١

سلسلة مفاهيم جيب أن تصحح

آداب احلوار وقواعد االختالف

إعداد

عمر عبد اهللا كامل:الدكتور

٢

مضمون البحث

الموضوع الصفحة

١ مقدمة-

٣ أهداف الحوار ومقاصده-

٣ األصول والقواعد الرئيسة التي تضبط مسار الحوار-

٤ : آداب الحوار النفسية -

تهيئة الجو المناسب للحوار: أوالً

اإلخالص وصدق النية: ثانياً

اإلنصاف والعدل: ثالثاً

التواضع وحسن الخلق: رابعاً

الحلم والصبر: خامساً

والشفقةالرحمة : سادساً

العزة والثبات على الحق: سابعاً

حسن االستماع: ثامناً

االحترام والمحبة رغم الخالف: تاسعاً

٨ : آداب الحوار العلمية -

العلم: أوالً

البدء بالنقاط المشتركة: ثانياً

التدرج والبدء باألهم: ثالثاً

الدليل: رابعاً

ضرب األمثلة: خامساً

العدول عن اإلجابة: سادساً

الرجوع إلى الحق: سابعاً

التحدي واإلفحام وإقامة الحجة: ثامناً

٣

الموضوع الصفحة

١١ : آداب الحوار اللفظية -

الكلمة الطيبة: أوالً

التعريض والتلميح: نياً ثا

ثناء المحاور على نفسه وعلى خصمه بالحق : ثالثاً

محاذير لفظية: رابعاً

١٤ : قواعد في أدب االختالف -

١٤ أنواع االختالف وأسبابه: أوالً

االختالف المذموم– أ

االختالف المحمود- ب

ف في خير قرون األمةوجود الخال -

١٥ االختالف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة: ثانياً

١٧ :ختالف لال الضوابط العلمية -

رد االختالف للكتاب والسنة -١

اتباع المنهج الوسط -٢

التفريق بين القطع والظن في األدلة -٣

تجنب القطع في المسائل االجتهادية -٤

علماء وأدلتهماالطالع على خالفات ال -٥

تحديد المفاهيم والمصطلحات -٦

النظرة الشمولية -٧

النظر في المقاصد والمآالت -٨

أعمال القلب مقدمة على أعمال الجوارح -٩

االهتمام بهموم المسلمين -١٠

التعاون في المتفق عليه -١١

٢٠ خاتمة-

٤

آداب الحوار وقواعد االختالف

: تطرف -أصولية : ( كثيرة ، وتعددت مسمياتها ، وأطلقوا عليها ابتلي العالم اإلسالمي بفتن

) .وغيرها... إرهاب -

الغلو والتفسير الناقص للنصوص ، وإطالق هـذه : إال أنها كلها تعبر عن مفهوم واحد هو

التسميات على المؤمنين دون بصيرة وروية ، فاستسهل أقوام قـذف المـسلمين بالبدعـة

في أمور خالفية ليست محال ألي من هذه األوصاف ، بـل ليـست والكفر والشرك والجهل

!! .محال للتخطئة والتجهيل ، فكيف بالتبديع والتكفير ؟

ينبغي إذ إن الكثير من هذه األمور الخالفية سبقهم إليها أئمة من ذوي الرواية والروية ، وال

.أن يعيب مقلد على مقلد وال مجتهد على مجتهد

.اإلسالم هو االختالف المحمود الذي سيرد تفصيله ذلك أن سر خلود

لى ظهور كل هذه التناقضات هو غيـاب إوإن الداء األكبر الذي استشرى في زماننا ، وأدى

.فريضة الحوار التي أرى أنها أولى األولويات وأهم المهمات

ـ رين إن فقواعد الحوار واالختالف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشـتم اآلخ

.كان الحق هو الرائد والمطلوب

ينفع معه قواعد وال أما إذا كان الخالف انتصارا ألهواء سياسية وتعصبا أعمى ، فهذا أمر ال

ن الهوى ليس له ضوابط وال موازين ، ولذلك حذرنا المولى عز وجـل مـن إضوابط ، إذ

يـر هـدى مـن اهللا ومن أضل ممن اتبـع هـواه بغ : اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى

]٥٠: القصص [

إن البناء الفقهي اإلسالمي العظيم لم ينشأ من فراغ ، وإنما نشأ عن مناهج وأسس وضوابط

.وموازين علمية دقيقة اتبعها أصحاب المذاهب في االستنباط واالستخراج

.لذلك فإن غياب هذه األسس والمناهج في الحوار واالختالف أوقعنا فيما نحن فيه

ال أحسب أن هذه الموضوعات نالت حظا وافرا من االهتمام والتعليم سواء في المدارس أو و

نراه اليـوم مـن الجامعات ، مما جعل حوار المتعالمين كحوار الطرشان ، ونشأ عن ذلك ما

فتن وتيارات مختلفة متنافرة ، فقد يختلفون حيث ال اختالف ، وقد ينزلقون وهم يعتقـدون

٥

وإذا قيـل : إنما هم في الواقع يفسدون ، كما قال اهللا تعالى في أمثالهم أنهم مصلحون ، و

إنما نحن مصلحون أال إنهـم هـم المفـسدون ولكـن ال : تفسدوا في األرض قالوا لهم ال

]١١: البقرة [ يشعرون

سدد اهللا القول ، وأصلح النية ، وحقق اآلمال ، والحمد هللا في البدء والختام ، وصـلى اهللا

. سيد األنام وعلى آله وصحبه وسلم على

א:

٦

أهداف الحوار ومقاصدهمن القـول سداالغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والف : إقامة الحجة - ١

. صول إلى الحقوستدالل الصحيح للوالسير بطرق اال. والرأي

ادع : قال تعـالى . مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس ئدالحوار الها : الدعوة - ٢

: النحل <إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن

١٢٥<.

