-١-

اكتشاف طبائع الناس وطرق التعامل معهم

-٢-

تصميم الغالف خالـد يزبـك

-٣-

اكتشاف طبائع الناس وطرق التعامل معهم

)تطبيق علم النفس مكان العمل و األسرة(

ــورل: فـــأليـت ـــ ــر كـ ـــ ـرن عمار قسيس. د: ترمجة

شورات اهليئة العامة السورية للكتابمن م٢٠١٤ دمشق - وزارة الثقافة

-٤-

: العنوان األصلي للكتاب

Wener Correll

Menschen durchschauen und richtig behandeln

تطبيق علـم الـنفس يف : اكتشاف طبائع الناس وطرق التعامل معهم -.ة عمار قسيس رنر كورل؛ ترمج ڤتأليف / مكان العمل ويف األسرة

. سم٢٤ ص؛ ٣٧٦ -.م ٢٠١٤ اهليئة العامة السورية للكتاب،: دمشق )٩؛ يف النفس وقضاياها( قسيس-٤ كورل -٣ العنوان -٢ ك و ر إ ١٥٨ -١ السلسلة-٥

مكتبة األسد

-٥-

I .ةــمقدم

ا ، وذلك عندم"عالم نفس"كل إنسان يصبح في لحظة ما من حياته !ه، أي عندما تسير األمور على عكس ما يأمل أو يشتهييعارض الواقع إرادت

صداقة إنسان آخر، تربطه به عالقة ف كأن يفاجأ على سبيل المثال بتصرلم يكن يتوقع صدوره عن هذا اإلنسان راسخة أو حب أو زواج، تصرف

اء في العمل تحديدا وال بحال من األحوال؛ أو كأن يقوم أحد الزمالء أو الرؤس. بفعل محرج أو مزعج يفوق ما يمكن أن يتوقعه من ذلك الشخص بالذات

لماذا يحدث كل : حينئذ يصاب المرء بالدهشة الكبرى ويقف حائرا ويتساءلوهل أنا على هذا القدر من الجهل بنفسي وباآلخرين؟ وأين ذهبت ! ذلك؟

عقل أن يكون منطق ومعرفتي بالناس وبكيفية التعامل معهم؟ وهل ي" خبرتي"تفكيري مختلفا كليا عن منطق تفكير اآلخرين؟ إنه لمن الصعب فعال على

"! الصادمةالحقائق"المرء أن يفاجأ بتلك ولكن كلما تمعن المرء في التفكير باألمر، اقترب من النظر إلى حاالت الصراع هذه، أي حاالت االختالف بين ما هو متوقع وما يحدث فعال، من

هو من أهم األمور في " الصراع" بأن لديهالمنظار السليم وترسخت القناعةالحياة وأكثرها عطاء وثمرا، ال بسبب عدم إمكانية تجنبه فحسب، وإنما ألنه

فما الحياة . من األسباب الحيوية والجوهرية لنمو وتطور الشخصية البشريةلصراع التي تعاكس في غياب حاالت ادما تسير كل األمور على ما يرام عن

سوى رحلة في صحراء مستوية قاحلة خالية من ،تطلعاتنا وتصوراتناالتضاريس الممتعة ودون ظالل نرتاح فيها ومياه تطفئ عطشنا وتساعدنا على

-٦-

وما دامت األمور تسير على ما يرام، يتصرف . استعادة نشاطنا وحيويتناتطور وال يبدأ بالتفكير المرء ببساطة دون أن يشعر بالحاجة للتغير أو ال

.، حيث يصبح التغير ضروريا"الفشل"والتأمل إال لحظة وبوسع المرء توفير متاعب الخوض في الكثير من طرق الحل عديمة الجدوى عندما ينظر إلى تلك األمور والظروف، التي تسبب له المتاعب، عبر

مدركات منظار علم النفس وعندما يستفيد من الحقائق والخبرات وال .المستخلصة في هذا المجال

سنحاول في الفصل األول من هذا الكتاب مناقشة مسألة وجود حاالت الصراع التي ال يمكن تجنبها، والتي قد تكون من أهم األمور في الحياة

كيف تنشأ . وأكثرها عطاء وثمرا، برغم كل مشاعر االنزعاج التي تسببها أن يتصرف في تلك الحاالت، وما الذي حاالت الصراع؟ وكيف على اإلنسان

عليه أن يتجنبه؟ ما هو األثر الذي تتركه حاالت الصراع التي ال تقبل الحل؟ وهل من إمكانيات لتجنب الدخول في حاالت الصراع إلى حد بعيد، أو للتخفيف من آثارها السلبية على األقل، أو ربما لتوظيفها إيجابيا؟ وما هي

إلنسان التي يؤدي عدم إشباعها إلى نشوء حاالت الحاجات األساسية لالصراع؟ هذه بعض التساؤالت التي نود طرحها ومناقشتها في الفصل األول من الكتاب، وسنتابع مناقشة بعض األفكار والطروحات ذات الصلة في

.الفصول التي تليه

-٧-

.II الصراع«ظاهرة«

كيف ينشأ الصراع وما هي تأثرياته؟

! مشكلة العصرالصراع - ١تعج حياتنا اليومية بمواقف أو حاالت الصراع المختلفة، أكان مسرحها

مع رب العمل أو مع العاملين والزمالء أو مع العمالء -مكان العمل مع األنظمة - أم كان ذلك في خضم تسيير األمور الحياتية - والزبائن

مع - الشخصية أم كان ذلك في مجال الحياة- والقوانين والبيروقراطية ولكل تلك الحاالت ! األطفال أو مع أقرب وأعز الناس كالصديق أو الحبيب

- صفة مشتركة وهي أن حالة الصراع تنشأ عندما نتوقع أمرا ما وال يتحقق ولما . سواء أكنا نحن من عليه تحقيق األمر أم كان ذلك مطلوبا من اآلخرين

ع وتنظر باستمرار إلى المستقبل، كنا في تكويننا كائنات تأمل وترغب وتتوقولما كنا ال نستطيع أن نملك زمام كل األمور، فإن احتمال اإلخفاق الكلي أو

إن . وهذا ما قد يوقعنا في صراع مع ذاتنا أو مع اآلخرين. الجزئي وارد دائما ألن الجهود المبذولة frustrationعدم تحقيق اآلمال أو التطلعات يسمى إحباطا

التعبير حسب( المربوطة بتحقيق األهداف تكون قد ذهبت سدى واآلمال ").frusta"الالتيني

واإلنسان . تحكم تصرفاتنا إلى أبعد الحدود" أهداف"فالتطلعات هي بطبيعته ال يستطيع أن يعيش بال هدف في الحياة، ألن غياب األهداف يصيب

-٨-

أخرى فإن تحقيق ومن ناحية. المرء بالكآبة التي قد تودي به إلى االنتحار، وحاالت النجاح "خبرة النجاح"النجاح ويكسبه " يعيش"الهدف يجعل اإلنسان

حياتنا النفسية والروحية، إنها الدافع الذي يحفز اإلنسان لكي يكون " وقود"هي فاعال في الحياة، وال يقتصر قصدنا هنا بالفاعلية على المجال الحركي أو

وهكذا يسعى اإلنسان . اعلية طابعا فكريا بحتاالجسدي فحسب، بل قد تأخذ الفوكلما استطاع أن . في نهاية المطاف دائما إلى النجاح، أي إلى تحقيق أهدافه

يقوي شعوره بأن أهدافه نابعة من داخله وبأنها لم تفرض عليه فرضا، وكلما استطاع أن يقف وراءها ويدعمها بكل ما أوتي من طاقة، وكلما كانت قناعته

راسخة بأهمية وجدوى ومشروعية تلك األهداف، سوفي هذه . تحقيقهالهوال شك أن . بين الهدف وصاحبه- اتحاد - الحال نتكلم عن قيام رابطة قوية

اإلخفاق سيكون حتميا في غياب تلك الرابطة القوية، أي عندما ال يستطيع غياب أكان ذلك بسبب- صاحب الهدف أن يقف وراء هدفه بكل طاقته

القناعة التامة بإمكانية تحقيقه، أم بسبب عدم االقتناع بمشروعيته أو ولسوء الحظ فإن . بمشروعية أي من مكونات ذلك االتحاد بينه وبين هدفه

من العاملين في ألمانيا على سبيل المثال تنقصهم تلك الرابطة القوية % ٨٢في كثير من األحيان وعلى العكس من ذلك هناك . بأهدافهم المهنية في العمل

إنه ال يقوم بعمله . تنافر فكري بين رغبات العامل الداخلية وما يقوم به مهنياأولي داخلي، بل انطالقا من دوافع ثانوية نحو لتحقيق ذاته أو انطالقا من دافع

إرضاء الرئيس في العمل أو تحقيق شروط الترفيع الوظيفي أو ببساطة نا سرعان ما ينتقل الهدف الحقيقي لإلنسان في وه. بغرض كسب المال للعيش

الحياة إلى مجاالت تقع خارج نطاق العمل مثل نشاطات أوقات الفراغ كالقيام وهكذا ينتقل اهتمام معظم الناس من . بالرحالت وممارسة الهوايات المختلفة

مجال عملهم إلى مجاالت الحياة خارج نطاق العمل، حيث تزداد توقعاتهم ي تلك المجاالت، بينما ينمو لديهم شعور باإلحباط وعدم االكتراث بالنجاح ف

في مجال الحياة المهنية وتصبح نشاطاتهم في هذا المجال المهم والحيوي

-٩-

وال تقتصر صحة هذا التصور . مجرد وسيلة لتحقيق رغبات أخرى بعيدة عنهعلى العامل في مكان عمله فحسب، بل يبقى هذا التصور صحيحا أيضا

والطالب من جهة لنسبة للعالقة بين التلميذ ومواده الدراسية في المدرسة با، األمر الذي يشكل برمته خطرا من جهة أخرىوأهدافه العلمية في الجامعة

ولكننا نستطيع أن نتفادى ذلك الخطر . كبيرا على سالمة المجتمع وتطورهفهما صحيحا وكيف ونغير هذه الصورة القاتمة عندما نتعلم كيف نفهم أنفسنا

نتعامل مع من حولنا في المجتمع من زمالء وشركاء وأطفال ومواطنين بشكل .عام تعامال سليما، وهذا ما سنناقشه فيما يلي

وهنا نود اإلشارة إلى مالحظة مهمة جدا ومثيرة فعال لالهتمام وهي أن ومن . ل أخرىتوقعات وآماال جديدة تنشأ لدى الناس كلما تحققت توقعات وآما

! الملفت أن مستوى توقعاتنا وآمالنا يرتفع باطراد مع تحسن أحوالنا بشكل عاموهذا ربما يناقض االفتراض القائل بأن المرء سيكون أكثر رضا وقناعة بعد

على العكس من ذلك، فإننا نرى في الواقع أن . أن تتحقق معظم آماله الحالية سبب وزعولكننا ال يمكن أن ن! المعيشةمستوى اإلحباط يزداد بارتفاع مستوى

ارتفاع مستوى توقعاتنا إلى ارتفاع مستوى المعيشة فحسب، بل إن بناءنا الروحي والنفسي ككل يعتمد في األساس على أن آمالنا وتوقعاتنا تتجدد

فاستقاللنا المضطرد عن وصاية اآلخرين . باستمرار ويرتفع مستواهاريتنا ويثقل كاهلنا يجعلنا أكثر نضجا وبلوغا وتحررنا من كل ما يحدد ح

ويجعلنا نسعى إلى المزيد من تحقيق الذات ويجعلنا عالوة على ذلك نطالب !بحريتنا وتحقيق ذاتنا من موقع القوة

- وربما بسبب -لقد كان أسالفنا عموما أكثر منا رضا واتزانا برغم باإلخفاقات ولم يكن الحظ فحياتهم كانت مليئة ! ظروفهم المعيشية الصعبةولكنهم برغم ذلك كانوا أكثر منا قدرة على تحمل . يحالفهم أكثر مما يحالفنا

اإلخفاقات والظروف الصعبة، ربما ألنهم كانوا يردونها إلى أسباب دينية وربما كانوا ". بالقضاء والقدر"وإرادة فوقية، وألنهم كانوا يؤمنون أكثر منا

-١٠-

عندما يمرون بظروف صعبة بأن الخالق قد يفتخرون عالوة على ذلكاختارهم من بين اآلخرين ليمتحن إيمانهم وبأنهم قد جابهوا تلك الصعاب

".امتحان الحياة"بالتقبل والصبر ونجحوا في فلقد . وأما نحن فلم يعد بوسعنا أن ننظر إلى الحياة من هذا المنظار

الصراع على أنه أمر مفروض اعتدنا أال نقبل بالهزائم ببساطة وأال ننظر إلى بل لقد تعلمنا أن نحلل حاالت الصراع ونستخلص . علينا وال يمكننا تجنبه

وفي جميع األحوال . أسبابها ونحاول حلها أو تفادي الوقوع فيها في المستقبلإننا نعتقد أن كوننا أحرارا ! لقد تربينا على أن نواجه القدر بدال من أن نقبل به

التحكم "أن نكون قادرين على السيطرة على حياتنا وعلى عليناومستقلين يحتم –كما نعتقد أن بوسعنا فعل الكثير من أجل تحقيق سعادتنا . إلى حد ما" بقدرنا

فمن وجهة النظر ! أن كل شيء مرسوم مسبقا وأن ليس باليد حيلةب بدل القبول .حياتنا بأيدينا" نصنع"الجديدة هذه يمكننا أن

ملنا في عصرنا الحديث فكرة التحرر أو الحرية هذه إلى وهكذا لقد حفحركة تحرر النساء من هيمنة الرجال واألزواج قد . معظم مجاالت الحياة

بدأت فعال؛ ولم تعد صلة الزوجين تعني االلتصاق المطلق والتبعية الكلية ميذ وااللتزام الكامل باالنتماء الكلي والحصري للرابطة الزوجية، ولم يعد التال

، وهو "أوامرهم"والطالب ملتزمين باالحترام المطلق تجاه المعلمين أو بتنفيذ وفي مجال الحياة . ما كان جزءا من التقاليد واألعراف المتبعة لدى أجدادنا

المهنية لم يعد العامل يرضى بالعالقة التي كانت سائدة فيما سبق مع رب ينفذ أوامر رب العمل وأن يقوم العمل، فهو لم يعد يشعر بأن من البديهي أن

إن العامل في وقتنا الراهن أصبح . بما هو مطلوب منه دون حق االعتراضيطالب بالمشاركة في صنع القرار وبحقه في تحقيق ذاته من خالل عمله ولم يعد يرضى في كثير من األحيان بأن يقوم بعمله بغرض الحصول على األجر

.مله انطالقا من دافع أولي داخلي لديهفحسب، بل إنه يسعى إلى ممارسة ع

-١١-

ولما كانت تطلعات وآمال جميع الناس تتزايد وتكبر، فإن الصدام حتمي فلسنا وحدنا من يسعى إلى . بين األشخاص الذين يعيشون في الحيز ذاته

وتحقيق طموحاته المتزايدة، بل إن لجميع من حولنا المسعى " التوسع الذاتي"إرادتنا في أمر ما، فإننا نكون قد أجبرنا اآلخرين على وإذا ما فرضنا . ذاته

وبالمقابل فإن تحقيق اآلخرين إلرادتهم تعني أن . القبول بإرادة غريبة عنهميحققه أحد " انتصار"وبناء على ذلك فإن كل . نستسلم نحن إلرادة غريبة عنا

الل األطراف يعني في الوقت ذاته إحباطا لطرف آخر، مما يجعل اتساع استقويرتفع ذلك الثمن . وتحرر الفرد في المجتمع مرهونا بثمن باهظ من اإلحباط

بازدياد مساحة االحتكاك بين األشخاص أي بازدياد الكثافة السكانية في مكان وال شك أن تقنيات االتصاالت الحديثة تزيد أيضا من مساحة االحتكاك . ما

.ي متباعدةبين األشخاص مهما كانت أماكن تواجدهم الجغراف فضال عن كل ما سبق -ولما كانت مواقفنا في الحياة ورؤيتنا لألمور

وتبتعد عن الروحانيات، عن ذلك الفضاء الواسع الذي " الدنيوية" تتجه نحو -ال يضيق بكل آمالنا وتوقعاتنا مهما كبرت وتزايدت، فإن قدرتنا على تحمل

. ت ذاته خطر تعرضنا لهاإلحباط تنخفض باستمرار، بينما يزداد في الوقوهذا ما يعني أن احتمال وقوعنا في حاالت الصراع يتزايد باطراد دون أن

بما يساعدنا على حل تلك الحاالت أو التغلب على أسباب " مسلحين"نكون وجود الصراع أصال، ألننا لم نعد قادرين على رؤية وفهم الواقع وتقبل

!لذي يبدو محتما أكثر فأكثر في حياتنا؟فكيف إذا نقاوم هذا الصراع ا. حقائقه

اإلحباط أحد أهم أسباب العنف - ٢على حالة الصراع التي يقع " الغريزي"إن رد الفعل األول والعفوي أو

والذي هو أساس حالة -فيها اإلنسان أو على اإلحباط الذي يصاب به ضرر هو العنف أو على األقل الميل إلى العنف بهدف إلحاق ال- الصراع

إال أن البشرية ومنذ آالف السنين ! بمنبع أو مسبب الصراع أو القضاء عليه

-١٢-

كانت وما تزال تسعى جاهدة إلى كبح ذلك الميل الفطري الخطير إلى العنف وما تحريم العنف في جميع . من خالل وضعه ضمن أشد المحرمات

ير الحضارات وعبر كل العصور إال داللة واضحة على الخطر العام والكب .الذي يشكله انتشار ثقافة العنف على استمرار البشرية برمتها

القليلة أن تحتفظ لنفسها باستثناء من " المنافذ"ولقد استطاعت بعض نذكر منها على سبيل . فقط" االضطرارية"تحريم إظهار العنف وفي الحاالت

ة أو المثال الرياضة بشكليها الفعال أو السلبي أي من خالل ممارسة الرياضبمجرد االكتفاء بمتابعة المبارزات الرياضية والتعاطف مع أحد األطراف

فعندما يمارس اإلنسان الرياضة، أكان ذلك بشكلها الفعال أم . المتبارزةالسلبي، فإنه يستطيع أن يفرغ العنف المحتقن داخله دون خطر بالمقدار الذي

إذ . نيفة بشكلها الرياضييستطيع به التعاطف أو االتحاد مع منفذ الحركات العإنه من خالل اتحاده العاطفي مع منفذ الحركات العنيفة يشعر وكأنه قد قام بها

وبوسعنا أن نالحظ بسهولة أن القواعد التي تحكم المبارزات . هو ذاتهالرياضية تزداد وتتعقد بالمقدار الذي يزداد فيه عدد المشاركين في الحدث

بدوره اإلحباط والعنف من جديد ألن تلك وهذا ما يسبب ! الرياضي ككلالقواعد تقيد المتبارزين والمتابعين على حد سواء وتسلبهم حريتهم في التعبير

وهذا ما يتضح من مراقبة مباريات كرة القدم التي . عما في داخلهم من عنففلقد أصبح العنف الفعلي الظاهر بين مشجعي : تجري في عطلة نهاية األسبوع

وفي الواقع ! وأحيانا أثناءها-شهدا مألوفا بعد انتهاء المباريات الفريقين مرياضية تسمح قواعدها بإظهار العنف بشكل صريح " لعبة"ليس لدينا أية

مهما جدا " منفذا"وهكذا تبقى النشاطات الرياضة . ومباشر ولكن دون مخاطر منفذ صغير غير أمان للعنف المحتقن في داخلنا، ولكنه يبقى مجرد" صمام"أو

.قادر على احتواء كل العنف المتزايد المحتقن فيناوكيف نحكم على مشاهد العنف التي تتسابق أمام أعين المشاهدين على شاشتي الرائي والسينما وعلى خشبة المسرح؟ قد يعتقد المرء، استنادا إلى ما

-١٣-

شاهد سبق ذكره في مجال متابعة المباريات والمبارزات الرياضية، أن مبعها اإلنسان المعاصر على شاشة العرض أو على خشبة االعنف التي يت

المسرح في أوقات فراغه وأثناء ممارسته ألكثر أنواع الهوايات انتشارا في الوقت الراهن من شأنها أن تساهم في خفض مستوى العنف المحتقن لديه من

وره بأنه هو من خالل تعاطفه أو اتحاده مع ممثل تلك المشاهد العنيفة وشعإن الدراسات في هذا المجال تثبت أن هذا االعتقاد صحيح ! يؤدي تلك المشاهد

فمجرد متابعة مشاهد العنف على الشاشة أو على . ولو ضمن حدود معينةخشبة المسرح تكفي أحيانا ليصبح بعض الناس أقل استعدادا للقيام بأفعال

الدراسات تظهر أيضا أن مشاهد ولكن. العنف عما كانوا عليه قبل المتابعةالعنف قد ترفع من استعداد البعض اآلخر للقيام بأعمال العنف حتى إن بعض الشباب على وجه الخصوص يتشجعون على التصرف بعنف مشابه للمشاهد

وال نملك لسوء الحظ أية إمكانية لتوقع ! على الشاشة أو على خشبة المسرح السينما أو على خشبة المسرح على المشاهد أثر ما يقدم على شاشة الرائي أو

وعلينا . كما إننا ال نستطيع من الناحية السيكولوجية أن نحدد آلية التأثير بدقة .أن نقبل من حيث المبدأ بوجود إمكانيات وأشكال متعددة للتأثر

ولسوء الحظ أيضا فإن إمكانية التخلص من العنف المحتقن من خالل سدية المرهقة إلى حد ما أثناء ممارسة الهوايات التي تعتمد القيام باألعمال الج

نحو العناية بحديقة البيت أو ممارسة ركوب الخيل في (على الحركة الجسدية وقد . لم تعد متاحة لإلنسان المعاصر بشكل عام) الحقول على سبيل المثال

ية يعود السبب في ذلك إلى ضيق الوقت أو إلى عدم توفر اإلمكانيات المادوإن كانت تلك اإلمكانية متوفرة لقلة من الناس، . الكافية للقيام بتلك النشاطات

.فهي دون شك غير متوفرة على نطاق واسعوهناك إمكانية أخرى للتخلص من العنف المحتقن كانت توظف سابقا مرة على األقل في كل جيل ولكنها لم تعد متاحة في عصرنا الراهن ألنها

ففي الحرب تلغى فجأة . تقان، إنها إمكانية خوض الحربأصبحت محكمة اإل

-١٤-

جميع الحواجز والمحرمات فيما يتعلق بإظهار العنف الكامن وتصبح جميع بها بعد أن كانت من الممنوعات ا بها ومرحباالممارسات مسموح

من أنواع " يحلو له"ففي الحرب يسمح للمقاتل بكل ما . والمحرماتتل وذبح وطعن وإطالق نار وما إلى ذلك مما كان الممارسات العنيفة من ق

ولما كانت أدوات وطرائق خوض الحرب قد ! ممنوعا منعا باتا قبل الحربأصبحت تعتمد في مجملها على التقانة وبلغت درجة اإلتقان وابتعدت عن

حاربين، فإن ما يحدث في الحرب الحديثة ال تشكل المواجهة الشخصية بين الموبالطبع فإن عدم . ره إمكانية فعالة للتخلص من العنف المحتقنيمكن أن نعتب

تطرقنا إلى األخطار الكبيرة التي تشكلها الحرب الحديثة على استمرار .الحضارة البشرية برمتها ال يعني أننا نجهل تلك األخطار

علينا إذا أن ندرك أننا ال نملك حاليا مخرجا مناسبا للتخلص من العنف ي داخلنا في وقت يتزايد فيه اإلحباط ويؤدي إلى تفاقم مظاهر العنف المحتقن ف

يشرح الرسم التوضيحي التالي العالقة التي تربط بين . في حياتنا المعاصرة :العنف واإلحباط والصراع

لم يتم ) ص(في التجربة الجوهرية هو صراع ) ح(إن مصدر اإلحباط

أو الميل إلى العنف ) ع(العنف واإلحباط يولد بدوره . حله بشكل مرضولكن الطريق إلى ذلك مقطوعة بحواجز . الموجه للقضاء على مسبب اإلحباط

.صعبة االجتياز قد شارك في وضعها المجتمع والثقافة والدين والتقاليد

ص

ع ح

-١٥-

وبعد أن فهمنا العالقة بين العنف واإلحباط والصراع نطرح السؤالين ل كل شيء أن نعمل على خفض مستوى أال يمكننا وقب: التاليين، أولهما

اإلحباط من خالل خفض مستوى التطلعات واآلمال لدى الشخص المعني؟ ماذا نفعل بالعنف المحتقن الذي لم يتم التخلص منه؟: والسؤال الثاني

بوسعنا هنا أن نشير فيما يتعلق بالسؤال األول إلى أننا سنناقش مواقف حقا، وإلى أنه بمقدورنا فعال أن نوسع اإلنسان وآماله ودوافعه األساسية ال

دون -مجال تحملنا لإلحباط من خالل التحلي بالهدوء والروية والتعقل وعدم فسح المجال لإلحباط لكي يتحكم - الحاجة بالطبع للخنوع واالستسالم

ولعل أي شكل من أشكال التدين الحقيقي من شأنه أن . بمواقفنا وبسلوكنال إلى تلك الحالة اإليجابية الفعالة في مواجهة اإلحباط يساعدنا على الوصو

شأنه في ذلك شأن جميع أشكال التدرب على االسترخاء واستيعاب الواقع إال ). على سبيل المثال" اليوغا"نحو طريقة التدريب الذاتي وتمارين التأمل و(

أن الخبرة العملية تدع مكانا للشك في مقدرة تلك الطرق على أن تكون بمفردها مخرجا حقيقيا من الحالة الراهنة التي تتسم بمستوى مرتفع من

.اإلحباط العام وبوفرة وتنوع أسبابه

حاالت الصراع التي لم يتم حلها والعنف المحتقن الذي تسببه قد - ٣ تؤدي إلى اضطرابات صحية ذات منشأ نفسي

إليه العنف نحاول اآلن اإلجابة على التساؤل الثاني المتعلق بما يؤول ميلنا إلى " نكبح"لقد تعلمنا أن . المحتقن في داخلنا والذي لم يتم التخلص منه

السلوك العنيف وأن نسيطر على ردود أفعالنا لكي تبقى بعيدة عن العنف وهذا ولكن عدم ظهور العنف . يعني أننا نحتقن العنف في داخلنا ونحاول تجاهله

وال أننا قد تخلصنا منه، بل إنه كعنف في سلوكنا ال يعني وال بحال من األحيبقى فعاال يؤثر في نفسيتنا وفي سلوكنا بطريقة تلقائية وخارجة عن " مكبوت"

وتظهر فعالية العنف المكبوت في تغيرات نمطية في سلوك اإلنسان ! إرادتنا

-١٦-

منها ما يتجلى على سبيل المثال في ازدياد حمى النشاط الحركي المرتبط ) نحو العض على الشفة أو الكز على األسنان(عصابية نمطية أيضا بحركات

كما تظهر فعالية العنف المكبوت في اللجوء . وفي احمرار في الوجه والعنقإلى تعابير الجسد العدوانية أثناء الكالم كإحكام إغالق قبضة اليد على سبيل

يكبت وال شك في أن ما أوردناه من سلوك ظاهر على اإلنسان الذي . المثالالعنف في داخله ما هو إال تعبير رمزي عن ذلك العنف المحتقن والموجه في

ففي واقع األمر ال يريد ذلك الشخص أن يعض ". مسبب اإلحباط"األساس إلى كما إن إظهار ! فعال على شفته، بل على من يعتبره خصمه في الصراع

تخدمها سالحا قبضته ليس إال تعبيرا رمزيا عن رغبته الكامنة في أن يسوعلى العموم يرتفع ! هجوميا يقضي به على من هو في نظره سبب إحباطه

في حاالت اإلحباط عالوة على ما سبق ضغط الدم لدى الشخص المعني ويزداد نشاطه الجسدي العام مرتبطا في الوقت ذاته بانخفاض مستوى نشاطه

ذاكرته كما يصعب فال يمكن لإلنسان في تلك الحال االعتماد على. الفكريوهكذا يتعذر على المرء في حالة اإلحباط أن . عليه التحكم الدقيق بحركاته

ينجز اختبارات الحساب والرياضيات البسيطة التي ينجح عادة في إنجازها بكل سهولة ويرتفع عدد األخطاء التي يرتكبها في حالة اإلحباط ليبلغ تسع

أو قد يحتاج لوقت أطول بتسع أضعاف عدد أخطائه في الحالة الطبيعية،وال تختلف الحيوانات في سلوكها في . مرات من الوقت الذي يحتاجه عادة

كما هو معروف من -حاالت اإلحباط أو الصراع عن سلوك اإلنسان فالحيوانات المثارة أو المحبطة تكون . التجارب التي أجريت في هذا المجالإلى قوة جسدية بسرعة أكبر من المعتاد قادرة على إنجاز األعمال التي تحتاج

ولكنها سرعان ما تخفق أو تحتاج إلى وقت أطول بكثير، عندما يتعلق األمر ".التفكير"بمهام التحكم التي تحتاج إلى الدقة في اإلنجاز أو إلى شيء من

إن ما يتحكم بردود األفعال النمطية للشخص المثار أو الغاضب الذي غدد تفرز دفعات من الهرمونات في الدم وفي يعاني من اإلحباط هي

-١٧-

وغالبا ما يدوم مفعول دفعة . مقدمها هرمون األدرينالين المعروفولذلك فإن حالة فرط النشاط الجسدي . الهرمونات تلك لدقائق معدودة فقط

وتدني مستوى األداء الفكري المرتبطة بحالة الغضب واحتقان العنف عادة وفي غضون تلك الدقائق إما أن يعبر . معدودة فقطما تستمر أيضا لدقائق

الشخص المعني عن غضبه من خالل تصرف انفعالي عنيف موجه إلى وإما أن يستوعب غضبه ويسيطر ) بشكل مباشر أو غير مباشر(الخارج

- ولكن ثمة حاالت . على نفسه ويحاول إدراك حالته إدراكا واعيا وعقالنيايها سلوك أيا من الطريقين، ال طريق تنفيس ال يمكن ف-وكلنا يعرفها

اإلحباط أو االحتقان فعليا وال طريق استيعابه فكريا، وذلك بسبب استمرار حالة اإلحباط لفترات طويلة جدا ال يمكن معها ال استيعاب ذلك اإلحباط

وفي معظم األحيان ال تكون . وال حتى محاولة تحليله والغوص في أسبابهط تلك مفروضة علينا من الخارج بل نابعة من داخلنا وناتجة حاالت اإلحبا

فكثيرا ما نكون قد اتخذنا قرارا ما في وقت سابق . عن تركيب شخصيتنا. من حياتنا نفضل حاليا أال نكون قد اتخذناه ألننا نجده اآلن قرارا خطأ لم ومن منا لم يفكر يوما أنه ربما يكون قد تسرع في اختيار مهنته وأنه

وحتى عندما يقنع المرء نفسه ! يترك لنفسه الوقت الكافي لالختيار السليم؟ماذا لو أنني "بأنه سعيد أو ناجح في عمله فإنه ال بد أن يتساءل مرة وال شك أن !" طرقت منذ البداية طريقا أخرى غير الطريق التي اخترتها؟اتية والعائلية، أسئلة من هذا النوع تطرح أيضا في مجال القرارات الحي

فغالبا ما يختار المرء شريك حياته على سبيل المثال في مقتبل العمر، كبيرا ولكن " للمحافظة على الجنس البشري"حيث يكون حماسه الغريزي

فعادة ! قدرته على استيعاب نتائج اختياره بجميع أبعادها وتفاصيلها محدودة أي في وقت -ن عمره ما يتخذ المرء قرار الزواج في العشرينيات م

ولطالما سخر البعض من رغبة اإلنسان في االرتباط والدخول في ! مبكرلو ترك لإلنسان الوقت الكافي ليتثنى له استيعاب "العالقة الزوجية قائلين

-١٨-

نتائج قرار ارتباطه في عالقة الزواج لشكل ذلك خطرا حقيقيا على مستقبل م الناس يعتريهم الخجل عندما وال شك أن معظ!" الجنس البشري برمته

يطرحون على أنفسهم ذلك التساؤل عن خطأ وصواب ما اتخذوه سابقا من يشككون بصحة القاعدة التي بنيت "قرارات مصيرية، فذلك سيعني أنهم

ولذلك فإن تلك التساؤالت تبقى في معظم األحيان ". عليها حياتهم بأكملهاويقنع المرء نفسه بأن قراراته كانت . فبال إجابات، فتهمل وتزاح إلى الخل

سديدة وبأنه سعيد وناجح في حياته وبأن اآلخرين ليسوا أفضل منه حاال أو اإلحباط " خيبة األمل المستمرة"وهكذا ينشأ ما نطلق عليه ! وما إلى ذلك

الدائم، حيث لم تعد فترة اإلحباط تدوم لدقائق معدودة فحسب بل ألشهر أو .اع يذكرسنوات دون انقط

ما هو أثر حالة خيبة األمل المستمرة هذه على اإلنسان : ونتساءل اآلن وما هي آلية تأثيرها؟

اإلجهاد والعصاب - ٤بوسعنا بداية أن نالحظ أن المرء يصاب باإلجهاد أو الضغط النفسي عندما يعاني من حالة خيبة أمل مستمرة، فحينئذ تصاب جميع أعضاء جسده

جدا وفي حالة استعداد وتأهب " عصبيا"اإلرهاق ونجده بالتعب الشديد ومستمرين، ألنه يشعر باستمرار أن خطرا ما يهدده أو أن عليه القيام بما يفوق

أكثر من " متوترا وحساسا"وال شك أن استعداده وتأهبه الدائم يجعالنه . طاقتهروح المرح "حتى إننا قد نصفه أحيانا بأنه قد فقد" سريع الغضب"المعهود و ".جديته"وبات مبالغا في " والفكاهة

وبوسعنا وصف استجابات وردود فعل اإلنسان في هذه الحالة فاإلنسان العصابي يتميز عن غيره بابتعاده في . بالمضطربة أو العصابية

. سلوكه العام عن السلوك المتوقع والمألوف وبأن تصرفاته ذات سمة قسريةن يتصرف على هذا النحو، لكنه يشعر أنه مجبر على فهو ال يريد في الواقع أ

-١٩-

إن شيئا ما في داخله يجبره على التخوف . ذلك وأنه يفقد السيطرة على ذاتهمن المجهول وعلى أن يبالغ في الدقة وااللتزام بالمواعيد واالتفاقات وعلى أن ينتقد اآلخرين دون سبب وجيه وما إلى ذلك من تصرفات ال يجد لها حتى هو

وفي الواقع فإن اإلنسان العصابي فاقد الثقة بقدراته، إنه . ذاته مبررا مقنعايعاني من زعزعة موقفه النفسي ومن الشعور بالنقص تجاه اآلخرين ويحاول

. تجاه نفسه وتجاه اآلخرين" المتصلبة"أن يخفي شعوره هذا باتخاذ المواقف يضا بسبب عدم القدرة ويعاني المرء في هذه الحال من اإلرهاق الجسدي أ

على النوم العميق وعدم االكتفاء منه وبسبب القلق الفكري المستمر وحالة الشك الدائم وتأنيب الضمير التي تسيطر عليه وال تسمح له بأن يخلد إلى

وهذا ما قد يؤثر أيضا على شهيته للطعام وقد يسبب له . االسترخاء والراحةدة واضطرابات في الدورة الدموية أو في اضطرابات هضمية وآالما في المع

وكثيرا ما نجد المرء في هذه الحال يتصبب بالعرق ألقل ! جهازه التنفسيسبب كان مما يدل على التوتر والعصبية، وهذا ما يؤدي بدوره إلى انخفاض

وال شك أن السبب في ذلك يعود إلى أن اإلنسان . في مستوى أدائه العام من أن اآلخرين ينظرون إليه بريب وال يضمرون له العصابي ينطلق دائما

ولذلك فهو على يقين أن من واجبه " يخرج من ورطته"الخير وال يريدونه أن ولنتساءل على سبيل المثال عن عدد "! المغرضين"الحذر واليقظة والكفاح ضد

المكالمات الهاتفية التي يجريها العاملون داخل المؤسسات العامة على وجه وص، ال لشيء إال إلشباع رغبة خفية في داخل كل منهم لمعرفة ما الخص

يفكر به أو يفعله زمالؤه في هذه اللحظة تحديدا أو للتأكد من أنهم ال يحيكون ومع أن أحدا لم ! مشاريعه وخططه الخاصة" لتخريب"له الخطط والحيل

تلك يبحث في هذه المسألة بدقة، إال أننا نستطيع أن ننطلق من أن عددالمكالمات كبير جدا وأنها تكلف المؤسسات أمواال كثيرة وأن حجم ذلك الهدر يتناسب طردا مع تضخم الجهاز اإلداري ومستوى انعدام عالقات الثقة بين

.العاملين فيها

-٢٠-

الهوس - ٥يكون المرء مصابا بالهوس عندما يبدي سلوك المبالغة القسري في

لمبالغة في اتخاذ احتياطات النظافة واستخدام تصرفاته باتجاه أمر ما، نحو ا. إلى حد يزيد على ما هو منطقي ومقبول بوضوح) هوس النظافة(المطهر

ومن ثم إلى (فعندما يلجأ المرء على سبيل المثال إلى غسل يديه كل ساعة دون أن يكون هناك أي سبب منطقي لذلك، فإنه قد ) غسل كامل جسمه أيضا

ومن األمثلة األخرى على حاالت . الضطراب العصابييكون مصابا بهذا االهوس أال يمتلك المرء القدرة على التواجد وحيدا في األماكن المغلقة الضيقة

فاإلنسان المصاب بهذا ! كالمصعد أو غرفة الفندق دون الشعور بالخوفاالضطراب يشعر بحاجة ماسة إلى الخروج من المكان الضيق ألنه يشعر

وبأن الجدران تقترب منه وكذلك السقف، فنجده يسعى بشكل بضيق النفس إلى التواجد مع أناس آخرين لكي يشعر ) وهنا صفة الهوس(مبالغ فيه وفي سياق الحديث عن الهوس تجدر اإلشارة أيضا إلى مشكالت ! باالطمئنان

في جزء كبير منه -إدمان الكحول أو النيكوتين أو غيرهما، ألن اإلدمان له مسبب عصابي كما يعتبر واحد من عوارض االضطرابات -ل على األق

وفي مجال اإلثارة الجنسية هناك أيضا شكل مشابه من . العصابية المختلفة" اإلروتومانيا"إن الهوس الجنسي أو . أشكال السلوك القسري المبالغ فيه

اق منتشر على نط) المبالغة في إعطاء ممارسة الجنس أهمية كبيرة في الحياة(واسع نسبيا ويعتبر من أهم أسباب انخفاض مستوى األداء في العمل وتقهقر

ففي مجال اإلثارة . العالقات الزوجية وعالقات الصداقة والشراكة في المجتمع"! الكمي"والجنس تحديدا يجب أال ننظر إلى األمر من منظار مستوى األداء

إلى حد يجعلهم وفي بعض األحيان قد يرزح الشباب تحت هذا الهوسيشعرون بأن أمرا مهما قد فاتهم عندما تمر فرصة واحدة دون أن يستغلوها

وال عجب حينئذ أن يعاني أولئك الشباب "! قدراتهم الجنسية"ودون أن يظهروا وقد يعاني البالغ . من اضطراب في مستوى أدائهم في الدراسة أو في العمل

-٢١-

والسباق إلظهار " األداء القسري"أيضا من شكل مشابه من أشكال الهوس وفالبعض مهووسون في صعود سلم المراتب الوظيفية ولذلك ". المقدرات"

وال شك . نجدهم يبالغون في محاوالتهم إلثبات الذات والمقدرة على األداءأنهم بإرهاقهم ألنفسهم يبرمجون إخفاقهم، مما يؤدي بدوره إلى تدني مستوى

.تعة في الحياةثقتهم بأنفسهم وفقدانهم للم

الرهاب - ٦ أحد أنواع االضطرابات - مثله في ذلك مثل الهوس -يعد الرهاب

العصابية، إذ إنه سلوك قسري إجباري أيضا ولكن هربا من أمر ما بغرض اجتنابه، يأخذ شكال مبالغا فيه ويختلف إلى حد كبير عن السلوك العادي

طائرة على سبيل المثال يندرج فالخوف المبالغ فيه من ركوب ال. والمنطقيوقد يشكل هذا السلوك في ، تحت هذا النوع من أنواع االضطرابات العصابية

بعض الحاالت عقبة أساسية على طريق النجاح في العمل والذي يتطلب عادة . ومن ضمنها الطائرة-الكثير من الحركة والتنقل في وسائل النقل المختلفة

لخوف المبالغ فيه من السباحة أو من بعض ومن أنواع الرهاب األخرى ا !أو من األوضاع المثيرة جنسيا) كالعنكبوت على سبيل المثال(الحشرات

الكآبة والسلوك الشاذ - ٧

وأخيرا ال بد من اإلشارة إلى أن بعض أشكال السلوك األخرى نحو الميل إلى الكآبة واالستسالم واالنطواء على الذات وبعض أنماط انحراف

تنتمي أيضا إلى أنماط اضطرابات ) السلوك الشاذ غير السوي(لغرائز االسلوك العصابية عندما تكون قسرية وعندما تنحرف كثيرا عما هو مقبول

Sadismus والقسوة المفرطة Fetischismusكالولع المفرط (ومنطقي ). Sodomie وبعض أشكال الشذوذ الجنسي Masochismusواالستمتاع باأللم

وال يخضع " التصرف الطبيعي"عبارة أخرى فإن كل تصرف يشذ عن وب. لسيطرتنا الكاملة يمكن أن يصنف ضمن اضطرابات السلوك العصابية

-٢٢-

يمكننا بالطبع أن نتحرر من ميولنا العصابية بمحض إرادتنا كما ال نمتلك والبيعي عادة المقدرة على إدراك حالتنا العصابية، بل غالبا ما نصف سلوكنا بالط

!وسلوك اآلخرين بالشاذ

الشخص العصابي إنسان يحتاج إلى المساعدة - ٨إن اعتقاد اإلنسان العصابي بأن سلوكه طبيعي هو سبب تعذر قدرته

فلو استطاع أن يعرف حقيقة . على الخروج من حالته هذه دون مساعدة الذي أدى إلى اضطراب -حالته، ألمكنه أن يحدد مكامن وأسباب إحباطه

وأن يزيلها أو أن يتقبلها ويتعايش معها مما كان سيؤدي إلى اختفاء -وكه سلوعادة ما . أعراض حالته المضطربة بالسرعة التي ظهرت بها تلك األعراض

يتعذر إقناع اإلنسان العصابي بحقيقة حالته المرضية إال بعد إخضاعه ساعده على لالختبارات والفحوص السيكولوجية المناسبة التي من شأنها أن ت

إدراك حقيقة حالته وأنه يعاني فعال من أعراض مرضية، بعد أن كان يعتقد !قبل ذلك أنه على صواب وأن اآلخرين على خطأ

فعدم اكتشاف اإلنسان العصابي لحقيقة حالته المرضية العصابية هو السبب في استمرارها وفي استمرار حالة اإلجهاد لفترة طويلة من الزمن دون

والتطور المنطقي . اوالت جدية للتغلب على تلك الحالة أو للخروج منهاأية محبعد مرحلة تبلور الحالة ومرحلة ظهور (لهذه الحالة في مرحلتها الثالثة

يقود في ) وأحيانا سنوات(التي ربما تظهر بعد شهور ) العوارض المرضية هذه ففي. أغلب األحيان إلى ظهور أعراض مرضية جسدية ذات منشأ نفسي

المرحلة يبدأ الخلل أو االضطراب بالظهور في مجال الوظائف الجسدية العضوية ولم يعد يقتصر على السلوك والتصرفات، حيث تظهر اآلن أعراض مرضية عضوية مثل حساسية المعدة المفرطة والحساسية المفرطة تجاه بعض

رتفاع أو أنواع األطعمة والقرحة المعدية وعدم انتظام الدورة الدموية واانخفاض ضغط الدم واضطراب وظائف الكبد أو المثانة وما إلى ذلك من

-٢٣-

ولكننا ال نعني هنا ". بحتة"األعراض المرضية الداخلية التي تبدو عضوية إذ إننا نكون . بحال من األحوال أن سبب كل هذه األمراض نفسي دائما وال

أن سبب كل هذه األمراض بذلك قد ارتكبنا الخطأ ذاته الذي نرتكبه بافتراضنا إننا ولسوء الحظ ما ! عضوي بحت وأن معالجتها يجب أن تكون دوائية بحتة

زلنا ننظر في الواقع إلى جميع االضطرابات المرضية المذكورة أعاله على أنها ذات منشأ عضوي ونكتفي بأن نتخلص مرحليا من بعض أعراضها

تغل فرصة اختفاء عوارض مع أنه كان حري بنا أن نس. باستخدام األدويةاأللم واإلزعاج التي نتجت عن استخدام األدوية لمعالجة الحالة المرضية معالجة جذرية سليمة وذلك بالقضاء على المسبب األساسي للمرض والذي هو في كثير من الحاالت اإلحباط المحتقن الذي لم يتم ال التخلص منه وال تقبله

!والتعايش معه%) ٤٠ - ٣٠(عتبار عالوة على كل ما سبق أن حوالي وإذا أخذنا باال

من السكان البالغين ذوي المسؤولية يعانون من االضطرابات العصابية فإن أهمية النظر إلى األعراض المرضية من منظار سيكولوجي عضوي متكامل

وال شك أن جزءا كبيرا من الكلفة المتزايدة بسرعة كبيرة لنظام . تتضح جليالصحي يجب أن نرجعه إلى حقيقة أننا لم نبدأ بعد باتخاذ الخطوات الضمان ا

الالزمة لكبح االنتشار المتزايد لالضطرابات العصابية واالضطرابات المرضية ذات المنشأ النفسي، وأننا ما زلنا نحاول مكافحة هذه الظواهر

ومن جهة أخرى يبدو من غير الممكن أن ! بمساعدة العقاقير الدوائية فحسب من أن - عندما ال نستطيع تجنبه -وال بد لنا . نخلق عالما خال من اإلحباط

نتعلم كيف نتقبله ونتعايش معه وربما أن نتخطاه بجدارة إن كان ذلك ممكنا ولعل المخرج األسهل واألكثر واقعية من حالة اإلحباط هو . من حيث المبدأ

يبين المخطط ! لم من حولهأن يغير اإلنسان نفسه بدال من محاولة تغيير العا :التوضيحي التالي مسار تأثيرات اإلحباط

-٢٤-

......اإلحباط ) ١

بشكليه المباشر الظاهر (العنف )والباطن الرمزي

اإلحباط مصادر من الداخل والخارج

مع تغيـرات فـي (العنف المحتقن ضغط الدم وفرط نشاط حركي وتغير

د في مالمح الوجه وعبارات الجـس !) وانخفاض في الكفاءة الذهنية

اإلحباط الدائم ) ٢ )..اإلجهاد(

سلوك قسري شاذ (النزعة العصابية كالسلوك المثالي البعيد عن الواقع أو السلوك المشاكس والرهاب والهوس

.)والشذوذ والكآبة المفرطة وغيرها

األعراض المرضـية ذات المنـشأ . . . . .األعراض ) ٣القرحـة المعديــة مثـل (النفـسي

واالضطراب في الدورة الدموية أو في وظيفة القلب واألرق وضـعف

.)الشهية وغيرها

التطلعات والحاجات والدوافع هي أسس الوجود البشري - ٩

وبعد أن تطرقنا إلى تأثيرات اإلحباط وخطورتها نتساءل اآلن عن يمكن للمرء فال! ماهية اآلمال والتطلعات والحاجات التي تقف خلفه وتسببه

أن يصاب باإلحباط وخيبة األمل إال عندما يكون قد أمل بحدوث أمر ولم وأما من ال يأمل ومن ال ينتظر حدوث أي شيء في المستقبل، فإنه لن . يحدث

وهو ال - يصاب بخيبة األمل، ألنه ال شك أنه سيحصل على كل ما يريد آماال -" لقديسينا" باستثناء - وعلى العموم فإن لدى كل الناس ! شيء

-٢٥-

وتطلعات وأهدافا يسعون إلى تحقيقها، ولذلك فهم دائما عرضة لإلصابة . باإلحباط وخيبة األمل وللدخول في حاالت صراع مع ذاتهم أو مع اآلخرين

فهو الحالة االستثنائية الوحيدة، ألن إيمانه قد أشبعه روحيا إلى " القديس"وأما اتحاده "، ولعل " شيء وال يسعى إلى شيءال يحتاج إلى"درجة أصبح معها

غير أن هذه ! جعله يترفع عن أمور الدنيا" الروحي مع اإلله الذي يؤمن بهإذ إننا ما . بالمعنى الدقيق" الحياة"الحالة لم تعد تمت بصلة إلى ما نصفه بحالة

فإننا نسعى دوما نحو األفضل - حتى بالمعني الديني للكلمة -دمنا نحيا وحراك حتى نترفع عن الحياة الدنيا ونحظى بالراحة " قلق" في حالة ونبقى

).كما جاء في كتاب القديس آوغوستينوس(األبدية في اآلب، أي نموت بوسعنا إذا االنطالق من أن اإلنسان على وجه العموم سيبقى ما دام

ة على قيد الحياة كائنا ذا دوافع ومتطلبات وأنه لن يرى جميع رغباته مشبعوقبل . وربما لن يحصل ذلك طوال حياته-وأهدافه محققة إال في سن متقدم

أن نبدأ اآلن بتفاصيل القضايا المرتبطة بتلك الدوافع والمتطلبات علينا أن وهذا . نعالج مسألة مضمون وشكل تلك الدوافع معالجة منهجية بعض الشيء

.ما سيكون موضوع الفصل التالي

-٢٦-

-٢٧-

.III ان األساسية وإمكانيات حتفيزهدوافع اإلنس

الحفز كنتيجة للغرائز والشهوات - ١لقد أشرنا سابقا إلى أن اإلنسان في طبيعته إنما هو كائن ذو دوافع

هما من السمات " السعي نحو األفضل"و" عدم الرضا"وتطلعات أي إن سف وبوسع المرء أن ينظر إلى هذه الحقيقة بحزن وأ. المالزمة له ما دام حيا

فمن دواعي األسف أن الحالة التي نسعى إليها، أي حالة ! أو بترحيب وفرحالرضا الكامل وتحقيق كل التطلعات وإشباع كل الشهوات، ال يمكننا أن

فبمجرد تحقيقنا لهدف كان الدافع األساسي وراء حفزنا . نعيشها على الدوام! ا نسعى لتحقيقهونشاطنا يظهر هدف جديد يحفزنا وينشطنا من جديد ويجعلن

وأما موقف الترحيب بحقيقة اتسام اإلنسان الدائم بعدم الرضا فيجب أن ينبع من إدراك المرء أن هذه السمة تحديدا هي التي تجعل اإلنسان كائنا نشيطا على الدوام وهي التي تدفعه لتحقيق إنجازاته العظيمة في مجاالت الحياة كافة،

ولو كان المرء في حالة رضا . الفنية وغيرهاالعلمية منها واالقتصادية وولكن ! مستمرة، لما كان هناك أي حفز أو نشاط، بل خمول وكسل والمباالة

حالة عدم الرضا والنشاط الدائم بدورها تجعل اإلنسان من حيث المبدأ قابال ولو كان كل ما يسعى . للتأثر والتحفيز والقيادة والدفع في االتجاهات المختلفة

أي لما أمكن (ه اإلنسان محققا، لما أمكن تحفيزه وإقناعه بأي هدف مستقبلي إليولما استطاعت أفضل وسائل الدعاية السيكولوجية أن تجعله ) توجيهه وقيادته

ولكن حقيقة ). أي استقطابه كزبون في السوق(يقبل بشراء أي سلعة أو خدمة

-٢٨-

باعه هي التي تفتح الباب أن في داخل كل إنسان دافعا متجددا ينتظر لحظة إشفما علينا إذا إال أن . أمامنا لكي نرى في هذا الدافع محرك الحياة الفعلي

نخاطب في اإلنسان ذلك الدافع الذي يستحوذ إشباعه األولوية الملحة بالنسبة وقبل . لصاحبه عندما نريد أن نحفزه أي نقنعه بأمر ما أو أن نقوده باتجاه ما

هذه المسألة العملية علينا أن نستوضح أوال ما هي تلك أن نتابع في مناقشة .الدوافع األساسية التي تولد لدينا الحفز والحماس في حياتنا

دوافع اإلنسان األساسية هي القوى المحركة للحياة - ٢

إن تلك الدوافع المشتركة لدى كل الناس في ثقافة أو حضارة معينة هي ما ، ألنها موجودة مبدئيا في داخل كل فرد من "ساسيةالدوافع األ"نطلق عليه تعبير

ولو لم تتوفر جميعها على درجة واحدة من القوة بالنسبة -أفراد المجتمع ومن الواضح أن . للجميع، بل تفاوتت في أهميتها من فرد آلخر ومن وقت آلخر

ش فيه ما تعنيه هذه الدوافع األساسية بالنسبة لكل فرد يتغير تبعا للعصر الذي يعيفما نسعى إليه اآلن إلشباع دافع أساسي ما لم يكن مطروحا بالنسبة . ذلك الفرد

لألجيال السابقة بالطريقة ذاتها، وال شك أن أحفادنا سوف يسعون إلى إشباع ذلك ومن جهة أخرى فإن للشروط . الدافع بطريقة جديدة مختلفة عن طريقتنا نحن

يش فيها الفرد أثرها الواضح على طريقة البيئية والثقافية والحضارية التي يعتأثير الدوافع األساسية على سلوكه العام، مما قد يفسر مثال االختالف الجذري في مستوى النشاط السائد في المناطق االستوائية عما هو عليه في أوروبا على سبيل المثال، حيث يسود مناخ بارد نسبيا وحيث يجب على المرء أن يكون

.أن يعمل بجد واجتهاد لكي يبقى على قيد الحياةنشيطا و

هل يسيطر على سلوكنا دافع أساسي وحيد ال غير؟

عندما ندرس مسألة نشوء الدوافع األساسية الموجودة في ثقافة المجتمع ومن منظار التطور التاريخي لعلم -األوروبي وفي بيئته، نجد للوهلة األولى

-٢٩-

؛ األول منهج أحادية التحفيز السيكولوجي اتجاهين أساسيين مختلفين-النفس الذي ينطلق من وجود دافع أساسي مبدئي وحيد للسلوك البشري قد تنبثق منه دوافع أخرى فعالة أيضا؛ وأما االتجاه الثاني فهو منهج تعددية التحفيز

أكانت - السيكولوجي الذي يسلم بوجود دوافع عديدة تحفز وتوجه اإلنسان .عة في الوقت ذاته أم منفردة بتناوب زمني ماتفعل فعلها مجتم

ممثال تقليديا عن المنهج " Sigmund Freudسيغموند فرويد "يمكننا اعتبار األول، ألنه استطاع في دراساته لحاالت متعددة أن يثبت إمكانية رد جميع أشكال حفز المرضى الذين أجريت على حاالتهم الدراسات إلى شكل من أشكال دافع

" فرويد"وقد أثبت . ولو اختلف ذلك الشكل من مريض آلخر-هوة الجنسية الشفي معظم دراساته اختفاء جميع العوارض المرضية المميزة للحالة بمجرد فسح . المجال أمام المريض ليتخلص من االحتقان واإلحباط الجنسي الذي يعاني منه

محصلة إلى دافع الشهوة والكثيرون من تالميذه نشاط اإلنسان في ال" فرويد"ويرد الجنسية األساسي الذي تنبثق منه الميول والمساعي والدوافع الروحية والنفسية

فكل ما يقوم به المرء وكل ما يحلم به يتضمن بحسب هذا المنهج . األخرىوليس هناك من فارق . رموزا تعود في نهاية المطاف إلى دافع الشهوة الجنسية

بفاكهة الدراق أم كنا نحلم بحقيبة وضعناها في مكان وفق هذا المنهج أكنا نحلمغير مناسب فأخذها شخص آخر، ففي كلتا الحالتين يمكننا ربط ما حلمنا به بشكل

وعلى وجه الخصوص فإن نتائج ما قام به . من أشكال دافع الشهوة الجنسيةى من تحليل لرموز األحالم يدعم ويقوي هذا المنهج في رد كل شيء إل" فرويد"

وهو ما قد يكون -قاسم مشترك وحيد وهو دافع الشهوة الجنسية األساسي قد " فرويد"إال أنه ال بد من أن نأخذ بعين االعتبار أن ! صحيحا في أحيان كثيرة

عاش في زمن كان فيه الجنس من المحرمات وساد فيه الكبت الجنسي بشكل وها نحن . هي الحال اآلنفظيع ولم تكن األمور الجنسية تناقش مناقشة حرة كما

ولكن هل نعيش في . قد تجاوزنا الكبت الجنسي الذي كان سائدا في ذلك العصر !زمن خال من المحرمات والممنوعات؟

-٣٠-

وإذا ما اتضح من خالل دراستنا للوضع الراهن أننا قد وضعنا حظرا " فرويد"جديدا مكان الحظر القديم، فإن هذا سيعني أن وجهة نظر ) محرما(

عن معنى االحتقان أو اإلحباط وما يؤدي إليه من اضطرابات عصابية وما إلى ذلك ال تزال سارية المفعول دون أي تحفظ، وما علينا إال أن نستبدل دافع

.الشهوة الجنسية بدافع آخر محظور أو محرم في الوقت الراهنوفي الواقع فإن من الواضح أنه ما زال لدينا محرمات ومحظورات،

ننا ما زلنا غير قادرين وال مستعدين ألن نقول أو نفعل كل ما نريد قوله أو وأولعل ما يمنعنا هو تلك المحرمات، تلك القوانين غير المكتوبة، تلك . فعله

القواعد التي تحكم سلوكنا والتي ترتكز على معطيات بعضها ندركه ونعيه ومع أنه ! ية سيطرةوبعضها اآلخر متأصل في الوعينا وليس إلرادتنا عليه أ

قد يكون بوسعنا في الوقت الراهن وفي ظروف معينة أن نقر برغبتنا في ، إال أنه ليس من )وهذا ما كان في الماضي من المحرمات(ممارسة الجنس

السهل أبدا اإلقرار بالرغبة في توسيع مجال نفوذنا على اآلخرين أو في الرغبة قد يوصف في الوقت فمن يصرح بتلك ! على حسابهم" سلطتنا"تعزيز ". يبالغ في سعيه وراء التسلط"أو بأنه " أناني" بأنه - وربما عن حق - الراهن

فالمجتمع يتوقع من أفراده أن يلتزموا بحب اآلخر، وأي إخالل بهذا االلتزام وال شك أن هذه الحالة تحديدا من عدم فسح . يعاقبه المجتمع بالرفض والعزلة

لإلفصاح عن رغبة أساسية موجودة في داخله إنما تشير المجال أمام الفرد .بوضوح إلى وجود محرم جديد

على أهمية هذا " Alfred Adlerألفرد آدلر "فقد أكد " فرويد"وبخالف على وجه الخصوص في حياة اإلنسان وكان ) السعي إلى التسلط(المحرم

ألساسي لإلنسان في دائما يشير إلى أن دراساته وتحليالته تؤكد أن الدافع اسلوكه هو السعي إلى إشباع دافع التسلط وإثبات الذات ال دافع الشهوة

وقد رأى عالوة على ذلك أن دافع التسلط هذا كان يشتد ويبرز أكثر . الجنسيةفأكثر لدى األشخاص الذين كانوا على قناعة بأنهم محرومون من السلطة ومن

-٣١-

ى هذا الدافع األساسي نحو التسلط والنفوذ وهكذا تسند إل. إمكانية إثبات الذاتوظيفة تعويضية، فكلما اشتد شعور المرء بالنقص، أي كلما ازداد شعوره باإلحباط، كلما اشتد سعيه إلى التسلط والنفوذ وإثبات الذات كتعويض عن

وال يأبه في سعيه هذا، ألن يكون أقوى وأفضل من اآلخرين . شعوره بالنقص. شكل من أشكال اللباقة والسلوك المقبول اجتماعيافي هذه الحال، بأييمكننا أن نشرح بعض التصرفات الشاذة كالمبالغة " آدلر"وبحسب وجهة نظر

في الطموح والسعي الحثيث إلى الترقي الوظيفي على سبيل المثال على إن من يسلك هذا السلوك ال شك أنه قد واجه في وقت ما من : الشكل التاليقا أو إحباطا شديدا جعله يسعى بكل ما أوتي من قدرة ألن يحقق حياته إخفايعوض عن إخفاقه السابق ) ربما في مجال آخر من مجاالت الحياة(نجاحا ما

.ويساعده على استعادة ثقته بنفسه ويعيد له اتزانه الداخلي النفسيوهناك أيضا بعض حاالت الشعور بالنقص الناتجة عن خصوصية

ناء اإلنسان العضوي على سبيل المثال كقصر القامة أو عدم معينة في باالنتظام في توزع نمو الشعر أو حتى مجرد االعتماد على اليد اليسرى بدال

ففي هذه الحاالت يشعر اإلنسان المعني ! من االعتماد على اليد اليمنىويسعى إلى التعويض عن " النقص"بالخصوصية العضوية بشكل من أشكال

وهناك مثال مشهور في التاريخ على ما ذكرناه؛ فمن . مجاالت أخرىذلك فيالمعروف أن القائد الفرنسي المشهور نابليون كان بالفعل قصير القامة كما كان يعتمد على يده اليسرى أكثر من اليمنى؛ ولعل ما وصل إليه من نفوذ وسلطة ونجاح على الصعيد العسكري يعود إلى شعوره بالنقص متأثرا

.بخصوصية بنائه الجسدي" آدلر" من وجهة نظر -ومن الممكن أيضا تفسير ظاهرة تغيير المهنة

فالمهنة التي مارسها الشخص المعني حتى اآلن : بالطريقة ذاتها-على األقل لم تساعده، من وجهة نظره بالطبع، على تحقيق ما كان يصبو إليه من إثبات

ك فإنه يشعر بأنه مغلوب على أمره أو لشخصيته ومكانته في المجتمع، ولذل

-٣٢-

ويحاول اآلن جاهدا بكل ما أوتي من " بعقدة النقص"وربما " بالنقص"يشعر وقد . أن يحقق نجاحا جديدا في مهنة جديدة- وأحيانا بشيء من التوتر - قوة

يترك البعض مجال عمله المهني كليا ويدخل في مجال السياسة أو قد يترك ولعل كال منا يعرف في دائرة معارفه أمثلة . د ويغادر البالدمجتمعه المعهو

.عديدة على أشخاص غيروا مهنتهم أو تركوا العمل كلياوبالطبع يمكن إيقاظ هذا الشعور بالنقص في شخص ما بطريقة مقصودة، مما يفسح المجال واسعا لتوظيف ذلك الشعور في مجال اإلقناع

المؤثرة، التي أيقظت هذا الشعور بالنقص السيكولوجي عندما تستغل الجهة - وبسهولة -في نفس الشخص المعني، أسهمها المرتفعة لديه بعد أن تخرجه

ولعل ! من حالة الشعور بالنقص تلك وتكسب بذلك وده وتستقطبه إلى جهتهاهذا المنطلق تحديدا يعتبر من أهم المنطلقات السيكولوجية المستخدمة في

الحفز واإلقناع في ميدان : كورل. انظر ف(دعاية والبيع مجال القيادة وال :١٩٧٢W. Correllالقيادة والبيع، دار الصناعة الحديثة للنشر، ميونخ

Motivation und Überzeugung in Führung und Verkauf, Ver. Mod.

