مقاصد الشريعةالدرس الخامس

معالي الشيخ/ د. سعد بن ناصر الشثري الحمد لله رب العالمين، والصالة والسالم على أفضل

األنبياء والمرسلين، أما بعد.. *ا من مقاصد فأرحب بكم في لقاء جديدنتدارس فيه شيئ الشريعة، تقدم معنا مقدمة في هذا العلم، والمقصد األول

، والمقصد اآلخر في في تحقيق العبودية لله عز وجل استجالب المصالح ودرء المفاسد، والمقصد اآلخر من مقاصد

الشريعة في التخفيف على العباد.- مقصد*ا آخر في هذا اليوم نتدارس -بإذن الله عز وجل

من مقاصد الشريعة أال وهو أداء الحقوق. فإن الشريعة قد أكدت على إيصال الحقوق ألصحابها، وأنه يجب أداء هذه الحقوق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

ه قد أعطى كل ذي حق حقه« ، وقال النبي صلى1»إن الل ، وبالتالي يجب2»أعطوا كل ذي حق حقه«الله عليه وسلم:

علينا أن نسعى إليصال الحقوق وأدائها ألصحابها، ويحرم التهاون في ذلك أو التفريط فيه، أو التأخير في إيصال

الحقوق ألصحابها. والحق ال يفهم أنه مقتصر على األمور المالية فقط، صحيح األمور المالية فيها حقوق يجب أداؤها ألصحابها، كما ورد في

ى تؤديه«الحديث: ، كما قال الله عز3»على اليد ما أخذت حت : ه يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها﴿وجل النساء:]﴾إن الل

58]. ولكن معنى الحقوق في الشريعة أكثر من أن نقصره على

الحقوق المالية، والحقوق النقدية، بل هناك حقوق كثيرة،رمذي،1 م: أبي أمامة، قrrال عنرواه أبو داود، وابن ماجه، والت ل rrه وسrr ه علي لى الل rrول الله ص rrمعت رس rrس

ة لrrوارث". والحrrديث ي rrق حقه فال وصrrل ذي حrr ه قrrد أعطى ك rrوداع: "إن الل يقول في خطبته في حجة الصححه األلباني في صحيح ابن ماجة وغيره.

في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن2 لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن ألهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، فأعط كrrل ذي حrrق

حقه".مرة3 rrن عن س rrادة عن الحسrr rrة عن قت عيد بن أبي عروب rrة عن سrrنن األربع rrعفهأخرجه أصحاب السrrوض ،

األلباني في ضعيف الجامع وغيره.

منها حقوق االختصاص، وحقوق االنتفاع، بل في بعض المرات يكون من الحقوق ما يكون فيه معنى التكليف والوجوب،

مثل: حقوق الزوج والزوجة، حق الحضانة، فهذه حقوق ثابتةفي الشريعة.

والحق الذي يجب أداؤه ألصحابه يشترط فيه شرطان:*ا. األول: أن يكون ثابت

وطريق ثبوت الحقوق إما من طريق الشرع، حيث تأتي آية تثبت حقا ألحد على أحد، وإما أن يكون بواسطة العقود

اس، وإما أن يكون بواسطة االلتزام، كما في التي يتعاقدها الن الضمان والكفالة، أو يكون عن طريق الوالية، فمن له والية

على غيره قد يثبت له حقوق*ا على غيره، سواء* اإلمامةالعظمى، أو والية الوالد، أو والية ولي اليتيم، أو نحو ذلك. واستيفاء الحقوق قد يكون بدافع ذاتي من خالل خوف

، ورغبة* في إبراء ذمته، وقد يكون اإلنسان من الله عز وجل عن طريق القضاء، فالقضاء يلزم ويوجب على من عليه حق

أن يؤديه ألصحابه. ولكن فيالمرات قد يكون القضاء على خالف الحق؛ ألن

القاضي إنما يحكم بما ظهر له من أدلة، إما عن طريق شهادة الشهود، أو ما تدل عليه البينات، ولذا قال النبي صلى

كم تختصمون إلي ولعلالله عليه وسلم: ما أنا بشر وإن »إن بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو

ما *ا فال يأخذ فإن ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئار« »فمن قضيت له من، فقوله هنا: 4أقطع له قطعة* من الن

*ا« كلمة حق، تثبتوجود الحق هنا، وهكذا فيحق أخيه شيئ »من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئالحديث اآلخر:

أم سلمة رضي الله عنهاصحيح البخاري كتاب الحيل عن 4

ه وهو عليه« ، وهنا القاضي حكم بناء* على5مسلم لقي اللهذه اليمين.

ولكن وجود الحكم القضائي ال يعني قطع الحقوق من أصحابها، وبالتالي نعلم أن القضاء طريق من طرق استيفاء

الحقوق، لكن قد يقع فيه مخالفة لكون هذا القضاء بني علىأمور ليست بصحيحة، وبالتالي يجب إعادة الحقوق ألصحابها.

وكذلك يشترط في الحق ألدائه أن يكون مشروع*ا، ولو كان هناك حق غير مشروع، فحينئذ ال يثبت الحق فيه، كما لو

وقع تعاقد على أمور محرمة، حينئذ وجد سبب ثبوت الحق، لكن ذلك ليس من األمور المشروعة، وبالتالي نقول إنه ال

يجب األداء في هذه الصورة، بل ال يثبت فيه كونه حق*ا؛ ألنهلم يثبت، ألنه غير مشروع وغير متوافق مع الشرع.

والحقوق أنا أريد أن أقسمها إلى: حقوق لله عز وجل خالصة، مثل: العبادات من صالة-

وصيام والوفاء بالنذور. حقوق فيها جانب المكلف، مثل: حق الحضانة، وحق-

الوالدين.لكن حقوق المكلفين ال تخلو من أن يكون فيهاجانب من كونه حقا لرب العزة والجالل.

