دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

61
1 م الصقر قصيدة أيا مدونيس اسة فنية درلبدي ار عوني ال نز ق د ت واج ه مش كل ة في ق اءة ر الو ثيقة علىGoogle Chrome نصح باستعمال يInternet Explorer أوFireFox ر يتوف أصللمخطوط ضمن وثائق افة وامدبلثقالعلوم وااشرون ل ع ن تجم ابطى هذا الر تجدونه علNasheron.com/documents/9/271 www. http://

Upload: mohammad-talal-ramini

Post on 29-Nov-2015

1.363 views

Category:

Documents


21 download

DESCRIPTION

مقدمةإن التحدي الذي يطرحه أدونيس على دارسيه ليس سهلاً، فهو ليس شاعراً يحاول بداعي التجديد أن يعبث بقرائه ويتركهم في حيرة من أمرهم وهم يحاولون أن يتعاملوا مع شعره. ولذلك، يجد الباحث في أدونيس أن عمله لن يكتمل أو على الأقل لن يقترب من عالم هذا الشاعر إن لم يقرأ له كل ما كتبه، و ما كتب عنه، حتى يستطيع تشكيل صورة كافية تعينه على الدخول إلى عالم أدونيس المكتنز بالفن والأسرار والجمال والشعرية البارعة. ينقسم هذا البحث إلى قسمين رئيسين، أولهما يتناول أدونيس، وقد حاولت فيه أن أعطي لمحة سريعة موجزة عن الشاعر وفكره النقدي، ونشاطه الشعري ولقبه، وقناعه ( الصقر)، في تمهيد للدخول إلى عالم القصيدة، وثانيهما يبحث في القصيدة وما كتب عنها أولاً، ثم جهد الدارس هنا في محاولة فهمها واستكناهها.

TRANSCRIPT

Page 1: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

1

قصيدة أيام الصقر ألدونيس دراسة فنية

نزار عوني اللبدي

Google Chromeثيقة على الو راءة قفي ةكلمش هواجتد ق

FireFoxأو Internet Explorerينصح باستعمال

تجمع ناشرون للعلوم والثقافة واألدبالمخطوط ضمن وثائق أصل يتوفر

//:Nasheron.com/documents/9/271www.http تجدونه على هذا الرابط

Page 2: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

2

مقدمة

إن التحدي الذي يطرحه أدونيس على دارسيه ليس سهال، فهو ليس شاعرا يحاول بداعي التجديد ولذلك، يجد الباحث في . رائه ويتركهم في حيرة من أمرهم وهم يحاولون أن يتعاملوا مع شعرهأن يعبث بق

أدونيس أن عمله لن يكتمل أو على األقل لن يقترب من عالم هذا الشاعر إن لم يقرأ له كل ما كتبه، و ما ز بالفن واألسرار كتب عنه، حتى يستطيع تشكيل صورة كافية تعينه على الدخول إلى عالم أدونيس المكتن

. والجمال والشعرية البارعة

ينقسم هذا البحث إلى قسمين رئيسين، أولهما يتناول أدونيس، وقد حاولت فيه أن أعطي لمحة ، في تمهيد للدخول إلى (الصقر) سريعة موجزة عن الشاعر وفكره النقدي، ونشاطه الشعري ولقبه، وقناعه

يدة وما كتب عنها أوال، ثم جهد الدارس هنا في محاولة فهمها عالم القصيدة، وثانيهما يبحث في القص .واستكناهها

Page 3: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

3

(أدونيس)فصل في -1

:اإلنسان –أدونيس

علي أحمد سعيد أسبر، ولد في قرية قصابين السورية الجبلية التي تقع بين الالذقية وطرطوس، رابعة عشرة، ويقال إن تحصيله العلمي بدأ أوال على انتظم في مدرسة طرطوس في سن ال. ميالدية 0391سنة

أنهى دراسته الثانوية في مدرسة الالذقية، . يد والده الذي كان يدرسه شيئا من القرآن والشعر العربي القديم .م0391الفلسفة من جامعة دمشق سنة وتابع تحصيله العلمي الجامعي، حيث حصل على درجة

يوم هي الدكتورة خالدة سعيد، وقد كانت تشاركه حينئذ همومه السياسية تزوج فتاة سورية معروفة ال إلى لبنان، م0391حزب القومي السوري، هرب سنة ونتيجة لبعض الظروف السياسية المتعلقة بال. والفكرية

(1).حصل على الجنسية اللبنانية م0391وفي عام . حيث اشتغل مدرسا في المدارس اللبنانية الثانوية

للحزب القومي ولعل أهم نشاطاته آنذاك هو انتسابه. نشيطا سياسيا وفكريا أيام الدراسة الثانويةكان ، (أدونيس)وكان لهذه الصلة المبكرة بهذا الحزب أثر فعال، فلقبه الذي اشتهر به، أي( 2.)االجتماعي السوري

(3.)على اسمه الحقيقيوقد غلب عليه هذا اللقب حتى غطى . جاءه من زعيم الحزب أنطون سعادة

وسواء أكان اختيار الشاعر لهذا اللقب من تلقاء نفسه، أم أن اللقب اختير له من قبل أنطون ويظن الدكتور علي الشرع أن هذا االختيار ربما كان أثرا . سعادة، فإن هذا االختيار بحد ذاته لم يكن مصادفة (4.)رصون على بثها في وعي أعضائه الشبابمن آثار الثقافة الحزبية التي كان مخططو الحزب يح

التي تأسست في العام ( 9" )شعر"، كان أدونيس على رأس الذين اجتذبتهم مجلة م1591في عام وقد حظي بالمكانة األولى، وأحيط باإلعجاب والتقدير، وانعقدت عليه اآلمال في إبداع نهج شعري . المذكور (6.)جديد

:الشاعر –أدونيس

النظر في األعمال الشعرية الكاملة ألدونيس، يتبين أنه بدأ بكتابة الشعر منذ عام من خالل ، وهي المجموعة التي (م1599-1541) التاريخ اآلتي ( قصائد أولى)أنه وضع تحت عنوان ، ذلك م1541

عمالي كل ما لم أثبته في هذه الطبعة الجديدة من أ: "ل، وقال في مقدمة هذه األعمالتبدأ بها هذه األعما (1".)الشعرية الكاملة أتخلى عنه

على قصائد هذا الديوان غنائية بسيطة ب، وتغلم1591صدر عام " قصائد أولى"إال أن ديوانه األول ، أظهرت بعض م1591الصادر عام " أوراق في الريح"وفي ديوانه الثاني . وصور رومنسية وغير مركبة

أغاني مهيار "المعقدة ذات األبعاد المتعددة، ويظهر ديوانه الثالث قصائده ميال تدريجيا نحو العبارة الشعرية. ، أن أدونيس قد وجد صوته الخاص المتميز في الشعر العربي الحديثم1561الصادر عام " الدمشقي

Page 4: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

4

" المسرح والمرايا"، و1569" كتاب التحوالت والهجرة في أقاليم النهار والليل"ويستمر تطور أدونيس عبر ، وهي القصيدة التي يخرج "القصيدة الكلية"، فيصل إلى ما أسماه م1511" وقت بين الرماد والورد"، وم1561

كليا عن المفهوم التقليدي للشعر، ويداخل بين ما يعتبر نثرا بالمفهوم التقليدي وما يعتبر شعرا، فيها أدونيس قصيدة واحدة طويلة جدا، تنقسم إلى ، حيث يتكون هذا الديوان منم1519" مفرد بصيغة الجمع"ويصل إلى

" كتاب القصائد الخمس"، فيسجل ديوانه م1511أما في عام . أربعة أقسام، وكل قسم يتجزأ إلى أجزاء أصغرالذي يحتوي " كتاب الحصار"، صدر له م1519وفي عام . إلى حد ما" ني مهيار الدمشقياأغ"تراجعا إلى نمط

(1.)من قبل الجيش اإلسرائيلي م1512عن حصار بيروت عام قصائد وخواطر نقدية، ويتحدث فيه

، وهو مجموعة من قصائد النثر "احتفاء باألشياء الغامضة الواضحة"، صدر له م1511وفي عام .التي يغلب عليها الغموض، وأحيانا السوريالية

. **هذا عن إنتاجه الشعري بشكل عام

، فقد كانت تدور (م1562-م1591" )شعر"اله مع مجلة أما طبيعة أعماله الشعرية في فترة اشتغ فقد كان يستلهم الروح الحضارية السورية القديمة، ويوظف كثيرا من رموزها . بحدود إطار فكري محدد تقريبا

(5.)وأساطيرها

والتزامه بها إلى تحديد تناول إنتاجه بالدراسة والنقد من قبل " شعر"أدى اشتغال أدونيس مع مجلة ين يدورون في فلكها، وذلك نظرا لما مثلته هذه المجلة من تجمع ألفراد الحزب القومي السوري، بنظر الذ

(11(. )من القرن الماضي)مثقفي الخمسينيات والستينيات

وفي . ، ظل اسم أدونيس غائبا بشكل كلي عن المجالت العربية األدبية األخرىم1563وحتى عام ، بنشر 1561، بعد أن بدأ ابتعاده عن خطها الفكري منذ "شعر"ائيا عن مجلة تلك السنة انفصل أدونيس نه

شارته لها بأنها تمثل القيم الجمالية الخالدة وكرس هذا االبتعاد بنشر . مختارات من الشعر العربي القديم، وا يس ، والذي يؤشر بوضوح إلى بداية تحول في مسيرة أدونم1561عام ( أغاني مهيار الدمشقي)عمله

لحظ في هذا العمل وي (. السورية الفينيقية)ة الفكرية، فقد أبرز تحوال عن مصادره الحضارية والثقافية القديم (11. )الشعري أن أدونيس كان يعيش قلقا فكريا ونفسيا حادا

، قصيدته المطولة "شعر"ولعل من بعض األعمال الشعرية التي تكشف عن ابتعاد أدونيس عن مجلة : الكتابي، هكذا ، مذيلة باسمه الحقيقي ثم بلقبه(12) م1562، التي نشرها عام (ر وتحوالت الصقرالصق)لها قائال إنه استوحى في هذه موقد. ، وهذا أمر لم يعتد عليه في أعماله السابقة(أدونيس/علي أحمد سعيد)

( الصقر)لجدير بالذكر أن قصيدة وا. القصيدة حياة عبد الرحمن الداخل الذي أقام مملكته في دولة أوروبية وهذا التوظيف للتاريخ. دونيس التي تتناول مضمونا فكريا مرتبطا بالتاريخ العربيكانت القصيدة األولى أل

______________________________________________________________

يخ إعداد هذه الدراسة في ربيع هذه هي األعمال الشعرية التي كانت قد صدرت للشاعر أدونيس لتار ** م1515

Page 5: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

5

فالقصيدة في الواقع تعرض بالطابع الدموي . العربي ال يعني أن القصيدة تعبر عن مشاعر طيبة تجاهه ولعل أدونيس كان يعرض بالواقع . العنيف الذي ساد الحياة العربية السياسية في عهودها التاريخية المتعاقبة

(13.)ضه بالتاريخ العربي القديمالعربي الحالي من خالل تعري

نهائيا، وبعد انفصاله زاد اتصاله بمعطيات " شعر"إذن، انفصل أدونيس عن مجلة م1563في عام ولعل من . الحضارة العربية واإلسالمية، وبدأت تتشكل لديه مقوالت فكرية جديدة لم تصادف في إنتاجه من قبل

فبعد أن كان يؤكد كثيرا على هوية التراث السوري القديم . ث العربيهذه المقوالت ما يتعلق بموقفه من التراباعتباره تراثا متميزا بروح خاصة قائمة على التضحية والمغامرة واإلبداع، وهي المعاني التي جسدها في شعره

فالتراث العربي. ات المتعجلةمالتموزي، أخذ يخفض من حدة هذه اللهجة، ومن التورط في هذه التعمياإلسالمي الذي كان يدعو إلى تجاوزه أصبح في مرحلته الفكرية الجديدة من حقائق وجوده كإنسان، ووجود

(14. )المنطقة كلها

إلى أي مدى تؤثر الفكرة االجتماعية عند : يطرح شعر أدونيس مشكلة التطور الفلسفي للشاعر (19)مع تطوره الفكري؟ الفنان في بناء عمله األدبي؟ وهل يتوازى التطور الفني للشاعر

فاألسطورة . ينبغي أن نميز بين مرحلتين في حياة الشاعر الفنية والفكرية"ولإلجابة عن ذلك التموزية قد حملت شعر أدونيس عبء التعبير عن قضية اجتماعية يقدس تابعوها الفرد تقديسا نيتشويا

غير أن الطاقة . يلها إلى شيء قريب من العظةإن التعبير االجتماعي لألسطورة يح( ... نسبة إلى نيتشة)بأن تعمق األزمة الضارية بين مشكلة االنتماء ( العظة)الشعرية الكبيرة عند أدونيس قد خففت من هذه

شر أو من الهتاف السياسي المبا( عنده)لذك نجت األسطورة التموزية . واإليمان النيتشوي بالبطولة الفرديةعبر أدونيس المرحلة االجتماعية في التفكير، فتجاوز بذلك المرحلة التقريرية ... ارخالتقرير االجتماعي الص

وقد أسهمت األسطورة في تطوره . في التعبير، وتخلص تماما من شوائب التجسيد الواقعي في البناء الشعري (16..." )هذا إسهاما فعاال

د والتطور في الشعر، محققا بذلك والدة زال أدونيس يتحف قراءه حتى اآلن بمزيد من التجد وما :جديدة في كل مرة، مكرسا قوله

عش ألقا، وابتكر قصيدة، وامض،"

(.11" )زد سعة األرض

:األسطورة –أدونيس

كانت شعوب مصر وغربي آسيا تمثل موت الحياة وبعثها السنويين، ال سيما حياة النبات، تحت " (11" )وأتيس، فشبهوا النبات بإله يموت كل سنة، ثم يقوم من بين األموات أسماء أوزيريس وتموز وأدونيس

Page 6: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

6

هم عبادته حوالي ريا تعبد أدونيس، وأخذ اإلغريق عنوكانت األقوام السامية في وادي الرافدين وسو . فهي سامية( أدونيس)، أما التسمية (تموز)اسم اإلله الحقيقي هو كان وقد . القرن السابع قبل الميالد

(15.)، وهو لقب احترام كان يطلقه عليه عباده(السيد)عناها وم

وقصته باختصار، . ويظهر أدونيس في األساطير اإلغريقية بشكل أوضح منه في األساطير الشرقيةإال أن . ، إلهة العالم السفلي(برسيفوني)آللهة في صندوق ووضعته في عهدة أنه حين كان طفال خبأته ا

التي كانت تحبه حبا شديدا، مع أن ( أفروديت)أت جمال الطفل فرفضت أن تعيده إلى هذه فتحت الصندوق ور لهة ولم ي . إلهة الحب هذه نزلت بنفسها إلى الجحيم لتفديه من سلطان القبر حسم النزاع بين إلهة الحب وا

أفروديت في ، إذ حكم بأن يبقى أدونيس مع برسيفوني تحت األرض شطرا من السنة، ومع (زفس)الموت إال إله ( آريس)الجميل وهو في الصيد، أو صرعه وأخيرا، قتل خنزير بري الشاب. العالم العلوي شطرا آخر

(21. )لغيرته، إذ تنكر في شكل خنزير بري ليستطيع قتل غريمه -وهو من عشاق أفروديت- الحرب

ن الخريف والشتاء من ويبدو أن هذه األسطورة تعكس تفسير القدماء لتغير فصول السنة، ما بيفأدونيس الذي يبدو أنه يمثل الخصب والحصاد، يكون يقضي شطر . جهة، والربيع والصيف من جهة أخرى

سنته في العالم السفلي عندما يكون الخريف والشتاء، ويكون يقضي شطر سنته اآلخر في العالم العلوي .عندما يكون الربيع والصيف

س بالقضاء شطرا من السنة تحت األرض وشطرا فوقها، ما هو إال قرار زفس الحاكم على أدوني"فـ (21".)شكل آخر عبر اإلغريق به عن احتجاب أدونيس وعودته للظهور ثانية

وألن التضحية هي جوهر عبادة ادونيس، السيد اإللهي للمدينة عند األقوام السامية، فقد كان يمثله األسرة المالكة، وهؤالء كانوا يضحون بأنفسهم أحيانا أو في الغالب ملوك وكهنة، أو أناس آخرون من

(22. )بانتظام، بصفتهم آلهة

باط اإلنسان القديم بالطبيعة تهذه التضحية بالنفس في عبادة أدونيس، على قسوتها، تبرز عمق ار ففي أعياد " القاسي، واستبدلت به التمثيل، إال أنه فيما بعد، تخففت هذه األقوام من هذا الطقس. وظواهرها

أدونيس التي كانت تقام في آسيا الصغرى الغربية والبالد اإلغريقية، كان الناس يندبون موت اإلله كل سنة، كانوا يحملون تماثيله في شكل جثمان ميت، ويشيعونها . سيما النساء وينوحون عليه نواحا مؤلما، وال

(.23" )ماكن يحتفلون ببعثه في اليوم التاليوفي بعض األ. للدفن، ثم يلقون بها في البحر أو األنهر

فهناك صراع )إله جميل شاب، تتنازعه آلهتا الحب والموت، : هذا هو باختصار أدونيس األسطورة، وهو سبب الخصب والعطاء في الطبيعة، ومع ذلك تتعاوره حالتان باستمرار، وهما حالتان (يدور حولها، أن أدونيس يذهب ضحية ليبعث الحياة في األرض، وتنمو والنتيجة دوم. الحياة والموت: متناقضتان

.النباتات ويسعد الناس

Page 7: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

7

:اللقب –أدونيس

إما أن يكون اختير للشاعر من قبل زعيم الحزب القومي السوري، : مر بنا سابقا أن لقب أدونيسما أن يكون الشاعر قد اختاره لنفسه من التراث السوري القديم وأيا كان األمر، فإن رضا . أنطون سعادة، وا

الشاعر به في حالة أن يكون اختير له، واستمرار استعماله له، أو اختياره هو لهذا اللقب بالذات، له ما .يبرره عند علي أحمد سعيد

، وكونه محل صراع بين الحياة والموت، (التضحية)ويظن الدارس هنا أن جوهر أسطورة أدونيس وفي مصر ( تموز)= السيد، وامتداد األسطورة عبر األقوام السامية القديمة : قبوالتجدد والفناء، ومعنى الل

، وصلة ذلك العميقة بالحياة وتجددها في زمن تمر فيه األمة (أدونيس)= وفي اليونان ( أوزيريس)= القديمة تها الحضارية العربية بأزمة أبرز ما فيها هذا الصراع بين الماضي والحاضر في محاولة إلثبات وجودها وهوي

المتميزة بعد قرون من الجمود والتوقف، وكون الشاعر يعاصر هذه األزمة، بل يتمثلها ويعكسها في شعره وفكره النقدي، كل أولئك، برر لعلي سعيد أن يتقنع بأدونيس لقبا له، ال لمجرد الترف أو التظاهر، بل يقينا

. يرة من صفاتهمنه أنه يشترك مع هذا اإلله األسطورة في جوانب كث

. فاشاعر محل صراع بين التراث والمعاصرة، وهو يعي هذا الصراع تماما، ويكتب عنه ويبحث فيه. وهو مجدد تماما، بمعنى التمرد والخروج على مألوف الذوق العربي التقليدي إلى درجة تثير االستفزاز أحيانا

