـه لـيجت منطقيـا أبي حـال . وهذا الذي ذكره الرتايب كمـا يبـدو يل هـو عـني الصـواب

ــــور، والتوســــل ابألنبيــــاه أن يبقــــى فكــــر العقائــــدي منصــــبا علــــى احلــــدي عــــن التمســــح ابلقبولــيجت منطقيــا كــذلك أن نبقــى جنــادل يف . والصــاحلني، وحنشــر أنفســنا يف هــذه الزاويــة الضــيقة

ؤ قد صوروا بالد املسلمني شبا شبا، ويراقبون فيهـا كـل صـنرية وكبـرية، حكم التصوير، وأعدا ما هو حكم التصوير؟ : وبعضنا ما زال يسسل

.حنن حنرتم كل إسهامات الفقهاه، ولكن ما هكذا تورد اإلبل

يـعدر حدي حسن الرتايب عن جتديد أصول الفقه، والذي جاه يف الفصل الرابع ضمن لب قضية التجديد اليت طرحها، وهي القضية اليت أبرت حول الرتايب بئرة هذا الكتاب هو

التقليدين الذين اأموه أبنه يريد أن يضع أصوال جديدة ذا الدين ويتناسى كل ما صنعه فهل هذا الكالم صحيح؟ البد أوال أن نقف على وجهة نظر . األئمة واجتهدون السابقون

: هذا املوضوعالرتايب اليت يطرحها يفيرى الرتايب بداية أن حاجتنا إىل التجديد يف أصول الفقه بعة من أن قضااي األصولية يف أدبنا الفقهي أصبحت مقوالت نظرية عقيمة ال تكاد تلد فقها البتة بل تولد جدال ال

.149املرجع السابق، ص 12

8

فقه كذلك والبد ألصول ال. والشسن يف الفقه أن ينشس يف جماذة التحدايت العملية. يتناهى .أن تنشس مع هذا الفقه احلي

فنحن يف وقت أصبحت فيه العالقات اإلنسانية أكثر تداخال وتشابكا، واملشكالت االجتماعية والسياسية أكثر تنوعا وتعقيدا، وكل ذلك ميثل أوضاعا جديدة ال تستوعبها

األصوليني وأساليبهم اجتهادات فقهائنا السالفني، بل ال تكفي للتشريع ا وتكييفها مناهجوليجت ذلك نقصا يف أولئك العمالقة األفذاذ، ولكن ظروفهم اليت . يف االستنباي والتقنني

عاشوا فيها ختتلف عن ظروفنا، وهم قد صنعوا حلوال ملشكالأم فدور أن نضع حنن اآلن .حلوال ملشكالتنا

جتهاد يف األحكام وهذا يظهر لنا مرة أخرى عدم جدوى الكالم عن التجديد واالالفقهية الفرعية والصور العملية للحياة الدينية دون النظر يف املناهج األصولية اليت تصوغ هذه

.الصور وتنتج تلك األحكامإن قطاعات واسعة من احلياة قد نشست من جراه : "ويشري الرتايب إىل ذلك بقوله

ها مل يتطرق إليها فقهنا التقليدي، وألن التطور املادي وهي تطرح قضااي جديدة متاما يف طبيعتعالقات احلياة االجتماعية وأوضاعنا تبدلت متاما ومل تعد بعض صور األحكام اليت كانت متثل احلق يف معيار الدين منذ ألف عام قق مقتضى الدين اليوم وال توايف املقاصد اليت

رت والنتائج اليت ترتتب عن يتوخاها، ألن اإلمكا ت قد تبدلت وأسباب احلياة قد تطو . 13"إمضاه حكم معني بصورته السالفة قد انقلبت انقالاب اتما

أصبح لزاما علينا أن نقف يف فقه اإلسالم وقفة جديدة لنسخر العلم كله "ولذلك فقد د ما بني علوم النقل اليت نتلقاها كتابة ورواية وعلوم … لعبادة هللا، ولعقد تركيب جديد يوح

وبذلك العلم املوحد املتناهي جندد فقهنا . اليت تتجدد كل يوم وتتكامل ابلتجربة والنظر العقل .14"للدين وما يقتضيه يف حياتنا احلاضرة طورا بعد طور

ويف نظرة عاجلة يف اترخيية علم أصول الفقه يصل الرتايب بنا إىل نتيجة مفادها أن جتديد

الفقهاه األوائل بدأ الفقه اإلسالمي يتسع ويرتكب ففي عهد . هذا العلم أصبح ضرورة ملحلة