حقوق عامة بالنسبة للناس يجب أن تالحظ وأن تؤدى،-: تحريم االعتداء على ممتلكات اآلخرين، من ذلك مثال*

هذا حق، وال يجوز ألحد أن يعتدي على ملك غيره؛ فإن .. »ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:

، هكذا6دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام«*ا. ا وميت المحرم على كرامة اإلنسان، ال يمتهن حي

م:5 ل rrه عليه وس ه صلى الل ه عنه، قال: قال رسول الل ه بن مسعود رضي الل متفق عليه من حديث عبد اللrrك: ديق ذل rrه تص ه وهو عليه غضبان" فأنزل الل "من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللrة، قrال *rrا قليال* أولئك ال خالق لهم في اآلخrrرة{ إلى آخrر اآلي ه وأيمrrانهم ثمن ترون بعهrrد الل rذين يش }إن الحمن؟ قلنا: كذا وكذ، قال: في أنزلت كانت لي بئر فدخل األشعث بن قيس وقال: ما يحدثكم أبو عبد الره، نتك أو يمينه" فقلت: إذ*ا يحلف يا رسول الل م: "بي ه عليه وسل بي صلى الل في أرض ابن عم لي، قال النم: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر ه عليه وسل بي صلى الل فقال النه وهو عليه غضبان". وفي رواية لمسلم عن أبي أمامة رضي اللrrه عنrrه بلفrrظ: "من اقتطrrع حrrق لقي اللrا ا ي ير* rrا يس* يئ rان شrr rه رجrل وإن ك ة فقrال ل rrه الجن م علي ار وحrر ه له الن امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الل

*ا من أراك". ه قال وإن قضيب رسول اللم6 ل rrه وسrr ه علي لى الل rrول الله ص rrه عنهما أن رس اس رضي الل أخرجه البخاري في كتاب الحج عن ابن عب

rrد حrrرام اس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بل ها الن حر فقال يا أي اس يوم الن خطب النrrومكم قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حrrرام كحرمrrة يغت هم هrل بل غت الل هم هrل بل ه فقrال الل rع رأسrا ثم رف هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرار*اهد الغrrائب ال rrغ الشrr rrه فليبل ته إلى أمت ي rrا لوصrrه rrده إن ي بي rrذي نفس ه عنهمrrا فوال اس رضي الل قال ابن عب

ا يضرب بعضكم رقاب بعض. ترجعوا بعدي كفار*

كذلك من حق اإلنسان أن يكون هناك عدل في التعامل معه، حيث يكون هناك مساواة مع من يماثله، ال يوجد هناك تمييز بين الناس، ومن هذا المنطلق جاءت الشريعة بتحريم

التكبر. وجعلت من أنواع التكبر جحد حقوق اآلخرين، ولذا قال

»الكبر بطر الحق وغمطالنبي صلى الله عليه وسلم: اس« ، بطر الحق أي: جحد الحق وعدم القبول به، وغمط7الن

الناس أي: احتقار اآلخرين؛ ألن من حق اآلخرين أن نحفظلهم كرامتهم ومنزلتهم التي يؤهلون لها.

كذلك هناك حق للمسلم على المسلم، كما قال صلى الله«عليه وسلم: ، فهذه يجب8»حق المسلم على المسلم ست

أداؤها ألصحابها، وال يجوز التفريط فيها، وإن لم تكن حقوق*ا مالية*، كرد السالم، وتشميت العاطس، وزيارة المريض،

واتباع الجنائز، هذه حقوق يجب أداؤها. نالحظ أيض*ا أن هناك حقوق*ا في تصرفات اإلنسان المباحة،

بحيث ال يمنع من شيء منها إال إذا كان متعارض*ا مع مصلحة أعظم منها، فمثال: لك الحق في اللباس تلبس ما ترى أنه

يتناسب مع حالك، وما يكون محقق*ا لمصلحتك. لكن قد يكون اللباس متعارض*ا مع مصلحة أخرى، كاللباس

، فهذا قد يترتب عليه مفاسد؛ ولذلك منعت العاري مثال*الشريعة من إظهار هذا اللباس في المجامع العامة.

كذلك أيض*ا تالحظون أن الحقوق ليست مقتصرة على األمور الظاهرية، الحقوق في اإلسالم وصلت إلى شيء لم

: ما يتعلق بشعور يصل إليه بقية الدساتير واألنظمة، ولهذامثال* اإلنسان، جعلت فيه حقا، كما قال النبي صلى الله عليه

ىوسلم: ى تؤمنوا وال تؤمنوا حت ة حت »ال تدخلون الجنوا« ، إذن المحبة هذا حق ثابت جاء في الشريعة.9تحاب

rrه7 ه علي لى الل rrبي ص rrه عن الن ه عن ي الل rrعود رض rrه بن مس rrد الل أخرجه مسلم في الصحيح من حrrديث عبrrون جrrل يحب أن يك rrر، قrrال رجrrل: إن الر ة من كب ة من كان في قلبه مثقال ذر م قال:"ال يدخل الجن وسل

اس". ه جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الن *ا ونعله حسنة*، قال: إن الل ثوبه حسن8 لم rrلم على المس rrق المسrrال: "حrrم ق ل rrه عليه وس ه صلى الل أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الل

rrه ح ل rrم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانص ه: قال: "إذا لقيته فسل " قيل ما هن يا رسول الل ستبعه". ه فسمته وإذا مرض فعده وإذا مات فات وإذا عطس فحمد الل

rrدخلون9 م:"ال ت ه عليه وسل ه صلى الل أخرجه مسلم في كتاب اإليمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللالم rrوا الس rrاببتم أفشrrوه تحrrيء إذا فعلتم rrكم على ش وا، أوال أدل ى تحrrاب rrوا حت rrوا، وال تؤمن ى تؤمن ة حت الجن

بينكم"

»الوفي الحديث اآلخر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ى يحب ألخيه ما يحب لنفسه« ، محبة الخير10يؤمن أحدكم حت

لآلخرين هذه من الحقوق التي جاءت بها الشريعة، وال يوجد شيء من الدساتير وال من األنظمة وال من القوانين قرر مثل

هذه الحقوق التي وردت بها الشريعة. كذلك ما أشرنا إليه قبل قليل من الحقوق من احترام

اآلخرين وتقديرهم، والقيام بواجبات تجاههم من رد السالمتشميت العاطس عيادة المريض اتباع الجنائز، إجابة الدعوة.

من األمور التي جاءت بها الشريعة فيما يتعلق بالحقوق أن أوجبت على كل واحد من المسلمين أن ينصح إخوانه،

ينصحهم بال فضيحة، بينه وبينهم، يعرفهم بما يرى أنه الصواب وأنه األفضل في حقهم، إن قبلوا وإن ردوا، لكن بيان الحق وتوضيحه ونشر هذه النصيحة هذا مبدأ شرعي جاء من أداء

»الدينالحقوق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: صيحة« ه، قلنا: لمن؟ قال صلى الله عليه وسلم:الن »لل

.11ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم« وهكذا جعلت الشريعة الحقوق متبادلة* في كثير من

أمورها، هناك حق للزوج وهناك حق للزوجة، يجب على كل واحد منهم أن يقوم بالحق، وليس هذا الحق على جهة

المقابلة، أنت تؤدي هذا الحق لله، حتى ولو يقم الطرفاآلخر بأدائه.