Industrie, München, 1972 .( ولسنا هنا في صدد شرح ما جاء في هذا ولكننا من جهة أخرى علينا أن نعي أن وجهة نظر .المرجع مرة أخرى

هذه تنتمي أيضا إلى منهج أحادية التحفيز السيكولوجي وأنها لذلك تبدو " آدلر"في الكثير من الحاالت ضيقة األفق وال يمكن تطبيقها على أرض الواقع دون

فبالرغم من أن اإلنسان كثيرا ما يتخذ قراراته انطالقا من . قيد أو شرطشعوره بالنقص أكثر من أي منطلق آخر وبالرغم من أن هذه اآللية قد تكون في بعض الحاالت قادرة على تفسير مسار حياة امرئ بكاملها، إال أن وجهة النظر هذه ال تنطبق وال بحال من األحوال على كل الحاالت وفي كل

وإلى الفوزوبوسعنا إذا االنطالق من أن السعي إلى النفوذ والسلطة . الظروف، بل لدى "آدلر"باحترام اآلخرين ال يحظى باألولوية لدى كل الناس كما يدعي

والذي -لننظر على سبيل المثال إلى المجتمع الذي نعيش فيه . جزء منهم فقط

-٣٣-

ال شك . كان يسوده في الفترة السابقة سباق األداء وسباق إظهار من األفضلفال يتوق إلى ارتقاء السلم الوظيفي ! كسأن البعض يتجه اآلن في االتجاه المعا

، وإنما إلى العيش في بيت ريفي "الطحش إلى األمام"بأسرع من البرق وال متواضع أو الذهاب إلى الهند البعيدة للعيش من ممارسة عمل بسيط متواضع كنسج السجاد اليدوي وما إلى ذلك من اتجاهات تركز على السير عكس

ليل من أهمية هذا التيار الجديد واعتباره ببساطة حالة وال نستطيع التق! التياروما . استثنائية نادرة، فهو يؤثر بشكل أو بآخر تأثيرا كبيرا في حياتنا اليومية

رفض أطفالنا االهتمام بتحصيلهم العلمي والسعي إلى التقدير الجيد في ظر إلى وبصورة مشابهة يمكننا الن. شهاداتهم إال شكل من أشكال ذلك التيار

ابتعاد بعض الشباب عن االهتمام باالرتقاء في السلم الوظيفي أو بالسعي وراء الفوز باألجور المرتفعة واتجاههم نحو التمتع بأكبر قدر ممكن من وقت الفراغ

على حق فيما يطرح دون أي " آدلر"ولو كان . وأقل قدر ممكن من المسؤوليةمهما كانت حالته، وذلك من خالل تحفظ، لكان من المستطاع تحفيز كل إنسان

جعله يدرك مكامن نقصه ومن ثم إرشاده إلى طريق ناجعة للخروج من حالة ولكن الخبرة العملية على أرض الواقع تظهر بوضوح أن هذه . الشعور بالنقص

فما الطريق إذا لفهم هذه المسألة؟. االستراتيجية ال تنجح دوما

في داخلنا أكثر من دافع

أحادية التحفيز - من التناقض الذي يؤدي إليه المنهج األول وللخروج منهج تعددية التحفيز - يمكننا اآلن أن ننظر إلى الخيار اآلخر -السيكولوجي هذا المنهج الذي ال ينظر إلى اإلنسان على أنه يتصرف - السيكولوجي

. هاانطالقا من دافع أساسي وحيد بل من دوافع ومساع عدة متآثرة فيما بينوجود " Maslowماسلوف "وبصفته واحد من أبرز ممثلي هذا المنهج يفترض

عدة دوافع تحكم سلوك اإلنسان بعد أن يكون قد ضمن حاجاته األساسية ولعل الكثيرين من علماء سيكولوجيا التحفيز . الالزمة للبقاء على قيد الحياة

-٣٤-

بدال من االعتماد نظرته هذه باالعتماد على نهج التعددية" ماسلوف"يشاركون وال شك أن افتراض عدة . على المنهج التقليدي ألحادية التحفيز السيكولوجي

دوافع أساسية يبدو أكثر منطقية وموضوعية من افتراض وجود أشكال متعددة " ماسلوف"وقد يذهب البعض إلى أبعد مما ذهب إليه . لدافع أساسي وحيد

نسان حاجاته األساسية للبقاء على ليقول بأنه ليس من الضروري أن يضمن اإلقيد الحياة أوال قبل أن يبدأ بإشباع دوافعه األساسية السيكولوجية األخرى أو

فحقيقة أن اإلنسان قد ! قبل أن تحظى تلك الدوافع بفرصة التأثير في سلوكهيقدم على عمل ينهي حياته كاالنتحار تناقض بشكل فاضح وجهة نظر

الحفاظ على الحياة هو الدافع ذو األولوية في جميع ولو أن دافع ". ماسلوف" االنتحار إن وجود ظاهرة! الحاالت لما استطاع اإلنسان أن يقدم على قتل نفسه

في عالمنا الذي نعيش فيه، بالرغم من أنها حقيقة مؤلمة، يجبرنا على اعتبار لى درجة الدوافع المختلفة التي يستند إليها نهج تعددية التحفيز السيكولوجي ع

واحدة من األهمية من حيث المبدأ، مع أن دافعا واحدا منها يتصدر األولوية .لدى الفرد الواحد في زمن ما وقد يزيحه دافع آخر في مرحلة أخرى

وألسباب عملية أكثر منها نظرية استنتاجية يمكننا االنطالق من وجود المهنية واألسرية، مرتبة دوافع أساسية تحكم سلوكنا العام في حياتنا اليومية ٥

هذا السلم ) ١الدافع رقم (على سلم األولويات بحيث يعتلي واحد منها فقط وينتظر إشباعه حتى يترك الصدارة لدافع آخر في هرم الدوافع الخمس

.لم يكن إشباعه ملحا في المرحلة السابقة) أو غيره٢الدافع رقم (نجعل من هذه الدوافع وبالطبع يمكننا من خالل تعريف مناسب أن

لكننا ال ننظر . األساسية الخمس ستة أو سبعة دوافع أو قد نكتفي بثالثة منهاكثيرا في معالجتنا هذه إلى العدد، بل هدفنا هو أن نفصل بين هذه الدوافع المختلفة بسهولة ووضوح، لكي تسهل االستفادة منها في التطبيق العملي على

هذه القاعدة في التفكير العملي الهادف إلى فهم وانطالقا من . أرض الواقع

-٣٥-

المشاكل والمضي قدما في حلها نعرض اآلن هذه الدوافع األساسية الخمسة ونشرح كيفية التعرف عليها وتحديدها كمكون أساسي من مكونات شخصية

أي بعد أن نحدد الدافع -ولن يكون من الصعب علينا حينئذ . كل فرد أن نوظف معرفتنا هذه لصياغة - لوك شخص ما األساسي الذي يحكم س

أهدافنا في عملية القيادة أو اإلقناع بما يتفق مع ذلك الدافع لتسهيل تلك !وهنا تكمن في الواقع الفائدة الحقيقية من كل هذا الشرح. العملية

ةالدوافع األساسية الخمس - ٣

دافع القبول االجتماعي -أ

خمس هو دافع السعي إلى القبول إن أول تلك الدوافع األساسية الواالحترام االجتماعي داخل المجموعة أو المجموعات التي يعيش ضمنها

أن يكون في المرتبة - وهنا يكمن لب هذا الدافع -فهو ال يريد . اإلنسانإن ! األخيرة من مراتب النفوذ والسلطة، بل في المرتبة األولى قدر اإلمكان

ولعل هذا . العتبار والمقام الرفيع والنفوذ والسلطةاألمر يتعلق بالسعي لضمان ا ".السلطة وإثبات الذات"بالسعي إلى " آدلر"الدافع يشبه إلى حد كبير ما وصفه

ومهما بدا هذا الدافع للوهلة األولى عاما وشامال، فإنه ال يتصدر كبرى لبعض فا. أولويات كل الناس ولذلك فهو ال يشكل المحرك األول لسلوكهم العام

يرى أنه من المهم جدا بالنسبة له شخصيا أال يكون في المرتبة األولى أو في " مكشوفة لضربات اآلخرين"الصفوف األولى، ألن المرتبة األولى قد تكون

على سبيل المثال وألن الخطر على الصفوف األولى أكبر منه على الصفوف ولى لدى شخص ما، فإن وأما عندما يتصدر هذا الدافع المرتبة األ. الخلفية

ذلك الشخص سيظهر بمظهر المندفع والطامح والملفت لألنظار والمثير في المجموعة ١أي بالشخص رقم " بالزعيم"لالهتمام وسيسعى إلى التمثل

والمهم هنا أن ندرك أن الشخص . الذي يصدر األوامر ويتخذ القرارات

-٣٦-

، بل إنه "الذروة"ل بعد إلى المدفوع بدافع القبول واالحترام االجتماعي لم يص !يسعى بكل قواه للوصول إليها

ولقد تعرف الباحثون على هذا الدافع وفسروه في وقت مبكر كقوة دافعة دكتاتورية نتف "وال يمكن تفسير ظاهرة . لدى الحيوانات" االجتماعي"للسلوك د بين أفراد مجموعات الدجاج إال في ضوء أهمية هذا الدافع في تحدي" الريش

أو الديك الرئيسي في المجموعة هو من " الزعيم"إن الديك . سلوكهم العاميصدر األوامر لفريق الدجاج ويتحكم بوقت قفز جميع أفراد المجموعة إلى المكان الذي ينامون فيه، فعندما يقفز يقفز اآلخرون بالترتيب بحسب األهمية

و الديك أو وآخر فرد يصطف في مكان النوم ه. أو القوة ضمن الفريقوعليه ينصب غضب الزعيم تلقائيا في حال حدوث أية أزمة " الذيل"الدجاجة

وهنا ! أي ذنب في تسبب هذه األزمة" الذيل"دون أن يكون للديك أو الدجاجة وجميع أفراد الفريق اآلخرين هجوما عنيفا على الديك " الزعيم"يشن الديك ! ة لها على ذنب لم ترتكبه في الواقعويتم نتف ريشها كعقوب" الذيل"أوالدجاجة

- وعندما تكتشف صاحبة الدجاجات في اليوم التالي أن أحد أفراد المجموعة ما قد يساء فهمه على أنه مرض (قد فقد ريشه " الذيل"وهو الديك أو الدجاجة

فإنه من المنطقي أن يذبح وينتهي به المطاف إلى المقالة أو ) أصاب ذلك الفردوفي واقع األمر فإن متوسط عمر أفراد مجموعات الدجاج . حساءإلى قدر ال

أقل بوضوح من متوسط عمر أولئك الذين يحتلون " الذيل"الذين يحتلون مرتبة أو الذين يحتلون مراتب متوسطة على سلم الترتيب داخل " الزعيم"مرتبة

وعندما يرى زمالء الفرد الضحية ما أصابه من قدر مؤلم . المجموعاتلطبع فإن جميع الدجاجات والديوك يسعون إلى التمتع بحياة طويلة قدر وبا(

وأن يبتعدوا عن سلوك " الزعيم"فإنهم يتعلمون أن يسلكوا سلوك !) اإلمكان بعد أن يذبح الفرد -ألنه عندما يعاد شغل المراتب داخل المجموعة ". الذيل"مكان " لزعيما" لن يأخذ من يسلك سلوك - وتصبح مرتبته شاغرة " الذيل"" الزعيم"باألصل أي إن من يسلك سلوك " الذيل"وإنما من يسلك سلوك " الذيل"

-٣٧-

وبالطبع فإن أيا في "! الذيل"يعيش فترة أطول، بخالف من يسلك سلوك المجموعة ال يسعى ألن ينتهي به األمر إلى قدر الحساء أو المقالة، فالكل

لك فإن كل ما يقوم به الديك ولذ". إطالة العمر"يسير غريزيا وفق قانون الديكتاتور يكون مثاال يحتذى به من قبل الجميع في المجموعة " الزعيم"

".زعيما"وبخاصة من قبل من يمتلك باألصل نزعة قوية ليصبح وقد أظهرت تجارب بسيطة أجريت على مجموعات مختلفة من

في المجموعة "الزعيم"الحيوانات أنه يكفي على العموم أن نلقن الحيوان !سلوكا ما، حتى يتعلمه باقي أفراد المجموعة تلقائيا

وال تخفى على أحد عناصر التشابه بين سلوك الحيوان وسلوك اإلنسان فلننظر على سبيل المثال إلى وقع وتأثير تلك األزياء التي . في هذا المجال

فكل السيدات !على ذوقنا العام" النجمة"أو " الزعيمة"تعرضها عارضة األزياء في اختيار مالبسهن وبخاصة تلك " النجمة"ستحاولن التمثل بتلك العارضة

السيدات اللواتي يسعين إلى القبول واالحترام االجتماعي بغض النظر عما يعنيه اختيار تلك المالبس من كلفة مادية وخطر المبالغة في التميز واحتمال

ى العكس من ذلك، فكلما وعل! تعريض الصحة للمخاطر في بعض األحيانارتفع السعر وكلما كان الظهور متميزا وفاضحا، كلما رغبت السيدات اللواتي

!تسعين إلى القبول االجتماعي بتلك األزياءولكن هذا السلوك الجماعي النمطي لإلنسان ال يقتصر على مجال

ية المالبس واألزياء فحسب، بل يتعداه ليشمل مختلف مجاالت الحياة األسرفمن يحرك . والمهنية ومجال قضاء أوقات الفراغ والظهور أمام اآلخرين

بدافع القبول االجتماعي يسعى دائما ألن يكون في مركز االهتمام واألضواء من خالل ارتداء أحدث األزياء واعتالء المقام الرفيع في كل

لذي ا-" إنسان الدافع األساسي األول"وفي هذا السياق فإن . المجاالت ال يرضى عندما يمارس - يسعى في المقام األول إلى القبول االجتماعي

الرياضة على سبيل المثال سوى بأحدث أنواع النشاطات الرياضية

-٣٨-

وال -وأكثرها لمعانا، كما إنه ال يذهب إال في رحالت مكلفة ومتميزة ن كما يمتاز م. يتردد في االقتراض من اآلخرين من أجل إشباع دافعه هذا

ينتمي إلى هذا النمط من أنماط التحفيز بتمكنه من التحدث والخطابة وبثقته في الظهور أمام اآلخرين وبأنه يستخدم في حديثه كلمات أجنبية رنانة،

.حتى ولو لم يكن يستخدمها دوما في مكانها الصحيحوبناء على تلك الصفات يتضح بسهولة أن شخصا ينتمي إلى هذا النمط

عامل معه، ألنه غير مستعد لسماع النقد أو اللوم أو التوبيخ الموجه يصعب التولكنه على . إليه، وبخاصة عندما يشعر أن النقد قد يضر بمقامه ومكانته

استعداد أن يتبنى رأي أو وجهة نظر اآلخر عندما يخدم ذلك هدفه في التشبه ها، أي في الرفع واالقتراب من مقام الذروة في البيئة التي يعيش في" بالزعيم"

ومن هذه الحقيقة تحديدا علينا أن ننطلق في بناء الطريقة السليمة . من مقامهعلينا أن نوضح له أن : من أنماط التحفيز" إنسان هذا النمط"للتعامل مع

السلوك الذي نطلبه منه هو الطريق للحصول على ما يصبو إليه وهو ما وحينئذ فقط نضمن قبول هذا اإلنسان . يضمن له التميز والرفعة أمام اآلخرين

ومن ناحية أخرى نستطيع باالعتماد على . بذلك السلوك بسرعة ودون انتقادكل إنسان تقريبا على " انبساط"أهمية هذا الدافع أن نفهم أيضا سبب انفتاح أو

اآلخرين ومحاولته كسب رضاهم، في مرحلة على األقل من مراحل حياته؛ ل على االعتراف واالحترام من قبل اآلخرين، سالكا وسبب اندفاعه للحصو

في بعض األحيان طرقا مسدودة؛ وسبب إصراره على الدخول في الحياة االجتماعية، بالرغم من أنها محفوفة باإلرهاق والعذاب واأللم وبالرغم من أن السعادة واالستقرار واألمان ال يمكن أن تنبع إال من داخل كل فرد وال يمكن

فدافع القبول االجتماعي هو إذا دافع أساسي . توجد إال في قرارة كل نفسأن موجود في داخل كل نفس بشرية وال بد أن يظهر في مرحلة من مراحل

ومن وجهة النظر التسويقية ال شك أن إنسان هذا الدافع هو زبون . حياتهك مثالي للشركات التي تطرح البضائع الجديدة في السوق ألول مرة، فتل

-٣٩-

البضائع تثير اهتمامه فورا وتشده لشرائها، بينما يفكر اآلخرون مليا بمدى !حاجتهم الفعلية إليها قبل شرائها

ولنتساءل اآلن عن نسبة أولئك الناس الذين ينتمون إلى هذا النمط من لقد أجرينا دراسات . أنماط التحفيز بين جميع المواطنين العاملين في ألمانيا

سنوات بين كل دراسة ٦ بفواصل زمنية بلغت ١٩٧٨أربع منذ عام % ٢٠ولقد وجدنا أن نسبة نمط التحفيز األول بين العاملين بلغت . وسابقتها

. ١٩٩٦عام % ١٤ و١٩٩٠عام % ١٥ و١٩٨٤عام % ١٦ و١٩٧٨عام ومن الواضح أن نسبة من ينتمي إلى هذا النمط من أنماط التحفيز تتناقص مع

ه بالنسبة لالقتصاد الوطني لم تنقص مع مرور ولكن أهميت. مرور الزمنالزمن، فأولئك الناس ما زالوا ينفقون األموال في الشراء واالستهالك بنفس

وال يعني هذا بالضرورة . القدر بالرغم من تراجع نسبتهم بين كافة العاملينأن أولئك الناس هم من األثرياء، بل لعلهم أناس عاديون ينفقون في أغلب

أكثر مما لديهم ويميلون لالستدانة من اآلخرين ولالستفادة من كل ما األحيان .تقدمه البنوك من فرص لإلقراض

وبهذا فإن إنسان نمط التحفيز األول الذي يتصرف انطالقا من دافع القبول االجتماعي ويسعى إلى المقام الرفيع هو الصورة المعاكسة تماما

ساسي الثاني، دافع األمان والطمأنينة، لإلنسان الذي يتصرف وفق الدافع األ :الذي سنناقشه فيما يلي

دافع األمان والطمأنينة -ب

ال يسعى من يحفز بهذا الدافع إلى إثارة انتباه اآلخرين واعتالء مقام رفيع بينهم، بل على العكس من ذلك إنه يسعى ألن يكون بعيدا عن األضواء

ضمان الصحة والسالمة ويسلك درب أو في مركز االنتباه كما يسعى إلى من ينفق "إنه يعيش وفق مبدأ في الحياة يقول بأن . التوفير وعدم هدر األموال

بينما يحيى إنسان !" ومن ال ينفق شيئا يملك كل شيء-القليل يملك الكثير

-٤٠-

من ينفق الكثير "نمط التحفيز األول وفق مبدأ معاكس للمبدأ السابق مفاده أن ! حتى ولو اضطر لالقتراض-" علياهو من يعيش ف

يتجنب إنسان الدافع األساسي الثاني كل ما يضعه في مركز االنتباه وكل ما هو محفوف بالمخاطر وكل ما هو مجهول النتائج وكل ما هو

إنه يحاول إذا االبتعاد عن . ناهيك عما يسبب الديون- مرتبط بنفقات كبيرة ك التقليدي والمحافظ وغير المثير لالنتباه إنه يفضل السلو. التغيير في حياتهوبينما يسعى إنسان الدافع األساسي األول إلى القيام . في كل الحاالت

برحالت غريبة وممارسة النشاطات الرياضية الحديثة والمتميزة والمثيرة، يفضل إنسان الدافع األساسي الثاني أن يبقى في بيته ويوفر نفقات الرحالت

ذلك باالعتناء بحديقته التي ال يهدر مساحتها بالورود ويقوم عوضا عن. واألعشاب الخضراء، بل ال بد أن يستغلها بزرع النباتات المفيدة والمثمرة

وإن اقتضى األمر أن تكون له هواية فجمع الطوابع وإن كان ال بد من !الخروج خارج المنزل فلزيارة بعض األقارب

في االعتبار أثناء تعاملنا مع هذا وهكذا ال بد أن نأخذ هذه الحقائقالنمط من أنماط التحفيز وذلك بأن نتجنب تقديم كل ما هو جديد وأن نقدم

وال يقتصر ذلك على مجال . عوضا عنه ما هو تقليدي وما قد أثبت جدواهوالشك . البيع واإلدارة في العمل، بل يتخطاه إلى مجال الحياة األسرية أيضا

في الكثير من حاالت الصراع إذا ما راعينا هذه الصفات أننا نتجنب الدخول وبوسعنا . والميول في إنسان الدافع األساسي الثاني وأخذناها على محمل الجد

بالطبع أن نؤثر على تصرفاته ونجعله يسلك السلوك الذي نرغب به ولكن بكثير من الصبر وبخطوات هادئة وبطيئة وعندما نوضح له عدم وجود أي

.و نتائج مجهولة مرتبطة بذاك السلوكمخاطر أوإذا نظرنا إلى األطفال على وجه الخصوص، فإننا نجدهم يسعون إلى األمان والطمأنينة في البيت أكثر من سعيهم إلى التقدير واالحترام من قبل

-٤١-

وال شك أننا نخطو خطوة باتجاههم ونساعدهم في تحقيق مسعاهم . األهل، بل على "أمر"لبه منهم على شكل مطلب أو األساسي عندما ال نصيغ ما نط

شكل دعم ومساعدة للوصول إلى الوضوح في عالمهم الذي يعيشون فيه لكي وبالمناسبة فإن األسئلة الكثيرة التي يطرحها . يطمئنوا إليه وال يخشوا خفاياه

ما هي - وسوف نناقش ذلك الحقا - األطفال في مرحلة معينة من طفولتهم حة على حاجتهم إلى األمان في هذا العالم الكبير وإلى إال داللة واض

ولما كان العالم من حولنا يزداد غموضا . الطمأنينة في محيطهم األسرييوما بعد يوم، فإن دافع األمان والطمأنينة يقوى في داخلنا ويطفو إلى السطح

ولعل حالة عدم. كلما انتابنا شعور بأننا في وضع ال نفهمه وال نستوعبهاالستيعاب هذه تجعلنا نفقد إمكانية السيطرة على أمور حياتنا وتوقعنا في

ولعل األمر مشابه بالنسبة لمن . صراع يقوي بدوره حاجتنا إلى األمانينتمي إلى نمط التحفيز األول، فهو يدخل في صراع مع ذاته أو مع من

ير وعندما حوله عندما يشعر أن العالم المحيط يبخل عليه باالعتراف والتقدوهكذا فإن خطر اإلصابة . ال ينجح بارتقاء المقام الرفيع الذي يطمح إليه

بالعصاب الذي نوهنا إليه سابقا والذي يسببه الشعور باإلحباط ال يقتصر على نمط من أنماط التحفيز بل إنه يصيب من ينتمي إلى كال النمطين على

تناغم بين اآلمال فتلك االضطرابات تحدث عندما ينعدم ال. حد سواءوالتطلعات من جهة وما يتحقق على أرض الواقع أو ما نشعر أنه تحقق فعال

ومع ازدياد تعقيد العالم من حولنا يتدنى مستوى فهمنا . من جهة أخرىفمن يستوعب على سبيل المثال كل ما يتعلق بالكهرباء (واستيعابنا له

ة لذلك حاجتنا إلى األمان وتزداد نتيج!) وبالحواسب وبالسياسة العالمية؟ولعل هذه الحاجة الماسة هي ما يجعلنا نلجأ إلى ذاكرتنا . والطمأنينة

إذا . لنسترجع أيام الطفولة التي جادت علينا بالكثير مما نحتاج إليه اآلنفانعدام حالة األمان يزيد من حنيننا إلى الماضي وذكرياته، إلى ذلك العالم

.ي كنا نفهمه ونعرف حدوده وخفاياهالصغير البسيط الواضح الذ

-٤٢-

ولعل هذا النمط الثاني من أنماط التحفيز هو األكثر انتشارا واألوسع بلغت نسبة تمثيله ١٩٧٨ففي عام . تمثيال في مجتمع العاملين في ألمانيا

% ٣٦ حوالي ١٩٩٠وفي عام % ٣٤ حوالي ١٩٨٤وفي عام % ٣٠حوالي وال شك أن هذا االزدياد في %. ٣٨ وصلت إلى حوالي ١٩٩٦وفي عام

بعضه -حاجة الناس إلى األمان والطمأنينة يعكس أيضا خوفا متزايدا باطراد خوفا على الصحة أو من هبوط قيمة العملة أو - محق وبعضه من دون حق

من خسارة مكان العمل أو من إفالس صاحب العمل أو من خسارة الشريك وكلما تعقدت األمور وازدادت ! رهابوربما خوفا عاما من الحرب واإل

ولعل من أهم . غموضا وصعب علينا تحليلها وفهمها كلما ازداد خوفنا منهاسمات وخصائص الناس الذين ينتمون إلى هذا النمط من أنماط التحفيز أنهم يتبعون نهج الوقاية واالقتصاد والتوفير في حياتهم، إذ إنهم يرون في هذا

وبينما يطغى . د والسالح األنجع لمواجهة مخاطر الحياةالنهج الضمان الوحياالندفاع واالنفتاح على سلوك إنسان الدافع األساسي األول، يعتمد إنسان الدافع األساسي الثاني موقفا محافظا حذرا في حياته وغالبا ما يعيش وفق المبدأ

ليومك خبئ قرشك األبيض "أو " ال تورط نفسك في تجارب جديدة: "القائلأنه يميل عموما إلى هذا " األلماني"ومن المعروف عن اإلنسان ". األسود

السلوك المحافظ، بينما تعرف شعوب فرنسا وإيطاليا وأمريكا الجنوبية على سبيل المثال بأنها تميل أكثر إلى االنفتاح على اآلخرين وهو ما يتميز به نمطا

الدافع األساسي الثالث، دافع الثقة، وفيما يلي سنناقش . التحفيز األول والثالث :الذي يعتمد عليه نمط التحفيز الثالث

دافع الثقة -ت

نعني بهذا الدافع األساسي الثالث سعي اإلنسان المبدئي إلقامة عالقات ثقة متبادلة مع أناس آخرين يمكنه أن يثق بهم من جهة وأن يتوقع منهم أن

وعندما يحتل دافع الثقة األولوية في . يثقوا به وينفتحوا عليه من جهة أخرى

-٤٣-

سلم الدوافع األساسية لدى شخص ما، فإنه ال يسعى في المقام األول ال إلى التقدير واالحترام وال إلى الطمأنينة واألمان، بل إلى عالقة قرب وحميمية من

وإن ما يشكل الرضا . إنسان آخر قادر على أن يكون له بمثابة مثل أعلىعالقة " مثله األعلى"لشخص المحفز بدافع الثقة هو أن يعيش مع الحقيقي لهذا ا

وال يريد إنسان نمط التحفيز الثالث هذا أن يتخذ قراراته . شخصية حميمةيسود . باستقالل وموضوعية، بل باالعتماد على اآلخر ومن منظار شخصي

لى عن مثل أع- بالغا كان أم طفال -نمط التحفيز هذا عندما يبحث المرء وعندما يطلب من اآلخر نصيحة شخصية وعندما يخصه بمكانة خاصة كأن

!".ال أقوم بذلك إال من أجلك: "يقول على سبيل المثالوعندما يكون أحد الشريكين في العالقة الزوجية أو في عالقة الشراكة الحياتية ينتمي إلى نمط التحفيز الثالث، فإن تأسيس أسرة متآلفة ومتناغمة

أغلب األحيان سهال، ألن هذا الشريك يتوجه كليا وفق شريكه اآلخر يكون في. ويتخلى عن شخصيته ومطالبه وطموحاته ويتبنى مطالب وطموحات اآلخر

وال عجب إذا أن يسعى الكثير من الرجال للزواج من فتيات تنتمين إلى هذا اإلنسان وكما أن! النمط من أنماط التحفيز ويحركهن الدافع األساسي الثالث

الذي ينتمي في مرحلة ما من حياته إلى نمط التحفيز األول أو الثاني ال يبقى مدى حياته على ذلك النمط من التحفيز، فإن األمر ذاته ينطبق على نمط

وهكذا فإنه من الطبيعي أن يكون نمط تحفيز كال الطرفين في . التحفيز الثالثاهل هذه الحقيقة إلى نشوء وكثيرا ما يؤدي تج. الشراكة عرضة للتغير

كأن يقف الزوج حائرا أمام تمسك : الصراع والمشاكل في الحياة الزوجيةبعد أن كانت في السابق ، برأيها وإصرارها على مواقفها" المفاجئ"زوجته

كما يمكننا مالحظة هذا التغير ! توافقه في آرائه وتدعمه في مواقفه دون تحفظل عموما في سن الحادية عشر أو الثانية عشر، في نمط التحفيز لدى األطفا

حيث نجدهم يصرون فجأة على حصولهم على غرفة مستقلة في البيت وعلى وفي هذا . رغبتهم بقضاء عطلتهم وفق مخططاتهم الخاصة وبعيدا عن األهل

-٤٤-

السلوك مثال واضح على تغير نمط التحفيز من النمط الثالث الذي يعتمد على !ألهل إلى نمط آخر ال يولي تلك العالقة األولوية العظمىعالقة الثقة مع ا

ونجد األشخاص الذين ينتمون إلى هذا النمط من أنماط التحفيز منفتحين على اآلخرين يخبرونهم بأسرارهم ومشاكلهم الشخصية ويتوقعون منهم االهتمام والمتابعة، كما إنهم يهتمون بدورهم بأخبار اآلخرين ويتضامنون

ومن الصفات المرتبطة بهذا النمط . مشاكلهم الشخصية والخاصةمعهم في وال شك أن . أيضا االستعداد الدائم للمساعدة واإلخالص للصديق وحفظ الود

هذه الصفات تؤهل صاحبها لتولي المناصب المرتبطة باإلخالص والتكتم على ، وذلك ألنه شخص محبوب بصورة )مهام الوساطة واالستشارة(األسرار

.ة ومحمود السيرة لدى جميع من يعرفهعامفهو . وهذا ما يظهر أيضا في هوايات إنسان الدافع األساسي الثالث

يشارك بكل سرور في النوادي الرياضية واالجتماعية المختلفة وتجده ينشط كما إنه يحتفظ بعالقات طيبة مع الجميع دون . في مجال األعمال الخيرية

وأن الكل يحبه، ألنه ال يريد شيئا " أعداء"له ومن صفاته أن ليس . استثناءوأما السلبية األساسية . لنفسه، بل إنه يعمل من أجل مصلحة اآلخرين

المرتبطة بهذا النمط من أنماط التحفيز فهي بالطبع أن من ينتمي لهذا النمط يكون عرضة لالستغالل من قبل الطرف اآلخر في مختلف العالقات التي

وعالوة على ذلك فإن إنسان ! تثنى منها العالقات الزوجية وال تس- يبنيها حيث يحصل بكل (الدافع األساسي الثالث قد يميل في العمل أو في السياسة

هذا يعني ". الفساد المستتر"إلى تعزيز ) سهولة على شعبية ودعم من الناخبين أنه قد يدعم أمرا ما على سبيل المثال برغم شكه في شرعية وسالمة هذا

األمر من الناحية األخالقية، ال من أجل الحصول على مكاسب شخصية، بل وهذا ما يؤخذ في علم اإلجرام على محمل . حبا بشخص آخر عزيز على قلبه

وإذا تساءلنا عن . الجد وقد يساعد فعال في كشف خيوط الكثير من الجرائم سنجد أنها بلغت نسبة تمثيل نمط التحفيز الثالث في المجتمع األلماني، فإننا

-٤٥-

وبدأت ١٩٨٤ وبقيت على حالها عام ١٩٧٨في العام % ١٥حوالي ١٩٩٦وفي عام % ١٢ حيث أصبحت حوالي ١٩٩٠باالنخفاض منذ العام

وال شك أن هذا التطور مؤسف وسلبي في أي مجتمع، ألن من %. ١٠حوالي ت ينتمي إلى هذا النمط الثالث من أنماط التحفيز نادرا ما يصاب بحاال

االضطرابات العصابية، فهو يحل كل حاالت الصراع التي تعترضه بالحوار وال شك أيضا . السلمي ومن خالل التوصل إلى حلول وسط ترضي الطرفين

أن تراجع نسبة من ينتمي إلى هذا النمط في المجتمع سيؤثر سلبا على مستوى يعزز روح العمل لصالح الشأن االجتماعي والعام وعلى مستوى التضامن وس

وال شك أن هذا التطور مؤسف للغاية، ألنه يزيد من . األنانية في المجتمععدم االستقرار في عالقات الشراكة الزوجية ويضعف مشاعر االنتماء للشركة

وجدير بالذكر هنا أن تعزيز روح . أو المؤسسة ويضعف اإلخالص في العملن يرتبط ذلك دائما بتعزيز األنانية قد يقوي حب استقالل األفراد ولكن دون أ

!روح المسؤولية لديهم

دافع احرتام الذات -ث

إن هذا الدافع األساسي الرابع هو أكثر الدوافع قدرة على التأثير السلبي على نفس اإلنسان ألنه يدفع صاحبه إلى المبالغة في االلتزام بالمبادئ والقيم

تع بها إنسان هذا النمط الرابع فبالرغم من السمات اإليجابية التي يتم. والنظاممن أنماط التحفيز من حيث الدقة في العمل وااللتزام بالمواثيق والمواعيد إال أنه ولسوء الحظ يبالغ أيضا في التمسك بوجهة نظره وفي سعيه إلى الكمال

حتى إنه قد يفقد في أغلب . وفي عدم قبوله ال المساومة وال الحلول الوسطهة والنظرة إلى األمور بإيجابية ورحابة صدر مما يسبب األحيان روح الفكا

وبينما نجد إنسان نمط التحفيز الثالث . عزلته عن اآلخرين وانطواءه على ذاتهنحو (على سبيل المثال ينشد في وقت فراغه نشاطا يجمعه مع اآلخرين

ى االنتساب إلى فرقة لعزف الموسيقى أو إلى ناد للعبة البولينغ أو الدخول إل

-٤٦-

، يلجأ إنسان نمط التحفيز الرابع في وقت فراغه إلى نشاطات )الحمام البخارينحو جمع بعض (فردية فيها الكثير من الدقة والتدوين والمبالغة في التميز

يعرف الكاتب شخصيا أحد ). أنواع الحشرات النادرة أو الساعات أو النباتاتمن المثير فعال أن ذلك و. األشخاص ممن ينتمون إلى نمط التحفيز الرابع

الشخص كان يجمع على سبيل الهواية موازين يستخدمها الصيادلة على وجه الخصوص، وبعد أن جمع عددا كبيرا من تلك األجهزة خطرت له فكرة أن يضعها كلها على طاولة الواحد خلف اآلخر وأن يقوم بضبطها كلها حتى

شك أن صاحبنا على قناعة وال(تصبح جميع الكفات على مستوى أفقي واحد تامة أن الجمال الحقيقي هو في هذا التناسق المبالغ فيه وأن وجود أي خلل في

ولم يكتف صاحبنا بهذا القدر من !). ذلك التناسق يعني الفقدان التام للجمالالكمال بل إنه أقدم على زرع شتالت من النباتات في كفات كل الموازين

لسابق ولكنه نسي ربما أن تلك النباتات بحاجة بحيث يحافظ على التناسق اللسقاية وأنها بسبب اختالف نموها الطبيعي ستخسر كميات مختلفة من البخر، بحيث تفقد كفات الميزان في كل جهاز توازنها المحكم وتنحرف إلى إحدى

ولكن ميله إلى الدقة والكمال بلغ ذروته عندما دأب على االستيقاظ . الجهاتأربع مرات في الليل ليسقي الشتالت المختلفة بقصد إعادة التوازن ثالث إلى

وال ! في كل الموازين من جديد بعد أن تكون قد خرجت عن حالة توازنها !شك أن هذا السلوك المبالغ فيه يتاخم حدود االضطرابات العصابية المرضيةحال وفي تعامله مع رئيسه يظهر إنسان الدافع األساسي الرابع بطبيعة ال

دقة والتزاما بالغين بالقواعد والمواعيد ولكنه من ناحية أخرى يصر على وهذا ما . وجهة نظره وال يرضى أي تنازل يخل بمبادئ العدالة والمساواة

وأما جعله يقدم على . يجعل إقناعه عملية صعبة وانتقاده أمرا شبه مستحيلومما ال شك فيه أن هذا عمل ما ضد قناعاته الداخلية فهو أمر مستحيل فعال،

حتى ولو وصل - اإلنسان يفضل أن يتحمل الضرر الناتج عن تمسكه بموقفه

-٤٧-

وهنا تكمن . على أن يتصرف بما يناقض مثله ومبادئه- ! ذلك إلى حد فنائهجذور التطرف لدى هذا النمط من الناس الذي لم يعد يقتصر على المجال

فالمبادئ لدى أولئك . لسياسي أيضاالديني، بل تعداه ليشمل حديثا المجال االناس ليست لخدمة البشر والعيش المشترك، بل هي هدف بحد ذاتها وتحتل على سلم األولويات مرتبة أعلى من مصالح اإلنسان ومن أي نوع من أنواع

ولعلنا نشاهد نتائج سيطرة هذا الدافع األساسي . التفكير المنطقي المجدي حيث - في مرحلة المراهقة وسن البلوغ -باب الرابع على كثيرين من الش

يتصف الشباب في هذه المرحلة بالمبالغة في العناد والتصلب وضيق األفق في المواقف التي تصل إلى حد معارضة األهل والمقربين بعنف شديد باالعتماد

أولئك األهل والمقربين بسبب وجود تناقض بين " يحاكم"على منطق يحاول أن عالهم على سبيل المثال أو بسبب مخالفتهم للمبادئ التي يعتبرها أقوالهم وأف

ولم يعد نادرا أن يرفع األبناء قضايا قانونية ضد أهاليهم أمام " (مقدسة"الشباب عندما ينطلق من مبادئ سياسية -وال شك أن اإلرهاب السياسي !). المحاكمفهنا . ساسي الرابع يندرج أيضا ضمن السلوك المحفز بهذا الدافع األ- بحتة

تسقط جميع االعتبارات المنطقية األخرى وال يبقى سوى منطق التزام المبادئ فتغيب المشاعر اإلنسانية ومشاعر العطف والتسامح ! ليتحكم بالسلوك العام

.تماما ويسيطر جو من الجدية التامة واالنضباط الشديد والتخطيط الباردةشعوب التي عانت وما تزال تعاني من ولعل الشعب األلماني من أكثر ال

بأنه - وبالطبع دون وجه حق -التصور المسبق الذي يصف ذلك الشعب وقد يعود السبب . مؤلف من أناس ينتمون في معظمهم إلى نمط التحفيز الرابع

ولنذكر على سبيل . في ذلك إلى تاريخ هذا الشعب وسيرة تطوره الفكريالواجب وبالمسؤولية التي اتسم بها نظام المثال صفات االنضباط والشعور ب

بغض النظر عن حسنات وسيئات ذلك النظام - الحكم والقيم النمساوي التي كانت تنادي بااللتزام بالواجب " Kantإمانويل كنت " أو فلسفة - الصارم

.وتحمل المسؤولية أيضا

-٤٨-

رؤية وعلى العموم يتوقع أن يميل إنسان الدافع األساسي الرابع إلى نفسه والعالم المحيط به من منظار سلبي، وال بد لحالة الحفز هذه التي تدفعه في سلوكه العام أن تقوده في نهاية المطاف إلى التطرف في التشاؤم وإلى

وال عجب أن يميل اإلنسان . اليأس والقنوط وإلى انتهاج منهج الشك في الحياةضطر إلى تحمل التغيرات حيث ي" (أزمة منتصف العمر"عموما في مرحلة

الهرمونية الطارئة والمفاجئة في جسمه وحيث يشعر بالغربة عن ذاته وعن مرحلة تشبه مرحلة المراهقة -) تاريخه ويضطر إلى وضعهما موضع الشك

ال عجب إذا أن يتجه اإلنسان في هذه الظروف إلى السلوك - إلى حد ما أتت الساعة أخيرا لكي يصر على فها قد. مسلك إنسان الدافع األساسي الرابع

إنجاز ما كان بوده دائما أن ينجزه ولكنه كان يتخلى عنه إرضاء لمشاعر وقد يبالغ البعض في هذه المرحلة فيترك عمله ويتخلى عن أسرته . اآلخرين

غالبا ما تنتهي إلى " الثورة"ولكن هذه . لكي يبدأ حياة جديدة في مكان آخرنسان في فورة العواطف هذه يبالغ في توقعاته مصيبة كبيرة، ألن اإل

وهذا ما يطبع ! وتطلعاته، فيصاب باإلحباط بسبب عدم واقعية تلك التوقعاتحياة اإلنسان بعد ذلك بالمرارة واليأس والتشاؤم بعد ما عاناه من إخفاق

ولسوء الحظ فإن الكثيرين من المسنين اليوم يعانون فعال من المرارة . وإحباطأس، مما يجعلهم يميلون عالوة على ذلك إلى العناد والتصلب في آرائهم والي

وال عجب حينئذ أن تصبح . وادعاء المعرفة وعدم االستعداد لتقبل النصائح .الحياة المشتركة السعيدة والهادئة ضربا من المستحيل

وأما فيما يتعلق بالطريقة األفضل للتعامل مع إنسان الدافع األساسي فهي ال تختلف من حيث المبدأ عن الطريقة التي اقترحناها سابقا فيما الرابع،

يخص الدوافع األخرى، فهي تعتمد على استيعاب هذا الدافع وأخذه على فمن الطبيعي إذا . محمل الجد ومحاولة تحقيق اآلمال المرتقبة من قبل صاحبه

تقان وتلتزم أن نعامل إنسان نمط التحفيز الرابع معاملة تحترم الدقة واإلبالمواعيد، وعلينا أال ننسى في جلسات المناقشة على سبيل المثال أن نحرر

-٤٩-

وأما في مجال البيع فال بد من اإلشارة إلى أننا . محضرا خطيا لنتائج الجلسةعندما نريد أن نقنع هذا اإلنسان بمنتج ما ليشتريه، علينا أال نكتفي بشرح

فحسب، بل أن نقدم عرض بيع شفاف مواصفات ذلك المنتج بتفصيل ووضوحوواضح الشروط، مع مالحظة أن سعر المنتج ال يحتل المركز األول في

وبوسعنا أن نحسن التعامل مع صاحب هذا الدافع . األهمية بالنسبة لهذا اإلنساناألساسي الرابع في مجال العالقات األسرية أيضا شرط أن نتقبل بالطبع أن هذا

ن يخطط كل شيء بدقة كبيرة وعلى أن ينفذ ذلك المخطط اإلنسان يصر على أوال مكان هنا ألي تعديل على ذلك المخطط أو . بحذافيره وفي الوقت المحدد

كما إننا في تعاملنا الناجح معه يجب أن نتخلى . ألي استثناء أو قرار ارتجاليان نمط وال يمكن للشراكة مع إنس. عن المزاح والفكاهة وأال نتوقع منه التسامح

التحفيز الرابع أن تستمر على تناغم إال عندما يعي الشريك جميع ما ذكرناه إنسان نمط " لعب دور"سابقا ويتقبله، أي عندما يكون الشريك قادرا على

وذلك بغض النظر عن نمط تحفيزه -التحفيز الرابع والتحلي أيضا بصفاته لدافع األساسي الرابع في إال أن احتمال دخول العالقة مع صاحب ا! الفعلي

مصاعب وفي حاالت صراع يصعب تجاوزها كبير جدا ويمكن مقارنته وذلك ألن نسبة . باحتمال نشوء المشاكل في العالقة مع اإلنسان العصابي

اإلصابة باالضطرابات العصابية بين من ينتمي إلى هذا النمط الرابع من أنماط . إلى أنماط التحفيز األخرىالتحفيز أعلى بوضوح منها لدى من ينتمي

وأما نسبة تمثيل هذا النمط من أنماط التحفيز في ألمانيا، فهي أكبر منها % ٣٠فقد بلغت هذه النسبة ). باستثناء سويسرا(في معظم البلدان األوربية

تابعت ١٩٩٠وفي العام % ٣٢ لتصبح ١٩٨٤ وارتفعت عام ١٩٧٨عام وتحتل هذه . ١٩٩٦في العام %٣٦ ، وأخيرا بلغت%٣٥ارتفاعها لتصل إلى

التي تبلغ (النسبة في ألمانيا المرتبة الثانية بعد نسبة نمط التحفيز الثاني وهذا ما يفسر السمعة الجيدة نسبيا للشعب األلماني ومنتجاته فيما %). ٣٨

يتعلق بدقة التنفيذ واحترام المواثيق والمواعيد من جهة، ويشرح من جهة

-٥٠-

النسبي وعدم المرونة في تعلم مهنة جديدة والبحث عن أخرى أيضا الجمودوعلى العموم يالقي من . مكان عمل جديد في هذا العالم المتغير بسرعة كبيرة

ينتمي إلى هذا النمط مصاعب جمة كلما اضطر للتغيير في حياته نحو تغيير وال . المهنة أو مكان العمل وبخاصة لدى الدخول في شراكة جديدة في الحياة

شك أنه سيضطر للدخول في شراكة جديدة أكثر من غيره ممن ينتمون إلى فنسبة الطالق في الشراكات التي يكون أحد أطرافها (أنماط التحفيز األخرى

!).ينتمي إلى نمط التحفيز الرابع أعلى منها بالنسبة لألنماط األخرى

دافع االستقالل وحتمل املسؤولية - ج

ساسي الخامس إلى حيز خاص به من يسعى إنسان هذا الدافع األوال يرضى . االستقالل يتحمل فيه المسؤولية الكاملة عن سير األمور ونتائجها

من ينتمي إلى هذا النمط من أنماط التحفيز أن يكون أداة بيد اآلخرين يتحكمون به على هواهم، بل يريد أن يكون سيد نفسه في جميع المجاالت

وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هذا . وجه الخصوصوفي المجال االقتصادي على اإلنسان على استعداد لتحمل المسؤولية كاملة بنتائجها السلبية واإليجابية على

فهو ال يسمح ، ولعل هذا الدافع يعاكس تماما الدافع األساسي الثالث. حد سواءبالخنوع واالستسالم إلرادة إنسان آخر، بل يسعى دائما ألن يمسك زمام

إن دافع االستقالل وتحمل المسؤولية يجب أن يحتل المرتبة . مور بيدهاألاألولى في هرم الدوافع األساسية لدى األشخاص القياديين في الشركات

فال يمكن أن يكون اإلنسان قياديا في غياب االستعداد . والمؤسسات والمصانعأن يدير عمال التخاذ القرارات وتحمل المسؤوليات المرتبطة بها، وال يمكن

حرا في غياب الحماس واالندفاع لتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك الكيان االقتصادي المتكامل غير متأثر بكل المصاعب والمتاعب التي قد تعترضه في

ومع أن إنسان الدافع األساسي الخامس ال يسعى للفوز بمناصب قيادية، ! ذلكألن صفاته التي ذكرناها سابقا إال أنه يحصل عليها بشكل تلقائي، وذلك

-٥١-

وآراءه الموضوعية ومنطقه الواقعي تميزه عن اآلخرين وتجعل منه دون فإنسان الدافع األساسي األول ال يأبه . سواه الشخص المناسب للمهام القيادية

للمصلحة العامة وال يميل لتحمل المسؤولية، وإنما ليضمن لنفسه االحترام ذلك األمر بالنسبة إلنسان الدافع األساسي الثاني فهو والمقام الرفيع فحسب؛ وك

يسعى بشيء من األنانية أيضا إلى ضمان أمانه الخاص؛ وأما إنسان الدافع األساسي الثالث فيبذل كل جهده لينال رضا وود رئيسه في العمل؛ بينما يكون

لقواعد إنسان الدافع األساسي الرابع مشغوال كل االنشغال بالتقيد بالمبادئ واوهكذا ال يبقى سوى إنسان الدافع األساسي الخامس لكي ينجز . واألسس

المهام التي ال تنحصر بالمصلحة الفردية، بل تتخطاها لتشمل مصلحة !الجماعة

وأما في عالقة الزواج فيقف هذا النمط من أنماط التحفيز عائقا في وجه ه يضمن االستقالل في االنطواء تحت راية الشريك واالمتثال إلرادته، ولكن

القرار وتحمل المسؤولية الشخصية، مما يضفي على العالقة الزوجية صبغة ومن جهة أخرى فإن هذا اإلنسان لن . الزمالة والتسامح واالحترام المتبادل

ينصهر كليا في الشراكة، بل سيحتفظ لنفسه في أغلب األحيان بحيز ما من بيل المثال أو في اتخاذ القرارات االستقالل في قضاء وقت الفراغ على س

وهذا ما يبدو جليا بالنسبة للمرأة التي يحتل هذا الدافع . المتعلقة باألمور الماليةالخامس األولوية على سلم الدوافع لديها، حيث نجدها تنشد العمل خارج البيت

، كما إنها تحتفظ لنفسها بحق اختيار "مجرد ربة أسرة"وال ترضى أن تكون ة خاصة بها من األصدقاء والصديقات دون أن تكتفي بأصدقاء مجموع

وفي . األسرة، وال ترضى أن تتنازل عن استقاللها االقتصادي عن زوجهاضوء كل ما سبق عن صفات إنسان الدافع األساسي الخامس يمكننا القول بأن

في الشريك المطلوب، يمكنه - أو يفضلها -من يعي هذه الصفات ويقبل بها عيش مع شريكه في جو من التسامح المتبادل الخالق خال تقريبا من أن ي

.المشاكل الجدية

-٥٢-

ألنه ضار بالوضع (ومن المثير لالنتباه والمؤسف في الوقت ذاته تناقص نسبة هذه الحالة الحفزية لدى أبناء الشعب األلماني من ) االقتصادي

في % ٢لى وصوال إ١٩٨٤فقط في العام % ٣ إلى ١٩٧٨في العام % ٥إن هذه النسبة المتدنية تعني أن هناك في الحياة . ١٩٩٦ و١٩٩٠العامين

االقتصادية األلمانية قلة قليلة من الناس القادرين على طرح المبادرات وإذا أخذنا بعين االعتبار أن . وتحمل المسؤولية الكاملة عن تنفيذها وإنجاحها

ما ذكرناه عن توزيع النسب وفق- الغالبية العظمى من الناس في ألمانيا تنتمي إلى نمطي التحفيز الثاني والرابع -بين أنماط التحفيز المختلفة

وال تميل إلى طرح المبادرات وتحمل %!) ٧٤مجموع نسبتيهما هو (المسؤولية، فإننا نفهم سبب هذه الدعوات المتكررة من قبل مختلف األوساط

طاعات االقتصاد التي تعاني من الشعبية والسياسية إلى دعم المؤسسات وقوحري بنا من وجهة النظر المنطقية أن ندعو تلك . المشاكل والعجز

المؤسسات والقطاعات إلى اإلمساك بزمام األمور وطرح المبادرات وتحمل وما قيل بشأن المؤسسات يمكن قوله بشأن المواطن أيضا الذي ! المسؤوليات

ية وتحميلها للدولة، مع أنه يستطيع أن يلجأ إلى التذمر والتنصل من المسؤولا . يتحمل قسطا كبيرا منها، السيما في مجال الصحة والتعليم وال شك أنن

لكي نضمن % ٥و% ٣نفضل أن تتراوح نسبة نمط التحفيز الخامس بين . العدد الكافي في المجتمع ممن يتحمل المسؤولية في مجاالت الحياة المختلفة

ألن ، %)٢٠أو % ١٠(ون تلك النسبة مرتفعة وليس من المطلوب أن تك قليل - برغم واقعيته وتحمله للمسؤولية - إنسان الدافع األساسي الخامس

على " فاشل"ولذلك، فمع أنه ناجح جدا في عمله، إال أنه . االكتراث بالمشاعر التي تتطلب االهتمام - مصدر السعادة الحقيقية -العموم في حياته الخاصة

.وإظهارها بقوة في بعض األحيانبالمشاعر وبوسعنا في نهاية هذه الفقرة أن نرسم الشكل التالي لهرم الدوافع األساسية الخمس لدى اإلنسان، حيث يحتل الدافع، الذي يشكل إشباعه األولوية

-٥٣-

العظمى بالنسبة لشخص ما، رأس هذا الهرم، وحيث ينسب ذلك الشخص إلى :دافعنمط التحفيز الذي يحدده ذلك ال

دافع القبول االجتماعي دافع األمان والطمأنينة

دافع الثقة دافع احترام الذات

افع االستقالل وتحمل المسؤوليةد

والمهم هنا أن الدوافع الخمس ال تأخذ دوما الترتيب الذي نراه في الشكل، بل إنها تغير ترتيبها باستمرار، بحيث يأخذ الدافع الذي تم إشباعه

وهكذا ال . المرتبة األخيرة في هرم الدوافع ويترك المرتبة األولى لدافع آخريمكن للمرء أن يبلغ حد الرضا التام والدائم، إذ إنه يشعر بدافع ملح جديد في

ولقد أشرنا . مقدمة أولوياته بمجرد إشباع الدافع الذي كان يرأس هرم دوافعه .سابقا إلى هذه الظاهرة

والحفز الثانوي ومعنى الحياةالحفز األولي - ٤غير قابل "إننا ومن خالل تركيزنا على أن اإلنسان بطبيعته كائن نشيط

وكل ما قد يرتبط به من (نكون قد بينا أيضا أن الصراع " لإلرضاء التامحاالت إحباط وإرهاق وقابلية لإلصابة بالعصاب وضعف المقدرة على مقاومة

فقة لحياة اإلنسان ال يمكنه التخلص منها هو ظاهرة مرا) الضغوط النفسية" المأزق"وبرغم ذلك فإن مسألة إمكانية وجود مخرج مناسب من هذا . كليا

هل هناك سلوك نستطيع من خالله المحافظة . تطرح نفسها بإصرار وعنادعلى نشاطنا وسالمة صحتنا آخذين واقع الحياة البشرية المشتركة باالعتبار

ا شبه مستحيل لمعطيات هذا الواقع؟ من الواضح أن ودون أن نطلب تغيير

١ ٢

٣ ٤ ٥

-٥٤-

اإلجابة على هذا السؤال ال تتم من وجهة نظرنا إال من خالل التأكيد على أهمية موقف اإلنسان من أهدافه في الحياة ونظرته إلى تلك األهداف، وال يمكن أن تأتي انطالقا من المطالبة بتغيير المعطيات الموضوعية على أرض

فالمنطلق الصحيح لإلجابة على هذا السؤال الجوهري يكمن في ! الواقعالتمييز بين الحفز األولي الذي يولده دافع أساسي على رأس هرم الدوافع لدى شخص ما والحفز الثانوي الذي يولده دافع ال يشغل المرتبة األولى في ذلك

.وهذا ما سنناقشه فيما يلي. الهرم

واحلفز الثانويالتمييز بني احلفز األويل -أ

إذا نتكلم عن حفز أولي عندما يسعى اإلنسان إلى تحقيق هدف ما ألن وأما . بتحقيق هذا الهدف يكون قد أرضى دافعه األساسي ذا األولوية الملحة

عندما يعمل على تحقيق هدف ما كوسيلة فقط للوصول إلى غاية أخرى هي م دوافعه، فإننا نتكلم عن التي ترضي بدورها دافعه األساسي الذي يترأس هر

وقد نجد في األدبيات تعابير أخرى تعني األمر ذاته، كأن نقول . الحفز الثانويعوضا " الحفز الخارجي"عوضا عن الحفز األولي أو أن نقول " الحفز الداخلي"

وأما إذا تساءلنا عن موقف ورؤية الغالبية العظمى للناس . عن الحفز الثانويم في الحياة، فإن اإلجابة ستكون سهلة وواضحة في أغلب حيال معظم أفعاله

باستثناء بعض النشاطات المحببة جدا - يقوم الناس بمجمل أعمالهم : الحاالتفعلى سبيل المثال ال أحد تقريبا يعمل ألنه ! بقوة حفز ثانوي-على قلوبهم

أجر، يحب عمله وألنه يحقق ذاته من خالله، مما يجعله مستعدا للعمل دون بل إن غالبية الناس إنما يعملون لكسب المال الذي يؤمن لهم العيش الكريم

وفي الغالب ينشط الناس فعال بقوة حفز أولي في مجال . ويضمن مستقبلهمهواياتهم وفي أوقات فراغهم، حيث هم غير مجبرين على فعل أمر ما بل إنهم

يان يضطرون يقومون به بكل سرور وعن طيب خاطر وفي كثير من األحوفي هذا ! للكفاح ودفع المال حتى يسمح لهم بممارسة هواياتهم المفضلة

-٥٥-

إنسان " يشعر اإلنسان أنه - وقت ممارسة الهوايات -الوقت القصير نسبيا وأنه يحقق ذاته وأن العالقة بينه وبين ما يقوم به قوية جدا لحد " فعال

ر مباشرة عندما يكون حفزه ؛ بينما تكون تلك العالقة واهنة وغي"االتحاد" حيث يقوم بأمر ما - وهذه هي الحال في الوقت األطول من الحياة - ثانويا

على " مجبر"عما يقوم به وبأنه " بالغربة"ويفكر بأمر آخر وحيث يشعر ".تحقيق الذات"وال مجال في هذه الحال للحديث فعال عن . إنجازه

الحفز األولي والثانوي قابلة ومن الملفت أن نالحظ أن كال من حالتي فقد يشرع المرء بالقيام بعمل ما مدفوعا بحفز . للتحول إلى الحالة األخرى

أولي ليجد نفسه بعد ذلك وربما بشكل مفاجئ يقوم بذلك العمل بقوة حفز وبالمقابل قد يبدأ المرء ! ثانوي وليكتشف أن الحفز األولي قد تالشى كليا

داية بحفز ثانوي فقط ولكنه قد يجد نفسه بعد مرور بنشاط ما مدفوعا في البولكي نوضح إمكانية . بعض الوقت يقوم بذلك النشاط بحفز أولي واضح

التغير باالتجاه األول نتصور على سبيل المثال شخصا ذا هواية ما، ولتكن الرسم، يمارسها بسعادة تامة دون أن يفكر ال من قريب وال من بعيد

؛ ولكنه قد يقتنع بعد فترة من الزمن وربما بطريق المصادفة باستغاللها مادياأن بإمكانه أن يبيع لوحاته وربما أن يلبي رغبات الزبائن بتنفيذ أعمال تحقق تصوراتهم دون تصوراته؛ حينئذ يكون حفزه قد تحول فعال من أولي إلى !ثانوي، ألنه لم يعد يقوم بالرسم بسبب حبه للرسم بل بهدف كسب المال

وبالمقابل قد يبدأ المرء عمال ما مدفوعا بحفز ثانوي بهدف تأمين معيشته؛ ولكنه قد يقترب أكثر فأكثر من عمله ويبدأ بالتفكير بمشكالته في أوقات فراغه أيضا ويسعد فعال ومن صميم كيانه عندما يحل إشكالية أو ينجز نجاحا

نجاحه في العمل ونجاحه في ذلك المجال ويصبح غير قادر على التمييز بين وعندما نشجع . في الحياة؛ حينئذ يكون قد تحول حفزه من ثانوي إلى أولي

طفال صغيرا على التمرن على آلة موسيقية، كآلة البيانو على سبيل المثال، وذلك بأن نعده بقطعة من الشوكوال أو الحلوى بعد كل حصة تمرين، فإن

-٥٦-

ية يكون ثانويا، ألنه ال يتدرب حبا باآللة حفزه للتعلم على هذه اآللة الموسيقولكنه وبعد فترة من التمرن وبعد ! الموسيقية بل بالشوكوال أو الحلوى

نجاحات وإخفاقات عديدة فإنه قد يبدأ بالتمرن مدفوعا بحبه لأللحان واإليقاعات التي يلعبها وغير مكترث بالمكافأة أو التصفيق؛ حينها يكون حفزه

ا؛ إنه يعزف اآلن على آلة البيانو بشغف وسعادة داخلية نابعة قد أصبح أوليمن محبته لهذه اآللة وهو من خالل عزفه يصل إلى أعلى درجات الرضا

.وتحقيق الذات، ولم يعد ينتظر المكافأة والدفع من اآلخرين

التحفيز األويل شرط الزم لكي يكون للحياة معنى -ب

ي والحفز الثانوي يهمنا فعال أن وفي معرض الحديث عن الحفز األولأي من النمطين هو الذي يضمن سعادة ورضا اإلنسان من جهة : نعرف

واحتفاظه بنشاطه واجتهاده وجده من جهة أخرى، أهو الحفز األولي أم الحفز الثانوي؟

يكون اإلنسان في : ولعل الجواب على هذا التساؤل سهل وواضح والنشاط والعمل من جهة أخرى أعلى درجات الرضا والسعادة من جهة

عندما يكون مدفوعا بحفز أولي، أي عندما يحفز نفسه أو عندما يحفزه فعندما يمارس اإلنسان هوايته المفضلة، فإنه . شخص آخر تحفيزا أوليا

يكون على استعداد فعال ليضحي بوقته وماله مقابل حصوله على سعادة ن اإلنسان في قمة سعادته فعال عندما ويكو. حقيقية تشبعه نفسيا وروحيا

أو مصلحة موضوعية مادية " فائدة"يكون قادرا أن يغض الطرف عن أية .يجنيها من قيامه بما يقوم به

أو نسعد (وخالصة ما سبق هي أننا عندما نريد أن نسعد إنسانا ما الت تحفيزا أوليا في مختلف مجا) أو نحفز أنفسنا(علينا أن نحفزه ) أنفسنا

الحياة، أكان ذلك في مجال العمل أم في مجال الهوايات أم في مجال .الحياة األسرية

-٥٧-

. أو مغزاها إنما يكمن في النشاطات المحفزة أوليا" معنى الحياة"إن عندما نقوم بنشاط ما ال لشيء إال " المعنى"وال شك أننا نخفق في إصابة هذا

ارتباطا غير مباشر، أي لكي نصل من خالله إلى نشاط آخر يرتبط بهعندما يكون نشاطنا وسيلة وليس هدفا بحد ذاته، أي عندما يكون حفزنا

فإننا ال ، ومن الملفت أننا عندما نقوم بعمل ما مدفوعين بحفز أولي. ثانويانملك الوقت أصال لكي نسأل عن معنى الحياة، بل إننا نعيش من خالل ذلك

الذي يكمن كما ذكرنا سابقا في النشاط المحفز العمل المعنى الحقيقي للحياة ولعل حقيقة أن الناس عموما يسألون باستمرار في هذا الزمان عن . أوليا

نشاطاتهم المختلفة، تشير بوضوح إلى أن معظم " مغزى"وعن " معنى الحياة"وربما . الناس مدفوعون في نشاطاتهم المختلفة بحفز ثانوي أكثر منه أولي

بأن األعمال التي يقوم بها الناس عموما في عصرنا الحالي هي يرتبط ذلكأعمال جزئية شبه مؤتمتة، خطوات ال تسمح لمنفذيها أن يروا الهدف النهائي

؛ في وقت يغيب فيه )وبذلك يكون تحفيزهم ثانويا(لسلسلة الخطوات مجتمعة لهدف نمط األعمال التي تسمح لمنفذيها بالحفاظ على رؤية شاملة وواضحة

وال شك أن أعمال الخطوات الجزئية ). أي نمط التحفيز األولي(عملهم المؤتمتة ال يمكن أن تشبع أو ترضي دوافع اإلنسان األساسية، بينما قد يرى اإلنسان من خالل رؤيته الشاملة لهدف عمله أن في إنجازه لذلك العمل

أن عملية ولكننا ندرك من جهة أخرى . إرضاء لدافع أساسي في داخله. اإلنتاج بكميات كبيرة ال يمكن أن تنجح إال من خالل تقسيم العمل وأتمتته

أليس من األجدى في : ويبقى السؤال األهم والمصيري هنا هو التاليالمحصلة النهائية أن ننظر إلى اإلنسان في العامل وأن نعمل على تصميم

لإلنسان، بدال من خطوات العمل ومكان العمل بما يناسب الدوافع األساسية !أن نتوقع من العامل أن يناسب خطوات وأماكن العمل؟

وما ذكرناه في مجال الحياة المهنية يبقى صحيحا في مجال الحياة األسرية، فهنا أيضا يجب أن نسعى ألن نكون مدفوعين بحفز أولي في كل ما

-٥٨-

ب ال أن نقوم به، وأن نقوم به عن قناعة راسخة وبزخم كبير نابع من القلوال شك أننا نضمن بذلك . يكون مجرد وسيلة للحصول على غايات أخرى

النجاح وتحقيق األهداف ونتفادى حاالت الصراع واإلحباط في مجال الحياة كما إنه يتوجب علينا أن ننطلق دائما من تقبل الواقع لكي . الخاصة أيضا

لى سبيل المثال ولكننا فعندما ال نتفق مع سلوك الشريك ع. يكون حفزنا أولياندرك أن ذلك السلوك غير قابل للتصحيح، يكون من األفضل أن نكف عن

حتى ال -توجيه االنتقاد إلى الشريك وأن نتقبل ذلك السلوك من صميم قلبنا نقع في صراع إما مع الشريك إذا ما عبرنا عن انتقادنا وإما مع ذاتنا إذا ما

وعلى العموم . ين عالقتنا بالشريك تلقائيا وهذا ما سيؤدي إلى تحس- كبتناه فإن باإلمكان القضاء على معظم حاالت اإلحباط وسلوك العنف الناتج عنه من خالل العمل على أن تكون جميع أفعالنا وتصرفاتنا مدفوعة بحفز أولي أكثر منها بحفز ثانوي، ألننا نضمن حينئذ أن تربطنا بتصرفاتنا رابطة قوية تسمح

وهذا . قتناع التام بما نقوم به وبالوقوف خلفه بغض النظر عن النتائجلنا باال .ما يجعلنا محصنين ضد اإلصابة باإلحباط وخيبة أمل

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بعد كل ما ذكرناه عن إيجابيات الحفز األولي إنما هو بالطبع إن كان التحفيز األولي لكل ما نقوم به في حياتنا

ولكننا قد وجدنا فيما سبق أن تحول الحفز الثانوي إلى حفز أولي ممكن ! ممكنا ".كيف؟"إذا فالسؤال اآلن هو ). والعكس بالطبع أيضا(من حيث المبدأ

الغاية تبرر "ولإلجابة على هذا السؤال نشير إلى أننا نتجاوز مبدأ محفوزا كلما كان سلوكنا - والذي يعني تطبيقه أن حفزنا ثانوي - " الوسيلة

القيام به، فإننا نرضي " نريد فعال"وعندما نقوم بما . بدافع أساسي داخلي فينا). وإال يكون اإلرضاء غير مباشر(أحد دوافعنا األساسية إرضاء مباشرا

ولذلك يجب علينا معرفة دوافعنا األساسية وترتيبها في هرم األهمية لكي ترأس ذلك الهرم كما يتوجب علينا نربط كل نشاطاتنا بالدافع األساسي الذي ي

عالوة على ذلك أن نضمن النجاح قدر المستطاع لما نقوم به، وذلك من خالل

-٥٩-

إلى الهدف هو مبدأ " المبرمج"وهذا التوجه . السير بخطى صغيرة واثقة .)١(أساسي مهم في علم التربية الحديث

وهكذا يمكن االقتراب من أي هدف مادي أو فكري بمنهجية وتنظيموصوال إلى تحقيقه على أرض الواقع، مما يفتح آفاقا جديدة لقيادة وتوجيه

.)٢(اإلنسان تتعدى نطاق التربية الصرفة

مسألة السيطرة بني الدوافع األساسية النفسية -ت

. فيما بينهاةنتساءل اآلن عن االختالف في قوة الدوافع األساسية الخمس قوته وتركيزه، أم أن جميع الدوافع هل هناك فارق بين دافع وآخر من حيث

على درجة واحدة من القوة والتركيز؟ - أال تتقدم الدوافع األساسية الجسدية : علينا أوال أن نحسم مسألة مهمة

على جميع الدوافع األساسية النفسية التي نوهنا - والتي لم نناقشها من قبل دوافع الجسدية هي تلك إن تلك ال! إليها أعاله من حيث األهمية واألولوية؟

التي تدفع اإلنسان والحيوان على حد سواء إلى الحفاظ على الذات وعلى لقد زعم الكثيرون أن ). غريزة األكل والشرب والنوم والجنس(الجنس

اإلنسان يسعى أوال وفي المقام األول إلى إشباع دوافعه الجسدية قبل أن تتاح فاإلنسان الجائع ال يمكنه ببساطة أن له الفرصة للنظر في دوافعه النفسية؛

ولعل وجهة النظر السائدة ". األخالق"و" المقام الرفيع"و" االحترام"يتحدث عن ولكننا وبرغم !". أطعمه أوال ثم حدثه عن األخالق: "تعبر عنها المقولة التالية

وسيكولوجيا السلوك ، ١٩٧٥ميونخ ، التعلم المبرمج والتفكير الخالق: كورل. انظر ف)١(

. للكاتب نفسه١٩٧٧تعلم، دوناوفورث وسيكولوجيا ال، ١٩٧٦ميونخ ، التربويةW. Correll: Programiertes Lernen und Schöpferisches Denken. München

1975 und ders. : Pädagogische Verhaltenspsychologie. München 1976 sowie ders.: Lernpsychologie. Donauwörth 1977-

.٢٠٠٠الصناعة الحديثة للنشر، ميونخ التحفيز والقناعة، دار : كورل. انظر ف)٢(W. Correll: Motivation und Überzeugung. Verl. Moderne Industie München 2000.

