الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

24
رة ش ع ة ن م ا ث ل ا مة ك ح ل ا س ف ن ل ا ات ون ع ر ن م ؛ راغ لف ود ا ج ى و عل مال ع0 الأ3 ك ث ل حا6 ا(( ن0 م ا عل ن ن0 ا ب ج? ي: ً ولأ0 ا مال ع0 الأء ا اD عط ن ب ا اD ي ن ع? ن? ى ت ل ا)) . ة? ن ن? ي ر الد م وا0 والأ ف0 ئ اU وظ ل ا? ى ه ا ث ه لة ل ا ن? DDD ي ي، وف ل0 اD وم روفD مع ةD م ك ح ل ة ا دD ة ه ن م DDD ض تg ت? ي دDDD ى ال تDDD ع م ل ا ن6 : اً ا ى ل6 ة اD وج ت لدي اD ، ل انD ه د0 الأ ن? ب ر? ي D ث ك ن ع3كD ل ع د م ب? ي ن ة ن0 ر ا? ي غ ف0 ئ اU وظ ل ا ى ل6 ا ةDDDDD حاج ي ى تDDDDD ع م ل ا ا دDDDDD ه انDDDDD د ك DDDDD ق ف م ث ن م . و ة? DDDDD ن ن? ي الدالDDDDD م ع0 والأ ا دDDD ه ة? DDD ن م ه0 ى ا ل6 ة ا? DDD ن~ ن ثg ن ل ى ا ل6 ا ةDDD حاج ي اس DDD ث ل ا ن0 ااDDD م ك رح DDD ش و ةDDD دراس

Upload: imam-masngud

Post on 20-Feb-2016

27 views

Category:

Documents


2 download

DESCRIPTION

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطيولد عام 1929 م في قرية (جيلكا) قرب جزيرة ابن عمر الواقعة في شمال شرقي سورية، والداخلة في حدود تركيا حالياً، وهاجر والده المرحوم ملارمضان إلى دمشق وله من العمر أربع سنوات.أنهى دراسته الثانوية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق، التحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على هذه الشهادة عام 1965م.عين مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1965, ثم وكيلاً, ثم عميداً لها، وهو الآن رئيس قسم العقائد والأديان في جامعة دمشق.اشترك في كثير من المؤتمرات العالمية، والندوات العلمية، وهو عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان، وهو يتقن اللغة التركية والكردية إلى جانب العربية، ويلم باللغة الإنكليزية.له ما يقارب أربعين مؤلفاً في علوم الشريعة الإسلامية وآدابها والفلسفة والإجتماع ومشكلات الحضارة وغيرها، ترجم بعضها إلى الإنكليزية والألمانية والفرنسية.الإهداءإلى كل تائه عن الله, لم تجذبه عنه عصبية لذات أو مذهب, وإلى كل جاحد بالحق لم يحجبه عنه استكبار أو عناد, أقدم هذا الكتاب الجامع بين موازين العقل ونفحات الروح, عسى أن يجدوا فيه من شعاع النور والهداية مالم يجدوه فى المجادلات المنطقية والصراعات الفلسفية.والله ولي كل هداية وتوفيق

TRANSCRIPT

Page 1: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الحكمة الثامنة عشرة إحالتك األعمال على وجود الفراغ؛ من

رعونات النفس

(( ال��تي يعنيه��ااألعمالأوال: يجب أن نعلم أن )) ابن عط���اء ا لل���ه هن���ا هي الوظ���ائف واألوام���ر

الدينية. ا: إن المع��نى ال��ذي تتض��منه ه��ذه الحكم��ةني��ثا

مع��روف وم��ألوف، غ��ير أن��ه يغيب م��ع ذل��ك عنكثيرين األذهان، لدى التوجه إلى الوظائف

واألعمال الدينية. ومن ثم فقد ك��ان ه��ذا المع��نى بحاجة إلى دراسة وش��رح كم��ا أن الن��اس بحاج��ة إلى التنبيه إلى أهمية هذا المع��نى، وإلى خط��ورة اإلع��راض عن��ه واالس��تهانة ب��ه. ونب��دأ ببي��ان ذل��ك

بشيء من التفضيل: يقول أحدهم، وقد انهم��ك في ش��روعه التج��اري، لمن ي��ذكر ب��أوامر ا لل��ه، واالرتب��اط بمجلس من مجالس العلم، أو التقي��د بمنه��اج دراس��ي خفي��ف يتعلم من خالله عقائ��د اإلس��الم وأحكام��ه، يق��ول