هناك حق لصاحب الوالية، وهناك حقوق للرعية، فلو فرض أن الرعية لم يقوموا بالحق الواجب عليهم ال يخول هذا

صاحب الوالية أن يترك الحق الواجب عليه تجاه الرعية، وبالعكس، لو كان الوالي ال يقوم بالحقوق الشرعية التي جاءت بها الشريعة من حقوق الرعية، ال يعني أن يفرط

الرعية في حق هذا الوالي، ولذلك قال النبي صلى الله عليه »اسمع وأطع إلمامك، وإن ضرب ظهرك وأخذوسلم: .12مالك«

أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه.10أخرجه مسلم في كتاب اإليمان عن تميم الداري.11ه بخير فنحن فيrrه12 ا بشر فجاء الل ا كن ه: "إن أخرجه مسلم في كتاب اإلمارة عن حذيفة: قلت يا رسول الل

rrك ر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذل ؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الش فهل من وراء هذا الخير شريقوم rrتي وس ن rrون بس تن rr؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة ال يهتدون بهداي وال يس الخير شره إن أدركت ول الل rا رسrr نع ي rrف أصrr ياطين في جثمrrان إنس. قrrال: قلت كي فيهم رجال قلوبهم قلوب الش

ذلك؟ قال: تسمع وتطيع لألمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.

هكذا أيض*ا من الحقوق التي جاءت بها الشريعة الحقوق المتعلقة بالتواصل، مثل بر الوالدين، مثل صلة الرحم، مثل

أيض*ا إكرام الضيف، مثل االجتماع والتآلف بين الناس. أيض*ا مسألة حفظ اللسان، بحيث ال تتكلم في عيوب

اآلخرين، هذا من حق إخوانك عليك، بل من الحق أنه إذا تكلم في أحد أمامك أن ترد عن عرضه، كما قال النبي صلى

ه عن وجههالله عليه وسلم: »من رد عن عرض أخيه رد اللار يوم القيامة« .13الن

هكذا من الحقوق التي جاءت بها الشريعة توقير أصحاب الفضل، وكبار السن، ومن له قدم وسابقة في اإلسالم، سواء*

كان من دعاة دين الله، أو من العلماء، أو كان من حفظة، أو كان ممن يحسنون إلى الخلق، كتاب الله عز وجل

ويبذلون من أموالهم في إصالح أحوال الناس، فهؤالء لهم فضل وبالتالي لهم حق على الناس أن يقدروهم ويحترموهم،

وفي هذا فائدة أخرى أال وهي اقتداء اآلخرين بهم. كذلك مما يتعلق بالحقوق حق الناس فيما بينهم أن

يعيشوا بسالم، وبأمان، يأمن بعضهم من بعضهم اآلخر، فهذامن الحقوق التي جاءت بها الشريعة المطهرة.

ا مالية* فقط، بل فهذه نماذج لبيان أن الحقوق ليست أمور*هناك حقوق أعظم من الحقوق المالية، كما تقدم معنا.

من الحقوق المحافظة على شعور اآلخرين، كونك تحافظ على شعور اآلخرين، لئال يحزنوا، لئال يقلقوا، لئال يخافوا منك،

هذا جاءت به الشريعة، ولذلك قال النبي صلى الله عليهالث«وسلم: من أجل أن ذلك14»ال يتناجى اثنان دون الثيحزنه.

ولهذا جاءت الشريعة بالدعوة إلى األخالق الفاضلة، وحسن التعامل مع اآلخرين واختيار األلفاظ الطيبة

عبادي يقولوا﴿والتصرفات الحسنة، كما قال تعالى: وقل ليطان كان يطان ينزغ بينهم إن الش التي هي أحسن إن الش

* مبينا .[53]اإلسراء: ﴾لإلنسان عدوا

أخرجه الترمذي وصححه األلباني في صحيح الترمذي وصحيح الجامع.13rrه14 ه علي لى الل rrول الله ص rrه أن رسrr ه عن ي الل rrه رض صحيح البخاري كتاب االستئذان عن نافع عن عبد الل

الث" م قال:"إذا كانوا ثالثة فال يتناجى اثنان دون الث وسل

فعندما نختار األقوال الطيبة نكون قد أدينا حق اإلخوة،وبالتالي نفوت الفرصة على عدونا الشيطان الرجيم.

هكذا أيض*ا في حسن الظن باآلخرين، عندما نحسن الظن فيهم، ونحملهم على أحسن المحامل في تصرفاتهم، نكون

ا، قال الله جل وعال: ذين﴿بذلك قد أدينا حقا شرعي ها ال ياأيسوا * من الظن إن بعض الظن إثم وال تجس آمنوا اجتنبوا كثيرا

* عضكم بعضا ها﴿، واآلية التي قبلها: [12الحجرات: ]﴾وال يغتب ب ياأي* ذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا ال

* منهن وال تلمزوا ساء عسى أن يكن خيرا منهم وال نساء من ن﴾أنفسكم وال تنابزوا باأللقاب بئس االسم الفسوق بعد اإليمان

.[11الحجرات: ] كما تقدم أن هذه الحقوق لها مصادر، محل اتفاق، إما تكون من قبل الشارع، إذا كانت هذه الحقوق من مصدر

متفق عليه حينئذ ينتفي التنازع. لكن إذا جاءك من يقول: إن الحقوق إنما تثبت باألعراف، يأتي من ينازع، هل هذا عرف معتبر أو ال؟ وهل وقع العرف

على اعتبار هذا األمر من الحقوق أو ال؟ ومن ثم يقع االختالف : فإن تنازعتم في شيء﴿والتنازع، ولذلك قال الله عز وجل

ه واليوم اآلخر سول إن كنتم تؤمنون بالل ه والر فردوه إلى الل* .[59]النساء: ﴾ذلك خير وأحسن تأويال

من األمور التي نالحظها -كما ذكرت قبل قليل- أن، فأنت من باب الحقوق كلها مرتبطة بحقوق الله عز وجل تعظيمك لحق الله وتعظيمك لحرمات الله، تؤدي الحقوق التي تكون للمكلفين، فالله الذي خلقك والله الذي رزقك،

والله الذي أهلك األمم الماضية، والله الذي يتصرف في الكون كيف يشاء، البد أن تراعيه ليستمر في فضله وبره ولتنجو إذا كنت بين يديه يوم القيامة، ومن ذلك أن تؤدي

الحقوق إلى أصحابها. فهناك دافع ذاتي يجعل اإلنسان يؤدي الحقوق ألصحابها، أال وهو هذا الضمير، وهذه المخافة من رب العزة والجالل

وهذا الرجاء في أمور اآلخرة، فإنها تجعلك تؤدي هذه الحقوقألصحابها.