-٦٠-

شعورنا بأن ما يزعم منطقي وواضح، إال أننا يجب أال نسكت صوت فلو كان ذلك صحيحا في كل الحاالت ويعبر عن واقع : هاالعتراض علي

األمور، كما يزعم البعض، لما كانت هناك حاالت انتحار على اإلطالق، حيث يقتل اإلنسان نفسه برغم دافع الحفاظ على ذاته وجنسه، وذلك من أجل الحفاظ

ن ربما على االحترام أو المقام الرفيع أو دفاعا عن مبادئه وما إلى ذلك موإنه لمن دواعي السرور أن حاالت االنتحار نادرة في . دوافع نفسية أخرى

مجتمعاتنا، ولكن حقيقة أن حاالت االنتحار تحصل فعال تضطرنا من حيث المبدأ إلى رفض نظرية أولوية الدوافع الجسدية على الدوافع النفسية دائما

لدوافع األساسية إننا على العكس من ذلك ننطلق من أن ا! وفي كل الحاالتالنفسية التي ناقشناها أعاله هي التي تحدد أهدافنا وتطلعاتنا وسلوكنا العام

فعندما نكون جائعين، تحدد : وهي التي تتحكم بترجمة وبلورة الدوافع الجسديةوقد يفضل البعض الموت جوعا . دوافعنا النفسية وعاداتنا وتربيتنا ما نأكله

لسبب نفسي ما برغم صالحية ذلك الطعام لألكل على أن يأكل طعاما يمقته ويجب أال ننسى أن هناك الكثيرين ممن ماتوا في سبيل مبادئهم ! مبدئيا

وثوابتهم، وقد كان بمقدورهم البقاء على قيد الحياة لو أنهم تخلوا عن تلك نورد مثاال على ما تقدم الشهداء والمتشددين في مواقفهم (المبادئ والثوابت

إذا يمكننا القول بأن ما يجب على إجراءات ). ية والدينية وغيرهمالسياساإلدارة والتوجيه والتربية أن ترتكز عليه إنما هو الدوافع األساسية النفسية قبل الجسدية، السيما بالنظر إلى أن دوافعنا الجسدية مشبعة بشكل عام في

تام فإن نظريتنا في وحتى لو لم تكن دوافعنا الجسدية مشبعة بشكل . مجتمعاتناإعطاء األولوية للدوافع النفسية تبقى صالحة من خالل إمكانية تأثر الدوافع

.الجسدية بالدوافع النفسية إلى حد بعيد جدافي الحياة مرتبط أيضا برؤيتنا السابقة " النجاح"وال شك أن مفهوم

يقوم به عندما فيما" نجح"فاإلنسان يشعر فعال بأنه . لدوافع اإلنسان األساسية والنفسية منها على وجه -يساهم بذلك في إرضاء أحد دوافعه األساسية

-٦١-

ويكون النجاح أعظم ما يمكن عندما يتحقق إرضاء الدافع . الخصوصفالنجاح الفعلي في لحظة )! رأس هرم الدوافع(األساسي ذي األولوية العظمى

يرأس هرم الدوافع في ما يعني دائما إشباع أو إرضاء الدافع األساسي الذيوتبقى تلك الرؤية صالحة أيضا بالنسبة للتعامل الناجح مع إنسان . تلك اللحظة

آخر، فهنا أيضا يجب تحديد دافعه األساسي ذي األولوية العظمى وإرضاء وال يكفي أن نعتبر . ذلك الدافع بما يضمن أيضا تحقيق هدفنا في الوقت ذاته

فالخطوة . حقق، بل ال بد أن يشعر هو ذاته بذلكنحن أن دافعه األساسي قد تاألولى في التعامل السليم مع الذات أو مع اآلخر هي إذا تحليل الدوافع والتشخيص الصحيح للدافع األساسي ذي األولوية العظمى لكي تتبعها الخطوة

وهكذا تصبح . الثانية في تطبيق االستراتيجية المناسبة إلشباع ذلك الدافعتيجية الناجحة لقيادة وتوجيه أحد العاملين على سبيل المثال، من وجهة االسترا

مهما بدت هذه الفكرة -النظر هذه، هي في الوقت ذاته استراتيجية إلسعاده من جهة " التوجيه"ساخرة، وبخاصة عندما نفكر بصعوبة الفصل بين

ومن وجهة النظر النفسية فإن ! من جهة أخرى"التالعب أو التزوير"واستراتيجية التحفيز التي تهدف إلى إسعاد الشخص المعني وإلى تحقيق أمر

إال عندما " تربية"أو " توجيها"مهم ومفيد في الوقت ذاته ال يمكن أن نسميها وفي نهاية المطاف . يكون هذا األمر مقبوال وسليما من الناحية األخالقية

حية األخالقية بيد يبقى الحكم على مدى سالمة استراتيجية ما من النافعلى أصحاب الشأن من أهل في البيت أو رئيس أو موجه في . مطبقها

العمل أن يحددوا، وبحسب قناعاتهم األخالقية، المدى الذي يريدون الذهاب ولعلنا نتحدث عن . إليه في التطبيق السيكولوجي لهذه الحقائق والمعلومات

قيا، عندما نطبق استراتيجية ، كسلوك مثير للجدل أخال"التالعب أو التزوير"تحفيزية ما عن وعي وقصد بما يخدم مصالحنا ويضر بمصالح الشخص

وال مناص لعلم النفس في هذه الحال من االتكال على إخالص . المعني .مطبقيه للمبادئ األخالقية

-٦٢-

التحفيز واإلرادة - ٥

هل اإلرادة قوة مستقلة بذاهتا؟ -أ

حتى يومنا هذا ما ينطلق أحيانا من ما زلنا نسمع من عامة الناسأن يتحكم بسلوكه ويقرر بنفسه ما " بإرادته"التصور القائل بأن اإلنسان قادر هي التي توجهه نحو اليمين أو نحو " إرادته"يفعله وما يعزف عن فعله، أن

تعتبر " أنا"-هي التي تقرر وتوجه، وهذه ال" أنا"-وفي الحقيقة فإن ال. اليساروالكثيرون من الفالسفة يتبنون أيضا وجهة النظر ". إرادة"-ساوية للببساطة م

فيشته "و" Kantكانت "- كما هي الحال بالنسبة لنهج المثالية الناقدة ل- تلك Fichte "ونتيجة لذلك فإن المسؤولية الكاملة لما يحدث أو ال . على سبيل المثال

.إلنسانا" أنا"يحدث تقع بكاملها، وبحسب تلك النظرة، على شخص ما مستقلتان في " أنا"و" إرادة"هل : وهنا تبرز التساؤالت التالية

واقع األمر عن خبراته وأفعاله، تتحكمان بها وتحكمان عليها؟ وما هي حال الطفل الرضيع على سبيل المثال؟ هل يمتلك فعال إرادة " أنا"أو " إرادة"

ولما كانت ! ؟ بالتأكيد الناضجة ويستطيع فعال تحمل مسؤولية كل ما يقوم به أنا تنضجان بمرور الوقت، ال بد لنا إذا من االنطالق من أن -اإلرادة أو ال

إرادة اإلنسان تتأثر بما يعيشه من وقائع وبما يفكر فيه وبما يقوم به من وتتحكمان بما " موجودتان منذ والدة صاحبهما"أفعال، بدال من افتراض أنهما

!يفعل ويقول ويفكر

اإلرادة هي حمصلة مركبات احلفز - ب

وأما في علم النفس الحديث فال ينظر إلى اإلرادة كسلطة خفية وغامضة في اإلنسان يمكنها التحكم بكل شيء، بل كنتيجة لسلوكنا ولتفاعلنا

وبتعبير . مع العالم من حولنا وكشيء ما ينمو فينا وينضج مع تقدم الزمنمركبات الحفز الذي في داخلنا، وأما ليست اإلرادة سوى محصلة ل، آخر

-٦٣-

مركبات حفزنا تلك فما هي إال نتيجة لسلوكنا ولخبراتنا في المجتمع، فأي سلوك يثبت جدواه، أي يؤدي ! وبخاصة فيما يتعلق بالنجاح واإلخفاق

. أو سنسعى على األقل إلى تكراره-إلى النجاح، سنكرره في المستقبل ما يولد فينا حفزا يدفعنا باتجاه هذا السلوك وبتعبير آخر فإن نجاحنا في أمر

وبالمحصلة تجتمع مركبات الحفز المتولدة من أشكال السلوك . في المستقبل، تلك "أنا"ـأو ال" اإلرادة"الناجح في مختلف مجاالت الحياة لتشكل ما نسميه

.السلطة التي تحدد سلوكنا المستقبلير بكل ما نواكبه من أحداث ولماذا وهكذا يمكننا أيضا أن نفهم لماذا نتأث

بعد أن يكون قد عاش فترة من " أن يخرج من جلده"ال يستطيع المرء ببساطة أن " فجأة"إنه يسبح في تيار تصرفاته وال يستطيع . الزمن بطريقة معينة

وإن استطاع ذلك فال يحصل ذلك إال بشكل تدريجي وبعد . يعاكس ذلك التياررية سلوك اإلنسان التي تنشأ من خالل الترابط بين إن استمرا. مدة من الزمن

شأنها في اإلنسان،" شخصية"و". الشخصية"الماضي والحاضر هي ما نسميه ، ليست موجودة بالفطرة، بل إنها تتطور أيضا "أنا"ـوال" اإلرادة"ذلك شأن

.عبر تجاربه في الحياةأن نتصورها وإذا أردنا أن نعبر عن اإلرادة بالصورة، فإننا نستطيع

كقوة تحاول أن تعيد التوازن لكفتي ميزان فيهما أوزان مختلفة يتراوح كغ وذلك من خالل أخذ بعض األوزان ٥-٤مجموعها في كل منهما بين

. الصغيرة من الكفة الثقيلة وإضافتها إلى الكفة الخفيفة حتى يتم التوازن فعال أي تأثير - أوزان مختلفة وفي هذه الصورة تمثل األوزان دوافعنا، التي لها

بها " تثقل"وتتحدد أوزان الدوافع المختلفة التي . في تحديد سلوكنا- مختلف ومن وجهة . كفتي الميزان بالتجارب والخبرات المرتبطة بكل دافع على حدة

النظر التجارية تمثل األوزان في الكفة األولى الحجج اإليجابية التي ترفع من زان في الكفة األخرى فتمثل االعتراضات والحجج أسهم العرض وأما األو

ولعلنا نعلم . ضد هذا العرض والتي تخفض من أسهمه لدى الطرف اآلخر

-٦٤-

دون أدنى شك من خبرتنا العملية أن العرض يكون مقبوال كلما كثرت ولكن ما قد ال نعلمه . مبرراته اإليجابية وكلما قلت االعتراضات الجدية عليه

عندما ال تغفل " أخف وطأة"ت أو السلبيات يمكن أن تكون هو أن االعتراضاعندما يتم تجاهلها كليا وكأنها " أشد وطأة"بل تذكر وتفند، كما يمكنها أن تكون

غير موجودة، أي عندما ال يعطى الطرف اآلخر أية فرصة لإلفصاح عن العارض أيضا بفرصة شرح وتفنيد اعتراض " يحظى"اعتراضه وعندما ال

!الطرف اآلخروما وجدناه هنا في مجال التجارة يبقى صحيحا أيضا وبكل أبعاده

فعندما نتخذ . ونتائجه بالنسبة لجميع القرارات اإلرادية في المجاالت األخرىقرارا إراديا، هناك دائما حجج إيجابية تبرر اتخاذ القرار وأخرى سلبية تدفع

حكم على تصرف ما من الناحية وعندما نريد أن ن. باتجاه عدم اتخاذهوإذا ما . األخالقية، فإننا سنجد على العموم ما يبرره وما يتعارض معه

وضعنا في إحدى كفتي الميزان الحجج المبررة وفي األخرى الحجج " األثقل"المعارضة، فإن الكفة األثقل هي التي ترجح ليتم اتخاذ قرار الجهة

ومن هنا نرى . ر الماضية باالعتباربعد أخذ نتائج جميع الخبرات واألفكابوضوح األهمية الكبيرة لنمط التربية الجدية والمتابعة المستمرة، أكان ذلك

" الخير"فمعرفة التفريق بين ! في مرحلة الطفولة أم في المراحل الالحقةال تكفي وحدها لكي نقرر لصالح الخير، بل ال بد أيضا من إضافة " الشر"و

وال بد لتلك الدوافع أن . في كفة الخير حتى ترجح-" ناألوزا "- الدوافع تنشأ وتنمو داخلنا إما من خالل خبراتنا الخاصة وإما من خالل خبرات

، أي أن نربط مصيرنا بمصيرهم "نجد أنفسنا فيهم"اآلخرين الذين نستطيع أن وهذا الوزن اإليجابي في اتخاذ القرار يعادل قوة أخالقية . معهم" نتحد"أو داخلنا، ولكنها كما ذكرنا سابقا يجب أن تبنى أوال ألنها غير موجودة من في

ومن حيث المبدأ . إنها اإلرادة بعينها التي تحدثنا عنها سابقا. تلقاء ذاتهاتتضمن اإلرادة أيضا القدرة على الصبر والتحمل المنبثقة من حفز ودفع

-٦٥-

درتنا على الصبر والتحمل ولعل ق". المدعمة بالنجاح"الناجحة أي الخبراتتكون أكبر ما يمكن عندما نستطيع أن نجمع ونوظف أكبر قدر من الحفز

ولقد أصبح من المسلم به في علم . الناتج في الماضي من التجارب الناجحةالنفس أن قدرة اإلنسان على االستمرارية ترتبط بحفزه وبخبرات النجاح التي

١٩٧٧ كورل، سيكولوجيا التعلم، دوناوفورث. انظر ف(مر بها ارتباطا وثيقا W. Correll: Lernpsychologie, Donauwörth, 1977.(

"اإلرادة"الرتبية على امتالك -ت

عندما نريد أن ننشئ اإلنسان في مقتبل العمر على اإلرادة الصلبة، علينا أن نتيح له في فترة طفولته الفرصة لكي يحل باستقالل تام قدر

على أن - عددا كبيرا من المسائل ذات البعد األخالقي الحقيقي المستطاع ولكي يعيش كنتيجة مباشرة لذلك نجاحات كثيرة -تكون بالطبع مناسبة لسنه

وهكذا يتولد في داخله حفز يمكن االعتماد عليه . تقوي مساره األخالقيب له ذلك ألن هذا السلوك تحديدا قد سب-يدفعه باتجاه السلوك األخالقي

وعلى العكس من ذلك، علينا أن نتجنب كل ما . النجاح المتكرر في الماضي، في حال "خبرة النجاح" على اكتساب - والشاب أيضا -يساعد الطفل

اختار الطريق األسهل ولكنها األبعد عن المعايير األخالقية التي نريد أن صغير حينما فلننظر على سبيل المثال كيف يتصرف الطفل ال! ننشئه عليها

يورو ٢,٥ حوالي - هل أشتري بنصيبي اليومي من النقود : يقف أمام القرار قطعة من الشوكوال أو الحلوى اللذيذة وأستمتع بها، أم أدخر تلك النقود -

يورو وأشتري به دراجة؟ ال شك أن الطفل أمام صراع ٥٠حتى أجمع مبلغ قد تدرب مسبقا على حقيقي ال يمكنه حله لصالح االدخار دون أن يكون

ادخار النقود ودون أن يكون قد خبر في الماضي أن االدخار يقوده فعال إلى وعلينا إذا أال نصاب بخيبة األمل عندما يختار الطفل الطريق ! النجاح

إذا كنا -وربما كان يتوجب علينا . األسهل وينفق نقوده ويشتري بها الحلوى

-٦٦-

أن نقوده بخطوات صغيرة وفي وقت - نرى في االدخار سلوكا أخالقيا أكثر - ولو الحقا - مبكر إلى القناعة بأن المبلغ المدخر قادر على إرضائه

وبمقاربة مشابهة يمكننا النظر إلى مسألة . من المبالغ المصروفة مباشرةتنشئة الطفل على األمانة؛ فعندما يأخذ من صندوق نقود العائلة دون استئذان

فإنه يشعر ، د مبلغا صغيرا من المال ليشتري به الحلوىودون أن يراه أحبالنجاح، مما يدفعه إلى تكرار ذلك التصرف والمضي قدما في أخذ مبلغ

وال عجب حينئذ . فيها بأال يكشف أمره" ينجح"أكبر من المال في كل مرة أن يأخذ هذا الطفل مبلغا كبيرا نسبيا ليشتري به الحلوى دون أن يشعر

ال بد إذا من الحرص كل الحرص على كشف هذه التصرفات ! نب مطلقابالذويجب التأكيد هنا على عدم (في بداياتها ومناقشتها مع الطفل " غير السوية"

كما يتوجب على األهل اقتراح طرق بديلة للحصول ) التسرع في معاقبتهعدة في نحو المسا(على النقود الالزمة لشراء الحلوى بما يتفق مع األمانة

وال ). شراء الحاجات أو غسل السيارة أو العناية بالحديقة على سبيل المثالبد من العمل على دفع الطفل لتكرار ذلك السلوك الجيد وتقويته وتدعيمه من

ويدخل " سمة شخصية"خالل المديح والمكافأة حتى يصبح سلوكا اعتياديا وومن . وك مقبول أخالقياالطفل العتماد سل" إرادة"كمركبة من مركبات

فال شك أن حفزا مهما . المنظار عينه يمكننا النظر إلى الشخص البالغ أيضاسينشأ ويتعزز في داخله باتجاه أنماط السلوك التي قد حققت له النجاح أكثر

فعلى سبيل المثال، عندما نريد . مما سببت له اإلخفاق في تجاربه السابقةإلى االهتمام بشاخصات وإشارات المرور والتقيد فعال أن ندفع السائقين

بحدود السرعة، علينا أن نقنعهم بأن المخالفة ستؤدي إلى نتائج سلبية مباشرة، وذلك من خالل جعلهم يلمسون ذلك على أرض الواقع، وبأن التقيد

وأما في غياب هذه التجربة . بحدود السرعة سيؤدي إلى نتائج إيجابيةسلوك، فإننا نحفز السائق ببساطة باالتجاه المعاكس، أي الملموسة لنتائج ال

ألننا نسمح له بالوصول إلى هدفه بأسرع من (على تجاوز السرعة المحددة

-٦٧-

من يتقيد بحدود " يعاقب"، بينما )اآلخرين ودون تحمل أية نتائج سلبيةوهكذا فمن البديهي في هذه الحال أن ينشأ . السرعة بالتهزيء والسخرية

لتجاهل إشارات وشاخصات المرور ) أو حفز قوي(ميع ميل شديد لدى الجوغيرها من القواعد التي ال يسهر واضعها على مراقبة تنفيذها مراقبة جدية

ولعل هذه المقاربة لألمور تبقى صحيحة بالنسبة لمخالفة القوانين . ومباشرة .خرىوالقواعد الناظمة في المجال االقتصادي وسواه من مجاالت الحياة األ

وفي الحياة العملية ال تقتصر حاالت الصراع التي نمر بها عموما على المجال األخالقي البحت، بل قد نقع في حالة صراع داخلي أمام االختيار بين

دون أن يرتبط األمر بالضرورة باألخالق -منه " أفضل"وسلوك " جيد"سلوك :اع الدوافعوفيما يلي سنتطرق بشكل مختصر إلى مسألة صر. مباشرة

صراع الدوافع - ٦

جتارب صراع الدوافع لدى احليوان -أ

لقد سبق أن ناقشنا حاالت الصراع الحاد التي تؤدي إلى اإلحباط لدى وأما هنا فنكتفي . اإلنسان في سياق حديثنا عن االضطرابات العصابية

التي باإلشارة إلى أن اإلنسان يحمل دائما في ذاته الدوافع األساسية الخمس تكلمنا عنها سابقا مجتمعة، بالرغم من أن دافعا أساسيا واحدا فقط يترأس هرم

ويدفعه بشدة إلرضائه قبل - وفي الوقت ذاته - الدوافع لدى اإلنسان الواحد وهذه هي الحالة العامة حيث يتم إرضاء الدافع . غيره من الدوافع األخرى

سلم األولويات إلى الدرجة السفلى األساسي ذي األولوية العظمى لينتقل على ولكن الصراع ينشأ في الحالة . وليحتل مكانه دافع أساسي آخر، وهكذا دواليك

الخاصة التي يتساوى فيها دافعان أساسيان في األولوية؛ أو في الحالة الخاصة األخرى، حيث يكون هناك طريقتان متساويتان في درجة النجاح المتوقع

وسنورد مثاال . األساسية وحيث تنفي إحداهما األخرىإلشباع أحد الدوافع

-٦٨-

فعندما نضع فأرا جائعا في . على الحالة الخاصة األولى من عالم الحيوانقفص، في إحدى زواياه طعام وفي الزاوية المقابلة فأرة أنثى، فإن على الفأر ة أن يختار أحد األمرين، إما أن يتجه إلى جهة الطعام وإما إلى جهة الفأر

الشدة نفسها تقريبا، فإن الفأر " الجنس"و" األكل"وإذا كان لدافعي . األنثىولعله من البديهي أن نرى في التجربة أن ". صراع الدوافع"سيعاني فعال من

أي إنها تفضل . تتجه نحو الطعام دون أي تردد- الجائعة -معظم الفئران ".الطعام"على االستغناء عن " الجنس"االستغناء عن

وأما عندما نضع في القفص وجبتين متشابهتين من الطعام، نكون أمام مثال للحالة الخاصة الثانية، حيث يجد الفأر نفسه أمام خيارين متكافئين

وهكذا يحل الفأر هذا الصراع في ". الجوع"إلشباع الدافع الجسدي ذاته وهو دما تكون وعن. نهاية المطاف بأن يختار إحدى الوجبتين ويترك األخرى

الوجبتان متماثلتين تماما، فإن الفأر سيختار مرة هذه الوجبة ومرة تلك ومن الناحية اإلحصائية فإن احتمال أن يختار الفأر إحدى الوجبتين . الوجبة

وأما في حال اختالف الوجبتين فإن الوضع . يساوي احتمال اختياره لألخرىتكرار التجربة لعدد كاف من بعد - يكون مختلفا أيضا، حيث سيتجه الفأر

، أي "أفضل" نحو الوجبة التي أدت في التجارب السابقة إلى نتائج -المرات وهنا تتضح مرة أخرى قدرة . إلى الرضا الكامل والشهية الطيبة أثناء الطعامالتي ترجح كفة دافع " كاألوزان"الخبرة المكتسبة على التأثير في السلوك، فهي

آخر أو التي تدفع باتجاه طريقة بعينها إلشباع الدافع أساسي على كفة دافع .األساسي األهم دون الطريقة األخرى

صراع الدوافع عند اإلنسان -ب

وقد تكون حاالت صراع الدوافع عند اإلنسان أوضح منها عند ولعل كل منا قد عاش الكثير من تلك الحاالت وحلها بطرق . الحيوانمثال إلى الشباب في سن المراهقة، حيث فلننظر على سبيل ال. مختلفة

-٦٩-

العدالة والتزام مبادئ المساواة في الحقوق "يسيطر على سلوكهم دافع ويدفعهم إلى اتخاذ جميع قراراتهم في ضوء تلك المبادئ " والواجبات

األخالقية الحقيقية البحتة؛ ومن ناحية أخرى قد يكون لديهم في الوقت ذاته نس على سبيل المثال مشابه للدافع األول من دافع جسدي نحو ممارسة الج

فالشاب يريد من ناحية أن يختلي بصديقته الجديدة . حيث القوة واألهميةبأسرع ما يمكن، ولكنه من ناحية أخرى يعي ويعرف حق المعرفة أن ذلك

بعد في هذه الحالة الخاصة، حيث يجب عليه أوال أن يجتاز " مشروع"غير قبل أن يتمكن من القيام بما يحركه فعال دون انتقاد بعض الطقوس والمراسم للخروج معه " رسميا"فعليه أوال أن يدعو الفتاة . من قبل العالم المحيط به

مرات عديدة وأن يزور أهلها وأن يناقش األمر مع أهله ويأخذ موافقتهم قبل وإن التسرع وتجاوز تلك الطقوس والعادات قد . أن تصبح صديقته رسميا

قد تدخله بدورها في حالة -جبراه أحيانا على اتخاذ قرارات ارتجالية يوليست نادرة . صراع عاطفي يشعر فيها بالندم وقد تدوم ألشهر أو لسنوات

حاالت اإلحباط الدائم واإلرهاق والضغط النفسي الناجمة عن هذا النوع من الة وال شك أن الكل يعرف أيضا ح. أنواع الصراع في سن المراهقة

، على مكاسب "صغير"الموظف الذي يمكنه أن يحصل، من خالل تزوير فنجده في حيرة من أمره يتذبذب بين دافعين . كبيرة تؤدي إلى ترقيه وظيفيا

فهو يشعر من جهة برغبة قوية في االرتقاء الوظيفي : متساويين في القوة، الذي يجلب معه الرضا من خالل تحسين منصبه وأجره على حد سواء

ولكنه على يقين من الجهة األخرى أن هذا التزوير غير مشروع ومرفوض وبغض النظر عن القرار . أخالقيا ويتعارض مع تربيته االجتماعية والدينية

التي أثبتت " األوزان" وهنا أيضا سترجح كفة - الذي سيتخذه الموظف اآلن ! القرار السليم فإنه سيندم في الغالب على عدم اتخاذه- جدواها في الماضي

فإما أن يشعر بوطأة عذاب الضمير في حال قام بالتزوير وإما أن يندم لعدم !اغتنامه الفرصة السانحة لتحسين وضعه الوظيفي والمادي

-٧٠-

وهناك أيضا صراع نمطي بين الدافع األساسي األول والدافع األساسي من جهة مقام الرفيع الثاني في اإلنسان، أي بين السعي إلى القبول االجتماعي وال

إذ إن دافع القبول االجتماعي كما . من جهة أخرىوالسعي إلى األمان والطمأنينةرأينا سابقا مرتبط في أغلب األحيان بالسعي إلى لفت االنتباه وإلى المغامرة، بينما . يتجه الدافع األساسي الثاني دوما نحو تفادي المغامرة والبقاء خارج األضواء

عندما يطغى على -توظيف األموال على سبيل المثال يتجه اإلنسان ففي مجال إلى أن يأخذ على عاتقه مغامرة شراء أوراق -سلوكه الدافع األساسي األول

مالية على درجة كبيرة من المجازفة مقابل احتمال ربح كبير، ولكن الدافع مان كأن يوظف األساسي الثاني في داخله يدعوه إلى التفكير بدرجة أعلى من األ

وهنا أيضا سنجد أن الدافع . أمواله في أوراق مالية بفائدة ثابتة على سبيل المثالأي الدافع الذي أدى سابقا إلى درجة أعلى من ، الذي أثبت نجاحه في الماضي

وبمرور الوقت وبتكرار . هو الدافع الذي سيغلب في نهاية المطاف، الرضامة شخصية راسخة يمكن االعتماد عليها تدفع التجارب تتشكل على هذا النحو س

صاحب تلك السمة إلى التصرف بما يتفق معها في جميع حاالت الصراع .المشابهة في المستقبل دون أن يشعر بالضرورة أنه يمر بحالة صراع

وهناك حالة صراع نمطي مشابهة للحالة السابقة يتصارع فيها الدافعان فعندما يريد . افع الثقة ودافع القبول االجتماعياألساسيان الثالث واألول، أي د

شاب في بداية زواجه على سبيل المثال أن يرتقي وظيفيا ليحظى بالقبول االجتماعي والمقام الرفيع وأن يالزم زوجته الشابة في الوقت ذاته لكي يبني معها عالقة من الثقة المتبادلة، فإنه سيقع في الغالب في حالة من صراع

فمن المعروف أن . ع، ألن هاتين الرغبتين متعارضتان تعارضا شبه تامالدوافالمرء، عندما يسعى إلى االرتقاء الوظيفي وإشباع الدافع األساسي األول، يضطر في معظم األحيان إلى التغيب عن البيت وإلى البقاء في مكان العمل

إحباط إلى ساعة متأخرة من المساء؛ وال شك أن هذا السلوك سيؤدي إلىوإذا ما أراد ). الدافع األساسي الثالث(رغبته في بناء عالقة الثقة مع زوجته

-٧١-

فإن ذلك سيؤدي بدوره في - إرضاء للدافع األساسي الثالث -مالزمة زوجته مما سيحبط بالطبع دافعه األساسي -معظم األحيان إلى إبطاء تقدمه الوظيفي

لخيار األول ويكون سعيدا وراضيا وعلى العموم فإن البعض سيختار ا. األولبه، بينما يختار البعض اآلخر الخيار الثاني وربما يكون على القدر نفسه من

ومرة أخرى، ما سيفرض نفسه في نهاية المطاف بالنسبة ! السعادة والرضاللفرد إنما هو وقف على سيرة حياته الذاتية وعلى تربيته وعلى خبرته

.ن األساسيينالشخصية مع هذين الدافعيولعل صراع الدوافع الكالسيكي األكثر انتشارا هو الصراع بين الدافعين األساسيين الخامس والثالث، أي بين سعي اإلنسان إلى االستقالل

وسعيه إلى بناء عالقات الثقة مع من جهة واتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية ة شابة ترغب في إقامة وهذه هي الحال بالنسبة لسيد. من جهة أخرىاآلخرين

عالقة ثقة متبادلة مع زوجها وفي التضحية من أجله واالتحاد الكلي به ألنها تحبه من أعماق قلبها، ولكنها تتوق من الناحية األخرى إلى االستقالل

إنها ترغب في أن تكون . واالعتماد على الذات وتحمل مسؤولية اتخاذ القرارواإلشكالية هي أنها كلما اقتربت من . زوجة محبة ومتحررة في آن معا

زوجها وشعرت بالسعادة بعالقة الثقة معه، كلما شعرت باالنتقاص من تحررها وبالخوف على شخصيتها المستقلة؛ وكلما اتخذت قرارا مستقال، كلما شعرت بتأنيب الضمير ألنها باتخاذها قرارها المستقل تبتعد عن زوجها

ومما يزيد األمر تعقيدا أن الزوج نفسه ال يرسى ! وتضعف عالقتها الوثيقة بهعلى بر أحيانا، فهو يريد من جهة أن يجد بجانبه زوجة مطيعة متفانية في خدمته، ولكنه يتمنى أحيانا ومن جهة أخرى أن تكون زوجته مستقلة في قراراتها وأن تأخذ على عاتقها بعض مسؤوليات األسرة وتدير شؤونها دون

وهنا تحديدا تكمن ! لرجوع إلى رأي الزوج في كل شاردة وواردةالحاجة إلى اأسباب الكثير من الصراعات الزوجية التي هي في واقع األمر وفي المقام

!األول حاالت صراع غير محلول للدوافع داخل أحد الشريكين

-٧٢-

هل يتعلق حل صراع الدوافع بالذكاء؟ -ت

وافع األساسية الخمس من الممكن على العموم أن يتصارع أي من الدوال يمكننا مسبقا أن نعرف أي صراع . مع كل من بقية الدوافع دون استثناء

بين أي زوج من دوافع شخص ما هو األصعب؛ ألن ذلك األمر يبقى وقفا على أوزان الدوافع المختلفة والتي تحددها خبرة ذلك الشخص فيما مضى من

.حياته حتى اآلنوع آخر بين اإلرضاء الفوري لدافع أساسي كما إن هناك صراع من ن

واإلرضاء الالحق لذلك الدافع ولكن من جهة ما من خالل تصرف معين وقد يؤثر . من جهة أخرىبدرجة أعلى من التركيز من خالل تصرف آخر

هذا الصراع على حياة الفرد كما يؤثر على الحياة المشتركة في األسرة على بيل المثال أن يدخل الحياة المهنية مباشرة فقد يقرر شاب على س. حد سواء

بعد حصوله على الشهادة الثانوية، ألنه يفكر ربما باألموال التي سيكسبها من عمله وما يرتبط بها من استقالل عن األهل وإمكانية تأسيس أسرته الخاصة

وربما يكون اإلشباع المباشر لمجموعة من . وما إلى ذلك من أمور مشجعةساسية مغريا إلى حد يتخلى معه ذلك الشاب عن إمكانية متابعة الدوافع األ

على - ولو الحقا بعد تخطيه مشاق الدراسة - دراسته الجامعية لكي يحصل مما سيؤدي دون شك إلى إشباع دوافعه على نحو أفضل ، منصب أفضلولدى حل هذا الصراع يؤدي الذكاء دورا مهما بجانب دور . وأكثر تركيزا

فبينما يختار األشخاص ذوو المستوى . ية ودور الخبرات المكتسبةالترب عادة الحلول التي تؤدي إلى - والحيوانات أيضا - المتواضع من الذكاء

اإلشباع الفوري لدوافعهم، يفضل أولئك الذين يتمتعون بدرجات أعلى من ؤدي إلى الذكاء والقدرة على استباق األحداث والتفكير بالمستقبل الحلول التي ت

ولعل في هذه الحقيقة . إشباع تلك الدوافع بشكل أفضل ولو بعد فترة من الزمنيكمن السبب الفعلي خلف الظاهرة العامة التي تتمثل في أن األطفال الذين

-٧٣-

يترعرعون في أسر مثقفة غالبا ما يختارون متابعة دراستهم الجامعية، بينما عون في أسر ال تتمتع بمستوى ال نرى ذلك بالنسبة لألطفال الذين يترعر

القدرة على إكمال "وانطالقا من أننا ال نجد أي فارق في . ثقافي مرتفعبين أطفال األسر المثقفة وأطفال األسر غير المثقفة، ال " الدراسة الجامعية

يبقى لدينا سوى أحد التفسيرين لتلك الظاهرة، فإما أن أطفال األسر غير تربيتهم أن يأجلوا إشباع دوافعهم كي يشبعوها الحقا المثقفة لم يتعلموا أثناء

بشكل أفضل، وإما أنهم ال يتمتعون بالذكاء الكافي ليروا الجدوى من تأجيل - " لوحدها"ومن هنا نرى أن ال الفطرة ! إشباع دوافعهم من أجل إشباع أفضل

تكفي لشرح سلوك اإلنسان المتعلق نمطيا بالطبقة- " لوحدها"وال البيئة .االجتماعية التي ينتمي إليها، بل ال بد من أخذ كليهما بعين االعتبار

تقنيات التحفيز - ٧

التحفيز مهمة بالغة الصعوبة -أ

في حالة - أو أي شخص آخر -كيف ينجح المرء في وضع نفسه حفزية معينة؟ وبتعبير آخر، ما هي اإلجراءات التي يجب على اإلنسان

قاء ذاته نحو هدف معين أو لكي يتوق إلى أمر أو اتباعها لكي يتجه من تلوضع معين؟ سنناقش هذه المسألة فيما يلي، على الرغم من أننا قد أشرنا سابقا إلى أن تأثيرات البيئة المحيطة هي التي تحرر مركبات الحفز عند

فهذا القول ال يكفي لوحده لإلجابة على التساؤل المطروح فضال عن . اإلنسانوال شك أننا نريد أن نعرف المزيد . يزال غامضا وعاما بعض الشيءأنه ما

فكم هي كثيرة الحاالت . عن هذه المسألة ألنها مهمة جدا في حياتنا العمليةالتي نضطر فيها إلى حمل إنسان ما على االهتمام بأمر معين من تلقاء ذاته،

هي كثيرة أيضا وكم! أن نأمره بذلك؟- وال يسمح لنا - ألننا ال نستطيع الحاالت التي نريد فيها من إنسان آخر أن يتصرف من تلقاء نفسه التصرف

-٧٤-

ال شك أن تلك الحاالت كثيرة جدا، وبخاصة في ! الصحيح من وجهة نظرنا؟حاالت الصراع بين الزوجين ومع األطفال على سبيل (مجال الحياة األسرية

حاالت الصراع مع الزمالء أو مع (أو في مجال الحياة المهنية أيضا ) المثالولما كنا نعيش في عصر ال يسمح باإلجبار أو ). المرؤوسين على سبيل المثال

، فإن مسألة جعل الشخص اآلخر يقوم من تلقاء ذاته بما يجب "العنف"استخدام !أن يقوم به هي على قدر كبير جدا من األهمية

عصرنا هذا أن يوجه فال ضمن األسرة وال في العمل يمكن لإلنسان في! األوامر إلى باقي األفراد لكي يحملهم على القيام بما يريدهم أن يقوموا به

وإنما يجب عليه أن ينجز ذلك مستخدما تقنيات اإلقناع والتحفيز، وقد كانت ولكن تلك الطريقة -" بإصدار األوامر "-األجيال السابقة تنجزه بطريقة أبسط

ويعود السبب في ذلك على األرجح . الحديثتتعارض مع أسس علم النفسإلى أن اإلنسان في عصرنا هذا أصبح أكثر اهتماما بالناحية النفسية مقارنة باألجيال السابقة وأنه على سبيل المثال أصبح حساسا أكثر من ذي قبل عندما يتعلق األمر بمسألة استقالله وقراره الحر وأنه أصبح يولي اهتماما كبيرا

لة أن يترك له الخيار في أن يفعل ويقرر ما هو مقتنع به، حتى ولو أن لمسأ !إنسانا آخر هو من زرع فيه تلك القناعة

وال نريد هنا أن نعيد ما شرحناه في مكان آخر في موضوع تقنيات التحفيز، الحفز والقناعة في القيادة (بل أن ننوه إلى التقنيات األساسية بوضوح ومنهجية

Motivation und Überzeugung inار الصناعة الحديثة للنشر، ميونخ والبيع، د

Führung und Verkauf, Verlag moderne industrie, München, 2000.(

التحفيز بالكلمات -ب

إن أولى تقنيات التحفيز التي تطرح نفسها في هذا السياق هي استخدام وب داخل الشخص الكلمات كمحفزات رمزية من أجل تكوين الحفز المطل

فعندما نختار كلماتنا بحيث تخاطب الدافع األساسي الذي يترأس . المخاطب

-٧٥-

هرم األولويات لدى المخاطب، يكون احتمال تجاوبه مع ما نريد منه كبيرا فإذا . ألنه يرى أنه يشبع بذلك أيضا دافعه األساسي ذا األولوية العظمى، جدا

الذي سيحصل عليه من خالل تصرف تحدثنا مع إنسان جائع عن الطعام وإذا قلنا إلنسان طموح . معين، فإننا سنضمن أنه سيقدم على ذلك التصرف

إنه يستطيع أن يصل إلى مراده في االرتقاء الوظيفي والمقام الرفيع بين زمالئه من خالل قيامه بمهمة جديدة، ما كان ليقوم بها من تلقاء نفسه، فإنه

ويعود ذلك إلى أننا نستطيع ! د للقيام بتلك المهمةسيندفع دون شك بحماس شدياعتبار الكلمة محفزا رمزيا، مثلها في ذلك مثل قطعة الحلوى التي تحفز

بعد أن يكون قد جربها -الطفل وتجعل لعابه يسيل في فمه بمجرد رؤيته لها ي وعندما يفهم الطفل اللغة ويع. مرارا في السابق وتلذذ بطعمها الحلو المحبب

، فإنه سيبدي االستجابة ذاتها بمجرد أن يسمع تلك "قطعة الحلوى"معني عبارة لقد أضحت العبارة بحد !العبارة، تماما كما لو أنه يرى الحلوى أمام عينيه

لألمر الملموس وأصبح لها األثر ذاته الذي يتركه ذلك - رمزا -ذاتها ممثال جردة أن نشعر المستمع بالجوع وهكذا يمكننا من خالل الكلمات الم. األمر

فجأة لدرجة ال يمكنه معها انتظار مائدة الطعام، رغم أنه لم يكن جائعا قبل كما نستطيع من خالل الحديث عن النوم وعن األشياء . سماع تلك الكلمات

التي تشجع على النوم أن نجعل إنسانا نشيطا ويقظا يشعر فجأة بالتعب فلننظر على سبيل . يتوق معه إلى النوم في الحالوالخمول الشديدين إلى حد

وغيرها من التقنيات القادرة خالل وقت " التدريب الذاتي"المثال إلى تأثير تقنية قصير وبتكرار بعض الكلمات القصيرة المناسبة على جعل الشخص المعني

غير أننا ومن خالل الكلمات أيضا نستطيع أن نجعل . يشعر بارتياح عميقشخص يشعر بالحزن واألسى المريع إلى حد تنهال معه الدموع من ذلك الكما نستطيع أن نجعل الحماس يدب في نفسه للقيام بأعمال، لم يكن . عينيه

! وقد يصل األمر إلى درجة تشجيعه على االنتحار. ليفكر بالقيام بها من قبلع وال يقتصر األمر على إمكانية تحفيز األشخاص كل على حدة، بل نستطي

-٧٦-

وقد تتاح لنا فرصة التأثير على عدد . بالكلمات أن نحفز مجموعة من الناسال يحصى من الناس دفعة واحدة، وذلك من خالل االختيار المناسبة للكلمات

ولعلنا نستطيع أن نشبه . التي ترمز إلى ما يحفز الدافع األساسي المقصودة التي إذا ما سقطت على الكلمة المناسبة لمخاطبة دافع ما بالشرارة المشتعل

وأما عندما ال تربط الكلمة بنظام التحفيز . كوم من القش، ألهبته دفعة واحدةفإنها تبقى ، الدافع األساسي المقصود) أو تدغدغ(المناسب وعندما ال تخاطب

" يبيعه"وهكذا يجب على اإلنسان الذي يريد أن يقنع اآلخر أو أن ! دون تأثيربيد أن ملكة اللغة ال تكفي . لغة التعبير ويحسن استخدامهاأمرا ما أن يمتلك

إن ما يحتاج إليه أيضا هو القدرة على استنباط الدافع . وحدها لضمان النجاحاألساسي للطرف اآلخر والقدرة على ربط كلماته بذلك الدافع حتى يستطيع

دفوع فال جدوى من التحدث عن األمان والطمأنينة إلى شخص م. تحفيزه فعالبدافع القبول االجتماعي، ألن كلماتنا حينئذ، مهما كان اختيارها ذكيا، لن تجد

ولكن كالمنا سيثمر بكل تأكيد عندما نتحدث مع . األرض الخصبة لتثمر فيهاذلك الشخص الطموح والمغامر عما يخاطب دافعه األساسي، القبول

.ائيةاالجتماعي، فحينها يصبح مطواعا ومتجاوبا بصورة تلقتدخل سيدة : سنورد فيما يلي مثاال يساعدنا على توضيح الفكرة السابقة

. إلى متجر لبيع األحذية وتطلب من البائع زوجا من األحذية مناسبا لقدميهافيقوم البائع، الذي تنقصه الخبرة الكافية، بعرض أزواج األحذية واحدا تلو

قدميها ألنهما غير متساويتين اآلخر دون أن يناسب أي من األزواج المجربة يؤسفني : "وبعد كل تلك المحاوالت يصرخ البائع في وجه السيدة! في القياس

!". ياسيدتي أنني ال أستطيع إرضاءك، ألن قدمك اليمنى أكبر من قدمك اليسرىحينئذ تنزعج السيدة وتعترض لدى صاحب المتجر على سلوك البائع وتهم

غير أن صاحب المتجر ذا الخبرة . شيئابمغادرة المتجر دون أن تشتريالطويلة في التعامل مع الزبائن ال يرضى بأن تخرج السيدة منزعجة ويصر

فيجلب أزواج األحذية من جديد ويجعل السيدة تجربها . على أن يخدمها بنفسه

-٧٧-

يسعدني يا سيدتي أن أخبرك بأنك : "واحدا تلو اآلخر ليقول في نهاية المطافدات النادرات المحظوظات الالتي تمتزن بأن قدمهن اليسرى واحدة من السي

وبعد تلك !" ولذلك أقدم لك هذا العرض الخاص! أصغر بقليل من اليمنىالكلمات التي تدغدغ مشاعر السيدة وتحفزها على الشراء ال شك أنها ستشتري

فما تريد تلك السيدة ! زوجا من األحذية وستخرج من المتجر راضية كل الرضا إنما هو أن قدمها اليسرى أصغر - وليست الوحيدة التي تريد ذلك -ن تسمعه أ

من قدمها اليمنى وأنها واحدة من السيدات النادرات المحظوظات، ال أن قدمها !اليمنى أكبر من قدمها اليسرى وأنها لذلك لن تجد الحذاء المناسب

يء متعلم وهذا مثال آخر يشير إلى سوء الفهم الذي قد يحصل عندما يسفبعد أن : اللغة األلمانية على سبيل المثال استخدام التعابير الجديدة التي يتعلمها

تشترك مع " Abendessenطعام المساء "تعلم طالب أجنبي في ألمانيا أن عبارة طعام "في أنهما تستخدمان للداللة على " Nachtessenطعام الليل "عبارة مكان كلمة " Nachtليل " ببساطة كلمة ، ظن أنه يستطيع أن يستخدم"العشاء

وعندما أراد مالطفة الفتاة التي خرجت . في جميع التعابير" Abendمساء "الثوب الليلي "إن : "معه لحضور حفل راقص في المساء، قال لها بلطف

Nachtkleid "وقد كان حري به أن يستخدم عبارة ". الذي ترتدينه جميل جدا !لتفادي سوء الفهم" Abendkleidالثوب المسائي "

ولعله من الملفت أيضا أن نعرف أن الكلمات، باإلضافة إلى كونها قادرة على تحفيز المستمع إذا ما خاطبت أحد دوافعه األساسية، قادرة أيضا على أن تخلق في نفسه إحساسا معينا أو حالة مزاجية محددة إذا ما ربطت

". باالقتران المشروط"ن طريق ما يسمى سابقا بذلك اإلحساس أو تلك الحالة عكان قد تكرر ربطها في ) أو عبارات(فعندما نسمع على سبيل المثال كلمات

الماضي باألحداث السلبية، فإن انطباعا سلبيا سينشأ فورا في داخلنا، حتى ولو كان المضمون المقصود من هذه الكلمات أو العبارات مخالفا لذلك االنطباع

وعلى العكس من ذلك يترك المتكلم انطباعا إيجابيا، عندما يستخدم . السلبي

-٧٨-

فإن استخدم . عبارات تكرر ارتباطها في الماضي بأحداث ومشاعر إيجابيةالمتكلم على سبيل المثال كلمات وعبارات تعيدنا إلى ذكريات الطفولة أو

بابنا أو التي استخدم اللهجة العامية التي اعتدنا على التكلم بها أثناء فترة شاعتاد أهلنا على التكلم بها، أي إن استخدم عبارات مقرونة بمشاعر إيجابية،

وأما إذا استخدم . فإننا سنشعر باالرتياح إلى المتكلم ونتفاعل معه بإيجابيةلهجات وعبارات تذكرنا بالمشاعر السلبية، فإننا سنتخذ تلقائيا موقفا رافضا

.للمتكلم ولما يقولهغم من أن ذكريات الطفولة تكون عموما إيجابية، إال أن بعضها، وبالر

فإذا ما سمعنا في . وبخاصة ما يتعلق بالمدرسة، قد يكون مقرونا بمشاعر سلبيةحديث الطرف اآلخر بعض العبارات النمطية أو األساليب الخطابية التي تذكرنا

تلقائيا في داخلنا، بالرغم بتلك الفترة، فإن موقفا رافضا تجاه الطرف اآلخر ينشأ .من أنه ربما يكون قد استخدم تلك العبارات واألساليب عن غير قصد

ولعله من البديهي ومن السهل أيضا أن نستفيد من هذه الحقائق والخبرات والطريق إلى . السيكولوجية في جميع مجاالت الحياة العملية من دعاية وغيرها

جميع الحاالت التي تقتضي إقناع الطرف النجاح في ذلك واضحة وعامة في فالمطلوب للنجاح أمران؛ أولهما أن نخاطب الدوافع األساسية الفاعلة . اآلخر

بعد التعرف عليها طبعا؛ وثانيهما أن نولد لديه إحساسا -لدى الطرف اآلخر وموقفا عاطفيا إيجابيين قدر المستطاع، وذلك من خالل تجنب كل ما يؤدي إلى

ل رافض من جهة، ومن خالل استخدام الكلمات والعبارات واللهجة رد فع !العامية التي توقظ لديه ذكريات ومشاعر إيجابية ومريحة من جهة أخرى

ال نرغب هنا في الخوض في تفاصيل األبحاث اللغوية االجتماعية المهمة التي وضعت لتفسير أهمية وانتشار أنظمة التشفير اللغوي المختلفة

، ولكنه ال بد لنا من التنويه إلى أن العبارات اللغوية )اب واالقتضاباإلسه(ألن غالبية ، المقتضبة غالبا ما تترك انطباعا سلبيا في نفوس معظم المستمعين

-٧٩-

وما إلى ذلك من " تدني المستوى االجتماعي"و" الفقر"و" بالجهل"الناس تربطها أن والغنية في تعابيرها بالصور صور سلبية، بينما تقرن العبارات المختارة بت

. وغيرها" الرفاه"و" الغنى"و" الثقافة"و" النبل"و" الرفعة"اإليجابية تلقائيا نحو التي تدأب " الماركسية"وبطريقة مشابهة يمكننا أن نفهم لماذا تترك العبارات

بعض الجماعات الشبابية على استخدامها انطباعا سلبيا لدى عموم المجتمع في فلطالما سمع المرء تلك العبارات في بالغات المنظمات . مانيا الغربيةأل

المتطرفة ولطالما قرأها في إصدارات بعض وكاالت اإلعالم ودور النشر وعلى العكس من ذلك ما زال المجتمع في ألمانيا الشرقية يتجاوب ". الشرقية"

وتؤدي . الزمنإيجابيا مع تلك العبارات التي اعتاد عليها لفترة طويلة من سابقا بمواقف مبدئية شاملة، " قرنها"الخاصة، التي تم " التعابير المثيرة"بعض

الذي يشير إلى انتماء مستخدم تلك التعابير ) أو إشارة التمييز(اليوم دور العلم ولقد طور الشباب على . إلى جماعة ما أو إلى تيار سياسي أو اجتماعي بعينه

شابه لما أوردناه سابقا لغتهم الخاصة التي تتضمن مر األجيال وعلى نحو ممجموعة من العبارات والجمل التي تمثل صلة وصل بين الشباب يتفاهمون

أمر رائع "ولعل عبارات اإلعجاب، نحو . من خاللها دون أن يفهمها البالغونوغيرها، تعني خارج المجموعة المعنية " وقمة في الجمال" "شيء يعقد"و" جداالتي " االختصاصية"وعلى العموم فإن العبارات ! مختلفا عما تعنيه داخلهاأمرا

نحو (يستخدمها أصحاب االختصاص ممن ينتمون إلى االختصاصات المختلفة والتي تنتشر بين عامة ) علماء االجتماع وعلماء النفس على سبيل المثال

يح يبقى حكرا الشعب نادرا ما تستخدم في مكانها الصحيح، ألن فهمها الصحفعندما يستخدم من يعملون في قطاع التربية عبارات . على أولئك المختصين

التناسب بين اإلجراءات المتخذة "اختصاصية مأخوذة من علم االجتماع نحو على سبيل المثال، فإنهم قد يحملونها " والخصوصيات الطبقية في المجتمع

.معنى آخر مغايرا لما تحمله في علم االجتماع

-٨٠-

وهكذا عندما نريد أن نؤثر إيجابيا في مجموعة ما من الناس من خالل . علينا أن نلجأ إلى استخدام العبارات الخاصة بتلك المجموعة، الكالم الموجه إليهم

ومن ناحية أخرى علينا في كافة األحوال تجنب العبارات النمطية التي تذكر إليها هذه المجموعة نظرة المجموعة المعنية بالخطاب بمجموعات أخرى تنظر

.سلبية، وإال فإننا نعرض خطابنا ككل للفشل في تحقيق ما يصبو إليه

التحفيز بالصور -ت

إن ما ذكرناه سابقا في سياق الحديث عن التحفيز بالكلمات يبقى . صحيحا أيضا بالنسبة ألشكال التواصل األخرى كالكلمة المكتوبة أو الصورة

ن حيث المبدأ اللجوء إلى العبارات أو الصور التي تناسب فهنا أيضا علينا مالمجموعة التي نتواصل معها، باإلضافة إلى تجنب ما يوقظ مشاعر سلبية

وكلما أصابت العبارات . تدفع تلك المجموعة إلى اتخاذ موقف سلبي رافضها، كلما كان المستخدمة خصوصية المجموعة المعنية وركزت عليها دون سوا

عندما نريد اختيار عنوان لكتاب موجه لجيل الشباب ف. شد وأعظمأثرها أعلى !" تعلم كيف تقبل"المندفع المتحمس للمواضيع العاطفية، تكون عبارة

ولعل رواية تحمل ". التعامل مع الشريك"سبيل المثال أكثر نجاحا من عبارة محبي أكثر إثارة بالنسبة لمجموعة" الرجل ذو القناع المخيف"العنوان

" القناع األسود"الروايات البوليسية المرعبة من رواية أخرى تحمل العنوان وعالوة على استخدام العبارات المناسبة يمكننا أيضا . على سبيل المثال

توظيف الصور إلتمام الوظيفة اإليحائية لتلك العبارات من خالل مفعولها فاعل مع العبارات بإيجابية بتذكير المتلقي بمواقف وأجواء إيجابية تهيئه للت

فعندما نعرض على سبيل المثال نوعا من أنواع عطور الحالقة على . أيضارجل "خلفية صورة لمنطقة طبيعية جرداء يتوسطها غدير من الماء العذب و

يمارس هوايته في الصيد، فإننا نوحي للمشاهد بأن هذا " بكل معنى الكلمةالقة يؤمن له الشعور بالحرية والنشاط النوع تحديدا من أنواع عطور الح

-٨١-

والمتعة ونكون بذلك قد خاطبنا توقه في الالوعي إلى كل تلك األمور بعيدا عن رتابة عمله المكتبي وعن ارتباطه بأمور تكبله وتحرمه من المتعة في

وال شك أنه في غياب تلك الخلفية الرومانسية تفقد زجاجة عطر . الحياةتي تكسبها إياها تلك الخلفية ويقتصر تأثيرها على عقل الحالقة جاذبيتها ال

وباآللية ذاتها نفهم التأثير اإليجابي إلعالن يروج . المشاهد دون مشاعرهلطراز محدد من السيارات على المتلقي الذي يسعى إلى المقام الرفيع والمزيد من االعتبار االجتماعي، عندما يعرض ذلك اإلعالن سيارة أنيقة من ذلك

فال شك أن المتلقي سيتخيل ! الطراز واقفة أمام قصر فخم وسط حديقة خالبةأن تلك السيارة تحديدا التي تظهر في الصورة هي القادرة على أن تضمن له

وال شك أنه سيفضل ! إعجاب وتقدير جاره إذا ما اشتراها وأوقفها أمام منزلهروض بشكل ذلك الطراز المعروض في الصورة على أي طراز مماثل مع

عقالني مجرد يكتفي بشرح المواصفات الفنية والتقنية للسيارة دون مخاطبة .في الوعي المتلقي" دافع القبول االجتماعي"

ولعل المثال األخير تحديدا، والذي يجيد استخدام الصورة اإليحائية في التأثير على المتلقي، يوضح أن الرموز والصور تخاطب المشاعر والالوعي،

وال شك أننا عندما . ما تخاطب العبارات الكالمية واللفظية العقل الواعيبيننسلك في اإلعالن سلوكا معاكسا لما اختاره اإلعالن الناجح السابق ونتوجه نحو العقل باستخدام العبارات الكالمية والصيغ التفضيلية لميزات السيارة

لمقصود للصور مبتعدين عن مخاطبة المشاعر باالستخدام ا، المعروضةذلك ألن إهمالنا لألثر الكبير للصور . فإننا نتوصل إلى نتيجة سلبية، والرموز

والرموز ولجوءنا إلى المبالغة في الحديث عن مزايا الطراز المعروض ولعل الشكل األمثل لإلعالن في ". تيقظا وحذرا"المتلقي ويجعله أكثر " سيجفل"

ج مناسب من العبارات الكالمية المقتضبة الحالة العامة يكمن في اختيار مزيالتي تقترن اقترانا إيجابيا (والعقالنية ومن الخلفية الرمزية التصويرية المحفزة

فهذا المزيج كفيل في المحصلة بأن يوقظ لدى ). بالدافع األساسي للمتلقي

-٨٢-

المتلقي الحفز المرجو من خالل عرض اإلعالن والذي يتمثل عادة باالنجذاب وبهذه الطريقة نكون قد التزمنا قول الحقيقة في . ي إلى موضوع اإلعالنالقو

عباراتنا دون أن نجعلها مملة وعاجزة عن جذب االنتباه والتأثير، وذلك ألننا وربما من خالل الصورة المتحركة - نخلق من خالل الصورة والرمز ك العبارات األرضية المناسبة لتلقي تل- والموسيقى أيضا في وقتنا الحالي

.والتفاعل معها بإيجابيةوال داعي في واقع األمر للتأكيد على أن ما أشرنا إليه فيما سبق يبقى صحيحا أيضا في سياق الحديث عن فعاليات التأثير األخرى كالخطابة والقيادة

، فهنا أيضا ال بد من التمييز بين ما يقال والخلفية التي ترافق ما يقال. والبيعمور الشكلية الخارجية الكثيرة مثل المالبس واإليماءات وسيماء الوجه أي األ

الخلفية "وحركات اليدين ووضعية الجسم وغيرها، والتي تشبه إلى حد بعيد " اإليقاعات الموسيقية"في مثال إعالن السيارة الذي ذكرناه سابقا أو " الطبيعية

تضعه في مناخ مناسب التي تستخدم حديثا كخلفية تصويرية تهيئ المتلقي و .يجعله يتفاعل مع ما يقال بإيجابية

وعلى العموم فإن تقنيات التحفيز التي نتبعها في التعامل مع اآلخرين يكتب لها النجاح عندما تنجح بمخاطبة دوافع المتلقين األساسية أي في إقامة عالقة

. هم األساسيةمباشرة في الوعيهم بين السلوك الذي نتوخاه منهم وما يشبع دوافعوهنا علينا أن نولي خبرات وذكريات المتلقين عناية خاصة، حيث إن إجراء ما قد يؤثر إيجابيا في بعض األحيان وسلبيا في أحيان أخرى، وذلك تبعا لخبرات

).مسألة اإلقران المشروط(المتلقين السابقة المرتبطة بذلك اإلجراء تحفيز دورها األبرز فهو مجال وأما المجال الذي تؤدي فيه تقنيات ال

إذ إن كال من عمليتي التربية والتعلم إنما هي شكل . التربية في مفهومه األوسع. وبأقل تقدير فإن نجاحهما مرهون بنجاح عملية التحفيز-من أشكال التحفيز

وفيما ). التربية(التحفيز هو أساس عملية التعلم وأساس أي تغيير في السلوك .وضوع التربية باعتباره أحد أهم تطبيقات علم النفسيلي سنناقش م

-٨٣-

.IV علم النفس والرتبية

اإلنسان بحاجة ماسة إلى التربية - ١: إن من أهم المنطلقات األساسية في علم النفس التربوي هو المبدأ التالي

صحيح أن ليس كل شيء ممكنا في مجال السلوك اإلنساني، ولكن ما هو ممكن وما يبدو . ، بل ال بد من أحد ما يحققه أو يقوم به"من تلقاء نفسه"ال يتحقق

تلقائيا من األحداث التي تعترض اإلنسان هو في حقيقة األمر محثوث من قبل وهذا يعني بدوره أن . سواء أكان ذلك مقصودا أم بغير قصد-حاث أو منبه ما

ى ما يليه من األحداث ال شيء مما يحدث في الواقع يبقى دون نتائج أو آثار عل .كما إن نتيجة أي سلوك ما هي بدورها حاث لسلوك آخر. األخرى

ومن المنطلقات األساسية أيضا أن ننظر إلى كل إنسان على أنه شخص فريد يتمتع بمقدرات فريدة ال بد لمخاطبتها من أسلوب خاص ومتميز قدر

ولما كان الناس . ااإلمكان بما يتفق مع شخصيته والخصوصية التي يتمتع بهبالعدل "، فإن معاملتهم )النفسية(مختلفين من وجهة النظر السيكولوجية

تقتضي أن نتعامل مع كل منهم باألسلوب الذي يوافقه كفرد " والمساواةمختلف عن غيره من األفراد، ال أن نتعامل مع الجميع بطريقة موحدة، أي

في التعامل هو الذي " زالتميي"إذا . بإهمال اختالف وخصوصية كل فرد "!المساواة وتكافؤ الفرص"يضمن

وعندما نركز على انعدام تلقائية األشياء، نعني على وجه الخصوص أن تلقي المعرفة واستيعابها ال يحصل من تلقاء نفسه، مع أن هذا االعتقاد كان

-٨٤-

وال نستطيع لسوء الحظ أن ننطلق من أن تعلم باقة من . سائدا فيما مضى إلى تعلم مضامين - وفي الوقت ذاته -ضامين التعليمية يؤدي تلقائيا الم

أخرى، بل إن اإلنسان يتعلم فقط ما يجتهد في تعلمه، وال يحصل على شيء ، أي االستفادة مما "االنسحاب"ولقد أصبحنا اآلن ننظر إلى مسألة ". مجانا"

عتبر أنه إن كان تعلمناه في مجال ما وتطبيقه في مجاالت أخرى، من منظار يهناك انتقال، فهو محدود ومشروط في أحسن األحوال، أي إن المتعلم يعي في أحسن األحوال أن هناك تشابها في البنية بين الوضعية التي تعلم فيها

كما إننا ننظر إلى مسألة . والوضعية الجديدة التي يريد تطبيق ما يعرفه عليها أن الذكاء ال يتفتح من تلقاء ذاته وأن الذكاء من المنظار نفسه، حيث نعتبر

وعالوة على ذلك نعتقد أن . هناك حدودا لتفتحه تفرضها مورثات كل فردالثقة بالنفس ال تتطور وتتوطد من تلقاء ذاتها، بل يجب في هذا المجال أيضا

.اتخاذ إجراءات موجهة وخاصة تناسب كل فرد وتأخذ خصوصياته باالعتبار مدخال منهجيا إلى علم النفس التربوي وال إلى لن نقدم فيما يلي

، بل سنعالج مشاكل تربوية نمطية تعترض المربي في )١(سيكولوجيا التعلم. حياته العملية بمساعدة ما تم التوصل إليه من خبرة في مجال علم النفس

وقبل الدخول في تفاصيل هذه المشاكل علينا توضيح إحدى أهم المسائل ا السياق، وهي األثر المشترك للمورثات وللبيئة المحيطة في األساسية في هذ

.عملية تطور اإلنسان

، دوناوفورث، "سيكولوجيا التعلم: "كورل. ف: انظر للمزيد حول هذا الموضوع)١( ١٦، الطبعة ١٩٧٧

W. Correll: Lernpsychologie, Donauwörth 1977, 16. Aufl.

، الطبعة العاشرة،١٩٧٦، دوناوفورث، "مدخل إلى علم النفس التربوي: "وكذلك للكاتب نفسهW. Correll: Einführung in die Pädagogische Psychologie, Donauwörth 1976, 10. Aufl.

