هل هناك-يسار-تونسي

[32] دور اليسار التونسي في الثورة والتحول الديمقراطي: هل هناك يسار تونسي؟

دور اليسار التونسي في الثورة والتحول الديمقراطي هل هناك يسار تونسي؟

د.المولدي األحمر )*(

ملخص البحث

تتناوؿ الدراسة قضية سياسية تونسية، ذلا أبعاد عربية، ىي اليـو موضوع الساعة ن بامتياز يف ىذا البلد : ىل ىناؾ يسار تونسي؟ وؽلكن التأكيد على أعلية ىذه الدراسة م

وجهت: األوؿ أهنا تناقش ادلفهـو يف حد ذاتو وتقـو بتوصيف تارؼلي للوقائع واألحداث واألفكار اليت تشكل حوذلا ما يسمى باليسار يف تونس. ومن وجهة النظر ىذه تبت الدراسة كيف أف من يعتربوف أنفسهم يساريت غلدوف صعوبة يف التلبس بفكرة اليسار واحتكار

، ولعبت 91وذلك يف بلد اعتنق فكرة اإلصالح ومقاومة التقليد منذ القرف معانيها وبرارلهاالدولة ادلستقلة فيو دورا مهما يف التقليص من حجم اخلصاصة واحلرماف لدى الطبقات الفقتة. الثاين أهنا تلقي الضوء عن اخلصائص التارؼلية دلا يسمى اليسار يف تونس دبا يساعد

ت الربدلانية القادمة ويفسر إىل حد ما ظاىرة السياسيت على فهم رىانات االنتخابا"ادلتجولت" بت األحزاب. تبقى من كل ىذا فكرة مهمة، وىي أف التناقضات الطبقية ادلوضوعية اليت تشق اليـو اجملتمع التونسي ال تصنع بشكل حاسم ىوية اليسار واليمت

والوسط يف تونس. ي / الثورة التونسية / األحزاب السياسية / االنتقاؿ الكلمات ادلفاتيح: اليسار التونس

الدؽلقراطي / ادلعارضة التونسية

The Role of the left Tunisian in Revolution and Democratic Transition

[email protected]التونسية أستاذ علم االجتماع السياسي بالجامعة)*(


Is there a left Tunisian?

Dr.AL Mouldi al ahmer

Research Summary

The study deals with Tunisian political issue, Its Arab dimensions,

Today is critical topic in this country with distinction: Is there

Tunisian left? It can emphasise the importance of this study in two

ways: Firstly, It discusses the concept itself and the characterisation

of the facts , Historical events and ideas that form around the so-

called left in Tunisia. From this point of view, the study shows

how those who consider themselves leftists have difficulty in

flagrante delicto, the idea of the left and the monopoly of their

meanings and programs in the country embraced the idea of reform

and resistance tradition since the 19th century, and played an

independent state in which an important role in the reduction of the

size of destitution and deprivation among the poorer classes.

Secondly, it sheds light on the historical characteristics of the so-

called left in Tunisia, including helping to understand the stakes of

the upcoming parliamentary elections and explains to some extent

the phenomenon of political "street" between the parties. The

remainder of this all important idea, which is that the class

contradictions that make their objectivity Tunisian society today

does not make a decisive identity of the left, right and center in

Tunisia.

Key words: left Tunisian / Tunisian revolution / political parties /

democratic transition / Tunisian opposition

مقدمةموضوع حالة اليسار التونسي ودوره يف الثورة ويف عملية سنتناوؿ يف ىذا البحث

توضيح نقطة منهجية االنتقاؿ الدؽلقراطي اجلارية حاليا يف البالد. ولكن قبل ذلك نريد ستساعدنا على معاجلة ىذه ادلسألة على أسس متينة.

من وجهة نظر التحليل السوسيولوجي للظاىرة السياسية، ؽلثل مفهـو اليسار يف مشكال معرفيا و إيديولوجيا مزدوجا. -وكذا األمر يف احلالة العربية عموما–احلالة التونسية


أف تصنيف "ؽلت/يسار" قد نشأ يف أوربا يف سياؽ وىناؾ سبباف وجيهاف لذلك. األوؿ تارؼلي غت السياؽ الذي شهدتو البالد العربية حينما ظهر فيها ما يعرؼ اليـو باليسار السياسي. وىذا السياؽ ال ؽلكن اختزالو يف ادلسألة الكرونولوجية، ألنو يف حت ظهر اليسار

لالستبداد السياسي ويف إطار تشكل األوريب يف سياؽ تأسيس العقد االجتماعي ادلناىضسبايز اليسار -بعد انتصار الدؽلقراطية الليربالية الرأمسالية-األمة، شلا سهل الحقا -الدولة

واليمت يف عالقتهما السياسية واإليديولوجية بالطبقة العمالية وبالفقراء عموما، ظهر اليسار يف كر الشيوعي الذي مل يكن لو سند اجتماعي البالد العربية وىو على ارتباط فكري لصيق بالف

زراعي تسيطر فيو إيديوجليا القرابة، ويف سياؽ مقاومة -واضح يف بلداف ذات تاريخ بدويلواقع استعماري استدعيت فيو بقوة فكرة اذلوية بأبعادىا الدينية والقومية والوطنية. وقد ترتب

اليسار ظلت لفتة طويلة تشكو من عن ذلك أف مسألة التموقع السياسي إىل اليمت أو إىلاألمة دبفهومو الليربايل احلديث، أو إىل -صعوبة يف التمييز دوف تناقض بت: االضلياز إىل الوطن

الديت، أو إىل مصاحل العماؿ -الدين بوصفو رابطة عقائدية، أو إىل األمة دبفهومها الثقايفيسار، مل تتبلور بشكل واضح ذي عالقة والفقراء. أما السبب الثاين فهو أف فكرة اليمت وال

بالتطورات االجتماعية اليت عرفتها البلداف العربية: فال الليرباليوف تبنوا سباما الفكر احلداثي احلر، وال التقسم االجتماعي للعمل تطور إىل احلد الذي سبزقت دبوجبو شبكات العالقات

الستقالؿ رفعت يدىا عن االقتصاد وكيفية األولية الرابطة بت اجلتاف واألقرباء، وال دولة استغلت بالظهور

توزيع الثروات، وال غياب احلريات الفكرية والسياسية مسح للمدافعت عن ادل

تنظيميا وإيديوجليا دبظهر ادلدافع احلقيقي عن ىؤالء.إف الفوائد اليت سنجنيها من ىذه ادلالحظة كثتة حىت وإف كانت ال تروؽ

ذين ينتسبوف صراحة إىل اليسار التونسي. أوال سيساعدنا ىذا التوضيح على إيديولوجيا للعدـ اقتصار فكرة اليسار التارؼلي التونسي على ادلدافعت التقليديت على الطبقات الفقتة. ثانيا سيسمح لنا ذلك دبتابعة تطور فكرة اليسار التونسي وعالقتو بالثورة وبالكيفية اليت

تسبوه داخل ادلسار الثوري اجلاري حاليا يف البالد. مث أختا ستسمح لنا يتموقع هبا اآلف منىذه ادلالحظة بوصف الديناميكية العامة لألحزاب التونسية، حيث حدود اليسار والوسط


وحىت اليمت سياقية وغت ثابتة، كما ستسمح لنا بفهم موجة ىجرة شلثليها من حزب إىل نتظار التموقع داخل ادلؤسسات اليت غلري بناؤىا.حزب دوف حرج إيديولوجي كبت يف ا

إرث تاريخي قديممن الناحية التارؼلية يعد اليسار التونسي أحد ادلكونات األوىل للحركة النضالية

التونسية ضد االستعمار وادلتبت الرئيسي للمطالب االجتماعية الشعبية. وقد ظهر أوال شلثال يف ، من الفرنسيت والقوميات األخرى ومن بعض التونسيت بعض ادلنتسبت للفكر الشيوعي

. مث 9الذين انتموا إىل أوىل النقابات العمالية يف البالد خالؿ العشرينيات من القرف ادلاضيظهر ىذا التيار بوضوح أكثر يف الثالثنيات مستفيدا يف ذلك من خصوصية النشطت

. 9191تاكية( يف فرنسا إىل احلكم سنة الفرنسيت داخلو ومن صعود "اجلبهة الشعبية" )اشوأختا تشكل ىذا التيار يف حزب واضح ادلعامل يف بداية األربعينيات، محل اسم احلزب الشيوعي التونسي، مستغال ربالف القوى العادلية الشيوعية والليرباليية ضد النازية، ومستفيدا

و 9191فرحات حشاد بت من اشتداد عود النقابات التونسية اليت سيوحدىا ويقودىا سنة اغتيالو من طرؼ ادلستعمر . 9191

بعد احلرب العادلية الثانية سوؼ يتأثر ىذا احلزب بتطور احلركة الوطنية التونسية يف –الداخل، و بتوجو السياسة الدولية ضلو استقالؿ الدوؿ ادلستعمرة يف اخلارج، ليتحرر بشريا