.ر في دراساته ويكرسها في شعرهوهذا التجديد هو حياة مستمرة متواصلة يدافع عنها الشاع

. األسطورة السامية، وامتداداته إلى اإلغريق ومصر، تجعل منه إلها عالميا / أصالة أدونيس ثم إن ن انطلق من تراثه، إال أنه يريد أن يكون عالميا في شعره .وهذا طموح شاعرنا الذي، وا

( أدونيس)قب بد أن يدفعه دفعا إلى اتخاذ ل كما أن إحساس علي أحمد سعيد بالعظمة والتفرد، كان اليجهر في أبيات له بأنه إنسان غريب، وربما يود أن يدعي بأنه إله غريب، وأنه من "أو القبول به، فهو

:طينة ثانية

وصحت أيها اآلخرون أيها األقنعة

عيش في وحدة اللؤلؤةإنني من طينة ثانية، أ

(24" )لهذا تبدون لي، أنا الميت بينكم جثثا

:الناقد –أدونيس

ليس كل شاعر ناقدا بالضرورة، ومع ذلك، فإن أقدر النقاد على اكتناه النص الشعري والتعامل معه وأدونيس بدأ شاعرا، وحين اختلف مع عصره، ولم يجد من النقاد من . نقديا هم الشعراء النقاد حين يوجدون

ال ولذلك كان . له أن يدافع عن موقفه الجديد من الشعر والتراثبد يسبر غوره ويكتشف عالمه الجديد، كان الإال أنه لم يكتب نقدا تطبيقيا، فهو لم يكن معنيا بذلك بقدر ما كان معنيا . له من أن يكتب في النقد بد

Page 8: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

8

عر ومع الشبتأسيس نظرية نقدية جديدة يضعها بين أيدي المهتمين، ليتمكنوا من التعامل معه شعريا أوال، (29(. )الجديد، كما يسميه أدونيس)الحداثي تاليا

ذا حاول الدارس أن يتتبع المصطلحات النقدية التي يطرحها أدونيس في دراساته النقدية النظرية، وا (26: )محاولة حصرها فيما يلي –على وجه التقريب –فإنه يمكن

لخاصة للشاعراللغة ا -3 كيفية التعبير -2 التجاوز والتخطي والتطلع -1

طاقة التغيير/ تغيير -1 طريقة قول جديدة -6 اإلبداع -9 الرؤيا -4

البحث -11 المفاجأة والرفض -11 والدة -5 التخلي -1

لغة الخلق/ لغة اإلشارة والرمز -13 تجديد/ اكتشاف / ابتداع: هاجس -12

البنية التعبيرية -16 المغايرة النوعية -19 خرق للعادة -14

:هذه المصطلحات يمكن تصنيفها تحت عنوانين رئيسينو

تجاوز، تخطي، تطلع، رؤيا، إبداع، طريقة قول جديدة، تغيير وطاقة التغيير، : فكرة التجديد بشكل عام -1 .الوالدة، مفاجأة، رفض، بحث، هاجس ابتداع واكتشاف وتجديد، خرق للعادة، مغايرة نوعية

وهي لغة، عند أدونيس، يجب أن ) والرمز، لغة الخلق، البنية التعبيرية لغة اإلشارة: لغة الشعر الخاصة -2 (.21... ( )تحيد عن مسارها العادي، ألنها لغة خلق وتجديد، ال لغة إعادة وتكرار

فلكل إبداع جديد تقييم جديد، لكل رؤيا جديدة "ر الجديد بمنظار النقد القديم، ولذلك سيكون عبثا أن نفهم الشع (25". )جديدفهم نقدي

وهذا ال يتأتى . إذن، أدونيس يريد نقدا يبحث في الشعر الجديد باعتباره جديدا متفردا، ذا لغة خاصة .من التعامل مع النص الجديد بالمفاهيم النقدية القديمة

ذا كان أدونيس قد . أدونيس، الناقد النظري هنا، يترجم أدونيس الشاعر، المتجاوز المتخطي لعصره وا ول في دراساته النقدية أن يؤسس التجاه نقدي جديد يتسق مع الشعر الجديد ويتفاهم معه، إال أنه يعترف حا

بالنسبة إلى نتاج يصدر عن نظرة ترى ".. أن هذا النقد الجديد لم يوجد على المستوى التطبيقي بعد، ذلك أنه بد أن تكون نقطة لتعبير عن هذا النظر الالشعر فاعلية لها خصوصيتها في النظر إلى األشياء والعالم، وفي ا

أو ( مضمون)و ( شكل)االنطالق في قراءة هذا الشعر هي تجاوز النظرة التقليدية إلى القصيدة على أنها القصيدة نص . ، إذ ليس هناك شكل في المجرد، وليس هناك مضمون خارج بنية التعبير(معنى)و ( مبنى)

أي أن النقد . وهذا التحليل لم يبدأ بعد. عبيريةانطالقا من تحليل بنيته الت إال كتابي ال يمكن تقويمه أي نقده، (31" .)باستثناء محاوالت نادرة جدا -الجديد الذي يرتفع إلى مستوى الشعر الجديد لم يبدأ بعد

. وهكذا يتبنى أدونيس، نقديا كذلك، مفهوم التجديد والبعث من الموت، المتمثل في أدونيس األسطورة إذ ال يكتفي باإلبداع الشعري في هذا المجال، بل يريد، ويسعى ليحقق إبداعا نقديا يوازي اإلبداع الشعري

Page 9: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

9

وهو في هذا ينطلق من المساءلة والحوار مع التراث النقدي والشعري القديم، وذلك . ، ويتعانق معهالجديدبداعي جديد .لالنفصال عنه امتدادا له، في منعطف تاريخي وا

ذ ال ينفصالن عن بعضيهما بعضا في فهم شاعرنا لدوره " األسطورة"و" الشاعر"ا كان أدونيس وا عكس ذلك في تعامله مع الشعر ورموزه داع متجدد باستمرار، وبالتالي، ينكمبدع، وفي فهمه لدور الشعر كإب

، فإن الدارس (دة جديدةقصي)= ولغته وفكره، بعثا ووالدة جديدين في كل مرة يحترق فيها ليبدأ حياة جديدة ما يطابق هذا االنصهار بين الشاعر ( صقر قريش)يجد في انتقاء أدونيس لشخصية عبد الرحمن الداخل

الذي يتقنع به فإذا كان أدونيس األسطورة رمز البعث والوالدة بعد الموت، فإن صقر قريش، : ومفهوم لقبهلوالدة بعد الموت عندما أعاد في األندلس بناء دولة بني ، بعد تراثي حقق مفهوم ا(الصقر)الشاعر في قصيدة

ولذلك وجد أدونيس في هذه الشخصية إمكانات فنية وفكرية . أمية، قوية، بعد أن كانت قد انهارت في الشرقسقاطها على الوضع الحالي لألمة العربية من جهة، والعبور من خاللها إلى يمكن تفجيرها من جديد، وا

.اعر وطموحاته الفردية من جهة أخرىمجاهل نفسية الش

، تعد بتجليات فكرية وفنية مدهشة، إذ اتحد فيها أدونيس المبدع (أيام الصقر)لذلك، فإن قصيدة .واألسطورة والناقد مع الصقر ببعده االنبعاثي والتجديدي

Page 10: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

10

اإلشارات

، م1511اب العرب، دمشق، الشرع، علي أحمد، بنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس، اتحاد الكت ( 1) 1:ص

تأسس في الثالثينيات من القرن الماضي، وقد استعمل زعيمه أنطون : الحزب القومي االجتماعي السوري( 2)سعادة البحوث العلمية واألسطورية التي نشرت حول الحضارة السورية القديمة ليعمق إحساس أعضاء الحزب

ضاري قديم يرجع إلى جذور تاريخية أبعد من الطابع اإلسالمي بوجود كيان سوري متميز مستند على تراث ححاالت الدارس فيها 1حاشية ص : راجع. ) والعربي الذي يسود سورية اليوم (من المرجع السابق، وا

5-1: نفسه، ص( 4) 1:الشرع، نفسه، ص( 3)

أها الشاعر يوسف لبنان، أنش-في بيروت م1591مجلة أدبية شهرية للشعر، صدرت عام (: شعر)مجلة ( 9)، ثم عادت لتصدر في الفترة م1564توقفت عن الصدور عام . وكانت تصدر في أربعة أعداد في السنة. الخال

: أنظر. ، حيث توقفت نهائيا بعد ذلكم1565-م1561ما بين

، م1519داغر، يوسف أسعد، قاموس الصحافة اللبنانية، الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات األدبية، ييروت، ،111:ص

:وكذلك

El-hassan, Nayef Khaled

The Complex Poem in New Arab Poetry 1950-1985.(Ph.D. Diss.),

Univ. of Pennsylvania, 1985, U.S.A., page: 15

11:الشرع، مرجع سابق، ص( 6)

9:، ص، المجلد األول9، طم1511أدونيس، األعمال الشعرية الكاملة، دار العودة، بيروت، ( 1)

: ، صم1511أكتوبر نوفمبر ديسمبر 3-15الخزعلي، محمد، الحداثة في شعر أدونيس، عالم الفكر، ( 1)55-111

14-12: نفسه، ص( 11) 11:الشرع، مرجع سابق، ص( 5)

16 -19: نفسه، ص( 11)

قر عام الص: على مرحلتين( تحوالت الصقر)و ( الصقر)أحمد أبو حاقة أن أدونيس نشر . يذكر د( 12)أبو حاقة، أحمد، االلتزام في الشعر العربي، دار العلم : انظر. م1564عام وتحوالت الصقر م1562

913: ، ص1، طم1515للماليين، بيروت،

Page 11: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

11

21 – 21: نفسه، ص( 14) 16: الشرع، مرجع سابق، ص( 13)

131:، ص1ط، م1511غالي، شكري، شعرنا الحديث إلى أين، دار اآلفاق الجديدة، بيروت، ( 19)

135: نفسه، ص( 16)

121: أدونيس، األعمال الشعرية الكاملة، مرجع سابق، ص( 11)

: ترجمة) 2، طم1515فريزر، جيمس، أدونيس أو تموز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ( 11) 11: ، ص(جبرا إبراهيم جبرا

23:نفسه، ص( 21) 23-22: نفسه، ص( 21) 11:نفسه، ص( 15)

192: نفسه، ص( 23) 191: نفسه، ص( 22)

، 1، طم1561مخائيل، أمطانيوس، دراسات في الشعر العربي المعاصر، المكتبة العصرية، صيدا، ( 24) .951: ، واألبيات في األعمال الكاملة ألدونيس، المجلد األول، ص239-234: ص

55: ص ،9، طم1516أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دار الفكر، بيروت، ( 29)

:انظر تكرار هذه المصطلحات في كتب أدونيس( 26)

، 116، 113، 111، 55، 56، 53، 11، 43، 42: ص: مقدمة للشعر العربي، مرجع سابق 111 ،111 ،111 ،122 ،129 ،126 ،121 ،131 ،135 ،141.

، 161، 199، 192، 191: ، ص1، طم1519أدونيس، سياسة الشعر، دار اآلداب، بيروت، 169.

.11، 14، 5: ، ص2، ط15أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ؟؟

.وذلك على سبيل المثال، ال الحصر

55: أدونيس، مقدمة للشعر العربي، مرجع سابق، ص( 21)

141-135: نفسه، ص( 25) 129: نفسه، ص( 21)

.192: أدونيس، سياسة الشعر، مرجع سابق، ص( 31)

Page 12: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

12

القناع/ ر والصقر فصل في الشاع -2

من هو الصقر؟

( 1.)باختصار، هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، المعروف بالداخل ، (2)تعده بملك في المغرب ( نبوءة)وهو سليل خالئف أموية، هارب، خائف متوار، طموح، يحمل في أعماقه

.عند الفراتويحمل في قلبه جرحا عميقا بفقده ألخيه الطفل

وتلعب النبوءة دورها في أقدار عبد الرحمن الداخل، فيعقد لواءه في طريقه إلى قرطبة بين زيتونتين، (3.)إنه سيعقد بينهما لواء ألمير ال يثور عليه لواء إال كسره: نبوءة تقال

على اإلطالق، كانتاال يهمنا من حيث المبدأ أن تكون النبوءتان صحيحتين أو ال تكونا، أو أنهما .بمعنى الرؤيا في قصيدته، لتعطيا بعدا جديدا في النص( النبوءة)و ( العراف)المهم أن أدونيس سيوظف فكرة

، اعترافا بسطوته (4)، فقد أطلقه عليه أبو جعفر المنصور، الخليفة العباسي (صقر قريش)أما لقب .وامتناعه عليه

نما :بصدد طرح السؤال التالي لست هنا بصدد التأريخ للصقر، وا

صقر قريش، قناعا له في هذه القصيدة؟ / لماذا اتخذ أدونيس عبد الرحمن الداخل -

.ولإلجابة عن هذا السؤال، البد أوال من التعريف بإيجاز بفكرة القناع في الشعر العربي الحداثي

:قصيدة القناع

ثم الحداثة بأكثر مما تتضح في موقفه من في موقف الشاعر من التراث، تتضح معالم الثورة، ومن " ن كان المفهوم المطلق للحداثة يفترض أن ترتبط المواقف الثالثة معا متكاملة (9".)الزمن أو المدينة، وا

Page 13: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

13

، ويمثل القناع (األقنعة)ومن الممكن أن يتعامل الشاعر الحديث مع التراث من زوايا مختلفة، منها يختبئ وراءها الشاعر، ليعبر عن موقف يريده، أو ليحاكم نقائص العصر –في الغالب –شخصية تاريخية وقد كثر استعمال القناع في الشعر الحديث، فمن ذلك استعمال أدونيس لشخصية مهيار . الحديث من خاللها

(6. )الدمشقي المتخيلة، وصقر قريش

-ة الذاتية في التعبيروقصيدة القناع هي وجود مستقل للقصيدة عن الشاعر، يتخلص به من مشكل) أن يقول كل وهي تنتمي إلى األداء الدرامي، ذلك أن الشاعر يستطيع فيها . كما يقول عبد الوهاب البياتي

شيء دون أن يعتمد شخصه أو صوته الذاتي بشكل مباشر، ألنه سيلجأ إلى شخصية أخرى يتقمصها أو يتحد اقفه، تماما كما يفعل المسرحي الذي يختفي وراء أشخاص بها، أو يخلقها خلقا جديدا، وسيحملها آراءه ومو

والشخصية التي تخلق في القناع غير مستقلة . ما يريد أن يقوله، أو يوحي به كلمن صنعه، يتولون نقل تتوفر في القناع تلك المواقف ولذا ينبغي أنعن الشاعر المعاصر، ألنها اتحاد الشاعر برمزه اتحادا تاما،

: ، وعندها سيكون شخصا القصيدةالتي تشبه إلى حد بعيد مواقف الكاتب المعاصر وأفكاره وأزماتهوالخصائص (1"(. )لن أكون حتى تكون أنت أنا"بمثابة لشاعر وقناعه شيئا واحدا، إنهماا

ويالحظ قارئ أهم قصائد األقنعة كما هي عند أدونيس والبياتي وعبد الصبور، أنها تتجه دوما إلى " (1". )فاعل في التاريخ أو شخص متفرد ذي قيمة إيجابية شخص

قصيدة أخرى توظف الشخصية التاريخية، أو تتحدث عن سيرة بطل وتختلف قصيدة القناع عن أية ذلك أن توظيف الشخصي التاريخية، قد يكون رمزا يثير دالالت في األفكار والمواقف، تنسحب من . تاريخي

ا الرمز عادة ما يكون إشارة عابرة تضيء موقفا أو جزءا من القصيدة، وليس الماضي لتالمس الحاضر، وهذ (5. )القصيدة كلها، كما أنه قد ال يتحول إلى نسيج شعري متكامل يغطي العمل األدبي كله

إذا كانت القصيدة سيرة بطل تاريخي، ووظفت شخصية تاريخية في النص لتعبر عنه، فإن ما يجمع ف قصيدة القناع فهي رمز ةدهما خارج ذات الشاعر، منفصلتين ومستقلتين عنه، أما شخصيهذين معا هو وجو

الشاعر المتحد به، البطل هو الشاعر، والشاعر هو البطل، وليس ثمة انفصال، وال وجود ألي منهما بمعزل (11. )عن اآلخر

حول صوت القناع البطل، كما يت/ وفي قصيدة القناع، فإن صوت الشاعر يذوب في صوت الشخصية" (11". )إلى صوت الشاعر المعاصر، فهما مثلما اتحدا موقفا، يتحدان لغة –هو اآلخر –

(:الصقر)أدونيس، وقناعه

: في الشعر عمن خالل الطرح السابق لفكرة القناع في الشعر الحداثي، نخلص إلى مبدأين للقنا

.أو شخصية متفردة ذات قيمة إيجابيةتتجه قصيدة القناع إلى شخصية فاعلة في التاريخ، -1

Page 14: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

14

، وهذا صوت (لن أكون حتى تكون أنت أنا)ينبغي أن تتشابه المواقف والخصائص ما بين الشاعر وقناعه -2قناعه، وليذوب صوته في صوت القناع، ويتحول صوت / القناع، وهذا ضروري ليتم اتحاد الشاعر برمزه

.القناع إلى صوت الشاعر

صقر قريش واتخذه قناعا / السهل، فاتجه إلى عبد الرحمن الداخل –المبدأ األول وقد حقق أدونيس وهو المهم؟ –ولكن هل حقق المبدأ الثاني . له

، هرب مجروحا عاطفيا لموت اخيه، مطاردا يعاني غربة (موت)= ، انهارت دولة أسرته (عربي)أموي : الصقر، يتعامل في أعماقه مع (بعث)= دولة أموية جديدة في الغرب إقامة ( هاجس)وقلقا مستمرين، يسيطر عليه

(.رؤيا) =النبوءة والعرافة

، يعاني غربة وقلقا مستمرين؛ الغربة بسبب جدة (موت) =مجتمع عربي قديم عربي، يعيش انهيار : أدونيسرك قومي شامل على صعيد اإلبداع الشعري من ضمن تح)إقامة كيان عربي جديد ( هاجس)شعره، والقلق من

وأدونيس في هذا التوجه، يوحد بين المبدع واللقب الذي (. رؤيا ونبوءة)، يعرف الشعر بأنه (بعث= للنهوض عادة تتكثف فيه داللة الموت والبعث األسطورية، ويترجم لهما بنظراته النقدية، داعيا إلى التخطي والتجاوز، وا

.ال عنه، امتدادا له، لالنفص(الميت)الخلق انطالقا من التراث

فكالهما عربي يعيش أزمة موت لمجد ماض، هو : هناك إذن تقاطعات متعددة بين الشاعر وقناعه لماضي إال ما هو جزء منه، ويعيش أزمة قلق وتوتر إلعادة بعثه من جديد، جديدا متوهجا، ال يحمل من ا

تعده بأنه ستكون مستقبل عبر رؤيا معينة، وكالهما متغرب مطارد، وكالهما يستشرف الإيجابي وخصب وقوي . ومن هنا نتوقع أن يتفوق أدونيس في قناعه هذا. حياة، وسيكون بعث جديد، ووالدة أخرى، وتجدد آخر

:سة بين الشاعر وقناعه بشكل مختصرتالي في إيضاح نقاط التقاطع الرئيوقد يفيد الرسم ال

Page 15: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

15

:اإلشارات

، م1516، دار الفكر، بيروت، 4محمد، نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب، جالمقري، أحمد بن ( 1) .21: ، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، ص1ط