.111املرجع السابق، ص 13 .املرجع السابق، نفجت الصفحة 14

9

والصحابة والتابعني لظهور مستجدات مل تكن على عهد صحابة رسول هللا، بعد الرسول بعد ذلك تشعلبت األقضية وتوافرت مادة واسعة من الفقه الفرعي، فاجته النظر حنو

للمتسخرة من كبار الفقهاه اجلزئيات األصولية وأخذ الفقه األصويل يتبلور حت متكنكالشافعي مثال أن يعاجلوا قضااي أصول الفقه بطريقة منهجية علمية يرتبوهنا وي سسون

.ومن بعد ذلك اتسعت املعاجلات األصولية. قواعدها جنحت احلياة الدينية حنو االحنطاي، ا جعل علم أصول الفقه جمرد معلومات نظرية

ثر بكل مسائل املنطق ا يلي، فسصبحت احلياة الفقهية حياة وغلب عليه طابع اجلدل وه .عقيمة إال من بعض الفقهاه اجتهدين الذين جاهوا فيما بعد

ومن خالل هذه النظرة التارخيية يصل بنا الرتايب إىل أننا أصبحنا يف هذه األايم ناجة : ولكن كما يقول. ميةماسة إىل املنهج األصويل الذي ينبني أن ن سجت عليه النهضة اإلسال

تتعقد علينا املسسلة بكون علم األصول التقليدي الذي نلتمجت فيه ا داية مل يعد مناسبا "للوفاه ناجتنا املعاصرة حق الوفاه، ألنه مطبوع أبثر الظروف التارخيية اليت نشس فيها بل

.15"بطبيعة القضااي الفقهية اليت كان يتوجه إليها البح الفقهي، فدنه يبدي أييت الرتايب ليتحدث عن القياآ كمثال حي يف علم األصول وحينما

محل فرع على "القياآ التقليدي الذي تواضع عليه الفقهاه والذي هو مالحظاته وسلبيته منفهذا النمط من القياآ يقتصر على قياآ 16"أصل يف بعض أحكامه، مبعىن يمع بينهما

عينة ثبت فيها حكم بنص شرعي فيضيفون احلكم إىل حادثة حمدودة على سابقة حمدودة م .احلادثة املستجدة

ويرى الرتايب أن مثل هذا القياآ رمبا يصلح يف تبيني أحكام النكاح والشعائر واآلداب، أما يف القضااي العامة فنحن أحوج ما نكون إىل القياآ الفطري غري املنضبط ذذه الشروي

.الضيقةالقياآ أكثر من ذلك ني يتم النظر يف جمموعة النصوص ويتسع الرتايب مبفهوم

نستنبط من ولتها مقصدا معينا من مقاصد الدين أو مصلحة معينة من مصاحله، نتوخى

.115املرجع السابق، ص 15، 1دار الكتــــــب العلميــــــة، ي: بــــــريوت)، اللمااااااو يف أصااااااو ال قاااااا : الشــــــريازي، أبــــــو إســــــحاق إبــــــراهيم بــــــن علــــــي 16

.14، ص(م1135/هـ1195

10

ذلك املقصد حيثما كان، فنصل بذلك إىل فقه املصاظ العامة اليت تركب منزى اجتاهات .اضرة يف ضوه هذه االجتاهاتسرية الشريعة األوىل، ومن توجيه احلياة احل

درجة أرقى يف ... القياآ اإلوايل األوسع أو قياآ املصاظ املرسلة "وهكذا فدن البح عن جوهر مناطات األحكام، إذ أنخذ ولة من أحكام الدين منسوبة إىل ولة الواقع تتنـزل فيه، ونستنبط من ذلك مصاظ عامة ونرتب عالقاأا من حي األولوية

وبذلك التصور ملصاظ الدين هنتدي إىل تنظيم حياتنا مبا يوافق الدين، بل يتاح لنا . لرتتيبوا .17"أن نوسع صور التدين أضعافا مضاعفة -ملتزمني بتلك املقاصد-

وهكذا جند الرتايب دائما صاحب نظرة مقصدية عامة فهو يريد قياسا واسعا واستصحااب ملفهوم التجديد، تتجاوز الفروع إىل األصول واألحكام إىل واسعا، ونظرة واسعة مشولية

املقاصد، ويكون كل ذلك ضمن منهجية توحيدية تستوعب املعقول واملنقول، لنتمكن من إنتاج فقه للتدين يكيف حياتنا العامة يف جماالت االقتصاد والسياسة واالجتماع والعالقات