له: إن��ني ق��د وض��عت ه��ذا ال��ذي تق��ول في برن��امج أعمالي، وأدرجته في سلم وظائفي، لكنني أنتظر الف��راغ من مش��روعي التج��اري ه��ذا ال��ذي مل��ك

Page 2: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

علي سائر أوق��اتي.. إن��ني مض��طر أن أولي��ه اآلن ك��ل وق��تي وجه��دي ألن��ني إن لم أفع��ل ذل��ك،

فلسوف تفوتني الفرصة بدون ريب؟.. وتق��ول ألح��دهم: إن ا لل��ه ق��د أكرم��ك بالم��ال الوفير، ومتع��ك ببحبوح��ة من العيش، فهال ع��دت بشيء من فضول أموال�ك إلى ه�ؤالء المحت��اجين الذين من حولك. فيجيب: ومن قال لك إني ذاهل عنهم أو أن��ني ن��اس لواج��بي تج��اههم؟ إن��ني ق��د قررت، إذا نجح مشروعي التجاري هذا ال��ذي أن��ا منهمك في��ه اآلن، بن��اء مستوص��ف للفق��راء، بن��اء مش��فى، س��أعود بعش��رين في المئ��ة من ري��ع مشروعي هذا إلى األسر الفقيرة السيما الشباب المحت��اجين إلى ال��زواج.. س��أفعل.. وسأتص��دق..

sنظرني فقط إلى ظهور نتائج المشروع!.. أ وتتج���ه إلى طائف���ة الم���وظفين، وذوي ال���رتب العسكرية في القطعات والمعسكرات، فتذكرهم بحقوق ا لله عز وج��ل، والوظيف��ة العظمى ال��تي خلق ا لله اإلنسان من أجله��ا، وس��خر ل��ه م��ا في السماوات واألرض خادما له على طري��ق أدائه��ا، من اإلقب��ال على معرف��ة العقائ��د اإليماني��ة اوال، وااللتزام بأوامر ا لله السلوكية ثاني��ا، فيق��ول ل��ك أحدهم، وهو يشعرك بأنه يتب��وأ وظيف��ة حساس��ة،

تتجه إليها أنظار الرقباء:

Page 3: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

بيني وبين الوصول إلى التتقاع��د خمس س��نوات، وال أخفيك أن��نى س��أتجه ف��ور تقاع��دي حاج��ا إلى بيت ا لله الحرام، ولسوف تج��دني بع��د ذل��ك في أول صف في المسجد عند كل صالة. وال أخفي��ك أنني شديد الرغبة في دراس��ة الق��رآن والعك��وف على فهم��ه وتفس��يره.. سأض��ع منهاج��ا لدراس��ة

اإلسالم وأحكامه. فإن قلت له: فما الذي يمنعك من أن تباشر ذلك من اآلن؟ حدق في عينيك مشيرا، ثم مصرحا إن لم تفهم، بأن��ه يم��ارس وظيف��ة حساس��ة ويتب��وأ

مركزا يلفت األنظار. م��ا ال��ذي يق��ال له��ؤالء المس��تعجلين في أم��ور معاش��هم ال��تي ض��منها الل��ه لهم، والمس��وفين

لواجباتهم الربانية التي كلفهم ا لله بها؟ نقول م��ا قال��ه ابن عط��اء ا لل��ه: إنه��ا رعون��ة من

رعونات النفس. ولكنا نبدأ فنسأله قبل أن نواجهه به��ذه الحقيق��ة: ما المهمة ال��تي خلق��ك ا لل��ه من أجله��ا؟ لعل��ه ال يعلم الجواب، ولعله لم يص��غ في ي��وم من األي��ام إلى حديث ا لله عن مهمة اإلنسان ووظيفته التي خلق من أجلها. إذن نضعه أمام قول ا لله تعالى:

���دون ) sعب sقت الجن{ وsاإلنسs إال{ لي ل sا خ���sمsا56و���sم ) sن يطعم���ون أري���د منهم من رزق وsم���sا أري���د أ

Page 4: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

ونضعه أمام ق��ول الل��ه(.�� 57-51/56)الذاريات: ولتعالى: س�� {ه وsللر{ sجيبوا لل ت {ذينs آمsنوا اس�� هsا ال sي sاأ ي