.314: ، ص1، وانظر المصدر نفسه، ج21: المصدر نفسه، ص( 2)

.33: نفسه، ص( 3)

.311 -311: ، ص1وانظر المصدر نفسه، ج. 31: نفسه، ص( 4)

.131: ، صم1111هات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، عباس، إحسان، اتجا( 9)

.199 – 145: المرجع نفسه، ص( 6)

.114 – 113: ، صم1512أطيمش، محسن، دير المالك، دار الرشيد للنشر، بغداد، ( 1)

.114: المرجع نفسه، ص( 1)

.111: نفسه، ص( 5)

.111: نفسه، ص( 11)

.111: نفسه، ص( 11)

Page 16: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

16

فصل في ما كتب حول القصيدة – 3

أيام )من المناسب قبل دراسة القصيدة فنيا أن تتم اإلشارة إلى جهود بعض الدارسين في محاورة .، وذلك استكماال لصورة هذا البحث(الصقر

االلتزام في الشعر )وتجدر اإلشارة في هذا المجال إلى جهد الدكتور أحمد أبو حاقة في كتابه وقد بذل جهدا ( 1. )إحدى وستين صفحة من الكتاب المشار إليه( الصقر)، إذ خصص لدراسة (العربي

مشكورا في ذلك، وأعان أحيانا على إضاءة بعض الجوانب فنيا، إال أن تحليله للنص كان معنيا ببيان مظاهر جم مع الغاية التي من أجلها االلتزام القومي في القصيدة أكثر من عنايته بالبناء الفني لها، ولعل هذا ينس

.وضع الكتاب كما يوحي عنوانه

لحظة "ومن الجوانب الفنية التي أثارتها دراسة الدكتور أبو حاقة، اختيار الشاعر من تاريخ قريش أولى قادرة على استيعاب عصر موغل في القدم، يمتد طوال الجاهليتين األولى والثانية، ويومئ إلى قبيلة، بل

(2".)انت بواسطة قوافلها التجارية منذ قديم الزمان، صلة الوصل بين أنحاء العالم المتحضر آنذاكإلى أمة، ك

ن لم يناقشها المؤلف فنيا، وهذه االلتفات إال أننا سنلتقي معها عند دارس آخر فيما بعد، وقد ة، وا تفت الدكتور أبو حاقة إلى كما يل. نوقشت فنيا، واعتبرت من مزايا بعض مقدمات أدونيس لقصائده الطويلة

ن لم يدرسها )اة، وهي أيضا التفاتة مهمة كواقع ومعان( الصقر)كتاريخ، و ( قريش)تلك الحركة ما بين وا ، وسنلتقي بها كذلك عند دارس آخر وقد حددت معالمها في قصيدة الصقر، وسميت، وطبقت على (فنيا

(3.)سقصائد أخرى ألدوني –كتقنية فنية –نموذجها

يتخذ من هذه "كما يشير المؤلف إلى التشابه بين الشاعر والصقر، األمر الذي جعل الشاعر (4)". الشخصية العربية الشهيرة قناعا ليعبر من خالل تجربة الصقر عن تجربته الذاتية

Page 17: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

17

... ورؤيا نبوءة وخلقا )وال يفوته أن يلحظ أن الوظيفة التي يسندها أدونيس إلى الشعر الذي يعتبره هذه الوظيفة هي التي تتجلى في ... وتغييرا لنظام األشياء ونظام عالقاتها، وخرقا للعادة يتيح تغيير العالم

لى القدرة على التغيير والخلق بعض مقاطع قصيدة الصقر، حيث نرى الصقر يتطلع إلى مثل هذه الوظيفة وا (9. )(تقبل عن طريق الرؤيا والنبوةواإلبداع وتبديل نظام األشياء واستشفاف الغيب والمس

ويستعمل أبو حاقة مصطلحات أدونيس النقدية لبيان التحول الذي يعتري الصقر في نهاية القصيدة، ، يتجاوز الصقر ويخرج إلى دنيا جديدة وموطن جديد يبني التخطي والتجاوز والخلق والتغييروبموجب "إذ أنه

". يجعل منه امتدادا لدمشق، رمز الحضارة األموية والمجد العربي العظيمفيه دولته، ويستعيد ملكه وأمجاده، و نموذجا من نماذج الشعر العربي الحديث الملتزم "باعتباره لها ( أيام الصقر)جولته في عالم ويختم ( 6)

جاءت ، وهو قد كان معنيا بالدرجة األولى بالوصول إلى هذه النتيجة، ولذلك(1" )أيديولوجية قومية عربية .التفاتاته الفنية التحليلية على هامش دراسته الموجهة منذ البداية أيديولوجيا

دراسات )هو أمطانيوس مخائيل، في كتابه ، في فترة مبكرة،(الصقر)رس آخر تطرق إلى قصيدة دا والفكرية، ، وهي دراسة وصفية، يتتبع فيها الكاتب القصيدة بحركتها النفسية(1( )في الشعر العربي المعاصر

تتبدى فلسفة التحدي الذي يتفجر من األعماق، ويعبر دهليز اليأس والمرارة "ملحمة الصقر، كما يقول ففي (5".)والموت، التحدي الذي يعكس إمكانات اإلنسان العربي الحضارية وجغرافيته الذهنية والعاطفية الالمحدودة

االلتفات إلى القضايا الفنية التي يثيرها، ما ويمضي الكاتب في تناول النص من هذا المنطلق، دون ذجي من تراثنا الحضاري، ربما لتعكس إمكانية اإلنسان قصاء النمو إمكانية الشاعر على االست"عدا اإلشارة إلى

وتبقى القصيدة من : "ويختم تناوله للقصيدة بقوله( 11".)الحديث في مجال الخلق اإلبداعي والتفتح الذهنيل البطيء، وزامنت مرحلة ود في أدبنا الحديث، ذاكرتنا الحضارية التي عبرت مسافة التححيث هي فتح جدي

(11". )ولن تتسع لغة النقد. التشكل الحاضر بامتدادها التاريخي القصي والمستقبلي األقصى

هجا في النقد، شائعا، لكنه ال يحل أسرار النص إال بقدر ما يمس مضمونه البادي نقد يكون هذا م ن كشف عن مقدرة الكاتب على أداء لغوي متميز، إال أنه ال يكفي الستكناه . لعيان لدى القراءة األولىل نه وا وا

.النص كما يجب

، (دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي)ثمة دراسة عابرة سريعة قام بها حسين مروة في كتابه إال أنه يشير إلى ( 12. )ا يحسن إليها بتمزيقهااعترف من خاللها أنه قد يكون يسيء إلى القصيدة أكثر مم

رمزا شعريا ملحميا، ثم خلق من الرمز عالما، بل "التاريخ من بعد فني واحد في الصقر، فقد خلق الشاعر ". عوالم تعيش في مناخ الحياة الفسيحة بين الذات الداخلية والموضوع الخارجي في تفاعلهما المطرد المتحول

أنظر اإلشارة رقم )لدارس هنا، إشارة عابرة إلى ظاهرة الحركة التي أشار إليها الدكتور أبو حاقة ويلمح ا( 13)وقصائد أخرى، ( الصقر)بين الموضوع والذات، والتي ستشكل بعدا فنيا خاصا لدى أدونيس في ( سابقا 3

عطاء كبيرا لألدب ( الصقر)بر مروة ويعت. ولكنها تبقى إشارة عابرة ال تتوقف عند الظاهرة فنيا وال تستقصيها (14". )ملحمة إنسانية ذات أبعاد وأعماق وحيوات متالحمة ومتصارعة في وقت معا "العربي إذ أعطته

Page 18: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

18

بأنها من أكثر قصائد أدونيس واقعية، وهي " صقر قريش"إلى ( 19)محمد العبد حمود . ويشير د ويلحظ هنا كذلك اإلشارة إلى ثنائية ( 16. )والمستقبلعلى شكل صراع بين الماضي ( التحول)تصور حقيقة دون أن يوضح الكاتب القضية الفنية هنا، شأنه في ذلك –الصراع بين الماضي والمستقبل : ما في القصيدة

ويشير الكاتب إلى غربة الصقر، وغربة أدونيس كوجه تشابه . شأن من سبقت اإلشارة إلى دراساتهم أعالهن لم يقل ذلك صراحة –ر وقناعه يوحد ما بين الشاع (11. )وا

أبو حاقة الذي تناول . مما سبق، يمكن القول إن الفكر األيديولوجي المسبق سيطر على دراسة د في ضوء مبدأ االلتزام القومي، واقتصرت جهود اآلخرين الذين ( أيام الصقر وتحوالت الصقر)القصيدة كاملة

ى اإلشارة إلى القصيدة في معرض الحديث عن ظواهر فنية عامة في أمكن للدارس الوصول إلى دراساتهم عل .الشعر العربي المعاصر، أو في معرض الحديث عن شعر أدونيس بشكل عام

ربما هي اإلشارة –قد تميزت دراسة أبو حاقة بلفت االنتباه إلى غير ظاهرة فنية دون قصد متعمد و لصقر كواقع ومعاناة، وقبل ذلك، اإلشارة إلى انطالق الشاعر قريش كتاريخ وا: إلى تحرك النص ما بين بعدين

في مقدمة قصيدته، كما أشار إلى أوجه تشابه بين الشاعر وقناعه، والتفت إلى ترجمة ( لحظة أولى)من أدونيس لوظيفة الشعر كما يراها في النص، واستعمل مصطلحات أدونيس النقدية في وصف تحول الصقر في

واقتصر أمطانيوس مخائيل على إثارة مسألة االستقصاء (. خطي، تجاوز، خلق، تغييرت) نهاية القصيدة محمد العبد حمود إلى حركة القصيدة ما . والتفت كل من حسين مروة ود. النموذجي من التراث في القصيدة

وة باإلشارة وانفرد مر . أبو حاقة. ، واشتركا في ذلك مع د(ذاتي وعام، أو ماض ومستقبل)بين بعدين متضادين أبو حاقة في اإلشارة إلى تشابه الشاعر مع الصقر في .حمود مع د. شترك دإلى قضية الرمز في الصقر، وا

واتفقوا جميعا على أن القصيدة تحول جديد في فنية أدونيس وفكره، وبداية مرحلة جديدة في . الظروفأسعد أحمد على . ، كما يعلق د"نظم أدونيس من أهم ما( "11)مسيرته الشعرية، فهي كما يقول خليل موسى

(11". )إن قصيدة الصقر هي من أهم قصائد أدونيس، إن لم تكن أهمها: "ذلك بقوله

لقد أعانت الدراسات المشار إليها أعاله على إضاءة بعض جوانب القصيدة، ولكنها لم تقل كل .اللهفالنص زاخر باإلمكانات الفنية التي يفجرها أدونيس من خ. شيء

والفصل القادم من هذه الدراسة، هو محاولة الكتشاف هذه اإلمكانات الفنية، من خالل التفاهم مع . القصيدة نفسها، وما تطرحه على الدارس من تحديات

Page 19: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

19

:اإلشارات

: ظر صان)، 1، ط1515أبو حاقة، أحمد، االلتزام في الشعر العربي، دار العلم للماليين، بيروت، ( 1)913- 963.)

911: نفسه، ص( 4) 911 – 919: نفسه، ص( 3) 919: المرجع نفسه، ص( 2)

، وانظر القول في هذه المصطلحات 919 – 914: نفسه، ص( 6) 611 – 911: نفسه، ص( 9) 916: نفسه، ص( 1. )1: الفصل األول من هذه الدراسة، ص

: انظر)، 1، ط1561المعاصر، المكتبة العصرية، صيدا مخائيل، أمطانيوس، دراسات في الشعر العربي ( 1) 221: نفسه، ص( 11) .223: المرجع نفسه، ص( 5) ( 225 – 223ص

.225: نفسه، ص( 11)

، 1561مروة، حسين، دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، مؤسسة األبحاث العربية، بيروت، ( 12) .111: نفسه، ص( 14) .111: المرجع نفسه، ص( 13) .111: ، ص3ط

حمود، محمد العبد، الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيانها ومظاهرها، دار الكتاب اللبناني، بيروت ( 19) .311: نفسه، ص( 11) . 311: المرجع نفسه، ص( 16) .311: ، ص1561

اعة والنشر، دمشق، علي، أسعد أحمد، الشعر الحديث جدا في الوطن العربي والمهجر، دار السؤال للطب( 11) .165: المرجع نفسه، ص( 15) .161: ، ص1519

Page 20: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

20

(أيام الصقر) قصيدة -4

محاولة للتفاهم مع النص

للشاعر أدونيس، وهي تسعى الستخراج مكنونات النص وسبر ( أيام الصقر) هذه محاولة للتفاهم مع قصيدة ه ومن أجل تحقيق شيء من المنهجية، فإن الدارس سيحاول إال أن. هيباالستجابة لبنيته التعبيرية كماأغواره

:أن يضع نصب عينيه السير حسب الخطوات التالية

دراسة مقدمة القصيدة دراسة بناء األجزاء الداخلية للقصيدة دراسة توظيف اإليقاع الخارجي في البنية الداخلية للقصيدة دراسة اللغة، والبناء الصوري في القصيدة الرمز واألسطورة والتراث في القصيدة اإلشارة إلى بيان تحقق الوحدة العضوية في القصيدة

لقصيدةمقدمة ا:

:تشمل دراسة مقدمة القصيدة قضيتين

االقتباس التراثي لرواية صقر قريش النثرية عن هربه من العباسيين، ومقتل أخيه الصغير على . أ .أيديهم

Page 21: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

21

.عنوان القصيدة ومقدمتها. ب

:اس التراثياالقتب. أ

( نفح الطيب)ة، وهو مروي في كتاب اختار أدونيس من التاريخ المقطع التالي ليمهد به للقصيد : للمقري، على لسان الصقر، عبد الرحمن بن معاوية، الملقب بالداخل

ه ارجعا ال بأس عليكما، فسبحت وسبح الغالم أخي، فالتفت إلي: وأقبلت الخيل فصاحوا علينا من الشط"ألقوي من قلبه، فلم يسمعني واغتر بأمانهم وخشي الغرق، فاستعجل االنقالب نحوهم، وقطعت أنا الفرات،

موا الصبي أخي الذي صار إليهم باألمان فضربوا عنقه ومضوا برأسه، وأنا أنظر إليه وهو ابن ثالث ثم قد ".عشرة سنة، ومضيت إلى وجهي، أحسب أني طائر وأنا أسعى على قدمي

عبد الرحمن الداخل :وذيله

(1) (صقر قريش)

:بما ال يغير معناه، ولكنه حذف جملتين تقعان منه كالتالي ( 2) وقد تصرف أدونيس في النص األصلي

...".ومضيت إلى وجهي ( فاحتملت فيه ثكال، مألني مخافة ) وهو ابن ثالث عشرة سنة " ...

ثا كما يرى الدارس هنا، فهو لم يتركهما لمجرد أنه تصرف بالنص، إن حذف هاتين الجملتين لم يكن عب .وال تركهما إهماال وسهوا، وهو الذي ال ينفك يرجع إلى أعماله يحاورها ويراجعها، ويصوغها من جديد

إن الجو الذي تتركه هاتان الجملتان في نفس القارئ، والذي تحمله كل كلمة فيهما بكثافة، يكفي :واسعة من أزمة الصقر التي سيطرحها الشاعر ليكشف مساحة

صيغة الفعل المزيد هنا تشي بأن الصقر يحمل نفسه مسؤولية موت أخيه، فالعبء ثقيل : احتملت - عليه،

شبه الجملة بهذه الصيغة، يزيد من مسؤولية الصقر عن موت أخيه، وعدم قدرته على : فيه - را عن طريقة الموت، ال عن الموت نفسه،، معب "في موته هكذا" مساعدته، كأن المراد هو

السياق العام في العربية أن الثكل لألم، وكأن الصقر كان يعد نفسه بمرتبة األم واألب ألخيه : ثكال - أو لم يكن كذلك، وقد شتت العباسيون شمل األمويين؟. الصغير

الجملتين معا، ليوحي بثقل والضمير يعود على الثكل، فيربط . لم يبق متسع لألمن= مأل : مألني -التي تتنازعها جدلية الهم العظيم لإلحساس بالمسؤولية تجاه مقتل األخ من جهة، الحالة النفسية فال تدري تحت أي . الذي تسبب في تعبئة الصقر بالمخافة من جهة أخرى( الثكل)والحزن العظيم

ألفق؟من هذين يرزح أكثر هذا الهارب من الموت الذي يمأل عليه ا

Page 22: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

22

أما المخافة . ق زمني يقيدهالخوف شعور مطلق ال يتحقق إال في سيا. والمخافة غير الخوف: مخافة -حساس "فهي شعور طاغ يتنبأ بوقوع السوء، وحالة من القلق والترقب لما قد يحدث مستقبال، وا

(.3".)أذى قد يؤدي إلى الهالك عميق يتولد بسبب صدمة أو رعب أو التعرض إلى مخاطر أووهذا كله، كما يمكن أن يتوقع المرء، . التام واإلحاطة الشاملةكما أن المخافة تحمل داللة الحدوث

هو ما كان ينتاب الصقر الهارب من رعب الموت على أيدي أعدائه، والذي يطل عليه من كل زاوية وهما على وطريق، وكابوس موت أخيه الطفل أمام عينيه يجثم على صدره، يزيده رعبا على رعب،

.هم

مكانية استغاللها في القصيدة ، بدال إن إحساس أدونيس بكثافة الصورة التي تستشف من هاتين الجملتين، وا إلى إسقاطها من -على األرجح –هو الذي دفعه -!ربما –من تركها للقارئ يمر بها دون أن يعيها

.باس، دون اإلشارة إلى مصدرهاالقت

ل لموت أخيه، وهذا الرعب العظيم، سيحتالن مساحة جيدة من القصيدة، وسيتم وسنلحظ أن هذا الثك .استغاللهما فنيا لتفجير صور رائعة على المستوى اللغوي واإليقاعي من بنية القصيدة

:عنوان القصيدة، ومقدمتها. ب

عنوان القصيدة

، وأما (اإلضافة)قة التركيبية فهي لهذا العنوان عالقة تركيبية ذات داللة، أما العال": أيام الصقر" .داللتها فهي االتحاد، حتى يكون المضاف والمضاف إليه كال واحدا متداخال

نسان: وجزءا التركيب ضافتهما لبعضيهما بعضا تعني تبادل األصوات والدالالت، وامتزاجها . زمن وا وا دخال األيام . وكله بحيث يكون الزمن بعض اإلنسان وكله، ويكون اإلنسان بعض الزمن داللة –بالذات –وا

.التي تنتظرنا في النص( بالحركة)على الزمن في تركيب العنوان يوحي

، (الصقر)الزمن مضاف إلى اإلنسان . الزمن مؤشر، واإلنسان مؤشر آخر، يقوداننا إلى عالم النص باإلرادة الواعية العنيدة، ويأتي الزمن ،(بمعنى األحداث والتاريخ)فاألصل إذن اإلنسان، فهو الذي يصوغ الزمن

.تابعا يتشكل حسب هذه اإلرادة

وبهذا يدخل عنوان القصيدة في تركيبها، ويكون جزءا من بنائها الكلي، فالصقر كان يصنع األحداث .عبر مسيرته من الفرات إلى األندلس، وبعد ذلك

:مقدمة القصيدة

Page 23: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

23

لمقدمات أدونيس لقصائده ( 4)لدكتور علي الشرع جاءت مقدمة القصيدة وفقا لتصنيف ا يمكن تصورها كنقطة بنائية لبدء ... تبدأ من ابعد نقطة زمنية "، أي أنها (درجة الصفر)الطويلة، من مقدمات

يكشف الموقع الذي تتمركز فيه المقدرة "وهذا النوع من المقدمة (. 9" )أو انطالقة الموضوع المتعامل معه( 1)أبو حاقة . وهو ما ألمح إليه د(. 6" )، أو الجذور التي انطلقت منها الرؤية الشعرية لهالتأملية للشاعر

.من أن الشاعر ينطلق من لحظة أولى موغلة في القدم تمتد إلى الجاهلية األولى والثانية من تاريخ قريش

الصفر مقدمة درجة )الشرع تحت اسم . ولتحديد مالمح هذه المقدمة بصورة أدق، يصنفها د وهدفه بالطبع ليس رواية : إذ يأخذ الشاعر كنقطة انطالق له، حقيقة تاريخية أو حدثا تاريخيا ما( "التاريخية

يوفر مرجعا تقديميا، –ببساطة –إن الحدث أو الظرف التاريخي . أحداث تاريخية أو التعليق عليها كمؤرخ (1".)له القصيدة نفسهاوهذا بدوره يقدم مشهدا أو يخلق جوا، تتطور من خال

(... صقر قريش)تبدأ من اإلشارة إلى الخطوات األولى من مأساة رجل عرف بـ "وقصيدة الصقر وفيما بعد، فإن الصقر نفسه يتذكر مسترجعا تاريخه من الفترة التي ازدهرت فيها قبيلة قريش كنظام

لى أن شتتته وحطمته اإلحن ال :قبليةاقتصادي، ديني، وسياسي قومي، وا

...هدأت فوق وجهي بين الفريسة والفارس الرماح

قافلة تبحر صوب الهند/ قريش ...