التارؼلية اليت ربطتو بالشيوعيت الفرنسيت، وإيديولوجيا من العالقات -خاصة مع االستقالؿمن فكرة األشلية اليت شوشت عليو ادلرجعية الوطنية وجعلتو يف متناوؿ خصومو. لكن ذلك مل ينجيو من سطوة الدولة ادلستبدة اليت بدأت تتشكل بعد االستقالؿ واليت وضعت حدا

. 9119لنشاطو سنة لك الوقت يعت االضلياز إىل الفكر الشيوعي أو ىل كاف مفهـو اليسار يف ذ

االشتاكي؟ مل يكن ىذا واضحا. بل أكثر من ذلك كانت طلبة الدستوريت الناشطت يف احلزب الذي أسسو بورقيبة تعترب نفسها يسارية، ألهنا ضد القوى التقليدية اليت ربالفت مع

نما كاف أحد أبرز علماء تونس ادلستعمر و تلك اليت تدافع عن تأويل "رجعي" للدين، بي .1رئيسا شرفيا للمنظمة النقابية أياـ االستعمار -الطاىر بن عاشور–الدينيت


يف آخر النصف األوؿ من الستينيات برزت قوى سياسية جديدة يف البالد اعتربت نفسها يسارية، شكلها خليط من الطلبة وادلثقفت من سلتلف األصوؿ االجتماعية، اجتمعوا

. وقد اشتغل ىذا التيار، الذي مل يكن متجانسا داخليا، بصفة 9ما عرؼ حبركة "آفاؽ" يفمستقلة عن بقايا احلزب الشيوعي التونسي الذي استمر بعض قيادييو يف النشاط سرا أو خارج البالد. ويف ىذا السياؽ الذي انعدـ فيو التعدد السياسي، وتداخلت فيو مؤسسات

احلاكم، بدأ معت كلمة اليسار التونسي يشمل بشكل غامض كل الدولة دبؤسسات احلزب من سبوقع سياسيا ضد النظاـ السياسي السائد. ومن مث تضاءلت قيمة األسس االجتماعية ادلختلفة للمعارضت للسلطة يف التفريق بت مكوناهتم اإليديولوجية لصاحل الفروؽ التنظيمية

توجو الشيوعي أو االشتاكي. فبعد زلاكمة ناشطي والشخصية، إال بالنسبة للتيارات ذات الحركة "آفاؽ" يف هناية الستينيات وبداية السبعينيات، وتفكك التنظيم إىل رلموعات لينينية

عربية وغتىا، برزت تيارات سياسية جديدة معارضة زبتلف يف مالزلها -وماوية وقوميةففي بداية السبعينيات ظهرت حركة اإليديولوجية أكثر شلا زبتلف يف مالزلها االجتماعية.

، ويف ذات الوقت 9االذباه اإلسالمي اليت أسسها عبد الفتاح مورو وراشد الغنوشي وأخروفانسلخ بعض السياسيت ادلشهورين عن احلزب احلاكم يف البالد ليؤسسوا أحزابا معارضة

الباجي قايد و 1، وأمحد بن صاحل9للنظاـ، من بينهم أمحد ادلستتي ومصطفى بن جعفرالسبسي. ومن ادلثت أف تيار أمحد ادلستتي كاف يعد داخل احلزب األصلي الذي انتمى إليو )"احلزب االشتاكي الدستوري"( على ؽلت بورقيبة قائد احلزب ورئيس الدولة ادلستبد، ألنو

يار اعترب عارض السياسة االشتاكية للدولة. أما االذباه اإلسالمي فلم يلبث أف برز داخلو تيساريا ألنو يقبل بقيم احلداثة اليت ينادي هبا يف نفس الوقت احلزب احلاكم وادلعارضة

، وعندما قبل احلزب احلاكم يف بداية الثمانينيات دببدإ تعدد األحزاب، وجدت 7الشيوعية ادلعارضة الرديكالية يف ذلك الوقت، أي حزبا العماؿ الشيوعي واالذباه اإلسالمي )وعلا اليلتقياف إيديولوجيا( نفسيهما خارج اللعبة، أي يف خانة ادلعارضة الراديكالية غت ادلعتؼ هبا،

كل من موقعو الفكري.


المعارضة والحزب الدستوري الحاكم: مضخة االستقطاب السياسي العمالقة ليس ادلقصود من ىذا العرض التأريخ حلركات ادلعارضة التونسية اليت تتجاوز ذبربتها

بتعقيداهتا وتفاصيلها الدقيقة احليز الضيق ذلذا البحث. ذلك أف ىدفنا من ىذا العرض ادلختزؿ، وردبا ادلتجت على ىذه التجربة، ال يتعدى التأكيد على أف مفهـو اليسار واليمت يف تونس يفتقر إىل العالمات السياسية الفارقة، ليس لدى أغلبية التونسيت فحسب بل أيضا

األحزاب اليت عارضت احتكار احلياة السياسية يف البالد من طرؼ احلزب داخل طلباحلاكم، أو عارضت سلطة بورقيبة الفردية داخل ىذا احلزب يف حد ذاتو. ذلك أنو بقدر ما كانت النخب، اليت تكوف قسم كبت منها يف فرنسا، تزود التيارات السياسية ادلعارضة

كار الدؽلقراطية والتحررية، ما جعلها تبدو كلها دبثابة أحزاب بالطاقات البشرية احلاملة لألف، والذي 9197يسارية، فإف "احلزب االشتاكي الدستوري" الذي حكم البالد إىل غاية

يلتقي مع أغلب ىذه التيارات يف كثت من التفاصيل الثقافية للمشروع اجملتمعي ادلنشود، كاف نات ىذه النخبة إىل صفو. وقد تسبب ذلك يف قادرا ىو أيضا على جلب الكثت من مكو

من ادلنظور الذي عرفتو -اليمت و اليسار -إخراج مسألة التموقع السياسي يف تونس التجارب الغربية، خاصة بعد أف ازبذت األحزاب الشيوعية واالشتاكية ىناؾ موقعا شليزا

وواضحا إىل جانب الطبقات الكادحة.. 9197ن جديد بعد اإلطاحة حبكم بورقيبة سنة وقد تأكدت ىذه الظاىرة م

اجلدد بدواليب الدولة النخب السياسية -ففي ىذه السنة، ودبجرد أف دعا ادلمسكوف القدامىادلعارضة إىل االنضماـ إىل احلزب السياسي اجلديد )وقد جرى تأسيسو على أنقاض "احلزب

قلت القريبت من التوجهات ادلاركسية االشتاكي الدستوري"(، زبلى العديد من ادلعارضت ادلستعن حياديتهم ولبوا الدعوة، بينما انسل قسم من ادلعارضت القدامى للسلطة من أحزاهبم أو من تنظيماهتم اذلالمية ادلتعددة واطلرطوا يف دينامية "التجمع الدستوري الدؽلقراطي". وقد

أحد كبار ادلعارضت القدامى سئل ضلت النخبة السياسية التونسية تتندر بذلك إىل درجة أف عن سبب عدـ اطلراطو بقوة يف ادلعارضة ضد نظاـ الرئيس بن علي، فأجاب -على ما يقاؿ-

.9متهكما بأنو "ما داـ اليسار يف احلكم فال حاجة للمعارضة اليسارية"


أو بعدىا قد حافظت 9197صحيح أف عدة أحزاب معارضة نشأت قبل سنة ليتها، وقاومت على قدر طاقتها البشرية وادلادية النظاـ االستبدادي رغم ذلك على استقال

اجلديد الذي أسسو شيئا فشيئا بن علي، ومنها على سبيل ادلثاؿ "احلزب االشتاكي عرويب، و"حزب -وىو ذي توجو يساري–التقدمي" الذي أسسو أمحد صليب الشايب

الوحدة الشعبية" و"حزب التجديد" الذي ورث "احلزب الشيوعي التونسي" و"حزباالشتاكيت الدؽلقراطيت". وصحيح أيضا أف تطور الصراع مع النظاـ اجلديد عرض أحزابا ضلت شلنوعة، مثل "حزب العماؿ الشيوعي التونسي" الذي أسسو محو اذلمامي، والتيار

الغنوشي، العرويب الذي من قادتو البشت الصيد، وكذلك احلركة اإلسالمية اليت ترأسها راشد إىل مالحقة مريرة دفعت بالكثت منهم إىل العودة إىل العمل السري. لكن العديد من شلثلي ىذه التيارات كانوا يلتقوف باستمرار يف نفس اخلندؽ دلقاومة النظاـ دوف أف يتموقع بعضهم

بوضوح على يسار أو ؽلت البعض اآلخر، إال يف ما ؼلص "حزب العماؿ الشيوعي".ه الظاىرة خاصية تونسية حبتة، ذلك أف النظم االستبدادية تسوي غالبا ليست ىذ

بت معارضيها من ذوي اإليديولوجيات الرادكالية، ما يقلل عند ىؤالء من قيمة اخلالفات الطبقية اليت تفرقهم. لكننا عندما نضيف إىل ىذه الظاىرة واقع أف استبداد الدولة يف

ربديدا، غلري يف إطار يتميز بضعف الثروات اخلاصة مقارنة بقيمة اجملتمعات العربية، وادلغاربية الثروات العامة اليت تتصرؼ فيها الدولة باسم اجملموعة، ندرؾ كم أف تصنيف اليمت واليسار ضبايب يف مثل ىذه البلداف، وىذا خالفا للمجتمعات األوربية حيث انتصرت بوضوح الفردانية

لسياسي ػليل إىل فكرة االضلياز إىل الطبقة العاملة وادلهمشت أو والرأمسالية، وأصبح التصنيف ا إىل الطبقات الوسطى أو إىل طبقة الرأمساليت األثرياء.