( وأم��ام8/24 )األنف��ال: إذsا دsع��sاكم لم��sا يحييكم��sارا وsقوده��sا قوله تعالى:.. sهليكم ن كم وsأ sنفسs قوا أ

sاد الsد ظ ش�� sة غال��s ئك sالsا م��sيهs ة عsل sار��sالحجsاس و} النsرونs��ؤم sفعsل��ونs م��sا ي هم وsي sر��sمs {هs م��sا أ ونs الل sعص�� ي

(.66/6)التحريم: إذن فالمطلوب من اإلنسان الذي قضى ا لل��ه أن يكون له نصيب من الحياة ف��وق ه��ذه األرض، أن يعرف ربه من خالل معرفته لنفسه عبدا مملوك��ا له، ثم أن يصغي إلى الوصايا واألوام��ر والن��واهي التي خاطب��ه الل��ه به��ا، فينهض به��ا وينف��ذها على

الوجه المطلوب. ثم إن ا لل���ه ض���من لإلنس���ان في مقاب���ل ذل���ك حاجات��ه وأس��باب طمأنينت��ه ورغ��د عيش��ه وس��خر لمصلحته سائر المكونات التي حوله، كما قد قال{ال في شخص آدم عليه الس��ادم إذ خاطب��ه له ممث

إن{وهو في الجنة بما حكاه لن��ا في محكم كتاب��ه: ى ) sع��رs sجوعs فيهsا وsالs ت sال{ ت sكs أ 118ل sظم��sأ {كs الs ت sن ( وsأ

sضحsى )طه: (.119-20/118فيهsا وsالs ت وإليك هذا المثال الذي يقرب إليك هذه الحقيق��ة،

وما أكثر الناس التائهين عنها:

Page 5: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

موظف أرسله رئيس الدول��ة إلى بل��ده في دول��ة{ف��ه به��ا. منبمنائي��ة، ليق��وم هم��ة مح��دودة كل

الطبيعي أن يكل{ف س��فير ه�ذه الدول��ة باس��تقباله��أ ل��ه فيه��ا لدى وص��وله إلى تل��ك البل��دة، وأن تهي إقامة كريمة، وأن ت��وفر ل��ه أس��باب الراح��ة على اختالفها، إلى جانب العالوات المالي��ة ال��تي تق��دم

إليه. ليس في الناس من يجه��ل أن الرج��ل إنم��ا أوف��د إلى تلك البلدة الناية ليستجيب لم��ا ق��د كلف��ه ب��ه رئيس الدولة من القي��ام بالمهم��ة ال��تي أوض��حها له، على خير وجه، فتلك هي وظيفت��ه ال��تي يجب أن ينفق في سبيلها وقت��ه ط��وال غياب��ه في ذل��ك المكان، وإنما توفر له ماتوفر من المال وأس��باب الراحة والنعيم هناك، ليكون كله مس�خرا وخادم�ا

على طريق إنجازه للمهمة التي أوفد من أجلها. فماذا تقول فيمن ركن إلى ذل��ك النعيم وأس��بابه، وع���انق تل���ك المت���ع واس���تنفد وقت���ه كل���ه في اعتصارها والتلذد بها، ناس��يا أو متناس��يا الوظيف��ة التي أوفد إلى تل��ك ال��ديار من أجله��ا، أو مس��وفا لواجباته تجاهها ريثما يروي ظمأه أو يش��بع نهم��ه

من أسباب النعيم التي أ حيطت به؟!..

Page 6: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

أق��ل مايق��ال عن��ه في ذل��ك إن��ه ق��د خ��ان س��يده ورئيسه فيما قد كلف به، وأنه استسلم لرعونات

نفسه. أال فلتعلم أنها هي ذاتها قصة اإلنسان الذي أوف��د إلى هذه الحياة الدنيا لمهم��ة قدس��ية أنب��أه ا لل��ه بها وشرحها له في خطابه الذي شرفه وكلمه به، ولكنه أعرض عنها ونسيها أو تناساها، واتجه ب��دال عنها إلى الدنيا التي سخرها ا لله له على طري��ق السير إلى أداء مهمته، فركن إليها، واستمتع به��ا، ورقص على إيقاعاته��ا، ونس��ي س��يده وأوام��ره. وفضله وإكرامه. التقط المغانم فعانقها، وأعرضعن المغارم والواجبات فنسيها أو استخف بها!!..sع��د من ي��ذكره بالوظ��ائف وفي أحسن األح��وال، ي ال��تي يالحق��ه ا لل��ه به��ا في ه��ذه الحي��اة، بأن��ه س��يلتفت إليه��ا ويهتم به��ا عن��دما ي��ذوي ش��بابه وتتراجع غرائزه وتنطفئ ج��ذوة نش��اطه وتنكس��ر حدة نهمه وإقباله. فيع��اف بقاي��ا لذائ��ذه ونعيم��ه، ويمضي ثمالة عمره مقوس الظه��ر، معتم��د على عك��از، عندئ��ذ س��يقبل على ا لل��ه، ويعطي��ه من