لؤلؤة تشع من دمشق/ قريش ...

لم يبق من قريش/ قريش ...

(5..." )لم يبق غير الجرح / غير الدم النافر مثل الرمح

متعمدة عند أدونيس، بدليل أنه يتكرر عنده في قصائد وهذا الملمح التقديمي لم يأت عفويا، بل إنه تقنية فنية (11(. )رحيل في مدائن الغزالي –السماء الثامنة )و ( البعث والرماد)أخرى مثل

القصيدة تبدأ في التحرك فعليا من نقطة زمنية تقبع في ذاكرة الصقر، وتعود به إلى الجاهلية حين حظة التذكر هذه تأتي في ظرف نفسي مهد له الشاعر كانت قريش ذات كيان اقتصادي مزدهر، ولكن ل

باقتباس ما ورد على لسان عبد الرحمن الداخل عن هربه ومقتل أخيه، ثم بتصوير الصقر مباشرة وبالكاد قد ، ولذا انطلق هاربا ال (اآلن)نجا، إنه يلتقط أنفاسه في اللحظة التي اكتشف فيها أنه أصبح بمأمن من الموت

:يلوي على شيء

(11" )هدأت فوق وجهي بين الفريسة والفارس الرماح"

/ الحركة )إنها لحظة النجاة األولى، فبعد أن أدركت الرماح وجهه، وأيقن أنه هالك ال محالة، توقف إيقاع ، وفي اللحظة الحرجة، يدرك أنه نجا، إال أنه ال يتوقف طويال، بل ال يتوقف إطالقا، (هدأت( = ) المطاردة إلى الفعل المضارع( انتهاء حدث" )= هدأ"من الفعل الماضي (: 12..." )جسدي يتدحرج"التالية فالحركة

هذا اإليقاع السريع في الحركة، . ، ينتقل الشاعر بها مباشرة ودون مقدمات(حركة/بداية حدث " ) = يتدحرج"

Page 24: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

24

ى هذا المضي في الهرب وما الذي يحثه عل. تصوير ناجح للصقر وقد بدأ رحلة الهرب المضنية فور نجاته قبل أن يلتقط أنفاسه؟

/الدمع / مرثية / جثث تتدلى / الموت

الموت القابع له وراء كل حجر، وفي كل زاوية، ولذا (. الموت)= عناصر مادية ومعنوية ذات داللة مشتركة مكشوف أمام ، ألنه (يرجها، يغير في شكلها، يشوهها )=حجر يثقب الحياة ( الواضح المكشوف)فالنهار

(.عربات من الدمع)خصومه في النهار، وألن النهار غدا مؤلما هكذا، فهو مكافئ لـ

عاديا، بل ربما ( نهاره)كان الصقر قبل مجيء أعدائه آمنا في القرية التي كان يتخفى فيها، كان وذلك الهروب المرتعب، كان يالعب صغارا له، كانت الحياة منسجمة هادئة، ثم تحدث تلك الحركة المفاجئة،

، ويغدو النهار حجرا يثقب (مشوهة)= ويقتل األخ الطفل، وتتغير المعادلة من حياة منسجمة إلى حياة مثقوبة (.عربات من الدمع)= الحياة، وحزنا ال ينتهي

للنجاة، هو لحن ( جسرا )هذا الظرف النفسي للهارب المفجوع بأخيه وأمنه، الذي يعبر الفرات وعند –مبدئيا –وبهذا يتهيأ القارئ للتحرك مع القصيدة ضمن هذا اإلطار . زي، حزين يمأل عليه وجدانهجنائ

لحظة الحزن واالنهيار النفسي، تبدأ القصيدة حركتها الحقيقية، وينتبه الصقر إلى الصوت اآلتي من (:الجسر الذي أسدى لألمويين خدمة عظيمة بتهريب الصقر(= )الفرات)

.الحركة التاريخية المتجددة المستمرة عبر العصور=الزمن =الفرات

هو الذي سينتزع الصقر من أحزانه الفردية، دوما، ليجعله يواجه حركة التاريخ ( صوت الفرات)لذلك، فإن :ويصدر عنها، ويتفاعل معها

غير رنينك يا صوت،"

(14" )أسمع صوت الفرات

.ة في بناء قصيدته بناء داخليا محكما ثم يبدأ الشاعر من هذه القاعد

بناء األجزاء الداخلية للقصيدة:

، إال أنهم مروا بها مرور الكرام، (19)ية بين حدين في النص الحركة الثنائ( الصقر)لحظ دارسو .نظرا لعدم توجه دراساتهم فنيا إلى قلب النص

دة متماسكة للقصيدة، وهي بشكلها المستغل والحقيقة هي أن هذه الحركة موظفة بنائيا لتحقيق وحالحركة ( " 16)علي الشرع . وقد سماها د. هنا، تقنية خاصة من تقنيات أدونيس في بنائه لقصائده الطوال

-الصقر : )، وتشترك في هذه التقنية البنائية المتميزة كل من قصائد Zigzag Movementالتعرجية

Page 25: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

25

( 1511 –مقدمة لملوك الطوائف ( )1565 –هذا هو اسمي ( )1561 – 1569 –السماء الثامنة ( )1563 (11(". )1511 –قبر من أجل نيويورك )

تتكون القصيدة من عدة فقرات، تقوم كل منها على حركة بين حدين، ولنقل من "وفي هذه التقنية األعلى لتوليد أو ويتم االنتقال من فقرة إلى أخرى بالعودة إلى مجال الحد. نقطة عالية إلى نقطة منخفضة

وعادة ما . تطوير موضوع جديد منه، ومن ثم التحرك مرة أخرى إلى الحد المنخفض إلضافة بعد جديد له (11". )من تطور الحد األعلى، وليس من الموضوع األقرب إليه فعليا ( الجديد)يتحصل هذا البعد

ئي بين هذه األجزاء يتسبب في درجة عالية من التماسك البنا" واستعمال هذه الحركة (15".)الداخلية

، سنجد أنها تنطبق على الفقرات الثالث التالية، التي تشكل (الصقر)وعند متابعة هذه الحركة في :جزءا مهما من القصيدة، بل إنها مركز انطالق القصيدة كلها

A1”

تحمل نار المجد/ قافلة تبحر صوب الهند / ..قريش

A2

بيني وبين / ف تتهامس، تلت/ رح ممدودة، والضفافوالسماء على الج بيننا حوار/ لغة، / الضفاف

B1

يخبئها الصندل واللبان/لؤلؤة تشع من دمشق / قريش

B2

حجر /حجر ميت الجناح /فضاء الجنادب تحت الغيوم الجريحة وأنا في والموت يسرج أفراسه/ ميت القوادم

C1

لم يبق غير الجرح/غير الدم النافر مثل الرمح /لم يبق من قريش /قريش

Page 26: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

26

C2

ملك والفضاء خراجي /ابك الصدئات و افتحي يا براري مصاريع أب

ومملكتي

فوق هذا الجليد المؤصل فوق / ملك أتقدم أبني فتوحي/ خطواتي

الجموح

ثم العودة ( الصقر) A2إلى ( قريش) A1حركة التعرجية، وذلك باالنتقال من تمثل هذه الفقرات الثالث تقنية الكما ( ... الصقر) C2ثم ( قريش) C1، وأخيرا العودة إلى (الصقر) B2ومنها إلى ( قريش) B1مرة أخرى إلى

ع من مواض( A1,B1,C1)وذلك برسم حدودها العليا ( عند أدونيس)أنها تمثل الملمح المبكر لهذه التقنية إنها تمثل . معروفة تماما، وتقديم هذه الحدود يتبع، بالترتيب، تطورا تاريخيا متوافقا مع تطور هذه المواضيع

، وأخيرا إلى تصدع وضعف بسبب (B1)إلى قبيلة ذات قيادة سياسية ( A1)انتقال قريش من قبيلة تجارية (.C1)اإلحن القبلية

موضوع الحد المنخفض، يطور أدونيس سلسلة من التضادات وفي تقديم الشخصية المركزية، الصقر، الواضحة،

ر مستلب القوة، ( الصقر)فإن ( A1)تبحر من مكان إلى مكان ألسباب تجارية ( قريش)فبينما - يصو (A2.... )في خطر، مجروحا عاطفيا بسبب موت أخيه على ضفة الفرات

في دمشق دها السياسي ممثلة في األمويينذات مكانة محترمة بسبب مج( قريش)وحين ترى -(B1) ر هاربا (B2)، فإن الصقر يصو

ر طموحا بما فيه الكف( الصقر)، فإن (C1)بسبب إحنها القبلية ( قريش)ولكن عندما نكبت - اية صو (C2( .")21) ةمجاد أسالفه السياسيليحقق هدفه الفردي، ويستعيد أ

ويستعمل الشاعر جملة مفصلية لالنتقال . ليها وتولدها، وتتولد من التي قبلهاوهكذا تفضي كل فقرة إلى التي تجزء ، وبذلك تتحقق الوحدة البنائية في هذا ال(أسمع صوت الفرات/ غير رنينك يا صوت ) من فقرة إلى أخرى

محققا من خالل اتي والعام بصورة أخفى مما بدا في هذا الجزء، ولكنه يستمر،من القصيدة، ويستمر إيقاع الذ .حوار خفي، وحدة بنائية محكمة في القصيدة

ه، إال أن الطريق طلق منذ لحظة نجاته ومقتل أخيه يؤسس مملكتفالصقر بعد أن ملك نفسه، ان :أمامه مازال طويال، وفي مسيره المليء بالخوف والترقب، يسيطر صوت الذات التي تنطلق من إرادة صلبة

ل، أزرع في جرحه النخيالأعرف أن أجرح الرم)

(21( )أعرف أن أبعث الفضاء القتيال

Page 27: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

27

يسيطر هذا الصوت العنيد على درب الهرب والمروق إلى المستقبل، أمضى من السهم، والطريق مليء :باألهوال والمصاعب التي يصورها الشاعر، من قوله

.. ( والطريق يدحرج أهواله )

:إلى قوله

والتوابع مملوءة الجباه)

(22.. ( )هرا يابسا وقبورا وديعة ز

:ثم تبدأ الذات في التحول إلى العام، إلى الموضوع، من خالل

صاعد لبروج التحول حيث الفجيعة)

حيث يساقط الرماد

(23..( )حيث يستيقظ النشيج، وينطفئ السندباد

داخل، وتبدأ لغة األنا الممتزجة الصقر هنا يستيقظ على مستقبل سيجيء، فتنتهي لغة األنا الملتفتة إلى البالهم الجماعي، من خالل الحديث عن مهمة الشاعر في الحياة، فالصقر يتمنى لو كان الشاعر يغير الفصول

كلم األشياء، ويسحر قبر أخيه، ويشارك النبات أعراسه، ويدجن الغرابة ويغير األجيال، ويكون نبوءة أو وي .لى طريق المعرفة والكشفوهذه معاناة نفسية ع(. 24)عالمة

، وامتد واقعا في البوادي والمدن، (29( )أنا هو الفرات والجزيرة)وحين يدرك الصقر أنه أصبح الكل وارتسم هالة على بوابة الجزيرة، وغدا تطريزا على عباءة الصحراء، يدرك أنه يبني أندلس األعماق طالعا من

(26. )دمشق يحمل للغرب حصاد الشرق

د هذا الحد من البعد العام، يدركه التعب اآلني، ويشعر بالغربة، غربة العظماء النفسية عمن وعن إلى بعد ذاتي يستعرض مجده ( 21) "صقر لمجهوله السخي يكتب ال: "م، ولذلك ينتقل الشاعر من خاللحوله

أندلس )ق عام رافعا إلى أف "والصقور موكب يفتح السماء.. وجهه يتقدم : " الحالي، ليعود بنا من خالل (21". )غنية تنشدها الرياح، وكتابا في كل فضاءللكون، وقد أصبح أ (األعماق

وهكذا حافظ الشاعر على حوار متنام بين الذات والموضوع، خالل القصيدة كلها، محققا وحدة بنائية ارجي ليخدم هذه الوحدة إال أن األبعد من ذلك، هو أنه وظف اإليقاع الموسيقي الخ. متماسكة في النص

.البنائية، كما سيتم إيضاحه تاليا

توظيف اإليقاع الخارجي في البنية الداخلية للقصيدة:

Page 28: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

28

قد يبدو التمرد العروضي في شعر أدونيس لبعض الدارسين غير مبرر، غير أن هذا فيه بعض عيالت الحشو، ويستفز صحيح أنه يذهب إلى حد الخروج على أنساق الخليل فيما يتعلق بتف. المبالغة

بذلك األذن العربية التي اعتادت النغم التقليدي النسياب هذه التفعيالت، إال أن لهذا الخروج خصوصية .والبأس في أن يعتبر ذلك من باب محاولة تأسيس أنغام جديدة مشتقة من النغم التقليدي. وتوجها

نويعا في استعمال التفعيالت، قد يبدو للوهلة بالذات، فإن هناك ت" أيام الصقر"وفيما يتعلق بقصيدة .على وحدة التفعيلة في القصيدة الحديثةاألولى أنه ال مسوغ له، وأنه زيادة في التمرد

فإذا كان الذوق العام قد تقبل كسر وحدة البيت في الشعر الحداثي، إال أنه ظل متمسكا بوحدة إال أنه يلحظ أن كثيرا . ك مرحلة البد منها على درب التطوروفي ظني أن هذا التمس. التفعيلة في القصيدة

من الشعراء الحداثيين يتعمدون تنويع اإليقاع الخارجي في القصيدة الواحدة إلى حد الخلط غير المبرر، .بدعوى التجديد والحرية

نما وظف دا( أيام الصقر)ولكن تنويع اإليقاع الخارجي في خليا في النص، لم يكن من هذا القبيل، وا .لتحقيق مزيد من الوحدة البنائية فيه

علي الشرع التحليلية لبنية القصيدة األدونيسية في . والبد للدارس هنا من اإلقرار بفضل دراسة دفي بناء القصيدة ( الحركة التعرجية)فالدكتور الشرع يشير إلى ما أسماه . التوصل إلى هذا االستنتاجو ما سبق أن عرضت له في الحديث عن بناء األجزاء الداخلية للنص، ولكنه ال الداخلي عند أدونيس، وه

.يتطرق إلى الناحية اإليقاعية، إذ لم يكن معنيا بها بالدرجة األولى

ولكن التأمل في طبيعة هذه الحركة، وما تفضي إليه من تماسك لبنية النص، أدى بالدارس إلى من جهة، واختالف ( الصقر)والذات ( قريش)الموضوع العام : عرجيةاستنتاج العالقة بين حدي الحركة الت

.في كل حد منهما من جهة أخرى( التفعيالت المستعملة)اإليقاع الخارجي

( -ب --=مستفعلن)هو محور الصورة، يستعمل الشاعر إيقاع ( قريش)فحين يكون الموضوع العام .من الرجز

من ( -ب -= فاعلن )، يستعمل الشاعر إيقاع هي محور الصورة( الصقر)وحين تكون الذات .المتدارك

وحتى بعد انتهاء الشاعر من بناء التقابل بين قريش والصقر، ودخوله في بناء انطالقة الصقر، فإن فحين يكون العام هو محور التصوير يكون : هذا الحوار بين اإليقاعين يستمر ويطرد على الصعيد نفسه

تشبه أن باستثناء لحظة (. فاعلن)تكون الذات هي محور التصوير يكون اإليقاع ، وحين(مستفعلن)اإليقاع تكون استراحة صوفية، ولحظة حلول وكشف، فإن الشاعر عندها يقدم مفصال روحيا للقصيدة يتمثل في بيتين

:كاملين، أولهما مصرع

ـل كتابكتـــبا، واهلل فـــــي كــــــ السماء انفتحت، صار التــــــراب"

Page 29: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

29

(25" )نائم، لم يبق في عيني سراب ساهر، لم يبق في وجهي صخر

وفي هذه اللحظة، يشكل الشاعر صورة موحية باتحاده مع الوجود، وانكشاف الغطاء عن بصيرته، تمهيدا كامال، ويستعمل لهذا التشكيل بحر الرمل . إلعالن العالمة القادمة من الفرات والتي تنبئ بمستقبل الصقر

.وأكثر من ذلك، يصرع البيت األول كما جرت العادة في التراث الشعري القديم

(مستفعلن)وجدوى السؤال تأني من مالحظة اضطراد التنويع بين (. لماذا؟)ويحق لنا أن نسأل هذا باضطراد الحوار بين العام والذاتي على مدار النص، األمر الذي يلفت االنتباه إلى عمدية (فاعلن)و

مكانية بحث توظيفه في تعميق وحدة النص وتماسكه .التنويع، وا

يشكل إيقاع الرجز في الشعر العربي القديم تراثا هائل الكم، بل إنه يعتبر عند بعض الباحثين بداية ونيس وهو بذلك فيما يرى الدارس هنا، يتخذ عند أد. اإليقاع الشعري عند العرب، لسهولته وكثرة زحافاته وعلله

كتفعيلة ( مستفعلن)كما أن . في هذا النص تعبيرا عن روح األمة وتاريخها، لعراقته واستشرائه في تراثها :، هي(غير الرجز)مستقلة، تدخل في تركيب ستة من بحور الشعر العربي التقليدية

4 = 2× مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن : البسيط

4 = 2× مستفعلن مستفعلن فاعلن : السريع

2 = 2× فاعالتن مستفعلن فاعالتن: الخفيف

2 = 2× مستفع لن فاعالتن : المجتث

4 = 2× مستفعلن مفعوالت مستفعلن : المنسرح

2 = 2× مفعوالت مستفعلن : المقتضب

تكرارا 11

مرات 6 وتتكرر في الرجز

كما أن . مرة في أوزان الشعر العربي التقليدية 24 ا تتكرر بما مجموعهأي أنه .في أحد تشكيالتها( مستفعلن)في البحر الكامل تأتي على وزن ( متفاعلن)