تضييق هـوة الخـالف، وتقريـب : من ثمرات الحوار : تقريب وجهات النظر - ٣

وجهات النظر، وإيجاد حل وسط يرضي األطراف في زمن كثر فيـه التبـاغض

والتناحر،

والرد على األباطيل ، إلظهار الحق وإزهاق الباطل، كمـا قـال كشف الشبهات - ٤

>٥٥:األنعام <وكذلك نفصل اآليات ولتستبين سبيل المجرمين:تعالى

التي تضبط مسار الحوار األصول والقواعد الرئيسةحذر من التعـصب فالبد من التجرد في طلب الحق، وال : الوصول الي الحق : األصل األول

.والهوى، وإظهار الغلبة والمجادلة بالباطل

أن يكون في طلب الحق كناشد ضـالة، : "يقول اإلمام الغزالي عند ذكره لعالمات طلب الحق

يد من يعاونه، ويري رفيقه معيناً ال خصماً، ال يفرق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على

)١(" قويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الح

التي يدور حولها الحوار، فإن كثيراً مـن الحـوارات تحديد الهدف والقضية : األصل الثانى

.هاإليتتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي

الكتـاب : ، والمرجعية العليا عند كل مسلم هي االتفاق على أصل يرجع إليه : األصل الثالث

: وقد أمر اهللا بالرد إليهما فقال سبحانه . فهم الكتاب والسنة ، والضوابط المنهجية في ةوالسن

وه إلى اهللا والرسولفإن تنازعتم في شيء فرد> ٥٩: النساء <

فاالتفاق على منهج النظر واالستدالل قبل البدء في أي نقاش علمي يضبط مـسار الحـوار

ان في حلقة مفرغـة ال إلى الدور ين االختالف في المنهج سيؤد إويوجهه نحو النجاح، إذ

.حصر لها وال ضابط

بد من البـدء بـاألهم مـن فال عدم مناقشة الفرع قبل االتفاق على األصل : األصل الرابع

.األصول وضبطها واالتفاق عليها، ومن ثم االنطالق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها

.١/٥٧إحياء علوم الدين ) ١(

٧

آداب الحوار النفسيةة المحاور وشخصه، وهناك ظروف نفسية قد تطرأ على الحوار هناك آداب تتعلق بنفسي

.فتؤثر عليه تأثيراً سلبياً، فينبغي مراعاة ذلك حتى يحقق الحوار غاياته ويؤتي ثمراته

:وأهم هذه اآلداب النفسية

تهيئة الجو المناسب للحوار : أوالًحق قد يضيع في مثل هـذه فالبد من االبتعاد عن األجواء الجماعية والغوغائية، ألن ال

. وإتاحة الزمن الكافي للحوارئكما ينبغي اختيار المكان الهاد. األجواء

كما ينبغي مراعاة الظرف النفسي واالجتماعي للطرف اآلخر، فال يصلح أبداً أن يتم الحوار

.مع شخص يعانى من اإلرهاق الجسدي أو النفسي، ألن هذه األمور ستؤثر على الحوار

:وسائل في تهيئة الجو المناسب للحوارومن ال

. التعارف بين الطرفين- ١

.سئلة في غير موضوع الحوار لتهيئة نفسية الطرف اآلخرأ طرح - ٢

)١(. التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة تلفت انتباه الطرف اآلخر- ٣

اإلخـالص وصــدق النيـة : ثانياً هللا وحسن النية وسالمة القصد في الحـوار والمنـاظرة، وأن البد من توفر اإلخالص

يبتعد المناظر عن قصد الرياء والسمعة، والظهور على الخصم والتفـوق علـى اآلخـرين،

.واالنتصار للنفس، وانتزاع اإلعجاب والثناء

ومن دالئل اإلخالص هللا والتجرد لطلب الحق أن يفرح المحاور إذا ظهر الصواب على لسان

".ناظرت أحداً إال تمنيت لو أن اهللا أظهر الحق على لسانه ما: "فه، كما قال الشافعي مخال

ويعينه على ذلك أن يستيقن أن اآلراء واألفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحد أو طائفـة،

.والصواب ليس حكراً على واحد بعينه

اإلنصـاف والعــدل : ثالثاًالعدل واإلنصاف، ومن تمام اإلنصاف قبول الحق من : األساسية في الحوار ئ من المباد

الخصم، والتفريق بين الفكرة وقائلها، وأن يبدي المحاور إعجابـه باألفكـار الـصحيحة

: واألدلة الجيدة، ومن نماذج اإلنصاف ما ذكره اهللا سبحانه فـي وصـف أهـل الكتـاب

من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات اهللا آناء الليل وهـم يـسجدون ليسوا سواء آل

١١٣:عمران

.) ١٣٠ - ١١٧ ص يآدابه وضوابطه ، للزمزم: الحوار (انظر ) ١(

٨

التواضع وحسن الخلــق :رابعاً إن التزام األدب وحسن الخلق عموماً، والتواضع على وجه الخصوص له دور كبير في

مـن محـاوره تـوقيراً ىإقناع الطرف اآلخر، وقبوله للحق وإذعانه للصواب، فكل من ير

ماً طيباً، فإنه ال يملك إال أن يحترم محاوره، ويفتح وتواضعاً، ويلمس خلقاً كريماً، ويسمع كال

.قلبه الستماع رأيه

أي يرفع منزلته في الـدنيا . )١(" وما تواضع أحدٌ هللا إال رفعه اهللا : "وفي الحديث الصحيح

.عند الناس، وكذلك يرفعه في اآلخرة ويزيد من ثوابه فيها بتواضعه في الدنيا

.العجب والغرور والتكبر: ومما ينافي التواضع

الحلـم والصـبر : خامسـا يجب على المحاور أن يكون حليماً صبوراً، ال يغضب ألتفه سبب، وال ينفر ألدنى أمر،

.وال يستفز بأصغر كلمة

: عذار الناس وترك اإلغالظ عليهم كما في قوله تعـالى إأمر سبحانه نبيه بأخذ العفو و فقد

رف وأعرض عن الجاهلينخذ العفو وأمر بالع> ١٩٩: األعراف<.

والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب، ألن العفو ترك المؤاخذة، وطهارة القلـب،

.والسماحة عن المسيء، ومغفرة خطيئته

وأعظم ذلك وأكبر هو دفع السيئة بالحسنة، ومقابلة فحش الكالم بلينه، والشدة بالرفق،

ارحة بالكلمة الطيبة العذبه، والسخرية واالحتقار بالتوقير واالحترام، وهـذه ورد الكلمة الج

وال تستوي الحسنة وال السيئة، ادفع : منزله ال يصل إليها إال من صبر وكان ذا حظ عظيم

بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقٌاها إال الذين صـبروا

.>٣٤: فصلت < حظ عظيموما يلقاها إال ذو

الرحمـة والشفقـة: سادساً إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق، ويشفق على خـصمه

.الذي يناظره من الضالل، ويخاف عليه من اإلعراض والمكابرة والتولي عن الحق

اآلخرين واستقامتهم فالرحمة والشفقة أدب مهم جداً في الحوار، ألن المحاور يسعى لهداية

فال يكون الحوار فرصة للكيـد . فلذلك يبتعد عن كل معاني القسوة والغلظة والفظاظة والشدة

. واالنتقام، أو وسيلة لتنفيس األحقاد، وطريقة إلظهار الغل والحسد، ونشر العداوة والبغضاء

.٤/٢٠٠١رواه مسلم ) ١(

٩

اتـضحت معـالم والرحمة جسر بين المحاور والطرف اآلخر، ومفتاح لقلبه وعقله، وكلما

الرحمة على المحاور كلما انشرح صدر الخصم، واقترب من محاوره، وأذعن لـه واقتنـع

فبما رحمٍة من اهللا ِلنْتَ لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب : يقول سبحانه مخاطباً نبيه . بكالمه

.>١٥٩: آل عمران <النفضوا من حولك

.ون بالخوف والحرص والشفقة عليهمولذلك كان األنبياء في حوارهم مع أقوامهم يصرح

ة والخوف عليهم في أكثر فقومن نماذج ذلك تصريح مؤمن آل فرعون لقومه بالرحمة والش

ويا... قوم إني أخاف عليكم مثل يوم األحزاب وقال الذي آمن يا : قال تعالى . من موضع

.>٣٣ - ٣٠: غافـر <قوم إني أخاف عليكم يوم التـناد

والثبات على الحقالعزة : سابعاً إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين، وعظمة اإليمان، فال يجـوز أن يـؤدي

والعزة اإليمانية ليست عناداً يستكبر على الحق، وليست .الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة

.نهطغياناً وبغياً، وإنما هي خضوع هللا وخشوع، وخشية وتقوى، ومراقبة هللا سبحا

حسن االستمـاع: ثامناً ، فكمـا أن للكـالم فنـاً وأدبـاً، فكـذلك )١(حاور الناجح أن يتقن فن االستماع البد للم

لالستماع، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكالم دون محاوره، ففرق بـين

.لى خطبة أو محاضرةإالحوار الذي فيه تبادل اآلراء وبين االستماع

مقاطعة كالم الطرف اآلخر، فإنه طريـق سـريع لتنفيـر : ومما ينافي حسن االستماع

لى ما فيه من سوء أدب، كما أنه سبب في قطع الفكرة مما يؤثر على تسلسل إالخصم إضافة

: وقد ذكر العلماء في آداب المتنـاظرين .األفكار وترابطها، ويؤدي إلى اضطرابها ونسيانها

حتى يفهم مراده من كالمه تماماً، وأن ينتظر كل واحد منهما الم اآلخر أال يتعرض أحدهما لك

.صاحبه حتى يفرغ من كالمه، وال يقطع عليه كالمه من قبل أن يتمه

الطرف اآلخر لقبول الحق، وتمهد ئ واالستماع إلى الطرف اآلخر وحسن اإلنصات، تهي

.نفسه للرجوع عن الخطأ

.) ٢٤٦ − ٢٣٦آدابه وضوابطه ص : احلوار (انظر ) ١(

١٠

رغم الخالفحترام والمحبةاال : تاسعاً ، ولكن ال يجوز أن يؤدي الخـالف بـين المتنـاظرين )١( الخالف أمرُ واقع ال محالة

.الصادقين في طلب الحق، إلى تباغض وتقاطع وتهاجر، أو تشاحن وتدابر

فأخوة الدين، وصفاء القلوب، وطهارة النفوس فوق الخالفـات الجزئيـة، والمـسائل

النظر، ال ينبغي أن يقطع حبال المودة، ومهما طالت المناظرة، أو الفرعية، واختالف وجهات

.تكرر الحوار، فال ينبغي أن تؤثر على القلوب، أو تكدر الخواطر، أو تثير الضغائن

. لقد اختلف السلف فيما بينهم، وبقيت بينهم روابط األخوة الدينية

أمور كثيرة، وقضايا متعـددة، مـع بكر وعمر، يختلفان في فهذان الخليفتان الراشدان، أبو

.لفة والمحبة، ودوام األخوة والمودةبقاء األ

حتـرام ومع هذا الخالف بينهما إال أن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقـدير واال

.لآلخر، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه

.) ٢٥٨ − ٢٤٧آدابه وضوابطه ص : احلوار (انظر ) ١(

١١

آداُب الحوار الِعلَمية

علـمالـ: أوالً العلم شرط أساسي لنجاح الحوار وتحقيق غايته، وبدونه ال ينجح حوار، ويهدر الوقـت

.ويضيع الجهد

فيجب على المحاور أال يناقش في موضوع ال يعرفه، وال يدافع عن فكرة لم يقتنع بها، فإنه

ير يدافع عنها، ويعرض نفسه لإلحراج وعـدم التقـد يبذلك يسيء إلى الفكرة والقضية الت

.واالحترام

البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع االتفاق: ثانياً بين كل متناظرين مختلفين حد مشترك من النقاط المتفق عليها بينهما والتي يسلم بهـا

