2 ﻥﺭﺎﻘﳌﺍ ﻪﻘﻔﻟﺍ ﰲ...

112
ﺍﳌﻘﺎﺭﻥ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻣﺴﺎﺋﻞ) 2 ( ﺍﻟﻠﻌﺎﻥ ـ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ـ ﺍﳊﺪﻭﺩ ـ ﺍﻹﺛﺒﺎﺕ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﳉﺎﻣﻌﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ2009 ـ2010

Upload: others

Post on 09-Sep-2019

0 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

)2( مسائل يف الفقه املقارن

وسائل اإلثبات ـ احلدود ـ القصاص ـ اللعان

2010 ـ 2009العام اجلامعي

- 1 -

بسم ا الرمحن الرحيم

)2( الفقه املقارن خطة مساق ( SHAR 3322 )

.حممد سليمان الفرا. أ: مدرس املساق

[email protected] ـ [email protected]: الربيد اإللكتروين ).12.30 ـ 11: ( األحد والثالثاء ، )10 ـ 9: ( لسبت واإلثنني واألربعاءا: الساعات املكتبية

.ساعات معتمدة ) 3 (: املساقساعات عدد .ختصص قسم الشريعة اإلسالمية: نوع املساق

).2010 ـ 2009 ( األول: الفصل الدراسي .م 2010 / 00 / 00: تاريخ االمتحان

).1( فقه مقارن : متطلبات سابقة للمساق

:وصف املساق § :يتناول المساق دراسة القضايا التالية

يمـين، وقـضاء جملة من المسائل في باب البينات؛ كالشهادة، واإلقرار، والقرينـة، وال ـ .القاضي بعلمه

.جملة من مسائل القصاص، والحدود، واللعان، وآثاره ـ : األهداف العامة للمساق §

.تدريب الطالب على الموازنة بين المذاهب المختلفة .1

.مذهبيةدرة على التعامل مع الكتب الإكساب الطالب الق .2

.التعرف على مصطلحات المذاهب المختلفة .3

.اقشة األدلة، والترجيح بينهاتدريب الطالب على من .4

- 2 -

تدريب الطالب على توظيف مقاصد الشريعة، وميزان المـصلحة والمفـسدة فـي .5 . بين المذاهب المتعارضةالترجيح

فـي الموضـوعات ، ومذاهب العلمـاء وأدلـتهم التعرف على األحكام الشرعية .6 . ضمن مفردات هذا المساقالمختارة

:املخرجات التعليمية للمساق §

ـ: ي نهاية دراسة المساق من الطالب أن يتعرف إلىيتوقع ف .حكم شهادة الصبيان، واألخرس، واألعمى، ، والمحدود التائب، والكافر .1

.حكم شهادة النساء، ونصاب شهادة النساء فيما ال يطلع عليه الرجال .2

.حكم اإلقرار المعلق على المشيئة، واإلقرار في مرض الموت .3

.القضاء، وحكم األخذ بها في الحدود والقصاصتعريف القرائن، وحجيتها في .4

.بعض القرائن المشهورة في العصر الحالي، وتكييفها الفقهي .5

.حكم تغليظ اليمين، واليمين المردودة، والقضاء بالشاهد واليمين .6

.حكم قضاء القاضي بعلمه، حكم اإلثبات بالكتابة .7

.أنواع الكتابة، ومشروعيتها كوسيلة إثبات .8

.صاص؛ كقتل الجماعة بالواحد واالقتصاص من اآلمر والمباشربعض أحكام الق .9

.بعض أحكام الزنا؛ كشرط اإلسالم في اإلحصان، وحكم التغريب .10

.حكم من قذف جماعة بلفظ واحد، وقاذف الصغير والمجبوب .11

.نصاب القطع في السرقة، وتكرارها .12

.من هم قطاع الطريق، وشرط الصحراء، وحكم الصلب .13

.فريق بين المتالعنين، وآثار اللعانشروط اللعان، والت .14 :توزيع مفردات املساق على الفصل الدراسي §

األول .ـ الترحيب بالطالب، وتوزيع مفردات المساق

.ـ حكم اإلقرار المعلق على المشيئة .ـ حكم اإلقرار في مرض الموت

الثاني .ـ حكم شهادة الصبيان

.عمىـ حكم شهادة األخرس، واأل

- 3 -

الثالث .ـ حكم شهادة الكافر على الوصية حال السفر

.ـ حكم شهادة النساء، ونصابها فيما ال يطلع عليه الرجال

الرابع .ـ حكم شهادة المحدود إذا تاب .ـ مشروعية اإلثبات بالكتابة

الخامس .ـ مشروعية اإلثبات بالقرائن

.ـ إثبات الحدود والقصاص بالقرائن

السادس .اء بالشاهد واليمينـ القض

.ـ حكم النكول ورد اليمين

السابع .ـ حكم تغليظ اليمين

.ـ قضاء القاضي بعلمه

الثامن .ـ االقتصاص من اآلمر والمباشر

.ـ حكم القصاص بين الجماعة والواحد

التاسع ـ هل يشترط اإلسالم في إحصان الرجم ؟

. ـ حكم التغريب

العاشر . واحدـ حكم قذف الجماعة بلفظ

.ـ حكم قاذف الصغير والمجنون، والمريض والمجبوب

الحادي عشر .ـ نصاب القطع في السرقة

.ـ حكم تكرار السرقة

الثاني عشر .ـ شروط قطاع الطريق

.ـ حكم الصلب في الحرابة

الثالث عشر .ـ تعريف اللعان، ومشروعيته، وصيغته .ـ اللعان يمين أم شهادة، وأثر الخالف

عشرالرابع ـ النكول عن اللعان هل يوجب الحد ؟ .ـ أثر اللعان والتفريق بين المتالعنين

الخامس عشر .ـ مراجعة عامة للمساق

- 4 -

:األساليب واألدوات § .المحاضرة وهي األساس .1

.تكليف الطالب بعمل بعض التقارير، وأوراق العمل في موضوعات ذات عالقة .2

.المطالعة والبحث في الكتب الفقهيةتوجيه الطالب نحو القراءة الذاتية، و .3

.المناقشة والحوار، والمقارنة واالستنتاج عن طريق طرح األسئلة .4

.التحليل الجماعي للقضايا المعاصرة المتعلقة بالموضوع ومقارنتها بالدراسة النظرية .5 :مراجع املساق §

.امحمد سليمان الفر. مسائل في الفقه المقارن ـ أ: المرجع الرئيس: ـ أوال

:المراجع المساعدة: ـ ثانيا .وسائل اإلثبات للزحيلي .1

.المغني البن قدامة .2

.بداية المجتهد البن رشد .3

.كتب الفروع الفقهية، والفقه المقارن .4 :متطلبات دراسة املساق §

.الحضور .1

.التحضير .2

... ).تقارير، أوراق عمل، أبحاث( األعمال الكتابية .3

.المشاركة الصفية .4 : وتوزيع الدرجاتأساليب التقومي، §

ائي امتحان نصفي أحباث وتقارير حتضري ومشاركة حضور امتحان

5 5 10 20 60

- 5 -

بسم اهللا الرحمن الرحیم

§ الحمد هللا رب العالمين، والصالة والسالم على أشرف المرسلين، سيدنا محمد بن عبـد

النبي األمين ـ صلى اهللا عليه وسـلم ـ خير خلق اهللا أجمعين، وآله وصـحبه أجمعـين، اهللا ...ومن سار على دربهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد

فإن أشرف العلوم على اإلطالق علم الشريعة، فهي التي تبصر المكلف بأمور دينـه، بربه ـ سبحانه وتعالى ـ وبأخيه وترشده إلى صالح دنياه وآخرته، كما أنا تبين حدود عالقته

.اإلنسان، وبهذه األرض التي سخرها اهللا له ليعمرها، ويحقق فيها معنى االستخالف

ودراسة الفقه فن مهم جدا من فنون الشريعة اإلسـالمية؛ ألن بـه يعـرف الحـالل والحرام، وعليه مدار األحكام الشرعية، وبه يعرف المكلف الصحيح من الباطـل، ودراسـته

فتعالى الله الملـك الحـق { : تقرب العبد من اهللا تعالى الذي أمرنا باالستزادة من العلم فقال سبحانه ليك وحيه وقل رب زدني علما لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إ 114: سورة طه ( }و (.

جملة من المسائل في باب البينـات؛ كالـشهادة، : رن تتناول وهذه مسائل في الفقه المقا جملة من مسائل القـصاص، والحـدود، و.واإلقرار، والقرينة، واليمين، وقضاء القاضي بعلمه

... قد جمعتها إلخواني، وأخواتي من طلبة كلية الشريعة.واللعان، وآثاره

لم أجد مرجعا ) 2( رن والسبب في ذلك هو أنني لما كلف بتدريس مسـاق الفقه المقا واحدا يغطي المادة المطروحة ضمن هذا المساق، ولما كان الرجوع إلى العديد من المراجـع يشق على الطالب جهدا وماال؛ آثرت أن اجمع هذه المسائل في مذكرة واحدة قـدر المـستطاع

الكتـب حتى تكون مرجعا له في دراسة هذا المساق مع ضرورة التوسع والرجـوع ألمهـات .لالستزادة من العلم الشرعي

.وا ويل التوفيق حممد سليمان الفرا . أ

- 6 -

وموضوعه، وهدفه متهيد حول تعريف الفقه املقارن،

§ الشيء بالـشيء قرن: ، نقول م والض المقارنة في اللغة تطلق على الجمع : ـ في اللغة

وهو الشيطان المقـرون باإلنـسان ال يفارقـه، ): القرين( منه إذا وصله به وجمع بينهما، و : أيـضا ) ن القر( ومنه . أقرانه: والصاحب والصديق الحميم، أو من في مثله من العمر، نقول

وهو مائة عام؛ ألنها غالبا تجمع من يدركون بعضهم، ويطلق على أهل الزمان الواحد، أو من جمعن (أي الجمع بينهما، و : بين الحج والعمرة ) المقارنة( م زمان واحد، و هالجعبـة ): القر

التي تجمع السهام، أو الحبل الذي يجمع بعيرين، أو الحبل المفتول من لحاء الـشجر، وسـمي .عقد النكاح قرانا ألنه يجمع بين العروسين

جمع أقوال العلماء في المـسألة الفقهيـة، مقرونـة فهو عبارة عن : ـ في االصطالح باألدلة، موضحا بها وجه الداللة، مع بيان أوجه الطعن والمآخذ وما يوجه لها من مناقـشات، وما يمكن دفعه منها؛ لكي نصل إلى الرأي الراجح المؤيد بالـدليل الـصحيح، الخـالي مـن

علم يدرس األحكام الفقهية في كل مذهب مع عـرض األدلـة ووجهـات : (أو هو .التعصب . )أ الخالف، مع مناقشتها، والترجيح بينهاكانت منشالنظر التي

§ الوصـول إلـى : الهدف من المقارنة بين المذاهب كما يظهر من التعريف السابق هو

.الرأي الراجح، المؤيد بالدليل الصحيح، الخالي من التعصب

§ ـ صح التيمن األحكام معرفة ما تطمئن إليه النفس .1 ـ ، و ا دليله روح اإلسـالم، توافق

.ومقاصد الشريعة اإلسالمية، وغاياتها الكبرى

.العمل بما قوي دليله من األحكام الفقهية .2

.الوقوف على أقوال الفقهاء في المسألة الخالفية الواحدة .3

.التعرف على مسالك العلماء في استنباط األحكام الشرعية .4

.يمة النفع للعلماء وطالب العلمالثروة الفقهية عظ .5

.كسر الجمود المذهبي، والتعصب األعمى الذي خيم على الناس مدة طويلة .6

. ولو جزئيا للنظر في الكتاب والسنة للوصول للرأي الراجحدإعادة فتح باب االجتها .7

- 7 -

§ كام الشرعية ذاتها، بحيث نصل إليها من موضوعه األح هعلم الفق :من حيث الموضوع . أ

األدلة مباشرة، أما علم الفقه المقارن فموضوعه آراء المجتهدين وأدلتهم حيث يناقـشها . منهااجحأي الرللوصول للر

فالفقيه ليس ملزما بعرض اآلراء األخرى ومناقشتها، وإنمـا :من حيث منهج الباحث . با الحكم الشرعي، أما الباحث فـي الفقـه يكتفي بعرض أدلته الخاصة التي التمس منه

فهو ملزم باستعراض اآلراء المختلفة وأدلتها، كمـا أنـه ملـزم ) المقارن ( المقارن .بمناقشتها للوصول للمذهب الراجح

§ :اختالف معاني األلفاظ العربية .1

ا بين العموم والخصوص، أو بـين إما بسبب كون اللفظ مجمال، أو مشتركا، أو متردد أو بـسبب . الحقيقة والمجاز، أو بين الحقيقة والعرف، أو بسبب إطالق اللفظ تارة وتقييده تارة

كلفظ القرء الذي يطلق علـى : اختالف اإلعراب، أو االشتراك في األلفاظ إما في اللفظ المفرد : أو على الندب، ولفظ النهـي هل يحمل على الوجوب : األطهار وعلى الحيضات، ولفظ األمر

؟ هل يحمل على التحريم أو الكراهية

:اختالف الرواية .2

يصل إلى غيره، أو يـصل مـن وله أسباب ثمانية، كأن يصل الحديث إلى أحدهم وال يحتج به، ويصل إلى آخر من طريق صحيح، أو يصل من طريـق واحـد، طريق ضعيف ال

يراه مانعا من قبـول الروايـة، تقده غيره، أو ال يع ويرى أحدهم أن في بعض رواته ضعفا ال أو يصل إليهما من طريق متفق عليه، .وهذا مبني على االختالف في طريق التعديل والترجيح

وهو مـا ( غير أن أحدهما يشترط في العمل به شروطا ال يشترطها اآلخر، كالحديث المرسل ). عليه وسلمرواه غير الصحابي بدون سند إلى الرسول صلى اهللا

:اختالف المصادر .3

وهناك أدلة اختلفوا في مدى االعتماد عليها، كاالستحسان والمصالح المرسـلة وقـول .الصحابي واالستصحاب، والذرائع ونحوها من دعوى البراءة أو اإلباحة وعدمها

.كاختالفهم في أخذ األجرة على التعليم، وبعض ألفاظ اليمين: اختالف العرف .4

- 8 -

:اعد األصولية أحيانااختالف القو .5

ليس بحجـة، والزيـادة علـى المخالفة كقاعدة العام المخصوص ليس بحجة، ومفهوم والخالف في حجية عمل أهل المدينة، وقول الـصحابي، .النص القرآني نسخ أم ال، ونحو ذلك

...واالستحسان، والمصالح المرسلة

:االجتهاد بالقياس .6

الك، ـأصال وشروطا وعلة، وللعلة شروطا ومـس هو أوسع األسباب اختالفا، فإن له يجري فيـه االجتهـاد وفي كل ذلك مجال لالختالف، واالتفاق بالذات على أصل القياس وما

وهو التحقق من وجود العلـة (كما أن تحقيق المناط . يجري أمر يكاد يكون غير متحقق وماال .من أهم أسباب اختالف الفقهاء) في الفرع

:ترجيح بين األدلةالتعارض وال .7

يتنـاول دعـوى التأويـل وهو. وهو باب واسع اختلفت فيه األنظار وكثر فيه الجدل والتعارض إما بين النصوص أو بين األقيـسة مـع . والتعليل والجمع والتوفيق والنسخ وعدمه

بعضها، والتعارض في السنة قد يكون في األقوال أو في األفعال، أو في اإلقرارات، وقد يكون االختالف بسبب وصف تصرف الرسول سياسة أو إفتاء، ويزال التعارض بأسباب من أهمهـا

.االحتكام إلى مقاصد الشريعة، وإن اختلفت النظرة إلى ترتيب المقاصد

§ يمكن أن تمثل كلها شرع علم أن اجتهادات أئمة المذاهب جزاهم اهللا خيرا ال يجب أن ن

ـ زل على رسولهاهللا المن ـ صلى اهللا عليه وسلم وإن كان يجوز أو يجب العمـل بأحـدها، يصح أن تكون وآراء ظنية تحترم وتقدر على السواء، وال ،والحق أن أكثرها مسائل اجتهادية

تة بين المسلمين الموصوفين في قـرآنهم بـأنهم إخـوة، يذريعة للعصبية والعداوة والفرقة المق .ق واالعتصام بحبل اهللاوالمأمورين باالتفا

حكم اهللا أو شرع اهللا، وإنما : وقد كان المجتهد من الصحابة يتحاشى أن يسمى اجتهاده هذا رأيي، فإن كان صوابا فمن اهللا، وإن كان خطأ فمنـي ومـن الـشيطان، واهللا : كان يقول

الـسرية وكان مما يوصي به النبي صلى اهللا عليه وسلم أمير الجـيش أو . ورسوله منه بريء تنزلهم علـى حكـم اهللا، وإذا حاصرت حصنا فأرادوك أن تنزلهم على حكم اهللا، فال (:قوله

.) تدري، أتصيب حكم اهللا فيهم أم ال ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك ال

- 9 -

وهو يدل على أن األصح في قضية اإلصابة والخطأ في االجتهاد في الفروع الفقهيـة، المسلمين، منهم الشافعية، والحنفية علـى التحقيـق، الـذين هو مذهب المخطئة، وهم جمهور

. يتعـدد يقولون بأن المصيب في اجتهاده واحد من المجتهدين، وغيره مخطئ؛ ألن الحـق ال إن اهللا تعالى في كل واقعة حكما معينا، فمن أصابه فهـو المـصيب، : يقولون أيضا هم الذي و

لعمل بثمرة االجتهاد، الشك أن حكم كل مجتهد هو لكن بالنظر إلى ا . ومن أخطأه فهو المخطئ .حكم اهللا، لتعذر معرفته بيقين

§ :مصطلحات المذهب الحنفي .1

:، وهـم القول الراجح ألئمة الحنفية الثالثة: ائعـالغالب الش يراد به في : ظاهر الرواية . أ ). بن الحسنأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد (

همـا أبـو : والطرفـان هما أبو حنيفة وأبو يوسف، : والشيخان هو أبو حنيفة، :اإلمام . ب: والثالث. هو أبو يوسف : والثاني. هما أبو يوسف ومحمد : والصاحبانحنيفة ومحمد،

) عندهما (: لفظ أو) لهما (أي ألبي حنيفة، ولفظ ) له( ، ولفظ بن الحسن هو محمد ، فالمشهور إطالق ذلك ) أصحابنا (:ذا قالوا أي مذهب الصاحبين، وإ ) مذهبهما (أو

فـالمراد بهـم فـي : )المـشايخ ( أبي حنيفة وصاحبيه، وأمـا : على األئمة الثالثة . من علماء الحنفيةمن لم يدرك اإلمام: االصطالح

: ، فـإن اختلفـوا يفتي قطعا بما اتفق عليه أبو حنيفة وأصحابه في الروايات الظاهرة . تام أبي حنيفة على اإلطالق، وخصوصا في العبـادات، وال يـرجح فإنه يفتى بقول اإلم

وهو ـ كما قال ابن نجيم ـ إما ضـعف دليـل : قول صاحبيه أو أحدهما إال لموجب أي اإلمام، وإما للضرورة والتعامل، كتـرجيح قولهمـا فـي المزارعـة والمـساقاة

. وإما بسبب اختالف العصر والزمانت،المعامال

أبي يوسف في القضاء والـشهادات والمواريـث، لزيـادة اإلمامويفتى بقول فـي جميـع مـسائل ذوي بن الحسن الـشيباني محمد اإلمام كما يفتى بقول . تجربته

. فقطاألرحام، ويفتى بقول زفر في سبع عشرة مسألة

اإلمـام أبي يوسف، ثم بقول اإلمام يفتى بقول : إذا لم يوجد رواية لإلمام في المسألة . ث .، والحسن بن زياد بن الهذيل، ثم بقول زفرن بن الحسمحمد

- 10 -

، فالعمل على االستحسان إال في مسائل معـدودة واستحسان إذا كان في مسألة قياس . ج .مشهورة، هي اثنتان وعشرون مسألة

، أو لم يوجد عنه وال عن أصحابه روايـة أصـال، وإذا اختلفت الروايات عن اإلمام . ح، ويؤخذ في الحالة الثانية بما اتفق عليه المـشايخ يؤخذ في الحالة األولى بأقواها حجة

المتأخرون، فإن اختلفوا يؤخذ بقول األكثرين، فإن لم يوجد منهم قول أصـال، نظـر يقرب من الخـروج عـن المفتي في المسألة نظرة تأمل وتدبر واجتهاد، ليجد فيها ما

ن الجرأة على الفتيا بـدون يتكلم فيها جزافا، ويخشى اهللا تعالى ويراقبه، أل العهدة، وال .يتجاسر عليه إال كل جاهل شقي دليل أمر عظيم ال

الصحيح كذا، والمفتى به كذا، فاألولى العمـل : إذا تعارض التصحيح والفتوى، فقيل . خألن لفـظ الفتـوى وذلك بما وافق المتون، فإن لم توجد موافقة لها، فيؤخذ بالمفتى به؛

.واألشبه وغيرهاأقوى من لفظ الصحيح واألصح وآكد

ويرجح أحـدهما .إذا ورد في المسألة قوالن مصححان جاز القضاء واإلفتاء بأحدهما . د أو للفقراء، أو كـان دليلـه أوضـح ، أو أنفع للوقف ، أو العرف ،بما هو أوفق للزمن

؛ )الفتـوى عليـه ( آكد من لفظ ) به يفتى : (ولفظ .وأظهر؛ ألن الترجيح بقوة الدليل . بخالف الثاني الحصرألن األول يفيد

متون الحنفية المعتبـرة، مثـل كتـاب مختـصر كتب أي : )المتون( المراد بكلمة . ذالقدوري، والبداية، والنقاية، والمختار، والوقاية، والكنز، والملتقى فإنها وضعت لنقـل

.ظاهر الرواية واألقوال المعتمدة

رد المحتار على الـدر ( :مة الشام وهي عال) هـ1252 (تعتبر حاشية ابن عابدين . ر .خاتمة التحقيقات والترجيحات في المذهب الحنفي) المختار

:مالكيمصطلحات المذهب ال .2

يتميز بكثرة األقوال، مراعاة لمصالح النـاس التي المذهب المالكي كغيره من المذاهب وغيـر . والمفتي يفتي بالراجح الذي يكون صالحا في موضـوع المـسألة .وأعرافهم المختلفة

المفتي الذي لم يستكمل شروط االجتهاد يأخذ بالمتفق عليه، أو المشهور من المـذهب، أو مـا إنـه ): هـ1299 (رجحه األقدمون، فإن لم يعرف أرجحية قول، قيل كما ذكر الشيخ عليش

رها، ألن ذلك أليق بالـشرع ـيختار أخف األقوال وأيس : يأخذ بالقول األشد؛ ألنه أحوط، وقيل ـ مي؛ ألن النبياإلسال ـ صلى اهللا عليه وسلم إنـه يتخيـر، : جاء بالحنيفية السمحة، وقيـل

.تكليف إال بما يطاق اء؛ ألنه الـفيأخذ بأيها ش

- 11 -

قـول : رتب بعض المالكية الترجيح بين روايات الكتب، والروايات عن المشايخ، فقال . أإلمام األعظم، وقول ابـن مالك في المدونة أولى من قول ابن القاسم فيها، فإنه ا اإلمام

وقول غيره فيهـا مالك، اإلمام القاسم فيها أولى من قول غيره فيها، ألنه أعلم بمذهب وإذا لم يذكر قول في المدونـة، . م في غيرها، وذلك لصحتها ـأولى من قول ابن القاس

.فإنه يرجع إلى أقوال المخرجين

) المـشهور : ( ، وإذا قيـل أنـس بن مالكاإلمام يراد به مذهب ) المذهب ( :إذا قيل . بالمعتمـد أن و . مالك، وفي ذلك إشعار بخالف في المذهب اإلمام فيعني مشهور مذهب

.كثر قائله ما): بالمشهور ( المراد

أي أن هنـاك )في كذا قوالن فـأكثر ( أو )اختلف في كذا ( أو )قيل كذا ( : إذا قيل . ت . المالكياختالفا في المذهب

ومدرسته من الشراح الكثيـرين الـذين ) هـ767 (مة الشيخ خليل يعتبر متن العال . ث .شرحوه هو المعتمد عند المالكية في تحرير األقوال والروايات وبيان الراجح منها

:مصطلحات المذهب الشافعي .3

، كما في خيار الرؤية الذي ذكـر بضع عشرة مسألة قوالن فأكثر نقل عن الشافعي في رجع فيه عن األول، وكما في وجوب الزكاة على المـدين بـدين فيه قول بجوازه وقول بمنعه

مساو لما في يده، وكما في إقرار المفلس بدين له آلخر، هل يدخل المقر له مع الغرماء أم ال، وكما في تغرير الزوج بزوجته، بأن يذكر لها نسبا غير نسبه، هل لها الخيار بفسخ الزواج، أو

ا جعل بعض المغرضين يتخذون من تعدد أقوال الشافعي سبيال أن الزواج باطل،ونحو ذلك، مم .للنيل منه، والطعن في اجتهاده، وزعم نقص علمه

والحق أن التردد بين القولين عند تعارض األقيسة، وتصادم األدلة، ليس دليل النقص، إلخـالص يهجم باليقين في مقام الظن، ودليل على كمال ا ولكنه دليل الكمال في العقل، فهو ال

يجزم بالحكم إال إذا توافرت لديه أسـباب التـرجيح، وإن لـم في طلب الحق والقصد، فهو ال .تتوافر األسباب لذلك، ألقى بتردده

وعلى المفتي إذا وجد قولين للشافعي أن يختار ما رجحه المخرجون الـسابقون، وإال من أصـحاب الـشافعي أو وإذا كانت المسألة ذات أوجه للمجتهدين . توقف كما يقول النووي

وهو ما صححه األكثـر، ثـم : طرق نقل مختلفة، فيأخذ المفتي بما رجحه المجتهدون السابقون األعلم، ثم األورع، فإن لم يجد ترجيحا، يقدم ما رواه البويطي والربيع المرادي والمزني عـن

حرر المـذهب بحق م ) هـ 676( الشافعي، ويعتبر الشيخ أبو زكريا، يحيى بن شرف النووي

- 12 -

منهاج الطالبين، وعمـدة ( الشافعي أي منقحه، ومبين الراجح من األقوال فيه، وذلك في كتابه ، وهو المعتمد لدى الشافعية، حتى بالنسبة لبعض كتب النووي األخـرى كالروضـة، )المفتين

، ثـم )هــ 623( لإلمام أبي القاسم الرافعي ) المحرر ( وقد اعتمد في تأليفه على مختصر .اختصر الشيخ زكريا األنصاري المنهاج إلى المنهج

وهذه طريقة النووي في حكاية األقوال وبيان األوجه المخرجة لألصـحاب، وكيفيـة علما بأنه يسمي آراء الشافعي أقواال، وآراء أصحابه أوجهـا، واخـتالف رواة الترجيح بينها،

وهي المنسوبة للشافعي، : األقوال: ات ثالثة المذهب في حكاية مذهب الشافعي طرقا، فاالختالف وهي : وهي اآلراء التي يستنبطها فقهاء الشافعية بناء على قواعده وأصوله، والطرق : واألوجه

.اختالف الرواة في حكاية المذهب

أي من قولين أو أقوال للشافعي رحمه اهللا تعالى، قوي الخالف فيهما أو فيها، ): األظهر ( . أ لقوة مدرك كل) ظاهر ( ومقابله

لشافعي لم يقو الخالف فيهما أو فيها، ومقابله إلمام ا أي من قولين أو أقوال ل ): المشهور ( . ب .من قولين للشافعي: فكل من األظهر والمشهور .لضعف مدركه ) غريب(

أي من وجهين أو أوجه استخرجها األصحاب من كالم الشافعي، بنـاء علـى ): األصح( . ت .من قواعده، وقد قوي الخالف فيما ذكر، ومقابله صحيح هاأصوله، أو استنبطو

أي من وجهين أو أوجه، ولكن لم يقو الخالف بـين األصـحاب، ومقابلـه ): الصحيح ( . ث .من وجهين أو أوجه لألصحاب: فكل من األصح والصحيح. ضعيف لفساد مدركه

في مـصر تـصنيفا أو قاله الشافعي هو ما : هو مقابل المذهب القديم، والجديد ): الجديد ( . جالبويطي والمزني والربيع المرادي وحرملة ويونس بن عبد األعلى، وعبـد : إفتاء، ورواته

هم الذين : والثالثة األول . اهللا بن الزبير المكي، ومحمد بن عبد اهللا بن عبد الحكم وغيرهم .قاموا بالعبء، والباقون نقلت عنهم أمور محصورة

.أو أفتـى بـه ) الحجـة ( الشافعي في العراق تصنيفا في كتابه اإلمامقاله ما): القديم ( . حقـد و. والكرابيسي، وأبو ثور ،اإلمام أحمد بن حنبل، والزعفراني : ورواته جماعة أشهرهم

أفتى األصحاب به فـي نحـو قد الشافعي اإلفتاء به، و اإلمام حل رجع الشافعي عنه، ولم ي .ر والعراق، فالمتأخر جديد، والمتقدم قـديم وجد بين مص وأما ما . فقط سألة م سبع عشرة

قديم وجديد، فالجديد هو المعمول به، إال في مـسائل يـسيرة نحـو : وإذا كان في المسألة .القديممذهبه فتي فيها بالسبع عشرة، أ

- 13 -

:مصطلحات المذهب الحنبلي .4

لى إما بسبب اطالعه ع ، عظيمة أحمد كثرة اإلمام كثرت األقوال والروايات في مذهب الحديث بعد اإلفتاء بالرأي، أو بسبب اختالف الصحابة على رأيين في المـسألة، أو لمراعاتـه

وقد اختلف علماء المذهب في طرق التـرجيح .الظروف والمالبسات في الوقائع المستفتى فيها :بين األقوال والروايات على فريقين

. الديناالهتمام بنقل األقوال، ألن ذلك دليل كمال في: أحدهماـ

بالترجيح بالتاريخ إن علم تاريخ وذلك ، أحمد الميل إلى توحيد رأي اإلمام : والثانيـ اإلمام وقواعـد القولين، أو بالموازنة بين القولين، واألخذ بأقواهما دليال، وأقربهما إلى منطق

بينهمـا مذهبه، فإن تعذر الترجيح كان في المذهب قوالن، عند االضطرار إليه، ويخير المقلد في األظهر، ألن األصل في المجتهد أن يكون له رأي واحد في اجتهاده، وإن لم يكن لـه رأي

.واحد في المسألة، ال يكون له اجتهاد فيها

فيـراد : عند المتأخرين من علماء الحنابلة ) شيخ اإلسالم ( أو ) الشيخ ( كلمة أطلقتإذا . أالذي كان له فـي ) هـ728 ـ 661 (اني به أبو العباس، أحمد تقي الدين بن تيمية الحر

أحمد، كما كان لتلميذه ابـن القـيم اإلمام في نشر مذهب رسائله وفتاويه واختياراته فضل .فضل أيضا في ذلك) 751المتوفى عام (صاحب إعالم الموقعين

أرادوا به ) الشيخ: ( إذا أطلق المتأخرون قبل ابن تيمية كصاحب الفروع والفائق وغيرهم . بصاحب المغني ) هـ620(الشيخ العالمة موفق الدين أبا محمد عبد اهللا بن قدامة المقدسي

.والمقنع، والكافي والعمدة ومختصر الهداية في الفقه

فالموفق والمجد أي ابن قدامة اآلنف الـذكر، ومجـد الـدين أبـو ): الشيخان ( وإذا قيل . ت .على مذهب أحمد) الفقه المحرر في ( صاحب ) هـ652المتوفى سنة (البركات

المغني والشرح الكبيـر، وكـشاف القنـاع لمنـصور : والكتب المعتمدة عند الحنابلة هي . ثوالعمل في الفتوى والقضاء في السعودية علـى . البهوتي، وشرح منتهى اإلرادات للبهوتي

.كتابي البهوتي، وعلى شرح الزاد وشرح الدليل

. يعلى محمد بن الحسين بن الفراءلقاضي أبوفالمراد به ا ) القاضي(إذا أطلق . ج

.ميذ اإلمام أحمدتل) هـ 274 (يراد به المروذي ) أبو بكر( إذا أطلق . ح

- 14 -

وسائل اإلثبات يف الفقه اإلسالمي

وأثبت ، ) 1( الحجة والبينة، والجمع أثبات أي ت، باإلثبات في اللغة يأتي بمعنى تقديم الث .الكاتب االسم أي كتبه عنده، وأثبت فالن حجته أي أقامها وأوضحها

إقامة الحجة أمام القضاء بالطرق التي حددتها ": هو في االصطالح القضائي اإلثبات .)2( " الشريعة على حق أو واقعة تترتب عليها أثار شرعية

: شرح التعريف §

أي إقامة الحجة والبينة على أمر مدعى به، وال يعني إنشاءه، وإقامة الدليل : لدليلإقامة ا -يشمل إقامته أمام القاضي وفي مجلس القضاء، وكذا أمام أنـاس آخـرين وفـي أمـاكن

.أخرى، وعلى أي موضوع سوى الموضوعات القضائية

ه مـن اإللـزام قيد ضروري في اإلثبات القضائي الذي تترتب عليه آثـار : أمام القضاء -بالفعل أو الترك، وليخرج به اإلثبات الذي ال يتم أمام القاضي فإنه لـيس المـراد هنـا؛

علم يبحث فيه عـن كيفيـة إثبـات "فإثبات أمر ما دون نزاع نوع من التوثيق الذي هو .)3( " العقود والتصرفات وغيرها على وجه يصح االحتجاج والتمسك به

قيد آخر في التعريف، لبيان أن وسائل اإلثبـات البـد أن :عةالطرق التي حددتها الشري -تكون تلك التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية، ألن أحكام اإلثبات أحكام شرعية ال يجـوز إقامة الدليل عليها، إال بتلك الوسائل الشرعية، وبالتالي يخرج إثبـات الحقـوق بـالطرق

.جوز شرعاالملتوية واألساليب الال أخالقية ألنه ال ي

ووسائل اإلثبات التي يجب أن يتقيد بها القضاة في المحاكم الشرعية هي جزء من . الغراءتلك الوسائل التي جاءت بها الشريعة اإلسالمية

فيروز آبادي، القاموس ). ثبت( مادة 1/534، الزبيدي، تاج العروس )ثبت( مادة 48الرازي، مختار الصحاح ص ) 1(

).ثبت( مادة 53المصباح المنير ص الفيومي، ). ثبت( وما بعدها مادة 1/144المحيط .23الزحيلي، وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية ص ) 2( .27الزحيلي، المرجع السابق ص ) 3(

- 15 -

قيد يبين محل اإلثبات، إذ ال يعدو أن يكون حقـا بمفهومـه العـام، :على حق أو واقعة -، أو وقـائع )4( أو غير ذلك من المعـاني " هكل ما يثبت للمسلم استيفاؤ "والذي يقصد به

شرعية، هي سبب منشأ الحق، إذ اإلثبات يبقى منصرفا في القضاء إلى إثبـات الواقعـة .التي يبني عليها الشارع حكما معينا، وحقوقا والتزامات على المدعي والمدعى عليه

هـو قيـد آخـر فـي هذا هو الهدف والغاية من اإلثبات، و :تترتب عليها أثار شرعية -التعريف؛ إلخراج إثبات أمر أو واقعة ال يترتب عليها أثر من اآلثار الشرعية، كمـا لـو ادعي أنه أعطى أخاه ألف دينار ولم يعطه، أو أن المدعى عليه وكل المدعي، إذ ال أثـر

تطيع عـزل ـان، وكذا الموكـل يـس ـلذلك؛ إذ المحسن ال يجبر على اإلحسان لكل إنس ية لحظة، وكذا الحال لو كان اإلثبات قائما على إثبات أمور طبيعية أو عادية الوكيل في أ

.) 5( كإثبات طلوع الشمس

. وما بعدها4/8الزحيلي، وهبة، الفقه اإلسالمي وأدلته . 24الزحيلي، نفس المرجع السابق ص ) 4( .23،24ص الزحيلي، وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية ) 5(

- 16 -

: تعريف اإلقرار §

االعتراف، فأقر بالحق أي اعترف به، وقرره غيره بـالحق حتـى هو :في اللغة اإلقرار - .) 6( المكان؛ كأن المقر يجعل الحق في موضعه مأخوذ من المقر وهو ، وهوأقر به

، كلها تدول حول معنى واحد، لقد عرف الفقهاء اإلقرار بتعريفات عدة :اإلقرار اصطالحا - . )7( ) ثبوت الحق للغير على نفسهالشخص بإخبار ( هواإلقراريكمن تلخيصها بقولنا

و إقـرارا، وهـو قيـد أول فـي يتناول كل إخبار سواء أكان شهادة أ ): إخبار(قوله § .التعريف خرج به اإلنشاء، ألنه خالف اإلخبار

قيد ثان في التعريف خرجت به الـدعوى والروايـة، ألن الـدعوى ): للغير(وقوله § .إخبار بالحق لنفسه على غيره، والرواية إخبار بحق لنفسه ولغيره

ها إخبار عن ثبـوت قيد ثالث في التعريف إلخراج الشهادة؛ ألن ): على نفسه (وقوله § .) 8(حق للغير على الغير

: مشروعية اإلقرار § : اإلقرار مشروع بالكتاب والسنة واإلجماع والمعقول

: مشروعية اإلقرار من الكتابـ

سول مصدق لما معكم وإذ أخذ الله ميثاق النبيني لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم ر{ : قال تعالى . 1لكم إصري قالوا أقررنا تم على ذ تم وأخذ رقال أأقر نه رصلتن به و نمن9( } لتؤ(.

