هذا الكتاب ه��ذا الكت��اب زف��رات ألم على المظ��الم ال��تي تع��رض له��ا

ابت��داء من أم��ه وأبي��ه، والل��ذين رمي��اأق��ارب رس��ول الل��ه بالشرك، وحكم عليهما بأنهما من أهل النار، بينم��ا اعت��بر جمي��ع

المشركين بمنجاة منها، ألنهم من من أهل الفترة. وهو زف��رات ألم في ح��ق أبي ط��الب عم رس��ول الل��ه

ذلك الذي فداه بكل شيء، وضحى في س��بيله بك��ل م��ا يمل��ك، لكنهم يذكرون أنه مات على الشرك، مع أنه لم يعرف الش��رك

قب��ل أن يت��نزل علي��ه مالكفي حيات��ه، وآمن برس��ول الل��ه الوحي.

وهو زفرات ألم في حق خديجة سيدة نساء العالمين تل��ك مع م��ريم وآس��ية وفاطم��ةالطاهرة التي وضعها رسول الله

أن��ه لم يع��وضفي مح��ل واح��د.. وال��تي أخ��بر رس��ول الل��ه بمثلها، وال بمن يدانيها، ولكنا ال نكاد نسمع بها.

وه��و زف��رات ألم في ح��ق اإلم��ام الحس��ين وأص��حابه في الطفوف.. والذي صار ذك��رهم بدع��ة، والبك��اء عليهم هرطق��ة..

والتغني بأعدائهم سنة. وهو زفرات ألم في حق أولئ��ك األبط��ال المنس��يين ال��ذين كانوا أكبر من نص��ر اإلس��الم، وف��دوه بأنفس��هم، لكنهم أهمل��وا،

ونسب الفضل لغيرهم. وهو زفرات ألم في حق أولئك الث��وار المض��طهدين ال��ذين قاموا لمواجهة االستبداد والظلم وتحريف الدين، فقمعوا وقتلوا

رسائل شوق وحنين

( 4)

رسائل إلى القرابة المظلومة

ل بيت النبوة هردود علمية على الظالمين أل

.د نور الدين أبو لحيةwww.aboulahia.com

بعة األولى طال

41 2017 ـ 38

دار األنوار للنشر والتوزيع

فهرس المحتويات

3المقدمة

16إلى خير عم في الدنيا

30إلى األم لمظلومة

44إلى الزوجة الوفية

65إلى رمال الطفوف

85إلى األقارب المبعدين

105إلى األبطال المنسيين

106بطوالت أبي طالب:

113بطوالت حمزة:

116بطوالت علي:

126بطوالت جعفر:

135إلى الثوار المضطهدين

139زيد الشهيد:

156:ثائرون على الدرب

165منتصرون رغم المحن:

174هذا الكتاب

2

3

المقدمة هذا الكت��اب محاول��ة لتعمي��ق المحب��ة الحقيقي��ة أله��ل بيت النب���وة، وإخراجه���ا من الس���طحية والس���ذاجة والتن���اقض إلى المع��اني الحقيقي��ة الم��رادة منه��ا، وال��تي تنس��جم م��ع العق��ل

والفطرة والدين. ذلك أن كل تلك األح��اديث النبوي��ة الكث��يرة المتف��ق عليه��ا، والتي تعتبر حبهم والوالء لهم ركنا من أركان الدين، وش��عبة من شعب اإليمان، في نفس الوقت الذي تعتبر في��ه بغض��هم نفاق��ا، لم تكن تقصد ذلك الحب السطحي الذي يتغني في��ه الم��رء بمن

يحب من دون أن يكون له أي آثار عملية. فذلك غير صحيح، ألن محبة أهل البيت تندرج ض��من محب��ة المس��لمين جميع��ا، وال يص��ح ألح��د أن يفاض��ل في ذل��ك.. لكن

المراد منها ما هو أعمق منها. � بم��ا أعط��اه الل��ه من علم بم��افقد كان رس��ول الل��ه

سيحصل ألمته من تحريف وتبديل � يعلم جي�دا حاج�ة األم�ة إلى البوصلة التي تحدد لها االتج��اه الص��حيح، والس��فينة ال��تي تحت��اج

إلى ركوبها، حتى ال تغرق في بحر الفتن.. وكان أولى الناس ب��ذلك ��� ال بس��بب نس��بهم فق��ط ��� أه��ل البيت، ال بذلك المعنى الساذج الذي يتصوره البعض، ويفاخر به، ويطلب من الناس أن يحسنوا إلي��ه، ويقف��وا تعظيم��ا ل��ه بس��بب ذلك النسب الذي يحمله.. ف��ذلك ال يتناس��ب م��ع ال�دين، وال م��ع قيم الدين، بل هو يتناقض معها، وقد ورد في الحديث الص��حيح:

4

(1))من أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه(

هل البيت الموصى بهم هم أولئك ال��ذين وقف��وا فيولكن أ وجه الطغي��ان، وب��ذلوا دم��اءهم في س��بيل الحف��اظ على ال��دين

بم��ا آت��اه الل��ه من ن��ور النب��وةاألصيل، وقد كان رسول الل��ه يدعو إلى االنضمام إلى صفوفهم، وترك صفوف أعدائهم..

بتلك األحاديث يدعو إلى االنضمام إلى اإلم��ام عليكان عند خالفه مع أهل الجمل أو أهل صفين أو أه��ل النه��راوين.. أو غيرهم.. وليس الوقوف مع أعدائه، أو الوقوف موق��ف الحي��اد.. سواء في ذل��ك ال��زمن ال��ذي ج��رت في��ه تل��ك المع��ارك، أم في سائر األزمنة، ألن الدين أسس في ذلك الوقت، وآثار م��ا حص�ل

بقيت إلى اليوم. يدعو إلى االنضمام لإلمام الحسن حتى ال يض��طروكان

إلى عقد ذل��ك الص��لح ال��ذي يتن��ازل في��ه عن والي��ة المس��لمين، ويتركها للبغاة الذين استطاعوا أن يشتروا الذمم ال��تي لم تفق��ه

جيدا معنى الوالء والمحبة ألهل بيت النبوة. يدعو إلى االنضمام لإلمام الحس��ين، وع��دم ترك��هوكان

وحي��دا، بين رم��ال الطف��وف، ثم يتهم أه��ل الكوف��ة وح��دهم بالخيان��ة، م��ع أن ك��ل من لم يتح��رك لمس��اعدته ك��ان خائن��ا، ومخالفا لتلك الوصايا التي تدعو إلى حبه.. فه��ل يمكن أن يحب

شخص شخصا، ثم يتركه أحوج ما يكون إليه؟ ي��دعو إلى االنض��مام إلى ص��ف زي��د بن علي بنوك��ان

الحس��ين في مواجه��ة هش��ام واألم��ويين.. وإلى االنض��مام إلى

(225( ، وابن ماجه )4946( و )1455( ، وأبو داود )2699)( رواه مسلم )1

5

صف محمد ذي النفس الزكية وإبراهيم في مواجه��ة المنص��ور..وإلى االنضمام إلى إدريس وغيره في مواجهة هارون..

وإلى ال��ذهاب إلى تل��ك الس��جون والزن��ازن ال��تي امتألت بالعلويين والحسنيين والحسينيين وكل أهل بيت النب��وة، بس��بب اعتراضهم على تحريف دين جدهم، إلخراجهم منه��ا، ال الوق��وف موقف المتف��رج، ب��ل المث��ني على المس��تبدين ال��ذين مألوا بهم

السجون، ثم التغني بعد ذلك كذبا وزورا بحب أهل البيت. هذا هو الوالء الحقيقي ألهل بيت النبوة، وهذه هي المحب��ة الحقيقية التي مثله��ا عم��ار بن ياس��ر ال�ذي لم ي��ترك س��يفه في الوقوف مع اإلمام علي، كم��ا لم يترك��ه في وقوف��ه م��ع رس��ول

.. فكالهما واحد، والوقوف مع أحدهما، سببه ربط ال��دينالله بالبشر ال بالله..

ذلك أن دعوة اإلمام علي لم تكن سوى دعوة رسول الل��ه والرس��ول ..نب��ه إلى ذل��ك في ك��ل تل��ك األح��اديث ال��تي

ت��ذكره.. فه��و لم ي��ذكره ألج��ل قرابت��ه، وال كون��ه ص��هره، وإنم��اللمسؤولية المناطة به.. فهو تلميذه األول واألكبر.

ولكن كل هذه المفاهيم عراها ما عرى غيرها من سطحية، حيث صارت المحبة لهم ال تختلف عن ذلك الغزل الرقيق ال��ذي

ال أثر له في الواقع. ب��ل عراه��ا التن��اقض العجيب ال��ذي تص��رخ من��ه الفط��رة والعق��ول الس��ليمة ألم��ا.. فمن العجيب أن ين��ادي المتناقض��ون بحبهم لإلم��ام علي، وحبهم ألعدائ��ه في وقت واح��د.. ولس��ت

أدري كيف يجتمع هذان المتناقضان في قلب واحد؟

6

ول��و أنن��ا حللن��ا حقيق��ة ذل��ك القلب لوج��دنا حب��ه الحقيقي لمعاوي��ة، وليس لإلم��ام علي، ذل��ك أنهم يفرح��ون لك��ل ح��ديث مكذوب في حق معاوية، ويحزنون لكل ح��ديث ص��حيح في ح��ق اإلم���ام علي، ويح���اولون أن يس���دلوا علي���ه كثبان���ا من رم���ال

النسيان.. وهكذا تجدهم يرمون بالبدعة من يحب اإلمام علي، ويدعو إلي��ه وإلى القيم ال�تي ج�اء به��ا، ويرمون��ه ب��الرفض والمجوس��ية والشرك وكل أنواع الكفر، في نفس الوقت الذي يعت��برون في��ه محب معاوية والمدافع عنه سنيا وسلفيا وصحيح العقي��دة، ح��تى ل��و ج��اءت ك��ل األح��اديث تذم��ه، وت��دعو إلى ذم��ه، وت��دعو إلى

مواجهة التحريفات التي جاء بها. بل إن النسائي � صاحب السنن � قتل بسبب تأليفه لكت��اب في خصائص اإلمام علي، وق��د طلب من��ه حينه��ا أن يكتب مثل��ه في فضائل معاوية فقال: ما أعرف له فضيلة إال: )ال أش��بع الل��ه

.(1)بطنه!(، فضربوه حتى قتلوه

وهك��ذا نج��د المعاص��رين لن��ا يطلب��ون من��ا أال نكتفي ب��ذكر فضائل أهل البيت، بل علينا إذا أردنا أن ندخل رياض أهل السنة أن نكتب في فض����ل أع����دائهم ال����ذين ح����اربوهم وقتل����وهم وشردوهم.. ثم يصخون آذاننا ك��ل حين ب��أنهم يحب��ون أه��ل بيت

النبوة.. ولست أدري كيف تجمع قلوبهم كل هذه التناقضات. ل��ذلك ك��ان ه��ذا الكت��اب زف��رات ألم على المظ��الم ال��تي

ابتداء من أم��ه وأبي��ه، والل��ذينتعرض لها أقارب رسول الله رميا بالشرك، وحكم عليهما بأنهم��ا من أه��ل الن��ار، بينم��ا اعت��بر

.77: 1، وفيات األعيان 125: 14)( سير أعالم النبالء 1

7

جميع المشركين بمنجاة منها، ألنهم من من أهل الفترة. ذلك الذي فداهوهو زفرات ألم في حق عم رسول الله

بكل شيء، وضحى في سبيله بكل ما يملك، لكنهم يذكرون أن��ه مات على الشرك، مع أن��ه لم يع��رف الش��رك في حيات��ه، وآمن

قبل أن يتنزل عليه مالك الوحي.برسول الله وهو زفرات ألم في حق خديجة سيدة نساء الع��المين تل��ك

م�ع م�ريم وآس�ية وفاطم�ةالطاهرة التي وضعها رسول الله أن��ه لم يع��وضفي مح��ل واح��د.. وال��تي أخ��بر رس��ول الل��ه بمثلها، وال بمن يدانيها، ولكنا ال نكاد نسمع بها.

وه��و زف��رات ألم في ح��ق اإلم��ام الحس��ين وأص��حابه في الطفوف.. والذي صار ذك��رهم بدع��ة، والبك��اء عليهم هرطق��ة..

والتغني بأعدائهم سنة. وهو زفرات ألم في حق أولئ��ك األبط��ال المنس��يين ال��ذين كانوا أك�بر من نص�ر اإلس��الم، وف�دوه بأنفس�هم، لكنهم أهمل�وا،

ونسب الفضل لغيرهم. وهو زفرات ألم في حق أولئك الث��وار المض��طهدين ال��ذين قاموا لمواجهة االستبداد والظلم وتحريف الدين، فقمعوا وقتل�وا

وعلقوا في الصلبان وامتألت بهم السجون. وقد كنا نود أن نذكر زفرات أخرى أكثر ألم��ا وحزن��ا.. لكن��ا

أمسكنا عن ذلك.. ونستغفر الله تعالى من التقصير.. وقد حاولنا قدر المستطاع أال ن��ترك للعاطف��ة وح��دها ح��ق الكالم، ب��ل خلطن��ا كالمن��ا بالحج��اج ال��ذي تقتن��ع به��ا العق��ول السليمة.. فالعاطفة المجردة عن العق��ل ه��وى مج��رد.. ول��ذلك

8

كان كمال العاطفة انسجامها مع العقل. لذلك كانت هذه الخطابات خطابات عقلية مصاغة بص��ياغة عاطفية، ذلك أنه ال يملك أحد من الن��اس مهم��ا أوتي من ق��وة،

دون أن ته���زهأن يتكلم عن مظ���الم قراب���ة رس���ول الل���ه العاطفة، وتتغلب عليه المشاعر الجياشة.

وكيف ال يفعل ذلك، وهو يقرأ بأم عينينه ومن كل المصادر، ذلك التنكيل والتشريد والتقتيل والع��زل ال��ذي أص��ابهم، وك��أنهم

.. وقراب��ة أبي س��فيان الأبناء أبي جهل، ال أبن��اء رس��ول الل��ه قرابة رسول رب العالمين.

مع أن الله تعالى في القرآن الكريم عند حديثه عن األنبياء عليهم الصالة والسالم يعطي أهمي��ة خاص��ة ل��ذريتهم، وي��بين أن لهم مكانة كبيرة، ال من الجانب العاطفي فقط، وإنما من جانب العملي أيض��ا، باعتب��ار أن لهم اص��طفاء خاص��ا، ودورا مهم��ا في

الرسالة وحفظها والوفاء بمقتضياتها.ه ~ن الل ﴿ومن األمثل��ة الواض��حة على ذل��ك قول��ه تع��الى: إ��راه~يم وآل ع~م��ران على الع��الم~ين ) ~ب طفى آدم ونوح��ا وآل إ اص��

~يم ]آل عم��ران: 33 ه سم~يع عل ة بعضها م~ن بعض والل ي ،33﴾( ذر فمن العجيب أن يطالب عشاق آل بيت النبوة بالدليل بعد[،� 34

هذه اآلية الكريمة، وهي أوضح الواضحات.. فإن كان الله تعالى قد اصطفى آل إبراهيم وآل عمران.. وهما أدنى من رسول الله

بكثير.. فكيف ال يصطفى آل بيت رسول الله ؟ ابن األش��عث تل��ك اآلي��ةول��ذلك ق��رأ اإلم��ام الحس��ين على

عندما قال له: )يا حسين بن فاطمة، أي حرم��ة ل��ك من رس��ول ليست لغيرك؟(، ثم قال ل��ه: )والل��ه إن محم��دا لمن آلالله

9

(1)إبراهيم، وإن العترة الهادية لمن آل محمد(

ولم يكت��ف الق��رآن الك��ريم بتل��ك اإلش��ارة الص��ريحة ال��تي تض��منتها تل��ك اآلي�ة الكريم��ة، ب��ل ورد في ذل�ك نص��وص أخ�رى��راه~يم على قوم~��ه~ ~ب ��ا آتيناه��ا إ تن ��ك حج ~ل وت ﴿كثيرة، كقوله تع��الى:

~يم ) ك حك~يم عل ~ن رب اء إ ��ه83نرف��ع درج��ات من نش�� ��ا ل ( ووهبن~ه~ داوود ت ي ~سحاق ويعقوب كال� هدينا ونوحا هدينا م~ن قبل وم~ن ذر إ~ك نج��ز~ي ��ذل ى وه��ارون وك ف وموس�� وب ويوس�� ليمان وأي وس��

~ين ) ن ���ل م~ن84المحس���~ ���اس ك ~لي ى وإ ا ويحيى وع~يس��� ( وزكر~ي~ح~ين ) لنا85الصال ��ونس ولوط��ا وكال� فض�� ع وي ~سماع~يل واليس�� ( وإ

��اهم86على العالم~ين ) ~ه~م واجتبين ~خ��وان ~ه~م وإ ات ي ~ه~م وذر ( وم~ن آبائ~لى ص~راط مستق~يم ) [، فهذه87 -� 83﴾( ]األنعام: 87وهديناهم إ

اآليات الكريمة توضح الصالت النبسية بين األنبياء جميعا، وت��بينأن االجتباء اإللهي شملهم بهذا الشكل، وال راد الجتباء الله.

ولم يكتف القرآن الك��ريم به��ذا التعميم، ب��ل ذك��ر تفاص��يل كثيرة تدل عليه، حتى يترس��خ في األذه��ان أن اص��طفاء األنبي��اء فضل إلهي باعتباره استمرارا للنهج الرسالي وتوحيدا لمس��يرته حتى ال تنحرف به الطرق والمن�اهج، ومن األمثل��ة على ذل�ك م�ا ذكره الله تع��الى من اص��طفائه آلل إب��راهيم عليهم الس��الم في��ا ﴿آيات متعددة، كقوله تعالى عن إبراهيم علي��ه الس��الم: ووهبن��اه ��اب وآتين ~ت ��وة والك ب ~��ه~ الن ت ي ��ا ف~ي ذر حاق ويعق��وب وجعلن ~س�� له إ~ح~ين ]العنكب��وت: ال ه ف~ي اآلخ~��رة~ لم~ن الص�� ~ن ﴾أج��ره ف~ي ال��دنيا وإ

27] ذكره من أن إبراهيم عليه السالم نفسه دعا الل��هومنها ما

..222)( األمالي، الشيخ الصدوق، ص 1

10

~ذ~ ابتلى وإ ﴿أن يك��ون الخ��ط الرس��الي ممت��دا في ذريت��ه، فق��ال: ~مام��ا ق��ال اس~ إ ~لن ��ك ل ل ي جاع~ ~ن ~مات فأتمهن قال إ ~كل ه ب ~براه~يم رب إ

~م~ين ]البقرة: ~ي قال ال ينال عهد~ي الظال ت ي [ 124﴾وم~ن ذر بل إن الله تعالى ص��رح ب��أن األم��ر ب��اق في عقب��ه، فق��ال:

هم يرج~عون ]الزخرف: ~ه~ لعل ~مة باق~ية ف~ي عق~ب ﴾ وجعلها كل ﴿28] كما س��أل–بل إن الله تعالى ذكر أن إبراهيم عليه السالم

ربه أن يجعل ذريته أئمة للن��اس - س��أله أيض��ا أن يوف��ق الن��اس على لسان إبراهيم عليه السالم–لمودتهم واالقتداء بهم، فقال

~��ك ��د بيت ن ��ر~ ذ~ي زرع ع~ ~��واد غي ~ي ب ت ي كنت م~ن ذر ي أس�� ~ن ��ا إ ن رب :-﴿ ~ليه~م اس~ تهو~ي إ ~دة م~ن الن ~يق~يموا الصالة فاجعل أفئ نا ل ~ رب م المحر

هم يشكرون ]إبراهيم: مرات~ لعل [ 37﴾وارزقهم م~ن الث ومن األمثلة على ذلك ما ذك��ره الل��ه تع��الى من اص��طفائه آلل موسى وآل هارون عليهم السالم، كما يشير إلى ذلك قول��ه~��ه~ أن ��ة ملك ~ن آي هم إ ~ي ﴿تع��الى في قص��ة ط��الوت: وق��ال لهم نبى ��رك آل موس�� ة م~ما ت كم وبق~ي ابوت ف~يه~ سك~ينة م~ن رب ~يكم الت يأت~ن كنتم ���ة لكم إ ~���ك آلي ~ن ف~ي ذل ���ة إ ~ك ���ه المالئ وآل ه���ارون تحم~ل

~ين ]البقرة: [248﴾مؤم~ن بل إننا نجد أن الله تعالى اخت��ار ه��ارون أخ��ا موس��ى علي��هالسالم ليكون معينا له ووزي��را بن��اء على طلب موس��ى، فق��ال:��ا مع��ه أخ��اه ه��ارون وز~ي��را ��اب وجعلن ~ت ى الك ﴾ ولقد آتينا موس�� ﴿

[35]الفرقان: ومن األمثلة على ذلك ما ذك��ره الل��ه تع��الى من اص��طفائه آلل يعقوب عليهم السالم، وهم وإن كانوا جزءا من آل إب�راهيم،

11

لكن القرآن خصهم بالذكر عند الح��ديث عن يوس��ف بن يعق�وبم��ك ك ويعل ~ي��ك رب ~ك يجتب ��ذل وك ﴿عليهما السالم في قول��ه تع��الى: ~عمته عليك وعلى آل~ يعقوب كما أتمها ~م ن م~ن تأو~يل~ األحاد~يث~ ويت~يم حك~يم ك عل ~ن رب حاق إ ~س��� ���راه~يم وإ ~ب ���ل إ ���ك م~ن قب ﴾على أبوي

[ 6]يوسف: وذكرهم عند الحديث عن زكريا عليه السالم حينما دعا الله�ا ~ي فهب ل~ي م~ن لدنك ول ﴿عز وجل وطلب الذرية الصالحة، فقال:

�ا ]م��ريم: 5) ي ~ي وير~ث م~ن آل~ يعقوب واجعله رب رض��~ ،5﴾( ير~ثن6]

ومن األمثلة على ذلك ما ذك��ره الل��ه تع��الى من اص��طفائه وال��ذين ورد ذك��رهم في قول��ه تع��الى: آلل داود عليهم الس��الم،

كور ]س��بأ: ��اد~ي الش�� ب ~ي��ل م~ن ع~ كرا وقل ��وا آل داوود ش�� ﴾ اعمل ﴿ [، وق��د بين الق��رآن الك��ريم أن س��ليمان ورث داود، فق��ال:13

﴾وور~ث سليمان داوود ]النمل: ﴿16 ] لكن ك���ل ذل���ك لم يلتفت إلي���ه، وك���أن الل���ه تع���الى بين

..اصطفاءه الخاص لذريات األنبياء، وأقاربهم إال رس��ول الل��ه فهو وح��ده المخ��الف لهم، م��ع أن األص��ل أن يك��ون أولى ب��ذلكق�ل م�ا ﴿منهم، إن لم يكن نظيرا لهم فيه، وقد قال تعالى عن�ه: ~ال ~��ع إ ب ~ن أت ~كم إ ~ي وال ب سل~ وما أدر~ي ما يفع��ل ب ~دعا م~ن الر كنت ب

~ين ]األحقاف: ~ال نذ~ير مب ~لي وما أنا إ [9﴾ما يوحى إ له��ذا نج��د ابن تيمي��ة ��� وه��و من أك��بر المنظ��رين للنص��ب

تقديم آل الرسول والعداوة ألهل البيت في هذه األمة � يعتبر على غيرهم أثر من آثار الجاهلية في تقديم أهل بيت الرؤس��اء،

على طريقت��ه الخاص��ة –كما نص على ذلك في )منه��اج الس��نة(

12

في التحايل - بقوله: )وإنما ق��ال من في��ه أث��ر جاهلي��ة عربي��ة أو فارسية: إن بيت الرسول أحق بالوالية. لكون العرب ك��انت في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء، وكذلك الفرس يق��دمون أه��ل بيت الملك، فنقل عمن نقل عن��ه كالم يش��ير ب��ه إلى ه��ذا، كم��ا نقل عن أبي سفيان، وصاحب هذا الرأي لم يكن ل��ه غ��رض في علي، بل كان العباس عنده بحكم رأيه أولى من علي، وإن ق��در أنه رجح عليا، فلعلمه بأن اإلس��الم يق�دم اإليم��ان والتق�وى على

(1)النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية واإلسالم(

وابن تيمية � وك��ل من وافق��ه على ه��ذا الق��ول وغ��يره من األقوال الشنيعة � يرمي كما كبير من النصوص التي يوصي فيها

بآل بيته، ويعت��برهم مراج��ع األم��ة من بع��ده، ب��لرسول الله : )مث��ل أه��ليعتبرهم صمام أمنها، وس��فينة نجاته��ا كم��ا ق��ال

بي��تي مث��ل س��فينة ن��وح، من ركب فيه��ا نج��ا، ومن تخل��ف عنه��ا (2)غرق(

: )إني تركتوفي الحديث المتواتر في كتب السنة، قال فيكم م��ا إن تمس��كتم بهم��ا لن تض��لوا بع��دي، الثقلين وأح��دهما أكبر من اآلخر: كتاب الله حبل مم��دود من الس��ماء إلى األرض،وعترتي أهل بيتي. أال وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الح��وض(

(3)

(455/ 6)( منهاج السنة النبوية )1

(، وأبو يعلى في مسنده الكب��ير ]كم��ا1904/رقم3)( رواه الفاكهي في أخبار مكة )2[، والقطيعي في زوائ�����ده على فض�����ائل الص�����حابة )4/115في تفس�����ير ابن كث�����ير

( وص���ححه على ش���رط3/150( و)2/343(، والح���اكم في المس���تدرك )2/785/1402مسلم.

13

وفي رواية: )أيها الن��اس. إنم��ا أن��ا بش��ر يوش��ك أن ي��أتيني رسول من ربي فأجيب. وإني تارك فيكم الثقلين. أولهم��ا كت��اب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمس��كوا ب��ه. فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم ق��ال: وأه��ل بي��تي. أذك��ركم الل��ه في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أه��ل

(4)بيتي(

ولألسف ف��إن ه��ذا الح��ديث م��ع وروده بلف��ظ )كت��اب الل��ه وعترتي( ومع كثرة الروايات الواردة فيه به��ذا المع��نى اس��تبدل بحديث آخ��ر، وص��ار ه��و المع��روف عن��د الن��اس، وه��و اس��تبدال )ع��ترتي( بلف��ظ )س��نتي( م��ع أن��ه لم ي��رد في أي من الص��حاح الس��ت، وق��د أخ��رج الح��ديث به��ذا اللف��ظ مال��ك بن أنس في موطئه ونقل�ه مرس�ال غ��ير مس�ند، وأخ�ذ عن��ه بع�د ذل�ك البعض

كالطبري وابن هشام ونقلوه مرسال كما ورد عن مالك. م��ع العلم أن��ه في ق��انون المح��دثين ال ي��روى الح��ديث إال بأص��ح ص��يغه، ه��ذا في ح��ال ك��ون الص��يغة المروي��ة عن مال��ك ص��حيحة باعتب��ار المح��دثين ألنه��ا مرس��لة، ولكن��ه لألس��ف ص��ار الحديث المرسل هو األص��ل، وص��ار الح��ديث المت��واتر في حكم

المكتوم، بل لو أن شخصا حدث به التهم في دينه. األدلة الكثيرة التي تدل علىباإلضافة إلى هذا، فقد وردت

وج��وب الرج��وع إلى آل ال��بيت لتلقي ال��دين، وهي ال تع��د وال /16( واللفظ له، والترمذي )العلم 4607/ رقم 13/� 5/� 5)( رواه أبو داود )السنن 3 (329/�� 175/�� 1( والح��اكم )العلم 44 و43 و42/�� 6( وابن ماج��ه )المقدم��ة 2676رقم

وصححه، ووافقه الذهبي واأللباني، وقال الترمذي: حسن صحيح..

،17/��� 3، مس���ند أحم���د 3788، س���نن الترم���ذي: ح / 2408)( رواه مس���لم ح / 4 وغيرها.148/ 3المستدرك

14

تحصى، فق��د ورد في الح��ديث الص��حيح المع��روف: )علي م��ني (1)وأنا منه. وال يؤدي عني إال أنا أو علي(

: )ومن أحب أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخلوقال الجنة التي وعدني بها ربي، وهي جنة الخلد، فليتول عليا وذريته من بع��دي؛ ف��إنهم لن يخرج��وكم من ه��دى، ولن ي��دخلوكم ب��اب

(2)ضاللة(

: )إن منكم من يقات��ل على تأوي��ل الق��رآن كم��اوق��ال قاتلت على تنزيله. فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: ال. قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ ق��ال: ال. ولكن��ه خاص��ف النع��ل

(3)وكان علي يخصف نعل رسول الله في الحجرة عند فاطمة(

: )لتنتهن معش��روفي رواي��ة أخ��رى: ق��ال رس��ول الل��ه قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجال مني امتحن الله قلبه لإليمان، يضرب أعناقكم على الدين. قيل يا رسول الله أب��و بك��ر؟ ق��ال:

(4)ال. قيل: عمر. قال: ال. ولكن خاصف النعل في الحجرة(

لكن � لألسف � حصل اإلعراض الكب��ير عن ك��ل ه��ذا، حيث قدم الطلقاء واليهود على آل بيت النبوة، حتى أن مرويات كعب

(،44، والنس��ائى في فض��ائل الص��حابة )165 و4/164، وفي )4/164)( رواه أحمد 1(.119وابن ماجة )

.128 ص 3)( رواه الحاكم مستدرك الحاكم ج 2

(.3715(، والترمذي )2700( وأبو داود )1335( )1/155)( رواه أحمد )3

)( المصادر السابقة.4

15

األحبار في تفسير القرآن الكريم وفي كتب العقيدة أك��بر بكث��ير بل إننا نجد الجماهيرمن المرويات التي رووها عن أهل البيت..

تعظم السنة التي حصل فيها المأساة الكبرى حين حصل الصلح بين الحس��ن بن علي م��ع معاوي��ة، ويس��مون تل��ك الس��نة س��نة الجماعة.. ويعتبرون معاوية بموجبها خليفة للمس��لمين م��ع تل��ك النصوص الكثيرة التي تعتبر الحس��ن بن علي س��يد ش��باب أه��ل

الجنة.. وأن له مكانة عظيمة في الدين.. ولكن مع ذلك يعتبرون ذل��ك الموق�ف إق�رارا من��ه بحقاني��ة معاوية، وهم ينس��ون أن يق��رؤوا قول��ه تع��الى في وص��ف وض��عقال ياهارون ﴿قريب من الوضع الذي كان فيه الحسن بن علي:

وا ) ل ~ذ رأيتهم ض�� يت أم��ر~ي )92ما منع��ك إ ~عن~ أفعص�� ب (93( أال تتيت أن تق��ول ي خش��~ ~ن ي إ ~رأس��~ ~ي وال ب ~حيت ~ل ��ؤم ال تأخ��ذ ب ق��ال يبن

~ي ]طه: ~يل ولم ترقب قول ~سرائ ~ي إ قت بين بن [94 - 92﴾فر فهذه اآليات توضح سنة من سنن الغواية ال��تي يتالعب به��ا الش��يطان بأتب��اع األنبي��اء حين يس��ول لهم أن يأخ��ذوا دينهم من

السامري، ويتركوا النبي وآل بيت النبي. ومثلما حص��ل للحس��ن بن علي حص��ل ألخي��ه الحس��ين بن علي الذي ورد في األح��اديث الكث��يرة بي��ان فض��له ومرتبت��ه من

، ومع ذلك نجد أص��حاب الس��نةالدين، وأنه نفس رسول الله المذهبي��ة حين ي��ذكرون تل��ك التض��حية العظيم��ة ال��تي ق��ام به��ا الحس���ين للحف���اظ على ال���دين في وج���ه من يري���د تحريف���ه، يحتقرون م��ا فعل��ه، ب��ل يعتبرون��ه من األخط��اء الك��برى ال��تي ال منفع��ة فيه��ا.. ويق��دمون علي��ه مواق��ف ابن عم��ر وغ��يره من

ابن تيمي��ة: )ولم يكن في الخ��روج ال مص��لحةالصحابة، كما قال دين وال مصلحة دنيا بل تمكن أولئ��ك الظلمة الطغاة من س��بط

16

ح��تى قتل��وه مظلوم��ا ش��هيدا وك��ان في خروج��هرسول الله وقتله من الفساد ما لم يكن حصل ل��و قع��د في بل��ده. ف��إن م��ا قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل من��ه ش��يء، ب��ل زاد الشر بخروجه وقتل��ه ونقص الخ��ير ب��ذلك وص��ار ذل��ك س��ببا

(1)لشر عظيم(

وهكذا أصبح ابن تيمية وغيره أساتذة وأئمة وناصحين لذلك : )حس��ين م��ني وأن��ا من حس��ين،الذي قال فيه رس��ول الل��ه

بط من األسباط( (2)أحب الله من أحب حسينا، حسين س~

، وهو في حياته الشريفة أن��ه س��لم لمن س��المبل أعلن نظ��ر إلى ، ففي الح��ديث أن رس��ول الل��ه وحرب لمن حارب

ابنته فاطم��ة وإلى علي ومعهم��ا الحس��ن والحس��ين وق��ال لهم:لم لمن س��المكم( وق��ال: )من،(3) )أنا ح��رب لمن ح��اربكم، وس��~

أحب الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جن��ات النعيم، ومن أبغض��هما أو بغى عليهم��ا أبغض��ته ومن أبغض��ته أبغض��ه الل��ه، ومن أبغض��ه الل��ه أدخل��ه جهنم ول��ه

(4)عذاب مقيم(

هذه دوافعنا من ه��ذه الكت��اب، وأغراض��نا من��ه، ونحن نعلم

.531-530 ص4)( منهاج السنة ج1

(.3775( والترمذي )144( وابن ماجة )4/172)( رواه أحمد )2

(: رواه أحمد والطبراني.169/ 9)( قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد )3

.6/296)( رواه الطبراني في الكبير: 4

17

أنه لن يستفيد من��ه إال أولئ��ك ال��ذين تح��رروا من ربق��ة التقلي��د، وخرج��وا من الس��جون ال��تي وض��عهم فيه��ا أص��حاب المل��ك

العضوض، وسدنة الدين المزيف الممتلئ بالتحريفات.. أولئك فقط من يمكنهم االستفادة من ه��ذا الكت��اب إلقام��ة عالقة محبة حقيقية بأولئك الذين أمرنا بحبهم وم��ودتهم وال��والء لهم ونص���رتهم والعيش في ظالل القيم ال���تي ك���انوا يمثل���ون،

وضحوا بأنفسهم في سبيلها.

18

إلى خير عم في الدنيا وحاميه وناصره.. سيدي أبا طالب.. يا عم رسول الله

يا من جعلك الله كفيال لنبيه وسندا له منذ والدت��ه إلى آخ��ر يوم من حياتك.. ي��ا من رأيت المعج��زات الب��اهرات.. وتش��رفت برؤية األن��وار الس��اطعات.. وس��معت من فم الح��بيب الكلم��ات

النيرات.. ماذا عساي أق��ول ل��ك.. لق��د ع��دت خ��اوي الوف��اض.. فلم

ه��دك في خدم��ة اإلس��المينفعهم م��ا ذكرت��ه لهم من فض��لك وج ونبيه.. ولم ينفعهم ما ذكرته لهم من عقلك وطهارتك وإيمان��ك.. ولم ينفعهم ذل���ك الج���دل ال���ذي اس���تعملته معهم ألخ���اطب عق��ولهم.. ولم تنفعهم تل��ك الخطب الحزين�ة ال�تي خ�اطبت به�ا

عواطفهم.. لقد رفضوا ك��ل ذل��ك.. ول��و كنت معهم حين أوردت عليهم ما أوردت ألوسعوني ضربا، أو لرموني بالحجارة، أو لحاص��روني

. في الشعب كما حاصروك مع ابنك وابن أخيك محمد وأنا ال أبالي في سبيلك سيدي كل م��ا يقول��ون.. ألني أعلم أن القل���وب إذا طبعت، والعق��ول إذا ختمت، ال تك���اد تبص��ر أو~ك هم الغ��اف~لون ل أولئ ��ل هم أض�� ~ ب ~ك كاألنع��ام ﴾تس��مع، أولئ ﴿

[ 179]األعراف: لقد قلت لهم بكل صدق وإخالص: يا قوم.. أين عقولكم؟.. هل تتصورون هذا الرجل العظيم الذي قدم كل ه��ذه الخ��دمات،

يبخ��ل الل��ه علي��هوالذي عاش كل هذا العمر مع رسول الل��ه

19

بهداية قلبه.. كان يض��ع ي��ده علىألم ترووا في كتبكم أن رسول الله وكان صادقا� إال أحب��ه����������صدر المنافق، فيسلم، وكان ال يراه أحد

، تت��نزلوآمن به.. أفيكون كل الناس مرحومين برسول الل��ه عليهم بركاته � حتى أعداؤه الذين قاتلوه � إال أبا طالب؟ دع��األم ترووا بأسانيدكم التي تعتبرونها أن رسول الل��ه

ألم أبي هريرة التي لم تكتف بشركها بالله فقط، وإنما أض��افت ، ومع ذلك، بمج��رد أن طلب أب��ا هري��رةإليه سب رسول الله

أن ي��دعو ألم��ه، تح��ولت من النقيض إلىمن رس��ول الل��ه النقيض.. لق��د رويتم أن أب��ا هري��رة ق��ال: كنت أدع��و أمي إلى

وأن��ااإلسالم وهي مشركة، فدعوتها يوما.. فأتيت رسول الله أبكي قلت: ي��ا رس��ول الل��ه، إنى كنت أدع��و أمي إلى اإلس��الم فتأبى على فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك م��ا أك��ره، ف��ادع الل��ه

: )اللهم اهد أم أبيأن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله هريرة(.. ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هري��رة: أش��هد أن ال إل��ه

(1)إال الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله(

مس��تجابأنا ال أنكر الحديث، فأنا أعلم أن رسول الل��ه الدعوة، ولكني أعجب من عقولكم التي قبلت أن ي��دعو رس��ول

بالهداي��ة ألم أبي هري��رة ال��تي ك��انت تس��به، فتح��ولتالل��ه مباشرة إلى اإليمان، ثم يسكت عن ال��دعاء لعم��ه، أو ي��دعو وال يستجاب له، مع أنه قضى حياته كله��ا في مدح��ه ونص��رته، على خالف أم أبي هريرة ال��تي لم تكن تكتفي بالش��رك ب��ل أض��افت

.إليه سب رسول الله

(2491)( رواه مسلم )1

20

ولم تكتف��وا ب��أم أبي هري��رة، ب��ل أدخلتم ق��وم أبي هري��رة ، فقد ح��دثجميعا إلى اإلسالم بدعوة واحدة من رسول الله

،أبو هريرة نفسه، ق��ال: )ج��اء الطفي��ل بن عم��رو إلى الن��بي فقال: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليهم، فقال: )اللهم

(1)اهد دوسا، وأت بهم(

بل رويتم أن المنافقين الذين وصفهم الله بما وص��فهم ب��ه في الق��رآن الك��ريم من الخ��داع والمك��ر والتذب��ذب، وم��ع ذل��ك

أن تدركهم، فقد حدثتم عن ابناستطاعت دعوة رسول الله إذ ج��اءه حرمل��ة بن زي��د،عمر. قال: )كنت عند رس��ول الل��ه

فجلس بين يديه، فقال: يا رسول الله اإليمان هاهنا، وأشار بيده إلى لسانه، والنفاق هاهنا، وأشار بي��ده إلى قلب��ه، فس��كت عن��ه

بط��رف، فردد عليه مرارا، فأخذ رس��ول الل��ه رسول الله لسان حرملة، وقال: )اللهم ارزقه لسانا ص��ادقا، وقلب��ا ش��اكرا، وارزقه ح��بي وحب من يحب��ني وص��ير أم��ره إلى الخ��ير، فق��ال: يارسول الله إن لي إخوانا منافقين كنت رأس��ا فيهم أفال أدذل��ك عليهم؟ فقال: من جاءنا منهم استغفرنا ل��ه كم��ا اس��تغفرنا ل��ك، ومن مات منهم على دين��ه فالل��ه أولى ب�ه، وال تخ��رق على أح�د

(2)سترا(

هك��ذا رويتم أن ه��ذا المن��افق تح��ول إلى اإليم��ان ب��دعوة واحدة، بل تح��ول مباش��رة من من��افق في ال��درك األس��فل من

(2524( ومسلم )2937)( رواه البخاري )1

، وقال ابن حجر في اإلصابة: إس��ناده ال ب��أس ب��ه،4/5)( المعجم الكبير للطبراني: 2 وأخرجه ابن منده أيضا. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ولم ي��ذكر من أخ��رج الخ��بر.

..9/410مجمع الزوائد: 21

، وتعتقدون أنه ال يمكن(1)النار إلى أحد الصحابة الذين تجلونهم ألحد من الناس أن يدرك عملهم حتى لو ق��ام فلم يف��تر، وص��ام

ولم يفطر.. بل حتى لو قضى حياته جميعا في سجدة واحدة. أخبر أن أي منافق يأتيه يمكن��هبل رويتم أن رسول الله

أن يتحول إلى اإليمان في لحظة واحدة.. فهل كان جدار الهداية التي حجب عنها أبو طالب ��� كم��ا ت��ذكرون ��� أس��مك من ج��دار

.المنافقين، وهو الذي عاش حياته كلها مع رسول الله لقد قلت لهم كل ذلك.. وقلت لهم: ألم ترووا في س��يركم

قب��ل مبعث��هما يدل على أن أبا طالب آمن بنبوة رسول الل��ه الشريف، بل آمن به، وهو غالم صغير..

ألم ت��رووا فيه��ا أن أب��ا ط��الب أراد المس��ير في ركب إلى : أي عم إلى من تخلفني ها هن��ا؟الشام فقال له رسول الله

فرق له أب�و ط��الب، فلم�ا س��ارا أردف�هوصب به رسول الله خلفه، فخرج به فنزلوا على صاحب دير فقال صاحب الدير: م��ا هذا الغالم منك؟ قال: اب��ني. ق��ال: م��ا ه��و بابن��ك وم��ا ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم؟ ق��ال: ألن وجه��ه وج��ه ن��بي وعين��ه عين نبي. قال: وما النبي؟ ق�ال: ال�ذي ي��وحى إلي��ه من الس��ماء

.. وق��ال ل��ه: )ارج��ع ب��ابن أخي��ك إلى بل��دك(2)فينبئ أهل األرض واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن البن أخيك شأن. فأسرع ب��ه إلى بالده وال ت��ذهب

..1/330؛ واإلصابة: 1/475)( انظر: أسد الغابة: 1

(140/ 2)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )2

22

(1)به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه(

وقلت لهم: تأملوا في ه��ذه النص��وص ال�تي تروونه�ا جي�دا، واقرأوا بعقولكم ال بألسنتكم فقط لتروا فيها الدالئل الواضحات

.على إيمانك العظيم برسول الله فمن الدالئل البينات على إيمانك سيدي بنبوة رس��ول الل��ه

وهو فتى صغير تصديقك لل��راهب، وعودت��ك ب��ابن أخي��ك إلى بلده، بعد أن قطعت كل تلك المسافة..

في ذلك الوقت الذي عدت في��ه مص��دقا ال��راهب لم ي��نزل القرآن بع��د.. ولم ينش��ق القم��ر بع��د.. ولم ت��ر تل��ك المعج��زات الباهرات بعد.. أفيمكن أن تؤمن به صغيرا، وتجحده كب��يرا؟.. أو تؤمن به وأنت لم تر منه ما يستدعي اإليمان، وتجح��د ب��ه، وأنت

ترى كل شيء يدل عليه؟ لقد قلت لهم: اقرأوا الرواية جيدا.. وانظروا فيها إلى تل��ك الرحمة والشفقة التي كان تمأل قلب أبي ط��الب على ابن أخي��ه

.. ألم تروا كيف كان يدعوه ابني؟ محمد ولم يكن ذلك إال تعبيرا عن حقيقة مش��اعره.. وال��تي ك��ان

مثلها مثلما يبادل زوج��ه فاطم��ة بنت أس��ديبادله رسول الله .. فقد رويتم في كتبكم التيالتي كانت بمثابة أم رسول الله

قال عندما دفنها: )يرحم��ك الل��ه ي��اتقدسونها أن رسول الله أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكس��يني، وتمنعين نفسك طيبا، وتطعميني، تريدين بذلك وجه الل��ه تع��الى

(141/ 2)( المرجع السابق، )1

23

(1)والدار اآلخرة(

وقلت لهم: ارجع�وا إلى كتب الس��نة والس��يرة، وس��تجدون األش��عار الرقيق��ة ال��تي قاله��ا أب��و ط��الب، وال��تي جمعه��ا بعض محققيكم.. اقرأوها بتدبر، وسترون روح اإليمان الص��ادق تنبعث

من كل كلمة من كلماتها. وقلت لهم: ال بأس.. لعلكم ال تجدون الوقت الذي تبحث��ون

وال��تي قاله��ا ورس��ول(2)عنها.. ولهذا س��أرتل عليكم بعض آياتها صبي صغير بعد أن رجع به من الشام.. لق��د ذك��رت لهمالله

: (3)من قصائدك قولك

إن ابن آمنةاألمين محمدا

عندي بمثل منازلاألوالد لما تعلق بالزمام

رحمته والعيس قد قلصن

باألزواد وفيها تقول: حتى إذا ما القوم

بصرى عاينوا القوا على شرك

من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثاصادقا

عنه ورد معاشرالحساد قوما يهودا قد رأوا ما

قد رأى ظل الغمامةثاغري األكباد ساروا لفتك محمد

فنهاهم عنه وأجهد أحسن

اإلجهاد )( رواه الطبراني في الكبير واألوسط برج��ال الص��حيح وفي األوس��ط، انظ��ر: س��بل1

(287/ 11الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )

(142/ 2)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )2

(29/ 2)( دالئل النبوة للبيهقي )3

24

فثنى زبيراء بحيرفانثنى

في القوم بعدتجادل وتعاد ونهى دريسا فانتهى

لما نهي عن قول حبر وأنشدتهم بعدها قصائدك الكثيرة في مساندة رس��ول الل��هناطق بسداد

وال�ذب عن��ه، وال�تي رواه�ا المحقق�ون من المح��دثين ال�ذين يعتبرونهم، ويرجعون إليهم، كالحافظ ابن حجر العسقالني ال��ذي يسمونه خاتمة الحفاظ، والذي قال مخ��برا عن��ك: )وأخب��اره في

معروف��ة مش��هورة، ومم��ا اش��تهر منحياطت��ه وال��ذب عن��ه شعره في ذلك قوله: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوس���د في التراب دفين��ا وقوله: ك��ذبتم وبيت الل��ه ن��بزي محم��دا ولم��ا

(1)نقاتل ح�وله ونناض�ل(

وأنشدتهم قولك: والله لن يصلوا إليك

بجمعهم حتى أوسد في

التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليكغضاضة

وابشر بذاك وقرمنك عيونا ودعوتني وعلمت أنك

صادق ولقد صدقت وكنت

ثم أمينا ولقد علمت بأن دينمحمد

من خير أديان البرية(2)دينا وأنشدتهم قولك:

لعمري لقد كلفتوجدا بأحمد

وإخوته دأب المحبالمواصل فال زال في الدنيا

جماال بأحمد وإخوته دأب المحب

المواصل (7/194)( فتح الباري، )1

( ، وأورد الحافظ ابن حج���ر6/406)( هذه األبيات ذكرها القرطبي في ) تفسيره ( )2(188/ 2(، وانظر: دالئل النبوة للبيهقي )7/236البيتين األخيري�ن في ) اإلصابة ( )

25

فال زال في الدنياجماال ألهلها

وزينا على رغم العدوالمخاتل فمن مثله في الناس

أي مؤمل إذا قاسه الحكام عند

التفاضل حليم رشيد عادل غيرطائش

يوالي إلها ليس عنهبغافل فأيده رب العباد

بنصره وأظهر دينا حقه غير

وأنشدتهم ذلك البيت المع��روف ال��ذي ال يزال��ون ينش��دونه(1)ناصلمن غير أن يعرفوا أن قائله هو أنت:

وأبيض يستسقيالغمام بوجهه

ثمال اليتامىعصمة لألرامل يلوذ به الهالك من آل

هاشم فهم عنده في نعمة

ثم قصصت لهم ما رواه علماء السيرة عن سبب قولك له،وفواضل فذكرت لهم أن ابن عساكر حدث عن جلهمة بن عرفط��ة ق��ال: ق��دمت مك��ة وق��ريش في قح��ط، فقائ��ل منهم يق��ول: اعتم��دوا والالت والعزى. وقائل منهم يقول: اعتمدوا مناة الثالثة األخ��رى فقال شيخ وسيم حسن الوجه جي��د ال��رأي: أنى تؤفك��ون وفيكم بقية إبراهيم وساللة إسماعيل. قالوا: كأن��ك ع��نيت أب��ا ط��الب؟ قال: إيها. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل حسن الوجه عليه إزار قد اتشح به فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب أقح��ط ال��وادي وأج��دب العي��ال فهلم فاستس��ق لن��ا فخ��رج أب��و ط��الب ومع��ه غالم كأن��ه ش��مس دجن��ة تجلت علي��ه سحابة قتماء وحوله أغيلم��ة فأخ��ذه أب��و ط��الب فألص��ق ظه��ره بالكعب���ة والذ بإص���بعه الغالم وم���ا في الس��ماء قزع��ة فأقب���ل السحاب من هاهنا وها هنا وأغدق واغدودق وانفج��ر ل��ه ال��وادي

(381/ 2)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )1

26

. (1)وأخصب النادي والبادي

وقلت لهم، وأن���ا متعجب من عق���ولهم وانس���دادها: ه���ل وه��و ص��بي ص��غير، التتصورون أن الذي توسل برسول الل��ه

يتوسل به وهو كهل كبير.. وهل تتصورون أن ال��ذي توس��ل ب��ه للس��قيا، ال يتوس��ل ب��ه

للحياة األبدية؟ بل رويت لهم ما هو أخطر من ذلك مما يدل على معرفتك به وبنبوته منذ ولد إلى أن توفاك الله.. لقد حكيت لهم م��ا رواه ابن س��عد والخطيب وابن عس��اكر: عن عم��رو بن س��عيد أن أب��ا

،ط��الب ق��ال: كنت ب��ذي المج��از م��ع ابن أخي، يع��ني الن��بي فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت: يا ابن أخي قد عطش�ت. وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئا إال الجزع قال: فثنى ورك��ه ثم قال: يا عم عطش��ت؟ قلت: نعم. ف��أهوى بعقب��ه إلى األرض

.(2)فإذا أنا بالماء فقال: اشرب فشربت

وقلت لهم بع��د أن رويت لهم ه��ذه الرواي��ة وغيره��ا: ه��ل ترون أن الذي عاين هذه المعجزة سيكون جاهال كافرا من أجل

حرصه على إرضاء أبي جهل وأبي لهب؟ كان متعلقا ب��كوهكذا ذكرت لهم سيدي أن رسول الله

إلى درج��ة ال يمكن تص��ورها ح��تى أن��ه س��مى عام��ا ك��امال ع��امالحزن حدادا عليك، وعلى السيدة العظيمة المظلومة خديجة..