خصائص سوسيولوجية للمعارضة التونسية نفهم شلا تقدـ أف التقسيم بت اليسار واليمت يف تونس كاف إيديولوجيا سلتقا: من

موضوع خصائص النموذج الثقايف اجملتمعي ادلقبوؿ بو تونسيا، األعلى بالتقاطع احلاصل يف والذي تشتؾ فيو أغلب مكونات النخبة السياسية يف احلكم وادلعارضة ما عدا اإلسالميت،

رغم اختالفاهتا -ومن األسفل بالتقاطع احلاصل بت مكونات النخبة السياسية ادلعارضة على معارضة النظاـ السائد. كما أف ذات -نظيميامبدئيا ال ت–بسبب اتفاقها -اإليديولوجية


التقسيم كاف سلتقا اجتماعيا بالتقاطع احلاصل بت األصوؿ االجتماعية لقسم من الطبقات ادلتحكمة يف السلطة وقسم من ادلعارضة ذات التوجو اإليديولوجي الديت و/أو الليربايل،

أو العليا يف اجملتمع. وذلك حبكم انتماء غالبية النخب إىل الفئات الوسطىػليل ىذا يف جانب منو، كما أشرنا أعاله، إىل ضعف التمايز الطبقي يف اجملتمع

التونسي، وىذا يعود بدوره إىل ادلكانة اليت احتلتها الدولة التونسية، منذ االستقالؿ حىت هناية لها ادلستمر يف الثمانينيات من القرف ادلاضي، يف إدارة ادلفاصل األساسية لالقتصاد وتدخ

عملية توزيع الثروات واحلد من مراكمتها بشكل فردي مشط. لكن ىذه ادلعادلة بدأت تتغت بداية من التسعينيات، ذلك أف فرض ادلؤسسات

سياسة إعادة ىيكلة -كغتىا من البلداف النامية–ادلالية الدولية على تونس يف الثمانينيات الدولة على دواليب االنتاج والتوزيع، مسح باختاؽ ملفت االقتصاد بشكل أضعف من سيطرة

للتوازف التقليدي يف سياسة الدولة الطبقية، وذلك من خالؿ تفريط ىذه األختة يف كثت من مؤسساهتا االقتصادية لفائدة القطاع اخلاص. ودبا أف ىذا االختاؽ جرى يف سياؽ سياسي

حسب ادلوارد واخلربة -أفرادا أو رلموعات-ثمرين استبدادي، فإنو مل يكن مفتوحا لكل ادلستوادلصلحة العامة، بل ربكمت فيو شبكة العالقات القرابية والزبونية اليت استقرت يف قلب

من أغلب أعضاء -9197نوفمرب -الدولة التونسية، بعد أف زبلص النظاـ السياسي اجلديد بذلك طليقة يف تشكيل طلبة احلكم النخبة السياسية البورقيبية القدؽلة، فأصبحت يديو

اجلديدة. ومن مث ظهرت فئة من األثرياء اجلدد، رأس ىرمها رلموعة من الطفيليت الذين مل يكن ذلم يف البداية من رأس ماؿ سوى قرهبم العائلي من دائرة النفوذ السياسي، وقاعدهتا طلبة

إىل زبائن إىل ىؤالء أويف أحسن من ادلستثمرين الذين ربولوا حبكم قوانت اللعبة اجلديدة . 1األحواؿ إىل شركاء ذلم

من الناحية السوسيولوجية مل تكن ىذه التحوالت دوف تأثت على معطيات الصراع بت السلطة ادلستبدة ورلمل أطياؼ ادلعارضة. فمن ناحية كرس االستبداد السياسي ضد مجيع

اإليديولوجية الفاصلة بينهم. وقد معارضيو حالة من القهر اجلماعي قلصت من ادلسافاتاليت التقت حوذلا أطياؼ سلتلفة منهم، مجعت بت 1009أكتوبر 99عربت عن ىذا وثيقة

الشيوعيت )غت ادلعتؼ هبم آنذاؾ( ادلهتمت أساسا بوضع الطبقة الشغيلة وبالفئات الشعبية


وية الدينية للمجتمع بقطع احملرومة عموما، واإلسالميت )حزب النهضة( ادلهتمت دبسألة اذلالنظر عن األصوؿ الطبقية دلن ينادي بذلك، واالشتاكيت التقدميت الذين يعتربوف أنفسهم

. 90وسطيت حداثيت، وشتات آخر من ادلستقلت الذين ينادوف بالدؽلقراطية واحلرية وبالعروبةطاؿ اجلميع، لكن بطبيعة احلاؿ كاف ىذا االتفاؽ زلكوما بسياؽ التسلط السياسي الذي

احلركة اليسارية دبفهومها الشيوعي مل تكن ذات انتشار واسع يف األوساط الشعبية، كما أف أنصارىا من ادلثقفت النشطت يف صف ىذه ادلعارضة كانوا يفهموف "اليسارية السياسية" على

ت ادلاركسية أهنا الدفاع عن األفكار التحررية والدؽلقراطية أكثر من كوهنا تشبث بادلقوال التقليدية.

بقيت ىناؾ مؤسستاف عتيدتاف لعبتا دورا على غاية من األعلية يف تاريخ ادلعارضة التونسية: اجلامعة التونسية اليت ضلت تزود باستمرار التيارات السياسية بادلناضلت من كل

نتمت إىل صوب وحدب إيديولوجي، و االرباد العاـ التونسي للشغل الذي محى الكثت من ادل ىذه التيارات من سطوة الدولة ادلستبدة بوصفهم نقابيت يدافعوف عن الشغالت.

من الناحية التارؼلية، وإذا ما وضعنا جانبا االنشقاقات اليت أصابت "احلزب احلر الدستوري" ووريثو "احلزب االشتاكي الدستوري" يف فتات سلتلفة من ذبربتهما السياسية، مثل

ار اليوسفي عشية االستقالؿ والتيار الليربايل الذي انشق بعض أفراده عن السلطة يف حالة التيبداية السبعينيات، فإف مجيع التيارات ادلعارضة األخرى اليت ناضلت ضد تسلط النظاـ السياسي التونسي نشأت كلها يف اجلامعة، مث تطورت بعد ذلك إىل حركات سياسية ماركسية

، أو إىل خليط من الناشطت ادلستقلت الذين ػلملوف مجلة ىذه أو عروبية أو إسالمية الطروحات.يف ما ؼلص النقابات الطالبية بدأت االنشقاقات داخل ىذه ادلؤسسة منذ بداية

الستينيات، لتفضي يف تلك الفتة إىل ظهور حركة آفاؽ اليت أشرنا إليها يف الفقرات السابقة. ، الذي أقصيت دبوجبو 9171ا أصبح يعرؼ دبؤسبر قربة مث تكرست ىذه االنشقاقات بعد م

التيارات ادلعارضة للسلطة من "االرباد العاـ لطلبة تونس" لفائدة التيار ادلوايل للحزب احلاكم آنذاؾ. ونستطيع أف نقوؿ أف جل قيادات األحزاب ذات التوجو ادلاركسي اللينيت أو

ضد النظاـ السابق يف أطر قانونية معتؼ االشتاكي العرويب، وىي أحزاب واصلت النضاؿ


هبا دوف أف ينجح يف إخضاعها دلشيئتو )احلزب الدؽلقراطي التقدمي وحزب ادلسار(، قد ولدت من رحم ذبربة تيار آفاؽ ومن أزمة ارباد الطلبة خالؿ مؤسبر قربة ادلذكور، وكذا األمر

سبة لقيادات االذباه اإلسالمي فإذا كاف بالنسبة لكثت من النشطت ادلستقلت احلاليت. أما بالنصحيح أف الكثت من قادهتا ادلؤسست نشؤوا يف ادلؤسسات التبوية التعليمية، إال أف العديد من قادهتا احلاليت نشؤوا ىم أيضا يف اجلامعة يف إطار حركة التيار الطاليب اإلسالمي عموما،