والبدء باألمور المتفـق عليهـا . الطرفان، والمحاور الناجح هو الذي يظهر مواطن االتفاق

.هادفاً هادئاً الحوار ويعيد ،يوثق الصلة بين الطرفينيساعد على تقليل الفجوة، و

الخـالف وفجوة تقل، التالقي فرص فإن النزاع وموارد الخالف مواضع بذكر البدء كان إذا أما

.الفكرة صحة إلى النظر دون للغلبة النفوس ويثير القلوب، يغير أنه كما تتسع،

فـي ويفيد الخالف، نقطة وتحديد النزاع، لمح تحرير على يساعد المشتركة بالنقاط فالبدء

.معالجتها في والتدرج القضايا ترتيب حسن

التدرج والبدء باألهـم: ثالثاً إن المحاور الناجح هو الذي يصل إلى هدفه بأقرب طريق، وال يضيع وقته فيمـا ال

. طريقفائدة منه، وال عالقة له بأصل الموضوع، فمعرفة األهم والبدء به يختصر ال

بأهم قـضية - صلوات اهللا عليهم وسالمه - وأوضح األمثلة على ذلك بدء األنبياء

اعبدوا اهللا مالكم مـن إلـه شريك له وأكبر غاية، وهي الدعوة إلى عبادة اهللا وحده ال

.قالها نوح وهود وصالح وشعيب عليه السالم .>٩٥،٦٥،٧٣،٨٥: األعراف <غيره

فقد يحتاج المحـاور إلـى أن يتـدرج - البدء باألهم - هذا األدب ومع التأكيد على

ويتنازل مع خصمه، ويسلَم له ببعض األمور تسليماً مؤقتاً حتى يصل إلـى القـضية األم

.والمسألة األهم

ومن نماذج هذا األسلوب ما اتبعه إبراهيم مع قومه ليصل بهم إلى التوحيد وإبطـال

وهـذا علـى فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي :الشرك، كما قال سبحانه

١٢

فبطلـت ال أحب اآلفلين : فلما أفل قال - بزعمكم -وجه التنزل مع الخصم، أى ربي

الشمس حتى وصل بهم إلى حد ىعبادة الكواكب، ثم فعل مثل ذلك لما رأى القمر ولما رأ

)١( .إبطال ماهم عليه من الشرك

لالـدلـيـ: رابعاً إن كنـت : "الدليل، والبد من إثبات صحة الدليل، كما قيل : إن أهم ما ينجح الحوار

وال يحسن بالمحاور أن يستدل بأدلة ضعيفة أو حجـج ". ناقالً فالصحة، أو مدعياً فالدليل

فدليالن قويان ال يمكن الرد عليهما أفضل من سوقهما مع ثالثة أدلة أخرى يمكن . واهية

فيها، إذ ربما يستغلها الطرف اآلخر، فيضعف الفكرة ويسيء إلـى موقـف األخذ والرد

.صاحبها بسبب األدلة الضعيفة

ومتى وجد الدليل وثبتت صحته، فالبد من صحة داللته على المطلوب، والبد من ترتيـب

.األدلة حسب قوتها وصراحتها في الداللة على المقصود

ضرب األمثلة: خامساً ناجح هو الذي يحسن ضرب األمثلة، ويتخذها وسيلة إلقناع محـاوره، إذ إن المحاور ال

.أن األمثلة الجيدة تزيد المعنى وضوحاً وبياناً

ولما لألمثلة من دور كبير في تقريب المعاني واإلقناع بها، فقد اعتنـى القـرآن بهـا

س لعلهـم يتفكـرون وتلك األمثال نضربها للنا : كثيراً، وأشار إلى أهميتها وبيان هدفها

.>٢٥: إبراهيم <ويضرب اهللا األمثال للناس لعلهم يتذكرون. >٢١:الحشر<

العدول عن اإلجابة: سادساً إن األصل في الحوار الناجح أن يبنى على اإلخالص والتجرد للحق والصدق والوضوح،

اء، الجـدال والمـر ىولكن قد تتعذر هذه الصفات في الخصوم، فقد يكون الخصم يهـو

ويقصد إضاعة الوقت والتهرب من الحوار الجاد، وقد يلقي أسئلة ال قيمة لها وال تفيـد

.شيئاً بالحوار

ففي مثل هذه األحوال يعدل المحاور الناجح عن الجواب المباشر للسؤال المطـروح، إلـى

. جواب مفيد مهم

الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ: سابعاً

.) ٣٠٨ - ٢٩٦آدابه وضوابطه ص : الحوار (انظر ) ١(

١٣

يتميز بها المحاور الصادق، أن يكون الحق ضالته، فحيثما يصفات الت إن من أهم اآلداب وال

وجده أخذه، والعاقل هو الذي يسلم بخطئه، ويعود إلى الصواب إذا تبين له، ويفرح بظهوره،

.ويشكر لصاحبه إرشاده وداللته إليه

والتسليم بالخطأ صعب على النفس، خاصة إذا كان في مجمع من الناس، فهو يحتـاج إلـى

.تجرد هللا وصدق وإخالص، وقوة وشجاعة

التحدي واإلفحام وإقامة الحجة على الخصم: ثامناً لى الحق، فعلى المحاور أن يتجنب أسلوب اإلفحـام إ إن الهدف من الحوار هو الوصول

.واإلسكات، ألنه يترك في نفس المحاور حقداً وغيظاً وكراهية

وظلـم غىم مع من استطال وتجاوز حدود األدب، وطلى التحدي واإلفحا إولكن يلجأ المحاور

. الحق وكابر مكابرة بينة ولجأ إلى االستهزاء والسخرية، ونحو ذلكىوعاد

ال يحب اهللا الجهر بالسوء من القول إال من ظلم : وفي مثل هؤالء جاءت اآلية الكريمة

.>١٤٨: ساء نال<

استثنى حالـة إذا مـا - حتى مع الكفار - ولما أمر اهللا سبحانه بالتلطف في المناقشة

وال تجـادلوا ظلموا وبغوا، فال ينفع معهم الرفق واللين، بل يستعمل معهم الغلظة والشدة