نفسه ومن إمكاناته ماقد طلبه منه!!.. فهل بوسعك أن تتصور للحظة واحدة أن هذا ه��و ش��أن العب��د الممل��وك م��ع رب��ه المال��ك؟ أم ه��ل

Page 7: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

تتصور أن هذا هو شأن ال��وفي م��ع س��يده المنعمالمترم المتفضل؟!.. هذه الرعونة التي يقع فيهالأما اآلن، فإليك تحلي

ه��ذا الش��خص وأمثال��ه، من خالل بي��ان أبعاده��االتالية:

أوال: من أين له��ذا اإلنس��ان أن��ه س��يعيش إلى أن يف���رغ من مش���اريعه التجاري���ة، أو من أحالم���ه التوس��عية، أو إلى أن يتقاع��د من وظيفت��ه؟ ومن الذي أخبره، فصدقه، أنه سيعيش إلى األمد الذي يحلم به، وأن الموت لن يتخطفه بعد أيام أو بع��د

أسابيع؟ وأنت تعلم أن ا لله قضى ب��الموت على ك��ل حي وأكد لإلنس��ان أن��ه لن يتخلص من عادي��ة الم��وت مهما أمكنته الحيل ومهما تمكن من ناص��ية العلم واستكثر من نتائج قدراته، ولحكمة باهرة عظيمة أخفى عنه ميقات قضائه ه��ذا، فليس في الن��اس كلهم من يعلم أين يقف من الطابور الممتد أمام باب الموت، أهو يقف في أول��ه أم في آخ��ره، أم

فيما بين طرفيه!.. وكم من إنسان مد جسورا من اآلم��ال بين��ه وبين ظلمات الغيب الذي هو مقب��ل علي��ه، فلم يتح ل��ه أن يقطف من آماله تلك إال الحسرة واألسى، قد ك��ان الم��وت المخب��وء وراء أذن��ه أس��رع إلي��ه من

Page 8: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

آماله التي كان ينسجها. وحاق به ق��ول ا لل��ه ع��ز��sدحاوج��ل: كs ك ب sى رs ��sادح إل {كs ك ان إن sا اإلنس����sه sي sاأ يقيه sمالs(.84/6 )االنشقاق: ف

ثاني��ا: لم��اذا يجع��ل ه��ذا اإلنس��ان التس��ويف من نص��يب واجبات��ه األساس��ية ال��تي خلق��ه ا لل��ه من أجله��ا، واليجعل��ه من نص��يب أنش��طته الدنيوي��ة

ورغباته المعيشية التي ضمنها ا لله تعالى له؟.. لماذا يلهث وراء مجموعة أعمال ويتجه إلى ع��دة مشاريع في آن واحد يم��زق وقت��ه بينه��ا ويقض��ي على راحته في سبيلها كلها، فإذا جاء من ينص��حه بأن يريح نفسه وأن ال يجمع على كيانه ركاما من المش��اريع والوظ��ائف والمه��ام في وقت واح��د، أج��اب ق��ائال: الواجب��ات المعيش��ية أو التجاري��ة كثيرة، وك��ل منه��ا مره��ون بوقت��ه، ف��إن ه��و أخ��ر واحدا منها ريثم��ا ينج��ز ال��ذي ق��د فاتت��ه الفرص��ة

وخسر الصفقة!.. فإن قلت له: ففيم الح��رص على االس��تئثار بك��ل هذه المشاريع أو الصفقات، وهال اكتفيت بم��ا ق��د يغني��ك منه��ا؟ أجاب��ك ب��درس طوي��ل يعلم��ك من خالله الطموح الذي ال يقف عند حد، وال يعرف ما يس���مى بمقي���اس الحاج���ة أو مقوم���ات العيش

الكريم.

Page 9: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

قل له: ما التي ذكرك بهذا الطموح الذي تعتز ب��ه وتعلمنا إياه، عندما تكون بصدد ما قد ضمنه ا لله لك من أمور معاشك ودني��اك، وم��ا ال��ذي أنس��اك هذا الطموح ذاته، وزجك في نقيض��ه من الكس��ل واإلهمال، عندما تجد من ي��ذكرك بالوظيف��ة ل��تي

طلبها ا لله منك وخلقك من أجلها؟ ئم ذكره بحكم��ة أخ��رى البن عط��اء ا لل��ه، يق��ولمن ل��ك ل��ك، وتقص��يرك فيها: ))اجتهادك فيما ض�� فيم��ا طلب من��ك، دلي��ل على انطم��اس البص��يرة

منك((. يالثا: إن الوظائف الدينية التي كلف ا لله اإلنسان بها، ذات هدف مع��روف ومك��رر في كت��اب ا لل��ه تعالى، أال وه��و التربي��ة وتزكي��ة النفس ودور ه��ذا اله���دف يتمث���ل في تقي���د األنش���طة واألعم���ال الدنيوية من تجارة وصناعة وزراعة، ووظائف أي��ا كانت، بقيود األخالق لكي تبعدها عن س��بل الغش

والخداع والختل والمكر باآلخرين. وه��ذا يتوق��ف على أن يتم��ازج النش��اط ال��دنيوي بأشكاله وأنواعه المختلفة بالوظائف الدينية التى ت��ربي الف��رد وت��زكي النفس... إذ يغ��دو االل��تزام بالوظ�ائف واألوام�ر الديني�ة رقيب��ا على اس�تقامة الس��لوك بص��دد األنش��طة وااللتزام��ات الدنيوي��ة على اختالفها، فيتسامى ك��ل من الت��اجر والص��انع

Page 10: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

وال��زارع والعام��ل والموظ��ف والعس��كري، عن الخيان��ة والخ��دع وال��دجل في المعامل��ة، ويتف��انى العامل والموظف والعسكري ورجل األمن صدقا

وإخالصا في أداء المهمة. أج��ل.. إن ه��ذا االش��تباك المتم��ازج بين ال��دين والدنيا، هو الذي ييسر للدين أن يحقق مهمته في حياة الفرد والمجتمع، وهو الذي يبرز للدنيا وجهها

الحضاري واإلنساني المسعد الصحيح. أما م��ا يعم��د إلي��ه ه��ؤالء ال��ذين يص��رون على أن يفكوا االشتباك بين األعم��ال واألنش��طة الدنيوي��ة من ج��انب، والوظ��ائف والواجب��ات الديني��ة من ج��انب آخ��ر، بحيث تس��ير أعم��الهم ووظ��ائفهم الدنيوي��ة بعي��دة ومتح��ررة عن س��لطان ال��دين وقيوده، وبحيث يتم إرج��اء الواجب��ات الديني��ة إلى م��ا بع��د الف��راغ، ب��ل إلى مابع��د الف��راغ، ب��ل إلى مابعد الشبع من المتع والرغ��ائب الدنيوي��ة، فه��ذا تعطيل خطير لوظيفة ال��دين في حي��اة اإلنس��ان، وإقصاء له عن مناخ��ه االجتم��اعي ال��ذي يجب أن يوجد وأن تظه��ر فاعليت��ه في��ه، وإن��ه لغب��اء ثقي��ل وممجوج في جهل مهمة الدين وحكمته في حي��اة اإلنس��ان، أو ه��و عبث مقص��ود ي��راد من��ه إطالق أي��دي الم��اكرين والخ��ادعين الم��دجلين بحق��وق

Page 11: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الناس، وبالمصالح الشخصية واالجتماعي��ة، دونم��اضابط أو رقيب.

وإال فمن الذي يعلم أن الطع��ام الب��د في إع��داده من ملح أو سمن يصلحه، ثم يعد الطعام ويطبخه م��ع ذل��ك دون ملح وال س��من، فيق��دم الطع��ام لآلكلين في طب���ق، ودم كال من الملح والس���من في طبق آخ��ر، وي��دعوهم إلى أن يب��دؤوا في��أكلوا الطعام كما قد حضره أوال، ثم يتحول��وا إل تن��اول

الملح والسمن ثانيا. إن الذي يرجئ عمل ال��دين ووظيفت��ه إلى مابع��د ف��راغ الن��اس من أنش��طتهم وأعم��الهم الدنيوي��ة المتنوع���ة ووظ���ائفهم االجتماعي���ة والسياس���ية المتفاوت��ة، حيث التقاع��د بع��د الجه��د والعم��ل، وتوديع الحباة من خالل التعامل مع أيامها القليل��ة الباقية، إنما يقصي الدين بذلك عن وظيفته ال��تى أقامه الله عليه��ا، كم��ا يقص��ي ذل��ك األحم��ق ملح

الطعام عن وظيفته التي أعد لها.***

وأخ��يرا، وباإلض��افة إلى ه��ذا كل��ه، يجب أن يعلم كل منا أن جهده كله، بكل ما يتنوع ويتفرع إلي��ه، ملك لله عز وجل، كما أن ذات��ه وكيان��ه مل��ك ل��ه. فليس في أنش��طته وأعمال��ه م��ا ه��و عائ��د إلى ا

Page 12: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

لله، وما هو عائ��د إلي��ه ه��و كم��ا ق��د يت��وهم بعضالناس...

إن هذا الوهم يتناقض تناقض��ا ح��ادا م��ع الخط��اب الذي علمن��ا وأمرن��ا ا لل��ه أن نتوج��ه ب��ه إلي��ه في فاتحة كل ص��الة: ))إن ص��التي ونس��كي ومحي��اي

ومماتي لله رب العالمين((. إذن فجه���ودي التجاري���ة والص���ناعية والزراعي���ة والوظيفي���ة والسياس���ية، يجب أن أم���ارس من خاللها عبوديتي لل��ه ع��ز وج��ل. أي يجب علي أن أنهض به��ا أو بم��ا أق��امني ا لل��ه منه��ا، اس��تجابة ألمره الذي وجهه إلي عندما كلفني وبني جنس��ي بعمارة األرض التي أقامنا ا لله عليها، على الوجه وبالطريقة التي رسمها لنا وقيدنا به��ا. وكم يج��در بنا أن نتبين هذه الوظيفة من خالل قوله عن ذاته

sرض العلي����ة في حقن����ا: sكم منs األ أ sنش����s ه����وs أكم فيهsا sرsعمs ( ومن خالل قول��ه11/16 )هود: وsاست

يللمالئك��ة حكاي��ة لن��ا: ��sة إن ئك sالsللم sك ب sر sال��sإذ قsو sرض خsليفsة )البقرة: (.2/30جsاعل في األ

فاعجب لمن يحاول أن يقسم مملك��ة ا لل��ه بين��ه وبين نفسه، يقتطع منها لنفسه حصة ي��زعم أن ال حق لله فيها، ويحيل األخرى إلى الل��ه ي��زعم أنه��ا هي وح��ده ملك��ه وحق��ه، ف��إذا ناقش��ه في ذل��ك ب��احث، ح��اول أن يس��كته مستش��هدا بالمقول��ة

Page 13: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 18

الذائعة.. ))أعط ما لقيصر لقيصر، وم��ا لل��ه لل��ه(ه وكأن���ه ال يعلم أن قيص���ر من حيث ه���و، بقض���

وقضيضه، ليس إال ملكا لله!.. لقد بحثت عن كلمة ))المل��ك(( ه��ل نس��بها ا لل��ه إلى اإلنسان في آية ما قرآنه بالنسبة ألي مما قد يضع ي��ده علي��ه، فلم أج��د.. وإنم��ا وجدت��ه يق��ول:

sفينs في��ه sخل ت sكم مس�� sنفق��وا مم{ا جsعsل )الحدي��د:وsأ{ذي(، ووجدته يقول: 57/7 {ه ال وsآتوهم من مsال الل

��sاكم )الن��ور: عكمووجدت��ه يق��ول: (،�� 24/33آت يمsتمى )هود: sل مسsجs sى أ نا إل sسsاعا حs (.11/3مsت

أدرك الي��وم ه��ذه الحقيق��ة البدهي��ة، ف��ذاك،فمن وقد أحرز ب��ذلك الخ��ير لنفس��ه، ومن لم ي��دركها، فلسوف تتبين له بكاب جالء ووض��وح عن��دما يق��ع في س��ياق الم��وت ويج��د نفس��ه راحال إلى ا لل��ه مجردا عن كل ما كان يتوهم أنه شريك م��ع الل��ه

في امتالكه وفي حق استعماله كما يريد.