.99الذي تأسس يف بداية الثمانينياتوبشكل خاص يف "االرباد العاـ التونسي للطلبة" ويف ما كانت احلركات الطالبية تزود ادلعارضة بكل أطيافها بأبرز النشطت

السياسيت، كاف االرباد العاـ التونسي للشغل يستوعب من جانبو قسما كبتا من قدماء لعمل ادلختلفة. وألف الطلبة النقابيت يف أطره وىياكلو النقابية العمالية، بعد التحاقهم دبيادين ا

ارباد الشغل، وىو ادلؤسسة النقابية العمالية الوحيدة يف البالد، كاف تارؼليا طرفا رمسيا معتربا يف معادلة السلطة السياسية يف تونس، فإنو كاف دائما قادرا على محاية القوى السياسية اليت

صوص التيارات ادلدافعة تنشط داخلو ربت عنواف العمل النقايب. وىو ما استفادت منو باخلعن مصاحل العماؿ، ومن أبرزىا القوى ذات التوجو ادلاركسي مثل "حزب العماؿ الشيوعي" و

"حركة الوطنيت الدؽلقراطيت" وبعض العروبيت االشتاكيت وغتىم. اليسار التونسي عشية الثورة

ورة، ويف النهاية لكي تتشكل لدينا فكرة واضحة عن حالة اليسار التونسي عشية الث عن عالقتو هبذه الثورة، ضلتاج إىل التوقف عند نقطة مهمة: احلملة القمعية الرىيبة اليت تعرض ذلا اإلسالميوف والشيوعيوف منذ بداية التسعينيات، واالنقسامات اليت صلح النظاـ يف إحداثها

رضت ذلا بعض داخل بعض األحزاب الوسطية ادلعتؼ هبا، وادلضايقات الكبتة اليت تع األحزاب األخرى اليت رفضت اخلضوع من أجل منعها من النشاط بشكل حر.

تساعدنا ىذه ادلالحظة على تفحص وضع ىذه القوى السياسية عند اندالع الثورة، وعلى زلاولة تبت مالزلها يف ىذا السياؽ من قريب. فمن الناحية السياسية تسبب

الفتة يف فرز قوى ادلعارضة إىل مخسة أصناؼ: تصلب النظاـ أماـ معارضيو خالؿ ىذه الصنف األوؿ مثلو الرادكاليوف الشيوعيوف الذين الحقهم النظاـ بسبب مشروعهم

الثوري العمايل القائل بالصراع الطبقي، وىذا رغم أف بعض ادلنتمت إىل ىذا التيار،


-و بعد الثورةومنهم شكري بالعيد الذي جرى اغتيال–مثل الوطنيت الدؽلقراطيت ذلم طرح أقل رادكالية.

الصنف الثاين مثلو الرادكاليوف اإلسالميوف الذين وصلوا حد استعماؿ العنف منأجل ربقيق أىدافهم، وىؤالء ال يطرحوف بديال طبقيا، بل بديال ثقافيا دينيا

اكمة يتناقض يف جوىره إىل حد بارز مع ادلرجعية التحديثية اليت تقوؿ هبا النخبة احل وقسم من ادلعارضة.

الصنف الثالث مثلو عموما الدؽلقراطيوف الوسطيوف )احلزب الدؽلقراطي التقدميوعلا أقرب حزبت إىل بعضهما يف ىذا -حزب التجديد–وادلاركسيوف ادلعتدلوف

الصنف، مث يف ما بعد حزب ادلؤسبر من أجل اجلمهورية وحزب التكتل(. وكل ىذه امة ثابتة على مواقفها ادلستقلة وادلعارضة لالستبداد. األحزاب ضلت بصفة ع

الصنف الرابع مثلتو األحزاب اليت صلح النظاـ يف زلاصرهتا بالقضايا ادلفتعلة وشقصفوفها من الداخل )حركة الدؽلقراطيت االشتاكيت وحزب الوحدة الشعبية وحزب

النهاية إىل صفو. اخلضر وغتىا(، مدجنا البعض منها كي يتخذ مواقف تؤوؿ يف أما الصنف اخلامس فمثلو ذلك اخلليط من فئة الناشطت السياسيت ادلتجولت بت

األحزاب واحلركات واجلمعيات ادلدنية، تارة بوصفهم مستقلت وطورا بوصفهم منتمت "مؤقتت" إىل ىذا التيار أو ذاؾ.

ا بفكرة التخندؽ نستنتج شلا تقدـ أف تصنيف اليسار واليمت ضل دائما مشوش الواحد ضد العدو الواحد حىت عشية الثورة. فالشيوعيوف واإلسالميوف والدؽلقراطيوف الوسطيوف غلدوف أنفسهم غالبا يف صف واحد ضد النظاـ، وىم بذلك على "يسار" األحزاب اليت تؤازره. ويف ىذا ادلستوى يربز سؤاؿ ىاـ: دبا أف ىناؾ على األقل ثالثة أصناؼ

ارضة تتقاطع مواقفها ضد ىذا النظاـ فلماذا مل تستطع أف تشكل جبهة واحدة صلبة من ادلعوتقود ثورة ضده؟ ىنا يربز ثقل اخلصائص السوسيولوجية للمعارضة التونسية يف توسيع

ادلسافات اليت تفصل بينها، وكذلك يف تعطيلها عن بلوغ أىدافها، كل تيار منها على حده. األوىل ذلذه األصناؼ اخلمسة من ادلعارضة ىو االختالؼ اخلاصية السوسيولوجية

الراديكايل بت مكوناهتا الشيوعية واإلسالمية. ذلك أنو يف الوقت الذي يعترب فيو الشيوعيوف


اقتصادي لفائدة العماؿ والفقراء ؼلتلف -أف احلركة اإلسالمية ال سبلك أي بديل اجتماعياإلسالميت ال يروف يف الشيوعيت حليفا استاتيجيا عما يقولو ويعمل بو النظاـ السائد، فإف

ذلم، ألف ىؤالء ال يروف يف مشروعهم الديت سوى تغليف للمصاحل الطبقية خبطاب تربيري قدسي. أما التيارات الدؽلقراطية الوسطية فقد بقيت تتأرجح بت مرجعياهتا االشتاكية والعروبية

الكثت من النشطت ادلستقلت إال أهنا جعلتها دائما وحىت اإلسالمية، اليت وإف جلبت إليها عرضة خلسارهتم حبسب ما ػلدث على الساحة من تطورات ظرفية.

اخلاصية الثانية ذلذه ادلعارضة ذات عالقة دبا وصفتو يف غت ىذا ادلكاف عرب مقولة السياسية يف البالد . ونعت هبذه ادلقولة أف بناء الظاىرة 91"البناء الزعامي للظاىرة السياسية"

ادلغاربية عموما كاف من ادلنظور األنثروبولوجي بناء زعاميا، لو سند ذىت يعود إىل إرث تارؼلي ، وىو يوظف مرجعيات ثقافية وعالقات تبادؿ 99ينفر من اذلرمية االجتماعية ادلمأسسة

بتوقراطية تقليدية وآليات تفاعل سيكولوجية مل يستطع التخلص منها خالؿ بناء الدولة ال. وبناء على ذلك فإف ادلعارضة التونسية كانت تنتج زعامات سياسية تعمل يف أطر 99ادلستقلة

ردبا باستثناء بعض زعماء -سرية أو يف حيز اجتماعي ضيق مفروض عليها، وىو ما منعها من التحوؿ إىل زعامات واسعة النفوذ والشرعية، وسجنها داخل -99احلركة اإلسالمية

عالقات الزبونية وأحيانا حىت القرابية. شبكات الوذلذه األسباب اإليديولوجية والسوسيولوجية ضلت ادلعارضة التونسية دوما غت

قادرة على االلتقاء حوؿ برنامج سياسي موحد، رغم أهنا سعت إىل ذلك يف العديد من إىل اتفاؽ ادلناسبات. صحيح أف حزيب "النهضة" و"ادلؤسبر من أجل اجلمهورية" قد توصال

بينهما يف ادلهجر، ربالفا دبوجبو على مقاومة النظاـ السائد آنذاؾ، وىذا على أساس التقاطع احلاصل بينهما يف موضوع اذلوية العربية اإلسالمية للمجتمع التونسي. لكن رؤية كل من

ضلت احلزبت إىل النموذج اجملتمعي الذي ينبغي ترسيخو بعد االنتصار على العدو ادلشتؾ يف اخلالفات اليت حصلت بينهما -وعلا يف السلطة-سلتلفة، وظهر ذلك بت الفينة واألخرى

يف اجملاؿ الثقايف ويف موضوع حقوؽ ادلرأة. وقد أكدت ىذه التجربة من جديد أف مفهـو اليمت واليسار يف تونس مازاؿ غت واضح ادلالمح، وزاد ادلشهد غموضا بعدما تفرؽ مشل

لسياسيت الذين انتموا إىل "حزب التكتل"، ادلكوف الثالث دلا كاف يعرؼ بالتويكا العديد من ا


، باذباه أحزاب أخرى "حداثية" )نداء تونس وغته( احتجاجا على بوادر ادلشروع اجملتمعي الذي كاف اإلسالميوف يسعوف إىل تضمينو يف دستور البالد.