.>٤٦:العنكبوت <ن إال الذين ظلموا منهمسأهل الكتاب إال بالتي هي أح

فظيةآداب الحوار الل . وأعني بها اآلداب التي تتعلق باأللفاظ المختارة، والكلمات المنتقاة، والعبارات المناسبة

ما تصاحبه الرغبة في الظهور على الخـصم، والخـوف مـن - غالباً -وحيث إن الحوار

االنهزام أو اإلحراج أمام اآلخرين، فربما انعكس أثر ذلك على ألفاظ المحاور، فيزل لـسانه،

.يلقي كلمة خشنةو

فالبد للمحاور أن يدقق ألفاظه ويراعي كل عبارة يتفوه بها، حتـى يـستقيم الحـوار،

.ويحقق نتائجه، ويؤتي ثماره

:وأهم اآلداب اللفظية

١٤

الكلمة الطيبة والقول الحسن : أوالً

إلـى ادع : حسنة، فقال سبحانه القد أمر اهللا عز وجل بدعوة الناس بالحكمة والموعظة ل

).١٢٥: النحل (سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن

اداة للطرف اآلخر، واختيار أحب األسماء إليـه، وقـد نحسن الم : ومن القول الحسن أيضاً

: ه المعانـدين ومتأدب األنبياء بهذا األدب في خطابهم ألقوامهم، فقد كان يقول الرسول لخص

وسماحة وتذكير بالروابط التي تجمعهم، ليستثير مـشاعرهم، ويطمئـنهم في تودد ) قوم يا(

.ليهإفيما يدعوهم

التعريض والتلميح بدالً عن التصريح : ثانياً

األخطاء من طرف خفي، وتجنب اللوم المباشر، وعدم تخطئة الطرف ى إن لفت النظر إل

ـ ق والرجـوع عـن الخطـأ، اآلخر بعبارة صريحة، كل ذلك له أثره في تسليم الخصم للح

فالنفوس غالباً ال تتحمل أن تواجه بقوة وصرامة، وهناك من األلفـاظ الموحيـة والكلمـات

اللطيفة والتي تؤدي الغرض نفسه، دون جـرح لمـشاعر اآلخـرين، أو إشـعارهم بالـذل

.والهزيمة

ثناء المحاور على نفسه أو على خصمه بالحق : ثالثاً

س ومدحها والثناء عليها، مذموم غالباً، وال يحب الناس أن يسمعوا إن الكالم عن النف

ممن يمأل آذانهم بمناقبه وسيرته وأحواله وتقلباته، بل إن من يفعل ذلك ويفرح بـه ويكثـر

.منه، يعد ناقصاً في عقله، أو ربما فاسداً في نيته وقصده

.)١( هب بهاؤهإن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه ذ: وكما قال اإلمام مالك

فـال تزكـوا : اهللا عز وجل عن تزكية النفس والتمدح بطهارتها فقال سـبحانه ىوقد نه

ألم تر إلى : ، وعاب أناساً فعلوا ذلك فقال فيهم ) ٣٢: النجم ( ىأنفسكم هو أعلم بمن أتق

).٤٩: النساء (الذين يزكون أنفسهم بل اهللا يزكي من يشاء وال يظلمون فتيالً

وفي المقابل فإن مدح اآلخرين وإطراءهم والثناء عليهم بما ليس فيهم، وتجاوز الحـد

.في ذلك، كل هذا مذموم ممقوت أيضاً

ولكن قد تكون هناك حاالت يحتاج فيها المحاور إلى أن يثني على نفسه بالحق، لتحقيق

ي مسألة من مسائله، غرض معين، كأن يشعر خصمه بمقدار علمه في موضوع الحوار أو ف

أو لينفي عن نفسه تهمة أو طعناً في صدقه وأمانته أو نحو ذلك، فهنا قد يسوغ ذكر شـيء

.من محاسن النفس بقدر وبحق

.٨/١٠٩: سري أعالم النبالء ) ١(

١٥

لتحقيـق غـرض - بالحق - لى أن يثني على الطرف اآلخر إ وكذا قد يحتاج المحاور

.راف بفضله أو علمهحترام، واالعت يكون القصد إشعاره بالتقدير واالمعين، كأن

محاذير لفظية : رابعاً

إن للسان سقطات، وللكالم زالت، والمسلم مأمور بحفظ لسانه، كما أنه مأمور بطيب الكالم،

وأن يقول خيراً فيغنم، أو يسكت فيسلم، ويسلم اآلخرون منه، وهناك أمور قـد يقـع فيهـا

طل سيره أو تحوله إلى جدل عقـيم، اللسان فتورد صاحبها الموارد، وقد تهوي بالحوار وتع

:أو تبادل سباب وشتائم، ولذلك ينبغي للمحاور أن يحذرها، فمن هذه المحاذير

. اختيار األلفاظ والمعاني التي تقود إلى الجدل، أو تستثير الفتن والمشكالت- ١

. ستعالءا إظهار التفاصح والتشدق في الكالم، تيهاً على الغير و- ٢

فإن المناظر ال ينفك عن حكاية كالم خصمه ومذمته، فيحكي عنه ما يدل : الغيبة - ٣

.على قصور كالمه وعجزه ونقصان فضله، وهو الغيبة

لى الكـذب عليـه، إربما ال يقدر المناظر على محاورة خصمه ، فيلجأ : الكذب - ٤

.فينسبه الى الجهل والحماقة وقلة الفهم، تغطية لعجزه فيقع في الكذب

لـست : ية النفس والثناء عليها بالقوة والغلبة والتقدم على األقران، كقوله تزك - ٥

ممن يخفي عليه أمثال هذه األمور ونحو ذلك مما يتمدح به على سبيل االدعاء

.