:في حين تتكرراإليقاعات السبع األخرى في أوزان الشعر العربي التقليدية بالترتيب التالي

مرة 11 فاعالتن

مرة 16 فاعلن

Page 30: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

30

مرة 14 فعولن

مرات 11 مفاعيلن

مرات 6 متفاعلن

مرات 4 مفاعلتن

مرات 4 مفعوالت

من مجموع تكرار إيقاعات الشعر العربي التقليدية كلها، % 29وحده ( مستفعلن)وبذلك يشكل تكرار إيقاع .تكرارا لمختلف اإليقاعات بشكلها التام 56والبالغ

عربي القديم اعتبر وقفا على العرب األقحاح، وقصة بشار بن كما أن إتقان الرجز في تاريخ الشعر ال .معروفة في هذا المجال( 31)برد مع عقبة بن رؤبة بن العجاج

وقدرتها الهائلة على التشكيل النغمي، التي تعطيها مكانة خاصة ( مستفعلن)أضف إلى ذلك انسيابية .في استيعاب تعقيدات الهم العام واستطراداته

ى الدارس أن توظيف أدونيس لهذه النغمة اإليقاعية كان مدروسا ومتعمدا، ليعبر من خالل ولذلك ير أوال، ثم في تصوير هموم ( قريش)ما تحمله من إيحاءات تراثية وتاريخية ونغمية عن صوت العام، متمثال في

.جماعية فيما بعد

، والبحث هنا يتعلق بالحداثة (مستفعلن)، فاألمر على النقض تماما من (فاعلن)أما بالنسبة إليقاع ألن األخفش "، وقد سمي بذلك (المتدارك)يقاع عل شطريه هو هذا اإللى، فالبحر الذي يسيطر فيه بالدرجة األو

(31". )المحدث والمخترع: تدارك به على الخليل، ومن أسمائه أيضا

على هذا البحر، لما يحمله هذان االسمان ( المخترع)أو ( المحدث)والذي يهمنا هنا هو إطالق اسم .هذا من جهة. من مفهوم التجديد والتجاوز لما هو مألوف

وأصله ( فعلن)ومن جهة أخرى، فإن الذي يرصد الشعر الحداثي، يلحظ سيطرة هذا اإليقاع ومخبونه . فيما يتعلق بالتعبير عن الهم الذاتي أوال، وفيما يتعلق بتعميم هذا الهم الذاتي ثانيا على هذا الشعر( فعولن)

.وال تتسع هذه الدراسة لتفصيل ذلك بالشواهد

، هذا اإليقاع السريع المندفع، المتفجر بالحركة والحيوية، القادر على الحركة بسهولة بين (فاعلن) يقاع أيام )لك انسجام المتلقي مع النغم المتدفق، يوظفه أدونيس في دون أن يصدم ذ( فعولن)إيقاعه وا

(.كموضوع)الذي يقف متناقضا معه ( مستفعلن)ليحاور به إيقاع ( الذات)معبرا عن ( الصقر

إال أن الشاعر ال يفصل بين اإليقاعين كليا، بل يجعل أحدهما يستمد من اآلخر حركته التالية، في :وظاهر مكشوف أحيانا تداخل لطيف أحيانا،

Page 31: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

31

، (الصقر)والذات ( قريش)فحين كانت القصيدة في بدايتها، تتداخل بنائيا بحركة تعرجية واضحة بين الموضوع دويك يا صوت، أسمع صوت /غير رنينك : ا الشاعر بـ كانت خيوط النسيج ما بين الحدين واضحة، يعبر عنه

ة يمكن أن نلحظ بوضوح تمايز اإليقاعين بتمايز الصوتين، فحين وفي هذه الحال. الفرات، كما مر بنا سابقا (: قريش)يكون الصوت للعام

(مستفعلن)يكون اإليقاع ( 32" )تحمل نار المجد / قافلة تبحر صوب الهند ../ قريش"

1--/-ب ب-/ 1--/-ب ب-/ -ب ب -/ 1-ب

(:الصقر)وحين يكون الصوت للذات

(فاعلن)يكون اإليقاع ( 33.." )ممدودة، والضفاف والسماء على الجرح "..

1-ب-/-ب-/ -ب-/ -ب ب/-ب-

.وهكذا على مدار الحركة التعرجية

وحين بدأت القصيدة تلتحم بنائيا بحركة نفسية منذ انطالقة الصقر لبناء ملكه، بدأت خيوط النسيج لإليقاع الخارجي من أن يتسق مع ال بد بالتالي كان ما بين الحدين تصبح أكثر خفاء وتداخال مع الصوتين، و

فعند انتقاله من صوت الذات الذي يتجلى في . هذا التداخل، ويصحب خفاء االنتقال من العام للذات، وبالعكسحيث يستيقظ / حيث يساقط الرماد: "، وتنتهي عند"ضيقوالطريق يدحرج أهواله وي: "بدأ منالمقاطع التي ت" لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الفصول: "إلى صوت العام الذي يبدأ من( 34" )السندبادالنشيج وينطفئ

، نلحظ غياب الجمل المفصلية التي كانت تقود إلى التفريق الواضح بين (39.." )باهلل يا غمامة: "وينتهي عندل الصوري في نهاية العام والذات في بداية القصيدة، واالستعاضة عنها بتيار نفسي يكشف عنه التشكي

مع العام على طريق المجاهدة والبناء، ، فهو تشكيل يوحي باتحاد الذاتالمقاطع الخاصة بصوت الذاتويتضمن التحول كمفهوم إيجابي البد منه للخروج من حزن الذات إلى هم العام، وبالتالي تحقيق البناء الجديد

من خالل ( فاعلن)و ( مستفعلن)تشكيل الصوري بين إيقاعي ولذا يمزج الشاعر في هذا ال. والوالدة الجديدةإحدى صورها، ( فاعلن)التي تعتبر ( فاعالتن)كاملة و( مستفعلن)البحر الخفيف ومجزوئه باعتباره يتضمن

:خاصة في الضرب والعروض في الشكل التقليدي لإليقاع الشعري العربي، ومثال ذلك قوله

لخطوة والعشب والنخيل، وأفقا أقرأ ا/ فارس عاشق الخطى "...

- –ب ب / -ب–ب / - -ب ب/ --ب-/ -ب-ب/ --ب-

فاعالتن متفعلن فاعالتن فعالتن متفعلن فعالتن

نسجته التنهدات القصيرة

--ب-/ -ب-ب/ --ب ب

Page 32: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

32

فعالتن متفعلن فاعالتن

(36" )حيث ال يهدأ الحريق

1 -ب-ب/--ب-

(زحاف)تن متفعلن فاعال

:وقوله في نهاية المقطع الثاني من المجموعة المشار إليها من المقاطع

راسما شهوتي خريطه"

--ب-ب/ --ب-

(زحاف)فاعالتن متفعلن

(31" )ودمي حبرها وأعماقي البسيطه

--ب/-ب-/-ب-ب/--ب ب

.ن فاعلن ومستفعلن مباشرةيمزجه ب، ويلحظ هنا (أحد أشكال مستفعلن)فعالتن متفعلن فاعلن متفعل

:وقوله في نهاية المقطع الثالث من المجموعة نفسها

حيث يساقط الرماد "

- /-ب–ب /--ب-

(زحاف/ )متفعلن / فاعالتن

(31" )حيث يستيقظ النشيج، وينطفئ السندباد

--ب-/-ب ب/-ب ب/-ب-ب/--ب-

.كذلك مزجه بين فاعلن ومستفعلنفاعالتن ، ويلحظ هنا / فعلن/فعلن/متفعلن/فاعالتن

ولكن . وسوف يكون لنا عودة للتفصيل في هذا التشكيل الصوري عند مناقشة البناء الصوري في القصيدةالذي يهمنا هنا هو أن اإليقاع الخارجي قد تم توظيفه داخليا في النص ليتحد مع الصورة نفسها في التعبير

.االنتقال من صوت إلى صوتعن اتحاد الذات والعام معا في لحظة

Page 33: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

33

ويتكرر توظيف اإليقاع بالصورة المبينة أعاله نفسها عند االنتقال من صوت العام في المقطع الذي إلى صوت " يحمل للغرب حصاد الشرق" وينتهي عند " الصقر في بادية العروق في مدائن السريرة" :يبدأ من

:كالتالي" وله السخي لمجه.. يكتب الصقر للفضاء " الخاص الذي يبدأ من

(35)يكتب الصقر للفضاء لمجهوله السخي

-/-ب-ب/--ب ب/-ب-ب/--ب-

(زحاف/ )متفعلن/ فعالتن /متفعلن/فاعالتن

يقاعه لينقلنا يقاعه لفي المقطع السابق للجم( مستفعلن)من صوت العام وا ة أعاله، إلى صوت الذات وا :في المقطع التالي للجملة أعاله( فاعلن)

(41) ائال عن مكان كشريانه نقي س

- -ب/-ب-/-ب-/-ب-/ -ب-

فعولن/فاعلن/فاعلن/فاعلن/فاعلن

وعندما يصل الصقر إلى أقصى درجات المجاهدة والبذل والعناء في سبيل الوصول، يشعر أنه الل قسمه يستحق شيئا من الكشف والرؤيا، وألن هذه لحظة من لحظات الروحانية، يعبر إليها الشاعر من خ

، ويتغير اإليقاع كليا، لينتقل الشاعر عبر بيتين كاملين، أولهما مصرع تقليديا، "باهلل يا غمامة: "على الغمامة (:العالمة)=إلى الرؤيا

كتبا، واهلل في كل كتاب السماء انفتحت، صار التراب"

(41" )نائم، لم يبق في عيني سراب ساهر، لم يبق في وجهي صخر

إيقاعا له، ربما لما تحمله هذه النغمة من صفات ( فاعالتن)ويلحظ أن هذا المفصل الروحي اتخذ من تركنا ن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فلوفاعل: فمن أشكال فاعالتن . معا ( مستفعلن)و( فاعلن)اإليقاعين

، لخرجنا بتشكيلة ثالثية (فاعالتن)إيقاع وقسمنا ما يتبقى وفق ( مستفعلن)سببا خفيفا في تشكيلة ثالثية من :من فاعالتن، كالتالي

مـسـتـفعلـن / مـسـتـفعلـن / مـسـتـفعلـن

-ب -| -/ -ب -| -/ -ب -| -

فاعال| فاعال تن | فاعال تن | تن

Page 34: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

34

|______________________|

ص النغمية لإليقاعين المتحاورين في القصيدة، والمعبرين عن الذات نجد الخصائ( فاعالتن)ففي والموضوع، وعند اتحاد الذات بالموضوع، واختفاء الحدود، والتوحد مع الوجود، البد من إيقاع يمثل هذا

.تمتلك هذه الصفة( فاعالتن)التوحد، و

أنه األصل في الحياة، كما أن ولعل في تقليدية الشكل الخارجي للبيتين إشارة إلى هذا التوحد، و .الشكل العمودي للشعر هو األصل في الشعر العربي كما وصلنا

وهكذا يحقق توظيف اإليقاع الخارجي للقصيدة وحدة بنائية منسجمة مع الوحدة البنائية التي حققها لية مستمرة الشاعر عبر الحركة التعرجية، واالنتقال ما بين الذات والموضوع في حركة إيقاعية داخ

.متناغمة، ليتحد الشكل والمضمون معا في بوتقة واحدة، بحيث ال يرى الواحد إال من خالل اآلخر

اللغة والبناء الصوري في القصيدة:

إذا استثنينا النثر الفني على –للغة مادة الشعر األولى، والتي ينماز بها هذا الفن عن بقية الفنون ا عر لغة خاصة، وليس المقصود بذلك أن هناك ألفاظا تصلح للشعر وأخرى ال تصلح، وللش –اختالف أنواعه

نما المقصود أن تركيب اللغة في الشعر تركيب خاص، يقصد به نقل تجربة شعورية أو فكرية إلى المتلقي وا مدهش، من خالل بنية تعبيرية خاصة، تعتمد على االنحراف باللغة عن المعتاد والمألوف إلى المفاجئ وال

غناء األلفاظ بالدالالت التي قد ال تحملها عند استعمالها في االتصال العادي بين الناس .وا

ومن مفردات اللغة بالدرجة األولى تتشكل الصورة الشعرية في معناها الجزئي والكلي، والتي هي ت أجزاء، هي بدورها صور الوسيلة الفنية الجوهرية لنقل التجربة، فما التجربة الشعرية إال صورة كبيرة ذا"

(42". )جزئية تقوم من الصورة الكلية مقام الحوادث الجزئية من الحدث األساسي في المسرحية أو القصة

ويقتضى أن تؤدي كل صورة وظيفتها ... وهذه الصورة البد أن تكون عضوية في التجربة الشعرية " ن تكون الصور الجزئية مسايرة للفكرة العامة أو في داخل هذه التجربة التي هي الصورة الكلية، وذلك بأ

الشعور العام في القصيدة، وأن تشارك في الحركة العامة للقصيدة حتى تبلغ الذروة في النماء، ثم تنتهي إلى وحتى تتحقق عضوية الصورة الكلية، فإن ( "43".)نتيجتها الطبيعية التي تؤلف وحدتها العضوية النامية

أن ال تتنافر مع بعضها بعضا أو تتنافى مع الفكرة العامة أو الشعور السائد في الصور الجزئية يجب (44". )التجربة

Page 35: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

35

هي مجموعة من الصور المرسومة بدقة، وبلغة مدروسة وواعية، تتداخل معا ( أيام الصقر)وقصيدة ي توالد مستمر، في بناء صوري متكامل من خالل لغة موحية مكثفة الدالالت، وتربط النص حتى نهايته ف

منطلق من الموت واالنهيار، مرورا بالمعاناة والتعب والمجاهدة، وتستريح في لحظة إشراق صوفية، لتفضي .إلى أفق واسع ممتد مليء بالحياة واألمل

ولتأكيد هذا القول، البد من الوقوف عند جزئيات هذا البناء الصوري المتداخل المتكامل، ومحاولة سيتم التركيز عليها )إن القصيدة في رأي الدارس تتشكل من صورة مركزية : ، البد من القولوبدءا . استكناهه

.عات صورية خمس، سيتم توضيحها بعد ذلكو ، ومجم(أوال

الصورة المركزية: هدأت فوق وجهي بين الفريسة والفارس الرماح " جسدي يتدحرج والموت حوذيه، والرياح - جثث تتدلى ومرثية، وكأن النهار حجر يثقب الحياة

وكأن النهار عربات من الدمع،

غير رنينك يا صوت، (49." )أسمع صوت الفرات

هدأت فوق وجهي بين الفريسة والفارس : "تبدأ هذه الصورة المركزية من جملة مكثفة الدالالت .، وهي جملة فعلية تأخذ صيغة الماضي"الرماح

ويعيدنا الشاعر بذلك . يوحي هذا الفعل في بداية الجملة بحركة صاخبة سبقت هذه اللحظة من الهدوء: تهدأ . الرماح( + الصقر)الفريسة ( + العدو)الفارس : إلى الوراء، لنتصور مطاردة عنيفة دامية، عناصرها

أدرك للحظة أنه قد ولنا أن نتصور تعابير وجه الهارب من الموت المؤكد عندما هدأت المطاردة، و هو الرماح، ولكن الذي هدأ حقيقة هو ( من الناحية التركيبية)والذي هدأ في العبارة السابقة . نجا من الموت

فوق )= ، وامحت للحظة عن وجهه تعابير الفزع والرعب، لذا كان مكان هدوء الرماح (الصقر)الفريسة (.وجهي

فإذن . مرة أخرى إلى الهرب( الصقر)يدفع بنا الشاعر مع وقبل أن نلتقط أنفاسنا من الجملة األولى، ولذلك ينتقل الشاعر من الفعل . لحظة الهدوء هذه لم تكن إال اللتقاط األنفاس، والتأكد من النجاة اللحظية

/ النهار حجر ( ) تتدلى/ جثث ( )يتدحرج/ جسدي : )فورا إلى الفعل الدال على الحال( هدأت)الماضي (.من الدمع/ عربات / النهار ( ) الحياةوجه / يثقب

Page 36: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

36

أنجو < مطاردة أهرب من : )تتبع الحركة كالتاليفالسياق الصوري بهذا الشكل يقتضي من القارئ ، حركة سريعة (أواصل الهرب في جو مشبع بالموت والفاجعة< ألتقط أنفاسي < هدأت المطاردة < من الموت

يقاع داخلي متدافع يوحيان بجو من ال المحذوفة من نص ( مألني مخافة)وهذا تفجير لعبارة . رعب والفزعوا .التقديم التراثي كما مر بنا عند دراسة مقدمة القصيدة سابقا

إن الجو الذي يشيع في هذه الشريحة من القصيدة هو جو مشبع بالموت والفاجعة كما أسلفت، فردة، تفضي جميعها إلى تجسيد وتهويل والشاعر يكثف اإلحساس بهذا الجو عبر جمل قصيرة، وكلمات م

الرعب الذي يحيط بالصقر، ويدفعه إلى مواصلة الهروب غير الواعي، الهروب التلقائي، وسط ما يشبه أن :يكون كارثة كونية

(. تدحرجه)الصقر هنا ال يتمتع بإرادة واعية، إنه يترك نفسه للطريق تحمله : جسدي يتدحرج -ثر واالنزالق، كما لو كان صخرة تتحدرج من قمة جبل إلى أسفل واد؛ والدحرجة توحي بالتخبط والتع .إنها توحي بالسقوط واالنهيار

تفصيل آخر لتكثيف الصورة، فال يكفي أن الجسد يتدحرج، بل إن الموت يسوقه : الموت حوذيه - .ومن كان الموت سائقه فال شك أن حالة الرعب عتده تتضاعف. أمامه

في تركيب هذه الجملة، كما يمكن ( الرياح)والواقع أنه يمكن أن نضع : رثيةوالرياح، جثث تتدلى، وم -والدارس يرى أن وضعها في تركيب الجملة الثانية يغني . أن نضعها في تركيب الجملة السابقة

الصورة بالداللة، إذ تصبح الرياح، ال مجرد شريكة للموت في دحرجة الجسد المتداعي، بل هي والرياح في النص القرآني داللة الخير (. مرثية+ جثث تتدلى = الرياح )نفسها مليئة بالموت

وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا ) ، 91األعراف ( /وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) والبركةإال أن الشاعر هنا ينحرف بداللتها الخيرة لتصبح نذرا . 22الحجر ( / من السماء ماء فأسقيناكموه

(:مرثية)و ( جثث تتدلى)لموت والدمار، ومكافئا لـ باصورة حسية مادية، ولنا أن نتصور هذه الجثث المتدلية، مسلوخة أيضا، ومقطعة : جثث تتدلى -

األوصال، ما دامت تتدلى،ثم يأتي . صورة نفسية، تعكس إحساس الصقر بالجو الجنائزي الذي تملؤه الجثث المتدلية: مرثية -

:، ليكثف الصورة أكثر(ن كأ)التشبيه بـ (وكأن النهار، حجر يثقب الحياة) (.وكـأن النهار، عربات من الدمع)

لنا أن نتصور الحياة وجه بركة رائقة المياه تعكس سماء صافية، أو مرآة : حجر يثقب الحياة -للحياة، مصقولة تعكس منظرا طبيعيا ساحرا، أو لوحا من الزجاج النظيف يمر من خالله مشهد رائع