(137/ 2)( المرجع السابق، )1

( 137/ 2)( المرجع السابق، )2

27

تصور سيدي أني بعد أن ذك��رت لهم ه��ذا راح��وا يس��خرون مني، ويقولون: ما دمت قد أثبت لنا أن أبا ط��الب م��ؤمن، وأن��ه من أهل الجنة.. فاذهب وابحث لعلك تجد م��ا ي��دلك على أن أب��ا

جهل وأبا لهب مؤمنان وفي الجنة. تصور سيدي كيف يض��عانك م��ع أع��دائك وأع��داء نبي��ك في خندق واحد.. لقد أعماهم التعصب عن إدراك الح��ق.. فتص��وروا

.. ونس��وا أنن��اأننا ندافع عنك فقط لكونك عم��ا لرس��ول الل��ه ندافع عن الجبل الذي واج��ه ك��ل المعت��دين.. وعن الس��يد ال��ذي حمى ذمام��ه من ك��ل المنح��رفين.. في نفس ال��وقت ال��ذي ال

وأع��داءيستحيون فيه عن الدفاع عن كل أعداء رس��ول الل��ه دينه، وأعداء أمته.

يواجهونني ببعض الروايات التي رواها������������� سيدي �������������لقد راحوا البخاري ومسلم.. وهم في نفوسهم ينتقدون الكثير من أحاديث البخ��اري ومس��لم، ب��ل ال يقبل��ون منهم��ا إال م��ا يتناس��ب م��ع أهوائهم.. ولو كانوا يقبلون بهما لكانوا قد وجدوا فيهما ما يدلهم على ضاللة الفئة الباغية التي ينتصرون لها، ويعلنون والءهم كل حين لمن يواليها.. ولو بحثوا فيهما لوجدوا من أخبر رسول الل��ه

أنهم سيغيرون الس��نن، ويحرف��ون ال��دين، وينحرف��ون باألم��ة نحو الهاوية السحيقة التي وقعت فيها.

سأذكر لك سيدي بعض ما راحوا يستدلون به زورا وبهتانا.. لقد نقلوا ما رواه البخاري ومسلم أن عمك العباس س��أل

: ه��ل أغ��نيت عن عم��ك ش��يئا؟، فق��ال: )لعل��ه تنفع��هالن��بي شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من الن��ار يبل��غ كعبي��ه

28

(1)يغلي منه دماغه(

انظ��ر إلى لغ��ة الحق��د ال��تي ع��بروا به��ا عن الع��ذاب ال��ذي أوهمتهم شياطينهم أنه ينزل بك.. ولو أنهم عرضوا هذا الح��ديث على القرآن الكريم لوجدوا فيه الداللة الص��ريحة القاطع��ة على عدم جواز الشفاعة في الكفار.. فقد أخبر الله تعالى عن الكفار

~ها ]ف����اطر: ال يخفف عنهم م~ن ع����ذاب ﴾ب����أنهم [، وأنهم ال36﴿اف~ع~ين ]المدثر: ﴾ تنفعهم شفاعة الش ﴿48 ]

ول��و أنهم عرض��وا ه��ذه الرواي��ة على رواي��ات أخ��رى أك��ثر عقالني��ة وانس��جاما م��ع الواق��ع والق��رآن لحل��وا المعض��لة بك��ل سهولة، فقد روى هذا الحديث ابن س�عد عن العب�اس أن�ه س�أل

: ما ترجو ألبي طالب؟ قال: )كل الخير أرج��و منرسول الله (2)ربي(

وهذا اللف��ظ يعك��ر على اللف��ظ الس��ابق، ويجع��ل الح��ديثمضطربا على حسب القواعد التي يعتمدون عليها في الحديث. ولو أنهم راجعوا سند الحديث لوجدوا العجب العج��اب.. ل�و راجعوه لوجدوا في سنده )عبد الله بن الحارث بن نوفل(، وه��و أموي المش��رب، أم��ه هن��د بنت أبي س��فيان أخت معاوي��ة، وق��د اصطلح عليه أهل البصرة حين مات يزيد بن معاوية.. وق��د روى هذا األموي الكث��ير من الرواي��ات المنك��رة الممتلئ��ة بالتجس��يم،

. (3)وكان من أساتذته في التجسيم كعب األحبار اليهودي

(210 ، ومسلم رقم )149 / 7)( رواه البخاري 1

.125/ 1)( طبقات ابن سعد:2

29

لكنهم سيدي ال يقرؤون إال ما يتناس��ب م��ع أم��زجتهم.. ب��ل إنهم سيدي راحوا يؤولون الق��رآن الك��ريم، ويفس��رونه بغ��ير م��ا

أنزل الله بغية مواجهتك وإعالن الحرب عليك.. دخل عليك لما حضرتك الوفاة،لقد رووا أن رسول الله

وعندك أبو جهل، فقال لك: )أي عم قل ال إله إال الله كلمة أحاج لك بها عند الله(.. فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية ل�ك: )ي�ا أبا طالب ترغب عن ملة عبدالمطلب(، وأنهما لم يزاال يكلمان��ك حتى كان آخر ش��يء كلمتهم ب��ه، ه��و )على مل��ة عب��دالمطلب(،

،(1) قال لك: )الستغف����رن ل��ك م���ا ل���م أن��ه عن��ه(وأن النبي ��وا أن ذ~ين آمن ~ي وال ب ~لن ��ان ل م��ا ك ﴿وأن��ه ن��زل في��ك قول��ه تع��الى: ن لهم ~لمشر~ك~ين ولو كانوا أول~ي قربى م~ن بعد~ م��ا تبي يستغف~روا ل

~ ]التوبة: هم أصحاب الجح~يم ك ال تهد~ي113﴾أن ~ن ﴿[، ونزل فيك: إ��د~ين ~المهت اء وه��و أعلم ب ~ن الل��ه يه��د~ي من يش�� ﴾من أحببت ولك

[ 56]القصص: ومن العجب أن ي��وردوا مث��ل ه��ذا البهت��ان العظيم.. ومن العجب أن يذكروا أن أولئك الطغاة الظلم��ة المش��ركين ين��الون في آخر لحظة من الحظوة عن��دك م��ا ال يناله�ا ابن أخي��ك ال�ذي

عشت حياتك كلها من أجله، وضحيت بكل شيء في سبيله.. وه��ل يمكن لعاق��ل أن يص��دق خض��وع ش��يخ كب��ير لل��ذين وحاص��روه واس��تحلوا ك��ل الحرم��ات في حق��ه؟.. ه��ل يمكن أن يخضع لهم ويرضيهم؟.. أليست الفطرة السليمة تدعو لمواجه��ة

.396/ 14)( تهذيب الكمال: 3

(24( ومسلم )3884)( البخاري )1

30

أمثال هؤالء بما يكرهونه حتى بما ال نعتقده؟ لكن حديث الفط��رة والعق��ل لم يقنعهم، ف�رحت أخ��اطبهم بما تعودوا.. لقد ذكرت لهم أن المحققين من المحدثين ��� ك��ابن حجر � رأوا أن في نزولها فيك نظر، وهذا طعن ص��ريح في ه��ذا الحديث المروي في الصحيحين، فقد قال في معلق��ا على ه��ذا: )هذا فيه إشكال، ألن وفاة أبي طالب كانت بمك��ة قب��ل الهج��رة

أتى قبر أم��ه لم��ا اعتم��ر فاس��تأذناتفاقا، وقد ثبت أن النبي رب��ه أن يس��تغفر له��ا ف��نزلت ه��ذه اآلي��ة، واألص��ل ع��دم تك��رر

ب��ل روي في س��بب ن��زول اآلي��ة أن رجال اس��تغفر(1)ال��نزول(. (2) فأنزل الله اآلية لوالديه وهما مشركان فذكر ذلك للنبي

وهذه الروايات تدل على االضطراب في سبب نزول اآلية، وعدم صحة االس��تدالل به��ا على أنه��ا ن��زلت في��ك أو في وال��دة

النبي آمنة بنت وهب عليها السالم. أن��هثم إن من العجيب أنهم ي��روون عن رس��ول الل��ه

صلى على أبي بن سلول المن��افق م��ع أن الل��ه تع��الى ق��ال فيار~ ولن تج~��د فل~ م~ن الن ��اف~ق~ين ف~ي ال��درك~ األس�� ~ن المن ﴿شأنهم: إ

استغفر له،[، بل يروون أن النبي 145﴾لهم نص~يرا ]النساء: وكفنه بقميص�ه، وق�د رووا ذل�ك في الص�حيحين وغيرهم�ا، ف�إذا

قبل ذلك بسنين عن أن يستغفر للكفاركان الله قد نهى نبيه ��� ال��ذين يعتبرون��ك منهم ��� فكي��ف يس��تغفر بع��د ذل��ك ألبي بن

سلول، ويخالف ما أمره الله تعالى به؟!

(8/508)( فتح الباري )1

(130و1/99( رواه أحمد ))2

31

وفي األخ��ير س��يدي بع��د أن خ��اطبت عق��ولهم وقل��وبهم ودينهم.. لم يجدوا إال أن يواجه��وني بالحقيق��ة ال��تي تختفي وراء كل ذلك الحقد الذي يكنونه لك.. وكل ذلك ال��والء ال��ذي يهدون��ه ألعدائك.. إنه حقدهم على الشيعة.. وألن الشيعة يدافعون عن��ك ويحترمونك ويقدرون جهودك العظيمة، ويعتبرونك من الص��حابة الكب��ار المنتج��بين، ف��إن ذل��ك ال يرض��يهم.. ألن مب��دأهم ليس الحقيقة مهم��ا ك��ان القائ��ل به��ا، وإنم��ا الحقيق��ة ال��تي ت��أتي من

طرفهم.. وطرف الجماعة التي يعطونها كل والئهم. لق��د راح بعض��هم يق��ول لي، وكأن��ه يه��ددني: لق��د ذك��ر المحققون كابن كثير وغيره أن الق�ول به�ذا ه�و ق�ول الش�يعة.. وأنني إن لم أكف عن الدفاع عنك، فسأرمى بالرفض والتشيع.. فقلت لهم: ارم��وني بم��ا ش��ئتم.. ليس ب��الرفض والتش��يع فقط.. بل بالزندق��ة والكف��ر والض��اللة.. وارم��وني في أي جحيم يحلو لكم.. ألني أعلم أن الجنة بيد الله.. والنار بيد الل��ه.. وأعلم

أن قلبي الذي يحبك سيدي سيشفع لي عند ربي.. ول��و أنهم تخل��وا عن غ��رورهم، ودرس��وا العلم عن أهل��ه لعرفوا أن الصالحين من هذه األمة كلهم يحترمونك ويعظمون��ك

مهما اختلفت مذاهبهم. فه��ل ك��ان مف��تي الش��افعية في مك��ة المكرم��ة في وقت��ه السيد أحم��د زي��ني دح���الن ال��ذي آلمت��ه األحق��اد الموجه��ة ل��ك. فكتب كتابا في نصرتك س��ماه )أس��نى المط��الب في نج��اة أبي طالب( شيعيا.. وهل الشافعية شيعة.. وهل مفتيهم يقول بق��ول

الشيعة؟ وهل كان العالمة البرزنجي الذي ت��ألم ه��و اآلخ��ر لم��ا قي��ل

32

فيك، فكتب كتابا في نصرتك س��ماه )بغي��ة الط��الب إليم��ان أبيطالب وحسن خاتمته( هو اآلخر شيعيا؟

وه��ل ك��ان موالن��ا محم��د معين الهن��دي الس��ندي التت��وي الحنفي الذي كتب كتاب��ا في نص��رتك س��ماه )إثب��ات إس��الم أبي

طالب( شيعيا.. وهل الحنفية شيعة؟ وه��ل ك��ان أب��و اله��دى محم��د أفن��دي بن حس��ن الص��يادي الرفاعي، الذي ألف كتاب��ا في نص��رتك س��ماه )الس��هم الص��ائب لكبد من آذى أبا طالب( شيعا.. وه��ل رج��ال الطريق��ة الرفاعي��ة

الصوفية شيعة؟ وهل كان السيد علي كبير بن علي جعفر الحسيني الهندي اإلله أبادي الذي ألف كتاب��ا في نص��رتك س��ماه )غاي��ة المط��الب

في بحث إيمان أبي طالب( شيعيا؟ وهل كان الشيخ أحم��د فيض��ي بن علي ع��ارف الج��ورومي الخال��دي ال��رومي الحنفي ال��ذي أل��ف في االنتص��ار ل��ك )فيض

الواهب في نجاة أبي طالب( شيعيا؟ وهل كان القاضي الفاضل السيد حيدر ابن العالم��ة الس��يد محمد سعيد الع�رفي ال�ذي أل�ف في نص��رتك كتاب�ا س��ماه )أب�و

طالب بطل اإلسالم( شيعيا؟ ليس هؤالء فقط من قالوا هذا، ب��ل المفت��ون والعلم��اء من جميع المذاهب اإلسالمية ذك��روا فض��لك وحرمت��ك، ألن حرمت��ك من حرم��ة أعظم إنس��ان في الت��اريخ، ب��ل أعظم مخل��وق على

.. لق��د ق��ال به��ذا: األجه��وري، والتلمس��اني،اإلطالق محم��د والحاف��ظ الس��يوطي، وأحم��د بن الحس��ين الموص��لي الحنفي،

33

ومحم����د بن س����المة القض����اعي، والقرط����بي، والس����بكي،والشعراني.. وغيرهم كثير.

بعد هذا سيدي ما عساي أقول ل��ك.. أعلم أني أض��عف من أن أؤدي الرسالة التي تطلبها الحقيق��ة م��ني.. ولك��ني م��ع ذل��ك موقن أن الحق سيظهر ال محالة، وأن هؤالء الذين يجادلون عن أبي سفيان وهند ومعاوية وكل الطلقاء الذين حبس��وك وحبس��وا ابن أخيك في الشعب سيدركون الحقيقة التي يحاولون الهروب

منها. إن الحقائق تحاصرهم من كل ناحية.. وهم يواجهونها بمثل ما كانوا يواجهونك به من الحص��ار والتض��ييق والتكف��ير وال��رمي بالعذاب الشديد.. وينسون أن نور الل��ه ال تطفئ��ه أف��واه البش��ر،��ر~ه ��و ك ��ور~ه~ ول ~م ن ه مت ~��أفواه~ه~م والل ~يطف~ئوا نور الل��ه ب ﴿ ير~يدون ل

[ 8﴾الكاف~رون ]الصف:

34

إلى األم لمظلومة سيدتي الفاضلة الكب��يرة.. ي��ا أش��رف أم في ال��دنيا.. م��اذا عساي أق��ول ل��ك.. وكي��ف أعت��ذر ل��ك عن نفس��ي، وعن أولئ��ك

الذين ال يزالون يخطئون في حقك.. قب��ل أن تت��دنس����������لق��د كنت أذك��ر جي��دا في ص��باي الب��اكر

فطرتي، وينتكس عقلي � كيف كنا في باديتنا الجميلة نتغنى بك،وبجمالك، وبأخالقك، وبأنوارك العظيمة..

كنا نحفظ عن ظهر قلب قولك، وأنت على ف��راش الم��وت وأنت تنظ��رين إلى وجه��هتخ��اطبين ابن��ك الص��غير محم��د : (1)الجميل البريء الممتلئ بالقداسة

بارك فيك اللهمن غالم

يا ابن الذي منحومة الحمام نجا بعون الملك

المنعام فودي غداة الضرب

بالسهام بمائة من إبلسوام

إن صح ما أبصرتفي منامي فأنت مبعوث إلى

األنام من عند ذي الجالل

واإلكرام تبعث في الحلوفي الحرام

تبعث بالتحقيقواإلسالم دين أبيك البر

إبراهام تبعث بالتخفيف

واإلسالم أن ال تواليها معاألقوام

فالله أنهاك عن ثم قولك بعدها: )كل حي ميت، وكل جديد بال، وك��ل كب��يراألصنام

)( رواه أبو نعيم عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها، انظر: سبل الهدى والرشاد1(121/ 2في سيرة خير العباد )

35

يفنى، وأنا ميتة وذكري باق، وقد تركت خيرا، وولدت طهرا( وكنا نردد ما قيل حينها فيك من أشعار لم يعرف أص��حابها،

: (1)فنسبت إلى الجن

نبكي الفتاة البرةاألمينة

ذات الجمال العفةالرزينة زوجة عبد الله

والقرينة أم نبي الله ذي

السكينه وصاحب المنبربالمدينة

صارت لدى حفرتهارهينه لو فوديت

لفوديت ثمينه وللمنايا شفرة سنينه

ال تبقي ظعانا والظعينة

إال أتت وقطعتوتينه أما هلكت أيها

الحزينة عن الذي ذو العرش

يعلي دينه نبكيك للعطلة أوفكلنا والهة حزينهوكنا نردد في الموالد قول البوصيري في همزيته: للزينه

فهنيئا به آلمنةالفضل

الذي شرفت بهحواء من لحواء أنها

حملت أحمد أو أنها به

نفساء يوم نالت بوضعهابنة وهب

من فخار مالمتنله النساء وأتت قومها بأفضل

مما حملت قبل

~تابمريم العذراء قد جاءكم من الله نور وك ﴿وكنا كلما قرأنا قوله تعالى: ~ين )المائدة: (، تذكرنا قولك: )ما شعرت أني حملت ب��ه،15﴾مب

وال وج�دت ثقل��ه كم��ا تج��د النس��اء.. وأت��اني آت وأن��ا بين الن��ائم واليقظان فقال لي: هل شعرت أن��ك حملت؟ ف��أقول: م��ا أدري

)( المرجع السابق.1

36

فقال: إنك حملت بسيد هذه األمة ونبيها.. وآي��ة ذل��ك أن��ه يخ��رج معه نور يمأل قصور بصرى من أرض الشام، ف�إذا وض�ع فس�ميه

(1)محمدا(

أتاك آت من ربك،وتذكرنا أنك حين حملت برسول الله فقال: إن��ك ق��د حملت بس��يد ه��ذه األم��ة، ف��إذا وق�ع إلى األرض فقولي: )أعيذه بالواحد، من شر ك��ل حاس��د، من ك��ل ب��ر عاه��د وكل عبد رائد، يذود عنى ذائد، فإنه عن��د الحمي��د الماج��د، ح��تى

(2)أراه قد أتى المشاهد(

بعض ذلك، فقال مجيب��ا لمن س��ألهلقد ذكر رسول الله عن نفسه:)أنا دع�وة أبي إب�راهيم، وبش�رى عيس�ى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بص��رى من

(3)أرض الشام(

وذك��ر ذل��ك بعض النس��وة الالتي تش��رفن بالحض��ور ي��وم ، فقد ذكرت بعضهن: أنها شهدت والدة آمنة بنت وهبمولده

ليلة ولدته، قالت: فما شئ أنظ��ره في ال��بيت إالرسول الله ن��ور، وإنى أنظ��ر إلى النج��وم ت��دنو ح��تى إنى ألق��ول: لتقعن

. (4)على

)( رواه ابن سعد، والبيهقي وغيرهما، انظر: سبل اله��دى والرش��اد في س��يرة خ��ير1(328/ 1العباد )

(293/ 1)( السيرة النبوية البن هشام )2

/1)( رواه الحاكم وصححه والبيهقي، سبل الهدى والرشاد في س��يرة خ��ير العب��اد )3329)

37

في قريشوقد اشتهر هذا النور الذي ظهر وقت والدته كله��ا، وك��ثر ذك��ره فيهم، ح��تى أن العب��اس عم رس��ول الل��ه

: (1)قال

وأنت لما ولدتأشرقت األر

ض وضاءتبنورك األفق فنحن في ذلك

الضياء وفي النو ر وسبل الرشاد

نخترق : (2)وقال آخر

لما استهل المصطفى طالعا

أضاء الفضا مننوره الساطع وعطر الكون شذا

عطره الط يب من دان ومن

شاسع ونادت األكوان منفرحة

يا مرحبا بالقمر لكنا عندما كبرنا، ودخلنا الجامع��ات.. وأخ��ذنا الش��هادات..الطالع

بدأت صورتك تبهت وتبهت إلى أن زالت.. وحلت مكانه�ا ص�ورةالمرأة أخرى كانت تبغض ابنك بغضا شديدا..

الشك أنك تعرفينها.. إنها هند بنت عتبة. تلك ال��تي كن��ا في .. وكن��ا ال ننس��ى أب��داص��غرنا نبغض��ها لبغض��ها لرس��ول الل��ه

موقفها يوم أحد، يوم أخذت الدف هي ونس��وة ق��ريش، تض��رب علي��ه خل��ف الرج��ال، وتح��رض على القت��ال، وهي تق��ول بك��ل

(341/ 1)( رواه البيهقى، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )4

(342/ 1)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )1

(343/ 1)( المرجع السابق، )2

38

: (1)وقاحة

إن تقبلوانعانق

ونفرشالنمارق أو تدبروا

نفارق فراق غير

وال ننسى صورتها أبدا وهي تبقر بطن حم��زة، وتلوكه��ا، ثموامق: (2)تلفظها، وهي تصرخ بأعلى صوتها

نحن جزيناكم بيومبدر

والحرب بعد الحربذات سعر ما كان عن عتبة لي

من صبر وال أخي وعمه

وبكري شفيت نفسيوقضيت نذري

شفيت وحشي غليلصدري فشكر وحشي على

عمري حتى ترم أعظمي

لكنا عندما كبرنا وتعلمنا، ونلنا الشهادات الجوفاء الممتلئ��ةفي قبري بالغرور والكبري��اء نس��ينا ك��ل ذل��ك.. ومألن��ا قلوبن��ا بهن��د وبعله��ا وبنيها.. وصرنا نبشر بأن هندا وذويها كلهم في الجن��ة.. أم��ا أنت يا أطهر أم في ال�دنيا.. فص��رنا نعت��برك من أه�ل الن�ار.. وص�رنا

نحذر كل من يخالف هذا المعتقد بعذاب الله الشديد.. � بس��بب ذل��ك التعليم المحش��و بالحق��د ��� نرمي��ك ي��ا�صرنا

سيدة الموحدين بأنك مشركة، وك��أن الل��ه أعمى قلوبن��ا عن أنر~كون نجس فال م��ا المش�� ~ن ��وا إ ذ~ين آمن ها ال ياأي ﴿نقرأ قوله تعالى:

[، فإذا كانت28﴾يقربوا المسج~د الحرام بعد عام~ه~م هذا ]التوبة: نجاس���ة المش���ركين تح���ول بينهم وبين الق���رب من المس���جد

(14/ 4)( السيرة النبوية البن هشام )1

(40/ 4)( السيرة النبوية البن هشام )2

39

الحرام، فكيف تقبل العقول أن يكون ال��رحم ال��ذي آوى رس��ول أشهرا معدودات نجسا.. الله

وكيف تقبل العقول أن يكون أول لبن تغذى به رسول الل��ه نجسا؟

: )ماليتنا في ذلك الحين جمعنا بين اآلية الكريمة وقوله ول��دني من س��فاح الجاهلي��ة ش��يء وم��ا ول�دني اال نك��اح كنك��اح

.. فهذا الحديث ال يكرمك فقط، بل يك��رم ك�ل آبائ�ك(1)اإلسالم( من أبي��ه وأج��داده.. فكلهم ك��انوا علىوأج��داك، وك��ل آبائ��ه

الطهارة والصفاء واإلسالم. لقد كان في إمكانن��ا أن نج��د األدل��ة الكث��يرة ال��تي تحاف��ظ على تل��ك المكان��ة في قلوبن��ا نح��وك.. وكن��ا نتقن أن نجم��ع بين جميع األدلة حتى لو شئنا أن نحول الذئب خروفا لحولناه إال عند

الحديث عنك.. فقد كانت قلوبنا تعمى أن تبصر الحقائق. لق��د اس��تطعنا ب��ذكائنا، وق��درتنا على التلفي��ق والجم��ع أن نجع��ل من أبي س��فيان بطال من أبط��ال اإلس��الم، ال ع��دوا من

أعدائه.. وق��د اس��تطعنا أن نح��ول من الجيش ال��ذي ال يع��دو بض��عة آالف يوم فتح مكة، والذي بسبب رؤيته أس��لم أب��و س��فيان كم��ا حفظنا. لقد جعلنا من ذلك الجيش معج��زة أعظم من ك��ل تل��ك

لقوم��ه لكي يؤمن��وا..المعجزات ال��تي أظهره��ا رس��ول الل��ه أعظم من معجزة شق القمر التي ذكر الله موق��ف المش��ركينق اعة وانش�� ��ربت~ الس�� اقت ﴿منها، وكان أولهم أبو سفيان، فق��ال:

(214/ 8)( رواه الطبراني، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد )1

40

حر مستم~ر ]القم��ر:1القمر ) ~ن يروا آية يعر~ضوا ويقولوا س~ ﴾( وإ [ وأعظم من معجزة القرآن نفسه الذي ذك��ر الل��ه تع��الى2،�� 1

��ا ~ذا تتلى عليه~م آياتن ﴿موق��ف هن��د وأبي س��فيان من��ه، فق��ال: وإاط~ير ~ال أس�� ~ن ه��ذا إ ��ل ه��ذا إ ��ا م~ث اء لقلن ��و نش�� م~عنا ل قالوا ق��د س����د~ك ف��أمط~ر ن ~ن كان هذا هو الحق م~ن ع~ هم إ ~ذ قالوا الل ~ين وإ األول

]األنف��ال: ~يم ~ع��ذاب أل ��ا ب ~ن ماء~ أو~ ائت ��ا ح~ج��ارة م~ن الس�� �30﴾علين32 ]

بل أعرضنا عن تدبر القرآن الكريم حين يخبر رس��ول الل��ه،بأنه ال أمل له في أولئك المش��ركين الكب��ار ال��ذين أخرج��وه

واء ذ~ين كف��روا س�� ~ن ال إ ﴿وظ��اهروا على إخراج��ه، ق��ال تع��الى: ��ون ) ��ذ~رهم ال يؤم~ن ��ذرتهم أم لم تن ( ختم الل��ه على6عليه~م أأن

اوة ولهم ع��ذاب ار~ه~م غ~ش�� مع~ه~م وعلى أبص�� ~ه~م وعلى س�� ��وب قل~يم ) [7، 6﴾( ]البقرة: 7عظ

لقد اس��تطعنا أن نح��ول من ك��ل أولئ��ك المش��ركين أناس��ا طي��بين، ب��ل مس��لمين مخلص��ين، ب��ل ص��حابة أجالء ال يج��وز

تخطئتهم، وال الكالم فيهم.. بل جعلناهم أولياء وقديسين حتى أنه لو صام أح��دنا ط��ول عمره، فلم يفطر، وقام فلم يفتر، فإن��ه ال يمكن��ه أب��دا أن يص��ل

إلى المكانة التي حلها أبو سفيان أو زوجه هند. هك��ذا علمن��ا ي��ا أش��رف النس��اء وأطيبهم وأك��رمهم.. فال تلومينا.. وسامحينا.. واشفعي لنا عند رب��ك.. فال ش��ك عن��دنا أن الذي اختارك لتكوني أما لخير خلقه، قد جعل لك مكان��ة عالي��ة،

وجاها عريضا.. الذي آذيناه سيدتي � عند ابنك رسول الله �واشفعي لنا

41

بإيذائنا لك.. ولم نراع حرمته.. ولم نراع تح��ذير الل��ه من إذيت��ه،ذ~ين يؤذون الله ورسوله لعنهم الل��ه ف~ي ال��دنيا ~ن ال إ ﴿حيث قال:

[ 57﴾واآلخ~رة~ وأعد لهم عذابا مه~ينا ]األحزاب: لقد تشبهنا ببني إسرائيل في إذيتهم لموسى عليه السالم،ه��ا ياأي ﴿وألنبي��ائهم، م��ع أن الل��ه ح��ذرنا من التش��به بهم، فق��ال: أه الل��ه م~ما ق��الوا ��ر ى فب ذ~ين آذوا موس�� ذ~ين آمنوا ال تكونوا كال ال

ند الله وج~يها ]األحزاب: [ 69﴾وكان ع~ سيدتي الط��اهرة.. س��أذكر ل��ك بعض أع��ذاري.. فاس��معيها مني، وال تلوميني.. فقد كنت غضا طري��ا.. وك��ان عقلي فارغ��ا.. وك��ان لل��ذين يلقون��ني تل��ك التع��اليم، م��ع أت��رابي في الجامع��ة

والمسجد، من السلطان ما ال طاقة لنا بمقاومته.. ك��انوا يقول��ون لن��ا: ه��ذه هي الس��نة ش��ئتم أو أبيتم.. ف��إن رفض��تم ف��أنتم رافض��ة، أو أنتم قبوري��ة، أو أنتم مالح��دة.. إن

رفضتم فأنتم مشركون في كل األحوال. أذكر أن بعض مشايخنا.. كان ص�عيديا.. ك�ان اس�مه.. دعن�ا من اسمه، فلعل��ه ه��و اآلخ��ر يت��وب.. ويكتب رس��الة باكي��ة ل��ك،

يترجاك فيها أن تسامحيه. لقد تنكر لحب أهله من الصعايدة لك، فلم يكف��ه أن يعتق��د ما اعتقد المبغضون ل��ك.. ب��ل راح يبش��ر ب��ذلك، ويكتب رس��الة عن��ك وعن زوج��ك الط��اهر عب��د الل��ه س��ماها )التعب��د المرض��ي بإثبات كفر والدي النبي كما نطقت بذا اآلثار، وجاءت به ص��حيح

(1)األخبار، مخالفين بذا كل غبي أبي(

)( هي لمحمد بن عبدالحميد حسونة.1

42

ليس هو فق��ط من تكلم عن��ك.. لق��د تف��رغ رج��ال كث��يرون إلخراجك من مقعد الصدق الذي أعده الله لك في الجنة بج��وار

.. وك�أن الجن��ة ال�تي وس��عوها لهن��دحبيبك وابنك رسول الل��ه وبعلها وبنيها ضاقت عنك.

لقد راحوا جميعا بكل ما أوتوا من قوة وحيل��ة يح��اولون أن يثبتوا أنك لست من الذين ال نعلم مص��يرهم عن��د الل��ه.. ولس�ت من أه��ل الف��ترة ال��ذين نك��ل أم��رهم إلى الل��ه.. وإنم��ا أنت من

دونهم جميعا من أهل جهنم.. ومن المعذبين فيها. ويلهم.. كيف يتجرؤون على قول هذا.. بل على كتابته؟

هل تسمحين لي سيدتي أن أدوس على مشاعر الغيظ فيقلبي.. وأذكر لك ما نشروه عنك.. وعن مصيرك..

لق�د أوردوا في ذل�ك أح�اديث لس�ت أدري من ح�دثهم به�ا بأنك وزوجك عبد الل��ه كالكم��ا فييخبر فيها ابنك رسول الله

النار.. فقط أنت وعبد الله أوردوا فيك مثل ه��ذه األح��اديث.. أم��ا أج�داد هن��د وأبي س��فيان وأبي جه�ل والولي��د بن المغ�يرة.. فلم ي�رووا فيهم ح�ديثا واح�دا.. لق�د اكتف�وا في ج�واب من يس�ألهمى نبعث ~ين حت ا مع��ذب ﴿عنهم أن يق��رأوا قول��ه تع��الى: وم��ا كن

[، ثم يعقبوا على اآلية الكريمة ب��أن أولئ��ك15﴾رسوال ]اإلسراء: جميعا كانوا من أهل الفترة.. ولم يكن هناك نبي..

بل ذهب بعضهم إلى أنهم ح�تى ل�و ك�انوا مش��ركين.. فق�د كان شركم أفضل بكثير من شرك الذين أحبوك أو دافعوا عنك،

أو كتبوا القصائد في مديحك.

43

لق��د ك��انوا يجيب��ون من يس��ألهم عن أم أبي س��فيان من القرآن بتلك اآلية، أما أذا سئلوا عنك أيتها الط��اهرة النقي��ة فق��دحاب~ أل عن أص�� وال تس�� ﴿ك��انوا يق��رؤون علي��ه قول��ه تع��الى:

~ ]البق��رة: [، ثم ي��ذكرون ل��ه أن اآلي��ة ن��زلت في��ك119﴾الجح~يم ك��ان يق��ول ك��لوفي زوجك عبد الله.. وأن ابنك رسول الله

حين حزنا عليك: )ليت شعري م��ا فع��ل أب��واي، ليت ش��عري م��ا فعل أبواي، ليت ش��عري م��ا فع��ل أب��واي؟(، ف��نزلت اآلي��ة لتمألوف يعط~ي�ك ولس� ﴿عليه حياته حزنا، وتنس�خ معه�ا قول�ه تع�الى:

ى ]الض��حى: ك فترض�� إال أن[، فال يمل��ك رس��ول الل��ه 5﴾رب.(1)يكف عن ذكرهما حتى توفاه الله، عز وجل

هكذا استبدلوك بهند وبأبي سفيان وبغ��يرهم ممن تعلمين.. عن��ك وعن أبي��ه بأولئ��ك ال��ذين لموكأن الل��ه ع��وض رس��وله

يتركوا سبيال لحربه وعداوته إال فعلوه. لم��اويستدلون لذلك بحديث يروونه من أن ابنك محمدا

قدم مكة، أتى رسم قبر، فجلس إليه، فجع��ل يخ��اطب، ثم ق��ام مستعبرا، فقيل له: يا رسول الله! إنا رأين��ا م��ا ص��نعت.. فق��ال: )إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واس��تأذنته في االستغفار لها، فلم يأذن لي(.. وأنه ما رؤي باكيا أك��ثر من يومئذ

(2) .

وليتهم إذ رووه بكوا.. ال.. لقد كانوا مسرورين جذلين ألنهم وجدوا ما يؤكد لهم اعتقادهم.. أنا ال أك��ذب ه��ذا الح��ديث.. فق��د

(.2/558( وتفسير الطبري )2/78)( تفسير عبد الرزاق )1

..46 ص 7)( رواه مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج 2

44

يكون صحيحا.. ولكني ال أرى فيه إال نورا آخر من أن��وار جمال��ك وكمالك.. فاالستغفار يكون للمذنبين، أما أنت فمن المص��طفينقل~ الحمد ﴿األخيار الذين نكتفي بالسالم عليهم، كما قال تعالى:

طفى ]النم��ل: ذ~ين اص�� ��اد~ه~ ال ب الم على ع~ ه~ وس�� ~ل [ ول��ذلك59﴾ل فأنت يقال لك: آمنة عليها السالم.. ال آمنة غفر الله له��ا. لكنهم �����������لألسف لم يالحظوا هذا.. بل راحوا ينقل��ون عن بعض��هم قول��ه

بع��د ذك��ر الحديث���: )في��ه ج��واز زي��ارة المش��ركين في الحي��اة وقبورهم بعد الوف��اة؛ ألن�ه إذا ج�ازت زي�ارتهم بع�د الوف��اة ففي

الحياة أولى.. وفيه النهي عن االستغفار للكفار( لمبل إن بعضهم تجرأ فراح يزعم أن ابنك رسول الل��ه

يزرك قاصدا لزيارتك، وإنما زارك قصد قوة الموعضة وال��ذكرىبمشاهدة قبرك..

بل راحوا ينقلون اإلجماع.. وكأن������������� سيدتي �������������لم يكتفوا بهذا األمة اختصرت فيهم.. فقد ذك��روا عن بعض��هم )إجم��اع الس��لف

..( ونقل��وا عن��ه قول��ه:والخلف على ع��دم نج��اة أب��وي الن��بي )اتفق السلف والخل��ف من الص��حابة والت��ابعين واألئم��ة األربع��ة

(1)وسائر المجتهدين على ذلك من غير خالف لما هنالك(

ال تحزني أيتها الطاهرة النبيلة، فليس هن��اك إجم��اع وال هم يحزنون.. كل ما في األمر أنهم ثلة من الناس رفعت الحياء عن وجهها، فراحت تصحح كل ضعيف، وتح��يي ك��ل ميت في س��بيل

أن تنال منك..

لعلي بن س��لطان محم��د)( أدلة معتق��د أبي حنيف��ة األعظم في أب��وي الرس��ول 1 القاري تحقي��ق: مش��هور بن حس��ن بن س��لمان - مكتب��ة الغرب�اء األثري��ة - الطبع��ة األولى

(8 - 7ه�، ص)141345

لكن الكثير من محبي��ك ق��اموا لي��دافعوا عن��ك وعن زوج��ك عبد الله، وألف��وا في ذل��ك رس��ائل وكتب��ا.. ك��ان منه��ا )االنتص��ار

( للس��يد مرتض��ى الزبي��دي.. ومنه��الوال��دي الن��بي المخت��ار )تحقيق آمال ال��راجين في أن وال��دي المص��طفى من الن��اجين( البن الج��زاز.. ومنه�ا )التعظيم والمن��ة في أن أب��وي المص��طفى في الجنة(، و)مسالك الحنفا في والدي المصطفى( للسيوطي..

(ومنها )ذخائر العابدين في نجاة والد المكرم سيد المرسلين لألس��بيري.. ومنه��ا )مرش��د اله��دى في نج��اة أب��وي المص��طفى

(للرومي.. ومنها )مطلع الن��يرين في إثب��ات نج��اة أب��وي س��يد ( للمنيني.. ومنها )هدايا الكرام في تنزي��ه آب��اء الن��بيالكونين

( للبديعي.. ومنها )أمهات النبي( للمدائني.. ومنها )ت��أديب المتمردين في حق األب��وين( لعب��د األح��د بن مص��طفى الكت��اهي السيواسي.. ومنها )قرة العين في إيم�ان الوال�دين( لل��دويخي..

وغيرها كثير. بش��يء ق��د يث��ير عجب��ك.. ولكن ال���������� س��يدتي ����������ه��ل أخ��برك

تتعجبي، فأمثال هذه العقول يمكنه��ا أن تجم��ع المتناقض��ات، والتضيق بها..

إنهم يروون عن بعضهم قوله: )وفض��لت اليه��ود والنص��ارى على الرافضة بخص��لتين: س��ئلت اليه��ود: من خ��ير أه��ل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خ��ير أه��ل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وس��ئلت الرافض��ة: من ش��ر أه��ل ملتكم؟

)(1)قالوا: أصحاب محمد

كان في إمكانهم لو طبق��وا ه��ذا على أنفس��هم.. ال بس��ؤال

.27-ص/1)( منهاج السنة: ج/1

46

اليهود والنصاري.. فقد يكذبون.. وإنما بسؤال القرآن نفس��ه.. ال عن أصحاب موس��ى، فق��د أخ��بر الل��ه عم��ا فعل��وه ب��ه.. وال عن أصحاب المسيح، فقد أخ��بر الق��رآن عن انح��رافهم عن��ه.. وإنم��ا يس��ألوا الق��رآن الك��ريم نفس��ه عن أم موس��ى وعيس��ى.. ف��إذاع~يه~ أن أرض��~ ﴿سألوه فسيجيبهم ب��أن أم موس��ى أوحى له��ا الل��ه: ا رادوه ~ن ~ي إ ~ذا خ~فت~ عليه~ فألق~يه~ ف~ي اليم وال تخ��اف~ي وال تح��زن فإ

~ين ]القص��ص: ~ليك~ وجاع~لوه م~ن المرسل [ وأم��ا أم المس��يح،7﴾إمه ��ه اس�� ~م��ة م~ن ~كل رك~ ب ~ن الله يبش ﴿فقد أوحى لها الله: يامريم إى ابن م��ريم وج~يه��ا ف~ي ال��دنيا واآلخ~��رة~ وم~ن يح ع~يس�� المس��~

~ين ]آل عمران: ب [ ونحسب أن ما رأيته وما س��معته ال45﴾المقر ه��و س��يديقل عما رأته أم موسى أو أم المسيح.. ألن محمد

موسى والمسيح. ليتهم يعمل��ون القي��اس ال��ذي تع��ودوا أن يعمل��وه في ك��ل شيء، ليروا أنفس��هم أس��وأ من اليه��ود والنص��ارى في م��وقفهم من أم نبيهم.. مع العلم أن أم أي شخص في ال�دنيا أق�رب إلي��ه

وأعز من كل أصحابه.. أريد أن أبثه لك.. ولست أدري هل يحق� سيدتي �أمر أخير

لي ذل��ك أم ال.. فاع��ذريني فأن��ا عب��د بس��يط حق��ير.. معارف��همحدودة.. وقد أكون مخطئا فيما سأذكره لك.

لق��د ك��ان الم��دافعون عن��ك.. وكأن��ك مذنب��ة أو ظالم��ة.. يلتمسون كل السبل، ليثبتوا إيمانك.. حتى أنهم ذكروا حديثا بأن

لتؤمني ب��ه.. ولس��ت أدري كي��ف أني منالله أحياك لرسوله غير قصد لم أصدق ذلك.. ووقعت عند عدم تصديقي مع الفريق ال�ذي أعلن علي�ك الح�رب.. طبع�ا أن�ا لم أص�دق ذل�ك ال لكون�ه غريبا.. فالله قادر على كل شيء، والذي أحي��ا الم��وتى للمس��يح

47

.. عليه السالم، ال يعجز عن إحياء الموتى لرسول الله ولكني لم أص�دقه ألج�ل الغاي�ة ال�تي وردت في الح�ديث.. وهي أنك حييت ألجل أن تؤمني به.. ألني أعلم أنك كنت مؤمن��ة به قبل أن يولد.. وبعد أن ولد.. ومت وأنت من أك��ثر خل��ق الل��ه

عشقا له. وحتى بعد موتك.. أنا أعتقد أن الله القادر على كل ش��يء، والذي جعل الشهداء أحي��اء عن��ده.. ويستبش��رون بم��ا ي��روه من

وال يهم��ني أن أرمى����������أعم��ال من لم يلح��ق بهم.. أعتق��د جازم��ا بالخرافة أو الضاللة أو البدعة� أنك كنت حية تتابعين ك��ل حرك��ة وسكنة من حركات ابنك وسكناته.. وتستبشرين ب��ذلك.. ول��ذلك

لم تكوني بحاجة إلى إحياء.. لكن ذلك الصعيدي الجافي الغليظ وأص��حابه تص��وروا أنهم بمجرد الحكم على وضع الحديث وكذبه يكونون ق��د قض��وا على

الدليل الوحيد الذي يحميك من نار جهنم.. لقد نقل هذا الص��عيدي، وغ��يره من ال��ذين امتألت قل��وبهم قسوة وغلظة قول ابن الجوزي في ذلك الح��ديث: )ه��ذا ح��ديث موضوع ال يشك فيه، والذي وضعه قلي�ل الفهم، ع�ديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات ك��افرا ال ينفع��ه أن ي��ؤمن بع��د الرجعة، ال بل لو آمن بعد المعاينة، ويكفي في رد ه��ذا الح��ديث~طت أعمالهم ف~ي الدنيا ~ك حب فيمت وهو كاف~ر فأولئ ﴿قوله تعالى:

~دون ]البق��رة: ار~ هم ف~يها خال ~ك أصحاب الن [(217﴾واآلخ~رة~ وأولئ(1)

(.284: 1)( الموضوعات، )1

48

هل سمعت ما قال؟.. إنه يق��ول بأن��ك ح��تى ل��و ح��ييت من جدي��د، ف��إن ذل��ك لن ينفع��ك.. وك��أن الل��ه ق��در ل��ك الع��ذاب ال

محالة.. ولست أدري هل ذلك كان عقوبة ل��ك لكون��ك حملت بخ��ير

خلق الله.. أم ألي شيء آخر. أما من يسمونه شيخ اإلسالم، الذي هو أستاذ كل من تكلم فيك.. فقد علق على ذلك الحديث بقوله، وهو في غاية الغبط��ة والسرور: )ال نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموض��وعات كذبا، كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتم��دة في الح��ديث، ال في الص��حيح وال في الس��نن وال في المس��انيد، ونح��و ذل��ك من كتب الح��ديث المعروف��ة، وال ذك��ره أه��ل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الض��عيف م��ع الص��حيح، ألن ظهور كذب ذلك ال يخفى على متدين، فإن مثل هذا لو وق��ع لك��ان مم��ا تت��وافر الهمم وال��دواعي في نقل��ه، فإن��ه من أعظم األمور خرقا للع��ادة من وجهين: من جه��ة إحي��اء الم��وتى.. ومن جهة اإليمان بعد الموت.. فكان نق��ل مث��ل ه��ذا أولى من غ��يره،

(1)فلما لم يروه أحد من الثقات علم أنه كذب(

ه��ل رأيت أيته��ا الط��اهرة كي��ف يتكلم��ون عن��ك.. وك��أنهم قطعوا كل حبال النجدة التي يمدها إلي��ك محب��وك من البس��طاء والمتواضعين، والذين رضوا أن يص��دقوا ب��المعجزات والخ��وارق

في سبيل أن يثبتوا نجاتك. وقد غاب عنهم جميعا أنك لست ناجية فقط.. وأن��ك لس��ت من أه��ل الجن��ة فق��ط.. ب��ل أنت مح��ل نظ��ر الل��ه.. ومح��ل

(325/ 4)( مجموع الفتاوى )1

49

اصطفائه.. فهو اختارك من بين نس��اء الع��المين جميع��ا لتك��وني أم��ا لحبيب��ه ال��ذي اص��طفاه وارتض��اه.. ومن ك��ان محال له��ذا االصطفاء ال يمكن أن يتخيل خيال، أو تدرك نفس ما أعد له من

قرة أعين. مضمخة بدموعي.. وبحرارة الشوق� سيدتي �هذه رسالتي

لك، والبنك.. وألحفادك الطاهرين.. فتقبليها م��ني.. وك��وني أنتوابنك وأحفادك شفعاء لي عند ربك.

50

إلى الزوجة الوفيةسيدتي الطاهرة الوفية المظلومة خديجة..

ي��ا أم ك��ل الط��اهرين الش��هداء ال��ذين ت��زينت بهم األرض، وتض��مخت بعط��رهم الس��ماء.. ي��ا أم الزه��راء، وج��دة الحس��ن والحسين، وج�دة ك�ل أولئ�ك ال�ذين مألوا األرض س��الما وجم�اال

.. يا من بشرك جبريل بالجنان..وطهرا.. يا زوجة رسول الله وألقى إليك تحيات السماء..

يا من مألت قلوبنا أشواقا ورقة.. فكلم��ا نت��ذكرك، ونت��ذكر تضحياتك، تنهمر الدموع من مآقينا، ال نستطيع كفكفته��ا، وكي��ف نستطيع، ومشهدك وأنت تع��انين في رم��ال الش��عب، محاص��رة جائعة ظمآنة، مثلما حوصر حفيدك الحس��ين، وأه��ل بيت��ه ال��ذين

هم من نسلك الطاهر.. ال يغادر أبصارنا وال بصائرنا. اسمحي لي أيتها الزوجة الوفية.. واألم الغالية.. والش��هيدة الصديقة.. أن أحدث قومي بشأنك، فق��د رأيت فيهم من الغفل��ة

عنك، ما جعلهم ال يكادون يذكرونك بين زوجات رس��ول الل��ه مع أنك كنت زوجته الوحيدة في أكثر سني عمره، وفي الس��نين التي لم يكن فيها إال معك، قبل أن تزدحم عليه تكاليف الرسالة

وأعباءها في المدينة المنورة؛ فال يكاد يمكث في بيته إال قليال. ومع ذلك، وبعد فراقك الحزين له، بقي يحن إليك، ويذكرك كل حين، ألنك لم تغادري قلبه، وال حيات��ه، ب��ل ك��ان يحن لألي��ام التي كنت فيها سنده، وكنت فيها المثال األعلى للمرأة الصديقة الط��اهرة المجاه��دة ال��تي لم يكن ألي ام��رأة غيره��ا، أن توض��ع

معها، أو تقارن بها.51

ولم يكن ذلك نتيجة عاطفة من عواط��ف البش��ر الع��اديين؛ معصوم العاطفة، فلم يكن ينظ��ر إلي��ك جس��دا،فرسول الله

وإنما كان ينظر إليك روحا شفافة مملوءة بقيم الجمال؛ فل��ذلك كان يحدث عن��ك أمت��ه، لتجعل��ك رم��زا من رموزه��ا، وقيم��ة من

قيمها، ومعنى من معانيها النبيلة. لقد كان يقول عن�ك وعن فاطم�ة ال�تي هي بض��عة رس��ول

ابنت��ك، وم��ريم، وام��رأة فرع��ون: )حس��بك من نس��اءالل��ه العالمين: مريم ابنة عمران وخديج��ة بنت خويل��د. وفاطم��ة بنت

(1)محمد، وآسية امرأة فرعون(

وكان يكرر ذلك ألمت��ه لتمأل قلوبه��ا بمحبت��ك، ومحب��ة القيم النبيلة التي تحملينها، وال��تي أهلت��ك ل��ذلك الش��ريف الرفي��ع في م��راتب اإلنس��انية، ومن األمثل��ة على ذل��ك م��ا رواه ابن عب��اس

في األرض أربع��ة خط��وط. فق��ال:ق��ال: خ��ط رس��ول الل��ه أتدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: )أفضل نس��اء

وم��ريم ابن��ةأهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد (2)عمران وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون(

وهذا الفضل � أيتها الوفية الصديقة � ليس فضال اعتباطي��ا � أك��بر من أنكما يتوهم المغلفون � وال عاطفيا، فرسول الله

وما ينط~ق عن~ اله��وى ) (3﴿يحكم بعاطفته، وقد قال تعالى عنه: ~ال وحي يوحى ]النجم: ~ن هو إ يع��بر عن[، وإنم��ا ك��ان 4،�� 3﴾إ

(3 / 379)( رواه الترمذي بسند صحيح والنسائي والحاكم )التاج الجامع لألصول 1

)( رواه أحمد وأب�و يعلى والط��براني وق��ال الهيثمي رجال��ه رج��ال الص��حيح )الزوائ��د2223 / 9)

52

الحق��ائق الك��برى للوج��ود، ومنه��ا وج��ودك الممتلئ ب��الطهر والقداس��ة، ف��أنت ركن من أرك��ان الجم��ال األنث��وي في معاني��ه

السامية التي ال تراها العيون المحبوسة في قيود الكثافة. ولذلك ال نستطيع نحن وال غيرنا أن نعرفك، أو نعرف معنى كونك أحد أولئك األربع ال�ذين تأس�س عليهم الجم�ال الملك�وتي للمرأة.. وإنما يمكننا أن نعرف��ك فق��ط من خالل م��ا روي عن��ك، وهو قليل جدا بجانب حقيقتك ال��تي امتألت به��ا جوانح��ك، ح��تى

يختارك الله لنبيه، وفي أحرج الفترات التي تمر بحياته. ونحن نحسب، بل نوقن أن تلك المعاني النبيل��ة ال��تي ك��ان

يمتلئ بها، حين يذهب إلى حراء أو قبله��ا أوقلب رسول الله بعدها، كان يبثها إليك، فيستحيل على الزوجة أال تس��أل زوجه��ا،

أالويس���تحيل علي���ك وأنت من امتألت بحب رس���ول الل���ه تعرفيه، وتعرفي األسرار التي كان يمتلئ به��ا، ول��ذلك كنت أول

المؤمنين إيمانا. ولم تكوني في حاجة للذهاب إلى ورقة بن نوفل أو غ��يره، ليثبت ل��ك ذل��ك.. فك��ل ذل��ك من رواي��اة البغ��اة ال��ذين أرادوا

.. ومن العجيب أنهم يذكرون أنتشويهك وتشويه رسول الله موسى عليه السالم عرف كونه نبيا، بل طلب النبوة ألخيه، عن��د

محتاجا إلى ورقة وغيرهكالم الله له، ثم يجعلون رسول الله ليثبت له نبوته..

وكل ذلك تضليالت من الفئة الباغية لتصور رس��ول الل��ه بالصورة التي يرغب��ون فيه��ا.. ول��ذلك نحن ن��وقن ب��أن معرفت��ك

وكون��ه محال للنظ��ر اإللهي، ومحال الرتب��اطبشأن رسول الله األرض بالسماء، لم يكن وليد بعثته فقط، وإنم��ا ك��ان قب��ل ذل��ك

53

بكثير.. وقد روى الرواة أن سبب زواج��ك ب��ه، وترك��ك لل��زواج من غيره، رغم كثر من طلب يدك، هو انتظ��ارك ل��ذلك الي��وم ال��ذي تتحقق فيه أمنيتك، فقد روي أن نساء أهل مكة احتفلن في عيد ك��ان لهن في رجب، فلم ي��تركن ش��يئا من إكب��ار ذل��ك العي��د إال أتينه، فبينما هن في عي��دهن تمث��ل لهن رج��ل، فلم��ا ص��ار منهن قريبا نادى بأعلى صوته: )يا نساء مك��ة إن��ه س��يكون في بل��دكن نبي يقال له أحمد، يبعث برسالة الل�ه، فأيم�ا ام��رأة اس��تطاعت أن تكون له زوجا فلتفعل؛ فحصبته النساء وقبحن��ه وأغلظن ل��ه، وأغض��ت خديج��ة على قول��ه، ولم تع��رض ل��ه فيم��ا ع��رض في��ه

(1)النساء(

ومن ذل��ك الي��وم، وأنت تبح��ثين عن ذل��ك ال��زوج الك��ريم.. وعندما علم الله صدقك، دلك عليه، فلم يكن حديث ذلك الرجل الذي سمعته كما سمعه النس��وة مع�ك س�وى دع�وة إلهي��ة ل�ك،

لتلتحقي بقافلة الطهر، التي كانت تهيأ ذلك الحين. ونحن ال نستغرب هذا، وال نتعجب منه، فكما هيأ الله تعالى للمسيح أما من صغرها الباكر، فأنت أيضا قد هيئت لرسول الله

.تهيئة خاصة، ولذلك كنت ومريم في درجة واحدة ،وقد أشار ابن عمك ورقة بن نوفل إلى كثرة ذكرك ل��ه

وكثرة بحثك عنه، فقال بعد أن وصفت له ما ذكره لك ميس��رة:

)( رواه الم��دائني، عن ابن عب��اس، انظ��ر:ش��رح الزرق��اني على الم��واهب اللدني��ة1(365/ 4بالمنح المحمدية )

54

)لئن كان هذا حقا يا خديجة، فإن محمدا لنبي ه��ذه األم��ة، وق��د (1)عرفت أنه كائن لهذه األمة نبي ينتظر هذا زمانه(

ثم أخذ أمامك يذكر أشواقه إلى هذا النبي الموعود، وكأن��هيعبر عن أشواقك أنت أيضا؛ فقد قال:

لججت وكنت فيال�������������������ذكرى لجوجا

لهم طالما بعث النش��يجا ووصف من خديجة بعد

وصف فق��د ط��ال انتظ��اري ي��اخ���������������������������������ديجا ببطن المك������تين على

رج������������������������������ائي ح����ديثك أن أرى من�����ه

خروجا بم��ا خبرتن��ا من ق��ولقس

من الرهب���ان أك���ره أنيعوجا ب��أن محم��دا سيس��ود

فينا ويخص��م من يك��ون ل��ه

حجيجا ويظهر في البالد ض��ياءن����������������������������������ور

يقيم به البري��ة أن تموجا فيلقى من يحارب��������هخس������������������������������ارا

ويلقى من يس���������المهفلوجا في��ا لي��تي إذا م��ا ك��ان

ذاكم ش�������هدت فكنت أولهمولوج�������������������������ا ولوجا في ال�����ذي ك�����رهت

ق������������������������������ريشولو عجت بمكته��ا عجيجا

أرجي بال���ذي كره���واجميعا

إلى ذي الع���������رش إنس�����������������������فلوا عروجا وهل أمر السفالة غ��ير

كفر بمن يخت���ار من س���مك

البروجا ف��إن يبق��وا وأب��ق تكنأم��������������������������������ور

يض���ج الك���افرون له���اض��������������������������������جيجا وإن أهل��ك فك��ل ف��تى

س�����������������������������يلقىمن األقدار متلفة حروجا

وهك��ذا وردت الرواي��ات الكث��يرة تخ��بر عن علم��ك بالش��أن مثلم��ا ك��انت تعلم أم��ه وعم��ه وج��ده،الذي كان لرسول الله

(268/ 1)( السيرة النبوية البن كثير )1

55

والذين كانوا يحرصون عليه، ويعلمون أن ل��ه ش��أنا عظيم��ا عن��دالله تعالى.

ول��ذلك نحن نك��ذب ك��ل الرواي��ات ال��تي تس��يء إلي��ك، وتصورك بصورة الم��رأة الجاهلي��ة العادي��ة ال��تي تعب��د األص��نام، وتمارس ما يمارسه أه��ل الجاهلي��ة من طق��وس، ذل��ك أن تل��ك المنزلة الرفيعة التي أهلت له��ا، لم تكن لتس��مح ب��ذلك، فعقل��ك لم يكن أقل نضجا من عقل أولئك الحنفاء، وال من عق��ل أولئ��ك

الموحدين المحافظين على دين إبراهيم.. وكيف يكون األمر كذلك، وأنت لم ت��ذكري زواج��ك لس��دنة األص��نام المحيط��ة بالكعب��ة، وإنم��ا ذكرته��ا البن عم��ك لعلم��ك بتوحيده وإيمانه وانتظاره للنبي الموعود، والذي لم يكن يختل��ف

عن انتظارك. لكن المشاغبين من الفئة الباغية راحوا يص��ورونك بص��ورة أخرى، بل إنهم في بعض ما يروونه يذكرون أنك سقيت أباك أو عمك خمرا حتى يواف��ق على زواج��ك، ب��ل إن بعض��ها ي��ذكر أن��ه

كان ثمال عندما حدثته عن ذلك. وكل ذلك زور وبهتان وتلفيق من أع��دائك ال��ذين لم يج��دوا في حيات��ك م��ا يمكن أن يس��يء إلي��ك، فراح��وا ��� بع��د وفات��ك �

، وكليستحلون الكذب عليك، كما استحلوه على رسول الله األنبياء والصالحين.

لقد رووا عن الزهري، وأنت تعرفين تدليسه، وصلته بالفئة الباغي��ة من ب��ني أمي��ة، أن��ه ق��ال يح��دث عن كيفي��ة زواج�ك من

: ).. فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد، وهو ثم��لرسول الله من الشراب، فقالت: هذا ابن أخيك محمد بن عب��د الل��ه يخطب

56

خديجة، وقد رضيت خديج��ة، ف��دعاه، فس��أله عن ذل��ك، فخطبقت��ه خديج��ة، وحلت علي��ه حل��ة، ف��دخل إليه، فأنكحه، ق��ال: فخل

بها، فلما أصبح، صحا الش��يخ من س��كره، فق��ال:رسول الله ة ة؟ ق��الت أخت خديج��ة: ه��ذه حل ما هذا الخلوق، وما ه��ذه الحل كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله أنكحت��ه خديج��ة، وق��د ب��نى بها، فأنكر الشيخ، ثم سلم إلى أن صار ذلك واستحيي، وطفقت

رجاز من رجاز قريش تقول: (1)ال تزهدي خديج في محمد.. جلد يضيء كضياء الفرقد(

ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يصورون أنك التي قمت بذلك، ؛ألنك لم تستطيعي إقناعهم بالقبول بزواجك من رسول الله

فرحت تحتالين عليهم بالخمر.. وكل ذل��ك ليش�وهوك، ويش��وهوا ، ويذكروا أنه لم تكن له أي مكانة بين قومه علىرسول الله

الرغم من كل الروايات التي تشيد ب��ه، وت��ذكر أن قوم��ه جميع��ا.(2)كانوا يصفونه بأنه الصادق األمين

..43)( المغازي النبوية البن شهاب الزهري ص 1

)( وقد كانت هذه الروايات التي لفقوها سببا في طع��ون المستش��رقين، فق��د ق��ال2 دورمنغم: )ولم يتم لخديجة ما ع��زمت علي��ه بغ��ير مقاوم��ة، فلم ي��رق أس��رتها وهي غني��ة حليفة لبني مخزوم، أن تتزوج يتيما فق��يرا غ��امض األم��ر دون ب��ني مخ��زوم ق��درا( ]حي��اة

[، وهذا غريب، فلم يكن بنو أسد حلفاء لب��ني مخ��زوم، وهك��ذا عل��ق ب��ودلي43محمد، ص على هذا األمر فقال: )لو أن محم�دا ك�ان من علي��ة الق�وم األربعمائ�ة، ول��و أن��ه ك�ان من أعضاء الندوة األغنياء أو بني المطلب، الذين عاشوا ح��ول الكعب��ة..ب��ل ك��ان نقيض ذل��ك(

[، وقال: )وقامت خديجة في نفس الوقت، تمسح رأس عمها بالزعفران46]الرسول، ص والعنبر، ودوت في أركان بيت خديجة أصوات التهليل، وصار زواج محمد من خديجة أم��را واقعا، وما كانت خديجة بالمندفعة في هذه الفرصة الس��انحة فق��د تعلم فع��ل الخم��ر في النفوس، وحين كان كل يربت على كتف صاحبه ويتقارعون الكؤوس ويتفاخرون، جاء من يكتب العقد وفي هذا الجو الذي يغلب عليه الصفاء، أتفق على الصداق وتم عق��د الق��ران

[35وانتهى األمر، وصار محمد يعد بعال لخديجة بحسب شريعة مكة( ]الرسول، ص57

وهم يعلمون أن الخمر لم يكن يشربها في ذلك العص��ر إال الصعاليك، أما أصحاب المروءات، فلم يكونوا يقربونها، بل كانوا يعتبرونها من الرجس الذي يسيء إليهم، وق��د رووا أن العب��اس بن مرداس السلمي، والذي لم يكن أكثر مرؤة من والدك، قال:

(1))ال أشرب شرابا أصبح سيد قومي، وأمسي سفيههم(

وهك��ذا ي��ذكرون أن الش��اعر المع��روف طرف��ة بن العب��د تحاش��اه قوم��ه بس��بب معاقرت��ه الخم��ر، كم��ا يفعل��ون ب��البعير

: (2)األجرب، فراح يعبر عن ذلك بقوله

ومازال تشرابيالخمور ولذتي

وبيعي وإنفاقي طريفي وملبدي الى أن تحامتني

العشيرة كلها وأفردت أفراد البعير

المبعد أال أيهذا الزاجري أحضر الوغى

وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي فإن كنت ال تستطيع

دفع منيتي فدعني أبادرها بما

والعجيب أن هؤالء الذين يذكرون ه��ذا، هم أنفس��هم ال��ذينملكت يدي ،يذكرون أنك كبيرة السن، وسبق لك الزواج قبل رسول الله

وأنك لم تكتف قبله بزوج واح��د، وإنم��ا ت��زوجت ب��زوجين، وك��ل ذلك، حتى يثبت��وا أن��ك لس��ت أك��ثر ش��أنا من غ��يرك، وال أفض��ل

منهم.. وكل ذلك كذب وزور وبهتان ينفيه العقل والنقل. أما العقل، فالكل، وفي جميع العالم يعلم أن ال��زواج األول ألي شخص، وخاصة في مرحلة الشباب، يكون من البكر، ال من الثيب، ويكون من المرأة ال��تي تداني��ه في الس��ن، ال ال�تي تك��بر

.1/205)( أبو علي القالي، األمالي، 1

�.86)( الزوزني، شرح المعلقات السبع، ص2

58

عليه.. وهذا من المتفق عليه بين طباع البشر جميعا، وخصوص��ا واحدا منهم.بين العرب الذين كان رسول الله

ولم يدر هؤالء أن ذلك التبرير الخطير ال��ذي وض��عوه، وه��و ، يس��يء ال ل�ك فق�ط، وإنم��اكونك غنية مع فقر رس��ول الل��ه

يسيء إليه أيضا، ألن الع��ادة جاري��ة على أن الش��خص ال ي��تزوج الم��رأة ال��تي تك��بره س��نا إال لطمع��ه في ماله��ا، أو في بعض

المصالح التي يقضيها من وراء زواجه منها. ولو أن هؤالء الذين أشاعوا هذا راحوا يس��تعملون عق��ولهم في الروايات التي تؤرخ لعمرك، لعرفوا أن��ك لم تك��وني إال ترب��ا

، وفي نفس عم��ره، وق��د ذك��ر ال��بيهقي ذل��ك،لرس��ول الل��ه .(1)وصححه، وأورد غيره األدلة عليه

لكنهم أب��وا إال أن يجعل��وك ��� حين تق��دم رس��ول الل��ه ، ومن(2)لخطبتك � بنت ست وأربعين سنة، أو في سن األربعين

العجيب أنهم ي��ذكرون أن أهل��ك م��ع ذل��ك ك��انوا م��ترددين في الذي كان حينها ال يزال ش�ابا يافع�ا الزواجك من رسول الله

.(3)يجاوز اإلحدى وعشرين سنة ،295 و294 ص2 والبداي��ة والنهاي��ة ج71 ص2)( انظ��ر: دالئ��ل النب��وة لل��بيهقي ج1

.265 ص1السيرة النبوية البن كثير ج

؛174،ص8؛ ابن س�عد، الطبق�ات الك��برى، ج39، ص2)( انظر: ابن اثير، الكامل، ج2.23، ص1ابن اثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج

إح��دى)( هكذا روى الزهري، فق��د روي عن��ه أن��ه ق��ال: ك��ان عم��ر رس��ول الل��ه 3 وعشرين سنة، وهو يتناسب مع عمر الزواج في ذلك الوقت، وقيل: خمساوعشرين سنة،

عن��د ال��زواج بخديج��ةزمان بنيت الكعبة، وفي االستيعاب البن عبد البر أن عمر الن��بي ،۳۰، ۲۸، ۲۵، ۲۲، ۲۱خمس وعشرون سنة، ونقل ابن األثير أقواال مختلف��ة في ذل��ك وهي: )

59

ولو أنهم رجعوا لما ذكروه في تاريخ وفاتك، وعمرك حينها، لعرفوا ذلك، فقد ذكر البيهقي في دالئل النب��وة أن عم��رك حين الوف��اة ك��ان خمس��ين س��نة، فق��ال: )لق��د بلغت خديج��ة خمس��ا

، وهك��ذا اعتم��د ابن(1)وستين سنة، ويقال خمس��ين وه��و أص��ح( كثير على رواية البيهقي، فذهب إلى أن عمرك حين الوفاة كان

.(2)خمسين سنة

ك��ان قب��لوهم يتفق��ون على أن زواج��ك برس��ول الل��ه البعثة بخمس عشرة سنة، وأنك مكثت معه في بيت��ه زوج��ة ل��ه خمسا وعشرين سنة.. وهذه الحسابات وح�دها كافي�ة ل�رد تل��ك األباطيل ال��تي يش��يعونها عن��ك قص��د تش��ويهك، وتش��ويه النب��وة

معك. ولم يكتفوا بذلك، بل راح��وا ي��ذكرون زواج��ك قب��ل رس��ول

، حتى يهونوا من شأنك، وقد كان الكذب واضحا في تلكالله الروايات، فبينما هم يذكرون تنافس أشراف ق��ريش على طلب

حين طلب��ك، إذايدك، بل يذكرون تردد أهلك في رسول الله بهم يذكرون أن الذي تزوجك لم يكن سوى شخصين عاديين لم يكن لهما أي قيمة اجتماعية، وقد تناقض��وا فيهم��ا كم��ا تناقض��وا

، ألنهم يعرف��ون أن هن��اك الكث��ير(3)في ك��ل م��ا يدلس��ونه عليك ممن ال يقرأ، وال يحقق، بل يكتفي فقط بأن يس��تمع، وي��ردد م��ا

، ص��۱، ابن عبدالبر، االستيعاب، ج314، ص5(سنة]انظر: ابن کثير، البداية والنهاية، ج۳۷۳5.]

.71، ص2)( دالئل النبوة: ج1

.264 ص1)( سيرة ابن كثير: ج2

60

يقال له. لم تقتصر إساءاتهم إليك على ذلك فق��ط، ب��ل إنهم راح��وا يتالعب��ون بتل��ك النص��وص المقدس��ة الكث��يرة ال��تي وردت في فضلك، يؤولونها ليصرفوا عنك األفضلية لتص��بح لغ��يرك، م��ع أن

كان يخبر كل حين أنك أنت األفضل، ال باعتب��اركرسول الله جسدا، وإنما باعتبارك ممثلة لكل القيم النبيل��ة ال��تي لم تجتم��ع

إال في النساء األربع. الومن ذلك ما حدثت به عائشة قالت: كان رسول الل��ه

يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديج��ة؛ فيحس��ن الثن��اء عليه��ا، فذكرها يوما من األيام ف��أدركتني الغ��يرة، فقلت: ه��ل ك��انت إال عجوزا، فقد أبدلك الله خيرا منها، فغضب، ثم قال: )ال والله م��ا أبدلني الل��ه خ�يرا منه�ا، آمنت بي إذ كف�ر الن��اس، وص�دقتني إذ كذبني الناس، وواس��تني في ماله��ا إذ حرم��ني الن��اس، ورزق��ني الله منها أوالدا إذ حرمني أوالد النس��اء(، ق��الت عائش��ة: )فقلت

(1)في نفسي ال أذكرها بسيئة أبدا (

ل��ك بين الن��اس ي��دل على أن��ك منف��ذكر رس��ول الل��ه أولئ��ك ال��ذين أمرن��ا ب��ذكرهم والثن��اء عليهم، ال ل��ذواتهم، وإنم��ا لتحولهم إلى قيم نبيلة، يمكن أن يتخ��ذها الن��اس أس��وة لهم في

حياتهم.

)( بعض المصادر تسمي أحدهما أبا شهاب عمرو الکندي، وتسميه اخ��ري مال��ک بن3 النب�اش بن زرارة التميمي، واخ�ري تس��ميه هن�د بن النب�اش، واخ�ري تس�ميه النب�اش بن زرارة، وأما من دعي بعتيق بن عائذ المخزومي، وهو الزوج الثاني المفترض، فق�د س�مته

بعض المصادر عتيق بن عابد التميمي إلي غيرذلک..

(9 / 224)( رواه أحمد وإسناده حسن )مجمع الزوائد 1

61

وكيف ال يفعل ذلك، وقد أم��ره الل��ه تع��الى ب��ذكر ص��احبتك~ه��ا ~ذ~ انتبذت م~ن أهل ~تاب~ مريم إ ﴿مريم عندما قال: واذكر ف~ي الك

�ا ]مريم: [، فأنت ومريم في مرتبة واحدة، وفي16﴾مكانا شرق~ي محل واحد، ولذلك كان ذك��رك مطلوب��ا مث��ل ذكره��ا.. ذل��ك أن��ه

بذكركما تذكر المعاني الطاهرة. يذكرك أمام النساء، ال باعتب��ارك زوج��ة ل��ه،ولذلك كان

وإنما باعتبارك رمزا عمليا لكل القيم النبيلة ال��تي تمثلت في��ك.. ،وكيف ال تتمثلينها، وأنت التي أخرت زواجك ح��تى تلتقي ب��ه

وبقيت أشواق قلبك معلقة إلى أن وصلت إليه، ثم ض��حيت بع��د ذلك بكل ما تملكين، وآث��رت الحص��ار والج��وع واآلالم على تل��ك

العزة التي كان يمكن ألموالك أن توفرها لك. ولكن مع ذلك كله نظر الباغون إليك نظرة أخرى، غير تلك

عنك.. حيث تصوروا أن األم��رالتي كنت عليها، والتي رسمها مرتبط باألهواء ال بالدين.. فلذلك راح��وا يس��تعملون ك��ل الحي��ل التي تجعلهم يصورون أن الله تعالى أبدلك بمن هو خ��ير من��ك..

كان ي��ردد ك��ل حين: )ال والل��ه م��ا أب��دلنيمع أن رسول الله الل��ه خ��يرا منه��ا(، وهي كلم��ة عظيم��ة من ال��ذي ال ينط��ق عن

يقس��م عنالهوى، ومشفوعة بقسم.. وما ك��ان رس��ول الل��ه هوى، أو يتحدث عن هوى.

والعاقلون ي��دركون ذل��ك، وال يحت��اجون لقس��م من رس��ول .. فالفطرة السليمة تدل على ذلك، فكيف يوض��ع مع��كالله

غيرك، وأنت التي قدمت من الخدمات لإلسالم في تل��ك الف��ترة الحرج��ة م��ا تن��وء ب��ه الجب��ال.. ويكفي من ذل��ك أن��ك كنت أول النساء إسالما، وبذلت كل مالك في سبيل الل��ه إلى أن مت في

الشعب فقيرة محاصرة ال تجدين شيئا تأكلينه.

62

برك��ات مال��ك على ال��دعوةوق��د ذك��ر رس��ول الل��ه : )م��ا نفع��ني م��الاإلسالمية في مهدها، ففي الحديث، ق��ال

، وقد كنت تساهمين به في عت��ق(1)قط، ما نفعني مال خديجة( الرقيق، وأداء الديون عن الغارمين، ومساعدة الفقراء، ومد ي��د العون إلى المحتاجين، وكنت أنت وأبو طالب مصدر اإلنفاق في

ذلك الحصار الجائر. ومما روي في ذل��ك أن أب��ا جه��ل بن هش��ام ك��ان ق��د لقي حكيم بن ح��زام بن خويل��د بن أس��د، ومع��ه غالم يحم��ل قمح��ا، فتعلق به وقال: أ تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله ال ت��برح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة؛ فجاءه أبو البختري ابن هاشم بن الحارث بن أسد، فقال: مالك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاش�م، فق�ال ل�ه أب�و البخ��تري: )طع�ام ك�ان لعمت�ه �� أي خديجة � عنده بعثت إليه فيه، أفتمنع��ه أن يأتيه��ا بطعامه��ا! خ��ل

(2)سبيل الرجل(

وكي��ف يوض��ع غ��يرك مع��ك، وق��د روي باألس��انيد الكث��يرة المتواترة ما يدل على الصبر الذي أبديته في حياتك م��ع رس��ول

في مكة المكرمة، وفي أوق��ات الش��دة العظيم��ة، وأنتالله التي كنت غنية عن ذلك.. في نفس الوقت ال��ذي ي��ذكر الق��رآن

في المدينة اش��تكينالكريم والسنة الصحيحة أن نساء النبي إلى الدرج��ة ال��تيحياة الشظف التي يعشنها مع رسول الله

ن��زل الق��رآن الك��ريم يخ��يرن فيه��ا بين ص��حبة رس��ول الل��ه والصبر على حياته، أو أن يملكن أم��رهن ب��االفتراق عن رس��ول

..63، ص 19)( بحاراالنوار، ج1

(.5/ 2)( سيرة ابن هشام )2

63

~نالله زواج~ك إ ~ي قل أل~ ب ها الن ﴿، كما قال تعالى يذكر ذلك: ياأيحكن ر عكن وأس�� ��اة ال��دنيا وز~ينته��ا فتع��الين أمت ��ر~دن الحي كنتن ت

~ن كنتن تر~دن الله ورسوله وال��دار اآلخ~��رة28سراحا جم~يال ) ( وإ~يم��ا ]األح��زاب: نات~ م~نكن أج��را عظ ~لمحس��~ ~ن الله أعد ل ،28﴾فإ

29] وقد أورد المحدثون في س��بب نزوله��ا أن عائش��ة أخ��برت:

جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، فبدأ بيأن رسول الله ، فق��ال: )إني ذاك��ر ل��ك أم��را، فال علي��ك أن الرس��ول الل��ه

تستعجلي حتى تس��تأمري أبوي��ك(، وق��د علم أن أب��وي لم يكون��ا~ي ب ه��ا الن ﴿يأمراني بفراقه. قالت: ثم ق��ال: )وإن الل��ه ق��ال: ياأيزواج~ك إلى تمام اآليتين، فقلت له: ففي أي ه��ذا أس��تأمر ﴾قل أل~

(1)أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار اآلخرة(

نعم هذا موق��ف طيب من عائش��ة، والب��اغون يفخ��رون ب��ه كثيرا، وينسون أن يذكروا معه في غمرة فخرهم واستعالئهم أن كل ذل��ك لم يخط��ر على بال��ك أص��ال.. وه��ل يمكن لمن ه��و في

بمث��ل ه��ذامرتبتك من الزهد والتقوى أن يطالب رسول الله أو غيره؟

ك��ل ش��يء.. فلم يكن يهم��كلقد كنت ترين رسول الله سواه.. فلذلك ضحيت بمالك كله في سبيل الل��ه.. ولم تش��تكي

أي شكوى.. بل بذلت ذلك برضا وطمأنينة وسعادة. لكن البغاة يأبون إال أن يتالعبون بكل ما ورد في حقك من فض��ل، باعتب��ارك المث��ال األعلى للم��رأة المس��لمة، ليس��تبدلوا غيرك بصنوف الحيل التي تعلموها في تمييع النصوص المقدسة

(4785)( رواه البخاري برقم )1

64

والتالعب بها. ومن األمثل��ة على ذل��ك إي��راد الخالف في التفاض��ل بين��ك وبين عائش��ة، فق��د ق��ال بعض��هم: )وفاطم��ة أفض��ل بنات��ه على اإلطالق، وقيل إنها أفضل نساء العالمين، وقيل بل أمها خديجة،

(1)وقيل بل عائشة، وقيل بل بالوقف في ذلك(

ذكرك وابنتكولست أدري كيف يطرح هذا ورسول الله فاطم��ة، ولم ي��ذكر مع��ك عائش��ة، ولكنهم أب��وا إال أن ي��دخلوها، وأب��وا إال أن يزي��دوا فيفض��لوها.. من غ��ير دلي��ل إال األه��واء، ولم يعلموا أن األمر مرتبط بالدين، ال باألشخاص، وأن الله هو ال��ذيك ﴿يختار، ال رسوله، وال غيره من البشر، وق��د ق��ال تع��الى: ورببحان الل��ه وتع��الى ��رة س�� ي يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخ~

[، فقد اعتبر الله في اآلية الكريمة68﴾عما يشر~كون ]القصص: االختيار م��ع اختي��ار الل��ه ش��رك، ألن المش��رك ه��و ال�ذي يجع��ل

نفسه أو غيره ندا لله. وهكذا قال آخر، الشك أنك تعرفينه، إنه من يطلقون علي��ه كذبا وزورا ]شيخ اإلسالم[، ذلك ال��ذي امتأل نص��با وع��داوة لك��ل من يمت ألهل النبوة بصلة، فقد قال تلميذه النجيب يذكر ذل��ك: )ومنها أنها خير نس��اء األم��ة واختل��ف في تفض��يلها على عائش��ة على ثالثة أقوال، ثالثها الوقف، وسألت شيخنا ابن تيمية فق��ال: اختص كل واح��دة منه��ا بخاص��ة، فخديج��ة ك��ان تأثيره��ا في أول

وتثبته وتسكنه وتبذل دونهاإلسالم، وكانت تسلي رسول الله ماله��ا ف��أدركت ع��زة اإلس��الم، واحتملت األذى في الل��ه وفي رسوله، وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاج��ة فله��ا

.104 ص: 1)( زاد المعاد ج: 1

65

من النصرة والب��ذل م�ا ليس لغيره�ا، وعائش�ة تأثيره�ا في آخ�ر اإلسالم فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى األمة وانتفاع نبيها

(1)بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها هذا معنى كالمه(

ولو قرأ هذا الذي يس��مونه ش��يخ اإلس��الم الق��رآن الك��ريم،��ل~ الفتح~ تو~ي م~نكم من أنف��ق م~ن قب ﴿وسلم لقوله تعالى: ال يس��ذ~ين أنفق��وا م~ن بع��د وق��اتلوا ~ك أعظم درج��ة م~ن ال ��ل أولئ ﴾وقات

[، لعرف أن الفضل ال يرتبط بالرواية، وإنما يرتب��ط10]الحديد: بالمواقف، وفي األوقات الحرجة.

ولو كان األم��ر مرتبط�ا بالرواي�ة، لك�ان أب��و هري�رة أفض��ل الصحابة، فهم يروون عنه ما ال يروون عن غ��يره، م��ع العلم أن��ه

أسلم بعد الفتح.. وهم ال يقولون بذلك. ولو كان األمر مرتبطا بالرواية، فإن جميع أمهات المؤمنين

، وأدين م��ا رأين�ه واجب��ابلغن اإلسالم بع�د وف�اة رس�ول الل�ه عليهن، فلم تخص بذلك زوجة دون زوجة.

ولم يكتفوا بذلك ح�تى يص�رفوا النظ�ر عن�ك، وإنم�ا راح�وا ي��درجون في النص��وص المقدس��ة م��ا ليس منه��ا، ثم يجعل��ون المدرج أصال، ليلغ��وا ب��ه متن الح��ديث.. فق��د زادوا في الح��ديث

النس��وة األرب��ع ال��تي تمثلن بجمي��عالذي ذكر فيه رسول الله القيم النبيلة حتى ص��رن نم��اذج ص��الحة لالقت��داء ه��ذه الزي��ادة:

(2))وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام(

.234 ص: 1)( جالء األفهام ج: 1

(2431( ، ومسلم )3411)( رواه البخاري )2

66

أك�رم منوقد رووا ذلك، وهم يعلم�ون أن رس��ول الل��ه أن يشبه البشر بالطعام، ويشبه زوجته بالثري��د.. وه��ذا ال يك��ون إال من أولئك الذين يحتقرون المرأة، ويتصورون أنها مجرد متعة من المت��ع مث��ل الطع��ام ال��ذي يس��تمتعون ب��ه، وليس��ت إنس��انا

محترما له رسالته في الحياة الدنيا مثله مثل الرجل تماما. ورووه، وهم يعلمون أن الثريد لم يكن في ي��وم من األي��ام س��يد الطع��ام، ب��ل ق��د ورد في النص��وص م��ا ي��بين فض��ل اللبن والتمر والعسل، وغيرها، وال��تي ال يس�اوي الثري��د أمامه��ا ش��يئا، حتى أن بعض المحدثين راح يبرر الحديث بطريقته الخاص��ة في التبرير الذي يتنافى مع جالل النبوة، فقال: )والظ��اهر أن فض��ل الثريد على سائر الطعام إنما ك��ان في زمنهم ألنهم قلم��ا ك��انوا يجدون الطبيخ، وال سيما إذا كان باللحم، وأم��ا في ه��ذا الزم��ان فأطعمة معمولة من أشياء كثيرة متنوعة فيها من أنواع اللح��وم ومعها أنواع من الخبز الح��واري، فال يق��ال: إن مج��رد اللحم م��ع الخ��بز المكس��ور أفض��ل من ه��ذه األطعم��ة المختلف��ة األجن��اس

، ولو أنه رفض الحديث لتنافي��ه(1)واألنواع، وهذا ظاهر ال يخفى(مع بالغة النبوة، لكان أسهل عليه وأجمل من ذلك التعليل.

وهكذا راح آخ��ر يحت��ال ل��ذلك بقول��ه: )فض��ل عائش��ة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.. ض��رب ب��ه مثال لي��ؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق والخل��ق وحالوة النط��ق وفص��احة اللهجة وجودة القريح��ة ورزان��ة ال��رأي ورص��انة العق��ل والتحبب إلى البع���ل، فهي تص���لح للتبع���ل والتح���دث واالس���تئناس به���ا

م��ا لم تعق��لواإلصغاء إليه��ا وحس��بك أنه��ا عقلت عن الن��بي

.251 ص 16)( عمدة القاري ج 1

67

(1)غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال(

وك��ل ذل��ك تكل��ف ممق��وت تأب��اه لغ��ة الع��رب، ف��الكريم ال يوصف بكونه ثريدا، وال أي طعام من األطعمة، ب��ل يوص��ف بم��ا

يتناسب مع إنسانيته وكرامتها. ولذلك أنك��ر ابن حج��ر ك��ل ه��ذه التعليالت ال��تي لم تكت��ف بتفض��يل عائش��ة على النس��اء، وإنم��ا راحت تفض��ل الثري��د على س��ائر الطع��ام، فق��ال: )وك��ل ه��ذه الخص��ال ال تس��تلزم ثب��وت األفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضوال بالنس��بة لغ��يره من

(2)جهات أخرى(

لكن من يسمونه شيخ اإلس��الم.. راح يس��تعمل ذل��ك النص ليلغي كل تلك األحاديث التي وردت في فض��لك.. وليك��ون ذل��ك مقدمة لتنساك األمة.. ولهذا صرنا إذا سألنا أي عامي عن زوجة

يذكر عائشة، وال يذكرك.. وكأن كل تلك المناقبرسول الله .التي وردت في حقك لم تصدر من رسول الله

لقد ق��ال ابن تيمي��ة عن��د بيان��ه لتفض��يل عائش��ة في كتاب��ه )منهاج السنة النبوية(، ال��ذي حش��اه بك��ل أل��وان التعص��ب على أهل بيت النبوة: )والجواب أوال أن يق��ال إن أه��ل الس��نة ليس��وا مجمعين على أن عائشة أفضل نس��ائه، ب��ل ق��د ذهب إلى ذل��ك كث��ير من أه��ل الس��نة، واحتج��وا بم��ا في الص��حيحين عن أبي

قال: )فضل عائش��ة على النس��اءموسى وعن أنس أن النبي كفضل الثريد على سائر الطعام(، والثري��د ه��و أفض��ل األطعم��ة

.260 ص10)( تحفة األحوذي ج1

.321 ص 6)( فتح الباري ج 2

68

ألنه خبز ولحم.. وذل�ك أن ال�بر أفض��ل األق�وات، واللحم أفض��ل اإلدام.. ف��إذا ك��ان اللحم س���يد اإلدام، وال��بر س���يد األق��وات، ومجموعهما الثريد، كان الثريد أفضل الطعام. وقد صح من غير وجه عن الصادق المصدوق أنه قال: )فضل عائشة على النس��اء

(1)كفضل الثريد على سائر الطعام(

وق��د تبع��ه على ه��ذا االس��تدالالت العجيب��ة تالمي��ذه من المعاصرين لنا، والذين أنسوا األجيال ذكرك، وكلما ذك��رت ذك��ر معك الثريد، وبما أنك لست ثريدا فأنت لست سيدة النساء، وال

النموذج المثالي للمرأة المسلمة. وك�ل ذل�ك إع�راض عن النص�وص الواض�حة الكث�يرة ال�تي تح��دد مكانت��ك ومنزلت��ك وفض��لك على نس��اء الع��المين.. وهي نص���وص ص���ريحة ال تحت���اج أي تأوي���ل أو تكل���ف في الش���رح والتوض��يح، وتتناس��ب ف��وق ذل��ك م��ع بالغ��ة النب��وة، وكرام��ة

ليثبت فضل ش��يء أن ي��دخلاإلنسان.. فلم يكن رسول الله أي واسطة لذلك الفضل.

لعائش��ة عن��دماباإلضافة إلى ذلك، فقد ذكر رسول الله ذكرت له أن الله أبدله خيرا من خديجة: )ال والله ما أبدلني الله خيرا منها؟(، وهو دلي��ل واض��ح قطعي في فض��ل خديج��ة.. لكن مع ذلك ما أسهل أن تؤول النصوص ويتالعب بها، وق��د س��معت بعضهم يقول في هذا الحديث بعد محاولة التش��كيك في س��نده: )ح��تى ل��و ص��حت فهي ليس��ت نص��ا، ألن من الممكن أن يك��ون

المعنى: أن الله ما أبدلني خيرا منها، لكن أبدلني مثلها( وهكذا األمر في االحتيال على األحاديث الص��حيحة الكث��يرة

.301 ص: 4)( منهاج السنة النبوية ج: 1

69

التي تدل على فضل ابنتك فاطمة الزهراء على نساء الع��المين، ففي كتب أولئ��ك ال��ذين يح��اولون تغييب��ك وتغييبه��ا نج��د تفض��يال

لعائشة على فاطمة مع أن البخ�اري روى في ص�حيحه قول�ه في حق فاطمة الزه��راء: )أم��ا ترض��ين أن تك��وني س��يدة نس��اء

: )فاطمة سيدة، وروى قوله (1)أهل الجنة أو نساء المؤمنين( :، وروى في ب��اب من��اقب فاطم��ة قول��ه (2)نساء أهل الجنة(

، وروى عن رس��ول الل��ه(3))فاطم��ة س��يدة نس��اء أه��ل الجن��ة(قوله: )يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نس��اء المؤم��نين

(4)أو سيدة نساء هذه األمة(

لكن أولئ�ك ال�ذين يقدس��ون البخ�اري ويجلون�ه يش�ترطون عليه أال يعارض األصول التي يعتمدون عليها، فهم يقيمون الدنيا وال يقع���دوها لمن نق���د ح���ديثا في البخ���اري.. لكنهم يعط���ون ألنفسهم الحرية المطلقة في إنكار ما يشاءون إذا تعارض ذل��ك

مع األصول التي تعتمد عليها سنتهم. اعذريني أيتها األم الطاهرة، والزوجة الوفية أن ذكرت ل��ك كيف يتعاملون معك.. فهم لم يقصدوا فقط إنزالك من مرتبت��ك التي أنزل��ك فيه��ا رب��ك، وإنم��ا يقص��دون إلغ��اءك تمام��ا، له��ذا ال

ك��ان ي��ذكركن��راهم ي��ذكرونك إال قليال، م��ع أن رس��ول الل��ه (4/183)( البخاري )1

(4/209)( البخاري )2

(4/219)( البخاري )3

(7/142)( البخاري )4

70

كثيرا. ولذلك كانت السنة أن نذكرك ونشيد بك، لتكوني النم��وذج المثالي أنت والنساء األربع.. هكذا ورد النص المقدس، وما كان لنا أن نخت��ار م��ع النص المق��دس، أو ن��ذكر آراءن��ا أو نحت��ال بم�ا

نشاء من حيل. بعد هذا اسمحي لي أن أردد على مسامعك في ختام ه��ذه الرسالة تلك الكلمات العذبة التي قيلت ل��ك، وقلته��ا في خاتم��ة

حياتك المملوءة بالتضحية والوفاء وكل قيم الجمال.. لق��د ورد في الح��ديث أن المالك العظيم روح الل��ه جبري��ل

، فقال: )يا رسول الله، هذه خديج��ة ق��د أتت معه��اأتى النبي إناء فيه إدام، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السالم من ربها، ومني،

(1) وبشرها ببيت في الجنة من قصب.. ال صخب فيه وال نصب(

عن��دما بل��غ ه��ذهوق��د روى المح��دثون أن رس��ول الل��ه التحيات الزكيات الطاهرات، قلت كلم��ات تن��بئ عم��ا في قلب��ك من معان نبيلة رقيقة: )هو السالم، ومنه الس��الم، وعلى جبري��ل

السالم، وعليك يا رسول الله السالم ورحمة الله وبركاته( لله ما أجمل هذه الكلمات وأعظمها.. إنه��ا تختص��ر حيات��ك اختصارا .. ف��أنت وفي ظ��ل تل��ك الظ��روف الش��ديدة القاس��ية، وبعد ثالث سنوات من الجوع والحصار.. لم تتأثر عالقتك برب��ك، وال اهتزت، وال بلغ قلبك الحناجر، مع أن الكل ك��ان ي��تربص ب��ك وبزوجك العظيم.. ولكنك مع كل تلك الزالزل التي عش��ت فيه��ا واقعة األحزاب كل يوم، كنت تشعرين بالسالم.. السالم الذي ال

(.2433 ، ومسلم رقم )104 / 7)( رواه البخاري 1

71

يشعر به إال القديسون.. وأنت سيدة القديسين. على فراقك حزن��ا ش��ديدا، ب��لولذلك حزن رسول الله

سمى العام الذي فارقت��ه في��ه ع��ام الح��زن، وبقي ذل��ك الح��زن يتابعه إلى أن لحق بك.. وقد كان من محبته ل��ك في الل��ه.. أن��ه كان يكرم كل من له صلة بك، وقد ورد في الحديث عن عائشة

، إال على خديج��ة، وإني لمقالت: ما غ��رت على نس�اء الن�بي ، إذا ذبح الشاة يقول: )أرس��لوا به��اأدركها.. وكان رسول الله

إلى صدائق خديجة(، قالت: فأغضبته يوما، فقلت: خديجة، فقال (1): )إني رزقت حبها(رسول الله

وقالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول ، فعرف استئذان خديج��ة وت��ذكره، فارت��اع ل��ذلك، فق��ال:الله

)اللهم هالة بنت خويلد(، فغرت، فقلت: وما تذكر من عجوز من هلكت في الدهر، فأبدلك الله(2)عجائز قريش حمراء الشدقين

حتى قالت له: ال أذكرها بع��د ه��ذا إالخيرا منها، فغضب النبي .(3)بخير

وفي حديث آخ��ر روت��ه عائش��ة، ق��الت: ج��اءت عج��وز إلى : من أنت؟ ق��الت:، وهو عندي، فقال لها رسول الله النبي

أنا جثامة المزنية فق��ال: ب��ل أنت حس��انة المزني��ة، كي��ف كنتم؟ كيف حالكم؟ كيف أنتم بع�دنا؟ ق�الت: بخ��ير ب�أبي أنت وأمي ي�ا

..6431)( رواه مسلم: 1

)( حمراء الشدقين: أي سقطت أسنانها وبقيت حمرة اللثاث.2

.6435، ومسلم: 3821)( رواه البخاري: 3

72

رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رس��ول الل��ه تقب��ل على ه��ذه العجوز هذا اإلقبال فقال:) إنه��ا ك��انت تأتين��ا زمن خديج��ة، وإن

(1)حسن العهد من اإليمان(

ل��ك أيته��ا الص��ديقة الوفي��ة..هل رأيت وفاء رسول الله يعبر بكل رقة عن حبه لك، وأنت ميتة.. وال ينس��ى �فرسول

وفاء لك � أن يحسن لكل من له عالق��ة ب��ك، ب��ل يغض��ب زوج��هألجلك.

هذه كلماتي لك سيدتي مضمخة بدموعي ال��تي ال أس��تطيع كفكفتها، وكيف أس��تطيع وأن��ا أراك ك��ل حين في تل��ك الش��عاب محاصرة جائع��ة ظمآن��ة.. لم تش��هدي ذل��ك الع��ز ال��ذي آل إلي��ه

المسلمون، وال تلك الذلة التي نزلت بمن ناوأك.. لحظ��ةلكن حسبي أن أعلم أنك لم تغادري رسول الله

واحدة.. فأنت كنت مع��ه في ك��ل المح��ال.. والل��ه تع��الى ال��ذي أكرم الشهداء بالحياة، وبمعرفة إخ��وانهم من المؤم��نين أكرم��ك أنت أيضا.. فأنت كنت رمزا للتض��حية والف��داء.. ول��ذلك لم تكن خاتمتك المباركة أقل من خاتمة الشهداء، ي��ا من ارت��وت األرض

بدم أحفادها من الشهداء.

، وق���ال6/517، ش���عب اإليم���ان:23/14، المعجم الكب���ير:1/134)( رواه أحم���د: 1 الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين على االحتجاج بروات��ه في أح��اديث كث��يرة

.1/62وليس له علة، الحاكم:73

إلى رمال الطفوفيا رمال الطفوف الطاهرة ..

جئت إليك من بالد بعيدة ألسألك عن أولئك الذين اختلطت دماؤهم الزكي��ة ب��ذراتك؛ فحولوه��ا إلى مغن��اطيس تنج��ذب إلي��ه

األفئدة، وتحن إليه القلوب.. فهال حدثتني عنهم.. هال حدثتني .. وأجريت من مآقي ال��دموع ال��تي تغس��ل عن قلبي تلك القسوة التي بثها قومي في قلبي حين جعلوني أتوهم أن الحديث عنك وعن تلك الدماء الطاهرة ال��تي س��قت أرض��ك

بدعة وهرطقة وزندقة ورفضا وفتنة.. حدثيني ألمتأل بغض��ا وحرب��ا ألولئ��ك المج��رمين المس��تبدين الذين راح قومي يضعون كل ألوان الطالء ل��يزينوهم، ويمس��حوا عنهم تلك الجرائم العظيمة.. وكان من جملة ذلك الطالء تحريم

الحديث عنك، وعن الطاهرين الذين سقوا أرضك. ح��دثيني، فأن��ا أص��بحت ال أب��الي أن يس��موني مهرطق��ا أو زنديقا أو مبتدعا.. فما أجمل أن أكون في أعينهم بتلك الصورة، ما دام المجرمون عندهم أولياء، والمستبدون عن��دهم ص��الحين، والمفس��دون مص��لحين.. وم��ا دامت ق��د انتكس��ت في أعينهم

األشياء، فصار الباطل عندهم حقا، والحق عندهم باطال. حدثيني، حتى أخرج من حزب يزيد ومعاوية والفئة الباغية،

ال��ذي خ��اطب أه��ل بيت��ه، علي��اوأنضم إلى حزب رسول الله وفاطم��ة والحس��ن والحس��ين، وق��ال: )أن��ا ح��رب لمن ح��اربتم،

74

، وقال: )أن��ا ح��رب لمن ح��اربكم، س��لم(1)وسلم لمن سالمتم((2) لمن سالمكم(

حدثيني.. فنحن اآلن في زمنك أيتها الرمال الط��اهرة، بع��د أن كشفت الحقائق، وظهر المستور، وبرز ما حاول كل الطغ��اة

ستره. حدثيني فأحفاد يزيد وعمر بن سعد وحرملة والش��مر كلهم قد عادوا من جديد، وصاروا علماء ومف��تين، ومح��دثين وفقه��اء، وأرسلوا بكل سراياهم وكتائبهم ليعثوا في األرض فس��ادا باس��م اإلسالم.. ولم يع��د اإلس��الم بس��ببهم ذل��ك ال��دين الجمي��ل ال��ذي ضحى اإلمام الحسين من أجله، وإنما صار دين��ا للقت��ل والس��لب

والنهب وكل أنواع الجرائم. حدثيني ليسمع قومي الدين الصحيح الذي لم تمس��ه أي��دي المج��رمين الظ��المين.. فال يمكن لهم أن يم��يزوا بين دين الل��ه

ودين البشر قبل أن يميزوا بين أولياء الله، وأعدائه. ح��دثيني .. فأن��ا ال أحب أن أخ��رج من ه��ذه ال��دنيا قب��ل أن أشم عطر أولئك الصادقين المخلصين الذين أخبر عنهم رس��ول

.. بل أخ��برت عنهم ك��ل المص��ادر المقدس��ة.. واعت��برتالله حبهم والية، وبغضهم فجورا.

حدثيني .. حتى أعيش بكل كياني ذلك المشهد الذي صوره

.3/149، الحاكم فى المستدرك: 319 ص 2)( رواه الترمذي ج 1

(: رواه أحمد والطبراني، وفيه تليد169/� 9)( قال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد )2بن سليمان، وفيه خالف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

75

أنس بن مالك، فقال: )استأذن ملك القطر~ رب��ه أن ي��زور الن��بي فأذن له، فكان في يوم أم سلمة، فقال الن��بي ،احفظ~ي( :

�دخل علين��ا أح�د(، فبين��ا هي على الب�اب إذ ج�اء علينا الب��اب ال ي الحس��ين بن علي، فظف��ر ف��اقتحم ففتح الب��اب ف��دخل فجع��ل

له، فق��ال ل��هيتوثب على ظهر النبي مه ويقب ، وجعل النبي يتلث الملك: أتحبه؟ قال: نعم، قال: أما إن أمت��ك س��تقتله، إن ش��ئت أريت��ك المك��ان ال��ذي يقت��ل في��ه. ق��ال: نعم. فقبض قبض��ة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بس��هلة أو ت��راب أحم��ر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. ق��ال ث��ابت: كن��ا نق�ول: إنه��ا

(1)كربالء(

ورسمته أم سلمة، فقالت: )كان الحسن والحسين يلعب��ان في بيتي، فنزل جبري��ل فق��ال: ي��ا محم��د، إنبين يدي النبي

أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك. فأوما بي��ده إلى الحس��ين، فبكى :، وض��مه إلى ص��دره، ثم ق��ال رس��ول الل��ه رس��ول الل��ه

وق��ال: )ويح)وديعة عندك هذه التربة(، فش��مها رس��ول الل��ه : )ي��ا أم س��لمة، إذاك��رب وبالء( ق��الت: وق��ال رس��ول الل��ه

تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل(، قال: فجعلته��ا أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتق��ول: )إن

(2)يوما تحولين دما ليوم عظيم(

(، وق��ال عن��ه الش��يخ ش��عيب األرن��اؤوط: ح��ديث6742)( ابن حب��ان في ص��حيحه )1(.363(، أبو يعلى )13539حسن، أحمد في مسنده )

)( المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم2 الق��اهرة، الطبع��ة:–الطبراني، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية

.3/108الثانية، 76

وغيرها من األحاديث الكثيرة التي كن��ا نقرؤه��ا في مص��ادر الحديث، ثم ال يسمح لنا بالتفكير في معانيها.. ويحذروننا أنن��ا إذا فكرنا في معانيها، فسنقع في الزندقة.. ل��ذلك كن��ا نفع��ل مثلم��ا

في كتبهم،كان يفعل اليهود، حين يرون وص��ف رس��ول الل��ه لكنهم يسارعون إلى طمس��ه وتأويل��ه خش��ية أن يتس��رب إليهم

اعتقاد نبوته. حدثيني عن اإلمام الحسين سيد شباب األهل الجنة وبضعة

ذل��ك ال��ذي نكثت ذمت��ه، وس��بطه وريحانت��ه .. رس��ول الل��ه وهتكت حرمته، وأريق بالظلم دمه..

حدثيني عن ذلك الشيب الخضيب، والخ��د ال��تريب، والب��دن السليب، والثغر المقروع بالقضيب، والودج المقط��وع، وال��رأس

.(1) المرفوع

حدثيني عن ذلك الذي قتلوا بقتله اإلسالم، وعطلوا الص��الة والص��يام، ونقض��وا الس��نن واألحك��ام، وه��دموا قواع��د اإليم��ان،

بقتل��هوهملجوا في البغي والعدوان.. حتى أصبح رسول الل��ه موتورا، وعاد كتاب الله مهجورا، وغودر الح��ق مقه��ورا.. وظه��ر

.(2)بعده التغيير والتبديل، واإللحاد والتعطيل، واألهواء واألضاليل

حدثيني عن الصبر والثبات حين تجلى في شخصه الك��ريم، فصار مثال��ه الص��ادق، وأس��وته الحس��نة.. فك��ان ي��ردد في ي��وم عاشوراء بعد أن صبت عليه كل أنواع المآسي، وكل ألوان البالء مخاطبا ربه عز وجل، قائال له: )صبرا على قضائك يا رب، الإل��ه

.221)( المزار الكبير، أبو عبدالله محمد بن جعفر بن المشهدي، ص 1

)( المرجع السابق.2

77

سواك، يا غياث المستغيثين، مالي رب سواك وال معبود غ��يرك، صبرا على حكمك يا غياث من ال غياث له، يا دائما ال نفاد له، ي��ا محيى الموتى، يا قائم��ا على ك�ل نفس بم�ا كس�بت احكم بي��نى

(1)(وبينهم وأنت خير الحاكمين

حدثيني عن تلك الليلة التي جمع فيها اإلمام الحسين أهل��ه )إني ال أعلم أصحابا أص��ح منكم وال أع��دلوأصحابه، فقال لهم:

وال أفضل أهل بيت، فجزاكم الله عني خيرا، فهذا الليل قد أقبل فقوموا واتخذوا جمال، وليأخذ كل رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من إخوتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وه��ؤالء الق��وم، فإنهم ال يطلب��ون غ��يري، ول��و أص��ابوني وق��دروا على قتلي لم��ا

(2)(طلبوكم

حينها قام أخوه العباس وغيره من أقاربه ليعبروا عن ذل��ك الصدق والثبات الذي نتج عن والئهم أله��ل بيت النب��وة، فق��الوا:

)لم نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك؟ ال أرانا الله ذلك أبدا( : )ي��ا ب��ني عقي��ل حس��بكم منإم��ام الحس��ين فق��ال لهم ال

القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم( فقالوا: )سبحان الله.. ما نق��ول للن��اس؟ نق��ول: إن��ا تركن��ا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير االعمام، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، وال ن��دري م��ا صنعوا، ال والله م��ا نفع��ل ذل��ك، ولكن نف��ديك بأنفس��نا وأموالن��ا

.418، ينابيع المودة: 357)( مقتل الحسين للمقرم: 1

، اعي��ان559:� 2، الكام�ل في الت�اريخ 315:� 3، ت�اريخ الط��بري 105:� 5)( الفتوح 2.197، وقعة الطف: 600: 1الشيعة

78

وأهلنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الل��ه العيش بع��دك((1)

حينها قام مسلم بن عوسجة، فقال: )أنحن نخلي عن��ك، بم نعت���ذر إلى الل���ه في أداء حق���ك ؟ ال والل���ه ح���تى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي س��الح أق��اتلهم ب��ه لق��ذفتهم بالحج��ارة، ال والل��ه ال

فيك، أمانخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله والله ل��و علمت أني أقت��ل ثم أحي��ا ثم أح��رق ثم أحي��ا ثم أذرى، يفعل بي ذلك سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف ال أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة ال��تي

(2)(ال انقضاء لها أبدا

وقام زه��ير بن القين، وق��ال: )والل��ه ل��وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت، حتى أقتل هكذا ألف مرة، وإن الله يدفع بذلك

(3)القتل عن نفسك وعن أنفس هؤالء الفتيان من أهل بيتك(

لقد سمعت كل هذه الكلمات الطاهرة يا رمال الطف��وف.. معه��ا على تل��ك التض��حياتوستشهدين بها عند الله.. وتشهدين

التي قدمها ذلك اإلمام العظيم وأهل بيت��ه الط��اهرين، وأص��حابهاألوفياء الصادقين.

:17، العوالم 559:� 2، الكامل في التاريخ 315:� 3، تاريخ الطبري 231)( االرشاد: 1..198، وقعة الطف: 244

)( المراجع السابقة.2

)( المراجع السابقة.3

79

لكنك لم تسمعي ما يردده قومي الذي تتلم��ذوا على عم��ر بن س��عد وابن زي��اد وش��مر بن ذي الجوش��ن.. وال��ذي راح��وا يتناس��ون ك��ل تل��ك األح��اديث النبوي��ة ال��تي تش��ير إلى الحرك��ة الحسينية وأهميتها ودورها في حفظ الدين.. ويذكرون ب��دلها م��ا ردده ابن تيمي���ة من أن تل���ك الحرك���ة لم تكن س���وى حرك���ة

عشوائية فوضوية ال قيمة لها.. خلدون ال��ذي راح ي��رمي اإلم��ام الحس��ينلم تسمعي البن

بعدم قبول النصيحة، وبالجهل بالواقع؛ فيردد بكل جرأة: )فت��بين بذلك غلط الحسين، إال أنه في أمر دنيوي ال يضره الغل��ط في��ه، وأما الحكم الشرعي فلم يغل��ط في��ه، ألن��ه من��وط بظن��ه، وك��ان ظنه القدرة على ذلك، وأما الصحابة الذين كانوا بالحجاز ومص��ر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين، فلم ينكروا عليه وال

(1)أثموه، ألنه مجتهد وهو أسوة للمجتهدين به(

ولم تسمعي له وهو يصور األمر مثل غيره بحسابات الربح والخسارة، ال بحساب التكاليف الشرعية، وما تحمل��ه من مع��ان قد ال يمكن فهمه��ا، مثلم��ا حص��ل م��ع إب��راهيم وابن��ه إس��ماعيل عليهما السالم؛ فيقول: )إن هزيمة الحسين ك��انت أم��را محتم�ا؛ ألن الحس���ين لم تكن ل���ه الش���وكة ال���تي تمكن���ه م~ن هزيم���ةين؛ ألن عصبية مضر في قريش، وعصبية قريش في عب��د االموي مناف، وعصبية عبد مناف في بني أمية، فعرف ذلك لهم قريش

(2)وسائر الناس ال ينكرونه(

)( ديوان المبتدأ والخ��بر في ت��اريخ الع��رب وال��بربر ومن عاص��رهم من ذوي الش��أن1 األكبر، عب��د ال��رحمن بن محم��د بن محم��د، ابن خل��دون أب��و زي��د، ولي ال��دين الحض��رمي

1988 ه��� - 1408اإلشبيلي، المحقق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثاني��ة، .1/270م،

80

ولم تسمعي لكل أولئك المتأثرين بابن تيمي��ة وابن خل��دون وغيرهما من أص��حاب اله��وى واألم��وي، وال��ذين راح��وا ي��رددون

ال��ذي يص��ورونه مقالتهم��ا، ويهون��ون من ش��أن اإلم��ام الحس��ين بصور ال تليق بأبسط الناس وأجهلهم؛ فكيف بس��يد ش��باب أه��ل

الجنة؟ لم تسمعي للشيخ محمد الخضري بك ال��ذي تج��رأ على أن يقول: )إن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي ج��ر لألمة وب��ال الفرق��ة واالختالف: وزع��زع عم��اد ألفته��ا إلى يومن��ا

(1)هذا(

ولم تسمعي للدكتور أحمد شبلي ال��ذي راح ي��ردد من غ��ير أن يعقل ما يقول: )نجيء إلى الحسين لنقر � م��ع األس��ف ��� أن تصرفاته كانت في بعض نواحي هذه المشكلة غير مقبولة فهو � أوال ��� لم يقب��ل نص��ح الناص��حين وخاص��ة عب��د الل��ه بن عب��اس، واستبد برأيه، وثانيا ��� نس��ي أو تجاه��ل خل��ق أه��ل الكوف��ة وم��ا فعلوه مع أبيه وأخيه وهو � ثالثا ��� يخ��رج بنس��ائه وأطفال��ه كأن��ه ذاهب إلى نزهة خاوية أو زيارة قريب ويعرف في الطريق غ��در أهل الكوفة ومع هذا يواصل السير إليهم وينقاد لرأي بني عقيل ويذهب بجماعة من األطفال والنساء وقلي��ل من الرج��ال ليأخ��ذ بثأر مسلم يا لله قد تكون والية يزي��د العه��د عمال خاطئ��ا، ولكن

(2)هل هذا هو الطريق لمحاربة الخطأ والعودة إلى الصواب؟(

.152 /1)( المرجع السابق، 2

)( محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية، محمد الخضري بك، المحقق: محمد العثم��اني،1.517 / 1، 1986 – 1406دار القلم،

81

ولم تسمعي لمحمد النجار، وهو يردد: )أما أحقية الحس��ين بالخالفة فهي فك��رة تنط��وي عليه��ا قل��وب الغالبي��ة من الن��اس، ولكن ما قيمة هذه القلوب اذا لم تؤيدها السيوف وهي مع ذلك ال تقتض��ي الخ��روج، ف��ان امام��ة المفض��ول م��ع وج��ود األفض��ل جائزة، وقد كان علي بن أبي طالب يعتقد أحقيت��ه بالخالف��ة ولم

(1)يخرج على أحد(

ولم تس��معي لك��ل تل��ك الخطب وال��دروس ال��تي تعج به��ا مس��اجد ق��ومي ومدارس��هم، وال��تي تنه��ل من أمث��ال أولئ��ك األساتذة والمشايخ، والتي تلوم اإلم��ام الحس��ين ، وتعتب علي��ه،

لكونه لم يسمع نصيحة ابن عمر. ويا لله .. منذ متى صار ابن عمر أستاذا لإلمام الحس��ين؟.. وهل يمكن البن عمر أو غيره أن ي��دعي ذل��ك؟.. وه��ل يمكن أن

أن��هيوازى أو يساوى أحد م��ع ذل��ك ال��ذي أخ��بر رس��ول الل��ه اإلمام القدوة الذي جعله الله رمزا للحق، وألهل الحق؟

ويا لله .. ألم يقرؤوا تلك األحاديث الكثيرة التي يخ��بر فيه��ا عن اإلمام الحسين، ومكانته في الدين؟رسول الله

، وهو يخبر عن الدور الكبير الذي أني��طألم يقرؤوا قوله باإلمام الحس��ين، وال��ذي ال يمكن فهم ال��دين فهم��ا ص��حيحا من دون التعرف عليه، فقد قال في الحديث الذي اتفق على روايته األمة جميعا: )حسين مني، وأنا من حس�ين، أحب الل��ه من أحب

/2)( موسوعة التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية،أحمد شلبي، مكتبة النهضة ، 2201.

)( الدولة األموية فى الشرق بين عوامل البناء ومعاول الفناء، محمد الطيب النج��ار،1 .102، ص 1977دار االعتصام للطباعة والنشر والتوزيع،

82

(1)حسينا، حسين سبط من األسباط(

أيوجد في اللغة حروف أبلغ من هذه الح��روف في الدالل��ة على مكانة اإلمام الحسين.. إنها تعبر بصراحة ال ص��راحة بع��دها

.. فه��وبأن اإلمام الحسين لم يكن سوى تجسيد لرسول الله .. ورسول الله منه.. ولذلك ف��إن المج��رمينمن رسول الله

لم يقتل��وا فق��ط اإلم��ام الحس��ين، وإنم��ا قتل��وا رس��ول الل��ه نفسه.

هل تجدون في جميع مصادركم ح��ديثا مث��ل ذل��ك الح��ديث ق��الفي حق ابن عمر أو غيره، وهل ت��رون أن رس��ول الل��ه

ذل��ك من ب��اب المجامل��ة، وكي��ف يقول��ه وه��و من ال ينط��ق عنالهوى، وال يجري عليه ما يجري علينا من العواطف األهواء؟

بذلك، بل كان يردد كل حين تل��كولم يكتف رسول الله المكانة العظيمة لإلمام الحس��ين عن��د الل��ه.. وأن��ه اإلم��ام.. وأن

على ابن عمر وغيره.. بل على جميع األمة أن تسير خلفه. )الحسن والحس��ين س��يدا ش��باب أه��للقد كان يقول لهم:

- األدب المفرد، محم��د بن إس��ماعيل بن15)( رواه جمع كبير من المحدثين، منهم: 1 ه(، حقق��ه محم��د ف��ؤاد عب��د256إبراهيم بن المغيرة البخاري، أب��و عب��د الل��ه )المت��وفى: -�� 1409الباقي، دار البشائر اإلسالمية - بيروت، الطبع��ة الثالث�ة، ، رقم133، )ص1989

(، وسنن الترمذي، محمد بن سورة الترم��ذي، ب��يروت: دار إحي��اء ال��تراث الع��ربي، )364 (، المس��تدرك على144، رقم 1/51( وق��ال : حس��ن، وابن ماج��ه )3775، رقم 5/658

(،4820، رقم 3/194 ه ، ب��يروت )1398الص��حيحين، الح��اكم النيس��ابوري، دار الفك��ر، ،4/172وقال: صحيح اإلسناد، مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، دار الفكر، ب��يروت، )

(، المصنف في األحاديث واآلثار، ابن أبي شيبة، تقديم كمال يوسف الحوت،17597رقم (، وانظ��ر: بح��ار32196، رقم 6/380 مجل��دات، دار الت��اريخ، الطبع��ة األولى، ب��يروت )7

الوفاء، بيروت، مؤسسة المجلسي، باقر /� 43ق:) 1403األنوار، محمد 261 �/ وص1 264 / 16)

83

.. ول��و أنهم ت��أملوا في ه��ذا الح��ديث، وتج��اوزوا ب��ه(1)الجن��ة( البشارة الغيبية المرتبط��ة ب��اآلخرة، لعرف��وا أن اإلم��ام الحس��ين وأخاه سيدان أي متبعان، يتبعهما شباب أهل الجنة.. وهو دع��وة

لمن يري��د الجن��ة أن يتخ��ذ ه��ذين اإلم��امينمن رس��ول الل��ه الجليلين إمامين له، يسير خلفهما مسلما لك��ل م��ا يفعلون��ه، فال

يصح للمأموم أن يقترح على اإلمام. وق��د ك��ان من واجب ابن عم��ر وغ��يره، أن يس��يروا خل��ف اإلم��ام الحس��ين، وأن يش��جعوا األم��ة جميع��ا على ذل��ك الس��ير لتحصل االنتفاضة العظمى التي تحمي األمة من أن تتح��ول إلى كسروية وقيصرية.. لكن األمة لم تفعل.. ألن ابن عم��ر وأمثال��ه بدل أن يتحركوا مع إم�ام زم�انهم ص��اروا ينص��حونه، ويوجهون�ه،

ويقترحون عليه. والعجب العجاب أن هؤالء ال��ذين قع��دوا عن نص��رته.. كم��ا قعدوا عن نصرة أبيه، حتى تمكن الطلقاء من أن يستلموا زمام األم��ة.. هم أنفس��هم ال��ذين راح��وا يب��ايعون أص��حاب المل��ك

العضوض، ويدعون إلى بيعتهم.. لقد ذكر المؤرخون أنه عندما ثار ابن الزبير، واستقرت ل��ه السيطرة على العراق ع��دا الكوف��ة والحج��از والمش��رق توق��ف ابن عمر عن بيعة ابن الزبير، وكان يحرض الناس على الوقوف إلى جانب بني أمي��ة، فق�د روى البخ��اري عن ن�افع ق�ال : ) لم�ا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جم��ع ابن عم��ر حش��مه وول��ده

( والترم��ذي )3/80( وفي )3/64( وفي )82،�� 3/62)( رواه أحم��د في المس��ند، )1 (، انظر: تحفة األشراف بمعرفة األطراف، جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عب��د3768

الرحمن المزي، المحقق: عب��د الص��مد ش��رف ال��دين، طبع��ة: المكتب اإلس��المي، وال��دار(4134م، )1983ه�، 1403، 2القيمة، الطبعة

84

يقول : )ينصب لكل غادر لواء ي��ومفقال : إني سمعت النبي القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورس��وله، وإني ال أعلم غدرا أعظم من أن يب��ايع رج�ل على بي��ع الل��ه ورس��وله ثم ينصب له القتال، وإني ال أعلم أحدا منكم خلعه وال بايع في ه��ذا

(1)األمر إال كانت الفيصل بيني وبينه(

لقد ورد هذا الحديث في صحيح البخاري، وأص��حاب المل��ك العض���وض يس���تدلون ب���ه على ص���حة بيع���ة أولئ���ك الفس���قة والمجرمين والمحرفين لل��دين، في نفس ال��وقت ال��ذي ي��روون فيه أحاديث عن مناقب أهل ال��بيت، وعن ظلم األم��ة لهم، وم��ع

ذلك يعتبرونها من الفضائل التي ال ينجر عنها أي عمل. وهك��ذا عن��دما ق��امت دول��ة ب��ني م��روان وال��تي ك��ان على رأسها عبد الملك بن مروان كان ابن عم��ر من المس��ارعين إلى بيعتهم، ومد يد الطاعة لهم، وقد روى البخاري بإسناده عن عبد الله بن دينار قال : ) لما بايع الناس عب��د المل��ك كتب إلي��ه عب��د الله بن عمر : إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤم��نين، إني أق��ر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤم��نين على س��نة

(2)الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك(

وقد بقي ملتزما بتلك البيعة والطاعة المطلقة لبني مروان حتى بعد تلك الجرائم العظيمة التي قاموا بها، من رمي الكعب��ة الشريفة بالمنجنيق وغيرها، ولذلك ك��ان مقرب��ا من عب��د المل��ك

(57/ 9)( صحيح البخاري )1

(77/ 9)( المرجع السابق )2

85

.(1)بن مروان، وأمر الحجاج بأن يصلي خلفه

اعذريني أيتها الرمال الط��اهرة.. فق��د جعل��ني التعجب من تلك العقول أغفل عنك وعن تلك الدماء الزكية التي روت ترابك الطاهر.. فنحن صرنا كلما ذك��رت وذك��رت مع��ك تل��ك المأس��اة

العظيمة نغفل عن كل تلك التضحيات بالجدل. وله��ذا كلم��ا حلت عاش��وراء راح ق��ومي يس��تعملون ك��ل الوس�ائل ليس�دوا اآلذان عن ذك�رك.. وذك�ر ك�ل م�ا ج�رى على حباتك الطاهرة، ويفعلون ما كان يفعله المشركون عندما ك��انوا��ون ~ب كم تغل ~ه��ذا الق��رآن~ والغ��وا ف~ي��ه~ لعل معوا ل ال تس�� ﴾يرددون : ﴿

[26]فصلت: م��ا عس��اي أق��ول ل��ك.. وأن��ا ال��ذي أعيش ك��ل حين تل��ك المش��اهد المأس��اوية ال��تي لم ي��ر الت��اريخ مثله��ا مرس��ومة على

مرائي حباتك الطاهرة. .. قم��ر ب��نيالفض��ل العب��اسوه��ل رأى الت��اريخ مث��ل أبي

هاشم.. ذلك األخ البطل المواسي ألخي��ه في أحل��ك الظ��روف.. ذل��ك ال��ذي ج��اءه ش��مر بن ذي الجوش��ن بكت��اب األم��ان عص��ر التاسع من المحرم، فقال له العباس: )تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! أتامرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة ، ون��دخل في طاع��ة اللعن��اء وأوالد اللعن��اء؟! أتؤمنن��ا

(2) ال أمان له؟!(وابن رسول الله

.8/334)( البداية والنهاية: 1

)( كت��اب الفت��وح، الك��وفي، أحم��د بن أعثم، تحقي��ق: علي ش��يري، ب��يروت ، لبن��ان،2 . الح��ائري، مع��الي94، ص5 ه���، ج1411الناشر: دار األضواء للطباعة والنشر والتوزي��ع،

86

وقبل ذلك، وعندما نفذ ما عندهم من الم��اء، ذهب ليس��قي لهم، فحمل عليه الجبناء، وحمل عليهم حتى ضعف بدن��ه، فكمن له بعضهم، فضربه على يمين��ه، فأخ��ذ الس��يف بش��ماله، وحم��ل

وهو يرتجز:

وأبشري برمحة اجلباراي نفس ال ختشي من الكفار قد قطعوا ببغيهممع النيب السيد املختار

فأصلهم يا رب حر النار. (1)فضربه اللعين بعمود من حديد فقتله

ح��دثيني عن��ه أيته��ا الرم��ال الط��اهرة.. فق��د ص��ار س��اقيا للعطاشى.. ونحن كلما عطشنا تذكرناه.. وطلبنا منه أن يس��قينا من بحر اإليثار والتضحية والبذل وجمي��ع القيم الرفيع�ة.. وه��و ال يزال يسقينا منها جميعا.. وال ن��زال نحن ك��ل ي��وم لش��رب ذل��ك

الماء الطاهر الذي اختلط بدمائه. .. ذل�كاألك�برحدثينا عنه.. وال تنس�ي أن تح��دثينا عن علي

الذي تحول إلى إسماعيل المذبوح، بعد أن أحيا اإلم�ام الحس�ين قيم التضيحة والتسليم لله.. ذلك الذي كان أش��به الن��اس بج��ده

خلقا وخلقا ومنطقا.. ذلك الذي ق��ال عن��ه اإلم��امالمصطفى الحسين عندما خ��رج للقت��ال ي��وم عاش��وراء: )اللهم اش��هد على

��اس برس��ولك محم��د ه��ؤالء، فق��د ب��رز إليهم أش��به الن خلق��ا

، ص1السبطين، محمد مهدي الحائري المازندراني، قم، منش��ورات الش�ريف الرض�ي، ج . أبي مخنف، وقعة الطف، لوط بن يحيى األزدي، )أبو مخنف( تحقي��ق محم��د ه��ادي433

.220-219ش، ص 1367اليوسفي، قم، انتشارات جامعة المدرسين،

..108، ص 4)( ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 1

87

~ليه( (1)وخلقا ومنطقا، وكنا إذا اشتقنا إلي رؤية~ نبيك نظرنا ا

: (2)بسيفه يردد مرتجزاذلك الذي خرج يوم عاشوراء

أنا علي بن الحسينبن علي

نحن ورب البيت أولىبالنبي تالله ال يحكم فينا

ابن الدعي أضرب بالسيف ضرب غالم هاشمي قرشيأحامي عن أبي

ذلك الذي رجع إلى أبيه بعد أن قاتل األعداء بكل ما تعلم��ه من أبيه وج��ده من بطول��ة، وق��ال: )ي��ا أبت العطش ق��د قتل��ني وثقل الحدي��د ق��د أجه��دني، فه��ل إلى ش��ربة م��اء من س��بيل؟(، فقال له اإلمام الحسين : )قاتل قليال فما أسرع م��ا تلقى ج��دك

(3) فيسقيك بكأسه األوفى شربة ال تظمأ بعدها(محمدا

ذلك الذي قال قبل استشهاده مخاطبا أب��اه: )ي��ا أبت��اه ه��ذاربة ال أظم��أجدي رسول الله قاني بكأس��ه األوفى ش��~ ق��د س��

بعدها أبدا وهو يقول العجل العجل فإن لك كأس��ا م��ذخورة(، ثم.(4)فاضت روحه الطاهرة

..68، مثير األحزان، ابن نما الحلي، ص 139)( اللهوف، ابن طاووس، ص 1

..106، ص 2.؛ اإلرشاد، ج 321)( مقتل الحسين، المقرم، ص 2

..35، ص 2)( مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 3

؛49.؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 115)( مقاتل الطالبين، أبو الفرج األصفهاني، ص 4..44، ص 45المجلسي، بحار األنوار، ج

88

حدثيني عن��ه.. فه��و ال ي��زال حي��ا بينن��ا.. وكلم��ا اش��تقنا إلى نظرنا إليه.. فهو رمز الشجاعة والبذل والتضحيةرسول الله

والصدق.. وكل الشهداء الذين ارتقوا وهم يواجهون الباط��ل، لم يكن لهم من معز وال مواس مثل ذلك األك��بر ال��ذي مأل القل��وب

بمحبته. حدثينا عن��ه.. وح��دثينا عن أولئ��ك الص��حب الطي��بين ال��ذين آث��روا اآلخ��رة على ال��دنيا.. وامتألوا محب��ة أله��ل بيت النب��وة.. فل��ذلك اختلطت دم��اؤهم ب��دمائهم.. ون��الوا ش��رف أن ي��ذكروا معهم، كما نال سلمان الفارسي شرف أن يص��بح من أه��ل بيت النبوة في الوقت الذي أبعد فيه أب��و لهب .. وك��ل أولئ��ك ال��ذين

بحظوظ الدنيا.. باعوا قرابتهم من رسول الله .. ذل���ك العاب���د المجاه���دح���بيب بن مظ���اهرح���دثينا عن

الص��ادق.. ال��ذي اخت��اره الل��ه ليك��ون من الس��بعين رجال ال��ذين نصروا اإلمام الحسين في كربالء، وصبروا على البالء حتى قتلوا معه، وكان عابدا ورعا تقيا ومراعيا لح��دود الل��ه تع��الى، حافظ��ا للقرآن الكريم، يختمه في كل ليل��ة من بع��د ص��الة العش��اء إلى

.(1)طلوع الفجر

ذلك الذي أرسل إليه اإلم��ام الحس��ين رس��الة يق��ول فيه��ا: )إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر: أما بعد، ي��ا ح��بيب! ف��أنت

، وأنت أع��رف بن��ا من غ��يرك،تعلم قرابتن��ا من رس��ول الل��ه وأنت ذو شيمة وغيرة، فال تبخ��ل علين��ا بنفس��ك، يجازي��ك ج��دي

(2) يوم القيامة(رسول الله

..۱۲۴)( الشيخ عباس القمي، نفس المهموم، ص1

89

وما أسرع ما أجاب الرس��الة، وم��ا أس��رع م��ا وفى بالعه�د، فلم ينكث، وعندما وصل إلى اإلمام الحسين ، ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه، قال له: إن هاهنا حيا من بني أسد فلو أذنت لي لس��رت إليهم ودع��وتهم إلى نص��رتك لع��ل الل��ه أن يه��ديهم وأن يدفع بهم عن��ك! ف��أذن ل��ه الحس��ين؛ فس��ار إليهم ح��تى واف��اهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال لهم: )يا ب��ني أس��د ق��د جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه، هذا الحسين بن علي أمير المؤم��نين

، وق��د ن��زل بين ظه��رانيكم فيوابن فاطمة بنت رسول الل��ه عصابة من المؤمنين، وقد أطافت ب�ه أع�داؤه ليقتل�وه، ف�أتيتكم

في��ه(، فخرج��وا مع��ه،لتمنعوه وتحفظوا حرم��ة رس��ول الل��ه فعارضهم عمر بن سعد ليال ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم، فلم��ا علموا أن ال طاقة لهم بهم تراجعوا في ظالم الليل وتحملوا عنوما ﴿منازلهم، وعاد حبيب إلى الحسين فأخبره بما كان، فقال :

~ال أن يشاء الله ]التكوير: [، وال ح��ول وال ق��وة إال29﴾تشاءون إ (3)بالله(

هذا هو الموقف الطبيعي الذي ك��ان على جمي��ع الص��حابة والت��ابعين.. وجمي��ع المعاص��رين ل��ه أن يقف��وه.. ال أن يقف��وا متفرجين يكتفون بالنصائح، وهم يعلمون أن اإلم��ام الحس��ين لم يتحرك أي حركة من عنده، بل حركته من الله وبالل��ه، وبتوجي��ه

.من رسول الله أال تزالين أيتها الرمال الطاهرين تذكرين ذلك الن��داء ال��ذي نادى به اإلمام الحسين في صبيحة العاشر من المحرم، بع��د أن

..۴۱۶، ۳۵۵، ۳۵۲، ص۵)( ابن جرير، الطبري، ج2

..۵۵۴، ص۴)( األمين، أعيان الشيعة، ج3

90

جع��ل زه��ير بن القين على الميمن��ة، وح��بيب بن مظ��اهر على الميسرة، ووقف في القلب وأعطى الراية ألخيه العب��اس: )أيه��ا الناس اسمعوا قولي وال تعجلوا ح�تى أعظكم بم�ا ه��و ح�ق لكم

لي وألخي: هذان س��يداعلي.. أو لم يبلغكم قول رسول الله شباب أهل الجنة؟!(، فرد عليه الشمر قائال: )هو يعبد الل��ه على حرف إن ك��ان ي��دري م��ا يق��ول(، فق��ال ل��ه ح��بيب بن مظ��اهر:��ك )والله إني أراك تعبد الل��ه على س��بعين حرف��ا، وأن��ا أش��هد أن

(1)صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك(

في ذلك اليوم قاتل حبيب بن مظاهر قتاال ش��ديدا، إلى أن من الله عليه بالش��هادة، واج��تز رأس��ه الش��ريف، حينه��ا خاطب��هك يا ح��بيب، لق��د كنت فاض��ال تختم اإلمام الحسين قائال: )لله در

(2)القرآن في ليلة واحدة(

، ذلك الشيخ ال��ذي لممسلم بن عوسجةوهكذا حدثينا عن يمنع��ه ك��بر س��نه، وال مكانت��ه من قوم��ه من نص��ر إمام��ه، وق��د شرفه الله تعالى بأن يكون أول شهيد من أنص��ار الحس��ين بع��د الحملة األولى، على ال��رغم من كون��ه ك��ان ش��يخا كب��ير الس��ن، وشخصية بارزة في قومه، بل شخصية بارزة في الكوفة، وك��ان

. (3)، ومن رواة حديثهفوق ذلك من صحابة رسول الله

ذلك الذي شهد التاريخ له أنه ك��ان ش��جاعا وجريئ��ا، وش��هد

..98، ص 2)( المفيد، اإلرشاد، ج 1

..442، ص 2)( محمد مهدي الحائري، شجرة طوبى، ج 2

.93)( أنصار الحسين:3

91

كل غزواته.. ذلك الذي شهد له اإلم��ام الحس��يناإلمام علي مع بالصدق والثبات على العهد، فقال مخاطب��ا ل��ه بع��د استش��هاده:��ه ى نحب فم~نهم من قض�� ﴿)رحم��ك الل��ه ي��ا مس��لم بن عوس��جة،

~ر وما بدلوا تبد~يال ]األحزاب: (1)([23﴾وم~نهم من ينتظ

وقد روي أنه بعد إصابته، وفي آخر لحظات حياته قدم إليه الحسين ومعه حبيب، فقال حبيب: عز علي مصرعك يا مس��لم،رك الل��ه بخ��ير. أبشر بالجنة! فقال له مس��لم ق��وال ض��عيفا: بش�� فقال حبيب: لوال أني أعلم أني في إثرك الحق ب��ك من س��اعتي هذه ألحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك حتى أحفظك في ك��ل ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة؛ فقال له: بلى، أوص��يك بهذا رحمك الله! وأومأ بيديه إلى الحسين أن تموت دونه! فقال

.(2) حبيب: أفعل ورب الكعبة

، ذلك الت��ائب الص��ادق في عن زهير بن القينوهكذا حدثينا توبته، والذي روى المؤرخون أنه عندما بعث اإلمام الحسين إليه رسوال يستدعيه، كره الذهاب إليه، فقالت ل��ه زوجت��ه دلهم بنت عم��رو: ي��ا س��بحان الل��ه أيبعث الي��ك الحس��ين بن فاطم��ة ثم ال تأتيه، ما ضرك لو أتيت��ه فس��معت كالم��ه ورجعت، ف��ذهب زه��ير على كره، فما لبث أن عاد مستبشرا ضاحكا وقد أشرق وجه��ه، فأمر بفسطاطه فقلع، وضم فسطاطه بركب اإلم��ام الحس��ين ، ثم ودع زوجته، وقي��ل أن��ه ق��ال له��ا: )أنت ط��الق، فتق��دمي م��ع أخي��ك ح��تى تص��لي إلى منزل��ك، ف��إني ق��د وطنت نفس��ي على

363-643 ص 76 ، تاريخ األمم والملوك، ج 86-76، ص 4)( الكامل في التاريخ، ج1.142؛ إعالم الوري، ص 237؛ اإلرشاد، ص

.64، ابن طاووس، اللهوف، ص 20:45)( بحار األنوار2

92

(1)الموت مع الحسين (

وق���ال لمن ك���ان مع���ه من أص���حابه: )من أحب منكم أن يتبعني، وإال فان�ه آخ�ر العه�د(، ثم ق�ال: )إني س��أحدتكم ح�ديثا: غزونا بلنجر، ففتح الله علينا، وأص��بنا غن��ائم، فق��ال لن��ا س��لمان الفارسي: )أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأص��بتم من الغن��ائم؟(، فقلنا: نعم، فقال لنا: )إذا أدركتم شباب آل محمد، فكونوا أش��د فرح��ا بقت��الكم مع��ه بم��ا أص��بتم من الغن��ائم(، فأم��ا أن��ا ف��إني

. (2)أستودعكم الله

وروي أنه قال بع��د س��ماعه خطاب��ا لإلم��ام الحس��ين : )ق��د سمعنا � هداك الله � يا ابن رسول الله مقالتك، والل��ه ل��و ك��انت ال��دنيا باقي��ة وكن��ا فيه��ا مخل��دين، إال أن فراقه��ا في نص��رك ومواساتك، آلثرنا النه��وض مع��ك على اإلقام��ة فيه��ا(؛ ف��دعا ل��ه

.(3)الحسين ، وقال له خيرا

: )ات��ق الل��ه ي��ا ع��زرة؛(4)وروي أن��ه ق��ال لع��زرة بن قيس.73 - 72، ص 2 والشيخ المفيد، اإلرشاد، ج 396، ص 4)( تاريخ الطبري، ج 1

، تنقيح298، ص 4. وت��اريخ الط��بري ج168-�� 167، ص3)( أنس��اب األش��راف ج2.453-452، ص1المقال ج

، والمله��وف،305، ص 4. وتاريخ الطبري، المجلد 171، ص3)( أنساب األشراف ج3.138ص

)( عزرة بن قيس بن غزية األحمسي البجلي الدهني الك��وفي، ورد باس��م ع��روة بن4 (، وهو أحد ق��ادة104 و95 و84 و38/�� 2قيس في كتاب اإلرشاد للشيخ المفيد )اإلرشاد في كربالء، ولد قب��ل الهج��رة النبوي��ةجيش عمر بن سعد، الذي قاتل اإلمام الحسين

الشريفة، وقد بعثه أبو بكر إلى أرض الع��راق، ثم اس��تعمله عم��ر بن الخط��اب والي��ا على93

فإني لك من الناصحين، أنشدك الله ي�ا ع�زرة أن ال تك�ون ممن يعين أهل الضاللة على قتل النفوس الزكية(، فقال له عزرة: ي��ا زهير، ما كنت عندنا من ش��يعة أه��ل ه��ذا ال��بيت إنم��ا كنت على غير رأيهم؟(، فق�ال زه�ير: )أفلس�ت تس��تدل بم�وقفي ه��ذا أني منهم، أما والله ما كتبت إليه كتابا قط، وال أرسلت إلي��ه رس��وال، وال وعدته نصرتي، ولكن الطريق جمع بي��ني وبين��ه، فلم��ا رأيت��ه

ومكان��ه من��ه، وع��رفت م��ا يق��دم علي��هذكرت به رسول الله عدوه، فرأيت أن أنصره، وأن أك��ون من حزب��ه، وأجع��ل نفس��ي

(1)دون نفسه لما ضيعتم من حق رسوله(

وهكذا استمر يناضل عن اإلمام الحسين إلى آخ��ر لحظ��ات حياته، وقد أجاب اإلمام الحسين عندما طلب من أصحابه الفرار بأنفسهم بقوله: )والله لوددت أني قتلت، ثم نش��رت، ثم قتلت، حتى أقتل هكذا ألف مرة، وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك

(2)وعن أنفس هؤالء الفتيان من أهل بيتك(

ص��احب ذل��كسعيد بن عبد الله الحنفي، وهكذا حدثينا عن

حلوان، وحاول فتح شهرزور فلم يقدر عليها، وكان أحد الذين ك��اتبوا اإلم��ام الحس��ين وطلبوا منه القدوم إلى الكوفة، وبعثه عمر بن سعد رسوال إلى اإلمام الحس��ين، وه��و في

فاستحيا أن يأتيه، ألنه ك��ان ممن كاتب��ه، وق��د جعل��ه ابن س��عد– من أرض كربالء –نينوى قائدا على خيل أهل الكوفة التي سارت لقتال اإلمام الحسين، وكان أحد االشخاص الذين

وأصحابه، وقدموا بها إلى عبيد الله بن زياد في الكوف��ة،حملوا رأس اإلمام الحسين ، والكامل في التاريخ325 و317/� 3، تاريخ الطبري 33/� 17انظر: مختصر تاريخ دمشق

3 /38..

-177، ص 5)( الفتوح ج 1 . مقت��ل الحس��ين184، ص 3 . أنساب األشراف ج 178 .316-315، صص 4 . تاريخ الطبري، المجلد 354 - 353، ص 1الخوارزمي ج

.153. الملهوف، ص 92 ص2. األرشاد ج318، ص 4)( تاريخ الطبري، المجلد 2

94

الشعار العظيم الذي ال يزال الحسينيون يرددونه، فقد قال ليل��ة عاشوراء جواب��ا لطلب اإلم��ام الحس��ين من أص��حابه االنص��راف��ا ق��د عنه، والفرار بأنفسهم: )ال والله ال نخليك حتى يعلم الله إن

وذريته فيك، والله ل��و قتلت ثم أبعثحفظنا غيبة رسول الله حيا، ثم أحرق، ويفعل بي ذلك س��بعين م��رة م��ا تركت��ك وح��دك، وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة وقتلة واحدة ثم بعدها الكرام��ة

(1)التي ال انقضاء لها أبدا(

حدثينا عنهم جميعا.. فال يمكن أن نسير في طريق الكم��ال والتض��حية، ونحن ال نش��نف آذانن��ا بس��ماع أح��اديثهم، أو نعط��ر

قلوبنا بشم روائحهم الزكية. وال تنسي يا رمال الطف�وف أن تح��دثينا عن ذل�ك ال�ذي لم ي��دع ألح��د من الن��اس وص��ف تض��حيته وش��هادته.. ب��ل تواله��ا بنفسه.. لتبقى عبرة لألجيال.. فهو يعلم من صباه الباكر المصير الذي سيصير إليه، والتضحية ال��تي ن��دب له��ا.. والوظيفي��ة ال��تي

وكلت إليه. ع��زم على مغ��ادرة الحج��از والتوج��ه الىلق��د ق��ال حين

العراق: )ك��أني بأوص��الي تقطعه��ا عس��الن الفالة بين الن��واويس وكربال، فيمألن مني أكراشا جوفا، وأجرب��ة س��غبا، ال محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رض��انا أه��ل ال��بيت نص��بر على بالئ��ه،

لحمت��ه، ب��لويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله هي مجموعة له في حضيرة القدس، تق��ربهم عين��ه، وينج��ز بهم وع��ده، أال ومن ك��ان فين��ا ب��اذال مهجت��ه، موطن��ا على لق��اء الل��ه

.241: 7)( أعيان الشيعة 1

95

(1)نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى(

وه��ذا ك��اف للعق��ول ال��تي تس��لم لربه��ا، لتعلم أن اإلم��ام الحس��ين لم يتح��رك أي حرك��ة ب��إمالء من اجته��اد أو رأي .. ب��ل حركاته كلها مضبوطة بموازين النب��وة ووص��اياها، كم��ا ع��بر عن

لحمته( ذلك بقوله: )لن تشذ عن رسول الله ولذلك كانت حركته ليست مرتبطة بعص��ره فق��ط، ب��ل هي مرتبطة بجميع العصور.. واإلمام الحس��ين بتل��ك التض��حيات أراد أن يعيد لألمة وعيها، لتنهض من جديد، وباس��تعمال ك��ل الط��رق إلحياء الدين الصحيح، ومقاومة ال��دين المح��رف.. ول��ذلك ك��انت صرخته: )هل من ناص��ر ينص��رنا، ه��ل من معين يعينن��ا، ه��ل من

ممتدة في األجيال يسمعها كل)(2)ذاب عن حرم رسول الله المخلصين الصادقين الذين نذروا أنفس��هم ليكون��وا من أص��حاب

الحسين، حتى لو حالت بينه وبينهم األزمان. حدثينا يا رم��ال الطف��وف بأمث��ال ه��ذه األح��اديث لنس��تعيد وعين��ا، وننهض من رق��دتنا.. فال يمكن لن��ا أن ننتص��ر على يزي��د األحقاد، وشمر الكراهية، وحرملة الضغائن، م��ا لم نحتض��ن ك��ل

أولئك الطاهرين الذين تشرفت أيتها الرمال باحتضانهم.

/�� 1)( الحدائق الوردية، حسام الدين المحلى، صنعاء، جامع النهرين: 1 ، مفت��اح117 .241 / 2( كشف الغمة 148االفكار )ص

، نفس609 ص:1، اعيان الشيعة للس��يد األمين ج:50)( اللهوف إلبن طاووس ص:2.349المهموم للقمي ص:

96

إلى األقارب المبعدين��ف المالئك��ة، ي��ا آل بيت النب��وة، ومح��ط الرس��الة، ومختل ومعادن العلم، وينابيع الحكم.. اسمحوا لي � أنا الم�تيم بحبكم �

أن أبث لكم بعض حزني وشكاواي. أنا لم يهمني في ي��وم من األي��ام أن تتول��وا أي منص��ب.. ال خالفة.. وال إمارة.. وال وزارة.. وال قضاء.. وال قيادة جيش.. ك��ل ذلك لم أفكر فيه.. ولم أحزن على إبعادكم عنه، فأن��ا أعلم أنكم أعلى من المناصب، وأرفع منه��ا.. والش��رف لمن ت��وليتم علي��ه،

وليسوليس لكم.. ف��أنتم ش��رفكم بالل��ه، وبرس��ول الل��ه بالحكم بين الغوغاء والعوام.

ولكن ال��ذي أهم��ني وأقلق��ني وأحزن��ني ه��و ذل��ك اإلقص��اء المتعمد الذي حصل لكم طيلة تلك الف�ترة الحرج�ة ال�تي ك�انت يفسر فيها الق��رآن، وي��دون فيه��ا الح��ديث، وتعلم فيه��ا األحك��ام

الشرعية.. في تل��ك الف��ترة الحرج��ة هب الن��اس إلى اليه��ود، وأبن��اء اليهود، والطلقاء، وأبناء الطلقاء.. وترك��وكم، وهم يعلم��ون أنكم معدن الرسالة، وأن العلوم الصحيحة السليمة ال��تي لم تمس��هم أيادي التحريف والتغي�ير والتب�ديل خ�رجت من بيتكم، وأن ال�ذي معكم هو المحجة البيضاء التي لم تكدر ولم تش��وه، ولم يص��بها

أي أذى. هذا الذي أهمني وأحزنني.. وهذا الذي ال تزال آثاره نعيشها إلى اليوم.. بل إن آثاره ال يمكن أن تنسى في ي��وم من األي��ام.. فلو أن الجيل األول بسياسييه وعوامه التفت لكم، وحص��ر نق��ل

97

الدين عنكم، لما وقع االختالف واالض��طراب.. ولم��ا احتجن��ا إلى ك��ل تل��ك الم��دونات ال��تي كتبت في عل��وم الح��ديث والتفس��ير

وغيرها، والتي شحنت بالغث والسمين.. والحق والباطل. الذي يحزنني � يا ساداتي من آل بيت النبوة ��� ليس ع��زل اإلم��ام علي عن تل��ك المناص��ب، وال ح��رب ص��فين، وال ح��رب الجمل، وال حرب النهراوين.. وال كل تلك الجحاف��ل ال��تي ك��انت ساكنة طيلة الدهر، فلما جاء دور اإلمام الذي أوصى رسول الله

.به، ودعا إليه، قاموا كلهم على بكرة أبيهم يحاربونه أنا لم يحزني كل ذلك بقدر ما أحزنني ذلك الن��داء العمي��ق الذي كان ينادي به اإلمام علي في كل مجلس صائحا في األمة:��ذي نفس��ي! بي��ده ال تس��ألوني )سلوني قبل أن تفقدوني، ف��و الاعة، وال عن فئ��ة ته��دي مائ��ة عن ش��يء فيم��ا بينكم وبين الس�� وتضل مائة إال أنبأتكم بناعقها وقائدها وس��ائقها، ومن��اخ ركابه��ا،ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتال، ومن يموت منهم موتا(

(1)

وكان يقول لهم: )سلوني عن كتاب الله، فو الله! ما نزلت آية من كتاب الل��ه في لي��ل ونه��ار وال مس��ير، وال مق��ام إال وق��د

(2) وعلمني تأويلها... (أقرأنيها رسول الله

([3394، وقد روى الحاكم في المستدرك ]رقم الحديث: )139:� 1)( شرح األخبار 1 عن عامر بن واثلة، قال: سمعت عليا ق��ام، فق��ال: س��لوني قبألن تفق��دوني، ولن تس��ألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكواء فق�ال: من ال��ذين بدلوانعم��ة الل��ه كف�را وأحل��وا ق�ومهم دار البوار؟، قال: منافقو قريش، قال: فمنالذين ضل سعيهم في الحياة ال��دنيا وهم يحس��بون

أنهم يحسنون صنعا؟، قال: منهم أهل حروراء(، قال الحاكم: هذا حديث صحيح عال.

..338 / 2)( الطبقات الكبرى 2

98

)ه��اه إن ههن��ا لعلم��اوكان يقول، وهو ممتلئ حزنا وأسفا: (1)جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة(

��رك ذل��ك لكن تلك النداءات لم تج��د آذان��ا ص��اغية.. حيث ت .. وذهب الن��اسالذي تتملذ في جميع حياته على رسول الل��ه

إلى غيره.. واختلط األمر عليهم.. وأصبح ال��دين بع��دها بالش��كل ال��ذي ن��راه من االختالف والص��راع، وق��د ك��ان في إمك��انهم أن يجلسوا جميع��ا بين يدي��ه، ومعهم ال��دفاتر، ويس��جلوا ك��ل كلم��ة يقولها.. وتصبح حينها جميع أحاديثه مت��واترة، ولن يحت��اج الن��اس بعدها إلى كتب الرجال، وال الجرح والتعديل.. وحينها تصبح األمة جميعا حفاظا.. ولن يحتاج الناس إلى أي حافظ أو مح��دث.. ب��ل حتى كتب الفقه لن تكون بذلك الطول والعرض، ألنه��ا س��تحوي الحق المجرد الذي ج��اء من مع��دن الرس��الة، ومهب��ط ال��وحي..

لكنهم لم يفعلوا. : )أن�ا مدين�ة العلم، وعلى بابه�ا،ول�و أنهم ت�أملوا قول�ه ، ل��تركوا ك��ل األب��واب، وراح��وا(2)فمن أراد العلم فليأت الباب(

يطرقون باب اإلم��ام علي.. فه��و ب��اب الهداي��ة ال��تي لم ت��دنس،والحقيقة التي لم تختلط .. لكنهم لم يفعلوا.

~رة ��ذك ~نجعله��ا لكم ت ل ﴿ولو أنهم راجعوا تفسير قول��ه تع��الى: ق��ال ل��ك[، لعرف��وا أن الن��بي 12﴾وتع~يها أذن واع~ية ]الحاق��ة:

، وعلم�وا(3)عند نزولها: )س��ألت الل��ه أن يجعله�ا أذن��ك ي��ا علي( ، فقد كان اإلم��ام علي ي��ردد:أيضا أن الله استجاب دعاء نبيه

(36/ 4)( نهج البالغة )1

(، وغيرهما.4639، رقم 3/138(، والحاكم )3723، رقم 5/637)( الترمذى )2

99

) فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنس��ى( .. لكنهم م��ع روايتهم للحديث لم يفعلوا.. ألنهم لم ينظروا إلى األمر باعتب��اره دينا، وإنم��ا نظ��روا إلي��ه باعتب��اره دني��ا.. ولم يري��دوا أن يس��لموا

الدين والدنيا لبني هاشم. وهكذا كان في إمكانهم أن يراجعوا ما حصل عن��دما ن��زلت

، حينها دع��ا الن��بىاآليات العشر من سورة براءة على النبى أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مك��ة، لكن ال��وحي اإللهي

، وق��ال ل��ه:أمره أن يبعث بها مع اإلمام علي.. ول��ذلك دع��اه )أدرك أبا بكر فحيثما لحقته، فخذ الكتاب منه، فاذهب إلى أه��ل

خائف��ا،مكة فاقرأه عليهم(، وعندما رجع أب��و بك��ر إلى الن��بى : )ال، ولكنوهو يقول: يا رسول الل��ه ن��زل فى ش��يء، فق��ال

..(1)جبريل جاءنى، فقال: لن يؤدى عنك إال أنت أو رج��ل من��ك( ك��ان في إمك��انهم أن يعمم��وا تط��بيق ه��ذه الرواي��ة في جمي��ع مناحي الدين.. وجميع مجاالت��ه.. بحيث ال يأخ��ذون ال��دين إال من

المصدر الذي لم يكدر ولم يختلط.. لكنهم لم يفعلوا. وهك��ذا ك��ان في إمك��انهم أن يراجع��وا م��ا ورد في الق��رآنفمن ﴿الكريم من أمر المباهلة التي ذكره��ا الل��ه تع��الى، فق��ال: ��ا ��دع أبناءن ~ فق��ل تع��الوا ن حاجك ف~يه~ م~ن بعد~ ما ج��اءك م~ن الع~لم~ساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبته~��ل فنجع��ل ~ساءنا ون وأبناءكم ون

~ين ]آل عم��ران: [، ولعرف��وا حينه��ا أن61﴾لعنت الله على الكاذ~ب غدا حينها، فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحس��ين،النبي

)( انظ���ر: تفاس���ير: الط���بري، والس���يوطي، وال���رازي، وابن كث���ير، والقرط���بي،3والشوكاني، وغيرهم عند تفسيرهم لآلية.

[4400(، وعبد الله فى زوائده على المسند، وأبو الشيخ، وابن مردويه، ]كنز العمال 1296، رقم 1/151)( رواه أحمد )1

100

، كم نا وأنفس�� ﴾وقد قال جابر في تفسير اآلية الكريم��ة: وأنفس�� ﴿ ��ا الحس��نرس��ول الل��ه ��دع أبناءن ﴾ وعلي بن أبي ط��الب ن ﴿

~ساءنا فاطمة ﴾والحسين ون ﴿(1).

إلى تبوك، حينه�ا ت�رك اإلم�ام عليوهكذا قال يوم سار في المدينة.. ثم ذك��ر لجمي��ع من حض��ر تب��وك أن��ه من��ه بمنزل��ة هارون من موسى.. وال ف��ارق بينهم��ا إال في النب��وة، ألن النب��وة

. (2)ختمت برسول الله

كان في إمكانهم أن يعمل��وا ه�ذه األح�اديث جميع�ا.. ال في المجال السياس��ي.. فأن��ا أعلم ح��رص البش��ر على ال��دنيا.. وهم يربط��ون الحكم بال��دنيا.. ولكن على ال��دين.. فال��دين ه��و ال��ذي

يهمنا.. لكنهم لألسف لم يفعلوا مع أنهم كانوا يسمعون نداء اإلمام علي، وهو يخبرهم كل حين عن علومه، وأنه لم يتل��ق ش��يئا من مصدر خارجي غير مصدر النبوة.. وم��ع أن��ه عم��ر ط��ويال بينهم..

في كل حيات��ه، لم يفارق��ه أب��دا.. وق��د روي أن وأنه كان معه بعض الج��اهلين بق��دره، أراد أن يحرج��ه، فق��ال ل��ه: ي��ا أم��ير المؤمنين، فما كان ينزل عليه، وأنت غائب عنه؟ فأجاب��ه اإلم��ام

ما كان ي��نزل علي��هعلي بقوله: )كان يحفظ علي رسول الله من القرآن، وأنا غائب عنه، حتى أقدم عليه فيقرأنيه، ويقول: يا علي، أنزل الله بعدك علي كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا، فيعلمني

، وغيرهم كثير.8381(، والنسائي في الكبرى: 6296و6295 )97/119)( مسلم 1

، وغيرهم كثير.8381(، والنسائي في الكبرى: 6296و6295 )97/119)( مسلم 2

101

(1)تنزيله وتأويله(

ب��ل إن س��عيد بن المس��يب، وفي ال��زمن ال��ذي ت��ولى في��ه الطلقاء، شهد له بذلك، وكان يقول: )لم يكن أح��د من الص��حابة

(2)يقول: سلوني، إال علي بن أبي طالب(

لكن األمة لألسف عزلته.. وفارقته.. وراحت للطلقاء وأبناء الطلقاء.. واليهود وتالميذ اليهود تأخ��ذ عنهم التجس��يم والخراف��ة

وكل القيم التي ال عالقة لها بالدين.. وكان اإلمام علي ينظر إليهم متأس��فا حزين��ا، مثلم��ا يح��زن الط��بيب ال��ذي يج��د الن��اس يلج��ؤون إلى المش��عوذين والرق��اة،

ويتركون األطباء والمتخصصين.. وكان ي��ردد مح��ذرا من المص��ير ال��ذي ستص��ير إلي��ه األم��ة

لو تعلمون ما أعلم مم��ا ط��وي عنكم غيب��ه،بسبب ذلك اإلبعاد: ) إذا لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم، وتلت��دمون على أنفسكم، ولتركتم أموالكم ال حارس لها وال خالف عليها، ولهمت كل امرئ منكم نفسه ال يلتفت إلى غيره��ا.. ولكنكم نس��يتم م��ا��رتم، وأمنتم م��ا ح��ذرتم، فت��اه عنكم رأيكم، وتش��تت عليكم ذك أمركم، ولوددت أن الل��ه ف��رق بي��ني وبينكم، وألحق��ني بمن ه��و أحق بي منكم: قوم والله ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدما على الطريقة، وأوجف��وا على

(3)المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة، والكرامة الباردة(

.139)( االحتجاج: 1

.166 / 3، الرياض النضرة 22 / 4، أسد الغابة 399 / 42)( تاريخ دمشق 2

102

لم يكتف الجاح��دون بع��زل اإلم��ام علي في حيات��ه.. وإنم��ا راحوا يعزلون��ه بع��د وفات��ه.. حيث أنهم قبل��وا ك��ل رواي��ات كعب األحب��ار ووهب بن المنب��ه، وتالمي��ذهما الكث��يرون من الص��حابة والت��ابعين، ومألوا به��ا كتب التفس��ير والعقي��دة والح��ديث.. أم��ا أحاديث اإلمام علي، والتي جمع الكث��ير منه��ا في ]نهج البالغ��ة[؛ فق��د راح��وا يح��ذرون من��ه.. ويعتبرون��ه كت��اب بدع��ة، ويعت��برون

دعوته لتنزيه الله وتوحيده تجهما وزندقة وضالال. وإلى اآلن ال زال الن����اس يقبل����ون أح����اديث كعب ووهب وغيرهم��ا كث��ير.. وي��تركون أح��اديث اإلم��ام علي.. ويكتف��ون من رواياته بما رواه النواصب الذين لم يريدوا إال لم يتركوا وس��يلته

لتشويهه إال مارسوها. ومن عج��ائب األح��اديث ال��تي ي��ذكرونها وي��دافعون عنه��ا توهمهم أن اإلم��ام علي خطب بنت أبي جه��ل في عه��د رس��ول

.. حيث يروون عن المسور بن مخرم��ة أن )علي بن أبيالله ،طالب خطب بنت أبي جهل، وعنده فاطمة بنت رسول الله

، فق��الت ل��ه: إن قوم��كفلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي يتحدثون أنك ال تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح��ا ابن��ة أبي جه��ل،

، فسمعته حين تشهد يقول: )أما بع��د ف��إنيفقام رسول الله أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فص��دقني، ووع��دني ف��وفى لي، وإنما فاطمة بض��عة م��ني يؤذي��ني م��ا آذاه��ا، وإنه��ا والل��ه ال تجتمع بنت رسول الله وبنت ع��دو الل��ه عن��د رج��ل واح��د أب��دا(،

(1)قال: فترك علي الخطبة((116)( نهج البالغة: الخطبة رقم)3

(2449( ، ومسلم )3110)( رواه البخاري )1

103

وقد قال ابن القيم تعليقا على هذه الرواية: )وفى ذكره ص~هره اآلخر، وثناءه عليه بأنه حدثه فصدقه، ووع��ده ف��وفى ل��ه، تعريض بعلي رضي الله عنه، وتهييج له على االقت��داء ب��ه، وه��ذاجه على يشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه ال يريبها وال يؤذيها، فهي

(2)الوفاء له، كما وفى له صهره اآلخر(

وهكذا أصبح اإلم�ام علي، ذل�ك ال�ذي وردت في�ه ك�ل تل�ك الروايات، بل كل تلك النصوص المقدسة، بهذه الصورة المزيفة ال��تي س��رت لعام��ة الن��اس، ف��نزلت ب��ه من ك��ل تل��ك الم��راتب

الرفيعة التي حولته إلى أدنى الصحابة.. بل إلى من دونهم. وهم ألج��ل تش��ويه اإلم��ام علي، يجعل��ون رس��ول الل��ه

يخالف األحكام الشرعية، وال يرضى البنته � بحسب ما ي��دعون � ما يرضاه لبنات الناس، ويمكن لمن ش��ك في ه��ذا أن يق��رأ ألي امرأة في الدنيا � تكون صادقة مع نفسها � هذا الح��ديث لتمتلئ عجبا منه؛ فالذي ال يرض��ي فاطم��ة لن يرض��ي النس��اء جميع��ا..

والذي ال يرضي والد فاطمة لن يرضي اآلباء جميعا.. قال السيد المرتض��ى في )تنزي��ه األنبي��اء( تعليق��ا علىوقد

ذلك الحديث، وما يتضمنه من تشويهات للنبوة: )هذا خبر باطل، موضوع، غير معروف، وال ثابت عند أهل النقل.. وقد تضمن م��ا��بي يشهد ببطالنه، ويقضي على كذبه من حيث ادعى في��ه أن الن

ذم هذا الفعل، وخطب بإنكاره على المنابر، ومعلوم أن أمير المؤم��نين ل��و ك��ان فع��ل ذل��ك على م��ا حكي، لم��ا ك��ان فاع���ال لمحظور في الش�ريعة، ألن نك��اح األرب��ع حالل على لس�ان نبين��ا

، وال يص��رح بذم��ه، وبأن��ه، والمباح ال ينكره الرسول محمد

(5/118)( زاد المعاد: )2

104

متأذيه، وقد رفعه الله عن هذه المنزلة، وأعاله عن كل منقص��ة ومذمة. ولو ك��ان علي��ه الس��الم ن��افرا من الجم��ع بين بنت��ه وبين غيرها بالطباع التي تنفر من الحسن والقبيح، لما جاز أن ينك��ره بلسانه، ثم ما جاز أن يبالغ في اإلنك��ار، ويعلن ب��ه على المن��ابر، وفوق رؤوس األشهاد، ولو بلغ من إيالمه لقلبه كل مبلغ، فما هو اختص في الحلم والكظم، ووص��فه الل��ه ب��ه من جمي��ل األخالق وك��ريم اآلداب ين��افي ذل��ك، ويحيل��ه، ويمن��ع من إض��افته إلي��ه وتصديقه عليه، وأكثر ما يفعله مثله في هذا األمر إذا ثقل عليه، أن يعاقب عليه س��را، ويتكلم في الع��دول عن��ه خفي��ا على وج��ه

بم��ا تض��منه ه��ذا الخ��برفوالله إن الطعن على النبي جميل.. الخبيث، أعظم من الطعن على أمير المؤم��نين، وم��ا ص��نع ه��ذا الخبر إال ملحد قاصد للطعن عليهما، أو ناصب معاند ال يبالي أن

(1)يشفي غيظه بما يرجع على أصوله بالقدح والهدم(

ولم يكتفوا ب��ذلك، فهم إلى اآلن ال زال��وا ي��ذكرون ب��أن من انتقد الصحابة، أو تكلم عنهم بسوء كافر، ويرد حديث��ه، ويقت��ل.. إال اإلمام علي.. فإنهم يعتبرون لعنه وسبه وبغض��ه ش��يئا طبيعي��ا وعاديا وال ضرر فيه، وال يجرح الراوي إن وقع فيه، بل ق��د يزي��د

في وثاقته، ألنه يبعده عن تهمة التشيع. وكيف ال يفعلون ذلك، وهم يستنون بسنة ذلك الذي أبغضه وسبه وحاربه سيدهم وخالهم وكاتب وحيهم معاوي��ة ال��ذي س��ن س��نة س��ب اإلم��ام علي على المن���ابر في جمي��ع بالد الع��الم

، وقد روي أن��ه ك��ان يق��ول في آخ��ر(2)اإلسالمي في ذلك الحين

.171 � 173)( تنزيه االنبياء : 1

، المس��تدرك على301:�� 5 ، س��نن الترم��ذي 120:�� 7)( انظ��ر: ص��حيح مس��لم 2

105

خطبة كل جمعة: )اللهم إن أبا تراب ألح��د في دين��ك، وص��د عن سبيلك فالعنه لعنا وبيال، وعذب��ه ع��ذابا أليم��ا(.. وكتب ب��ذلك إلى اآلفاق، فكانت هذه الكلمات يشار به��ا على المن��ابر، إلى خالف��ة

.. (1)عمر بن عبد العزيز

وقد أقر بذلك ك��ل الم��ؤرخين والمح��دثين المعت��برين ل��دىوه � الفئة الباغية، فقد قال ابن حجر: )ثم اش��تد الخطب فتنقص�� أي اإلم��ام علي ��� واتخ��ذوا لعن��ه على المن��ابر س��نة، ووافقتهم

(2)الخوارج على بغضه(

وق��د روي أن خال��د بن عب��د الل��ه القس��ري والي الع��راق لهشام بن عبد الملك والمحبب كثيرا لدى السلفية قديما وحديثا كان يقول في خطبته: )اللهم العن علي بن أبي ط��الب بن عب��د المطلب بن هاشم، صهر رس��ول الل��ه على ابنت��ه، وأب��ا الحس��ن

(3)والحسين! ثم يقبل على الناس ويقول: هل كنيت!(

وروي أن معاوية ومن معه من الفئة الباغية بالغوا في ذلك مبالغة ش��ديدة إلى الدرج��ة ال��تي جعلت جماع��ة من ب��ني أمي��ة تعارضه بسبب ذلك، وتقول له بعد س��نين من حكم��ه: )إن��ك ق��د بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! فق��ال: ال والل��ه حتى يربو عليه الصغير، ويهرم علي��ه الكب��ير، وال ي��ذكر ل��ه ذاك��ر

.369: 4، مسند أحمد 109: 3الصحيحين

.�57 56/ 4)( شرح نهج البالغة: 1

57: 7)( فتح الباري: 2

.57/ 4، وشرح نهج البالغة: 414)( الكامل في اللغة واألدب، المبرد:: 3

106

(1)فضال(

وق��د أش��ار الجاح��ظ إلى ال��دوافع السياس��ية ال��تي جعلت معاوية ومن بعده من بني أمية يفعلون ذل��ك، فق��ال: )وم��ا ك��ان عبد المل��ك بن م��روان ممن يخفى علي��ه فض��ل علي، وأن لعن��ه على رؤوس األش���هاد، وفي أعط���اف الخطب، وعلى ص���هواتهما جميعا من المنابر مما يعود عليه نقصه، ويرجع إليه وهنه، ألن بني عبد مناف، واألصل واحد، والجرثوم��ة منبت لهم��ا، وش��رف علي وفضله عائد عليه، ومحسوب له. ولكنه أراد تش��ييد المل��ك وتأكيد ما فعل��ه األس��الف، وأن يق��رر في أنفس الن��اس إن ب��ني هاشم ال حظ لهم في هذا األمر، وأن سيدهم الذي به يص��ولون، وبفخره يفخرون، هذا حاله وهذا مقداره، فيكون من ينتمي إليه

(2) ويدلي به عن األمر أبعد، وعن الوصول إليه أشحط وأنزح(

وقد أشار اإلمام علي إلى ه��ذا، ألن��ه يعلم أن بني��ان الفئ��ة الباغي��ة من أص��حاب المل��ك العض��وض ال يمكن أن يق��وم وفي الناس من يحب اإلمام علي، أو يرتبط بأهل بيت النبوة، فل��ذلك كان يعلم أصحابة التقية في دينهم، حتى ال يبي��دهم الظلم��ة، وال��ه يجد الن��اس من يلج��ؤون إلي��ه، ومن أقوال��ه في ذل��ك: )أم��ا أن سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، من��دحق البطن، يأك��ل��ه م��ا يج��د، ويطلب م��ا ال يج��د، ف��أقتلوه، ولن تقتل��وه، أال أن��ه لي سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما الس��ب فس��بوني، فان زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فال تتبرؤا مني، ف��اني ول��دت على

.57/ 4)( شرح نهج البالغة: 1

.�58 57/ 4)( شرح نهج البالغة، ابن أبي الحديد: 2

107

(1) الفطرة، وسبقت إلى اإليمان والهجرة(

ولم يكتف المجرمون بذلك، بل وصل األمر بهم إلى اعتبار التسمية بعلي محظورة إال لبني هاشم، فكان بعضهم يخاف من اسمه، فيصغره، ويقول: ان��ا علي ولس�ت بعلي.. ق��ال قتيب��ة بن س��عيد س��معت الليث بن س��عد يق��ول: ق��ال علي بن رب��اح: )ال~ي(، وق��ال س��لمة أجعل في حل من سماني عليا فإن اسمي عل بن شبيب: )سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يق��ول: ك��انت بن��و~ي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا فقال: أمية إذا سمعوا بمولود اسمه عل

~ي( ويحرج على من سماه به( (2)هو علي، وكان يغضب من )عل

وحتى ال يتركوا أي أثر لإلمام علي في دين المس��لمين، وال حياتهم، راحوا يقص��ون ك��ل محب ل��ه بتهم��ة التش��يع، في نفس الوقت الذي يوثقون فيه كل معاد له، قال ابن حجر العسقالني: )والتشيع محب�ة علي وتقديم��ه على الص��حابة، فمن قدم��ه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ويطلق علي��ه رافض��ي، ف��إن انضاف إلى ذلك السب والتص�ريح ب�البغض فغ��ال في ال�رفض،

(3)وإن اعتق�د الرجع�ة إلى الدني�ا فأش�د في الغلو(

وق���ال: )وق��د كنت استش��كل ت���وثيقهم الناص��بي غالب���ا، وتوهينهم الش��يعة مطلق��ا، وال س��يما أن علي��ا ورد في حق��ه: )ال يحبه إال مؤمن وال يبغضه إال من��افق(، ثم ظه��ر لي في الج��واب

.92، نهج البالغة ، الشريف الرضي ، 2/32)( أنساب األشراف، البالذري: 1

.280 : 7، تهذيب التهذيب 429 : 20)( تهذيب الكمال ج 2

.640)( هدي الساري ص 3

108

،عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب وهو كونه نصر الن��بي ألن من الطب��ع البش��ري بغض من وقعت من��ه إس��اءة في ح��ق المبغض والحب بالعكس، وذلك ما يرج��ع إلى أم��ور ال��دنيا غالب��ا والخير في حب علي وبغضه ليس على العم��وم، فق��د أحب��ه من أفرط في��ه ح��تى ادعى أن��ه ن��بي أو إل��ه، تع��الى الل��ه عن أفكهم والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في ح��ق األنص��ار وأجاب عنه العلماء أن بغضهم ألجل النصر كان ذلك عالمة نفاق وبالعكس. فكذا يق��ال في ح��ق علي. وأيض��ا ف��أكثر من يوص��ف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهج�ة والتمس�ك ب�أمور الديان�ة، بخالف من يوص��ف ب��الرفض ف��إن غ��البهم ك��اذب وال يت��ورع في األخبار، واألصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا قت��ل عثم��ان أو كان عليه فكان بغضهم له ديان�ة ب�زعمهم. ثم انض��اف إلى ذل�ك

(1)أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي(

ولهذا نجد في الثقاة أمثال حريز بن عثمان الناص��بي ال��ذي وثقه يحيى القطان ومعاذ بن مع�اذ وأحم�د بن حنب��ل ويح�يى بن معين ودحيم وغيرهم، مع أنهم يروون أنه سئل بعضهم عن س��ر ع�دم الرواي��ة عن��ه، فق��ال: )كي��ف أكتب عن رج��ل ص��ليت مع�ه الفجر سبع سنين فك��ان ال يخ��رج من المس��جد ح��تى يلعن علي��ا

(2)سبعين لعنة كل يوم(

ولو أنه بدل اإلم��ام علي لعن غ��يره من الص��حابة، لكف��روه واتهموه بالزندقة.. ولكن عرض اإلمام علي عندهم مباح، وك��أن

لم يحكم بالنف��اق على مبغض��يه، وإنم��ا حكم لهمرسول الله (458/ 8)( تهذيب التهذيب )1

.269/ص8)( تاريخ بغداد: ج2

109

بالوثاقة والدين والصالح. مع أن الصحابة أنفس��هم، وال��ذين تص��وروا أنفس��هم حم��اة لهم وم���دافعين عنهم، حكم���وا بالنف���اق على من أبغض علي���ا، فكيف بمن لعنه أو حاربه أو سبه، وقد ق��ال ابن عم��ر: )م��ا كن��ا

إال ببغض��هم علي��ا (، وق��النعرف المنافقين على عه��د الن��بي جابر: )ما كنا نعرف منافقين�ا معش�ر األنص��ار إال ببغض�هم لعلي(

، وقال أبو سعيد الخدري: )إنم��ا كن��ا نع�رف من��افقي األنص��ار(1) (2)ببغضهم عليا(

ولهذا كان الصادقون منهم يفتخرون بحبهم لعلي، باعتب��اره عالمة على اإليم��ان، وعلى محب�ة اللهن وق�د روي أن رجال ق��ال لسلمان: ما أشد حبك لعلي؟ فرد عليه سلمان بقول��ه: س��معت

يقول: )من أحب عليا فق��د أحب��ني، ومن أحب��نيرسول الله فقد أحب الله عز وج��ل، ومن أبغض علي��ا فق��د أبغض��ني، ومن

(3)أبغضني فقد أبغض الله عز وجل(

ولو أنهم تأملوا هذه األحاديث لعرفوا أن اإلم��ام علي ليس مجرد صحابي عادي، أو فرد عادي من آل بيت النبوة، وإنما ه��و

.. ذلك أنه يستحيل أنالممثل الحقيقي للدين بعد رسول الله ي��ترك ال��دين من غ��ير أن يك��ون هن��اك من يمثل��ه.. هك��ذا ج��رى

(1086(، وعبد الله في زيادات الفضائل )3/169)( البزار )كشف األستار 1

)( أحمد في فضائل الصحابة بإسناده على شرط البخاري.2

( عن أم23/380/901( الط�براني في المعجم الكب��ير)3/130)( انظر: المستدرك )3 (: )وإس�ناده حس�ن(، وق�د عل��ق علي��ه الش�يخ9/132سلمة، وقال الهيثمي في المجم��ع )

ممدوح بقوله: )فهذا طريقان للحديث كالهما حسن لذاته، فالحديث: صحيح بهما(110

العرف في كل األدي��ان.. ب��ل في ك��ل بالد المس��لمين اآلن نج��د مجالس لإلفتاء، ويتربع على رأسها المف��تى أو الش��يخ األك��بر أو ش��يخ اإلس��الم.. وال��ذي يمث��ل المرج��ع األعلى عن��د الخالف، وال

يعطى له هذا المنصب إال بسبب علمه الوفير. وكان أحق الناس ب��ذلك المنص��ب اإلم��ام علي.. فه��و أك��ثر

.. بل إنه ربي في حجرة، وع��اشالصحابة تلمذة لرسول الله في بيته، وبقي معه إلى آخر يوم في حياته.. ولم ي��ترك موض��عا إال كان معه فيه.. وعندما تخلف أك��ثر الص��حابة عن��ه في ش��عب أبي طالب كان معه.. وهكذا لم تنزل آية من القرآن الك��ريم، إال

فيوكان عالما أين نزلت، ومتى نزلت، وما قال رسول الله تأويلها.

وفي األخير، وبعد ذل��ك كل��ه، يوض��ع م��ع ال��ذين اكتف��وا من بمج��رد رؤيت�ه، أو الجل�وس مع�ه فيص�حبتهم لرس�ول الل�ه

مجلس واحد، ولهذا نجد المت��أخرين في إس��المهم من الص��حابة أكثر رواي��ة من��ه.. ال لقل��ة علم��ه، أو ض��عف ذاكرت��ه.. وإنم��ا ألن القوم لم يري��دوا أن يجمع��وا لب��ني هاش��م بين النب��وة ووراثته��ا، وذل��ك ألنهم تص��وروا أن األم��ر مرتب��ط بالعش��ائر واألنس��اب، ال

بالدين. بل إنهم وإمعانا في عزله راحوا يقصونه من ذلك المجلس الذي كلف بتدوين القرآن الكريم، مع أنه ك��ان أح��ق الن��اس ب��ه، وهل هن�اك ع�زل أك�بر من ذل�ك؟.. وه�ل هن�اك جح�ود لل��وريث

الشرعي لعلم النبوة أكبر من ذلك؟ ومع ذلك كان اإلم��ام علي أوس��ع الن��اس ص��درا، وأك��ثرهم رفقا باألمة، فلم يجد إال أن يفعل ما فعله هارون علي��ه الس��الم،

111

عن��دما رأى ب��ني إس��رائيل يعب��دون العج��ل، فخش��ي أن يف��رقبينهم.. فآثر الدعوة الهادئة..

وقد رأى اإلمام علي بعينيه كعب األحبار وغيره وهم يبث��ون تل��ك الرواي��ات التجس��يمية، فلم يمل��ك إال أن يتخ��ذ ل��ه أص��حابا ص��ادقين يبث فيهم علم النب��وة، وحق��ائق ال��دين.. وه��و يعلم أن نور الله لن تطفئه أيدي البش��ر، وأن تل��ك الكلم��ات س��تحيا من

جديد في األمة، وستنطفئ كل ظلمات الفئة الباغية. ولم يكتفوا بذلك، بل راح��وا إلى أبنائ��ه وأحف��اده يتع��املون

وفي كل فترات التاريخ.. ألنهم يعلم��ونمعهم بنفس المعاملة.. أنهم أول من بث فيهم علم���ه، فل���ذلك راح���وا يح���ذرون من صحبتهم، ويتعاملون معهم بقس��وة ال نظ��ير له��ا، وك��أنهم ليس��وا من أه��ل بيت النب��وة، وال ورث��ة العلم الحقيقي ال��ذي لم يختل��ط

ولم يدنس. ففي العهد ال��ذي ك��ان في��ه الحس��نان.. س��يدا ش��باب أه��ل الجنة..ذانك اللذان ورد في فضلهما من األحاديث ما لم يرد في فضل غيرهما.. تركهما الناس، بل حاربوهما، وقتلوهما، ثم ذهبوا إلى أولئ��ك ال��ذين رض��ي عنهم الطلق��اء، وجلس��وا بين أي��ديهميكتبون الفقه والعقيدة والتفسير والحديث.. وكل معارف الدين. ومن العجيب أنه في الوقت الذي تروى فيه آالف األحاديث عن أبي هري��رة وغ��يره من الص��حابة.. ال ي��روى عن اإلم��امين الحسن والحسين مجتمعين سوى عشرين ح��ديثا.. ب��ل إن أك��ثر األمة يتصور أن اإلمامين لم يتجاوزا مرحلة الص��با.. ولم يعرف��وا

أنهما لم يناال ذلك الفضل العظيم الذي نطق به رس��ول الل��ه إال نتيجة ما آتاهما الل��ه من علم وتق��وى ك��ان لألم��ة أن تس��تفيد

112

منه، لكنها ضيعته.. ولم تكتف بالتض��ييع .. ب��ل راحت تحاربهم��ا..إلى أن قتلتهما.

وبع��د أن فعلت ذل��ك، راحت تح��ذر من ك��ل رواي��ة ت��روى عنهما، بحجة أن ال��ذي رواه��ا ش��يعة.. وهم يعلم��ون أن ك��ل من كان ملتفا بهما، صنف في خانة الش��يعة.. وه��ل يمكن أن ي��روي

عن العالم غير تالميذه؟ وهكذا كان األمر مع كل من عداهما..

فاإلمام السجاد زين العاب��دين.. ذل�ك ال�ذي ت��رك لن��ا ث��روة ضخمة من األدعية العظيم��ة ال��تي ك��ان يمكن أن تس��تفيد منه��ا األم��ة، في الحف��اظ على أص��التها ودينه��ا وقيمه��ا.. راح يع��زل ويح��ذر من��ه ومن أدعيت��ه.. ويكتفى فق��ط ب��ذلك الثن��اء ال��ذي ال جدوى منه، وبتلك ال��دعاوى ال��تي تكتفي بالمحب��ة المج��ردة عن

طلب منا أن نحبهم حبا فارغ��ا منأي أثر.. وكأن رسول الله أي معنى في نفس الوقت الذي نتبع فيه أعداءهم.

ولذلك إن سألت أي شخص عن اإلمام السجاد، فس��يذكر لك ما قاله الفرزدق عنه، وق�د ي�ذكر ل�ك ص�الته وتق�واه وك�ثرة سجوده، لكن��ك إن س��ألته عن المناجي��ات الخمس عش��رة، فلن يجيبك بشيء.. فإن ذكرت له مناجاة الت��ائبين، أو الش��اكرين، أو الخ����ائفين، أو ال����راجين، أو الراغ����بين، أو المطيعين لل����ه~، أولين، أو المفتق�����رين، أو المري�����دين، أو المحبين، أو المتوس����� العارفين، أو الذاكرين، أو المعتصمين، أو الزاهدين.. فلن يجيبك

بشيء.. ألنه لم يسمع بها في حياته. ولو أنه كان صوفيا فسيذكر ل��ك عش��رات األوراد واألدعي��ة والص���لوات والمناجي���ات، للش���اذلي والجيالني والنقش���بندي

113

والبدوي.. وغيرهم كثير.. ثم تراه يجهل كل م��ا ورد عن آل بيت النبوة من أدعية ومناجيات ال يمكن أن ي��وازى به��ا أي دع��اء، وال

أي مناجاة. ومن العجب أن ه��ؤالء ي��ذكرون أن من ق��ال لش��يخه لم ال يفلح أبدا، بينما هم يترضون ويقدسون كل من قتل وقاتل ولعن

وسب أولئك الذين يدعون حبهم. وكل ذلك من سوء فهم معنى المحبة، وتص��ور أنه��ا مج��رد عاطفة قلبية خالية من أي أثر عملي، مع أن الله تع��الى يق��ول:ه ]آل عم��ران: ~بكم الل ~ي يحب ~عون ب ون الل��ه ف��ات ب ~ن كنتم تح~ ﴾ق��ل إ ﴿

31 ] وهكذا فعلوا مع اإلمام والباقر والص��ادق والك��اظم والرض��ا وكل األئمة.. الذين شهد لهم التاريخ بالعلم والتق��وى والص��الح.. لكنهم أبعدوا من كل ش��يء في نفس ال��وقت ال��ذي ق��رب في��ه

الجهلة والفسقة والمنحرفون. وعندما سقطت الدولة األموي�ة، وول�دت الدول�ة العباس�ية، وال��تي رفعت ش��عار االنتص��ار أله��ل بيت النب��وة، راحت بس��بب تصورها الخاطئ للدين والممثلين له، تمعن في إبع��اد أه��ل بيت النب���وة، وبك���ل قس���وة، وال تكتفي ب���ذلك، ب���ل ك���ان الخلف���اء العباس���يون يتنافس���ون في قتلهم وتش���ريدهم والتح���ذير من

اتباعهم، والسخرية بهم. وك��انوا يكرم��ون ك��ل ش��اعر هج��اهم، كم��ا فع��ل المه��دي العباس مع الشاعر مروان بن أبي حفص��ة حين أعط��اه س��بعين ألف درهم، أي عشرات الكيلوغرامات من الذهب، بسبب قوله:

114

يا ابن الذي ور~ثالنبي محمدا

دون األقارب~ من ذوى~ األرحام الوحي بين بني

البنات~ وبينكم ~ فالت قطع الخصام

~ حين خصام ما للنساء~ مع الرجال~فريضة

نزلت بذلك سورة~ االنعام أنى يكون وليس ذاك

بكائن لبني البنات~ وراثة

~ حتى قال الشاعر في حقهم:األعمام تالله ما فعلت

أمية فيهم معشار ما فعلت

وهكذا استعمل كل أصحاب الملك العضوض ما ل��ديهم منبنو العباس~ وسائل لحرمان األم��ة من ت��راث أه��ل بيت النب��وة.. ولم يكتف��وا بذلك، بل ض��موا إلى ص�فهم العلم�اء والمح��دثين، ال�ذين راح�وا ينافسون أصحاب الملك العضوض في إقصاء أئمة أه��ل ال��بيت،

وكل من يرتبط بهم. وق��د بل��غ بهم األم��ر إلى أنهم ك��انوا يوثق��ون النواص��ب في

نفس الوقت الذي يجرحون فيه أئمة أهل البيت.. ومن العجيب أن البخ��اري ال��ذي ت��رك الرواي��ة عن اإلم��ام

(84الصادق يعتبر عم��ران بن حط��ان السدوس��ي البص��ري )ت من الثقاة الذين يروي عنهم في صحيحه، وله باتفاق الم��ؤرخين شعر في مدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤم��نين علي،

منه قوله:��ذي لله در المرادي الس��������������������������فكت

كفاه مهجة شر الخلقإنس������������������������������انا أمس��ى عش��ية غش��اه

بض��������������������������ربته معطى مناه من اآلث��ام

عريانا يا ض��ربة من تقي م��اأراد به��������������������������ا

إال ليبل�����������غ من ذيالع����������رش رض����������وانا

115

إني ألذك�����ره حين�����افأحس�������������������������به

أوفى البرية عن��د الل��ه وليس هذا خاصا بفرد أو فردين، بل كان هذا منهجهم الذي(1)ميزانا

اعتمدوا عليه في الجرح والتعديل، وقد كتب المحدث المعروف )محمد بن عقيل العل��وي( كتاب��ه في )العتب الجمي��ل على أه��ل الجرح والتعديل( في الرد على هذا المنهج الذي يضاد ما أمر به

من اعتب��ار م��والة اإلم��ام علي عالم��ة لإليم��ان،رس��ول الل��ه وبغضه عالمة للنفاق.

وقد قال في مقدم�ة كتاب��ه، بع�د نقل��ه لكالم ابن حج��ر في سبب توثيق المحدثين للنواصب وتوهينهم للمحبين لإلم��ام علي: )وال يخفى أن معنى كالمه هذا أن جمي�ع مح��بي علي المق�دمين ل��ه على الش��يخين روافض، وأن محبي��ه المق��دمين ل��ه على من سوى الشيخين ش��يعة، وكال الط��ائفتين مج��روح العدال��ة. وعلى هذا فجملة كبيرة من الص�حابة الك�رام كالمق�داد وزي�د بن أرقم وسلمان وأبي ذر وخباب وج��ابر وعثم��ان بن ح��نيف وأبي الهيثم بن التيه��ان وخزيم��ة بن ث��ابت وقيس بن س��عد وأبي ذر وخب��اب وج��ابر وعثم��ان بن ح��نيف وأبي الهيثم بن التيه��ان وخزيم��ة بن ثابت وقيس بن سعد وأبي الطفيل عامر بن واثل��ة والعب��اس بن عبد المطلب وبنيه وبني هاشم كافة وبني المطلب كاف��ة وكث��ير غيرهم كلهم روافض لتفضيلهم عليا على الشيخين ومحبتهم ل��ه ويلح��ق به��ؤالء من الت��ابعين وت��ابعي الت��ابعين من أك��ابر األئم��ة وصفوة األمة من ال يحصى عددهم وفيهم قرناء الكت��اب، وج��رح

(2) عدالة هؤالء هو والله قاصمة الظهر(

.223 برقم 114 � 113 / 8)( انظر: ابن حجر العسقالني: تهذيب التهذيب 1

.15)( العتب الجميل، ص2

116

وق��د ض��رب األمثل��ة الكث��يرة عن ج��رج المح��دثين لل��رواة بسبب حبهم لإلمام علي، ومن ذل��ك م��ا نقل��ه عن ابن حج��ر في )تهذيب التهذيب( في ترجمة مصدع المعرقب م��ا لفظ��ه: )قلت إنما قيل له )المعرقب( ألن الحج��اج أو بش��ر بن م��روان ع��رض عليه س��ب علي ف��أبى فقط��ع عرقوي��ه. ق��ال ابن الم��ديني قلت لسفيان: في أي شيء عرقب؟ قال: في التشيع انتهى. ثم ق��ال ذكره الجوزج�اني في الض��عفاء - يع�ني المع�رقب - فق�ال زائ��غ ج��ائر عن الطري��ق، يري��د ب��ذلك م��ا نس��ب إلي��ه من التش��يع. والجوزج��اني مش��هور بالنص��ب واالنح��راف فال يق��دح في��ه قول��ه انتهى. ومن ه�ذا تع�رف أن التش�يع ال�ذي يع�رقب المتص�ف ب�ه ويك��ون زائغ��ا ج��ائزا عن الطري��ق عن��د أمث��ال الجوزج��اني ه��و

(3)االمتناع عن سب مولى المؤمنين عليه السالم(

بل إن إبعادهم ألهل بيت النب��وة، وع��زلهم لهم راح يس��ري إلى المناطق الجغرافية التي انتشروا فيها.. ولهذا نج��د األحك��ام المش��ددة على الكوف��ة باعتباره��ا ك��انت عاص��مة لإلم��ام علي، وللفئة المؤمنة معه من الصحابة والتابعين.. فقد ألصقوا بها كل تهمة، وحولوها إلى بؤرة من بؤر البدع، بل اتهموها بأنها هي � ال الفئ��ة الباغي��ة ��� من س��اهم في قت��ل اإلم��ام علي وأه��ل بيت��ه

الطاهرين. وقد ق��ال ابن المع��تز العباس��ي مش��يرا إلى ذل��ك الموق��ف

الذي اتخذه الساسة ومن شايعهم من العلماء: واستمع اآلن حديث

الكوفة مدينة بعينها

معروفة

.19)( العتب الجميل، ص3

117

كثيرة األديانواألئمة

وهمها تشتيت أمراالمة العادل ، البر ،وأخذوا وقتلوا عليا

التقي الزكيا وقتلوا الحسين ،بعد ذاكا

فأهلكوا أنفسهمإهالكا وحرفوا قرآنهموجحدوا كتابهم إليه عليه ثم بكوا من بعده

وناحوا هال ، كذاك يفعل

التمساح فقد بقوا في دينهمحيارى

ال يهود هم والنصارى والمسلمون منهم

براء رافضة ودينهم

هباء فبعضهم قد جحدالرسوال

وغلطوا في فعله وقد أشار ابن تيمية إلى ذلك الموقف السلبي من الكوف��ة،جبريال

فقال: )وأما أهل الكوفة فلم يكن الكذب في أهل بلد أك�ثر من�ه فيهم؛ ففي زمن التابعين كان بها خلق كث��يرون منهم معروف��ون بالكذب ال سيما الشيعة فإنهم أكثر الطوائ��ف ك��ذبا باتف��اق أه��ل العلم؛ وألجل هذا يذكر عن مالك وغ��يره من أه��ل المدين��ة أنهم لم يكونوا يحتجون بعامة أحاديث أهل الع��راق؛ ألنهم ق��د علم��وا أن فيهم كذابين ولم يكونوا يميزون بين الصادق والك��اذب فأم��ا إذا علموا صدق الحديث فإنهم يحتجون ب��ه كم��ا روى مال��ك عن أي��وب الس��ختياني وه��و ع��راقي فقي��ل ل��ه في ذل��ك فق��ال: م��ا حدثتكم عن أحد إال وأيوب أفضل منه أو نحو ه��ذا. وه��ذا الق��ول ه��و الق��ول الق��ديم للش��افعي ح��تى روي أن��ه قي��ل ل��ه: إذا روى سفيان عن منصور عن علقم��ة عن عب��د الل��ه ح��ديثا ال يحتج ب��ه فقال: إن لم يكن له أصل بالحجاز وإال فال ثم إن الشافعي رج��ع عن ذلك وقال ألحمد بن حنبل: أنتم أعلم بالحديث منا فإذا ص��ح الحديث فأخبرني ب��ه ح��تى أذهب إلي��ه ش��اميا ك��ان أو بص��ريا أو كوفيا ولم يق��ل مكي��ا أو م��دنيا ألن��ه ك��ان يحتج به��ذا قب��ل. وأم��ا

118

علماء أهل الحديث كشعبة ويحيى بن س��عيد وأص��حاب الص��حيح والسنن فكانوا يميزون بين الثق��ات الحف��اظ وغ��يرهم فيعلم��ون من بالكوفة والبصرة من الثق��ات ال��ذين ال ريب فيهم وأن فيهم من هو أفضل من كثير من أهل الحج��از وال يس��تريب ع��الم في مثل أصحاب عب��د الل��ه بن مس��عود كعلقم��ة؛ واألس��ود؛ وعبي��دة السلماني؛ والحارث ال��تيمي وش��ريح القاض��ي ثم مث��ل إب��راهيم النخعي؛ والحكم بن عتيبة وأمثالهم من أوث��ق الن��اس وأحفظهم فلهذا صار علماء أهل اإلسالم متفقين على االحتجاج بما صححه أه���ل العلم بالح���ديث من أي مص���ر ك���ان وص���نف أب���و داود السجستاني مفاريد أهل األمصار يذكر في��ه م��ا انف��رد أه��ل ك��ل

(1) مصر من المسلمين من أهل العلم بالسنة(

وهك��ذا ��� ي��ا آل بيت النب��وة ��� أبع��دت األم��ة عن مح��ط��ف المالئك��ة، ومع��ادن العلم، وين��ابيع الحكم.. الرس��الة، ومختل ولذلك ال نعجب أن يختلط عليه��ا أم��ر دينه��ا، وأن ي��دب الص��راع بينها، وأن تنتقل إليها كل تلك األدواء التي أص��ابت م��ا قبله��ا من األمم.. فمن ع���زل األس���تاذ، يس���تحيل أن يتعلم، ومن ع���زلت~ ن لن تج~��د ل~س� ﴿الطبيب يستحيل أن يشفى .. هذه سنة الل�ه، و

ت~ الله تحو~يال ]فاطر: ~سن [ 43﴾الله تبد~يال ولن تج~د ل

(314/ 20)( مجموع الفتاوى )1

119

إلى األبطال المنسيينيا أبطال اإلسالم المنسيين..

يا أبا طالب.. ويا علي.. وي��ا جعف��ر.. وي��ا حم��زة.. وي��ا ب��ني في الش��عب محاص��رينهاشم الذين وقفوا م��ع رس��ول الل��ه

جوعى، ولم يسلموه، ولم يبيعوه بأموال الدنيا. أيها األبطال الذين وقفوا مع اإلس��الم في أحل��ك الظ�روف، وك��ان لهم الفض��ل األك��بر في الحف��اظ علي��ه، واالنتص��ار على

أعدائه.. كل أعدائه. اس��محوا لي أن أس��تعيد ذك��ركم؛ فق��د نس��يكم الكث��ير من قومي، وراحوا يهونون من ش��أنكم.. منش��غلين بغ�يركم.. فهم ال يريدون أن يذكروا بذكركم تلك الج��رائم ال�تي ارتكبه�ا الطلق�اء، ال���ذين تحول���وا وفي لمح البص���ر إلى ص���حابة أجالء، س���ابقين

صادقين، والويل لمن تكلم عنهم بما تذكره الحقائق. اسمحوا لي أن أستعيد تلك اآلالم التي تنبأ فيها رسول الله

س��عيد بما سيحصل لكم ولذريتكم من بعده، فق��د ح��دث أب��و : )ان أهل بيتي س��يلقون من بع�دي منقال: قال رسول الله

أم��تي قتال وتش��ريدا، وان أش��د قومن��ا لن��ا بغض��ا بن��و أمي��ة وبن��و (1)المغيرة وبنو مخزوم(

ولذلك كان كلما رآكم راحت عيناه تغرورقان بالدموع، فقد إذا أقب��لحدث ابن مسعود قال: بين��ا نحن عن��د رس��ول الل��ه

)( رواه ابن عساكر ونعيم بن حماد في الفتن، والح��اكم، س��بل اله��دى والرش��اد في1(152/ 10سيرة خير العباد )

120

اغ��رورقتفئ��ة من ب��ني هاش��م، فلم��ا رآهم رس��ول الل��ه .(2)عينه

في بكائه عليكم،ونحن نريد أن نستن بسنة رسول الله وتأثره لحالكم.. وكيف ال نفعل ذلك، وأنتم أبطال اإلسالم ال��ذين سارع الناس إلى تغييبهم وهجرهم وتناسي كل التض��حيات ال��تي

بذلوها، والبطوالت التي قدموها.

بطوالت أبي طالب: وأول األبطال المنسيين المحتقرين أنت ي��ا أب��ا ط��الب.. ي��ا حص��ن اإلس��الم األك��بر.. وهم إلى اآلن يهون��ون من ش��أنك ومن

ونصرته م��ع أن��هدورك في حفظ اإلسالم، وحفظ رسول الله في تلك الفترة الحرجة غيرك.لم يقف أحد مع رسول الله

فأنت الذي ضحيت بكل ش��يء، وتلقيت ك��ل أل��وان البالء.. لتنصره.. ال لكونه ابن أخيك، ولكن لكونك من الع��ارفين بنبوت��ه، والمؤمنين بها، بل من أوائل السابقين لذلك، فأنت آمنت بنبوت��ه من صباه الباكر، ب��ل قب��ل أن يول��د؛ فق��د ك��انت األح��اديث كله��ا

تشير إليه. لكن قومي لم يكتفوا بعزلك وإبعادك وظلم��ك.. ب��ل راح��وا يشيعون ما كذبه الطلقاء الممتلئون بالنفاق علي��ك.. لق��د راح��وا يص��دقونهم، ويك��ذبونك، ويجل��ونهم، ويحقرون��ك.. ولم يكتف��وا بذلك.. بل راحوا يتهمونك بالشرك، وأن��ك لم ت�ؤمن حرص��ا على إرض��اء أبي س��فيان وأبي جه��ل وأمي��ة بن خل��ف والولي��د بن

المغيرة..

(152/ 10)( رواه البيهقي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )2

121

أحب إلي��ك، أم أولئ��كولست أدري هل كان رسول الله المأل الذين استعملت كل الوسائل لمواجهتهم، وفرطت في كل المصالح من أجل الحفاظ على ابن أخيك الذي كنت تؤثره على

نفسك وعلى كل شيء. لذلك امتد حقدهم إليك.. وصاروا يص��ورون الف��ترة المكي��ة

.. وكأن��ك لم تكنالتي كنت السند األعظم فيها لرس��ول الل��ه موجودا فيه��ا.. ول��و أنهم تخل��وا عن كبري��ائهم، وراح��وا يق��رؤون السيرة من المصادر التي يعتم��دونها، لوج��دوا أن��ك أنت الناص��ر

األكبر لإلسالم، وأنه ال يقاس بك أحد في ذلك.. وهك��ذا الكث��ير من األق��ارب ال��ذين جمعهم رس��ول الل��ه

~ين يرتك األق��رب ��ذ~ر عش��~ وأن ﴾عن��دما أن��زل علي��ه قول��ه تع��الى: ﴿ [، وال��ذين أس��لموا، وكتم��وا إس��المهم، ح��تى214]الش��عراء:

.يقوموا بدورهم في حفظ اإلسالم، وحفظ رسول الله ولم يشذ عنهم في ذلك إال ذلك الخائن البليد أبا لهب الذي أثرت فيه زوج�ه أم جمي��ل أروى بنت ح�رب بن أمي��ة، أخت أبي سفيان، وعمة معاوي��ة، تل��ك ال��تي ورد ذكره��ا م��ع أبي لهب في

،القرآن الكريم، وال�تي آثره�ا وآث�ر قومه�ا على رس��ول الل��ه ~ي لهب وتب ) ��دا أب ت ي تب ( م��ا1﴿فنزل في��ه وفيه��ا قول��ه تع��الى:

ب ) ��ه وم��ا كس�� ��ه مال ��ارا ذات لهب )2أغنى عن لى ن (3( سيص����ة الحطب~ ) ��ه حمال د )4وامرأت ��ل م~ن مس�� ﴾(5( ف~ي ج~ي��د~ها حب

[5 - 1]المسد: وهي آي��ات كريم��ة ت��بين أن الس��بب ال��ذي جع��ل أولئ��ك

لم يكن مج��رداألقارب ال��ذين تش��رفوا بحماي��ة رس��ول الل��ه الحمي��ة القبلي��ة، وال القراب��ة، وال العش��ائرية.. ولكن��ه االقتن��اع

122

باإلس��الم.. ذل��ك أن عب��د المطلب وب��ني هاش��م ك��انوا يعلم��ونبالخير المدخر لهم من عند الله.

وقد ذكر المؤرخون العدول الذين لم ت��ؤثر فيهم تدليس��ات الفئ��ة الباغي��ة أن عب��د المطلب ك��ان وعش��يرته من المؤم��نين الموحدين، ومن الحنفاء الذين يتبعون ملة إبراهيم عليه السالم، ويذكرون أنه كان يمنع من طواف العراة، ويوفي بالنذر، ويؤمن بالمعاد، ويحرم الزنى، والخمر، ونكاح المحارم، وكان يأمر ولده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مك��ارم األخالق، وينه��اهم عن

.(1)دنيات األمور، وكان مجاب الدعوة

أن��ه ق��ال: )ي��ا علي، إن عب��دوهم ي��روون عن الن��بي المطلب كان ال يستقسم باألزالم، وال يعبد األصنام، وال يأكل م��ا

(2)ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين إبراهيم )عليه السالم(

وي��روون عن األص��بغ بن نبات��ة أن��ه ق��ال: س��معت أم��ير المؤمنين يقول: )والل�ه م�ا عب�د أبي وال ج�دي عب�د المطلب وال هاشم وال عبد مناف صنما قط(، قيل: فما كانوا يعب��دون؟ ق��ال: )ك�انوا يعب�دون - يص�لون إلى - ال�بيت على دين إب�راهيم )علي�ه

(3)السالم( متمسكين به(

كان يذكر نسبه إلي��ه، ويع��تز ب��ذلك،ويدل لهذا أن النبي

، والس��يرة النبوي��ة ل��دحالن )مطب��وع به��امش الس��يرة4 ص 1)( السيرة الحلبي��ة ج 1.21 ص 1الحلبية( ج

..56 ص 77)( بحار األنوار: ج 2

.١٤٤: ١٥ ،بحار األنوار: ١٧٤)( كمال الدين للصدوق: 3

123

وما كان ليتعز باالنتساب لمش��رك، فق��د ك��ان يق��ول ي��وم ح��نين عن��دما تف��رق عن��ه الن��اس: )أن��ا الن��بي ال ك��ذب أن��ا ابن عب��د

(1)المطلب.. اللهم أنزل نصرك(

وي��دل له��ذا م��ا ذك��ره علم��اء الس��يرة جميع��ا من أن عب��د المطلب � عندما جاء جيش أبرهة لهدم الكعبة � أخذ بحلقة ب��اب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وه��و آخ��ذ بحلق��ة ب��اب الكعب��ة

(2):

ال هم إن المرءيم

نع رحله فامنعحاللك ال يغلبن

صليبهم ومحالهم عدوا

محالك انصر على آلالصلي

ب وعابديهاليوم آلك إن كنت

تاركهم وكع بتنا فأمر ما بدا

:(3)ورووا أن عبد المطلب قام يدعو على الحبشة فقال لك

يا رب ال أرجو لهمسواكا

يا رب فامنعمنهم حماكا امنعهم أن يخربوا

قراكا إن عدو البيت

،ويدل لهذا ذلك التعظيم الذي كان يبدي��ه لرس��ول الل��ه من عاداكا ومن ذلك ما رواه المؤرخون من أن حليمة السعدية لما ق��دمت

.1400 ص 3(، ومسلم ج 4317 )622 ص 7)( البخاري ج 1

(.219/ 1)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )2

(219/ 1)( رواه البيهقي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )3

124

إلى مك��ة ض��اع من بين ي��ديها، فالتمس��ته فلمبرس��ول الل��ه تجده فأتت عبد المطلب فقالت: إني قدمت بمحمد ه��ذه الليل��ة فلما كنت بأعلى مكة أضلني، ف��و الل��ه م��ا أدري أين ه��و، فق��ام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله تعالى أن ي��رده علي��ه، ورووا

أنه قال حينها: يا رب إن محمدا

لم يوجد فجمع قومي كلهم

مبدد ال هم رد راكبيمحمدا

اردده لي ثم اتخذعندي يدا أنت الذي جعلته

لي عضدا ال يبعد الدهر به

أنت الذي سميته محمدافيبعدا ورووا أنه حينها سمع هاتفا من السماء يقول: )أيه��ا الن��اس

�ا لن يخذل�ه ولن يض��يعه(، فق�ال عب��دال تضجوا إن لمحمد رب المطلب: من لن��ا ب��ه؟ فق�ال: )إن�ه ب�وادي تهام�ة عن�د الش�جرة اليمنى(، فركب عبد المطلب نحوه وتبعه ورقة بن نوف��ل وس��ار

قائم تحت شجرة يجذب غصنا من أغص��انها فق��الفإذا النبي له جده: من أنت يا غالم؟ قال: أنا محم��د بن عب��د الل��ه بن عب��د المطلب، قال: وأنا جدك ف��دتك نفس��ي. واحتمل��ه وعانق��ه وه��و يبكي ثم رج���ع إلى مك���ة وه���و قدام���ه على قرب���وس فرس���ه فاطم��أنت ق��ريش، ونح��ر عب��د المطلب عش��رين ج��زورا وذبح

الشياه والبقر وأطعم أهل مكة من ذلك. وروي أن أمه آمنة قالت حينها: )أخشيتما عليه الش��يطان؟ كال والله ما للشيطان عليه سبيل، والله إن��ه لك��ائن ال ب��ني ه��ذا شأن.. حملت به فم��ا حملت حمال ق��ط أخ��ف من��ه، ف��أريت في النوم حين حملت به خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، ثم وقع حين ولدته وقعا ما يقعه المول��ود، معتم��دا

125

على يديه رافعا رأسه إلى السماء( وحينه��ا ق��ال عب��د المطلب ��� وال��ذي ك��ان عارف��ا بالش��أن

�: )يا حليمة إن البني ه��ذا ش��أنا.. وددتالعظيم لرسول الله (1)أني أدرك ذلك الزمان(

وهك��ذا وردت الرواي��ات الكث��يرة ال��تي تؤك��د إيم��ان عب��د المطلب، وأن بني هاشم لم يتدنسوا ب��ذلك الش��رك ال��ذي وق��ع

فيه من عداهم من أهل الجاهلية. لكن أولئك المتطرفين من قومي ال�ذين ورث��وا الجف��اء من الفئة الباغية راحوا يغالطون في ذل��ك، ال ل��دليل أو حج��ة، وإنم��ا

م��ع أنهم يعلم��ون أن(2)ألن هذا � كما يذكرون ��� ق��ول الرافضة الكثير ممن ينسبونهم ألهل الس��نة يق��ول ب��ذلك.. كالمس��عودي، واليعق���وبي، والم���اوردي، والسنوس���ي، والتلمس���اني محش���ي الشفاء، والسيوطي، والذي ألف عدة رسائل إلثبات ذل��ك، منه��ا مسالك الحنفا، وال��درج المنيف��ة في اآلب��اء الش��ريفة، والمقام��ة السندس��ية في النس��بة المص��طفوية، والتعظيم والمن��ة في أن

في الجنة، والسبل الجلية في اآلباء العلي��ة،أبوي رسول الله ونشر العلمين المنيفين في إثبات عدم وضع حديث إحي��اء أبوي��ه

وإسالمهما على يديه . : )لم يزل ينقل��ني الل��هولو أن أولئك الجفاة تأملوا قوله

من أصالب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرج��ني في

(390/ 1)( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد )1

كانوا مؤمنين(،)( كما قال أبو حيان األندلسي: )ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي 2.47 ص 7تفسير البحر المحيط ج

126

: )ما، وقوله: وقوله (1)عالمكم، ولم يدنسني بدنس الجاهلية( ول��دني من س��فاح الجاهلي��ة ش��يء وم��ا ول�دني اال نك��اح كنك��اح

(2)اإلسالم(

ذ~ين ها ال ياأي ﴿ولو جمعوا هذا الحديث وغيره مع قوله تعالى: ج~د الح��رام بع��د ��وا المس�� ر~كون نجس فال يقرب م��ا المش�� ~ن ��وا إ آمن

[ لعرف��وا الح��ق ال��ذي ت��دل علي��ه ك��ل28﴾عام~ه~م ه��ذا ]التوب��ة: الدالئل.