االستئثار بالكالم دون الطرف اآلخر، واإلطالة الزائدة عن حدها وعدم مراعـاة - ٦

. الوقت في أثناء الكالم

سأثبت لـك "، " أخطأت: "اشر عند وضوح خطأ الطرف اآلخر ، كقوله اللوم المب -٧

.ونحو ذلك مما يجرح الطرف اآلخر " جاهلئأنك مخط

.يذاء إرفع الصوت أكثر مما يحتاج إليه السامع ، ففي ذلك رعونة و -٨

.يشعر باحتقار الطرف اآلخر الهزء والسخرية ، وكل ما -٩

األساليب الغامضة ، والعبارات المحتملة تلبيسا على استعمال األلفاظ الغريبة ، و -١٠

إلى غير ذلك من المحاذير التي يجب علـى .. الطرف اآلخر ، تمويها للحقيقة

المحاور أن يبتعد عنها

قواعد في أدب االختالف

أنواع االختالف وأسبابه: أوال

:ختالف مذموم ، واختالف محمود ا: االختالف نوعان

:المذموم االختالف -أ

١٦

:وهو اختالف تضاد ، ويرجع إلى أسباب خلقية متعددة ، ومن هذه األسباب

.يالغرور بالنفس واإلعجاب بالرأ -١

.سوء الظن والمسارعة إلى اتهام اآلخرين بغير بينة -٢

.الحرص على الزعامة أو الصدارة أو المنصب -٣

.اتباع الهوى وحب الدنيا -٤

.شخاص والمذاهب والطوائف التعصب ألقوال األ -٥

.قليم أو حزب أو جماعة أو قائد إالعصبية لبلد أو -٦

.قلة العلم في صفوف كثير من المتصدرين -٧

.عدم التثبت في نقل األخبار وسماعها -٨

ينشأ عنهـا يوهذه األسباب وغيرها من الرذائل األخالقية والمهلكات هي الت

، وكل واحد من هـذه األسـباب يطـول اختالف غير محمود وتفرق مذموم

شرحه ، وسنأتي على ذكر الكثير من هذه األسباب عند الكالم عن القواعـد

.العلمية واألخالقية في أدب الخالف

: االختالف المحمود -ب

وهو اختالف تنوع ، وهو عبارة عن اآلراء المتعددة التـي تـصب فـي

، والخالف اللفظي ، يعرف بالخالف الصوري مشرب واحد ، ومن ذلك ما

وهذه االختالفات مردها إلى أسباب فكرية ، واختالف . والخالف االعتباري

وجهات النظر ، في بعض القضايا العلمية ، كالخالف في فروع الشريعة ،

.وبعض مسائل العقيدة التى ال تمس األصول القطعية

المواقـف وكذلك االختالفات في بعض األمور العملية ، كالخالف في بعض

: السياسية ، ومناهج اإلصالح والتغيير ، ويدخل في الخالفـات الفكريـة

علم الكالم والمنطق : في تقويم بعض المعارف والعلوم مثل ياختالف الرأ

واالختالف في تقويم األحـداث التاريخيـة وبعـض . والفلسفة والتصوف

.الشخصيات التاريخية والعلمية

، وإنما الذم في عدم مراعاة آداب الخالف العملية واألخالقيـة ةوهذا الخالف ليس فيه مذم

.التي سيأتي ذكرها في ثنايا هذا البحث

١٧

: وجود الخالف في خير قرون األمة

يأبي حنيفة ومالـك والـشافع : لقد كان الخالف موجوداً في عصر األئمة المتبوعين الكبار

خرين على رأيه أو م يحاول أحد منهم أن يحمل اآل ول. وغيرهم ي واألوزاع يوأحمد والثور

.يتهمهم في علمهم أو دينهم من أجل مخالفتهم

بل كان الخالف موجوداً في عصر شيوخ األئمة وشيوخ شـيوخهم مـن التـابعين الكبـار

الختالف أفهـامهم وتفـسيرهم اًوالصغار ، بل كان الخالف موجودا في عصر الصحابة نظر

.للنصوص

، فأقره ولم ينكره ، كما في قضية صالة العـصر فـي الف وجد في عهد النبي بل إن الخ

.ة ، وهي مشهورة ، وفي غيرها من القضايا ظ قرييبن

االختالف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة: ثانيا

االختالف ضرورة -أ

لـدين ، االختالف في فهم األحكام الشرعية غير األساسية ضرورة البد منها ، بسبب طبيعة ا

.واللغة ، وطبيعة الكون والحياة

:فأما طبيعة الدين

فقد أراد اهللا أن يكون في أحكامه المنصوص عليـه والمـسكوت عنـه ، وأن يكـون فـي

المحكمات والمتشابهات ، والقطعيات والظنيات ، والصريح والمـؤول ، : المنصوص عليه

.الجتهاد لتعمل العقول في االجتهاد واالستنباط ، فيما يقبل ا

ولو شاء اهللا ألنزل كتابه كله نصوصا محكمة قطعية الداللة ، ال تختلف فيها األفهـام ، وال

ولكنه لم يفعل ذلك ، لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة ، وطبيعة الناس . تتعدد التفسيرات

.ات الزمن يرووضر

:وأما طبيعة اللغة

ا تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيـب ، فإن نصوص القران والسنة ، جاءت على وفق م

ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى ، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز ، والعام

.والخاص ، والمطلق والمقيد

:وأما طبيعة البشر

١٨

فقد خلقهم اهللا مختلفين ، فكل إنسان له شخصيته المستقلة ، وتفكيره المتميـز ، وميولـه

اصة ، ومن العبث صب الناس في قالب واحد ، ومحو كل اختالف بيـنهم ، فهـذا أمـر الخ

. فطر اهللا عليها الناس يمخالف للفطرة الت

: وأما طبيعة الكون والحياة

فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه ، خلقه اهللا سبحانه مختلـف األنـواع والـصور