ثم فجأة، يسقط حجر فيرج وجه البركة ويبدد صفاءها، أو يهشم المرآة ويشوه المنظر الذي تعكسه، أو يحطم لوح الزجاج فيتلف المشهد الذي يمرره، مع ما يصحب سقوط الحجر من الضجة والمفاجأة

لة الحجر الذي ولم تقف دال . هذا هو ما غداه النهار عند الصقر. التي تكسر الهدوء وتوتر األعصابمتدت لتطول ما تاله من نهارات؛ فالنهار غدا خوفا ورعبا ياة عند هذا الفعل األولي، فقد ايثقب الح

متواصال، إذ هو يكشف الصقر الهارب، ويكسر هدوءه وأمنه المأمول هاربا من أعدائه، فالحياة إذن

Page 37: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

37

ن أحداث مزقت الحياة السابقة اآلمنة، ثم أوال بما تم خالل ذلك النهار م: لم تعد آمنة، إنها مثقوبة :فللنهار إذن داللتان. بما تال ذلك من تهديد مستمر باالنكشاف للمطاردين خالل ضوء النهار

األولى، داللة اليوم المعين الذي تم فيه قتل األخ ومطاردة الصقر،

لحظة من يومه، ولذلك يغدو النهار والثانية، داللة الضوء اليومي المرافق للنهار، والذي يكشف الصقر في كل ، وعربات، تحمل إلى القارئ صورة قافلة طويلة من العربات المحملة (عربات من الدمع)بهذه الدالالت مكافئا لـ

باألحزان، تسير في تتابع وبطء جنائزي على إيقاع الموت المتناثر في كل كلمة من كلمات المقطع األول من المحذوفة من نص ( فيه ثكال احتملت )إنه تفجير لدالالت . الحزن وكثافته وامتداده؛ إنها استمرارية القصيدة

. التقديم التراثي كما مر بنا عند دراسة مقدمة القصيدة سابقا

حجر / وكأن النهار)وفي توجيه آخر لصورتي النهار في هذا المقطع، يمكن أن تعبر الصورة األولى التي تحملها صورة الحجر الذي يثقب الحياة، والتي بالتالي تعكس إحساس عن مدى القسوة ( يثقب الحياة

بهول المصائب التي حلت بقومه وبه، وشوهت مجرى حياتهم، ومن ثم شوهت الحياة كلها كمفهوم الصقر، عن عظم الحزن الشخصي الذي تولد (عربات من الدمع/ وكأن النهار )وأن تعبر الصورة الثانية . مطلق

قتل أخيه الغالم أمام عينيه، والذي سيصحبه في هروبه الطويل، دون أن تكون هناك صلة تكافؤ عنده لم .كاملة ومباشرة بين النهارين كما هو في التوجيه األول

وانطالقا من هذه الصورة المركزية، تبدأ القصيدة في النمو والتفرع، إذ سيبقى هذا الجو القاتم مخيما على وصف العالقة بين الفرد والجماعة في عالقتهما الضدية، وعلى المشبع بالموت والخوف والحزن

رحلة الهرب الشاقة المضنية، إلى أن تؤتي هذه األجواء ثمارها في لحظة صفاء روحية كشفا ونبوءة؛ فيصنع المطاف، من الفجيعة ملكا، ومن الموت حياة، ليعود الشاعر بنا إلى بعض أجزاء الصورة المركزية في نهاية

.فيعيد بناءها لتناسب المرحلة الجديدة من الحياة كما سنرى

إذن، يبدأ البناء الصوري في التنامي متماسكا، قائما على الصورة المركزية األولى، ويتشكل هذا البناء من مجموعات صورية تشترك كل واحدة منها في هندسة بنائية متميزة عن األخرى، ولكنها تفضي إلى

:وهذه المجموعات الصورية كما يراها الدارس هنا، هي. بعضا بالضرورةبعضها

:وهي التي تبدأ من = المجموعة الصورية األولى -أ

..قافلة تبحر صوب الهند/ قريش "

:وتنتهي عند

"أعرف أن أبعث الفضاء القتيال"

:وهي التي تبدأ من= المجموعة الصورية الثانية -ب

..يق يدحرج أهواله ويضيقوالطر "

:وتنتهي عند

Page 38: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

38

"حيث يستيقظ النشيج وينطفئ السندباد"

:وهي التي تبدأ من= المجموعة الصورية الثالثة -ج

..لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الفصول "

:وتنتهي عند

"باهلل يا غمامة"

:وهي التي تبدأ من= المجموعة الصورية الرابعة -د

...السماء انفتحت"

:وتنتهي عند

"مهلك يا حنيني... / عالمة "

:وهي التي تبدأ من= لمجموعة الصورية الخامسة ا -ه

..الصقر في بادية العروق في مدائن السريرة"

:وتنتهي عند

".وكل ريح باسمه تشيد"

. قبل دراستها ليمكن متابعة الدراسة بشكل أفضلوسوف يتم إدراج النص الخاص بكل مجموعة منها كامال

Page 39: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

39

:المجموعة الصورية األولى -أ

غير رنينك يا صوت،

أسمع صوت الفرات

...قريش -" قافلة تبحر صوب الهند

."تحمل نار المجد

والسماء على الجرح ممدودة، والضفاف ... :تتهامس، تمتد

الضفاف بيني وبين لغة، بيننا حوار

، طافت به كالشراع حضنت ه الكراكي –بيننا

(وافراتاه، كن لي جسرا، وكن لي قناع ) وترسبت،

:غير رنينك يا صوت أسمع صوت الفرات

Page 40: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

40

...قريش -"لؤة تشع من دمش ق لؤ

ها الصن دل واللبان يخبؤ أرق ما رق له لبنان

..."أجمل ما حدث عنه الشرق

تحت الغيوم الجريحه وأنا في فضاء الجنادب ... حجر ميت الجناح حجر ميت القوادم

رج أفراسه، والموت يس والذبيحه

بجع يتخبط، صوت غير دويك يا

:أسمع صوت الفرات

...قريش -" لم يب ق من قريش

غير الدم النافر مثل الرمح "لم يب ق غير الجرح

دئات :إفتحي يا براري مصاريع أبوابك الص الفضاء خراجي ومملكتي خطواتيو ملك

ملك أتقدم أبني فتوحيل ، فوق الجموح فوق هذا الجليد المؤص

أعرف أن أجرح الرمل، أزرع في جرحه النخيال

أعرف أن أب عث الفضاء القتيال، (46)

في مجموعة، ليربط صورها الجزئية معا يتكئ الشاعر على جملة مفصلية واضحة الداللة في هذه ال راجع ) اءت على نسق الحركة التعرجيةوكما سبق الحديث عن مقدمة القصيدة التي ج. نسق صوري واحد

، فإن الشاعر، بعد تهيئة القارئ للتحرك مع القصيدة ضمن (من هذه الدراسة –بناء األجزاء الداخلية للقصيدة إطار من اللحن الجنائزي، وعند لحظة االنهيار النفسي، يفاجئه بتحرك القصيدة حركتها الحقيقية التي استندت

اتم، فيتنبه الصقر إلى الصوت اآلتي من الفرات الذي يعتبر جسرا هرب الصقر فأسدى أصال إلى هذا الجو الق

Page 41: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

41

لألمويين خدمة عظيمة، والذي يعتبر رمزا للزمن والحركة التاريخية المتجددة المستمرة عبر العصور؛ هذا يخ ويتفاعل معها، ليجعله يواجه حركة التار ( دوما )، ينتزع الصقر من أحزانه الفردية (صوت الفرات)الصوت

وهي مفصلية بمعنى . أسمع صوت الفرات / غير رنينك يا صوت : هذه الجملة المفصلية هي. ويصدر عنها. أنها ذات حدين، يشير كل حد منهما إلى اتجاه، ويرتبط الحدان معا في السياق، فيؤدي األول للثاني باستمرار

، وهو صوت الذات في معاناتها الفردية وأحزانها (ك يا صوتغير رنين)في عبارة / أحدهما: فهناك صوتان فيهاأسمع ) في عبارة / واآلخر. الخاصة، وهو الذي يهرب منه الصقر، وال يريد له أن يسرب اليأس إلى نفسه

.، وهو صوت العام في بعده التاريخي، ومجده القديم في المرحلة األولى من الحركة التعرجية(صوت الفرات

بط الشاعر الصورة المركزية بالمجموعة الصورية األولى بواسطة هذه الجملة المفصلية، وبعد أن ير يبني هذه المجموع بناء تعرجيا كما سبقت اإلشارة إلى ذلك متوصال إلى إقامة بناء متماسك بين أجزائها،

.(سابقا –ة أنظر بناء األجزاء الداخلية للقصيد. )يقيمه على التضاد بين صوت العام وصوت الذات

:ويمكن توضيح هذا البناء كالتالي

A

A1 (ذات سيادة تجارية)قريش

مستلب القوة، مجروح عاطفيا )الصقر بيني وبين الضفاف = لموت أخيه

A2(لغة (غير رنينك يا صوت)

(أسمع صوت الفرات)

B

B1(ذات سيادة سياسية)قريش

وأنا في " ..هارب، مطارد)الصقر B2..."(فضاء الجنادب

(غير دويك يا صوت) (اسمع صوت الفرات)

C ( (كيان منهار)قريشC1 طموح يتقدم ليبني ملكا جديدا )الصقر

افتحي يا براري مصاريع : " C2"(أبوابك

Page 42: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

42

يأسها، وتربط في الجملة المفصلية في هذه المجموعة الصورية كانت تنقذ الصقر دوما من أحزان الذات و أما الربط بين كل حدين من حدود الحركة (. A B C)الوقت نفسه بين األجزاء الداخلية لهذه المجموعة

، فقد تم من خالل وضع نقاط قبل بداية الحد الثاني، ثم يبدأ الجملة بحرف العطف (A1,A2)التعرجية، مثال :هكذا Bو Aليصبح السياق في ( و)

A =والسماء على الجرح ممدودة. .. قريش قافلة...

B =وأنا في فضاء الجنادب... قريش لؤلؤة...

، وهذا (C)ولكنه عندما يصور انهيار قريش وانبعاث الصقر، ال يستعمل هذا األسلوب في الربط بين حدي لذات ولو ، ولذا فال يوجد تساير في الحركة ما بين العام وا(لم يبق غير الجرح)منطقي، ألن قريش انتهت

أنهما ما زاال متضادين، فانتهاء قريش وضع نقطة، وختم بذلك التطور التاريخي الذي أد إلى تغيير عند لذلك، يصدر أمر الواثق من نفسه إلى أبواب البراري الصدئات . الصقر، فكان البد أن يبدأ من ذاته من جديد

من الحركة الكلية يتم عبر تيار داخلي يوحي به ( C)لتفتح مصاريعها أمام الملك الجديد، فالربط بين حدي .التضاد الذي يسود المجموعة الصورية األولى كلها

عند هذا الحد يوشك أن ينتهي بناء هذه المجموعة الصورية، لوال أن الصقر في تقدمه لبناء ملكه :ص هذا المفهوميحتاج إلى اختبار إمكاناته، فجاءت الصورة الجزئية األخيرة في هذه المجموعة لتلخ

أعرف أن أجرح الرمل، أزرع في جرحه النخيال"

"أعرف أن أبعث الفضاء القتيال

.يعيدنا إلى الجسد المتدحرج والموت الحوذي والحجر الذي يثقب الحياة= الجرح

.يعيدنا إلى الرياح المشحونة بالجثث المتدلية والمرثية وعربات الدمع= الفضاء القتيل

ادة الحزن والقسوة التي شكلت هربه وضياعه ثم خلقت طموحه وركزت اهتمامه على اآلتي، من فهو، من مرادته على البناء الجديد، وبعث الحياة من الموت .هذه المادة يستمد قدرته وا

لخيصا لموقف الصقر في مسيرته، نقطة ية األخيرة، باإلضافة إلى كونها توتشكل هذه الصورة الجزئ لمجموعة الصورية الثانية، فما دام قد اختبر إمكاناته وعرفها، فليواصل مسيرته إذن، هاربا من انطالق إلى ا

أعدائه، متواريا منهم، قلقا، ولكن في الوقت نفسه، يقرأ األفق القادم، ويحترق، ويقرأ النجوم، ويغير خريطة .العالم، ويصعد في بروج التحول، ويستبدل اآلتي باألمس

:عة الصورية الثانيةالمجمو –ب

Page 43: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

43

يبني الشاعر هذه المجموعة من ثالثة مقاطع، بأسلوب يختلف عن المجموعة األولى، ولكنه يؤدي ويمكن أن يسمى أسلوب بنائه للصورة في هذه . في النهاية إلى التماسك والتداخل بين أجزاء القصيدة

:لي، والذي يمكن توضيحه كالتا(التحايث المتداخل)المجموعة بأسلوب

(41: ) المجموعة الصورية الثانية

D E F رج أهواله ويضيق والطريق يدح

والطريق مرايا كتب ومرايا

أتقرى تجاويفها أتفرس

ألمس فيها بقايا فارس عاشق الخطى

D1

في الشقوق تفيأت كنت أجس الدقائق أم خض ثدي القفار لسه م أمضىسرت أمضى من ا

ت الحصى والغبار عقر مت -كانت األرض أضيق من ظل رمحي

سمعت العقارب كيف تصيء، هديت القطا في المجاهل، انحنيت على األرض مت

مت –أكثر صبرا من األرض ان كب بت على كاهل الريح

صليت وش وش ت حتى الحجار

جذ ري وأغصانه والمياهساهر بين ، نضبت

والتوابع مملوء الجباه زهرا يابسا وقبورا وديعه ،

F1

Page 44: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

44

E1 أقرأ الخطوة والعشب والنخيل، وأفقا

نسجت ه التنهدات القصيره حيث ال يهدأ الحريق

حيث ال تن تهي الخطوات األميرهD2

ت وقرأت النجوم، كتبت عناوينها ومحو راسما شه وتي خريطه

ودمي حب رها وأعماقي البسيطه

E2

صاعد لبروج التحول حيث الفجيعة حيث يسلقط الرماد

ندباد الس فئ ط ن وي نشيج ال يستيقظ حيث

F2

ف يعود الشاعر إلى الصورة المركزية ليفجر من خالل جوها القاتم صورا جديدة تكث( D1 ،E1 ،F1)ففي ويشكل كل من هذه المقاطع بديال لآلخر، وامتدادا له في الوقت . اإلحساس بالخوف والترقب واالندفاع للهرب

:نفسه

، والزهر اليابس والقبور (E1)ثالث مرات في " مت "، وتكرار لفظ (D1)فتصوير الطريق بأنه يدحرج أهواله في في الصورة المركزية ( عربات من الدمع)، و(الموت حوذيه)، يعيدنا إلى الجسد المتدحرج، و (F1)الوديعة في

لما يقرؤه الصقر في تفصيال ( E1)، وفي (D1)وفي الوقت نفسه، تصبح الطريق كتبا ومرايا في . بالترتيببأدق ما يجري هذه المرايا والكتب من الخوف والترقب واألهوال إلى الحد الذي يتحد فيه مع الطبيعة بإحساسه

تصيء، وهذا أدعى إلى تصور أدق حاالت ( حين)تصيء العقارب، وليس ( كيف)تحركات، فيسمع حوله من ، وهذا (أهدى من القطا: )ويهدي القطا التي يضرب المثل في اهتدائها إلى بيضها، فيقال. الوعي واالنتباه

تلخيص للموقف (F1)وفي . خالل هروبه يصور مدى الخبرة التي اكتسبها الصقر بمجاهل الطريق وأخطارهاالتي توحي باستمرار الصحو حتى النهاية، مع أن هذا السهر ليس سهرا ممتعا ال للصقر وال ( ساهر)كله في

:للشاعر، فهو لإلثنين إقامة طويلة قلقة متوترة بين زمنين

تراث الشاعر/ أمس الصقر وماضيه = بين جذري - قعهحاضر الشاعر ووا/ مستقبل الصقر وآتيه = وأغصانه

(المياه نضبت) = في ظرف ال يساعد في الواقع على اإلحساس بغير الظمأ ،اإلبداع في مرحلة من مراحله، للشاعر/ قر الدعم والمعونة للص= المياه -

، وهو ما يشكل بالنسبة (زهرا يابسا وقبورا وديعة)هذه اللحظة ال يعدو أن يكون وما هو متوفر في ، بعد أن كان جثثا (القبور الوديعة)= يبتعد تدريجيا، إلى أن أصبح ذكرى للصقر ماضيا مأساويا بدأ

وبالنسبة للشاعر، يشكل تراثا شعريا مختزنا في ذاكرته، ال يرى فيه إال الجفاف والموت؛ . متدلية (.موت)=صحيح أنه زهر، لكنه يابس، وصحيح أنه وديع، لكنه قبر

بع من الجن يعينه على الشعر، كما كان االعتقاد السائد لدى إشارة إلى أن لكل شاعر تا= التوابع - .القدماء، وبالتالي فهذه اللفظة مفتاح الصورة إلى وجهة نظر الشاعر في التراث

ط صورها معا هو ما أطلقت عليه ، ورب(D1 ،E1 ،F1)هذا األسلوب في قراءة المقاطع الثالثة وهو ما يمكن تطبيقه على . كشفين توليدها من بعضها بعضا ، أي نقرؤها معا قراءة أفقية، مست(التحايث)(D2 ،E2 ،F2) وكل منها يشكل الجزء الثاني من كل مقطع من المجموعة الصورية الثانية، حيث نرى أن ،

Page 45: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

45

، ويؤدي به إلى الصعود (E2)ينجم عنه قراءته للكون، وتغييره في معالمه ( D2)قراءة الصقر لخطواته وأفقه حيث يستمر االشتعال كما أن قراءة الخطى واألفق استشفافا للغيب، تتم (. F2)ل والتغيير في بروج التحو

لتبدأ مرحلة التحول األولى ببروز إرادة التغيير بتشكيل خريطة الكون من جديد، ( D2)والتوقد، وتمتد الطريق ج التحول، حيث يؤدي ، وتبلغ الرحلة ذروتها في الصعود لبرو (E2)الشاعر، وشهوته / حسب رغبة الصقر يستيقظ )إلى حدوث الفجيعة وتساقط الرماد، لتبدأ حياة جديدة من هذا الرماد ( D2)استمرار الحريق في

، وتنتهي رحلته بانطفاء السندباد، وهي إشارة إلى انتهاء عالقة الصقر بالشرق، وانتهاء عالقة (النشيج (.بطريقة من الطرق)الشاعر بالتراث

:، أما تداخل هذا التحايث، فيتم كالتالي(القراءة األفقية للمقاطع المذكورة معا )= هذا عن التحايث

هرب خائف مترقب، : ذات مرحلتين بالضرورة، ويشكالن معا صورة متكاملة( D2)يفضي إلى ( D1)أن ( 1ورة الكلية، ويشكالن في سياق المجموعة الصورية كلها مرحلة أولى في نمو الص. يقود إلى أفق جديد وتغيير

طريق يدحرج أهواله، يغدو مرايا تعكس أهواال ومصاعب، لكن ذلك ال يعني أن يتوقف = مرحلة البداية .الشاعر عن االستمرار ولو بقراءة الخطوة القريبة ومراقبة االحتراق القائم/ الصقر

يفا لإلحساس تعكسه كامال، ولكن هناك تصعيدا وتكث( D)، في تحايث مع (E2)يفضي إلى ( E1)وأن ( 2اللغة والصور الجزئية المشكلة منها، فهو اتحاد مع الطبيعة والتصاق بها أدت إليه رهافة اإلحساس بالخوف