وتالحظون هنا أنه ليس كل ما يهواه اإلنسان يكون حقا له، بل ال يكون له من الحقوق إال ما جاء في هذه المصادر

السابقة. من األمور التي جاءت بها الشريعة المطهرة أنه عند

التفريط في الحقوق تشرع العقوبات، وقد تكون عقوبات تعذيرية*، وقد تكون عقوبات حدية*، وقد تكون العقوبة بأخذ

ا على من امتنع منه. الحق وإعطائه جبر* من الحقوق التي تتعلق باإلنسان أن له الحق في الكسب المشروع، وله الحق في التصرف في ماله، وال يمنع اإلنسان، يأتي به الشرع من شيء من التصرفات إال بمقتضى شرعيلمصلحته هو أو لمصلحة من له حق عليه، كأصحاب الديون.

*ا من الحقوق، أال وهو حق األسرار، أورد نموذج*ا غريب جاءت الشريعة بوجوب كتم األسرار، ومنعت من أن ينشر

اإلنسان أسرار غيره. حتى لو جلست مع شخص في مجلس وحدثك بحديث، ال يجوز لك أن تنقل هذا الحديث إال إذا أذن لك، أو غلب على ظنك أنه يجيز نقل هذا الحديث ونشره، وإال فاألصل أنه ال

يجوز نقل هذه األحاديث. »المجالسولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:

.15باألمانة« من األمور أيض*ا التي تتعلق بالحقوق ما يتعلق بصاحب

الحق، فإن صاحب الحق له أن يطالب بحقه، وله أن يتقدم »فإن لصاحبللقضاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

» .16الحق مقاال* أخرجه أبو داود عن جابر بن عبدالله وضعفه األلباني في السلسلة الضعيفة وهو بلفظ: المجالس15

باألمانة إال ثالثة مجالس، مجلس يسفك فيه دم حرام، ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحلفيه مال من غير حق.

ه16 ول الل rrاع رسrr أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وحسنه األلباني عن عائشة، قالت: "ابتق من تمrrر الrrذخرة، وتمrrر الrrذخرة rrا، أو جزائر، بوس م من رجل من األعrrراب جrrزور* ه عليه وسل صلى اللrrه مrrر، فلم يجrrده، فخrrرج إلي م إلى بيته، والتمس له الت ه عليه وسل ه صلى الل العجوة، فرجع به رسول اللق من rrا أو جزائر، بوس ا قد ابتعنا منك، جrrزور* ه، إن م، فقال له: "يا عبد الل ه عليه وسل ه صلى الل رسول اللrrك اس، وقrrالوا: قاتل تمر الذخرة، فالتمسناه، فلم نجده"، قال: فقال األعرابي: واغدراه. قالت: فنهمrrه النم: "دعrrوه، ل rrه وسrr ه علي ه صلى الل م؟! قالت: فقال رسول الل ه عليه وسل ه صلى الل ه، أيغدر رسول الل اللrrك ا ابتعنا من ه، إن م فقال: "يا عبد الل ه عليه وسل ه صلى الل "، ثم عاد له رسول الل فإن لصاحب الحق مقاال*ناه، فلم نجrrده"، فقrrال األعrrرابي: واغrrدراه، فنهمrrه rrك، فالتمسrr جزائرك ونحن نظن أن عندنا ما سمينا لrrه ه علي لى الل rrه ص ول الل rrال رسrrم؟! فق ل rrه عليه وس ه صلى الل ه أيغدر رسول الل اس، وقالوا: قاتلك الل الن*rrا، تين، أو ثالث م مrrر ل rrه وسrr ه علي ه صلى الل "، فردد ذلك رسول الل م: "دعوه، فإن لصاحب الحق مقاال* وسلول rrا: رسrrل لهrrة، فق rrة بنت حكيم بن أمي حابه: "اذهب إلى خويل rrفلما رآه ال يفقه عنه، قال لرجل من أص rrك rrه إلي ى نؤدي لفيناه حت rrذخرة، فأسrrم يقول لك:"إن كان عندك وسق من تمر ال ه عليه وسل ه صلى الل الل

كذلك من الحقوق التي جاءت بها الشريعة حق تكافل المجتمع بعضه مع بعض، فهناك حق للمجتمع وحق للضعفاء على األغنياء، وحق للفقراء على أصحاب األموال، كما قال

ائل﴿جل وعال: ذين في أموالهم حق معلوم * للس وال وفي أموالهم حق﴿، واآلية الثانية: [25، 24]المعارج: ﴾والمحروم

ائل والمحروم لس .[19]الذاريات: ﴾لفهؤالء لهم حقوق يجب أداؤها.

وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ج حق الضعيفين اليتيم والمرأة« ي أحر هم إن ، فهؤالء17»الل

أوجب لهم الشرع حقا وألزم بأداء الحق لهم. كذلك من الحقوق ما يتعلق بالحق في الزجر عن

المعاصي لصاحب الوالية، وال يقول إنسان أنا حر أتصرف في نفسي بما أشاء، ألن المعصية الظاهرة ال يقتصر ضررها على

صاحبها.ذين ظلموا منكم﴿كما قال تعالى: تصيبن ال قوا فتنة* ال وات

، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[25األنفال: ]﴾خاصة*ا، أو ه على الحق أطر* »لتأخذن على يد السفيه ولتأطرن

.18لتدعون الله ثم ال يستجاب لكم« فأوجب الشرع هنا زجر العاصي عن معصيته، وعدم

تمكينه منها، إذا كانت ظاهرة*. ومن الحقوق أن ذلك العاصي ال تنشر معصيته، وال يبين

للخلق أنه من أصحاب المعاصي، بل يجب الستر عليه، ومنستر على مسلم ستره الله يوم القيامة.