، الطبعة ١٩٧٦، ميونخ، "سيكولوجيا السلوك من المنظار التربوي: "وكذلك للكاتب نفسه .السادسة

W. Correll: Pädagogische Verhaltenspsychologie, München 1976, 6. Aufl.

-٨٥-

وبالبيئة المحيطة به في آن معا يتأثر تطور اإلنسان بصفاته الموروثة -٢

هل اإلنسان نتاج بيئته أم نتاج صفاته املوروثة؟ -أ

بية على لعل هذا السؤال واحد من أقدم األسئلة في علم النفس وفي علم الترولعل األجوبة التي وجدت في الحقبات الزمنية المختلفة منذ البداية لم . اإلطالق

تنبثق فقط من أفكار واستنتاجات علمية بحتة، بل أثرت فيها معتقدات أساسية فلو انطلقنا على سبيل المثال من أن . نابعة من تاريخ وتقاليد الشعوب واألديان

خلوق إلهي، أي إن صفاته الموروثة أو فطرته بطبيعته ألنه م" خير"اإلنسان خيرة منذ والدته وال يمكن تبديلها، فإننا سنخلص إلى نتيجة تربوية معينة تختلف

" شرير"كل االختالف عن تلك التي سنخلص إليها عندما ننطلق من أن اإلنسان . مةبالفطرة وأن على المجتمع أن يحاول لجم تلك الفطرة والحد من عواقبها الوخي

ومن الطبيعي أن النتيجة التربوية التي سنخلص إليها ستكون مغايرة للنتيجتين السابقتين إذا غضضنا الطرف عن فطرة اإلنسان تماما وانطلقنا من أن كل ما يتصف به اإلنسان إنما هو نتيجة للتربية التي يتلقاها، أكانت تلك التربية مقصودة

سواء -ات الماضي أن فطرة اإلنسان وبينما نجد في أدبي. أم غير مقصودةأم كانت " Rousseauروسو "في األساس كما هي الحال في كتابات " خيرة"أكانت

هي التي تسيطر على تطوره سيطرة تامة، نرى في السنوات -آثمة " شريرة"األخيرة أن تصورا مغايرا أخذ ينتشر ويحظى باالهتمام، وهو أن تأثير البيئة

وهذا يدعم علم التربية في ! تحكمه حدود ويتعدى تأثير الفطرةعلى اإلنسان المبادئه األساسية دعما كبيرا، ألنه لو كانت خصائص اإلنسان محددة منذ والدته وثابتة مع مرور الزمن، لما كان بمقدورنا تغيير أو فعل أي شيء باالستعانة

ها ساكنة ومتحجرة ال بطرائق علم التربية ولوجب علينا النظر إلى األمور على أنومن ناحية أخرى فقد نتج عن هذه الرؤية، التي تركز على أن . يمكن التأثير فيها

مبدئيا " متساوون"اإلنسان صنيع بيئته، وبخاصة في الزمن القريب، أن الناس وأن أي شكل من أشكال انعدام المساواة بينهم ما هو إال نتاج االختالف في البيئة

-٨٦-

بين الناس أن نضمن " المساواة"كل منهم، وأنه يكفي لضمان التي يعيش فيها ولم تنطو هذه . تكافؤ الفرص الذي يعني تساوي ظروف المعيشة والبيئة المحيطة

الرؤية على نكران أثر الصفات الموروثة الخاصة بكل فرد على تطور اإلنسان الحلم "قيق فحسب، بل إنها كانت دافعا أساسيا لتبني الهدف الذي يسعى إلى تح

مع أن هذا الهدف لم يفهم - بين البشر" بالمساواة"للثورة الفرنسية " الديموقراطي والقضاء على االختالف بين الطبقات االجتماعية -بهذا الشكل في األصل

وصهرها في طبقة واحدة والعيش بتآلف ومساواة بين جميع أفراد المجتمع عن حتى إن مناهج تنظيمية مدرسية ذات . "البطيء"وتشجيع " السريع"طريق كبح

أهمية بعيدة المدى قد نشأت في هذه الفترة وأجبرت المربين من أهل ومدرسين على حمل أعباء ال يطيقون حملها من خالل تحميلهم المسؤولية الصريحة أو

شهادة (المضمرة بأن عليهم إيصال جميع األطفال إلى المستوى ذاته من التعليم ، وذلك بغض النظر عن االختالفات بين األطفال وعن )يل المثالجامعية على سب

.اإلعاقات التي قد يعاني منها بعضهملم تستطع أن تلقى دعما وتأييدا " العقائدية"بيد أن تلك التصورات التربوية

من قبل علم النفس التطبيقي، بل على العكس من ذلك، فقد أكدت الخبرات كال من الفطرة والبيئة يؤثر في تطور اإلنسان وفي المكتسبة في هذا المجال أن

وبتعبير آخر فإن اإلنسان إنما هو نتاج مشترك لصفاته . تحديد شخصيتهفال الفطرة بإمكانها . الموروثة وللمؤثرات البيئية التي يعيش وسطها في آن معا

أن تتطور وتتجسد على أرض الواقع في غياب البيئة التربوية المناسبة، وال المؤثرات البيئية قادرة منفردة ودون االستعداد الوراثي المناسب أن تؤدي فعلها

فصحيح أن حياة اإلنسان المختل عقليا يمكن أن تسهل إلى حد بعيد . المقصودمن خالل إجراءات تربوية مناسبة، ولكن أفضل الطرق التربوية ال تستطيع أن

في تغيير مستوى التعليم في ما لم نفكر-تجعله يحصل على شهادة جامعية المؤسسات التعليمية الخاصة بالمتخلفين عقليا لكي يناسب مستوى تفكيرهم

وبالمقابل ال يمكن تحجيم تفكير اإلنسان الحائز على شهادة جامعية إلى . الخاص

-٨٧-

مستوى فكري متدن لفترة طويلة من الزمن دون أن يبدي ممانعة داخلية ول أن يصنع من أبسط المدركات والمعطيات وخارجية، ألنه ببساطة سيحا

المتوفرة في بيئته أدوات معقدة تصلح لحل المشاكل يطور بمساعدتها شكال .حياتيا مناسبا وفرديا يتفق ومستوى تفكيره حتى في بيئة ال تشجع على ذلك

الذكاء عامل فطري أساسي -ب

قوى من أثر يبدو أن أثر الفطرة في مجال الذكاء على وجه الخصوص أنحو مجال (البيئة، بينما يفوق أثر البيئة في كثير من المجاالت األخرى

فمن خالل نوع . أثر العوامل الفطرية الموروثة) التحفيز على سبيل المثالمعين من خبرات النجاح وربطها بخبرات حيادية أو بخبرات اإلخفاق نستطيع

هد بحيث ينشأ في داخله أن نحفز شخصا ما ونحمسه على النشاط وبذل الج، ولكن األداء الفكري لإلنسان ال يتحدد بالحفز فقط، )انظر الحقا(حفز مثالي

- ولو بشكل منقوص -بل وبالقدرة العقلية أيضا والتي يمكن التعبير عنها ولو كان األمر خالف ذلك لكان بإمكان ). IQ(من خالل قيمة حاصل الذكاء

ل تحفيزه تحفيزا مثاليا أن يحصل شهادة الشخص المختل عقليا ومن خال .وهذا مخالف للحقيقة والواقع. جامعية

وللبيئة أثر يفوق أثر الفطرة في بناء أنماط السلوك والتطلعات واآلمال أيضا، ألن ما تشعرنا بيئتنا أننا ننجح في إنجازه يترك في نفسنا النزعة إلى

ه نمط بعينه وعلى صياغة تطلعاتنا تكراره مما يساعد على بلورة سلوكنا باتجاولكننا إذا ما تذكرنا أن نجاح اإلنسان في كثير من . المستقبلية الخاصة بنا

النشاطات يتوقف على قدرته العقلية التي تتأثر بفطرته تأثرا بالغا، يمكننا القول في المحصلة إن كل سمة مميزة من سمات اإلنسان تحتوي على مركبة

.إلضافة إلى المركبة الوراثية الموجودة دائمابيئية أساسية باوإذا ما أردنا تحديد النسبة العددية التي تسيطر وفقها إحدى المركبتين

فمن الممكن . على األخرى، فإننا نصطدم بسرعة بعقبات منهجية مبدئية

-٨٨-

الطعن بسالمة قياس القدرة العقلية بالطرق المعيارية المعروفة للحصول ، ألن هذه القيمة قد ال تتضمن جميع الملكات )IQ(لذكاء على قيمة حاصل ا

والقدرات الالزمة الستيعاب وظائف الحياة وإنجازها، بينما قد تتضمن ملكات وقدرات أخرى قد ال تكون ضرورية فعال للقدرة على االستمرار

ولو كان األمر خالف ذلك، الستطعنا بمجرد معرفتنا . والبقاء على قيد الحياةحاصل ذكاء شخص ما أن نتوقع مستوى أدائه ومدى نجاحه في لقيمة

إال فيما يتعلق ربما بالتحصيل الدراسي - الحياة، وهذا غير ممكن في الواقعالبحت، حيث نجد درجة معينة من التوافق بين قيمة حاصل الذكاء والدرجة

وهذا التوافق مبرر، ألن الملكات . التي يحصل عليها الطالب في المدرسةلمطلوبة لتحصيل درجات مرتفعة في االمتحانات الدراسية هي ذاتها ا

غير أن . المطلوبة لتحصيل قيمة مرتفعة لحاصل الذكاء في اختبار الذكاءالحياة الحقيقية خارج المدرسة تتطلب ملكات وقدرات إضافية لم يتم إدخالها

ل من وبالمناسبة فإن تفاصيل مسألة أثر ك. في اختبار الذكاء حتى اآلنالفطرة والبيئة على حاصل الذكاء مدروسة في مكان آخر في بحث شامل،

.)١(مما يجعلنا هنا نكتفي باإلشارة إليه

الرتبية تأثري منطقي ومفيد على الفطرة والبيئة -ت

ينتج عما سبق، وهو أن الفطرة والبيئة تتفاعالن دائما وأبدا لتحددا أداء من حيث المبدأ االنطالق من أن الطفل يتطور اإلنسان سوية، أننا ال نستطيع

وإذا ". يتفتح"، بل إن تربية أو تنشئة الطفل تتعدى مجرد تركه "من تلقاء ذاته"دون تأثير منهجي " laissez-faireدعه يفعل "ما تركنا الطفل ينمو وفق ذهنية

مدروس وموجه من قبل المربي، فإننا نكون قد تركنا عامل الفطرة يطغى كليا فال بد لنا إذا . على عامل البيئة ونكون قد أهملنا الحقائق ورفضنا اإلقرار بها

١٩٧٦الموهبة واألداء، : سولوولد. ف)١(

F. Süllwold: Begabung und Leistung, 1976.

-٨٩-

من التأثير والتخطيط والتوجيه والتشجيع لكي ال نترك األمور تتطور تطورا .ال يرضينا وال يصب في مصلحة الفرد والمجتمع

ومن جهة أخرى فإنه من الخطأ أن ننظر إلى الفطرة على أنها إما ، وأن علينا إما أن نتركها تتجلى وتتفتح وإما أن نفعل كل "شريرة"إما و" خيرة"

واألصح أن نعي أن أداء اإلنسان . ما بوسعنا لنهذبها وننميها باالتجاه المعاكسوسلوكه يتحددان بعوامل فطرية وبيئية في آن معا، وأن النسبة الصحيحة

ع األداء المطلوب للمزيج من العوامل الفطرية والبيئية إنما تتعلق بنوومن الخطأ أيضا أن ننظر إلى وظيفة . ومضمون المهام المطلوب إنجازها

المربي على أنها تطبيع للفطرة في االتجاه المعاكس وتهذيبها وتنقيتها من كل عيب أو على أنها مجرد السماح لتلك الفطرة بالتفتح والتجلي دون عوائق، بل

رة كمنطلق مناسب لألداء المطلوب ال بد أن يحاول المربي توظيف الفطوتوظيف العوامل البيئية من أجل االستفادة العظمى من الملكات والقدرات

.الفطرية المتوفرة لتحقيق األداء األفضلومن ناحية أخرى ينتج عن حقيقة وجود تأثير مشترك للفطرة والبيئة معا

في خطأ محاولة إيصال لتحديد السلوك البشري أن علينا دائما أن نتفادى الوقوعجميع األطفال إلى الهدف ذاته، وأن نحاول تشجيع ودعم كل طفل لكي يحقق أفضل أداء خاص به من خالل احترام حدود مواهبه وتشجيع االتجاهات األقوى

فعوضا عن وضع . فيها ومراعاة خصوصياته الفردية وملكاته وقدراته الخاصةمما سيؤدي حتما إلى إرهاق بعض (هدف واحد لجميع الطالب في المدرسة

، يفضل إيجاد أنماط مختلفة من )الطالب وعدم تفعيل قدرات بعضهم اآلخرالمدارس والصفوف وتسهيل انتقال الطالب فيما بينها قدر اإلمكان، لكي يحاول كل طالب تحقيق الهدف األكثر مالءمة لقدراته الفردية الخاصة وبأفضل الوسائل

طلبات العمل أيضا أن تأخذ هذا التنوع في مستويات األداء بين وعلى مت. التربويةفذلك لن . الناس باالعتبار، ال أن تطلب من جميع األفراد كفاءات موحدة وعامة

وهذا بدوره سيؤدي إلى . يؤدي سوى إلى الشعور الدائم لدى العاملين بعدم الرضا

-٩٠-

لذات في العمل الذي المبالغة في تقييم مسألة األجر على حساب مسألة تحقيق ايضمن التناسب بين متطلبات الوظائف المختلفة والقدرات والميول الفردية

وفيما يلي سنتطرق اآلن إلى األمور التي يجب علينا مراعاتها في . للعاملينتعاملنا مع األطفال ومع البالغين وفي تعاملنا مع ذاتنا أيضا انطالقا من هذه

.طرة والبيئة وإلى كيفية تحقيق النتيجة األمثلالعالقة المتبادلة بين الف

المساعدة على تحقيق الذات في مرحلتي الطفولة والشباب -

مرحلة الطفولة هي مرحلة التبعية احملتومة -أ

لعله من المفيد، لكي نعي كيف يشعر األطفال في عالم الكبار البالغين، ف المتر وطاوالته أن نتخيل أننا نعيش في عالم ارتفاع كراسيه متر ونص

وأن العمالقة الذين نعيش بينهم أطول منا بمتر ونصف المتر ! مترين اثنينوأن األمر األفظع باإلضافة إلى ذلك كله هو أننا نعتقد على الدوام . على األقل

أن أولئك العمالقة ال يسيطرون علينا سيطرة مطلقة وحسب، بل إنهم يتمتعون يعرفوا دائما ماذا نفعل وبماذا نفكر حتى ولو بقدرة غريبة عجيبة تمكنهم أن نعم هكذا يشعر األطفال في الواقع في تبعيتهم ! لم يكونوا معنا في المكان نفسه

التامة للبالغين، والطفل يرضخ لرغبات البالغين وقراراتهم طوال اثني عشر عاما دون أن يفهم دائما لماذا؟ وما الحكمة من ذلك كله؟ وال تصدر عن

.طفال تصرفات احتجاج ومعارضة فعلية إال فيما ندر من الحاالتاأل

عقدة أوديب- مشكلة تربوية مرحلة الطفولة املبكرة -ب

على الطفل منذ نعومة أظفاره أن يتخطى عقبة تطور بالغة الصعوبة واألهمية، وهي التكيف مع ما يشعر به من توتر طبيعي يشده نحو أبويه في

إنه يفعل ذلك من خالل انجذابه إلى أمه، إن كان صبيا، . ناتجاهين متعاكسيأكثر من انجذابه إلى أبيه الذي يشترك معه بالجنس، وفي الوقت ذاته نجده

. كليا" غيابه"يرفض والده باعتباره منافسا له في الفوز بأمه ويتمنى أحيانا

-٩١-

ة األمر إلى فنجدها عادة تنجذب في بداي: وبالنسبة للفتاة فإن األمر معكوسيدعى . والدها وترفض والدتها التي تشعر أنها تنافسها في التقرب من والدها

نسبة إلى الملحمة اليونانية التي تحكي قصة الملك " (حالة أوديب"هذا التوتر ).الذي قتل أباه ليتزوج بوالدته دون علم" أوديب"

ن أهم واحدة م" أوديب"أو تخطي توتر " عقدة أوديب" "فرويد"يعتبر فالطفل يشعر بالذنب عندما . المشاكل التربوية والنفسية طيلة فترة الطفولة

وعندما . يتمنى غياب والده على سبيل المثال لكي ينفرد بعطف وحنان والدته وال يأتي إال في المساء، يظن الطفل أن - بقصد العمل - يتغيب األب فعال

وبسبب هذا الشعور يبتعد بعد . أمنيته قد تحققت، ولذا يتوطد شعوره بالذنب. فترة من الزمن عن أمه المحبوبة، ألنها كانت في نظره سبب رفضه لوالده

وفي هذه الحال نكون أمام عالقة مزدوجة للطفل مع والديه، فمرة تكون عالقته إيجابية جيدة مع أمه وسلبية سيئة مع والده، ومرة تكون إيجابية مع

ألنها عالقة " بالمتناقضة" نصف هذه العالقة إننا. والده وسلبية مع والدته". صراع أوديب"ازدواجية وتسبب صراعا داخليا عميقا لدى الطفل يسمى

وعلى العموم هناك طائفة من حاالت الصراع المشابهة الغريبة التي تحكم فأينما وجد حب قوي يوجد أيضا كره يعاكسه ويساويه في : النفس البشرية

وهذا ما (فسر االنقالب السريع والمفاجئ للحب إلى كره وهذا ما ي. الشدةيكون سبب الكثير من حاالت الطالق بين شخصين أحب كل منهما اآلخر

:وفيما يلي نظهر البنية التوضيحية لعقدة أوديب!). يوما ما حبا عظيما

الطفل

ماأل باأل

-+ -+

-٩٢-

الطبيعي الذي يطغى كيف للطفل أن يتخطى هذا التوتر: ونتساءل اآلن على طفولته المبكرة ويترك أثرا بالغا في حياته كلها؟

- على سبيل المثال " فرويد" بحسب -يكمن الجواب على هذا السؤال في تعاطف واتحاد الطفل مع صورتين مثاليتين ألبويه، حيث يرسم في مخيلته

وهكذا فإن . همايسلكان سلوكا مثاليا ويتعاطف أو يتحد مع" أبوين مثاليين"الطفل لم يعد يحب أبويه الحقيقيين اللذين يعاني من التوتر معهما، بل نسختين

، وهذا ما نطلق "تخيل مثالي لألب واألم"مثاليتين عنهما متحدتين في صورة ".األنا المثالية"أو " األنا العليا"عليه تعبير

يسيطر على وبهذه الطريقة يتغلب الطفل إذا على التوتر الذي كان عالقته بوالديه من خالل بناء تصور مثالي عن األبوين والتعامل معهما

في اإلنسان حتى ما بعد " األنا العليا"وتبقى هذه . عوضا عن األبوين الحقيقيينفي جميع " الشر"و" الخير"الذي يظهر لإلنسان " الضمير"بلوغه على شكل

وهو التصرف الذي -الخطأ وضعيات الحياة المختلفة، ويفرق بين التصرف وهو - والتصرف الصحيح -" األنا العليا"يعارض القواعد والقيم التي تضعها

وبهذه الطريقة أيضا تترك جميع . التصرف الذي يتفق مع تلك القواعد والقيموال بد من الفصل بين . المؤثرات التربوية آثارها على بناء ضمير الطفل

وتلك القواعد والقوانين من جهة ضمير كل طفل القواعد والقيم التي يضعها التي تسنها الجهات المختصة في المجتمع والدولة وما يتبعها من تغييرات

! من جهة أخرىواستكماالتوإذا ما فشل الطفل في التغلب على عقدة أوديب هذه وحلها في مرحلة

سيستمر ليسيطر الطفولة المبكرة، أو إذا لم يحلها حال كامال، فإن هذا التوتر وعندئذ يتعذر على المرء غالبا اتخاذ . على المرء خالل فترة الشباب والبلوغ

القرارات التي ترضي ضميره كما يفشل عموما في إقامة عالقة طبيعية مع !أبويه والحقا مع شريك حياته

-٩٣-

، فإن قراراته تكتسب جميعها "عقدة أوديب"وفي حال فشل المرء في حل وربما يعني غياب أحد األبوين اإلخفاق التام في . المبالغة والتوترشيئا من

تخطي عقدة أوديب، كأن يغيب األب على سبيل المثال كليا أو أال يكون حاضرا وعندئذ . بالفعل إال نادرا وأن تتحمل األم مسؤوليات وأعباء تربية الطفل بكاملها

، مما "األنا العليا" يتعثر بناء ال يغيب األثر األبوي في تربية الطفل فحسب، بليقف عائقا في حاالت معينة في طريق بناء ونمو الضمير مما يؤدي إلى

.نقصان أو فقدان الوعي للمعايير االجتماعية وتحمل المسؤولياتومن الممكن طبعا أن ينوب عن األب الحقيقي شخص آخر ويؤدي

ة نوعا ما وإذا ما دوره، إذا ما كان هذا الشخص موجودا بصورة منتظموبإمكان بعض األمهات إذا ما . استطاع القيام بوظائف األب الغائب األساسية

كن على علم ودراية بالتركيب النفسي للطفل أن يؤدين دور األم واألب في آن معا من خالل التركيز تارة على جهة المعايير والمسؤوليات وطورا على

بالطبع الوضع األمثل للطفل لكي يتطور ولكن يبقى . الحب والعطف والحنانوفي هذا . ضميره تطورا سليما أن يكون األبوان حاضرين في أسرة متناغمة

السياق يبدو من المفيد أن نلقي نظرة في إحصاءات الجرائم والتي يتجلى فيها

+

)األنا المثالية(األنا العليا

الطفل

ماأل باأل

-+ -+

-٩٤-

وبصورة قاطعة أن عدد الناس المنحرفين إلى الجريمة والذين يعيشون في وبمقدورنا شرح بعض . قد ألحد األبوين مرتفع فوق المعدلأسر مشوشة أو تفت

فإما أن تكون األسرة التي : الظواهر المتعلقة باإلرهاب من هذا المنطلق أيضاترعرع فيها اإلرهابي مشوشة أو تفتقد ألحد األبوين وإما أن يكون جو األسرة

اعية مما في حياته االجتم" ناجح"مجهدا ومرهقا من خالل وجود أب متسلط و .يحرم االبن من أية فرصة لكي يصبح ندا لألب

الذهاب إىل املدرسة-االنفصال عن األسرة ألول مرة -ت

الشك أنها نقطة تحول حاسمة في حياة الطفل عندما ينفصل للمرة وقد يبدو هنا استخدام . األولى عن أسرته لاللتحاق بالمدرسة على سبيل المثال

غا فيه، ولكننا ال نستطيع وصف شعور الطفل بعمر مبال" االنفصال"تعبير السادسة عندما يدخل إلى المدرسة ألول مرة بأي تعبير آخر، فهو ينفصل فعال وللمرة األولى عن بيئته المحبة العطوفة المعتادة ليلتحق ببيئة جديدة

أو ربما -غريبة وهي المدرسة، حيث يجد أطفاال ال يعرفهم في الغالب كما يجد أيضا أشخاصا بالغين - عرفة سطحية من روضة األطفال يعرفهم م

، لم يعرفهم من قبل، سيكون لهم )المعلمات والمعلمين والموجهات والموجهين( .دور بالغ األهمية في حياته الجديدة

العالئم االجتماعية واجلسدية والنفسية لنضوج الطفل واستعداده -ث للذهاب إىل املدرسة

من بلوغ مرحلة معينة من النضج االجتماعي والجسدي ال بد للطفلوالنفسي حتى يكون التحاقه بالمدرسة ناجحا، فإذا لم يكن الطفل على استعداد نفسي وجسدي لتحمل هذا االنفصال عن األهل الذي قد يمتد لساعات طوال في اليوم الواحد، وإذا لم يستطع التأقلم بعد مع الوظائف االعتيادية في

درسة، فإن ذلك مؤشر واضح على أنه لم يبلغ بعد مرحلة النضوج للذهاب الم

-٩٥-

إلى المدرسة، ومن األفضل مساعدة هذا الطفل من خالل إجراءات خاصة ) نحو إدخاله في الصف التحضيري أو تطبيق إجراءات الدعم بوساطة األهل(

ومن أهم عالئم النضج. على بلوغ هذا النضج أوال قبل أن يلتحق بالصفيتعلم الطفل هذا . المدرسي القدرة على التصرف السليم داخل المجموعة

النضج االجتماعي تلقائيا إذا كان يعيش في أسرة كبيرة مع عدد كبير من ولكننا نرى في هذا العصر أن معظم األسر تكتفي بطفل . األخوات أو اإلخوة

ذ سنته الرابعة ومن هنا تأتي أهمية التحاق الطفل من. واحد أو بطفلين اثنينفهذه الخبرة التي . تقريبا بروضة األطفال ولو لساعات قليلة في اليوم الواحد

يكتسبها الطفل مع عدد من األطفال اآلخرين ال يمكن االستغناء عنها، وبخاصة بالنسبة للطفل الوحيد الذي قد يتمتع بتطور عقلي جيد جدا ولكنه

إن احتكاكه االجتماعي مع اآلخرين يبقى في الغالب متخلفا اجتماعيا، إذ .يقتصر عموما على أهل بيته وعلى بعض الرفاق القالئل أحيانا

بشكل عام لاللتحاق " ناضجا"يمكننا اعتبار الطفل في سنته الرابعة بروضة األطفال، أي إنه قادر عند بلوغه هذا السن على االنفصال عن أمه

. االختالط بزمالئه األطفال وبالمربياتلمدة ساعتين اثنتين إلى ثالث ساعات وكما سيكون عموما قادرا على استيعاب أن ما يطلب من مجموعة األطفال مجتمعين موجه أيضا إليه شخصيا، وأن يشعر فعال أنه واحد من هذه

بينما ال يستجيب األطفال األصغر سنا بصورة عامة إال إذا وجه - المجموعة .فرادية ومباشرةإليهم الكالم بصورة ان

وال غنى عن هذه المقدرة االجتماعية في المدرسة باإلضافة إلى مقدرة الطفل على إثبات وجوده وشخصيته بين عدد من أنداده وعلى أن يتخذ بعضا

وبجانب النضج االجتماعي ال بد أيضا من النضج الجسدي، . منهم أصدقاء لهأن ) ة إذا أخر سنة دراسيةأو في سن السابع(فعلى الطفل في سن السادسة

ولكن . يكون قادرا على الجلوس واإلصغاء بهدوء والتركيز لساعات عدةهناك بالطبع بعض األطفال الذين ال يمتلكون هذه المقدرة الجسدية والذين

-٩٦-

يتوجب عليهم لهذا السبب أن يتأخروا بااللتحاق بالمدرسة أو االنتقال إلى وبإمكان طبيب المدرسة أو . ناية متميزةمدرسة خاصة يحصلون فيها على ع

طبيب األطفال بكل سهولة أن يتأكد من بلوغ الطفل هذا النضج الجسدي وأن يصف للطفل إن اقتضى األمر اإلجراءات والتمارين الالزمة لبلوغ هذا

وفي كثير من األحيان يترافق انعدام النضج الجسدي مع تأخر في . النضج التشخيص الخارجي النعدام النضج االجتماعي النضج االجتماعي مما يسهل

ومع ذلك هناك حاالت خاصة ال يترافق فيها النضجان . في هذه الحاالت .االجتماعي والجسدي

وهناك أخيرا النضج المدرسي العقلي الذي ال بد أن يتوفر أيضا عند ي التحاق الطفل بالمدرسة، فال بد أن يكون قادرا على حل الوظائف المدرجة ف

منهاج السنة المدرسية األولى، نحو التركيز على األجزاء في شكل كبير متكامل وال بد للطفل أيضا من استيعاب . والقدرة على استخالص بعض التفاصيل منه

بعض العالقات البسيطة التي تربط بين المجموعات وبعض المعلومات فاءته لاللتحاق األساسية التي على أساسها يجري تحديد نضجه العقلي ومدى ك

وبالطبع يتوجب على الطفل أن يمتلك أيضا القدرات التحريكية . بالمدرسةاألساسية، نحو رسم شكل صغير نقال عن شكل آخر رسما دقيقا، وهو ما سيحتاجه الحقا في رسم األحرف األبجدية أثناء تعلم الكتابة على وجه

قدرات التحريكية والعقلية فهناك بعض األطفال الذين ال يملكون ال. الخصوصالالزمة لرسم حرف األلف على سبيل المثال أو التعرف عليه إذا ما رسم على

ينصح والحال هذه بإخضاع الطفل لتدريب خاص لتقوية هذه القدرات . السبورةوهناك برامج . بالتوازي مع السنة التحضيرية والسنة األولى في المدرسة

درج القراءة "هذا التدريب نحو برنامج خاصة يمكن االعتماد عليها في Lesetreppe) " الصادر عن دار النشرMod. Verlagsgesellschaft في ميونخ

مبرمجة بدقة وحيث تقدم لألهل ، حيث جميع خطوات التدريب)١٩٧٧عام مقترحات إضافية كفيلة بمساعدتهم في جميع الحاالت على إيصال الطفل إلى

-٩٧-

هذا التدريب والجهود الخاصة المبذولة معه هي إن نتيجة . الهدف المنشودتمكين الطفل من القراءة البدائية، والتي يمكن أن تتطور بالطبع وبسهولة إلى قدرة كاملة على القراءة، يضمن الطفل من خاللها مدخله الخاص إلى العلم

.واألدب لتوسيع آفاقه المعرفيةاختبار النضج "سمى عادة ما تحدد درجة النضج المدرسي بمساعدة ما ي

اختبار النضج المدرسي "وهناك العديد من تلك االختبارات نحو ". المدرسي في مدينة Belzالصادر عن دار النشر " Frankforter Schulreifetestالفرانكفورتي

Weinheimاختبار النضج المدرسي الجوبنجي " وGöppinger Schulreifetest "ختبارات هذه من مجموعة وظائف معيارية إلى يتألف كل من نماذج اال. وغيرهما

العقلي واالجتماعي حد ما تتيح إمكانية تحديد درجة النضوج المدرسيويخضع الطفل عموما لهذه االختبارات قبيل التحاقه بالمدرسة . والتحريكي

لضمان التحاق األطفال الناضجين فقط، بينما يلحق األطفال غير الناضجين .ي أو يترك أمر االعتناء بهم ألهاليهمبعد بالصف التحضير

وإذا ما أخفق الطفل في اجتياز هذا االختبار مجددا في السنة المقبلة، وفي هذه الحال . فإن من المحتمل أن يكون هذا الطفل يعاني من نقص الذكاء

يحدد مستوى ذكاء الطفل بمساعدة واحد من اختبارات الذكاء المتوفرة وتحت ). نحو المعالج النفسي للمدرسة على سبيل المثال(إشراف شخص مختص

ومن خالل هذا االختبار يتضح ألي مدى يمكن للطفل أن يواكب أنداده في فإذا اقترب حاصل ذكائه من المئة اعتبر ذكاؤه . السن من الناحية العقلية

وال يمكن التكلم عن إعاقة . متوسطا، وإن تجاوز المئة اعتبر ذكاؤه شديدادى طفل ما إال إذا كانت قيمة حاصل ذكائه أقل من المئة بوضوح، عقلية ل

وعندئذ يمكن إلحاق . كأن تكون تلك القيمة بحدود السبعين أو ما دون ذلكالطفل باالتفاق مع الطبيب أو المعالج النفسي بمدرسة خاصة باألطفال

ومن االختبارات المعتمدة لتحديد حاصل. المعوقين في قدرتهم على التعلم Hamburgerاختبار هامبورغ لتحديد ذكاء األطفال ووجوب النقل "ذكاء الطفل

-٩٨-

Wechsel-Intelligenztest für Kinder "بنت -امتحان ستانفورد "و Stanford-

Binet "على سبيل المثال ال الحصر.

مرحلة تطور طبيعية-الولوع بالسحر والقصص اخلرافية سن الطفولة -ج

هرة مميزة تالحظ كثيرا لدى األطفال في سن السابعة سنعرض اآلن ظاأو الثامنة، ألنها كثيرا ما تثير القلق لدى األهل، بالرغم من أنها ظاهرة

تظهر لدى الغالبية العظمى من األطفال وتختفي تلقائيا في سن " طبيعية"في سن " التفكير الخرافي"نتحدث هنا عن ظاهرة : التاسعة أو العاشرة

كل طفل يمر بهذه المرحلة يبدو وكأنه يعيش في عالم مختلف عن ! ةالطفولإنه يخاطب الكرسي والطاولة والفراشة ويعامل . عالمنا الذي نعيش فيه

كما . يمكن التعامل معهم كما يتعامل مع الناس اآلخرين" كشركاء"الحيوانات على حياته إنه على قناعة تامة بأن لألشياء المحيطة في بيئته تأثيرا خرافياومما يدفعه . فيه الكثير من السحر، كما يعتقد أن له هو أيضا تأثيرا عليها

بصورة خاصة إلى هذا االعتقاد أنه غير قادر بعد على فهم ما يعترضه وعلى تفسيره تفسيرا منطقيا، ولذا فهو يبني لنفسه عالما ظاهريا مليئا بالعالقات

. عقل والتي تعتمد كثيرا على السحر والخرافةواإلشارات البعيدة عن منطق الفعلى سبيل المثال يمكن للطفل في هذه الفترة أن يسمي شجرة معينة في بيئته

وأن يكن لها نوعا من االحترام الفائق الذي قد يصل " شجرة الصحة"المجاورة ي فهو يتقرب منها ويلمسها ويتوسل إليها لك". الديني"إلى حد التقدير الروحاني

فمتى أصيب . تحافظ على صحته ويعتقد اعتقادا جازما أن لها القدرة على ذلكولقد طور أحد ! لتشفيه وتبعد عنه السعال" شجرة الصحة"بالزكام التجأ إلى

خاصا تجاه شجرة قريبة من بيته، فقد كان يعمد " طقسا"األوالد الذين أعرفهم إلى الذهاب إلى تلك الشجرة قبل األحداث الهامة في المدرسة أو في البيت

وإفراغ مثانته على جزعها، وكان يعتقد أنه بهذا التصرف يستطيع أن يؤثر كأن تؤثر على سبيل المثال (إيجابيا بمجريات ونتائج تلك األحداث المصيرية

-٩٩-

وإذا ما نسي أن يفعل ذلك مرة، فإنه يعتقد !). على نتائج مذاكراته في المدرسةوال شك أن ثقته المطلقة ( خطيرا سيحدث في المدرسة بثقة مطلقة أن أمرا

بصحة اعتقاده توهمه في كثير من األحيان بأنه قد وجد تأكيدا آخر وإثباتا ومن هذا المنظار يمكننا أن نتفهم لماذا ينظر !). جديدا على صحة اعتقاده

األطفال إلى زميلهم الذي يجرؤ مثال على القفز من فوق صخرة صغيرة جاب ويعتبرونه زعيما لهم؛ فلو لم يكن يتمتع بعالقات وثيقة مع شبح بإع

لما استطاع القفز من فوق - من وجهة نظرهم -غريب يمده بالقوة الخارقة وإننا لنجد عددا كبيرا من األمثلة المشابهة في تصرفات األطفال في . الصخرة

.هذه الفترة من الطفولةي المواكب الزدياد خبراته وتشعبها ومن خالل تقدم نضج الطفل العقل

مع بيئته ينتقل عادة في سن التاسعة أو العاشرة من هذه المرحلة الفكرية التي يغلب عليها االعتقاد بالسحر والخرافة إلى مرحلة أكثر واقعية

وفي هذه المرحلة يميل الطفل . وعقالنية في رؤيته للعالم الذي يعيش فيه. ل ما حوله وإلى حفظ أسماء األشياء والظواهرإلى رؤية إيجابية عملية لك

كما . إنه يجمع وينظم كل ما يتشابه باالسم في مجموعة واحدة في عقلهيقوم فعليا أيضا بجمع األحجار أو األوراق أو الخنافس ويشعر بسعادة ألنه

ومع أننا ال نجد . يمتلك اآلن نظرة واقعية وشاملة لما يحيط به من أشياءهذه، إال أن " بمرحلة الجمع"طفال وتحت كل الظروف يمرون أن جميع األ

الكثيرين يفعلون ذلك، وبخاصة عندما يجتمع التشجيع الالزم من البيئة مع وهذه المرحلة من مراحل الطفولة . االستعداد الوراثي المناسب لدى الطفل

هي بالطبع المرحلة المناسبة لتشجيع الطفل على جمع الطوابع البريدية ى سبيل المثال، كما إنها المرحلة المناسبة أيضا لتقريب الحقائق عل

إلى ذهنه من خالل الكتب ) كالتاريخ مثال(والوقائع الحالية والماضية .والموسوعات العلمية المصورة وغيرها

-١٠٠-

وعندما يبلغ الطفل سن المراهقة تنبثق في داخله أخيرا الرغبة في فهم . ياء التي دأب حتى اآلن على جمعها بسذاجةالعالقات التي تربط بين األش

واآلن فقط يستيقظ في الطفل االهتمام باالنتظام والقوانين التي تحكم وتربط ويرافق هذا االهتمام العام اهتمام خاص . بين األشخاص واألشياء في محيطه

نحو التفتيش عن سبب محبة أو كره بعض (وقوي بالعالقات االجتماعية خر وشعور البعض بأنهم مرتبطون بعالقات وثيقة بالبعض الناس لبعضهم اآل

وعالوة على ذلك يبدأ الطفل في مرحلة ). وبعداء شديد تجاه البعض اآلخرالمراهقة بالتساؤل عن العالقة التي تربط بين محطة توليد الطاقة ومأخذ الكهرباء في البيت، وبين المصباح والمفتاح الكهربائي، وما إلى ذلك من

لتفريقها " الواقعية النقدية"وهذا ما نطلق عليه اسم . قات المنطقية البسيطةالعالال نرغب هنا في تكرار الشرح التفصيلي لحقائق علم " (الواقعية الساذجة"عن

).)١(التطور النفسي، ألنها متوفرة في كتب أخرى

زمن االستقالل املتزايد-عمر الشباب - ح

لحادية عشر إلى الثانية عشر، يبدأ فرق ومع المراهقة، ابتداء من سن االطول بين األوالد والكبار باالنحسار كما تبدأ بالتزامن مع ذلك ومع النضوج

وال يكتفي . الجنسي مطالبات عاصفة باالستقالل النفسي والعقلي واالجتماعي، بل إنه يريد االستقالل )مع قفل خاص به(المراهق هنا بطلب غرفته الخاصة

تنظيم قضاء عطلته واألهم من ذلك كله االستقالل في اختيار أيضا في وهذا تحديدا ما يساعد على تشكل المجموعات شبه اإلجرامية بين . أصدقائه

ألن هدف تلك التجمعات ال بد أن يكون مميزا وفريدا . صفوف المراهقينلك فهيبة ت: لدى المراهقين" األنا"وسريا حتى يؤدي دوره في الرفع من شأن

١٩٧٦، دوناوفورث، "سيكولوجيا التطور الحديثة"أورتر، . ر)١(

R. Oerter, Moderne Entwicklungspsychologie. Donauwörth, 1976

.١٨١-١٠٨. ، ص١٩٧٦، ميونخ، "سيكولوجيا السلوك من المنظار التربوي: "كورل. فW. Correll: Pädagogische Verhaltenspsychologie. München 1976, S. 108-181

-١٠١-

التجمعات الشبابية تزداد بازدياد إعجاب غير األعضاء بتلك التجمعات أو . وبالقدر ذاته تزداد حينئذ ثقة المراهقين األعضاء بأنفسهم! حتى خوفهم منها

وهكذا فإن ما يسعى إليه الشباب في سن المراهقة هو الحصول على استقاللهم ومن األساليب التي . اللهمعن البالغين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم من خالل استق

يحاولون من خاللها تحقيق ذلك هو أسلوب االنتساب إلى تجمعات غالبا ما ويزداد . مجتمع البالغين" ضد"تكون ذات طابع سري وغالبا ما تكون موجهة

هذا االتجاه قوة كلما حاول الكبار البالغون بسلطتهم الواسعة كبح هذه !هقينالتوجهات االستقاللية لدى المرا

الرتبية احلقة هي جمرد مساعدة لالعتماد على النفس - خ

ففي الواقع . وهنا يكمن المدخل األساسي للتعامل السليم مع الشبابيجب على التربية أن تتوجه في سن الطفولة وأكثر من ذلك في سن الشباب نحو تمكين الشباب من أكبر قدر ممكن من االستقالل في اتخاذ القرارات

وعلينا أال نحدد دائما وبثقة كبيرة ما يجب فعله . حترام تلك القراراتونحو اوكيف تحل مشكلة ما، بل أن نقدم المساعدة الالزمة لكي يكتشف األطفال أو الشباب حل المشكلة بأنفسهم وأن نوجههم نحو االعتماد على الذات والتصرف

ير وفق خطة ولكن ال بد أن يكون هذا التوجيه منظما وأن يس .المستقل" يأمرونه"فصحيح أننا ال نريد أن يشعر الشاب أن البالغين ! مدروسة جيدا

ويستضعفونه، ولكننا ال نريد من الجهة األخرى أن يرفض كل ما يقال له وتكمن . وينصح به رفضا قاطعا لمجرد أنه صادر عن األهل أو المربين

يدرك منطق األمور التربية الصحيحة في األخذ بيد الطفل أو الشاب لكيإدراكا سليما ولكي يستوعب أن حل أية مشكلة كانت ال يكمن ال في تنفيذ رؤيته أو رغبته الشخصية ورفض آراء اآلخرين، وال في السير وفق آراء وأهواء اآلخرين وإهمال حاجاته ووجهات نظره الخاصة، بل إن الحل األمثل

فال يمكن . ت المشكلة أو الحالةإنما ينتج عن تحليل منطقي وموضوعي لحيثيا

-١٠٢-

أن يكون الهدف في درس الكيمياء على سبيل المثال أن يجبر المدرس الطالب على األخذ برأيه الشخصي في موضوع أو مسألة ما، وبالطبع ال يمكن أن يكون هدف الدرس من ناحية أخرى اعتماد آراء الطالب ووجهات

هي التي يجب أن تقبل من قبل نظرهم، بل إن النتيجة الموضوعية للتجربة .جميع األطراف على أنها اإلجابة األمثل واألصح على التساؤل المطروح

وهكذا يبتعد التواصل والحوار بين البالغين من جهة والشباب من جهة أخرى عن مجال تأثير المشاعر من تعاطف وعدم تعاطف ويدخل في مجال

وإذا ما تعثرت هذه العملية . ضوعيةتأثير القوانين والحيثيات والمدركات المواألقوياء "أو لم تكتمل، فإن نشوء الرفض والمعارضة لكل ما يقترحه الكبار

يصبح - وحتى تطور مشاعر الكره المملوءة بالحسد تجاههم -" الناجحينأمرا محتوما، بينما تنشأ عادة وعلى العكس من ذلك مشاعر التعاطف تجاه

ولما كان الطفل في الواقع هو المستضعف . مومالمستضعفين على وجه العاألول، فقد عانى كل إنسان مرة واحدة على األقل من كونه مستضعفا، ولذا

ألنهم ربما يتذكرون في الالوعي -فكل الناس يتعاطفون مع المستضعفين ويحيطونهم بالحب والرعاية ويمدون لهم يد العون، بينما ال يلقى -طفولتهم

نتصر في الحياة إال نادرا مشاعر الحب من قبل اآلخرين مع أنهم الناجح والمقد ينظرون إليه نظرة إعجاب وحسد ويحاولون تقليده في سلوكه على مختلف

وغالبا ما يسبب نجاح شخص ما ردود فعل غاضبة وثورية في . الصعدي وعلى العموم فإننا نرى أن أولئك البالغين، الذين تلقوا ف. صفوف المغلوبين

طفولتهم تربية مبالغا في صرامتها ومعاملة قاسية من قبل أهاليهم، هم الذين يميلون إلى ردود الفعل االحتجاجية والمتطرفة المدفوعة من قبل الرغبة العارمة والدفينة لديهم في إثبات ذاتهم وفي التعبير عن أنه لم يعد ألحد القدرة

ي تأكيد استقاللهم في نهاية على تجاهلهم وتجاهل رغباتهم واستضعافهم وفوغالبا ما يرفض هؤالء الناس انطالقا من موقف االحتجاج هذا ! المطاف

توجهات أهاليهم الدينية كما يرفضون أن يتخذوا مهن أهاليهم مهنا لهم

-١٠٣-

ويختارون مهنا مختلفة تماما واتجاهات دينية مغايرة لتلك التي عرفوها من الذي اجتاز مرحلة االحتجاج " الطبيعي"بالغ ومع أن اإلنسان ال. أهاليهم

والمعارضة بنجاح ال يظهر سلوكا متطرفا تجاه األقوياء والناجحين، بيد أنه يحتفظ بمشاعر التعاطف مع الضعيف والمغلوب قد تصل في كثير من

!الطوعي مع الشخص الضعيف ودمج الذات معه" االتحاد"األحيان إلى حد التلقائي والشديد لدرجة دمج الذات مع ابنة وهنا يكمن سبب تعاطفنا

الخرافية " Gänsemagdخادمة اإلوز "الملك الفقيرة المظلومة في قصة وكذلك فإن ما سبق ذكره . ورفضنا وكرهنا في الوقت ذاته ألعدائها الشريرين

يفسر أيضا تعاطفنا الشديد مع شخصية ساندريال الفقيرة وكرهنا لكل من ويمكننا تتبع أثر تجربتنا القديمة التي ! اق الضرر بهاحاول خداعها وإلح

مررنا بها في طفولتنا حتى أيام بلوغنا في مشاعر تعاطفنا عقائديا ودينيا مع وفي المحصلة ". األغنياء عديمي الضمير والرحمة"وضد " الفقراء الشرفاء"

كإنسان فإن مساعدتنا للطفل على االعتماد على نفسه ستؤدي الحقا في حياته بالغ إلى تخفيف مواقف العنف والرفض المبالغ فيها ومشاعر الكره الشديد

.البعيدة عن العقالنية

أثر ترتيب الطفل بني األوالد األسرة -د

يظهر كفاح الطفل لتحقيق ذاته واضحا في أنماط سلوك خاصة تتعلق األطفال الذين وإننا لنخطئ إن انطلقنا من أن. بترتيبه بين أشقائه في األسرة

يترعرعون في أسرة واحدة وفي الظروف ذاتها يعيشون فعال في بيئة نفسية إن الطفل األكبر في األسرة يرى بكل تأكيد بيئة مختلفة تماما عن تلك ! واحدة

فعادة ما يكون الطفل األول في األسرة موضع . التي يراها الطفل األصغرموجها نحو رغباته وأهوائه، وإذا ما اهتمام العائلة بأسرها، فنجد كل شيء

ولكن ذلك كله يتغير لدى والدة . صرخ وجب القيام بأي شيء كان إلرضائهطفل ثان، ألن الطفل الجديد سيصبح تلقائيا مركز اهتمام األسرة، مما سيؤدي

-١٠٤-

حتما إلى شعور الطفل األول باإلهمال أو إلى شعوره على األقل بمنافسة ولذلك نجده يرفض أخاه الجديد ويتمنى استرجاع . حياتهحقيقية ألول مرة في

ولما كان تحقيق هذه األمنية غير ممكن، فإن الطفل األول . مكانته السابقةكأخ "يتعايش مع الوضع الجديد ومع منافسه من خالل تعلم االستمتاع بمكانته

ولكن صدمة وجوب تقاسم كل شيء مع منافس آخر قد . أثناء اللعب" أكبرمر تأثيرها إلى عمر الشباب وحتى إلى عمر البلوغ، وقد تسبب عقدا يست

.نفسية عميقة لدى الشخص المعنيومن ردود الفعل النمطية للطفل الذي يضطر إلى التخلي عن مكانته المتميزة كمركز اهتمام العائلة أو إلى مقاسمة مكانته مع أخ جديد أو أخت

ويفهم من . ة سابقة من مراحل تطورهأو يعود إلى مرحل" يتراجع"جديدة، أن أن يرجع الطفل دون وعي إلى مرحلة سابقة كان قد تخطاها " التراجع"تعبير فنجده يعاود فجأة التبول في فراشه على سبيل المثال أو التلعثم في . بنجاح

وقد يلجأ لردود فعل معارضة وعنيدة بشكل من . الكالم أو قضم األظافرطفل في الثالثة من العمر مع أنه قد تخطى السادسة كأن يتصرف ك(األشكال

فيكون ذلك التبول في الفراش مثال تعبيرا عن حنينه في ). على سبيل المثالوبصورة . الالوعي إلى تلك الفترة السابقة التي كان فيها مركز اهتمام الجميع

أنه على- بعد أن أصبح نطقه تاما -مشابهة نفهم رجوع الطفل إلى التلعثم مؤشر واضح على حاجته الماسة إلى اهتمام وعطف أكثر بكثير مما يتلقاه في

وبالطبع ال نتكلم اآلن عن التلعثم ذي المنشأ العضوي أو . الوقت الحاضرلدى طفل كان قادرا على الكالم بصورة " تلعثم التراجع"العصبي، بل عن

الهتمام وأصبح سليمة وفقد هذه القدرة تحت تأثير نقص الحب والعطف وايتلعثم كما كان يفعل عند بداية تعلمه الكالم حيث كان يحظى بالرعاية

.واالهتمام الكبيرين ألنه كان الطفل المدللعلينا أن نقدم لهذا الطفل : وال شك أن حل هذه المشكلة واضح وبسيط

. القدر الذي اعتاد عليه من الحب والعطف واالهتمام وأن نظهر له ذلك كله

-١٠٥-

حظ حينئذ كيف ستختفي هذه العوارض بالسرعة التي ظهرت بها وسنال !).سيكون اختفاؤها سريعا نسبيا(

وعلى العكس من حال الطفل األول يجد الطفل الثاني نفسه منذ الوالدة ولذلك فهو ال يشعر بهذا . في وضعية التنافس مع أخيه األكبر أو أخته الكبرى

بل إنه يجد نفسه . ى مركز االهتمام الثانياالنتقال من مركز االهتمام األول إلمنذ البداية مجبرا على الكفاح للحصول على رغباته محققة وعلى االستفادة

النسبية ومن مشاعر اآلخرين نحوه لكي يفرض نفسه أمام " انبساطيته"من فحالما يصرخ تسرع األم لنجدته ظانة أن أخاه األكبر قد أخذ : منافسه األقوى

.ما أو أزعجه بأمر مامنه شيئا وما ينطبق على التطور النفسي للطفل الثاني ينطبق على تطور الفتاة

فكل من الفتاة والولد . التي تعيش وتترعرع مع أخ أو أكثر في األسرة الواحدةالثاني على حد سواء يميل عموما إلى النشاطات االجتماعية والقدرة على

وتجدر . من الطفل الذكر بين أخواته البناتإثبات الذات أكثر من الولد األول واإلشارة هنا إلى أن انطواء الطفل األول على ذاته يمكن أن يتعزز عادة بقدوم الطفل الثالث في األسرة، والذي بدوره سيميل إلى االنبساط أكثر من الطفل الثاني، إذ إنه ببساطة مجبر على كسب ود اآلخرين وفرض نفسه أمام

وبالمناسبة يبدو أن هذه الخبرة في مرحلة الطفولة تترك أثرها .منافسين اثنينأيضا على مهارة اإلنسان البالغ في الحفاظ على استقرار زواجه في وجه

إن حاالت الطالق في الزيجات التي : الضغوط، أكانت داخلية أم خارجيةن فيها يكون فيها أحد الطرفين ولدا وحيدا أكثر منها في الزيجات التي ال يكو

أي من الطرفين ولدا وحيدا، ألن األطفال الذين يولدون مؤخرا في األسرة يظهرون الحقا ثباتا نفسيا وعاطفيا أكبر في زيجاتهم بسبب توجهاتهم

.االجتماعية القوية نسبيا. ومن البديهي أن لألهل القدرة على التأثير الفعال في هذه التطورات

مرة أخرى إلى ضرورة سعي أهل الطفل الوحيد إلى وال بد هنا من اإلشارة

-١٠٦-

فالخبرة التي يكتسبها . إقامة عالقات تضمن لطفلهم تواصال مع أطفال آخرينالطفل الوحيد مع أنداده في الروضة أو في مجموعة أوالد الجيران وما إلى ذلك يمكنها بأقل تقدير أن تخفف من وطأة النتائج النمطية لنشوء الطفل

وعلى العموم يجب على األهل أن يعوا إمكانات التأثير المتعددة . الوحيدفقد ينفد . والمتشعبة التي يمتلكونها على تطور أطفالهم في مراحله المختلفة

على سبيل المثال صبر بعض البالغين بسبب أسئلة األطفال التي تنهال عليهم - لك ممكنا متى كان ذ-وهنا ينصح . بغزارة ال حدود لها في بعض األحيان

برد األسئلة إلى طارحيها بالشكل الذي يرفع من مستوى مشاركتهم في اإلجابة عنها، ما من شأنه أن يساهم مساهمة فعالة في تحقيق الذات لدى األطفال وفي

.توازنهم واستقرارهم النفسيوهكذا يتعلم الطفل أن ما يخطر في باله من أسئلة ال يجب دائما أن

آخرين، بل من الممكن أن يستخلص األجوبة عليها بنفسه تطرح على أشخاصوبقدر ما يتعلم الطفل اإلجابة على . من خالل التفكير والمالحظة والتجريب

أسئلته بنفسه، بقدر ما يتعلم حل مشاكله بنفسه واالعتماد على ذاته في إدارته ل، بل وال يقتصر طرح األسئلة على األطفا. لجميع أموره في المستقبل أيضا

ولكنه كشخص بالغ . إن البالغ أيضا يسأل إذا ما أراد الوصول إلى الحقائقيعتمد على نفسه ال يطرح أسئلته على اآلخرين، بل إنه يحاول توجيه أسئلته

مباشرة أي إنه يحاول إيجاد األجوبة على تساؤالته بنفسه من خالل " الواقع"إلى .ب في بيئته المجاورةالتفكير وقراءة الكتب والمالحظة والتجري

الرتبية هي بناء املواقف اإلجيابية احلياة -ذ

وفي هذا السياق نفهم معنى وأهمية األسس التي ينطلق منها البالغ وهذا ما قد يفاجئ -فالطفل . ويكون توقعاته في معاملته مع الطفل بناء عليها

الذي يرسمه له " الدور" يجسد على أرض الواقع وإلى حد بعيد - الكثيرين !البالغ ويسلك انطالقا من هذا الدور سلوكا يتفق مع تصورات الشخص البالغ

-١٠٧-

لنفترض على سبيل : وبوسعنا توضيح هذه الفكرة من خالل أمثلة عديدةيفتقر "المثال أن أحد المعلمين علم من زميل له أن طالبا من طالبه في الصف

ومن اآلن فصاعدا . كذب أو يسرق، فقد كشف مرات عدة وهو ي"إلى األمانةسينظر المعلم إلى هذا الطالب نظرة خاصة وسيراقب تصرفاته عن قرب وقد

فإذا أخذ هذا الطالب ممحاة من . يتهمه بالكذب في حاالت لم يثبت كذبه فيهاعلى مقعد زميله على سبيل المثال ليصحح رسما على دفتره، فإن المعلم

ويوبخ !") ن الشر يجب أن يقتلع من جذورهأل("سيسارع إلى التصرف بحزم وإن تكرار حدوث …الطالب ويطلب منه إعادة الممحاة واالعتذار من زميله

لدى الطالب " انعدام الصدق واألمانة"مثل هذه المواقف ال بد أن يقوي نزعة المتهم، ألنه يشعر أن المعلم يبحث عن إثبات على صحة حكمه المسبق عليه

إن هذا األثر الذي غالبا ما . وعي نحو تقديم اإلثبات المطلوبويتجه في الالوما . نجده في الحاالت السلبية، من الممكن أن نجده أيضا في االتجاه اإليجابي

!ضير أن نوظفه في هذا االتجاه عن قصد ودراية؟فمن خالل توجهنا إلى الطفل انطالقا من توقعنا أنه سيقوم بأعمال

أحبطنا أحيانا في توقعاتنا، ال بد أن نتوصل في نهاية إيجابية، حتى ولو إن سلطة التوقعات اإليجابية ! المطاف إلى أن يقوم الطفل فعال بما هو إيجابي

بالغة القوة وال تنحصر وال بحال من األحوال في مجال التربية، بل تتعداها جال الدعاية ففي م. إلى جميع ميادين الحياة االجتماعية والعالقات بين الناس

على سبيل المثال يمكننا من خالل اإلشارات اإليجابية تحقيق نجاح أكبر من النجاح الذي نحققه بالتركيز على الرموز السلبية أثناء محاولة إظهار أمر ما، وفي مجال عالقات الشراكة بين شخصين نجد أن العالقة تتأثر إيجابيا عندما

ألنه يكون بذلك قد عزز ( الطرف اآلخر يتوقع كل طرف األمور اإليجابية من !).احتمال حدوث هذه األمور اإليجابية

ويمكننا أيضا أن ننظر إلى تطور منطلقات التصرف االجتماعي لدى فمن الواضح لكل من تعامل مع األطفال الرضع : األطفال من هذا المنظار

-١٠٨-

لى أبعد وفي السن المبكرة أن اإلنسان في هذه المرحلة من حياته أناني إفالطفل الرضيع يصرخ ببساطة إذا كان ينقصه أمر ما وال يسأل عن . الحدود

راحة أمه وال يهمه إن كان الوقت غير مناسب أو كان اآلخرون نياما على ففي بداية تطوره . سبيل المثال، بل إنه يترك العنان لمشاعره األنانية وحسب

في مركز العالم وانطالقا من موقعه يكون اإلنسان إذا أنانيا، يرى نفسه وحيدا ومع مرور الوقت فقط يستوعب الطفل ! هذا يرى كل ما حوله موجها لخدمته

األناني أن لآلخرين أيضا رغباتهم الخاصة أيضا وأن التصرف السليم هو في الوصول إلى توافق يأخذ باالعتبار الرغبات الشخصية ورغبات اآلخرين في

علم الطفل الرضيع بعد محاوالت شاقة أن ينام أخيرا وهكذا يت. الوقت ذاتهطوال الليل وأال يصرخ إال في أوقات النهار ومن ثم يتعلم في مرحلة متقدمة أن يتكيف مع برنامج زمني معين أثناء النهار يناسب رغبات وظروف

.اآلخرين من حولهوال نستطيع أن نتوقع من الطفل أن يبدي مراعاة تامة لآلخرين في تصرفاته إال في مراحل متقدمة من مرحلة الطفولة وكنتيجة لسلسلة طويلة من

والمهم هنا أن نحافظ على توافق جيد . الخبرات والمؤثرات التربوية الموجهةمنا وتفهمن جهة بين ما نطلبه من الطفل في أن يكون سلوكه مقبوال اجتماعيا

وفيما بعد يشرع . أخرى من جهة لنزعته األنانية وبخاصة في بداية عمرهالطفل بتقليد البالغين من حوله عندما يراهم ينظرون إلى األمور من منظار

ولعل أهم . اآلخر أيضا ويتصرفون انطالقا من مراعاة رغبات اآلخر أيضاإجراء في هذا السياق هو بالطبع أن يعي الطفل عملية مراعاة رغبات اآلخر

وذلك من خالل ممارسة التخلي عن ). آلخرأن يضع اإلنسان نفسه في مكان ا(كأن يوضح البالغ : بعض الرغبات الخاصة أمام الطفل وشرح ذلك له صراحة

للطفل في وضع معين أنه يتفهم رغبته وأنه يتنازل عن تحقيق رغبته الخاصة وهكذا يتعلم الطفل تدريجيا ومن خالل التمثل باآلخرين . لصالح رغبة الطفل يتخلى أحيانا عن تحقيق بعض رغباته لصالح إرضاء أنه من المجدي أن

-١٠٩-

وبالطبع ال يكمل جميع الناس هذا التطور بنجاح، بل إن .رغبة إنسان آخرالكثيرين يبقون سنوات عديدة من حياتهم بعد البلوغ محتجزين في قفص

ومن البديهي أن يالقي أولئك األشخاص مصاعب جمة في . األنانية الطفولية !م أيضاتنشئة أطفاله

علم النفس والتعلم -٤

هل يتعلم التلميذ املدرسة ما يفيده احلياة العملية؟ -أ

إن مجال تعلم األطفال هو واحد من أكثر المجاالت إثارة للمشاكل وبالطبع يمكننا أن نطبق ما سبق ذكره في . والمصاعب في الحياة األسرية

تعلق بتحقيق الطفل لذاته على الفصل السابق من خبرات ومدركات وحقائق تولكننا نستطيع عالوة على ذلك أن . مشاكل التعلم إليجاد الحلول المناسبة لها

نضيف إلى تلك الخبرات والحقائق خبرات خاصة مستخلصة من سيكولوجيا .التعلم تفيدنا في تشكيل نظرة أفضل وأشمل عن مشاكل التعلم وكيفية حلها

ى أرض الواقع بمسألة إمكانية االستفادة تتعلق إحدى مشاكل التعلم علمن العلم المكتسب في مجال معين من مجاالت العلم في توسيع فهم مجال

وفي نهاية المطاف فإن الهدف األساسي من التعلم في المدرسة هو . آخرتطبيق ما تم اكتسابه من علم الحقا في الحياة العملية تطبيقا مستقال باالعتماد

وبالطريقة ذاتها ينظر أيضا إلى الدراسة الجامعية، فنادرا ما . طعلى النفس فقيكون الهدف منها الدراسة بحد ذاتها، بل إن طالب الجامعات يأملون أن يطبقوا ما اكتسبوه من علم ومهارات الحقا في الحياة العملية المهنية أو

مالحظة، التي وكم نسمع من األهل أو من المعلمين ال. الخاصة تطبيقا مثمرايراد منها كل الخير للتلميذ، والتي تقول بأن تعلم مضمون علمي ما، وإن بدا في الوقت الحاضر مزعجا وعديم الفائدة، ال بد أن تظهر فائدته في الحياة

ولكن الحقيقة أن الكثيرين من األوالد يجبرون أنفسهم على تعلم . العملية الحقا

-١١٠-

لعلمهم المكتسب تطبيقا في الحياة العملية ما يفرض عليهم آملين أن يجدواولكن العدد األكبر منهم ال يعرف الحقا ماذا يفعل بعلمه الذي اكتسبه في

ولسوء الحظ ليس هناك أي رابط مباشر بين النجاح في ! المدرسة والجامعةفالطالب الذي يحظى بالدرجات األعلى نادرا ما . الحياة والتفوق في المدرسة

.كثر نجاحا بين أنداده في الحياة الحقايكون األ

مسألة االنسحاب -ب لقد عكف علم النفس منذ زمن بعيد على دراسة مسألة االنسحاب الهامة جدا وخلص إلى أن انسحاب العلم المكتسب في مجال تطبيقي ما إلى مجال آخر واالستفادة منه ال ينجح إال في حاالت خاصة وتحت شروط معينة وال

وقد كان الناس سابقا . االنطالق من أن ذلك ممكن في الحالة العامةيمكنيعتقدون ذلك فعال ويعتقدون أن المرء إذا ما تعلم أمرا كان يستصعبه، فإن قدراته العقلية سوف تزداد من الناحية التقنية إلى الحد الذي تمكن معه

ال أفضل صاحبها من حل المشاكل التي يالقيها في المجاالت األخرى حومن الواضح أن هذا التصور مقتبس من فكرة التدريب الرياضي . وأسهل

وإننا . البدني وقد نرى أن هذا االقتباس منطقي ومبرر من حيث المبدأليصعب علينا أن نعطي سببا مقنعا يمنعنا من االفتراض أن من يجد ويجتهد

كاته أن تتطور ويصبح أقدر سنينا طوال لتعلم اللغة الالتينية، ال بد لقدراته وملولقد كان لنظرية التعلم التقني . على حل مسائل الرياضيات والفيزياء أيضا

اإلنسانية الجديدة " هومبولدت"التي نجدها على سبيل المثال في فلسفة Humboldtsche Neuhumanismus أثر كبير على بناء الهيكل التعليمي

وال . ك على نظام التعليم في ألمانيا ولم يقتصر ذل- للمدارس ألجيال عديدة تقتصر هذه الفلسفة على التركيز على إعطاء اللغة الكالسيكية فقط قيمة تقنية

على القيمة التقنية - وهذا هو األمر الجديد - عالية، بل إنها تركز أيضا . وللعلوم الطبيعية بصورة عامة) وبخاصة الهندسة وعلم المثلثات(للرياضيات

-١١١-

نا لم يتساءل مرة عن الفائدة التي يجنيها من حل المسائل الكثيرة ولكن من مفي علم المثلثات على سبيل المثال في التغلب الحقا على مصاعب الحياة

!المهنية والخاصة؟قد يحاول البعض إيجاد المبررات للتمسك بهذه الفلسفة في التعليم من

أن تساعد على تعزيز خالل التركيز على أن هذه التمارين الكثيرة ال بد. طاقات التفكير المنطقي والقدرات العقلية بصورة عامة لدى من يقوم بها

ولكن سيكولوجيا التعلم تظهر بوضوح ودون أدنى شك أن هذا التعليم التقني العام لم يثبت نجاحه قطعا في تحقيق غايته وأن االنسحاب ال يحدث فعال إال

المجال الذي تم التعلم فيه والمجال : مجالينإذا توفرت العناصر ذاتها في الفال شكل ). وآخرونTorndikeتورنديكه (الذي يراد تطبيق العلم المكتسب فيه

أن تمارين الهندسة تساعد على تعزيز القدرة على حل المسائل الهندسية التي تحتوي على العناصر ذاتها التي سبق للمتمرن أن تعامل معها أثناء التمرين؛

ك فإن تعلم اللغة الالتينية يسهل تعلم اللغة اإلسبانية ألن اللغتين تشتركان وكذلولكننا ولسوء الحظ ال نستطيع أن نتوقع من خالل . بالعديد من العناصر ذاتها

ذلك التدريب التقني ارتفاعا عاما في المهارات والقدرات كما كان سائدا من :وينتج عما سبق أمران مهمان هما. قبلعلينا رفض هذا العدد الكبير من التمارين التقنية المنهجية المفروضة على - أ

التالميذ والتي ال يجدون لها أية فائدة، والتركيز عوضا عن ذلك على وال بد هنا من اإلشارة إلى . المقررات والتمارين القريبة من الحياة العملية

!تنتظر التطبيقأن هذه النتيجة المنطقية والبالغة األهمية ال تزال علينا أال نفهم من ذلك أن علينا االقتصار على تعلم ما يمكن تطبيقه - ب

فحسب، ما يعني على سبيل المثال أن نتخلى عن درس التاريخ ودروس . بعض المواد األخرى التي ال تجد تطبيقا مباشرا في العديد من المهن

تالميذ، ألن البعد فذلك سيؤدي حتما إلى تسطح بالغ في فكر ومواقف ال

-١١٢-

التاريخي تحديدا هو الذي يمنح الناس الحقا الصلة بالجذور والثبات وعالوة على ما سبق قد يؤدي االكتفاء . واالستقرار والتمسك بالمبادئ

بتعلم المواد التي تجد لها تطبيقا في الحياة العملية إلى تخصص مفرط نئذ سيكتفي بتعلم المواد يبدأ من صفوف المدرسة األولى ألن كل تلميذ حي

وهذا . التي تفيده فائدة مباشرة في اختصاصه في مسيرة حياته الالحقةسوف يعني أن التواصل بين االختصاصيين في االختصاصات المختلفة يصبح مستحيال، حيث إن كل مجموعة متخصصة ستطور لنفسها لغة

لمجموعة اختصاصية خاصة بها ال يفهما أحد سوى من ينتسب إلى هذه ا .وهذا ما سيزعزع بناء المجتمع اإلنساني ويشكك في جدواه. بالذات

إن حقائق وخبرات علم النفس التي تتعلق باالنسحاب تشير إلى أن المهم هنا هو تدريب المتعلم على اكتساب القدرة على رؤية العناصر

أسسها، فإذا ما رجع المرء باألشياء إلى. المتطابقة في المجاالت المختلفةفإنه سيكتشف أن العناصر المتطابقة كثيرا ما توجد حتى بين المجاالت

ومن يحصل على . التي ال تبدي من النظرة األولى أي تشابه أو تطابقهذه القدرة على النظر الثاقب إلى األمور واكتشاف العناصر المتطابقة،

وغيره " هومبولدت"يكون قد أثبت صحة نظرية التعلم الهيكلية للعالم وتكون المدارس الثانوية العامة بالنسبة له منهال حقيقيا للعلم الذي يمكن

وبالطبع فإن نظام المدرسة .تطبيقه في جميع المجاالت وفي كل األزمان واألفضل أن تتقبل األطفال ابتداء من -التي تعلم األطفال طوال اليوم

ظيما سليما وكانت تعمل إذا ما كانت منظمة تن-سن الثالثة أو الرابعة بشكل جيد، هو نظام مناسب جدا، وبخاصة بالنسبة لألمهات العامالت واآلباء العاملين، من أجل انسحاب الخبرة المكتسبة في وضعية تعليمية

ولكن نجاح هذا النهج التعليمي ال يتعلق . ما إلى وضعية تطبيقية جديدةتلك . قه بطريقة التدريسبصورة عامة بشكل النظام المدرسي بقدر تعل تحت إشراف منظمة PISAهي إحدى النتائج التي أظهرتها دراسة بيزا

-١١٣-

، والتي أظهرت أيضا أن التالميذ OECDالتعاون االقتصادي والتطوير األلمان لم يحققوا نتيجة جيدة بالمقارنة مع التالميذ اآلخرين مما يدل على

لمقارنة مع بقية الدول في تدني مستوى طريقة التدريس في ألمانيا با !أوروبا

وتطبيقها تطبيقا سليما" اإلفراط في التعلم"طريقة -ت ولكن ما هي الطريقة المثلى لنجعل الطالب قادرا على رؤية العناصر المتطابقة التي تشترك بها وضعيتان مختلفتان؟ لعل هذا السؤال يتوجه إلى

والجواب عليه يكمن في التأكيد . مسألة جوهرية في علم النفس بصورة عامةعلى ضرورة االبتعاد عن طريقة التعلم غير الفعال، حيث يقوم التلميذ أو

، أو "اإلفراط في التعلم"الطالب بتلقي المعلومات وحفظها، واالتجاه إلى طريقة طريقة التعلم الفعال، حيث يقوم التلميذ نفسه باستيعاب المعلومات استيعابا

تطبيق فكرة أساسية واحدة في حل عدد كبير من المسائل فعاال من خاللفالمطلوب من التلميذ إذا ال أن يدرس . المتنوعة في مجاالت متعددة ومختلفة

فكرة أو مسألة معينة حتى يفهمها أو يصبح متمكنا من حل الوظائف المعتمدة ألة عليها بسرعة وحسب، بل أن يتوسع في فهم العالقات التي تربط هذه المس

وفكرتها األساسية بالمواضيع األخرى أي أن يستوعب هذه الفكرة استيعابا فعاال من خالل تجسيدها بأشكال مختلفة ومن خالل تطبيقها لحل مسائل

هو الجوهر الحقيقي " اإلفراط في التعلم"إن هذا . مختلفة ومتنوعة أخرىعليم التي تزداد ألن هذا النوع من التعلم هو الذي يجعل معضلة الت. للتعلم

والتي تحاول تغطية المضامين (صعوبة بالنمو المطرد لكمية المواد التعليمية فال يكمن الحل في إجبار التالميذ على تلقي : قابلة للحل) التعليمية المتزايدة

وحفظ هذه الكمية المتزايدة من المعلومات، بل في تعلم كمية محدودة من وهناك ! بمساعدة طريقة اإلفراط في التعلمالمضامين المختارة تعلما فعاال

ليسوا دائما " والعبقريين"العديد من األمثلة التي تثبت أن األشخاص الناجحين

-١١٤-

، بل إنهم أشخاص استوعبوا عددا قليال نسبيا من المضامين "كثيري المعرفة"ك استيعابا مكنهم من استيضاح العناصر المتطابقة المتعلقة بتل" الجوهرية"

المضامين في جميع المسائل األخرى تقريبا، مما مهد إليجاد الحلول المناسبة ويعتمد هذا الفهم . لها دون أن يكونوا قد تطرقوا إلى تلك المسائل من قبل

العميق والتفكير الخالق والقدرة على اإلبداع في نهاية المطاف على تمارين عتبار بالطبع الفوارق بين خاصة بطريقة اإلفراط في التعلم مع األخذ باال

. األفراد والمحددات الشخصية لكل فرد والتي تحد من قدرته على االستيعابومن هنا فإن اختيار مضامين التعليم األساسية المناسبة لطريقة اإلفراط في التعلم يجب أن يكون جوهر خطة التدريس الحديثة والمؤسسة التدريسية

.بصورة عامةة االنسحاب التي تنصح بها سيكولوجيا التعلم وإن نجاح تطبيق فكر

يعتمد كليا وبصورة أساسية على توفر خصائص معينة في الشخص المسؤول ومن أهم ). أكان هذا الشخص معلما أم كان أحد الوالدين(عن تعليم الطفل قدرته على التحفيز واستعداده لاللتزام بعدم ) بالمعنى الواسع(مواصفات المعلم

باالعتماد - إلى مضمون جديد قبل ضمان استيعاب المضمون السابق االنتقال استيعابا يسمح للطفل بالتعرف على العناصر - على طريقة اإلفراط في التعلم

المتطابقة المتعلقة بهذا المفهوم وبتطبيق فكرة االنسحاب على مواضيع تطبيقية ا بالحماس لتعليم وهذا يعني أن المطلوب من المعلم ال أن يكون مفعم. أخرى

، بل أن يكون )نحو مواضيع الجغرافيا وغيرها(التالميذ الكثير من المضامين وذلك . حماسه موجها نحو تعليم التالميذ المضامين الجوهرية تعليما فعاال

باالعتماد على فهم المعلم واستيعابه للعمليات التربوية والتعليمية التي ترتكز ويمكننا في هذا السياق مقارنة المعلم أو . التعلمعليها طريقة اإلفراط فيفال بد للبائع أن يكون معجبا ومقتنعا بمنتجه إلى : المربي بالبائع أو المبشر

ألن ذلك يصب في -الحد الذي يشعر معه أن عليه إقناع اآلخرين به وال بد للمبشر أن يكون مفعما باإليمان . حتى ينجح في بيع منتجه-مصلحتهم

-١١٥-

ومن المنطلق ذاته نجد أن . الفكرة التي يريد التبشير بها لكي يكون مقنعاب .على المعلم أن يكون متحمسا لفكرة اإلفراط في التعلم حتى ينجح في تطبيقها

وعالوة على ذلك ال يجب على المعلم أن يلم بمادته التعليمية فحسب، والمعلم . تبط بهابل أن يمتلك فكرة شاملة عن جميع مواد التعليم التي تر

الخيط "المثالي هو المعلم الذي يتمتع بالقدرة على فهم جوهر األمور ورؤية مع االبتعاد بالطبع -الذي يربط أكبر عدد ممكن من المواد التعليمية " األحمر

متميز في " رجل اختصاص" ولكنه ليس بحاجة ألن يكون - عن التسطح عمق المادة مستخدما تعابير المادة التي يدرسها لدرجة أنه يدخل في

رجل "فبينما نرى أن . تخصصية ال يفهمها سوى أنداده من ذوي االختصاصيمتلك بصورة عامة القدرة على دفع المستمعين إلى نوم عقلي " االختصاص

ألنه منغمس في مجال اختصاصه إلى الحد الذي (عميق دون أن يالحظ ذلك المعلم "، نجد )وآراء مستمعيهيجعله ال يملك أية صلة بمشاكل وأفكار

قادرا على التوجه إلى االهتمامات اللحظية لتالميذه وإلى دوافعهم " الجوهريوعلى مخاطبتهم بالطريقة التي تشد المستمعين وتحفزهم وتشبع رغباتهم

وهذا ما سيمأل شخصية المعلم وبصورة . التعليمية وتحثهم على تعلم المزيدفال . الذي ينشأ من التفاعل اإليجابي مع التالميذتلقائية بشيء من التواضع

السخرية وال التكبر أو التعجرف الفكري يتفقان مع التعامل التربوي السليم مع الشباب، بل على العكس من ذلك يجب على المربي أو المعلم أن ينطلق من ذكاء طالبه وعبقريتهم ويعي أن مهمته تكمن في التحضير السليم وإفساح

وهذه النمطية في التفكير . لهذا الذكاء وتلك عبقرية أن يتفتحا ويزدهراالمجالهي القاعدة السليمة للتوجه األخالقي السليم لشخصية المعلم والتي تفوق قدراته ومهاراته العلمية واالختصاصية أهمية، مع أن تلك الخبرات والمهارات هي

علم أو المربي أن يتذكر وعلى الم. بالتأكيد من المتطلبات األساسية لمهنتهليس المهم أن يعلم طالبه علما مجردا، بل المهم أن : دائما مهمته األساسية

توظف مضامين التعلم في مساعدتهم على اكتساب أشكال جديدة من السلوك

-١١٦-

المجدي والمثمر من خالل تدريب المتعلمين على تطبيق ما اكتسبوه من علم رى تطبيقا خالقا يكسبهم القدرة على حل في وضعية ما على الوضعيات األخ

.مشاكلهم اليومية بتمكن

التعلم هو تغير في السلوك -ث كيف يمكننا وصف عملية التعلم : وهنا يطرح السؤال التالي نفسه

وتحليلها تحليال نفسيا؟ وإذا تساءلنا في البداية عن ماهية التعلم بصورة عامة، عملية تغير في سلوك - )١(ل نظرية التعلم ودون الدخول في تفاصي-نجد أنه

ومن هذا المنطلق يمكننا أن ننظر إلى الحياة . كائن ما بناء على خبرة اكتسبها" الحياة"على أنها سلسلة من عمليات التعلم، وحتى إننا نستطيع أن نقول بأن

مساواة تامة، بغض النظر عما إذا كنا نتعلم عن قصد وعن " التعلم"تساوي إننا نصحح على سبيل المثال . أم كنا نتعلم في الالوعي ودون قصدوعي،

وباستمرار مواقفنا وتصرفاتنا ونوجهها بصورة عامة وفق ما نكتسبه من فالطفل الذي يمد يده لعوبا إلى شعلة الشمعة من شدة إعجابه . خبرات

ل بتراقصها وتوهجها، ال يكتفي بسحبها مسرعا في هذه المرة من شدة ألمه، بإنه سيتعلم أال يمد يده إلى الشعلة مرة ثانية في المستقبل وأن يكتفي بالنظر

وقد يطبق الطفل خبرته هذه في تعامله . إليها والتمتع بها من على مسافة آمنة كشعلة مدفأة الحطب على سبيل - مع األنواع األخرى من الشعلة المفتوحة

ومع أننا ال نستطيع . ويحاول تجنب أي تماس مباشر مع النار-المثال عن سابق " تفادي التماس المباشر مع النار"االدعاء أن الطفل أراد أن يتعلم

قصد وتصميم، فمن المؤكد أن هذا السلوك المكتسب الجديد مبني على أساس إذا إن ما حدث هو تغير حقيقي . خبرة الطفل السابقة مع شعلة الشمعة

ومن ناحية أخرى فإن الطالب . قةلسلوك الطفل مبني على أساس خبرة ساب

١٦، الطبعة ١٩٧٧سيكولوجيا التعلم، دوناوفورث، : كورل. ف )١(W. Correll: Lernpsychologie, Donauwörth, 1977, 16. Aufl.

-١١٧-

عندما يتعلم، بتوجيه مقصود ومدروس من مدرسه، أن حاصل ضرب العدد ويحظى بالثناء على ذلك، فإن سلوكه يتغير نتيجة لذلك ألنه ٤ بنفسه هو ٢

من اآلن فصاعدا سوف يجد اإلجابة الصحيحة على هذا السؤال وغيره من .األسئلة المشابهة

الطالب الذي يتعلم حاصل : بين المثالين السابقينولكن الفرق واضح. بنفسه، والطفل الذي يتعلم تفادي التماس المباشر مع النار٢ضرب العدد

فالفرق يتجلى مثال في مدى مشاركة الذكاء في تغير السلوك، وذلك على مرة على مستوى تحريكي ومرة على مستوى لفظي - مستويين مختلفين

.معرفي

بين الحاث واالستجابة هو عملية تعلمالربط -ج وإذا أمعنا النظر في عملية التعلم، فإننا سنتمكن من تحديد اآللية األولى من آلياتها عندما ننظر إليها كتغير في السلوك بناء على ربط

مع حاث آخر ١فعندما نقدم بتكرار حاثا ما ح: الحاث أو المنبه باالستجابةر استجابة معينة ج، فإن االستجابة عينها ج من المعروف أنه يثي٢ح

وفي غياب ١ستظهر بعد حد معين من التكرار بمجرد تقديم الحاث حوعندئذ نقول بأن ربطا أو اقترانا مشروطا قد نشأ بين الحاث . ٢الحاث ح

في تجربته الشهيرة كيف " Pawlowبافلوف "لقد أظهر . واالستجابة ج١ح ولم يكن يفعل ذلك ٢ا ج استجابة لتقديم الطعام حأن كلبا، كان يفرز لعاب

، تعلم بعد تكرار تقديم الحاثين ١في بداية األمر استجابة لقرع الجرس ح خمسا وعشرين مرة أن يفرز اللعاب ج بمجرد قرع ٢ و ح١معا ح

فالكلب إذا قد تعلم من خالل ربط . ٢ فقط دون تقديم الطعام ح١الجرس حلقد . منفردا١يبدي رد الفعل ج استجابة للحاث ح أن ٢ و ح١الحاثين ح

١طور الكلب استجابة مشروطة ج نتيجة لتكرار تقديم الحاث الحيادي ح .٢مقرونا بالحاث غير المشروط ح

-١١٨-

وتخف استجابة إفراز اللعاب ج وتختفي كليا إذا ما قدم للكلب الحاث

وتنطبق هذه الخبرة المكتسبة من التجارب . طويل لوقت٢ دون الحاث ح١ح - على الحيوان على عملية تعلم اإلنسان أيضا، فعلى األقل في مرحلة الطفولة

يتعلم اإلنسان أن يستجيب -ولكن إلى حد ليس بالقليل في مرحلة البلوغ أيضا مشي تعلم ال(على حاث ما استجابات آلية تلقائية يتعلمها بالتدريب والتكرار

.)١()لدى األطفال وتعلم قيادة السيارة لدى البالغين

التعلم من خالل التجريب والخطأ -ح تبقى أهمية التعلم التي تعتمد على االستجابة المشروطة محدودة عموما في مجال التعلم المدرسي وتعلم البالغين، ألننا ال نجد هنا عادة أن رد

. وحيد، بل لمجموعة من المنبهاتفعل معين يأتي استجابة لحاث أو منبه وعلى األقل ال نستطيع عزل حاث واحد يكون السبب الوحيد الستجابة معينة

إذا فالحالة العامة ال . على سبيل المثال" بافلوف"كما هي الحال في تجربة تكون في نشوء استجابة معينة ردا على حاث محدد، بل في نشوء

لة ال نستطيع تحديدها وعزلها عن االستجابات المختلفة ألسباب مجهوالتركيب العام للحالة، ولكننا نالحظ أن االستجابات الناجحة والتي تؤدي إلى

أي سيتم (نتائج محمودة هي التي ستتكرر وتدخل في السلوك المستقبلي

، دوناوفورث، "سيكولوجيا التعلم: "كورل. ف: انظر للمزيد حول هذا الموضوع)١( ١٦، الطبعة ١٩٧٧

W. Correll: Lernpsychologie, Donauwörth 1977, 16. Aufl.

، الطبعة العاشرة،١٩٧٦، دوناوفورث، "مدخل إلى علم النفس التربوي: "وكذلك للكاتب نفسهW. Correll: Einführung in die Pädagogische Psychologie, Donauwörth 1976, 10. Aufl.

ج ١ح

٢ح

-١١٩-

تنشأ ردا على ) trial and error(وفي ميدان سلوك التجريب والخطأ ). تعلمها متعددة، تكون بينها واحدة ناجحة، وهذه االستجابة حالة معينة استجابات

الناجحة تدعم وتؤكد وتكرر حتى تصبح جزءا من سلوك وعادات الشخص، .أي حتى يتم تعلمها

التعلم من خالل الفهم واالستيعاب -خ وأخيرا فإن هذا الشرح البسيط لعملية التعلم ينقصه عنصر مهم جدا

علم اإلنسان، يساوي في أهميته آليات التعلم األخرى، لتفسير العملية النمطية لتأي (كطريقة االستجابة المشروطة وطريقة التجريب والخطأ وطريقة التقوية

، والتي تحتفظ بأهميتها وصالحيتها في مجاالت التعلم )١()التشجيع المشروطويرتكز هذا العنصر المفقود إلى تأثير . اإلنساني والحيواني على حد سواء

فهم وتأثير إدراك العالقات التي تربط بين المعطيات والمدركات ومدى الجدواها، هذه المؤثرات التي لم يكن لها ذلك الوزن فيما تطرقنا إليه حتى اآلن

فعندما يبدي شخص ما استجابته ال على أساس تكرار حاث . من آليات للتعلمتربط بعضها معين فحسب، بل ألنه قد أدرك المعطيات والعالقات التي

ببعضها اآلخر وفهم جدوى التصرفات المحتملة من خالل تصور تبعاتها والحكم عليها، فإن ذلك الشخص ال يحتاج إلى ذلك العدد الكبير من تكرار الحالة أو الوضعية ذاتها حتى يتعلم السلوك الصحيح وفق الطريقة األولى

ذلك التعدد في تجريب ، كما إنه ال يحتاج إلى )طريقة االستجابة المشروطة(). طريقة التجريب والخطأ(أشكال السلوك كما هي الحال في الطريقة الثانية

وذلك ألن الشخص الذي يبني سلوكه على أساس االختيار الفكري للسلوك األمثل يصيب الهدف بسرعة ويختار أجدى وأفضل تصرف يالئم الحالة

إذا إن هذا التصرف . نجاحهالراهنة ويقوي بعد ذلك هذا االختيار كلما تكرر

.، الطبعة السادسة١٩٧٦، ميونخ، "سيكولوجيا السلوك من المنظار التربوي: "كورل. ف )١(W. Correll: Pädagogische Verhaltenspsychologie, München 1976, 6. Aufl.

-١٢٠-

المبني على اإلدراك والفهم إنما يعكس عملية التجريب والخطأ الخارجية على دون الحاجة لتطبيق جميع أشكال السلوك المختلفة - مستوى داخلي فكري

ويخرج بالنتيجة األفضل ليطبقها مباشرة على أرض -على أرض الواقع ولكن ذلك ال ينجح إال إذا كان . هد والوقتالواقع، موفرا بذلك الكثير من الج

. الكائن المعني باألمر قادرا على فهم وإدراك المعطيات والعالقات فيما بينهاوفي غياب هذه القدرة على االستيعاب والفهم يلجأ ذلك الكائن تلقائيا إلى

.طريقة التجريب والخطأ يستطعن فعلى سبيل المثال لو حجزنا عددا من القطط في قفص ال

الخروج منه إال بشد حبل معين متدل من السقف ومربوط عبر بكرة بغطاء يفتحه إذا ما شد إلى أسفل، لوجدنا أن القطط ال تصلن إلى الحل إال بمحض

ولكن مجموعة . المصادفة وبعد عدد كبير من محاوالت التجريب والخطأتجربة في القفص القطط ذاتها ستصل إلى الحل في وقت أقصر إذا ما كررنا ال

وهكذا ينقص الوقت الالزم للوصول إلى الحل حتى ينعدم في نهاية . ذاتهالمطاف حيث نجد أن هذه المجموعة قادرة على فتح الغطاء والخروج من

لقد تعلمت مجموعة القطط حل المشكلة -القفص بعد احتجازها مباشرة ألدرك بكل تأكيد، ولو وضعنا طفال في هذا القفص. بطريقة التجريب والخطأ

خالفا لمجموعة القطط، وبسرعة كبيرة العالقة التي تربط الحبل المتدلي من السقف بالبكرة وبالغطاء والتجه مباشرة ودون تجريب إلى الحبل لكي يسحبه

إنه ككائن قادر على التفكير ينجز في مخيلته ما أنجزنه القطط . ويحرر نفسهويتوصل إلى الحل ذاته ولكن بسرعة على أرض الواقع من محاوالت عدة

ولكن الطفل إذا ما . لقد حل الطفل المشكلة بالتفكير واالستيعاب والفهم-أكبر وضع في موقف أصعب وأكثر تعقيدا، كأن يقف مستعجال أمام باب مقفل وفي يده عدد كبير من المفاتيح، فإنه يلجأ مباشرة وبصورة تلقائية إلى طريقة

ويجرب المفاتيح واحدا تلو اآلخر دون أية خطة حتى يدخل التجريب والخطأ .أخيرا وبالصدفة المحضة المفتاح المناسب

-١٢١-

طريقة االستجابة المشروطة : لقد وصفنا فيما سبق ثالث طرق للتعلمالتعلم (وطريقة التجريب والخطأ ) تكرار المنبهات واالستجابة المرتبطة بها(

التفكير ( وطريقة التعلم من خالل الفهم )من خالل النجاح وتكراره وتقويتهوفي كل حالة من حاالت ). واستقراء الحلول الممكنة استقراء فكريا وعقليا

الواقع تقرر الظروف الخارجية والبيولوجية أية طريقة من طرائق التعلم ولعلنا نحسن فعال إذا نحن حاولنا تأمين أكبر عدد . الثالث هي الطريقة األمثل

الشروط التي تساعد على تطبيق مختلف طرق التعلم مجتمعة، كأن ممكن من نضمن زيادة تكرار مضامين التعلم من ناحية وشرحها شرحا مفصال من ناحية أخرى إضافة إلى تأمين أكبر قدر ممكن من لحظات الشعور بالنجاح

ويبقى الثناء على ما تم إنجازه بنجاح أفضل من التوبيخ على . المشجعة إذا ما أتى هذا التوبيخ على شكل نقد - ولكن ما يفوق التوبيخ أذى .الفشل

وفي جميع األحوال ال يصل . هو تجاهل ما تم إنجازه بنجاح-بناء وشخصي المتعلم إلى مرحلة اإلتقان التام إال بتكرار التصرف أو سلسلة التصرفات

مكن أن يخفض المطلوب تعلمها تكرارا كافيا، ولكن عدد المرات التي تكفي ي. تخفيضا كبيرا إذا ما شرحت تلك التصرفات شرحا واضحا يفهمه المتعلم

وهكذا فإن صياغة الشرح المناسبة لعمر المتعلم ومستوى ذكائه ال يعتبر نصيحة ينصح بها علم النفس لتفادي اإلحباط والقنوط وحسب، بل إنها نصيحة

.اقتصادية أيضا توفر الكثير من الجهد والوقت

اإلرادة والنظام واالنتباه هي متطلبات أساسية لعملية التعلم -د سنناقش فيما يلي أهم العوامل التي تؤثر في عملية التعلم وتتحكم بنجاحها وتعتبر من متطلباتها األساسية، ولكننا نود بداية أن نشير إلى ظاهرة

.تعد مثاال نمطيا للكثير من الحاالتحة كتاب أمام عينيه تحتوي على قصيدة شعرية عندما يمسك المرء بصف

ويقرؤها ربما مئة مرة، فإنه قد ال يكون قادرا في نهاية المطاف أن يكتب ولو

-١٢٢-

وبالمقابل عندما يعتزم المرء حفظ . بيتا واحدا من هذه القصيدة عن ظهر قلبقصيدة مشابهة عن ظهر قلب، فقد يكفي أن يقرأها بتمعن عشرين مرة فقط

من الواضح أن الحالة الثانية هي مثال على . تبها كاملة دون أي خطأحتى يكالتعلم المقصود المرتبط باإلرادة، بينما تمثل الحالة األولى التعلم في غياب

وبإمكاننا أن نستنتج من الظاهرة السابقة أن توفر اإلرادة . اإلرادة والقصدعامة فإن قراءة نص وبصورة . للتعلم هو متطلب أساسي لنجاح عملية التعلم

ما دون توفر اإلرادة والتصميم على حفظ هذا النص سيؤدي إلى مستوى من الحفظ أدنى بكثير من المستوى الذي تحققه القراءة المدفوعة باإلرادة

فعلى سبيل المثال . والتصميم على الحفظ والترتيب المنطقي للنص المقروءأي قراءة مقرونة باإلرادة (عندما يقرأ المرء مقطعا من النص قراءة حفظ

، فإنه يستوعب من المرة األولى بعض المضامين ويحاول استعادتها )للحفظمرة أخرى من ذاكرته ومقارنتها مع النص المكتوب ويحصل على تأكيد صحة حفظ جزء من المقطع وعلى تصحيح للجزء اآلخر، ولكنه يحصل أيضا

بر من الخبرة والتجربة مما لو من خالل هذا النوع من القراءة على قدر أك .قرأ النص قراءة سطحية تفتقر إلى اإلرادة للحفظ

. وللترتيب المنطقي للكلمات والجمل تأثير مهم في عملية التعلم أيضاوتجدر اإلشارة إلى أن المنطلق الذي تنسب إليه وترتب وفقه األشياء يجب

وتتضح . المتعلمأن يكون بالطبع الترتيب المنطقي المعتاد لدى الشخص أهمية الترتيب المنطقي المعتاد مثال عندما يقارن المرء الوقت الذي يحتاجه

نحو ألف، باء، تاء، ثاء (لتعداد حروف األبجدية بالترتيب المنطقي المعتاد تظهر ! بذلك الوقت الالزم لتعداد األحرف من الخلف إلى األمام) الخ…

الحالة الثانية أطول من الوقت الالزم نتائج المقارنة أن الوقت الالزم في !في الحالة األولى بثالث مرات

إذا عندما نريد عرض أمر ما هادفين وفق سيكولوجيا التعلم إلى أن يتقبله اآلخرون، علينا أن نعرضه بما يتفق مع الترتيب المنطقي المعتاد لدى

-١٢٣-

ة عن سيكولوجيا فعلى سبيل المثال يعني تطبيق هذه الحقيقة المنبثق. المستمعيناشتر سيارة من النوع س ع الجديد، : "التعلم في مجال الدعاية أن نص الدعاية

أقل جدوى من النص !" إذا كنت ترغب في السفر بأمان وسرعة وراحة بالإذا كنت ترغب في السفر بأمان وسرعة وراحة بال، فاشتر سيارة : "اآلخر

طقي لدى المتلقي هو أنه يرغب ، ألن الترتيب المن!"من النوع س ع الجديدأوال في السفر بأمان وسرعة وراحة بال، ومن ثم قد تتولد لديه القناعة في

.شراء النوع الجديد من السيارات الذي يوفر له ذلك كلهوبينما نجد أن المرء يستطيع من حيث المبدأ أن يتعلم دون أن يعير

، نجد أنه غير قادر على موضوع التعلم الحد األقصى من اليقظة واالنتباهإخراج ما تعلمه من ذاكرته أو تطبيقه عن قصد إال إذا كان قد تعلمه تعلما

فما تم تعلمه عن غير قصد أو عن وعي . مقصودا وبكامل يقظته وانتباههمنقوص ال يمكن استدراكه أو تطبيقه بصورة مقصودة، ولكن قد يستذكره

فعلى سبيل المثال قد . عي كاملالمرء ويتمكن من تطبيقه دون قصد أو ويتعرف المرء على اسم كان سمعه عن غير قصد وال انتباه إذا ما ظهر بين

كأن يختار صنفا معينا من أصناف المنظفات (مجموعة أسماء غير معروفة إذا ما وضع بين أصناف ال يعرفها، وذلك فقط ألنه قد سمع باسمه وشاهد

).على شاشة الرائي بتكرارشكله عن غير قصد في اإلعالنات وهنا يتساءل المرء عن العوامل التي تؤثر في لفت االنتباه إلى . مواضيع معينة بغض النظر عن إرادتنا الواعية والمقصودة وفي غيابها

وهذا السؤال ال يقتصر في أهميته على العملية التعليمية فحسب، بل يتعداها نحو الدعايات في (تطبيقي إلى مجاالت أخرى من مجاالت علم النفس ال

حقل التسويق، والزخارف التي تلفت االنتباه على الطرقات السريعة وموضوع الترتيب المجدي لشاخصات اإلنذار في حقل المواصالت

).والمرور وما إلى ذلك

-١٢٤-

محددات االنتباه الموضوعيةبوسعنا في هذا السياق أن نذكر المحددات الموضوعية الستة التالية

:اه والتي ال تتعلق كثيرا بشخص المتلقيلالنتب. إن الحركة والتغيير يشكالن عموما المحدد الموضوعي األكثر أهمية -أ

ويفهم تحت هذا البند حركات الوجه والجسد المتغيرة باستمرار للشخص كما يضاف إلى ذلك . المتحدث إضافة إلى تغيير طبيعة صوته وشدته

فما سبق ذكره يجعلنا . محال التجاريةإشعال وإطفاء أضواء واجهات الننتبه ونلتفت بصورة الإرادية إلى مصدر الحركة أو التغير، بينما ال ! يثير انتباهنا ما هو ساكن ويصعب علينا إدراكه وقد ال نراه أصال

والحيوانات المفترسة أيضا ترى الفريسة المتحركة وتنقض عليها، بينما . عموما في مأمن من االفتراستبقى الفريسة الثابتة الساكنة

وقد يستمد العامل الثاني وهو عامل الحداثة والتفرد تأثيره من عامل -ب إذ إن الشيء المتفرد والجديد هو ما يختلف عن . الحركة والتغير أيضا

وبينما يرتبط . سواه مما سبقه، وهذا االختالف هو نوع من التغييرمل الحداثة والتفرد يدل على تغير بالتغيير انزياح في المكان، فإن عا

.نوعي ال على تغير مكاني ولذا فضلنا ذكره في بند مستقلفإذا ما تساوى غرضان بجميع . وأما العامل الثالث فهو عامل الحجم -ت

الصفات األخرى ما عدا الحجم، نجد الناظر يلتفت تلقائيا إلى الغرض األكبر على الجدار نظر فعلى سبيل المثال تشد اللوحة. األكبر بينهما

كما بات من المعروف في . الطالب في المدرسة بصورة شبه الإراديةمجال الدعاية الصحفية أن اإلعالنات التي تمأل مساحة الصفحة تكون

ومن ناحية أخرى لقد بات من . أقوى تأثيرا من اإلعالنات الصغيرةه فحسب، بل المعروف أيضا أن فعالية اإلعالن ال تتوقف على مساحت

ومع ذلك نستطيع القول . إنها تتحدد بسلسلة طويلة من العوامل األخرى

-١٢٥-

بأن فعالية اإلعالن في الجريدة، إن لم يكن يتناسب طردا مع كل مساحته، فإنه يتناسب طردا مع الجذر التربيعي لمساحته أو لعدد

.السطور التي يحتلهانتباه من شدة المنبه أو وينطلق العامل الرابع من عوامل جذب اال -ث

فالرعد على سبيل المثال قادر على اختراق أكثر لحظات االنتباه . المؤثروال يتوقف األمر . تركيزا وجذب كل االنتباه نحوه ولو للحظات قليلة

على المؤثرات الصوتية فقط، بل إن ما سبق ذكره ينطبق أيضا على بالطبع يتعلق تأثير و. المؤثرات الضوئية ومؤثرات الرائحة وسواها

فنجد على : الشدة بمستوى شدة الخلفية التي تتزامن مع حدوث المؤثرسبيل المثال أن مطرقة الهواء المضغوط قادرة على أن تجذب كل االهتمام إذا ما بدأت الطرق في جو هادئ تماما، ولكنها قد ال تسمع وقد

ذاته ويفوق ضجيجه ال تنبه إذا كان بالقرب منها مثقب يعمل في الوقت وهكذا نصطدم مرة أخرى في سياق . الضجة التي تحدثها المطرقة

حديثنا عن عامل الشدة بعامل الحداثة أو التغير الذي سبق ذكره في وتكفي اإلشارة هنا أيضا إلى تأثير األلوان المركزة . األسطر السابقة

ال ولفت واستخدامه في تشكيل وبناء الدرس في المدرسة على سبيل المثانتباه الطالب إلى ما نريدهم أن يركزوا اهتمامهم عليه، ذلك األثر الذي

ومن الممكن . يوظف توظيفا مقصودا منذ زمن بعيد في مجال الدعايةوالمفيد من حيث المبدأ أن تطبع المقاطع األهم في الكتب المدرسية

ذلك في بألوان مركزة ومتعددة عوضا عن االكتفاء باللون األسود، و .جميع المراحل المدرسية

ونقصد بهذا . وعلينا أال ننسى أيضا عامل االمتداد الزمني والتكرار -ج إلى الشيء - إلى حد معين -العامل ما نالحظه بأن اهتمامنا يتوجه

وهكذا ال . وبعد هذا الحد يختفي االهتمام ويظهر االعتياد. المتكررنية محددة تكتكة ساعة الحائط نالحظ على سبيل المثال بعد فترة زم

-١٢٦-

عندما نكون دائما في جوارها، ولكننا ننتبه إلى الساعة مجددا إذا ما وهذا يذكرنا من جديد بفعل العاملين األول ! توقفت عن التكتكة لسبب ما

.والثاني السابقي الذكروبالرغم من أننا قد ذكرنا أثر األلوان تحت . وأخيرا نذكر عامل اللون -ح

د عامل الشدة، نرغب هنا أن نركز مرة أخرى على أن تأثير استخدام بناأللوان المتنوعة في رفع درجة االنتباه أكبر بكثير من تأثير التدرج في

وغالبا ما تستخدم الطريقة الثانية . الشدة باستخدام اللون األسود فقط في المدارس ألسباب تتعلق) استخدام اللون األسود بدرجات مختلفة(

وصحيح أن هذه الطريقة قد تفي بالغرض، ولكننا ال . بالتكلفة فقطنستطيع أن نهمل تأثير ألوان األحمر واألخضر واألزرق في جذب

وهنا أيضا يمكننا التعلم من مبادئ علم النفس اإلعالني . االنتباه .والخبرات العملية التي حصدها على أرض الواقع

محددات االنتباه الشخصية قد رأينا سابقا أن انتباه الطالب أو أحد المارة على الطريق أو إذا كنا

المستمع أو المشاهد أو القارئ يمكن أن يثار بأحد العوامل سابقة الذكر أو وهذا ما يقودنا . ببعضها، فإن األمر األهم عادة هو الحفاظ على هذا االنتباه

. تلف من متلق آلخرإلى الحديث عن المحددات الشخصية لالنتباه والتي قد تخ :ويمكننا أن نذكر منها أربعة

فبينما ال يعير المرء . إن أول المحددات هو الهدف والموقف اللحظيان -أ عادة معطفه المطري الذي يلبسه كل يوم أي اهتمام أو انتباه يذكر، نجده شديد االنتباه إلى هذا الموضوع إذا ما ذهب إلى سوق المدينة بهدف

ففي هذه الحال يكون انتباهنا مشدودا نحو . ي جديدشراء معطف مطرالمعاطف المطرية، بسبب هدفنا اللحظي المتجسد في رغبننا في شراء معطف جديد، إلى الحد الذي تجدنا معه ننظر إلى الناس وإلى واجهات

-١٢٧-

المحال التجارية وال نرى في المقام األول سوى المعاطف التي يرتدونها نعي أن العديد من المعاطف لها صفان من وفجأة . أو يعرضونها

األزرار وبعضها له صف واحد وأن بعضها غامق اللون وبعضها ولم نكن لنالحظ كل هذه التفاصيل عادة، لو لم . الخ… اآلخر فاتحا

يأسر هدفنا اللحظي في شراء معطف جديد انتباهنا واهتمامنا أسرا جديد " وعي معطفي"وبوسعنا أن نتكلم في هذه الحال عن . شديدا

ونجد عموما . مشروط بأهدافنا اللحظية قد يالزمنا أليام أو حتى ألسابيعأن النساء أكثر وعيا واهتماما بقطع األلبسة من الرجال، وقد يعود السبب في ذلك إلى أن الرغبة في شراء قطع ثياب جديدة أو إضافية

الممكن إيقاظ وعي وبالطبع من . تمتلك النساء ببساطة أكثر من الرجالالرجال الدائم لقطع األلبسة من خالل عرض األقمشة والقصات المناسبة

.ألذواق الرجالوأما ثاني المحددات الشخصية لالنتباه فهو الشعور بالواجب -ب

. وهو من أهم محددات االنتباه الشخصية على أرض الواقع. والمسؤوليةال ال تثير بحد ذاتها اهتمام فبالرغم من أن معظم المهن على سبيل المث

الذين يعملون بها، وال تعتبر بالنسبة لهم دافعا أساسيا بل ثانويا، نجد الغالبية العظمى من الناس ينجزون ما هو مطلوب منهم في وظائفهم بنشاط كبير لكي يحافظوا عليها ويحصلوا على األجور التي يستحقونها

ة الشهر هو الهدف وأما القيام إن األجر في نهاي. مقابل قيامهم بهاومع ذلك يتولد نتيجة لذلك . بالعمل فما هو سوى الوسيلة لتحقيق الهدف

الربط الوثيق بين الوسيلة والهدف قدر كبير من الشعور بالمسؤولية والقدرة على المثابرة يكفي للحفاظ على درجة مقبولة من االهتمام لدى

ن أعظم والشعور بالرضا والكفاية ومن البديهي أن النشاط يكو. العاملينيكون أقوى بكثير عندما يمارس المرء مهنته انطالقا من دافع أساسي

في فصل الدوافع األساسية الخمس وتحت بند (وقد تطرقنا سابقا . أولي

-١٢٨-

إلى هذا التمييز المهم بين الدافع األساسي األولي والدافع ) احترام الذاتيصبح ميال ومتعة " الواجب"أوليا، فإن وفي حال كان الدافع . الثانوي

ورغبة داخلية، وهذا ما يكفل القيام بالواجب على أتم وجه ويحد من .إجراءات المراقبة الضرورية إلى أبعد الحدود

والعامل الثالث من المحددات الشخصية النتباهنا هو ما تربينا واعتدنا -ت ئتنا إال باألمور التي تتفق فنحن ال نهتم في بي. عليه في بيئتنا حتى اآلن

مع إشباع دافع فينا، وبالمقابل فإن ما يحفزنا المتالك دافع ما ويقويه هو وإذا ما خوطبنا بالطريقة التي تتفق مع . نجاحنا في الماضي في إشباعه

تطلعاتنا وتوقعاتنا فإن ذلك يوقظ انتباهنا ويثير اهتمامنا، وإذا ما تم ولو كانت من الوجهة - ق تطلعاتنا التطرق إلى مواضيع خارج نطا

تجدنا غير قادرين على - الموضوعية على درجة كبيرة من األهمية التركيز والحفاظ على انتباهنا ومتابعتنا لتلك المواضيع فترة طويلة من

فإذا كنا قد اعتدنا في السابق على االستمتاع بضروب الفن . الزمنى سبيل المثال، فإننا نكون المتعلقة بعصر معين من عصور التاريخ عل

آذانا صاغية إذا ما تطرق الحديث إلى تلك الحقبة الزمنية، وإننا لنجد زائرنا ممتعا ونستقبله أفضل استقبال إذا ما بدأ يحدثنا عن هذه

حتى ولو كان يرغب في نهاية المطاف بيعنا (المواضيع التي تعنينا صيد الذي يمارس هذه وبالمقابل فإن هاوي ال!). شيئا آخر تماما

الهواية بكل جوارحه يرى أول ما يرى في أي مكان يدخله أنواع من أدوات صيد ورؤوس الحيوانات (األسلحة وكل ما يذكره بالصيد

وإذا ما بدأنا كالمنا معه ). التي تعلق على الحائط للذكرى وما إلى ذلكد االنتباه بما يخاطب هوايته هذه التي اعتاد أن يستمتع بها سنجده شدي

! حتى بحديثنا الالحق البعيد كل البعد ربما عن موضوع الصيدوبالطبع يبقى ما قيل سابقا صحيحا في موضوع تربية األطفال أيضا، فما علينا حتى نحظى بانتباههم سوى أن نربط مبتغانا بما هو قريب

-١٢٩-

ولن يصل موضوع ما، إذا كان مجردا، إلى . منهم وبما اعتادوا عليهن الطفل بالسرعة التي يصل فيها، إذا ما قدم تقديما يرتبط بالبيئة ذه

.التي اعتاد الطفل على العيش فيهاولعل أكثر محددات االنتباه الشخصية فعالية هو ربط الموضوع المراد -ث

فربط الموضوع بطريقة أو . االنتباه إليه بالغرائز األساسية لدى المتلقيسية لدى البالغين على سبيل المثال يكسبه بأخرى بإشباع الرغبة الجن

قدرة هائلة على لفت االنتباه، حتى عندما يكون الموضوع بحد ذاته مادة وهذا ما تمكن مالحظته بسهولة أثناء تشكيل ! تعليمية جافة ومجردة

مجموعات العمل في الدرس على سبيل المثال، حيث نرى أن تركيز اعفان من خالل ضمان وجود الطالب ومتابعتهم لموضوع الدرس يتضوال يهم هنا أن يكون عدد . طالب من الجنسين في مجموعات العمل

وهكذا . الطالب من الجنسين واحدا بقدر أهمية وجود االختالط بحد ذاتهنجد أن الطالب الذين كانوا يتذمرون من طول الحصة الدراسية، إذا ما

دراسية مركزة تجاوز الثالث ساعات، يتقبلون برحابة صدر جلساتمدتها تتجاوز الخمس ساعات، إذا ما عقدت هذه الجلسات في جو مريح

ولعل هذا العامل هو . ومنفتح يتفاعل فيه الطالب من الجنسين معاالسبب في أن ينظر الناس عموما إلى بعض األفالم والمسرحيات

ة والتمثيليات على سبيل المثال على أنها أمتع من المنتديات السياسيفالفيلم السينمائي مثال عادة ما يوحي من خالل : والعلمية والدينية

- الترويج له أو من خالل مقدمته أنه سيخاطب غرائز المشاهدين بينما ال يكون ذلك ممكنا في - والجنسية منها على وجه الخصوص

السياسية والعلمية (الحالة العامة بالنسبة ألنواع النشاطات األخرى ، بالرغم من أن هذه النشاطات قد تكون من حيث المضمون )والدينية

األفالم ومن منظار موضوعي على درجة أكبر من األهمية من مشاهدة !والمسرحيات والتمثيليات

-١٣٠-

وفي مجال الدعاية نجد أنه من الممكن دائما ربط السلعة المعروضة طقي باهتمامات الناس الجنسية، حتى عندما ال يكون هناك أي ربط من

فعلى سبيل المثال يمكن تقديم إطارات السيارات على أنها . بين األمرينواقفة " مناسبة"بالترافق طبعا ما صورة تظهر امرأة (سيارتك " ساقا"

كما يمكن تقديم دفتر التوفير المصرفي على أنه !). بجانب السيارةبالترافق مع صورة تظهر (في جميع وضعيات الحياة " حماية جيدة"

ومن ). أة تخفي جسدها خلف دفتر توفير مكبر على سبيل المثالامرناحية أخرى يمكننا القول أن الحرية الجنسية قد وصلت في زمننا هذا إلى الحد الذي لم يعد فيه خيال اإلنسان مأسورا باألفكار الجنسية كما

وكلما أصبح إرضاء الرغبات الجنسية ". فرويد"كانت الحال في زمن وكلما أصبح الناس يتكلمون عن الجنس بحرية أكبر، كلما أقل صعوبة،

فقد الجنس جاذبيته كدافع أساسي أولي ليحتل مكانه واحد من الدوافع وهو ذلك الدافع الذي يتمتع بأكبر قدر من اإللحاح (األساسية األخرى

وفي زمننا هذا يمكن أن نربط المواضيع ). لدى الشخص المعنيوق والتسلط أكثر من ربطها بدافع الجنس أو التف" بغريزة"المطروحة

ففي نهاية المطاف ما . بدافع المحبة والتفاني والتضحية في خدمة اآلخريهم اإلنسان المعاصر، الذي يسعى إلى النفوذ والمقام الرفيع، هو التفوق

الذي (فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى الموقد المفتوح . والتسلط والقوةنظره المريح وكلفته العالية مشاعر اإلعجاب لدى يوقظ من خالل م

على أنه هو في الواقع ) الزائر واإلقرار بتفوق صاحبه ومكانته الرفيعةما يميز البيت الفخم عن البيت العادي، فإننا عندما نروج لبيت نرغب في بيعه علينا أن نظهر في اإلعالن الموقد المفتوح بأحسن شكل له،

ن يحكمهم دافع التميز والتسلط سيعجبون بذلك ألن جميع أولئك الذي !البيت، وال شك أن أولئك كثر

-١٣١-

احلفز الصحيح هو مفتاح النجاح التعلم -ذ

لقد أصبح واضحا بصورة عامة أن الحفز شرط الزم للتعلم الفعال وأن مدى النجاح في التعلم أو األداء بصورة عامة يتناسب طردا مع شدة حفز

وكلما اشتد الحفز وكلما كان مناسبا، كلما )! أكان طالبا أم عامال(الشخص المعني قل عدد مرات التكرار الالزمة الستيعاب مادة التعلم أو خطوة العمل وكلما

إذا فالتحفيز في المدرسة . انخفضت أيضا أهمية إجراءات التحقق والمراقبة .ملية التعليم أو التعلموالمعمل والشركة والحياة عموما عامل مهم جدا لنجاح ع

إن شدة الحفز تتعلق بدورها بحاالت التقوية والنجاح التي عاشها فكلما شعر المرء أنه ناجح في . الشخص المعني في مجال عمله أو تعلمه

. مجال معين كلما زاد حفزه للعمل وإلنجاز المهام الموكلة إليه في هذا المجالأو العامل في المدرسة أو في المعمل ولعل أفضل الوسائل التي تجعل الطالب

") خبرة النجاح"أي يكتسب (يشعر بأنه قد نجح في إنجاز ما هو مطلوب منه وبجانب أشكال الثناء والتقدير الكالمية هناك بالطبع . هي تعابير الثناء والتقدير

نحو العالوات والترفيعات واالمتيازات والجوائز ودرجات (األشكال المادية وعالوة على كل ما سبق يمكن للحفز أن يزداد، كما سبق ). رهاالشرف وغي

ورأينا، من خالل ربط المهمة أو المادة التعليمية بالدافع األساسي األولي لدى الشخص المعني، بحيث تنشأ رابطة وثيقة بين ما يتطلع إليه الشخص وما هو

.مطلوب منه إنجازه أو تعلمه ما، كلما اشتد حفزه وحماسه وكلما شعر المرء أنه ناجح في مجال

فمع ازدياد عدد حاالت نجاحنا يرتفع مستوى النجاح . للعمل في هذا المجالوبالعكس فإن . الذي نصبو إليه ونتوقعه في المستقبل ويزداد معه حفزنا

اإلخفاق يحبطنا ويخفض مستوى حفزنا ومستوى النجاح الذي نأمل إنجازه في علينا أن نحاول جعل : ا أن نخلص إليها هيوالنتيجة التي يمكنن. المستقبل

أكبر عدد ممكن من الناس في بيئتنا يعيشون أكبر قدر ممكن من حاالت النجاح، سواء أكان ذلك في المدرسة أم في المصنع أم في البيت، ألن ذلك هو

-١٣٢-

. الضمان الوحيد لرفع مستوى الحفز والحماس للجد واالجتهاد واألداء الجيدبرات النجاح بالتأكيد الكالمي أو المادي من قبل اآلخرين، وإذا ما دعمت خ

ولكن المطلوب في نهاية المطاف أن يكون . فإن تأثيرها يكون أعظم وأشد بغض النظر عن حكم -المرء قادرا على الحكم السليم على أعماله الناجحة

وأن يصبح حفزه نابعا من أن أعماله تصب في إرضاء دافع - اآلخرين أولي في داخله، ال أن يبقى حكمه على أدائه تابعا لحكم اآلخرين وأن أساسي

ولكي نجعل اآلخرين يعيشون . يوظف الجزء األكبر من أعماله إلرضائهمإحساس النجاح علينا أن نبتعد عن كل ما يحملهم فوق طاقتهم، ألن ذلك

عه فعلى المهام الموكلة إلى أي شخص وما نتوق! سيؤدي حتما إلى اإلخفاقمنه أن يتفقا مع قدراته اتفاقا يمكنه من إنجاز مهامه وتحقيق ما هو متوقع منه

وحينئذ فقط يعيش لحظة تحقيقه للهدف لحظة رضا . باستخدام كل طاقته .فعلي" نجاح"حقيقي ولحظة

صحيح أن بوسع المرء أن يحسن أداءه ومردود عمله تحسينا مضطردا ولكننا يجب أال . تدريجيا في درجة صعوبتهاإذا ما طلبت منه مهام متصاعدة

ننسى أن تحميل اإلنسان فوق طاقته له عواقب خطيرة، ألنه يؤدي عموما إلى وعلينا . إذا لم يقض عليه كليا-اإلخفاق، وهذا بدوره يؤدي إلى خفض الحفز

أن نتجنب النقد والتوبيخ في جميع الحاالت وأن ننظر إلى التقدير والثناء على ولكننا من جهة أخرى ال نستطيع . نهما أداتان مفيدتان في القيادة والتحفيزأ

فما هي حينئذ الطريقة المثلى للتصرف؟ وما هو . دائما تجنب النقد والتوبيخ !السلوك األمثل لدى فرض العقوبة التي قد تبدو ضرورية في بعض الحاالت؟

تؤدي إلى تحقيق بوسعنا اآلن أن نؤكد على أن العقوبة بحد ذاتها ال فالمطلوب من فرض العقوبة في ! الهدف المراد تحقيقه من خالل فرضها

نهاية المطاف إنما هو عدم تكرار تصرف خاطئ ما في المستقبل والقضاء ولكن ما تؤدي إليه ! على الدافع أو المسبب الذي يقف خلف ذلك التصرف

اطئ لن يظهر العقوبة في أحسن الحاالت يقتصر على أن ذلك التصرف الخ

-١٣٣-

في المستقبل، ولكنه يبقى مخفيا ويصبح صاحبه أقدر على إخفائه، وإننا ومن خالل فرض العقوبة نشجع الشخص المعني على تطوير تقنيات جديدة لكي

. دون أن يتعرض للعقوبة مرة ثانية) ويكرر التصرف الخطأ(يقوم بما يريد دير على التصرف السليم فاألفضل من العقوبة إذا هو تقديم الثناء والتق

. ، وذلك منذ أن تبدو بوادر التصرف السليم)المعاكس للتصرف الخطأ(وبالطبع يجب أن يكون التقدير على الشكل الذي يصبح معه اللجوء إلى

وإذا ما كان اإلنسان ينتقد ويوبخ . التصرف الخطأ غير مجد لصاحبهوقوع في دوامة خطيرة من باستمرار، فإنه سيفقد ثقته بنفسه وسيميل إلى ال

فإذا كان الرجل على سبيل المثال ينتقد زوجته . التصرفات القسرية العصابيةانتقادا شبه يومي ألنها كثيرة النسيان أو ألنها ال تنجز بعض األمور المهمة بالنسبة له بالشكل الذي يرضيه، فإن ذلك سيؤدي في الغالب إلى نشوء

جعلها تبدي تصرفات قسرية عصابية تظهر االضطرابات لدى الزوجة مما يفإذا أرادت فعال وبكل : على شكل المبالغة في الوقوع الالإرادي في الخطأ

جوارحها أن تتفادى نسيان حاجة مهمة قبل السفر، فإنها ستنسى تلك الحاجة وإذا ما وعدت زوجها بأن تحفظ سرا خاصا ! تحديدا وبصورة شبه مؤكدة

أمام الزوار ألنه محرج لكال الطرفين، بات من المؤكد أنها بهما وأال تبوح به ومن الواضح في هذه الحال أن ! ستبوح به وفي اللحظة غير المناسبة تحديدا

.الحياة المشتركة بين الزوجين تصبح حينئذ بالغة الصعوبةإن عالج هذه الحالة يكون بالمساندة والدعم المستمرين من خالل خلق

يدة والهادفة والتي ال تصبح ممكنة إال من خالل خفض فرص النجاح العدمستوى التوقعات المطلوبة من الزوجة لكي تناسب طاقتها الفعلية وتأخذ

وهناك العديد من األمثلة المشابهة من الواقع . وضعها الخاص بعين االعتباروالنصيحة التي يقدمها علم النفس . التربوي والواقع القيادي في الشركات

اإلكثار من الثناء والتقدير وتفادي النقد : وي في جميع تلك األمثلة هيالتربومن الغريب فعال أن البعض ما يزالون على قناعة تامة بأن . والتوبيخ

-١٣٤-

ممارسة التربية السليمة إنما ترتكز على إظهار األخطاء وممارسة النقد فكرتي، ولقد عارضني مرة أحد المعلمين، بينما كنت أوضح له ! والتوبيخ

قائال بأنه ال يشعر أنه يقوم بواجبه التربوي على أتم وجه إذا مر يوم دون أن ينتقد ويصحح تصرفا خطأ من تصرفات طالبه، وهو يرى أنه مكلف من قبل

!اإلدارة بالقيام بهذه المهمة في األصل، وأنه يتلقى أجره مقابل القيام بها

نه؟هل لقدرة املرء على التعلم عالقة بس -ر

من األسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق السؤال عن تأثير تقدم السن وهنا بمقدورنا أن نؤكد ). أو على مستوى األداء عموما(على القدرة على التعلم

أن القدرة على التعلم تزداد بتقدم السن ابتداء من سن الطفولة حتى تبلغ ذروتها ا، وتحافظ على هذا المستوى المرتفع في سن الرشد، أي في سن العشرين تقريب

. إلى أن تبدأ باالنخفاض في سن الشيخوخة، أي في سن الستين أو ما بعد ذلكفليس صحيحا إذا أن نفترض ببساطة أن األطفال يتعلمون بسهولة أكبر من

فالقدرة على التعلم هي تابع للكثير من العوامل نحو الذكاء والخبرات . البالغينوال شك أن البالغ يتفوق على . مخزون مفردات اللغة وما إلى ذلكالمكتسبة و

فالطفل ال يستطيع على سبيل المثال أن ينافس . الطفل في كثير من هذه العواملفبينما يصل مخزون ! البالغ في مخزون مفرداته اللغوية ولو كانت ذاكرته أقوى

ة، يزيد مخزون الطفل من المفردات في عمر الثامنة حوالي أربعة آالف مفردومع أن األرقام المطلقة والدقيقة لمخزون ! البالغ بشكل عام عن االثني عشر ألفا

كل من الطفل والبالغ من المفردات اللغوية تتعلق بطريقة التقدير، إال أن النسبة وكلما اتسع مخزون . بين األرقام تبقى ذاتها بغض النظر عن الطريقة المتبعة

ا ازدادت مقدرته على التعلم، ألن قدرة المرء على المرء من الكلمات كلمفبينما تبدو السيارة . تشكيل الروابط بين األشياء تزداد باتساع مخزونه اللغوي

إلنسان عاش حياته في بيئة نائية في أستراليا ولم ير في حياته سيارة من قبل ملها كحيوان ضخم غريب األطوار وبينما يجد نفسه غير قادر على فهم آلية ع

-١٣٥-

في مجتمع يتعامل مع السيارات في (ومعرفة أجزائها، نجد أن البالغ في أوروبا قادر على شرح آلية عمل السيارة وإعطاء ) حياته اليومية ويعرف مفرداتها

الكثير من التفاصيل عنها دون عناء كما نجده قادرا على معرفة نوع السيارة .وتحديد نمطها بمجرد رؤيتها

ؤثر الحفز، كما أشرنا سابقا، تأثيرا كبيرا على نجاح ومن جهة أخرى يوقد يكون تراجع شدة الحفز للتعلم مع . عملية التعلم في جميع مراحل الحياة

تقدم السن هو السبب الفعلي وراء ما نالحظه من تدني مقدرة المسنين على ع فليست هناك على سبيل المثال مصاعب حقيقية تمن. التعلم مقارنة بالشباب

اإلنسان في سن الخمسين من تعلم مهنة جديدة إذا ما توفر الحفز الالزم للقيام وعندما يحاول فعال وال ينجح، ال يكمن السبب الحقيقي وراء إخفاقه في . بذلك

وال يخفى على أحد ! عدم قدرته على التعلم، بل في غياب الحفز الكافي للتعلمالخمسين يكون قد اقترب من سن أن االعتقاد السائد، بأن اإلنسان في سن

تقاعده المهني وبأنه من غير المنطقي في هذه السن أن يتعلم مهنة جديدة، متأصل في تفكير مجتمعنا إلى أبعد الحدود، مما يجعله يشل حفز اإلنسان

وليست األمثلة الكثيرة من . العادي ويحبط عزيمته إلنجاز هذا التطلع المتميزعا على قدرة اإلنسان في سن الستين وما بعد ذلك على الواقع سوى إثباتا قاط

فمن وجهة . أن يبدأ حياته المهنية والخاصة من جديد وعلى أن ينجح فيهاالنظر الموضوعية يكون اإلنسان في هذه المرحلة قد اكتسب الخبرة والمعرفة

وكل هذه . كما إن مخزونه من المفردات اللغوية قد وصل حدا ال يضاهى مشجعة جدا للنجاح في تعلم مهنة جديدة إذا ما توفر الحفز الالزم العوامل

ولكن غياب الشرط األخير هو السبب عادة في فشل هذا ! إلنجاز ذلكوال شك أن غياب الحفز والحماس يتعلق بطبيعة الحال بعوامل . المسعى

عضوية مختلفة نحو إفراز الغدد وبناء الخاليا العصبية والدماغية ولكنه قف بدرجة أكبر على االستعداد الداخلي العقلي والنفسي إلنجاز هذا التغيير يتو

.المهم في الحياة

-١٣٦-

بعض طرق التعلم االقتصادية - ٥دعونا نناقش اآلن مسألة مهمة جدا وهي السؤال عن طرق التعلم األكثر

فكثيرا ما نحتاج لساعات عدة في تعلم أمر ما بوسعنا أن . فعالية واقتصاداوتصح هذه ! لمه في دقائق معدودة، لو أننا اتبعنا الطريقة المثلى في التعلمنتع

ومن أهم شروط التعلم . المالحظة بالنسبة لألطفال والبالغين على حد سواء. االقتصادي توفر الحفز الكافي لهدف التعلم واالهتمام المركز على موضوعه

التطرق إليها من النظار ولقد سبق لنا أن تحدثنا عن هذه الفكرة، مما يجعل ولكن من الضروري من جهة أخرى أن نالحظ هنا أن . ذاته مضيعة للوقت

االنتباه والحفز ال يتحددان بالعوامل التي ذكرناها سابقا وحسب، بل إنهما يتأثران أيضا بالمؤثرات الجانبية التي تجذب االنتباه بعيدا عن الهدف

لجانبية في جوار المتعلم كلما صعب عليه وكلما ازدادت المؤثرات ا. األساسيوهنا نورد . الحفاظ على حفزه وحماسه وتركيز انتباهه على مهمته األساسية

فهنا نجد طبقا فيه : على سبيل المثال ما قد يوجد في غرفة درس الطالببعض التفاح وهناك زبدية حلوى ومن المؤكد أن في إحدى زوايا الغرفة

يك عن الرسائل المتناثرة على الطاولة والصور جهاز راديو ومسجلة ناهوال عجب في أن ! المعلقة على الحائط والضجيج المنبثق من الغرفة المجاورة

يلتفت الطالب الجالس في هذه الغرفة إلى تلك المؤثرات أوال قبل أن يركز وال تختلف حال البالغ عن حال الطفل في هذا . انتباهه على مهمته الفعلية

" لبضعة دقائق"فالبالغ أيضا يلتفت قبل االهتمام بعمله الفعلي إلى بريده األمر، ومن ثم يجري اتصاال هاتفيا وقد يقلم أقالمه ويرتبها وقد يعتقد أن عليه أوال

وفي الواقع فإن ! أن يأخذ قسطا من الراحة قبل االنصراف إلى عمله الفعليمة األساسية وإضاعة للوقت تلك األمور برمتها ما هي إال إلهاء عن المه

إن ما نستنتجه من كل ما سبق يتلخص في أن على . وتشتيتا للحماس واالنتباهالبيئة المحيطة بالطالب أثناء الدراسة وبالعامل أثناء قيامه بعمله أن تحوي أقل

فغرفة أثاثها بسيط وقليل في موقع : قدر ممكن من المؤثرات المشتتة لالنتباه

-١٣٧-

ة صغيرة ربما تشكل البيئة المناسبة للدرس دون سواها من هادئ فيها نافذوما يصح بالنسبة لغرفة الدرس ! الغرف المزودة بالكثير من األثاث واألشياء

لكننا ولسوء الحظ نجد أن هذه المبادئ ! ينطبق على مكان العمل أيضا .األساسية البسيطة والمنطقية نادرا ما تطبق على أرض الواقع

سعنا تفادي المؤثرات المشتتة لالنتباه والتركيز وإذا ما وإذا كان بو، فإننا )مرتبطا بدافع أساسي أولي قدر اإلمكان(استطعنا أن نخلق حفزا قويا

سنجد أن تطبيق القواعد األساسية التالية سيزيد المردود ويحسن مستوى :األداء

تقسيم عملية التعلم إىل خطوات -أ

على دفعات أفضل من محاولة تعلمه دفعة إن محاولة تعلم أمر ما واحدة، ألننا من خالل تجزئة المهمة الكبيرة إلى مهام صغيرة سوف نبدأ في كل مرة محاولة جديدة للتعلم ستتوج بعد جهد معين وبعد تكرار المحاولة عددا معينا من المرات بالنجاح، مما يعطينا في النتيجة دفعا أكبر ويقوي حفزنا

ويحدد الوقت المتوفر إلنجاز المهمة بكاملها بطبيعة . لمهمة ككلإلنجاز االحال عدد مرات التكرار المسموح بها إلنجاز كل مهمة صغيرة على حدة

.والسرعة التي يجب أن يتتالى بها إنجاز تلك المهام الصغيرةوالبد عند تجزئة المهمة من مراعاة الحفاظ على الترتيب المنطقي

وضمان قدرة المتعلم على ربط جميع تلك المهام بالمهمة للمهام الصغيرة فعلى الطالب أن يدرك الترابط الداخلي بين المهام الصغيرة من . األساسية

خالل استيعاب أهداف الخطوات الصغيرة كأهداف جزئية للهدف األساسي، ولطالما سلكنا هذه الطريقة لمساعدة طفل صغير على حفظ . هدف المهمة ككل

إننا نلقنه البيت األول ومن ثم البيت الثاني : عرية عن ظهر قلبقصيدة شولكننا قبل أن نبدأ بالتجزئة نجعل الطفل يقرأ القصيدة كاملة لكي ... وهكذا

يحصل على تصور متكامل عن مهمته الكاملة ويتشجع ويتحفز للسير في

-١٣٨-

تى وإذا أهملنا ذلك فإن الطفل سوف يستصعب على الغالب ح. طريق التجزئةوكمثال آخر نورد . القيام بالخطوة األولى ألنه ال يملك الحفز الكافي لالنطالق

ففي البداية يجب على المستخدم أن يأخذ فكرة : عملية تعلم تشغيل آلة ماشاملة عن آلية عمل اآللة، ومن ثم يتعلم خطوات تشغيلها خطوة تلو األخرى

كل الخطوات مرة واحدة في مرتبة ترتيبا منطقيا، وفي نهاية المطاف يجربوعلى األرجح يعود السبب في أفضلية طريقة التعلم في . ترابطها المنطقي

خطوات على طريقة التعلم دفعة واحدة إلى أن طريقة التجزئة تؤدي إلى عدد كبير من حاالت النجاح أثناء قيام المتعلم بالمهمة ككل وذلك كلما أنهى خطوة

لمتعلم في الطريقة األخرى بأنه قد نجح مرة واحدة جزئية بنجاح، بينما يشعر ا !فحسب، وذلك عندما ينجز المهمة كاملة

الكل أوال ثم اجلزء -ب

ونقصد بذلك، كما سبق وذكرنا، أن علينا قبل الشروع بتجزئة الكل إلى وأما . أجزاء أن نتصور المهمة كاملة وأن نحصل على حفز إيجابي إلنجازها

الخطوات الجزئية قبل أن نبني ألنفسنا تصورا شامال عن إذا بدأنا مباشرة بإذ إننا لن نتمكن حينئذ من تحفيز . هدف المهمة ككل، فإننا نعرقل بذلك تقدمنا

أنفسنا التحفيز الكافي إلنجاز العمل ككل بنجاح، بل إن حفزنا قد ال يكفي .سوى إلنجاز الخطوات األولى فحسب

التعلم املتوازيالتعلم التسلسلي بدال من -ت

والمقصود هنا هو التركيز على تعلم أمر واحد بدال من أن نتعلم أمورا فقد أثبتت التجارب التي أجريت على الحيوان أن . متعددة في الوقت ذاته

أطول بكثير ) أي في الوقت ذاته(الوقت الالزم لتعلم ثالثة أمور على التوازي أي واحدا تلو (ثالثة على التسلسل من الوقت الالزم لتعلم هذه األمور ال

ولكن علينا من ناحية أخرى أن نتفادى الرتابة التي قد تنشأ من ). اآلخر

-١٣٩-

. االنشغال بالموضوع نفسه طوال الوقت والتي قد تقضي على حفزنا وحماسناوكما ذكرنا سابقا يمكننا تفادي ذلك بتجزئة المهمة الواحدة حتى يتسنى لنا أن

ر بالنجاح الذي يعزز حفزنا ويحافظ على حماسنا إلنجاز نشعر من وقت آلخ .المهمة الكاملة

التعلم بفاعلية عوضا عن التعلم السليب -ث

عندما يكون المتعلم فاعال في عملية التعلم، فإنه ينجح ويحقق غايته إن التعلم السلبي ال . أسهل وأسرع مما لو كان مجرد متلق سلبي غير فاعل

فعال ألنه يفتقد آللية التحقق والتأكد من استيعاب المضامين يحقق هدف التعلموعلى العكس من ذلك تضمن طريقة التعلم بفاعلية النجاح الموثوق . وحفظها

في إنجاز المهمة، وذلك من خالل آليات التجريب والتحقق، كما تحقق عالوة ن حيث وترتبط هذه الطريقة األساسية م. على ذلك توفيرا في الوقت والجهد

المبدأ بالطريقة األولى ارتباطا وثيقا، فتلك الطريقة تعتمد في تقصير زمن التعلم على تقسيم المهمة وتجزئة المادة التعليمية المعقدة إلى أجزاء وتعلم كل

ولكن هذا . جزء على حدة ومن ثم تجميع األجزاء لتكوين الكل مجدداتعامل مع المادة التعليمية التجزيء يعني في الواقع أن الشخص المتعلم ي

فهو ينظر بتمعن إلى المادة العلمية ويتدخل تدخال فاعال في تجزئتها : بفاعليةويتعلم كل جزء على حدة ويتحقق من إنجاز ذلك ومن ثم ينتقل إلى الجزء

بعد أن يتحقق بالطبع من إنجاز الجزء الثاني على (التالي ويجمع الجزأين .كن من المهمة كاملةحتى يتم... وهكذا ) حدة

وهنا تجدر اإلشارة إلى وجوب أن يقوم المتعلم بفعل ما أثناء إنجازه وال يكون . للخطوات الجزئية، كأن يقول أو يكتب أو يحسب شيئا ما

للتفكير المحض بعمل ما النتيجة ذاتها التي يؤدي إليها التمرين الفعلي على اآللية المتبعة من قبل الطالب ونضرب هنا مثاال على ذلك . القيام بالعمل

في مختلف األعمار لحفظ كلمات اللغة الالتينية أو اإلنكليزية بتمكن

-١٤٠-

) وهو النشاط الفاعل(وسرعة، وذلك بكتابة الكلمات على الدفتر الخاص ومن ثم التحقق من صحة ) وهو النشاط السلبي(بعد قراءتها في الكتاب

تصلح هذه الطريقة أيضا لحفظ و. الكتابة من خالل مقارنتها مع األصلالقصائد الشعرية عن ظهر قلب ولحفظ العالقات الرياضية وتواريخ

ومتى . األحداث والقوانين الفيزيائية وكل ما يطلب حفظه بصورة عامةكانت طريقة التعلم أو الحفظ فاعلة، فإن ما تم حفظه يبقى راسخا في الذهن

وال يكفي مجرد . خص المتعلمفترة طويلة ويصبح جزءا من ذاكرة الشوال ! النظر إلى النص بصورة سلبية لكي يتم حفظه مهما طال زمن النظر

فكيف : شك أن لهذه القاعدة األساسية شأنا كبيرا أيضا في مجال اإلمالء" لغز" بمعنى Rätselللطفل على سبيل المثال أن يعرف كيف تكتب كلمة

يوحي أنها تكتب بطريقتين إضافيتين وأن يحفظها ونحن نعلم أن لفظها قد ؟ والسبيل األسهل لتعلم الكتابة الصحيحة إنما Räzel و Rätzelمختلفتين

وبالطبع ! يكون بتكرار التمرن على الكتابة الصحيحة حتى ضمان اإلتقانيمكن تدعيم هذه الطريقة من خالل شرح هذه الكتابة الصحيحة باالستناد

لكن هذا الشرح قد ال يكفي وحده في جميع و. إلى علم أصول المفرداتاألحوال، ألن على المرء وبخاصة في مجال اإلمالء أن يأخذ قواعد

. في الحسبان- وليست دائما منطقية - كثيرةولدى محاولتنا فهم هذه القاعدة األساسية في التعلم نصطدم مرة أخرى

إن مغذى . ا إليه سابقافي عملية التعلم، وهو ما تطرقن" التقوية"بأهمية تعبير فكرة التقوية والتدعيم هو أن المرء يتعلم أمرا ما تعلما أفضل ويكون قادرا على الوثوق بما تعلمه ثقة أقوى وأمتن، كلما قوى ودعم ما تعلمه بالتكرار

ومما ال شك فيه أننا نضمن عملية . وكلما كان ذلك التدعيم أكثر تركيزااعلين في العملية التعليمية وعندما نقسم المهمة ككل إلى التقوية، عندما نكون ف

خطوات جزئية من أجل تحقيق أكبر عدد من حاالت النجاح التي تقوي الحفز .والعزيمة على التعلم

-١٤١-

مرة أخرى" اإلفراط في التعلم"

تركز طريقة اإلفراط في التعلم والتي تطرقنا إليها سابقا على األساسية التي يمكن استخدامها االستخدام المضامين التعليمية الجوهرية

ويعني اإلفراط في التعلم متابعة التدرب على مضمون تعليمي . األوسعجوهري كنا قد أتقناه في وضعية تعليمية معينة لتطبيقه في وضعيات أخرى تطبيقا فعاال يضمن استيعابنا لذلك المضمون وقدرتنا على تطبيقه في كل

ندما نتعلم عالقة رياضية على سبيل المثال من خالل فع. المجاالت األخرىتكرار تطبيقها في الوضعية ذاتها مرات عديدة، فإننا قد نتقنها إتقانا تاما في

ولكننا لن نستطيع تطبيقها الحقا إال إذا توفرت الوضعية ذاتها . هذه الوضعيةه إذا كانت وسوف لن نكون قادرين على تطبيق ما تعلمنا. التي تعلمناها فيها

وحينئذ قد . الوضعية أو الحالة التطبيقية مغايرة ولو جزئيا للوضعية التعليميةال يخطر لنا أصال أن ما تعلمناه يمكن أن يكون مفيدا في الوضعية التي نحن

ولعل هذه الحقيقة هي إحدى أهم األخطاء األساسية في نظامنا التعليمي . فيها إلى طالبنا الكثير من المعرفة ولكننا نخطئ إننا ننقل: المدرسي والجامعي

من خالل تطبيق مبدأ اإلفراط في -في عدم جعل هذه المعرفة قابلة للتطبيق ويحسب القائمون على العدد األكبر من المؤسسات التعليمية أنهم . التعلم

يقومون بواجبهم التعليمي على أتم وجه من خالل تقديم كل هذه المعرفة !لعلملجميع طالبي ا

إذا علينا تصحيح هذا الخطأ الواسع االنتشار بالسرعة الممكنة، وذلك من خالل عدم االكتفاء بتعلم المواد التعليمية حتى درجة اإلتقان وحسب، بل ال بد من التركيز على وجوب متابعة التدرب والتمرن على تطبيق هذه المواد

متعلم أصبح قادرا على في وضعيات تطبيقية جديدة ومتعددة حتى نضمن أن التطبيق ما تعلمه في وضعيات جديدة عليه كل الجدة بعد أن يكون قد أدرك

وال . العناصر المتطابقة المشتركة بين الوضعية الجديدة والوضعيات السابقة

-١٤٢-

على المواد - طريقة اإلفراط في التعلم -تقتصر جدوى هذه الطريقة الفعالة ، بل )نحو الحساب والقراءة والكتابة وغيرها (التعليمية األساسية في المدرسة

تتعداها لتشمل المواد التعليمية في الجامعة، حيث ما يزال الكثيرون من األساتذة الزمالء يعجبون ألمر طالبهم الذين يتقنون تعلم مادة ما إتقانا تاما، . غير أنهم ال يحسنون تطبيقها في الوضعيات الجديدة على أرض الواقع

السبب في ذلك كما ذكرنا سابقا إلى أن تطبيق ما تم تعلمه بإتقان بحاجة ويعود بدوره ألن يتعلم، وعلى الطالب أال يكتفي بإتقان المادة التعليمية، بل أن يتقن الخطوة التالية البالغة األهمية، وهي تطبيق ما تم تعلمه في وضعيات جديدة

. تطبيقا واقعياعلم النفس التربوي على سبيل المثال أن يتعلم فإذا ما أراد الطالب في

نظرية تعليمية ما، عليه أال يكتفي بالتعرف على المؤثرات والوسائط األساسية لهذه النظرية وحفظها وإتقانها، بل ال بد له عالوة على ذلك أن يفكر في

م وأثناء تعل. النتائج التربوية واإلجرائية والتعليمية التي تفرزها هذه النظريةجدول ضرب العدد اثنين في المدرسة يجب عدم االكتفاء بأن يفهم الطالب أن عليه إضافة اثنين في كل مرة نضيف فيها واحدا على العدد المضروب باالثنين، وأن يحفظ عن ظهر قلب نتائج ضرب العدد اثنين بجميع األعداد

تطبيق ما األخرى من الواحد إلى التسعة، بل ال بد للطالب أن يتدرب على تعلمه نظريا تطبيقا عمليا في وضعيات تطبيقية جديدة، كأن يحسب على سبيل المثال عدد عجوات الكرز التي يكون قد جمعها في فمه إذا ما أكل ستة عناقيد

هذا إذا استطاع بالطبع تجنب بلع -من الكرز يحوي كل منها كرزتين اثنتين قطع اللحم المقدد التي يحصل أو أن يحسب مجموع عدد . أي من العجوات

وال نستطيع االنطالق من أن . عليها عندما يشتري ستة أزواج منها، وهكذاتطبيق ما تم تعلمه على الوضعيات الجديدة سيكون ناجحا إال إذا جرى

.التدرب على وضعيات كثيرة ومتعددة أثناء التعلم

-١٤٣-

التعلم املبين باألمثلة بدال من التعلم ارد - ج

سهل على الطالب تعلم مادة تعليمية ما إذا كانت مبينة باألمثلة يوالمقصود هنا أن الطالب قادر على التعاطي الفكري مع ! التوضيحية

المواضيع والعالقات المبينة باألمثلة المصورة والملموسة وحفظها بصورة أن ولكننا نستطيع بالطبع . أسهل من المواضيع والعالقات واألفكار المجردة

نستعيض عن األمثلة الواقعية المبينة للمواضيع والعالقات بشرح كالمي أو فالمهم إذا هو أن نستبدل . مصور لألمثلة المبينة دون أية خسارة في المفعول

طرق التعليم المجردة بطرق مبينة باألمثلة الواقعية لتقريب المواضيع .والعالقات إلى ذهن الطالب

ية المعالجة الفكرية لمعلومة ما هي تلقيها حسيا إن أول خطوة في عملولكننا ال نستطيع أن ننطلق من أن تلقي المعلومة يكفي . أي رؤيتها فكريا

ال بد لذلك من الخطوة الثانية وهي . فما بالك للقدرة على تطبيقها-الستيعابها سب خطوة المقارنة أي ال بد للمتلقي من أن يضع ما تلقاه في السياق المنا

، علينا بعد "البيت"فإذا كنا نتكلم على سبيل المثال عن . لألمور التي يعرفهاتقديم أول مثال عليه أن نقارن مثالنا األول ببيوت أخرى لها أشكال مختلفة،

نحو (كأن نبدأ مثال ببيت سقفه مستو ثم نقارنه مع األمثلة األخرى للبيت وبعد هذا ). لية أو دور العبادةالبيوت ذات السقف المدبب أو األبراج العا

الشرح الوافر من األمثلة المقارنة نصل إلى الخطوة الثالثة واألخيرة في عملية المعالجة الفكرية وهي خطوة التجريد، حيث يصبح المتلقي في نهاية المطاف

على سبيل المثال ويعرف فعال ماذا " بيت"متمكنا من التعبير المجرد لكلمة أي إنه يصبح قادرا على ربط هذه الكلمة بجميع أشكال . مةتعني هذه الكل

!).دون الحاجة بالضرورة إلى وجود النوافذ(األمكنة المغلقة التي لها أبواب وال يقتصر ما يمكننا أن نعلمه للطفل وفق هذه الطريقة على المفردات،

أن والمهم في كل مرة . بل يتعداها بالطبع ليشمل أيضا العالقات المعقدة

-١٤٤-

نحافظ على تتابع خطوات التعلم الثالث وهي التلقي الحسي والمقارنة وال ينجح المرء إال نادرا باتباع الترتيب الرجعي، أي انطالقا من . والتجريد

وقد يشكل مزيج من . التجريد ومن ثم المقارنة وصوال إلى التلقي الحسيلقي الحسي، المقارنة، الت: وفقا للترتيب(القليل من الطريقة االستقرائية

التجريد، المقارنة، : وفقا للترتيب(مع الكثير من الطريقة االستنتاجية ) التجريدالحل األمثل لتعليم بعض المواضيع الخاصة كالعلوم الدينية ) التلقي الحسي

.وعلوم الحقوق والتشريع

طريقة التعلم املنهجية بدال من الطريقة العشوائية اليت تفتقر - ح الرتابط املنطقيإىل

إن اتباع نهج مخطط ومنظم ومدروس في التعلم يضمن أفضل نتيجة وأولى خطوات هذا النهج هي خلق الجو المالئم والشروط التي . بأقل جهد

ولقد سبق . تحفز الطالب للتعلم وتجعله يتعلم إلرضاء دافع أساسي في داخلهافع وأهميتها في أن تطرقنا في موضع آخر من الكتاب إلى موضوع الدو

وما نريد التركيز عليه هنا هو أننا ال نستطيع أن نبدأ . تحديد السلوك اإلنسانيعملية التعلم أو التعليم بنجاح ما لم نضمن توفر قدر كاف من الحفز لدى

ويتحقق ذلك عندما نربط هدف التعلم بواحد من الدوافع األساسية لدى . المتعلم شك أننا ال نمتلك كمعلمين المقدرة الالزمة لتحفيز وال. المتعلم ربطا وثيقا

.اآلخرين إال إذا توفر لدينا نحن الحفز الكافي للتعليموهنا يجب أن . تتبع خطوة التحفيز هذه مرحلة تحديد الهدف

هدفا قريبا مباشرا ) اكتساب العلم والخبرة(نستخلص من الهدف البعيد ردة غالبا ما تستعصي على ربطها وملموسا، ألن األهداف البعيدة المج

على سبيل المثال ال يمكن أن " فكمال اإلنسان. "بأحد الدوافع األساسية. ولو شكل هدفا بعيدا لعملية التعلم برمتها- يشكل هدفا قريبا لعملية التعلم

على سبيل المثال يمكن أن يشكل هدفا مباشرا لدرس " تحليل الماء"ولكن

-١٤٥-

وعلى هذا ). لوقت ذاته خطوة على طريق الهدف البعيدوفي ا(الكيمياء ا، الهدف بالطبع أن يربط بأحد الدوافع األساسية لدى الطالب ربطا وثيقذلك الربط الذي يكيف الهدف ليوافق ذهنية المتعلم الخاصة وطريقته في

أهداف التعلم، مع أن األمر في " قولبة"وهنا يمكننا أن نتكلم عن . الحياةهدف التعلم نفسيا من الشخص " بتقريب"ع يرتبط أكثر من ذلك الواق

.المتعلم، كما رأينا في موضع سابقوبعد أن نكون قد حددنا الهدف القريب للتعلم، بحيث يكون قد اتضح للمتعلم ما هي المسائل التي سيتعامل معها على المدى القريب وعلى المدى

والمباشر عما يجول في " ر التلقائيالتعبي"البعيد، علينا أن نترك له فرصة فكره فيما يتعلق بالمسألة المطروحة للنقاش دون أن يشعر أننا نشدد

نضع كل كلمة تخرج من فمه في ميزان "المراقبة على ما يقول أو أننا إنه سيطرح في هذه الحال أفكارا كانت مفيدة في وضعيات ". الذهب

ولو لم -) سابقا" قويت"نت قد أي إنه سيطرح أفكارا كا(مشابهة سابقة إن ما يحدث إذا في هذه . تثبت جدواها بعد في هذه الوضعية تحديدا

المرحلة من المعالجة التلقائية هو نوع من الحوار المفتوح الخالق وغير والهدف من هذه المرحلة من مراحل التعلم هو فسح المجال لتقديم . الملزم

مثبتة بعد، ألن إثبات صحة أو عدم صحة حلول ممكنة جديدة ولو لم تكنومن البديهي أن نجاح هذه المرحلة من . هذه الحلول سيتم في مرحلة الحقة

مراحل التعلم يتوقف على توفر جو من الحرية واأللفة بعيد عن العالقات ألن الطالب في . الرسمية الصارمة التي تسود عادة بين المعلم والطالب

ا هذه الحال سيتجنب أي ج واب تلقائي غير مدروس دراسة مستفيضة خوففمن الواجب إذا . من الوقوع في الخطأ والشعور باإلحراج أمام الجميع

" الشجاعة لدى الطالب لإلقدام على قول ما لم يكتمل بعد"إيقاظ تلك !ونشرها في الثقافة التعليمية عموما

-١٤٦-

تي قدمت في وال يتم التحقق من مدى مالءمة المقترحات التلقائية الوهنا ال يتم تجريب . المرحلة السابقة إال في المرحلة الرابعة من مراحل التعلم

جميع تلك المقترحات، بل إخضاعها لقوانين الفكر والمنطق واختبار مالءمتها فإذا نجحت في هذا االختبار الفكري، كانت . للمسألة المطروحة اختبارا فكرياوتحتوي قوانين الفكر التي . ضت كحل محتملحال محتمال وإن لم تنجح رف

أي إن ما ثبتت صحته . سبقت اإلشارة إليها على جميع الخبرات البشرية السابقة" المنطق"وقوانين الفكر تكافئ . في الماضي بصورة متكررة يصبح قانونا فكريا

وال يستدعي قبول فكرة ما ! الذي هو محصلة الخبرات البشرية السابقة بمجملهافذلك هو . حل محتمل أن تكون صحيحة أو أن تثبت جدواها في الواقع الحقاك

و في هذه المرحلة األخيرة يجري . مضمون المرحلة الخامسة من مراحل التعلمالتحقق من صحة الحل المحتمل الذي تم التوصل إليه فكريا في المرحلة السابقة

ل المحتمل لالختبار ومن مالءمته للمسألة المطروحة، حيث يخضع هذا الح والواقع هو الذي يثبت صحة أم عدم - كالتجربة على سبيل المثال -الواقعي

وفي حال لم يكن الحل المختبر هو الحل الصحيح يجب . صحة حلنا المحتملعلينا أن نعود إلى المرحلة الثالثة أو الرابعة النتقاء مقترح جديد وإخضاعه

وهكذا حتى نجد ) االختبار الواقعي(نين الطبيعة لقوانين الفكر أوال ومن ثم لقواوحينئذ فقط نكون قد خرجنا . الحل المحتمل الذي تثبت صحته على أرض الواقع

بمعلومة أو بخبرة مثبتة وموثوقة بوسعنا تخزينها الستخدامها في مسألة الحقة .كما هي أو إلعطائها شكال جديدا وربطها بحقائق وخبرات أخرى

لمرء أن يرى أن هذه الخطوات الخمسة لعملية التعلم إنما ويسهل على ا. تكافئ خطوات مشابهة يمكن أن تقسم إليها عملية التفكير بصورة عامة

- أثناء إيجاد حل لمشكلة ما على سبيل المثال -فعملية التفكير أيضا تمر ومن هنا . بخطوات خمس مكافئة لخطوات التعلم قبل إيجاد الحل الصحيح

لى عمليتي التفكير والتعلم على أنهما متوازيتان تماما ألن كال منهما ننظر إ .يشكل عملية تغير منظم في سلوك اإلنسان

-١٤٧-

التعلم الالوعي - خ

ولكن كيف ننظر . لقد تابعنا الخطوات الخمس لعملية التعلم المقصود إلى التعلم في الالوعي؟ أفال نتعلم في كثير من األحيان ببساطة وبطريق

إن التعلم في ! المصادفة ودون المرور بتلك الخطوات المذكورة سابقا؟الالوعي هي ظاهرة مهمة جدا، سواء بالنسبة لعملية التعلم في مجالها الضيق

.أم بالنسبة لها في مجالها الواسع الذي يشكل حياة اإلنسان بصورة عامةضح إظهار وبوسعنا إظهار ما المقصود بتعبير التعلم في الالوعي أو

لقد كنت مرة جالسا في مكتبي المنزلي منشغال في : من خالل المثال التالي. ولقد كانت درجة حرارة الغرفة معتدلة تماما. كتاب أكتبه في يوم عادي جدا

ولكن عطشي لم يكن عاديا، بل كان من الشدة حتى إنني شعرت بعدم القدرة وكما ذكرت، لقد كان ! و شرابا حاراولم أكن قد تناولت طعاما أ! على إطفائه

ذهبت إلى المطبخ وأحضرت كوبا كبيرا من الماء ! كل شيء اعتياديا جدابطعم الليمون الحامض ووضعت فيه مكعبات من الثلج لكي تزيد من قدرته

ولم تمض نصف ساعة حتى شعرت مرة . على اإلنعاش وإطفاء العطش كوب كبير مماثل من الماء أخرى بالعطش الشديد واضطررت إلحضار

ولقد تكرر ذلك مرة ثالثة وشربت ثالث كوب كبير من . والثلج ألشربه بسرعةوعندئذ بدأت أفكر في األسباب الكامنة . الماء المثلج بطعم الليمون الحامض

فحاولت استذكار ما تناولته في وجبة . وراء هذا العطش الشديد وغير المبرررارة المكتب واسترجاع ما قمت به من نشاطات الغداء والتأكد من درجة ح

ولكني لم أصل ألي سبب مقنع يبرر هذا - حتى في اليوم السابق -جسدية وفي نهاية المطاف الحظت وبطريق المصادفة أكثر من . العطش الشديد

طريق البحث المنهجي أن صوت مضخة الماء الواقعة تحت مكتبي مباشرة فنزلت إلى غرفة . تها االعتياديغريب بعض الشيء ويختلف عن صو

المضخة واكتشفت عطال في أحد مسندي محور الدوران كان السبب الفعلي ولدى التمعن بذلك الصوت وجدت أنه يشبه ! وراء ذلك الصوت الغريب

-١٤٨-

إذا لقد تلقيت ذلك الصوت في ! صوت قرقعة مكعبات الثلج في كأس الماءالرغبة بكأس من الماء البارد الذي ب- أيضا في الالوعي -الالوعي وربطته

ولقد كان الشعور بالعطش نتيجة لعملية تعلم في . يحوي مكعبات الثلج .الالوعي ربطت بين وضعيتين مختلفتين جدا ال صلة جوهرية بينهما

وبصورة مشابهة يمكننا أن نشرح شعورنا التلقائي المباشر تجاه شخص عاطف، وذلك من خالل شيء ما في نراه للمرة األولى بالتعاطف أو عدم الت

يذكرنا في ) عطره أو تسريحة شعره أو طريقته في الكالم(مظهر الشخص وهذا الربط التلقائي يحدث . الالوعي بشخص نتعاطف معه أو ال نتعاطف معه

وبالطريقة ذاتها يمكننا تفسير رغبتنا في تناول . دون أن نعيه أو نشعر بهفتحديد . عن بعضها اآلخر وعدم تقبلنا لهابعض أنواع األطعمة وابتعادنا

موقفنا من بعض أنواع الحلوى على سبيل المثال يتوقف على مواقف مررنا فإن كان للحلوى أثر . بها سابقا مربوطة في الالوعي بذلك النوع من الحلوى

وإن كان . إيجابي في تلك المواقف شعرنا باالنجذاب إليها وبالرغبة في تناولهايا، شعرنا بعدم تقبلنا لها ونظرنا إليها مجرد كتلة من الحريرات أثرها سلب

ومن الممكن لطفل صغير أن يتعلم . المسببة للسمنة وما يتبعها من أمراضألحد أنواع الجبن على سبيل المثال، إذا ما رأى مرارا " الحد"استساغة الطعم

رة كلما اجتمعوا كيف يمدح البالغون هذا النوع من الجبن ويأكلونه بشهية كبيوبالمقابل فإن هذا الطفل نفسه سيطور نفورا شديدا تجاه . على مائدة الطعام

النوع ذاته من الجبن، إذا ما شاهد البالغين يعبرون عن مشاعر سلبية تجاه وقد تالزم المرء ! ذلك النوع من الجبن وينفرون منه على مائدة الطعام

بها في طفولته تجاه نوع معين من أنواع مشاعر االستساغة أو الكره التي يكتسأعرف على سبيل المثال سيدة تنفر من الحليب نفورا ! الطعام مدى الحياة

كاللبن الرائب والقريش والقشدة (شديدا مع أنها تتناول مشتقات الحليب قاطبة ويصل نفورها إلى حد تضطر معه إلى التقيؤ بمجرد . بشهية كبيرة) والجبن

لقد كان من السهل التنبؤ بأن تلك السيدة قد ! فما تفسير ذلك؟. رؤيتها للحليب

-١٤٩-

مرت في طفولتها بموقف على األقل رأت فيه شخصا بالغا من محيطها وبالفعل فقد أكدت السيدة صحة . القريب يعبر عن نفوره الشديد تجاه الحليب

ذلك االفتراض وروت أنها شاهدت والدتها مرة وهي تنفر من وعاء يحوي ية من الحليب نفورا معبرا جدا بعد أن حاولت تذوقه ووجدته فاترا ويميل كم

لقد كان الحليب فاسدا . إلى االصفرار بسبب بقائه مدة طويلة خارج البراد. بالفعل، وهذا ما دفعها إلى التخلص منه بحركة تلقائية معبرة عن نفورها

- في عمق ذاكرتها ومن الواضح أن ما رأته السيدة وهي طفلة ظل محفوراولم تستطع تلك السيدة أن . حتى إنه الزمها طوال حياتها-في الالوعي

تتخلص من ذلك النفور المزعج والخارج عن سيطرتها إال بعد جلسة توعية موقف " تعلم"مطولة ومدروسة لشرح حيثيات الموضوع واكتساب أو

.موضوعي جديد تجاه الحليب

تنا ذاكر-الحفظ والنسيان - ٦اتصاال وثيقا بموضوع التعلم ) أي الذاكرة(تتصل مسألة الحفظ والنسيان

كيف يمكننا أن نفسر حقيقة أننا نحفظ انطباعات معينة ونتذكرها . في الالوعيالحقا، مع أنها حدثت لنا مرة واحدة فقط، بينما ال نستطيع االحتفاظ

التنا المقصودة بانطباعات أو أحداث أو معطيات أخرى بالرغم من محاووالمتكررة لحفظها؟ إن مجرد تكرار محاوالت الحفظ هو أحد العوامل المساعدة على نجاح عملية الحفظ، ولكنه يبدو غير ضروري في بعض

!األحيان ومن المؤكد أنه غير كاف في جميع الحاالتال شك أنها نعمة من نعم الخالق أن ينسى اإلنسان الكثير من المواقف

أي لو توجب علينا (ولوال النسيان . بها واالنطباعات التي يتلقاهاالتي يمر لما كان بوسعنا التوجه بكامل وعينا ) االحتفاظ بكل ما نمر به من مواقف

لحسن حظنا أننا ننسى عموما . لنتابع حياتنا ونعيش اللحظات الجديدةببساطة االنطباعات السيئة والمخجلة والمزعجة أو نحاول نسيانها أو نكسبها

-١٥٠-

فمن ال . معنى جديدا، بحيث نحتفظ بها في نهاية المطاف كانطباعات إيجابيةمع أن تلك األوقات تحديدا من ! يتذكر أوقات الدراسة بمشاعر الحنين والفرح؟

عمر الطفولة والشباب يجب أن تفرز في الواقع أصعب وأزعج الذكريات - على سبيل المثال اللقاءات ونذكر هنا . بالنسبة للغالبية العظمى من الناس

بعد سنين طوال " رفاق الصف الواحد" بين - التي تعتبر إجبارية في ألمانيا فبعد أن . من تطور كل فرد منهم في طريق تختلف عن طرق تطور اآلخرين

يعتاد كل منهم على األوجه الجديدة للرفاق القدامى ويستعيد أسماءهم من منهم اآلخرين عن وضعه العائلي والمهني ذاكرته البعيدة وبعد أن يخبر كل

يبدؤون تلقائيا باستذكار األحداث والمواقف المتميزة التي جمعتهم في الماضي ، وتبدأ سلسلة االستذكار التي ليس لها "؟...أتذكر عندما كنا : "على نحو

والفرق األساسي بين الذكرى اآلن والواقع سابقا هو أن المشاعر التي ... نهايةاب الجميع اآلن هي مشاعر إيجابية يغلب عليها الحنين والفرح واالرتياح تنت

والمرح بخالف المشاعر التي طغت على الواقع في الماضي والتي ربما ! بالنسبة للبعض في أقل تقدير- كانت مشحونة بالخوف والذعر واإلحباط

الحفز وعلينا في البداية أن نركز على أن الحفظ مرتبط ارتباطا وثيقا بفإذا ما أراد اإلنسان حفظ شيء ما وطبعه في ذاكرته، فإنه غالبا ما . والدوافع

وبالمقابل نجد أن اإلنسان ينسى بسرعة االنطباعات والمواقف . سينجح في ذلك"! ضعف ذاكرته"التي ال يعتبرها مهمة ومحببة على قلبه، ويشكو بعد ذلك من

ن يشكون من ضعف ذاكرتهم إنما قد وفي الواقع فإن الكثيرين من أولئك الذي. فقدوا ببساطة الحفز الكافي لحفظ تلك المواقف واالنطباعات التي نسوها

وكثيرا ما يفقد اإلنسان العجوز اهتمامه ببيئته المجاورة ويركز جل اهتمامه على شخصه وذكرياته القديمة، مما يجعله يستقبل ما يدور حوله بقليل من

لذلك نجده ينسى يومياته وحاضره وماضيه القريب ويتذكر التركيز واالهتمام، ووبالطبع يضاف إلى انعدام . في ذات الوقت ماضيه البعيد-" يجتر" وربما -

. الحفز أسباب الترهل العضوي التي تؤثر على الذاكرة كآلية دماغية عضوية

-١٥١-

فسي ولكن هذا العامل العضوي يبقى محدودا في أهميته إذا ما قورن بالعامل النفباستطاعة كل امرئ دون أدنى شك أن يحفظ أي اسم كان بعد سماعه . الحفزي

!لمرة واحدة، إذا كوفئ ذلك بمبلغ مالي مقداره ألف يورو على سبيل المثالوإذا أمعنا النظر والتفكير في موضوع الذاكرة يمكننا أن نوجز ما يحدد

:قوتها بالقوانين األربعة التالية

قانون اجلوار -أ

ويفهم من هذا القانون أن الحدثين اللذين يقعان في الوقت ذاته أو في الظروف ذاتها أي بتزامن زماني أو مكاني ينطبعان في الذاكرة معا على

فإذا ما طلب منا . الشكل الذي يجعل مجرد حدوث أحدهما داعيا لتذكر اآلخر، "طاولة"ع كلمة على سبيل المثال ذكر الكلمة التي تخطر لنا أوال عندما نسم

، بل سنذكر أوال كلمة "سجادة"أو " مصباح"فإننا لن نذكر في الغالب كلمة وأول ما . يترافقان في كثير من الحوادث" الكرسي"و" الطاولة"، ألن "كرسي"

قبل أية كلمة أخرى مثل " البرق"هي كلمة " اللمع"يخطر لنا لدى سماعنا كلمة .يرهماوغ" المطر"أو " العاصفة الرعدية"

قانون التتايل -ب

عندما يسبق حدث ما حدثا آخر مباشرة وبصورة شبه دائمة، فإن مجرد فمثال يتذكر المرء . وقوع الحدث األول يستدعي تذكر الحدث الثاني تلقائيا

الشطر الثاني من أحد بيوت قصيدة ما بسهولة أكبر إذا ما قيل الشطر األول .يت كامال بشطريه األول والثانيقبله، ألننا قد تعلمنا حفظ الب

قانون التشابه -ت

إذا تشابه حدثان من خالل اشتراكهما بعناصر مشتركة، فإن حدوث ومن الجدير بالذكر هنا أن تشابه حدثين . أحدهما يذكر باآلخر تلقائيا

وارتباطهما في الذاكرة ال يعني فقط أن حدوث أحدهما يذكر باآلخر ويعزز

-١٥٢-

يعني أيضا أنهما قد يختلطان في الذاكرة مما قد يؤدي إلى لبس التفكير به، بل وهذا يحصل فيما يطلق . الذاكرة وعدم القدرة على فصل الحدثين فصال جيدا

، حيث يعيق تعلم بعض المضامين المتشابهة تعلم "العرقلة الراجعة"عليه على فعالية بعضها اآلخر إذا ما جرى تعلمها بتتابع زمني مباشر ويؤثر سلبا

لغتين أجنبيتين (فإذا تعلم المرء مادتين تعليميتين متشابهتين . التعلم ومردودهبصورة متتالية، بحيث ال يجري فصل تعلمهما زمنيا من ) على سبيل المثال

خالل تعلم مادة ثالثة ال تشبههما، فإن المضمونين المتشابهين سيختلطان ما سيضعف قدرته على استذكارهما ويتداخالن بسهولة في ذاكرة المتعلم م

وخالصة ما سبق إذا هي أن على المرء أن يتجنب . استذكارا واضحا ودقيقاتعلم المضامين المتشابهة في تتال زمني مباشر، وأن عليه أن يحرص على فصل المضامين المتشابهة بمضمون مختلف أو بمادة تعليمية مختلفة لتجنب

ومع ذلك فإن مدارس ! إضعاف القدرة على تذكرهااختالط المواد التعليمية وكثيرة ال تعير هذه المالحظة المهمة االنتباه الواجب، فتنظم الدروس على الشكل الذي يسمح للمعلم الواحد أن يعطي حصصه التي عادة ما تتشابه في

ومن الواضح أن مخططا كهذا ال . مضامينها دفعة واحدة دون فاصل أو فجوةار مصلحة الطالب، التي تتطلب تجنب تتالى الحصص المتشابهة يأخذ باالعتب

فعلى سبيل المثال يجب أال تلي حصة الرياضيات حصة . في مضامينهاوتجدر اإلشارة . فيزياء، بل حصة أخرى كاألدب أو الفنون على سبيل المثال

مكن هنا إلى أن النشاط األكثر سلبية أثناء التعلم هو النوم، وهو الفعالية التي يولذلك فقد كانت أكثر . أن تلي أية فعالية أخرى دون أن تؤثر عليها سلبا

تجارب التعلم نجاحا هي تلك التي كانت تسمح للطالب بفترة قصيرة من النوم بالتدريب "كالذي يحدث أثناء ما يعرف (أو على األقل بفترة استرخاء تام

ليس باألمر السهل في ولكن تطبيق ذلك . بعد حصة التعلم المرهق") الذاتيتلك المدارس (المدارس، مع أن بعض مدارس الواليات المتحدة ودول أخرى

تقدم للطالب في بعض الغرف أسرة ) التي يبقى فيها الطالب طوال اليوم

-١٥٣-

بسيطة، ال يقتصر استخدامها على فترة الظهيرة، بل يسمح للطالب .قل وللذاكرةباستخدامها في فواصل قصيرة بين الحصص المرهقة للع

من خالل " أثر االنسحاب"لقد تطرقنا سابقا إلى إمكانية زيادة فعالية التركيز على العناصر المتطابقة في الوضعيات التعليمية المختلفة والتدريب

وهنا يطرح السؤال . على نفس المضامين في وضعيات تطبيقية متشابهة" أثر االنسحاب"ر زيادة فعالية أي األثرين أقوى في هذه الحالة، أث: التالي نفسه

؟ وال شك أننا نطمح إلى تقوية األثر األول اإليجابي "العرقلة الرجعية"أم أثر وبوسعنا في الحالة . قدر اإلمكان على حساب إضعاف األثر الثاني السلبي

أي تطبيق ما تعلمناه في وضعية (العاملة االنطالق من أن أثر االنسحاب يزداد من خالل وعي واستيعاب ) تطبيقية مختلفةتعليمية ما في وضعية

العناصر المتطابقة في كال الوضعيتين، بينما يزداد أثر العرقلة الرجعية والتي هي تداخل مضامين المادتين المتشابهتين اللتين يتم تعلمهما بتتال زمني (

وهذا . من خالل عدم الوعي وعدم استيعاب وجود العناصر المتطابقة) مباشري أننا نعزز أثر االنسحاب ونضعف من العرقلة الرجعية كلما ازداد وعينا يعن

وال يتوقف ذلك على نوع التعلم، أكان . للعناصر المتطابقة في المواد التعليمية .شخصيا في البيت أم منهجيا ومهنيا في المدرسة

قانون التباين -ث

قف إذا كان مضمون حدث أو موقف ما يناقض مضمون حدث أو مو. آخر تناقضا مباشرا، فإن وقوع أحد الحدثين يذكر تلقائيا بالحدث المضاد

بدال من مفعول التباين، مما يجعل " التشابه السلبي"وبوسعنا أن نتكلم عن مفعول ونورد مثاال . هذا القانون الرابع جزءا من القانون الثالث الذي تحدثنا عنه سابقا

التداعي المعروف لدى غالبية " التشابه السلبي "على مفعول التباين أو مفعول. الناس الذي يحدث لدى سماعهم تعابير معينة، حيث يذكرون تلقائيا أضدادها

.وهكذا" رطب"تذكر بكلمة " جاف"، وكلمة "الظالم"تذكر بكلمة " النور"فكلمة

-١٥٤-

وبإمكاننا أن نخلص إلى أن القواعد التي تساعد على تقوية الذاكرة فكل ما أوردناه في الفصل . التي تدعم عملية التعلم بصورة عامةهي ذاتها

الذي عالجنا فيه عملية التعلم وتدعيمها ينطبق على موضوع الذاكرة وتقويتها، ألن الذاكرة كما رأينا تتوقف أيضا على الحفز وتتبع بصورة

فإذا ما أردنا فعال أن نحتفظ بمضامين معينة، نحو . عامة قوانين التعلمبهم " نهتم"أسماء األشخاص الذين نتعرف عليهم في مناسبة ما، علينا أن

وبأسمائهم اهتماما حقيقيا وأن نولي عملية التخزين في الذاكرة وعيا واهتماما مميزين، وإال بقي االنطباع الذي يتركه أولئك األشخاص

ماء ومما يساعد على حفظ األس. وأسماؤهم سطحيا وأصبح نسيانهم منطقياالجديدة تكرارها المباشر بعد سماعها في المقابلة الشخصية أو كتابتها لدى

.سماعها ألول مرة أثناء المكالمة الهاتفية

وما يمكن فعله حيالها-اضطرابات التعلم - ٧لعل كل عائلة تحتوي ضمن أفرادها على تالميذ في المدرسة تمر من

ضوع التعلم وكيفية دعمه بمسألة حين آلخر بوقت تهتم فيه باإلضافة إلى موهل السبب في التدني المفاجئ لمستوى أداء الطفل في مرحلة : أخرى وهي

أم أن لذلك " اضطرابات التعلم"من المراحل يعود إلى أنه يعاني من إحدى ماذا يستطيع : أسباب أخرى؟ وفي حال وجود االضطرابات يبقى السؤال المهم

ظاهرة المزعجة؟ وهنا بإمكاننا أن نبين في المرء فعله للتغلب على هذه الالبداية أن الطفل يعاني من أحد أنواع اضطرابات التعلم عندما ينخفض

وهو (مستوى أدائه إلى أقل من المتوقع أو المعتاد برغم توفر الموهبة والذكاء وإذا ما فشل ). ما يمكن تحديده بمساعدة أحد اختبارات الذكاء المعروفة

علم بسبب غياب الموهبة أو الذكاء، فإننا ال نتكلم حينئذ عن الطالب في التوحينئذ تجب العناية . لدى الطفل" إعاقة التعلم"اضطرابات التعلم، بل عن

). خاصة بأصحاب إعاقة التعلم(بالطفل عناية خاصة في مدرسة اختصاصية

-١٥٥-

وهنا نود أن نتطرق إلى موضوع اضطرابات التعلم دون اإلحاطة بجميع .)١(ه المهمة التي درسناها في كتاب سابقنواحي

ولما كانت اضطرابات التعلم، كما ذكرنا سابقا، تعني سوء األداء برغم توفر المقدرات والملكات، وجب علينا معرفة المعطيات واألسباب التي قد

.تؤدي إلى تلك االضطرابات قبل التمكن من اقتراح إجراءات عالجها

تعلم وأسباب ذلك الغيابغياب احلفز الكا لل -أ

إن أحد أهم أسباب اضطرابات التعلم هو غياب الحفز أو الحماس لدى الطفل للنشاطات التعليمية المرجوة، وذلك ألنه مهتم بأمور أخرى على سبيل

ولمعرفة سبب الحماس . بالتعلم المثال وال يرى مبررا ألن يبدي أي اهتمامور التي تبعده عن التعلم، بوسعنا أن غير المرغوب به عند الطفل لتلك األم

نلجأ إلى التصنيف الذي اعتمدناه سابقا ألنماط الحفز أو الدفع األساسية لكي نجد السبب الرئيسي وراء ضعف اهتمام الطفل بالتعلم وانصرافه إلى االهتمام

:بنشاطات أخرى في إحدى اإلمكانيات التالية

عياالضطرابات في مجال حفز القبول االجتما

وهنا قد يتعلق األمر إما باإلفراط في حفز القبول االجتماعي وإما بعدم المبالغ في "ففي الحالة األولى يكون الطفل من النوع . توفر القدر الكافي منه

الذي يهدف في سعيه و تطلعه الشديد إلى القبول االجتماعي إلى أن " طموحهبة أمل كبيرة إذا ما أخفق على الدوام، وال شك أنه سيصاب بخي" األول"يكون

وال يمكننا تصور شدة اإلحباط الذي يصاب به ! مرة في تحقيق هدفه هذاالمرء عندما يطلب القدر األعلى من أمر ما ويسعى لتحقيقه سعيا صادقا ومن

، دار النشر أور، دوناوفورث، " تالميذ المدرسةاضطرابات التعلم لدى: "كورل. ف )١(

.، الطبعة العاشرة١٩٧٦W. Correll: Lernstörungen beim Schulkind, Verl. Auer, Donauwörth, 1976, 10. Aufl.

-١٥٦-

أي عندما يخفق (ومن المنطقي حينئذ ! ثم ال يحصل إال على قدر متواضع منهأن يبحث عن القبول االجتماعي في ) صفالطفل في أن يكون األول في ال). نحو النوادي الرياضية والموسيقية وغيرها(مجاالت أخرى خارج المدرسة

وهذا بدوره سيؤدي حتما إلى االنشغال عن الدرس، مما يزيد من اإلخفاق وبالطبع قد ينتج سوء األداء في الحالة الحدية . واإلحباط في المدرسة

فر لدى الطالب قدر كاف من حفز القبول األخرى، أي عندما ال يتواالجتماعي، وذلك ربما بسبب إخفاقه المتكرر في المدرسة في صفوفه

ففي الواقع يتحدد مستوى تطلعاتنا وما نتوقع إنجازه في مجال ما بما . السابقةفإذا كان عدد حاالت : خبرناه من حاالت نجاح وحاالت إخفاق في هذا المجال

الت اإلخفاق ارتفع مستوى تطلعاتنا، وبالمقابل ينخفض النجاح يفوق عدد حا. مستوى توقعاتنا إذا غلب طابع اإلخفاق على خبراتنا السابقة في هذا المجال

ولكن انخفاض مستوى تطلعات الطفل يؤدي بدوره تلقائيا إلى إضعاف ثقته بنفسه وانخفاض مستوى حفزه وحماسه إلى الحد الذي يجعل تكرار اإلخفاق

وبينما يصعب على البالغ إذا ما دخل هذه الحلقة . ديد أمرا بديهيامن ج .المفرغة أن يخرج منها بقواه الذاتية، فإن ذلك يستحيل على الطفل الصغير

يكمن عالج هذا االضطراب في مساعدة الطفل على تحقيق قدر واقعي من النجاح من خالل ضمان التوافق بين الوظائف والمهام التي يكلف بها

وال شك أن قدرة النجاح . الطفل من جهة وقدراته وملكاته من جهة أخرىعلى حفز الطفل لمزيد من العمل والنشاط تتعزز من خالل مكافأة الطفل على . منجزاته وتقديم الثناء الموضوعي والشخصي له كلما نجح في إتمام مهمته

وما يزال يرى . الفعاليتها في هذا المج" )∗(التعلم المبرمج"وقد أثبتت طريقة

١٩٧٦، ميونيخ، "سيكولوجيا السلوك التربوية: "كورل. ف)∗(W. Correll: Pädagogische Verhaltenspsychologie. München, 1976

١٩٧٦، ميونيخ، "التعلم المبرمج والتفكير الخالق: "كورل. فW. Correll: Programmiertes Lernen und schöpferisches Denken, München, 1976

-١٥٧-

بعض المربين أن الطريقة المثلى في التربية إنما هي النقد وإظهار األخطاء، ولكن النجاح في الواقع هو الخبرة أو التجربة الوحيدة القادرة على تغيير

على أنها األداة األكثر فعالية للتحكم " خبرة النجاح"وهكذا ننظر إلى . السلوكوال شك أن الطفل الذي يهتم . النشاطات المفيدةبتحريك الطفل وحفزه باتجاه

بنشاطات وقت الفراغ أكثر من اهتمامه بدروسه يالقي في تلك النشاطات ولكي نزيد من اهتمامه . خارج المدرسة نجاحا أكبر من نجاحه في المدرسة

بدروسه علينا أن نعزز شعوره بالنجاح في المدرسة وأن نخفض إن اقتضى ولعل هذه الطريقة تنجح أكثر ما ! جاحه في وقت الفراغاألمر من مستوى ن، إذ إن ما يسعى إليه هذا الطفل في المقام األول "الطموح"تنجح لدى الطفل

هو القبول االجتماعي والمكانة الرفيعة، وعلى عاتقنا تقع مسؤولية تحديد !المجال الذي يتوقع الطفل فيه القبول المرجو ويجده أيضا

مجال حفز األماناالضطرابات في

إن دافع األمان والطمأنينة هو بجانب دافع القبول االجتماعي من أهم فكلنا يسعى للعيش في عالم . الدوافع في حياة الطفل والبالغ على حد سواء

وال بد إلرضاء هذا الدافع من توفر مستوى معين من . آمن وواضح المعالم كان كل شيء يتغير ويعاد ترتيبه فإذا. االنتظام واالستمرارية في حياة المرء

ولذلك فإن من صفات الناس . باستمرار، ال يمكن ألحد أن يشعر حينئذ باألمانالذين يسيطر عليهم دافع األمان والطمأنينة أنهم محافظون وال يرغبون

وإذا بالغ الطفل في مسعاه . بالتغيير وأنهم يفضلون البقاء بعيدا عن األضواءوانصب جل اهتمامه في إشباع هذا الدافع، فإنه سيعاني نحو ضمان األمان

وتلك هي الحال عندما ال يجد الطفل في . بكل تأكيد من اضطرابات التعلمفإذا . البيت أو في المدرسة القدر الكافي من األمان واالستقرار واالستمرارية

بالغ األبوان في شجارهما أمام الطفل وكان أحدهما يهدد اآلخر باستمرار . بترك البيت، فإن ذلك سيوقظ لدى الطفل حاجة مفرطة إلى األمان والطمأنينة

-١٥٨-

وفي المدرسة أيضا يمكن أن تتطور لدى الطفل مشاعر الخوف الشديد وتلك الحاجة المفرطة إلى األمان، وذلك عندما توكل إليه باستمرار مهام ووظائف

. أمام اآلخرينتفوق قدرته على االستيعاب واإلنجاز وتظهر عجزه وضعفه فيبدو الطفل حينئذ ضعيفا وخجوال ويحاول االختفاء كلما سنحت الفرصة وال يجرؤ على الوقوف وإبداء رأيه وبخاصة إذا ما تعارض رأيه مع آراء

ونتيجة لذلك كله ينخفض مستوى الحفز لديه ويميل في سلوكه إلى . اآلخرينمعروضة وإلى العزوف عن اختيار المهمة األسهل من بين مجموعة المهام ال

كما تضعف ثقته بنفسه . مجابهة المهام الصعبة التي تتطلب الجرأة واإلقدام .مما يجعله يتردد كثيرا قبل أن يجرب أي أمر جديد

ما العمل في هذه الحال؟ المهم أوال إرضاء الحاجة الماسة إلى األمان ذلك تكليف الطفل ومما يساعد على . والطمأنينة لدى الطفل إرضاء كافيا

بمهام ووظائف تناسب قدراته ومواهبه باإلضافة إلى تأمين جو عام في ومما يؤمن هذا الجو وجود . البيت وفي المدرسة يسوده الهدوء والتفاهم

برنامج يومي منتظم يستطيع الطفل أن يستقرئ بمساعدته ما سيواجهه في بالتنسيق مع المستقبل القريب فضال عن خطة أسبوعية وشهرية توضع

فيجب على سبيل المثال . الطفل وتنفذ بحذافيرها وبالتزام تام قدر اإلمكانوباالتفاق مع الطفل أن يحدد له متى يقوم بوظائفه ومتى يلعب ومتى يستطيع

وبالطبع يسمح . مشاهدة برامج الرائي وما إلى ذلك من نشاطات يوميةي حاالت قليلة جدا ومبررة بالخروج االستثنائي عن هذا البرنامج ولكن ف

تبريرا واضحا ومفهوما للطفل، وذلك حتى ال يفقد شعوره باالستقرار وحتى وعلى البالغين أن . ال ينخفض مستوى إرضاء دافع األمان والطمأنينة عنده

يجنبوا الطفل حضور أو مشاهدة الشجار الذي قد يحصل بين البالغين في ر لدى الطفل مشاعر التأثر أو الخوف الشديد، البيت أو المدرسة والذي قد يثي

وعالوة على ذلك يجب أن . ألنه أقل تحصينا وممانعة وثباتا من البالغينيشعر الطفل الذي يعاني من اضطراب في مجال حفز األمان أنه محبوب

-١٥٩-

. دائما من قبل أهله ولو أخفق مرة في المدرسة أو في أي مكان آخرالشعور باألمان من خالل ضمان المحبة والتقبل فالمطلوب ببساطة إعطاؤه وبالمناسبة ال يختلف األمر بالنسبة للبالغ الذي . غير المشروطين في بيئته

فهو أيضا بحاجة لتشجيعنا وتقبلنا، ألن : يعاني من اضطراب في األداء أداءه السيئ إنما هو نابع من ضعفه وخوفه اللذين يؤججهما انخفاض مستوى

وهنا أيضا نرى أن الطريق الصحيح لحل المشكلة وتحسين الوضع .تقبلنا لهيكمن في ضمان التناسب بين ما هو مطلوب من الشخص المصاب

وهذا ما يتطلب معرفة دقيقة . باالضطراب وما هو قادر على إنجازهلمقدرات الشخص الفعلية التي نستطيع تحديدها أفضل تحديد بمساعدة

.توفرة لهذا الغرضاالختبارات المعيارية الموإذا ما تساءلنا عن آلية نشوء الشعور بالخوف وعن كيفية التغلب

فالخائف : عليه، وجب علينا االنطالق من التعريف الدقيق والجوهري للمعرفة. ما هو إال إنسان ال يمتلك المعرفة أو الفهم الكافي للوضع الذي هو فيه

بالوضع الذي يجد نفسه فيه ولعالج هذه الحالة يجب إذا أن نبصر الخائفوبالمهام الموكلة إليه وأن نشرح له أكبر قدر ممكن من المعلومات المفصلة

فإذا ما كلفنا . لكي نؤمن له رؤية شاملة وواضحة عما يعنيه ويدور حولهالطفل بوظيفة مدرسية على سبيل المثال دون أن نوضح له تلك الوظيفة ودون

فإنه سيصاب بالخوف دون أدنى شك، تماما مثلما أن يعي تماما ما عليه فعله،ولكن ذلك . سيخاف ويرتعب عندما نطلب منه أن يقطع الغابة في الظالم

الخوف أو الرعب سرعان ما يتالشى عندما نقدم للطفل رؤية واضحة من خالل شرح الوظيفة شرحا وافيا (ومفصلة عن الوضعية التي نضعه فيها

وبصورة )! اح جيب ينير له الطريق في الغابةأو من خالل تزويده بمصبفي المدرسة على (مشابهة يستطيع الطفل أن يجتاز أية حالة خوف يمر بها

من خالل توضيح هذه الحالة وإزالة غموضها وإضاءة جوانبها ) سبيل المثال .وجعلها شفافة

-١٦٠-

االضطرابات في مجال حفز الثقة

االجتماعي لتحقيق القبولباإلضافة إلى االضطرابات في مسعى اإلنسان مع اآلخرين ولضمان األمان تعد االضطرابات في مسعاه إلقامة عالقات الثقة

من أهم العوامل المسببة الضطرابات التعلم، وبخاصة بالنسبة لألطفال إن حفز الثقة في شكله العادي المعتدل يدفع اإلنسان ألن تكون له . والشباب

. ن بمن يعيش معهم من الناس المحيطين بهعالقات شخصية قوية قدر اإلمكاإنه يرغب في أن يكون قادرا على أن يثق بأولئك الناس وأن يحكي لهم همومه وأزماته دون تحفظ وأن يكون واثقا من حسن نواياهم ومن أنهم

وفي الحاالت العادية يمكن إرضاء هذا الدافع إرضاء . يريدون له الخيرليمة وكان جو المدرسة صحيحا من الناحية مقبوال إذا كانت األسرة س

وأما عندما يهمل هذا الدافع وال يشبع بتاتا، فإن . السيكولوجية واالجتماعيةوتنشأ . تلك الحاجة إلى الثقة تأخذ شكال مبالغا فيه وتصل إلى حد مفرط

اضطرابات التعلم لدى الطفل الذي يعاني من اضطراب في حفز الثقة ألنه وأحيانا نجد الطفل يتعلم ويجتهد ال -حاوالته التقرب من المعلم يبالغ في م

فإذا ما تغيب هذا المعلم يوما ألي سبب -لشيء إال إلرضاء معلمه المحبوب وباالندفاع ذاته ! من األسباب، نجد أن حفز التعلم لدى الطفل يتالشى كليادقاءه ويتعلق بهم يحاول هذا الطفل إقامة عالقاته مع رفاقه، فنجده يختار أص

شخصية حقيقية، ألنه " كارثة"تعلقا مفرطا يجعل من نقله إلى مدرسة أخرى .يجد نفسه تائها دون موجه ودون حماس للتعلم

وكما رأينا بالنسبة الضطرابات حفز األمان والطمأنينة علينا هنا أيضا ثم أن نعمل أن نشبع أوال حاجة الثقة لدى الطفل في المدرسة وفي البيت ومن

على جعل الطفل يتخذ موقفا موضوعيا أكثر فأكثر حيال التعلم وحيال األداء فمن الطبيعي في بداية األمر أن يعمل الطفل على . المدرسي بشكل عام

ولكن هذا الموقف . إرضاء معلمه المفضل من خالل أدائه الجيد في التعلم التاسعة أكثر موضوعية يجب أن يتغير تدريجيا ليصبح في سن الثامنة أو

-١٦١-

ويمكن تحقيق ذلك من خالل توجيه الطفل شيئا . وأقرب إلى منطق األمورفشيئا للسعي وراء التمكن الموضوعي والمقدرة العلمية بدال من السعي وراء

وعلينا . إرضاء المعلم أو األهل ونحو الحصول منهم على االعتراف والتقديركال تعاملنا مع الطفل وابتداء من تعابير أن نطبق هذا التوجه في جميع أش

فبدال من أن . التقدير والثناء التي نوجهها إليه لدى نجاحه في إنجاز مهمة ما، حيث !"أنا مسرور ألنك قد أنجزت المهمة كما أريد: "نقول على سبيل المثال

لقد أنجزت المهمة ! ممتاز: "نربط الثناء برضانا الشخصي، يمكننا أن نقول، فهنا نربط الثناء بما أنجزه الطفل موضوعيا، فيستخلص الطفل !"زا تاماإنجا

وال ضير في فترة ما قبل المدرسة وفي . أنه قد استحق الثناء بقدراته الذاتيةالسنتين األولى والثانية منها أن تكون عالقة الطفل بالتعلم محكومة بعالقته

كن حفز التعلم يجب أن ينتقل ، ول"أن يتعلم إلرضائهم"الشخصية مع معلميه وفيما بعد من إرضاء المعلمين شخصيا إلى إرضاء رغبة موضوعية أو حاجة

.للتعلم واالجتهادكيف نستطيع إشباع أو إرضاء هذا : والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو

الدافع األساسي وتلك الحاجة إلى الثقة إرضاء مقبوال؟ وهنا علينا أن نؤكد على اظ في البيت على عالقة وثيقة مع الطفل في جميع األحوال، حتى وجوب الحف

عندما ينخفض أداؤه في المدرسة أو عندما يقوم بأمر يستحق عليه التأنيب أو في مرحلة المراهقة على سبيل (حتى عندما يهمل عالقته بأهله عن قصد

يجب أن ). المثال، حيث يكون منشغال عن أهله بمشاكله وأموره الشخصيةيشعر الطفل أنه يستطيع على الدوام أن يلجأ إلى أهله ويناقش معهم كل مشاكله

وال يطلب من األهل أن يقدموا النصح السديد . وهمومه مهما كانت الظروفبقدر ما يطلب منهم االستماع واإلصغاء، حيث يستطيعون اللجوء إلى طريقة

الرد على ما يقوله أو من خالل تريث البالغ في" إدارة الحديث غير المباشرة"يسأله الطفل واالكتفاء بإعطائه إشارة واضحة على اإلصغاء الصادق والتفكير

وهذا التصرف من قبل األهل سيدفع الطفل عادة إلى . العميق فيما يقوله الطفل

-١٦٢-

متابعة الكالم والخوض عميقا في تفاصيل المشكلة مما سيؤدي في كثير من ومن خالل هذه الطريقة في ! قبل الطفل نفسهالحاالت إلى إيجاد الحل من

اإلدارة غير المباشرة للحوار ينشأ لدى الطفل االنطباع بأنه في حوار حقيقي مع الطرف اآلخر، مع أنه في الواقع الطرف الوحيد الذي يتكلم بينما يكتفي الطرف

وتثمر هذه الطريقة بصورة خاصة مع ! اآلخر باإلصغاء بعمق وتفكيرومع من هم في مقتبل الشباب ألنها تحافظ على نوع من االحترام المراهقين

وما من أحد . والثقة بسبب االهتمام واالستماع والتحفظ في الرد من قبل األهليشك في أن فقدان عالقة الثقة مع األهل بصورة مبكرة هي السبب وراء الكثير

العديد من وال عجب في أن. من المصاعب التي يقع فيها الشباب المراهقينالجانحين الشباب والكثيرين من اإلرهابيين قد نشؤوا في أسر تبدو سليمة من الخارج ولكنها تفتقر إلى عالقات الثقة الوثيقة بين األهل واألبناء والبنات، أكان ذلك بسبب ضيق الوقت أو بسبب عدم تطابق وجهات النظر السياسية أو

وال يسعنا إال أن نؤكد ثانية على ! لاأليديولوجية الناتج عن اختالف األجياوجوب أن يحافظ األهل على عالقات الثقة مع أوالدهم مهما كلفهم األمر

فحينئذ فقط ! وبغض النظر عن االختالف والخالف في وجهات النظر معهميكون الشاب أقل استعدادا للوقوع ضحية تقربه المفرط من أناس ال يقدرون

! وربما يستغلونه أبشع استغالل- ير دائما هذا التقرب حق تقد

االضطرابات في مجال حفز العدالة

بصورة أساسية في مسعى ) انظر سابقا(لقد فسرنا دافع احترام الذات اإلنسان إلى العدالة واحترام المبادئ، حيث يولي اإلنسان قيمه ومبادئه قيمة

شك أن من وال. أكبر من مبدأ التأقلم مع الواقع والوصول إلى حلول وسطيسعى سعيا مفرطا إلى تحقيق العدالة، ال بد أن يلقى المصاعب في عالقاته مع الناس المحيطين به، ومن البديهي أن تؤدي تلك المصاعب بدورها إلى

وهذا بدوره . عزلته والحكم عليه بأنه متعجرف ومتحجر ويفتقر إلى الليونة

-١٦٣-

كثر فأكثر مما سيزيد من سيؤدي إلى تمسك الشخص المعني بمبادئه وقيمه أوهكذا حتى يفقد هذا الشخص القدرة على التأقلم ويصبح معارضا ... مصاعبه

. ورافضا دائما مما يجعله بكل تأكيد عرضة الضطرابات التعلم في المدرسةوالمهم هنا هو أن من يعاني من اضطرابات حفز احترام الذات ال يعارض

أي إنه -ضافة إلى رفاقه في المدرسة معلمه فحسب، بل والديه أيضا باإلفالتمسك بالمبادئ بالنسبة إليه أهم بكثير من أي حل . يعارض الجميع

موضوعي وواقعي قد يضطره إلى التنازل ولو تنازال طفيفا عن مواقفه ولما كان االستعداد لقبول الحلول الوسط والتنازل بعض . ووجهات نظره

ية عالقة سليمة حتى بين األطفال، فإن الشيء عن المواقف الخاصة أساس أالطفل الذي يفتقر إلى الليونة في مواقفه وفي وجهات نظره سيدخل بكل تأكيد في عزلة خطيرة وسيعاني من اإلحباط مما سيدفعه للعب دور الرافض

وال شك أن تمسكه بهذا الدور وتوتره الدائم سيؤديان . المعارض أكثر فأكثر التعلم، ألنه سيرفض القيام بما يتوقعه منه إلى وقوعه في اضطرابات

اآلخرون وألن عزلته لن تسمح له بمعالجة إخفاقه المتكرر معالجة صحيحة وغالبا ما يسقط الطفل الذي يسعى إلى الكمال . والخروج من مأزقه سالما