وشوشت حتى / انكببت على كاهل الريح/ انحنيت على األرض/ هديت القطا/ وسمعت العقارب: والترقب، ويتجاوز (األفق البعيد)= وة القريبة إلى النجوم من الخط وهذا يقود إلى اتساع في مجال القراءة. الحجار

راسما شهوتي )= ، ويتجاوز أكثر إلى تغيير كلي (كتبت عناوينها ومحوت)= مجرد القراءة إلى فعل إيجابي (.جزءا منه)= الشاعر، وتغدو مرسومة بدمه / ، فتصبح خارطة الكون كما يريدها الصقر (خريطة

ذروة ( F)كاملين، ولكن نبلغ مع هذا المقطع ( Eو D)في تحايث مع ( F2)يفضي إلى ( F1)وأن ( 3يفضي بالضرورة إلى الصعود لبروج التحول لحل ( F1)المجموعة الصورية الثانية، فالسهر الظامئ المتوتر

، ويتكرس عدم انتهاء الخطوات (F2)إلى الرماد في ( D2)، وتنتهي عملية االحتراق في (F2)المشكلة (.F2)في ( يستيقظ النشيج) في ( D2)في األميرة

على حدة كما هو مبين أعاله، أن نقرأ ( F, E, D)فإذا حاولنا بعد القراءة العمودية لكل مقطع من (D1 معE2 ) لوجدنا أننا ال نشعرمن بفجوة في الصورة، وكذلك(D1 معF2) ،(E1 معD2 ) ،(E1 مع

F2) ،(F1 معE2) ،(F1 معD2 .)اك شبكة من التداخالت بين الصور الجزئية التي تتشكل بمعنى أن هنمنها المجموعة الصورية الثانية إلى الحد الذي تقوم معه كل صورة جزئية مقام سواها، وال يؤدي ذلك إلى

ال يسد مسد أي من ( F,E,D)خلل في البنية التعبيرية للنص، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أيا من ن كانت المقاطع متحايثة، فإنها متنامية من المقطعين اآلخرين، فال يمكننا االستغناء عن أي مقطع ألنه، وا وبذلك . في بناء متشابك يصعب استبعاد جزء منه دون أن يفقد الصورة الكلية تكاملها بعضها بعضا كذلك

ى، ولكنه يتخذ تقنية تشكل المجموعة الصورية الثانية نسيجا متماسكا، يرفد تماسك المجموعة الصورية األول :أخرى، وأسلوبا آخر، فهو كالتالي

Page 46: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

46

D E F

D1 E1 F1

D2 E2 F2

وهذا يعطي مجموعة قراءات مختلفة للمجموعة الصورية الثانية، ال تتناقض مع بعضها بعضا، بل هي تكشف .يدا من التماسك والعضويةيدة مز عن أسرار بعضها بعضا وتضيئها، وتمنح القص

:المجموعة الصورية الثالثة -ج

في ذروة المجموعة الصورية السابقة أعطى الشاعر إشارة خفية إلى الشعر، إذ تشي أجواء الصورة بحالة القلق والتوتر الشعريين اللذي ن يعانيهما الشاعر في إبداعه، إذ يبدأ ( F2و F1)بشقيها ( F)الجزئية

خلي عنده يتولد من لحظة قلق وصراع يريد فيها أن يتجاوز تراثه العام أوال، وتراثه الشخصي ثانيا اإليقاع الدابما هي مشحونة به من دالالت التيقظ واالستعداد والتوتر والتفكير، ( ساهر)إلى إبداع جديد؛ توحي بهذا لفظة

ن اتصال معا بما تفيده من الصراع بين اتجاهين متضا( بين جذري وأغصانه)وعبارة ويتنامى هذا .دين وا الزهر اليابس )و ( يأس= المياه نضبت )من اليأس ثم الرفض للماضي إليقاع شيئا فشيئا مرورا بحالةا

، ويزداد اإليقاع الداخلي الرافض (صاعد)= ، ثم تبدأ الحركة (رفض لما هو كائن حتى اآلن= والقبور الوديعة يستيقظ )=، ويبدأ االنثيال الشعري (الفجيعة)= مصحوبة بانفجار ( ج التحولبرو )= ويتحول إلى إرادة تغيير

بهذا التدرج ينقلنا أدونيس إلى المجموعة الصورية الثالثة، ويضعنا مع الصقر في تشكيل صوري (. النشيجالشاعر / ويترك الصقر يتكلم بلسان حال أدونيس الناقد. جديد، غير منبت عن سابقه، بل هو منطلق منه

.ليبين لنا تصوره لدور الشاعر في الحياة، من خالل تمنيات الصقر وآالمه وأحالمه وأحزانه

(41) المجموعة الصورية الثالثة

لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الفصول لو أنني أعرف أن أكلم األشياء ،

سحرت قبر الفارس الطفل على الفرات قبر أخي في شاطئ الفرات

( قبر وال صالة مات بال غسل وال) وقلت لألشياء والفصول تواصلي كهذه األجواء

مدي لي الفرات

Page 47: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

47

خليه ماء دافقا أخضر كالزيتون .في دمي العاشق في تاريخي المسنون

لو أنني أعرف كالشاعر أن أشارك النبات أعراسه،

، قنع ت هذا الشجر العاري باألطفال ن الغرابه لو أنني أعرف ك الشاعر أن أدج

ي ت كل حجر سحابه سو، تمطر فوق الشام والفرات

لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير اآلجال كون لو أنني أعرف أن أ

نبوءة تن ذر أو عالمه ،ت يا غمامه لصح تكاثفي وأمطري

باسمي فوق الشام والفرات ...باهلل يا غمامه

التي تعبر في كل منهما ( لو)تتشكل هذه المجموعة الصورية الثالثة من مقطعين، يبدأ كل منهما بـ ففي المقطع األول بعد ذاتي، وفي المقطع الثاني بعد عام، وال ينفصالن في المحصلة . عن أمنية مختلفة

. النهائية عن بعضيهما بعضا

تغيير من جهة، ومن جهة أخرى يملك القدرة على التواصل والشاعر في المقطعين يملك القدرة على ال وهو يملك لغة خاصة يتفاهم بها مع كل ما حوله، وذلك ليتمكن من . مع الطبيعة والحياة بكل معطياتها

ولكي ال يبدو هذا المقطعان مجرد . وهذا يتسق مع تصور أدونيس للشعر ودور الشاعر في الحياة. التغييرلها في بناء القصيدة، فإن أدونيس يجعلهما على لسان الصقر، ومن واقع مسيرته نظرية نقدية ال لزوم

الطويلة الشاقة على طريق بناء مملكته الجديدة، فيصلهما بالصورة المركزية من خالل تمنيه أن يعيد الحياة البادية في ، وتعيدنا الحرقة(جثث تتدلى)إلى ( مات بال غسل وال صالة)وتعيدنا عبارة . إلى أخيه الطفل

، (عربات من الدمع)إلى ( قبر أخي في شاطئ الفرات)و ( سحرت قبر الفارس الطفل على الفرات)عبارتي الشجر )وأما . برسمه لتطور تاريخ قريش في المجموعة الصورية األولى( تاريخي المسنون)وتذكرنا عبارة

والحجر الذي يريد أن . لصورة المركزيةفال ينفك عن كونه جزءا من صورة الموت المنتشرة في ا( العاري .يسويه سحابة هو نفسه الحجر الذي ثقب الحياة في الصورة المركزية أيضا

Page 48: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

48

، وهذا ما يكرس نهاية المجموعة (كما يفعل الشاعر)إن الصقر يريد أن يبعث الحياة من الموت لرمل ويزرع في جرحه النخيل، ويعرف الصقر فيها أنه يعرف أن يجرح ا/ الصورية األولى، التي أعلن الشاعر

.أن يبعث الفضاء القتيل

إن هذه المجموعة الصورية، من خالل مجموعة تمنياتها، تلخص طريق المجاهدة التي مر بها الشاعر حتى أوصلته في النهاية إلى أن يستحق لحظة اتحاد مع الوجود، تمنحه كشفا وعالمة على / الصقر

ئياتها كما لحظنا إلى ما سبقها من صور متنامية متصلة مؤدية إلى بعضها بعضا، الطريق، وهي تمتد في جز وتفضي إلى ما بعدها بالضرورة، من خالل انتهائها بلحظة روحية، ودعاء بالسقيا إذ يقسم على السحابة أن

يها كنتيجة تمطر باسمه فوق الشام والفرات، فال غرابة إذن أن تنقلنا هذه المجموعة الصورية إلى التي تل .طبيعية لها، فهو ينتهي إلى لحظة روحية في هذه المجموعة، ليبدأ بلحظة روحية في المجموعة التالية

:(45) المجموعة الصورية الرابعة -د

، السماء انفتحت

صار التراب كتبا، واهلل في كل كتاب

ساهر ، لم يبق في وجهي صخر نائم، لم يبق في عيني سراب

:تأتي من الفرات عالمة أنا هو الساكن في طوقك يا حمامه في سربك الراحل يا خطاف أنا هو الواضع كالعراف رؤياه والعالمه في األف ق في لغاته الكثيره .أنا هو الفرات والجزيره ...عالمة

لك يا حنيني ...مه

يتوحد فيها هذه المجموعة عبارة عن لحظةو . من مقطع واحد ذي مرحلتينة هذه الصور تتشكل .الصقر مع الوجود، وتتحد األشياء كلها معا، وتتداخل، ويتم الكشف عن اآلتي، ويتقرر المستقبل/ الشاعر

السماء تنفتح، فال حواجز، والتراب كتب، فكل ما في الوجود يمكن أن يقرأ ويعرف، واهلل في كل الشاعر ساهر، وهو ليس السهر القلق في المجموعة الصورية الثانية، بل السهر األبدي / والصقر . كتاب

وبحلول هذه المرحلة من االتحاد تتم المرحلة األولى من هذه . الذي يرعى الوجود ويرى كل شيء على حقيقته

Page 49: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

49

أن تأتي العالمة، وهي تأتي من من ال بد الصورة لتؤدي إلى المرحلة الثانية، فما دام الكشف قد حصل، فالشاعر على / ، والعالمة تأتي مكافأة للصقر (الحياة المستمرة/ التاريخ / الزمن : )= الفرات، مرة أخرى الفرات

وتكون العالمة اليقين . وهي كذلك بالنسبة للمتصوفة. ما تكبده من عناء ومجاهدة في مسيرته الشاقة الطويلةلذلك يصبح الصقر جزءا . لى الفعل اإليجابي قد اكتملت وحان وقت قطاف ثمرة الجهد الطويلالتام بأن القدرة ع

، ويصبح هو الذي يصنع الرؤيا والعالمة (السماء= سرب الخطاف / األندلس = طوق الحمامة )من الوجود ر بين جناحيه الشرق الشاع/ ، فيضم الصقر (أنا هو الفرات والجزيرة)ائرة ، وتكتمل الد(اإلرادة الواعية)=

.والغرب معا، األمس والغد سواء بسواء، فهو ال ينبت عن جذوره، وال يتوقف عن السير باتجاه مستقبله

ن كانت ال تتصل بالصورة المركزية من حيث وجود اإلشارات اللغوية، وهذه المجموعة الصورية وا لشاق الذي بدأ من الصورة المركزية بشقائها والصور الجزئية، إال أنها نتيجة طبيعية لطريق المجاهدة ا

.وعذابها

تؤدي دورها في إعطاء السائر مكافأته على ( لحظة)ولكن لحظة الكشف الروحية ليست أبدية، إنها / تعبه وجهده من جهة، ومن جهة أخرى تمنحه القدرة على المواصلة، لذلك كان البد من أن يخرج الصقر

ين يوشك أن ينساق معها في حلم لذيذ، يتيقظ الواقع في أعماقه، ويوقف هذه الشاعر منها إلى الواقع، فح، ألنه يريد أن يكمل الدرب، ال أن يستسلم للحلم، وبهذا يدفعنا إلى (مهلك يا حنيني) الغيبوبة بإشارة حاسمة

ة، ويتحقق الحلم المجموعة الصورية األخيرة، في غير ما توقف أو فجوات، لتتنامى القصيدة إلى ذروتها األخير .في أرض الواقع

(91: )المجموعة الصورية الخامسة –ه ق ر في بادية العروق في مدائن السريره الصق ر كالهالة مرسوم على بوابة الجزيره ألص

ق ر تط ريز على عباءة الصحراء والصق ر في الحنين في الحيرة بين الحل م والبكاء والص

ق ر في متاهه، في يأسه الخالق والص يب ني على الذروة في نهاية األعماق

أندلس األعماق أندلس الطالع من دمشق

.يحمل للغرب حصاد الشرق

يكتب الصقر للفضاء لمجهوله السخي

Page 50: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

50

يانه نقي سائال عن مكان، كشر قور قر للص – يومئ الص

ملت ه متاهاته، حملته الصخور مت عب، ح فحنا فوقها، يغذي متاهاته ويغذي الصخور

وجهه يتقدم والشمس حوذيه، والفضاء موقد،

والرياح عجوز تقص حكاياتها،قور والص

موكب يفتح السماء ؛

ر مريد يرفع كالعاشق في تفجب وة واإل شراق في وله الص

أندلس األعماق هذا الهيكل الجديد –يرفعها للكون

كل فضاء باسمه كتاب وكل ريح باس مه نشيد

تتشكل هذه المجموعة الصورية كما هو واضح من ثالثة مقاطع، توحد بينها نشوة االنتصار :وعة هيوالملحوظات البارزة على هذه المجم. المشوبة بذكريات العذاب والمعاناة

:أن الصقر يسيطر عليها من أولها إلى آخرها، فهو( 1

مرتين،( الصقور)سبع مرات، وكجمع ( مفرد)يتكرر، كلفظ . أ

، وتسيطر على بقية الحروف من خالل تكررها في كلمات أخرى مرة، ومن (ص ق ر)تتكرر حروف الصقر . ب مرة أخرى،( القوافي، إن جاز التعبير)خالل سيطرتها على نهايات األسطر

يبني، يحمل، يكتب، )، وهي أفعال إيجابية (المضارعة) أي أن األفعال المسندة إليه تدل على الحال : يفعل. ج .، وهي بهذا تؤدي داللة االنتصار والتفوق(يومئ، يغذي، يرفع

التي تغذي أن الصقر، على الرغم من النجاح الذي يحققه، فإنه مازال يحمل في أعماقه أحزانه القديمة، ( 2ويتم تقديم هذا . فهو من امتزاج القديم والجديد في بوتقة ذاته يصنع المستقبل. طموحه وتدفعه إلى الذروة

الحنين، الحيرة، البكاء، الحلم، اليأس )المفهوم من خالل مجموعة من الصور الجزئية في ألفاظ مكثفة الداللة / داللة مكانية ونفسية = في بادية العروق)ر في كل مكان ، وفي عبارات موحية بامتداد الصق(الخالق، المتاه

Page 51: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

51

تطريز على / داللة مكانية= كالهالة مرسوم على بوابة الجزيرة / داللة مكانية ونفسية= في مدائن السريرة (.داللة االنتماء األصلي= عباءة الصحراء

ومن تجاذب هذين التيارين .ذاتي حزين طموح، وعام ظاهر البهجة والعظمة: فالصقر يتنازعه تياران .له وتجاوبه معهما يتم البناء

أن اإلنسان العظيم الذي يصنع المجد، يبقى في النهاية إنسانا له أحزانه الخاصة، وله لحظة ضعفه، وهو ( 3ر الصقر هنا منفردا يبحث عن . غريب بين جماهير تحيط به وتمتثل ألمره (.مكان كشريانه نقي)لذلك يصو

أن الشاعر يعيدنا إلى الصورة المركزية في القصيدة، ولكنه في ذروة النصر يدلنا على التغيير الذي هجس ( 4 .والبعث الذي أراده منذ أن قرر االنطالق بانيا ملكه الجديدبه طوال القصيدة،

ر الصقر :ففي الصورة المركزية صو

تتدلى، ومرثية وكانت الرياح جثثا / والموت حوذيه جسدا يتدحرج

هو قادر على بعثه،( فضاء قتيل)وعبر الشاعر عن هذه الصورة فيما بعد بأنها

ر الصقر –هنا –أما في النهاية :فقد صو

.وأصبحت الرياح عجوزا تقص حكاياتها، وأصبح الفضاء موقدا / والشمس حوذيه وجها يتقدم

ر إلى بروجه من خالل المعاناة والفجيعة واليأس الخالق، وبدأت الشاع/ وهكذا يتم التحول الذي صعد الصقر .صناعة المستقبل

:وبهذه الصورة الجديدة للصقر، يمتزج العام والخاص في قالب واحد

إلى ( صوت الشاعر)أمام اندفاع أندلس األعماق ( موكبا يفتح السماء)فيغدو الجميع ( يومئ الصقر للصقور) :ه من جديدالكون بعد أن تم تشكيل

..."