فاهللا أقام عليهم الحجة بإقرارهم بأخذ الميثاق عليهم، فاإلقرار حجة فـي إثبـات .) 10 ( الحق، والتزام صاحبه به

.534البهوتي، الروض المربع ص ، 296، 295، الفيومي، المصباح المنير ص 151 صالرازي، مختار الصحاح )6(الشربيني مغني المحتاج ، /6الخرشي، شرح الخرشي على خليل ، 3/152 الهروي، فتح باب العناية بشرح النقاية )7( .6/600ابن قدامة، المغني ، 3/268

.8/536العيني، البناية في شرح الهداية . 5/2ين الحقائق شرح كنز الدقائق الزيلعي، تبي) 8( ).81(آية : سورة آل عمران) 9( .2/22القرطبي، الجامع ألحكام القرآن الكريم ) 10(

- 17 -

ـيئا { : وقال تعالى . 2 ش ـه من خسبال يو هب ر تق اللهلي و قه الحليلل الذي عملي وإمالء الذي . ) 11( }و . )12(ولو لم يقبل إقراره لما كان لهذا األمر معنى. إقرارا منه بما عليهدعليه الحق به يع

: مشروعية اإلقرار من السنةـ

واغد يا أنيس إلـى ( : قال e بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي عن زيد . 1يدل على " فإن اعترفت فارجمها : " ألنيس eفقوله . ) امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها

.أن االعتراف وهو اإلقرار حجة على صاحبه

وهو في المسجد فنـاداه فقـال يـا eأتى رجل رسول الله ( : قال t هريرة عن أبي . 2رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات فلما شهد علـى نفـسه

فقال أبك جنون قال ال قال فهل أحصنت قال نعم فقال النبيe بي أربع شهادات دعاه الن eوهمجوا به فارباذه … (

عليه الرجم باعترافه ممـا فأوجبeفقد اعترف الرجل أربع مرات أمام الرسول في األمـوال والحقـوق وكذا ،لزوم الحكم بإقرار المقر على نفسه في الحدود على يدل

.) 13(األخرى من باب أولى

: مشروعية اإلقرار من المعقولـ

أنه رجح جانب الصدق علـى الكـذب إذ إن اإلقرار خبر يحتمل الصدق والكذب، إال العاقل ال يكذب على نفسه كذبا يضر بها، ولهذا كان آكد من الشهادة، فإن المـدعى عليـه إذا

وإن ،عليه الشهادة؛ وإنما تسمع إذا أنكر، ولو كذب المدعي بينته لـم تـسمع اعترف ال تسمع .) 14( كذب المقر ثم صدقه سمع

: حكم اإلقرار § بحق آلخر أمام القاضي فإنما يلزم القاضي الحكم بموجب هذا اإلقرار شخصمتى أقر لـك، وإن قـل ، وال يملك القاضـي إال ذ له القاضي مأمور بالحكم متى ظهر دون تأخير؛ ألن، لكون اإلقرار حجة كاملة في اإلثبات ال يحتاج إلى ما يؤيده في إثبـات الحـق الحق أو كثر؛

ولهذا أطلق عليه سيد األدلة؛ لترجح صدقه، وانتفاء الريبة والشك فيه؛ لصدوره ممن له الوالية

).282(آية : سورة البقرة) 11( .5/3الزيلعي، تبيين الحقائق . 2/577الجصاص، أحكام القرآن ) 12( .5/3قائق الزيلعي، تبيين الح) 13( .8/537العيني، البناية في شرح الهداية . 6/600ابن قدامة، المغني ) 14(

- 18 -

ـ ال، فعـد الكاملة على نفسه وماله، دون أن يتوسط عامل ثان يمكن أن يتطـرق إليـه االحتماإلقرار أكمل الحجج والبينات وأكثرها صدقا في إظهار الحق وأقربها إلى الحقيقة، فال يجـوز

.)15(الرجوع فيه إذا ما صدر ممن هو أهل لإلقرار في حق من حقوق العباد

، ال تتعداه إلى غيره؛ ألن المقـر يتمتـع على المقر نفسه قاصرة إال أن اإلقرار حجة ؛ ألن إقراره على غيـره ) 16( امة فكأنه شاهد على نفسه، وليس له والية على غيره باألهلية الت

.شهادة تحتاج إلى نصابها لتقبل أمام القاضي وال نصاب هنا

.حكم اإلقرار املعلق على املشيئة: املسألة األوىل : ما، كقول القائـل اختلف العلماء في اإلقرار المعلق على مشيئة اهللا، أو مشيئة شخص

؟أقر لك بألف دينار إن شاء اهللا، أو أعترف لك بحقك علي إن شاء فالن، هل يصح اإلقرار

، وبهذا الرأي تأخـذ )17( ال يصح ذلك مطلقا، وهو مذهب الحنفية والشافعية : ـ المذهب األول ـ: واستدلوا بما يلي، المحاكم الشرعية اليوم أخذا منها بمذهب اإلمام أبي حنيفة

ر الهدف منه إظهار الحق، فال يصح تعليقه على شرط يتحقـق فـي اإلقرار إخبا .1 .؛ ألنه ال يحقق المقصد منه؛ فكأنه أصبح إنشاءالمستقبل

2. على مشيئة اهللا ال يمكن االطالع عليها، والتعليق على مشيئة الشخص تعليق وألن .شرط خطر الوجود، واإلقرار ال يحتمل التعليق بالخطر

صحة اإلقرار المعلق على مشيئة اهللا، بخالف اإلقرار المعلق على مـشيئة :المذهب الثاني ـ :، وهو مذهب المالكية، ودليلهمالشخص

تعـالى علمنا أن اهللا ؛ه لما أقر ن التعليق على مشيئة اهللا ال تؤثر في اإلقرار، ألن إ .1؛ لمـا ذكـره وال يلزم ،شاء وقضى، بينما التعليق على مشيئة شخص ال يصح قد

.) 18 ( ية والشافعية من أدلةالحنف

إن شاء اهللا ـ ال أثر له إال في اليمين باهللا : معلوم أن االستثناء ـ وهو قول القائل .2 .تعالى، واإلقرار ليس يمينا، فال أثر لالستثناء فيه

.256-254الزحيلي، وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية . 3/335الصاوي، بلغة السالك ألقرب المسالك ) 15( .255الزحيلي، وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية ص . 1/67حيدر، درر الحكام )16( .2/19ابن هبيرة، اإلفصاح . 2/347الشيرازي، المهذب . وما بعدها5/606 ابن عابدين، رد المحتار )17( . 2/42ابن فرحون، تبصرة الحكام . 3/399الدسوقي، حاشية الدسوقي ) 18(

- 19 -

التعليق على مشيئة اهللا، أو مشيئة العبد، وهـو : صحة اإلقرار في الحالتين :المذهب الثالث ـ ـ: ووجهتهمنابلة، مذهب الح

ـ مشيئة اهللا والـشخص ـ أي عقبه بما يرفعهثم ، اإلقرار المقرأنه قد وجد من .1 .؛ ألنه قد ثبت منه، وهو حجة كاملةفلم يرتفع الحكم به

رك غالبا؛ فلو قال أنا صائم غدا بإضافة إلى أنه يقصد من التعليق على المشيئة الت .2لم يكن مترددا، وكذا لو قال أنا مـؤمن إن إن شاء اهللا فإنه تصح نيته وصومه إن

.)19( شاء اهللا ولم يكن مترددا في الحال

: في المسألةالراجح

ـ: لألسباب التاليةالراجح هو ما ذهب إليه المالكية؛

.تمنع اإلقرارعليه فال و غالبا،التعليق على مشيئة اهللا تكون للتبرك بها .1

شاء وقدر ذلـك، بينمـا قد علمنا أن اهللا هللا،ى مشيئة ا عله إقرارالمقر علق يعندما .2 إقراره معلق على خطر التعليق على إرادة شخص يخل بشرط الجزم واليقين؛ ألن الوجود مما يؤكد بطالنه فيما لو علقه على مشيئة الشخص

إن شاء اهللا ـ ال أثر له إال في اليمين باهللا : معلوم أن االستثناء ـ وهو قول القائل .3 .واإلقرار ليس يمينا، فال أثر لالستثناء فيهتعالى،

.إقرار املريض مرض املوت، ومن يف حكمه: املسألة الثانية :تعريف مرض الموت: ـ أوال

المرض الذي يغلب فيه الهالك، ويعجز صـاحبه عـن إقامـة : ( مرض الموت هو لى ذلـك الحـال مصالحه خارج البيت إن كان رجال، وداخل البيت عن كان امرأة، ويموت ع

. )20( ) ، سواء كان المريض مالزما لفراشه أو لم يكن غالباقبل مرور سنة

الوقوع في أسر كفار اعتـادوا علـى قتـل : ويلحق بمرض الموت، ويدخل في حكمه أسرى المسلمين، والتحاق بالقتال بين متكافئين، وتقديم لقصاص، والحكم باإلعدام، أو الـرجم،

.لحامل إذا اشتد عليها، واإلقامة ببلد فيه وباء فتاك كالطاعونوهيجان الموج، وطلق ا

. وما بعدها12/163المرداوي،اإلنصاف . 6/466البهوتي، كشاف القناع ) 19( .422 ،3/421 ابن عابدين، رد المحتار ) 20(

- 20 -

وإذا وقع الشك في المرض هل هو مرض موت أم ال ؟ فإنه ال يثبت ذلـك إال بقـول .طبيبين مسلمين عدلين خبيرين

:غير الوارثحكم إقرار المريض مرض الموت بدين أو عين ل: ثانياـ لشـخص في مرض الموت يصح لغيـر الـوارث، اتفقت كلمة الفقهاء على أن إقرار ا

ـ: وقد استندوا في ذلك لألدلة التالية

إذا أقر المريض بدين ألجنبي جاز ذلـك مـن : ( ما روي عن ابن عمر أنه قال .1 .، ومثله اإلقرار بالعين )جميع تركته

التهمة منتفية في هذا الحال ألنه ليس وارثا يحتمل أن يريد المريض بـإقراره أن .2 .ل هذا الوارث عن باقي الورثةيفض

في هذه الحالة يكون المريض على حال من يمنعه من الكذب والمعاصي؛ ذلك أنه .3 .يحس بإقباله على اهللا تعالى، وإدباره عن الدنيا

ولكنهم اختلفوا فيما لو اجتمع عليه إقرار بدين في حال الصحة، وإقرار بدين في حـال ؛ أيهما يقدم ؟مرض الموت، ولم يكفي المال كليهما

إلى تقديم الدين الذي أقر به حال صحته، علـى الـدين الـذي ثبـت ـ ذهب الحنفية .بإقراره في مرض الموت، وليس لهم دليل معتبر على ذلك

فقد ذهبوا إلى تساويهما، وعـدم تقـديم ـ أما الجمهور من مالكية وشافعية وحنابلة ـ: لى حسب مقدارهما، ودليلهمأحدهما على اآلخر، وعليه فيقسم المال بينهما ع

ü أنه إقرار صحيح ثبت منه، وليس فيه تهمة، فال فرق بينه وبـين إقـراره .حال صحته؛ ألنهما حقان وجب قضاؤهما من رأس المال

:وارثحكم إقرار المريض مرض الموت بدين أو عين ل: ثانياـ ـ: اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب

راره إال ببينة أو بإجازة الورثة، وهو مذهب الحنفيـة والحنابلـة، ال يصح إق : ـ األول ـ: وقول عند الشافية، وحجتهم في ذلك

).إذا أقر المريض لوارثه لم يجز: ( ما روي عن الفاروق عمر وابنه أنهما قاال .1

- 21 -

احتمال التهمة في إقراره قائمة؛ إذ يمكن أن يريد بإقراره إيثار أحـد الورثـة دون .2هو ال يملك ذلك إال بالتبرع، والوصية، ومعلوم أنهما ال يـصحان إال اآلخرين، و

.بإذن باقي الورثة؛ فأراد أن يخرجه في صورة إقرار تهربا من ذلك

إنه إيصال مال إلى الوارث بقول المورث في مرض الموت؛ فال يصح بغير رضا .3 .البقية قياسا على الهبة والوصية

وجدت التهمة في ذلك؛ كأن يهب وهو مرض موته ماال إقراره جائز إال إذا : ـ الثاني .وهو مذهب المالكيةألحد الورثة، فيعترض عليه الباقي ويمنعونه؛ فيقر بالمال لهذا الوارث،

ـ: أن إقراره جائز مطلقا، وهو الراجح عند الشافعية، وحجتهم في ذلك: ـ الثالث

ü يتـوب فيهـا أنه في مرض موته يكون في حالة يصدق فيها الكـاذب، و .العاصي؛ ذلك أنه مقبل على اآلخرة، ومدبر عن الدنيا

ـ: ـ الراجح في المسألة

ـ: يجدر القول هنا بما يلي

األثر الذي استند إليه الحنفية لم يثبت بسنده في كتب الحديث، وإن ثبت فال يعـدو .1 .كونه قول صحابي، وهو مختلف في حجيته بين العلماء

ية قياس مع الفارق؛ ألن الوصية تبرع، وهي تعد إنشاء؛ قياس اإلقرار على الوص .2 .إذ ينشئ ما ليس موجودا، أما اإلقرار فهو إخبار بحق عليه، فال تساوي بينهما

أنه في مرض موته يكون في حالة يصدق فيها الكاذب، ويتوب فيها العاصي؛ ذلك .3 .نتف غالبا، وعليه فاحتمال التهمة مأنه مقبل على اآلخرة، ومدبر عن الدنيا

ولكن إذا ثبت وجود التهمة، فإن اإلقرار ال يجوز؛ ألنه يظهر لنا حقيقـة تبرعـه، .4؛ ال بمبانيها وألفاظهـا؛ والعبرة في التصرفات والعقود بمعانيها ومآالتها وسببه؛

.وعليه فيكون مذهب المالكية هو األرجح واهللا أعلم

- 22 -

:الشهادة لغة واصطالحا § :تطلق الشهادة في اللغة على عدة معان أهمها :شهادة لغةالـ

: وقوم شهود أي حضور،ومنه قوله تعـالى . يقال شهده أي حضره فهو شاهد :الحضور .1)همصفلي رهالش كممن هدش ن(: وكذا قوله تعالى. )21()فمودهش مننيؤبالم لونفعا يلى مع مه22()و( . .)23(يرى الغائب أي الحاضر يعلم ما ال يعلمه الغائب والشاهد يرى ما ال، حضورأي

فتقول شهد فالن عند الحاكم أي بين ما يعلمه وأظهره عنده؛ ومنـه قولـه :العلم والبيان .2ـو (: تعالى إال ه ـه ل ـه ال إ ن هد هو العالم الذي الشا، أي علم ذلك وبينه للناس ألن )24()شهد الله أ

أشهد أن ال إله إال اهللا وأشهد أن محمدا رسول اهللا، أي : يبين ما يعلمه، وكذا قول المؤذن .)25(أعلم وأبين أن ال إله إال اهللا وأن محمدا رسول اهللا

أ عنها العـذاب أن تـشهد (: قولهم شهد بكذا أي حلف؛ ومنه قوله تعالى ومنه :الحلف .3 ردي و ـع ب أر الكـاذبني لمـن ـه ن ـالوا (: ، أي أن تحلف، وكذا قوله تعالى)26()شهادات بالله إ إذا جـاءك المنـافقون ق

.، أي نحلف)27()بوننشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقني لكاذ

تقول شهد بكذا إذا أخبر به، وأدى ما علمه بالمعاينة أو الـسماع ولـذا تعـدى :اإلخبار .4 .بالباء، ألنه مضمن معنى أخبر، فصار من معاني الشهادة اإلخبار بما قد شوهد

ن العلـم بـالخبر إوالناظر بين معاني الشهادة في اللغة يجد أن بينها عالقة؛ من حيث قائم على مشاهدة ومعاينة الشيء وإدراكه تماما بأحد الحواس مع الحضور والحلف باهللا القاطع

.)28( تعالى على التحمل واألداء

).185(اآلية : سورة البقرة) 21( ).7(آية : سورة البروج) 22(الفيومي، ). حضر( مادة 1/316الفيروز آبادي، القاموس المحيط ). حضر( مادة 2/391الزبيدي، تاج العروس ) 23(

).حضر( مادة 3/239ابن منظور، لسان العرب ). شهد( مادة 195المصباح المنير ص ).18(اآلية : مرانسورة آل ع) 24( ).ش ه د(، مادة 170الرازي، مختار الصحاح ص ). ش ه د(، مادة 317آبادي، القاموس المحيط ص الفيروز) 25( ).8(آية :سورة النور) 26( ).1(آية : سورة المنافقون) 27(

- 23 -

: الشهادة يف االصطالح §اختلف فقهاء اإلسالم في تعريفهم للشهادة، تبعا الختالفهم في متعلقاتها مـن أحكـام؛

ص أقربها؛ وهو تعريف الشافعية مع إضـافة ، إال أنه يمكن استخال بما يوافق أصولهم فعرفوها إخبـار شـخص بحـق (الشهادة : لفظ الشخص إليه؛ ليكون تعريف الشهادة على النحو التالي

). لغيره على غيره بلفظ أشهد

:شرح التعريف §

جنس في التعريف يشمل جميع اإلخبارات سواء كان إخبارا بحق أو رواية، "إخبار "هقول - . غير ذلكأو إخبارا من شخص أو

يشمل اإلنـسان وفي التعريف إلفادة الطرف المخبر الذي يخبر بالخبر، " شخص "هلقول -والشخص االعتباري معا؛ إذ الشخص في لسان الناس يشمل الـشخص العـادي وهـو

.اإلنسان، والشخص االعتباري كالمؤسسات والشركات وغير ذلك

ونه حقا من الحقوق التي يراد إثباتها، إلفادة المخبر عنه محل اإلثبات، وك "بحـق "والقول -سواء كان حقا هللا أو حقا للعبد، وسواء كان حقا ماليا أو غير مالي، أو وجوديا أو عـدميا

يخرج به الخبر والرواية واإلخبار عن الحقائق الكونيـة قيد في التعريف وهو ، كاإلبراء .والثابتة واألمور العادية

إلفادة عدم قبول الشهادة إال بهذا اللفظ، وهو قيد في التعريـف " بلفظ الشهادة "والقول - . )29(يخرج به اإلخبار بحق للغير على الغير بلفظ آخر مثل أعلم أو أتيقن

:مشروعية الشهادة §اتفق الفقهاء على مشروعية الشهادة؛ كدليل من أدلة اإلثبات، واسـتدلوا علـى ذلـك

:على النحو التالي؛ )30(بالكتاب والسنة واإلجماع والمعقول

:حيث استدلوا منه بآيات كثيرة منها :الكتاب: أوال

تان( :قوله تعالى . 1 أ رامل وجن فرليجكونا ري لم فإن الكمرج ن مني هيدوا شهدتشاس31() و(.

.101- 100الزحيلي، وسائل اإلثبات الشرعية ص ) 28( .230-229، ص 20العدد . بحوث اإلسالميةومجلة ال. 104الزحيلي، وسائل اإلثبات ص ) 29( .2/947المقدسي، العدة شرح العمدة . 6-14/5مة، المغني اابن قد.. 2/337األسيوطي، جواهر العقود ) 30( ).282(آية : سورة البقرة) 31(

- 24 -

ن( :وقوله تعالى . 2 ة ومن يكتمها فإ ادهوا الشال تكتمهوقلب آثم 32()ه( .

ة لله( :وقوله تعالى . 3 ادهوا الشأقيمو كمل مندع يوا ذوهدأش33()و(.

أن اهللا تبارك وتعالى يرشدنا في اآلية األولـى إلـى :وجه الداللة من اآليات السابقة على من يكتمهـا، وفـي استحباب اإلشهاد ، وفي الثانية يأمرنا بأداء الشهادة، بل ويجعل اإلثم

الثالثة أمرنا بإشهاد ذوي العدالة، وإقامة الشهادة له سبحانه، مما يؤكـد مـشروعية الـشهادة . كوسيلة من وسائل اإلثبات والتوثيق

:حيث استدلوا منها بما يلي: السنة: ثانيا

e كندة إلـى النبـي جاء رجل من حضرموت ورجل من ( :بن حجر، قال ما رواه وائل .1 هي ض لي كانت ألبي فقال الكنديلى أرني عغلب ذا قده ول الله إنسا ري ميرضفقال الح

لك بينة قـال ال للحضرمي أeفقال رسول الله أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق مينهي قال فلك عرتوي سليه وليلف عا حلى مالي عبال ي ل فاجرجالر ول الله إنسا رقال ي

لما أدبر أمـا لـئنe من شيء فقال ليس لك منه إال ذلك فانطلق ليحلف فقال رسول الله رضعم نهع وهو الله نلقيا ليظلم أكلهاله ليلى ملف عح( .

طلب من الحضرمي أن يقدم بينة على دعواه؛ ليثبتهـا، e أن الرسول : وجه الداللة .والشهادة نوع من البينة، مما يدلل على مشروعيتها

كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول ( : قيس قال عن األشعث بن .2 e فقال رسول الله شاهداك أو يمينه قلت إنه إذا يحلف وال يبالي فقال رسول الله eالله

.)34(] وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبانحق بها ماالمن حلف على يمين يست

طلب من األشعث أن يقدم شاهدين على دعـواه؛ كبينـة e أن الرسول : وجه الداللة ، وإال إن عجز حلف خصمه، فدل هـذا علـى مـشروعية eيثبت بها دعواه أمام رسول اهللا

.ائل اإلثبات وإال لما طلب منه الرسول أن يأتي بالشاهدينالشهادة، وأنها إحدى وس

).283(آية : سورة البقرة) 32( ).2(آية : سورة الطالق) 33(إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على ) 6( رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرهن، باب )34(

).2516( برقم 2/757المدعي واليمين على المدعى عليه

- 25 -

: المعقول: ثالثا

إن الناس بحاجة إلى الشهادة في معاملتهم وتصرفاتهم وما إلى ذلك من أمور؛ لـصون الحقوق من التجاحد والضياع؛ فالحق إذا شهد عليه الشهود فإنه قل من سينكره؛ خشية اإلساءة

، فتجد الشهادة مانعة له من التعدي على حق غيـره المثبـت بالـشهادة لنفسه حين يظهر كذبه كوسيلة من وسائل التوثيق، وإن ادعي حق غيره كانت الشهادة مكذبة له كوسيلة مـن وسـائل اإلثبات، وفي النهاية يبقى الحق في يد صاحبه ويفض النزاع ويسود الهدوء، وبهذا يتضح لـك

، "ية إلى الشهادة لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها إن الحاجة داع : "قول علمائنا ـ القضاء جمرة فنحه عنك بعودين : "وقال شريح وإنمـا الخـصم داء ـ يعنـي بـشاهدين

.)35( " والشهود شفاء، فأفرغ الشفاء على الداء

:حكم الشهادة

د أدائها مستوفية لشروطها، في مجلس األثر المترتب عليها، بع : حكم الشهادة والمراد ب .القضاء أمام القاضي؛ من حيث أثرها على القاضي، والحق المدعى به

فإن المتفحص في كالم الفقهاء يجد أنهم يوجبون على القاضي الحكم بموجب الشهادة، وثبوت ما يترتب عليها من أحكام؛ ألنها عند استجماع شرائطها مظهـرة للحـق، والقاضـي

أرض فاحكم بين الناس بالحق: " بالحق متى ظهر؛ لقوله تعالىمأمور ، )36("يا داود إنا جعلناك خليفة في ال، وبالتالي ليس للقاضي أن يؤخر القضاء بمـضمون الـشهادة الـشرعية )37(أي متى ظهر لك

تحقق بنفسه من عدالـة الـشهود الصحيحة المستوفية لشروطها والخالية من موانعها ما دام قد وصحة شهادتهم، وليس هناك ما يرد شهادتهم، وإال كان آثما، ومتواطأ يـستحق العـزل مـن

ال يجوز للقاضي تأخير الحكم، إذا حضرت أسـباب : "، ولهذا نصت المجلة على أنه )38(منصبه .، وهي حجة متعدية على الخصوم)39("الحكم وشروطه بتمامها

.2/947المقدسي، العدة . 14/6ابن قدامة، المغني . 6/404البهوتي، كشاف القناع ) 35( ).26(آية : سورة ص) 36( .23/13المطيعي، المجموع . 7/57ابن نجيم، البحر الرائق . 8/120العيني، البناية ) 37( .4/609حيدر، درر الحكام شرح مجلة األحكام ) 38( ).1828(مجلة األحكام العدلية مادة ) 39(

- 26 -

:حكم شهادة الصبيان: املسألة األوىل

:ـ مواطن االتفاق

كما اتفقوا ، اتفق العلماء على عدم قبول شهادة الصغار قبل البلوغ على الكبار البالغين ألن الحقوق المالية يحضرها الكبـار وال ؛ على أن شهادة صبي على مثله في األموال ال تقبل

م تكن هناك ضرورة لشهادتهم، كما اتفقوا علـى عـدم قبـول فل يحضرها الصبيان إال نادرا، .شهادة األطفال دون سن التمييز على بعضهم مطلقا

: موطن الخالفـ

ولكنهم اختلفوا في قبول شهادة الصبيان على بعضهم البعض في الدماء، والجراح التي تقبـل شـهادتهم، ويؤخـذ تحدث بينهم أثناء لعبهم أو تجمعهم، وال يشهدها الكبار غالبا؛ هـل

ـ: بأقوالهم ؟ اختلف العلماء في ذلك على مذهبين

ال تقبل شهادة الصبيان ما لم يبلغوا، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من : المذهب األول .)40(الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية عنهم

ا قبل االفتـراق ذهبوا إلى قبول شهادة الصبيان في الجراح، إذا شهدو : المذهب الثاني .للمالكية وأحمد في رواية عنهوهو . )41(عن المكان الذي تجارحوا فيه

:استدل كل من الفريقين على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة أذكرها على النحو التالي

المشترطين البلوغ في الشاهد، وأنه ال تصح شهادة الصبيان، حيث استدلوا أدلة الجمهور : أوال :عدة أدلة من الكتاب والمعقول، على النحو التاليب

:حيث استدلوا منه باألدلة التالية:الكتاب: أوال

ابن ضوبان، منار السبيل في شرح . 6/416البهوتي كشاف القناع . 6/266 الكاساني، بدائع الصنائع )40(

.14/37ابن قدامة، المغني . 2/488الدليل ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية . 4/165الدسوقي، حاشية الدسوقي . 7/176الخرشي الخرشي، شرح )41(

. 3/297البليهي، السلسبيل في معرفي الدليل . 455- 2/454العدوي، حاشية العدوي . 2/678المقتصد .38-14/37ابن قدامة، المغني . 2/957الشيباني، العدة شرح العمدة

- 27 -

ين من رجالكم( :قوله تعالى . 1 هيدوا شهدتشاس42()و(.

ضون من الشهداء( :وقوله تعالى . 2 تر ن43()مم(.

ة و( :وقوله تعالى . 3 ادهوا الشال تكتموهقلب آثم نه .)44()من يكتمها فإ

.)45()وأشهدوا ذوي عدل منكم( :وقوله تعالى . 4

أن اهللا أمر في اآليات باستشهاد الرجال، ومـن نرضـاه : وجه الداللة من هذه اآليات ـ ة، وال من الشهداء، وذوي العدالة، ومعلوم أن الصبيان ليسو من الرجال، وال من ذوي العدال

يرضون للشهادة ؛ لحداثة سنهم وصغر عقولهم، كما أن الصبي ال يأثم، مع أن اهللا أخبر بـأن .)46( من يكتم الشهادة يأثم قلبه، فدل على أن الصغير ليس من أهل الشهادة

: حيث استدلوا من المعقول باألدلة التالية: والقياسالمعقول: ثانياـ

ذب، وهذا مدعاة له على الكذب؛ إذ ال وازع يمنعه منه، إن الصبي ال يخاف من مأثم الك . 1 .مما يدعوا إلى عدم الوثوق بكالمه وشهادته

ال يقبل إقرار الصبي على نفسه، وكذا ال تقبل شهادته على غيره كالمجنون؛ بجـامع أن . 2 كال منهما ال يقبل منه إقراره على نفسه،

. من هو مثله؛ كالمجنون والمعتوهمن ال تقبل شهادته على من ليس بمثله ال تقبل على . 3

إن اإلقرار أوسع من الشهادة؛ ألنه يقبل من الكافر والفاسق والمرأة وال تـصح الـشهادة . 4 .منهم فكذلك الصبي

. إن الصبي ال تقبل شهادته في المال؛ فكذا ال تقبل في الجراح كالفاسق . 5

والية له على غيـره مـن إن الشهادة نوع من الوالية، وال والية للصبي على نفسه؛ فال . 6 .)47(باب أولى

.)282 (آية: البقرةسورة )42( .)282(آية : البقرةسورة )43( .)283(آية : البقرةسورة )44( .)2(آية : الطالقسورة )45( . 14/39ابن قدامة، المغني . 6/416البهوتي، كشاف القناع . 20-23/18 المطيعي، المجموع )46( .14/39ابن قدامة، المغني . 6/416البهوتي، كشاف القناع . 7/77 ابن نجيم، البحر الرائق )47(

- 28 -

في عدم قبول شهادة الصبيان إال في الجراح إذا شـهدوا أدلة المالكية ومن وافقهم : ثانياـ :قبل االفتراق، حيث استدلوا بعدة أدلة من اآلثار والمعقول كالتالي

ـ: واستدلوا منها:اآلثار: أوال

إنـا كنـا : ءه خمسة غلمة فقالوا كنا عند علي فجا : "بما رواه مسروق قال . 1ستة غلمة نتغاط فغرق منا غالم، فشهد الثالثة على االثنين أنهمـا غرقـاه، وشهد االثنان على الثالثة أنهم غرقوه، فجعل على االثنـين ثالثـة أخمـاس

.)49( ، وقضى نحو هذا مسروق)48( " الدية، وجعل على الثالثة خمسيها

الصبية فـي الجـراح؛ بنـاء علـى أن علي قضى بين : وجه الداللة ـ شهادتهم؛ فجعل على اثنين منهما ثالثة أخماس الدية، وجعـل علـى الثالثـة

. في الجراحتهمخمسيها؛ لما بان له من شهادتهم؛ مما يدلل على قبول شهادالباقين

كان عبد اهللا بن الزبير : " ما أخرجه مالك في الموطأ عن هشام بن عروة قال . 2 "بيان فيما بينهم من الجراحيقضي بشهادة الص

نص الحديث صراحة على قبول ابـن الزبيـر لـشهادة : وجه الداللة ـ .الصبيان فيما يحدث بينهم من الجراحات

:المعقول: ثانياحيث ذهبوا إلى إن شهادة الصبية في الجراح ما لم يتفرقوا عن المكان الذي تجـارحوا

تضيع الحقوق، فإن تفرقوا لم تقبـل حتى ال ؛ و الظاهر صدقهم وضبطهم؛ للضرورة فيه؛ ألن .)50( شهادتهم؛ الحتمال أن يلقنوا الشهادة من الكبار

كما أن الصبيان غالبا ما ينفردون في مالعبهم؛ حتى ال يكـاد أن يخـالطهم غيـرهم، ويجري بينهم من اللعب والترامي ما يكون للقتل أو الجرح، فلو لم يقبل منهم إال قول الكبـار

.دول لضاعت حقوقهم،ت وأدى ذلك لهدر دمائهم وجراحهمالع

وقد اتفق العلماء على أن مواضع الحاجات يقبل فيها من الشهادات ما : يقول ابن القيم وقد أمـر اهللا سـبحانه ، وإن تنازعوا في بعض التفاصيل ،ال يقبل في غيرها من حيث الجملة

. ولم أقف على درجته.10/614ه ابن حزم في المحلى روا)48( .14/38 ابن قدامة، المغني )49(العدوي، حاشية . 4/117الصاوي، بلغة السالك إلى أقرب المسالك . 4/165 الدسوقي، حاشية الدسوقي )50(

.38-14/37ابن قدامة، المغني . 455-2/454العدوي

- 29 -

منبهـا ، الحاجة في الوصية في الـسفر عندالمسلمين من غير بشهادة شاهدين تعالى بقبول و ، كقبول شهادة النساء منفردات في األعراس والحمامات ؛ وما هو أولى منه ،بذلك على نظيره

وال ريب أن قبول شهادتهن هنا أولى من قبـول ،والمواضع التي تنفرد النساء بالحضور فيها المدينـة علـى تجـارح وكذلك عمل الصحابة وفقهاء ،شهادة الكفار على الوصية في السفر

وشـهادة ، ولو لم تقبـل شـهادتهم ، فإن الرجال ال يحضرون معهم في لعبهم ،بعضهم بعضا . وأهملت مع غلبة الظن أو القطع بصدقهم، لضاعت الحقوق وتعطلت؛النساء منفردات

،وال سيما إذا جاءوا مجتمعين قبل تفرقهم ورجوعهم إلى بيوتهم وتواطئوا على خبـر واتفقت كلمتهم فإن الظن الحاصل حينئذ من شهادتهم أقوى بكثيـر ،وقت األداء واحد وفرقوا

من الظن الحاصل من شهادة رجلين وهذا مما ال يمكن دفعه وجحده فال نظن بالشريعة الكاملة الفاضلة المنتظمة لمصالح العباد في المعاش والمعاد أنها تهمل مثل هذا الحق وتـضيعه مـع

. )51( ظهور أدلته وقوتها

مذهب المالكية ومن وافقهم في قـولهم بعـدم قبـول شـهادة الراجح في المسألة هو

الصبيان إال في الجراح، وما يجري بينهم؛ لما ترمي إليه الشريعة اإلسـالمية مـن مقاصـد بمن عظيمة تقوم على جلب المصالح ودرء المفاسد تقضي قبول شهادة الصبيان قبل اختالطهم

ال يوثق به من الكبار؛ ممن يحتمل تلقينهم، ويتمثل ذلك هنا في حقن الدماء، وفصل النزاعات؛ بناء على شهادتهم فيما يدور بينهم من جراحات، وإال لدامت النزاعات؛ لعدم وجود مـا يثبـت

الذي الفاعل منهم، مما يدفع ذوي المصاب إلى أخذ حقهم بأيديهم بناء على شهادة أحد الصبية، قد يلقنه أهله بما يدين غيره ويدفع عنه التهمة رغبة في نجاة ابنهم، وهذا ال يعنـي أن الطفـل أهل للشهادة وإنما تقبل منه في مثل هذه الظروف للضرورة، كما تقبل شهادة القابلة وصـاحب

.المهنة إذا لم يوجد غيره؛ للضرورة، وصونا للحقوق من الضياع

قبول شهادة الصبيان على بعضهم إنما شرع للضرورة، أو الحاجة إليـه، ولمـا : قلنا

كانت الضرورة تقدر بقدرها، وال تعدو موضعها؛ وضع القائلون بمشروعية شـهادتهم علـى ـ: بعضهم شروطا من شأنها أن تؤدي إلى غلبة الظن أو القطع بصدقهم، ومنها

. تصح رواية الصبي إذا كان عبداأن يكون الصبي حرا؛ فال .1

).97 / 1 ( إعالم الموقعين ) 51(

- 30 -

.أن يكون مسلما؛ فال تصح شهادة الصبي الكافر .2

أن يكون مميزا؛ فال تصح شهادة غير المميز؛ ألنه ال يضبط ما يقـول، واشـترط .3 .بعض المالكية أن ال يقل عمره عن عشر سنين

.أن يكونا اثنين فأكثر سواء كانا صبيين، أو صبيا وصبيتين .4

دة قبل تفرقهم، وتخبئهم؛ فلو تفرقوا وتخبـؤا ال تـصح؛ الحتمـال أن تكون الشها .5التلقين من الكبار؛ إال إذا شهد رجال عدول على ما نطق به الصبيان قبل تفرقـوا،

.ثم تفرقوا، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم

أن تتفق شهادتهم، وال تختلف، فلو شهد اثنان أن القاتل أو الجارح فـالن، وشـهد .6 .فالن؛ ال تقبل بسبب التهاترآخران أنه

أال يكون قد حضر بينهم شخص بالغ وقت القتل أو بعيده بحيث يمكنه أن يعلمهـم .7 .أو يلقنهم أو يرهبهم

.أال يكون الصبي ممن يشتهرون بالكذب، وأال يكون عدوا للمشهود عليه .8

أن يكون الصبي من جملة الصبيان المجتمعين، فلو كان مـارا علـيهم ال تقبـل .9 .دته؛ ألنه ال يحضر الواقعة كاملةشها

إذا توافرت هذه الشروط في شهادة الصبيان قبلت، وحكم القاضي بموجبهـا، ترتبـت

.عليها آثارها كاملة، فإذا رجعوا عن شهادتهم بعد ذلك؛ فال يؤثر رجوعهم على شهادتهم

.عدم ورود نص في المسألة يخرج الفقهاء من دائرة الخالف .1

2. اختالفهم في مقتضى العدالة، حيث أجمع الفقهاء على أن من شرط الشهادة العدالـة، وأنالبلوغ شرط من شروط العدالة؛ ولذلك فهي ليست شهادة عند مالك؛ وإنما هي قرينة حال؛

.من تلقينهم، أو ترهيبهم، أو ترغيبهموعليه فقد اشترط فيها أال يتفرقوا؛ خوفا

اختالف المذاهب في عمل أهل المدينة؛ هل يعد حجة في بناء األحكام الفقهية ؟ ففي حـين .3لم يعده الجمهور مصدرا؛ أخذ به المالكية، ومما تعارف عليه أهل المدينة أخذهم بـشهادة

هادتهم كثيـر مـن وقد أخذ بش . الصبيان على بعضهم في الجروح بالشروط التي ذكروها .فقهاء المدينة مثل ابن عباس وعبد اهللا بن الزبير وعلي رضي اهللا تعالى عنهم أجمعين

- 31 -

حكم شهادة األخرس: املسألة الثانية

ـ: اختلف الفقهاء في قبول شهادة األخرس إلى مذهبين

، شهادة األخرس مطلقـا ال تقبليشترط في الشاهد أن يكون ناطقا، ف : األولالمذهب ـ ، وبهـذا الـرأي )52(وهو للحنفية، والحنابلة في الصحيح من مذهبهم، والشافعية في قول عنهم

مجلـة األحكـام قد نـصت تأخذ المحاكم الشرعية اليوم أخذا منها بمذهب أبي حنيفة النعمان و .)53( أي مطلقا" ال تقبل شهادة األخرس واألعمى : "العدلية على أنه

إذا ال يشترط في الشاهد النطق؛ وعليه فتـصح شـهادة األخـرس : لمذهب الثاني ـ ا ، وابـن وبعض الحنابلـة قول آخر،للمالكية والشافعية في ، أو كانت كتابة، وهو فهمت إشارته

.)54(المنذر وغيره من العلماء

:خرس مطلقا باألدلة التاليةقبول شهادة األالقائلون بعدم استدل : المذهب األولأدلةـ

أو ، مـن أركـان الـشهادة اعند أداء الشهادة؛ لكونها ركن " أشهد "وجوب مراعاة لفظة . 1ـ على اختالف بينهم ـ من شروط صحتهااشرط ، وال عبارة لألخرس أصال، فال تقبل

.)55( " أشهد " منه الشهادة لعجزه عن اإلتيان بلفظ

وال يقين مع اإلشارة؛ الحتمال إرادة شيء خالف الذي يفهـم المعتبر في الشهادة اليقين، . 2منها، وإنما اكتفي بإشارة األخرس في أحكامه المختصة به؛ كنكاحه وطالقه للـضرورة،

.)56( وهي هنا معدومة

ـ: بما يليجواز شهادة األخرس إذا فهمت إشارتهاستدل القائلون ب: ـ أدلة المذهب الثاني

قليوبي وعميرة، حاشيتا قليوبي وعميرة على المحلى . 4/128الشربيني، اإلقناع .8/162، البناية العيني)52( .14/86مة، المغني اابن قد. 6/417البهوتي، كشاف القناع . 22/21المطيعي، المجموع . 4/319 ). 1686( شرح مادة 4/313درر الحكام . حيدر). 1686(مجلة األحكام العدلية مادة رقم ) 53( .2/388ابن ضوبان، منار السبيل . 23/21المطيعي، المجموع . 7/179 الخرشي، حاشية الخرشي )54(المطيعي، المجموع . 8/162العيني، البناية في شرح الهداية . 193، 8/174 ابن عابدين، رد المحتار )55(

.2/388ابن ضوبان، منار السبيل . 23/21 .2/388بان، منار السبيل ابن ضو. 6/417 البهوتي، كشاف القناع )56(

- 32 -

1 . ائشة أمع نول الله عسلى را قالت صأنه ؤمنينـ الملمسه وليع لى اللهـ ص في بيته فلمـا ، أن اجلـسوا فأشار إلـيهم ، وصلى وراءه قوم قياما ، فصلى جالسا ،وهو شاك

وإذا ، وإذا رفـع فـارفعوا ، فإذا ركع فاركعوا ،إمام ليؤتم به إنما جعل ال :انصرف قال ".صلى جالسا فصلوا جلوسا

أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم أشار لهم في صالته، ففهمـوا : ـ وجه الداللة .خرس أولىمراده، فدل ذلك على صحة اإلشارة من الناطق، فألن تصح من األ

إن إشارة الرسول ـ صلى اهللا عليه وسلم ـ كانـت ألنـه :ـ ونوقش بما يليفي الصالة، والكالم يبطلها، كما أن المقام ليس مقام إثبات، أو قـضاء حتـى تقـاس

. شهادة األخرس عليه

طالقـه ك: واستدلوا بالقياس؛ حيث إن شهادة األخرس تقوم مقام نطقـه فـي أحكامـه . 2إيالئه، فكذلك في شهادته؛ العتبار إشارته كعبارة غيره فـي البيـع ونكاحه وظهاره و

.، وعليه فتقبل إشارته)57(ونحوه

وإنما اكتفي بإشارة األخرس في أحكامـه المختـصة بـه؛ : ـ ونوقش بما يلي ، والشهادة يجب التيقن فيها، وإشارة )58( كنكاحه وطالقه للضرورة، وهي هنا معدومة

.د يفهم منه ما ال يقصداألخرس مظنة الخطأ؛ إذ ق

ذهب إليه الفريق الثاني القـائلون بقبـول الراجح في المسألة، واهللا تعالى أعلم هو ما

ـ بشرط أن يكتب إذا يعرف الكتابة، أو أن تفهـم إشـارته شهادة األخرس إذا لم يوجد غيره ـ: للمسوغات التالية؛ وذلكيقينا

ن الضياع، وذلك إذا فهمت إشارته، وتؤكد من مرادهـا، للضرورة؛ صيانة للحقوق م . 1 .وإال إذا لم تفهم ال تقبل منه؛ لعدم االستفادة منها في مثل تلك الحالة

مجرد دعوى تحتاج على دليل، وليست دليال، وإذا ثبتت فإنما تجب : اشتراط لفظ أشهد . 2 .من القادر عليها، واألخرس ال يقدر عليها فال تجب عليه

.2/488ابن ضوبان، منار السبيل . 23/21المطيعي، المجموع . 7/179 الخرشي، شرح الخرشي )57( .2/388ابن ضوبان، منار السبيل . 6/417 البهوتي، كشاف القناع )58(

- 33 -

نعين هي أن إشارته ال تفيد اليقين، الحتمـال أن يفهـم منهـا مـا ال يريـد حجة الما . 3إذا انتفى احتمال الشك في شهادته؛ تيقنا مراده بإشـارة مفهمـة، أو : األخرس، فنقول

كتابة، أو خبير في لغة الصم موثوق به، ومشهود له بالعدالة، وجب قبـول شـهادتهن .لحق، وتركها يؤدي إلى ضياع الحقوقوالحكم بها؛ ألنها في هذه الحالة مظهرة ل

ـ: يرجع سبب الخالف في المسألة إلى أمرين

.عدم ورود نص من كتاب أو سنة يستند إليه في هذه المسألة: ـ األول

، واألخرس غير )أشهد ( يشترط جمهور العلماء في الشهادة أن تؤدى بلفظ : ـ الثاني لناطق بها، أمل المالكية فيكتفون بأي صيغة أو لفظ تؤدي معنى اإلخبار والـشهادة، قادر على ا

.واألخرس يؤدي ذلك باإلشارة المفهمة، أو الكتابة

:شهادة األعمى: املسألة الثالثة

أداء الشهادة إما أن يكون على فعل أو صفة مشاهدة، أو قول يـدرك دون مـشاهدة، ـ: ماء، وذلك على النحو التاليولكل منها حكمه الخاص عند العل

): ال تدرك إال بالبصر والمعاينة ( الشهادة على فعل أو صفة مرئية : ـ أوالإذا كانت الشهادة على فعل أو صفة مرئية تحتاج إلى اإلشارة إليها عند األداء فقد اتفق

.الفقهاء على أنه يشترط في الشاهد البصر، فإن كان أعمى فال تقبل شهادته

ـ: فقد كان للعلماء فيها مذاهب وتفصيالت:الشهادة على قول: ثانياـ :مذهب الحنفية .1

إلى اشتراط البصر عند أداء الشهادة، فال تقبـل ـ ذهب أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ـ: ووجهتهماشهادة األعمى عندهما، سواء كان بصيرا عند التحمل أم ال،

شارة إليه عند الشهادة، فإذا كان أعمـى عنـد ـ إنه البد من معرفة المشهود له، واإل .األداء فإنه ال يعرف المشهود له من غيره، وال يقدر على أداء الشهادة

فقد ذهب إلى القول بقبول شهادته إذا كان بصيرا وقـت التحمـل، ـ أما أبو يوسف وحجته في ذلك ـ

- 34 -

ينة، وهذا يحـصل ـ أن اشتراط البصر ليس لعينه؛ بل لحصول العلم بالمشاهدة والمعا .إذا كان بصيرا وقت تحمل الشهادة

ـ: والحنابلةمذهب المالكية .2

ذهب المالكية والحنابلة إلى قبول شهادة األعمى في األقـوال مطلقـا بـشرط تـيقن ـ:ووجهتهم في ذلكالصوت، سواء تحملها قبل العمى أم بعده،

؛ وعليه فيقبل قولـه فـي ـ إن األعمى يضبط األقوال بسمعه؛ فيحصل منه اليقين بها غير المرئيات من مسموعات، ومـشمومات، ومـذوقات وملموسـات، ذلـك أن الملمـوس

.والمشموم، والمذوق، يستوي فيه األعمى وغيره

ين من رجالكم{ : ـ لم يشترط القرآن البصر بل قال تعالى هيدوا شهدتشاس59 ( }و (.

هادته؛ ألن السماع أحد الحواس التـي يحـصل بهـا ـ واألعمى تقبل روايته فقبلت ش .اليقين، وقد يكون المشهود له ممن ألفه األعمى، وعرف صوته يقينا

ـ: مذهب الشافعية .3

ذهب الشافعية إلى عدم قبول شهادة األعمـى علـى األقـوال؛ كـالبيع والطـالق، والعلـة فـي ذلـك لفه، واإلقرار، ونحوها إذا كان المشهود عليه خارجا عن يده، وليس ممن أ

أنه قد يشتبه عليه الصوت، فال نتيقن من شهادته، وقد استثنوا أمرا من ذلك قبلـوا فيهـا : هي ـ: شهادة األعمى

قبول شهادة األعمى فيما يثبت باالستفاضة كالنـسب، والمـوت، والـزواج؛ ألن .أ .طريق العلم به السماع، واألعمى كالبصير في السماع

في الترجمة؛ ألنه يفسر ما سمعه بحضرة القاضي، وسـمعه يجوز أن يكون شاهدا .ب .كسمع البصير

إذا جاء رجل وترك فمه على أذنه وطلق، أو أقر ويد األعمى على رأسه فضبطه .ج األعمى إلى أن حضر عند الحاكم فشهد عليه بما سمعه منه، قبلت شهادته؛ ألنـه

.شهد عن علم يستوي فيه األعمى والبصير

.شهادة األعمى مقبولة كالبصير تماما: مذهب الظاهرية .4

282من اآلية: البقرةسورة) 59(

- 35 -

شهادة الكافر على الوصية حال السفر: املسألة الرابعة

إذا كان الرجل بأرض غربة، وحضرته الوفاة، ولم يجد مسلما يشهده علـى وصـيته؛ فهل يجوز له استشهاد رجلين كافرين على وصيته ؟ وهل تقبل شهادتهما إذا شهدا ؟

ـ: مسألة إلى مذهبيناختلف العلماء في هذه ال

ذهب إلى عدم الجواز، وبه قال زيد بن أسلم، والحسن، والزهـري، : ـ المذهب األول .وعكرمة، والنخعي، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية في المعتمد عنهم

أفاد جواز ذلك، وبه قال أبو موسى األشعري، وابن عباس، وابـن : ـ المذهب الثاني جبير، وشريح، وابن سيرين، وقتادة، ومجاهد، والثـوري، وإليـه ذهـب المسيب، وسعيد بن

.اإلمام أحمد بن حنبل، وبعض الشافعية

ة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حني الوصية اثنان ذوا{ : قال تعالى .1 ادهوا شنآم ا الذينهي عدل منكم أو يا أأصابتكم مصيبة الموت أرض ف بتم في ال ضر نتم .) 60 ( }آخران من غيركم إن أ

ـنكم : ( إن معنى قوله تعالى : ـ وجه الداللة أي مـن عـشيرتكم ) اثنـان ذوا عـدل م

أي ) أو آخـران مـن غيـركم : (ىمعنى قوله تعال وقرابتكم؛ ألنهم أحفظ وأضبط عن النسيان، و .من غير قرابتكم وعشيرتكم

)ر آخ( وذلك أن معنى ؛غامض في العربية على معنى وهذا ينبني : "قال النحاس يدل علـى )آخر: ( فقوله ، مررت بكريم وكريم آخر : تقول ؛في العربية من جنس األول

وال ، ) مررت بكريم وخـسيس آخـر : ( أهل العربية ندع وال يجوز ،أنه من جنس األول أو : ( تعـالى فوجب من هذا أن يكون معنى قولـه ، )مررت برجل وحمار آخر : ( قولهم

ـركمغي ان مـنر( : فيصح على هذا قول من قال، عدالن والكفار ال يكونون عدوال : أي )آخ أوركمغي ان منر61( يرتكم من المسلمينمن غير عشأي ) آخ( .

106: من اآلية، المائدة)60( ).351، 6( أحكام القرآن للقرطبي )61(

- 36 -

: ونوقش هذا الدليل بما يليـ

ـنكم { : إن اآلية الكريمة قد بدأت بقوله تعالى يب ة ادـه وا شنآم ا الذينهي وهو خطـاب } يا أيعم المؤمنين، سواء كانوا من القرابة والعشيرة، أو من غيرها، فال يجوز حمل هذا الخطـاب

بة والعشيرة؛ ألنه تخصيص دون دليل؛ فوجب أن يكون معنى قولـه سـبحانه العام على القرا ، وهذا يـستلزم ن؛ ألن الخطاب للمؤمنين، أي من غير المؤمني} أو آخران من غيركم {: وتعالى

. )62( أن يكونوا من الكافرين

، أي مـن } ن غيـركم أو آخران مـ {: كما أن سبب نزول اآلية يبين أن معنى قوله تعالى ـ عن ابن عباس، فقد أخرج اإلمام البخاري في صحيحه نغير المؤمني ـ رضي الله عنهمـا

فمـات ]وكانـا كـافرين [ وعدي بن بداء،خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري ( :قال ، فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا مـن ذهـب ، ليس بها مسلم السهمي بأرض

ابتعناه من تميم : فقالوا،ثم وجد الجام بمكةـ صلى الله عليه وسلم ـ فأحلفهما رسول الله ديعا ،وتهمادشه ق منتنا أحادلفا لشهائه فحليأو لان منجر فقام ، احبهملـص ـامالج إنو ، ة بينكم إذا حضر أحدكم الموت{ : وفيهم نزلت هذه الآية:قال ادهوا شنآم ا الذينهي . }..يا أ

ضون من { : قال اهللا تعالى .2 تر نتان مم أ رامل وجن فرليجكونا ري لم فإن الكمرج ن مني هيدوا شهدتشاسو .) 63 ( }الشهداء

اشترطت اآلية الكريمة في الشهداء اإلسالم، والرضا الذي ينطوي على : ـ وجه الداللة والصدق، وهذه اآلية من آخر ما نزل من القرآن الكريم؛ فتكون ناسخة آليـة المائـدة؛ العدالة

ألن اإلسالم في بداية النبوة لم يكن إال في المدينة؛ فجازت شهادة غيرهم للحاجة إليهـا؛ فلمـا .كثر المسلمون، وانتشر الدين لم تعد الحاجة قائمة لشهادة الكفار؛ فسقطت

: ا يليونوقش هذا الدليل بمـ

اشتراط اإلسالم والصدق والعدالة في الشهود أمر مفروغ منهن ونحن نقول بموجبـه، ولكن هذا في األحوال االعتيادية؛ أما في السفر حيث ال يوجد مسلم فيجوز األخذ بشهادة غيـر

.المسلم للحاجة إليها، ومستندنا هو آية المائدة اآلنفة

ـ: تالية النسخ فهو باطل لألسباب الء أما ادعا

).123 ـ 122، 6( تفسير الرازي : انظر 62 282من اآلية: البقرة63

- 37 -

ألنه لم يرد عن أحد من الصحابة الذين شهدوا التنزيل، بـل إن الـصحابة :األول ـذهبوا إلى القول بمشروعية شهادة الكافر على وصية المسلم في الـسفر، ومخالفـة الـصحابة

.الكرام إلى غيرهم أمر ينفر عنه أهل العلم

أن ابن عباس وهو ترجمان سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، حتى : ـ الثاني .إنه ال منسوخ فيها: القرآن قد قال فيها

إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، والنسخ في : فقد قال علماء األصول : ـ الثالث إهمال ألحد األدلة؛ لذلك ال يجوز إال إذا لم نستطع الجمع بين الدليلين، والجمع هنـا ممكـن؛

، أما آية المائدة فمحمولة على حالة خاصة هي وصـية المـسلم فتحمل آية البقرة على العموم .المسافر بأرض غربة ليس فيها مسلم

آية البقرة نزلت في الدين، أما آية المائدة فقد نزلت في الوصية حال السفر، : ـ الرابع فتكون كل واحدة نزلت لبيان حكم خاص بها، فأين التعارض في ذلك ؟

.) 64 ( } هدوا ذوي عدل منكموأش{ : قال اهللا تعالى .3

اشترطت اآلية الكريمة في الشهداء العدالة، والكافر ليس عدال فـال : ـ وجه الداللة .يجوز أن ستشهد

: ونوقش هذا الدليل بما يليـ

إن المراد بالعدالة هنا االحتراز عن الكذب؛ ال العدالة في الدين واالعتقاد؛ ذلـك :أوالمجمعين على قبول شهادة الخوارج والمبتدعة، مع أنهم ليسوا عدوال في مـذاهبهم، أن العلماء

.ولكنهم عدول في االحتراز عن الكذب

وأشـهدوا ذوي { : وعلى فرض أن المراد بالعدالة هنا اإلسالم؛ فإن قوله تعـالى : ثانيا كمـن خاصة فيما إذا كان المسلم في سفر، أما آية المائدة ف عام في كل األحوال والبقاع، }عـدل م

وحضرته الوفاة، وله حقوق على الغرماء، كما غيره عنده حقوق، ولم يجد مسلما يشهده علـى .ةهذه الحقوق، فيجوز له استشهاد الكافر للضرور

ـ: وقد استدلوا على جواز شهادة الكافر على وصية المسلم بما يلي

.2من اآلية: الطالق)64(

- 38 -

ة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حني الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو { : تعالىقال .1 ادهوا شنآم ا الذينهي يا أأصابتكم مصيبة الموت تحب أرض ف بتم في ال ضر نتم سمان بالله إن آخران من غيركم إن أ سونهما من بعد الصالة فيق

آثمني ة الله إنا إذا لمن ال ادهش ال نكتمى وبذا قر كان لو نا وتري به ثمال نش تمتب 65 ( }ار (.

ى وصية المسلم عند دلت اآلية بعبارتها على جواز شهادة الكافر عل :وجه الداللة ـانعدام أهل العدالة من المسلمين، ويؤكد ذلك سبب نزول اآلية الذي أورده البخـاري فـي

.صحيحه، وهو نص في المسألة

أصابتكم مصيبة الموتإن{ : كما أن قوله تعالىـ أرض ف بتم في ال ضر نتم يدل على أن } أوط بكون المستشهد في السفر؛ فلو كان هذا الشاهدان مـسلمين قبول شهادة اآلخرين مشر

لما اشترطت اآلية أن يكون استشهادهما حال السفر؛ ألن شـهادة المـسلم مقبولـة سـفرا .أي غير المسلمين) غيركم : ( وحضرا، فدل ذلك على المراد بقوله

الة فيق{ : دل قوله تعالى ـ د الصعب ا منمونهس ب نـا تحـه ثم تبتم ال نـشتري ب ان بالله إن ارسم { على وجوب الحلف على الشاهدين، وقد أجمع العلماء على أن الشاهد المسلم ال يجب عليه

.الحلف، فعلمنا أن هذين الشاهدين ليسا من المسلمين

لين جواز شهادة الكافر على وصية المـسلم بعد العرض يظهر لنا رجحان مذهب القائ ـ: حال السفر، وذلك للمعطيات التالية

إن األدلة التي استند إليها القائلون بعدم المشروعية تعد أدلة عامة، أمـا أدلـة .1المجيزين فخاصة في حال الوصية في السفر، ومعلوم أن الخاص مقدم علـى

.العام، وأن العام يحمل على الخاص

باطل؛ ألنه لم يرد عمـن عاصـروا ) آية المائدة ( خ اآلية الكريمة ادعاء نس .2التنزيل، وألنه ال دليل عليه، وألنه يمكننا الجمع بين الـدليلين، وفـي النـسخ

.إهمال ألحدهما فيكون ممتنعا

بأنه من غير قرابتكم ال يستقيم مـع تفـسير ) من غيركم ( تفسير قوله تعالى .3 .والمسلم ال يستشهد مطلقا. ط االستحالف في حقهمااآلية الكريمة؛ ألنها اشتر

106: المائدة)65(

- 39 -

سبب نزول اآلية الكريمة ـ وهو عند البخاري ـ يعد نصا في المسألة، فـال .4تجوز مخالفتهن وقد بين أن الرسول قبل قول تميم وصاحبه مع اسـتحالفهما،

.وقد كانا كافرين في ذلك الوقت

إنمـا نجيـز : " ي هذه المسألةالمصلحة قد تقتضي ذلك، يقول الفخر الرازي ف .5شهادة الكافرين إذا لـم نجـد أحـدا مـن المـسلمين، والـضرورات تبـيح المحظورات، أال ترى أنه تعالى أجاز التيمم والقصر في الصالة، واإلفطـار في رمضان، وأكل الميتة حال الضرورة؛ والـضرورة حاصـلة فـي هـذه

لم يجد مـسلما يـشهده علـى المسألة؛ ألن المسلم إذا قرب أجله في الغربة و نفسه، ولم تكن شهادة الكافر مقبولة فإنه يضيع أكثر مهماته، فإنه ربما وجبت عليه زكوات وكفارات وما أداها، وربما كان عنده ودائع أو ديون كانت فـي ذمته، وكما تجوز شهادة النساء فيما يتعلق بأحوال النساء كـالحيض والحمـل

أنه ال يمكن وقوف الرجال على هـذه األحـوال؛ والوالدة واالستهالل، ألجل . )66( " فاكتفينا فيها بشهادة النساء ألجل الضرورة، فكذا هنا

: شهادة الكافر على مثله: املسألة اخلامسة

ـ: اختلف العلماء في قبول شهادة الكافر على الكافر إلى مذهبين

المذهب قـال المالكيـة والـشافعية، ال تقبل شهادة الكافر على مثله، وبهذا : ـ المذهب األول .وكثير من الحنابلة

يجوز ذلك، وبه قال الشعبي، وشريح، والنخعي، والزهري، ووكيع، وهـو : ـ المذهب الثاني .مذهب الحنفية، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم

ـ: وقد استدلوا بعدة أدلة من القرآن والمعقول

.) 67 ( }أشهدوا ذوي عدل منكمو{ : قال تعالى .1

.) 68 ( }يحكم به ذوا عدل منكم{ : وقال أيضا .2

).123، 6( تفسير الرازي )66(

.2آية : الطالق )67(

- 40 -

تـان ممـن { : قال اهللا سبحانه وتعالى .3 أ رامل وجن فرليجكونا ري لم فإن الكمرج ن مني هيدوا شهدتشاسوضون من ال اءترده69 ( }ش (.

اشترطت اآلية األولى والثانية في الشاهد أن يكون منـا، : من اآليات ةـ وجه الدالل وأن يكون عدال، والكافر ليس عدال وال هو منا فكيف تقبل شهادته ؟ أما اآلية الثالثة فقـد

رأتان دلت بمنطوقها على اشتراط كون الشهداء من الرجال المسلمين، فإن تعذر فرجل وام فتدل بمفهومها على عدم قبول شهادة غير المـسلمين، . ممن نرضى صالحهم واستقامتهم

.ومن ال نرضى صالحهم واستقامتهم، هو متحقق في الكافر

بأن هذه اآليات إنما وردت في الشهادة فيما بين المـسلمين، :ـ ونوقش استداللهم سكوهن بمعروف { : لىويشهد لذلك سياقها، فاهللا سبحانه يقول في اآلية األو أم غن أجلهن ف ل فإذا ب

آخر ظ به من كان يؤمن بالله واليوم ال وعي لله ذلكم ةادهوا الشأقيمو كمل مندع يوا ذوهدأشوف ورعبم نفارقوه أو ) 70 ( } ه يجعل له مخرجاومن يتق الل

ـنكم متعمـدا { :ويقول في اآلية الثانية ـه م م ومن قتل رح نتم أ و ديوا ال تقتلوا الصنآم ا الذينهي يا أ ده كمل مندا عبه ذو كمحم يعالن ا قتل منمثل م اءز فج لـك ساكني أو عـدل ذ م امطع ة كفار ة أوبغ الكع يا بال

يز ذو انتقام ز ع اللهو همن الله تقمنفي ادع نمو ف ل ا سمع فا اللهه ع بال أمر ذوق واما لي71 ( }صي (.

يه { : ويقول في الثالثة ـنكم يا أ يب ـب ليكت و وهفاكتب ى مس ل من إلى أجي بد تمنايوا إذا تدنآم ا الذينب وليملل الذي عليه الحق وليتق الل ب كما علمه الله فليكت ب أن يكت أب كات ال يل ودبالع ب ه ربه وال يبخس كات

طيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا ست ال ي ضعيفا أو فيها أوس قه الحليالذي ع كان ئا فإنيش همنن فرليجكونا ري لم فإن الكمرج ن مني هيداءشدهالش من نضو تر نتان مم أ رامل و72 ( }ج (.

فاآلية األولى وردت في نكاحنا وطالقنا، أما الثانية فقد وردت في المناسك، والثالثـة .، فاآليات ليست في محل النزاع)يا أيها الذين آمنوا ( صدرت بقوله

95من اآلية: المائدة)68( 282من اآلية: البقرة)69( 2: الطالق)70( 95: المائدة)71( 282: البقرة)72(

- 41 -

ينا بينهم العدا{ : قال تعالى .4 غر أ م القيامةف وإلى ي غضاء ب ة وال 73 ( }و (

شعيب عن أبيـه عـن عمرو بنإن العداوة تمنع الشهادة؛ لما رواه : ـ وجه الداللة ـ صلى الله عليه وسلمـ قال رسول الله :جده قال ،ا خائنة ول، لا تجوز شهادة خائن: (

، وألن الشاهد العدو يكـون )75( ) على أخيه )74( ولا ذي غمر ،ولا محدود في الإسلام .مظنة التهمة بأن ينتقم من المشهود عليه، وقد نصت اآلية على وجود هذه العداوة بينهم

م فـرق وجماعـات، بأن الكفار وإن كانوا ملة واحدة؛ إال أنه :ـ ونوقش االستدالل والعداوة بينهم دينية ال شخصية، وهذا ال يمنع قبول شهادة بعضهم علـى بعـض؛ فهـي كالعداوة بين فرق األمة اإلسالمية، وال أحد يمنع قبول شهادة رجال فرقة على فرقـة، أو

.رجال حزب على حزب آخر

عليه أن يكذب علـى إن الكفار كذبوا على اهللا تعالى، وإن من يكذب على اهللا تعالى أهون .5 .خلقه، ولو كانوا من نفس الملة والقرابة

بأن أهل البدع في هذه األمة كذبوا على اهللا تعالى ورسوله؛ كـالخوارج : ـ ونوقش .وهم من أصدق الناس لهجة، وكذلك القدرية والمعتزلة، ويظنون أنهم صالحون

من أهل الكرامة؛ ألن رذيلـة إن قبول شهادة الكافر فيها إكرام له، ورفع لقدره، وهم ليسوا .6نما المشركون نجس{ : الكفر تمنع ذلك، ويكفينا قوله تعالى يها الذين آمنوا إ .) 76 ( }يا أ

بأن رذيلة الكفر ال تمنع قبول قولهم علـى بعـضهم، واليـتهم علـى : ـ ونوقش م، وال رفعـا لمنـزلتهم، بعضهم، وال عرافة بعضهم على بعض، وذلك ليس فيه تكريم له

وإنما هو لدفع شر بعضهم عن بعض، إيصال أهل الحقوق منهم إلى حقوقهم بقـول مـن .يرضونه من أهل ملتهم

ـ: وقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بعدة أدلة على النحو التالي

أمنه{ : قال تعالى .1 ليكومن أهل الكتاب من إن ت ه إ دؤطار ي ن .) 77 ( } بق

14من اآلية: ة المائد)73( العداوة: الغمر )74( .رواه أبو داوود، وابن ماجه، وأحمد )75(

28من اآلية: التوبة)76(

- 42 -

أخبرت اآلية الكريمة عن أمانة بعض أهل الكتاب، فلو اؤتمن على : ـ وجه الداللة قنطار ثم سئله ألداه كامال غير منقوص، وال شك أن يكون مثل هذا أمينا على أهل ملتـه

.وقرابته، بل أمانته عليهم أشد وآكد

ضوالذين ك{ : قال تعالى .2 عب اءلي أو مضهعوا ب78 ( } فر (.

أثبتت اآلية الكريمة للكفار الوالية على بعضهم البعض، ومعلوم أن : ـ وجه الداللة ؛ فإن كان ألحـدهم أن ابنتـه، أو الوالية أعلى رتبة من الشهادة، وأن الشهادة فرع الوالية

.ىأخته، ويتولى نفقة ولده، فألن تقبل شهادته فيهم أول

ائتوني بـأعلم : فقال ،جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا ( :عن جابر بن عبد الله قال .3 ن منكمليجا ،روريص نيباب ها ، فأتومهاة : فنشدرن في التـوذيه ران أمف تجدـ ؟ كي :ا قال

،نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجمـا ـ ، ذهب سلطاننا فكرهنا القتل: قالا ؟ فما يمنعكما أن ترجموهما:قال ـ ه فدعا رسول الل

لمسه وليع لى اللهةـ صعبوا بأراءود فجا مثل ،بالشهجهفي فر ها ذكرأور موا أنهفشهد ). برجمهما ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمر رسول الله،الميل في المكحلة

نص الحديث صراحة على قبول شهادة أهل الكتاب على بعـضهم : لـة ـ وجه الدال .في الزنا، وإثبات العقوبة بها

وقد أجاز اهللا تعالى شهادة الكفار على المسلمين عند الحاجة إليها كما مر معنا في المـسألة .4السابقة، ومعلوم أن حاجة الكفار إلى قبول شهادتهم علـى بعـضهم أكبـر مـن حاجتنـا

ذلك أن الكفار يتعاملون فيما بينهم بأنواع من المعـامالت تعـامال يزيـد عـن لشهادتهم؛ تعاملهم مع المسلمين، فيقع بينهم من التظالم والجنايات واالعتداءات ما ال يحضره إال مـن

.هم مثلهم، فلو لم نقبل شهادتهم لضاعت حقوقهم، وفسدت أحوالهم

، صادق في اللهجة عندهم ،عدال في دينه بين قومه والكافر قد يكون : "يقول ابن القيم

وقد رأينا كثيرا من الكفار يـصدق فـي .ارتضوه إذا ،فال يمنعه كفره من قبول شهادته عليهم وبـين المـسلمين بحيـث ، ويشتهر بين قومه ، بحيث يشار إليه في ذلك ، ويؤدي أمانته ،حديثه

وشهادته ما ال يسكن إلى كثيـر مـن المنتـسبين إلـى ، وقبول خبره ،يسكن القلب إلى صدقه

75من اآلية: آل عمران)77( 73من اآلية: ألنفالا )78(

- 43 -

وذلك يـستلزم الرجـوع ، وحل نسائهم، وأكل طعامهم ،وقد أباح اهللا سبحانه معاملتهم ، اإلسالمفيما يتعلق بنا من األعيان التـي تحـل فإذا جاز لنا االعتماد على خبرهم ،إلى أخبارهم قطعا

. )79( " يتعلق بهم من ذلك أولى وأحرى فألن نرجع إلى أخبارهم بالنسبة لما؛وتحرم

وعليه فيكمن ترجيح مذهب الحنفية وابن تيمية وابن القيم القائلين بقبول شهادة الكـافر على مثله في األقضية واألحكام؛ ألنه أقوى دليال، وأقرب إلى الواقع، وأدرأ للمفسدة بين أهـل

.الذمة في المجتمع المسلم

:لكافر على عقد زواج املسلمشهادة ا: املسألة السادسة

اتفق العلماء على عدم جواز شهادة الكافر على عقد زواج مسلم من مسلمة، ثم اختلفوا

.في جواز شهادة الكافر على عقد زواج المسلم من كتابية على مذهبين

لى عقد زواج المسلم من كتابية، ويصح العقد تجوز شهادة الكافر ع : ـ المذهب األول

.بهذه الشهادة، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف

ال تجوز شهادة الكافر على عقد زواج المسلم من كتابية، وال يصح : ـ المذهب الثاني العقد بهذه الشهادة، وهو محمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل من تالميذ أبي حنيفة، وبـه قـال

.عي وأحمد بن حنبلمالك والشاف

ـ: واستدلوا بما يلي

إن الكافر يصح أن يكون وليا للكافر في عقد النكاح، كما يصلح أن يكون قابال لهذا العقـد .1 .مبنفسه؛ فإذا صحت واليته صح أن يكون شاهدا في هذا العقد كالمسل

د جاز للكافر أن يكون موجبا أن اإليجاب والقبول ركن في العقد، وق :ـ وبيان ذلك أو قابال، والشهادة شرط من شروط صحة العقد، فإذا جاز للكافر أن يقـوم بـركن العقـد

.بنفسه؛ فألن يقوم بشرطه أولى، فتجوز شهادته حيث جازت واليته

).264، 263ص ( الطرق الحكمية، البن القيم )79(

- 44 -

إن الكافر حين يكون وليا في العقد فإنه يكـون وليـا :ـ ويمكن أن يناقش بما يلي أما في الشهادة فإنه حينها يكون شاهدا على طرفي العقد، فيـشهد علـى على كافرة مثله،

.الكافر والمسلم، ومعلوم أن شهادة الكافر على المسلم ال تصح

إن هذا الدليل العقلي مخالف لصريح النص عن الرسول صلى اهللا :كما يمكن القول .ر ليس عدال، ومعلوم أن الكاف)ال نكاح إال بولي وشاهدي عدل ( عليه وسلم

، وعليه فالمخاطـب )المهر ( في عقد النكاح يتملك الرجل البضع، أما المرأة فتتملك المال .2باإلشهاد هو الرجل؛ ألنه ال يتملك البضع إال باإلشهاد، أما المرأة فتتملك المال، والـشهود

.ليسوا شرطا في تملك المال

هد كافران على عقد نكاح المسلم وبما أن البضع تابع للمرأة، وهو جزء منها، فإذا ش من كتابية، فإنما يكونان قد شهدا على المرأة، وشهادة الكافر على مثلـه جـائزة، فيـصح

.العقد، بخالف ما إذا كانت الزوجة مسلمة، إذ ال شهادة لهما عليها

الشهادة في عقد النكاح هي شهادة على المرأة ال علـى الرجـل؛ : وبعبارة أخرى ـ ابت له بمقتضى العقد ـ وهو حل االستمتاع بالمرأة ـ أقوى أثرا من الحـق ألن الحق الث

الثابت للمرأة ـ وهو المهر ـ، وقد اجمع العلماء على أن تملك المـال ال يـشترط فيـه ).حل االستمتاع ( الشهادة، بخالف تملك البضع

على عقـد، لو نظرنا إلى الشهادة في النكاح فإننا نجدها شهادة : ـ ويناقش بما يلي والعقد أحد طرفيه مسلم ـ وهو الزوج ـ فلو جازت شهادة الكتابيين على العقد لكان فيها

.شهادة كافر على مسلم، وهذا ممتنع شرعا

ـ: وقد استدلوا على ما ذهبوا غليه بما يلي

أ { : قال اهللا سبحانه وتعالى .1 غن أجلهن ف ل فإذا ب يوا ذوـهدأشوف وـرعبم نفارقوه وف أورعبم نسكوه مكمل مند{ : ، وقال أيضا) 80 ( } عكمل مندا عبه ذو كمح81 ( }ي (.

أمرت اآليتان بإشهاد المسلم العدل، والخطاب للمـؤمنين، والكـافر : ـ وجه الداللة . فال يجوز إشهاده على المسلم ال في زاج وال طالق وال غيرهليس مسلما وال عدال،

2من اآلية: الطالق)80( 95من اآلية: المائدة)81(

- 45 -

عن عمران بن حصين ـ رضي اهللا عنه ـ أن رسول اهللا ـ صلى اهللا عليـه وسـلم ـ .2 .ومعلوم أن الكافر ليس عدال. )82( ) ال نكاح إال بولي وشاهدي عدل: ( قال

.ت حقا فال تجوزعقد النكاح تترب عليه حقوق وواجبات، وشهادة الكافر ال تثب .3

واهللا تعالى أعلمهو مذهب المانعين لسالمة أدلتهم وقوة استداللهم ،.

. شهادة احملدود إذا تاب: املسألة السابعة

على أن من أصاب حدا غير القذف؛ كالزنا لغيـر المحـصن، وشـرب اتفق الفقهاء . سواء حد أم الالخمر، والسرقة، ثم تاب منه، وظهرت توبته؛ قبلت شهادته،

هل تقبل شهادته أم ال ؟ علـى : ولكنهم اختلفوا في المحدود في جريمة القذف إذا تاب ـ: ثالثة مذاهب بين الفقهاء

ذهبوا إلى أن المحدود في القذف ال تقبل شهادته أبـدا، ولـو تـاب : ـ المذهب األول سعيد بن جبيـر، وأصبح من أصلح الصالحين، وهو مروي عن الحسن البصري، والنخعي، و

.وهو مذهب أبي حنيفة النعمان

ذهبوا إلى أن القاذف المحدود إذا تاب، وعلمت توبته قبلت شهادته، : ـ المذهب الثاني ورفع عنه وصف الفسق، وهو مروي عن عطاء، وطاووس، ومجاهد، وهو مذهب المالكيـة،

.والشافعية، والحنابلة وغيرهم

ف المحدود بشرط التوبة، وأن يعترف على نفـسه تقبل شهادة القاذ : ـ المذهب الثالث . أنه قال البهتان فيما قذف، وهو مذهب الشعبي، والضحاك، ورجحه شهيد اإلسالم سيد قطب

§ وسبب الخالف هل يعود االستثناء : " يقول ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد

لـك وال{ : تعالىسبحانه و في قوله ـابوا مـن بعـد ذ لـا الـذين ت ـم الفاسـقون إ ه أولئـكـدا وب ة أ ادهش ملوا لهتقب حـيمر غفور الله وا فإنلحأصأو على الجملـة إال مـا ، بعد ذلك إلى أقرب مذكور إليه، ) 83 ( } و

.الحدخصصه اإلجماع وهو أن التوبة ال تسقط عنه

.وإسناده حسنأخرجه الدارقطنى، )82( 5، 4 : النورسورة) 83(

- 46 -

§

ـ: استدل الحنفية على عدم قبوا شهادة المحدود في القذف ولو تاب باألدلة التالية

ة {: قال اهللا تعالى .1 لدج اننيثم موهلدفاج اءدهة شعب أر أتوا ب ي لم ات ثمنصحالم ونمري الذينولوا لهال تقبو محيمر غفور الله وا فإنلحأصو لك لا الذين تابوا من بعد ذ ة أبدا وأولئك هم الفاسقون إ اده84 ( } ش (.

إ {: أن االستثناء في قوله تعالى : ـ وجه الداللة لك وأصلحوا ف لا الذين تابوا من بعد ذ ن الله إ حيمر {: عائد إلى أقرب مذكور، وهو قوله تعالى } غفورالفاسقون مه أولئكوأن االستثناء ، } و

، فتعين أن يعود عقدمة لوجب أن يسقط الحد، وهذا باطل باإلجما لو عائدا إلى جميع الجمل المت .االستثناء على أقرب مذكور، وهو وصف الفسق فقط

بأن األصل في لغة العرب أن يعود االستثناء بعد الجمل المتعاطفـة إلـى : ـ ونوقش جميع الجمل المتعاطفة، وعليه فهو يشمل الجلد أيضا، ولكنه مخصص منها باإلجماع، ومعلوم

.أن االستثناء من النفي إثبات، فيكون المعنى إال من تاب فاقبلوا شهادته، وهو ليس فاسقا

قال رسول اهللا صـلى :عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال روى ابن ماجه بإسناده .2 .وهو نص في المسألة ). ال تجوز شهادة خائن وال محدود في اإلسالم: ( اهللا عليه وسلم

أن فيه حجاج بن أرطأة وهو كثير الخطأ والتدليس، ولم يصرح بالسماع، : ـ ونوقش لم يتب، بدليل إجمـاعهم أن مـن فال تقبل روايته، وعلى فرض صحته، فإنه محمول على من

.تاب من أي جريمة غير القذف قبلت توبته

§ ـ: واستدلوا بما يلي

ة {: قال اهللا تعالى .1 لدج اننيثم موهلدفاج اءدهة شعب أر أتوا ب ي لم ات ثمنصحالم ونمري الذينلوا لوال تقبو مهحيمر غفور الله وا فإنلحأصو لك لا الذين تابوا من بعد ذ ة أبدا وأولئك هم الفاسقون إ اده85 ( } ش (.

األصل في لغة العرب أن يعود االستثناء بعد الجمل المتعاطفـة إلـى : ـ وجه الداللة فهو يشمل الجلد أيضا، ولكنه مخصص منها باإلجماع، ومعلوم جميع الجمل المتعاطفة، وعليه

.أن االستثناء من النفي إثبات، فيكون المعنى إال من تاب فاقبلوا شهادته، وهو ليس فاسقا

5، 4 : النورسورة) 84( 5، 4 : النورسورة) 85(

- 47 -

ـ عنهمتعالى رضي اهللا ـ إجماع الصحابة .2 رضـي بن الخطاب ـ فإنه يروى عن عمر ـ اهللا عنه ، تب أقبل شـهادتك :لى المغيرة بن شعبة ألبي بكرة حين شهد ع: أنه كان يقول

: شهد على المغيرة ثالثة رجـال : قال سعيد بن المسيب ،ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعا : وقـال لهـم ، فجلد عمر الثالثة ، ونكل زياد ، وشبل بن معيد ، ونافع بن الحارث ،أبو بكرة

،رة فلم يقبل شـهادته وأبى أبو بك ، وقبل عمر شهادتهما ،توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجالن .وكان قد عاد مثل النصل في العبادة

وألنه تائب من ذنبه فقبلت شهادته كالتائب من الزنا يحققه أن الزنا أعظم من القـذف بـه .3 .وكذلك قتل النفس التي حرم اهللا وسائر الذنوب إذا تاب فاعلها قبلت شهادته فهذا أولى

.أدلتهم، وسالمتها من الطعون، واهللا أعلمهو مذهب الجمهور لقوة : الراجح في المسألة

. النساء وحدهن شهادة نصاب: ثامنةاملسألة ال

اتفق الفقهاء على قبول شهادة النساء وحدهن في ما ال يطلع عليها الرجال عـادة مـن شؤون النساء، كالحيض والحمل، والوالدة، واالستهالل، والبكارة، والثيبوبة، وعيوب ما تحـت

86( تق الثياب؛ كالر( نوالقر ، )وغيرها )87 ،.

ال يجـوز قبـول شـهادة : " ولم يخالف في ذلك إال زفر في قول شاذ عنه، حيث قال . )88( ... " النساء منفردات في شيء أصال، ال في والدة، وال في رضاع، وال عيوب النساء

§ شـهادة : ( قـال الـسالم الصالة و عليه عن رسول اهللا د الرزاق في مصنفه روى عب .1

). إليهالنساء جائزة فيما ال يستطيع الرجال النظر

مضت السنة أن تجـوز شـهادة : (روى عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال .2 ).النساء فيما ال يطلع عليه غيرهن من والدات النساء وعيوبهن

على ماال إالال تجوز شهادة النساء وحدهن : ( بن عمر قال ا وروى عبد الرزاق عن .3 ).ن من عوارت النساء وما يشبه ذلك من حملهن وحيضهنهالإيطلع عليه

. عند المرأة) الفرج ( انسداد العضو التناسلي : الرتق) 86( . غدة في فرج المرأة تمنع من الجماع: القرن) 87( .484أصول المحاكمات الشرعية، أحمد داوود، ص ) 88(

- 48 -

،في هـذا الموضـع إن الضرورة تتحقق " : وفيه يقول اإلمام السرخسي :المعقولمن .4إثباتـه بـشهادة ويتعـذر ،فإنه يتعلق به أحكام يحتاج إلى بيانه في مجلس القاضـي

ألن الحجة إلثبـات ؛ فال بد من قبول شهادة النساء فيه، ألنهم ال يطلعون عليه ؛الرجال . )89( " الحقوق مشروعة بحسب اإلمكان

§ ـ: اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى أربعة مذاهب

هادتهن العدد، فيكون نصاب الشهادة فيـه امـرأة ل ش وال يشترط لقب : ـ المذهب األول ثبـت ذلـك ي : " ، لكن االثنتين أحوط، جاء في المبـسوط هو مذهب الحنفية والحنابلةواحدة،

ـ: ودليلهم، " والثالث أحوط، والمثنى،بشهادة امرأة واحدة إذا كانت حرة مسلمة عدال عندنا

: قال ،ى بنت أبي إهاب ج أم يحي تزوعقبة بن الحارث أنه أخرج البخاري عن .1 صـلى اهللا ـ فذكرت ذلك للنبي ، قد أرضعتكما : فقالت ،فجاءت أمة سوداء (

ـ عليه وسلم قـال صـلى إنها كاذبة، ف: ثم أتيته فقلت: قال، فأعرض عني ). فنهاه عنها ؟ كيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما:اهللا عليه وسلم

ة المرأة الواحدة فـي دل الحديث صراحة على قبول شهاد : ـ وجه الداللة ـ عقبـة بـن الحـارث صلى اهللا عليه وسلمالرضاع حيث أمر الرسول ـ

بفراق زوجه بناء على شهادة األمة، ويقاس عليه غيره مما يشترك معه فـي .المعنى، وهو كل ما ال يطلع عليه إال النساء

محمد بن عبد الملك الواسطي عن األعمش عـن أبـي أخرج الدارقطني عن .2صلى اهللا ـ أن النبي( بن اليمان ـ رضي اهللا تعالى عنه ـ ن حذيفةوائل ع

. )90( ) أجاز شهادة القابلة ـعليه وسلم

شهادة النـساء جـائزة فيمـا ال : ( قال السالم الصالة و عليهعن رسول اهللا .3 . )91( ) إليهيستطيع الرجال النظر

.142، ص 16المبسوط، السرخسي، ج )89(بينهما رجل مجهول وهو أبو عبد الرحمن ، و محمد بن عبد الملك لم يسمع من األعمش:قال الدارقطني) 90(

هو : قال في التنقيح، ثم أخرجه عن محمد بن عبد الملك عن أبي عبد الرحمن المدائني عن األعمش،المدائني .4/165نصب الراية، الزيلعي، ج . حديث باطل ال أصل له

زيادة فيه ةواحد بروايته أو براويراو ما انفرد هو : والحديث الغريبحديث غريب، : ال الزيلعي عنهق) 91( .، وعليه فالغريب ما تفرد به راو واحد، وقد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفا، ولكل حكمهفي المتن أو السند

- 49 -

ه أدنـى مـا النساء اسم جنس، فيدخل في : قال السرخسي : ـ وجه الداللة .يتناوله االسم، فيصدق على المرأة الواحدة

لقد سقطت الذكورة في الشهادة في المواضع التي ال يطلـع عليهـا الرجـال؛ .4 .ليخف النظر، ألن نظر الجنس إلى الجنس أخف، فكذا يسقط اعتبار العدد

ما ال يطلع عليه الرجال هـو امرأتـان، وهـذا نصاب الشهادة في : ـ المذهب الثاني ـ: ودليلهمذهب المالكية، ورواية عن أحمد بن حنبل، م

.قياسا على شهادة الرجال في سائر الحقوق .1

إن شهادة الرجال أقوى من شهادة النساء، ومع ذلك لم يكف الواحـد، النـساء .2 .أولى بالعدد في ذلك

نصاب الشهادة فيما ال يطلع عليه الرجال هو أربع نـساء، وهـو : ـ المذهب الثالث شافعية، والظاهرة، وقد استثنى الظاهرية الرضاع فقط، فأجازوا فيـه شـهادة امـرأة مذهب ال

ـ: ودليلهم. واحدة، بشرط أن تكون عدال

ين مـن { : أقل الشهادة رجالن، أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى .1 ـهيد وا شهدتـشاسورامل وجن فرليجكونا ري لم فإن الكماءرجدهالش من نضو تر نتان مم فقد أقامت . ) 92 ( }أ

.اآلية المرأتين مقام الرجل الواحد ، فوجب أن يكن أربعا

نصاب الشهادة فيما ال يطلع عليه الرجال هو ثـالث نـسوة علـى : ـ المذهب الرابع نساء كان العدد فيـه األقل، وهو مذهب عثمان البتي، وحجته أن كل موضع قبلت فيه شهادة ال

.ثالثة، كما لو كان معهن رجل

§ بعد العرض السابق يظهر لنا رجحان مذهب الحنفية، وذلك ألن دليلهم األول من السنة

.صحيح في ثبوته، صريح في داللته على قبول شهادة المرأة الواحدة

شرط فيمـا يطلـع عليـه وألن ما ال يضم له قول الرجل ال يشترط فيه العدد، فالعدد الرجال بالنص عليه، وال نص هنا، وكما صحت شهادة الرجل منفردا ضرورة ليخف النظـر؛

282من اآلية: البقرة)92(

- 50 -

تصح شهادة المرأة منفردة للضرورة أيضا بشرط أن تكون مسلمة، عدلة، عارفـة بالطـب إذا . كانت الشهادة على عيوب ما تحت الثياب

نهن من جراحشهادة النساء فيما يقع بي: املسألة التاسعة

اتفق العلماء على عدم قبول شهادة النساء في الحدود ابتـداء، وذلـك ألن النـساء ال يحضرن أماكن الجرائم غالبا، وألجل صون عفتهن وكرامتهن من االبتذال، وألن الشاهد فـي

.هذه المواطن يحتاج إلى رباطة جأش وقوة احتمال، وهو ما تقدر عليه غالب النساء

اجر النساء وتتعارك في أماكن تواجدهن وحـدهن، كمـا فـي صـاالت ولكن قد تتش األفراح، أو مساكن الطالبات، أو مدارس البنات، أو الحمامات العامة الخاصة بالنـساء، ممـا يؤدي إلى جرح بعضهن، أو حدوث قتل بينهن؛ فهل تقبل شهادتهن على بعـضهن فـي هـذه

الحالة أم ال تقبل ؟

ـ: مسألة إلى مذهبيناختلف العلماء في هذه ال

تقبل شهادتهن للحاجة إليها وحتى ال تضيع الحقوق، وهـو مـذهب : ـ المذهب األول إال أن المالكيـة . الحنفية في المعتمد، والمالكية في قول، والحنابلة في الصحيح من المـذهب

ـ ذه اشترطوا أن يكون التجمع مباحا، أما لو كان حراما فال تقبل شهادتهن؛ ألنهن بحـضور هضون من الشهداء{ : المواطن تسقط عدالتهن، واهللا تعالى يقول تر ن93 ( } مم (.

ال تقبل شهادتهن على بعضهن في هذه الحـاالت، وهـو مـذهب :ـ المذهب الثاني الحنفية والمالكية في قول آخر لهما، ومذهب الشافعية، ألن الغالـب عـدم ضـرورتهن إلـى

.ماكن، فإذا اجتمعن وتقاتلن كان التقصير منهن وليس مضافا للشرعاالجتماع في هذه األ

والراجح هو المذهب األول وذلك حتى ال تضيع الحقوق، وال تتعطل األحكام، والداعي لذلك الحاجة كما في شهادة الصبيان، وصاحب الحرفة الفاسق إذا لم يوجد غيـرهن والكـافر

.ى شؤون النساء، وعيوبهنعلى وصية المسلم حال السفر، وشهادتهن عل

282من اآلية: البقرة)93(

- 51 -

:تعريف الكتابة § :)94( على عدة معان منهااللغةتطلق الكتابة في : ـ الكتابة لغة

ب عليكم الصيام{ : ومنه قوله تعالى: الفرض والواجب .1 . أي فرضه وأوجبه)95( }…كت . حكم بها وقضى بها لطالبهاومنه كتب القاضي بالنفقة أي: الحكم والقضاء .2إن هذا أمر كتبه الله على بنـات آدم فاقـضي مـا : ( جاء في الحديث :القضاء والقدر .3

.)96( ) يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيتخص ويرسله، تصوير اللفظ بحروف هجائية، فالكتابة تطلق على ما يكتبه الش هو و :الخط .4

هو المراد هنا؛ من و .ولهذا تقول كاتبني فالن؛ أي أرسل لك ما كتبه وخطه في الصحيفة .حيث كون الكتابة تصوير للفظ بحروف هجائية

اعتبارها دليال مـن أدلـة بلفقهاء القدامى الكتابة لم يفرد ا :تعريف الكتابة اصطالحا ـ التي يعرفون بعض المصطلحات وا كان مانوإ، بتعريف اصطالحي خاص بها اإلثبات الشرعية

، والمحضر، والسجل، والحجة كالصك، :بمجموعها تمثل أنواع الكتابة التي عرفت في زمانهم الخط الذي يعتمد عليه في توثيـق الحقـوق ( : أما المعاصرون فقد عرفوها بأنها ...والوثيقة

الذي يوثق الحقـوق بالطريقـة الخط (:أو هي ، )وما يتعلق بها؛ للرجوع إليه عند اإلثبات . )97( ) المعتادة ليرجع إليها عند الحاجة

يظهر من التعريف أن الهدف من الكتابة هو توثيق الحقوق، والتوثيـق كمـا يكـون وبالكتابة يكون بغيرها من وسائل اإلثبات األخرى؛ كالشهادة والرهن وغير ذلك، إال أنه يشترط

وسائل اإلثبات أن تكون وفق الطريقة المعتادة واألسلوب في الكتابة لتكون وسيلة صحيحة من .المتعارف عليه والمعترف به في كل زمان ومكان

كما يشمل التعريف أنواع الكتابة التي عرفها الفقهاء قديما، والتـي منهـا الـصكوك التوثيـق مـن أجـل : وهو ،والحجج والمحاضر والسجالت والوثائق؛ ألن الهدف منها واحد

مادة 1/444الزبيدي، تاج العروس شرح القاموس . )كتب( مادة 266 ص الصحاح الرازي، مختار)94()( مادة 312 صالفيومي، المصباح المنير. )كتب( مادة 1/698ابن منظور، لسان العرب . )كتبكتب( . ).183( آية :البقرةسورة ) 95( ).305(ائض المناسك كلها تقضي الح) 7( رواه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب )96( .417ص ) وسائل اإلثبات في الشريعة اإلسالمية( الدكتور محمد الزحيلي في كتابه )97(

- 52 -

اعدة الناس على الحفظ والتـذكر عنـد التنـازع؛ ـوق من الضياع، ومس ـ وحفظ الحق اإلثبات .ومات من بينهمـلقطع النزاعات والخص

:أنواع الكتابة §

:نوع الكتابة من حيث تصويرها، وطريقة عرضها: أوالـ

المستبينة المرسـومة، المـستبينة غيـر : تنقسم من حيث ذلك إلى ثالثة أنواع، وهي ـ: ير المستبينةالمرسومة، غ

هي الظاهرة التي يكون تبينةـفالمسوهي الظاهرة المعنونة، : ومةـالمستبينة المرس .1أي المعنونـة باسـم : ومةـوالمرسلها بقاء بعد الفراغ منها، ويمكن قراءتها وفهمها،

.كاتبها، واسـم المكتوبة إليه

ة ولها بقـاء بعـد وهي الظاهرة غير المعنونة، وهي ظاهر: المستبينة غير المرسومة .2 .الفراغ منها، ويمكن قراءتها وفهمها، ولكنها غير معنونة باسم المرسل والمرسل إليه

منها، كالكتابة على ءوهي غير الظاهرة، وال يبقى لها بقاء بعد االنتها : غير المستبينة .3 .الماء، أو الهواء، وهي ضرب من العبث ال اعتبار له في الفقه اإلسالمي

ـ: تنقسم في العصر الحديث إلى نوعين :من حيث الجهة المصدرة لهاابة لكتـ أنواع ا

وهي ما تعرف بالمستندات الرسمية والتي ينظمها موظفون يختـصون :الكتابة الرسمية .1بتنظيمها كوثيقة الزواج، وشهادة الميالد، والوثائق التي ينظمها كاتب العـدل، وسـندات

.)98( التسجيل، وكل مستند موقع من جهة رسمية

وهي ما تعرف بالمستندات العرفية التي تشتمل على توقيـع مـصدرها :الكتابة العرفية .2وخاتمه أو بصمته وليس لها صفة السند الرسمي، وهي بذلك تفترق عن السند الرسـمي

.)99( المنظم من الموظف المختص بالتوثيق؛ كالقاضي والكاتب

:مقارنة بين نوعي الكتابة السابقينـ

في أن النوع األول وهي الكتابة الرسمية تعتبر بينة قطعية علـى بينهما يتلخص الفرقما نظمت ألجله، ال تقبل الطعن فيها إال بالتزوير، بينما الكتابة العرفية فإنها تعتبر دون الكتابة

.144 ص أبو البصل، شرح أصول المحاكمات الشرعية)98( .145-144 ص أبو البصل، شرح أصول المحاكمات الشرعية)99(

- 53 -

الرسمية في القوة؛ ألنه يجوز الطعن فيها بالتزوير واإلنكار؛ فقد جـاء فـي قـانون أصـول أن إنكار اإلمضاء أو البصمة إنما يتوجه على األوراق غير الرسمية، : "ات الشرعية المحاكم

.)100( " أما ادعاء التزوير فيتوجه على جميع األوراق رسمية كانت أو غير رسمية

؟ هل جيوز االعتماد على الكتابة كدليل يف اإلثبات : األوىلسألةاملئل اإلثبات الشرعية إلى عدة مذاهب يمكـن اختلف الفقهاء في الكتابة كوسيلة من وسا

:اختصارها في مذهبين على النحو التالي

عدم جواز االعتماد على الكتابة، باستثناء بعض الحاالت التي أقروا :المذهب األول ـ وهـو مـذهب مشروعيتها فيها؛ والتي منها كتابة القاضي، ودفتر البياع والصراف والسمسار،

.)101(فية والشافعية والحنابلة في رواية عندهم جمهور الفقهاء من الحن

وهو مذهب المالكيـة والحنابلـة فـي ، جواز االعتماد على الكتابة :الثانيـ المذهب .، وبهذا المذهب تأخذ المحاكم الشرعية اليوم)102( رواية عندهم وبعض المتأخرين

: املذهب األولأدلـة § :تابة باألدلة التالية على عدم جواز االعتماد على الكالجمهور استدل

إن الخطوط يشبه بعضها بعضا، مما يصعب معه التمييز بينها؛ لتشابه الخطوط، ممـا .1يخيل للشخص أن صاحب الخطوط واحد، بل قد يظـن الـشخص أن الخـط خطـه، والحقيقة خالف ذلك، ولما كان الخط يحتمل التزوير والتـصنيع لـم يكـن مـشروعا

ن الدليل إذا تطرق إليه االحتمال سقط بـه االسـتدالل، كوسيلة من وسائل اإلثبات؛ أل ومقتله إال بسبب الخـط؟ فـإنهم صـنعوا مثـل tوهل كانت قصة عثمان بن عفان

خاتمه، وكتبوا مثل كتابته، حتى جرى ما جرى، ولذلك ال يشهد أحد إال علـى شـيء .)103( يذكره؛ ألن من شاء انتقش خاتما، ومن شاء كتب خطا

: بما يليالدليلـ ونوقش هذا

).50(، مادة 10/1/133 مجموعة القوانين الفلسطينية )100(ابن قيم . 1/356ابن فرحون، تبصرة الحكام . 136-135، 45-8/44 ابن عابدين، حاشية ابن عابدين )101(

.269- 260ص الجوزية، الطرق الحكمية .269-260 ص ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية. 1/303 ابن فرحون تبصرة الحكام )102(الشيرازي، المهذب . 6/298غني المحتاج الشربيني، م. 8/135 ابن عابدين، حاشية ابن عابدين )103( .266 ص ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية. 2/136الغزالي، الوجيز . 2/306

- 54 -

إن التشابه بين الخطوط نادر؛ فال ينبني عليه الحكم، كما أن تـشابه الخطـوط . أ .كتشابه األصوات والخطوط، وكشف ذلك ممكن ألهل االختصاص

الشهادة تحتمل التزوير، وشهادة الزور واقعة، وكذلك اليمين تحتمل الكـذب، . ب لم يقل احد بعدم حجية وقد وردت اليمين الغموس في السنة النبوية، ومع ذلك

إذا توفرت شروط القبول في الكتابة وجب الحاكم : الشهادة واليمين، لكننا نقول . أن يأخذ بها، ويحكم بمقتضاها

الكتابة قد تكون للتجربة واللعب والتسلية فال تعتبر حجة ودليال آلخر؛ لعـدم القـصد .2 .)105(لمعاني ال باأللفاظ والمبانيالعبرة با: ، والقاعدة تقول)104(وتوجيه اإلرادة نحوها

بأنه من المستبعد أن ألن يجرب اإلنـسان خطـه، أو يلهـو :ـ ونوقش هذا الدليل .بكتابة الحقوق لآلخرين عليه، وال اعتبار للقليل النادر

إن أدلة اإلثبات منحصرة في اإلقرار والشهادة والنكول؛ لورود الـنص بـذلك، أمـا .3 والزيادة على النص تقتضي نسخه، وال نسخ هنا فتـرد الكتابة فهي زيادة على النص،

.، والزيادة حدث وبدعة ليست من الدين)106( لعدم ثبوتها

بأن النص قد ورد في ذلك من القرآن والسنة، وهو ما سيمر :ـ ونوقش هذا الدليل .بنا عند عرض مذهب المالكية ومن وافقهم

ـ: املذهب الثاينأدلة §

في قولهم بجواز االعتماد على الكتابة كوسيلة من وسـائل م المالكية ومن وافقه استدل ـ:المعقول، أذكرها على النحو التالياإلجماع واإلثبات، بأدلة من الكتاب والسنة و

ب بي{ :تعالىقال .1 ى فاكتبوه وليكت مس ل من إلى أجي بد تمنايوا إذا تدنآم ا الذينهي ب بالعدل يا أ نكم كات هبر تق اللهليو قه الحليلل الذي عمليو ب ب كما علمه الله فليكت ب أن يكت أب كات ال ي؛ فاهللا )107( }..و

أمر بكتابة الدين، سواء كان األمر لالسـتحباب أم للوجـوب علـى اخـتالف بـين

.424 ص الزحيلي، وسائل اإلثبات)104( . 14زيدان، الوجيز في شرح القواعد الفقهية في الشريعة اإلسالمية ص ) 105( .1/339ر الحموي، غمز عيون البصائر شرح األشباه والنظائ)106( .)282(آية : البقرةسورة )107(

- 55 -

، فاآلية تقرر الكتابة كوسيلة من وسائل التوثيق، ومـا التوثيـق إال ألجـل )108(الفقهاء .اإلثبات، وإال لما كان هناك معنى ألمره سبحانه إن لم يكن هذا المراد منه

في استخدامه الكتابة فـي جميـع منـاحي e قد ثبتت األحاديث الصحيحة عن النبي .2دات بينه وبين الكفـار، كمـا كتـب الحياة، فقد كتب للملوك والرؤساء، وكتب المعاه

؛ ألن كتابته )109(لبعض الصحابة، وفي القضاء، وغير ذلك مما يدلل على مشروعيتها eما كانت إال للحفظ والضبط لالعتماد عليها عند الحاجة إليها .

رئ مـسلم قال ما حق امeأن رسول الله (: عن عبد اهللا بن عمر رضي الله عنهما .3هة عندكتوبم تهصيون إال ولتيبيت ليوصي فيه يي ءشي 110( )له( .

بكتابـة الوصـية e أنه لو لم يجز االعتماد على الخط لما كان ألمـره :وجه الداللة . فائدة، فدل هذا على حجية الخط والكتابة كدليل من أدلة اإلثبات

إن الكتاب كالخطاب والخط كاللفظ في التعبير عن اإلرادة وإظهـار النيـة، :المعقول .4وإبراز العزيمة، إضافة إلى تمييز الكتابة عن اللفظ بالثبات والـضبط، ولـذلك قالـت

الخط أحد اللسانين، وحسنه إحدى الناصحين، ولذلك فـإن الكتابـة الظـاهرة : العرب .)111(ما ثبت فيهاالمعنونة تكون حجة على صاحبها ب

اوي على الخط المحفـوظ عنـده وجـواز إجماع أهـل الحـديث على اعتـماد الر .5 .التحديث به، ولم يخالف في ذلك إال بعـض الشذوذ

.اعتـماد فقهاء هذه األمة وأئمتهـا على الكتابة في حفظ السنة والفقه .6

:الراجح § :ة أمور منهاالراجح ما ذهب إليه الفريق القائل بمشروعية الكتابة؛ لعد

.صحة وقوة أدلتهم وإمكانية الرد على أدلة الفريق اآلخر .1

وحديثه، ولـضاعت كتـب eلوال حجة الخط لضاع اإلسالم، ولضاعت سنة الرسول .2 .الفقه، التي لم تثبت إال بالخط والكتابة

.3/116 الطبري، تفسير الطبري )108( .. وما بعدها261 ص ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية) 109( ).2738( برقم 2/841الوصايا، ) 1( رواه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب )110( .263 ص الطرق الحكميةابن قيم الجوزية، . 8/137 ابن عابدين، حاشية ابن عابدين )111(

- 56 -

:تعريف اليمني §

ـ: تطلق اليمين في اللغة على عدة معان: ـ اليمين لغة

ـاليمني { : ومنه قول اهللا تعالى : القوة .1 ـه ب ـذنا منأخ أي بـالقوة والقـدرة، وقـال ،) 112 ( }ل .إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين: الشاعر

وهي عكس الشمال، وسميت بذلك ألن اليد اليمين أقوى من الـشمال عـادة، :اليد اليمين .2 .) 113 ( }وما تلك بيمينك يا موسى{ : تعالىوألنها أشد في البطش، ومنه قوله

وسمي الحلف يمينا ألن العرب كانوا إذا اقسموا وضع كل منهم يده في يد :الحلف والقسم .3صاحبه، أو ضرب يمينه بيمين صاحبه، أو الن اليمين فيها تقويـة لـصاحبها، وتـرجيح

.لجانبه على خصمه

وكانوا يبسطون أيمـانهم لف يمين باسم يمين اليد، قيل للح : " جاء في لسان العرب : إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا، ولذلك قال عمر ألبـي بكـر، رضـي اهللا عنهمـا

. )114( " ابسط يدك أبايعك

: يمكن تعريف اليمين باعتبارها وسيلة من وسائل اإلثبات بأنها : ـ اليمين اصطالحا )حق أو نفيه باستشهاد اهللا تعالى أمام القاضيتأكيد ثبوت ال(

:شرح التعريف §

أي تقوية وترجيح جانب الصدق على الكذب؛ ذلك أنه جعـل اهللا تعـالى :)تأكيد ( ـ رقيبا وشهيدا على صدقه، وهو جنس في التعريف يشمل كل تأكيد سواء كان باليمين أو غيرها

.كالشهادة واإلقرار وغيرها

قيد خرج به التأكيد على فعل أمر أو تركه في المـستقبل، :)نفيه ثبوت حق أو ( ـ فهي اليمين العامة، ولها أحكام أخرى، سواء كانت من المدعي كما فـي يمـين االسـتظهار،

.واليمين الجالبة، ويمين التهمة، أو لنفي حق كيمين المدعى عليه إذا أنكر

45:الحاقة )112( 17: طـه)113( .463، ص 13ج : لسان العرب )114(

- 57 -

ثباتـه بغيـر اليمـين كالـشهادة خرج به توكيد الحق وإ :)باستشهاد اهللا تعالى ( ـ .والكتابة، والحلف بغير اهللا تعالى فإنه محرم مطلقا

قيد في التعريف يدل على أنه يشترط في اليمـين القـضائية أن :)أمام القاضي ( ـ .تكون أمام القاضي، وبطلبه

:املسألة األوىل هل حيكم بالنكول وحده أم البد من رد اليمني ؟

:النكولتعريف §أصل معنى النكول في اللغة العربية الجـبن، ومهابـة الـشيء، : نكول في اللغة ـ ال

والخوف منه، وسمي النكول في اليمين بذلك؛ ألن المدعى عليه عندما يمتنع عن اليمين فإنـه .يكون خائفا من عاقبة الحلف بها وامتنع عنها

ـ : ويقصد بالنكول : ـ النكول في االصطالح ين بعـد أن رفض المدعى عليه بذل اليم .وجبت في حقه، وأمره القاضي بها

:وهو نوعان: ـ أنواع النكول

كقوله ال أحلف، أو أنا ممتنع عن اليمـين، وفـي هـذه : نكول حقيقي : األول .الحالة يعد المدعى عليه ناكال بمجرد تصريحه بالنكول

بأن يسكت بعد أن تطلب منه اليمين، وشرطه أن يعلـم : نكول حكمي : الثانيال آفة به من طرش ونحوه تمنعه من اليمين، وليس هناك ما يمنعـه مـن اليمـين أنه

. كتهديد ونحوه، وفي هذه الحالة ال يعد ناكال إال بحكم القاضي عليه

هل يحكم عليه بمجرد : فإذا وجهت اليمين إلى المدعى عليه؛ ولكنه نكل عنها ـ: قهاء في ذلك على مذاهبنكوله ؟ أم ال بد من رد اليمين على المدعي ؟ اختلف الف

إذا نكل المدعى عليه عن اليمين فإنه يحكم عليه بمجرد نكوله، وال : ـ المذهب األول .ترد اليمين على المدعي، وهو مذهب الحنفية، وأحمد في رواية، وبعض الزيدية واإلمامية

إذا نكل المدعى عليه عن اليمين ردت على المدعي، فـإن حلـف : ـ المذهب الثاني لمدعي حكم له، وإن لم يحلف ردت الدعوى، وهو مذهب المالكية، والشافعية، ورواية أخـرى ا

- 58 -

يوقد صوبه اإلمام أحمد، وبه قال شريح واألوزاع : عن أحمد بن حنبل، قال عنها أبو الخطاب وابن سيرين، والنخعي، وهو قول جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وابن عمـر،

.سود، وزيد بن ثابتوالمقداد بن األ

ال يقضى بالنكول وال بالرد، ولكن يحبس المدعى عليه حتى يقـر :ـ المذهب الثالث أو يحلف، وهو أحد الوجهين عند أصحاب الشافعي، ورواية ثالثة عن أحمد بن حنبل، وبه قال

".ال أدعه حتى يقر أو يحلف : " ابن أبي ليلى، فإنه قال

: أدلة املذاهب §

: األولـ أدلة المذهب

على الحكم بمجـرد النكـول علـى عنه ومن وافقهماستدل الحنفية، وأحمد في رواية ـ: المدعى عليه بما يلي

ـ أن النبـي ـ رضي اهللا عنهما ـ عن ابن عباسأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما .1لمسه وليع لى اللهـ ص س بدعواهم لـادعى نـاس دمـاء رجـال لو يعطى النا : ( قال

مالهوأمه؛وليى ععدلى المع مينالي لكنو .(

ـ صلى الله عليه وسلمـ أن النبي ـ رضي اهللا عنهما ـ عن ابن عباسوروى البيهقي .2 ).ين على من أنكرالبينة على المدعي واليم: ( قال

إن الرواية األولى قد جعلت اليمين منحصرة في جـنس المنكـرين : ـ وجه الداللة يـشمل ) المدعى عليـه ( التعريف الستغراق الجنس، وعليه فقوله ) ألـ( فقط؛ ذلك أن

.جميع المدعى عليهم، وال تشمل غيرهم؛ ألنهم ليسوا من جنسهم

الحديث قسم األدلة فجعل البينة على المدعي، واليمين علـى في الرواية الثانية ف أما من أنكر، والقسمة تنافي الشركة، فاليمين على المدعى عليه دائما، فلو طلبناها من المدعي

.لكان ذلك مخالفة لنص الحديث الصحيح

بأن الحديث أنما يبين ما يجب على كل من الخـصمين فـي : ـ ونوقش هذا الدليل .، أما إذا امتنع المدعى عليه من أداء اليمين فال داللة في الحديث عليهابتداء الدعوى

كما أن القول بأن اليمين ال تصح إال من المدعى عليه فهو ممنوع؛ فقد تجب اليمين ، وكذا الوديع، دون تقصير منه ككاألمين إذا ادعى التلف، أو الرد، أو الهال : على المدعي

. االستظهار، واليمين الحاسمة والمتممةوالوصي والقيم، ومثل ذلك يمين

- 59 -

روى اإلمام أحمد أن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ باع عبدا له بثمانمائة درهـم .3بالبراءة األصلية، ثم إن صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان بن عفان ـ رضـي

ه وما به من داء، فـأبى احلف باهللا لقد بعت: ( اهللا عنه ـ فقال عثمان بن عفان البن عمر ).عبد اهللا بن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد

فوجد : قال ، ابن عمر باع غالما له بثمانمائة أن : ( بن عبد اهللا عن سالم وفي رواية تحلـف :فقـال ، بعته بالبراءة : فقال ، فسأله عثمان ، فخاصمه إلى عثمان ،به المشتري عيبا

فـرده عثمـان ، وأبى أن يحلف، بعته بالبراءة: فقال ؟هباهللا لقد بعته وما به من عيب تعلم ). درهم فباعه بعد ذلك بألف وخمسمائة،عليه

يدل الحديث على أن عثمان قد وجه اليمين البن عمر ألنه المدعى : ـ وجه الداللة عليه، فامتنع ابن عمر، فحكم عليه برد البيع بمجرد نكوله، وهذا يـدل علـى مـشروعية

.لنكول عن اليمينالقضاء بمجرد ا

بأن هذا األثر قد ورد في موطأ اإلمام مالك وفيه أن عبد اهللا :ـ ونوقش هذا الدليل بن عمر قد امتنع عن اليمين، وارتجع العبد من تلقاء نفسه، وليس بحكم عثمان بن عفـان

أن عبد اهللا بن عمـر بـاع غالمـا لـه : (عن سالم بن عبد اهللا عليه بسبب نكوله، وفيها بالغالم داء لم تـسمه : فقال الذي ابتاعه لعبد اهللا بن عمر ، وباعه بالبراءة ،نمائة درهم بثما وقال عبـد ، باعني عبدا وبه داء لم يسمه : فقال الرجل ، فاختصما إلى عثمان بن عفان ،لي فقضى عثمان بن عفان على عبد اهللا بن عمر أن يحلف له لقـد باعـه ، بعته بالبراءة :اهللا

فباعه عبـد اهللا ، فصح عنده، وارتجع العبد ،داء يعلمه فأبى عبد اهللا أن يحلف العبد وما به ).بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم

وعليه فتتعارض الروايتان، وال مرجح إلحداهما، فيسقط االستدالل بهمـا، كمـا أن هذا األثر هو قول صحابي، وهو مختلف في حجيته، كما ثبت عن العديد مـن الـصحابة

.الف ذلك، وعدم القضاء بمجرد النكولالقول بخ

ما روي عن عبد اهللا بن عمر ـ رضي اهللا عنه ـ أنه قضى بالطالق على الرجل الـذي .4 .، ونكل عن اليمين على عدم إرادة الطالق)حبلك على غاربك : ( قال لزوجته

أن هذا األثر هو قول صحابي، وهو بما نوقش به سابقه من : ـ ويناقش هذا الدليل في حجيته، كما ثبت عن العديد من الصحابة القول بخالف ذلك، وعـدم القـضاء مختلف

بمجرد النكول، وربما أن ما ورد عن الصحابة بالقضاء بالنكول إنما هو في الحاالت التـي

- 60 -

رأوا فيها تعنت المدعى عليه، أو ترجـح لهم كذبه بالقرائن األخرى، أو في الحاالت التي .ى المدعيال يصح فيها رد اليمين عل

فقد ورد عن عمر، وعثمان، وابن عباس، وأبي موسى، وشريح، وغيـرهم مـن : اإلجماع .5الصحابة وكبار التابعين، أنهم كانوا يقضون بالنكول، وقد اشتهر قضاؤهم بين الـصحابة، ولم يعلم لهم مخالف، فكان ذلك إجماعا سكوتيا من الصحابة على ذلك؛ ذلك أن الـصحابة

.ن اهللا تعالى عليهم ـ لم يكونوا يسكتون على خطأ أو باطلالكرام ـ رضوا

أن اإلجماع السكوتي مختلف في حجيته ابتداء، كما قد ثبـت : ـ ونوقش هذا الدليل .عن بعض الصحابة القول بخالف ذلك، وعندئذ فال إجماع

؛ أما داللة المعقول على أن النكول في ذاته موجب للحكم على المـدعى عليـه : ولـالمعق .6فألن نكول المدعى عليه عن اليمين بعد أن وجبت في حقه دليل على صدق المدعي فـي

ـ: دعواه، وكذب المدعى عليه في إنكاره

فألنه لو كان صادقا في إنكـاره :أما من حيث كونه دليال على كذب المدعى عليه - أ .إقامة للواجب، ودفعا للضرر عن نفسه: ألدى اليمين التي طلبت منه

فألن المانع من ظهور الصدق في :ن حيث كونه دليال على صدق المدعي وأما م - بخبره هو إنكار المدعي، وهو منتف مع نكوله؛ إذ لو كان صادقا لحلـف، فيـزول

.هذا المانع، ويقبل قول المدعي

أن نكول المدعى عليه يدل على أنه إما أن يكون مقـرا أو : ويستدل له من المعقول أيضا .7 . ذلك ألقدم على اليمين، وعندها يحكم عليه بمجرد نكولهباذال، ولوال

كما فعل بأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الصادقة : ـ ونوقش هذان الـدليالن عثمان بن عفان ـ رضي اهللا عنه ـ ويحتمل اإلحجام عن اليمين الكاذبة، ويحتمل االشتباه

لكـي نزيـل هـذه : لذلك نحن نقـول في ثبوت المدعى به، أو الشك فيه، فيكون محتمال؛ .االحتماالت نتثبت من المدعي بأن نرد عليه اليمين

إن اليمين حجة في الدفع ال في االستحقاق، فال يجوز لشخص أن يحلف : ويستدل له أيضا .8يمانهم ث{ : يمينا ليستحق بها ماال، قال تعالى أ د الله وهبع ونترشي الذين إن مالق لهال خ أولئك نا قليالم

ليم لهم عذاب أ و يهم زك ال ية وامالقي م وي هملي ظر إ ن ال يو الله مهم ة وال يكل آخر .) 115 () }في ال

77: آل عمران115

- 61 -

قتطع التي ي ثت عن اليمين الكاذبة الغموس دبأن اآلية أنما تح : ـ ويناقش هذا الدليل بها المرء حق أخيه ظلما وعدوانا، وأما إذا كان صادقا فال حرج عليهن وال إثم في يمينه، وهذا الكالم ينطبق على المدعى عليه إذا حلف كاذبا استحق غضب اهللا تعالى، وإن كـان

.صادقا فال حرج عليه في ذلك؛ ألجل حفظ ماله

إن ما رواه البخاري في صـحيحه التي توضح ذلك كثيرة، منها واألحاديث الشريفة ـ ا إلى رسول اللهصومة في بئر فاختصموبين رجل خه الأشعث بن قيس كانت بين صلى

لمسه وليع ول اللهـ اللهسفقال ر:مينهي أو اكإذا : قلت، شاهد الي إنهبلا يلف وحفقـال ،ي من حلف على يمين يستحق بها مالا وهو فيها ( : ـ صلى الله عليه وسلمـ رسول الله

ثم ديق ذلكتص ل اللهفأنز انبه غضليع وهو الله لقي ـذه قرأفاجرـة هالآي } الـذين إنليم لهم عذاب أ ا قليلا إلى ونثم انهممي أ د الله وهبع ونترشي {.

بل وردت أحاديث تدل على مشروعية االستحقاق باليمين منها ما أخرجه البخـاري ومحيصة بن مـسعود ، انطلق عبد الله بن سهل :عن سهل بن أبي حثمة قال في صحيحه

ربد إلى خيين زقا ،بفتفر لحئذ صموي هيو ، ـوهل وـهـن سد الله ببة إلى عصيحفأتى م ومحيـصة ، فانطلق عبد الـرحمن بـن سـهل ،دينة فدفنه ثم قدم الم ،يتشمط في دمه قتيلا ـ صلى الله عليه وسلمـ إلى النبي ،وحويصة ابنا مسعود ـتكلمن يمحالـر دبع بفذه ،

حقون قـاتلكم ـ تحلفون وتست (: فقال ، فتكلما ،تكـ فس ، وهو أحدث القوم ، كبر كبر :فقال كماحبص قالوا ،أو : نر لمو دنشه لملف وف نحكيـس : قال ؟ وبخم ـودهي ـريكمـ فتبين،

. )لنبي صلى الله عليه وسلم من عندهفعقله ا؟ كيف نأخذ أيمان قوم كفار :فقالوا

تحلفـون : (فهذا الحديث يدل صراحة على جـواز االسـتحقاق بـاليمين، لقولـه ، واألصل في المسلم الصالحية والصدق خاصة فيما ال نطلع عليه، لـذلك )حقونـوتست

. أم مدعا عليهنرجح جانب الصدق في الحالف سواء أكان مدعيا

:ـ أدلة المذهب الثاني

ـ: بما يليقاستدل القائلون برد اليمين على المدعي فإن حلف استح

ة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حني الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو { : تعالىقال .1 ادهوا شنآم ا الذينهي يا أان بالله إن آخسم سونهما من بعد الصالة فيق أصابتكم مصيبة الموت تحب أرض ف بتم في ال ضر نتم ران من غيركم إن أ

لو كان ذا قربى وال نكتم شهادة الل نا وتري به ثمال نش تمتب ارآثمني فإن عثر على أنهما استحقا إثما ه إنا إذا لمن ال

- 62 -

يتدا اعما وتهمادهش من قا أحتنادهان بالله لشسم ليان فيق أو آخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم ال نا فالظالمني وا إنا إذا لمنعماسو اتقوا اللهو انهممأي دعب انمأي دتر خافوا أني ا أوههجلى وة عادهأتوا بالش ي نى أنأد ذلك

الفاسقني م دي القوهال ي الله116 ( } و (.

ـ عن ابن عباس في صحيحه اريالبخوقد أخرج .2 خرج رجل ( :قالـ رضي الله عنهما اريتميم الد عم مهني سب اء،مندن بب ديعض ]وكانا كافرين [ وبـأر ميهات الـسفم

لمسا مبه سا بتركته فق ،ليا قدمـب فلمذه ا مـنصخوة مفض ا مناموا جـا ،دملفهفأح ابتعنـاه مـن تمـيم : فقالوا،ثم وجد الجام بمكةـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الله

ديعو، ادلفا لشهائه فحليأو لان منجر ا فقامتهمادشه ق منتنا أح، احبهملص امالج إنو ، ة بينكم إذا حضر أحدكم الموت{ : وفيهم نزلت هذه الآية:قال ادهوا شنآم ا الذينهي . }..يا أ

يمان األولى، وال يحلف إن اآلية نص صريح في رد األيمان بعد األ : ـ وجه الداللة ثانية بعد اليمين إال برد اليمين، وهو تحويل لليمين من موضع رئيت فيه إلى موضع آخـر

.تحول من المدعي إلى المدعى عليه: يخالفه، وكذلك اليمين المردودة

ين مـن { : بأن هذه اآلية منسوخة بقوله تعالى :ـ ونوقش االستدالل ـهيد وا شهدتـشاسوضون من الشهداء ر تر نتان مم أ رامل وجن فرليجكونا ري لم فإن الكمحيث إن شهادة الكافر ) 117 ( }ج ،

. )118( على وصية السلم كانت جائزة في صدر اإلسالم، ثم نسخت بعد أن انتشر الدين

لم تنسخ، وإنمـا خاصـة فـي بما سبق بيانه من أن اآلية الكريمة :ـ ويجاب عليه شهادة الكافر على وصية المسلم حال السفر، أما في مسـألة رد اليمين فتبقى اآلية علـى

.عمومها لتدل على مشروعية تحويل اليمين من طرف إلى آخر

بأن اآلية الكريمة إنما دلت علـى مـشروعية رد اليمـين مـن :ـ ونوقش أيضا .مدعى عليه إلى المدعيالشاهدين إلى الشاهدين، وليس من ال

بأن اآلية الكريمة تدل على مشروعية رد اليمين عامة، وأنها ردت :ـ ويجاب عليه .من المدعى عليهما ـ وهما تميم وعدي ـ إلى أولياء الميت الذين ادعوا سرقة الجام

108، 107، 106: ات اآلي، المائدة)116( 282من اآلية: البقرة)117( .راجع مسألة شهادة الكافر على وصية المسلم في السفر) 118(

- 63 -

أن رسـول اهللا ( أخرج الحاكم والبيهقي والدارقطني عن ابن عمر ـ رضي اهللا عنهما ـ .3 ). اهللا عليه وسلم ـ رد اليمين على صاحب الحق ـ صلى

الحديث صريح الداللة على رد اليمين على المدعي، وأنه ال يحكـم :وجه الداللة ـ .على المدعى عليه بمجرد نكوله

ـ:ـ ونوقش هذا الدليل بما يلي

الحديث ضعيف، وال تقوم به حجة؛ ألنه من رواية إسحاق بن الفـرات، - أ . أبو حاتم، والسليمانيوهو ضعيف، طعن فيه

بأن علماء الحديث قد وثقوا ابن الفرات، منهم ابن : ـ ويرد عليه حجر، وأبو عوانة اإلسفرائيني، وأحمد بن يحيى الـوزير، والـشافعي،

.وابن حبان، وغيرهم من األئمة المحدثين

هذا الحديث من رواية ابن عمرن وقد خالف ابن عمر روايته، ومعلـوم - ب .لم الناس بروايته، فمخالفته لها تضعفها، وقد مر سابقاأن الصحابي أع

ابتداء، كما أن ابـن بأن الرواية مقدمة على الرأي : ـ ويرد عليه عمر لم يخالف روايته، وإنما ارتجع العبد، بـإرادتهن ورفـض حلـف

.اليمين، وعليه فلم يحكم عليه بالنكول

انطلق عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود : الأخرج البخاري عن سهل بن أبي حثمة ق .4 ـوهل وـهـن سد الله ببة إلى عصيحقا، فأتى مفتفر لحئذ صموي هيو ،ربد إلى خيين زب

قدم ثم فنهمه قتيلا، فدط في دتشمة يـصيحمل، وـهس ـنن بمحالـر دبدينة، فانطلق عالم ،ـتكلمن يمحالـر دبع بـ فذه لمسه وليع لى اللهـ ص ود، إلى النبيعسنا مة ابصيوحو

تحلفون وتستـحقون قـاتلكم ( : سـكت، فتكلما، فقال كبر كبر، وهو أحدث القوم، ف : فقالـين، : وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر ؟ قال : أو صاحبكم، قالوا فتبـريكم يهـود بخمـس

.)ه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده كيف نأخذ أيمان قوم كفار ؟ فعقل: فقالوا

، )تحلفون وتـستـحقون ( : اليمين، لقولهرد فهذا الحديث يدل صراحة على جواز حيث رد الرسول ت صلى اهللا عليه وسلم ـ اليمين ممن وجبت عليه أوال إلى خـصمه،

خاصة فيما ال نطلع عليه، لـذلك نـرجح جانـب واألصل في المسلم الصالحية والصدق .الصدق في الحالف سواء أكان مدعيا أم مدعا عليه

- 64 -

شرعت اليمين حجة في القضاء إلنهاء الخصومة، وقد وجبت في حق الطرف الذي يتقوى .5جانبه بإحدى المرجحات األولية الدالة على صدقه، كظاهر الحـال، والتمـسك باألصـل،

. ذلك وجبت في حق المدعى عليه؛ ألنه متمسك بـالبراءة األصـلية والحيازة والتصرف، ل وقد تشرع في حق المدعي إذا قوي جانبه؛ كالقضاء بالشاهد واليمـين، وكـذلك إذا نكـل المدعى عليه عن اليمين فإن ذلك يرجح لنا صدق المدعي ، ويظهر احتمال كذب المـدعى

.عليه، فيقوى جانب المدعي فيجب عله اليمين

جع المدعى عليه عن اليمين يحتمل كذبهن كما يحتمل ورعه، أو خوفه من اليمـين، إن ترا .6أو شكه في االستحقاق، وعليه فال يجوز اعتماد النكول في اإلثبات لتوارد االحتمال، ولذلك

.نرد اليمين على المدعي فإذا حلف علمنا صدقه، وحكمنا له

:ـ أدلة المذهب الثالث

اء بالنكول والرد، وإنما يحبس حتى يعترف أو يحلف ـ إال استدل القائلون بعدم القض ـ: القسامة، واليمين في الوصية في السفر، والشاهد واليمين ـ بما يلي: ثالث حاالت

إن الشريعة اإلسالمية قد بينت سبيل إنهاء الخصومة، وهو أن البينة علـى المـدعي، دعي لتبرئة نفسه، ولو عملنـا بخـالف فإن لم يكن له بينة تثبت دعواه؛ وجبت اليمين على الم

ذلكن نكون قد خالفنا النصوص الصحيحة، ثم إن النكول، أو اليمين المردودة لم يرد فيها نص .شرعي فال يجوز االلتفات إليها

:أنواع الیمین الواجبة في حق المدعي ـ: تنقسم اليمين الواجبة في حق المدعي إلى ثالثة أنواع

وهي اليمين التي يؤديها المدعي إلثبات حقه عنـد وجـود : لبةاليمين الجا : ـ األول كالشاهد مع اليمين، واليمين المردودة، والقـسامة فـي : ( سبب يستدعي منه ذلك، ومن أمثلتها

).القتل والجراح، واللعان، ويمين األمين إذا ادعى التلف

مـن المـدعي إذا وقال بها المالكية، وهي اليمين التي تطلب : يمين التهمة : الثانيـ .استطاع إثبات الدعوى، ولكنه كان شاكا في المدعى عليه

وتسمى يمين االستيثاق، ويمين القضاء، ويمين الريبـة، : يمين االسـتظهار : ـ الثالث ويمين االستبراء، وهي اليمين التي يؤديها المدعي بناء على طلب القاضي لدفع الشك والريبـة

في إثبـات الـدعوى علـى : ( تقديم أدلته، ومن حاالت وجوبها في الدعوى التي تقدم بها بعد

- 65 -

ميت، وإذا ادعى استحقاق مال، ثم أثبت دعواه؛ فيحلف أنه ما باع وال وهـب وال ملـك هـذا المال لغيره، وكذلك في الشفعة أنه طلبها بمجرد علمه، ولم يبطلها بوجه من الوجـوه، وفـي

).فتحلف أنه لم يطلقها، ولم يترك لها نفقة النفقة الواجبة للزوجة على زوجها الغائب؛

ـ: الحاالت التي یحكم فیھا بالنكول أو رد الیمین ـ: مذهب الحنفية: أوال §

يحكم بالنكول عندهم في المال، فإذا نكل المدعى عليه في دعوى على مـال عـن .1 .اليمين؛ حكم عليه بنكوله، وضمن المال

.يء في اإليالء، والرجعةوال يحكم بالنكول في دعوى النكاح، والف .2

أي إذا ادعى أن فالن ـ مجهول النسب ـ ابنـه، : كما ال يحكم بالنكول في النسب .3 .وأنكر المجهول، أو عكس ذلك

كالزنا، والقذف، والسرقة ـ إال أنه في السرقة يحكـم : وال في الحدود الخالصة هللا .4 .عليه بنكول في ضمان المال؛ لما مر سابقا، وال في اللعان

فيحكم بالنكول في الدية، أو األرش، سواء أكان في الـنفس ، أو : ما في القصاص أ .5ما دونها، أما في القود، فال يحكم بالنكول في النفس، وعمل به أبـو حنيفـة فـي

.األطراف ألن األطراف يسلك فيها مسلك المال فجرى فيها البذل

ـ: مذهب الحنابلة: ثانيا §

حكم فيها بالنكول؛ كالدين، وثمن المبيع، واسـتحقاق ي: حقوق العبد إذا كانت مالية .1 .األجرة، وضمان المتلف، وغيرها

كالقـصاص، والنكـاح، وحـد : أما إذا لم تكن ماال، ولم يكن المقصود منها المال .2 ـ: ففيه روايتان: القذف، والطالق، والرجعة، والنسب

o ال يستحلف المدعى عليه، وال تعرض عليه اليمين: األولى.

o أنه يستحلف في الطالق، والقصاص، والقذف فقط: انيةوالث.

ـ: أما حقوق اهللا تعالى فهي نوعان .3

o وال تشرع فيها اليمين ـ وال خالف في ذلك ـ : الحدود: األول

- 66 -

o كدعوى ساعي الزكاة أن الحول قد حال في حـق : الحقوق المالية : الثاني صاحب المـال فالن، أو بلغ ماله النصاب، فالراجح عندهم أنم القول قول

.دون يمينه، قياسا على الحدود الخالصة هللا

:المالكية: ثالثا §

ذهب المالكية إلى القول برد اليمين في الحقوق المالية، ومـا يـؤول إليهـا دون .1 .غيرها من الحقوق

كما اشترطوا في وجوب اليمين على المدعى عليه المخالطة وهـو عمـل أهـل .2اال على الناس دون وجه حق، فإذا ادعى شخص المدينة حتى ال يدعي السفهاء أمو

إذا كان بينهما مخالطة تجب اليمين علـى : ماال على آخر، ولم يكن له بينة؛ ينظر ال تجب اليمين، وتسقط الدعوى: المدعى عليه، وإن لم تكن هناك مخالطة

:الشافعية: رابعا §

كالنـسب، قالوا برد اليمين في كل دعوى صحيحة مالية كانـت أو غيـر ماليـة .1 .والرجعة والنكاح، والطالق، والظهار

.أما الحدود فال ترد فيها اليمين، وال تجب ابتداء بإجماع العلماء .2

:طبيعة القضاء بالنكول :املسألة الثانيةاختلف القائلون بأن النكول ـ ورد اليمين عند من أوجب الرد ـ طريق مـن طـرق

ـ: لى ثالثة مذاهبالقضاء في التكييف الفقهي لطبيعة النكول ع

النكول بمثابة إقرار من المدعى عليه بالحق المدعى به، وإليه ذهب :ـ المذهب األول .الصاحبان، والشافعية في األظهر، والحنابلة في رواية

أن المدعى عليه مخير ابتداء بين الحلف واإلقرار، فإذا امتنع عن الحلـف؛ : ودلـيلهم . حق؛ إذ لو كان منكرا لحلف اليمين ليدفع الضرر عن نفـسه حمل نكوله على أنه إقرار منه بال

ولكن الفرق بينه وبين اإلقرار يتلخص في أن اإلقرار حجة كاملة يحكم عليه بإقراره مباشـرة، .أما النكول فال يثبت به الحق إال إذا اتصل بالقضاء؛ الحتمال الشبهة فيه

قال اإلمام أبـو حنيفـة النعمـان، النكول بمثابة بذل وإباحة، وبه : ـ المذهب الثاني : ودليلهموالحنابلة في رواية ثانية،

- 67 -

بأن النكول كما يحتمل اإلقرار فإنه يحتمل البذل واإلباحة، وحمله على البـذل أولـى؛ ألننا لو جعلناه إقرارا فإن في ذلك تكذيب إلنكار المدعى عليه السابق، ولو جعلنـاه بـذال لـم

. الحاجة إلى التكذيبنكذبه، فتنقطع الخصومة دون

النكول كإقامة البينة على المدعى عليه، وهو مذهب الشافعية فـي : ـ المذهب الثالث ـ: قول، واختاره ابن القيم من الحنابلة، ودليلهم

أن النكول ليس إقرارا؛ ألننا لو عددناه إقرارا لكان في ذلك تكذيبا إلنكاره السابق، كما لم يقصد البذل، ولن يخطر على قلبه، ولو كان بذال، لما جـاز مـن أنه ليس بذال؛ ألن الناكل

.مريض الموت فيما زاد عن الثلث، وهذا لم يقل به أحد

ـ: أثر الخالف في المسألة § لو أمام المدعى عليه البينة على األداء أو اإلبراء أو غيرها من المسقطات بعـد أن

لقائلين بذلك ـ تسمع منه البينة علـى القـول وجب المال في حقه بنكوله ـ ورد اليمين عند ا .األول، وال تسمع على القولين الثاني والثالث في األظهر من أقوال العلماء

:حكم تغليظ اليمني :املسألة الثالثةتغليظ اليمين إما أن يكون باللفظ، وإما أن يكون بالزمان، أو بالمكان، وكل له حكمـه

ـ: على النحو التالي

§

:مذاهب العلماء . أ تغليظ اليمين بأسماء اهللا تعالى وصـفاته مـشروع، وإليـه ذهـب :المذهب األول ـ

وصيغة التغليظ عنـد المالكيـة . الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، واإلمامية أله إال هو عالم الغيب والشهادة باهللا الذي ال : ( ، وعند غيرهم )باهللا الذي ال إله إال هو : ( هي

.ونحو ذلك) الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العالنية

.ال يجوز تغليظ اليمين، ويكتفى بلفظ الجاللة، وهو مذهب الظاهرية :ـ المذهب الثاني

:أدلة المذهب األول . ب ـ: ر، ومنهااستدل الجمهور على مشروعية تغليظ اليمين بالسنة النبوية واآلثا

- 68 -

أخرج أبو داوود والنسائي عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أن النبـي ـ صـلى .1أي ) احلف باهللا الذي ال إله إال هو ماله عندك شـيء ( : اهللا عليه وسلم ـ قال لرجل

.المدعي

أخرج أبو داوود وأحمد عن ابن عباس ـ رضي اهللا عنهما ـ أن رجلين اختصما إلى .2 عليه وسلم ـ فسأل النبي الطالب البينة، فلم تكن له بينة، فاسـتحلف النبي ـ صلى اهللا

بلى قد فعلت، ولكن غفـر : ( المطلوب فحلف باهللا الذي ال إله إال هو، فقال رسول اهللا ).قولك ال إله إال اهللاهللا لك بإخالصك

واهللا الـذي ال : ( روى ابن قدامة أن عمر بن الخطاب ـ رضي اهللا عنه ـ قال ألبي .3 ).إله إال هو إن النخل لنخلي، وما ألبي فيها شيء

هذه األحاديث صريحة في النص على مشروعية تغليظ اليمين، : ـ وجه الداللة .وأن التغليظ وقع في عهد الرسول، والصحابة

: أدلة المذهب الثاني . ت ـ: استدل الظاهرية على عدم مشروعية تغليظ اليمين باللفظ بما يلي

، وفيه داللة )من كان حالفا فليحلف باهللا أو ليصمت : ( ل من قوله ما صح عن الرسو .1 .على أن الحلف باهللا فقط، وأنه تبطل الزيادة

ورد عن بعض الصحابة االستحالف باهللا فقط، منهم عثمان، وزيـد، وأبـو موسـى .2 .األشعري، وكذلك عن عمر بن عبد العزيز

كتفى به، واآليات الكريمة اقتـصرت لفظ الجاللة فيه كل معاني الترغيب والترهيب، في .3 . فال تجوز الزيادة عليه }وأقسموا با{ ، و }فيقسمان با{ : لفظ الجاللةعلى

: الراجح في المسألة . ث ـ: الراجح في هذه المسألة هو مذهب جمهور الفقهاء، وذلك للمسوغات التالية

، ال يـدل ) أو ليصمتمن كان حالفا فليحلف باهللا( قوله ـ صلى اهللا عليه وسلم ـ .1 .على عدم مشروعية التغليظ، وإنما يدل على عدم مشروعية الحلف بغير اهللا

كما أن تغليظ اليمين قد ثبت في عهد الرسول والصحابة الكـرام، فـدل ذلـك علـى .2مشروعيته، وال تعارض بينه وبين ما ذكره الظاهرية، ألن تغليظ اليمين يكون بصفات

.والمحرم هو الحلف بغير اهللاهللا تعالى ال بغيره،

- 69 -

عن التعدين والوقوف عند الحد، وتغليظها يحقـق المقصد من مشروعية اليمين الزجر .3 .هذا المقصود؛ ألنا تشعر بالخوف من غضب اهللا وسخطه

مباح أم مندوب ؟: التغليظ باللفظ . ج

تقـدير إلى أن التغليظ باللفظ مباح، وهو راجع إلـى ةذهب الحنفية والحنابلة والزيدي فإن حلف المـدى ... القاضي حسب المدعى عليه، وحسب الخصومة، فيغلظ فيما خطر أو كثر

.عليه وامتنع عن التغليظ لم يكن ناكال

إن التغليظ باللفظ مندوب في أحكـام األبـدان، : أما المالكية والشافعية واإلمامية فقالوا فعية، ونصاب السرقة عند المالكيـة وفي األموال الكثيرة، وهي نصاب الزكاة فصاعدا عند الشا

واإلمامية، كما يندب التغليظ في المال القليل إذا رأى القاضي جرأة من الحالف؛ فـإن حلـف . المدعى عليه وامتنع عن التغليظ بعد أن طلب منه كان ناكال

§

العصر؛ ألنـه وقـت تعظمـه أهـل التغليظ بالمكان هو بأن تكون اليمين بعد صالة بعد صالة العصر، أو بين األذان واإلقامة؛ ألنـه وقـت يرجـى فيـه ةاألديان، وعند الحنابل

.استجابة الدعاء، فيرتجى فيه معالجة الكذب

، وعلـى المنبـر فـي المكرمة أما التغليظ بالمكان فيكون بين المقام والركن في مكة ، ويحلف أهل الذمة في األماكن أو فوقه في سائر البلدان ، وعند المنبر الشريف المسجد النبوي

.التي يعظمونها في أديانهم وشرائعهم

:مذاهب العلماء . ح

التغليظ بالمكان والزمان غير جائز، وهو مذهب الحنفية، والحنابلـة : المذهب األول ـ التغليظ فـي وهناك قول عند المالكية بمنع . في رواية، وبعض الزيدية، وأيده اإلمام الشوكاني

.الزمان فقط، ويشرع المكان

المالكية فـي قـول، التغليظ في الزمان والمكان جائز، وهو مذهب : ـ المذهب الثاني .شافعية، والحنابلة في رواية، واإلماميةالو

:أدلة المذهب األول . أواليمين علـى : ( ما صح عن ابن عباس أن رسول اهللا ـ صلى اهللا عليه وسلم قال .1

.فالحديث دل على اليمين مطلقا، ولم يقيده بزمان أو مكان، )من أنكر

- 70 -

بأن الحديث هنا مطلق كما ذكـرتم، وقـد وردت : ـ ونوقش هذا االستدالل أحاديث أخر تدل على مشروعية التغليظ بالزمان والمكان فيحمل عليها؛ ألن علمـاء

.األصول قد قرروا حمل المطلق على المقيد

اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مـروان شافعي أنه أخرج البخاري والبيهقي وال .2 زيد احلف لـه :بن الحكم في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال

، فجعل زيد يحلف أن حقه لحـق ، مقاطع الحقوقعند ال واهللا إال : قال مروان ،مكاني .فجعل مروان يعجب من ذلك، ويأبى أن يحلف على المنبر

أن زيدا رضي اهللا عنه امتنع عن الحلف على المنبـر، ولـو : داللةـ وجه ال .كان التغليظ واجبا لما امتنع عنه

أن التغليظ في الزمان والمكان جائز، وليس واجبا، وامتناع زيـد : ـ ونوقش عن الحلف على المنبر ليس دليال على عدم مشروعية التغليظ بالمكان، بدليل انه لـم

المنبر، وقد ثبت التغليظ في الزمان والمكان بأدلة أخرى سنوردها ينكر التحليف على .عند الحديث عن أدلة المذهب الثاني

ـ: حيث قالوا: بالقياس .3

o قياس اليمين على البينة بجامع أن كال منهما وسيلة إثبـات، فكمـا أن البينـة ال .نتغليظ فيها بزمان أو مكان؛ فكذلك اليمين ال تغليظ فيها بزمان أو مكا

بان الشهادة تكون بحق على غير الـشاهد، فارتفعـت عنهـا : ـ ونوقش التهمة، واستغنت عن الزجر، وعند التهمة في الشهادة يفرق بين الـشهود، بـل ويحلف الشاهد عند المتأخرين، وعند زيادة التهمة ترد شهادتاه أصـال، فكـذلك

.التغليظ في اليمين قد يؤدي إلى توقفها

o ر على المال القليل بجامع أن كال منهما حق مدعى به، فكمـا ال قياس المال الكثييشترط التغليظ في اليمين على المال القليل؛ ال يشترط التغليظ بزمـان أو مكـان

.في اليمين على المال الكثير وغيره

باليمين لقلة الطمـع بأن المال القليل يكتفى بالزجر فيه : ـ ونوقش الـدليل ر، كما أن الشريعة قد فرقت بين المال القليل والكثير فـي فيه بخالف المال الكثي

...نصاب الزكاة، وحد السرقة وغيرها

- 71 -

إن األزمنة واألمكنة كلها سواء، وأن التغليظ يعطـل أعمـال : حيث قالوا : معقولبال .4، ويؤدي على الحرج على القـضاة، والحـرج القضاة، ويؤخر الفصل في المنازعات

.ميةمرفوع في الشريعة اإلسال

واألمكنة على بعـضن األزمنةبأنه قد ثبت قطا تفضيل بعض : ـ ويناقش .والتحليف فيها وإن أخر عمل القاضي فال يؤثر ما دام يوصل إلى الحق

:المذهب الثانيأدلة . ب

سمان بالله إن ارت{ : قال تعالى: بالقرآن الكريم .1 سونهما من بعد الصلاة فيق ب ا تحنتري به ثملا نش تمبثمني آ ة الله إنا إذا لمن ال ادهش لا نكتم ى وبذا قر كان لو 106 المائدة ( }و (.

واآلية نص في التغليظ بالحلف بعد الصالة، وهي صالة العصر عند كثيـر ان يعظمون هذا الوقت، أو ألن من المفسرين؛ ألنه وقت الناس، والن أهل جميع األدي

.اآلية أصل في التغليظ: يجتمعون فيه، قال القرطبيلمالئكة النهار واللي

الحسن بن يزيد الـضمري قـال أخرج الحاكم في مستدركه عن :من السنة النبوية .2ـ سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول أشهد لسمعت أبا هريرة ـ رضي اهللا عنـه

ـ صلى اهللا عليه وسلمـ قال رسول اهللا:يقول هـذا على ال يحلف عبد وال أمة : ( هـذا :قال الحاكم ) ولو على سواك رطب إال وجبت له النار ،المنبر على يمين آثمة

.حديث صحيح على شرط الشيخين

والحديث صريح في جواز التغليظ بالمكان في اليمين، ولـو : ـ وجه الداللة .كان على منبر رسول اهللا

ـ:رمن اآلثا .3

o ن عبد الرحمن بن عوف رضي اهللا عنه رأى قوما يحلفون بين المقـام والبيـت أ لقد : قال ، ال : قالوا ؟ فعلى عظيم من األموال : قال ، ال : فقالوا ؟أعلى دم : ( فقال

). الناس هذا المقامتهاونخشيت أن ي

o أن رجال قال المرأته حبلك على غاربـك قـال ذلـك : ( عن عطاء بن أبي رباح مـا :الركن والمقام ا فأتى عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه فاستحلفه بين مرار

).الذي أردت بقولك قال أردت الطالق ففرق بينهما

- 72 -

o ـ كتب إلي أبو بكر الصديق : ( المهاجر بن أبي أمية قالعن ـ رضي اهللا عنه منبـر علىخمسين يمينا في قتل في وثاق فأحلفه نفيس بن ملوح أن ابعث إلي

). صلى اهللا عليه وسلم النبي

باللفظ، والتغليظ بالعدد ظالتغليحيث قاسوا التغليظ بالزمان والمكان على : من القياس .4في القسامة واللعان بجامع أن كال منهما فيه معنى الزجر، والتغليظ بالزمان والمكان

.أولى الزجر فكان استعماله في التغليظ يأشد ف

:الراجح في المسألة . ت

ـ المسالة مذهب المالكية في قـول، و الراجح في شافعية، والحنابلـة فـي روايـة، الواإلمامية، وذلك لصحة أدلتهم وسالمتها من االعتراضات، وألن التغليظ في المكان والزمـان

. على الحقوق فيحقق مقصد القضاء، واهللا اعلمالتعديفي زجر عن

- 73 -

القضاء بالقرائن: رابعا

:ـ تعريف القرينة

قرن الشيء بالشيء، وقرن بينهما قرنا : مأخوذة من قرن، يقال: ـ القرينة في اللغةوصله وشده إليه، واقترن الشيء بغيره اتصل به وصاحبه، : جمع، وقرن الشيء إلى الشيء

النفس، : وج، والقرينةالز: المقارن والمصاحب، والقرين: تالزما، والقرين: اقترنا: ويقال .الزوجة؛ ألنها تقارن زوجها: والقرينة

ـ: نذكر من تعريفاتها ما يلي: والقرينة في االصطالحـ

.أمر يشير إلى المطلوب: القرينة .1

كل إمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه، وهي مأخوذة من المقارنة بمعنى المرافقة .2 . والمصاحبة

القرينة : منها حيث جاء فيها)1741(لعدلية القرينة في المادة وعرفت مجلة األحكام ا .3 . هي اإلمارة البالغة حد اليقين: القاطعة

إذا اخرج أحد من درا خالية خائفا مدهوشا وفي يده : وقد أوردت مثاال لها وهوسكين ملوثة بالدم، فدخل في الدار ورؤي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت، فال يشتبه

.ه قاتل ذلك الشخص، وال يلتفت إلى االحتماالتفي كون

:حجية القرائن واعتبارها طريقا من طرق اإلثباتـ ـ: اختلف الفقهاء في ذلك إلى مذهبين

تعتبر القرائن حجة وطريقا من طرق اإلثبات وإلى هذا ذهب : ـ المذهب األولإثبات الدعوى وماال في بها حتج جمهور الفقهاء مع االختالف فيما بينهم فيما يعتبر قرينة ي

، كابن فرحون: وبعض المالكية، والطرابلسي، كابن الغرس:يعتبر، ومن هؤالء بعض الحنفية . كابن القيم: كالعز بن عبد السالم، وبعض الحنابلة:وعبد المنعم بن الفرس، وبعض الشافعية

لى هذا ذهب ال تعتبر القرائن حجة وطريقا من طرق اإلثبات، وإ:ـ المذهب الثانيبعض الفقهاء كالخير الرملي، ومحمد عالء الدين مؤلف تكملة رد المختار، وهو ابن محمد

. أمين الشهير بابن عابدين، وهو مؤلف رد المختار وبعض المعاصرين كعلي قراعة

- 74 -

:يف اعتماده القرائن لإلثبات) مذهب اجلمهور ( أدلة املذهب األول ـ ـ: يلياستدل الجمهور لمذهبهم بماـ

:من الكتاب ) أ(

: قال تعالى .1.

لما أرادوا أن يجعلوا الدم عالمة على صدقهم قرن اهللا بهذه : قال العلماء: وجه الداللةـ إذ ال يمكن افتراس ) أي التمزيق( تتبيب العالمة عالمة تعارضها، وهي سالمة القميص من ال

الذئب ليوسف وهو البس القميص ويسلم القميص من التخريق ولما تأمل يعقوب عليه السالم القميص فلم يجد فيه خرقا وال أثرا استدل بذلك على كذبهم وقال لهم متى كان هذا الذئب حليما

لما : قد روي عن ابن عباس قاليأكل يوسف وال يخرق القميص، قاله ابن عباس وغيره وكذبتم لو كان الذئب أكله لخرق القميص وقد استدل الفقهاء بهذه اآلية على : نظر إليه قال

.أعمال اإلمارات في مسائل كثيرة في الفقه

استدل الفقهاء بهذه اآلية في أعمال األمارات في مسائل من الفقه كالقسامة : قال القرطبين يعقوب عليه السالم استدل على كذبهم بصحة القميص، وهكذا يجب وغيرها، وأجمعوا على أ

على الناظر أن يلحظ األمارات والعالمات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضي بجانب .الترجيح وهي قوة التهمة، وال خالف بالحكم بها قاله ابن العربي

قوله تعالى .2

.

أنه قد استدل بإمارة قد قميص يوسف عليه السالم من الدبر على : ـ وجه الداللة .صدقة، وكذب المرأة وكذبها فيما قذفته ورمته به

:هرة المطالسنةمن ) ب(

جاء رجل إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم : روي مسلم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال .1اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإال : فسأله عن اللقطة فقال

: فضالة اإلبل، قال : لك أو ألخيك أو للذئب، قال: فضالة الغنم، فقال: فشأنك بها، قال

- 75 -

وفي رواية . سقاؤها وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربهامالك ولها معها فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها : لمسلم عن زيد الجهني أيضا زاد

وفي رواية لمسلم أيضا عن سفيان وزيد بن أبي أنيسة وحماد . فأعطه إياها، وإال في لكوقد روي مسلم . ائها ووكائها فأعطه إياهافإن جاء أحد يخيرك بعددها ووع: ابن سلمة

. وأبو داود والترمذي وبان ماجة الحديث بروايات مختلفة

أن الرسول ـ صلى اهللا عليه وسلم ـ أمر المتلقط أن :وجه الداللة في األحاديثـ يدفع اللقطة إلى واصفها فاألمر للوجوب وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة

د المالكية والحنابلة، وقال أبو حنيفة والشافعي أن غلب على ظن الملتقط صدقة وذلك عن .جاز له الدفع ولم يجب، وإن لم يغلب لم يجز، ألنه مدع وعليه البينة

بينما أنا وافق في الصف يوم بدر : عن عبد الرحمن بن عوف رضي اهللا عنه أن قال .2 حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين نظرت عن يميني، فإذا أنا بين غالمين من األنصار

قلت نعم، وما : يا عم هل تعرف أبا جهل ؟ قال: أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقالأخبرت أن يسب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، والذي : حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال

بت لذلك، فعج: نفسي بيده لئن رأيته ال يفارق سوادي سواده حتى يموت األعجل منا، قالأال : فغمزني اآلخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت

فبتدراه بسيفهما حتى قتاله، ثم انصرفا إلى : تريان هذا صاحبكما الذي تسأالن عنه، قالأيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته، : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأخبراه، فقال

ال فنظر في السيفين فقال كالكما قتله، وقضي بسلبه : هل مسحتما سيفيكما ؟ قاال: ( الفق ) لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجالن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء

.متفق عليه

أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم قضى بالسلب اعتمادا على القرينة :وجه الداللةـ قال المهلب نظره صلى اهللا عليه وسلم : السيفين جاء في نيل األوطاروهي أثر الدم على

في السيفين واستالله لهما؛ ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم إن السياق داللة على أن : وقال الجمهور. المقتول؛ ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ

وإنما قال : قال المهلب. ره في الضرب أو الطعنالسلب يستحقه من أثخن في الجرح غي .كالكما قتله، وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لتطيب نفس اآلخر

ال تنكح األيم حتى تستأمر، وال : ( عن أبي هريرة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قال .3واه ر ) أن تسكت: يا رسول اهللا وكيف أذنها، قال: تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا

- 76 -

األيم أحق بنفسها : ( وعن ابن عباس أن النبي صلى اهللا عليه وسلم قال . البخاري ومسلم .رواه مسلم والترمذي والنسائي) من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها

قال ابن فرحون . جعل سكوت البكر أو صماتها قرينة على الرضا: وجه الداللةـ .ا رضيت، وهذا من أقوى الداللة على الحكم القرائنوتجوز الشهادة عليها بأنه

إذا : ( قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم: روي الترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد قال .4إنما يعمر مساجد اهللا من : ( ، قال تعالى )رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له باإليمان

).آمن باهللا واليوم اآلخر

اعتياد شهود المسجد من عالمات اإليمان، وجوز لنا أن نشهد جعل: ـ وجه الداللة .بإيمان من يقوم بذلك، مستندين إلى تلك العالمة

أية : ( قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم: روي الترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال .5 ).إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان : المنافق ثالث

.ه نصب على النفاق عالمات وأدلة هي التي ذكرت في الحديث أن:وجه الداللةـ

دخل : عن عائشة رضي اهللا عنها قالت( داللة السنة على الحكم بالقافة في ثبوت النسب .6يا عائشة ألم تري أن : علي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال

طيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة زيدا وعليهما قرواه البخاري ومسلم أبو داود والنسائي ) إن هذه األقدام بعضها من بعض: أقدامهما فقال

).ولفظ الحديث المذكور من رواية مسلم (

في الحديث داللة على اعتبار القيافة دليال على ثبوت النسبـ وليس :وجه الداللةـ هو الذي : وشرعامتتبع اآلثار، : والقائف لغة .العالماتفيها إال مجرد مالحظة اإلمارات و

والعمل بالقافة في ثبوت النسب بناء . يتتبع اآلثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيهعلى األمارات والعالمات التي يراها القائف هو مذهب الجمهور المالكية والشافعية

.صحابة والتابعين وتابعيهموالحنابلة والظاهرية وهو مروي عن جمهور من ال

دل عليها سنة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وعمل : الحكم بالقافة: قال ابن القيمخلفائه الراشدين والصحابة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو موسى األشعري وابن عباس وأنس بن مالك رضي اهللا عنهم وال مخالف لهم من الصحابة، وقال

سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري وإياس بن معاوية : ن التابعينبها مالليث بن سعد ومسالك بن أنس وأصحابه : وقتادة وكعب بن سوار ومن تابعي التابعين

- 77 -

وممن بعدهم الشافعي وأصحابه، وإسحاق، وأبو ثور، وأهل الظاهر كلهم، وبالجملة فهذا م رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وخلفاؤه من حك: وقال ابن فرحو. قول جمهور األمة

.بعده بالقافة، وجعلها دليال على ثبوت النسب، وليس فيها إال مجرد األمارات والعالمات

وذهب الحنفية إلى أنه ال يجوز العمل بالقافة في إثبات النسب؛ ألن العمل بها تعويل والراجح في نظري هو . ربعلى مجرد الشبه، وقد يقع بين األجانب وينتفي بين األقا

مذهب الجمهور لما ورد في حديث الرسول صلى اهللا عليه وسلم الذي اعتمده الجمهور . دليال لمذهبهم، وبنوا عليه الحكم بالقافة في إثبات النسب

: المعقول ) ت(

إن إهدار القرائن يؤدي إلى تضييع الكثير من الحقوق على أصحابها وفي هذا المعنى دية فقلفمن أهدر األمارات والعالمات في الشرع بالك: ن القيم رحمه اهللا تعالىيقول العالمة اب

. عطل كثيرا من األحكام، وضيع كثيرا من الحقوق

:أدلة املذهب الثاين على عدم اعتبار القرائن لإلثبات -:استدل أصحاب هذا المذهب بما يلي

حدثنا زيد بن يحيى : يد الدمشقيحدثنا العباس بن الول: روي ابن ماجه قال: السنة:أوال §حدثنا الليث بن سعد عن عبيد اهللا بن أبي جعفر، عن أبي األسود عند عروه، : بن عبيد

لو كنت راجما أحدا بغير بينه : ( قال رسول صلى اهللا عليه وسلم: عن ابن عباس قال ).لرجمت فالنة فقد ظهر منها الريبة في منها وهيئتها ومن يدخل عليها

لو كانت القرائن من طرق اإلثبات ألقام الرسول : الداللة في الحديثـ وجهصلى اهللا عليه وسلم حد الزنا على تلك المرأة بما ظهر لديه من قرائن من جانبها على

. وقوع الزنا لكن الرسول لم يقم الحد عليها مع وجود تلك القرائن فال يعمل بالقرائن

التي بدت من المرأة ليست قوية في داللتها إن القرائن: ـ ويجاب عن هذا الدليلقال . حتى تكون مثبتة لجريمة الزنا، فاعترت هذه القرائن الشبهة، والحد يدرأ بالشبهة

ال يجب الحد بالتهمة، ومجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطأ والغلط، وما : الشوكاني .ن العلماءكان كذلك فال يستباح به تأليم المسلم وإضراره بال خالف بي

إن القرائن تقوم على الظن، وأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد ذما اتباع :ثانيا § ). ( وقال تعالى ). ( الظن قال تعالى

- 78 -

هذا ). ب الحديث إياكم والظن فإن الظن أكذ: ( وقال الرسول صلى اهللا عليه وسلمباإلضافة إلى أن القرائن غير منضبطة فقد تبدوا قوية حينا ثم تضعف فال تصلح لبناء

.الحكم عليها

أن اهللا سبحانه وتعالى ذم العمل بالظن في كل موضع يشترط : ويجاب عن ذلكـ فيه العلم أو االعتقاد الجازم كمعرفة اهللا ومعرفة صفاته، ونهى عن بعض الظن، وهو أن

(يبنى على الظن ما ال يجوز بناؤه عليه، وقد قال اهللا تعالى .(

فلم ينه في اآلية عن كل ظن، وإنما نهى عن بعضه، وهو أن يبنى على الظن ما ا أو قتل نفسا أو ال يجوز بناؤه عليه، مثل أن يظن بإنسان أنه زنى، أو سرق أو قطع طريق

. ثلب عرضا فأراد أن يؤاخذه بذلك من غير حجة شرعية، يتند إليها ظنه، فهذا هو اإلثم .وأما الحديث فإن التقدير فيه إياكم واتباع بعض الظن، أي القائم على غير دليل شرعي

أن المقصود : ويجاب عن عدم انضباط القرائن، وكونها أحيانا قوية، ثم تضعفل بالقرائن هو أن تكون القرائن قوية وذات داللة واضحة وقطعية في وقت الحكم من العم

أحد أسباب الحكم القرينة والقاطعة، ونصت : من المجلة) 1740(وقد نصت المادة . بها . منها القرينة القاطعة هي اإلمارة البالغة حد اليقين)1741(المادة

: يف املسألةجحاالرأدلتهما، فإني أرى أن الراجح هو مذهب الجمهور، وهو بعد استعراض المذهبين و

مشروعية العمل بالقرائن؛ لقوة أدلتهم من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمعقول، مع مراعاة إن من استقرأ الشرع في : ما نرجحه الحقا في بعض المسائل، وقد قال ابن القيم رحمه اهللا

. واألمارات ودالئل األحوال، مرتبا عليها األحكاممصادرة وموارده، وجده شاهدا للقرائنإذا لم يكن فقيه النفس فيها ، ومعرفة شواهدها أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها ومن والحاكم

: وقال. أهدرها في الشرع بالكلية فقد عطل كثيرا من األحكام، وضيع كثيرا من الحقوقن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب والمعول في القرائن أن قويت حكم بموجبها، وإ

.االستظهار، وسلك طريق االحتياط

إن قويت القرائن حكم بها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن : وقال ابن فرحون المالكيتوسطت توقف فيها، وكشف عنها، وسلك طريق االحتياط، هذا كله ما لم يعارض معارض

.لقضيةفإن عارض ذلك شيء نظر فيه ثم حكم في ا

- 79 -

فقد تصل في : وعلى هذا فداللة القرائن على مدلوالتها تتفاوت في القوة والضعفالقوة إلى درجة الداللة القطعية، فإن كانت كذلك؛ كانت وحدها بينة نهائية كافية للقضاء، وحكم بموجبها، وإن كانت القرينة ضعيفة لم يلتفت إليها، وإن كانت غير قطعية ولكنها أغلبية، فإن

لفقهاء والقضاة يعتمدونها دليال أوليا يترجح بها زعم أحد المتخاصمين مع يمينه حتى يثبت ا .خالفها ببينة أقوى

هي التي تكون النسبة : فالقرينة العقليةوالقرينة قد تكون عقلية، وقد تكون عرفية، تكون هذه النسبة هي التي: والقرينة العرفيةبينها وبين مدلولها ثابتة، يستنتجها العقل دائما

بينها وبين مدلولها قائمة على عرف أو عادة ويعتبر الفقهاء داللة القرائن العرفية داللة غير .قطعية ولكنها أغلبية مرجحة بظاهر الحال لزعم من تشهد له من الخصمين حتى يثبت خالفها

ـ: بارات مختلفة كما يليتقسيم القرائن باعت

:تقسيم القرائن باعتبار مصدرها وتقسم ذا االعتبار إىل عدة أنواع . أ

قرائن مصدرها كتاب اهللا عز وجل، ومن القرائن النصوص عليها في قوله : ـ األول )( تعالى

ائن مصدرها سنة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ومنها في قوله صلى قر: ـ الثانيفقد جعل فراش الزوجية قرينة ظاهرة في ). هر الحجرعاالولد للفراش ولل: ( اهللا عليه وسلم

.ثبوت نسب الولد من الزوج

قرائن مصدرها الكتب الفقهية، وهي التي نص عليها الفقهاء باجتهادهم في : ـ الثالث .قبول قول الصبيان في الهدايا التي يرسلها الناس معهم إلى آخرين: الفقهية ومنهامؤلفاتهم

قرئن قضائية وهي التي يستنبطها القضاة خالل القضايا المنظورة لديهم : ـ الرابع .وذلك من ظروفها ومجريات أحداثها

: نوعنيتقسيم القرائن باعتبار العالقة بينها وبني مدلوهلا وتقسم ذا االعتبار إىل . ب

قرائن عقلية وهي التي تكون العالقة بينها وبين مدلولها ثابتة، يستنتجها : ـ األولالعقل دائما في جميع الظروف واألحوال، ومنها وجود جروح في جسم المجني عليه، فإن ذلك

.قرينة على استعمال آلة حادة في الجناية

- 80 -

نها وبين مدلولها قائمة على العرف وهي التي تكون العالقة بي: قرائن عرفية:ـ الثاني . شراء المسلم شاة قبل األضحى، فإن ذلك يعتبر قرينة على إرادة األضحية: أو العادة ومنها

:تقسيم القرائن باعتبار قوة داللتها ذا االعتبار إىل ثالثة أنواع . تأو وهي القرائن التي تصل قوة داللتها إلى القطع : قرائن قطعية الداللة:ـ األول

.اليقين كالرماد أو الدخان، فهما قرينة قاطعة على وجود النار

قرائن غير قطعية الداللة ولكنها أغلبية، فإن الفقهاء يعتبرونها دليال مرجحا :ـ الثاني .ألحد الخصمين مع يمينه، ما لم يثبت خالفه بينة أقوى

وجان في ملكية أمتعة إذا اختلف الز: القرائن العرفية، ومن أمثلتها: ومن هذا النوعألي منهما، فيترجح قول الزوجة مع اليمين فيما صلح لها كالحلي وثياب ’ البيت، وال بين

النساء والقول للزوج مع اليمني فيما صلح له ، كالسالح والكتب، وهذا عند جمهور الفقهاء القة والصلة العرفية كما بينا سابقا ومرجع الترجيح في القرائن العرفية للعقل باالستناد إلى الع

.في الموضوع

ومن أمثلتها بكاء المشتكي فإن هذا البكاء ليس : قرائن ذات داللة ضعيفة: ـ الثالث .دليال على أنه مظلوم الحتمال اصطناعه

:تعريف احلدـ هو العقوبة : الحاواصط، هو المنع، كما يطلق على الحاجز بين شيئين: الحد لغةـ

.درة حقا هللا تعالىقالم

وسنبين فيما يلي باختصار حدود الزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وقطع الطريق الرجم، عن أبي هريرة : فحد الزاني المحصنوالردة وذلك تمهيدا لموضوع اإلثبات بالقرائن،

المسلمين وهو في المسجد أتي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم رجل من : رضي اهللا عنه قاليا رسول اهللا : زنيت فاعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقالإنييا رسول اهللا ( : فناداه فقال

زنيت، فاعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات إني: ؟ قال نتفهل أحص: ال ، قال: أبك جنون؟ قال: دعاه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقال

.متفق عليه) اذهبوا به فارجموه: رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم: فقال: نعم

- 81 -

: ( مائة جلده قال تعالى: أما غير المحصن .(

أن يكون الواطئ بالغا عاقال ووطأ في نكاح صحيح أي أن يكون : ويشترط لإلحصانالواطئ متزوجا أو قد سبق أن تزوج زواجا صحيحا ووطأ فيه، فلو تزوج مرة زواجا صحيحا، ودخل بزوجته ثم انتهت العالقة الزوجية، ثم زنى وهو غير متزوج فانه يرجم،

إذا كانت بالغة عاقلة، وقد دخل بها زوجها فتعتبر محصنة فإذا زنت حال جةالزووكذلك .الزوجية أو بعد الطالق ترجم

بين الفقهاء حيث ذهب ثمانون جلدة على خالفو أربعون أ:وحد شرب الخمرـ وذهب الشافعية إلى أنه أربعون وفي مذهب الحنابلة ،الحنفية والمالكية إلى أنه ثمانون جلدة

.أنه أربعون ولكل أدلته المفصلة: أنه ثمانون والثانية : إحداهماان في قدر الحد روايت

: ( قطع اليد قال تعالى: وحد السرقةـ .(

: ( ثمانون جلدة قال اهللا تعالى:وحد القذفـ .(

القتل أو الصلب أو تقطيع األيدي واألرجل من :وحد الحرابة أو قطع الطريقـ : ( خالف أو النفي قال تعالى

(.

قال رسول اهللا صلى اهللا : القتل عن ابن عباس رضي اهللا عنهما قال : الردةوحد ـ رواه البخاري، والحديث دليل على وجوب قتل من بدل ) من بدل دينه فاقتلوه (عليه وسلم

إلى أن : ب الجمهوره، وفي الثاني خالف، ذإجماعو عام للرجل والمرأة واألول وه دينه، . ارتدت ال تقتلإذاإلى أن المرأة : المرأة المرتدة تقتل، وذهب الحنفية

بعض الحدود الشرعية بالقرائن من التي تثبت بها أكثر من غيرها إثباتوسنتعرض ـ: من المسائلفيما يلي

- 82 -

بالقرائنالزناات حد إثب:املسألة األوىل

أذا ظهر حمل المرأة غير متزوجة، فهل ظهور حملها قرينة على الزنى ويقام عليها ـ:الحد بناء على ذلك أم ال ؟ للفقهاء في ذلك مذهبان

ال يعتبر : واإلمامية والزيديةمذهب الحنفية والشافعية والحنابلة : المذهب األولـ وطئت بشبهه أو أو، أكرهتلحالة تسأل، فإن ادعت أنها الحمل قرينة على الزنى، وفي هذه ا

. الزنى ال يثبت إال باإلقرار أو البينةإذ ،، فال حد عليهابالزنالم تعترف

الحمل قرينة على الزنى، ويقام على : مذهب المالكية وابن تيمية: هب الثانيذالمـ .لى زناها ظهر حملها؛ ألن حمل المرأة بدون زوج قرينة عإذاالمرأة الحد

§ ن الحمل ال يعتبر قرينة على الزنى، وال يقام على أاستدل أصحاب المذهب األول

ـ: بما يلي الحاملة المرأبموجبه الحد

البراء بن صبره عن عمر رضي اهللا عنه أنه أتى بامرأة حامل، فادعت أنها ىرو .1 .ن ال يقتل أحد إال بإذنهخل سبيلها، وكتب إلى أمراء الجند أ: أكرهت، فقال

كما روي أن امرأة رفعت إلى عمر رضي اهللا عنه ليس لها زوج وقد جملت، فسألها عمر .2إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع علي رجل وأنا نائمة، فما : ، فقالتبن الخطاب رضي اهللا عنه

.استيقظت حتى فرغ، فدرأ عنها الحد

، وال يلزم دائما أن يكون الحمل في زنى، أو شبههإكراهيحتمل أن يكون الحمل من وطء .3وقد قيل أن المرأة تحمل من غير وطء، بأن يدخل ماء الرجل في فرجها إما بفعلها أو بفعل غيرها، ولهذا تصور حمل البكر، وقد وجد ذلك، وهذه االحتماالت شبه، والحدود

. لورود النص الصريح في ذلكتسقط بالشبهات

إال بالشهود أو اإلقرار، ولم يثبت الحد بشيء من يعة اإلسالمية في الشرأن الحد ال يثبت .4 . ذلك هنا في هذه المسألة

§ استدل أصحاب المذهب الثاني بأن الحمل قرينة يثبت به الزنى، ويقام بموجبه الحد

ـ:على المرأة بما يلي

- 83 -

على كل من زنى من الرجم واجب : روي عن عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه أنه قال .1 . قامت بينة أو كان الحبل أو االعترافإذا كان محصنا إذاالرجال والنساء

الزنى زناءان زنى سر وزنى إن: ي عن علي كرم اهللا وجهه أنه قال يا أيها الناسوور .2عالنية، فزنى السر أن يشهد الشهود، فيكون الشهود أول من يرمي، وزنى العالنية أن

. أو من يرمياإلمامالعتراف، فيكون يظهر الحبل أو ا

. االحتماالت النادرة ال يلتفت إليها، كاحتمال كذبها، وكذب الشهودإن .3

§ عد استعراض المذهبين وأدلتهما أرى أن مذهب الجمهور وهو المذهب األول عدم ب

ـ: وتعليل ذلك،إقامة الحد بقرينة الحمل هو الراجح

راه الوطء، أو من وطء بشبهة، أو دخول ماء رجل إلى رحمها أنه يحتمل أن يكون بإك .1 .بفعل غيرها، وهذه احتماالت وشبهات، والحدود تدرأ بالشبهات

: أما قول الصحابة فقد اختلفت الرواية عنهم ، وقد روي عن علي وابن عباس أنهما قاال .2 بن مسعود وروي الدارقطني بإسناده عن عبد اهللا. إذا كان الحد لعل وعسى فهو معطل

وقال .إذا اشتبه عليك الحد فادرأ ما استطعت: ومعاذ بن جبل وعقبه بن عامر أنهم قالوا .وال خالف أن الحد يدرأ بالشبهات، وهي متحققة هنا: ابن قدامه

للخطأ والغلط، والحد ال يجب مظنة مجرد الحدس والتهمه والشك أن: قال الشوكاني .3 .بالتهمة، وأنه يسقط بالشبهات

إثبات حد القذف بالقرائن: سألة الثانيةامل

§ والقذف من الكبائر بإجماع األمة، بالزنا، الرمي : وشرعاالرمي، : القذف في اللغة

.وقد اتفق الفقهاء على وجوب الحد إذا كان القذف بصريح الزنى

§ ـ: عريضت بال كان اللفظإذاوقد اختلف الفقهاء في وجوب الحد على القاذف

مذهب الحنفية والشافعية وأحمد بن حنبل في رواية والزيدية : المذهب األولـ . ال يجب الحد بالعريض: واألمامية والظاهرية

- 84 -

يجب الحد : مذهب المالكية وأحمد بن حنبل في رواية ثانية: المذهب الثانيـ . بالزنا الرمي دلت القرائن على أن المقصود إذابالتعريض

§ ـ: وقد استدل الجمهور على عدم وجوب الحد بالتعريض لما يلي

: (قال تعالى: الكتاب .1

.(

وال جناح عليكم أي وال وزر عليكم أن تعرضوا : معنى اآلية :االستداللوجه ـ : بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح، والتعريض ضد التصريح

وفي هذه اآلية فرق اهللا تعالى بين التعريض . المعنى بالشيء المحتمل له ولغيرهإفهاموهو كانا شيئين مختلفين فليس ألحدهما حكم اآلخر، فقد أباح اهللا وإذا والتصريح بها، بالخطبة

.تعالى التعريض في العدة، وحرم التصريح، فكذلك في القذف

لقد حرم خطبة المتوفى عنها زوجها في العدة وأبيح : قال الكمال بن الهمام يجز أن يعتبر مثله على التعريض، فا ثبت من الشرع نفي اتحاد حكمهما في غير الحد لم

.وجه يوجب الحد المحتاط في دارئة

أن رجال أتى النبي صلى اهللا عليه وسلم : (روي عن أبي هريرة رضي اهللا عنه: السنة .2ما ألوانها؟ : نعم، قال: هل لك من ابل؟ قال: يا رسول اهللا، ولد لي غالم أود، فقال: فقال: لعله نزعة عرق، قال: فأنى ذلك ؟ قال: قالنعم، : ؟ قالأورقهل فيها : حمر، قال: قال

.رواه البخاري) فلعل ابنك هذا نزعه

أمام نفي ابنه منهابلقد عرض هذا الرجل بزنى زوجته : وجه االستداللـ الحد بذلك وال غيره، فدل على ـصلى اهللا عليه وسلمـ ، ولم يلزمه رسول اهللا الرسول

.أن الحد ال يلزم بالتعريض

ـ: وفيه عدة أمور :المعقول .3

يا فاسق ال يلزم به : يا فاسق، فان القول: كل كالم يحتمل معنيين لم يكن قذفا كقوله .1 .حد القذف؛ ألنه يحتمل معنيين، فال يلزم به الحد قياسا على قوله يا فاسق

. م المستعار شبهه، والحدود تدرأ بالشبهاتس االحتمال الذي في االإن .2

- 85 -

§ تدل أصحاب المذهب الثاني على وجوب الحد بالتعريض حال وجود القرينة الدالة واس : بما يليبالزناعلى القذف

ا في زمان عمر بن الخطاب، فقال أن رجلين استب: مالك عن عمرة بنت عبد الرحمنىرو .1واهللا ما أبي بزان، وال أمي بزانية، فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب، : أحدهما لآلخر

قد كان ألبيه وأمه مدح غير هذا، ترى أن تجلده : مدح أباه وأمه، وقال آخرون: ال قائلفق .فجلده عمر الحد ثمانين

أن عمر رضي اهللا عنه أقام الحد بالتعريض، وكان ذلك بحضرة : وجه الداللةـ . أن عمر كان يجلد الحد بالتعريض :وفي المغني .إنكارجمع من الصحابة دون

أن معارض بآثار أخرى وردت عن بعض الصحابة أنهم : الدليليجاب عن هذاـ ـ : الحد بالتعريضإقامةكانوا ال يرون

a. ال حد إال في : د اهللا بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن قال عب:ىجاء في المحل .اثنتين أن يقذف محصنة أو ينفي رجال عن أبيه

b. وعبد اهللا بن عمرو بن العاص بن عبد اهللا عن مكحول أن معاذ بن جبلإسحاقعن و .ليس بجد إال في الكلمة التي لها مصرف، وليس لها إال وجه واحد: قاال جميعا

c. بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطلإذا: وعن الضحاك عن علي بن أبي طالب قال .

. الحد بالتعريضإقامةفدل ذلك على أن عددا من الصحابة يرون عدم

لقرينة الصارفة إلى أحد محتمالتها كالصريح الذي ال يحتمل إال ة مع ايانإن الك: المعقول .2 .ذلك المعنى

أن الصريح بين في الوجه الواحد وال يحتمل إال : ويجاب عن هذا االستداللـ فلس مثل الصريح؛ ألن له معان، والقرينة ال تجعله كالصريح، التعريضمعنى واحدا، أما

.دود تدرأ بالشبهاتوتبقى الشبهة قائمة باالحتمال، والح

§ أن : يعد استعراض هذين المذهبين وأدلتهما، ومناقشة أدلة المذهب الثاني، نرى

مذهب الجمهور وهو عدم إقامة حد القذف بالعريض هو الراجح؛ لقوة أدلته؛ ويتفق مع

- 86 -

والتهمة؛ مبدأ درء الحدود بالشبهات، وال ينبغي أن يوقع الضرر على المسلم باالحتمال .ألن التهمة والشك مظنة الخطأ، وما كان كذلك ال يكون سندا الستباحة األضرار بالمسلم

إثبات حد شرب اخلمر بالقرائن: املسألة الثالثة

§ :هل يجب الحد على من توجد منه رائحة الخمر؟ للفقهاء في ذلك مذهبان

ال يجب الحد : شافعية والحنابلة في المعتمد عندهممذهب الحنفية وال: المذهب األولـ .على من توجد منه رائحة الخمر

يجب الحد : مذهب المالكية وأحمد بن حنبل في رواية عنه والزيدية: المذهب الثانيـ .على من توجد منه رائحة الخمر

§ ـ: واستدل أصحاب المذهب األول على عدم الحد بالرائحة بما يلي

ال حد على من توجد منه رائحة الخمر؛ ألن وجود رائحة : ") الحنفي (قال الكاساني .1 إكراهالخمر ال يدل على شرب الخمر؛ لجواز أن تمضمض بها ولم يشربها أو شربها عن

. "أو مخمصة

باحتمال أن يكون : ـ الحد بالرائحةإقامة معلال عدم ـ): الشافعي (وقال الشربيني .2ا أو مكرها، والحد يدرأ بالشبهة، وال يستوفيه القاضي بعلمه على الصحيح، شرب غالط

.بناء على أنه ال يقضي بعلمه في حدود اهللا تعالى

بأن الرائحة يحتمل أن ـ: الحد بالرائحةإقامة معلال عدم ـ) يالحنبل( وقال ابن قدامه .3 أو ظنها ال تسكر، أو تكون من مضمضته للخمر أو حسبها ماء فلما صارت في فيه مجها

وإذا نبقا بالغا، أو شرب شراب التفاح، فانه يكون منه كرائحة الخمر، أكلكان مكرها، أو .احتمل ذلك، لم يجب الحد الذي يدرأ بالشبهات

إذن أصحاب هذا المذهب لم يوجبوا الحد على من توجد منه رائحة الخمر؛ . فمه، والحدود تدرأ بالشبهاتلالحتماالت المذكورة في انبعاث الرائحة من

- 87 -

§ بما رواد مالك عن ابن شهاب : واستدل أصحاب المذهب الثاني بوجوب الحد بالرائحة

: خرج عليهم فقال ـ رضي اهللا عنه ـ عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطابسائل عما شرب، فإن كان وأنا ،إني وجدت من فالن ريح شراب، فزعم أن شراب الطال

.يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاما

) فجلده عمر بن الخطاب الحد تاما (فسأل عنه فوجده مسكرا : الزرقانيوفي شرح عن الزهري عن عيينةعن ابن ورواه سعيد بن منصور: ثمانين جلده، وقال الزرقاني

.فرأيت عمر بجلده: ائب قالسخبرني معمر الزهري عن الأف

. أن الحد يقام بالرائحة كما فعل عمر: وجه االستداللـ

أن عمر بن الخطاب رضي اهللا عنه لم يجده بوجود الرائحة، : أجيب عن االستداللـ بل بناء على إقرار الشارب، عندما تيقن عمر رضي اهللا عنه أن الشراب المذكور مسكر كما

فإنه ) أي عدم إقامة الحد بالرائحة (نا وحديث عمر حجة ل: ورد في األثر، وقد قال ابن قدامة .ليه عمر واهللا أعلمإلم يجده بوجود الرائحة ولو وجب ذلك لبادر

§ بعد استعراض المذهبين وأدلتهما، وبيان ما أجيب به على أصحاب المذهب الثاني،

الرائحة هو بعدم إقامة الحد ب: أن مذهب الجمهور، وهو المذهب األول الذين قالوا: أرى تطرق وإذاالراجح، وذلك لوجود االحتماالت التي ذكرها الجمهور بخصوص الرائحة،

االحتمال إلى الدليل بطل به االستدالل، فال يجوز إقامة الحد بداللة قرينة الرائحة على شرب غير الخمر، أو أن الشارب كان مكرها أو مخطئا شيءالخمر؛ الحتمال أن تكون الرائحة من

.ي تناوله له ، أو غير ذلك من االحتماالت، التي تعتبر شبها يدرأ بها الحدف

§ : للفقهاء في ذلك مذهبان هل يجب الحد على من تقيأ الخمر؟

. أنه ال حد عليه: الحنفية والشافعية وأحمد بن حنبل في رواية: المذهب األولـ

. حنبل في رواية ثانية والزيدية أن عليه الحد المالكية وأحمد بن:المذهب الثانيـ

§

- 88 -

بما استدلوا به على عدم بالقيءوقد استدل أصحاب المذهب األول بعدم إقامة الحد أو خطأ، أو غير ذلك من إكراه الحد بالرائحة، وذلك باحتمال أن يكون شربها عن إقامة

.أ الشبهاتاحتماالت، التي تعتبر شبها، والحدود تدر

§ ـ: الحد بالقيء بما يليبإقامةواستدل أصحاب المذهب الثاني

لما كان من أمر قدامة ما كان جاء علقمة الخصي : عن المغيرة عن الشعبي قالىبما رو .1 .من قاءها فقد شربها، فضربه الحد: أشهد أني رأيته يتقيؤها، فقال عمر: فقال

شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد، فشهد عليه رجالن : (ذر قال حصين بن المنىرو .2أنه لم يتقيأها : يتقيأها، فقال عثمانرآهأحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه

ول : قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: يا علي قم فاجلده فقال علي: حتى شربها، فقالقم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ : ابن جعفريا عبد اهللا : حارها من تولى قارها، فقال

أربعين، فقال امسك ثم قال جلد النبي صلى اهللا عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين ).وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي

الشديد : الحار) ول حارها من تولى قارها( وقوله: ومما قال النووي في شرحه: الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، قال األصمعي وغيرهالهنيءالبارد : المكروه، والقار

من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخالفة والوالية، أي اوأوساخهول شدتها : معناه: كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخالفة ويختصون به يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناه

.ه أو بعض خاصة أقاربه األدنين واهللا أعلمليتول هذا الجلد عثمان بنفس

أن ما ذكر عن عمر وعثمان رضي باألثرين المذكورين، وأجيب على االستداللـ . اهللا عنهما إنما هو اجتهاد منها، واجتهاد الصحابي ليس حجة على غيره

وبعد استعراض المذهبين المذكورين نرى أن المذهب األول مذهب الجمهور، وهو هو الراجح؛ لقوة أدلته، وألن القيء فيه احتماالت تعتبر شبها، فال يصح بالقيءة الحد عدم إقام . الحد؛ ألن الحدود تدرأ بالشبهاتإلقامةموجبا

§ :هل يجب الحد بوجود إنسان في حالة سكر؟ للفقهاء في ذلك مذهبان

- 89 -

ال يجد : نبل في رواية مذهب الحنفية والشافعية وأحمد بن ح:المذهب األولـ السكران بمجرد وجوده سكران بل حتى يعلم أنه سكر من الخمر وشربه طوعا، وال يجب

.حتى يزول عنه السكر؛ تحصيال للمقصود، وهو االنزجار بوجدان األلم

قالوا : مذهب المالكية وأحمد بن حنبل في رواية ثانية والزيدية:المذهب الثانيـ . كرالسقرينة يجب الحد ب

§ وقد استدل أصحاب المذهب األول بعدم إقامة الحد بمجرد السكر حتى يعلم أنه سكر

ـ : من خمر بما يلي

شرب رجل فسكر فلقي يميل في : أبو داود عن ابن عباس رضي اهللا عنهما قالىرو .1انفلت فدخل على الفج، فانطلق به إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم، فلما حاذي بدار العباس

.أفعلها ولم يأمر فيه بشيء: وقال العباس فالتزمه، فذكر ذلك للنبي فضحك،

.االحتمال أن يكون شب غالطا أو مكرها والحد يدرأ بالشبهة .2

§ أن السكر : وقد استدل عليه أصحاب المذهب الثاني بوجوب إقامة الحد بالسكر بما يلي

. ما لو قامت البينة عليه بشربهافأشبهب الخمر، ال يكون إال بعد شر

وبعد استعراض المذهبين وأدلتهما فالراجح في نظري هو المذهب األول عدم إقامة الحد إال بعد العلم أن سكر من الخمر باختياره وطوعه؛ ألنه قد يكون أكره عليها أبو شربها

.لموهو ال يعمل أنها خبر، والحدود تدرأ بالشبهات واهللا أع

. إثبات حد السرقة بالقرائن: املسألة الرابعة

§ تثبت السرقة باإلقرار أو البينة وإذا اتهم أحدهم بالسرقة ولم تثبت فبإقرار منه أو بينه،

.ولكن وجد المال المسروق عند المتهم هل تثبت السرقة بذلك، ويجب الحد أم ال

الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيديه والشيعة الفقهاءذهب جمهور ـ األمامية إلى عدم إقامة الحد بوجود المال المسروق تحت يد المتهم؛ ألنه يحتمل أن يكون تحت يده بغير السرقة كأن يكون قد اشتراه من أحدهم، أو وهب له ، أو وجده على قارعة الطريق،

- 90 -

تحت يده المال إثبات ذلك، فهذه االحتماالت وغيرها شبه يدرأ أو غير ذلك، ولم يستطع من .بها الحد، والحدود تدرأ بالشبهات

لى أنه إذا وجد المال المسروق مع المتهم يحكم بإقامة الحد عليه إ وذهب ابن القيمـ الصدقإليهما أنهما خبران يتطرق إذابقطع يده؛ ألن هذه القرينة أقوى من البينة، واإلقرار،

.ليه شبههإوالكذب، ووجود المال معه نص صريح ال تطرق

ويبدو واضحا أن مذهب الجمهور هو الراجح؛ ألنه يحتمل أن المال الذي ادعي بسرقته يكون قد وصل إليه بطريق الشراء، أو الهبة، أو أودع عنده، أو التقطه عن الطريق،

ذلك، ووجود المال تحت يده ال يدل ، ولم يستطع إثبات من وسائل التملك المباحأو غير ذلكن ما ذهب إليه ابن القيم ال يؤيده دليل شرعي وال يتفق والقاعدة إبوجه قطعي على سرقته، و

. الشرعية درء الحدود بالشبهات

§ :للفقهاء مذهبان في إثبات حد السرقة بالنكول

وأحمد بن حنبل في إحدى ) والشافعية في المعتمد (نفية والمالكية مذهب الح:األولـ قطع يد (أن حد السرقة : ثالث روايات عنه هي األصح في المذهب الحنبلي والشيعة األمامية

. ال يثبت بنكوله عن اليمين ) المتهم

:وهذه بعض النصوص الفقهية

ن المنوط بفعله قطع؛ أل يستحلف السارق، فإن نكل ضمن وال ي:في الفقه الحنفي .شيئان الضمان ويعمل فيه النكول، والقطع وال يثبت به

إذا ادعى شخص على أخر بالسرقة فأنكرها، وال بينه للمدعى، :وفي الفقه المالكيفطلب من المدعى عليه اليمين، فرد اليمين على المدعى، فحلف الطالب اليمين، ثبت الغرم

.ن القطع إنما هو بالثبوت بالبينة أو اإلقرار طوعا بال رجوععلى المدعى عليه دون القطع؛ أل

ومحل الرد أن حقق المدعى الدعوى فإن اتهمه غرم المدعى عليه :وفي الشرح الكبيربمجرد نكوله وال قطع؛ ألن القطع إنما هو في الثبوت بالبينة أو اإلقرار طوعا بال رجوع، فان

.كما تقدم في الغصبادعى على صالح لم تقبل دعواه وأدب

أن حد السرقة قطع اليد ال يثبت إال باإلقرار : المعتمد في المذهب:وفي الفقه الشافعيأو البينة ، وال يثبت بالنكول ورد اليمين على المدعى وحلفها منه، وإنما يثبت بالنكول واليمين

.المردود التي يحلفها المدعى المال فقط

- 91 -

اإلقرار أو البينة وال يثبت بالنكول : لحد إال بأحد أمرين ال يثبت ا:وفي الفقه الحنبليعن اليمين، وإنما يثبت بالنكول عن اليمين فقط المال دون القطع، فإن تضمنت الدعوى حقا للمدعي مثل أن يدعي بسرقة ماله فأنكر المدعي عليه، ولم يكن للمدعي بينه على دعواه

.هللا تعلىيستحلف المدعى عليه لحق اآلدمي دون حق ا

حال (تسمع دعوى المدعي ويستحلف الخصم فإن حلف : وفي فقه الشيعة األماميةسقطت الدعوى، وأن نكل ردت اليمين على المدعى فيحلف ويحكم المدعى ) عدم وجود البينة

.عليه بالغرم وال يحكم بالقطع؛ ألنه حق هللا محض

كول عن حلف اليمين بالمبدأ وقد استدل الجمهور لمذهبهم بعدم إقامة حد القطع بالنالشرعي أن الحدود تدرأ بالشبهات، إذ ريما نكل عن اليمين تورعا أو رهبة أو غير ذلك من

.، فال يثبت به الحد، والحد ال يثبت غال باإلقرار أو البينة الدليلين القاطعين لإلثباتتاحتماال

: حدى الروايات عنهحمد بن حنبل في إأمذهب الشافعية في قول عندهم و: الثانيـ . حد السرقة يثبت بالنكول عن اليمينإن

أن النكول قرينه دالة على صدق المدعى؛ ألنه لو كان : وقد استدل لهذا المذهبـ صادقا في إنكاره لما نكل عن اليمين، ولكن أصحاب هذا الرأي من الشافعية يذهبون مع نكول

ل المذهب الشافعي في رد اليمين على المدعي عليه على تحليف المدعي، اتساقا مع أصالمدعي، فعند هؤالء أصحاب هذا القول تثبت السرقة بيمين المدعى المردودة مع نكول المدعى عليه كأن يدعي على شخص سرقة نصاب فينكل عن اليمين، فترد على المدعى عليه

فيجب كأن يدعي على شخص سرقة نصاب فينكل عن اليمين، فترد على المدعي، ويحلف، . عندهم كاإلقرار أو البينة والقطع يجب بكل منهما فأشبه القصاصالمردودةالقطع؛ ألن اليمين

أن المذهب األول مذهب الجمهور عدم إقامة : ويعد استعراض المذهبين وأدلتهما، نرىالحد بالنكول هو الراجح؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة المذهب الثاني، إذ أن النكول عن اليمين،

بوت الحق به أو به مع رد اليمين على المدعي ال يمكن بحال أن يرتقي إلى درجة ثبوت وث .الحق باإلقرار أو البينة، وأن النكول عن اليمين مشوب بالشبهة والحدود تدرأ بالشبهات

إثبات القصاص بالقرائن: املسألة اخلامسة

د التحليل في المختبرات أن يوجد مثال بقعة من دم على ثياب المتهم، وبع: من القرائنيتبين أن نوع الدم يوافق نوع دم القتيل، أو البصمات بحيث يوجد بصمات على جسم القتيل أو ثيابه أو مكان وجوده، وبعد تحليل هذه البصمات وتحليل بصمات المتهم بالقتل يتبين أنها

- 92 -

من آثار المتهم، كأن متشابهه أو مطابقة، أو يوجد في مكان الجريمة بعد اكتشافها مباشرة اثر يوجد قطعة من لباسه أو مستعمالته الشخصية كبطاقته أو غير ذلك أو مسدسه الذي يثبت أنه

.ملك له وأن الطلقات القاتلة خرجت منه فهل يثبت القصاص بالقرائن

: لقد اختلف الفقهاء في إثبات القصاص بالقرائن على مذهبين

حنفية وابن فرحون من المالكية وابن القيم مذهب ابن الغرس من ال:المذهب األولـ .من الحنابلة

لقد ذهب هؤالء الفقهاء إلى جواز إثبات القصاص بالقرائن، إذا كانت هذه القرائن قوية إذا خرج رجل من بيت وفي يده سكين متلوث : الداللة وقاطعه، وقد ضربوا لذلك مثاال هو

بالقرينة الظاهرة المذكورة يستدل أنه قاتله، وقد بالدماء، ووجد في البيت قتيل يتخبط في دمه، فذكرت مجلة األحكام العدلية المأخوذة من المذهب الحنفي هذا المثال كما ذكره ابن الغرس

الحجة إما البينة، أو اإلقرار أو اليمين، أو النكول عنه، أو القسامة، : الحنفي، قال ابن الغرس القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به داللة واضحة، أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به، أو

لو ظهر إنسان من داره ومعه سكين في يده : بحيث تصيره في حيز المقطوع به، فقد قالواوهو متلوث بالدماء، سريع الحركة، وعليه أثر الخوف، فدخلوا الدار في ذلك الوقت على

و متضمخ بدمائه، ولم يكن في الدار غير الفور، فوجدوا بها إنسانا مذبوحا لذلك الحين، وهذلك الرجل، الذي وجد بتلك الصفة، وهو خارج من الدار أنه يؤخذ به، إذ ال يمتري أحد في أنه قاتله، والقول بأنه ذبح نفسه، أو أن غير ذلك الرجل قتله، ثم تسور الحائط فذهب إلى غير

. لم ينشأ عن دليلإذذلك، احتمال بعيد ال يلتفت إليه

هذا والجدير بذكره أنه يجري عند الحنفية االستحالف في القصاص في النفس، والطرف، ثم إن أبا حنيفة ذهب إلى أن من نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص فيما دون النفس حال العمد؛ ألن النكول عن اليمين عنده قرينه، يؤخذ بها في القصاص فيما

كول في هذه الحالة قضاء بناء على القرينة فالناكل إما أن يكون مقرا دون النفس، فالقضاء بالنأو باذال ، لذلك يقض بالقصاص في العمد فيما دون النفس أي في األطراف عند النكول عن

وذهب الصاحبان إلى أنه في حالة النكول ال يقض بالقصاص في النفس أو ما دونها .اليمين . ل إقرار فيه شبهه عندهماوإنما يقضي باألرش؛ ألن النكو

إن القصاص ال يثبت بالقرائن، وقد قاسوا : مذهب الجمهور: المذهب الثانيـ القصاص على الحدود، فالحدود تدرأ بالشبهات وكذلك القصاص، فال يثبت بالقرائن لوجود الشبهة، وعلى العموم فإن الحدود والقصاص تندرئ بالشبهات فال تثبت بالقرائن لوجود

- 93 -

وإني أرى أن مذهب الجمهور هو الراجح فال بد من االحتياط في القصاص فإن .هةالشبالقرائن في مجال الجريمة كثيرا ما يكتنفها الغموض واإلشكاالت وعدم الوضوح، والحدود والقصاص تدرأ الشبهات، فال يجوز القصاص إال بوسيلة إثبات قطيعه واضحة ليس فيها شبهه

.البينةكاإلقرار أو

- 94 -

سائل يف القصاص واحلدودم :مقدمة §

الجنايات التي لهـا حـدود : " قال ابن رشد المالكي في بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ: مشروعة أربع جنايات

.ا وهو المسمى قتال وجرح: واألعضاء، والنفوس،على األبدان .1

. وهو المسمى زنى وسفاحا:وجنايات على الفروج .2

ـ: وجنايات على األموال .3

a. حرابة إذا كان بغير تأويليما كان منها مأخوذا بحرب سموهذه .

b . وإن كان بتأويل سمى بغيا.

c. على وجه المغافصة من حرز يسمى سرقةوما كان مأخوذا.

d . وما كان منها بعلو مرتبة وقوة سلطان سمى غصبا.

.وجنايات على األعراض، وهو المسمى قذفا .4

ن المأكول والمشروب، وهذه إنما يوجـد وجنايات بالتعدي على استباحة ما حرمه الشرع م .5 .فيها حد في هذه الشريعة في الخمر فقط، وهو حد متفق عليه

إن الواجب في إتالف النفوس والجـوارح : فلنبتدئ منها بالحدود التي في الدماء فنقول هو إما قصاص وإما مال، وهو الذي يسمى الدية، فإذا النظر أوال في هذا الكتاب ينقـسم إلـى

والنظر في القصاص ينقسم إلى القصاص فـي . النظر في القصاص، والنظر في الدية : قسمينوالنظر أيضا في الديات ينقسم إلى النظـر فـي ديـات . النفوس، وإلى القصاص في الجوارح

: فينقسم أوال هذا الكتاب إلـى كتـابين . النفوس، وإلى النظر في ديات قطع الجوارح والجراح .والثاني يرسم عليه كتاب الديات. القصاصأولهما يرسم عليه كتاب

النظر في القـصاص فـي : األول: هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين و: كتاب القصاص ـ .النظر في القصاص في الجوارح، فلنبدأ من القصاص في النفوس: والثاني. النفوس

.كتاب القصاص في النفوسظر في الموجب، أعني الموجـب إلى الن: والنظر أوال في هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين

فلنبـدأ أوال . وإلى النظر في الواجب، أعني القصاص وفي إبداله إن كان له بـدل . للقصاص

- 95 -

والقاتل التي يجـب ،بالنظر في الموجب، والنظر في الموجب يرجع إلى النظر في صفة القتل ل اتفق، وال من والمقتول القصاص، فإنه ليس أي قاتل اتفق يقتص منه، وال بأي قت ،بمجموعها

أي مقتول اتفق، بل من قاتل محدود بقتل محدود ومقتول محدود، فإذ كان المطلوب فـي هـذا .فلنبدأ من النظر في القاتل، ثم في القتل، ثم في المقتول. الباب إنما هو العدل

قتل اجلماعة بالواحد: املسألة األوىل في قتل رجل واحد فهل يقتالن إذا اشترك اثنان فأكثر: وصورة ذلك على النحو التالي

ـ:؟ اختلف العلماء في ذلك على التفصيل اآلتي به

يرى جمهور الفقهاء أن الجماعة تقتل :يقتل الجماعة بالواحد: ـ الرأي األول .بالواحد، ومن هؤالء أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي، ومالك، وأحمد

ـ:وقد استدل القائلون بقتل الجماعة بالواحد بما يلي

: القرآن الكريم: أوال §

: ( قال تعالى .1 (119

هذه اآلية تدل على أن القاتل سواء كان واحدا أو أكثر قد اعتدى على: وجه الداللةـ حق الحياة فمن اعتدى بالقتل على واحد فقد اعتدى على الجميع، وليس المراد به في المأثم ألن قاتل النفس الواحدة ال يجوز أن يكون إثمه مثل إثم قاتل الجماعة ولذا ال بد وأن يكون المراد به الحكم فكان المراد به أن قتل الواحد كقتل الجماعة حكما فما كان كذلك، وكان

) كتبنا(ويدل على ذلك قوله . ة لو قتلوا جماعة قتلوا بهم كذلك لو قتلت واحدا قتلوا بهجماع .120" وحكمنا فعلنا أن المراد به الحكم) أوجبنا(ومعناه

والسلطان هو القود ولم يفرق بين واحد (121: (قال تعالى .2 .أو جماعة

: (قال تعالى .3 (122 :اهللا سبحانه وتعالى : "وجه الداللةأوجب القصاص الستيفاء الحياة، وذلك أنه متى علم اإلنسان أنه إذا قتل غيره أن سهمه

.32: المائدة 119 .218ص/ 6ج/البحر الزخار: المرتضى 120 .33 اإلسراء آية 121

- 96 -

سنعكس إلى صدره وأنه يقتل به فإنه لم يقدم على القتل فلو قلنا إن الجماعة ال تقتل 123"ولسقط المعنىبالواحد لكان االشتراك يسقط القصاص

:اآلثار: ثانيا §

لو اشترك فيها أهل : "عن ابن عمر رضي اهللا عنهما أن غالما قتل غيلة، فقال عمر .1مثله : إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر: وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه. "صنعاء لقتلتهم

بة بالدرة وأقاد أبو بكر وابن الزبير وعلي وسويد بن مقرن من لطمة وأقاد عمر من ضر .124" وأقاد علي من ثالثة أسواط، واقتص شريح من سوط وخموش

وأخرجه " قتل سبعة من أهل صنعاء برجل : "وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع أن عمر .2أن عمر قتل خمسة أو ستة برجل قتلوه : (في الموطأ بسند آخر من حديث ابن المسيب

). به جميعالو تماأل عليه أهل صنعاء لقتلتهم : غيلة، وقال

حدثني : عن ابن وهب قال125وللحديث قصة أخرجها الطحاوي والبيهقي " :قصة الحديث §أن امرأة بصنعاء غاب : "جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه

أصيل، فاتخذت المرأة بعد : عنها زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها يقال له

.179 البقرة آية 122 .210ص /17ج/ المجموع : النووي 123 .216ص/14ج/فتح الباري: ابن حجر 124أخبرناه أبو زكريا بن أبى إسحاق وأبو بكر بن : " ذكره البيهقي في كتاب النفقات على النحو التالي 125

نعيد بو سأبن وساس الحبو العثنا أبدرو قالوا حمأبى ع : نثنا ابدر حنص نب رحثنا بدح قوبعي نب دمحمصنعاء غاب عنها أن امرأة ب: وهب حدثنى جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعانى حدثه عن أبيه

حجرها ابنا له من غيرها غالم يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليال فقالت لخليلها زوجها وترك فى منه فطاوعها واجتمع على قتله الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها إن هذا الغالم يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت

ثم اءا مفيه سلية وية القرة فى ناحيكيفى ر وهحم فطرأد ة منبيفى ع لوهعجو اءضأع وهقطع ثم فقتلوه =صاحت المرأة فاجتمع الناس فخرجوا يطلبون الغالم قال فمر رجل بالركية التى فيها الغالم فخرج منها

ه رعدة فذهبنا به فحبسناه وأرسلنا رجال الذباب األخضر فقلنا والله إن فى هذه لجيفة ومعنا خليلها فأخذت وهلى وعي ا فكتبهخادمو ل اآلخرجالرأة ورفت المترفاع رنا الخبرف فأخبترل فاعجفأخذنا الر الغالم جفأخر

والله لو أن أهل صنعاء شركوا فى : هم فكتب إليه عمر رضى الله عنه بقتلهم جميعا وقال يومئذ أمير بشأنعينمأج مب قال . قتله لقتلتههن وعيد بس نع بيعىاق السحأبى إس نينا عوور :جل خرجر مهحبفص مقو

ا بهمفأتو ا قتلوهلفوا بالله مإال حكم واحبقتلوا ص مأنه كمودشه حيفقال شر لهأه مهمفاته مهعم سليوا وفقدمأنا أبو : ده ففرق بينهم فاعترفوا قال فسمعت عليا رضى الله عنه يقول عليا رضى الله عنه قال سعيد وأنا عن

من القرسفقتلوا. ح نهع الله ضىر لىع بهم ر16398سنن البيهقي الحديث رقم : البيهقي" فأم .

- 97 -

إن هذا الغالم يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع : لهزوجها خليال فقالتعلى قتل الغالم الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطعوه أعضاء وجعلوه في عيبة وطرحوه في ركية في ناحية القرية ليس فيها ماء ـ وذكر القصة وفيها ـ فأخذ

على وهو يومئذ أمير بشأنهم إلى عمر رضي خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون، فكتب يواهللا لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم : اهللا عنه فكتب عمر بقتلهم جميعا وقال

وفي هذا دليل أن رأي عمر رضي اهللا عنه أن تقتل الجماعة بالواحد، وظاهره . أجمعين .126" ولو لم يباشره كل واحد

من ذلك ما أخرجه الدارقطني عن علي رضي : عنهاآلثار الواردة عن علي رضي اهللا .3اهللا عنه أنه قتل الحرورية بعبد اهللا بن خباب، فإنه توقف عن قتالهم حتى يحدثوا، فلما

اهللا : ذبحوا عبد اهللا بن خباب كما تذبح الشاة وأخبر علي ـ رضي اهللا عنه ـ بذلك قالكلنا قتله، ثالث مرات، فقال : لواأكبر يأدوهم إن أخرجوا لنا قاتل عبد اهللا بن خباب، فقا

وما أخرجه البيهقي 127"دونكم القوم فما لبث أن قتلهم علي وأصحابه: علي ألصحابهخرج قوم وصحبهم رجل فقدموا وليس معهم فاتهمهم : وغيره عن سعيد بن وهب قال

ا ـ شهودكم أنهم قتلوا صاحبكم وإال حلفوا باهللا ما قتلوه فأتوا بهم علي: أهله فقال شريحفسمعت عليا ـ رضي : رضي اهللا عنه ـ قال سعيد وأنا عنده ففرق بينهم فاعترفوا قال

128" أنا أبو الحسن القرم فأمر بهم رضي اهللا عنه فقتلوا: اهللا عنه يقول

إن الجماعة تقتل بالواحد ألن القصاص يجب للواحد على الواحد، " :المصلحة: ثالثا §وألن شرع القصاص : "قال السرخسي 129" لقذففوجب أن يكون على الجماعة كحد ا

لحكمة الحياة وذلك بطريق الزجر كما قررنا ومعلوم أن القتل بغير حق في العادة ال ألن الواحد يقاوم الواحد فلو لم نوجب القصاص على واالجتماعيكون إال بالتغالب

اإلشارة الجماعة بقتل الواحد ألدى إلى سد باب القصاص وإبطال الحكمة التي وقعتيوضحه أنه ال مقصود في القتل سوى التشفي واالنتقام، وذلك حاصل لكل . إليها بالنص

130"قاتل بكماله كأنه ليس معه غيره

.1596ص/ 3ج/ سبل السالم: الصنعاني 126 .251ص/2ج/أحكام القرآن: القرطبي 127 . 270ص/ 2ج/ الدراية في تخريج أحاديث الهداية: وابن حجر. 41ص/ 8السنن الكبرى ج: البيهقي 128 .116ص/7ج/المنتقى شرح الموطأ: الباجي 129 .بيروت/طبعة دار المعرفة/ 127ص/ 26ج/ السرخسي/ المبسوط 130

- 98 -

ألن القتل ال يوجد عادة إال على سبيل التعاون واالجتماع فلو لم : "وفي بدائع الصنائعستعان بغير يضمه إلى إذ كل من رام قتل غيره ا. يجعل فيه القصاص النسد باب القصاص

هذا إذا كان . نفسه ليبطل القصاص عن نفسه وفيه تفويت ما شرع له القصاص وهو الحياةالقتل على االجتماع فأما إذا كان على التعاقب بأن شق رجل بطنه ثم حز آخر رقبته

: اقفالقصاص على الحاز إن كان عمدا وإن كان خطأ فالدية على عاقلته ألنه هو القاتل ال الشأال ترى أنه قد يعيش بعد شق البطن بأن يخاط بطنه وال يحتمل أن يعيش بعد حز رقبته عادة

131"وعلى الشاق أرش الشق وهو ثلث الدية

إن الجماعة ال : وقال داود والليث وربيعة :ال تقتل الجماعة بالواحد: نيالرأي الثاـ الدية وهو قول أحمد في روايته فال يجب القصاص على أحد القتلة، وإنما تجبتقتل بالواحد

.132األخرى، وبه قال حبيب بن أبي ثابت وعبد الملك وابن المنذر وحكي عن ابن عباس

ال قصاص لربيعة وداود أنه : "ورجح الصنعاني هذا الرأي حيث قال :رأي الصنعانيهذه أقوال العلماء في . على الجماعة بل الدية رعاية للماثلة وال وجه لتخصيص بعضهم

المسألة، والظاهر قول داود ألنه تعالى أوجب القصاص وهو المماثلة، وقد انتفت هنا ثم موجب القصاص هو الجناية التي تزهق الروح بها، فإن زهقت بمجموع فعلهم، فكل فرد ليس

وإن كان كل واحد قاتال . بقاتل فكيف يقتل عند الجمهور، وإنما يصح على قول النخعيالمؤثرات على أثر واحد، والجمهور يمنعونه على أنه ال سبيل إلى معرفة بانفراده لزم توارد

أنه مات بفعلهم جميعا أو بفعل بعضهم فإن فرض معرفتنا بأن كل جناية قاتلة بانفرادها لم يلزم أنه مات بكل منها فال عبرة باألسبق كما قيل، وأما حكم عمر رضي اهللا عنه، ففعل صحابي ال

تلزم كل واحد ونسب قائله إلى خالف : وى أنه إجماع غير مقبولة، وقيلتقوم به الحجة ودع 133"اإلجماع هذا ما قررناه هنا

لكن الصنعاني نفسه رجع إلى رأي الجمهور فيما بعد فقد ذكر بعد ترجيحه : أقولثم قوي لنا قتل الجماعة بالواحد، وحررنا دليله في حواشي :"لرأي الظاهرية وربيعة والليث

134"ار، وفي ذيلنا على األبحاث المسددضوء النه

:الرأي المختار §

.بيروت/ طبعة دار المكتب العربي/238ص/7ج/بدائع الصنائع: الكاساني 131 .210ص/17ج/المجموع: والنووي. 366ص/9ج/المغني: ابن قدامة 132 .1598ص/3ج/ سبل السالم: الصنعاني 133 .1598ص/ 3ج/ المرجع السابق: الصنعاني 134

- 99 -

بعد هذا التطواف أرى أن الرأي القائل بقتل الجماعة بالواحد أقرب األقوال لألسباب .التي ذكرها الجمهور وألن هذا الرأي ينسجم مع الغرض من تشريع القصاص

قتل الواحد باجلماعة: املسألة الثانية يقتل بهم جميعا، وال فهلإذا قتل واحد اثنين فأكثر، : يوصورة ذلك على النحو التال

آخر أم يقتل بواحد منهم، ويجب لآلخرين المال؟يءيجب عليه ش

:اختلف العلماء في ذلك إلى عدة آراء

من يءيقتل الواحد بالجماعة، وال يجب مع القود ش: قال األحناف: الرأي األولـ احد جماعة فحضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم وال وإذا قتل و: "قال في الهداية.. المال

135" لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم قتل له وسقط حق الباقينيءش

إن الواحد يقتل بواحد من الجماعة، وللباقين الرجوع : قال الشافعية: الرأي الثانيـ 136إلى الديات

. كان واحدا بعد واحدإما أن يثبت أن قتلهم" :وشرح ذلك وتوضيحه على النحو التاليفإن قتلهم جمعا مرتبا أي . وإما أن يجهل من قتل أوال .وإما أن يثبت أن قتلهم كان دفعة واحدة

وللباقين الديات، وإن قتلهم دفعة واحدة أو جهل األول فبالقرعة . واحدا بعد واحد فيقتل بأولهمووجوب الديات للباقين ألنه ال . اتفمن خرجت عليه القرعة قتل به قطعا للنزاع وللباقين الدي

مماثلة بين الواحد والجماعة، فال يكتفي بقتل واحد دون الرجوع للديات ألن ما حصل منه .ففي التعمد أولى. جنايات متعددة فلو كانت خطأ لم تتداخل

ولو قتله غير األول في الصورة األولى وغير من خرجت له القرعة في الصورة . ا ويعزر لتفويته حق غيره ويقع قصاصا ألن حقه متعلق به وللباقين الديةبر عاصيتالثانية يع

ولو قتله أولياء القتلى جميعا وقع القتل عنهم موزعا عليهم فيرجع كل منهم إلى ما يقتضيه 137"التوزيع من الدية فإن كانوا ثالثة حصل لكل منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية

: لهندجماعة من علماء ا: وانظر. 244ص /10مج/نتائج األفكار الهداية مع تكملة فتح القدير: ابن قودر 135

درر األحكام في : ومنال خسرو. 126ص /4ج/تحفة الفقهاء : والسمرقندي504ص / 6ج/الفتاوى الهندية .95ص /2ج/ شرح غرر الحكام

.127 / 2ج/الوجيز في فقه اإلمام الشافعي: الغزالي 136 .120ص /4ج/ إعانة الطالبين: البكري: وراجع أيضا. 277ص / 7ج/ نهاية المحتاج: الرملي 137

- 100 -

ل رجل نفرا فأتى أولياؤهم جميعا يطلبون القود إذا قت :"وقال الشافعي في األموتصادقوا على أنه قتل بعضهم قبل بعض أو قامت بذلك بينة اقتص للذي قتله أوال وكانت

ولو جاءوا متفرقين أحببت لإلمام إذا علم أنه قتل غير . الدية في ماله لمن بقي ممن قتل آخراتله بمن قتل أوال وإن لم يفعل واقتص منه في الذي جاءه أن يبعث إلى وليه فإن طلب القود ق

عليه فيه ألن لكلهم عليه القود وأيهم جاء فأثبت يءقتل آخر أو أوسط أو أول كرهته له وال شولو أثبتوا عليه معا البينة أيهم قتل . عليه البينة بقتل ولي له قتله دفعة إلى ولي المقتول أوال

أحببت لإلمام أن يقرع بينهم أيهم قتل وليه أوال فأيهم يءقر بشأوال فالقول قول القاتل، فإن لم يوكذلك لو قتلهم معا أحببت له أن يقرع . خرج سهمه قتله له وأعطى الباقين الديات من ماله

وإذا قتل رجل عمدا وورثته كبار وفيهم صغير أو غائب وقتل آخر عمدا وورثته . بينهمبس على صغيرهم حتى يبلغ وغائبهم حتى يحضر فلعل بالغون فسألوا القود لم يعطوه، وح

ولو دفعه اإلمام إلى ولي . الصغير والغائب يدعان القود فيبطل القود ويعطون ديته في مالهيء الذي قتل آخرا وترك الذي قتل آخرا وترك الذي قتله أوال فقتله كان عندي مسيئا وال ش

138"عليهم ألن كلهم استوجب دمه على الكمال

إذا قتل واحد جماعة واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة فاتفق أولياء " :ال الحنابلةوقالجميع على قتله قتل لهم ألن الحق لهم كما لو قتل عبد عبيدا خطأ فرضوا بأخذه، وألنهم

لهم سوى القتل يءرضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشالء وال شوإن أراد أحدهم القصاص واآلخرون الدية كان لهم ذلك . كن لهم سواءألنهم رضوا بقتله فلم ي

فيقتل لمن أراد القصاص ويعطى الباقون الدية من ماله وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد لألول إن كان قتلهم واحدا بعد واحد، ألن حقه أسبق، وألن المحل صار مستحقا له

ألن القتل إذا فات تعينت الدية كما لو بادر غير ولي . ل دية قتالهمبالقتل، وللباقين بعد األواألول واقتص بجنايته فللباقين الدية فإن كان األول غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر قدومه أو

وإن كان قتلهم . بلوغه أو عقله ألن الحق له وإن عفا أولياء الجميع إلى الديات كان لهم ذلكفيقتص من خرجت له القرعة لتساوي حقوقهم . احوا في المستوفى أقرع بينهمدفعة واحدة وتش

وللباقين الدية، وإن بادر غير من وقعت له القرعة فقتله فقد استوفى حقه وسقط حق الباقين إلى الدية، لفوات القتل بالنسبة إليهم، وإن قتلهم متفرقا واحدا بعد واحد وأشكل األول، أو ادعى

ية، وال بينة لهم، فأقر القاتل، أقرع بين األولياء الستواء حقوقهم فمن خرجت له كل ولي األولالقرعة كان له قتل القاتل وللباقين الدية وإن عفا من خرجت له القرعة عن القود قدم ولي

.22ص /6ج/ األم : الشافعي 138

- 101 -

وإن . المقتول بعده فإن لم تكن أولية بعد العافي أو جهلت فبقرعة أخرى بين الباقين وهكذا 139"ات كان لهم ذلكعفوا إلى الدي

ولنا على أبي : " على أبي حنيفة ومالك والشافعي فقال ابن قدامةوقد اعترض الحنابلةفمن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين فإن أحبوا (ـ صلى اهللا عليه وسلم ـ حنيفة قول النبي

القتل أو فظاهر هذا أن أهل كل قتيل يستحقون ما اختاروه من ) قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقلالدية فإذا اتفقوا على القتل وجب لهم وإن اختار بعضهم الدية وجب له بظاهر الخبر، وألنهما جنايتان ال يتداخالن إذا كانتا خطأ أو أحدهما فلم يتداخال في العمد كالجنايات على األطراف

.140" وقد سلموها

علق به حقان ال يتسع افعي أنه محل تـولنا على الش: " قائال الحنبليوأكد ابن قدامةلهما معا رضي المستحقان به عنهما فيكتفي به كما لو قتل عبد عبدين خطأ فرضي بأخذه

الء أو ولي ـحيحة بالشـعنهما، وألنهما رضيا بدون حقهما فجاز كما لو رضي صاحب الصلذمة الحر بالعبد وولي المسلم بالكافر، وفارق ما إذا كان القتل خطأ فإن الجناية تجب في ا

ع لحقوق كثيرة، وما ذكره مالك تغليظا للقصاص ومبالغة في الزجر وفي ـوالذمة تتساص واجب عليه بقتل واحد وإن قتل الثاني ـس هذا فإنه إذا علم أن القصـألتنا ينعكـمس

والثالث ال يزداد به عليه حق بادر إلى قتل من يريد قتله وفعل ما يشتهي فعله فيصير هذا 141" عن ابتداء مع الدية القصاصكإسقاط

االقتصاص من اآلمر واملباشر: املسألة الثالثة

:ومذاهب العلماءتحرير محل النزاع ـ

على أن القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه باتفاق أن يكـون عـاقال بالغـا الفقهاء اتفقملـة اآلمـر مختارا للقتل مباشرا غير مشارك له فيه غيره واختلفوا في المكره والمكره، وبالج

ـ: فإذا لم يكن لآلمر سلطة إكراه على المباشر ففيها مذهبانوالمباشر،

القتل على : قال مالك والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وجماعة : ـ المذهب األول .المباشر دون اآلمر، ويعاقب اآلمر

كشاف القناع عن متن : والبهوتي. بتصرف406 وص405ص / 9ج/المغني : ابن قدامة 139 .. 501 وص500ص/العدة شرح العمدة: والمقدسي. 541ص/5ج/اإلقناع .406ص /9ج/ المغني: ابن قدامة 140 .406ص /9ج/ المغني: ابن قدامة 141

- 102 -

وال يقتالن جميعا، وهذا إذا لم يكـن هنالـك إكـراه : قالت طائفة: ـ المذهب الثـاني .، واألول األصحسلطان لآلمر على المأمور

القصاص من المكره والمكره

أربعة، فإنهم اختلفوا في ذلك على مكرها على القتل إكراها ملجئا وأما إذا كان المباشر ـ: مذاهب على النحو التالي

وأبـو ،، وبه قـال داود يقتل اآلمر دون المأمور، ويعاقب المأمور :ـ المذهب األول .، وبه قال محمد بن الحسن الشافعي اإلمامحنيفة، وهو أحد قولي

.، وزفر بن الهذيليقتل المأمور دون اآلمر وهو أحد قولي الشافعي: ـ المذهب الثاني

.يقتالن جميعا، وبه قال مالك: ـ المذهب الثالث

. أبو يوسفال يجب القصاص على أحد منهما، وبه قال: ـ المذهب الرابع

:حدا على المأمورـ حجة من لم يوجب

اعتبر تأثير اإلكراه في إسقاط كثير من الواجبات في الشرع، لكون المكره يـشبه .1 .من ال اختيار له

).عفي ألمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه : ( وعمال بحديث الرسول .2

المكره، قياسا على ما لو رمى به على المكره كاآللة بدليل وجوب القصاص على .3 .أخيه فقتله، فال قصاص على المرمي اتفاقا

:حد على المأمورأوجب الـ حجة من ومن رأى عليه القتل غلب عليه حكم االختيار، وذلك أن المكـره يـشبه مـن جهـة

. أخيهفهو قد خير بين حياته، وحياة أخيه المعصومة، وليست نفسه بأولى من نفسالمختار،

:مرحد على اآللم يوجب الـ حجة من .بأنه لم يباشر الفعل بنفسه، وال يسمى قاتال حقيقة، والقصاص إنما يجب على القاتل

:مرحد على اآلأوجب الـ حجة من فإنه هو القاتل شرعا، قياسا على ما لو ألسعه حية فقتلته، أو ألقاه إلـى أسـد فأكلـه،

.سيكون سبيال لعدم حفظ حياة الناسوالمصلحة تغلب ذلك؛ وإال ف

- 103 -

مسائل يف أحكام اللعان

. الطرد واإلبعاد من رحمـة اهللا : اإلبعاد والطرد من الخير، وقيل اللعن: اللعان لغة ـ طرده وأبعده، ورجل لعين وملعـون، والجمـع : ولعنه يلعنه لعنا . السب والدعاء : ومن الخلق . اللعن بين اثنين فصاعدا: لعان والمالعنةمالعين، وال

. المباهلة: الذي يلعنه كل أحد، والمالعنة واللعان : الكثير اللعن للناس واللعين : واللعنة . )142( مواضع التبرز وقضاء الحاجة: والمالعن

هي شهادات مؤكدات باأليمان، مقرونة باللعن قائمة مقام حد القـذف : اللعان شرعا ـ . )143( في حقه، ومقام حد الزنا في حقها

أشهد باهللا إني لمن الصادقين فيما رميت : أن يقول الزوج أربع مرات : صفة اللعان ـ إن علي لعنة اهللا إن كنت من الكاذبين فيما رميتهـا : به زوجتي من الزنا، ثم يقول في الخامسة

أشهد باهللا إنه : مس، وتقول الزوجة أربع مرات به من الزنا، وإن كان ولد ينفيه في الكلمات الخ علي غـضب اهللا إن كـان مـن : لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، وتقول في الخامسة

. )144( الصادقين فيما رماني به، وال تحتاج هي إلى ذكر الولد

.وقد ثبتت مشروعية اللعان في الكتاب والسنة

{: فيقول اهللا تعالى : كتابأما ال ـ

{ .

: وأما السنةـ

ـ أن عويمرا العجالني جاء رسول اهللا: عن سهل بن سعد الساعدي قال صـلى اهللا ـ عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول اهللا أرأيت رجال وجد مع امرأته رجال أيقتله فتقتلونـه

. )389 ـ 387: 13 ( لسان العرب،مادة لعن: نظرا) 142(

. 361 معجم لغة الفقهاء ص، 246 ص، للجرجاني،التعريفات) (143 .250 ص، منهاج الطالبين، )229: 7 ( العلماء حلية، )351، 350: 8( ، روضة الطالبين) 144(

- 104 -

أنزل فيك وفي صـاحبتك فاذهـب قد : ( صلى اهللا عليه وسلم فقال رسول اهللا ؟ أم كيف يفعل ـ وأنا مع الناس عند رسول اهللا، فتالعنا:قال سهل) افأت به ـ صلى اهللا عليه وسـلم فلمـا

فطلقها ثالثـا قبـل أن ، كذبت عليها يا رسول اهللا إن أمسكتها :فرغا من تالعنهما قال عويمر .رواه البخاريـ صلى اهللا عليه وسلم ـ يأمره رسول اهللا

إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل : هللا ابن عمر رضي اهللا عنهما قال عن عبد ا وكت وإن س ، أو قتل قتلتموه ،من األنصار فقال لو أن رجال وجد مع امرأته رجال فتكلم جلدتموه

ـ صلى اهللا عليه وسلمـ واهللا ألسألن عنه رسول اهللا ،سكت على غيظ فلما كان من الغد أتى ـ هللا عليه وسلمصلى اـ رسول اهللا لو أن رجال وجد مع امرأته رجـال فـتكلم : فقال، فسأله

فنزلت آية ، وجعل يدعو ، اللهم افتح : فقال ،كت سكت على غيظ أو س ، أو قتل قتلتموه ،جلدتموه . هذه اآليات} والذين يرمون أزواجهم ومل يكن هلم شهداء إال أنفسهم{ اللعان

ـ فجاء هو وامرأته إلى رسول اهللافابتلى به ذلك الرجل من بين الناس صلى اهللا عليه ـ وسلم ثم لعن الخامسة أن لعنـة ، فتالعنا فشهد الرجل أربع شهادات باهللا إنه لمن الصادقين

، مـه : فذهبت لتلعن فقال لها رسول اهللا صلى اهللا عليـه وسـلم ،اهللا عليه إن كان من الكاذبين رواه ) جيء به أسود جعدا فجاءت به أسـود جعـدا لعلها أن ت: ( فلعنت فلما أدبرا قال ،فأبت .وهناك روايات كثيرة تبين هذه الواقعة. مسلم

إنما شرع اللعان من جانب الزوج لدفع العار عنه، ألنه قد ال يمكنه أن يثبت الزنا على يستطيع إثبات ذلك؛ والسبب فـي ، وألنه قد يترجح جانب الصدق في دعواه، وال زوجته بالبينة

ذلك أنه إذا قذف زوجته فإن العار يلحقه بخالف ما لو قذف أجنبية، لذلك وجب في حقه اللعان .إذا لم يجد الشهود، دون المطالبة بحد القذف من قبل الزوجة

§

ك تزنين وليس عنده أربعـة زنيت أو رأيت : إذا رمى الرجل امرأته بالزنا كأن يقول لها . أ .شهود يشهدون بما رماها به

. هذا الحمل ليس مني أو ينفي ولدا له منها: أن ينفي حملها منه فيقول: الحالة الثانية . ب

§

: اختلف الفقهاء في اللعان هل هو يمين أم شهادة على مذهبين

- 105 -

. يأخذ أحكام الشهادة وهو مذهب اإلمام أبي حنيفةأنه شهادة ف: ـ المذهب األول

أنه يمين وليس بشهادة فيأخذ أحكام اليمين وهو مـذهب جمهـور : ـ المذهب الثاني ).مالك والشافعي وأحمد : ( العلماء

:أدلة األحناف

) فشهادة أحدهم أربع شـهادات بـاهللا : ( استدل األحناف على أن اللعان شهادة بقوله تعالى .1 . أشهد باهللا فدل على أنه شهادة: المالعن يقول في لعانهوقالوا

فجاء هالل فشهد والنبـي : ( وفيه) هالل بن أمية ( واستدلوا بحديث ابن عباس في قصة .2) اهللا يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت : صلى اهللا عليه وسلم يقول

. الحديث وفيه لفظ الشهادة صراحة

. ن كلمات الزوج في اللعان قائمة مقام الشهود، فتكون هذه األلفاظ شهادةإ: وقالوا .3

: أدلة الجمهور

إذا جاءك المنافقون : ( بقوله تعالى ) اليمين ( واستدل الجمهور بأن لفظ الشهادة قد يراد به .1 .فسمى الشهادة يمينا). اتخذوا أيمانهم جنة : ( ثم قال تعالى).قالوا نشهد إنك لرسول اهللا

بالـشهادة فـدل ) اهللا ( فقد قرن لفظ الجاللة ) أربع شهادات باهللا ( واستدلوا بقوله سبحانه .2 .على أنه أراد بها اليمين، وشهادة اإلنسان لنفسه ال تقبل بخالف يمينه

واستدلوا بما ورد في بعض روايات حديث ابن عباس ـ رضي اهللا عنه ـ من قوله صلى .3 ".مان لكان لي ولها شأنلوال األي: " اهللا عليه وسلم

والجمهـور .. ألفاظ اللعان شهادات مؤكدات باأليمان : فإن األحناف يقولون : والخالصةفاألولون غلبوا جانب الـشهادة . إنها أيمان مؤكدة بالشهادة وردت بهذه الصيغة للتغليظ : يقولون

. واآلخرون غلبوا جانب اليمين

§

هل هو شهادة أم يمين ترتب عليه اخـتالفهم ) اللعان ( وبناء على اختالف الفقهاء في ـ: فيمن يجوز لعانه، ومن ال يجوز

في الزوج الذي يصح لعانه أن يكون أهـال ألداء الـشهادة علـى : ـ فشرط األحناف فال لعان بين رقيقين، وال بين ( على المسلم المسلم وكذلك الزوجة أن تكون أهال ألداء الشهادة

ـ: واستدلوا بما يلي) كافرين، وال بين المختلفين دينا، وال بين محدودين في قذف

- 106 -

ليس بين الحر واألمـة : أربعة ليس بينهم لعان { : ورد عنه صلى اهللا عليه وسلم أنه قال .1ودية لعـان، ولـيس بـين لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، وليس بين المسلم واليه

.}المسلم والنصرانية لعان

ولم يكن لهم شهداء إال ( : واحتجوا بأن األزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله تعالى .2زوجين، حرين، ( وجب أال يالعن إال من تجوز شهادته فال يصح اللعان إال من )أنفسهم ).مسلمين

إلى أن كل مـن يـصح : عن اإلمام أحمدـ وذهب كل من الشافعي مالك وهو رواية حرين كانـا أو عبـدين، مـؤمنين أو : يمينه يصح قذفه ولعانه، فيجوز اللعان من كل زوجين

.كافرين، فاسقين أو عدلين

عام يتناول جميع األزواج، واآلية لم . }والذين يرمون أزواجهم { : وحجتهم أن قوله تعالى .1 ...ان بين كل األزواجتخصص زوجا دون زوج فوجب أن يكون اللع

وقالوا إن المقصود من اللعان دفع العار عن النفس، ودفع ولد الزنى عـن الـنفس، فكمـا .2يحتاج إليه الملم يحتاج إليه غير المسلم، وكما يدفع الحر العار عن نفسه يدفع العبد العـار

.فإن كل من يجوز يمينه يجوز لعانه عند الجمهور: عن نفسه والخالصة

والفصل في أنها يمين ال شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبـات : ( العربيقال ابن دعواه وتخليصه من العذاب وكيف يجوز ألحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما

).يوجب حكما على غيره، هذا بعيد في األصل معدوم في النظر اليمين والشهادة فهو : مع الوصفين والصحيح أن لعانهم يج : ( وقال ابن القيم رحمه اهللا

والتكرار القتضاء الحال تأكيد األمر، ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عـشرة . شهادة مؤكدة بالقسم .ثم سرد تلك األنواع... ) أنواع

§

ينيبه الحـاكم ألنـه إذا اتفق الفقهاء على أن اللعان ال يجوز إال بحضرة الحاكم أو من وينبغـي أن ... وإقامة الحد من خصائص الحكـام . نكل أحدهما أو ثبت عليه األمر وجب الحد

عذاب الدنيا أهو من عـذاب : يعظ اإلمام الزوجين ويذكرهما بعذاب اهللا ويقول لكل واحد منهما قـوم مـن لـيس أيما امرأة أدخلت على { : اآلخرة ويخوفهما بمثل قوله صلى اهللا عليه وسلم

وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه .. منهم فليست من اهللا في شيء ولن يدخلها اهللا الجنة .}احتجب اهللا عنه وفضحه على رؤوس األولين واآلخرين

- 107 -

§

أن يبدأ الزوج فيقـول : وضحت اآليات طريقة اللعان وكيفيته بشكل جلي واضح وهي ثم يخـتم فـي ". أشهد باهللا إني لصادق فيما رميتها به من الزنى : " بع مرات الصيغة التالية أر

ثم تالعن "... لعنة اهللا عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى : "المرة الخامسة بقوله ثم تختم في ". أشهد باهللا إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى : " المرأة فتقول أربع مرات

". غضب اهللا عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى : " المرة الخامسة بقولها

وظاهر اآلية الكريمة أنه ال يقبل من الرجل أقل من خمس مرات وال يقبل منه إبـدال اللعنة بالغضب، وكذلك ال يقبل من المرأة أقل من خمس مرات وال أن تبدل الغـضب باللعنـة

.بداءة تكون بالرجل في اللعان وهو مذهب الجمهور من فقهاء األمصاروال

ومرجع الخالف أن الفقهاء يرون . يعتد بلعانها إذا بدئ به : وقال أبو حنيفة رحمه اهللا لعان الزوج موجبا للحد على الزوجة ولعانها يسقط ذلك الحد، فكان من الطبيعـي أن يكـون

يفة ال يرى لعان الزوج موجبا للحد على الزوجـة ألن حـد وأبو حن . لعانها متأخرا عن لعانه .الزنى ال يثبت إال بأربعة شهود، أو باإلقرار، فليس من الضروري أن يتأخر لعانها عن لعانه

هذه كيفية اللعان المأخوذة من القرآن ويزاد عليها من السنة أنه إذا كانت المرأة حامال ) وإن هذا الحمل ليس مني : (أن يذكره في لعانه فيقول وأراد الزوج أن ينفي ذلك الحمل وجب

وكذلك إذا كان هناك ولد يريد الزوج نفيه وجب التعرض لذلك في اللعـان، وينـدب أن يقـام الرجل حتى يشهد والمرأة قاعدة وتقام المرأة والرجل قاعد حتـى تـشهد ويـستحب التغلـيظ

ذلك إنما ثبت بالـسنة والمطهـرة، بالزمان والمكان وبحضور جمع من عدول المسلمين، وكل . فيجري اللعان في مسجد جامع وأمام جمع غفير للتغليظ واهللا أعلم

§

ـ : اختلف الفقهاء فيما إذا نكل أحد الزوجين عن اللعان هل يجب عليه الحد؟

إذا نكل عن اللعان فعليه حد القـذف أن الزوج ) مالك والشافعي وأحمد : ( ـ مذهب الجمهور .وإذا نكلت الزوجة عن اللعان فعليها حد الزنى

وإذ نكلـت .. إذا نكل الزوج عن اللعان حبس حتى يالعن أو يكذب نفـسه : ـ وقال أبو حنيفة .المرأة حبست حتى تالعن أو تقر بالزنا فيقام عليها حينئذ الحد

: أدلة الجمهور

:الحد بأدلة نلخصها فيما يأتياستدل الجمهور على وجوب

- 108 -

ثم عطـف عليـه حكـم ). والذين يرمون المحصنات ( إن اهللا تعالى قال في أول السورة .1فكما أن مقتـضى قـذف األجنبيـات اإلتيـان ) والذين يرمون أزواجهم : ( األزواج فقال

.بالشهود أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات اإلتيان باللعان أو الحد

ال يصح أن يراد منه عذاب اآلخـرة، ألن الزوجـة إن " ويدرأ عنها العذاب " : قوله تعالى .2كانت كاذبة في لعانها لم يزدها اللعان إال عذابا في اآلخرة، وإن كانت صادقة فال عـذاب عليها في اآلخرة، فتعين أن يرد به عذاب الدنيا وهو المذكور في اآلية السابقة وهي قولـه

.وهو حد الزنى" طائفة من المؤمنينوليشهد عذابهما: "تعالى

الرجم أهون عليـك : ( ويؤيد هذا قول النبي صلى اهللا عليه وسلم لخولة زوج هالل : قالوا .3 .وهو نص في الباب) من غضب اهللا

). البينة أو حد في ظهرك : ( وقوله صلى اهللا عليه وسلم لهالل بن أمية .4

: أدلة أبي حنيفة

:بما يليواستدل أبو حنيفة رحمه اهللا

) اللعـان ( يفهم منه أن الواجب في قذف الزوجات " والذين يرمون أزواجهم : "قوله تعالى .5ال الحد وهذه اآلية إما ناسخة ألية القذف، وإما مخصصة فال يجب على كال الحالين سوى

.فإذا امتنع الزوج حبس حتى يالعن وإذا امتنعت الزوجة حبست حتى تالعن) اللعان(

ذا امتنعت لم تفعل شيئا سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك ليس ببينـه علـى إن المرأة إ .6زنى : ال يحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث : " الزنى فال يجوز رجمها لقوله عليه السالم

".بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس

لحد به كاللفظ المحتمل للزنـى النكول عن اللعان ليس بصريح في اإلقرار فلم يجز إثبات ا .7 .وغيره ال يجوز إثبات الحد به

والعجب من الـشافعي عيـه : ( في االنتصار لمذهب أبي حنيفة : قال العالمة األلوسي الرحمة ال يقبل شهادة الزوج عليها بالزنى مع ثالثة عدول ثم يوجب الحد عليها بقولـه وحـده

يمين عنده وهو ال يصلح إليجاب المال وال ) لعان ال( وأعجب منه أن ... وإن كان عبدا فاسقا ) الـرجم ( إلسقاطه بعد الوجوب، وأسقط به كل من الرجل والمرأة الحد عن نفسه وأوجب به

.وكون النكول إقرارا به شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات!! الذي هو أغلظ الحدود على المرأة

متنعة في إحدى الروايتين عنه بأنهـا ووافق اإلمام أحمد األحناف في كحم الزوجة الم .ال تحبس ويخلي سبيلها كما لو لم تكمل البينة: تحبس وال ترجم وفي رواية أخرى عنه

- 109 -

وبالجملة فقاعدة الدماء بناها في الشرع على أنها ال تـراق إال البينـة : ( قال ابن رشد فـأبو حنيفـة ).. شترك العادلة أو االعتراف، ومن الواجب أال تخصص هذه القاعدة باالسم الم

بقـوة " البرهـان "في هذه المسألة أولى بالصواب إن شاء اهللا وقد اعترف أبو المعالي في كتابه ). اإلمام أبي حنيفة في هذه المسألة وهو شافعي

رأي أبي حنيفة وإن كان وجيها إال أنه ليس بقوة رأي الجمهور لظهور أدلـتهم : أقول .اختاره شيخ المفسرين الطبري وغيره من الجهابذة األعالمالنقلية، وهو ما نختاره كما

§

قضت السنة النبوية أن المتالعنين ال يجتمعان أبدا ، فإذا تالعن الزوجان وقعت الفرقة ـ ) التأبيد ( بينهما على سبيل : قاللما روي عن ابن عباس أن النبي ـ صلى اهللا عليه وسلم

).المتالعنان إذا تفرقا ال يجتمعان أبدا (

والحكمة في ذلك ). مضت السنة أال يجتمع المتالعنان : ( وعن علي وابن مسعود قاال أنه قد وقع بينهما من التباغض والتقاطع ما أوجب القطعية بينهمـا بـصفة ) التحريم المؤبد (

ا وفضحها على رؤوس األشـهاد، وأقامهـا فإن الرجل إن كان صادقا فقد أشاع فاحشته . دائمةمقام الخزي والغضب، وإن كان كاذبا فقد أضاف إلى ذلك أنه بهتها وزاد في إيالمها وحسرتها

وكذلك المرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رؤوس األشهاد وأوجبت عليه لعنة اهللا . وغيظهافقـد حـصل . زمته العار والفضيحة وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها، وأل

بينهما النفرة الدائمة والوحشة البالغة ومن المعلوم أن أساس الحياة الزوجية الـسكن والمـودة، وقد اتفق الفقهاء على وجـوب . والرحمة وقد زالت هذه باللعان فكانت عقوبتهما الفرقة المؤبدة

لم يخالف في ذلك أحـد إال مـا ) بدةمؤ(التفريق بين المتالعنين وعلى أن الحرمة بينهما تكون ال يقع باللعان فرقة إال أن يطلقهـا وهـو قـول مـردود : أنه قال ) عثمان البتي ( روي عن

ولكن الفقهاء اختلفوا متى تقع الفرقة بين المتالعنين؟. لنصوص المتقدمة

. إلى أن الفرقة تقع بمجرد لعان الزوج وحده ولو لم تالعن الزوجةـ فذهب الشافعي

في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة ال تقع إال ـ وذهب كل من اإلمام مالك وأحمد .بلعانهما جميعا

في روايته األخرى على أن الفرقة ال تقع إال بتمام لعانهما ـ وذهب أبو حنيفة وأحمد . وتفريق الحاكم بينهما

- 110 -

ـ : أما حجة الشافعي ول الـزوج وحـده فهي أن الفرقة حاصلة بالقول، فيستقل بهـا قويدرأ عنهـا : " كالطالق وال تأثير للعان الزوجة إال في دفع العذاب عن نفسها كما قال تعالى

. فدل على أنه ال تأثير للعان المرأة إال في دفع العذاب عن نفسها" العذاب

فهي أن الشارع قد أمر بالتفريق بين المتالعنين وال يكونان متالعنـين : أما حجة مالك وأيضا لو وقعت الفرقة بلعان الزوج ألصبحت المرأة أجنبية عنه فتكـون .. الزوج وحده بلعان

. المالعنة أجنبية وقد أوجب اهللا اللعان بين الزوجين

فهي أن الفرقة ال تحصل إال بتمام لعانهما وتفريق الحاكم : أما حجة أبي حنيفة وأحمد ففرق رسول اهللا صلى اهللا عليـه ( سابق بينهما عمال بالسنة المطهرة ففي حديث ابن عباس ال

وهذا يقتضى أن الفرقة لم تحصل قبله، وألن اللعان نوع من الحدود، والحـدود ) وسلم بينهما .ولعل هذا الرأي هو األصح واألرجح... إنما يجريها الحاكم فال بد إذا من تفريق الحاكم

§

وإذا تالعن الزوجان ثم أكذب الرجل نفسه فحد حد القذف فهل تحل له زوجته؟

ال تحل له زوجته ألن الفرقة مؤبدة وقد قضت السنة بأنهما ال : ـ قال مالك والشافعي يجتمعان أبدا فال طريق إلى العودة عمال بالنصوص المتقدمة كما في المطلقة ثالثا وهو مذهب

.ابعينجمهور الصحابة والت

إذا أكذب الرجل نفسه فهو خاطب من الخطاب ألنـه إذا اعتـرف : ـ وقال أبو حنيفة قال ابـن : بكذبه وحد حد القذف لم يبق مالعنا وإنما أصبح كاذبا فيحل له العودة على زوجته

وروي عن أحمد روايتان أصحهما أنه ال تحل له زوجتـه، الثانيـة يجتمعـان بعـد : الجوزي .ل أبي حنيفةالتكذيب وهو قو

والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ألن اللعان يوجب الحرمة المؤبدة كمـا دلـت بـذلك .اآلثار سواء أكذب نفسه أم ال واهللا أعلم

§

إذا نفي الرجل ابنه وتم اللعان بنفيه له انتفى نسبه من أبيه وسقطت نفقته عنه، وانتفـى وقضى رسـول ): " عمرو بن شعيب (نهما ولحق بأمه فهي ترثه وهو يرثها لحديث التوارث بي

اهللا صلى اهللا عليه وسلم في ولد المتالعنين أنه يرث أمه وترثه أمه، ومن رماهـا بـه جلـد ويؤيد هذا الحديث األدلة الدالة على أن الولد للفراش وال فراش هنـا لنفـي الـزوج " . ثمانين

داخلة فـي المحـصنات ) المالعنة(به اعتبر قاذفا وجلد ثمانين جلدة ألن وأما من رماها .. إياه

- 111 -

ولم يثبت عليها ما يخالف ذلك فيجب على من رماها بابنها حد القذف ومن قذف ولدها يجـب ...حده كمن قذف أمه سواء بسواء

أما بالنسبة لألحكام الشرعية فإنه يعامل كأنه أبوه من باب االحتياط فال يعطيـه زكـاة المال، ولو قتله ال قصاص عليه، وال تجوز شهادة كل منهما لآلخر، وال يعد مجهول النـسب فال يصح أن يدعيه غيره، وإذا أكذب نفسه ثبت نسب الولد منه ويزول كل أثر اللعان بالنـسبة

درء : ( يتعلق باللعان خمسة أحكـام : وروي اإلمام الفخر عن الشافعي رحمه اهللا أنه قال . للولدوكلها تثبت بمجرد لعانـه، ) ، ونفي الولد، والفرق، والتحريم المؤبد، ووجوب الحد عليها الحد

.وال تفتقر إلى حكم الحاكم