وعندما يقتصر الناس في أحاديثهم بالكالم على األفعال الحسنة، حينئذ تنتشر هذه األفعال الحسنة، لكن عندما

ه، فابعث من جل، فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الل جل، ثم رجع الر ه"، فذهب إليها الر إن شاء اللrه، ذي لrrه"، قrrال فrrذهب ب rه، فأوفrrه ال جrrل: "اذهب ب م للر ل rه عليه وس ه صلى الل يقبضه، فقال رسول اللحابه، فقrrال: rrم وهو جالس في أص ه عليه وسل ه صلى الل ذي له، قالت: فمر األعرابي برسول الل فأوفاه الrrاد rrار عب م: "أولئك خي ه عليه وسل ه صلى الل ا، فقد أوفيت وأطيبت، قالت: فقال رسول الل ه خير* جزاك الل

ه يوم القيامة الموفون المطيبون". ه عند الل اللأخرجه ماجة عن أبي هريرة وصححه األلباني.17*" صححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة18 ه على الحق أطرا لفظ: "ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرن

ه، فال يستجاب لكم" فجاء من حديث حذيفة بن اليمان، ولفظه:1/715التفسير ) (. أما لفظ "ثم لتدعن*ا من ه أن يبعث عليكم عذاب "والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله فال يستجاب لكم"حسنه الشيخ األلباني في تخريج مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي عنده، ثم لتدعن

(5068برقم )

يتحدثون عن األفعال السيئة وفالن فعل وفالن فعل،تستمرئها النفوس ومن ثم تفعلها وتقدم عليها.

ولذلك علينا أن نتقرب إلى الله عز وجل بحفظ ألسنتنا، ال ألن هذا من الغيبة، والغيبة محرمة؛ وألن؛ نذكر معايب أحد

هذا يترتب عليه مفسدة استهانة القلوب بتلك المعاصي وانتشارها في الخلق، وبالتالي يكون هذا من أسباب انتشار

المعاصي في الناس. صحيح قد ينهى اإلنسان عن المعصية، يقول هذا الفعل

حرام، هذا الفعل عقوبته شديدة، هذا الفعل رتبت عليه العقوبات التالية، لكن ما يقال فالن يفعل هذه المعصية؛ ألنه

، بل يترتب عليها أثر سلبي. ال يترتب عليها أثر إيجابي كما تقدم هناك حقوق خاصة، وهناك حقوق عامة، هناك حقوق لكل واحد ولكل فرد، مثل: المحافظة على سمعته،

والحفاظ على أسراره، وهناك حقوق خاصة نتيجة عالقة، الزوج والزوجة لهما حقان خاصة، الجار له حق خاص خاصان، األب، القريب، فهذه حقوق خاصة يجب على

اإلنسان أن يراعيها وأن يهتم بها.: حتى الفقراء، الفقير له حق، إذا لم تعطه كما تقدم مثال*

وإما تعرضن﴿فقابله بالمقابلة الحسنة وكلمه بالكالم الحسن، * * ميسورا هم قوال ك ترجوها فقل ل ب ﴾عنهم ابتغاء رحمة من ر

، قد نزلت في الضعيف والمسكين والفقير إذا لم[28]اإلسراء: تعطه ماال* ولم تتصدق عليه، فحينئذ تعامله بالمعاملة الحسنة.

وصاحب الحاجة إذا كان محتاجا حقيقة فإنه محق، ويستحق أن يعطى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

ها محقة« »فإن، وورد في الحديث اآلخر: 19»أعطها فإنكاة حق المال« .20الز

أخرجه ابن ماجة عن سعد بن األطول أن أخاه مات، وترك ثالثمائة درهم، وترك عياال* قال: فأردت أن19م: "إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه". ه عليه وسل بي صلى الل أنفقها على عياله قال: فقال لي الن

ها نة، قال: "أعطها؛ فإن ه قد قضيت عنه إال دينارين ادعتهما امرأة وليست لها بي قلت: يا رسول اللمحقة". وصححه األلباني في صحيح ابن ماجة

rrه20 ه علي لى الل rrول الله ص rrوفي رسrr rrرة، قrrال: لما ت وردت هذه الجملة في حrrديث البخrاري عن أبي هرياس، وقد قال م استخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب. قال عمر ألبي بكر: كيف نقاتل الن وسلrrه إال ه، فمن قrrال ال إل ى يقولوا ال إله إال الل اس حت م: "أمرت أن أقاتل الن ه عليه وسل ه صلى الل رسول اللق بين ه ألقrrاتلن من فrrر rrر: والل rrو بك ابه على الله" فقrrال أب rrه إال بحقه، وحس rه ونفسrrي مال م من rه عص الله لى الل rrول الله ص rrه إلى رسrr rانوا يؤدون ه لrrو منعrrوني عقrاال* ك كاة حق المال، والل كاة فإن الز الصالة والزدر أبي rrرح ص rrد شrrه عز وجل ق ه، ما هو إال أن رأيت الل م لقاتلتهم على منعه. فقال عمر: فوالل عليه وسل

ه الحق. بكر للقتال، فعرفت أن

والمقصود أن هناك حقوق*ا تتعلق بأفراد خاصين، ولذا قالك عليك حقا، ولنفسكالنبي -صلى الله عليه وسلم: »إن لرب

عليك حقا، وألهلك ولضيفك عليك حقا، فأعط كل ذي حق، هذه نصوص واضحة.21حقه«

وليست الحقوق ألصحاب القدرة على المحاجة والمخاطبة فقط، بل هي قد تثبت للمجنون، فالمجانين لهم حقوق،

واألطفال لهم حقوق، فالطفل على سبيل المثال: له حقوق في الحياة، يجب على الوالد أن يختار األم المناسبة ألطفاله، يثبت لهم النسب، وهناك حق الحضانة، وهناك حق الرضاعة، وهناك حق النفقة، وهناك حق التعلم، فهذه حقوق ثابتة لهم،

ا، ما يجوز أن يتركوا في طعامهم، في ولو كانوا صغار*لباسهم، يجب أن ينفق عليهم في هذا.