.الدوليةاق إىل أن اإلمام الشاطيب هو أول من أبر قضية والبدل من اإلشارة يف هذا السي

فانطلق من جمال النظر يف أساليب القياآ اجلزئية وقضااي . األصول ذذه الكيفية واملنهجيةاستقراه الشريعة والنظر يف "اللنة اللفظية إىل الرتكيز على مقاصد الشريعة، وذلك من خالل

عامة، على حد االستقراه املعنوي الذي ال يثبت أدلتها الكلية، وما انطوت عليه من األمور البدليل خاص بل أبدلة منضاف بعضها إىل بعض، خمتلفة األغراض، ني ينتظم من جمموعها

.18"أمر واحد جتتمع عليه تلك األدلةولعلل الرتايب حني يتكلم عن جتديد أصول الفقه يستلهم شيئا من أفكار اإلمام

على فكر شيي جامع الزيتونة دمحم بن عاشور صاحب النظرة الشاطيب، ويلقي نظرة أخرى التسصيلية يف علم مقاصد الشريعة، وصاحب الدعوة إىل هسيجت علم أصول الفقه على مقاصد الشرع حت تنحسم مداخل اخلالف اليت فل ذا كتب علم األصول يف صورته

.التقليدية

.295، صقضااي التجديد: الرتايب 17، (م1155/ هــ1315دار الفكر، الطبعة الثانيـة، : بريوت)، املوافقات يف أصو الشريعة: الشاطيب، أبو إسحاق 18 .12، ص2ج

11

لنحو وجتاوز الفقه التقليدي قد وال ينيب عن الرتايب أن توسعة األصول على هذا ا

وأهم . ومن هنا تظهر احلاجة إىل ضبط نتائج االجتهاد. يكون سببا يف تباين اآلراه واألحكامالضوابط يف هذا اجال هو تفعيل مبدأ الشورى ني يتمع املسلمون ويتشاورون يف أمورهم

ل علما يالحق ابملسسلة من الطارئة، فالذي هو أعلم يبصر من هو أقل علما، والذي هو أق يدور اجلدل والنقاش حول القضية املطروحة حت يتم حسمها، وذلك أبن . هو أكثر علما

يتبلور رأي عام يمع عليه املسلمون أو يرجحه وهورهم أو تكون مسسلة فرعية غري ذات ابل .19يفوضوهنا إىل سلطاهنم وهو من يتوىل أمورهم العامة

ال ملنا ذلك على التخوف املبالغ فيه من كل ما هو جديد، لدرجة أنك وينبني أن

من يبلغ به الفزع منتهاه إذا صادف رأاي "جتد حت من يدعون عموما لفتح ابب االجتهاد جديدا مل يقل به قائل من السلف، وكسن املقبول يف اجتهد هو فقط أن ينقب حت يد يف

.20"ناسب الظروف، أو حجة جديدة ت يد رأي إمام قدمياملسسلة رأاي قدميا ي

ويشري الرتايب وهو يوجه إىل هذه الوجهة إىل ردة فعل اؤافظني اليت اصر اجلديد مل عليه، وهي متاما مثل احلملة اليت جاذها ابن تيمية وحركته عندما قام ليجدد وتتهمه و

دن القيام بتكاليف االجتهاد يستدعي منا يف ومعىن ذلك ف. أمر الدين بعد ووده بضعة قرونجرأة يف الرأي، وقوة يف الصب على ضنوي اؤافظني، السيما أنل : "مثل هذه الظروف

التجديد لن يكون حمدودا بل واسعا يكاد يشكل ثورة فقهية تصلح األصول والفروع وتسعى .21"لتبدرل األحوال بسرعة الذي تذكلر بعد غفلة طويلة

ال يسع، يف هناية هذه املراجعة إال أن أشيد جبهود الدكتور الرتايب وأعرتف أبنه : وأخريا

كان صاحب جرأة يف طرح رأيه يف قضااي التجديد، وعلى الشكل الذي طاملا توجلجت منه فكلن ي خذ من كالمه ويرد إال. الكثريون، إال أن ما ذكره الرتايب يبقى قابال لصخذ والرد

.211، ص قضااي التجديد: الرتايب: انظر 19 .215املرجع السابق، ص20 .213املرجع السابق، ص 21

12

املصطفى ملسو هيلع هللا ىلص، وصاحب الفطنة والنباهة يستطيع أن يعل من عقله ميزا يقوم به األشياه، .فيسخذ ما يراتح له، مادام ذلك يف دائرة النظر واالجتهاد، ولكن مع مراعاة أدب االختالف

وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني