Transcript
Page 1: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الحكمة الثامنة عشرة إحالتك األعمال على وجود الفراغ؛ من

رعونات النفس

(( ال��تي يعنيه��ااألعمالأوال: يجب أن نعلم أن )) ابن عط���اء ا لل���ه هن���ا هي الوظ���ائف واألوام���ر

الدينية. ا: إن المع��نى ال��ذي تتض��منه ه��ذه الحكم��ةني��ثا

مع��روف وم��ألوف، غ��ير أن��ه يغيب م��ع ذل��ك عنكثيرين األذهان، لدى التوجه إلى الوظائف

واألعمال الدينية. ومن ثم فقد ك��ان ه��ذا المع��نى بحاجة إلى دراسة وش��رح كم��ا أن الن��اس بحاج��ة إلى التنبيه إلى أهمية هذا المع��نى، وإلى خط��ورة اإلع��راض عن��ه واالس��تهانة ب��ه. ونب��دأ ببي��ان ذل��ك

بشيء من التفضيل: يقول أحدهم، وقد انهم��ك في ش��روعه التج��اري، لمن ي��ذكر ب��أوامر ا لل��ه، واالرتب��اط بمجلس من مجالس العلم، أو التقي��د بمنه��اج دراس��ي خفي��ف يتعلم من خالله عقائ��د اإلس��الم وأحكام��ه، يق��ول

له: إن��ني ق��د وض��عت ه��ذا ال��ذي تق��ول في برن��امج أعمالي، وأدرجته في سلم وظائفي، لكنني أنتظر الف��راغ من مش��روعي التج��اري ه��ذا ال��ذي مل��ك

Page 2: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

علي سائر أوق��اتي.. إن��ني مض��طر أن أولي��ه اآلن ك��ل وق��تي وجه��دي ألن��ني إن لم أفع��ل ذل��ك،

فلسوف تفوتني الفرصة بدون ريب؟.. وتق��ول ألح��دهم: إن ا لل��ه ق��د أكرم��ك بالم��ال الوفير، ومتع��ك ببحبوح��ة من العيش، فهال ع��دت بشيء من فضول أموال�ك إلى ه�ؤالء المحت��اجين الذين من حولك. فيجيب: ومن قال لك إني ذاهل عنهم أو أن��ني ن��اس لواج��بي تج��اههم؟ إن��ني ق��د قررت، إذا نجح مشروعي التجاري هذا ال��ذي أن��ا منهمك في��ه اآلن، بن��اء مستوص��ف للفق��راء، بن��اء مش��فى، س��أعود بعش��رين في المئ��ة من ري��ع مشروعي هذا إلى األسر الفقيرة السيما الشباب المحت��اجين إلى ال��زواج.. س��أفعل.. وسأتص��دق..

sنظرني فقط إلى ظهور نتائج المشروع!.. أ وتتج���ه إلى طائف���ة الم���وظفين، وذوي ال���رتب العسكرية في القطعات والمعسكرات، فتذكرهم بحقوق ا لله عز وج��ل، والوظيف��ة العظمى ال��تي خلق ا لله اإلنسان من أجله��ا، وس��خر ل��ه م��ا في السماوات واألرض خادما له على طري��ق أدائه��ا، من اإلقب��ال على معرف��ة العقائ��د اإليماني��ة اوال، وااللتزام بأوامر ا لله السلوكية ثاني��ا، فيق��ول ل��ك أحدهم، وهو يشعرك بأنه يتب��وأ وظيف��ة حساس��ة،

تتجه إليها أنظار الرقباء:

Page 3: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

بيني وبين الوصول إلى التتقاع��د خمس س��نوات، وال أخفيك أن��نى س��أتجه ف��ور تقاع��دي حاج��ا إلى بيت ا لله الحرام، ولسوف تج��دني بع��د ذل��ك في أول صف في المسجد عند كل صالة. وال أخفي��ك أنني شديد الرغبة في دراس��ة الق��رآن والعك��وف على فهم��ه وتفس��يره.. سأض��ع منهاج��ا لدراس��ة

اإلسالم وأحكامه. فإن قلت له: فما الذي يمنعك من أن تباشر ذلك من اآلن؟ حدق في عينيك مشيرا، ثم مصرحا إن لم تفهم، بأن��ه يم��ارس وظيف��ة حساس��ة ويتب��وأ

مركزا يلفت األنظار. م��ا ال��ذي يق��ال له��ؤالء المس��تعجلين في أم��ور معاش��هم ال��تي ض��منها الل��ه لهم، والمس��وفين

لواجباتهم الربانية التي كلفهم ا لله بها؟ نقول م��ا قال��ه ابن عط��اء ا لل��ه: إنه��ا رعون��ة من

رعونات النفس. ولكنا نبدأ فنسأله قبل أن نواجهه به��ذه الحقيق��ة: ما المهمة ال��تي خلق��ك ا لل��ه من أجله��ا؟ لعل��ه ال يعلم الجواب، ولعله لم يص��غ في ي��وم من األي��ام إلى حديث ا لله عن مهمة اإلنسان ووظيفته التي خلق من أجلها. إذن نضعه أمام قول ا لله تعالى:

���دون ) sعب sقت الجن{ وsاإلنسs إال{ لي ل sا خ���sمsا56و���sم ) sن يطعم���ون أري���د منهم من رزق وsم���sا أري���د أ

Page 4: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

ونضعه أمام ق��ول الل��ه(.�� 57-51/56)الذاريات: ولتعالى: س�� {ه وsللر{ sجيبوا لل ت {ذينs آمsنوا اس�� هsا ال sي sاأ ي

( وأم��ام8/24 )األنف��ال: إذsا دsع��sاكم لم��sا يحييكم��sارا وsقوده��sا قوله تعالى:.. sهليكم ن كم وsأ sنفسs قوا أ

sاد الsد ظ ش�� sة غال��s ئك sالsا م��sيهs ة عsل sار��sالحجsاس و} النsرونs��ؤم sفعsل��ونs م��sا ي هم وsي sر��sمs {هs م��sا أ ونs الل sعص�� ي

(.66/6)التحريم: إذن فالمطلوب من اإلنسان الذي قضى ا لل��ه أن يكون له نصيب من الحياة ف��وق ه��ذه األرض، أن يعرف ربه من خالل معرفته لنفسه عبدا مملوك��ا له، ثم أن يصغي إلى الوصايا واألوام��ر والن��واهي التي خاطب��ه الل��ه به��ا، فينهض به��ا وينف��ذها على

الوجه المطلوب. ثم إن ا لل���ه ض���من لإلنس���ان في مقاب���ل ذل���ك حاجات��ه وأس��باب طمأنينت��ه ورغ��د عيش��ه وس��خر لمصلحته سائر المكونات التي حوله، كما قد قال{ال في شخص آدم عليه الس��ادم إذ خاطب��ه له ممث

إن{وهو في الجنة بما حكاه لن��ا في محكم كتاب��ه: ى ) sع��رs sجوعs فيهsا وsالs ت sال{ ت sكs أ 118ل sظم��sأ {كs الs ت sن ( وsأ

sضحsى )طه: (.119-20/118فيهsا وsالs ت وإليك هذا المثال الذي يقرب إليك هذه الحقيق��ة،

وما أكثر الناس التائهين عنها:

Page 5: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

موظف أرسله رئيس الدول��ة إلى بل��ده في دول��ة{ف��ه به��ا. منبمنائي��ة، ليق��وم هم��ة مح��دودة كل

الطبيعي أن يكل{ف س��فير ه�ذه الدول��ة باس��تقباله��أ ل��ه فيه��ا لدى وص��وله إلى تل��ك البل��دة، وأن تهي إقامة كريمة، وأن ت��وفر ل��ه أس��باب الراح��ة على اختالفها، إلى جانب العالوات المالي��ة ال��تي تق��دم

إليه. ليس في الناس من يجه��ل أن الرج��ل إنم��ا أوف��د إلى تلك البلدة الناية ليستجيب لم��ا ق��د كلف��ه ب��ه رئيس الدولة من القي��ام بالمهم��ة ال��تي أوض��حها له، على خير وجه، فتلك هي وظيفت��ه ال��تي يجب أن ينفق في سبيلها وقت��ه ط��وال غياب��ه في ذل��ك المكان، وإنما توفر له ماتوفر من المال وأس��باب الراحة والنعيم هناك، ليكون كله مس�خرا وخادم�ا

على طريق إنجازه للمهمة التي أوفد من أجلها. فماذا تقول فيمن ركن إلى ذل��ك النعيم وأس��بابه، وع���انق تل���ك المت���ع واس���تنفد وقت���ه كل���ه في اعتصارها والتلذد بها، ناس��يا أو متناس��يا الوظيف��ة التي أوفد إلى تل��ك ال��ديار من أجله��ا، أو مس��وفا لواجباته تجاهها ريثما يروي ظمأه أو يش��بع نهم��ه

من أسباب النعيم التي أ حيطت به؟!..

Page 6: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

أق��ل مايق��ال عن��ه في ذل��ك إن��ه ق��د خ��ان س��يده ورئيسه فيما قد كلف به، وأنه استسلم لرعونات

نفسه. أال فلتعلم أنها هي ذاتها قصة اإلنسان الذي أوف��د إلى هذه الحياة الدنيا لمهم��ة قدس��ية أنب��أه ا لل��ه بها وشرحها له في خطابه الذي شرفه وكلمه به، ولكنه أعرض عنها ونسيها أو تناساها، واتجه ب��دال عنها إلى الدنيا التي سخرها ا لله له على طري��ق السير إلى أداء مهمته، فركن إليها، واستمتع به��ا، ورقص على إيقاعاته��ا، ونس��ي س��يده وأوام��ره. وفضله وإكرامه. التقط المغانم فعانقها، وأعرضعن المغارم والواجبات فنسيها أو استخف بها!!..sع��د من ي��ذكره بالوظ��ائف وفي أحسن األح��وال، ي ال��تي يالحق��ه ا لل��ه به��ا في ه��ذه الحي��اة، بأن��ه س��يلتفت إليه��ا ويهتم به��ا عن��دما ي��ذوي ش��بابه وتتراجع غرائزه وتنطفئ ج��ذوة نش��اطه وتنكس��ر حدة نهمه وإقباله. فيع��اف بقاي��ا لذائ��ذه ونعيم��ه، ويمضي ثمالة عمره مقوس الظه��ر، معتم��د على عك��از، عندئ��ذ س��يقبل على ا لل��ه، ويعطي��ه من

نفسه ومن إمكاناته ماقد طلبه منه!!.. فهل بوسعك أن تتصور للحظة واحدة أن هذا ه��و ش��أن العب��د الممل��وك م��ع رب��ه المال��ك؟ أم ه��ل

Page 7: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

تتصور أن هذا هو شأن ال��وفي م��ع س��يده المنعمالمترم المتفضل؟!.. هذه الرعونة التي يقع فيهالأما اآلن، فإليك تحلي

ه��ذا الش��خص وأمثال��ه، من خالل بي��ان أبعاده��االتالية:

أوال: من أين له��ذا اإلنس��ان أن��ه س��يعيش إلى أن يف���رغ من مش���اريعه التجاري���ة، أو من أحالم���ه التوس��عية، أو إلى أن يتقاع��د من وظيفت��ه؟ ومن الذي أخبره، فصدقه، أنه سيعيش إلى األمد الذي يحلم به، وأن الموت لن يتخطفه بعد أيام أو بع��د

أسابيع؟ وأنت تعلم أن ا لله قضى ب��الموت على ك��ل حي وأكد لإلنس��ان أن��ه لن يتخلص من عادي��ة الم��وت مهما أمكنته الحيل ومهما تمكن من ناص��ية العلم واستكثر من نتائج قدراته، ولحكمة باهرة عظيمة أخفى عنه ميقات قضائه ه��ذا، فليس في الن��اس كلهم من يعلم أين يقف من الطابور الممتد أمام باب الموت، أهو يقف في أول��ه أم في آخ��ره، أم

فيما بين طرفيه!.. وكم من إنسان مد جسورا من اآلم��ال بين��ه وبين ظلمات الغيب الذي هو مقب��ل علي��ه، فلم يتح ل��ه أن يقطف من آماله تلك إال الحسرة واألسى، قد ك��ان الم��وت المخب��وء وراء أذن��ه أس��رع إلي��ه من

Page 8: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

آماله التي كان ينسجها. وحاق به ق��ول ا لل��ه ع��ز��sدحاوج��ل: كs ك ب sى رs ��sادح إل {كs ك ان إن sا اإلنس����sه sي sاأ يقيه sمالs(.84/6 )االنشقاق: ف

ثاني��ا: لم��اذا يجع��ل ه��ذا اإلنس��ان التس��ويف من نص��يب واجبات��ه األساس��ية ال��تي خلق��ه ا لل��ه من أجله��ا، واليجعل��ه من نص��يب أنش��طته الدنيوي��ة

ورغباته المعيشية التي ضمنها ا لله تعالى له؟.. لماذا يلهث وراء مجموعة أعمال ويتجه إلى ع��دة مشاريع في آن واحد يم��زق وقت��ه بينه��ا ويقض��ي على راحته في سبيلها كلها، فإذا جاء من ينص��حه بأن يريح نفسه وأن ال يجمع على كيانه ركاما من المش��اريع والوظ��ائف والمه��ام في وقت واح��د، أج��اب ق��ائال: الواجب��ات المعيش��ية أو التجاري��ة كثيرة، وك��ل منه��ا مره��ون بوقت��ه، ف��إن ه��و أخ��ر واحدا منها ريثم��ا ينج��ز ال��ذي ق��د فاتت��ه الفرص��ة

وخسر الصفقة!.. فإن قلت له: ففيم الح��رص على االس��تئثار بك��ل هذه المشاريع أو الصفقات، وهال اكتفيت بم��ا ق��د يغني��ك منه��ا؟ أجاب��ك ب��درس طوي��ل يعلم��ك من خالله الطموح الذي ال يقف عند حد، وال يعرف ما يس���مى بمقي���اس الحاج���ة أو مقوم���ات العيش

الكريم.

Page 9: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

قل له: ما التي ذكرك بهذا الطموح الذي تعتز ب��ه وتعلمنا إياه، عندما تكون بصدد ما قد ضمنه ا لله لك من أمور معاشك ودني��اك، وم��ا ال��ذي أنس��اك هذا الطموح ذاته، وزجك في نقيض��ه من الكس��ل واإلهمال، عندما تجد من ي��ذكرك بالوظيف��ة ل��تي

طلبها ا لله منك وخلقك من أجلها؟ ئم ذكره بحكم��ة أخ��رى البن عط��اء ا لل��ه، يق��ولمن ل��ك ل��ك، وتقص��يرك فيها: ))اجتهادك فيما ض�� فيم��ا طلب من��ك، دلي��ل على انطم��اس البص��يرة

منك((. يالثا: إن الوظائف الدينية التي كلف ا لله اإلنسان بها، ذات هدف مع��روف ومك��رر في كت��اب ا لل��ه تعالى، أال وه��و التربي��ة وتزكي��ة النفس ودور ه��ذا اله���دف يتمث���ل في تقي���د األنش���طة واألعم���ال الدنيوية من تجارة وصناعة وزراعة، ووظائف أي��ا كانت، بقيود األخالق لكي تبعدها عن س��بل الغش

والخداع والختل والمكر باآلخرين. وه��ذا يتوق��ف على أن يتم��ازج النش��اط ال��دنيوي بأشكاله وأنواعه المختلفة بالوظائف الدينية التى ت��ربي الف��رد وت��زكي النفس... إذ يغ��دو االل��تزام بالوظ�ائف واألوام�ر الديني�ة رقيب��ا على اس�تقامة الس��لوك بص��دد األنش��طة وااللتزام��ات الدنيوي��ة على اختالفها، فيتسامى ك��ل من الت��اجر والص��انع

Page 10: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

وال��زارع والعام��ل والموظ��ف والعس��كري، عن الخيان��ة والخ��دع وال��دجل في المعامل��ة، ويتف��انى العامل والموظف والعسكري ورجل األمن صدقا

وإخالصا في أداء المهمة. أج��ل.. إن ه��ذا االش��تباك المتم��ازج بين ال��دين والدنيا، هو الذي ييسر للدين أن يحقق مهمته في حياة الفرد والمجتمع، وهو الذي يبرز للدنيا وجهها

الحضاري واإلنساني المسعد الصحيح. أما م��ا يعم��د إلي��ه ه��ؤالء ال��ذين يص��رون على أن يفكوا االشتباك بين األعم��ال واألنش��طة الدنيوي��ة من ج��انب، والوظ��ائف والواجب��ات الديني��ة من ج��انب آخ��ر، بحيث تس��ير أعم��الهم ووظ��ائفهم الدنيوي��ة بعي��دة ومتح��ررة عن س��لطان ال��دين وقيوده، وبحيث يتم إرج��اء الواجب��ات الديني��ة إلى م��ا بع��د الف��راغ، ب��ل إلى مابع��د الف��راغ، ب��ل إلى مابعد الشبع من المتع والرغ��ائب الدنيوي��ة، فه��ذا تعطيل خطير لوظيفة ال��دين في حي��اة اإلنس��ان، وإقصاء له عن مناخ��ه االجتم��اعي ال��ذي يجب أن يوجد وأن تظه��ر فاعليت��ه في��ه، وإن��ه لغب��اء ثقي��ل وممجوج في جهل مهمة الدين وحكمته في حي��اة اإلنس��ان، أو ه��و عبث مقص��ود ي��راد من��ه إطالق أي��دي الم��اكرين والخ��ادعين الم��دجلين بحق��وق

Page 11: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الناس، وبالمصالح الشخصية واالجتماعي��ة، دونم��اضابط أو رقيب.

وإال فمن الذي يعلم أن الطع��ام الب��د في إع��داده من ملح أو سمن يصلحه، ثم يعد الطعام ويطبخه م��ع ذل��ك دون ملح وال س��من، فيق��دم الطع��ام لآلكلين في طب���ق، ودم كال من الملح والس���من في طبق آخ��ر، وي��دعوهم إلى أن يب��دؤوا في��أكلوا الطعام كما قد حضره أوال، ثم يتحول��وا إل تن��اول

الملح والسمن ثانيا. إن الذي يرجئ عمل ال��دين ووظيفت��ه إلى مابع��د ف��راغ الن��اس من أنش��طتهم وأعم��الهم الدنيوي��ة المتنوع���ة ووظ���ائفهم االجتماعي���ة والسياس���ية المتفاوت��ة، حيث التقاع��د بع��د الجه��د والعم��ل، وتوديع الحباة من خالل التعامل مع أيامها القليل��ة الباقية، إنما يقصي الدين بذلك عن وظيفته ال��تى أقامه الله عليه��ا، كم��ا يقص��ي ذل��ك األحم��ق ملح

الطعام عن وظيفته التي أعد لها.***

وأخ��يرا، وباإلض��افة إلى ه��ذا كل��ه، يجب أن يعلم كل منا أن جهده كله، بكل ما يتنوع ويتفرع إلي��ه، ملك لله عز وجل، كما أن ذات��ه وكيان��ه مل��ك ل��ه. فليس في أنش��طته وأعمال��ه م��ا ه��و عائ��د إلى ا

Page 12: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

لله، وما هو عائ��د إلي��ه ه��و كم��ا ق��د يت��وهم بعضالناس...

إن هذا الوهم يتناقض تناقض��ا ح��ادا م��ع الخط��اب الذي علمن��ا وأمرن��ا ا لل��ه أن نتوج��ه ب��ه إلي��ه في فاتحة كل ص��الة: ))إن ص��التي ونس��كي ومحي��اي

ومماتي لله رب العالمين((. إذن فجه���ودي التجاري���ة والص���ناعية والزراعي���ة والوظيفي���ة والسياس���ية، يجب أن أم���ارس من خاللها عبوديتي لل��ه ع��ز وج��ل. أي يجب علي أن أنهض به��ا أو بم��ا أق��امني ا لل��ه منه��ا، اس��تجابة ألمره الذي وجهه إلي عندما كلفني وبني جنس��ي بعمارة األرض التي أقامنا ا لله عليها، على الوجه وبالطريقة التي رسمها لنا وقيدنا به��ا. وكم يج��در بنا أن نتبين هذه الوظيفة من خالل قوله عن ذاته

sرض العلي����ة في حقن����ا: sكم منs األ أ sنش����s ه����وs أكم فيهsا sرsعمs ( ومن خالل قول��ه11/16 )هود: وsاست

يللمالئك��ة حكاي��ة لن��ا: ��sة إن ئك sالsللم sك ب sر sال��sإذ قsو sرض خsليفsة )البقرة: (.2/30جsاعل في األ

فاعجب لمن يحاول أن يقسم مملك��ة ا لل��ه بين��ه وبين نفسه، يقتطع منها لنفسه حصة ي��زعم أن ال حق لله فيها، ويحيل األخرى إلى الل��ه ي��زعم أنه��ا هي وح��ده ملك��ه وحق��ه، ف��إذا ناقش��ه في ذل��ك ب��احث، ح��اول أن يس��كته مستش��هدا بالمقول��ة

Page 13: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الذائعة.. ))أعط ما لقيصر لقيصر، وم��ا لل��ه لل��ه(ه وكأن���ه ال يعلم أن قيص���ر من حيث ه���و، بقض���

وقضيضه، ليس إال ملكا لله!.. لقد بحثت عن كلمة ))المل��ك(( ه��ل نس��بها ا لل��ه إلى اإلنسان في آية ما قرآنه بالنسبة ألي مما قد يضع ي��ده علي��ه، فلم أج��د.. وإنم��ا وجدت��ه يق��ول:

sفينs في��ه sخل ت sكم مس�� sنفق��وا مم{ا جsعsل )الحدي��د:وsأ{ذي(، ووجدته يقول: 57/7 {ه ال وsآتوهم من مsال الل

��sاكم )الن��ور: عكمووجدت��ه يق��ول: (،�� 24/33آت يمsتمى )هود: sل مسsجs sى أ نا إل sسsاعا حs (.11/3مsت

أدرك الي��وم ه��ذه الحقيق��ة البدهي��ة، ف��ذاك،فمن وقد أحرز ب��ذلك الخ��ير لنفس��ه، ومن لم ي��دركها، فلسوف تتبين له بكاب جالء ووض��وح عن��دما يق��ع في س��ياق الم��وت ويج��د نفس��ه راحال إلى ا لل��ه مجردا عن كل ما كان يتوهم أنه شريك م��ع الل��ه

في امتالكه وفي حق استعماله كما يريد.


Top Related