وضع أحزاب ادلعارضة وسحابة اخلليط من ادلعارضت ادلستقلت اليت كيف كاف تدور حوذلا وتتنقل بت مكوناهتا عشية الثورة؟ سيكوف رلانبا للصواب كل من يزعم أف ادلعارضة التونسية يف الداخل، وبالتحديد اليسار احلداثي دبختلف توجهاتو )الدؽلقراطيوف

عض اإلسالميت ادلستقلت(، مل تلعب أي دور يف اندالع الوسطيوف والشيوعيوف والعروبيوف وبالثورة التونسية. لكنو علينا أيضا أف نقر بأف رلمل ىذه التيارات احتاجت إىل االرباد العاـ التونسي للشغل وإىل اجلمعيات ادلدنية األخرى كي تكوف إىل جانب اجلماىت، وذلك إىل

دورىا يف مساندة مطالب احملتجت منذ أحداث جانفي. ولقد أثبتت ىذه ادلعارضة 99غاية .91احلوض ادلنجمي، رغم أف ىذه األختة بقيت زللية ومتشبثة دبوضوع التشغيل يف ادلناجم

ومع ذلك فإنو ال ؽلكن القوؿ بأف الثورة التونسية كانت ثورة جرى التخطيط ذلا إىل العامل كانوا ينتموف بعناية من طرؼ ادلعارضة، رغم أف بعض الذين أوصلوا صوت احملتجت

إىل بعض األحزاب الدؽلقراطية ادلعتدلة. فحزب العماؿ الشيوعي واألطياؼ ادلاركسية القريبة منو كانت مالحقة ومل تكن متغلغلة يف األوساط الشعبية، والدؽلقراطيوف الوسطيوف كانوا

كانوا يف السجوف أو زلاصرين وكاف أغلب أتباعهم من ادلثقفت غت ادليدانيت. واإلسالميوفادلنايف أو مالحقت، وكانوا خالؿ األياـ األوىل للثورة متددين وغت واثقت من الوجهة اليت كانت تست ضلوىا األحداث. وىكذا فإنو عندما انطلقت الثورة التونسية كانت ىذه القوى

يف الظاىر، مشتتة، بينما كاف "التجمع الدستوري الدؽلقراطي" يغطي حبضوره، على األقل %8.2مجيع ادلناطق:يف سيدي بوزيد والقصرين حيث انطلقت الشرارة احلامسة للثورة

.97للحزب احلاكم %91.8 للمعارضة بشىت أنواعها مقابل جانفي 41اليسار التونسي خالل المسار االنتقالي الديمقراطي بعد

قط نظاـ االستبداد يف حينما اصللى غبار معركة الثمانية وعشرين يوما قبل أف يس (، كانت مالمح الساحة السياسية 1099-09-99إىل 1090-90-97تونس )من

التونسية اجلديدة تكشف كل يـو عن صراعاهتا الدفينة. بيد أف ضوضاء األحداث اليومية والرىانات السياسية ادلستعجلة اليت عقبت ىروب رأس النظاـ من البالد، واستمرار طاقمو


إدارة شؤوف الدولة، جعل الكثت من أحزاب ادلعارضة، اليت تتناقض يف توجهاهتا السياسي يفاالجتماعية واإليديولوجية، مثل الشيوعيت واإلسالميت ومناصري اجلمهورية وادلتكتلت من أجل العمل واحلريات والعروبيت والكثت من ادلستقلت الدؽلقراطيت ومن ادلنتسبت لإلرباد العاـ

دوف 1والقصبة 9ي للشغل، يلتقوف من جديد صفا واحدا يف ساحة القصبة التونس .99اختالفات حامسة تربز بدقة انتماءاهتم االجتماعية اليمينية أو اليسارية

لكن دبجرد أف اهنارت حكومة بقايا "التجمع" اليت ربالف معها شق من حلزب الدؽلقراطي التقدمي وحزب الدؽلقراطيت الوسطيت ومن ادلاركسيت ادلعتدلت ) أساسا ا

التجديد(، واهنارت القوة الضاربة للبوليس السياسي، وحل حزب "التجمع الدستوري الدؽلقراطي" احلاكم، ربوؿ تقريبا كل ناشط سياسي من غت التيار اإلسالمي، سواء أكاف

أعضائها منتميا أو مستقال، إىل "صاحب" نواة حزبية خاصة ليس ذلا أحيانا من أنصار سوىادلؤسست. ويف ذات الوقت سارع الكثت من بقايا كوادر "التجمع الدستوري الدؽلقراطي" إىل تكوين رلموعة من األحزاب اجلديدة تتحدث كلها باسم اإلرث التارؼلي للحركة الوطنية

الدستورية اليت قادىا الزعيم احلبيب بورقيبة.قبل 90اب يف تونس من حوايل وىكذا ويف غضوف أشهر قليلة، قفز عدد األحز

9، ردبا 970حزب، وقد شارؼ ىذا العدد اليـو على 900إىل حوايل 1099جانفي 99أحزاب فقط منها ربمل إيديولوجيا دينية إسالمية. من أين جاء ىذا العدد الضخم؟ إنو من

ت تعمل جهة انفجار األحزاب ادلعارضة ، سواء تلك اليت كانت معتؼ هبا أو تلك اليت كانيف السرية، ومن جهة أخرى سعي كل ناشط مستقل مل غلد لو مكانا قياديا من الدرجة األوىل يف حزب معروؼ إىل فتح "دكاف سياسي" خاص بو. أما األحزاب اليت خرجت من رحم حل فإف خطتها كانت "التنظم أوال، مث التنسيق والتحالف ثانيا، مث أختا

"التجمع" ادل

.91تصبح الظروؼ مواتية" اإلنصهار عندماما ىو أىم جديد يف عالقة رلمل ىذه األحزاب ببعضها؟ بالنسبة ألحزاب

ادلعارضة، كاف غياب العدو السياسي التقليدي ادلشتؾ ادلتمثل يف السلطة السياسية ادلنهارة أمرا يف غاية األعلية، أما بالنسبة لألحزاب اليت نشأت على أنقاض "التجمع الدستوري

ؽلقراطي"، فإف فقداهنا دلزية احتكار السلطة، وارتباط وجودىا ادلستقبلي بنوع التقاطعات الد


اليت ؽلكن أف تنشأ بينها وبت خصـو األمس أصبح أىم ىواجسها. وىذا ىو السياؽ اجلديد الذي سيجري خاللو حسم مالمح التموقع إىل اليسار أو إىل الوسط أو إىل اليمت يف

عضها مث بالسلطة اجلديدة الناشئة.عالقات األحزاب ببكاف االمتحاف األوؿ الذي خضعت لو مجيع ىذه األحزاب والتيارات ىو انتخابات

. وفيما كاف ادلالحظوف يتوقعوف بأف تصطف أحزاب 1099اجمللس التأسيسي يف أكتوبر عمل قريبة إيديولوجيا أو طبقيا من بعضها، فتشكل كتال انتخابية ذات وزف على مستوى ال

السياسي التعبوي للفوز بأكثر ما ؽلكن من ادلقاعد، سارت األمور على غت النحو ادلتوقع. إذ -حداثي عرويب–أنو يف الوقت الذي ربالف فيو حزباف "حداثياف" )ادلؤسبر من أجل اجلمهورية

حداثي وسطي( مع حزب النهضة اإلسالمي، تشتت –والتكتل من أجل العمل واحلريات لشيوعية واالشتاكية والعروبية والوسطية والتجمعية اجلديدة إىل أحزاب صغتة التيارات ا

عاجزة عن الوصوؿ إىل الناخبت وإمالتهم لصاحل مشاريعها الكثتة وادلتضاربة.ومن ادلهم ىنا أف نالحظ أف فوز حزب النهضة اإلسالمي وحليفيو من "احلداثيت"

قد فرض على ىذين -ضخم لصاحل اإلسالميتبفارؽ -يف انتخابات اجمللس التأسيسي احلزبت مناقشة الفصوؿ ادلفصلية يف الدستور )ىوية الدولة التونسية، حقوؽ ادلرأة، حقوؽ

من منظور تغلب عليو ادلرجعية الدينية اإلنساف واحلريات الفردية......( داخل اجمللسلفاء يف احلكم تستغلو ادلعارضة . وفيما كاف ىذا األمر ؼللق توترا دوريا بت احل10احملافظة

اجلديدة يف نقد أداء احلكومة السياسي، أصبح النقاش العاـ يف موضوع النموذج اجملتمعي يدفع ضلو -وقد بات أنصار "حزب النهضة" ينادوف بو بصوت عاؿ من ادلنابر الدينية-الديت

حلداثيوف، وغلتمع يف إعطاء مفهـو اليسار واليمت بعدا إيديولوجيا حادا، طرفا نقيضو: اصفوفهم الشيوعيوف واالشتاكيوف وقسم من العروبيت والدؽلقراطيوف والوسطيوف و الدستوريوف. واإلسالميوف، وغلتمع يف صفوفهم "حزب النهضة" وأحزاب صغتة أخرى ذلا نفس التوجو لكنها أكثر مغاالة فيو، إضافة إىل رلموعات أخرى غت مرخص ذلا أو ىي ال

التنظيم احلزيب، وىي وإف انتمت إىل نفس التيار العاـ زبتلف مع حزب النهضة يف تؤمن ب تأويلها للدين ويف طروحاتا العملية.