. وتناقض بل هو اختالف تنوع واأللوان ، وهذا االختالف ليس اختالف تضارب

وكذلك طبيعة الحياة ، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعـددة ، فـي المكـان

.والزمان

ولو شاء ربـك لجعـل : قتضتها الحكمة اإللهية ، قال اهللا عز وجل افالخالف سنة كونية

] .١١٩ - ١١٨: هود [الناس أمة واحدة

فـتح البـاري : نظـر ا" [ذا تساووا هلكـوا إتباينوا ف ير ما يزال الناس بخ ال: "وفي األثر

١٣/١٦. [

االختالف رحمة -ب

.االختالف مع كونه ضرورة ، هو كذلك رحمة باألمة وتوسعة عليها

ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمـور جزئيـة كثيرة ، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجـد

ـ العزيز الخليفة الراشد عمر بن عبد مـا : (( اهللا عـنهم ييقول عن اختالف الصحابة رض

لم يختلفوا ، ألنهم لــو لــم يختلفـوا لـم يكـن لنـا أن أصحاب رسول اهللا ييسرن

)).رخصة

فهم باختالفهم أتاحوا لنا فرصة االختيار من أقوالهم واجتهاداتهم ، كما أنهم سنوا لنا سـنة

. إخوة متحابين ختالف في القضايا االجتهادية ، وظلوا معهااال

: االختالف ثروة -ج

، وينمو ويتسع ، ألن كـل رأى يـستند إلـى أدلـة ه الفق يراء االجتهادية يثر اختالف اآل

.واعتبارات شرعية

وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية ، وإن تعدد المذاهب الفقهيـة وكثـرة

ال يعرف قيمتها إال أهل العلم والبحث ، فقـد يكـون ال يقدر قدرها ، وثروة األقوال ، كنوز

)١(. بعضها أكثر مالئمة لزمان ومكان من غيره

.٥٣، للقرضاوي ص بين االختالف المشروع والتفرق المذموم الصحوة اإلسالمية ) ١(

١٩

)١(: علمية لالختالف الضوابط الفإن تنازعتم في : تعالى مصداقاً لقوله رد االختالف لكتاب اهللا وسنة رسوله -١

ود ونستنبط بالطرق ، شريطة أن نع]٥٩النساء [ لى اهللا والرسولإشيء فردوه

التي استنبط بها علماؤنا السابقون ، وليس باألهواء أو باالعتساف أي أن يكون

األمر مجمعا عليه فال نعود لمذهب دون مذهب بل يعرض األمر على ثلة من

.العلماء حتى نحقق األمور

يريد بكم يريد اهللا بكم اليسر وال: اتباع المنهج الوسط فاهللا سبحانه وتعالى يقول -٢

نسان ضعيفايريد اهللا أن يخفف عنكم وخلق اإل: ، ويقول ]١٨٥البقرة [ العسر

المائدة [ ما يريد اهللا ليجعل عليكم من حرج: ، ويقول سبحانه وتعالى ]٢٨النساء [

٦[ .

سالم فال بد إذاً من رخصة وتيسير على الناس ومراعاة فالتشدد منهج ينبذه اإل

.ظروفهم

تفريق بين القطع والظن في األدلة والتركيز على المحكمات ال المتشابهات ، فمن ال -٣

المعلوم أن النصوص بعضها ظني الثبوت وظني الداللة ، وبعضها ظني الثبوت

قطعي الداللة ، وبعضها قطعي الثبوت ظني الداللة ، وبعضها قطعي الثبوت

السنة المتواترة ، واألحاديث فقطعية الثبوت هي القرآن الكريم و. قطعي الداللة

.أحاديث اآلحاد الصحيحة التي حفت بها قرائن وتلقتها األمة بقبول حسن

جتهاد الذا كان وفقا ألصول اإفاالجتهاد . تجنب القطع في المسائل االجتهادية )٤

ينكر مجتهد نكار عليه ، والومناهج االستنباط في علم أصول الفقه يجب عدم اإل

.لى فتنة إدى ذلك أخر ، وال ينكر مقلد على مقلد آخر وإال على مجتهد آ

إن من أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر البد له أن يطلع على خالفات )٥

دلة كل منهم حتى ال ينكر على الناس أمرا هم متبعون فيه علماء أالعلماء و

ولو : وتعالى فاضل فاالختالف من ضروريات الحياة ، وقد قال اهللا سبحانه أ

علـى وجـد كتب كثير من المفكرين والباحثين المعاصرين في أدب االختالف نتيجة ما ) ١(

سالم في حوارهم وخالفهم ، ومن أفضل من كتـب فـي ذلـك لم يلتزموا بأدب اإل الساحة من أناس

قد اسـتفدت مـن و .ةالدكتور يوسف القرضاوي ، والدكتور طه جابر العلواني ، والشيخ محمد عوام

.كتبهم وذكرت هذه الضوابط مجموعة هنا ألهميتها وضرورتها

٢٠

، فالتعصب لمذهب واحد واعتقاد ]١١٨هود [ حدةاشاء ربك لجعل الناس أمة و

. أمر يجر إلى فتن عظيمة ئأن كل من خالفه مخط

يجب أن تكون واضحة إذ النقاش تحديد المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها )٦