إذن في الشريعة إثبات لحقوق األبناء على والديهم، كما أن للوالدين حقوق*ا على أبنائهم، كذلك هناك حقوق فيما يتعلق بتكوين األسرة، هناك حقوق في االكتساب، هناك

حقوق فيما يتعلق بالميراث. من األمور التي تالحظ في الشريعة: أن الحقوق ليست

خاصة* بحقوق اإلنسان، بل هناك حقوق لله، وهي من أعظم- أن تجعل العبادة له وحده -سبحانه حقوق الله -عز وجل

وتعالى؛ ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ:ه على العباد؟« »أن، ثم فسره بقوله: »أتدري ما حق الل

*ا« »أتدري ما حقهم، ثم قال: يعبدوه وال يشركوا به شيئه ورسوله أعلم، قال: أن ال يعذبهم« ، هذه22عليه؟ قال: الل

حقوق ثابتة، مقرة في الشرع. وال يقتصر هذا أيض*ا على هذا الجانب، بل هناك حقوق لكل

من يخالطهم اإلنسان، فحتى البهائم لها حق على اإلنسان؛ »ومن حقهاولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اإلبل:

، ولذا لما رأى النبي -صلى الله عليه23حلبها يوم وردها«ا، قرب منه -صلى الله عليه وسلم- ثم وسلم- جمال* متأثر*

ك تجيعه وتدئبه«قال: ه شكى إلي أن ، تجيعه،أي: تقلل24»فإن له الطعام ، وتدئبه يعني: تكثر العمل الذي تطالبه به. هذا في

الترمذي في سننه عن عون بن أبي جحيفة، والحديث صححه األلباني21البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.22البخاري ومسلم عن أبي هريرة23أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن عبدالله بن جعفر وصححه األلباني في صحيح أبي داود.24

ه ه أن رسول الل بهيمة، ولذا انظر للحديث اآلخر، عن عبد اللم قال: ه عليه وسل ة سجنتهاصلى الل »عذبت امرأة في هر

ار ال هي أطعمتها وسقتها إذ ى ماتت فدخلت فيها الن حت25حبستها وال هي تركتها تأكل من خشاش األرض«

*اوانظر للحديث اآلخر الذي فيه ا رأت كلب »أن امرأة* بغي في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت

.26له بموقها فغفر لها«ا إذن هناك حقوق فيما يتعلق ببيئة الناس، ولو كانت أمور*

من الجمادات، فاألشجار لها حق علينا، حيث نهى عن قطعها،ونهى عن البول والغائط تحتها.

وكذلك الطريق أثبت له حق*ا في قول النبي صلى الله ، لما وجد جماعة* كانوا27»فأعطوا الطريق حقه«عليه وسلم:

جالسين في الطريق، فنهاهم عن الجلوس في الطرقات، فقالوا: مالنا بد من الجلوس فيها، فقال النبي -صلى الله

المجلس فأعطوا الطريق حقه«عليه وسلم: ،»فإذا أبيتم إالإذن الطريق له حق علينا.

سبق أن سألت عن المقاصد، بماذا نستفيد منها فيحياتنا؟

فنقول: هناك معان نثبتها، وبالتالي نقرر مسائل جديدة* بناء* عليها، فلما جاءنا الشرع بأداء الحقوق ألصحابها، ووجدنا أن الشرع منع من بعض األفعال في الطريق، من أجل إعطاء الطريق حقه، ثم وردتنا مسائل جديدة في حياتنا، قلنا: إنها

يحكم عليها بذلك المقصد، من إعطاء الطريق حقه، فمثال لو جاءنا إنسان يؤذي في الطريق، يسد الطريق بسيارته، أو

بمخلفات بنائه، أو يظهر األصوات العالية، أو يسرع في الطريق، بما يثير الخوف والرعب في قلوب الناس، حينئذ

نقول: إنه لم يعط الطريق حقه، وبالتالي لم يحقق المقصدالشرعي في هذا الباب المتعلق بأداء الحقوق.

(2242مسلم )25 مسلم في صحيحه عن أبي هريرة.26اكم والجلوس في الطرقات"؛ قالوا: يا27 بي قال: "إي متفق عليه من حديث أبى سعيد الخدري عن الن

المجلس فأعطوا الطريق ه: "فإذا أبيتم إال ه، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها! قال رسول الل رسول اللهى عن الم، واألمر بالمعروف، والن حقه"؛ قالوا: وما حقه؟ قال: "غض البصر، وكف األذى، ورد الس

المنكر.

الحقوق التي ذكرت، تدلك على أن األمور ليست متعلقة* بحق اإلنسان فقط، هناك من يتكلم في حقوق اإلنسان في زماننا، ويكثرون الحديث فيه، وقد يعتب بعضهم على بعض

العلماء، أو بعض األحكام الفقهية، ويدعي أنها مخالفة لحقوقه من حقوق اإلنسان، يجد أن اإلنسان، والناظر فيما يدعى أن

ما يدعونه من حقوق اإلنسان على ثالثة أنواع: نوع من حقوق اإلنسان حقيقة، فهذا النوع قد جاء به

الشرع، لكن جاء به على أكمل وجوهه، وأعلى درجاته، وجاء به لتحقيق ذلك المقصد من خالل جميع الوسائل المؤدية

إليه. مثال ذلك: نتفق على أن العدل من حقوق اإلنسان، ﴿إنالشريعة قد جاءت في هذا الباب بأكمل درجات العدل

ه يأمر بالعدل وقال: [90]النحل: ﴾الل كم شنآن قوم ﴿وال يجرمنقوى ، ولكن[8]المائدة: ﴾على أال تعدلوا اعدلوا هو أقرب للت

جاءت الشريعة في تحقيق العدل بما لم تأت به الشرائع والقوانين األخرى، سواء* من وسائل إثبات الحقوق في باب العدل، أو في كيفية التعامل مع المتخاصمين، أو في سرعة

البت بينهما بما يقضي على النزاع المتكون عندهما، فهذه كلها جاءت بها الشريعة؛ لتحقيق هذا المقصد، وهذا الحق من

حقوق اإلنسان. نوع آخر مما يسمى بحقوق اإلنسان، ولكنه في الحقيقة

ليس من حقوق اإلنسان، بل حق اإلنسان يتنافى معه. مثل: يأتيك من يدعي أن من حق اإلنسان الحرية

الجنسية، ومثل هذا يترتب عليه من المفاسد ما الله به عليم، سواء* في ما يتعلق بتفكك المجتمع، وعدم ترابطه، لما يحدث

من وجود أبناء الزنا، ولما يحدث من الشقاق والنزاع، ولما يحدث من كون الرجل يأتي إلى المرأة، ثم بعد ذلك يهملها،

وال يقوم بمتابعتها ورعايتها، بخالف تقرير حق الزوج وحق الزوجة، فإنه حينئذ تثبت به الحقوق، وتستقر به أحوال

المجتمع. كذلك من النواحي الصحية، نجد من انتشار األمراض، بهذه األمور، التي تسمى حقوق*ا لإلنسان، وهي في الحقيقة مؤدية

إلى مفاسد الله أعلم بمقدارها وما تصل إليه.