وقد زادت ىذه الظاىرة تعقيدا بعد ظهور "حزب نداء تونس" الذي شكل تأسيسو ة عزز منعرجا كبتا يف رىانات سبوقع األحزاب داخل التشكيلة السياسية التونسية. فمن جه

ىذا احلزب جبهة الرافضت دلشروع حزب النهضة، الذي يروف فيو تسويقا دلشروع ديت زلافظ ربت لبوس مقولة اذلوية. ومن جهة أخرى اثار ىذا احلزب، الذي ػلظى دبساندة الكثت من شلثلي الطبقات العليا ويفتح أبوابو تقريبا لكل التجمعيت، خوؼ الشيوعيت والعروبيت

يت الذين عانوا يف السابق من النظاـ االستبدادي الذي تولد عن تلبس الدولة باحلزب والنقاباحلاكم، وىذا رغم أف حزب "نداء تونس" يضم يف صفوفو أحزابا تتكلم باسم العماؿ و

االشتاكية وشخصيات ذات أصوؿ ماركسية ونقابية. سية ال ذبمعها وعلى ضوء ىذه التطورات تألفت يف البالد أربع تشكيالت سيا

تنظيمات بعينها، ذبمع كل واحدة منها عدة أحزاب متقاربة ادلشارب اإليديولوجية، يروح عليها وغليء مجع من ادلستقلت ادلتجولت بت األحزاب، تقودىم يف ذلك سيكولوجياهتم

السياسية وصداقاهتم القدؽلة ومصاحلهم الشخصية أكثر من قناعاهتم الفكرية:تتمثل يف اجلبهة الشعبية اليت يلتقي فيها ادلدافعوف عن العماؿ لى التشكيلة األو -

عرويب أو -شيوعي أو ماركسي-والفالحت والفقراء ادلهمشت من منظور ماركسياشتاكي عمايل. وتشمل ىذه التشكيلة لفيفا من األحزاب وادلنظمات، بعضها

. 19جانفي 99عريق يف النضاؿ السياسي، وبعضها جديد ظهر بعد كتلة التيار اإلسالمي اليت تتكوف من حزب النهضة، وىو نواهتا التنظيمية الثانية -

رلموعة من -دوف التقاء تنظيمي–الصلبة، وتلتقي معو يف ىذا التوجو الديت . 11األحزاب الصغتة األخرى اليت ال تتبت دائما طروحاتو

ماركسية، وىي تعترب نفسها دؽلقراطية وسطية ذات توجهات عروبية أو الثالثة -بعد أف انصهرت 1091تتألف أساسا من "احلزب اجلمهوري" الذي ظهر سنة

، و"حزب ادلسار االجتماعي الدؽلقراطي" الذي غلمع ىو 19داخلو عدة أحزابأيضا يف صفو خليطا من االذباىات ادلاركسية والنقابية بعدما زبلى عن امسو القدمي

الذي تأسس بعد الثورة وىو يضم ، وحزب التحالف الدؽلقراطي19"التجديد"خليطا من الشخصيات اليت كانت مستقلة وبقايا أحزاب تشتت أعضاؤىا بت


الكثت من التنظيمات. وذبدر ادلالحظة ىنا بأف حزيب "ادلؤسبر" و"التكتل" الذين كانا سياسيا ضمن االئتالؼ احلاكم ؽلكن ذلما إيديولوجيا أف ينتميا إىل ىذا

ب، دوف أي تناقض مع توجههما الفكري "احلداثي". الصنف من األحزافيستقر يف وسطها "حزب نداء تونس" الذي يتكوف من أما التشكيلة الرابعة -

خليط من الدستوريت القدامى والتجمعيت وادلستقلت واليساريت والنقابيت، وقد مجع يف البداية حولو عدة أحزاب صغتة تشتؾ معو يف ما يسمونو "باإلرث الدستوري البورقييب"، لكنها خرجت من ربت عباءتو قبيل انتخابات رللس النواب

. وقد عمل ىذا احلزب على جلب بعض أنصار وقيادات كتلة األحزاب 1099يف الوسطية )التشكيلة الثالثة( إىل صفو لتكوين جبهة عريضة منافسة لألحزاب

وع تعثر خاصة بعد قرار اإلسالمية ربت اسم "االرباد من أجل تونس"، لكن ادلشر ىذا احلزب خوض غمار انتخابات رللس النواب بقوائم خاصة بو.

وسياقية االنتماء إلى اليسار أو الوسط أو 4141رهانات االنتخابات التشريعية لسنة اليمين.

ؽلكننا يف آخر ىذه الورقة أف ضلتفظ بفكرة أساسية، مفادىا أنو رغم التناقضات اليت تشق اجملتمع، فإف الصراع اإليديولوجي احلاد مازاؿ ال يصنع اليـو الطبقية ادلوضوعية

بشكل حاسم ىوية اليسار واليمت والوسط يف تونس. كما أف الصراعات السياسية اليت موضوعها اليـو تعريف اذلوية التونسية سياسيا واجتماعيا وثقافيا مل ربسم ىي أيضا ىذه

ادلسألة.أف سبوقع القوى السياسية إىل اليمت أو يف الوسط أو ونستخلص من ىذه الفكرة

إىل اليسار تضل مسألة سياقية يف رلتمعات تعيش فتة انتقالية مثل اجملتمع التونسي، ليس على ادلستوى السياسي فحسب ولكن أيضا على ادلستوى االجتماعي بأبعاده االقتصادية

. والعالئقية والقيميةي الرأمسايل يف تونس أفرز موضوعيا سبايزا طبقيا، تربع يف فإذا كاف النشاط االقتصاد

قمتو ادلستثمروف وادلالكوف والتجار الكبار و األثرياء الطفيليوف الذين استغلوا عالقاهتم السياسية القرابية والزبونية بأصحاب السلطة السياسية، وقبع يف قاعدتو العماؿ والفالحوف


، فإف ادلضموف االجتماعي لتدخل الدولة التونسية يف الفقراء وادلهمشوف دبختلف أنواعهمادليداف االقتصادي، والدور الذي اضطلع بو االرباد العاـ التونسي للشغل يف الدفاع عن العماؿ قد ساعلا يف محاية جزء كبت من الفئات الوسيطة وحىت الفقتة من تغوؿ رأس ادلاؿ،

بقات. كما أف التداخل بت نسيج العالقات وأضعفا بذلك من حدة التناقض اذليكلي بت الطاالنتاجية يف ادلؤسسات الصغرى وادلتوسطة وعالقات القرابة العائلية، وكذا روابط اجلتة وادلعرفة ادلباشرة بت الناس يف األرياؼ والقرى وادلدف الصغتة، قد منع من تطور نظرة طبقية حادة بت

يف ظل ضعف نشاط القوى السياسية ذات التوجو سلتلف أطراؼ االنتاج واالستهالؾ، خاصة ادلاركسي داخل ىذه األوساط.