واإلفراط في اهتمامه بالمبادئ والقيم رؤيته هذه على سلوكه ككل مما يضيف وعلى . ات التعلم شعورا بالذنب ألسباب أخالقية وإنسانية أخرىإلى اضطراب

العموم فإن هذا الشعور بالذنب منتشر جدا لدى الشباب في سن المراهقة الذين تطورا مفرطا " دافع العدالة واحترام الذات"قد تطور عندهم هذا الدافع الرابع

.على حساب الدوافع األخرىت؟ سيكمن الجزء األول من الحل في إبعاد فما الحل في مثل هذه الحاال

الطفل الذي يعاني من هذه االضطرابات إبعادا تدريجيا ومنهجيا عن ذهنية التمسك المفرط بالمبادئ ودفعه باتجاه اعتماد مواقف أكثر ليونة واستعدادا

وال شك . للقبول بالحلول الوسط في صراعه مع نفسه أوال ومع اآلخرين ثانياقدرة على تقبل التنازالت الطفيفة وأخطاء اآلخرين ومعاملتهم بحد أدنى أن ال

-١٦٤-

من التسامح هي شرط أساسي للتخلص من هذه الذهنية المعرقلة في التفكير وإذا ما أخذنا باالعتبار أن دافع احترام الذات لدى . والنمطية في السلوك

األخرى عندما الطفل إنما يميل إلى المبالغة في النمو على حساب الدوافع يتكرر إخفاقه وإحباطه بصورة مفرطة، فإن على المربي أن يلجأ إلى طريقة

أي إن على . خاصة ومشجعة في التربية تعاكس هذا التطور في االتجاهالمربي أن يفسح المجال أمام الطفل لكي يعيش أكبر قدر ممكن من النجاح من

وبوسع المربي االستعانة . ةخالل تكليفه بمهام تناسب قدراته وملكاته الفعليبمنهج التعلم المبرمج على سبيل المثال ألن هذا المنهج يحافظ على سرعة

.)∗(تعلم تناسب القدرات الفردية لكل طالبوال بد لنا بعد أن ننجح في إنجاز الجزء األول من الحل من أن نجعل

أيضا الطفل أو الشاب الذي يعاني من هذه االضطرابات يدرك أن للبالغينمبادئهم وقيمهم ولكنهم ال يعبرون عنها بالطريقة ذاتها التي يسلكها هو وبأن ذلك تحديدا هو ما يمكنهم من تطبيق مبادئهم وااللتزام بقيمهم تطبيقا والتزاما

وهكذا يرى الطفل أو الشاب أن المبادئ الصارمة . مقبولين وواقعيين ! صحيحة نظرياوالمتطرفة ال يمكن تطبيقها حتى ولو كانت

االضطرابات في مجال حفز االستقالل

عادة ما يكون دافع االستقالل هو المحرك الذي يحفز اإلنسان إلى تطوير رغبته في مساعدة اآلخرين واستعداده للقيام بالمهام الموكلة إليه من جهة ويجعله من جهة أخرى يحافظ على قدر كاف من التفرد والتميز يسمح

وفي . ته المتكاملة والتي تميزه عن غيره من بقية الناسله بضمان شخصي

ر للنشر، و، دار أ"إلى السيكولوجيامبرمج مدخل : "شفارتسه. -ـ و هكورل. ف)∗( ١٩٧٤، ثدوناوفور

W. Correll, H. Schwartze: Einführung in die Psychologie – programiert. Auer-Verlag, Donauwörth, 1974.

-١٦٥-

بعض الحاالت يمكن لهذا الدافع أن يتطور ويتضخم تضخما غير منتظم وال متزن يجعل أحد الجانبين يغلب على الجانب اآلخر، مما قد يؤدي في حاالت

وفي هذه الحال تترافق تلك . معينة إلى اضطرابات في التعلم واألداءات مع اضطرابات اجتماعية تحرم الطفل من القدرة على إقامة االضطراب

فنجد الطفل في هذه الحال يسعى إلى تفادي أي . عالقات متزنة مع اآلخرينكما نجده في . نوع من أنواع االرتباط من شدة خوفه على استقالله وشخصيته

من هذه الحال ضعيف القدرة على التركيز إلى أبعد الحدود إذا ما كلف بمهام، بينما نجده يتمتع بقدرة عالية على التركيز )األهل أو المعلمين(قبل اآلخرين

ومن الصعب ! واالهتمام عندما يقوم بأمور نابعة من قراره الذاتي والشخصيعموما جعل هذا الطالب يهتم بالوظائف التي يكلف بها، إال إذا نجح المربي

بتلك الوظائف تحديدا ويشعر "يكلف نفسه"في مخاطبته بالشكل الذي يجعله وحينئذ سيبدي هذا الطالب تركيزا . باستقالله عن زمالئه وعن البالغين عموما

على : وهنا يكمن مفتاح عالج هذا االضطراب. وأداء الفتين ومثيرين للعجبالشعور باالستقالل وأن ) أو الطفل عموما(المربي أن يوقظ لدى الطالب

فذلك . ل بدال من مخاطبة الرغبة في إرضاء اآلخرينيخاطب فيه ذلك االستقالوال يمكن أن يفعل شيئا إرضاء " من تلقاء نفسه"الطالب ال يقوم بأمر ما إال

وفي السياق ذاته يمكننا استيعاب أهمية إدخال حصص األعمال ! لشخص آخرلة والمواد االختيارية في المدرسة، والتي تبدو للتالميذ عموما قلي" الحرة"

األهمية، ولكنها بالنسبة ألولئك الذين يتوجهون وفق الدافع األساسي الخامس على درجة بالغة من األهمية، حتى إنها قد تؤثر في جو " دافع االستقالل"

.التعلم العام في المدرسة ككلوفي البيت يجب التعامل مع أولئك األطفال الذين يعانون من

د عن كل ما يمكن أن يوحي بالروابط اضطرابات حفز االستقالل باالبتعافال بد ألولئك األطفال أن يشعروا على الدوام بأنهم : الخارجية الضيقة

أحرار ومستقلون وبأنهم قادرون على تحمل مسؤولياتهم الخاصة في الحياة

-١٦٦-

وبالطبع علينا أن نركز على أهمية مسألة تحمل األطفال . وفي المدرسةوأما إذا أخذ المرء منهم . ورة مطردةلمسؤولية قراراتهم الخاصة بص

المسؤولية وترك لهم حرية اتخاذ القرار، فإنه يمهد دون شك لتطور خاطئ إن ما يستقر إليه الوضع عندئذ إنما هو نوع من شبه االستقالل يتميز : جديد

أي (بمطالب غير واقعية من قبل األطفال دون مشاركتهم الفعالة في تنفيذها وبقدر ما يعيش الطفل مبكرا تجربة تحمل مسؤولية )! بحقوق دون واجبات

أفعاله أكثر فأكثر بقدر ما يتعلم تنفيذ مطالبه بنفسه وبقدر ما يتخلص بسرعة وال . من خوفه وتردده أمام أخذ المهام والمسؤوليات الحقيقية على عاتقه

فعندما يطلب الطفل . ضير من أن يبدأ هذا التدريب في وقت مبكر جدار شراء الحلوى على سبيل المثال، يجب أال يستجاب لطلبه ببساطة، الصغي

بل بإمكان األهل أن يحددوا للطفل الصغير في عمر الخامسة أو السادسة وربما كمكافأة على إنجاز بعض األعمال الصغيرة في (بعض النقود أسبوعيا

فباستطاعته عندئذ أن يشتري . يمكنه أن يتصرف بها بكل حرية) البيتبنقوده تلك ودون أن يطلب السماح من األهل الحلوى المفضلة لديه ويستمتع

- ولكنه يجب أن يعي عندئذ أن النقود قد صرفت ! بها دون شروط إضافيةوال يسمح بأي شكل من األشكال أن يستعاض عن النقود المصروفة بنقود

لتي كانت وأن عليه أن يستغني عن تنفيذ رغباته األخرى ا-جديدة مباشرة وال بد هنا من درجة ! لنقود جديدة" كسبه"ممكنة بالنقود المصروفة إلى حين

معينة من الحزم والقسوة في التعامل مع الطفل، فهو بحاجة ألن يتعرف في السارية المفعول والتي يمكنه االنطالق من " القواعد"مثل هذه الحاالت على

أي إنه بحاجة ألن يتعرف على أنها تطبق دائما في الحاالت غير المريحة،بأنه يعيش في بيئة تحكمها قواعد !) أو البالغ(إن وعي الطفل . نتائج أفعاله

وبنفس . واضحة يكسبه االستقرار واألمان في سلوكه وتخطيطه للمستقبلالطريقة يجب أن يتصرف المربي في المدرسة في الحاالت التي يمكن

فللطفل حق ترك هذه : اختيارية ماللطفل فيها أن يختار أو يترك وظيفة

-١٦٧-

فقد يقلل المربي في اليوم . الوظيفة ولكن عليه تحمل عواقب قراره هذاوال يسمح بالطبع وال بحال (التالي من تعابير الثناء الموجهة إلى ذلك الطفل

، أو قد يرى أنه لم !)من األحوال أن يوبخ، ألن تلك الوظيفة كانت اختياريةرة المرتبطة بتلك الوظيفة بالجودة التي كان سيحل بها تلك يستطع حل المذاك

وال بد أن يجري تفسير هذه األمور . المذاكرة لو أنه حل الوظيفة االختياريةإقناعه "للطفل بهدوء وموضوعية، لكي ال يظن الطفل أن أحدا ما يرغب في

د بسلوك معين، ولكي يدرك أن الهدف هو شرح العواقب التي تعو" بالحيلة .عليه حيال تصرف ما يقوم به بإرادته الكاملة

هل تنتج اضطرابات التعلم عن أسلوب معني من أساليب الرتبية؟ -ب

بعد أن تطرقنا إلى أهم اضطرابات التعلم الناتجة عن االضطرابات في مجاالت الحفز األساسية، نأتي اآلن إلى اضطرابات التعلم ذات العالقة

رى، وفي مقدمها البيئة العائلية المعهودة التي تحيط بالمسببات العديدة األخفلبعض أساليب التربية المتبعة في األسرة آثار سلبية محتملة على . بالطفل

وعلى العكس من . نماء الطفل وتطوره وبالتحديد على سلوكه في مجال التعلم ذلك يمكن للمرء من خالل االنتباه إلى أهم العالقات التي تحكم نماء الطفل

ومن خالل انتقاء أسلوب التربية المناسب أن يبعد أخطار اضطرابات النماء .ويساعد الطفل مساعدة حقيقية

أسلوب التربية المتسلط كمسبب الضطرابات التعلم

يفتقد هذا األسلوب في التربية إلى العالقة الشخصية الحميمة والدافئة ة موضوعية وعادلة فاألهل هنا يعاملون الطفل معامل. بين األهل والطفل

احتياجات الطفل ودوافعه ) أو نادرا ما يأخذون(وصارمة ولكنهم ال يأخذون تحقيق ميوله " البارد عاطفيا"ونادرا ما يستطيع الطفل في هذا الجو . باالعتبار

.ورغباته ألن كل شيء يحدد ويقرر من قبل األهل وغالبا في غياب األطفال

-١٦٨-

التربية المتسلط الذي يطبق من قبل أحد وهنا يجب أن نفرق بين أسلوبوأسلوب التربية المتسلط الذي يطبق من قبل ) من قبل الوالد مثال(الوالدين

واألسلوب األول هو األخطر على نماء الطفل، ألن الطفل . الوالدين على التوازيفي هذه الحال يجد نفسه في جو متقلب وتختلط عليه األمور حيال تعاقب تأثير

الوالدين القاسي الصارم واآلخر العطوف اللين، مما قد يسبب انفصاما في أحد وهذا ما ينعكس في تعامل الطفل مع الناس المحيطين به في أغلب . مشاعره

األحيان، حيث يأخذ شكال متقلبا أيضا، مما يؤدي إلى رفضهم له بسبب ميله والذي سرعان ما ينقلب المفرط إلى التأقلم الذي ال يتصف بالثبات والديمومة،

لدى هذا الطفل، إذ إنه يتعلم " ثانويا"ويبقى دافع التعلم ! إلى رفض مفاجئ! أو لكي يكون مقبوال لدى اآلخرين ال لتحسين قدراته ومهاراته" إلرضاء المعلم"

وهذا ما - ولو لفترة وجيزة -وبمجرد غياب تقبل اآلخرين أو تقديرهم له ي في الصف بسبب تغير األداء الطبيعي لألطفال، يحصل بشكل طبيعي وتلقائ

يشعر الطفل باإلحباط وتصبح استجاباته إما عنيفة رافضة وإما استسالمية، وفي . أي إنه سيعاني من اضطراب في التعلم-الحالتين سيتأثر أداؤه المدرسي سلبيا

لب على األهل إذا اتباع أسلوب موحد ومشترك في التربية واالبتعاد عن تقوعليهم عالوة على ذلك االبتعاد عن األسلوب المتسلط قدر اإلمكان، . األسلوب

ألنه ال بد أن يؤدي إلى إحباط روح المبادرة لدى الطفل ويضعف قدرته على فإذا ما اعتاد الطفل في البيت على أن يقرر األهل كل شيء . التحمل واالستمرار

شعر أن رغباته تؤخذ على محمل في البيت دون أية مشاركة من قبله ودون أن يالجد بتقبل ومحبة، فإنه سيسقط هذا الجو على المدرسة ولن يتوقع هنا أيضا

ولكن المدارس العصرية لم تعد تتبع هذا األسلوب ". األوامر والنواهي"سوى ولذلك . المتسلط، بل إن المعلم في هذه األيام ينتظر مشاركة فعالة من الطالب

تاد في البيت على نمط التربية التسلطي سينزوي وينعزل فإن الطفل الذي اعبسرعة وسيكون عدد تجاربه الناجحة أقل بكثير من عدد تجاربه الفاشلة، مما

ومن الممكن تجنب هذا . اضطرابات في التعلم- ولو مؤقتا -سيسبب دون شك

-١٦٩-

خذ التطور من خالل استبدال أسلوب التربية التسلطي بأسلوب يستوعب الطفل ويأ .رغباته وتطلعاته على محمل الجد

من قبل " تسير"وغالبا ما نجد هذا األسلوب التسلطي في األسر التي . له" خاضعين"شخص متميز في نجاحه خارج األسرة مما يجعل الجميع

فاألب المكافح الناجح على سبيل المثال الذي توصل بجهوده الخاصة أثناء ، لم يصل إليها والده في الماضي، عندما شبابه إلى مراتب عالية في مهنته

يطلب من ابنه بصورة غريزية أن يخطو خطوه ويضع آماله في أن ابنه سيفوق نجاحه نجاحا، فإن ذلك سيعرض االبن إلى خطر اإلجهاد واإلرهاق . بسبب توقعات األب التي ال تأخذ قدرات الطفل بالحسبان وغالبا ما تفوقها

، ولكنه سيكتشف قريبا أنه غير "منافسته"لتمثل بأبيه وفاالبن سيحاول جاهدا اأن األب ال " يزيد الطين بلة" و-قادر على ذلك وأنه سيبقى أقل منه شأنا اجتهاده في "وكلما قارن األب بين ! يخفي امتعاضه وخيبة أمله حيال فشل ابنه

األب عليه وطلبه" عتب"، يستشف االبن "كسل ابنه في الحاضر"و" الماضيوعلى العموم . منه بأن يضاعف اجتهاده وجده، وهذا يزيد بدوره من إرهاقه

يمكننا القول بأن الخطر كبير في أن يكون تأثير بعض أصحاب المهن والمتعلمين المختصين والقياديين الناجحين الذين يسلكون نهج التسلط في

حية التربوية وأن تربيتهم األسرية سلبيا على أطفالهم أكثر منه إيجابيا من النافعادة ما تكون رغبة أولئك اآلباء واألمهات أن . يفسدوا أكثر مما يصلحونأو باألحرى (التي سلكوها هم في نمائهم " الناجحة"يسلك طفلهم نفس الطريق

، ال بل على الطفل بحسب رأيهم أن ينجز !)الطريق التي يظنون أنهم سلكوهاوال شك أن هذه النمطية في تفكير األهل ! على األقل ما أنجزه والده أو والدته

وسلوكهم تؤدي تلقائيا إلى إرهاق الطفل وتحميله فوق ما يطيق حمله مما أي عندما يجد - وال عجب حينئذ . يسبب إحباطه العميق وشعوره بالنقص

الطفل نفسه على الدوام بمواجهة شخص ناجح ومتسلط وعندما يتأكد كل يوم نزعة قوية نحو السلبية واالستسالم تؤدي في أن يطور -ضعفه وفشله

-١٧٠-

ومن . المدرسة إلى فقدان االهتمام وإلى الكسل وسرعة النسيان والمزاج السيئالذي يرضخ تحت هذه التربية التسلطية ) أو الشاب(ناحية أخرى فقد يقدم الطفل

على تصرفات تحد بعيدة عن المنطق وغير واقعية ما هي إال محاوالت للهرب وحينئذ يظهر الطفل غضبه على . الواقع الماحق الساحق الذي يرضخ تحتهمن

وهذا ليس -وقد يلجأ في بعض األحيان ) أو والدته السليطة(والده السليط إلى أفعال عنيفة -بالنادر في أجواء األسر التي تتبع أسلوب التسلط في التربية

وكمثال من . ئتهأو إجرامية ضد سلطة األهل وضد السلطات األخرى في بيالواقع نورد قصة شاب له أم طموح كانت معلمة قبل أن تتزوج والد الشاب

لقد كانت األم ترهق الشاب بوظائف مدرسية . الذي يعمل أستاذا في الجامعةإضافية ولم تكن تترك للشاب أية إمكانية لكي يثبت شخصيته في أي من

فنادرا ما . قوقع في عالمه الداخليمجاالت الحياة، مما أدى به إلى االنعزال والتكان يختلط باألوالد اآلخرين، وعلى العكس من ذلك فقد كان يؤاثر البقاء في

ثم . البيت ويمتنع عن التحدث إلى اآلخرين من شدة خوفه وخجله وانطوائهوالده على تعلم ركوب الخيل وأصر على أن تكون الدروس األولى " أجبره"

كن هنا أيضا سرعان ما اتضح أن الشاب ضعيف ول. تحت إشرافه شخصياوتعوزه الرشاقة مما أدى إلى سقوطه مرتين من على ظهر الحصان سقوطا

وقد استفزه ضحك والده لدى سقوطه، والذي كان راكب خيل بارع، . مؤلماحتى إنه شرط سرواله الجلدي وأضرب عن المشاركة في حصص التمرين

ب في سن السادسة عشر على قتل والديه في شقتهما وقد أقدم هذا الشا. الالحقة بالقرب من مدينة جيسنGießen ومن ثم سلم نفسه للشرطة وما ) ألمانيا( في

.يزال تحت الحراسة في مصح نفسي وعقلي

أسلوب التربية المدلل

نقصد بهذا األسلوب الحالة األكثر انتشارا من األسلوب المتسلط في ي، حيث يقوم األهل بتمهيد الطريق أمام الطفل والعمل أسر المجتمع األلمان

-١٧١-

على إبعاد كل ما يعترض طريقه من مصاعب بصورة مبالغ فيها، كما وكثيرا ما يقف خلف . يحاولون دائما تلبية جميع رغبات الطفل تلبية مباشرة

هذه الطريقة المدللة في التربية إحساس عميق لدى األهل بتأنيب الضمير، رون أنهم ال يهتمون بطفلهم االهتمام الواجب، ولذا فإنهم يعملون ألنهم يشع

. على التعويض عن ذلك باإلفراط في إظهار المحبة والعطف والتدليلوتظهر هذه الحالة على وجه الخصوص عندما يعمل األبوان خارج البيت طوال األسبوع، فنجدهما يحاوالن بعد انتهاء الدوام وخالل العطلة األسبوعية

. للتعويض عما يعانيه الطفل في غيابهما" اهتماما مركزا"ن يهتما بالطفل أكما تظهر هذه الحالة أيضا عندما يقوم الجد أو الجدة بتربية الطفل، حيث

" الفقير"األهل الذي يحرم منه هذا الطفل " حب"يحاوالن بدورهما تعويض الصحيح في " بالحب"ولكن هذا التدليل ليس له أية عالقة . في غياب والديه

واقع األمر، بل على العكس من ذلك، فإن التدليل يخلق بصورة إجبارية وضعية تشبه تلك التي تنشأ من خالل أسلوب التربية المعاكس، أي األسلوب

ففي كلتا الحالتين يتشكل لدى الطفل شعور عميق باإلحباط يؤدي : التسلطيفالطفل المدلل سيطلب دائما . طغالبا إلى سلوك العنف أو إلى اليأس والقنو

المزيد من الدالل والمداراة إلى أن يصاب أخيرا باإلحباط إما داخل بيئته التربوية ألن طلباته المتزايدة ال يمكن أن تحقق جميعها، وإما خارج بيئته

إذا يشترك ! ألنه سيصدم بعدم التفهم من قبل اآلخرين خارج األسرةدلل في أمر جوهري وهو إرهاق الطفل وتحميله األسلوبان التسلطي والم

فوق طاقته، بفارق بسيط بين األسلوبين وهو أن اإلرهاق في األسلوب األول التسلطي يفرض من الخارج، بينما يكون في األسلوب الثاني المدلل الطفل

من خالل إدخال نفسه في (ذاته هو من يرهق نفسه ويحملها فوق ما تطيق : والنتيجة واحدة في كلتا الحالتين). يحبط فيهاوضعيات ال بد أن

اضطرابات التعلم في المدرسة بسبب غياب القدرة على التحمل واالستمرار . واالهتمام الموضوعي والالزم بشؤون المجموعة واإلحساس باالنتماء إليها

-١٧٢-

ولعل السبب في أن التدليل ما يزال منتشرا انتشارا كبيرا في المجتمعات ولد واحد أو (نية يكمن في أن أسر تلك المجتمعات صغيرة في غالبيتها األلما

، مما يغيب التأثير اإليجابي لإلخوة واألخوات في هذا )ولدان على األكثرفنرى أن كل الحب والدالل ينصب في األسر الصغيرة على الطفل . المجال

وحيث ، وبخاصة عندما يتوفر مستوى معين من الرفاه االقتصادي"الوحيد"فلم ال : يرى األهل أن عليهم أن يوفروا ألطفالهم ما حرموا منه في طفولتهم

!والوضع االقتصادي يسمح بذلك؟وفي الواقع فإن الطفل بحاجة في مرحلة نمائه إلى حد معين من الممانعة، وعلينا أن نوفر له البيئة المناسبة لتطوير قدرته على فرض إرادته

مهدنا له الطريق وذللنا أمامه الصعاب فإننا نحرمه من وإذا ما. وتحقيق ذاتهعلينا على العكس من ذلك أن نهيئ له مهام ووضعيات تتناسب . تلك البيئة

تماما مع قدرته على إنجازها والسيطرة عليها بنفسه ودون الحاجة المباشرة يل في الحقيقية تجاه الطفل، بينما قد يشكل التدل" المحبة"وهذه هي ! لمساعدتنا

.حقيقة األمر خطرا كبيرا على نماء الطفل وتطوره بشكل سليمولقد انتهى األمر بالكثيرين من األطفال الموهوبين جدا والذين قد فشلوا في المدرسة وفي الحياة العملية الحقا إلى هذه الحالة السيئة بسبب هذا األسلوب

ن يثبتوا ذاتهم ويفرضوا إرادتهم فهم لم يتعلموا مرة أ! المدلل في التربية البيتيةوأن ينجحوا في تحقيق مرادهم من خالل عملهم المستقل ومثابرتهم بوجود حد طبيعي من الممانعة، بل لقد اعتادوا دائما على أن هناك من يساعدهم ويأخذ بيدهم

.ويزيح من أمامهم العراقيل ويحقق لهم جميع رغباتهمالمطاف يفتقدون إلى االستقالل ولذلك فال عجب أن نجدهم في نهاية

وإلى الجرأة في أخذ المسؤولية على عاتقهم وإنجاز مهامهم بجهدهم وعملهم وغالبا ما ينتج عن تلك التربية تشاؤم ونظرة سلبية تجاه الحياة . الشخصي

وفي بعض -وفي كثير من األحيان هروب إلى تعاطي الكحول والمخدرات ن خالل تلك المواد المخدرة يعيش الشاب فم! الحاالت في سن مبكرة جدا

-١٧٣-

إن تعاطي الكحول أو . الشعور ذاته الذي اعتاد عليه دائما في طفولته المدللةلجميع المشاكل وهروب من الواقع إلى عالم " حل بسيط وساذج"المخدرات

"!خال من المشاكل"خيالي في وتتضح مساوئ أسلوب التربية المدلل عندما يكون األسلوب السائد

األسرة الواحدة متقلبا، أي عندما يكون أحد الوالدين مدلال واآلخر صارما أو عندما يتبع الوالدان معا تارة األسلوب المدلل وطورا األسلوب الصارم، مما يحرم الطفل من إمكانية التعود على أسلوب موحد ويجعله يتأرجح دائما بين

من والده على سبيل المثال، " حقه"ى فإذا لم يحصل هذا الطفل عل. األسلوبينوهكذا . يلجأ إلى والدته وهو على يقين من أنه سيحصل منها على مراده

يبحث هذا الطفل دائما عن الطريق األسهل والذي يواجه فيه أقل قدر من وال عجب في أن تؤدي هذه . الممانعة لكي يتجنب مواجهة التحديات الحقيقية

!كد إلى سوء األداء في المدرسة وفي الحياةالطريقة وبشكل تلقائي ومؤ

أسلوب التربية المهمل

بالرغم من أن أهمية هذا األسلوب تبقى دون أهمية األساليب السابقة في ، علينا أال )أسلوب التسلط وأسلوب التدليل واألسلوب المتقلب(عصرنا الراهن

". إهمال الرفاهية"ننسى أن اإلهمال ال يقتصر على الفقراء، بل إن هناك ما يسمى ويسود هذا النوع من اإلهمال على سبيل المثال عندما تكون اهتمامات األهل

فصحيح أن . مهنية بحتة، بحيث ال يبقى للطفل ما يكفيه من االهتمام والرعايةخارجيا، إال أن ما ينقصه فعال هو " ال يعوزه شيء"الطفل في هذه الحاالت

. وذلك النوع من الحب المرتبط بالوقت والصبرالعطف والدفء الداخلي والحنان ال شيء يمأل - بالغرض يفتفالهدايا وغرفة األطفال المزودة بكل شيء ثمين ال

وهذه هي حال ما . مكان العطف والحنان والعالقة الشخصية الحميمة مع األهلوال يقتصر نشوء ! في عصرنا هذا" Schlüsselkinderبأطفال المفاتيح "يسمون

ء األطفال بالضرورة على أوساط األهل الذين يريدون الحفاظ على هؤال

-١٧٤-

ممارستهم لعملهم مهما كلفهم األمر فحسب، بل إنهم ينشئون عموما في األوساط التي يهتم فيها األهل بشراء أحدث المنتجات الصناعية وبرفع مستوى دخلهم أكثر

!من اهتمامهم بتربية أطفالهم وبوجودهم معهماألطفال المهملون إلى ذلك الحد يطورون نزعة مفرطة لكسب إن أولئك

وهذا ما يرهق بالطبع الزمالء والمعلمين . مودة وتقدير اآلخرين في المدرسةمما سيؤدي بدوره إلى خذل وإحباط أولئك األطفال ويقوي . على حد سواء

وهذا ما يسهل دون شكل نشوء اضطرابات التعلم . مشاعر رفضهم للمدرسة وفي بعض الحاالت تتطور لدى أولئك األطفال عوارض مازوشية، أي .لديهم

إنهم يطورون نوعا من المتعة في العذاب واأللم الذاتي ويسعون وراء كل ما فعلى سبيل المثال قد يحاول الطفل . هو مؤلم ومذلل للنفس كاإلخفاق والعقوبة

لدرس إثارة المهمل من خالل مبالغته في عدم االنتباه والتشويش في حصة اوعوضا من ! حفيظة المعلم عن قصد إلى الحد الذي يدفع معه المعلم لمعاقبته

أن يشكل هذا العقاب أمرا مزعجا بالنسبة لذلك الطفل، كما هي الحال بالنسبة وقد ! الطفل به ويعتبر أنه قد حصل على مراده" يستمتع"لألطفال العاديين،

- وتتطور إلى أن تصبح مرضا خطيرا تستمر النزعة المازوشية لدى الطفل وينبع خطر هذا . يهدد شخصيته وحياته في آن معا- عندما يبلغ الطفل

المرض على صاحبه في أنه يتصرف بطريقة تثير غضب اآلخرين وتجعلهم يقدمون على ردود فعل عنيفة تجاه المريض دون أن يعون أنهم مجرد أداة في

ن هذا المرض يهدد شخصية صاحبه ألنه كما إ. يده للحصول على ما يريديجبره على التزام مواقف قسرية شاذة ليس بمقدوره التحرر منها باالعتماد

وعلى العموم لن يكون هذا الشخص قادرا على العيش . على قدراته الشخصيةفي الشراكة أو على إقامة أي عالقة عادية، ألنه ال يرى في الطرف اآلخر

كما يستمتع الشخص . يد ميوله المازوشية الشاذةسوى أداة مساعدة لتجسالمازوشي بلعب دور البائس في هذه الحياة وبسرد قصص بؤسه وبالتفصيل

.الممل لكل من يبدي استعداده لإلصغاء إلى تلك القصص

-١٧٥-

أنماط األسر الخاصة التي تزيد من احتمال حدوث اضطرابات التعلمدي إلى حدوث اضطرابات باإلضافة إلى أساليب التربية التي قد تؤ

التعلم لدى األطفال هناك أنماط معينة لألسرة تزيد من احتمال حدوث مثل هذه ، )أب وأم وأطفال(إنها أنماط تشذ عن النمط الطبيعي لألسرة : االضطراباتنمط أسرة زوج "، و"نمط األسرة بال أم"، و"نمط األسرة بال أب"ومن بينها

نمط "، و"نمط األطفال يتامى األب واألم"، و"نمط أسرة زوجة األب"، و"األم ".األسرة المحطمة

يفتقد الطفل في األسرة بال أب إلى العنصر األبوي الذي يناط به عادة . دور الموجه الحازم المكمل لدور األم الذي يزود األسرة بالحب والحنان

وبالطبع من الممكن أن يحتل شخص ذكري آخر مكان األب الحقيقي في الذي يتوجه الطفل بمساعدته، ولكن " الشخص المرتكز"ويقوم بدور غيابه

المشكلة في هذه الحال تكمن غالبا في غياب العالقة العاطفية الحميمة بين فمن الطبيعي أال يظهر الشخص البديل رعايته العاطفية . الطفل واألب البديل

ألم له في في جميع الحاالت وتحت كل الظروف وهذا ما يشعر به الطفل ويتوعالوة على ذلك فإن التغيير المتكرر للشخص المرتكز يضر . الالوعي

بتطور شخصية الطفل كما رأينا سابقا عندما تطرقنا إلى نماء الطفل من وبوسع األم طبعا أن تشغل دور األب واألم في . منظار إشكالية عقدة أوديب

يبحث الطفل في المدرسة وكثيرا ما. آن معا ولكنها نادرا ما تنجح في ذلكولكن ال المعلم وال أحد الزمالء يستطيع أن يشغل . عن بديل لوالده الغائب

وهذا ما سيحبط الطفل ويجعله منغلقا على نفسه، . مكان األب بصورة مقبولةوسيظل هذا الطفل . مما يؤدي بدوره إلى تدني مستوى أدائه في المدرسة

وال شك أنه . بلغ ويخرج من المدرسةيبحث عن بديل لوالده حتى عندما ييرهق بذلك اآلخرين ألنه يطلب منهم ما يفوق طاقتهم على العطاء من العطف

وليس بمقدور شريك الحياة في المستقبل . األبوي الذي حرم منه طوال حياتهفقد تتزوج السيدة التي ترعرعت في . أن يسد الفجوة التي تركها غياب األب

-١٧٦-

ربما ألنها تبحث في الالوعي عن رجل يقوم (برها سنا غياب والدها برجل يك، ولكن هذا الزواج سيتحول يوما ما إلى مصدر للنزاع !)مقام والدها

والصراع والمشاكل ألن أهداف الطرفين وتطلعاتهما متباعدة وال تتفق مع ما .يستطيع كل منهما أن يقدمه لآلخر

تربى في أسرة بال وبطريقة مشابهة يمكننا وصف وضع الطفل الذي يفهذا الطفل سيبحث في المدرسة وفي الحياة العملية الحقا عن عطف األم : أم

الذي افتقده في طفولته والذي قد ترك غيابه أثرا سلبيا جدا على نمائه وتطور أن يقدم بديال حقيقيا - وال الشريك الحقا -وال يستطيع المعلم . شخصيته

!ودائما لعطف وحنان األموقد ال تدوم في الواقع حالة األسرة بال أم طويال، إذ سرعان ما يتزوج . األب بعد فقدان الزوجة أو سرعان ما يوكل تربية الطفل إلى مربية أنثى

وهكذا ينتقل الطفل من بيئة األسرة بال أم إلى بيئة أسرة زوجة األب التي مشاكل العاطفية التي فهنا تظهر ال. بدورها لها مشاكلها النمطية الخاصة بها

تنتج عن عدم قدرة زوجة األب في األحوال العادية على الحفاظ على توازن بين سعيها وراء تربية طفل زوجها بمحبة واهتمام وضمان عدم إهمال أطفالها

، ونجدها في أغلب !)أو عدم إهمال زوجها إذا بقيت دون إنجاب(اآلخرين فإذا ما . لة طفل زوجها بقسوةاألحيان مفرطة في حرصها على عدم معام

عاقبته مرة أو قست عليه في طلبها منه بأن يحسن أداءه على سبيل المثال، ألنها ستظن أنها بالغت في قسوتها (فإنها سرعان ما تعاني من تأنيب الضمير

وهذا ما قد يؤدي إلى أسلوب التربية المتقلب، والذي شرحنا سابقا ). عليه" قاس"إن تأرجح المعاملة بين . على نماء الطفلمخاطره الكبيرة والجمة

يفقد الطفل الثبات واالستقرار ويجعله متقلبا ويدفعه إلى محاولة التوقيع " لين"وبين األب وزوجة األب وقد يحاول أيضا جذب المعلم وإقحامه في هذه

وال يمكننا في هذه الحال تصحيح اضطرابات التعلم التي تحدث لدى "! اللعبة"طفل، ألننا ال نستطيع بسهولة تصحيح وضع أسرته من الخارج، بل على ال

-١٧٧-

األبوين استيعاب الحالة السيكولوجية للطفل لمساعدته على تخطي العقبات .التي تقف في طريق نمائه وتحسين أدائه

وال شك أن الزيجات المحطمة هي أسوأ بيئة ممكنة لتنشئة األطفال كل من األبوين حياته الخاصة، أو عندما فعندما يعيش . الروحية والنفسية

يتشاجران باستمرار أو عندما يفقدان تواصلهما إال لكي يزل أحدهما اآلخر ويقلل من شأنه، فإن ذلك سيدمر في الطفل أهم عامل من عوامل تطوره

فصحيح أن الطرفان ربما . شعوره بالطمأنينة في بيته وبين أهله: السليم، ولكن هذا النوع من أنواع التقرب ال يشبه الحب يقتتالن للفوز بود الطفل

الذي يحتاجه الطفل في شيء، بل هو مجرد أنانية اإلنسان الذي " اإليجابي"وال شك ! يسعى للفوز على الطرف اآلخر من خالل منعه من امتالك الطفل

أن الطفل يعي ويشعر بحقيقة اقتتال أبويه بمساعدة حسه الداخلي وغريزته هده أن يقرب بينهما ويرى نفسه كصلة وصل لجمع شمل ويحاول كل ج

وتشغل محاوالته هذه جل وقته وال تترك للنشاطات . العائلة من جديدفنرى الطفل يميل إلى الشرود في أحالم اليقظة . األخرى كالتعلم إال القليل

ونراه يفقد قدرته على االنتباه ومتابعة ما يدور حوله، ونجده يبالغ غالبا في ه وحيائه وفي بعض األحيان يبالغ في االتجاه المعاكس، أي في خجل

ومن هنا نرى أن من واجب . تصرفاته العنيفة والمشاكسة والمعارضةاألهل أن يضبطوا أنفسهم في تصفية حساباتهم ومناقشة مشاكلهم أمام

في قول وفعل كل ما يخطر في بالهم وأن " يأخذوا راحتهم"أطفالهم وأال رام اآلخر وبالحدود الدنيا للمعاملة السليمة حتى ولو بدا ذلك يلتزموا باحت

أن يرى - بل مطلوب - إنه ألمر مقبول ! بعيدا عن الصراحة والصدقالطفل أن أبويه ليسا دائما على وفاق تام حيال جميع المواضيع، ولكن

فعلى األهل . المبالغة في الخالف والنزاع واالقتتال تسيء جدا إلى مشاعرهأقل تقدير أن يخفوا عن طفلهم مشاعر الكره واالحتقار المتبادلين ب

وبإمكان اإلنسان أن يتعلم النزاع والشجار بطريقة تحفظ كرامة . والدائمين

-١٧٨-

الطرف اآلخر عن طريق االلتزام بقواعد وحدود معينة ومحاولة فهم وتفهم سك التم"و" اإلصرار على الموقف"وما . وجهة نظر اآلخر والتقرب منها

التخلي عن كل "و" إصدار األحكام السريعة"و" بوجهات النظر الخاصة !سوى استسالم وإخفاق" شيء

اضطرابات التعلم اخلاصة -ت

ضعف المقدرة على استخراج المعاني

بقي علينا أن نتطرق في عجالة إلى بعض اضطرابات التعلم الخاصة نشوئها من خالل بعد أن تكلمنا عن اضطرابات التعلم العامة وعن كيفية

خلل ما في أسلوب التربية أو من خالل إجراءات منهجية خاطئة في طريقة وأولى هذه االضطرابات الخاصة هي اضطراب ضعف . التعليم في المدرسة

وهو اضطراب خاص يقتصر في ) ليغاسثنيا(المقدرة على استخراج المعاني ت األخرى من األصل على مجال القراءة والكتابة وال يشمل المجاال

ومع ذلك فقد يؤدي هذا االضطراب الحقا وبسبب حاالت . المقدرات التعلميةاإلخفاق التي يعاني منها الطالب في مجال القراءة والكتابة إلى ضعف عام

وبالرغم من أن تفاصيل ! وانخفاض في مستوى األداء في جميع المجاالتن خلال عضويا أو أسباب هذا االضطراب غير معروفة حتى اآلن، إال أ

فهناك على سبيل المثال مؤشرات تدل . عصبيا قد يقف في األساس خلفهعلى ارتباط هذا االضطراب بمحاولة غير مبررة لجعل الطفل الذي يعتمد

، وقد يرتبط بصورة )اليسر(يعتمد على يده اليمنى ) العسر(على يده اليسرى ، أي إن الطفل يكون قادرا على "تفصيل العام"عامة بضعف في المقدرة على

لذا تتم . رؤية الكل ولكنه ال يقدر على رؤية التفاصيل والتعرف عليهامعالجة هذا االضطراب بصورة أساسية في التدرب على رؤية التفاصيل والتعرف عليها ضمن الكلمات والمقاطع والحروف المتشابهة، وذلك من

نحو (ى بلوغ درجة التمكن خالل التقدم في خطوات صغيرة وتكرارها حت

-١٧٩-

Schurz أو بين كلمة Reiter وكلمة Ritterالتعرف على الفرق بين كلمة ولقد ). واستيعاب ذلك الفرق من الناحية اللفظية والمعنويةSchutzوكلمة

أثبتت طريقة التمرن على الضرب على اآللة الكاتبة جدواها لمعالجة هذا الضرب على جميع أحرف الكلمة االضطراب، ألنها تجبر المتعلم على

وهذا ما يغيب أحيانا لدى األطفال الذين يعانون . واالنتباه إلى تسلسلها السليممن هذا االضطراب إذا ما كانوا يكتبون باليد، حيث يكثرون من ارتكاب

تجدر . (خطأ تبديل الحروف وهو خطأ نمطي بالنسبة لهذا االضطرابالذي " Tipsi"على الضرب على اآللة الكاتبة اإلشارة هنا إلى برنامج التدرب

طورناه نحن، ألنه موجه إلى األطفال الصغار الذين يتعلمون القراءة وبوسع األهل بمساعدة هذا البرنامج أن يستبقوا تفاقم هذا . والكتابة

االضطراب إن وجد ويمنعوا ظهوره أصال، كما يفيد هذا البرنامج بالطبع خاصة معالجة مظاهر االضطرابات الشبيهة في إجراءات المعالجة وب

).بضعف المقدرة على استخراج المعانيوالمهم هنا هو أن العديد من االضطرابات الشبيهة باضطراب ضعف المقدرة على استخراج المعاني ليست سوى مؤشرات على أن الطفل لسبب أو

ي في علم وبوسع االختصاص! لآلخر لم يتعلم القراءة والكتابة تعلما سليماالنفس وبمساعدة االختبارات المطورة خصيصا لهذا الغرض أن يكشف ماهية االضطراب الذي يعاني منه الطفل، ويحدد إن كان اضطرابا حقيقيا في

وعلى األهل إذا ما . المقدرة على استخراج المعاني أم اضطرابا شبيها بهت إلى مختص ظهرت على طفلهم مثل هذه األعراض اللجوء في أسرع وق

لالنتصاح برأيه عالوة على تكريس الكثير من الوقت واالهتمام لتعليم طفلهم وال يتعلق . تعليما سليما- وهي حروف األبجدية - عناصر القراءة والكتابة

مستوى االهتمام المطلوب من األهل بطريقة التعلم، سواء أكانت الطريقة صل إلى الحروف أم كانت الطريقة التحليلية التي تبدأ بالكلمة لتحللها وت

.التركيبية التي تبدأ بالحروف لتنتهي إلى تركيب الكلمات

-١٨٠-

اضطراب ضعف المقدرة على الحساب

لقد أصبح اآلن هذا االضطراب واسع االنتشار، مثله في ذلك مثل . االضطراب في مجال القراءة والكتابة، بعد أن كان فيما مضى نادر الحدوث

يدل على أن هذا االضطراب غير حقيقي وغير متأصل وما هذا سوى مؤشرفي الطفل، بل إنه في الغالب اضطراب ظاهري ناتج عن طريقة التعليم الخاطئة وقلة التمرين على العمليات الحسابية وندرة التعامل مع األعداد على

فإذا ما بدأ المعلم على سبيل المثال في درس الحساب بعلم . أرض الواقعمباشرة ولم يع أن الطفل الذي لم يسبق له أن تعامل مع الحساب المجموعات لتكوين تصور موضوعي سليم عن األعداد، " نقلة عضوية ومنطقية"بحاجة إلى

فإن اضطرابا ما قد ينشأ لدى الطفل شبيها باضطراب ضعف المقدرة على الحساب ولكنه قابل للتصحيح ببساطة من خالل تصحيح تصور الطفل عن

دون (داد وربطها بالواقع واستيعاب العمليات الحسابية استيعابا تطبيقيا األعوقد يكلف هذا التصحيح الطفل والقائمين على !). االكتفاء بتعلم جدول الضرب

. وقتا وجهدا كبيرين، بيد أن النتيجة تستحق ذلك- من مدرسين وأهل -التعليم أشياء من الواقع يتم تبديلها من مرة فعلى الطفل أن يتعلم أوال األعداد بمساعدة

ألخرى، ومن ثم ينتقل إلى عمليات الجمع والضرب التي يجب أن تطبق أيضا على أشياء ووضعيات من الواقع مرات ومرات حتى ينجح الطفل في عملية

وحتى ينجز الخطوة الثالثة من ) التي جرى الحديث عنها سابقا" (االنسحاب" .في تعامله مع األعداد" ريدالتج"خطوات التعلم وهي

اضطراب ضعف الذاكرة

من ضعف شديد دون ) والكبار(قد تعاني الذاكرة أيضا لدى األطفال وإذا كان السبب عضويا . أن يكون هناك أي سبب عضوي لهذا الضعف

ولكن الغالبية . بالفعل يمكن تشخيصه وعالجه بمساعدة طبيب مختصفعلى . األطفال سببها قلة التمرينالعظمى من حاالت ضعف الذاكرة لدى

-١٨١-

المرء أن يستخدم ذاكرته ويمرنها منذ طفولته وباستمرار إن هو أراد أن لقد اعتاد الطالب في الماضي على تمرين ذاكرتهم من خالل . يحافظ عليها

وبالرغم من . حفظ القصائد الشعرية الطويلة عن ظهر قلب على سبيل المثالبة ومملة بعض الشيء، إال أنها كانت مجدية في أن تلك التمارين كانت رتي

وبالطبع هناك . الحفاظ على ذاكرة قوية ال نجدها لدى الطالب في أيامنا هذهحقائق وعالقات ومعطيات أكثر فائدة من القصائد يمكننا أن نوجه الطالب

فال عجب إذا في ظل . إلى حفظها، ولكن المهم أن يمرن الطالب ذاكرتهمللتدريب على الحفظ أن تنتشر ظاهرة ضعف الذاكرة حتى بين هذا اإلهمال

!األطفال الصغارويبدو أن الشخص البالغ في أيامنا هذه يعاني أيضا من ضعف الذاكرة المزمن، ألنه قد عود نفسه على كتابة كل ما يريد االحتفاظ به من معلومات

المرء أن يستعيد وبوسع ". ليريح ذاكرته"واعتاد أن ينسى كل ما يسجله خطيا ، إذا ما بدأ بخطوات متواضعة أن يعود نفسه على "المفقودة"قوة ذاكرته

كاستخدام (االكتفاء أوال بتسجيل أجزاء من المعلومات التي يريد االحتفاظ بها رؤوس األقالم أو األحرف األولى من الكلمات المراد تدوينها والتي اعتاد

يصبح قادرا على االستغناء كليا عن التدوين إلى أن) سابقا على كتابتها كاملةوال ضير من اللجوء إلى ! واالحتفاظ بجميع المعطيات والمعلومات في رأسه

التي تسهل الحفظ من خالل ربط الكلمات الجديدة بعناصر من " جسور الذاكرة"وباستطاعة المرء حفظ الكلمة على سبيل المثال بطريق . مخزون الذاكرةا بنفس الفعالية التي يحفظ فيها الكلمة بطريق كتابتها مرات تكرار ترديده

الكثير من الحقائق عن الذاكرة، ) انظر فقرة التعلم(ولقد ذكرنا سابقا ! عديدة .مما يجعلنا نكتفي هنا باإلشارة إليها دون تكرار سردها

وبينما نجد أن علم النفس قد وجد لنفسه استخداما واسعا في مجال ى إن اختصاصا كامال وهو علم النفس التربوي قد نشأ وتطور التربية حت

وتكونت داخله اتجاهات تهتم بالطرائق واألبحاث، نجد أن تطبيق هذا العلم

-١٨٢-

المفيد لم يأخذ المكان الالئق به في مجاالت التعايش اإلنساني األخرى برغم احدا لم يطلع وال نجد عمليا معلما و. أهميتها الحيوية لنجاح الحياة البشرية

أثناء دراسته على الحقائق األساسية في علم النفس، بينما قد نصادف الكثيرين من األطباء والمحامين على سبيل المثال ممن لم يسمعوا إال بالقليل القليل عن هذا العلم أثناء دراستهم، مع أنهم بأمس الحاجة للحقائق والمعطيات التي

وال يقتصر ! عاملهم مع مرضاهم وموكليهميعلمها علم النفس لضمان نجاح تاألمر بالطبع على هاتين المهنتين، بل إن هناك العديد من المهن والنشاطات . المرتبطة بعلم النفس ارتباطا وثيقا ولكن ممارسيها لم يتعلموا عنه إال القليل

.وفيما يلي نود التطرق إلى تطبيق علم النفس في بعض هذه المجاالت

-١٨٣-

. V لم النفس العيادات الطبية ومكاتب احملاماةع

الجوانب السيكولوجية في عمل العيادات الطبية - ١يعرف الجميع العالقة التي تربط بين الحالة النفسية لإلنسان ومعاناته

ولقد تطرقنا سابقا وبشيء من التفصيل . العضوية التي يتعامل معها الطبيب عادةوأما ما سنناقشه هنا . لمسبب النفسي في عصرنا هذاإلى المشاكل العضوية ذات ا

ودون إهمال الدور الجوهري واألساسي -هو كيف يستطيع الطبيب في عيادته أن يرفع من فعالية عالجه من خالل -للتشخيص والعالج العضوي البحت

.استيعاب الحقائق والقواعد السيكولوجية وتطبيقها تطبيقا فعاال

يد الناس من إمكانية الفحوص الوقائية؟ملاذا ال يستف -أ

إن أول ما سنناقشه هنا هو موضوع اإلجراءات الوقائية، والتي تقي في كثير من األحيان من أمراض خطيرة، ألن غالبية األمراض يسهل عالجها في

وصحيح أن جميع الجهات والمؤسسات المعنية . مراحل تطورها األولىص المبكر، ولكن الحقيقة المرة هي أن تنصح بإجراءات الوقاية والتشخي

الكثيرين من الناس ال يطبقون تلك النصائح وال يستفيدون من اإلمكانات والسؤال المهم . المعروضة في هذا المجال للحفاظ على صحتهم وسالمتهم

لماذا ال يذهب المرء إلى الطبيب إلجراء الفحوص الوقائية، بالرغم : اآلن هو - ي المجتمعات التي توفر ألفرادها الضمان الصحي ف-من أنها ال تكلفه

سوى بعض الوقت؟ نورد فيما يلي أهم الحقائق والمعطيات السيكولوجية ذات .الصلة بموضوع نقاشنا

-١٨٤-

أمناط املرضى الثالثة -ب

نمط المريض الشجاع

ال يشعر هذا المريض بالمرض ما لم يكن األلم شديدا جدا وفوق ما ر المريض باأللم الشديد واستطاع تخفيفه بمساعدة وإذا ما شع! يحتمل

. ولذا فهو ال يتكلم عن مرضه". شفي"قرص مسكن، فإنه يعتبر نفسه قد كما إنه يرفض الحديث في موضوع احتمال موته، ويرفض أيضا أن يكتب وصيته أو يختص بمكان له في المقبرة لكي يدفن فيه بعد مماته، بينما

ال يذهب المريض من هذا النمط إلى ! آلخرينيتقبل الحديث عن موت االطبيب إال إذا اشتد به المرض واأللم لدرجة ال يطيق تحملها، ويحاول قبل

ويعتبر " البيتية"نفسه بالمستحضرات " يداوي"أن يذهب لمقابلة الطبيب أن ".مضيعة للوقت"الذهاب إلى الطبيب

نمط المريض الخائف

الذهاب إلى الطبيب، وهو خوف هناك سبب آخر قد يقف خلف عدم ولذلك نجده يفعل كل ). ومن الموت(المريض الشديد في الالوعي من المرض

وال يرغب هذا المريض . ما بوسعه لطمس حقيقة مرضه وإبعادها عن وعيهفي معرفة حقيقة مرضه وتفاصيلها، ونجده مستعدا لتضليل الطبيب وعدم

حتى يحصل منه -تى للكذب عليه وح-إخباره بكل التفاصيل التي يعرفها "! جيد" بأن وضعه الصحي - يعرف في قرارة نفسه أنه خاطئ -على تأكيد

إننا نعرف اآلن أن هذا المريض، إذا ما طلب منه أن يأتي في اليوم التالي جراء بعض الفحوص، سيجيب باإليجاب على السؤال إمن أجل " على الريق"

وفي الوقت ذاته ". شيئا من الطعام هذا الصباح؟أمتأكد أنك لم تتناول : "التالينجده على استعداد لالعتراف بأنه قد تناول فطوره إذا جاء السؤال على نحو

ماذا تناولت في وجبة الفطور هذا الصباح، جبنا أم لحما مقددا؟ وهل : "آخر

-١٨٥-

احتوت وجبتك على البيض أيضا؟ وماذا شربت مع الوجبة، الشاي أم ورويدا رويدا سيكتشف الطبيب أن المريض قد شرب القهوة وتناول ، "القهوة؟

!الخبز مع البيض وبعض الجبن وأصنافا كثيرة أخرى في وجبة فطورهلل إن الحقيقة هي أن هذا المريض ال يضلل الطبيب فحسب، بل إنه يض

وال يريد تقبل كونه مريضا، بل إنه يفضل عوضا عن ! نفسه في المقام األولومع أن الطبيب قد يتمكن برغم عدم . ذلك العيش مع الوهم بأنه صحيح كليا

تعاون المريض من تشخيص المرض بالطرق المستقلة عن تصريحات شك المريض نفسه، ولكن إجراءات التشخيص والمعالجة تكون وبدون أدنى

.أسهل بكثير عندما يكون المريض متعاونا

نمط المريض المتردد

هناك باإلضافة إلى النمطين السابقين نمط المرضى الذين يضخمون إنهم في . بعض عوارض المرض البسيطة بينما نجدهم يخفون الشر األعظم

الغالب أناس يسهل التأثير عليهم، حيث نجدهم يشعرون بالمرض بمجرد أن وفي بعض ". ماذا جرى لك؟! يا إلهي كم تبدو مريضا: " أحد مايقول لهم

األحيان يكون أولئك المرضى من أتباع بعض المذاهب المتطرفة في نظرتها للعالج أو في رؤيتها للسالمة الصحية التي ال تفعل شيئا سوى تخليص المريض من خوفه في الالوعي، وبذلك تكون قد حرمته بصورة غير مباشرة

فما علينا فعله إذا هو . كانية المعالجة الصحيحة على يد طبيب مختصمن إمالتأثير على الناس من خالل تثقيفهم وجعلهم على استعداد لالمتثال لفحوص وقائية منتظمة وتقبل ما يشخصه الطبيب وما يصفه عن قناعة وصدق مع

تع الجانب وبالطبع ينطبق ما قيل أيضا على المعالجة السنية، حيث يتم. الذاتالنفسي بأهمية خاصة، ألن آالم األسنان ومعالجتها قد تكون في بعض األحيان شديدة اإلزعاج، مما يدفع المريض إلى تأجيل مراجعة الطبيب والمكابرة على

. مناطق النخر ومعالجتها" حفر"األلم ورفض مواجهة الحقيقة المرة بوجوب

-١٨٦-

زعج من خالل الكشف المنتظم الم" الحفر"وفي الواقع يستطيع المرء تجنب ولقد تمت . على صحة األسنان وعالج اآلفات في مراحل تطورها المبكر

االستفادة من هذه الحقائق واألفكار السيكولوجية في السنوات األخيرة من قبل الجهات الحكومية ومؤسسات التأمين الصحي بعد أن اتضح مقدار المبالغ

مي بسبب إهمال هذه الحقائق وعدم االستفادة الطائلة التي تهدر من الدخل القووهنا تجدر اإلشارة إلى األثر التثقيفي اإليجابي للدعايات التي تحاول . منها

الترويج لنوع معين من أنواع معجون األسنان أو لنوع معين من أنواع سوائل غرغرة الفم أو أنواع مستحضرات النظافة األخرى كالصابون على سبيل

شك أن تلك الدعايات تحاول من خالل إعطاء هذه المعلومات وال . المثالالتثقيفية الترويج لمنتج معين وبيعه بقصد الربح، ولكنها تساعد عن غير قصد

.على نشر وعي صحي بالغ األهمية

مسألة معاجلة سيكولوجية سليمة-الفوز بثقة املريض -ت

له دعما كبيرا في يتمتع علم النفس بأهمية كبيرة بالنسبة للطبيب ويقدممسعاه إلنجاح معالجة مرضاه، باإلضافة إلى ما ذكرناه سابقا من الحقائق . السيكولوجية فيما يتعلق بالفحوص الطبية الوقائية واإلجراءات الوقائية األخرى

وهنا ال بد من اإلشارة إلى األهمية القديمة قدم الزمن لعلم النفس في نشوء وال شك أن نجاح . والمريض وبين المريض والدواءعالقة الثقة بين الطبيب

بعض أنواع الدواء يرجع إلى فعله السيكولوجي أكثر من فعله الكيميائي كما إن النجاح المميز الذي يحققه بعض األطباء دون غيرهم ال شك ! العضوي

أنه يتعلق بقدرتهم على االستفادة من حقائق علم النفس أكثر من تعلقه بقدراتهم مية الطبية ومعرفتهم بتفاصيل األمراض وعالجها، تلك القدرات والمعارف العل

.التي يشتركون بها مع غالبية األطباء الذين يشاركونهم االختصاص نفسهوهكذا فإن نجاح الطبيب ال يتوقف على تشخيص المرض ووصف العالج الناجع بقدر ما يتوقف على معالجة المريض الذي هو إنسان في المقام

-١٨٧-

واستجاباته هي مخاوفه " اإلنسان"ول، ومن أهم المحددات لسلوك المريض األومواقف الثقة أو عدم الثقة التي يتخذها تجاه اآلخرين باإلضافة إلى آماله

فآالم ظهر المريضة . وتوقعاته التي تؤثر تأثيرا كبيرا على عملية الشفاءوالذي يمكن كشفه (الطفلة قد تكون ناتجة عن خطأ في بنية عامودها الفقري

، ولكنها قد تكون من ناحية أخرى نتيجة )بمساعدة صورة باألشعة السينيةوقد يكون سبب آالم المعدة ! للضرب المبرح الذي تعرضها له زوجة أبيها

!قرحة معدية وقد يكون الخوف من الفشل واإلخفاق في العملمريضه فعلى الطبيب إذا أن يتعرف على الدوافع التي تحكم سلوك

وأن يربط إجراءات ) وفقا للتصنيف الخماسي للدوافع األساسية عند اإلنسان(" يهزأ"ويجب على الطبيب أال . التشخيص والعالج بتلك الدوافع ربطا وثيقا

مبالغا فيها أو ى ولو كانت في واقع األمر مخاوفمن مخاوف مريضه حت. محمل الجدغير مبررة، بل ال بد له أن يأخذ تلك المخاوف على

وباستطاعته فيما بعد أن يزيل تلك المخاوف من خالل شرح الواقع للمريض بطريقة يتقبلها ويتجاوب معها ومن خالل إيقاظ األمل والتفاؤل بالشفاء في

وال بد هنا من اإلشارة إلى وجوب احترام الطبيب لشخص المريض . داخلهدائما أن اختالف وعلى الطبيب أن يعي . ولخصوصياته في كل األوقات

األشخاص المرضى يستدعي تطبيق العالج الفردي والشخصي لكل مريض فبينما يستدعي عالج المريض األول أن يكون الطبيب صبورا . على حدة

ويشرح لمريضه جميع تفاصيل مرضه وطريقة العالج، يكفي لعالج المريض الثاني إعطاء فكرة مقتضبة عن المرض والعالج لكي ال يصاب

ومن ! المريض باليأس واإلحباط إذا ما عرف كل تفاصيل مرضه وأخطارهالمثير للدهشة أن نعرف أن غالبية الناس يفضلون أن يصابوا بمرض خطير ومن ثم أن يشفوا منه بسرعة بمساعدة حيويتهم المتميزة ووضعهم الصحي

فسرد هذه القصة المرضية أمام األصدقاء واألقارب أفضل من . الجيدوقد نجد أن ! تراف باإلصابة بمرض بسيط والمعاناة بسببه لفترة طويلةاالع

-١٨٨-

بعض الناس يفاخرون بأنهم قد شفوا من أحد أخطر األمراض وأكثرها ومن البديهي أن اسم الطبيب المعالج الذي ساعد ! استعصاء على المعالجة

وال شك أن هذه القصص التي يسردها . على الشفاء سيذكر في سياق القصةلمرضى السابقون هي من أفضل وسائل الترويج والتسويق لعمل الطبيب ا

ومن أفضل الطرق على اإلطالق النتشار السمعة الجيدة والشهرة بالنسبة .لطبيب في بداية طريقه المهني

ولكن المبالغة في إظهار خطر حالة المريض الفعلية تخفي من ناحية الغ هو اآلخر في وصف حالته أخرى خطرا كبيرا، ألن المريض عادة ما يب

الصحية ويضيف إلى الصورة التي رسمها له الطبيب مخاطر إضافية، وقد إلى طبيب آخر سوف " ال أمل في شفائه"يذهب عندئذ بمرضه الذي أصبح اآلن

!".عجز األطباء جميعا عن عالجه"يدعي حينئذ أنه قد نجح في عالج مريض

لنساءاملشاكل اخلاصة بعالج املرضى ا -ث

وذلك . هناك عالقة خاصة ومميزة تربط بين الطبيب والمريضة األنثىيعود إلى أن المرض مرتبط لدى األطفال بالعقوبة، والعقوبة مرتبطة باألهل

ولذا فال عجب أن تربط المريضة الطفلة - وباألب على وجه الخصوص -كي له الكثير في عقلها الباطن بين الطبيب الذي ستح) وحتى المريضة البالغة(

أي إنها ستكون مكشوفة أمامه وتحت - عن مرضها ومشاكلها الخاصة ، وقد ترى في شخص الطبيب من جهة أخرىووالدهامن جهة -سلطته

ولذا فإن موقفها من الطبيب غالبا ما يتسم باالحترام والطاعة، ! صورة والدهاوقد ينتج . دهافتوصياته وأوامره واجبة التنفيذ كما لو كانت صادرة عن وال

عن ذلك صراع داخل المريضة بين المقام النفسي السيكولوجي للطبيب في ففي بعض األحيان تبوح المريضة : وجدان المريضة وبين مقام ومكانة زوجها

للطبيب من خصوصياتها أكثر ما تبوح به لزوجها، مما قد يؤدي إلى تقوية ة تفوق عالقتها بزوجها قوة عالقتها بالطبيب كإنسان أيضا ويجعل تلك العالق

-١٨٩-

وهذا ما قد يصدم المريضة لدى اكتشافها لهذه الحقيقة المحرجة، . وقربافتحاول العمل على معاكسة هذا التطور وتبدأ برفض نصائح الطبيب

وبعبارة أخرى، تتفجر داخل المريضة ! وتصويره على أنه طبيب سيئتها في طفولتها تجاه مشاعر متناقضة تجاه الطبيب شبيهة بتلك التي طور

والدها، عندما أحبته في الالوعي وفي الوقت ذاته بغضته ورفضته ألنها وقد تطرقنا إلى تلك المشاعر المتناقضة تجاه ! حملته مسؤولية رفضها لوالدتها

.األب عندما ناقشنا عقدة أوديب في فصل سابق من هذا الكتابمجرد أن يفسح المجال ب" فعل شفائي"وعلى العموم قد يصل الطبيب إلى

أمام المريض لكي يجلس مع طبيبه بارتياح ويتكلم عن مشاكله العضوية والنفسية وبخاصة في الحاالت المرضية التي يقع سببها في المجال النفسي أكثر منه في المجال العضوي، حيث يكون عالجها سيكولوجيا أكثر منه

دقة ولكننا ال نخطئ في تقديرنا إذا ال يمكننا معرفة نسبة تلك الحاالت ب. دوائيا ال تقل - وبخاصة فيما يتعلق بالمرضى النساء -انطلقنا من أن تلك النسبة

فالمطلوب إذا . بالمئة من جميع الحاالت التي يعالجها الطبيب٤٠ إلى ٣٠عن من الطبيب في المقام األول هو تقديم الوقت الكافي لإلصغاء إلى المريضة

طريقة ( وكسب ثقتها من خالل اإلدارة غير المباشرة للحديث وتفهم معاناتها )!اإلصغاء واالكتفاء بإبداء االهتمام البالغ بما يقوله الطرف اآلخر

وقد ينشأ في بعض الحاالت صراع حقيقي بين الطبيب والمريضة، ألن . تعلق المريضة المفرط بالطبيب قد يعزز أوهام وتخيالت قد تربك الطبيب

" عالقة عاطفية"هذه الطريقة شائعات عن مالمسة حميمية أو حتى وقد تنشأ ببين الطبيب والمريضة، مع أن ذلك ال يتعدى في الواقع كونه ضربا من

نابعا عن رغبة عارمة في الوعي بعض المريضات " أحالم اليقظة"ضروب وهنا ينصح الطبيب . لعالقة حميمية حرمن منها في طور من أطوار تطورهن

مساعدة أو (يحرص دائما على وجود شخص ثالث أثناء المعاينة بأن ، لكي ال ينفرد بالمريضات الالتي يبدين تلك النزعة للتوهم والتخيل )ممرضة

-١٩٠-

كما ينصح فضال عن ذلك باإلسراع في وضع حد صارم لتطور . المرضيوالشبيه في كثير من األحيان بتعلق الطفلة (تعلق المريضة المفرط بطبيبها

، إذا ما اكتشف بوادر هذا التطور قبل أن تنشأ تلك التخيالت )بوالدهاوالتصرفات التي تنتج عنها، والتي دون أدنى شك، من شأنها أن تلحق

.الضرر الكبير بسمعة عيادة الطبيب

تصورات وأفكار- الطبيب املثايل - ج

يجد الطبيب الحديث في ممارسة مهنته نفسه في وضع صعب جدا، إذا فكل أنواع الدعاية التي يلجأ إليها . ا أراد أن يعرف الناس بنفسه وبخدماتهم

أصحاب المهن األخرى في جميع الوسائل اإلعالمية واإلعالنية محظورة على وجل ما بوسعه اإلعالن عنه هو أنه قد افتتح عيادته أو أنه قد انتقل ! الطبيب