أندلس األعماق"

".هذا الهيكل الجديد –يرفعها للكون "

من المهم مالحظة أن التحول الذي طرأ على الصقر، والذي عبر عنه الشاعر بالصورة الجزئية :التالية

(والرياح عجوز تقص حكاياتها/ موقد / والفضاء، / وجهه يتقدم والشمس حوذيه )

:ي، بالدالالت التاليةهذا التحول جذري كل

Page 52: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

52

هو المقصود بالتدحرج ، والجسد(فهو مجرد فرد)الضمير هنا للمتكلم ": جسدي يتدحرج/ "التحول من . أرج "، ثم هو (فالكيان كله منهار) بما يحويه من داللة السقوط وفقدان اإلرادة،" تدح

فهو واقف )جه هو المقصود بالتقدم ، والو (داللة التعظيم)الضمير هنا للغائب ": وجهه يتقدم/ "إلى .بما يحويه من داللة االنتصار واإلرادة" تقدم "، ثم هو (على قدميه، ثابت الخطوة، راسخ

فهو يسير إلى نهايته،": الموت حوذيه / "التحول من . ب

.فهو يتقدم إلى مستقبل مشرق": الشمس حوذيه / إلى

رائحة الموت والقتل واالندثار والفاجعة،": دلى، ومرثيةجثث تت= الرياح / "التحول من . ج

هي الرياح نفسها التي كانت في الصورة المركزية فضاء ": عجوز تقص حكاياتها= الرياح / "إلى قتيال وجنازة عامة، وعندما تحققت الحياة والبعث واالنتصار، أصبحت كل تلك العذابات مجرد ذكرى يستعيدها

.الصقر

الشكل ربط الشاعر نهاية القصيدة بأولها، مستمدا من العبارات نفسها دالالت مختلفة كليا، بهذا .لتناسب عملية التحول التي تمت عبر رحلة المجاهدة الطويلة الشاقة

وهكذا، ومن خالل صورة مركزية مكثفة الدالالت، وخمس صور جزئية مبنية على تقنيات متنوعة، يا متكامال، يفضي بعضه إلى بعض؛ بالضرورة وبدون فجوات أو زيادات ال لزوم لها، قدم أدونيس معمارا فن

وشكل بناء لغويا صوريا متكامال كذلك، يقوي وحدة القصيدة البنائية، ويجعلها متماسكة، يصعب التخلي عن .دون أن يكون في ذلك إخالل بالقصيدة بشكل عام شيء منها

في القصيدة الرمز واألسطورة والتراث:

توظيفا عضويا يدخل في نسيج ( أيام الصقر)يوظف أدونيس كال من هذه األدوات الفنية في قصيدة .النص، ويكون جزءا منه، الزما له، ليزيد من تماسك بنائه وتعميق وحدته العضوية المتنامية

:الرمز. أ

وقد يتخذ (. الحجر)هذه القصيدة، ومنها ألدونيس رموزه التي كرسها في شعره عامة، ولجأ إليها في والحجر يتحول عنده مع . الحجر عنده دالالت متنوعة، إال أن أهمها قضية الخلود ومقاومة الموت والفناء

كرمز آخر الستمرارية المعاناة والنزف، فهناك دم جديد ينزف باستمرار، ( الجرح)قلب الحروف مكانيا إلى .لشاعر يحاول أن يكون ابن عصره، بل أن يتجاوزه ويتخطاهمادام الزمن يتجدد، ومادام ا

Page 53: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

53

يتكرر ( الجرح)، و (الحجار)أربع مرات بلفظه األصلي، ومرة مجموعا ( أيام الصقر)يتكرر الحجر في ،(أجرح)، ومرة بصيغة (الجريحة)خمس مرات، منها ثالث مرات بلفظه األصلي، ومرة بصيغة

الرمزين مجرد صدفة؟/ كل من اللفظين فهل هذا التساوي في عدد المرات ل -

ذا استقصينا األلفاظ التي تدخل مادة بتقلباتها المكانية المحتملة في تركيبها، باستثناء ( ج ر ح)وا األولى هي الصورة المركزية، : ، وهما فعالن تبدأ بكل منهما صورة(يدحرج/ يتدحرج )، سنجد (جرح)و( حجر)

انية، فهل هذا أيضا مجرد صدفة؟والثانية هي المجموعة الصوري الث

ذا تتبعنا ما هو من عائلة ال الحصى : حجر من أشياء ليست أسماؤها من مادته اللغوي، سنجدوا ( عقر)الصخور، وهي في كل من مواقعها في القصيدة في تماس مباشر مع الصقر، فهو قد / التراب/والغبار

الصخور، فحنا عليها وغذاها ( حملته)ظة الكشف، ومع التراب في لح( اتحد)الحصى والغبار في هروبه، و .في رحلته الطويلة

الرموز في القصيدة ككل، وتتمركز في مواقع مرسومة لها، لتبقي القارئ في جو / وتنتشر هذه المفرداتلة الجرح حتى النهاية، مشكلة بذلك خيطا ظاهرا في اللفظ، خفيا في اإليماء، يربط أجزاء النص كام/ الحجر

.معا، ويزيد من تماسكه

: األسطورة. ب

أن النزعة التموزية هي في "من نافلة القول بالنسبة لهذه القصيدة خاصة، ولشعر أدونيس عامة، إنني أميل كثيرا إلى أن :"، بل إنها تبدو في الصميم من فكره وحياته، فكما يقول(91" )الصلب من شعره

-إذا نثرت – أدفن في األرض، ولعل ذلك عائد إلى أنني أريد أن أتواصل أوصي بأن أحرق بعد موتي، وأن ال (92". )مع أكبر جزء من جسد األرض

ومن نافلة القول أيضا، أن أدونيس يتمثل لقبه بأبعاده األسطورية كلها في شعره وفكره ونقده، فهو وما اختياره للصقر قناعا في هذه القصيدة . ساع إلى التجدد واالنبعاث من الموت في كل مرة يبدع فيها جديدا

، معانيا في ذلك إال لما يشع من هذه الشخصية من وهج التموزية؛ ألم يبعث الصقر دولة بني أمية بعد موتهاأشد الظروف قسوة، سواء أكان ذلك في هربه أم في إنشائه للدولة في األندلس؟ وفي هذا البعد وحده ما يكفي

الشخصية في قصيدة تطرح فكر أدونيس، وتعكس معاناته الشخصية في بناء مملكته لتوظيف روح هذه .الشعرية الخاصة

إن اإلشارة إلى الصور التي تبرز التوظيف األسطوري ستكون تحصيل حاصل هنا، ألن القصيدة :ي قولهمشبعة بالروح التموزية من أولها إلى آخرها، ومع ذلك يمكن أن نلمس الصوت التموزي عاليا ف

Page 54: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

54

صاعد لبروج التحول حيث الفجيعة، حيث / حيث ال تنتهي الخطوات األميرة/ أعرف أن أبعث الفضاء القتيال .وقلت لألشياء والفصول، تواصلي/ يساقط الرماد، حيث يستيقظ النشيج وينطفئ السندباد

جسدي يتدحرج والموت حوذيه/ وفي التحول من

يه وجهه يتقدم والشمس حوذ/ إلى

/ ...وفي خاتمة القصيدة

أندلس األعماق

هذا الهيكل الجديد –يرفعها للكون

أو ( الفينيق)أو ( تموز)األسطورة إذن تشع من جوانب القصيدة، دون أن يذكر الشاعر شيئا عن حدته العضوية وشد بنيانه وهذا هو ما يجعل البناء األسطوري في النص عامال هاما في تحقيق و (. أدونيس)

.حين يغدو من خيوط النسيج نفسها، ويندمج معها في اللون والنقشة

:التراث في القصيدة. ج

وما الصقر إال معلم بارز . إن التقنع بالصقر أوال هو جسم القصيدة وروحها، والطريق إلى إبداعها ومع ذلك وظف . ا وحده كاف ليشد بنيان النص كلهوهذ. من معالم التراث العربي، بأبعاده التاريخية والفردية

أدونيس مالمح تراثية هامة في قصيدته، منها ما ندرك أنه وظفه بوعي تام وعن سبق اإلصرار والتعمد، ومنها .الواسعة دون وعي ما يمكن القول إنه تسرب إليه من ثقافته التراثية

بأبعادها التجارية والسياسية ( تاريخ قريش تطور)فمن الباب األول، قضايا موضوعية بارزة مثل ومنه قضايا تتعلق بإشارات إلى ما ورد في هذا التراث من عبارات أو (. الرمز الصوفي)والصراعية، وتوظيف هديت / رمز عربي = النخلة، النخيل / الضريبة = الخراج / أسلوب الندبة = وافراتاه : كتب أو مفاهيم مثل

إشارة إلى = قرأت النجوم / عن مفهومه األصلي ( أهدى من القطا)المثل العربي القديم وهو انحراف ب= القطا مات بال غسل / من التراث الشعبي = السندباد / شياطين الشعر عند العرب = التوابع / علم الفلك والتنجيم ي، باسمي فوق الشام لصحت يا غمامة ، تكاثفي وأمطر / تقاليد الدفن عند المسلمين = وال قبر وال صالة

إشارة إلى األندلس، باإلشارة إلى كتاب فيلسوفها المعروف ابن = طوق الحمامة / الدعاء بالسقيا = والفرات .حزم

وقد وظفت هذه اإلشارات في أماكنها توظيفا يخدم عضوية النص، فأدى كل منها دوره في بناء .القصيدة وشد لحمتها

:أثر بالقرآن الكريم، وهو على ضربين في هذا النصومن الباب الثاني، الت

(يضيق)والطريق يدحرج أهواله و: "مضموني. أ

Page 55: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

55

.."من ظل رمحي( أضيق)كانت األرض "

التي نزلت في هروب المسلمين يوم حنين، " وضاقت عليكم األرض بما رحبت".. وهذا يذكر باآلية القرآنية .اتساعها دوما تضيق عليه األرض على فالهارب

متعب، حملته متاهاته، حملته الصخور: "تركيبي. ب

"فحنا فوقها، يغذي متاهاته، ويغذي الصخور"

:وهذا يذكر ببناء اآليات الواردة في سورة الضحى

ووجدك عائال فأغنى ووجدك ضاال فهدى ألم يجدك يتيما فآوى"

"ة ربك فحدثوأما بنعم وأما السائل فال تنهر فأما اليتيم فال تقهر

حيث تعود كل آية من السطر الثاني على اآلية المقابلة لها من السطر األول، وتتحد بها وتكثف دالالتها، . وكذلك األمر في السطرين المذكورين من القصيدة. وتشكل معها عالقة جدلية مستمرة

ساس القصيدة ومنطلقها فالتوظيف التراثي في القصيدة يشملها من أولها إلى آخرها، باإلضافة إلى أ .التراثي، إذ اتخذت من الصقر قناعا لتعبر من خالله إلينا

الوحدة العضوية في القصيدة:

إن القصيدة تتمتع بوحدة : من نافلة القول كذلك، بعد هذا العرض المفصل للنص، أن يقال :ذه الوحدة، وهيإال أن الدارس سيذكر باألدوات الفنية الرئيسة التي حققت ه. عضوية متماسكة

بناء األجزاء الداخلية للقصيدة، والذي تمثل في الحركة التعرجية التي سبقت اإلشارة إليها . أ .وشرحها، والتي مثلت التضاد بين الخاص والعام

اإليقاع الخارجي للقصيدة، الذي وظف توظيفا واعيا بما يتناسب مع بناء األجزاء الداخلية . ب وما يؤدي إليها ويتفرع منها، واتخذ إيقاع صوت ( فاعلن، فعولن)إيقاع صوت الذات شكل للقصيدة، فاتخذ

بتشكيالتها المختلفة، واضطرد هذا التوزيع لإليقاع في القصيدة كلها كما تم بيانه ( مستفعلن)العام شكل .سابقا

ة المتشابكة المدروسة ري للنص، الذي شكل مجموعة من العالقات المتداخلو البناء اللغوي والص . ج وهندسة بالغتي اإلتقان، أدتا إلى أن تكون القصيدة صورة كلية شاملة للمعاناة التي أراد الشاعر أن بعناية

.يعبر عنها

توظيف الرمز واألسطورة والتراث في النص توظيفا داخليا أحيانا، وخارجيا أحيانا، إال أنه في . د .ا بعضا، ويحكم بناءهاصيدة ببعضهاية كان يربط أجزاء القالنه

Page 56: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

56

:خاتمة

ألدونيس تجربة شعرية متكاملة، استعمل فيها ( أيام الصقر)وهكذا نخلص إلى القول بأن قصيدة قناعا له، عبر من خالله عن مجموعة من التجارب والخبرات الشعورية والفكرية، في ( صقر قريش)الشاعر

كثيرا من صفاتها ( أيام الصقر)دة العربية المركبة، والتي حققت نص يشكل ظاهرة بارزة في تيار القصيبناء مركب ولغة شعرية جديدة، وشكل نغمي ووزني جديد، واستخدام خاص للرمز واألسطورة "المتمثلة في

(63". )واإليحاء

فقد لحظنا من خالل هذه الدراسة أن الشاعر استعمل عدة تقنيات في بناء قصيدته، ومن ذلك ، كما لجأ إلى ربط أجزاء القصيدة بجمل مفصلية ال تنفصل (التحايث المتداخل)، وما أسميته (حركة التعرجيةال)

عن جسم النص، وربط صورها المتتالية بالصورة الجزئية عن طريق تفجير دالالت هذه الصورة في تلك .الصور

حور الشعرية العربية، ليوظفها في كما أنه استفاد من المزايا النغمية المشتركة في تفعيالت بعض الب .إعطاء دالالت معينة، ترفد تقنياته البنائية، وتشترك معها في دعم النص

وتوظيفها في ( الحجر، الجرح)ولحظنا كذلك استعماال خاصا للرمز عنده، بل إبداع رموز خاصة به عن توظيف داخلي -في شعره عموما كما –صدر في هذه القصيدة إغناء النص بالوحدة والتماسك، كما أنه

وتميزت لغته . لألسطورة التموزية بالذات، وحقق من خالل ذلك مزيدا من الرفد لوحدة القصيدة وعضويتهابشكل عام بأنها موحية، مكثفة الدالالت، تعطي النص ميزة االنفتاح وقبول التفسيرات المختلفة دون أن يكون

.ذلك عنصر ضعف ناتجا عن اإلبهام

مطلب "وقد تآزرت العاطفة والعقل معا في المحافظة على وحدة بنائية محكمة للقصيدة، وهذه الميزة فقد لحظنا كيف يعرض الشاعر مثال فكره النقدي ( 94". )ضروري لتصلح تسمية عمل شعري بأنه مركب

نتيجة العاطفة وتصوره لدور الشاعر في الحياة من خالل مجموعة من الصور يفترض أنها تشكلت أصال إلى ...( لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الفصول : )واإلحساس بالفجيعة، في المجموعة الصورية الثالثة من

..(.باهلل يا غمامة)

النماذج الشعرية األكثر بساطة وغنائية، إلى األكثر "وبذلك، يتجاوز أدونيس من خالل هذه القصيدة ببناء محكم، حيث ال توجد أية –بالذات –لطبقات من الشعر، والتي تتميز تعقيدا، المتعددة المواضيع وا

(99". )زوائد

(انتهى)

Page 57: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

57

اإلشارات

445: أدونيس، األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، ص( 1)

ير وقد حاولت العثور على هذا النص في غ. 31: ، ص4أنظر المقري، نفح الطيب، مصدر سابق، ج( 2) .النفح من المصادر التي صنفت عن تاريخ األندلس، فلم أجده بهذه الصيغة إال في النفح

، 3ط 1511هانزفير، وضع ملتون كوان، مكتبة لبنان، بيروت –معجم اللغة العربية المعاصرة : أنظر( 3) :باإلنجليزية( مخاوف)ومعنى مخاوف، جمع مخافة، وانظر من أجل معاني ( خوف)مادة

Webster’s New World Dictionary, New World Dictionaries, Simon& Schuster, New York, 1984 2nd College ED.

(4) Al – Shar’, A’li Ahmad, An Analytical Study of The Adonisian Poem, (Ph.D.

Diss), The University of Michigan, USA 1982, page: 125 – 126.

(9)same, page: 126 Al – Shar’

(6 )Same, page: 126

Page 58: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

58

أبو حاقة لم يناقش هذه . إال أن د(. 2)، اإلشارة رقم 16: انظر الفصل الثالث من هذه الدراسة، ص( 1) .ق القولالفكرة فنيا كما سب

(1)same, page: 126 Al – Shar’

(5 )Same, page:129 493-491:، ص1وانظر األسطر الشعرية في األعمال الكاملة ألدونيس، ج

(11 )Same, page:127

491: ، ص1أدونيس، األعمال الشعرية الكاملة، ج( 11-14)

(.16)انظر الفصل الثالث من هذه الدراسة، ص ( 19)

(16 )same, page: 226 Al – Shar’

(11 )Same, page:226

(11 )Same, page: 227

(15 )Same, page: 227

(21 )Same, page: 229-231

499-494: نفسه، ص( 22) 493: ، ص1األعمال الشعرية الكاملة، ج( 21)

491: نفسه، ص( 29) 499: نفسه، ص( 24) 499: نفسه، ص( 23)

495-491: نفسه، ص( 21) 491: صنفسه، ( 21) 491: نفسه، ص( 26)

491: نفسه، ص( 25)

المرزباني، محمد بن عمران بن موسى، الموشح، تحقيق على محمد : انظر قصة بشار مع الرجز في( 31) .996: ، ص1564البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة،

.19: ، ص1514بكار، يوسف حسين، في العروض والقافية، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، ( 31)

492: نفسه، ص( 33) 499: ، ص1األعمال الشعرية الكاملة، ج( 32)

494: نفسه، ص( 36) 491 -499: نفسه، ص( 39) 499 – 494: نفسه، ص( 34)

491: نفسه، ص( 41) 491: نفسه، ص( 35) 499: نفسه، ص( 31) 499: نفسه، ص( 31)

491: نفسه، ص( 41)

Page 59: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

59

، 1511د األدبي الحديث، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة، القاهرة، هالل، محمد غنيمي، النق( 42) .423: نفسه، ص( 44) .423: نفسه، ص( 43) .411: ص

493 -491: نفسه، ص( 46) 491: ، ص1األعمال الشعرية الكاملة، ج( 49)

491-491: نفسه، ص( 45) 491 -499: نفسه، ص( 41) 499 -494: نفسه، ص( 41)

495 -491: ص نفسه،( 91)

جبرا، جبرا ابراهيم، النار والجوهر، دراسات في الشعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ( 91) .11: ، ص3، ط1512

.121: ، ص1، ط1515العكش، منير، أسئلة الشعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ( 92)

(93 )El – Hssan, Nayef Khaled, The Complex Poem, previous ref., page: 52

(94 )Same, page: 64

(99 )Same, page: 250

مسرد المراجع والمصادر والمعاجم، مرتبة هجائيا حسب اسم المؤلف

المصادر والمراجع العربية: أوال

1ط 1515أبو حاقة، أحمد، االلتزام في الشعر العربي، دار العلم للماليين، بيروت، ( 1

9ط 1511ونيس، األعمال الشعرية الكاملة، المجلد األول، دار العودة، بيروت، أد( 2)

2، ط15أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ( 3)

9ط 1519أدونيس، سياسة الشعر، دار اآلداب، بيروت، ( 4)

1512أطيمش، محسن، دير المالك، دار الرشيد للنشر، بغداد ( 9)

1512النار والجوهر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، جبرا، جبرا ابراهيم،( 6)

حمود، محمد العبد، الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيانها ومظاهرها، دار الكتاب اللبناني، بيروت ( 1)1561

1511الشرع، علي أحمد، بنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس، اتحاد الكتاب العرب، دمشق ( 1)

Page 60: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

60

1511شكري، غالي، شعرنا الحديث إلى أين؟، دار اآلفاق الجديدة، بيروت ( 5)

1511عباس، إحسان، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، الكويت ( 11)

1ط 1515العكش، منير، أسئلة الشعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ( 11)

في الوطن العربي والمهجر، دار السؤال للطباعة والنشر، دمشق، علي، أسعد أحمد، الشعر الحديث جدا ( 12)1519

: ترجمة) 2، ط1515فريزر، جيمس، أدونيس أو تموز، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ( 13) (جبرا إبراهيم جبرا

1، ط1561مخائيل، أمطانيوس، دراسات في الشعر العربي المعاصر، المكتبة العصرية، صيدا، ( 14)

المرزباني، محمد بن عمران بن موسى، الموشح، تحقيق على محمد البجاوي، دار نهضة مصر، ( 19) 1564القاهرة،

1561مروة، حسين، دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، مؤسسة األبحاث العربية، بيروت، ( 16)

، 1516، دار الفكر، بيروت، 4المقري، أحمد بن محمد، نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب، ج( 11) ، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي1ط

1511هالل، محمد غنيمي، النقد األدبي الحديث، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة، القاهرة، ( 11)

المراجع باللغة اإلنجليزية: ثانيا

(15 )Al – Shar’, A’li Ahmad, An Analytical Study of The Adonisian Poem, (Ph.D. Diss), The University of Michigan, USA 1982

(21) El-hassan, Nayef Khaled, The Complex Poem in New Arab Poetry 1950-1985.(Ph.D. Diss.), Univ. of Pennsylvania, 1985, U.S.A

المعاجم : ثالثا

3ط 1511هانزفير، مكتبة لبنان، بيروت –عجم اللغة العربية المعاصرة ملتون كوان، م. ج (21)

داغر، يوسف أسعد، قاموس الصحافة اللبنانية، الجامعة اللبنانية، قسم الدراسات األدبية، ييروت، (22)1519

Page 61: دراسة فنية لقصيدة أيام الصقر لأدونيس

61

(23 )Webster’s New World Dictionary, New World Dictionaries, Simon& Schuster, New York, 1984 2nd College ED.