أما التموقع السياسي من منظور احلالة السياقية الراىنة، واليت يربز فيها على السطح اصطفاؼ على أساس خصائص ادلشروع االجتماعي الثقايف ادلستقبلي لتونس بعد الثورة، وىو

رت الدينية اإلسالمية والتيارات احلداثية، فإف مفهـو اليسار مشروع متنازع عليو بت التياواليمت يبقى أيضا فكرة مشوشة. والسبب يف ذلك ىو أف "حزب نداء تونس"، الذي يبدو دلمثلي "اجلبهة الشعبية" دبثابة التجسيد السياسي دلصاحل الطبقات العليا يف اجملتمع، يتفق مع

نية ويف حقوؽ ادلرأة وحقوؽ االنساف دبفهومها العادلي. أما ىذه األختة يف مفهـو الدولة ادلد"حزيب "التكتل" و "ادلؤسبر"، وعلا كانا طرفت يف التويكا اليت قادىا حزب النهضة اإلسالمي، فإهنما يتفقاف مع "نداء تونس" و"اجلبهة الشعبية" يف كثت من نقاط مشروعهما اجملتمعي

احلداثي.القادمة دلختلف ىذه التشكيالت ادلفتوحة على بعضها رغم ما ىي رىانات ادلرحلة صراعاهتا ؟خالؿ كل ىذه ادلرحلة االنتقالية تبدو اجلبهة الشعبية الطرؼ السياسي الذي يعمل

بشكل ثابت على اكتساب ىوية سياسية يسارية دبفهومها التقليدي األوريب. لكن طلبتها طاعات التعليم واحملاماة واجلامعة ال تسمح ذلا السياسة واالجتماعية ادلنتشرة خصوصا يف ق

حاليا بالتمثيل احلقيقي للطبقة العمالية اليت تدافع عنها. ومع ذلك فإف البعد االجتماعي الذي ذبعل منو عنواف معاركها السياسية بدأ يؤيت أكلو. وذلذا السبب فإف ما حصلت عليو يف

ضع موطن قدـ ثابتة يف الساحة السياسية االنتخابات التشريعية من مقاعد سيسمح ذلا بو


التونسية ال ؽلكن إلغاؤه يف ادلستقبل، وردبا أف تفاقم حاؿ الفقراء والعماؿ وادلهمشت يف السنوات الصعبة القادمة، واحلرية السياسية اليت فرضتها الثورة، سيعطياهنا فرصا أكرب يف

ادلستقبل كي توسع قاعدهتا الشعبية. لوسطية فإهنا ذبد صعوبة كبتة يف تعريف ذاهتا، ألهنا تدافع عن ظلوذج أما التشكيلة ا

رلتمعي دؽلقراطي حداثي أكثر من دفاعها عن أي طبقة أو فئة اجتماعية بعينها، وىذا رغم أهنا تضم حزبا سياسيا كاف لفتة قريبة يتكلم باسم التيار ادلاركسي )حزب ادلسار(. وإضافة

تقودىا ليس ذلا موطن قدـ قوية ال يف اجملاؿ االقتصادي وال يف إىل ذلك فإف النخب اليت اجملاؿ العمايل أو الفالحي. ولذلك فهي تبحث عن ربالف يساعدىا على الدفاع عن النموذج اجملتمعي الذي تنادي بو، وتغري يف ذات الوقت بعض قادهتا القاعدة االجتماعية

ت ادلتنورة داخل ىذا احلزب. حلزب النهضة، كما يأملوف ختا يف بعض القيادالكن األمر ليس كذلك بالنسبة "لنداء تونس" والتيار اإلسالمي. ذلك أف حزب

نداء تونس، ادلنغرس اجتماعيا يف مفاصل االقتصاد التونسي، ال يعمل من أجل رلرد التموقع دلراحل ادلرحلي داخل الساحة السياسية الوطنية، ليعمل بعد ذلك على تقوية ذاتو استعدادا

-وىو ما حدث بشكل جزئي -أخرى. بل يسعى بتصميم كبت إىل الوصوؿ إىل السلطةمعتربا إياىا ىدفا حقيقيا يف ادلتناوؿ ربتاج القوى اليت ؽلثلها إىل ربقيقو. والغاية من ذلك ىو ضماف مصاحل ىذه القوى بوصفها سبتلك مفاتيح االستثمار والتشغيل، وكذلك من أجل

نموذج اجملتمعي الذي تأسست عليو تونس منذ االستقالؿ. ودبا أف نظرة "حزب الدفاع عن ال-نداء تونس" إىل االقتصاد ال تتناقض مع النظرة الليربالية اإلسالمية دلسائل الكسب والثروة

فإف ضرورات العمل السياسي، -رغم قياـ ىذه األختة على فكرة ادلساواة من منظور أخالقيت ادلتبادلة، ؽلكن ذلا أف تقلص يف النهاية من نقاط االختالؼ بينو وبت اليت تتطلب التنازال

اإلسالميت غت ادلتشددين.أختا ال يبدو "حزب النهضة" مشغوال بدرجة أوىل بكيفية تنظيم االقتصاد انتاجا

وتوزيعا واستهالكا، أو هباجس وضع أسس الدولة الدؽلقراطية دبفهومها احلديث، كما ىو النسبة "للجبهة الشعبية" وألحزاب الوسط الدؽلقراطية احلداثية. وليس معت ىذا أف احلاؿ ب

القوى اإلسالمية ال هتتم باالقتصاد، بل يعت فقط أف ما يهمها من االقتصاد إغلابا أو سلبا


يف ىذه الفتة االنتقالية ىو ما ؽلكن أف يتتب على احلالتت من تسهيالت أو تعقيدات بوجو الديت الثقايف الذي تدعو إليو. وادلدخل األساسي الذي تعتمده فكريا يف فتح الطريق ادلشروع

أماـ ىذا ادلشروع ىو مدخل اذلوية، وىو مدخل تولد منو مقولة التغريب الثقايف واحلضاري بوصفو حالة تقوؿ أف اجملتمع التونسي يرزح ربتها منذ االستقالؿ وجاءت الثورة لتوفر فرصة

تحريره منها. وانطالقا من ذلك ؽلكننا أف نفهم سبب ارتباؾ "حزب النهضة" خالؿ تارؼلية لحكمو يف معاجلة ملفات الفساد واالستبداد من ادلنظور األخالقي الذي يدعو إليو، وىذا السبب يتمثل يف أف واقع احلياة السياسية واالقتصادية فرض عليو التعامل مع قاعدة "حزب

يف مفاصل اقتصاد البالد. نداء تونس" ادلتغلغلة خاتمة

خالؿ ىذا العرض لتجربة ما يسمى باليسار التونسي يف الفتة السياسية االنتقالية اليت سبر هبا تونس، وضحنا أف األحزاب التونسية ذبد صعوبة كبتة يف التموقع داخل الساحة

نيف يتطور تارؼليا من منظور ىذا التصنيف. والصعوبة ال تعود فقط إىل أف مضموف ىذا التصويتخذ أشكاال سلتلفة حبسب التجارب اجملتمعية وحبسب السياقات السياسية، بل أيضا

بسبب اخلصائص األنثروبولوجية واالقتصادية للمجتمع التونسي.ولقد بت البحث أيضا أف أعلية ادلرحلة االنتقالية يف تونس تكمن يف الكيفية اليت

يف واالجتماعي يف األذىاف و األشياء عرب العمل التفصيلي سيصاغ هبا مستقبل تونس الثقاالذي ستقـو بو ادلؤسسات اليت جرى وضعها، وإىل الكيفية اليت ستتعامل هبا القوى السياسية

بشأف ىذا ادلوضوع الشائك، خاصة على ادلستوى ادليداين يف ادلدف والقرى واألرياؼ. دثنا عن مواقفها وعن استاذبيات بقي سؤاؿ مهم ال ؽلكن جململ القوى اليت رب

عملها أف تتناساه، ألنو يشكل ثقافيا خيوط تواصل مسيكة بينها، تتأثر هبا وتؤثر هبا على بعضها: روابط الدين والقومية العربية. ففي داخل كل تشكيلة من ىذه التشكيالت ىناؾ

نوا من ادلاركسيت أو من نقاش حوؿ ىذه ادلسألة وإف دبضامت سلتلفة. بالنسبة للحداثيت، أكااخلليط الذي ؽلثلو الوسطيوف دبن فيهم "نداء تونس"، ؼلتزؿ النقاش يف كيفية سبفصل احليز السياسي الوطت بالفضاء الثقايف القومي و الديت ادلفتوح على كل احلدود وادلشارب. أما

ة مؤقتة وغت "طبيعية" بالنسبة للتيارات اإلسالمية والعروبية فإف احليز الوطت ليس إال حال


ينبغي لكل مشروع حضاري "ثوري" أف يذىب يف اذباه إلغائها رغم رسوخها التارؼلي. ومن مث نفهم كيف أف الثورة التونسية مل تلغ يوتوبيا الوحدة العربية اإلسالمية بل زادهتا تعقيدا.