وهناك ما يجعل من حقوق اإلنسان وهو يتضمن معنىحق، ومعنى باطل، وبالتالي البد من تمييزه، ومعرفته. مثال ذلك: في المساواة، يجعلون من حق اإلنسان

المساواة، ثم بعد ذلك يدخلون في هذا المساوي ما الله به عليم، هذا المبدأ -المساواة- البد أن ينظر فيه، إن كانت

المساواة بين متساويين فهو مطلوب، وإن كانت المساواة بين مختلفين، فهذا ليس من العدل، وليس من حقوق

اإلنسان. لو كان طالب في قاعة، فأخذ واحد منهم االمتياز، هل من

حق الجميع المساواة بذلك الطالب، أي: هل نعطي هذهالدرجة )االمتياز( لجميع من في القاعة من الطالب؟

نقول: ال، هذا ليس من حقهم، وليس من العدل، بل فيه جور، وفيه مخالفة ألننا نهدف أن نجعل الناس تسمو هممهم،

لنيل أعلى الدرجات العلمية؛ ولو فعلنا غير ذلك لثبطت هممهم ألنهم بذلك يضمنون درجات على أعلى المستويات،

وبالتالي لن يعطوا الفرصة ألنفسهم في اكتساب المعلومات. من األمور التي نالحظها: أن حقوق اإلنسان ليست

مقتصرة* على حياته، بل هناك حقوق جعلها الشارع بعد ممات: أن يكفن وأن يصلى عليه، اإلنسان، ومن أمثلة ذلك، مثال*

وأن يدفن، هذه حقوق من حقوق اإلنسان، كذلك من حقوق اإلنسان الميت أن تستر معايبه، ما يظهر فالن كان يفعل كذا،

أو كان عنده من المعاصي كذا، بل من حقه أن تذكرمحاسنه.

كذلك من حقوق اإلنسان أن تنفذ وصيته، يعني: هذا مالهوبالتالي ينفذ ما أوصى به.

ومن حق اإلنسان أيض*ا أن يوصل ماله إلى ورثته، وهذا فيه جانب حق إلهي، وفيه جانب للميت؛ ألن هذا من تكريم

قرابته، وهذا يجعلك تستشعر التنظيم الفقهي البديع الذي جاءت به هذه الشريعة، حيث نظمت أحوال اإلنسان في جميع حاالته، بال استثناء، بما يترتب عليه تحقيق مصالح

العباد. من المسائل أيض*ا: ما جاءت به الشريعة من بر الوالد بعد وفاته، لما سأل الرجل النبي -صلى الله عليه وسلم: هل بقي

هما به بعد موتهما؟ فقال: »وإنفاذمن بر أبوي شيء أبرتي ال توصل إال28عهدهما« حم ال ، قال: من ذلك: صلة الر

جل أهل ود أبيه بعدبهما، بل قال: »إن من أبر البر صلة الري« ، صحابة األب، وأصدقاء األب، يوصلون ويبرون29أن يول

ا بالوالد، فهذا من حق الوالد. بر* ومن األمور التي نالحظها في هذا الجانب: أن من أعظم

ما يدفع الناس للقيام بالحقوق الواجبة عليهم: ما يتعلق باإليمان بالدار اآلخرة، فإن الناس متى آمنوا بذلك، وجزموا

به، وعلموا أنهم سيقفون بين يدي رب العزة والجالل، وسيحاسبهم على أعمالهم كلها، فإن هذا يدفعهم إلى أداء

ه عليهالحقوق ألصحابها؛ ولذا ه صلى الل قال رسول اللم »من كانت له مظلمة ألخيه من عرضه أو شيء: وسل

له منه اليوم قبل أن ال يكون دينار وال درهم« .30فليتحل »لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوموجاء في الحديث، قال:

اة القرناء« اة الجلحاء من الش ى يقاد للش ، حتى31القيامة حت بين البهائم يقتص لهم يوم القيامة، مما يدلك على أن العبد متى آمن باآلخرة، وزاد في قلبه استشعار وقوفه بين يدي رب العزة والجالل، فإن هذا يدفعه إلى أن يعطي الحقوق

ألصحابها. من األمور التي تتعلق بالحقوق: هناك حقوق للجماعة

على الفرد، ليست الحقوق خاصة* بفرد وفرد، بل هناك حقوق لمجموع األمة على الفرد، حق الجماعة هناك حقوق

للجماعة، مثال* أن نسعى في تحسين أحوال الناس في استقرار أمورهم، أن نسعى في استجالب ما يحصل الخير

والنفع للناس، فإن هذا مما يحقق مصلحة الجماعة، وهو حق للجماعة على الفرد، قد ال يكون هناك شخص بعينه صاحب هذا الحق، لكنه لمجموع الناس، مثل: ترك نقل اإلشاعات،

واألحاديث التي ال يتأكد من صحتها.هل يجب ترك نقل هذه األحاديث، لماذا؟

أخرجه أبو داود في سننه وحسنه ابن حجر في الفتوحات الربانية وضعفه األلباني في ضعيف أبي داود28م إذ جاءه ه عليه وسل ه صلى الل اعدي قال: بينا نحن عند رسول الل عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الس

هما به بعد موتهما؟ قال:"نعم. رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرتي ال توصل إال بهما وإكرام حم ال الصالة عليهما واالستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الر

صديقهما"( عن ابن عمر4917أخرجه مسلم )29( عن أبي هريرة2317البخاري )30 (2582رواه مسلم ) 31

: ألن هذا يؤثر على الجماعة، ومن هنا قال الله -عز وجلنوا ذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبي ها ال ﴾يا أي ،[6]الحجرات: ﴿

*اومن هنا قال النبي -صلى الله عليه وسلم: »كفى بالمرء كذبيوكذلك حديث32أن يحدث بكل ما سمع« »من حدث عن

ه كذب فهو أحد الكاذبين« ، فالمقصود أن من33بحديث يرى أن المقاصد العظيمة التي جاءت به الشريعة المباركة: أن تؤدى

الحقوق ألصحابها، إما خوف*ا من الله، أو باألمر والنهي من صاحب الوالية، من طريق القضاء الشرعي، الذي يوصل

الحقوق ألصحابها. }بالنسبة للحقوق، ذكرتم أن الصبي له حق علينا، وكذلك

المجنون، فبالنسبة للمجنون، هو الشاذ، كيف يكون له حق{.المجنون له حق، من تلك الحقوق:

أن يعطى طعامه الذي يأكل منه.- أن يولى عليه في ماله من يصلح هذا المال، وينفق-

عليه بما يحتاج إليه. أن يكف أذاه عن اآلخرين، وكذلك يكف أذى اآلخرين-

عنه.أنه إذا احتاج إلى التزويج فيزوج- أن يخاطب بالخطاب الحسن، والكالم الطيب، فهذه-