والعجيب أنهم يقبل����ون أن يك����ون في ق����ريش حنف����اء وموحدين.. من أمثال زيد بن عم��رو بن نفي��ل، ابن عم عم��ر بن الخطاب.. بل يروون عن��ه من ال�ورع والتق�وى الش��يء الكث��ير..

ولو كان من بني هاشم ما قبلوا منه ذلك. بل إن الغلو وصل بهم إلى درج��ة تفض��يله في ال��ورع على

.. فقد روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عم��ررسول الله لقي زي��د بن عم��رو بن نفي��ل بأس��فل بل��دح �أن رسول الله

ال��وحي ��� فق��دم إلي��هوذاك قبل أن ي��نزل على رس��ول الل��ه سفرة فيه��ا لحم، ف��أبى أن يأك��ل منه��ا، ثم ق��ال:رسول الله

)إني الآكل مما تذبحون على أنصابكم، والآكل إال مما ذكر اس��م (3)الله عليه(

، والبح��ار30 ص 1)( مروي في مصادر سنية وشيعية كثيرة منها: السيرة الحلبية ج 1 .117 ص 15ج

(214/ 8)( رواه الطبراني، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد )2

.225 : 6)( صحيح البخاري 3

127

ك��انوالعجب األكبر من هذا أنهم يروون أن رسول الله يأكل من تلك السفرة التي ت��ورع عنه��ا زي��د.. وق��د ص��رح ب��ذلك أحمد بن حنبل وأبو يعلى والبزار وغ��يرهم، وق��د ق��ال ابن حج��ر العسقالني معلقا على الحديث الس��ابق: )وق��د وق��ع في ح��ديث سعيد بن زيد الذي قهر منه وهو عن��د أحم��د، فك��ان زي��د يق��ول: عذت بما ع��اذ ب��ه اب��راهيم ثم يخ��ر س��اجدا للكعب��ة، ق��ال: فم��ر

وزيد بن حارثة وهما يأكالن من س��فرة لهم��ا ف��دعياه،بالنبي قال: )يابن أخي ال آكل مم��ا ذبح على النص��ب(، ق��ال: فم�ا رؤي

يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك(، وفي حديثالنبي زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما، ق�ال: خ�رجت م��ع

يوم��ا من مك��ة وه��و م��رد في م��ذبحنا ش��اة علىرسول الله بعض األص��نام فاذبحناه��ا فلقين��ا زي��د بن عم��رو، ف��ذكر الح��ديث

(1)مطوال، فقال زيد: اني ال أكل مما لم يذكر اسم الله عليه(

وهم يروون في هذا بفرح عظيم أن��ه ك��ان يق��ول لق��ريش: )إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، وال آك��ل إال م��ا ذك��ر اسم الله عليه(.. ويقول: )الشاة خلقها الل��ه تع��الى، وأن��زل له��ا من السماء الماء، وأنبت له��ا من االرض ثم ت��ذبحونها على غ��ير

(2)اسم الله(

راحوا ي��روون: أن رجاللكنهم إن جاءوا آلباء رسول الله : أين أبي؟، فقال: في النار، فلما قفا دعاه، وقالسأل النبي

(3)له: )إن أبي وأباك في النار(

..518 : 9)( فتح الباري 1

..3826)( صحيح البخاري، رقم 2

128

وهكذا قبلوا إيمان زيد بن عم��رو بن نفي��ل ��� ابن عم عم��ر .. وقبل��وا(1)بن الخطاب � وذكروا أن��ه في الجن��ة يس��حب ذي��وال

إيم��ان ورق��ة بن نوف��ل.. وذك��روا أن أمي��ة بن أبي الص��لت ك��اد يسلم في شعره.. وهكذا قبل الجميع ما عدا ب��ني هاش��م ال��ذين صوروهم بصورة الجفاة الغالظ المسدودة قلوبهم عن اإليم��ان،

غدوة وعشية وه��و بين أظه��رهم..مع أنهم يرون رسول الله ومع ذلك لم يؤثر فيهم، وأثر في األبعدين.

ولم يكن ذل��ك إال ولي��د الحق��د األم��وي عليهم، وال��ذي ت��دل عليه الروايات الكث��يرة، ومنه��ا م��ا رواه عبدالل��ه بن عم��ر ق��ال:

إذ مرت امرأة فقال رجلبينما نحن جلوس بفناء رسول الله من القوم: هذه ابنة محمد، فقال أبو سفيان: إن مثل محمد في ب��ني هاش��م مث��ل الريحان��ة في وس��ط النتن، ف��انطلقت الم��رأة

يع��رف الغض��ب في وجه��ه، فخ��رج الن��بي فأخبرت الن��بي فقال: )ما بال أقوال تبلغني عن أقوام! إن الل��ه تب��ارك وتع��الى خلق السموات فاخت��ار العلي��ا فأس��كنها من ش��اء من خلق��ه، ثم خل��ق الخل��ق فاخت��ار من الخل��ق ب��ني آدم، واخت��ار من ب��ني آدم الع��رب، واخت��ار من الع��رب مض��ر، واخت��ار من مض��ر قريش��ا، واختار من قريش بني هاشم، فأنا من بني هاشم من خي��ار إلى

(2)خيار(

وهم يروون هذا الحديث، ويروون ما يدل علي��ه من اختي��ار

.337 ص 1)( رواه مسلم وغيره، انظر: اإلصابة ج 3

..241 � 237 ص 2 والبداية والنهاية ج 168 و39 ص 1)( السيرة النبوية لدحالن ج 1

(73/ 4)( رواه الحاكم في المستدرك )2

129

البيئة المناسبة، وفي نفس ال��وقت يقبل��ونالله لرسول الله اإليمان من كل الناس إال من بني هاش��م.. وك��أن الل��ه اخت��ارهم

لجمال وجوههم، ال لطهارة قلوبهم.

بطوالت حمزة: اع��ذروني س��ادتي .. ألني ت��ركت الح��ديث عنكم، ورحت

أتحدث عن أولئك الذين ظلموكم، وال يزالون يظلمونكم.. الث��اني.. حم��زة.. فق��د كنتأما أنت يا عم رس��ول الل��ه

حقا أسد الله، وأسد رسوله، وسيد الشهداء، وكنت البطل الذي.أرغم المشركين عن كف أذاهم عن رسول الله

ولم تصبر على كتم إيمان��ك؛ ف��رحت تجه��ر ب��ه في ال��وقت ال��ذي رأيت في��ه أن الكتم��ان جع��ل المش��ركين أك��ثر عنجهي��ة

وكبرياء.. لقد روى المؤرخ��ون وأص��حاب الس��ير أن��ك بع��د أن رجعت

،من الصيد، أخبرك بعضهم بما فعله أبو جهل تج��اه الرس��ول فرحت تسرع إليه، لتنتقم منه، ثم ضربته على رأس��ه ب��القوس، ضربة شججته بها شجة منك��رة، ثم قلت ل��ه: أتش��تمه وأن��ا على

دينه، أقول ما يقول؟ فرد علي ذلك إن استطعت. لقد قلت ل��ه ذل��ك، بك��ل ق��وة، بع��د أن تض��رع إلي��ك، وراح يعت��ذر، لعلم��ه بش��جاعتك وبأس��ك.. حينه��ا ق��ام رج��ال من ب��ني

مخزوم لينصروا أبا جهل، وقالوا لك: ما نراك إال قد صبأت؟ فقلت لهم: وما يمنعني، وق��د اس��تبان لي من��ه أن��ه رس��ول الله، والذي يق��ول ح��ق؟! ف��و الل��ه ال أن��زع، ف��امنعوني إن كنتم

صادقين.130

حينها لم يمل��ك أب��و جه�ل إال أن يق�ول: )دع�وا أب�ا عم�ارة، (1)فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا(

وحين س��معت ق��ريش نب��أ إس��المك ال��ذي أعلنت��ه في تل��ك بعدالظروف الصعبة، صارت أكثر خوفا من إيذاء رسول الله

أن اجتم����ع على حمايت����ه كال العمين الص����ادقين المخلص����ينالمؤمنين: حمزة وأبي طالب.. باإلضافة ألكثر بني هاشم.

أنولم تكتف ب��ذلك، ب��ل رحت تطلب من رس��ول الل��ه يعلن دينه، وأال تأخذه في الله لوم�ة الئم.. وقلت ل�ه: )أظه�ر ي�ا

(2)ابن أخي دينك(

وهكذا عندما هاجرت إلى المدينة المنورة ك��ان س��يفك من تل�ك الس�يوف ال�تي نص��رت اإلس�الم، وبثت ال�رعب في قل��وب المش��ركين إلى أن حرض��ت هن��د زوج أبي س��فيان، وأم معاوي��ة وحش��يا على قتل��ك.. وق��د بل��غ به��ا الحق��د إلى أن راحت تل��وك

كبدك. فقد روى المؤرخون والمحدثون عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: غزونا الش��ام في زمن عثم��ان فمررن��ا بحمص بع��د العصر، فقلنا: وحشي! فقالوا: ال تقدرون عليه، هو اآلن يش��رب الخمر حتى يصبح. فبتنا من أجله وإنا لثمانون رجال، فلم��ا ص��لينا الصبح جئنا إلى منزله، فإذا شيخ كبير، قد طرحت له زربية ق��در مجلسه، فقلنا له: أخبرنا عن قتل حم��زة، فك��ره ذل��ك وأع��رض

ص1 والس��يرة النبوي��ة البن هش��ام ج 73 و72 ص 2)( ت��اريخ األمم والمل��وك ج 1312..

..72 ص 2)( تاريخ األمم والملوك ج 2

131

عنه، فقلنا له: ما بتنا هذه الليل��ة إال من أجل��ك. فق��ال: إني كنت عب��دا لجب��ير بن مطعم بن ع��دى، فلم��ا خ��رج الن��اس إلى أح��د دعاني فقال: قد رأيت مقتل طعيم��ة بن ع��دي، قتل��ه حم��زة بن عبد المطلب ي��وم ب��در، فلم ت��زل نس��اؤنا في ح��زن ش��ديد إلى يومي هذا، فإن قتلت حمزة فأنت حر. قال: فخرجت مع الن��اس ولي مزاريق، وكنت أمر بهند بنت عتبة فتق��ول: إي��ه أب��ا دس��مة، اشف واشتف! فلما وردنا أحدا نظرت إلى حم��زة يق��دم الن��اس يهدهم هدا فرآني وأنا قد كمنت له تحت ش��جرة، فأقب��ل نح��وي ويعترض له سباع الخزاعي، فأقبل إليه فق��ال: وأنت أيض��ا ممن يكثر علين��ا، هلم إلي! ق��ال: وأقب��ل حم��زة فاحتمل��ه ح��تى رأيت برقان رجليه، ثم ضرب به األرض ثم قتله. وأقبل نح��وي س��ريعا حتى يعترض له جرف فيقع فيه، وأزرقه بمزراقي فيقع في ثنته حتى خرج من بين رجليه، فقتلته، وأمر بهند بنت عتبة فأعطتني

(1)حليها وثيابها(

قدورووا أنهم )وجدوا حمزة بن عبد المطلب عم النبي بقر بطنه، وحملت كبده احتملها وحشي، يذهب بكب��ده إلى هن��د

(2)بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر(

وهم إلى اآلن يعظمون هن��دا ووحش��يا، ويترض��ون عليهم��ا، ويعتبرونهما من الصحابة األجالء الذين ال يجوز الحديث عنهم، أو الحط من ش��أنهم، ب��ل يعت��برونهم من الع��دول ح��تى ل��و ش��ربوا الخمر، مثلما كان يشربها وحشي، ألن الخمر عندهم ال تؤثر في

(، وأحم��د في4072(، وانظر: والبخاري في ص��حيحه: )286/�� 1)( مغازي الواقدي )1(16077مسنده: )

(214/ 3)( دالئل النبوة للبيهقي )2

132

العدالة، وإنما يؤثر فيها محبة أه��ل ال��بيت أو ال��والء لهم.. حينه��الن يبقى ألحد حرمة حتى لو كان صحابيا.

عليك ��� ي��ا حم��زة ��� مثلم��ا ح��زنوقد حزن رسول الله على عم��ه أبي ط��الب.. ب��ل طلب أن يق��ام علي��ك الع��زاء ح��تى يع��رف المس��لمون فض��لك وقيمت��ك ودورك في خدم��ة اإلس��الم

ونصرته. � حين رج��ع إلىوقد قال ابن إسحاق: )ومر رسول الله

المدينة ��� ب��دور من األنص��ار؛ فس��مع بك��اء الن��وائح على قتالهم، ثم قال: )لكن حمزة ال ب��واكي ل��ه(،فذرفت عينا رسول الله

فأمر سعد بن معاذ، أو أسيد بن حضير نساء بني عب��د األش��هل: أن ي��ذهبن ويبكين حم��زة أوال، ثم يبكين قتالهن. فلم��ا س��مع بك��اءهن، وهن على ب��اب مس��جده أم��رهن ب��الرجوع، ونهى

حينئ��ذ عن الن��وح، فبك��رت إلي��ه نس��اء األنص��ار، وقلن: بلغن��ا ي��ا رس��ول الل��ه، أن�ك نهيت عن الن��وح، وإنم��ا ه�و ش��يء نن��دب ب�ه موتانا، ونجد بعض الراح�ة؛ ف��أذن لن��ا في�ه. فق��ال: إن فعلتن فال تلطمن، وال تخمشن، وال تحلقن شعرا، وال تشققن جيب��ا، ق��الت أم سعد بن معاذ: فما بكت منا امرأة قط إال ب��دأت بحم��زة إلى

(1)يومنا هذا(

وما قالته أم سعد � سيدي أبا عمارة � رد بلي��غ على أولئ��ك الذين يمنعون المحبين ل��ك وأله��ل ال��بيت الط��اهرين من إقام��ة الع��زاء لكم أو ذك��ركم أو اإلش��ادة بكم.. ألنهم يعلم��ون أنكم ال يمكن أن ت��ذكروا إال وي��ذكر معكم أولئ��ك البغ��اة ال��ذين حرف��وا اإلسالم وشوهوه، ومألوه بكل الدنس ال��ذي أص��اب األدي��ان من

.254 ص 2)( السيرة الحلبية ج 1

133

قبله.

بطوالت علي: أما أنت يا علي.. فما عس��اي أق��ول عن��ك.. وه��ل يمكن أن تسعفني األلفاظ في شرح تفاص��يل أدوارك في نص��رة اإلس��الم

في كل مراحله.. فأنت من شهدت له ك��ل ال��دواوين، وك��ل الم��ؤرخين بأن��ك بطل اإلسالم األكبر.. فأكثر الغزوات، كنت أنت بطلها، ومبت��دأها

وخبرها، وأولها وخاتمتها.. قب��ل إس��المه(1)حتى قال فيك أسيد بن أبي أناس الكناني

:(2)يخاطب قريشا

في كل مجمع غايةأخزاكم

جذع يفوق علىالمذاكي القرح هذا ابن فاطمة

الذي أفناكم ذبحا وقتال بغضه لم

يربح ه دركم ألما للتذكروا

قد يذكر الحر الكريمويستحي يض��ع الراي��ة في ي��دك في ك��لولهذا ك��ان رس��ول الل��ه

الغزوات، ومن المعلوم أن أول ما يفعله األعداء هو قتل صاحب الراية، حتى يتمكنوا من إسقاطها، ومن تحقيق النص��ر المعن��وي

يس��لمها ل��ك، لعلم��هالذي يريدون، ولذلك ك��ان رس��ول الل��ه بشجاعتك وثباتك.

(. 508 / 2)( وهو أسيد بن إياس بن وئيم الكناني. وقد قال هذه األبيات قبل إسالمه. )ابن حجر، اإلصابة 1

(.231/ 1)( اإلصابة في تمييز الصحابة )2

134

وقد قال ابن عباس يذكر ذل�ك: )لعلي بن أبي ط�الب أرب�ع م��ا هن ألح��د: ه��و أول ع��ربي وعجمي ص��لى م��ع رس��ول الل��ه

وهو صاحب لوائه في كل زح��ف، وه��و ال��ذي ثبت مع��ه ي��وم، (1)المهراس )أي يوم أحد(؛ وفر الناس، وهو الذي أدخله قبره(

وعن مالك بن دينار ق��ال: س��ألت س��عيد بن جب��ير وإخوان��ه ك��انق��الوا:؟ من القراء: من ك��ان حام��ل راي��ة رس��ول الل��ه

(2)حاملها علي(

وقد ورد في الروايات أن الفئة الباغية كانت تنهى عن أمثال هذه الروايات، وقد روي أنه لما سأل بعضهم سعيد بن

جبير عن ذلك غضب سعيد، فشكاه إلى إخوانه من القراء، فعرفوه: أنه خائف من الحجاج، فعاد وسأله، فقال: كان حاملها

.(3)علي، هكذا سمعت من عبد الله بن عباس

وفي رواية: )كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبس�ي،فإذا كان القتال؛ أخذها علي بن أبي طالب(

ولم يكن حمل الراية ليشغلك عن القتال، ب��ل كنت البط��ل األكبر في كل المعارك، وقد ذكر المؤرخون أنك في بدر وح��دها

، في نفس الوقت ال��ذي(4)قتلت اثنين وعشرين من المشركين قتل فيه حمزة بن عبد المطلب تسعة، وقتل عمار بن ياس��ر بن

وإرشاد المفيد22 و21 ، ومناقب الخوارزمي ص 111 ص 3)( مستدرك الحاكم ج 1.48ص

.167 ص 2 وينابيع المودة ج 75)( ذخائر العقبى ص 2

وصححه.137 ص 3)( مستدرك الحاكم ج 3

135

ياسر خمسة، وقت�ل أب�و دجان�ة أربع�ة، وقت�ل الزب�ير ين الع�واماثنين، وقتل عبدالرحمن بن عوف اثنين..

��ذكر ه��ذا، وال ت��ذكر بطولت��ك في ه��ذه ولكن م��ع ذل��ك ال ي المعركة التي كانت فرقانا بين الحق والباط��ل، وال ي��ذكر كون��ك سيف الله المسلول فيها وفي غيرها على أعدائه، بل ينقل ه��ذا

، رغم أنف التاريخ، وكل األحداث التي نقلها(1)اللقب إلى غيرك المؤرخون الذين يعتمدونهم.

وهكذا كنت في تل��ك المعرك��ة المفص��لية الفارق��ة بين الح��ق (2)والباطل � أنت وابن عمك عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب

الهاشمي الذي ال يك��اد يعرف��ه أح��د، وحم��زة بن عب��د المطلب � كان ثالثتكم أول من قابل المشركين في المبارزة، وذلك عندماخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة، وابنه الوليد من المشركين.

)( ذكرهم ابن هشام في السيرة بأسمائهم، فقد بل��غ من قتلهم علي بن أبي ط��الب4 أو شارك في قتلهم � عن��ده ��� واح��د وعش��رون رجال، وعن��د الواق��دي بل��غ من قتلهم علي

،715-1/708أوشرك في قتلهم، اثنان وعشرون رجال، انظر: ابن هشام، السيرة النبوي��ة .152 / 1المغازي

هو ال��ذي أطل��ق ه��ذه التس��مية على خال��د،)( الرواية التي تقول: إن رسول الله 1 وفي مناسبة حرب مؤتة، حينما أمر خال�د نفس�ه على الن�اس، بع��د قت�ل جعف�ر، وزي�د بن

ق�ال: »اللهم إن�ه س�يف من س�يوفك، ف�أنتحارثة، وابن رواح�ة، حيث يزعم�ون: أن�ه تنصره«.. فمنذ يومئذ سمي خالد: سيف الله، رواية غير صحيحة، ألن خالدا انهزم بالناس

األوسمة للمهزوم، وحينما عاد الجيش إلى المدينة جع��لفي مؤتة، فكيف يعطي النبي الناس يحثون التراب في وجوههم، ويقولون: يا فرار في سبيل الل��ه.. ودخ��ل أف��راد ذل��ك الجيش إلى بيوتهم، ولم يعد يمكنهم الخروج منها، ألنهم كلما خرجوا صاح الناس: أف��ررتم

.42 ص 3في سبيل الله.. انظر: تاريخ الطبري ج

في أسلم قديما، وكان رأس بني عبد من��اف حينئ��ذ، ك��ان م��ع الن��بي )( وقيل ابن الحرث بن عبد المطلب القرشي المطلبي، ابن عم النبي 2

(. 449 / 2. وابن حجر، اإلصابة 52 - 50 / 3مكة ثم هاجر وشهد بدرا وقتل فيها. )انظر : ابن سعد في الطبقات الكبرى

136

وذلك حين نادى مناديهم: يا محمد ! أخرج إلينا أكفاءن��ا من يعرف شجاعتك على الرغم من أنهاقومنا، وكان رسول الله

،أول معركة في اإلسالم، لذلك ق��ال: )قم ي��ا عبي��دة بن الح��رثوقم يا حمزة، وقم يا علي(

فلما قمتم، بارز عبيدة ��� وك��ان أس��نكم ��� عتب��ة بن ربيع��ة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارزت أنت الولي��د بن عتب��ة؛ فأم��ا حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأم��ا أنت فلم تمه��ل الولي��د أن قتلته، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كالهما جرح صاحبه،

. (1)وكررت أنت وحمزة بأسيافكما على عتبة فقتلتماه

وب��ذلك ك��انت أول مب��ارزة في اإلس��الم مب��ارزة هاش��مية، وأول ش��هيد في أخط��ر معرك��ة رج��ل من ب��ني هاش��م، ال يك��اد يعرفه الن��اس، ألن عق��ولهم مألوه��ا بالطلق��اء، وقل��وبهم مألوه��ا

بحب البغاة. وفيك وفي أصحابك من المتبارزين نزل قول الل��ه س��بحانهذ~ين كف��روا ه~م فال موا ف~ي رب مان~ اختص�� ﴿وتع��الى ه��ذان~ خص��ه~م الحم~يم ب م~ن ف��وق~ رءوس��~ ��ار يص�� ��اب م~ن ن ~ي ﴾قطعت لهم ث

[، وقد روى المحدثون في ذلك عن��ك أن��ك قلت: )أن��ا19]الحج: ي��وم القيام��ة(، وق��الأول من يجثو بين يدي الرحمن للخص��ومة

موا ف~ي مان~ اختص�� ﴿قيس بن عبادة: )وفيهم أن��زلت ه��ذان~ خص��ه~م ]الحج: [ ق��ال: هم ال��ذين تب��ارزوا ي��وم ب��در، حم��زة19﴾رب

وعلي وعبيدة ��� أو أب��و عبي��دة ��� بن الح��ارث، وش��يبة بن ربيع��ة.(2)وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة

. 85 / 1. والمقريزي، امتاع األسماع 625 / 1)( انظر : ابن هشام، السيرة النبوية 1

137

وهكذا كانت شجاعتك في معركة أحد التي فر فيه�ا الكث��ير ، في نفس الوقت الذي ثبت فيه ثباتا عظيما،عن رسول الله

.(1)ال يكاد يذكره أحد

وفي ه��ذه المعرك��ة أيض��ا قتلت الكث��ير من المش��ركين، حينم��ا وق��ع فيوكنت أنت ال��ذي أخ��ذ بي��د رس��ول الل��ه

كنت أنت ال��ذي س��كب الم��اء.. ولم��ا ج��رح الن��بي (2)الحفرة. (3)عليه، وفاطمة تغسل الدم عن وجهه

وهكذا كانت شجاعتك يوم الخندق.. ذلك اليوم الذي اجتمع فيها الشرك والنفاق واليهودية لضرب اإلسالم، ووصف الله في��ه~ذ ج��اؤوكم من ف��وق~كم وم~ن إ ﴿كي��ف تزل��زلت القل��وب بقول��ه: ون ��اج~ر وتظن ~ذ زاغت األبصار وبلغت~ القلوب الحن أسفل م~نكم وإ

ه~ الظنونا ~الل [10 ]األحزاب:﴾ب في ذلك اليوم الذي ارتعدت فيه القلوب، وبلغت الحن��اجر،~ه~م مرض ما وع��دنا الل��ه ��وب ذ~ين ف~ي قل ��اف~قون وال ﴿وق��ال المن

غرورا ]األحزاب: ~ال [ كان قلبك � م��والي وس��يدي �12﴾ورسوله إثابتا ممتلئا قوة وإيمانا.

في ذلك اليوم خرج عمرو بن عبد ود، ونادى بك��ل كبري��اء:. 84 / 3)( رواه البخاري، 2

. 7/224. وابن كثير، البداية والنهاية 67)( انظر : تاريخ خليفة بن خياط ص 1

. 2/80)( ابن هشام، السيرة النبوية 2

. 3/109)( انظر االحديث في ذلك في صحيح البخاري، كتاب المغازي 3

138

هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المس��لمين، فاس��تأذنت حينه��ا��ه عم��رو(.. ثم ك��رر الن��داء ثاني��ةرسول الله ، فق��ال ل��ك: )إن

، فيجيبك بمث��لوثالثة، وأنت في كل حين تستأذن رسول الله ذلك، إلى أن اكتشف من كان حاض��را في تل��ك المعرك��ة أن��ه ال

.. ولميمكن ألح��د أن ي��برز ل��ه، حينه��ا أذن ل��ك رس��ول الل��ه يؤخرك حرصا عليك، وإنما أخرك ليعرف الجمع مقامك.

إلي��ك، وإلى األن��واروعندما برزت له، ونظر رسول الله (1)التي تشع منك، قال: )برز االيمان كله إلى الشرك كله(

وعندما دنوت من عدوك اللدود صاحب القوة والبطش، لم تستعجل بض��ربه، وإنم��ا رحت ت��دعوه إلى الل��ه،وتق��ول ل��ه: )ي��ا��ك كنت تق��ول: ال ي��دعوني أح��د إلى ثالث إال قبلته��ا أو عم��رو إن واحدة منها(، قال: أج��ل، فقلت: )إني أدع��وك إلى ش��هادة أن ال إله إال الله، وأن محمدا رسول الله، وأن تسلم لرب الع��المين(، فقال: أخر هذا عني، فقلت: )أما أنه��ا خ��ير ل��ك ل��و أخ��ذتها(، ثم قلت له: ه��ا هن��ا أخ��رى، ق��ال: وم��ا هي؟ قلت: ترج��ع من حيث أتيت، قال: ال، تحدث نساء قريش عني بذلك أبدا، فقلت: ها هنا

أخرى، قال: وما هي؟ قلت: أبارزك وتبارزني. حينها تعجب عم��رو من جرأت��ك، وض��حك ض��حكة س��خرية، وقال: إن ه�ذه الخص�لة م�ا كنت أظن أح�دا من الع�رب يطلبه�ا مني، وأنا أكره أن أقتل الرج�ل الك�ريم مثل�ك، وق�د ك�ان أب�وك ��ا نديما لي، فقلت: وأنا كذلك، ولكني أحب أن أقتلك ما دمت أبي

للحق. بعدها حصل ما عبر عنه جابر بن عبد الله بقول��ه: )وتج��اوال

.3/136 ، ومناقب آل أبي طالب: 194، وإعالم الورى ص1/205)( كشف الغمة: 1

139

وثارت بينهما ف��ترة، وبقي��ا س��اعة طويل��ة لم أرهم��ا وال س��معت (1)لهما صوتا، ثم سمعنا التكبير فعلمنا أن عليا قد قتله(

وهكذا كانت شجاعتك يوم خيبر.. ذلك الذي ش��هد ل�ك في��ه التاريخ، وحفظه الرواة، ونقلوه باألسانيد الكثيرة ال��تي ال مج��ال للشك فيها، منها ما حدث به عب��د الرحم��ان بن أبي ليلى، ق��ال: كان علي يخرج في الشتاء في إزار ورداء، ث��وبين خفيفين، وفي الصيف في القباء المحشو، والثوب الثقيل، فق��ال: الن��اس لعب��د الرحمان: لو قلت ألبيك فإن�ه يس�هر مع�ه، فس�ألت أبي، فقلت: إن الناس قد رأوا من أمير المؤمنين شيئا استنكروه، قال: وم��ا ذاك؟ قال: يخرج في الحر الشديد في القباء المحش��و، والث��وب الثقيل، وال يب��الي ذل��ك، ويخ��رج في ال��برد الش��ديد في الث��وبين الخفيفين، والمالءتين، ال يبالي ذلك، وال يتقي بردا، فهل سمعت في ذلك شيئا؟ فق��د أم��روني أن أس��ألك أن تس��أله إذا س��مرت عنده، فس��مر عن��ده، فق��ال: ي��ا أم��ير المؤم��نين، إن الن��اس ق��د تفقدوا منك شيئا، قال: وما هو؟ ق��ال: تخ��رج في الح��ر الش��ديد في القباء المحشو، والث��وب الثقي��ل، وتخ��رج في ال��برد الش��ديد في الث��وبين الخفيفين، وفي المالءتين، ال تب��الي ذل��ك وال تتقي بردا، قال: وم��ا كنت معن��ا ي��ا أب��ا ليلى بخي��بر؟ ق��ال: قلت: بلى،

بعث أب��ا بك��ر،والله قد كنت معكم، ق��ال: ف��إن رس��ول الل��ه فس��ار بالن��اس ف��انهزم، ح��تى رج��ع إلي��ه، وبعث عم��ر، ف��انهزم

: ألعطين الراي�ةبالناس، حتى انتهى إليه، فق�ال رس��ول الل�ه رجال يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرار، فأرسل إلي فدعاني، فأتيته وأنا أرمد ال أبصر شيئا، فتفل في عيني، وقال: اللهم اكفه الحر وال��برد، ق��ال: فم��ا آذاني بع��د

.204 ص3)( انظر: البيهقي في دالئل النبوة، السيرة النبوية البن كثير ج1

140

.(1)حر وال برد

لقد شهد الكثير من الص��حابة ذل��ك الموق��ف، وكلهم تمن��وا أن يحصل لهم مثله.. لقد ورد في الحديث عن س��عد بن وق��اص قوله، وهو يذكر مناقب��ك: )وس��معته يق��ول ي��وم خي��بر: )ألعطين الراية رجال يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا لها��ا، ف��أتى ب��ه أرم��د، فبص��ق فى عين��ه، ودف��ع فقال: ادعو لى علي

(2)الراية إليه، ففتح الله عليه(

وقد ذك��ر المؤرخ��ون م��ا فعلت يومه��ا، حيث ك��ان لقيادت��ك للمعركة أثر النفسي الكبير على اليهود، فقد رووا أن��ه )أش��رف على علي رج��ل من اليه��ود، فق��ال من أنت؟ ق��ال: أن��ا علي بن~بتم يا معش��ر اليه��ود.. وك��ان علي أبي طالب، فقال اليهودي: غل صاحب الراية والفاتح لحصون اليهود من ب��ني النض��ير وقريظ��ة

~ل أشرافهم وأشدائهم( (3)في المدينة وقات

وق��ال ابن هش��ام: )ق��ال س��لمة: فخ��رج ]علي[ والل��ه به��ا ]الراية[ يؤج )يركض وله حفيف( أو يأنح )يعل��و بنفس��ه(، يه��رول هرولة وإنا خلفه نتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حج��ارة تحت الحصن، فاطلع إلي��ه يه��ودي من رأس الحص��ن، فق��ال من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي: علوتم والذي

(، ومسلم:4209 )5/171( وفي 3702 )5/23( و2975 )4/64، ورواه البخاري: 117(، وابن ماجة 1117 )1/133( و778 )1/99)( رواه أحمد 1

7/122( 6303)

؛5/638)( رواه الترمذى فى المناقب: مناقب على بن أبى ط�الب، وق�ال: ه�ذا ح�ديث حس�ن ص�حيح غ�ريب من ه�ذا الوج�ه. ص�حيح الترم�ذى: 2

.5/268وأخرجه مسلم من الطريقين جميعا فى فضائل الصحابة: من فضائل على بن أبى طالب:

..220، ص 2)( ابن األثير، الكامل في التاريخ، ج 3

141

أنز~ل على موسى! أو كم�ا ق�ال. فم�ا رج�ع ح�تى فتح الل�ه على (1)يديه(

ومن أحداث تلك المعرك��ة م��ا ذك��ره الواق��دي ق��ال: ).. ثم دفع إليه اللواء، ودعا ل��ه ومن مع��ه من أص��حابه بالنص��ر، فك��ان أول من خرج إليهم الحارث أخو م��رحب في عاديت��ه، فانكش��ف المس��لمون وثبت علي، فاض��طربا ض��ربات فقتل��ه علي، ورج��ع أص��حاب الح��ارث إلى الحص��ن ف��دخلوه وأغلق��وا عليهم، فرج��ع

المسلمون إلى موضعهم، وخرج مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني

مرحب شاكي السالح

أضرب أحيانا وحينا أضرببطل مجرب فحمل علي فقطره، على الباب وفتح الباب: وكان للحصن

(2)بابان(

وق��ال ابن األث��ير: )وخ��رج م��رحب ص��احب الحص��ن وعلي��ه مغفر )ما يدرع به الرأس( قد نقبه مث��ل البيض��ة )الخ��وذة( على

رأسه، وهو يقول: قد علمت خيبر أني

مرحب شاكي السالح

بطل مجرب فقال علي: أنا الذي سمتني

أمي حيدرة أكيلكم بالسيف كيل

السندرة.798، ص 2)( ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1

(.654/ 2)( مغازي الواقدي )2

142

ليث بغابات شديد قسورة فاختلفا ضربتين، فبدره علي، فضربه، فقد )شق( الحجف��ة)الترس( والمغفر ورأسه حتى وق��ع في األرض، وأخ��ذ المدين��ة(

(1)

وغيرها من األح��داث ال��تي اتف��ق المؤرخ��ون على روايته��ا، وعلى اعتبارك بطل خي��بر األك��بر، وي��روون أن حس��ان بن ث��ابت

: (2)قال حينها، وبعد فتح خيبر على يديك

وكان علي أرمد العينيبتغى

دواء، فلما لميحس مداويا شفاه رسول الله منه

بتفلة فبورك مرقيا،

وبورك راقيا وقال سأعطى الرايةالقوم صارما

مكينا محبا لإللهمواليا به يفتح اللهيحب إلهى، واإلله يحبه

الحصون األوابيا فخص لها دون البريةكلها

عليا، وسماه الوليالمؤاخيا وقال أيضا:

جبريل نادى~نا معل

والنقع ليسبمنجلي والمسلمون قد

أحدقوا حول النبي

المرسل ال سيف إالذوالفقار

وال فتى إال ومع ذلك كله لم تكن تنس��ب لنفس��ك ش��يئا، وق��د روي أنعلي

بعضهم سألك: )يا أبا الحسن، لقد اقتلعت منيعا، وأنت ثالثة أيام..220، ص 2)( ابن األثير، الكامل في التاريخ، ج 1

..16.؛ سبط ابن الجوزي، التذكرة، ص 177)( ابن حجر، نهج االيمان، ص 2

143

خميصا، فه�ل قلعته�ا بق�وة بش�رية؟(، فقلت: )م�ا قلعته�ا بق�وة بش��رية، ولكن قلعته��ا بق��وة إلهي��ة، ونفس بلق��اء ربه��ا مطمئن��ة

(1)رضية(

وقد قلت في رسالتك لسهل بن ح��نيف: )والل��ه، م��ا قلعت باب خيبر، ورميت به خلف ظهري أربعين ذراع��ا بق��وة جس��دية، وال حركة غذائية، لكنني أيدت بق��وة ملكوتي��ة، ونفس بن��ور ربه��ا

(2)مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء(

وهك��ذا ك��ان حال��ك في ك��ل المواق��ف.. لق��د ق��ال ابن أبي الحديد يصف شجاعتك: )وأما الشجاعة فإنه أنسى الن��اس فيه��ا ذكر من ك��ان قبل��ه، ومح��ا اس��م من ي��أتي بع��ده، ومقامات��ه في الح��رب مش��هورة تض��رب به��ا األمث��ال إلى ي��وم القيام��ة. وه��و الشجاع الذي ما فر قط، وال ارت��اع من كتيب��ة، وال ب��ارز أح��دا إال

(3)قتله، وال ضرب ضربة قط فاحتاجت األولى إلى الثانية(

وقد شهد لك أعداؤك بتلك الشجاعة والبطول��ة، فق��د روي أنه لما دعوت معاوية إلى المبارزة ليستريح الن��اس من الح��رب بقتل أحدكما، ق�ال ل�ه عم�رو: لق�د أنص�فك، فق�ال معاوي�ة: م�ا غششتني منذ صحبتني إال اليوم، أت��أمرني بمب��ارزة أبي الحس��ن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق، أراك طمعت في امارة الش��ام

.40 ص 21)( البحار ج 1

.26 ص 21 والبحار ج 307)( أمالي الصدوق ص 2

.20/ 1)( شرح نهج البالغة � ابن أبي الحديد 3

144

.. (1)بعدي

بل إن أعداءك كانو يفتخرون بأنك أنت الذي قتلتهم.. فق��د:(2)روي أن أخت عمرو بن عبد ود قالت ترثيه

لو كان قاتل عمروغير قاتله

بكيته ما أقام الروحفي جسدي لكن قاتله من ال

نظير له وكان يدعى أبوه بيضة

وما تلك الشجاعة والبطولة التي وهبك الله إياه��ا من دونالبلد كث��ير من الن��اس إال لم�ا ك�ان في قلب�ك من ق�وة اإليم��ان ال�تي

.. لذلك كنت تخرج في أي��امزرعها فيك وتعهدها حبيك محمد صفين وح��دك بغ��ير حماي��ة، ولم��ا قي��ل ل��ك: تقت��ل أه��ل الش��ام بالغ����داة وتظه����ر بالعش����ي في إزار ورداء؟ قلت: )ب����الموت تخوف��وني؟ ف�و الل�ه م�ا أب�الي س�قطت على الم�وت أم س��قط

(3)علي!(

بطوالت جعفر: أما أنت يا جعفر.. أيها البط��ل الطي��ار .. ي��ا أول س��فير في اإلسالم.. وأول من عرف بقيمه النبيلة في إفريقيا.. م��ا عس��اي أقول عنك وعن بطوالتك، ونصرك لإلسالم، ودعوتك إليه.. فأنت مثل أخيك األصغر اإلمام علي.. ومثل أبيك أبي طالب .. ق��دمت

حياتك جميعا في سبيل الله. .1/131، محاضرات االدباء للجاحظ 5/217 و1/20)( شرح نهج البالغة 1

.20/ 1)( شرح نهج البالغة � ابن أبي الحديد 2

.102/ 1)( العقد الفريد 3

145

لكن��ك م��ع ذل��ك كل��ه ال تك��اد ت��ذكر.. فق��د كتب ق��ومي في فضائل معاوية وهند وعمرو بن الع��اص وبس��ر وس��مرة ومس��لم بن عقبة.. وكل من رمى أخاك عليا ولو بسهم واحد.. ونسوا أن يكتبوا عنك.. وكأنك نك��رة، وكأن��ك لس��ت من الس��ابقين األولين

ليمثلوا اإلسالم، ويعطوالإلسالم.. والذين انتدبهم رسول الله أحسن النماذج عنه.

لقد ذكر الرواة مواقفك البطولي��ة، وأش��ادوا به��ا، وب��دورك العظيم في إقناع النجاشي والكثير من أهل الحبش��ة باإلس��الم.. وكي��ف اس��تطعت بق��وة إيمان��ك، ورق��ة ح��ديثك، وق��وة حجت��ك، وجمال فصاحتك وبالغتك أن توصل إليهم ذلك اإلسالم الجمي��ل

الذي لم يدنسه البغاة وأصحاب الملك العضوض. لق��د ح��دثت أم س��لمة عن ذل��ك الموق��ف الت��اريخي ال��ذي

)لم��ا نزلن��ا أرضوقفته، والذي ال تزال األجيال تنبهر به، فقالت: الحبشة جاورنا بها خير ج��ار النجاش��ي، آمن��ا على دينن��ا، وعب��دنا الله ال نؤذى وال نسمع شيئا نكرهه، فلما بعثت قريش عب��د الل��ه بن أبي ربيع�ة وعم��رو بن الع�اص به�داياهم إلى النجاش��ي وإلى بطارقته، أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وس��لم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض: م��ا تقولون للرجل إذا جئتموه؟ ق��الوا: نق��ول والل��ه م��ا علمن��ا، وم��ا أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلم��ا ج��اءوه، وق��د دع��ا النجاشي أساقفته فنش��روا مص��احفهم حول��ه، ثم س��ألهم فق��ال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم ت��دخلوا ب��ه في ديني وال في دين أحد من ه�ذه األمم؟ ق��ال: فك��ان ال�ذي كلم��ه جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلي��ة، نعبد األصنام، ونأكل الميتة، ون��أتي الف��واحش، ونقط��ع األرح��ام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا على ذل��ك ح��تى

146

بعث الله تعالى إلينا رسوال من��ا، نع��رف نس��به وص��دقه وأمانت��ه وعفافه، فدعانا إلى الله تع�الى لنوح�ده ونعب��ده، ونخل�ع م�ا كن�ا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة واألوثان، وأمرن��ا بص��دق الحديث، وأداء األمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش، وق��ول ال��زور، وأك��ل م��ال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده وال نشرك به شيئا، وأمرنا بالصالة والزكاة والصيام - ق��ال: فع��دد علي��ه أم��ور اإلسالم - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله ع��ز وجل، فعبدنا الله وحده فلم نشرك ب��ه ش��يئا، وحرمن��ا م��ا ح��رم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علين��ا قومن��ا فع��ذبونا وفتنون��ا عن ديننا ليردونا إلى عب��ادة األوث��ان من عب��ادة الل��ه ع��ز وج��ل، وأن نس��تحل م��ا كن��ا نس��تحل من الخب��ائث، فلم��ا قهرون��ا وظلمون��ا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بالدك فاخترن�اك على من سواك، ورغبنا في ج��وارك، ورجون��ا أن ال نظلم عن��دك

(1)أيها الملك(

وعن��دما انتتهيت من ه��ذه الخطب��ة البليغ��ة ال��تي جمعت اإلس��الم، وع��رفت ب��ه أحس��ن تعري��ف انبه��ر النجاش��ي ب��ك وبشجاعتك وبالحق الذي تحمله، فقال لك: هل معك مما جاء به

عن الله من شيء؟ .. وك��انوكنت تحفظ حينها كل ما نزل على رسول الله

في إمكان��ك أن تخت��ار أي س��ورة، لكن��ك كنت حكيم��ا، تع��رف دينهم، فرحت تق��رأ علي��ه أوائ��ل س��ورة م�ريم بص��وتك الش��جي

الخاشع الجميل.

(.115/ 1)( حلية األولياء وطبقات األصفياء )1

147

حينه��ا حص��لت ت��ك الرج��ة العظيم��ة في القل��وب، وال��تي وصفتها أم سلمة، فقالت: )فبكى النجاش�ي والل��ه ح�تى أخض�ل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مص��احفهم حين س��معوا م��ا

تلي عليهم( ثم ق��ال مخاطب��ا ل��ك وللثل��ة المؤمن��ة مع��ك: )إن ه��ذا ه��و

والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة( ثم ق��ال لعم��رو بن الع��اص وص��احبه: )انطلق��ا فوالل��ه ال

أسلمهم إليكما، وال أكاد( ثم قال: )اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: اآلمنون - من مسكم غرم، من مسكم غرم، من مسكم غرم، ما أحب أن لي دب��ر ذهب وأني آذيت رجال منكم - وال��دبر بلس��ان الحبش��ة الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فال حاجة لي بها، فوالل��ه م��ا أخ�ذ الله مني الرش�وة حين رد علي ملكي فآخ�ذ الرش��وة في�ه، وم�ا

أطاع الناس في فأطيعهم فيه( ثم ق���الت أم س���لمة معلق���ة على نهاي���ة ذل���ك المش���هد: ) فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما ج��اءا ب��ه. وأقمن��ا

عنده بخير دار مع خير جار( هل تعلم سيدي أن قومي قد اس��تبدلوك ب��ذلك ال��ذي ج��اء يطلبك والثلة المؤمنين معك.. والذي لم تدمع عيناه في ال��وقت ال��ذي دمعت في��ه ك��ل تل��ك العي��ون.. لق��د ص��اروا يثن��ون علي��ه، ويعتبرونه من كبار الصحابة.. أما أنت فقد ألق��وك في س��راديب

الغفلة والنسيان. لقد صاروا يطلقون عليه فاتحا ألنه ذهب إلى مص��ر يحم��ل

148

سيفه، بينم��ا أنت لم تكن تحم�ل لنش�ر اإلس��الم س��وى لس��انك،وتلك القيم النبيلة التي مثلتها أحسن تمثيل..

لقد صار الس��يف عن��دهم ه��و المع��بر عن اإلس��الم، ال تل��ك الحجج البليغة التي كنت ترسلها؛ فتدمع العيون لسماعها، وترتج

القلوب لهيبتها. لقد استطعت بحجتك القوية، وتمثيل��ك النم��وذجي لإلس��الم أن تقنع النجاشي، وكبار أهل دولته باإلسالم، وه��و م��ا أت��اح ل��ك التحرك بحرية لنشره، وإعطاء النموذج الحقيقي للفتح.. ال ذل��ك الفتح ال��ذي راح��وا يس��تبعدون ب��ه األح��رار، ويس��تولون على أم��والهم وأراض��يهم، ويفرض��ون عليهم الجزي��ة، وي��ذلونهم به��ا، ويهين��ون اإلس��الم أعظم إهان��ة، ويحول��وه من دين هداي��ة دين

جباية، ومن دين سالم إلى دين صراع. وهك��ذا ورد في رواي��ة أخ��رى تفص��يال لبعض مواقف��ك م��ع

أنالنجاش��ي، وفيه��ا تق��ول أم س��لمة: )أمرن��ا رس��ول الل��ه ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاش��ي، فبل��غ ذل��ك قريش��ا فبعث��وا عم��رو بن الع��اص وعم��ارة بن الولي��د، فجمع��وا للنجاش��ي هدي��ة، فق��دمنا وق��دما على النجاش��ي فأتي��اه بالهدي��ة فقبلها وسجدا له، ثم ق��ال ل��ه عم��رو بن الع��اص: إن أناس��ا من أرضنا رغبوا عن ديننا، وهم في أرضك، ق��ال لهم النجاش��ي: في أرضي؟ قالوا: نعم، فبعث إلين��ا فق��ال لن��ا جعف��ر: ال يتكلم منكم أحد، أنا خطيبكم اليوم. فانتهين��ا إلى النجاش��ي وه��و ج��الس في مجلس��ه وعم��رو بن الع��اص عن يمين��ه، وعم��ارة عن يس��اره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين سماطين. وقد قال لهم عمرو وعمارة: إنهم ال يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عن��ده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك، فقال جعفر: ال نسجد

149

إال لله عز وجل، قال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله تعالى بعث فينا رسوال، وهو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السالم قال: من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الل��ه وال نش��رك ب��ه شيئا، ونقيم الصالة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهان��ا عن المنك��ر(، ف��أعجب النجاش��ي قول��ه، فلم��ا رأى ذل��ك عم��رو بن العاص قال: أص�لح الل�ه المل��ك، إنهم يخالفون�ك في ابن م�ريم، فقال النجاشي لجعفر: ما يقول ص��احبكم في ابن م��ريم؟ ق��ال: يقول فيه قول الله عز وجل: هو روح الل��ه وكلمت��ه، أخرج��ه من البتول العذراء التي لم يقربها بشر ولم يفترض��ها ول��د(، فتن��اول النجاشي عودا من األرض فرفعه فقال: )ي��ا معش��ر القسيس��ين والرهبان ما يزيد هؤالء على ما تقول��ون في ابن م��ريم م��ا ي��زن هذه، مرحبا بكم، وبمن جئتم من عنده، وأن��ا أش��هد أن��ه رس��ول الله، وأنه الذي بشر به عيسى عليه السالم، ولوال ما أنا فيه من الملك ألتيته حتى أقبل نعله، امكثوا في أرضي م��ا ش��ئتم. وأم��ر

(1)لنا بطعام وكسوة وقال: ردوا على هذين هديتهما(

هذا هو التمثيل الحقيقي لإلس��الم، وال��ذي ك��ان على األم��ة أن تأخذ به، وتجعله أسوة لها، لتك��ف عن تل��ك الكبري��اء والع��زة اآلثم��ة في التعام��ل م��ع من أمرن��ا باإلحس��ان إليهم، وت��أليف

قلوبهم، واللين معهم. ولم تكن تلك المواقف سيدي مواقف كالمية فق��ط، وإنم��ا ك��انت مواق��ف عملي��ة وس��لوكية.. فق��د أجم��ع الك��ل على ك��رم

شهد ل�ك ب�ذلك، ففي الح�ديثأخالقك.. حتى أن رسول الله مع جعفر وزيد بن حارث��ة ،عن اإلمام علي قال: )زرت النبي

لزيد : ) أنت موالي ( فبدأ زيد يحجل ويقفز علىفقال النبي (.114/ 1)( حلية األولياء وطبقات األصفياء )1

150

، ثم قال لجعفر : ) أما أنت فتشبهنيرجل واحدة حول النبي في خلقي وخلقي ( فحج��ل جعف��ر ك��ذلك ، ثم ق��ال لي : ) أنت

.(1)مني وأنا منك ( فحجل خلف جعفر

يث��ني علي��كوكيف ال تحجل سيدي طربا، ورس��ول الل��ه بكل ذلك الثناء العظيم، الذي ال يمكن تقديره، وال وصفه؟

وقد شهد لك بتلك الشهادة كل من عرفك، وعرف فضلك، فقد قال أبو نعيم ي��ذكر مكارم��ك: )الخطيب المق��دام، الس��خي المطع���ام، خطيب الع���ارفين، ومض���يف المس���اكين، ومه���اجر الهجرتين، ومصلي القبلتين، البطل الش��جاع، الج��واد الشعش��اعجعفر بن أبي طالب عليه السالم. فارق الخل�ق، ورام�ق الح�ق(

(2)

وكان أبو هريرة يشيد بفض��لك علي��ه، وك��ثرة إحس��انك ل��ه، ويعتبرك لذلك أفضل الصحابة، ويقول عنك: )ما احت��ذى النع��ال،

أفضل منوال ركب المطايا وال وطئ التراب بعد رسول الله (3)جعفر بن أبى طالب(

ثم ذكر سبب ذل��ك، فق��ال: )كنت أس��تقرئ الرج��ل اآلي��ة - هي معى - كى ينقلب بى فيطعم����ني، وك����ان أخ����ير الن����اس للمسكين - جعفر بن أبى ط��الب - ك��ان ينقلب بن��ا فيطعمن��ا م��ا

(860)( رواه أحمد )رقم 1

(.114/ 1)( حلية األولياء وطبقات األصفياء )2

.3764( والترمذي: 9342 )2/413)( رواه أحمد 3

151

، وق��ال: )وكنت إذا س��ألت جعف��را عن آي��ة لم(1)كان في بيت��ه( (2)يجبنى حتى يذهب إلى منزله(

بقدومك فرحا شديدا، وقد رويولذلك فرح رسول الله م��ا بين عيني��ك،أنه عندما رآك أسرع يضمك إلى صدره، ويقب��ل

ويقول: )ال أدري بأيهما أنا أشد فرحا )أو أسر، أو أش��د س��رورا( (3)بفتح خيبر؟.. أو بقدوم جعفر؟(

لكن��ك س��يدي بع��د ك��ل تل��ك الجه��ود والتض��حيات آث��رت الشهادة في سبيل الله، لذلك رحت تقود معركة كنت تعلم أن��ك

من يخلف��ك فيستستش��هد فيه��ا، ول��ذلك ذك��ر رس��ول الل��ه القيادة.