بيبليوغرافيا مختصرة ، الرابط:9111توثيقية، يف، اجمللة اإللكتونية احلوار ادلتمدف أمحد النظيف، اليسار اإلسالمي يف تونس، مقاربة

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293275# 1091ياين للنشر والتوزيع، توفيق ادلديت، تاريخ ادلعارضة التونسية من النشأة إىل الثورة، تونس، مسكيل

الثػػػورة التونسػػػية، القػػػادح احمللػػػي ربػػػت رلهػػػر العلػػػـو االنسػػػانية، ربػػػت إشػػػراؼ ادلولػػػدي األمحػػػر، بػػػتوت، ادلركػػػز العػػػريب لألحبػػػاث ودراسػػػة 1099السياسات،

1000راشد الغنونشي، من ذبربة احلركة اإلسالمية يف تونس، تونس، ادلركز ادلغاريب للنشر والتمجة، احلػزب و ادلنظمػات الوطنيػة غػت ، الفصػل: 1091الفاعل والشاىد، حوار مع زلمد الصياح، تونس، سػتاس للنشػر، ادلولدي األمحر

.الطالبية يف الستينياتز ادلولػػػػدي األمحػػػػر، اجلػػػػذور االجتماعيػػػػة للدولػػػػة احلديثػػػػة يف ليبيػػػػا. الفػػػػرد واجملموعػػػػة والبنػػػػاء الزعػػػػامي للظػػػػاىرة السياسػػػػية.، بػػػػتوت، مركػػػػ

دراسات الوحدة العربية،Bouguerra, Abdeljalil, De l'histoire de la gauche tunisienne : le mouvement Perspectives. 1963-1975, Tunis,éd. Cérès, 1993 Hibou, Béatrice, La force de l’obéissance, Paris, 2006 Sraieb, Noureddine, Notes sur les dirigeants politiques et syndicalistes tunisiens de 1920 à 1934, Revue de l’Occident musulman et de la méditerranée, n°9, 1971, p.

91-118

أنظر: 4Sraieb, Noureddine, Notes sur les dirigeants politiques et syndicalistes tunisiens de 1920 à 1934,

Revue de l’Occident musulman et de la méditerranée, n°9, 1971, p. 91-118 البياة الحزب و المنظماات الوطنياة غيار الط، الفصل: 4144أنظر: الفاعل والشاهد، حوار مع محمد الصياح، تونس، سيراس للنشر، 4

.في الستينيات للتعرف على تاريخ هذا التيار أنظر: 3

Abdeljalil Bouguerra, De l'histoire de la gauche tunisienne : le mouvement Perspectives.

1963-1975, Tunis,éd. Cérès, 1993 . وكاذل:: توفياا 4111اربي للنشار والترجماة، أنظار: راداد الونونشااي، مان تجرباة الحركاة افساالمية فاي تاونس، تااونس، المركاز الموا 1

4144المديني، تاريخ المعارضة التونسية من النشأة إلى الثورة، تونس، مسكيلياني للنشر والتوزيع، ظهر الخالف بين بورقيبة وأحمد المستيري ومن معه فاي نهاياة الساتينيات، وكاان موضاوعه رفا أحماد المساتيري للسياساة االداتراكية 5

لم يحصاال علااى "حاازب الااديمقراطيين افدااتراكيين"كمااا تجساادت فااي سياسااة التعاضااديات. إال أن الحاازب الااذي أسسااو ، وهااو للحاازب 4984تأديرته إال في بداية الثمانينيات ليشارك في أول انتخابات تونسية تعددية سنة

زب الوحدة الشعبية"حوكم أحمد بن صالح في نهاية تجربة التعاضد وفر من سجنه إلى فرنسا و أسس "ح 6

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293275

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293275


45/44ظهر هاذا التياار داخال الحركاة افساالمية فاي بداياة الثمانينياات، وبعاد رفضاه مان قبال الحركاة، أساس أصاحابه مجلاة عنوانهاا 7. لمزياد االطاالع أنظاار: 44وهاو عناوان ذو داللااة كبيارة ألناه يعنااي أن هادف الجماعاة كااان الاربط "الصاحيح" بااين افساالم وحضاارة القاارن

، الرابط:3644حمد النظيف، اليسار افسالمي في تونس، مقاربة توثيقية، في، المجلة افلكترونية الحوار المتمدن أ http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293275#

تنسب هذ القولة للوزير األسب أحمد بن صالح بعد عودته من المنفى في عهد بن علي. 8 Hibou, Béatrice, La force de l’obéissance, Paris, 2006الفساد في نسيج النظام االقتصادي الساب :أنظر بخصوص 9

وقد ضمت العدياد مان القاول السياساية حاول جملاة مان المباادح اتفقات حولهاا مان أجال التوحاد فاي مواجهاة 4115أكتوبر سنة 48تأسست هيئة 41 الوثيقااة بالخصااوص: "الحاازب الااديمقراطي التقاادمي" و "حاازب العمااال الشاايوعي" و حاازب النهضااة"، الحكاام االسااتبدادي كنااذاك. وقااد اجتمااع حااول هااذ

و"وحزب التكتل" و "حزب المؤتمر " و "الوحدوين الناصريون" وغيرهم.كااك قياادة المنظماة النقابياة فاي بداياة الثمانينياات حادثت فاي الجامعاة صادامات عديادة باين الطاالب اليسااريين والطلباة افساالميين الاذين حااولوا افت 44

دايرة العمال "االتحاد العام لطلبة تونس" من التيار المسيطر عليها، ولما فشلت في ذل: أسست "االتحاد العام التونسي للطلبة" لكنهاا لام تحصال علاى تأ بعد الثورة. 4143الحر. حصلت على ذل: سنة

ديثة في ليبيا. الفارد والمجموعاة والبنااء الزعاامي للظااهرة السياساية.، بياروت، أنظر: المولدي األحمر، الجذور االجتماعية للدولة الح 44 4119مركز دراسات الوحدة العربية،

ال تعني هذ المالحظة أنناا نعتماد المقارباة االنقساامية فاي تحليلناا للظااهرة السياساية. وقاد قمناا بنقاد هاذ المقارباة بشاكل معما فاي 43 حات الفصل األول منه.كتابنا المذكور أعال في صف

درحنا في هذا افطار كيف أن التجارب السياسية المواربية تقتارب أكثار أو أقال مان هاذا النماوذج بحساب خصائصاها التاريخياة، وأن 41 الحالة الليبية كانت حالة تجسد إلى حد كبير هذا الطرح.

تيارات فرعياة عديادة، وهاو ماا جعال وحادة الزعاماة السياساية فاي نشهد اليوم صراعات كبيرة داخل هذا التيار الذي ينقسم بدور إلى 45حالة امتحان. كما أن تجرباة المحاصصاة الحزبياة والوالئياة التاي كشافت عنهاا عملياة تشاكيل حكاومتي الترويكاا عارت أيضاا جانباا مان دور

هذ العالقات واآلليات في بناء األحزاب افسالمية. لمضربين والمتظاهرين إعالميا وحقوقيا وطالبت سياسيا باالستجابة لمطالبهم.ساهمت هذ المعارضة في مساندة ا 46

المصاادر: الثااورة التونسااية، القاادح المحلااي تحاات مجهاار العلااوم االنسااانية، تحاات إدااراف المولاادي األحماار، بيااروت، المركااز العربااي 47 4141لألبحاث ودراسة السياسات،

مان محطاات الثاورة التونساية، تمثلات فاي اعتصاامات ضاخمة أماام قصار الحكوماة بالقصابة محطتان تاريخيتان 4والقصبة 4.القصبة 48 ( 4( ثم المطالبة بمجلس تأسيسي )القصبة 4للمطالبة برحيل الحكومة التي خلفت بن علي )القصبة

حزبا. 31يقدر عدد هذ األحزاب اليوم في تونس بأكثر من 49ة للبلدان الخليجياة يبادو افساالميون التونسايون فاي كوكباة المتناويرين. لكان فاي عياون الكثيار مان السياسي-من منظور التجربة الثقافية 41

التونسيين، وبالنظر إلى التجربة التحديثية التونسية، يبدو المشروع افسالمي بالشكل الذي يرغب حزب النهضة في تطبيقه محافظا. ااعبية الوحدويبااة، و الحاازب الشبااعبي ل 44 لحريبااة و التبقاادم، و الحاازب الااوطني االدااتراكي الثبااوري، و حركااة البعااث، و حركااة الجبهااة الشب

الاادبيمقراطيين االدااتراكيين، و حاازب الوااد، و حاازب الطبليعااة العربااي الاادبيمقراطي، و حاازب العمبااال، و حاازب النبضااال التبقاادمي، و حاازب سار العمبالي، و جمعية راد اتاك.الوطنيبين الدبيمقراطيين الموحبد، و حزب تونس الخضراء، و رابطة الي

حاازب جبهااة افصااالح التونسااية، حاازب التحرياار، إلااى جانااب حاازب النهضااة: 4144هناااك ثااالث أحاازاب إسااالمية تشااكلت خااالل 44 حزب الرحمة

زب تشكل "الحزب الجمهوري" من األحازاب التالياة: "الحازب الاديمقراطي التقادمي" و "حازب كفاا تاونس" و "حازب افرادة" و"حا 43الكرامااة" و حاازب "حركااة بااالدي" و "حاازب الديمقراطيااة والعدالااة االجتماعيااة".. خاارج حاازب كفااا فااي مااا بعااد ماان الحاازب الجمهااوري

وكذل: بع المستقلين وغيرهم تشكل هذا الحزب من: حزب التجديد وحزب العمل التونسي والعديد من المستقلين. 41

هل هناك-يسار-تونسي

Documents