كلها حقوق للمجنون. إذن ما من فرد من أفراد المجتمع، إال وله حقوق، بل كل شيء في مجتمعاتنا، حتى في البهائم، وحتى في الجمادات

: مما جاءت به الشريعة: لها حقوق، جاءت بها الشريعة، مثال* النهي عن اإلسراف، فهذا حق شرعي في المال، ما يأتينا

إنسان ويقول: هذا مالي، أتصرف فيه كيف أشاء، لكن الله منعك من ذلك، ومن حق المال عليك أن تحفظه، فال تنفقه

إال في ما يعود بالنفع، بدون إسراف، وتبذير. من جاءنا وكان يبذل ماله في قمار، نقول له: ما يجوز لك

ذلك. هكذا أيض*ا في ما يتعلق حتى بالوسائل الجديدة، التي استحدثت في حياة الناس، لها حقوق، يجب القيام بها،

رواه مسلم في مقدمة صحيحه.32رواه مسلم في مقدمة صحيحه.33

: له حق علينا، بحيث ال نتلفه، ال نستعمله في فالجوال مثال**ا من سبل إزعاج اآلخرين، كل هذه محرم، ال نجعله سبب

حقوق له. هكذا أيض*ا في السيارة، هكذا في الطائرة، هكذا في

وسائل التواصل االجتماعي، هناك حقوق متعلقة بها، يجب أن نراعيها، بعضها لذاتها، وبعضها لمن نتعامل معه بواسطتها،

فالبد من مالحظة أن أداء الحقوق في الشريعة، ليسا على اآلدميين فقط، بل هو للجميع. مقتصر*

ا يا شيخ، لو واحد الجار ما يؤدي الحقوق، }جزاك الله خير* وأنت كلمته في إيفاء هذه الحقوق، ولم ينتبه، فكيف تتعامل

معه؟{. هناك حقوق للجار، يجب القيام بها، ليس قيامنا بحقوق

ط الجار في الجار على جهة المجازاة والمتابعة له، عندما يفر الحق الواجب عليه، ال يعني هذا أن تفرط أنت في الحق

الواجب عليك تجاه جارك، ثم هناك وسائل جاءت بها الشريعة من أجل استجالب الحق، منها: تحريك واعظ القلب،

بمخافة رب العزة والجالل، ألداء أو لجعل هذا الجار يؤديالحق الواجب عليه.

مثال* بعض الناس قد يؤذي جيرانه، باألصوات التي يرفعها، قد يؤذي جيرانه باالطالع ما يكون داخل هذه البيوت، قد

يؤذي جيرانه كونه يرفع البنيان على الجيران، قد يؤذي جيرانهبحجب النور عنهم، هذا كله من أنواع األذى.

: نصيحته، هناك وسائل من أجل استجالب الحق، منها مثال* منها: تكليم اآلخرين من أجل أن يبذل الواجب الشرعي فيما

يتعلق بحق الجار. هناك حديث يذكره بعض أهل العلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من تأذى من جيرانه، أن يخرج متاعه في

الطريق، فلما شاهد الناس هذا الرجل أخرج متاعه، وعلموا أن السبب من جاره، بدءوا يتكلمون في هذا الجار أو يدعون عليه، فجعل ذلك الجار يعود إلى جاره، ويطلب منه أن يعيد

.34متاعه إلى داخل بيته، وتكفل له بأن يمتنع من إيذائه*ا،34 تين أو ثالث بي يشكو جاره ، فقال: "اذهب فاصبر"، فأتاه مر عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى الن

اس يسألونه فيخبرهم فقال: "اذهب فاطرح متاعك في الطريق" فطرح متاعه في الطريق، فجعل الن*ا ي شيئ ه به، وفعل، وفعل؛ فجاء إليه جاره فقال له: ارجع ال ترى من اس يلعنونه: فعل الل خبره، فجعل الن

وأنت تعلم ما ورد في النصوص، أن النبي -صلى الله عليهه ال يؤمن"وسلم- قال: ه ال يؤمن، والل ه ال يؤمن، والل »والل

ه؟ قال: "جار ال يأمن جاره قالوا: وما ذاك يا رسول الله"« ، وفي الحديث35بوائقه" قالوا: وما بوائقه؟ قال: "شر

ه واليوم اآلخر فليحسن إلىاآلخر: »من كان يؤمن بالل »مازال جبريل يوصيني بالجار،، ومن الحديث اآلخر: 36جاره«

ثه« ه سيور ى ظننت أن .37حت فيه نصوص كثيرة، كلها تدل على حق الجار، ومنه اآلية

ه والالتي في سورة النساء، قال الله تعالى: ﴿واعبدوا الل*ا وبذي القربى واليتامى *ا وبالوالدين إحسان تشركوا به شيئ

والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحبه ال يحب من بيل وما ملكت أيمانكم إن الل بالجنب وابن الس

ا ، انظر أوصى بالجميع بأداء[36]النساء: ﴾كان مختاال* فخور* حقوقهم، حتى ما ملكت اليمين، ما يكون في ملك اإلنسان، كانوا في الزمان هناك مماليك، وكانوا يقسون عليهم، فأمر الشرع بحسن معاملة هؤالء المماليك، وجعل لهم حق*ا على

*امالكهم، ولذا قال: ﴾وبالوالدين إحسان ﴿وما ملكت، ثم قال: ﴿ ، يعني أن تحسنوا إليهم، وقال -صلى الله عليه﴾أيمانكمه تحت أيديكم فمنوسلم: »إن إخوانكم خولكم جعلهم الل

كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبسفتموهم ما يغلبهم فوهم ما يغلبهم فإن كل وال تكل

، هذه نماذج من تحقيق هذا المقصد العظيم،38فأعينوهم«مقصد أداء الحقوق ألصحابها.

بارك الله فيكم، ووفقكم الله إلى الخير، وأعانكم على تحقيق هذا المقصد بأداء الحقوق ألصحابها، هذا والله أعلم،

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليم*اا. كثير*

(7302 ( ، والحاكم ) 520 ( ، وابن حبان ) 5153 ( ، وأبو داود ) 124. ]األدب المفرد ) تكرههوصححه على شرط مسلم[

أخرجه الحاكم في المستدرك.35البخاري ومسلم.36البخاري ومسلم عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم.37البخاري ومسلم عن أبي ذر الغفاري.38