فقد ذكر المؤرخون أنك بعد استشهاد زيد بن حارثة أخ��ذت بيمينك، فلما أصيبت أخذتهاالراية، كما عهد إليك رسول الله

بشمالك، فلما أص��يبت أخ��ذتها بعض��ديك، ولم ت��زل ممس��كا له��امقبال غير مدبر حتى قبضك الله إليه.

وذكروا أنهم وجدوا فيما أقبل من جسدك بضع وتسعون ما بين طعنة ورمية، وذكروا أنك كنت تردد في الوقت ال��ذي تتلقى

فيه تلك الطعنات الشديدة الكثيرة:

)( رواه البخاري.1

)( رواه الترمذي..2

49 و48 ص 3 والس��يرة الحلبي��ة ج 199 ص 3)( الس��يرة النبوي��ة البن هش��ام ج 3.139والمقنع للصدوق ص

152

يا حبذا الجنةواقترابها

طيبة وباردشرابها والروم روم قد

دنا عذابها علي إن القيتها

وقد عوضك الله عن تينك اليدين الطاهرتين جناحين تط��يرضرابها ..بهما في الجنة مع المالئكة، كما أخبر عن ذلك رس��ول الل��ه

ج��الس وأس��ماءفقد حدث ابن عباس قال: بينما رسول الله بنت عميس قريبة من�ه إذ رد الس�الم، ثم ق�ال: )ي�ا أس��ماء ه�ذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السالم، وقد أخبرني أنه لقي المش��ركين ي��وم ك��ذا

بثالث أو أربع، فق��ال: لقيتوكذا قبل ممره على رسول الله المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثالث��ا وس��بعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليم��نى فقطعت، ثم أخذت بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الل��ه من ي��دي جن��احين أطير بهم��ا م��ع جبري��ل وميكائي��ل أن��زل من الجن��ة حيث ش��ئت، وآكل من ثمارها م��ا ش��ئت(، فق��الت أس��ماء: )هينئ��ا لجعف��ر م��ا رزقه الله من الخ��ير، ولكن أخ��اف أن ال يص��دق الن��اس فاص��عد المنبر أخبر به(، فصعد المنبر فحمد الله وأث��نى علي��ه، ثم ق��ال: )يا أيها الناس إن جعفرا مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوض��ه الله من يديه سلم علي، ثم أخبرهم كي�ف ك�ان أم�ره حيث لقي المشركين(، فاستبان للناس بعد اليوم ال��ذي أخ��بر رس��ول الل��ه

)(1) أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة

وهكذا ختم الله ل��ك بالش��هادة بع��د ك�ل ذل��ك العط��اء، ولم يتجاوز عمرك حينها بضعا وثالثين سنة، قض��يتها كله��ا ابت��داء من

شبابك الباكر في سبيل الله، وعلى ملة رسول الله.

( ورواه الطبراني في األوسط مختصرا -كما212 و 210 - 209/ 3)( رواه الحاكم )1(272/ 9في مجمع الزوائد )

153

ونحن إلى اآلن ال نزال نتخيلك بتلك الص��ورة ال��تي وص��فك ، وأنت تط��ير م��ع المالئك��ة .. ألن��ك عش��تبه��ا رس��ول الل��ه

كالمالئكة، وكان جزاؤك أن تصير معهم وفيهم ومنهم. فالسالم عليك وعلى جميع المحيطين ب��ك من أه��ل ال��بيت الكرام الذين قدموا كل شيء في سبيل الل��ه.. وك��انوا النم��وذج المثالي للمسلم في أخالقه وبطولت��ه وش��جاعته وتض�حيته وك��ل

أحسن تمثيل.القيم النبيلة التي مثلها رسول الله

154

إلى الثوار المضطهدين إلى الثوار من أهل بيت النبوة، الذين ض��يعت األم��ة وص��ية

فيهم، فقتلتهم، وش����ردتهم، وعلقتهم علىرس����ول الل����ه الص��لبان، وراحت تتمس��ح بأع��دائهم، ومح��اربيهم، تث��ني عليهم،

وتتعبد الله بتقديسهم. جنوا وقتل��وا وص��لبوا، إلى أولئك األبطال الشجان الذين س�� ووض���عت رؤوس���هم على الرم���اح، وح���رقت أجس���ادهم، وهم يطالبون بالعدالة، ويواجه��ون المل��ك العض��وض والفئ��ة الباغي��ة،

وكل أنواع التحريف والتبديل. ي��ا زي��د بن علي.. وي��ا يحي بن زي��د.. وي��ا ص��احب النفس الزكي��ة.. وي��ا إب��راهيم.. وي��ا إدريس.. ي��ا من س��جلت أخب��اركم الدواوين، وأنتم تقفون بكل قوة في وجه أعظم موج��ة اس��تبداد

وتحريف عرفها التاريخ. تحية لكم، ولبط��والتكم، وث��وراتكم، ولك��ل الش��هداء ال��ذين سقطوا بين أي��ديكم، وهم ي��ؤدون الرس��الة، وينوب��ون عن األم��ة

في حمل الراية، ليبقى نور الله مشعا، ال تطفئه أيدي البشر. فبدمائكم الزكية، وتض��حياتكم العظيم��ة بقي اإلس��الم، ولم يستطع أصحاب الملك العضوض، وال الفئة الباغية إطفاء نوره.. ألن أجسادكم التي علقت على الصلبان، ال تزال منارات نهت��دي بها إلى التفريق بين أهل الحق وأهل الباطل، وبين أصحاب دين

الله، وأصحاب دين البشر. ف��أنتم لم تمارس��وا ذل��ك الجه��اد المزي��ف ال��ذي راح ي��روع

155

اآلم��نين، ويس��بي النس��اء واألطف��ال، ويس��لب األم��وال، وينتهب الثروات، ويمارس كل أنواع اللصوصية، ليق��دمها جميع��ا عربون��ا

ألصحاب الملك العضوض، باسم الفتح ونشر اإلسالم. وإنما رحتم إلى مركز الش��ر نفس��ه، تحاربون��ه، وتواجهون��هبكل أنواع المواجهة، وتقدمون دماءكم رخيصة في سبيل ذلك.. ولم تذهب دماؤكم هدرا أيها األبطال الشرفاء � كم��ا ي��ذكر أعداؤكم � فال زلنا إلى عصرنا هذا نتزود منها كل أنواع البطول��ة

والشجاعة والتضحية واإلخالص. نعم.. جم���اهير الن���اس، وتحت ض���غط أص���حاب المل���ك العض��وض، وس��دنتهم من ال��ذين ب��اعوا دينهم ب��دنيا غ��يرهم، نس���وكم، وغفل���وا عنكم، وش���وهوا ث���وراتكم، واعت���بروكم من

الخوارج، وراحوا إلى أعدائكم يلمعونهم، ويترضون عنهم.. ولكن هيه��ات، فال يمكن للش��يطان أن يتح��ول مالك��ا، ول��و تليت في���ه ك���ل قص���ائد الم���ديح.. وال يمكن للمالك أن يتح���ول شيطانا، ولو كتبت في��ه ك��ل قص��ائد الهج��اء، ورمي بك��ل ألف��اظ

البذاءة. وهك��ذا أنتم.. ف��أنتم أن��وار ص��رفة.. ووج��ودات مقدس��ة.. ومرائي للحقيقة ال يمكن تدنيسها.. فأنتم ال��ذين حفظتم رس��الة

، ووصاياه في الوقت الذي ضيعها غيركم.رسول الله لقد كانت حركاتكم كله��ا تطبيق��ا لتل��ك التعليم��ات النبوي��ة، التي حاول سدنة الطواغيت أن يتكتم��وا عليه��ا، وأن يس��تبدلوها بالدعوة للرك��ون للس��لطان والخض��وع ل��ه، وتحري��ف ال��دين من

أجله.

156

أن��هلقد كانت حركاتكم تنفيذا لما ورد في الحديث عن��ه قال: )خذوا العطاء ما دام عطاء، ف��إذا ص��ار رش��وة على ال��دين فال تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم الفق��ر والحاج��ة، أال إن رحى بني م��رح ق��د دارت، وق��د قت��ل بن��و م��رح، أال إن رحى اإلس��الم دائرة، فدوروا م��ع الكت��اب حيث دار، أال إن الكت��اب والس��لطان سيفترقان فال تف��ارقوا الكت��اب، أال إن��ه س��يكون أم��راء يقض��ون لكم، فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم( ق��ال: ي��ا رسول الله، فكيف نصنع؟ قال: )كما ص��نع أص��حاب عيس��ى ابن مريم، نشروا بالمناشير وحملوا على الخش��ب م��وت في طاع��ة

(1)خير من حياة في معصية الله عز وجل(

م��ا حص��ل لألمم األخ��رى، فق��ال: )وإن أول م��اثم ذك��ر نقص من ب��ني إس��رائيل ك��انوا ي��أمرون ب��المعروف وينه��ون عن المنكر شبه التعذير إذا لقي أحدهم صاحبه الذي كان يعيب آكله وشاربه كأنه لم يغب علي��ه ش��يئا، فلعنهم الل��ه على لس��ان داود

انوا ي7عت777777دون﴿وعيسى ابن مريم، وا وك777777 777777ا عص777777 ،[61 ]س777777ورة البق777777رة:﴾ ذل?777777ك مب? وال��ذي نفس محم��د بي��ده، لت��أمرن ب��المعروف ولتنه��ون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، فتأطروه على الح��ق أط��را أو

ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض( وفي ح��ديث آخ��ر عن كعب بن عج��رة، ق��ال: خ��رج علين��ا

، ونحن على وس��ادة، فق��ال: ي��ا كعب بن عج��رة،رسول الله أعيذك بالله من إمارة السفهاء، قلت: يا رسول الله، وما إم��ارة الس��فهاء؟ ق��ال: )أم��راء يك��ون بع��دي، فمن ص��دقهم بك��ذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولس��ت من��ه، ولن ي��رد على

ح)1/379(، مسند الشاميين للط��براني 749 ح)2/42)( المعجم الصغير للطبراني 1658)

157

الح��وض ي��ا كعب بن عج��رة: الص��الة ن��ور، والص��دقة بره��ان، والصوم جنة، والناس غاديان: فغاد مبتاع نفسه، فمعت��ق رقبت��ه،

(1) وغاد بائع نفسه، فموثق رقبته(

وقال: )ال يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله علي��ه في��ه مقاال، ثم ال يقوله، فيقول الله: ما منعك أن تقول في��ه، فيق��ول:

(2) ربي خشيت الناس، فيقول: وأنا أحق أن تخشى(

، وق��د وض��ع رجل��ه فيوروي أن رجال سأل رسول الل��ه الغرز: أي الجهاد أفضل؟ فقال: )كلمة حق عن�د س��لطان ج�ائر(

(3)

لألمة، وكيفية تعاملها مع أصحابهذه وصية رسول الله الملك العضوض من األمويين والعباسيين والعثمانيين وغ��يرهم.. فكل من استبد وحول الحكم اإلسالمي إلى كس��روية وقيص��رية

تجب مواجهته بكل صنوف المواجهة، كما فعلتم. وكما فعل جدكم اإلمام الذي لم تكن حروبه علي للن��اكثين والقاسطين والمارقين إال تلبية لتلك الدعوات النبوية التي تحذر من اس��تيالء الفئ��ة الباغي��ة على أم��ر األم��ة، وتحري��ف ال��دين

(2762 ح)2/363)( ترتيب األمالي الخميسية للشجري 1

.4/384، وأبو نعيم في الحلية 91-10/90( ، والبيهقي في السنن 971(، وعبد بن حميد في المنتخب )4008)( ابن ماجه )2

(،1280( الطيالس��ي )8205، والط��براني في الكب��ير )13/50)( ابن أبي ش��يبة 3 وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال408-9/407وأورده الهيثمي في المجمع

الصحيح.

158

لينسجم مع أهواء أصحاب الملك العضوض. أيها الثوار األبطال.. لقد كانت تلك األح��اديث هي المح��رك لقيامكم وثوراتكم.. فقد علمتم أنكم أولى الناس بتطبيق وص��ية

.. لتكون��وا مث��اال بين ي��دي األم��ة، يحت��ذونجدكم رسول الل��ه بكم، ويهتدون بهديكم.

لقد كان في إمكانكم أن تمتلكوا القص��ور والض��يعات، وأن تعيش��وا بك��ل أل��وان الرف��اه، لكنكم أبيتم أن تأخ��ذوا الرش��وة،

ورضيتم أن تعلقوا على الصلبان، وأن تحرقوا فتذروكم الرياح. لقد حدث الرواة أن جدكم اإلمام علي خ��رج يوم��ا محزون��ا يتنفس، فقال: )كيف أنتم وزمان قد أظلكم؟ تعطل فيه الحدود،��ه، وي��والى في��ه أع��داء ويتخذ المال فيه دوال، ويع��ادى أولي��اء الل

الله؟( وعن��دما س��ألوه عن التكلي��ف الش��رعي في ذل��ك ال��وقت،الم نش��روا بالمناش��ير، قال: )كونوا كأصحاب عيس��ى علي��ه الس�� وصلبوا على الخشب، موت في طاعة الل��ه ع��ز وج��ل خ��ير من

(1) حياة في معصية الله(

هذه وصية جدكم لكم.. ولألمة جميعا.. وقد نف�ذتموها بك��لدقة.. وأعطيتم لنا أحسن النماذج عن الجهاد في سبيل الله.

ولذلك كان شعاركم في خ�روجكم ه��و نفس ش��عار اإلم��ام الحسين عندما شرح سبب خروج�ه على الطغ�اة، وع�دم رض�اه ببيعتهم؛ فقال: )إني ما خ�رجت أش��را وال بط�را وال مفس��دا، وال~صالح في أمة ج��دي، وش��يعة أبي ظالما، وإنما خرجت لطلب اال

.114 - 113)( دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم: ص 1

159

علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى ب��الحق، ومن رد على هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق

(1)وهو خير الحاكمين(

زيد الشهيد: يا زيد بن علي بن الحسين.. يا حفي��د الش��هداء من آل بيت النبوة.. هال أذنت لمحبك أن يح�دثك، فم�ا أجم�ل الح�ديث عنكم ومعكم.. ف��أنتم أزه��ار األرض وعطوره��ا.. وأنتم أن��وار الس��ماء

ونجومها.. ،أنت سيدي ذلك البط��ل ال��ذي أش��ار إلي��ه رس��ول الل��ه

وأخ��بر عم��ا سيحص��ل ل��ه، مثلم��ا أخ��بر عم��ا سيحص��ل لإلم��ام الحسين، ولغيركما من آل بيت النبوة؛ فقد ورد في الرواي��ة أن��ه

قال مخاطبا ريحانت�ه الحس�ين: )ياحس�ين، يخ�رج من ص�لبك رج�ل يق�ال ل�ه زي�د، يتخطى ه�و وأص�حابه ي�وم القيام�ة رق�اب

(2) الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب(

وقال، وهو يشير إلى ج��دك الحس��ين، يص��ف م��ا سيحص��ل لك، وبكل دقة: )إنه يخرج من ولده رجل يق��ال ل��ه زي��د، ويقت��ل بالكوفة، ويصلب بالكناسة، ويخرج من قبره نبش��ا، تفتح لروح��ه

(3)أبواب السماء، وتبتهج به أهل السموات(

..329 / 44)( بحار األنوار: 1

251 و250)( عيون أخبار الرضا، ص 2

)( المرجع السابق.3

160

نظر إلى زيد بن حارثة،وقد روى حذيفة أن رسول الله فقال: )المقتول في الله، والمص��لوب في أم��تي، المظل��وم من أهل بيتي سمي هذا � وأشار بيده إلى زي��د بن حارث��ة ��� ثم ق��ال له: أدن مني يا زيد زادك اسمك عندي حبا، فأنت سمي الحبيب

(1) من أهل بيتي(

وهكذا أخ��بر اإلم��ام علي عن��ك، وبش��ر ب��ك، وباستش��هادك الذي ال يزال من��ارة للث��ائرين، فعن��دماوقف على موض��ع ص��لبك بالكوفة، بكى وأبكى أصحابه فقالوا له: ما الذي أبك��اك؟ فق��ال:

(2) )إن رجال من ولدي يصلب في هذا الموضع(

وهكذا كنت مثل اإلمام الحسين تماما تدرك المص��ير ال��ذي ستصير إليه، والشرف العظيم الذي توجت به من قبل أن تولد، وقد ورد في الرواية أن والدك اإلمام زين العابدين بشروه ب��ك، وهو في مصاله بعد الفجر، ففتح المصحف ليبحث لك عن اسم،ل الل��ه المجاه~��د~ين ﴿فلم��ا فتح��ه وج��د في��ه قول��ه تع��الى: فض��

ه~م على القاع~��د~ين درج��ة ]النس��اء: ~ه~م وأنفس��~ ~��أموال [، ثم95﴾بترى م~ن ~ن الل��ه اش�� إ ﴿فتح��ه م��رة أخ��رى، فوج��د قول��ه تع��الى: ~يل~ ب ~لون ف~ي س�� ة يق��ات ~��أن لهم الجن ~ين أنفسهم وأم��والهم ب المؤم~ن~نج~ي��ل~ وراة~ واإل ��ه~ حق�ا ف~ي الت ��ون وع��دا علي ��ون ويقتل الل��ه فيقتلذ~ي ~بيع~كم ال روا ب ~عه��د~ه~ م~ن الل��ه فاستبش��~ والق��رآن~ ومن أوفى ب

~ك هو الفوز العظ~يم ~ه~ وذل [، عن��دها111﴾ ]س��ورة التوب��ة:بايعتم ب )ه��و والل��ه زي��د، ه��و والل��هعرف االسم الذي تس��تحقه، فق��ال:

زيد(، فسموك زيدا، ثم قال: )عزيت عن هذا المولود، وإنه لمن)( المرجع السابق.1

.31)( ابن طاووس: المالحم: الباب 2

161

(1)الشهداء(

لقد كان الجميع يدركون من تك��ون، ول��ذلك ك��انوا يق��درون دورك ال��ذي كتب ل��ك أن تؤدي��ه في األم��ة، مثلم��ا كتب آلبائ��ك وأجدادك.. ف��أنتم لم تعيش��وا ألنفس��كم، وإنم��ا عش��تم لتص��يروا

رموزا للحق، ومنارات للهدى.. ول���ذلك يخطئ من يتص���ور أنكم متم.. ثم ذهبتم.. وذهبت األيام بأخباركم.. فذلك مس��تحيل، ألنكم أنتم األن��وار ال��تي وع��د~��أفواه~ه~م والل��ه ~يطف~ؤوا نور الل��ه ب ير~يدون ل ﴿الله أال تطفأ، فقال:

~م نور~ه~ ولو كر~ه الكاف~رون ]سورة الصف: [8﴾مت وقد قالت عمتك زينب للطاغي��ة يزي��د: )فك��د كي��دك واس��ع سعيك، وناصب جهدك، فوالله ال تمح��و ذكرن��ا، وال تميت وحين��ا، وال ت��درك أم��دنا، وال ت��رحض عن��ك عاره��ا، وه��ل رأي��ك إال فن��د، وأيامك إال عدد، وجمع�ك إال ب�دد، ي�وم ين�اد المن��اد أال لعن��ة الل�ه على الظالمين، فالحمد لله ال��ذي ختم ألولن��ا بالس��عادة وآلخرن��ا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكم��ل لهم الث��واب، وي��وجب

(2)لهم المزيد ويحسن علينا الخالفة، إنه رحيم ودود(

ولذلك فإن نهج��ك س��يدي ال زال قائم��ا، وكلمات��ك ال ت��زال حية، وتالميذك وأبناؤك ال يزالون يقاومون الطغيان.. وال يزال��ون يرفعون رايات المواجهة الكبرى مع جمي��ع الش��ياطين والظلم��ة

والمستبدين.

.638 / 3)( ابن إدريس : السرائر : 1

(135/ 45)( بحار األنوار )2

162

فأنت سيدي لم تمت.. ولن تموت أبدا.. وحتى ل��و علق��وك على الصليب.. فإن ذلك الصليب هو المن�ارة ال�تي تش�رق منه�ا

شموس الحقائق، ليفطن الغافلون، ويتوب المخدوعون. ال زالت كلماتك سيدي ت��رن في آذانن��ا مث��ل كلم��ات آبائ��ك وأج�دادك.. ت��دعونا لرك�وب س��فينة النج��اة ال�تي من تك��بر على

ركوبها غرق، ومن ركبها نجا.. ال زال قولك، وأنت تذكر أسباب خروجك على الطغاة يرن في آذاننا، ليمألنا بالهمة العالية.. لقد كنت تقول لمن سألك عن

)إنما خرجت على الذين أغاروا على المدين��ة ي��وم الح��رة، ذلك: وكنت تق��ول: )إنم��ا،(1) ثم رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار( (2) خرجت على الذين قاتلوا جدي الحسين(

هذا هو س��ر خروج��ك.. إن��ه الث��ورة على الظلم واالس��تبداد والملك العضوض، وأولئك ال�ذين حرف��وا ال�دين، ومألوه تش�ويها

وظلما واستبدادا. ول��ذلك لم تكن تب��الي بك��ل تل��ك الجي��وش، وال ك��ل تل��ك األسلحة، وال كل أولئك الخونة، ألنك كنت تنتظر لحظ��ة عرس��ك حين تعلق على الص��ليب، وتختل��ط دم��اؤك ب��دم آبائ��ك الحس��ين

وعلي وكل الشهداء.. ب��ل ك��ان طموح��ك وهمت��ك أعلى من أن يكفي الص��ليب لتحقيقها.. لقد حدث عبد الله بن مس��لم بن باب��ك عن��ك، فق��ال:

3)( ابن إدريس: السرائر: 1

98)( مقاتل الطالبيين: 2

163

خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واس��توت الثريا فقال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أت��رى أن أح��دا يناله��ا؟ قلت: ال، ق��ال: )والل��ه ل��وددت أن ي��دي ملص��قة به��ا ف��أقع إلى األرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطع��ة وأن الل��ه أص��لح بين

) (1)أمة محمد

هذه همتك العالية �� س��يدي ��� ف��أنت كآبائ��ك وأج�دادك، لم .. ف��أنتميكن ل��ك من مقص��د س��وى اإلص��الح في أم��ة ج��دك

جميعا مثال الزهد والورع والتقوى، ال تطلب��ون م��اال، وال تحن��ونلما يحن إليه أولئك الغارقون في مستنقعات الدنيا.

لق��د كنت تخ���اطب أص��حابك، واأللم يعتص��ر قلب��ك على المصير الذي ص��ارت إلي��ه األم��ة حينم��ا ف��ارق س��لطانها كتابه��ا، وحينم��ا ت��ولى البغ��اة أمره��ا، فقلت: )والل��ه إني ألس��تحيي من

إذا لقيته ولم آمر أمته بالمعروف، ولم أنههم عنرسول الله المنكر والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله وسنة رسول الل��ه إن أججت لي نار وقذفت فيها ثم صرت بع��د ذل��ك إلى رحم��ة الل��ه عز وجل، والله ال ينصرني أح��د إال ك��ان في الرفي��ق األعلى م��ع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين � صلوات الل��ه عليهم �

ويحكم أم�ا ت�رون ه�ذا الق�رآن بين أظه�ركم ج�اء ب�ه محم�د ونحن بنوه، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حج��ة الل��ه عليكمهذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله ونعم��ل بكتاب��ه...(

(2)

.36 � 35)( البغدادي: الفرق بين الفرق: 1

..108 / 2)( أخطب خوارزم: مقتل الحسين: 2

164

ولم تكن تبالي سيدي بذلك اإلعراض الذي تواجه به.. ألنك كنت تعلم أن كلماتك لم تكن موجهة لذلك الجيل فقط، ب��ل هي موجهة لكل األجيال، ألنها الكلم��ات ال��تي حفظت ال��دين من أن

يصبح أفيونا للشعوب، أو لعبة بأيدي الطغاة. لقد كنت تسير في الش��وارع، وتجم��ع الن��اس، على ال��رغم من المخاطر الشديدة التي كانت تعترض��ك، وكنت تخطب فيهم بك��ل أص�ناف الحجج ق��ائال: )أذك�ركم أي���ها الس��امعون ل��دعوتنا،��ه العظيم ال��ذي لم ي��ذكر الم��ذكورون المتفهم��ون لمقالتن��ا، باللت ل��ذلك جل��ودكم، بمثل��ه، إذا ذك��روه وجلت قل��وبكم واقش��عر ألستم تعلمون أنا ولد نبيكم المظلومون المقه��ورون، فال س��هم وفينا، وال تراث أعطينا، وما زالت بيوت��ا ته��دم، وحرمتن��ا تنته��ك، وقائلنا يعرف، يولد مولودن��ا في الخ��وف، وينش��أ ناش��ئنا ب��القهر

(1)ويموت ميتنا بالذل؟(

وكنت سيدي تفصح لهم عن أغراضك من دعوتك، وأن��ك ال تريد أي مكاسب.. ال أنت.. وال أخ��وك اإلم��ام الب��اقر.. وال أب��وك اإلم��ام الس��جاد.. وال غ��يرهم.. فكلهم ك��انوا أمثل��ة حي��ة للزه��د والعف��اف.. فق��د ك��ان مطل��وبكم جميع��ا واح��دا، وه��و اإلص��الح،

ومواجهة الطغيان. لقد كنت تقول لهم، وأنت تتألم لذلك السكون للمستبدين: )ويحكم إن الله قد فرض عليكم جهاد أهل البغي والع��دوان من أمتكم على بغيهم، وفرض نصرة أوليائه ال��داعين إلى الل��ه وإلى

~ن الله لقو~ي ولينصرن الله من ينصره إ ﴾ ]س��ورةعز?يز﴿كتابه قال:

.137 � 136)( فرات بن إبراهيم الكوفي: التفسير: 1

165

(1)([40الحج:

وكنت تص��ف لهم م��ا يغض��ون أبص��ارهم عنهم من أن��واع��ه ربن��ا، بنا لل ��ا ق��وم غض��~ الفساد، فتقول بحرقة وألم: )ويحكم إن ونقمنا الجور المعم��ول ب��ه في أه��ل ملتن��ا، ووض��عنا من ت��وارث~مامة والخالف�ة، وحكم ب��الهوى ونقض العه�د، وصل���ى الص��الة اال لغير وقتها، وأخذ الزكاة من غير وجهها ودفعه��ا إلى غ��ير أهله��ا، ونسك المناسك بغير ه��ديها، وأزال األفي��اء واألخم��اس والغن��ائم ومنعها الفقراء والمساكين وابن السبيل، وعط��ل الح��دود وأخ��ذ من��ه الجزي��ل، وحكم بالرش��ا والش��فاعات والمن��ازل، وق��رب الفاس��قين ومث��ل بالص��الحين، واس��تعمل الخيان��ة وخ��ون أه��ل األمانة، وسلط المج��وس وجه�ز الجي�وش، وخل��د في المح��ابس وجلد الم��بين وقت��ل الوال��د، وأم��ر ب��المنكر ونهى عن المع��روف

(2) بغير مأخوذ من كتاب الله وسنة نبيه(

وكنت تقول لهم بعد أن اجتمع ل��ديك األنص��ار ال��ذين أب��دوا قناعتهم بدعوتك، واستجابوا لطلبك: )الحمد لله الذي من علين��ا بالبصيرة وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعي��ة، وق��د أفلح من جع��ل الخ��ير ش��عاره، والح��ق دث��اره.. فمن س��مع دعوتن��ا ه��ذهقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب الجامعة غير المفر إلى س��بيلنا وجاه��د بنفس��ه نفس��ه ومن يلي��ه من أه��ل الباط��ل، ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علين��ا، ومن رد علين��ا دعوتن��ا وأبى إجابتنا واخت��ار ال��دنيا الزائل��ة اآلفل��ة، على اآلخ��رة الباقي��ة،

)( المرجع السابق.1

)( المرجع السابق.2

166

(1)فالله من أولئك برىء، وهو يحكم بيننا وبينكم(

ثم بينت لهم المنهج المحم��دي األص��يل في التعام��ل م��ع المخ��الفين، ف��رحت ت��ذكرهم باإلم��ام علي، وتق��ول: )إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فألن يستجيب لكم رجل واحد خ��ير مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير~را وال المومنين علي بن طالب بالبص��رة والش��ام: ال تتبع��وا م��دب تجه~زوا على جريح وال تفتح��وا باب��ا مغلق��ا، والل��ه على م��ا أق��ول

وكيل..( وكنت تحضهم على البصيرة، وقتال الظ��المين على المنهج القرآني ال على منهج الطغ�اة، وقلت لهم: )عب��اد الل��ه ال تق�اتلوا��ه، ولكن البص��يرة ثم القت��ال، على الشك فتضلوا عن س��بيل الل فإن الله يج��ازي عن اليقين أفض��ل ج��زاء يج��زي ب��ه على ح��ق.

عباد الله: البصيرة( حينها قال لك أبو الجارود: )يا ابن رسول الله، يبذل الرجل

نفسه عن غير بصيرة؟( فقلت: )نعم إن أك��ثر من ت��رى عش��قت نفوس��هم ال��دنيا فالطمع أرداهم إال القليل الذين ال تخطر الدنيا على قلوبهم، وال

(2)لها يسعون فأولئك مني وأنا منهم(

وهكذا كنت ت��دعو إلى تل��ك القيم النبيل��ة ال�تي دع�ا إليه�ا ا وورثت��ه من أه��ل بيتلق��رآن الك��ريم، ومثله��ا رس��ول الل��ه

ه�.1405، الطبعة الثانية � 141)( حميد المحلي: الحدائق الوردية: 1

)( المرجع السابق.2

167

النبوة.. فلذلك لم تستعمل م��ا يس��تعمله أع��داؤك من الوس��ائلالمحرمة، واألساليب الشيطانية.

س��يدي ال ت��زال كلمات��ك نبراس��ا نهت��دي ب��ه.. وهي كلم��ات جميلة ال يمكن لمن يبحث عن دين الله أن يستغني عنها، أو عن سماعها.. لذلك ائذن لي أن أقرأ على قومي بعض ما ذكرته في

، ف��أنت لم ترس��لها(1)رس��التك إلى علم��اء األم��ة قب��ل خروجكلعلماء ذلك الزمان فقط، وإنما أرسلتها لعلماء كل األزمنة.

لقد بدأت رسالتك سيدي بتحذيرهم من الدنيا، فحب ال��دنيا والتعلق بها، وبيع الدين بسببها رأس كل خطيئة، لق��د قلت لهم: )إني أوص���يكم معش���ر العلم���اء بحظكم من الل���ه في تق���واه وطاعته، وأن ال تبيعوه بالمكس من الثمن، والحق��ير من الب��دل، واليسير من الع~��وض، ف��إن ك��ل ش��يء آثرتم��وه وعملتم ل��ه من الدنيا ليس بخلف مما زين الله به العلماء من عب��اده الح��افظين لرعاية ما اس��ترعاهم واس��تحفظهم من أم��ره ونهي��ه، ذل�ك ب��أن العاقب��ة للمتقين، والحس��رة والندام��ة والوي��ل ال��دائم للج��ائرين

(2) الفاجرين(

ثم رحت ت��ذكرهم بعلم��اء األمم الس��ابقة، وأخ��ذ الع��بر من تقصيرهم في حق الل��ه، وح��ق رس��له، فح��رفت ل��ذلك أدي��انهم، وض���ل الن���اس بس��ببهم عن س���واء الس���بيل.. لق���د قلت لهم: )فتفكروا عباد الل��ه واعت��بروا، وانظ��روا وت��دبروا وازدج��روا بم��ا

)( هذه الرسالة قام بتحقيقها وتصحيحها محمد يحيى سالم عزان عن أربع نسخ، نوه1 ه���، وق��د نقلت1412بخصوصيتها في مقدمتها ونشرها دار ال��تراث اليم��ني ص��نعاء ع��ام

.7/81بعضها من كتاب: بحوث في الملل والنحل، للسبحاني،

.7/82)( المرجع السابق، 2

168

وعظ الله به هذه األمة من سوء ثنائه على األحب��ار والرهب��ان إذ~ه~م ~ثم وأكل ~ه~م اإل ��ار عن ق��ول ون واألحب ~ي ان ب ��وال ينه��اهم الر ل ﴿يقول:

~ئس ما كانوا حت لب نعون ]س��ورة المائ��دة:الس وإنم��ا[،�� 63﴾يص�� عاب ذلك عليهم بأنهم كانوا يشاهدون الظلم�ة ال�ذين ك�انوا بين ظهرانيهم ي��أمرون ب��المنكر، ويعمل��ون الفس��اد فال ينه��ونهم عن ذلك، ويرون حق الله مضيعا، ومال الله دولة يوك��ل بينهم ظلم��ا ودولة بين األغنياء، فال يمنعون من ذل�ك رغب�ة فيم��ا عن��دهم من العرض اآلف��ل، والم��نزل الزائ��ل، ومداهن��ة منهم على أنفس��هم،~��يرا من ~ن كث ��وا إ ذ~ين آمن ه��ا ال ﴿وقد قال الله ع��ز وج��ل لكم: ياأيدون عن ~الباط~��ل~ ويص�� اس~ ب ��أكلون أم��وال الن ��ان~ لي هب األحبار~ والرة وال ينف~قونه��ا ف~ي ~��زون ال��ذهب والف~ض�� ذ~ين يكن ��ه~ وال ~يل~ الل ب س��

~ع��ذاب رهم ب ��ه~ فبش�� ~يل~ الل ب ~يم ]س��ورة التوب��ة:س�� كيم��ا[�� 34﴾أل(1)تحذروا(

ثم رحت تذكرهم بأن ذلك ليس خاصا باألمم الس��ابقة، ب��ل إن من علماء هذه األمة من يقوم بتحري��ف دينه��ا، ليتناس��ب م��ع الطغاة والظلمة، ول��ذلك ال حرم��ة ألمث��ال ه��ؤالء العلم��اء.. لق��د قلت لهم: )وإذا رأيتم الع��الم به��ذه الحال��ة والمنزل��ة ف��أنزلوه منزل��ة من ع��اث في أم��وال الن��اس بالمص��انعة، والمداهن��ة، والمضارعة لظلمة أهل زمانهم، وأكابر قومهم، فلم ينهوهم عن منكر فعل��وه. رغب��ة فيم��ا ك��انوا ين��الون من الس��حت بالس��كوت~تب��اع لهم، واالغ��ترار عنهم، وك��ان ص��دودهم عن س��بيل الل��ه باال بإدهانهم ومق��ارنتهم الج��ائرين الظ��المين المفس��دين في البالد. ذلك بأن أتب��اع العلم�اء يخت��ارون ألنفس��هم م��ا اخت��ار علم��اوهم. فحذروا علماء السوء ال��ذين س��لكوا س��بيل من ذم الل��ه وب��اعوا

.7/82)( المرجع السابق، 1

169

(1) طاعة الله الجائرين(

ثم رحت تذكرهم بما في الق��رآن الك��ريم من الح��ديث عن بني إس��رائيل، وأن�ه ليس خاص�ا بب��ني إس��رائيل، فق��رأت عليهمون ~ي ب ~ه��ا الن ��ور يحكم ب وراة ف~يها هدى ون ا أنزلنا الت ~ن إ ﴿قوله تعالى: تحف~ظوا ~م�ا اس� �ار ب ون واألحب ~ي ان ب ذ~ين ه�ادوا والر ~ل لموا ل ذ~ين أس� ال اس واخشون~ وال ~تاب~ الله~ وكانوا عليه~ شهداء فال تخشوا الن م~ن ك~ك هم ~ما أنزل الله فأول�ئ م يحكم ب ~يال ومن ل ~ي ثمنا قل ~آيات تشتروا ب

[.44﴾الكاف~رون ]سورة المائدة:~نجي��ل ثم علقت عليه��ا بقول��ك: )فع��اب علم��اء الت��وراة واال بتركهم ما استحفظهم من كتاب��ه، وجعلهم علي��ه ش��هداء خش��ية الناس، ومواتاة للظالمين، ورضا منهم بأعم��ال المفس��دين. فلم يوثروا الله بالخشية فسخط الله عليهم لم��ا اش��تروا بآيات��ه ثمن��ا قليال، ومتاعا من الدنيا زائال. والقليل عند الله الدنيا وما فيها من غض��ارتها وعيش��تها ونعيمه��ا وبهجته��ا، ذل��ك ب��أن الل��ه ه��و عالم الغيوب، قد علم بأن ركوب معصيته، وت��رك طاعت��ه، والمداهن��ة للظلمة في أمره ونهيه، إنما يلحق بالعلماء للرهبة والرغب��ة من

)(2)عند غير الله، ألنهم علماء بالله، وبكتابه وبسنة نبيه

ثم رحت تبين لهم أن ضريبة األم��ر ب��المعروف والنهي عن المنك���ر هي التض���حية ب���النفس في س���بيل الل���ه، فقلت لهم: )ولعمري لو لم يكن نال علم��اء األزمن��ة من ظلمته��ا، وأكابره��ا،اهم الل��ه تع��الى ومفس��ديها، ش��دة وغلظ��ة وع��داوة، م��ا وص��

.7/83)( المرجع السابق، 1

.7/83)( المرجع السابق، 2

170

وحذرهم. ذلك أنهم ما ينالون ما عن��د الل��ه بالهوين��ا وال يخل��دون في جنته بالشهوات، فكره الله تعالى للعلم��اء ��� المس��تحفظين كتبه وسنته وأحكامه � ترك ما استحفظهم، رغب��ة في ث��واب من

(1) دونه، ورهبة عقوبة غيره(

ثم رحت ت��بين لهم أن المزي��ة ال��تي م��يز به��ا العلم��اء عن سائر الناس ليس كثرة حفظهم، وال وفرة علمهم، وإنما نضالهم عن الحق، وثورتهم على الباط��ل.. لق��د قلت لهم: )لق��د م��يزكم الل��ه تع��الى ح��ق تم��يز، ووس��مكم س��مة ال تخفى على ذي لب،��اء ~ي هم أول ��ات بعض�� ��ون والمؤم~ن والمؤم~ن ﴿وذل��ك حين ق��ال لكم: الة ��ر~ ويق~يم��ون الص�� ~��المعروف~ وينه��ون عن~ المنك بعض يأمرون ب~ن ��ه إ ~ك سيرحمهم الل كاة ويط~يعون الله ورسوله أول�ئ ويؤتون الز

��ه عز~ي��ز حك~يم فب��دأ بفض��يلة األم��ر[،�� 71﴾ ]س��ورة التوب��ة:الل بالمعروف والنهي عن المنك��ر، ثم بفض��يلة اآلم��رين ب��المعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزل��ة الق��ائمين ب��ذلك من عب��اده، ولعم��ري لق��د اس��تفتح اآلي��ة في نعت الموم��نين بفريض��ة األم��ر ب��المعروف والنهي عن المنك��ر. ف��اعتبروا عب��اد الل��ه وانتفع��وا

(2) بالموعظة(

ثم رحت ت��ذكر لهم أن الل��ه تع��الى نعت المخ��الفين له��ذاهم من بعض ���اف~قون والمناف~ق���ات بعض��� المن ﴿بالنف���اق، فق���ال: وا ��د~يهم نس�� ون أي ~ض�� ~المنكر~ وينهون عن~ المع��روف~ ويقب يأمرون ب

قون ]سورة التوبة: ~ن المناف~ق~ين هم الفاس~ يهم إ [.67﴾الله فنس~

.7/84)( المرجع السابق، 1

.7/84)( المرجع السابق، 2

171

وعلقت عليها بقولك: )فلعمري لقد استفتح اآلية في ذمهم ب��أمرهم ب��المنكر ونهيهم عن المع��روف ف��اعتبروا عب��اد الل��ه وانتفعوا، واعلموا أن فريض��ة الل��ه تع��الى في األم��ر ب��المعروف والنهي عن المنك��ر إذا أقيمت ل��ه اس��تقامت الف��رائض بأس��رها

(1) هينها وشديدها(

ثم بينت لهم حقيق��ة األم��ر ب��المعروف والنهي عن المنك��ر وأنها ليست قاصرة على تلك الحسبة ال��تي تق��وم به��ا الش��رطة الديني��ة في الش��وارع واألس��واق، وإنم��ا هي أش��مل من ذل��ك~خ��راج من الظلم��ة، ~سالم، واال بكثير.. فهو يشمل )الدعاء إلى اال ورد الظ���الم، وقس���مة الفيء والغن���ائم على منازله���ا، وأخ���ذ الصدقات ووضعها في مواضعها، وإقامة الحدود، وصلة األرحام،~حسان، واجتناب المحارم، كل هذا من األم��ر والوفاء بالعهد، واال

(2) بالمعروف والنهي عن المنكر(

ثم رحت تدعوهم إلى التعاون واالجتماع على ذل��ك، وتق��رأ��بر ﴿عليهم قوله تعالى.. يقول الله تعالى لكم: وتع��اونوا على ال��ه ~ن الل ��ه إ ق��وا الل ~ والع��دوان~ وات ~ثم ق��وى وال تع��اونوا على اإل والت

[، وتقول لهم بعدها: )فقد ثبت2﴾شد~يد الع~قاب ]سورة المائدة: فرض الله تع��الى ف��اذكروا عه��د الل��ه ال��ذي عاه��دتموه وميثاق��ه��ه ~ن الل ��ه إ ق��وا الل ��ا وات م~عنا وأطعن ~ذ قلتم س�� ﴿الذي واثقكم ب��ه إ

~ذات~ الصدور ]سورة المائدة: ~يم ب [.7﴾عل ثم رحت تبين لهم دور العلماء في إصالح أمر األمة، وقلت

.7/84)( المرجع السابق، 1

.7/85)( المرجع السابق، 2

172

لهم: )عباد الله إنما تصلح األمور على أيدي العلماء وتفس��د بهم إذا باعوا أم��ر الل��ه تع�الى ونهي��ه بمعاون��ة الظ�المين، الج��ائرين، فك��ذلك الجه��ال والس��فهاء إذا ك��انت األم��ور في أي��ديهم، لم يستطيعوا إال بالجهل والسفه إقامتها فحينئ��ذ تص��رخ الم��واريث، وتضج األحكام، ويفتض��ح المس��لمون وأنتم أيه��ا العلم��اء عص��ابة مشهورة، وبالورع مذكورة، وإلى عبادة الله منس��وبة، وبدراس��ة الق��رآن معروف��ة، ولكم في أعين الن��اس مهاب��ة، وفي الم��دائن واألس���واق مكرم��ة، يه��ابكم الش���ريف، ويك���رمكم الض���عيف، ويرهبكم من ال فضل لكم عليه. يبدأ بكم عند الدعوة، والتحف��ة، ويشار إليكم في المجالس، وتشفعون في الحاجات، إذا امتنعت على الطالبين. وآثاركم متبع��ة، وط��رقكم تس��لك ك��ل ذل��ك لم��ا يرجوه عن��دكم من ه�و دونكم من النج��اة في عرف��ان ح�ق الل��ه

(1) تعالى(

ثم رحت تذكرهم بما تتطلبه تلك المكان��ة ال��تي أتيحت لهم من دون الناس، وقلت لهم: )فالتكونوا عند إيثار حق الله تع��الى غافلين، وألمره مض��يعين، فتكون��وا كاألطب��اء ال��ذين أخ��ذوا ثمن الدواء وأعطب�وا المرض�ى. وكرع�اة اس��توفوا األج�ر وض�لوا عن المرعى. وكحراس مدينة أسلموها إلى األعداء، هذا مثل علم��اء��ه تع��الى، والنفوس��ا تخ��اطرون به��ا في السوء. ال ماال تبذلونه لل جنب الل���ه تع���الى، والدارا عطلتموه���ا، والزوج���ة فارقتموه���ا، والعش��يرة عاديتموه��ا. فالتتمن��وا م��ا عن��د الل��ه تع��الى وق��د خ��الفتموه. ف��ترون أنكم تس��عون في الن��ور، وتتلق��اكم المالئك��ة بالبشارة من الله عز وج��ل؟ كي��ف تطمع��ون في الس��المة ي��وم الطام��ة؟! وق��د أخ��رجتم األمان��ة، وف��ارقتم العلم، وأدهنتم في

.7/85)( المرجع السابق، 1

173

ال��دين. وق��د رأيتم عه��د الل��ه منقوض��ا، ودين��ه مبغوض��ا، وأنتم التفزعون ومن الله الترهبون. فلو ص��برتم على األذى، وتحملتم المون��ة في جنب الل��ه لك��انت أم��ور الل��ه ص��ادرة عنكم، وواردة

(1) إليكم(

ثم رحت تخاطبهم بأال يسلموا قيادهم للظلمة بس��بب حب الدنيا والحرص عليها، فقلت: )عباد الله التمكن��وا الظ��المين من ق~ياد~كم بالطمع فيم�ا بأي�ديهم من حط�ام ال�دنيا الزائ�ل، وتراثه�ا اآلفل، فتخسروا حظكم من الله عز وجل. عباد الل��ه اس��تقدموا إلى الم��وت بالوثيق��ة في ال��دين، واالعتص��ام بالكت��اب الم��تين، والتعجبوا بالحياة الفانية فما عند الله هو خ��ير لكم، وإن اآلخ��رة~يمان ونوحوا على القرآن، ف��و هي دار القرار. عباد الله اندبوا اال الذي نفس )زيد بن علي( بيده لن تنالوا خيرا ال ينال��ه أه��ل بيت

(2) ، وال أصبتم فضال إال أصابوه فأصبتم فضله(6نبيكم

ثم رحت تخ���اطب علم���اء الس���وء بك���ل ق���وة، ت���ذكرهم بجرائمهم في ح��ق األم��ة وح��ق نبيه��ا ودينه��ا.. وقلت لهم: )في��ا علماء السوء أكببتم على الدنيا وإنها لناهية لكم عنه��ا، ومح��ذرة لكم منها، نصحت لكم الدنيا بتصرفها فاستغششتموها، وتفتحت لكم الدنيا فاستحس��نتموها، وص��دقتكم عن نفس��ها فك��ذبتموها.. فيا علماء السوء هذا مه��ادكم ال��ذي مه��دتموه للظ��المين، وه��ذا أم��انكم ال��ذي أتمنتم��وه للخ��ائنين، وه��ذه ش��هادتكم للمبطلين.~ما كنتم تفرح��ون ف~ي ~كم ب ذل ﴿فأنتم معهم في النار غدا خالدون،

~ما كنتم تمرح��ون ]س��ورة غ��افر: ~غير~ الحق وب [، فل��و75﴾األرض~ ب.7/85)( المرجع السابق، 1

.7/85)( المرجع السابق، 2

174

كنتم س��لمتم إلى أه��ل الح��ق حقهم، وأق��ررتم أله��ل الفض��ل��ه، ولكنتم من العلم��اء ب��ه حق��ا، ال��ذين بفضلهم لكنتم أولي��اء الل امتدحهم الله عز وجل في كتابه بالخش��ية منهم، فال أنتم علمتم الجاه��ل، وال أنتم أرش��دتم الض��ال، وال أنتم في خالص الض��عفاء تعملون، والبشرط الله عليكم تقومون، وال في فك��اك رق��ابكم.. يا علماء السوء اعتبروا حالكم، وتفكروا في أمركم، وستذكرون~دهان، ما أقول لكم.. يا علماء السوء إنما أمنتم عند الجبارين باال وفزتم بما في أيديكم بالمقارب��ة، وق��ربتم منهم بالمص��انعة، ق��د��ه عليكم، أبحتم ال��دين، وعطلتم الق��رآن، فع��اد علمكم حج��ة لل وستعلمون إذا حشرج الصدر، وجاءت الطامة، ون��زلت الداهي��ة(

(1)

ثم بينت لهم أنهم أعظم مصيبة في األم��ة، وقلت لهم: )ي��ا علم��اء الس��وء أنتم أعظم الخل��ق مص��يبة، وأش��دهم عقوب��ة، إن كنتم تعقلون، ذلك بأن الله ق��د احتج عليكم بم��ا اس��تحفظكم إذ جع���ل األم���ور ت���رد إليكم، وتص���در عنكم. األحك���ام من قبلكم تلتمس، والس��نن من جهتكم تخت��بر. يق��ول المتبع��ون لكم: أنتم حجتنا بيننا وبين ربنا. فبأي منزلة نزلتم من العباد هذه المنزل��ة؟ فوالذي نفس )زي��د بن علي( بي��ده ل��و بينتم للن��اس م��ا تعلم��ون ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتضعضع بني��ان الجب��ارين، ولتهدم أساس الظالمين، ولكنكم اشتريتم بآيات الله ثمن��ا قليال، وأدهنتم في دينه، وفارقتم كتاب��ه. ه��ذا م��ا أخ��ذ الل��ه عليكم من العهود والمواثي��ق، كي تتع�اونوا على ال��بر والتق��وى، وال تع��اونوا~ثم والع��دوان، ف��أمكنتم الظلم��ة من الظلم، وزينتم لهم على اال الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاون��ة والمقارن�ة، فه�ذا ح�الكم.

.7/86)( المرجع السابق، 1

175

فيا علماء السوء فمحوتم كتاب الله محوا، وضربتم وج��ه ال��دين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم. فبسوء صنيعكم

، ورفعتسفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذري��ة الن��بي رووسهم فوق األسنة، وصفدوا في الحدي��د، وخلص إليهم ال��ذل، واستش��عروا الك��رب وتس��ربلوا األح��زان، يتنفس��ون الص��عداء، ويتشاكون الجهد. فهذا ما قدمتم ألنفس��كم، وه��ذا م��ا حملتم��وه على ظهوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي

(1)بالحق وهو خير الفاصلين(

وبع��د أن اس��تعملت ك��ل م��ا ينبههم إلى غيهم وض��اللهم وانحرافهم عن دين الله، رحت تدعوهم إلى إصالح ما أفس��دوه، ووضعت لهم خطة لذلك، فقلت: )وق��د كتبت إليكم كتاب��ا بال��ذي��ه، وإحي��اء س��نة أريد من القيام به فيكم. وهو: العمل بكت��اب الل

~يم��ان، وبالس��نة يثبت ال��دين.رسول الل��ه فبالكت��اب ق��وام اال وإنما البدع أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع، يتول�ى فيها وعليها رجال رجاال صدوهم عن دين الله، وذادوهم عن ص��راطه، ف��إذا غيره��ا المومن، ونهى عنها الموحد، قال المفسدون: جاءنا ه��ذا ي��دعونا إلى بدعة.. وأيم الله م��ا البدع��ة إال ال��تي أح��دث الج��ائرون، وال الفساد إال الذي حكم به الظ��المون، وق��د دع�وتكم إلى الكت��اب.��ه، وانص��روه، فوال�ذي بإذن��ه دع�وتكم، وب�أمره فأجيبوا داعي الل نص��حت لكم، م��ا ألتمس أث��رة على م��ومن، وال ظلم��ا لمعاه��د، ولوددت أني قد حميتكم مرات��ع الهلك��ة، وه��ديتكم من الض��اللة، ولو كنت أوق��د ن��ارا فأق��ذف بنفس��ي فيه��ا، ال يقرب��ني ذل��ك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخالصكم. فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم الس��عداء والموف��ورين

.7/86)( المرجع السابق، 1

176

حظا ونص��يبا.. عب��اد الل��ه انص��حوا داعي الح��ق وانص��روه إذ ق��د دعاكم لما يحييكم. ذلك بأن الكتاب يدعو إلى الله، وإلى الع��دل

(1) والمعروف، ويزجر عن المنكر(

وهك��ذا رحت تقيم عليهم ك��ل أن��واع الحجج، وتش��رح لهم كيفية الخروج من كل تلك الس��راديب المظلم��ة ال��تي ارتض��وها ألنفسهم، بدل أن يركبوا سفينة النجاة التي بشر بها رسول الله

،ودعا إليها، لقد قلت لهم: )فقد نظرنا لكم وأردن��ا ص��الحكم ، )ج��دنا(، والس��ابق إلي��هونحن أولى الناس بكم. رس��ول الل��ه

المومن به )أبونا(، وبنته سيدة النسوان )أمنا(، فمن ن��زل منكم منزلتنا. فسارعوا عباد الله إلى دعوة الله، وال تنكلوا عن الحق، فبالحق يكبت عدوكم، وتمنع حريمكم، وتأمن ساحتكم. وذلك أنا ن���نزع الج���ائرين عن الجن���ود، والخ���زائن، والم���دائن، والفيء، والغن��ائم، ونثبت األمين الم��وتمن، غ��ير الراش��ي والمرتش��ي، الناقض للعهد. فإن نظهر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نص��حنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوان��ا ومنقلبن��ا، ف��أي

(2) هذا يكره المومن، وفي أي هذا يرهب المسلم(

إلى آخ��ر رس��التك س��يدي، والممل��وءة ب��العبر والمواع��ظ، وبكل القيم القرآني��ة النبيل��ة ال�تي تص��دق ق��ول رس��ول الل��ه

فيكم، وأنكم والقرآن مجتمعان ال تتفرق��ان، ح��تى تجتمع��ا لدي��هعند الحوض.