ن النقاشات التي تقدم جلية وهو ما يسميه العلماء تحرير موضع النزاع فكثير م

.اللفظ في لى خالف إاليوم مردها

البد من الجمع بين كل ما ورد فيما يخص المسألة الواحدة ، فالنظرة الشمولية )٧

وأرى أال ننساق وراء شيخ واحد نقدسه أو عالم . لتحريرها تحريراً جلياً واضحاً

اتخذوا : ول اهللا تعالى لى سواه وإال دخلنا في محظور قإواحد نعظمه وال نلتفت

. حبارهم ورهبانهم أربابا من دون اهللاأ

النظر في المقاصد واعتبار المآالت فمسألة المقاصد اإلسالمية لها دور كبير في )٨

تيسير المعامالت وتسهيل العمل في هذا الزمن وفي ذلك يقول الرسول صلى اهللا

. ما نوىئ امرإنما األعمال بالنيات وإنما لكل: عليه وسلم

. خالص مقدم على غيره أعمال القلب مقدمة على أعمال الجوارح فاإل )٩

لى إلى أجسامكم وصوركم ولكن ينظر إإن اهللا ال ينظر : يقول الرسول

.لى القلب إفكل الفضائل مردها قلوبكم وأعمالكم

إن مشاكلنا . ليس منهم االهتمام بهموم المسلمين ، فمن لم يهتم بأمر المسلمين ف )١٠

اليوم كثيرة ومتعددة احتوت الظلم االقتصادي والسياسي واالجتماعي والتفسخ

واالنحالل وهناك أمراض جديدة لم نكن نألفها ، فلماذا ال نتفق على ما اتفقنا عليه

. خطر التدهور ووندع الخالفيات ونواجه الخطر الداهم اليوم خطر التمزق ،

إن مشكلة األمة اإلسالمية اليوم ليست في ترجيح أحد . المتفق عليه التعاون في )١١

فالواقع . و تقليد أالرأيين أو اآلراء في القضايا المختلف فيها ، بناء على اجتهاد

. إن الخطأ في هذه القضايا يدور بين األجر واألجرين

٢١

ها في الصالة مشكلة المسلمين ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يخفضها أو ال يقرؤ

، وال فيمن يرسل يديه في الصالة أو يقبضهما ، ومن يرفع يديه عند الركوع أو

. لى آخر هذه المسائل الخالفية الكثيرة المعروفة إالرفع منه أو ال يرفعهما ،

إنما مشكلة المسلمين فيمن ال ينحني يوما هللا راكعـــا ، وال يخفض جبهته هللا

. د وال يعرفه ساجدا ، وال يعرف المسج

مشكلة المسلمين ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هالل رمضان

أو شوال ، بل فيمن يمر عليه رمضان كما مر عليه شعبان وكما يمر عليه

شوال ، ال يعرف صياما وال قياما ، بل يفطر عمدا جهارا ونهارا ، بال خشية

. وال حياء

في عدم تغطية الوجه بالنقاب ، واليدين بالقفازين ، كما مشكلة المسلمين ليست

هو رأي البعض ، بل في تعري الرؤوس والنحور ، والظهور ، ولبس القصير

. لى آخر ما نعرف مما يندى له الجبين إالفاضح ، والشفاف الوصاف ،

إن المشكلة حقا هي وهن العقيدة ، وتعطيل الشريعة ، وانهيار األخالق وإضاعة

الصلوات ، ومنع الزكوات ، واتباع الشهوات ، وشيوع الفاحشة وانتشار الرشوة

وخراب الذمم ، وسوء اإلدارة ، وترك الفرائض األصلية وارتكاب المحرمات

. عداء اهللا ورسوله والمؤمنين أالقطعية ومواالة

مشكلة األمة المسلمة الحقيقية في إضاعة أركان اإلسالم ، ودعائم اإليمان ،

. وقواعد اإلحسان

فالواجب على دعاة اإلسالم أن ينبهوا على التركيـــز على مواطن االتفاق

فإن هذا التعاون ) التعاون فيما نتفق عليه(قبل كل شيء ، وأن يرفعوا شعار

. فريضـــة وضرورة ، فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع

٢٢

:خاتمة

ال التفاعل من خالل الحوار بعيدا إال يصلحه منه في مجتمعنا اإلسالمي الذي نعانيإن الخلل

عن القهر وتأليب جانب على آخر، والســلطة السياسية يجب أن تمثل دور الوازع الذي

يقف عند تهيئة جو الحوار الهادف ، والذي يحترم حريات جميع الفئات ، حتى وإن كانت

دالة اجتماعية بدون استقالل فكري ومذهبي ، نعم وال متحفظة عليها ، وال يمكن أن نتخيل ع

. بد من أدب في الحوار يحترم فيه صاحب السلطة

ين والمثقفين بالقرب من إن األمم التي بنت حضارتها أوجدت أماكن مناسبة للمفكر

، واستفادت منهم في حركة النقد الهادف فأصبحوا عمادا لها ، ولم يكونوا حربا الســلطة

. عليها

فالكبت الفكري ال يضر المفكر والمثقف فقط ، بل سيضرب في عنق النظام بعد أن يستفحل

لى النور ، ستجد طريقها إن لم تجد طريقها إخطره، فزبد النصائح التي تبذل للمجتمع والنظم

. ، فالفكرة المكبوتة قنبلة موقوتة ئلى من يحملها في قالب عنيف ومفاجإ

ار اإلسالمي قادر على احتواء جميع الصراعات واالختالفات ، فقد إن منهج الجدل والحو

احتوى هذا المنهج الصراعات مع األديان األخرى ، واتسع فكيف ال يتحمل الحـــوار

بين المسلمين ؟ ، إن الفكر الديني المستنير هو ضرورة أساسية ألي بناء حضاري ، ولن

.حوار اإلسالمي ال في ظل الإيكون هنالك فكر ديني مستنير

********************************************************

٢٣

:مصادر البحث

. ألبي حامد الغزالي –إحياء علوم الدين .١

. للزمزمي –) آدابه وضوابطه(الحوار .٢

.صحيح مسلم .٣

. البن تيمية -درء تعارض العقل والنقل .٤

.ي للحافظ الذهب–سير أعالم النبالء .٥

. للقرضاوي –الصحو اإلسالمية بين االختالف المشروع والتفرق المذموم .٦

. للشيخ محمد عوامة –صفحات في أدب الرأي .٧

. للدكتور عمر عبد اهللا كامل –فريضة الحوار .٨

. للدكتور عمر عبد اهللا كامل–دائرة الفتنة وسبل الخروج منها .٩

.هللا كامل للدكتور عمر عبد ا–) خوارج العصر(المتطرفون .١٠

**********************************************