وقد كانت النتيجة التي آل إليه��ا حال��ك، وح��ال من مع��ك ال

.7/87)( المرجع السابق، 1

.7/88)( المرجع السابق، 2

177

تختلف كثيرا عن النتيجة التي آل إليها اإلمام الحسين وأصحابه.. وقد كتب الل��ه ل��ك الش��هادة.. وعلقت على الص��ليب.. وال ي��زال

صليبك إلى اليوم منارة من منارات الهداية. ولكنا مع يقيننا سيدي بذلك الجزاء العظيم ال�ذي نلت�ه عن��د الله، ال نستطيع أن نمسك دموعنا كلما س��معنا اس��مك.. وكي��ف نستطيع ذلك، وابن أخيك اإلمام الصادق لم يكن يستطيع ذل��ك..

وهو من هو. لق��د ح��دث حم��زة بن حم��ران ق��ال: دخلت على الص��ادق جعفر بن محم��د فق��ال لي: ي��ا حم��زة من أين أقبلت؟ قلت ل��ه:��ه فقلت ل��ه: ي��ا ابن من الكوف��ة فبكى ح��تى بلت دموع��ه لحيت رسول الله مالك أكثرت البكاء؟ فق�ال: ذك�رت عمي زي�دا، وم�ا صنع به فبكيت. فقلت له: وما الذي ذكرت من��ه؟ فق��ال: ذك��رت مقتله وقد أصاب جبينه س��هم فج��اءه ابن��ه يح��يى ف��انكب علي��ه،��ر~د على رس��ول الل��ه وعلي وق��ال ل��ه: أبش��ر ي��ا أبت��اه فإن��ك ت وفاطمة والحسن والحسين )صلوات الله عليهم( ق��ال: أج��ل ي��ا��زع الس��هم من جبين��ه فك��انت نفس��ه مع��ه بني ثم دعا بحداد فن فجيء به إلى ساقية تج��ري عن��د بس��تان زائ��دة فحف��ر ل��ه فيه��ا ودفن وأج��ري علي��ه الم��اء، وك��ان معهم غالم س��ندي لبعض��هم ف��ذهب إلى يوس��ف بن عم��ر من الغ��د ف��أخبره ب��دفنهم إي��اه فأخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكناسة أربع سنين ثم أم��ر به فأحرق بالنار وذري في الرياح فلعن الله قاتل��ه وخاذل��ه وإلى الله )عز وجل( أشكو ما نزل بن��ا أه��ل بيت نبي��ه بع��د موت��ه وب��ه

(1)نستعين على عدونا وهو خير مستعان(

(321)( أمالي الصدوق( )ص1

178

وحدث الفض��يل بن يس��ار أن��ه دخ��ل على اإلم��ام الص��ادق، فرآه يبكي ودموعه تنحدر على ديباجتي خده كأنه��ا الجم��ان، ثم قال: يا فضيل شهدت م��ع عمي قت��ال أه��ل الش��ام؟ قلت: نعم. ق��ال: فكم قتلت منهم؟ قلت: س��تة. ق��ال: فلعل��ك ش��اك في دمائهم؟ فقال الفضيل: لو كنت شاكا ما قتلتهم. فقال الفض��يل: فسمعته وهو يقول: )أشركني الله في تلك الدماء، مضى والل��ه زي��د عمي وأص��حابه ش��هداء مث��ل م��ا مض��ى علي��ه علي بن أبي

(1)طالب وأصحابه(

وعن عبد الله بن سيابة ق��ال: )وص��ل إلى اإلم��ام الص��ادق كت��اب في��ه خ��بر مقت��ل زي��د فبكى، ثم ق��ال: )إن��ا لل��ه وإن��ا إلي��ه~عم العم، إن راجعون عن�د الل��ه تع�الى أحتس�ب عمي إن�ه ك�ان ن عمي كان رجال لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول الل��ه وعلي والحس��ن والحس��ين )ص��لوات

(2)الله عليهم(

وروي أن��ه ق��ال ألبي والد الك��اهلي: )أرأيت عمي زي��دا؟( قال: نعم رأيت��ه مص��لوبا، ورأيت الن��اس بين ش��امت حن��ق وبين محزون محترق فق��ال اإلم��ام الص��ادق: )أم��ا الب��اكي فمع��ه في

(3)الجنة، وأما الشامت فشريك في دمه(

ونحن نردد س��يدي م��ا ردده اإلم��ام الص��ادق، ونق��ول لك��ل

(286)( المرجع السابق، )ص1

(252ص1)( أخبار الرضا )ج2

(204ص2)( كشف الغمة )ج3

179

أولئ��ك ال��ذين يمج��دون الظلم��ة ال��ذين قتل��وك: مج��دوهم كم��ا تش��اءون، ولكن ال تنس��وا أنكم ش��ركاء لهم في ك��ل قط��رة دم

أسالوها، وأولها دمك يا زيد الشهيد.

:ثائرون على الدرب

سيدي زيد.. يا ابن الثائرين.. ووالد الثائرين.. لقد استمر عطاؤك بعد استشهادك؛ فق��د ق��ام على درب��ك ودرب آبائك الكثير من األبط�ال الث�وار ال�ذين ال ن�زال ن�ذكرهم،

ونعيش مآسيهم، وتفتخر ببطوالتهم.. حتى ل�و لم يتحق��ق لهم في ذل�ك الحين م��ا طلب��وه، لع��دم توفر القابلية في ذلك المجتمع ال�ذي اس�تخف ب�ه الطغ�اة، كم�ا استخف فرعون بالمصريين، لكن دماءهم التي سقوا به��ا ألرض أنبتت أزهارا كثيرة، ويوشك أن يع��ود اإلس��الم بس��ببها إلى نبع��ه

األصيل الذي لم يدنس. فلوال تلك الثروات ما عرفنا جرائم األمويين، وال العباس��يين من بعدهم، وال عرفنا كيف ش��وه اإلس��الم، وح��رف عن مس��اره ليناس�ب أه��واء المس�تبدين والظلم�ة ال�ذين حول�وه إلى أفي��ون

للشعوب. بعدك س��يدي ق��ام ابن��ك يحي.. وم��ا أدراك م��ا يحي.. ذل��ك الشاب البطل الذي كتب له أن يصلب مثلما صلبت.. وأن يظ��ل مصلوبا حتى ظهر أبو مس��لم الخراس��اني، فأنزل��ه وص��لى علي��ه

ودفنه وأمر بإقامة العزاء عليه في خراسان.ذلك الذي قال فيه الشاعر:

180

أليس بعين الله ماتفعلونه

عشية يحيى موثقبالسالسل كالب عوت ال قدس

الله سرها فجئن بصيد اليحل

ذل��ك ال��ذي بعث برأس��ه إلى الولي��د، فبعث ب��ه الولي��د إلىآلكل المدينة وأم��ر ب��أن يوض��ع في حج��ر أم��ه ريط��ة، فنظ��رت إلي��ه، وقالت: )ش��ردتموه عني ط��ويال، وأه�ديتموه إلي ق�تيال، ص�لوات

(1)الله عليه وعلى آبائه بكرة وأصيال(

~م��ام الص��ادق مكان��ة عظيم��ة، ذل��ك ال��ذي ك��ان ل��ه عن��د اال وعندما سمع بشهادته وصلبه حزن حزن��ا ش��ديدا، وق��ال: )إن آل��ه أبي سفيان قتلوا الحسين ابن علي صلوات الله عليه فنزع الل ملكهم، وقتل هشام، زيد بن علي فنزع الله ملكه، وقتل الوليد،

(2)يحيى بن زيد، فنزع الله ملكه(

وهكذا استمرت الثورة بع��د ابن��ك يحي بب��ني عمومت��ك من��ه المحض.. ذل��ك أبناء اإلمام الحس��ن.. وق��د ك��ان منهم عب��د الل الذي مات مخنوقا في سجن أبي جعفر الذي يسمونه منص��ورا.. ولست أدري على من انتصر، وال كيف انتصر.. لقد استشهد ه��و ابن خمس وسبعين سنة.. ولم يرحم�وا قرابت�ه من رس��ول الل�ه

.ولم يرحموا شيبته ، لق��د ذك��ر المؤرخ��ون كيفي��ة القبض علي��ه، فق��الوا: )ك��ان��ه بن الحس��ن بن الحس��ن بن علي المنص��ور قبض على عب��د الل وكث��ير من أه��ل بيت��ه وذل��ك في س��نة أرب��ع وأربعين ومائ��ة في

..70 � 69 / 1)( السيد علي خان المدني : رياض السالكين : 1

..46 ح 182 / 46)( البحار : 2

181

منص��رفه من الحج، فحمل��وا من المدين��ة إلى الرب��ذة من ج��ادة��ه بن الحس��ن: إب��راهيم بن العراق وكان ممن حمله مع عب��د الل الحس��ن بن الحس��ن، وأب��و بك��ر بن الحس��ن بن الحس��ن، وعلي��ه بن الحس��ن بن الحس��ن، الخ��ير، وأخ��وه العب��اس، وعب��د الل والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن، ومعهم محمد بن عبد��ه بن الحس��ن بن الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أخو عبد الل الحسن ألمه فاطمة ابنة الحسين بن علي، وجدتهما فاطمة بنت

��ه بنرسول الله .. فجرد المنصور بالربذة محم��د بن عب��د الل عم��رو بن عثم��ان فض��ربه أل��ف س��وط، وس��أله عن اب��ني أخي��ه محم��د وإب��راهيم ف��أنكر أن يع��رف مكانهم��ا، فس��ألت جدت��ه العثماني في ذلك الوقت، وارتحل المنصور عن الربذة وه��و في قبة، وأوهن القوم بالجه��د، فحمل��وا على المحام��ل المكش��وفة،��ه بن فمر بهم المنصور في قبته على الجمازة، فصاح به عبد الل الحسن يا أبا جعفر ما هكذا فعلن��ا بكم ي��وم ب��در، فص��يرهم إلى الكوفة، وحبسوا في سرداب تحت األرض ال يفرق��ون بين ض��ياء��ه اب��ني داود النهار وسواد الليل، وخل�ى منهم: سليمان وعبد الل��ه بن الحس��ن، بن الحس��ن بن الحس��ن، وموس��ى بن عب��د الل والحسن بن جعفر، وحبس اآلخرين ممن ذكرنا حتى ماتوا وذلك على شاطىء الفرات من قنطرة الكوف��ة، ومواض��عهم بالكوف��ة تزار في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثالثين وثالثمائة، وكان ق��دون في مواض��عهم فاش��تدت هدم عليهم الموض��ع، وك��انوا يتوض�� عليهم الرائحة، فاحت��ال بعض م��واليهم ح�تى أدخ�ل عليهم ش�يئا من الغالية، فكانوا يدفعون بش�مها تل��ك ال�روائح المنتن��ة، وك�ان الورم في أقدامهم، فال ي��زال يرتف��ع ح��تى يبل��غ الف��واد فيم��وت

صاحبه( وذكروا )أنهم لم��ا حبس��وا في ه��ذا الموض��ع أش��كل عليهم

182

أوقات الص�الة، فج�زأوا الق�رآن خمس�ة أج�زاء، فك�انوا يص�لون الصالة على فراغ كل واحد منهم من جزئه وك��ان ع��دد من بقي منهم خمسة، فمات اسماعيل بن الحسن فترك عندهم فجي��ف، فصعق داود بن الحسن فمات، وأتى برأس إبراهيم بن عبد الله فوجه به المنص��ور م��ع الربي��ع إليهم فوض��ع ال��رأس بين أي��ديهم وعبد الله يصلي، فقال له إدريس أخوه: اسرع في صالتك يا أب��ا محمد، فالتفت إليه وأخذ الرأس فوضعه في حج��ره، وق��ال ل��ه: أهال وسهال يا أبا القاسم، والله لقد كنت من الذين قال الله ع��ز

��اق ) ون الم~يث ه~ وال ينقض�� ~عه��د~ الل ذ~ين يوفون ب ال (20﴿وجل فيهم: هم ويخافون ~ه~ أن يوصل ويخشون رب ه ب ذ~ين يص~لون ما أمر الل وال

[، فق��ال ل��ه الربي��ع: كي��ف أب��و21،�� 20﴾سوء الح~ساب~ ]الرعد: القاسم في نفسه؟ قال: كما قال الشاعر:

فتى كان يحميه من الذل سيفه... ويكفيه أن يأتي الذنوباجتنابها

ثم التفت إلى الربيع: فق��ال: ق��ل لص��احبك ق��د مض��ى من��ام؟ والملتقى، القيام��ة. ق��ال الربي��ع: بؤسنا أيام ومن نعيم��ك أي فما رأيت المنصور قط أشد انكسارا منه في الوقت الذي بلغته

(1)الرسالة(

أس��ف س��يدي ه��ذه الحق��ائق ص��ارت مغيب��ة، وص��ار منلل لبسوا عم��ائم ال��دين يتواص��ون على كتمانه��ا، ح��تى يبقى ل��ذلك ال��ذي س��موه منص��ورا حرمت��ه وقداس��ته.. وهم ال يعلم��ون أنهم بتقديس��هم لفرع��ون يظلم��ون موس��ى.. وبتقديس��هم للطغ��اة،

يجعلون الدين أداة بأيديهم.

..298 / 3)( مروج الذهب : 1

183

بعده خرج ابن��ه محم��د المع��روف ب��النفس الزكي��ة، وال��ذي استشهد بأي�دي من يس�مونه المنص�ور.. وك�ان في عه�د اإلم�ام الص��ادق.. وق��د ذك��ر المؤرخ��ون كيفي��ة خروج��ه، واستش��هاده، والجرائم الكثيرة التي حص��لت بس��بب ذل��ك، فق��الوا: )في س��نة خمس وأربعين ومائة كان ظهور محمد بن عبد الله بن الحس��ن��ه عنهم بالمدين��ة، بن الحس��ن بن علي بن أبي ط��الب رض��ي الل وكان ق��د بوي��ع ل��ه من كث��ير من األنص��ار وك��ان ي��دعى ب��النفس الزكية لزهده ونسكه، وكان مس��تخفيا من المنص��ور ولم يظه��ر��ه بن الحس��ن وعمومت��ه، حتى قبض المنصور على أبي��ه عب��د الل��ه بالمدين��ة، وكثير من أهله وعدتهم، ولما ظهر محمد بن عبد الل استشار إسحاق بن مسلم العقيلي وك�ان ش��يخا ذا رأي وتجرب�ة فأشار إلى م��ا لم يستحس��نه أب��و جعف��ر وبينم��ا ك��ان يتفك��ر في كيفية المقابلة مع محمد بن إبراهيم بلغه أن إبراهيم أخ��ا محم��د خ��رج بالبص��رة ي��دعو إلى أخي��ه، فبعث عيس��ى بن موس��ى في أربعة آالف ف��ارس وألفي راج��ل وأتبع��ه محم��د بن قحطب��ة في جيش كثيف فقاتلوا محمدا بالمدين�ة ح�تى قت��ل وه�و ابن خمس��ه وأربعين سنة ولما اتصل بإبراهيم قتل أخيه، محمد بن عبد الل

وهو بالبصرة صعد المنبر فنعاه وتمثل: أبالمنازل ياخير

الفوارس من يفجع بمثلك في الدنيا

فقد فجعا الله يعلم أني لوخشيتهم

وأوجس القلب منخوف لهم فزعا لم يقتلوه ولم

أسلم أخي لهم حتى نموت جميعا أو

وقد كان تفرق أخوة محمد وولده في البل��دان ي��دعون إلىنعيش معا إمامته فكان فيمن توجه ابن��ه، علي بن محم��د إلى مص��ر فقت��ل��ه إلى خراس��ان فه��رب لم��ا طلب، إلى بها، وس��ار ابن��ه عب��د الل السند فقتل هناك، وسار ابنه الحس��ن إلى اليمن فحبس فم��ات

184

في الحبس، وس��ار أخ��وه موس��ى إلى الجزي��رة، ومض��ى أخ��وه يحيى إلى الري، ثم إلى طبرستان، ومضى أخوه إدريس بن عبد الله إلى المغرب فأجاب��ه خل��ق من الن��اس، فبعث المنص��ور من��ه بن اغتال��ه بالس��م وق��ام ول��ده إدريس بن إدريس بن عب��د الل

(1)الحسن بن الحسن مقامه(

وهكذا استعمل الطغاة كل وسائلهم للقضاء على كل ثورة وحرك��ة ت��دعو إلى ع��ودة الق��رآن للس��لطان.. ولكن المغيب��ة عقولهم، ال زالوا حريصين على السلطان، وعلى اعتبار األمويين والعباسيين والعثمانيين وك��ل أص��حاب المل��ك العض��وض حكام��ا

شرعيين، يمثلون الرسالة اإللهية. مع أن كبار العلماء ال��ذين يعت��برونهم، ك��انوا مخ��الفين لهم في ذل��ك، فق��د ذك��ر المؤرخ��ون أن اإلم��ام أب��ا حنيف��ة ب��العراق، واإلمام مالك بالمدين�ة كان��ا يؤي��دان ث��ورة النفس الزكي��ة وأخ�اه إبراهيم، وقد ك��ان ذل��ك من أس��باب المحن ال��تي حص��لت لهم��ا

(2).

وقد ذكر أبو زهرة المحنة التي تعرض لها أبو حنيفة بسبب موقف��ه من تل��ك الث��ورة، فق��ال: )اس��تقبل أب��و حنيف��ة عه��د العباسيين بارتياح، فقد رأى اضطهاد األمويين لبني علي بن أبي

.296 � 294 / 3)( مروج الذهب : 1

([ نقال عن ابن خلدون:205/ 1)( قال في ]االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى )2 ) ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجان له حين خرج بالحجاز ويريان أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر المنصور النعقاد هذه البيعة أوال وكان أب��و حنيف��ة يق��ول بفض��له ويحتج لحقه فتأدت إلى اإلمامين المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور ح��تى ض��رب مالك رضي الله عنه على الفتيا في طالق المكره وحبس أبو حنيفة رضي الل��ه عن��ه على

القضاء(185

، واس��تمر على والئ��ه للدول��ةطالب وأهل بيت الن��بي محم��د العباسية لمحبته آلل البيت جميعا، ولقد كان الخليف�ة أب�و جعف��ر المنصور يدني��ه ويعلي��ه ويرف��ع ق��دره ويعطي��ه العطاي��ا الجزيل��ة، ولكنه كان يردها وال يقبل العطاء، ولم يعرف عن أبي حنيفة أنه تكلم في حكم العباس���يين ح���تى نقم عليهم أبن���اء علي بن أبي طالب، واشتدت الخصومة بينهم، وقد كان والء أبي حنيفة لب��ني علي، فكان طبيعي�ا أن يغض��ب لغض��بهم، وخصوص�ا أن من ث�ارا على حكومة أبي جعفر هما محم��د النفس الزكي��ة بن عب��د الل��ه بن الحس��ن، وأخ��وه إب��راهيم بن عب��د الل��ه بن الحس��ن، وك��ان أبوهما عبد الله ممن اتصل به أبو حنيفة اتصاال علميا، وقد ك��ان عبد الله وقت خروج ولديه في سجن أبي جعفر، ومات فيه بعد

(1)مقتل ولديه(

ثم ذكر دالئل نصرة أبي حنيفة لثورة محمد النفس الزكية، فقال: )كان موقف أبي حنيفة من خ��روج محم��د النفس الزكي��ة على المنصور شديدا، فقد كان يجهر بمناص��رته في درس��ه، ب��ل وص��ل األم��ر إلى أن ثب��ط بعض ق��واد المنص��ور عن الخ��روج لحربه.. وكان هذا العمل في نظر المنصور من أخط��ر األعم��ال على دولته، ألن أبا حنيفة تجاوز في��ه ح��د النق��د المج��رد وال��والء القلبي إلى العمل اإليجابي، فأراد المنصور أن يختبر طاع��ة أبي حنيفة ووالءه له، وقد كان يب��ني بغ��داد آن��ذاك، ف��أراد أن يجعل��ه قاضيا، فامتنع أبو حنيفة، فأصر المنصور على أن يتولى ل��ه عمال أيا كان، فقبل أبو حنيفة أن يقوم ببعض أعمال البن��اء من إع��دادبن وم��ا ش��ابه ذل��ك، فاس��تطاع ب��ذلك أن يغمض عن��ه عين الل

.44-42)( أبو حنيفة، محمد أبو زهرة، ص1

186

(1)المنصور(

وذكر ما حصل له بعد ذلك، ألن أص��حاب المل��ك العض��وض لم يكونوا ليرضوا لمن يتهم��ونهم بأمث��ال تل��ك العقوب��ات، ق��ال: )لقد كان أبو حنيفة يمي��ل إلى أبن��اء علي بن أبي ط��الب، وك��ان ذلك يبدو على لسانه في حلقة درسه وبين تالميذه، وكان يجه��ر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، كما كان يمتن��ع عن قبول العطاء من المنصور، وكان ينقد القضاء نقدا مرا إذا وج��د فيه ما يخالف الحق في نظره، من غير أن يلتفت إلى ما يج��ره ذلك النق��د من ض��ياع روع��ة األحك��ام.. وعن��دما دع��ا أب��و جعف��ر المنصور أبا حنيفة ليتولى القض��اء امتن��ع، فطلب من��ه أن يرج��ع إليه القضاة فيما يشكل عليهم ليفتيهم فامتنع، فأنزل به العذاب بالض���رب والحبس، أو الحبس وح���ده على اختالف الرواي���ات، وي��روى أن أب��ا جعف��ر حبس أب��ا حنيف��ة على أن يت��ولى القض��اء ويصير قاضي القضاة، فأبى حتى ضرب مئ��ة وعش��رة أس��واط، وأخرج من الس�جن على أن يل��زم الب�اب، وطلب من��ه أن يف�تي فيما يرفع إليه من األحكام، وكان يرسل إليه المسائل، وك��ان اليق يف��تي، ف��أمر أن يع��اد إلى الس��جن، فأعي��د وغل��ظ علي��ه وض�� تضييقا شديدا.. وقد اتفق الرواة على أنه حبس، وأنه لم يجلس لإلفتاء والتدريس بعد ذلك، إذ إنه مات بعد هذه المحنة أو معها، ولكن اختلفت الرواية: أمات محبوس��ا بع��د الض��رب ال��ذي تك��اد الروايات تتفق عليه أيضا؟ أم م�ات محبوس�ا بالس�م فلم يكت�ف بضربه بل سقي السم ليعجل موته؟ أم أطل��ق من حبس��ه قب��ل موته فمات في منزله بعد المحنة ومنع من الت��دريس واالتص��ال

.46)( المرجع السابق، ص1

187

(1)بالناس؟ كل هذه الروايات رويت(

وهكذا حصل لإلمام مالك الذي ضرب ضربا شديدا، بس��بب فتواه ذلك الحين بعدم وقوع طالق المس��تكره ال��ذي تم إجب��اره على إيقاع الطالق على غير إرادة منه.. ومع أن الفت��وى عادي��ة، وهي محل اتفاق بين الفقهاء إال أن المستبدين من بني العب��اس فهموا منها أن مالكا يفتي الناس بج��واز خل��ع بيعتهم للمنص��ور..

ألنهم بايعوه كرها. ولكن من يزعم���ون أنهم تالمي���ذ مال���ك وأبي حنيف���ة اآلن يص��رون على تعظيم المنص��ور، وتعظيم ك��ل أص��حاب المل��وك العضوض، غافلين عن الج��رائم ال��تي ارتكبوه��ا ال في ح��ق أه��ل

البيت فقط، وإنما في حق أئمتهم الذين يتبعونهم ويقلدونهم. وهكذا ذكر أبو زهرة ما فع��ل باإلم��ام الش��افعي ال��ذي ك��اد

لم��ا ن��زل: )يقتل بسبب اتهام��ه ب��الوالء أله��ل ال��بيت، فق��د ق��ال الشافعي باليمن، ومن أعمالها نجران، كان بها وال ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه، أي ينصحه وينهاه، ويمن��ع مظالم��ه أن تص��ل إلى من تحت واليت��ه، وربم��ا ن��ال الش��افعي ذل��ك ال��والي بالنقد، فأخذ ذلك الوالي يكي��د ل��ه بال��دس والس��عاية والوش��اية. وفي ذل��ك الزم��ان~ ال��ذي ك��ان في��ه الحكم للعباس��يين، ك��ان��دلون بمث��ل العباس��يون يع��ادون خص��ومهم العل��ويين، ألنهم ي نسبهم، ولهم من رحم الرسول محمد ما ليس لهم، ف��إذا ك��انتون بمثل��ه، دول��ة العباس��يين ق��امت على النس��ب، فأولئ��ك يمت وبرحم أقرب، ولذا كانوا إذا رأوا دعوة علوية قض��وا عليه��ا وهي في مه���دها، ويقتل���ون في ذل���ك على الش���بهة ال على الج���زم

.57)( المرجع السابق، ص1

188

واليقين، إذ يرون أن قتل بريء يستقيم به األم��ر لهم، أولى منهم يج��وز أن يفس��د األمن عليهم.. وج��اء والي نج��ران ت��رك مت العباسيين من ه��ذه الناحي��ة، واتهم الش��افعي بأن��ه م��ع العلوي��ة، فأرس��ل إلى الخليف��ة ه��ارون الرش��يد: )إن تس��عة من العلوي��ةكوا(، ثم قال في كتابه: )إني أخاف أن يخرجوا، وإن ه��ا هن��ا تحر رجال من ولد شافع المطلبي ال أمر لي معه وال نهي(، وقيل أن��ه ق��ال في الش��افعي: )يعم��ل بلس��انه م��ا ال يق��در علي��ه المقات��ل بس��يفه(، فأرس��ل الرش��يد أن يحض��ر أولئ��ك النف��ر التس��عة من العلوي��ة ومعهم الش��افعي. ويق��ال أن��ه قت��ل التس��عة، ونج��ا الش��افعي؛ بق��وة حجت��ه، وش��هادة القاض��ي محم��د بن الحس��ن الشيباني، أما قوة حجته فك�انت بقول�ه للرش��يد وق�د وج�ه إلي�ه التهمة بين النط�ع والس�يف: )ي�ا أم�ير المؤم�نين، م�ا تق�ول في رجلين أح��دهما ي��راني أخ��اه، واآلخ��ر ي��راني عب��ده، أيهم��ا أحب إلي؟(، ق��ال: )ال��ذي ي��راك أخ��اه(، ق��ال: )ف��ذاك أنت ي��ا أم��ير المؤمنين، إنكم ولد العباس، وهم ولد علي، ونحن بن�و المطلب، ف�أنتم ول��د العب�اس ترونن��ا إخ�وتكم، وهم يرونن�ا عبي��دهم، وأم�ا شهادة محمد بن الحسن الشيباني فذلك ألن الشافعي استأنس لما رآه في مجلس الرشيد عند االتهام، فذكر بع��د أن س��اق م��ا س��اق أن ل��ه حظ��ا من العلم والفق��ه، وأن القاض��ي محم��دا بن الحسن يعرف ذلك، فسأل الرشيد محمدا، فقال: )له من العلم حظ كبير، وليس الذي رفع عليه من شأنه(، ق��ال: )فخ��ذه إلي��ك

(1)حتى انظر في أمره(، وبهذا نجا(

وقد عبر الشافعي عن هذه التهمة ال��تي اتهم به��ا في تل��ك األبيات المشهورة عنه، والتي رواها الربيع بن س�ليمان عن�ه في

.22 القاهرة، ص–)( الشافعي، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي 1

189

قوله: )خرجنا مع الشافعي من مكة نري�د م��نى فلم ن��نزل وادي��اولم نصعد شعبا إال وهو يقول

يا راكبا قف بالمحصبمن منى

واهتف بقاعد خيفهاوالناهض سحرا إذا فاض

الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات

الفائض إن كان رفضا حب آلمحمد

فليشهد الثقالن أني(1)رافضي لكن مع ذلك كله استطاع الطغاة والمستبدون أن ينشروا

النصب في األمة، لتع�ادي أه�ل بيت نبيه�ا، أو لتجم�ع بينهم وبينأعدائهم، لتعيش التناقض بكل معانيه.

منتصرون رغم المحن: لم تجهض كل تل��ك الث��ورات س��يدي.. ب��ل اس��تطاع الكث��ير

منها أن يؤتي ثماره، ولو بعد حين.. ولن أعدد لك أولئك الث��وار األبط��ال ال��ذين نجح��وا في أداء أدوارهم في جميع بالد العالم اإلس��المي، ولك��ني سأقتص��ر على رجل منهم جعله الله شمسا تشرق على المغرب، فتنش��ر فيه��ا اإلسالم الذي قصرت السيوف في نش��ره، أو ش��وهت الس��يوف

قيمه، فصرفت الناس عنه. إنه إدريس األول.. ناشر اإلسالم األكبر في المغرب.. ذل��ك الذي قال االمام الرضا ثامن أئم��ة أه��ل ال��بيت في ابن��ه إدريس الثاني: )إدريس بن إدريس ابن عبد الله من شجعان أهل ال��بيت

(2)والله ماترك فينا مثله(

(299/ 1)( طبقات الشافعية الكبرى للسبكي )1

190

ذلك الذي ال ن�زال نق�رأ رس��الته ال�تي كتبه�ا ألهله�ا حينه�ا، يبشرهم باإلس��الم المحم��دي األص��يل ال��ذي لم يدنس��ه أص��حاب

الملك العضوض. يقول لهم: )الحمدلله ال��ذي جع��ل(1)لقد كتب في رسالته

النصر لمن أطاعه، وعاقبة السوء لمن عند عنه، وال إله إال الل��ه المتفرد بالوحدانية، الدال على ذلك بما أظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره، الذي ال يدرك إالبأعالمه وبينات��ه، س��بحانه منزه��ايء وه��و ~��ه~ ش�� ليس كم~ثل ﴿عن ظلم العباد وعن السوء والفساد،

م~يع البص~ير ]الشورى: [، وص��لى الل��ه على محم��د عب��ده10﴾الس ورس��وله وخيرت��ه من جمي��ع خلق��ه، انتجب��ه واص��طفاه واخت��اره

وارتضاه صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين( ثم ذكر بعد ه��ذه الديباج��ة أهداف��ه من دعوت��ه لهم، فق��ال:

ي أدع��وكم إلى كت��اب الل��ه وس��نة نبي��ه ، وإلى الع��دل في)إنعية، والقسم بالسوية، ودف��ع الظ��الم واألخ��ذ بي��د المظل��وم، الر وإحياء السنة وإماتة البدع��ة، وإنف��اذ حكم الكت��اب على الق��ريبروا وفي األمان��ات خ��تروا، والبعيد، ف��اذكروا الل��ه في مل��وك تجب وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبي��ه قتل��وا، وأذك��ركم الل��ه فيعت، وح��دود عطلت وفي دم��اء بغ��ير أرامل افتقرت، ويتامى ضي حق سفكت، ق��د نب��ذوا الكت��اب واإلس��الم ورآء ظه��ورهم ك��أنهم اليعلم��ون، فلم يب��ق من اإلس��الم إال اس��مه وال من الق��رآن إال

رسمه(

.159)( ابن عنبة : عمدة الطالب : 2

.49)( نص الرسالة في أخبار فخ، ص1

191

ثم بين لهم ضرورة مواجهة تلك التحريفات ال��تي ق��ام به��ا أصحاب المل��ك العض��وض، فق��ال: )واعلم��وا عب��اد الل��ه أن مم��ا أوجب الله على أهل طاعته المجاه��دة أله��ل عداوت��ه ومعص��يته باليد واللس��ان، فباللس��ان ال��دعاء إلى الل��ه بالموعظ��ة الحس��نة والنص��يحة والت��ذكرة، والحض على طاع��ة الل��ه، والتوب��ة من ال��ذنوب واإلناب��ة واإلقالع وال��نزوع عم��ا يك��ره الل��ه، والتواص��ي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاص��ي الله كلها، والتعليم والتقويم لمن اس��تجاب لل��ه ولرس��وله، ح��تى تنفذ بصائرهم ويكم��ل علمهم، وتجتم��ع كلمتهم، وتنتظم إلفتهم، فإذا اجتمع منهم من يكون للفس��اد دافع��ا، وللظ��المين مقاوم��ا، وعلى البغي والعدوان قاهرا، أظهروا دعوتهم ون��دبوا العب��اد إلى طاع��ة ربهم، ودافع��وا أه��ل الج��ور عن ارتك��اب م��ا ح��رم الل��ه عليهم، وح��الوا بين أه��ل المعاص��ي وبين العم��ل به��ا ف��إن في

معصية الله تلفا لمن ركبها، وهالكا لمن عمل بها( ثم بين لهم ش��روط النص��ر، مس��تدال على ذل��ك ب��القرآن الكريم الذي لم يكن يفارق أح��دا من دع��اة وأئم��ة أه��ل ال��بيت، فقال: )وال يؤيسنكم من علو الحق وإظهاره وقلة أنص��اره، ف��إن

، واألنبياء الداعين إلى الل��ه قبل��هفيما بدء به من وحدة النبي وتكثيره إياهم بعد القلة، وإعزازهم بعد الذل��ة دليال بين، وبرهان��اة ��در وأنتم أذ~ل ~ب ه ب ركم الل ولقد نص�� ﴾واضحا، قال الله عز وجل: ﴿

~ن الل��ه لق��و~ي123]آل عم��ران: ره إ رن الل��ه من ينص�� ولينص�� ،]﴿ ]الحج ر جن��ده وأظه��ر حزب��ه،40﴾عزي��ز [. فنص��ر الل��ه نبي��ه، وكث

وأنجز وعده، جزاء من الله له وثوابا لفعله وصبره وإثاره طاع��ة ربه ورأفته بعباده ورحمته وحس��ن قيام��ه بالع��دل والقس��ط في بريته، ومجاهدة أعدائه وزهده فيما زهده فيه، ورغبته فيما ندب��ه إليه، ومواساته أصحابه، وسعة خلقه، كما أدبه الله وأمره وأم��ر

192

العباد باتباعه، وسلوك سبيله، واإلقتداء بهديه واقتفاء أث��ره ف��إذاروا ~ن تنص�� إ ﴿فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم كما قال ع��ز وج��ل:

]محمد: ~ت أقدامكم وتع��اونوا على7﴾الله ينصركم ويثب ﴿[. وقال: ~ والعدوان ]المائدة: ~ثم [، وقال2﴾البر والتقوى وال تعاونوا على اإل

~يتاء~ ذي الق��ربى وينهى ~حسان~ وإ ~ن الله يأمر بالعد~ل~ واإل إ ﴿تعالى: ]النح��ل: ��ذكرون ��ر~ والبغي يع~ظكم لعلكم ت اء~ والمنك ﴾عن~ الفحش��

��ر أم��ة90 كنتم خي ﴿[، وكم��ا م��دحهم وأث��نى عليهم إذ يق��ول: ��ون ��ر وتؤم~ن اس~ تأمرون بالمعروف~ وتنهون عن المنك أخر~جت للن

]آل عم���ران: ���ون110﴾بالل���ه والمؤم~ن ﴿[، وق���ال ع���ز وج���ل: ��أمرون ب��المعروف وينه��ون عن~ ~ياء بعض ي والمؤم~نات بعضهم أول

]التوبة: ~ر [، فف��رض الل��ه ع��ز وج��ل األم��ر ب��المعروف71﴾المنك والنهي عن المنكر، وأضافه إلى اإليم��ان ب��ه واإلق��رار بمعرفت��ه، ذ~ين ال ~لوا ال ق��ات ﴿وأمر بالجهاد عليه والدعاء إليه، فقال عز وجل: وله م الله ورس�� ~ األخ~ر~ وال يحرمون ما حر ~اليوم يؤم~نون بالله وال ب

]التوبة: [، وف��رض قت��ال العان��دين عن29﴾وال يد~ينون د~ين الحق~ الحق، والباغين عليه، ممن آمن به وص��دق بكتاب��ه ح��تى يع��ودوا إليه ويفيئوا، كما فرض الله قت��ال من كف��ر ب��ه وص��د عن��ه ح��تى~فت��ان~ م~ن وإن طائ ﴿يؤمن ويعترف بدينه وشرائعه، فقال تع��الى: ~حداهما على األخرى ~حوا بينهما فإن بغت إ ~ين اقتتلوا فأصل المؤم~ن

]الحجرات: ~لى أمر~ الله ~ي تبغي حتى تف~ئ إ ت ~لوا ال [(9﴾فقات ثم راح ي��دعوهم إلى ال��دين الح��ق ال��ذي ش��وهه أص��حاب الملك العضوض وس��دنتهم من علم�اء الس�لطان، فق�ال: )فه�ذا عهد الله إليكم، وميثاقه عليكم في التع��اون على ال��بر والتق��وى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان، فرضا من الله واجبا وحكما من الله الزما، ف��أين عن الل��ه ت��ذهبون، وأنى تؤفك��ون، وق��د ج��ابت الجب��ابرة في اآلف��اق ش��رقا وغرب��ا، وأظه��روا الفس��اد وامتألت

193

األرض ظلما وج��ورا، فليس للن��اس ملج��أ وال لهم عن��د أع��دائهم حسن رجاء. فعسى أن تكون��وا معاش��ر إخوانن��ا من ال��بربر الي��د الحاصدة للجور والظلم، وأنصار الكتاب والسنة، الق��ائمين بح��ق المظلومين من ذرية خاتم النبيئين، فكونوا عند الل��ه بمنزل�ة من

جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبئيين والصديقين( ثم راح يح��دثهم عن نفس��ه، وعن المآس��ي العظيم��ة ال��تي حصلت ألهل البيت، فقال: )و اعلموا معاشر البربر أني ن��اديتكم وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الش��ريد الخ�ائف الموت��ور ال�ذي كثر واتروه، وقل ناصروه، وقت��ل إخوت��ه وأب��وه، وج��ده وأهل��وه،ومن ﴿فاجيبوا داعي الله فقد دعاكم إلى الله، قال الل��ه تع��الى: ~��ه~ ��ه م~ن دون ~معج~ز ف~ي األرض~ وليس ل ه~ فليس ب ال يج~ب داع~ي الل

]األحقاف: ~ين ~ك ف~ي ضالل مب ~ياء أولئ [. أعاذنا الله وإي��اكم32﴾أول من الضالل وهدانا وإي��اكم إلى س��بيل الرش��اد.. وأن��ا إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحس��ن بن علي بن أبي ط��الب، رس��ول

، وعلي بن أبي ط��الب، ج��داي، وحم��زة س��يد الش��هداءالل��ه وجعفر الطيار في الجنة عماي، وخديجة الصديقة وفاطم��ة بنت

أسد الشفيقة برسول الله جدتاي، وفاطمة بنت رس�ول الل�ه سيدة نساء العالمين، وفاطمة بنت الحسين س�يدة بن�ات ذراري النبيين أماي، والحسن والحسين إبنا رسول الله أبواي، ومحم��د

وإبراهيم إبنا عبدالله المهدي والزاكي، أخواي( ثم ختم رس��الته لهم بقول��ه: )فه��ذه دع��وتي العادل��ة غ��ير الجائرة، فمن أجابني فله مالي وعليه ما علي، ومن أبى فحظ��ه أخطأ، وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة إني لم أسفك له دم��ا وال أستحللت له محرما وال ماال واستشهدك ي��ا أك��بر الش��اهدين شهادة، وأستشهد جبريل وميكائي��ل أني أول من أج��اب وأن��اب، فلبي��ك اللهم لبي��ك.. اللهم م��زجي الس��حاب، وه��ازم األح��زاب،

194

مسير الجبال سرابا بعد أن كانت صما صالبا، أسالك النصر لولدنبيك إنك على ذلك قادر(

ه��ذه رس��الته إليهم.. وق��د ك��ان قدوم��ه كق��دوم العافي��ة والدواء.. حيث نش��ر الل��ه ب��ه اإلس��الم المحم��دي األص��يل؛ حيث اس��تطاع أن ي��دعو القبائ��ل اليهودي��ة والوثني��ة إلى اإلس���الم، ويعرفهم به، ويدخلوا فيه أفواجا، ذلك أن الف��اتحين العس��كريين لم يكن لهم ال��وقت للجل��وس للن��اس وتعليمهم، وإنم��ا اكتف��وا

بالتوسع العسكري عن الدعوة إلى الله تعالى. فقد ذكر المؤرخون أن قبائل زناتة وزواغة وسدراتة وغياثة ومكناسة وغمارة وكافة القبائل األمازيغية في المغرب األقصى، وبع��د أن رأوا ص��فات إدريس األك��بر وأخالق��ه العالي��ة وعلم��ه العظيم راحوا يبايعونه، ويقوم��ون مع��ه بنش��ر اإلس��الم وتعري��ف الناس به في كل المن��اطق ال��تي لم ت��دخل اإلس��الم بع��د.. لكن

حقد هارون وصل إليه عبر إرسال من قتله. ولذلك كان دور إدريس األكبر ال��دعوي ه��و الفتح الحقيقي، وق��د التفت ب��ه القبائ��ل األمازيغي��ة بع��د أن رأت في��ه النم��وذج

الحقيقي الذي يمثل اإلسالم. لكن الطاغية هارون الذي لم يكن يفكر في نش��ر اإلس��الم، وإنما كان يفكر في ملكه وفي اإلتاوات التي تأتي��ه من المغ��رب والمشرق، راح يرسل له من يق��وم بقتل��ه، متج��اهال تل��ك األدوار

الدعوية العظيمة التي كان يقوم بها هناك. وقد قال حينها بعض الش��عراء من الم��والين لب��ني العب��اس يذكر قتله، ويصور في نفس الوقت اليد اإلجرامية لبني العباس،

195

:(1)والتي لم تكن تتوقف أبدا

أتظن يا إدريس أنكمفلت

كيد الخليفة أويقيك فرار فليدركنك أو تحل

ببلدة ال يهتدي فيها إليك

نهار إن السيوف إذاانتضاها سخطه

طالت وتقصردونها األعمار ملك كأن الموت يتبع

أمره حتى يقال تطيعه

وص��دق الش��اعر فيم��ا ق��ال، فلم يكن إدريس أول أو آخ��راألقدار قتيل من آل بيت النبوة يقوم هارون بقتل��ه، وإنم��ا قت��ل الكث��ير، ومنهم اإلم��ام موس��ى الك��اظم ال��ذي تتف��ق األم��ة جميع��ا على صالحه وتقواه وعلمه الغزير، وكونه إماما من أئم��ة بيت النب��وة، وكون��ه في نفس ال��وقت من المظل��ومين ال��ذي ش��ملهم بطش

هارون ليس بالقتل فقط، وإنما بالسجن قبل ذلك. ففي ال��وقت ال��ذي ك��ان الش��عراء يتمتع��ون في��ه بالص��الت والج��وائز ك��ان اإلم��ام موس��ى الك��اظم وغ��يره من الص��الحين يسكنون غياهب السجون، في انتظار لحظة الموت التي يحددها السفاح ال�ذي س�مته العق�ول المتناقض�ة رش�يدا، يق�ول الش�يخ محم��د ج��واد مغني��ة مع��برا عن محن��ة اإلم��ام الك��اظم: )أرس��ل الرشيد جالوزته إلى اإلمام موسى بن جعف��ر، وك��ان يتعب��د عن��د قبر جده، فأخرجوه منه، وقيدوه، وأرسله الرش��يد إلى البص��رة، وكان عليها عيسى بن جعفر بن المنصور، فحبس��ه عن��ده س��نة، ثم كتب عيس��ى إلى الرش��يد أن خ��ذه م��ني، وس��لمه إلى من شئت، وإال خليت سبيله، فقد اجته�دت أن آخ��ذ علي��ه حج��ة فم��ا

(408)( مقاتل الطالبيين )ص: 1

196

قدرت على ذلك. فحبسه ببغداد عند الفضل بن الربي��ع، ثم عن��د الفضل بن يحيى، ثم عند السندي بن شاهك، وأخيرا تخلص من��ه

(1)بالسم(

ولم يكتف هارون بذلك، ب��ل راح يم��ارس جرائم��ه في ك��ل من له صلة به من أه��ل بيت النب��وة أو غ��يرهم ح��تى النس��اء لم ينجين من جرائم��ه، يق��ول الس��يد محس��ن األمين: )بع��د وف��اة اإلم��ام الك��اظم أرس��ل الرش��يد أح��د ق��واده إلى المدين��ة، وه��و الجل��ودي، وأم��ره أن يهجم على دور آل أبي ط��الب، ويس��لب نس��اءهم وال ي��دع على واح��دة منهن إال ثوب��ا واح��دا، فامتث��ل الجلودي، حتى وصل إلى دار اإلمام الرضا، فجعل اإلمام النساء كلهن في بيت واحد، ووقف على ب��اب ال��بيت، فق��ال الجل��ودي:��ه البد من دخول البيت وسلب النساء فتوسل إليه وحل��ف ل��ه أن يأتي��ه بك��ل م��ا عليهن من حلي وحل��ل على أن يبقى الجل��ودي مكانه ولم يزل يالطفه حتى أقنعه، ودخل اإلمام، وأخذ جميع م��ا على النساء من ثي��اب ومص��اغ وجمي��ع م��ا في ال��دار من أث��اث،

(2)وسلمه إلى الجلودي، فحمله إلى الرشيد(

وهكذا كانت جرائم هارون في حق أهل بيت النب��وة كث��يرة ه�170ال يمكن حص��رها، فمن��ذ تس��لم زم��ام الحكم من س��نة

ه� أدار ص��راعات مختلف��ة م��ع العل��ويين فقت��ل،193حتى سنة وعذب الكثير منهم، مستنا في ذلك بسنة أهل الملك العض��وض

ابتداء من معاوية وابنه يزيد.

.162)( الشيعة والحاكمون، مغنية، ص 1

..29، ص 1)( أعيان الشيعة، ج 2

197

لكن هارون مع ذلك لم يزل يصور بصورة الخليف��ة الع��ادل على ال��رغم من ك��ل جرائم��ه، ذل��ك أن الترس��انة الك��برى ال��تي اس���تعملها أص���حاب المل���ك العض���وض راحت ت���زين ج���رائم المج��رمين، وتكتب فيهم ك��ل قص��ائد الثن��اء والم��دح، في نفس الوقت الذي ترمي فيه تلك العترة الط��اهرة في أت��ون النس��يان

واإلهمال والسباب، وكل أنواع الشتائم. ومن العجيب أن يتولى الثناء على هارون بعض من يدعون نس��بتهم إلى إدريس، وال��ذين يبن��ون أمج��ادهم وأمج��اد أس��رهم

له بالصالح والتقوى، ويزورون ضريحه، ويحيونعليه، ويشهدون ك��ل المناس��بات ال��تي ترتب��ط ب��ه، وب��الكثير من أوالده وحفدت��ه، لكنهم يترض��ون في نفس ال��وقت عن قاتل��ه ه��ارون، وي��ذكرون

مناقبه، ولست أدري كيف يوفق بين هذا وذاك. فإن كان موقف هارون صالحا وع��ادال، ف��إن إدريس األك��بر كان مستحقا لما حصل له، ولذلك ال يصح أن يعتبر من األولي��اء، وال من الص��الحين.. وإن ك��ان العكس، ف��إن حكم ه��ارون حكم إجرامي واستبدادي، وال يصح حينها السكوت عن ه��ذه الجريم��ة حتى لو تعلقت بقتل مسلم واحد، وكي��ف وه��ارون قت��ل المئ��ات

بل آالف من الصالحين، وهذا ما تذكره كل المصادر التاريخية. هذه سيدي زفرات ألم بثثتها إليك وإلى آباك وأبنائك وأه��ل بيتك.. ويعلم الله أني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم.. وال أبالي في حبكم ونصرتكم بالع��اذلين والع��اتبين والم��وبخين.. بل ال أبالي بالمهددين والمجرمين واإلرهابيين.. فم��ا أش��رف أن تختل��ط دم��ائي ب��دمائكم.. وم��ا أش��رف أن يعل��ق محبكم في الص��لبان ال��تي علقتم فيه��ا.. فهي ع��روش الكرام��ة، ومح��ال الع�زة.. وهي ف�ردوس ال�دنيا ال�ذي يتش�رف أص�حابه ب�الحظوة

198

بفردوس األخرى.

199

هذا الكتاب ه��ذا الكت��اب زف��رات ألم على المظ��الم ال��تي تع��رض له��ا

ابت��داء من أم��ه وأبي��ه، والل��ذين رمي��اأق��ارب رس��ول الل��ه بالشرك، وحكم عليهما بأنهما من أهل الن��ار، بينم�ا اعت�بر جمي��ع

المشركين بمنجاة منها، ألنهم من من أهل الفترة. وه��و زف��رات ألم في ح��ق أبي ط��الب عم رس��ول الل��ه

ذلك الذي فداه بكل شيء، وض��حى في س��بيله بك��ل م��ا يمل��ك، لكنهم يذكرون أنه مات على الشرك، مع أنه لم يع��رف الش��رك

قب��ل أن يت��نزل علي��ه مالكفي حيات��ه، وآمن برس��ول الل��ه الوحي.

وهو زفرات ألم في حق خديجة سيدة نساء الع��المين تل��ك م�ع م�ريم وآس�ية وفاطم�ةالطاهرة التي وضعها رسول الله

أن��ه لم يع��وضفي مح��ل واح��د.. وال��تي أخ��بر رس��ول الل��ه بمثلها، وال بمن يدانيها، ولكنا ال نكاد نسمع بها.

وه��و زف��رات ألم في ح��ق اإلم��ام الحس��ين وأص��حابه في الطفوف.. والذي صار ذك��رهم بدع��ة، والبك��اء عليهم هرطق��ة..

والتغني بأعدائهم سنة. وهو زفرات ألم في حق أولئ��ك األبط��ال المنس��يين ال��ذين كانوا أك�بر من نص�ر اإلس��الم، وف�دوه بأنفس�هم، لكنهم أهمل�وا،

ونسب الفضل لغيرهم. وهو زفرات ألم في حق أولئك الث��وار المض��طهدين ال��ذين قاموا لمواجهة االستبداد والظلم وتحريف الدين، فقمعوا وقتل�وا

200

وعلقوا في الصلبان وامتألت بهم السجون.

201