ر عليه اللجوء إلى أي إلى مكان آخر أو أنه قد عاد من عطلته، بينما يحظشكل من أشكال الحمالت الدعائية السيكولوجية الفعالة التي تهدف إلى الترويج

فكيف له أن يروج لعيادته إذا؟. وجذب االنتباهإن اإلجراء الوحيد الذي يستطيع القيام به فعال إنما هو التأثير

هؤالء السيكولوجي اإليجابي المدروس بحرص شديد على مرضاه حتى يقوم. ومن تلقاء أنفسهم بنشر رضاهم وانطباعاتهم اإليجابية بين معارفهم وأقاربهم

وهنا يتفوق الطبيب الذي . وهكذا يكون قد فعل الدعاية الشفوية غير المباشرةأي الطبيب الذي يدخل إلى غرفة (يتقن استخدام الصورة األبوية اإليجابية تمكنا معرفيا واختصاصيا ممزوجا المعاينة وهو يشع ثقة وهدوءا مطلقين و

على الطبيب المرتبك والمتوتر والمتسرع والمتناقض في ...) باللطف والتفهمفكما ذكرنا سابقا للطبيب عموما مكانة األب لدى المرضى ! آرائه وأحكامه

النساء، وعليه فضال عن ذلك أن يترك االنطباع أمام المرضى الرجال بأنه ئ وصارم مع االبتعاد كل البعد عن التكبر وعن محاولة رزين ومتمكن وهاد

وفي هذا السياق علينا أن نذكر حقيقة ! التقليل من شأن ومن علم المريض

-١٩١-

ملفتة فعال وهي أن الذين يعملون في مجال االقتصاد في يومنا هذا يتقبلون ويفضلون أن يكون رؤساؤهم وقياديوهم من الشباب بينما نجدهم ال يقبلون أن

فمن المؤكد أن الناس يعتقدون أن الطبيب ". بلوغا"كون أطباؤهم أقل منهم يالمتقدم في السن ال بد أن يكون أكثر خبرة ونضجا من الطبيب الشاب وهو

ولذا يجب على . في المقام األول يصلح للعب دور األب في الوعي المريض يتوقعها الطبيب الشاب أن يحاول تجسيد الصفات والسمات الشخصية التي

وهذا التجسيد يجب أن يراعي الصورة -" الشخصية األبوية"المريض من فال يفترض في الشخصية األبوية أن ترتدي آخر صرعات : الظاهرية أيضا

!األزياء على سبيل المثال، بل عليها أن تميل قليال إلى التحفظوهكذا ينصح طالب الطب أكثر من غيره بين طالب االختصاصات

رى أن يتابع أثناء دراسته االختصاصية بعض محاضرات علم النفس وأن األخيشارك في ورشات العمل التي تعمق بعض الجوانب التطبيقية منه والتي

فربما يتوقف نجاحه المهني في المستقبل على مدى . تناسب عمله المستقبلي !إلمامه بعلم النفس أكثر من توقفه على قدراته االختصاصية

كيف أتعامل مع طبييب؟: من وجهة نظر املريضتساؤل - ح

لما كانت عالقة الطبيب بالمريض هي عالقة شراكة ومنفعة متبادلة، لقد . فإن من المهم أيضا أن ننظر إلى تلك العالقة من وجهة نظر المريض

رأينا سابقا أن ثقة المريض بطبيبه هي شرط أساسي من شروط نجاح يض أن يختار طبيبا يشعر بأنه قادر على الوثوق المعالجة، ولذلك ال بد للمر

. فكما أننا ال نشعر باالرتياح تجاه أي كان، فإننا ال نشعر بالثقة بأي كان. بهوال جدوى من الذهاب إلى طبيب نرفضه في داخلنا ونلجأ إليه فقط لمجرد أن

!به" ونصحنا"أحدا ما قد ارتاح له يب، أصبح من الواجب إخباره دون وإذا ما أقيمت عالقة الثقة مع الطب

ويبدو من المهم جدا أن . تحفظ عن كل ما نشكو منه بصورة دقيقة وواقعية

-١٩٢-

نفصل فصال تاما وواضحا بين الشكوى والتشخيص، فمهمتنا نحن كمرضى فذلك ! تنحصر في توضيح شكوانا وال تتعداه إلى تقديم مقترحات التشخيص

علينا إذا أن . ب ويضلله أكثر مما يساعدهغالبا ما يشكل عبئا على الطبيدون زيادة أو نقصان حتى نفسح له المجال لكي " حقيقة شكوانا"نشرح للطبيب

.يمارس مهنته بنجاح ويساعدنا على الشفاء السريعهناك العديد من األمراض المخجلة والتي قد ال نرغب بتسميتها باسمها

ة والحكمة وأن نتعامل مع طبيبنا بكل الحقيقي، ولكننا ال بد أن نتسم بالشجاعومن المؤكد أن ! فالطبيب الموثوق مؤتمن على األسرار. صدق وصراحة

الخجل وتزوير الحقيقة ال يفيدان هنا في شيء، فمن سيدفع الثمن في نهاية المطاف هو نحن، عندما يخطئ الطبيب في تشخيص مرضنا وال يصف لنا

!العالج الشافيب يقوم بعمله ونطلب منه المساعدة، فإننا نغذي ثقته وعندما نترك الطبي

وال شك أنه يصبح حينئذ أكثر استعدادا لمساعدتنا منه . بنفسه ونشعره بأهميتهعندما نحاول التدخل في عمله وتقديم التشخيص لمرضنا واالدعاء بمعرفة

ج وال عجب عندئذ أال نلقى المعاملة التي نرغب بها أو العال! الداء والدواءالمناسب الذي كنا سنلقاه لو أننا طلبنا النصح والمساعدة بالطريقة التي تشعره

برسالته اإلنسانية في تقديم "بأنه الطبيب فعال وبأنه عندما يعالجنا إنما يقوم ".المساعدة لآلخرين

وفضال عن شرحنا المفصل والدقيق لوضعنا الصحي ولشكوانا . نضع الطبيب في صورة حالتنا النفسيةالعضوية فإنه لمن المفيد أيضا أن

وبإمكاننا إخباره أيضا بالربط الذي نراه بين عوارض مرضنا وبعض أسبابها كل الحرص أال يخرج - مرة أخرى -المحتملة، ولكننا يجب أن نحرص

ذلك عن صيغة التوقع حتى نتفادى الوقوع في خطأ إزعاج الطبيب بتدخلنا في .مهامه واختصاصه

-١٩٣-

توصلنا أخيرا بمساعدة كل ما سبق ذكره إلى عالقة ثقة مع وإذا ماطبيبنا وأصبح يعرف عنا كل ما يلزم لمتابعة العناية بصحتنا في المستقبل، علينا أال نبدله دون سبب وجيه يستدعي ذلك فعال، بل أن نحتفظ به طبيبا

المرور إذ إنه سيتوجب علينا في حال بدلنا طبيبنا . للعائلة أطول وقت ممكنبكل إجراءات التعرف السيكولوجي على الطبيب الجديد التي مررنا بها مع طبيبنا السابق، ناهيك عن أن الطبيب الجديد سيضطر لفحصنا من جديد

.والتعرف على وضعنا الصحي العام بكل تفاصيلهويختلف األمر عندما تضطرنا حالتنا الصحية لمراجعة طبيب

وهنا ال بد . بيب العائلة إلى ذلك االختصاصيفعندئذ سيحولنا ط. اختصاصيلنا من التعرف على الطبيب االختصاصي والوثوق به دون الحاجة للتوصل إلى عالقة ثقة دائمة معه، ألن عالقتنا معه ستنقطع بمجرد شفائنا من الحالة

.المرضية المؤقتة التي نمر بها وسنعود إلى طبيب العائلة مجددابعض الحاالت للتعامل مع أكثر من اختصاصي وقد يضطر المرء في

في الوقت ذاته أو للدخول إلى المشفى، حيث يضطر للتعامل مع فريق كامل وهنا أيضا علينا دائما أن نتذكر أن ما هو حالة استثنائية بالنسبة . من األطباء

بة لنا تشغلنا كليا وتضيق على حياتنا، إنما هو الحالة الطبيعية الروتينية بالنسوعلينا أن نحاول تفهم هذه الحقيقة . لألطباء وأفراد الطاقم الطبي في المشفى

والتأقلم بسرعة مع الوضع في المشفى، وأال نبالغ في حساسيتنا وفي طلباتنا فكلما ...). نحو طلب أنواع خاصة وفريدة من الطعام وما إلى ذلك(الخاصة

كلما حصلنا على عناية طبية زاد التزامنا بنظام المشفى أو العيادة الطبية،وال يجب أن ينطلق المريض من أن الفريق الطبي إنما يقوم بواجبه . أفضل

فمع أن ! عندما يقوم بمعالجة جميع المرضى على أتم وجه وبالسرعة القصوىهذا صحيح من حيث المبدأ، إال أن الواقع يتعلق إلى حد بعيد بالحالة النفسية

إذا فاألمر ! وال يمكن ألحد أن ينكر ذلك-الطبي لكل فرد من أفراد الطاقم منوط بنا أيضا، وعندما نشعر أننا ال نلقى العناية الالزمة من قبل أفراد الطاقم

-١٩٤-

الطبي المعالج، علينا أال نضع اللوم كله على اآلخرين، بل أن نسأل أنفسنا م وهل نحاول تسهيل عملهم وتفهم مشاكله! هل نهتم نحن بأمرهم؟: أيضا

وتقدير جهودهم حتى نتوقع منهم أن يعاملوننا باهتمام يفوق متوسط اهتمامهم !بالمرضى اآلخرين؟

وعندما يكون جوابنا على هذا التساؤل باإليجاب، وفقط عندئذ، سنجد أن من الممكن أن تشكل حتى إقامتنا المرضية الطويلة والصعبة في المشفى

لم يساعدان على نضج شخصية فالعذاب واأل: تجربة إيجابية في حياتناوكم من مفكر يرى بأن القدر ينعم على اإلنسان عندما يجعله يتألم . اإلنسان

وبمقدورنا من خالل طريقتنا في . فيزيده من خالل ألمه قوة وصبرا وحكمةتحمل مرض صعب أن نقدم مثاال إلخوتنا في اإلنسانية وقد يترك المريض

بعد وفاته، ألن االنطباعات المؤثرة هي ذكرى طيبة في المشفى تدوم حتى وقد نساعد إنسانا آخر أكثر مما . التي تحتل الذاكرة وتكتسب صفة الديمومة

نتصور عندما نحافظ في األوضاع الحرجة على رزانتنا وكرامتنا وعندما نصبر على بلوانا ونكرر شكرنا وامتناننا لما يقدم إلينا من عناية واهتمام

وال ضير من . ذلك بديهيا بل معروفا يشكر عليه صاحبهوعندما ال نعتبرنمدح أو "ولنجرب مرة أن . تكرار الشكر واالمتنان كلما سنحت الفرصة

ممرضة أو طبيبا على ما يقومان به من أجلنا حتى نرى كيف تنقلب " نشكروإذا ما لمسنا لدى ذلك الطبيب أو تلك ! المباالتهما إلى اهتمام ورعاية وعناية

لممرضة رغبة حقيقية في مساعدتنا على الشفاء، يكون ذلك دون أدنى شك ا وهذا اإلنجاز -نتيجة تأثيرنا السيكولوجي اإليجابي على الطبيب كإنسان

.يحسب لنا دون سواناوإذا ما اقتربت من الطبيب وتعرفت على شخصيته، فإن بإمكانك

لكي تربط في حديثك التعرف على دوافعه األساسية التي تحكم سلوكه العام فكما على الطبيب أن يعاملك . معه ما تريده منه بدوافعه وأهدافه الشخصية

كمريض بما يتفق مع دوافعك األساسية، عليك أنت أيضا أن تنتهج النهج ذاته

-١٩٥-

فعلى سبيل . لكي يسهل التفاهم بينكما وتنتج عنه المعالجة األنجع واألفضلتصرف بدافع السعي وراء االحترام المثال تجب مخاطبة الطبيب الذي ي

والمقام الرفيع في المجتمع ويصرح عن تشخيصه بشكل يظهر مدى كفاءته وتميزه بطريقة تختلف عن الطريقة التي نتحدث فيها مع طبيب يتصرف بدافع األمان والحرص واإلتقان ويقدم تشخيصه الموثوق بشكل هادئ وحذر وربما

ب علينا أيضا التعرف على الطبيب الذي ولن يصع. يبالغ في حذره وتواضعهدافع الثقة والعالقات الشخصية (يتوجه في تصرفه وفق الدافع األساسي الثالث

وال شك أن التعامل مع هذا . والتعامل معه بما يناسب هذا التوجه) الجيدةفي حين يتميز التعامل مع . النمط من األطباء هو األسهل على اإلطالق

التقيد بالقوانين واإلخالص (ه وفق الدافع األساسي الرابع الطبيب الذي يتوجبصعوبته، ألننا يجب أن نبتعد في تعاملنا معه عن كل ما يمت إلى ) للمبادئ

) ومن ذلك خصنا بمعاملة مميزة على سبيل المثال(تفضيل شخص على آخر وربما نقدم االنطباع الجيد الذي نطمح. بصلة وعن كل ما يخل بمبدأ العدالة

إليه ونحصل على احترام هذا النمط من األطباء من خالل تركيزنا على وأما بالنسبة للتعامل مع الطبيب . الموضوعية ودقة المواعيد في التعامل معهم) االستقالل والشعور بالمسؤولية(الذي يتوجه وفق الدافع األساسي الخامس

وعلينا في . اشرةفعلينا توخي الدقة واالختصار والدخول في لب الموضوع مبهذه الحال أال نحاول التأثير على قرار الطبيب المستقل من خالل اإلفصاح عن اعتقادنا، فهذا ما يتعارض تماما مع توجهات هذا النمط من األطباء في

!استقاللهم باتخاذ قراراتهم وتحمل تبعاتهاوالمهم إذا هو التعرف على اإلنسان في الطبيب وتوجيه تصرفنا معه

الطرف " يعالج"فكل من الطبيب والمريض . ومعاملتنا له بما يتفق مع شخصيتهالطبيب من خالل التعرف على ما يسعى إليه " يعالج"ألن المريض . اآلخر

الطبيب ذاته أثناء قيامه بمعالجة المريض ومن خالل تقبله لما يبتغيه الطبيب وإذا ما أهملنا ما . ومساعدته على تحقيقه أو من خالل رفضه وإهماله لذلك

-١٩٦-

يبتغيه الطبيب من معالجتنا كمرضى، فإننا نكون قد أغمضنا أعيننا عن الحقائق السيكولوجية وتصرفنا وكأن من واجب الطبيب أن يساعدنا بغض النظر عن

فالمواقف الشخصية هي . موقفه الشخصي منا، بينما نجد أن الواقع مغاير لذلك .إليجابية بين الطبيب والمريضصاحبة األثر األكبر على الشراكة ا

جوانب سيكولوجية للممارسات الحقوقية - ٢ !هل يتبدل الحق أم من يحكم بالحق؟

إن كل ما ذكرناه سابقا فيما يخص عالقة المريض بالطبيب يبقى ساري المفعول على عالقة المريض مع طبيب األسنان ومع بعض التعديالت على

إن . وهذا ما سنناقشه اآلن في عجالة. ي أيضاعالقة الموكل بالمحامي أو القاضهو محصلة أشكال السلوك البشري ) أو القوانين التي نحكم وفقها بالحق(الحق

المقبول والمتفق عليه والموثق في نظام أو كتاب يمكن الرجوع إليه في جميع . األوقات، ولذلك فهو متعلق تعلقا كبيرا بعلم النفس الذي يدرس السلوك البشري

يتبدل ويتغير بحسب الظروف، ولما " الحق"ولما كان ما يفهمه الناس من تعبير فإن على - ولو ببطء شديد -كانت أنماط السلوك البشري المقبول تتبدل

الحقوقي برغم سعيه الدائم إلى تطبيق القانون أن يبحث عن اتجاهات لقوانين التي وهكذا تطورت ا. واجتهادات في سن القوانين الحديثة وتفسيرها

تهدف إلى ضبط سلوك الناس من التركيز على دور العقاب في بداية األمر مرورا بالتركيز على دور الردع واالعتبار ") العين بالعين والسن بالسن("وصوال إلى التركيز على الدور الوقائي ) عقوبات الشنق العلنية وغيرها(

الحقوقي أكثر فأكثر من دور وهكذا يقترب. لإلجراءات القانونية والقضائيةفالحقوقي الذي يسعى إلى وقاية المجتمع من الجريمة يجب عليه . عالم النفس

أن يسعى أوال إلى التعرف على الدوافع التي قد تجعل من اإلنسان العادي كما إنه يقترب في مهامه من المربي أيضا، ألن عليه أن يسعى أيضا ! مجرما

كمحام أو قاض إلى محاولة تغيير دوافع األشخاص من خالل ممارسة مهنته

-١٩٧-

وفضال عن ذلك فإن علم النفس . حتى ينتج عن ذلك تغير إيجابي في سلوكهميساعد الحقوقي في مهنته من خالل جعله يستوعب تفاعل اإلنسان مع بيئته، إذ

يؤدي إلى اختالف تقييم " المجرمين المحتملين"إن اختالف سن ومنشأ وجنس الحقيقية، وعلم النفس يدرس هذه العالقات ويزود الحقوقي بالخبرة دوافعهم

والمعرفة لكي يتمكن من الحكم على الحاالت المختلفة بصورة أسلم وأقرب إلى وعالوة على ذلك يؤثر ذكاء الشخص وقوة مشاعره ورغباته على . الواقع

حمل فكم من المسؤولية على سبيل المثال نستطيع أن ن. الحكم على أفعالهولنأخذ على سبيل المثال قوانين ! شخصا محدود الذكاء عن فعل يخالف القانون؟

إن كل سائق سيارة هو في حكم مخالفة : السير التي يزداد تعقيدها يوما بعد يومالقوانين بمجرد أن يجلس خلف مقوده، إذا لم يتأكد قبل ذلك من سالمة سير

!ألضواء والفرامل وغيرهااآلليات األساسية في سيارته، بما فيها ا

هل ميكن تعلم السلوك القانوني؟-أسباب خمالفة القانون -أ

إن مدى سالمة تصرف المرء إنما هو وقف على قدرته على تعلم التصرف الصح "وبالرغم من أن اإلنسان قد زود في تكوينه بحاسة عامة تفرق بين . السليم

تكفي للحكم على تفاصيل األمور ، إال أن هذه الحاسة أو القدرة ال"والخطأجهل المخالف "وتتجلى أهمية معرفة القانون من خالل القول الشائع بأن . وتعقيداتها

وهذا ما يوضح أهمية الربط بين علم !" بتفاصيل القوانين ال يقيه من نيل العقاب من جهة وتطبيقهما على أرض الواقعمن جهة النفس التعلمي وعلم الحقوق

مسببات السلوك المخالف للقانون هي ذاتها مسببات السلوك القانوني، إن . أخرىوينبثق جزء من هذه المسببات من البيئة التي نعيش فيها على شكل محفزات

والتي تضم على وجه " العوامل المتراكمة"مباشرة بينما ينتج الجزء اآلخر عن . والمدرسية بما في ذلك تربيتنا البيتية-الخصوص نمط تجاربنا السابقة

فلنأخذ على سبيل المثال طفال في الخامسة من عمره، عاقبته أمه مرارا ألنه مأل جيبه بالسكاكر من السوبرماركت لكي يتباهى بها أمام رفاقه، بينما

-١٩٨-

نجدها تسمح له بأخذ ما يريد من النقود من صندوق العائلة ليشتري بها ما قد نجد والدي الطفل فخورين و. يحلو له من األلعاب والبوظة والسكاكر

بممارستهما التربوية الثانية، ألنها ممارسة عصرية متقدمة وألنها تحل مشكلة الطفل، كما إنه يتعلم بهذه الطريقة كيفية التعامل السليم " خرجية"االتفاق على

مع النقود في وقت مبكر، فضال عن أن ذلك سيساعده الحقا على استيعاب ولكن الطفل ومن خالل ! هذا رأي األبوين-با أفضل درس الحساب استيعا

أصبح غير - ولسنا في صدد تقييمها اآلن -هذه الطريقة الخاصة في التربية قادر على تجاهل إغراءات السوبرماركت ومقاومتها وال شك أنه يخفق في

فلماذا يكون ما هو : استيعاب الفرق بين األخذ في البيت واألخذ في المتجر !في البيت ممنوعا في المتجر؟مسموح

ولنأخذ موضوع اإلعالم مثاال آخر على مساهمة المجتمع في تقديم " تمجيد"المسببات للسلوك غير السوي، فهناك نواكب يوميا كيف يجري

األعمال اإلجرامية من خالل التركيز عليها واالهتمام بها في مختلف وسائل كما إننا نادرا ما نقرأ ! اعة والتلفزةاإلعالم من جرائد ومجالت ومحطات اإلذ

بينما نقذف " الجيدة"أو نسمع أو نشاهد في وسائل اإلعالم خبرا عن األعمال فإذا ما أراد ! من جميع الجهات باألخبار التي تحكي عن األفعال اإلجرامية

، عليه إذا بعمل إجرامي، ألن ذلك النوع تحديدا من "مشهورا"المرء أن يصبح عال يلقى اهتماما ال مثيل له ويحرز انتشارا أوسع بكثير من أي فعل سوي األف

أو قانوني، وبخاصة ألن الفعل القانوني هو القاعدة وهو الذي يحتاج للجهد والتضحية بينما قد يقود الفعل المخالف للقانون ودون عناء إلى مكاسب مادية

! حتى ولو كان محفوفا بخطر العقاب-واجتماعية يجب أن يعلم مثله في ذلك مثل " السوي"تيجة ما سبق هي أن السلوك ون

العلم في المدرسة، إننا نتعلم كليهما بطرية التقوية أي من خالل االستجابات فإذا كانت تقوية السلوك السوي تفوق تقوية السلوك غير . اإليجابية والنجاحات

-١٩٩-

ويتعزز ذلك الحفز السوي، سينشأ لدى المتعلم حفز باتجاه السلوك السوي وإذا كانت المعايير . ويقوى مع تكرار االستجابات اإليجابية والنجاحات

معكوسة، فإن المتعلم سيتطور في االتجاه المعاكس وسينغمس في المستنقع أكثر فأكثر كلما تلقى سلوكه غير السوي التقوية من خالل بقاء ذلك السلوك دون

يعي تمام الوعي أنه يقوم بعمل غير فالمجرم عادة ما . إظهار ودون تصحيح حتى ولو استطاع أن يختلق األعذار لنفسه لتبرير -سوي وخارج عن القانون

ولكننا عندما ال نظهر خطأ أفعاله ونصححها، فإننا نقويه ونشجعه على -أفعاله يزداد قوة في كل مرة " حفز"وهكذا ينشأ لديه . المثابرة في الطريق غير السوي

القانون دون أن يحاسب حتى يصبح أقوى من الحفز الذي يدفعه يخالف فيها !هكذا إذا يصبح اإلنسان مجرما. للقيام باألعمال السوية القانونية

مناقشة مسألة العقاب-هل جيب العقاب؟ -ب

بيد أن . هناك بالطبع إمكانيات أخرى الستيضاح أسباب الجريمةن وجهة النظر السيكولوجية بالغة العالقات التي أوردناها سابقا تبدو م

نحو (األهمية ألنها قابلة للتطبيق بسهولة في المجاالت التطبيقية لعلم النفس وفي هذا السياق يبدو السؤال عن ). التربية واألسرة والحياة المشتركة

مبررات وفعالية العقاب كإجراء وقائي بحق مرتكبي الجنايات على درجة هنا في صدد مناقشة عقوبة اإلعدام، ألن مشكلة ولسنا! كبيرة من األهمية

تلك العقوبة ال تقتصر على الجانب النفسي، بل تتعداه إلى الجانب السياسي بيد أن أثر العقوبة بصورة عامة . وجوانب أخرى تتعلق بسيكولوجيا الشعوب

فهل . في تجنب تكرار حدوث الجريمة هو فعال مسألة سيكولوجية بامتيازرادعا لمجرم ) بالشنق على سبيل المثال( العلني لمجرم ما يشكل العقاب

محتمل آخر أم ال؟ من الممكن بحسب علم النفس التربوي أن يكون العقاب قد يكون مجديا إذا ما أتى مرتبطا . مجديا، ولكنه ليس بالضرورة كذلك

ارتباطا وثيقا ومباشرا بالفعل اإلجرامي، ولكنه يبقى دون جدوى عندما

-٢٠٠-

فصله فترة زمنية طويلة عن الفعل الذي سببه، أو عندما يتعذر على الفاعل توالحالة األسوأ على . أن يلمس الربط المباشر والوثيق بين العقاب والجناية

اإلطالق هي عندما يهدد بالعقاب وال يتم تنفيذ التهديد عندما يقتضي األمر قوي للسلوك غير السوي، ذلك، فحينئذ يكون للتهديد غير المنفذ مفعول الم

أي إنه يقوم مقام الثناء على الفعل اإلجرامي، مما يؤدي دون شك إلى تدعيم .الحافز اإلجرامي لدى الفاعل

وخالصة ذلك هي أنه من األفضل أال نهدد بالعقاب إال إذا كنا قادرين ق وعلينا إذا ما ارتكبت المخالفة أن نطب. فعال على ضبط المخالفة ضبطا أكيدا

بسبب (وعندما يتعذر تنفيذ العقوبة تنفيذا مباشرا . العقوبة مباشرة ودون إبطاءتصبح جدوى العقاب من الناحية ) طول فترة التحقيق على سبيل المثال

السيكولوجية محل جدل وشك، ألن موقف الفاعل من فعله لن يبقى ثابتا فترة ، فما بالك إذا ما حكم بعد طويلة وسيكون قد تغير عند تنفيذ الحكم أو العقوبة

!فترة تحقيق طويلة بالبراءةفعندما يحظر الوالدان على الطفل . وينطبق األمر ذاته على تربية الطفل

) نحو أخذ النقود من صندوق العائلة دون استئذان على سبيل المثال(أمرا ما ، عليهما أن يضمنا أن كل خرق لهذا الحظر "ممنوع"ويصرحان بأن ذلك

ف ويعاقب مباشرة؛ وإال فاألفضل عدم حظر ذلك األمر وعدم التهديد سيكشفهناك على الدوام طرق أخرى غير التلويح بالعقوبة لتعليم . بالعقوبة أصال

!الطفل أن عليه أال يأخذ النقود من الصندوق دون استئذانوبوسعنا من المنظار ذاته أن ننظر إلى العديد من األخطاء في مجال

ولنأخذ على سبيل المثال العدد الهائل من . ة البالغين المشتركةتنظيم حياالمحظورات وبخاصة في مجال تنظيم السير على الطرقات، تلك المحظورات المجموعة في كتيب يحصل عليه كل فرد عندما يحصل على رخصة السوق،

ومع أن األمر ليس . حيث يجد متصفح هذا الكتيب لكل مخالفة عقوبتها المناسبة

-٢٠١-

الساعة / كم ٥٠بالبديهي أن يسير المرء في شوارع المدينة بسرعة ال تتعدى ولكن كل امرئ حاصل على رخصة - حتى عندما تكون الشوارع خالية -

السوق يعرف أن السير بأسرع من ذلك الحد في شوارع المدينة هو مخالفة لمخالفة والسير واآلن هناك القليلون ممن لم يجربوا ارتكاب تلك ا. لقوانين السيرالساعة وهم في طريقهم ليال إلى البيت في شوارع المدينة / كم ٥٠بأسرع من

! شبه الخالية، وال شك أن إغراء السير بسرعة في مثل هذه الحال كبير جدا واحتمال حدوث ذلك كبير -وإذا ما تعدى أحد السائقين ذلك الحد ولم يضبط

ن سلبي باتجاه محفز للشخص المخالف لكي يكون لذلك األمر أثر اقترا-جدا وفي نهاية . يكرر مخالفته لهذا القانون ولغيره من قوانين السير األخرى

المطاف قد يتطور هذا الحفز السلبي الجديد ليصبح أقوى من حفز مراعاة نستخلص من ذلك أن علينا التخلي عن كل قوانين السير . القوانين والتقيد بها

التي ال نستطيع ضمان تطبيقها الكامل واآللي والمباشر ) !وشاخصات المنع(فالميل : وفي المجال االقتصادي يحدث األمر ذاته من حيث المبدأ. على الجميع

على سبيل المثال إلى عدم إعطاء جميع التفاصيل المطلوبة أثناء كتابة التصريح الفة ذلك الضريبي السنوي هو أمر منتشر جدا ومعلوم للجميع بالرغم من مخ

ولكن هذا السلوك إنما هو أيضا أمر مكتسب، أي إننا قد . لنصوص القانونفمع أن ذلك التصرف ممنوع، إال أنه ال يراقب عموما، وإن ضبط قد ". تعلمناه"

ال يحاسب عليه صاحبه، وإن حوسب فغالبا ما يأتي التنفيذ متأخرا جدا، مما !ها من محتواهايفقد العقوبة بمجملها جدواها ويفرغ

إجراءات وقائية ضد اجلرمية -ت

إن الوقاية الصحيحة من الميل إلى اإلجرام تكمن أيضا في التطبيق السليم لعلم التربية الذي يعتمد على الحقائق والخبرات التي توصل إليها علم

ومن اإلجراءات التربوية المجدية الطريقة الصحيحة . النفس عبر السنينعلى اإلنسان أن يتعلم منذ الطفولة أن هناك وصايا . ابللعقاب والثو

-٢٠٢-

وعلى التربية أن تتحلى بالشفقة . وممنوعات وأن عليه أن يلتزم بالقوانينوالصرامة في الوقت نفسه، بحيث تؤدي مخالفة الممنوعات األساسية القليلة، والتي تتم مراقبتها مراقبة صارمة ودائمة، إلى عقاب مباشر وصارم، وأما

وشيئا فشيئا يجب . نفيذ الوصايا والقيام بما هو مطلوب فيجب أن يكافأ ويقدرت، حتى بلوغ )العقاب والمكافأة(العمل على سحب هذه اإلجراءات المساعدة

الهدف بتنفيذ الوصايا واالبتعاد عن الممنوعات بدوافع داخلية تقود اإلنسان لدينية دورا مهما في تكوين وهنا تؤدي التربية ا! إلى فعل الصح وترك الخطأ

.وتعزيز هذه الدوافع الداخلية لدى اإلنسانومن جهة أخرى يجب أن نسعى إلى التخلص من مسببات التصرف

ويجب أن . العدائي والعنيف في المجتمع، وفي مقدمة تلك المسببات اإلحباطوعلى . نفسح المجال أمام الشباب لكي يشبعوا ويرضوا دوافعهم األساسية

لعالم أن يكون مبنيا بطريقة تضمن للشباب تحقيق ما يصبون إليه دون ا !الحاجة لتقديم تنازالت مؤلمة، وإال فقدوا األمل والثقة بالحياة

وعلينا فضال عن ذلك أن نعمل على إيجاد وسائل مجدية لتصريف الطاقة الجنسية وتوجيهها نحو أشكال ونشاطات راقية من خالل تعليم األطفال

شباب أن يتقبلوا الجنس اآلخر وأن يتعاملوا معه بارتياح وروح رياضية والوهنا يمكن لدرس الرياضة البدنية أن يؤدي دورا . بعيدا عن التعصب والتشنج

ويجب أال ننسى أهمية إيجاد . مهما ومتميزا في التقريب بين الجنسينالمتزايدة في إمكانيات مختلفة ومتجددة للسيطرة على مشاكل أوقات الفراغ

فبفضل إدخال اآلالت في طرائق اإلنتاج الحديثة يتقلص عدد . أيامنا هذهوليس من . ساعات عمل الشريحة الكبرى في المجتمع ويزداد وقت فراغها

الحكمة أن ندع الناس وشأنهم مع مشاكلهم المتزايدة الناتجة عن طول وقت كل دورات وورشات عمل الفراغ، بل علينا أن نقدم لهم الدعم والعون على ش

شبيهة بتلك التي تقدم للمتقاعدين وللمرضى وللذين سيقضون عطلة طويلة من

-٢٠٣-

وإذا لم نسيطر على هذا . أجل تحضيرهم للمرحلة الجديدة على أتم وجه .الوضع، فإن مسببات جديدة للمزيد من األفعال اإلجرامية ستنشأ عنه

في وسائل " كأشباه أبطال"وأخيرا علينا أن نبتعد عن تصوير المجرمين بل علينا أن نكثر من إظهار الناس الخلوقين والصادقين وأصحاب . اإلعالم

المواقف اإليجابية في الحياة، وذلك في البرامج والمقابالت التلفزيونية وفي العروض السينمائية والمسرحية إضافة إلى مقاالت الصحف والمجالت وفي

المؤكد أن األخبار اإليجابية يمكن أن ومن. جميع وسائل اإلعالم األخرىتخرج بشكل شيق يشد المشاهدين والمستمعين والقراء مثلها في ذلك مثل

!األخبار السلبية، فالتشويق ليس حكرا على المواضيع السلبية أو اإلجراميةنخلص إذا إلى أننا نستطيع أن نقلل من احتمال حدوث الجريمة من

منبهات التي تفسح المجال أمام السلوك اإليجابي خالل تدعيم المؤثرات والوحري . وتدعمه ومن خالل تجنب المنبهات التي تدفع باتجاه السلوك السلبي

من علماء نفس وسياسيين واقتصاديين وحقوقيين (بجميع شرائح المجتمع ولما كان . أن تتعاون وتتضافر لتحقيق هذا الهدف) وأطباء ورجال دين ويشبه في ذلك -لة يتآثر ويتفاعل أجزاؤها بشكل وثيق المجتمع وحدة متكام

وجب العمل على معالجة المجتمع ككل، إذا ما ظهرت على - جسم اإلنسان ولذا ال بد من إعادة النظر بتنظيم وتركيب المجتمع ! جزء منه معالم المرض

.بكامله، عندما تنتشر الجريمة في شريحة من شرائحه

-٢٠٤-

-٢٠٥-

.VI ارة القوى البشريةعلم النفس إد

من العامل إلى الشريك في العمل - ١تحت "من أهم سمات العمل اليوم أن العامل الذي كان باألمس يعمل

وبينما لم تكن ". شريكا له في فريق عمل واحد"أصبح اليوم " إمرة رئيسههناك في الماضي فرص كثيرة متاحة للعامل لكي يحقق ذاته ويطور

ب أعلى في السلم الوظيفي واالجتماعي، أصبح وضعه ويصعد إلى مراتاآلن من البديهي أن يسعى العامل في حياته المهنية إلى تحقيق ذاته

وقد أصبح إرضاء اإلنسان في حياته . وتحسين أوضاعه المعيشية العامةوبينما كان األجر سابقا يكاد يكفي . يعني أيضا إرضاءه في مكان عمله

شية األساسية وتحقيق االكتفاء االقتصادي، أصبح لتلبية االحتياجات المعياآلن يتعدى ذلك ليصبح رمزا لمكانة العامل في شركته أو مؤسسته

ومع هذا التطور تطورت أيضا المهام القيادية . ولمرتبته االجتماعيةفبينما كان الرئيس يعطي : للرؤساء وازداد شقها السيكولوجي أهمية

ألن المرؤوسين ( ستنفذ بحذافيرها ودون إبطاء األوامر وكله ثقة أن أوامره، أصبح )كانوا على قناعة تامة بأن دورهم هو تلقي األوامر وتنفيذها

من خالل تنظيمات -للعامل اليوم حق المشاركة المباشرة وغير المباشرة في اتخاذ القرار في جميع شؤون الشركة أو المؤسسة أو -العاملين

. في الحفاظ على كيانه واستقالله واحترامهالمصنع كما أصبح له الحقومن جهة أخرى أصبح اإلنسان أكثر حساسية لطريقة المعاملة وللطريقة

-٢٠٦-

ويجرد من " يستخدم"إنه يرفض اآلن أن . التي يطلب منه بها أمر ماشخصيته وخصوصيته ويطالب بمناخ عمل يوفر له إرضاء دوافعه

ولذلك على ). ع سابق من الكتابالتي نوقشت بإسهاب في موض(األساسية القيادي اليوم أن يوظف علم النفس توظيفا فعاال لكي يصبح قادرا على إقناع زمالئه والعاملين معه بالمقترحات التي يقدمها وليضمن إنجاحها في

ولم يعد يكفي، كما كان األمر . اللجان والمجالس التي يتخذ فيها القرارريد فعله، بل عليه اليوم أن يقنع اآلخرين أيضا سابقا، أن يقتنع هو بما ي

وهكذا تحولت القيادة . بأفكاره ومقترحاته قبل أن يصبح قادرا على تطبيقهاوتحفيز (مع مرور الزمن إلى شكل من أشكال فن اإلقناع وتحفيز العاملين

!).الذات أيضا

–الرجل المناسب في المكان المناسب - ٢

يار القوى البشريةالعنصر اإلنساني في اخت

لقد كان للتطور الصناعي ونشوء الصناعات الثقيلة والشركات بنتيجة التطور التقني الكبير في القرن الماضي وتطور قطاع - الكبرى

أثر كبير على إدارة القوى - االتصاالت والمعلوماتية في العصر الحديث ساسي من مهام البشرية، حيث أصبح اختيار القوى العاملة وتقييمها جزء أ

فبينما كان المرء سابقا ينظر إلى مكان العمل على أنه من . اإلدارةالثوابت وينطلق من أن على العامل الذي يشغله أن يجلب معه كفاءات ومهارات محددة ويتكيف ليناسب مكان العمل، أصبح المرء اليوم ينظر

رات ويرى إلى مكان العمل من منظار أكثر تفصيال على أنه أحد المتغيفلم ! أن على مكان العمل أن يوافق خصوصيات العامل ويواكب تغيرها

يعد على اإلنسان أن يتكيف مع مكان العمل في اتجاه وحيد، بل أصبح على مكان العمل أيضا أن يلبي متطلبات اإلنسان ويناسب حياته أكثر

-٢٠٧-

ية من وهذا هو العنصر اإلنساني في اإلدارة الحديثة للقوى البشر! فأكثر .وجهة النظر السيكولوجية

أسس اختيار القوى البشرية - ٣مهما كان مكان العمل إنسانيا ومهما حرصنا على أن يناسب مكان العمل خصوصيات العامل الذي يشغله، فإننا ال بد أن نسعى أثناء العملية السيكولوجية النتقاء العاملين إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التناسب بين

ولذلك . من ناحية أخرىومتطلبات العملمن ناحية ات ومهارات العامل كفاءال بد أوال من تحليل كامل ومفصل للوظيفة التي نريد أن نشغلها ومن ثم اقتراح القدرات والكفاءات التي يجب توفرها في المتقدم لكي يقوم بمهامه على

الوقت ذاته أتم وجه دون الحاجة إلى أن نحمله فوق طاقته مع الحرص في وهنا يطرح نفسه السؤال . على االستفادة من طاقاته وقدراته أعظم استفادة

هل من الممكن تحديد قدرات وكفاءات العامل تحديدا موثوقا دون : التالي؟ صحيح أن الفترة االختبارية تبدو وسيلة "تحت المراقبة"وضعه ألسابيع عدة

مهاراته، ولكن نتائجها في مالئمة للتعرف على قدرات الشخص المتقدم ووذلك ألن الشخص الذي يمر بها يعرف أنه . الواقع غير موثوقة تماما

ولذلك سيختلف أداؤه في هذه الفترة عن أدائه الحقا على أرض " مراقب"فضال عن أننا ال نستطيع أن نضمن أن يراقب الرئيس في الفترة . الواقع

كن من الحكم في نهايتها على مالءمة االختبارية ما تجب مراقبته فعال للتموكثيرا ما يتوجه اهتمام المراقبين في كثير . قدرات المتقدم لمتطلبات الوظيفة

وكثيرا ما يتعذر على المراقب ! من الحاالت إلى األمور الظاهرة والسطحيةوبعبارة ! الحكم على كفاءات وقدرات الشخص المعني بتجرد وإنصاف

أداء المتقدم للعمل في الفترة االختبارية حكما شخصيا أخرى، يبقى الحكم علىمنقوصا بعيدا عن الموضوعية، مع أن الحكم الموضوعي ممكن من حيث

.المبدأ، إذا ما استخدمت الطرق السيكولوجية الصحيحة والتي سنناقشها الحقا

-٢٠٨-

وهناك الطريقة التقليدية المتبعة الختيار العاملين وهي التي تعتمد على. الشهادات والمؤهالت والوثائق في تقييم المتقدمين لشغل وظيفة أو عمل ما

وال شك أن هذه الشهادات والوثائق مفيدة في الحكم على المتقدمين وال بد من طلبها من الشخص المتقدم قبل تعيينه، ألنها تقدم صورة عن ماضيه

هل يمكن الحكم : ومع ذلك تطرح نفسها التساؤالت التالية. الدراسي والمهنيعلى أداء شخص ما في المستقبل انطالقا من أدائه في الماضي؟ وهل يستطيع المرء أن يضمن أن ما هو مكتوب في شهادة التوصية مقصود فعال؟ فنحن نعلم أن الجهة التي تصدر كتاب التوصية غالبا ما تتجنب

م الشخص استخدام التعابير السلبية الواضحة، ألنها قد توصد الباب أماولذلك نجد الجهة ! وهذا مخالف للقانون-المعني في بحثه عن عمل آخر

التي تصدر كتاب التوصية تلمح تلميحا إلى ما تريد قوله، فإذا تضمن الكتاب جاهدا أن ينجز المهام الموكلة إليه ... لقد حاول السيد"على سبيل المثال

جابي الذي يبدو للوهلة ، فإن ذلك ال يجب أن يفهم بالشكل اإلي"بإخالصمن خطر توظيف " إنذار"األولى، بل إنه حكم سلبي مدمر، وهو بمثابة

ولذلك ال تكتمل االستفادة من كتاب التوصية إال بمكالمة ! الشخص المعنيشخصية أو لقاء شخصي مع محرر ذلك الكتاب للوقوف على حقيقة ما هو

.مكتوب وعلى ما هو مقصود منه فعالهادات المدرسية والجامعية ليست موضوعية كما تبدو كما إن الش

فمن المعروف أن الحكم على مستوى الطالب يختلف من . للوهلة األولىوإال لما ! مقاطعة ألخرى ومن مدرسة أو جامعة ألخرى ومن معلم آلخر

كان نقل الطالب إلى مدرسة أخرى أمرا بتلك األهمية بالنسبة له، وبخاصة ومن الطبيعي أن يحصل . يختلف بحسب المنطقةأن مستوى المدارس

من قبل معلم " مقبول"على درجة " جيد جدا"موضوع قيمه معلم ما بدرجة وبمقدور كل معلم أن يقدم أسبابا . آخر ال يختلف في كفاءته عن المعلم األول

ويجب أال ننسى فضال عن ! وحججا تربوية ومنطقية تدعم حكمه وتبرره

-٢٠٩-

فالطالب : كم على الطالب على خلفية مستوى الصف ككلذلك أن المعلم يحإذا ما قورن بطالب صف " ممتازا"ذو المستوى المتوسط قد يبدو للمعلم

وكثيرا ما تؤثر هذه النظرة النسبية على حكم المقيمين . مستواه دون الوسطفإذا دخل طالب ما إلى االمتحان بعد عدد من : في االمتحانات الشفوية

مقاييس الحكم " تشديد"ممتازين، فإن الممتحنين سيميلون تلقائيا إلى الطالب الوسيحصل الطالب على درجة أدنى مما كان سيحصل عليها لو أنه دخل بعد

وبعبارة أخرى، يمكننا الحكم على "! العاديين"خروج عدد من الطالب درجات الشهادات المدرسية بأنها غير موضوعية، بل بأنها شخصية وفردية

لى حد ليس بالقليل، برغم أهمية المعلومة التي تقدمها، إذ يكفيها أنها تعكس إتطور اإلنسان عبر حقبة زمنية طويلة، فضال عن كونها ممنوحة من قبل

.مختصين ذوي علم وكفاءة

املقابلة الشخصية -أ

ما هو الوزن الذي يمكننا أن نمنحه للمقابلة الشخصية كأداة من أدوات ملين، علما أنها األداة التي يعتمد عليها الكثيرون من القياديين انتقاء العا

اعتمادا كبيرا؟ علينا أوال أن نالحظ أن الكثيرين من القياديين يلجؤون إلى المقابلة الشخصية كوسيلة داعمة لتأكيد الحكم الذي كانوا قد توصلوا إليه من

لئك القياديين إنما هم وال شك أن أو". التمعن بصورة الشخص المتقدم"خالل ، الذين يحاولون استخالص بعض معالم "phrenologyالفراسة "من أتباع نهج

شخصية اإلنسان وقدراته من شكل وحجم الجمجمة ومن سيماء الوجه وما ومع أن االختصاصي المحترف قد يكون قادرا فعال على . إلى ذلك

ير وجه الشخص استخالص الكثير من المعلومات بمجرد التمعن بتعابالمعني، إال أنه لمن الخطأ في ضوء حقائق التشخيص السيكولوجي أن تمنح

فمن المؤكد أن شخصية اإلنسان وكفاءته تتعلقان ! تلك المعلومات وزنا كبيرابدوافعه وبذكائه وببعض العوامل األخرى أكثر بكثير من تعلقهما بتفاصيل

-٢١٠-

تركه المتقدم على الشخص المقيم كما إن االنطباع الذي ي! شكل وحجم رأسهفذلك االنطباع يتعلق . في المقابلة الشخصية يتحدد بعوامل عرضية كثيرة

إلى حد بعيد بمزاج المقيم في يوم المقابلة وبما إذا كان المتقدم قد نام جيدا كما يتأثر حكم المقيم ! على سبيل المثال ال الحصر-في الليلة السابقة لبعض األشخاص الذين يتذكرهم المقيم لدى رؤيته للمتقدم بالصفات المميزة

فقد تعيد تسريحة شعر المتقدم، على سبيل المثال، إلى ذاكرة . للوهلة األولى مرتبطا بشخص آخر تدفع المقيم - منسيا منذ زمن بعيد-المقيم حدثا سلبيا

. قياآلن إلى اتخاذ موقف سلبي من المتقدم دون أي سبب موضوعي أو منطوقد يكون عطر السيدة المتقدمة على سبيل المثال هو الذي يدفع المقيم إلى اتخاذ موقف إيجابي منها دون أي سبب موضوعي، ألن ذلك العطر يذكره

وهكذا فإن درجة الموضوعية التي ...! بموقف إيجابي منسي في الذاكرةدنية جدا مما تبقى مت" الحدس"و" الفراسة"تتصف بها األحكام التي تعتمد على

!يقلل من إمكانية الوثوق بهاوكما أنه من المهم أثناء دراسة بيان السيرة الذاتية أن نركز على عدم وجود ثغرات أو فجوات زمنية بين المراحل المتالحقة أكثر من تركيزنا على بعض المراحل المنفردة الناجحة والمزينة بالشهادات

لة الشخصية أن نولي بعض األمور المتميزة، يجب علينا أثناء المقاب. والظروف عناية خاصة لكي يكون حكمنا على الشخص المتقدم موثوقا

وعلينا قبل كل شيء أال نصدر حكمنا بناء على المقابلة الشخصية منفردة، بل ال بد لنا من أخذ االنطباع الذي تتركه الوثائق التي تتضمنها إضبارة

ائج بعض االختبارات النفسية التي قد المتقدم باالعتبار إضافة إلى نت. وسنأتي على مناقشة تلك االختبارات الحقا-نجريها إذا اقتضى األمر

وأثناء المقابلة يجب أن نفرق بين ثالثة أجزاء منها يفضل أن نجريها في .ترتيب معين الواحد تلو اآلخر

-٢١١-

تقسيم املقابلة إىل جزء المنهجي وآخر نصف منهجي وثالث -ب هجي منظممن

بوسع المقيم أن يبدأ المقابلة بجزء حر المنهجي، حيث نترك للمتقدم كما . بعد التحية واالستقبال حرية التحدث دون أن نطرح عليه أي سؤال

يمكن للمقيم أن يتبع طريقة تداعي الخواطر الحر من خالل طرح بعض بة ردود الكلمات أو التعابير المثيرة لالنطباعات والعواطف ومن ثم مراق

كما تعتبر طريقة قيادة الحوار غير المباشرة واحدة . فعل الشخص المتقدممن الطرق الالمنهجية في قيادة دفة الحوار، حيث ال يتعدى دور مدير

!" آها"نحو (الحوار اإلصغاء بتركيز وإصدار بعض األلفاظ من حين آلخر باهتمام ويمكن إشارة إلى أنه يتابع حديث الطرف اآلخر!") هكذا إذا"أو

لمدير الحوار استخدام تعابير الوجه ورسم إشارات االستحسان أو االبتسام ! أو التعجب أو اإلعجاب دون إبداء الرأي الصريح بما يصدر عن المتقدم

فمن خالل هذه الطريقة يدفع المتقدم إلى الحديث عن نفسه وتقديم المزيد وعادة . بأقصر وقت ممكنمن التفاصيل والمعلومات واإلفصاح عن ذاته

ما يقول المتقدم في هذا الجزء من المقابلة ما يرغب في قوله وما هو مهم بالنسبة له ويفصح عن أهدافه وطموحاته دون حاجة المقيم إلى االستفسار

.عن كل هذه األمورويأتي بعد هذا الجزء الالمنهجي جزء نصف منهجي يطرح فيه مدير

سئلة الموجهة المحضرة مسبقا والتي يتوقع عليها الحوار أو المقيم بعض األويفضل أن يدون المقيم هذه األجوبة في دفتر . أجوبة محددة وواضحة

وأخيرا يأتي . مالحظاته لكي يؤكد الوجه المنهجي لهذا الجزء من المقابلةجزء المقابلة المنهجي، حيث يطلب من المتقدم اإلجابة على عدد كبير من

ونة في الئحة مكتوبة الواحد تلو اآلخر، ويكاد هذا الجزء األخير األسئلة المد .من المقابلة أن يكون بمثابة اختبار حقيقي للمتقدم لو كان قياسيا ومعياريا

-٢١٢-

وبوسع المقيم أن يستخلص من خالل هذه التنظيم للمقابلة معلومات العموم وافرة ومفصلة عن المتقدم، مع مالحظة أن هذه النتائج ال تتصف على

بدرجة أكبر من الموضوعية من تلك التي تم الحصول عليها في مراحل .االنتقاء السابقة

االختبارات السيكولوجية النتقاء العاملني -ت

وبسبب بعد نتائج التقييم السابقة عن الموضوعية يلجأ المسؤولون عن م وبخاصة من هم على اطالع ودراية بحقائق عل- اختيار القوى البشرية

إلى طرق االختيار السيكولوجية لضمان االنتقاء األفضل واالبتعاد -النفس عن األحكام الشخصية واالقتراب قدر اإلمكان من الموضوعية في الحكم على

فبينما يبقى الحكم شخصيا إلى حد بعيد حتى عندما يجتمع أكثر من . المتقدمينالسيكولوجية المعيارية شخص لتقييم المتقدم، يمكن وصف نتائج االختبارات

دون الوصول إلى الدرجة المطلقة في - بأنها موضوعية إلى حد بعيد - ! ولحسن الحظ-فال يمكن ألية طريقة كانت . موضوعية أي اختبار كان

وعلى العموم . أن تجعل من اإلنسان كتابا مفتوحا نطلع ببساطة على محتوياتهر موضوعية ووثوقية هو التقييم المستنتج بإمكاننا أن ننطلق من أن التقييم األكث

.من االختبارات السيكولوجية التالية، سواء أكانت بسيطة أم مركبةوبالطبع يشترط لنجاح االختبار والخروج بالتقييم السليم أن يجري تحديد دقيق قدر اإلمكان للقدرات المطلوب توفرها في المتقدم إلنجاز المهمة

وهذا ما يمكن تحديده عبر إجراءات اختبارية . ةالمطلوب إنجازها في الشركونشير هنا إلى أن . مناسبة على أشخاص نجحوا في إنجاز المهمة في الماضي

االختبارات السيكولوجية التي نتحدث عنها تتميز عن لوائح األسئلة االعتباطية وغير المنهجية التي كانت سائدة فيما مضى في أنها تحقق في المقام األول

ويعني تحقيق هذه . ايير والشروط التي يجب أن يحققها االختبار تعريفاالمع" reliableيعول عليه "وأن " objectiveموضوعيا "المعايير أن يكون االختبار

-٢١٣-

وعليه أن يثبت أنه يحقق تلك المعايير من " validساري المفعول "وأن يكون ثوقا ال يضيع في خالل نجاحه في اختبار معياري آخر نجاحا واضحا ومو

وعادة . أي إننا يجب أن نختبر االختبار أوال قبل أن نطبقه! الريب اإلحصائييتضمن شرحا مفصال عن معايير االختبار " كتيب تشغيل"ما يرفق بكل اختبار

ويمكن للشركة أن تطور اختبارها السيكولوجي المناسب . الخاصة به. ا بالغ الصعوبة وباهظ الكلفةألغراضها الخاصة، إال أن ذلك يكون عموم

ولذلك ينصح بانتقاء االختبار المناسب من بين االختبارات المتوفرة في السوق أو بانتقاء تركيب خاص من عدد من االختبارات، إذا ما أراد المرء أن يختبر

.عددا كبيرا من القدرات اختبارا موثوقا في الوقت ذاتهيمكن ألي مقيم أن يطبقها من أجل ومن بين تلك االختبارات التي

تبرز - دون أن يكون واسع االطالع بعلم النفس -اختبار وتقييم العاملين االختبارات الالإسقاطية، بينما يفضل أن تترك االختبارات اإلسقاطية لذوي االختصاص، ألن احتماالت حدوث الخطأ لدى تطبيق هذه االختبارات من قبل

مما يجعلنا ننصح عموما . ائجه قد تكون خطيرةغير المختصين كبيرة ونتاختبار رورشاخ "والتي من بينها (بعدم اللجوء إلى االختبارات اإلسقاطية

Rorschach-test "لألغراض االعتيادية نحو انتقاء العاملين ) على سبيل المثالفهناك عدد كبير من االختبارات الالإسقاطية التي يمكن اختيار ! وتقييم أدائهم

ومن تلك االختبارات اختبارات . المناسب منها بما يتفق مع غرض االختبارالذكاء واختبارات األداء المتخصصة واختبارات الميول المهنية واختبارات المواقف وأنماط التحفيز واختبارات القدرات الجسدية واختبارات االستقرار

واع االختبارات وسنتطرق فيما يلي بشيء من التفصيل إلى أهم أن. العاطفي .المتعلقة بعملية اختبار العاملين وتقييم أدائهم

تحاول اختبارات الذكاء قياس اإلمكانيات العقلية لإلنسان وتنجح في ذلك فاألمر إذا ال يتعلق بما يعرفه اإلنسان وبما تعلمه، بل . بدقة ملفتة لالنتباه

بار تلك المقدرة ويتم اخت". ذكية"بمقدرته على حل المشاكل الجديدة بطرق

-٢١٤-

ولكنها تحاول في المحصلة . بوسائل تستخدم اللغة وبأخرى تستغني عنها كلياتحديد قدرات التصور الفراغي والتعبير والتفكير الموازن والقدرات الحسابية

وبحسب المتطلبات الخاصة بمكان العمل وبالمهام . وقدرات التركيب وغيرها نوع أو أكثر من القدرات المذكورة المطلوبة من الشخص الممتحن يكتسب

سابقا أهمية خاصة في الحكم على الشخص المعني، باإلضافة طبعا إلى المعامل اإلجمالي للذكاء والذي يحسب من معامالت جميع القدرات الممتحنة

ويمكن النظر إلى قيمة حاصل ". IQحاصل الذكاء "مجتمعة وهو ما يسمى لذكاء اإلنسان ولكن أهميتها منفردة في الحكم الذكاء على أنها قياس معياري

على قدرة شخص ما على القيام بمهمة ما تبقى محدودة، ألن الذكاء بحد ذاته ما هو إال عامل واحد من بين عدة عوامل قد يتطلبها شغل وظيفة أو إنجاز

.مهمة ما على أرض الواقعهارات من الممكن تطوير اختبارات األداء المتخصصة التي تناسب م

فهناك اختبارات عديدة لقياس القدرة على . مهنية بعينها في جميع المجاالتتعلم اللغات األجنبية على سبيل المثال، ما قد يكون مفيدا ومجديا بالنسبة . لوظيفة عاملة المراسالت باللغات األجنبية في العديد من مجاالت العمل

الدقيقة لإلنسان، حيث يتوجه وهناك اختبارات أخرى تقيس المهارات الحركية ويمكن االستفادة من هذه . االنتباه إلى الدقة واإلحكام واإلتقان والثبات

االختبارات المتخصصة في جميع المجاالت المهنية، سواء أكانت يدوية وهناك برامج اختبار جاهزة يمكن . ميكانيكية أم تجارية أم صناعية أم إدارية

صة في علم النفس واالختبارات السيكولوجية شراؤها من دور النشر المتخص .مثلها في ذلك مثل اختبارات الذكاء التي تطرقنا إليها سابقا

وأما اختبارات الميول المهنية فتقدم لألشخاص مساعدة كبيرة في تحديد المهن المناسبة لشخصيتهم والتي بمقدورهم أن ينجحوا في ممارستها أكثر من

اإلنسان الشاب، الذي يريد اختيار مهنته في الحياة، فنادرا ما يمتلك. غيرهاتصورا موثوقا عن المهنة التي تناسب قدراته وتضمن له النجاح وتحقيق

-٢١٥-

ولنأخذ على سبيل المثال الرغبات المهنية التي يعبر عنها كل طفل . الذاتتقريبا في مرحلة ما من مراحل طفولته، إنه يحلم في أن يصبح يوما ما

وما إلى ذلك من المهن التي تشد " سائق قطار"أو " سائق تكسي"أو " طيارا"ولحسن الحظ ال تتحقق تلك الرغبات جميعها، ألن ! األطفال وتحفز خيالهم

العدد األكبر من أولئك األطفال يطورون الحقا اهتمامات مهنية أخرى قد كانت ولما! تكون أقرب إلى قدراتهم من رغباتهم المهنية في سن الطفولة

ميول اإلنسان واهتماماته ال تتفق دائما مع قدراته، وجب امتحان تلك الميول والتي رأينا أنه يمكن تحديدها عن (واالهتمامات إضافة إلى امتحان القدرات

حتى نكون قادرين ) طريق اختبارات الذكاء واختبارات األداء المتخصصةوعادة ما . احنا موثوقا وناجحاعلى اقتراح المهنة المناسبة له وحتى يكون اقتر

تطرح في بداية : يتبع األسلوب التالي في اختبارات تحديد الميول المهنيةاألمر مجموعة أسئلة عن عناصر االهتمام األساسية في المهن المختلفة ومدى تناسبها مع ميول الشخص المعني، ومن ثم يجري تقييمها بحيث يتضح في

كأن يسأل على . على األقل لميول الشخص المهنيةالمحصلة االتجاه الرئيسي بتركيب شاشات العرض في "سبيل المثال إن كان يرغب في حياته المهنية

؛ أو إن "استيراد أنواع معينة من التوابل الهندية"أم كان يفضل " أجهزة التلفازي اختيار األشجار المناسبة للقطع ف"على " تصنيع الموببيليا األنيقة"كان يفضل

وبعد المضي قدما في تفصيل هذه األسئلة وتقييم جميع ! وهكذا" ... الغابةاألجوبة بطريقة معيارية منظمة ومدروسة يخلص المقيم إلى تحديد مجال

وبمساعدة معرفة قدرات . اهتمامات الشخص وميوله المهنية تحديدا دقيقالجسدية أيضا، الشخص ومهاراته، وفي بعض األحيان بمساعدة معرفة قدراته ا

يمكن لالختبار أن يحدد المهنة التي تناسب الشخص المعني وتوافق ميوله .وقدراته وتعده بالنجاح

وتهدف اختبارات المواقف وأنماط التحفيز إلى تحديد نمط تحفيز الشخص المعني وموقفه العام في حياته االجتماعية، ما قد يشكل عامال

-٢١٦-

. ن وعائقا في طريق مزاولة بعضها اآلخرمساعدا لمزاولة بعض أنواع المه حيث - فال شك أن الموقف العالم للشخص الذي يعمل خارج بناء الشركة يختلف - تضطره طبيعة عمله لالختالط بالكثير من الناس الجدد وباستمرار

اختالفا جذريا عن موقف الشخص الذي يعمل داخل الشركة ويتعامل وبوسعنا بالطبع أن نسأل عن هذا . ن الناسباستمرار مع المجموعة ذاتها م

الموقف مباشرة عندما نريد اختيار العامل المناسب لوظيفة ما، بيد أننا لن نحصل على إجابة موثوقة وموضوعية عندما يعي الشخص المعني سبب سؤالنا هذا، ألنه سيجيبنا في هذه الحال إجابة تزيد من فرص فوزه بالوظيفة

كما هي الحال بالنسبة -ولذا نلجأ هنا ! منطقي جدا وهذا أمر- المطروحة إلى الطرق غير المباشرة لتحديد نمط تحفيز الشخص المعني -للميول المهنية

وموقفه العام، وذلك من خالل تقديم خيارات مختلفة لنشاطات اجتماعية متنوعة والطلب من الشخص المعني أن يختار تلك النشاطات التي يميل إليها

فعلى سبيل المثال يمكن طرح الخيارين التاليين أمام الشخص . من سواهاأكثرأفضل أن أختلط بالناس في وقت فراغي وأن :"الذي يخضع لالختبار، األول

، "أمتع نفسي قدر اإلمكان لكي أكون نشيطا ومقبال على العمل في اليوم التالية كتاب ما أو االستلقاء أفضل البقاء في البيت في وقت فراغي، فقراء: "والثاني

أمام شاشة الرائي أو االستماع إلى الموسيقا من شأنه أن يؤمن لي الراحة وفي مثال آخر قد يطرح الخياران ". واالستجمام أكثر من االختالط بالناس

أفضل في مهنتي القادمة أن أتعامل باستمرار مع المجموعة ذاتها من : "التاليانق عمل ثابت من الزمالء الذين تربطني بهم عالقة الزبائن والعمالء وفي فري

أفضل في مهنتي القادمة أن أختلط بأناس كثر وأن أتعرف "أو " وثيقةباستمرار على زبائن وعمالء جدد، فما يسرني عموما هو أن أوسع دائرة

وبالطبع يحاول االختبار من خالل أجوبة الشخص المعني ". معارفي باستمرار، أي أن يحدد من خالل صياغة "انبساطيا"أم " انطوائيا"ا كان أن يستنتج ما إذ

إيجابية في كلتا الحالتين إن كان الشخص المعني يرغب باالنطواء بنفسه عن

-٢١٧-

وال شك . اآلخرين أم كان يفضل الخروج واالختالط بالناس واالنبساط عليهمب لشخص في الحياة هو الموقف المناس" المنبسط"أن الموقف العام الثاني

يعمل خارج الشركة ويضطر لالختالط بكثير من الزبائن والتعرف باستمرار الشخص الذي " االنطوائي"على أناس جدد، بينما يناسب الموقف العام األول

يعمل في مكان ثابت داخل الشركة ويتعامل باستمرار مع المجموعة ذاتها مع وقف والوظيفة، فإن ذلك وإذا توفر هذا التناسب بين الم. الزبائن والزمالء

وهكذا يمكن تطوير . يجنب جميع األطراف الكثير من المتاعب والمشاكلاالختبارات الخاصة بكل نوع من أنواع المهن المختلفة مع التركيز على

أي أن (وجوب التحقق من أن االختبار المقترح يحقق المعايير السابقة الذكر غير أننا نريد ). ساري المفعوليكون موضوعيا وأن يعول عليه وأن يكون

أن نؤكد على أن هذا النوع من االختبارات ال يكفي منفردا التخاذ قرار االنتقاء، بل ال بد في الغالبية العظمى من الحاالت من االعتماد أيضا على

.نتائج االختبارات األخرى، نحو اختبارات الذكاء واألداء وغيرها

ية فتعنى بقياس القدرات الجسدية الخاصة وأما اختبارات القدرات الجسدومن بينها القدرة . وبالخصوصيات البدنية التي تتطلبها بعض النشاطات المهنية

على التحمل والقدرة على تمييز األلوان ودقة وسرعة ردود الفعل والقدرات السواعد أو التحريكية العامة أو الدقيقة، نحو القدرة على رفع األثقال وتحريك

رة على إدخال األسالك الدقيقة في الثقوب وما إلى ذلك من الملكات القد. ويختلف الناس اختالفا كبيرا في مهاراتهم الجسدية. والمهارات التحريكية

ومع أن غالبيتهم تمتلك القدرة على تعلم هذه المهارات، بيد أن ذلك قد يستهلك عض أقسام الصناعات كما إن ب. بالنسبة للبعض وقتا طويال وجهدا كبيرا

اإللكترونية على وجه الخصوص قد تتطلب مهارات متميزة في مجال وإذا ما . التحريك الدقيق، وذلك إلنجاز األعمال المطلوبة بسرعة وفعالية

أجبرنا شخصا يميل في قدراته التحريكية إلى الخشونة أكثر من ميله إلى الدقة ستكون ة زمنية طويلة، فإن النتيجة على القيام بأعمال تتطلب توخي الدقة لفتر

-٢١٨-

انخفاضا في مستوى أداء ذلك الشخص، وقد يؤدي ذلك في بعض الحاالت إلى نشوء مشاعر عدم الرضا وتراكم اإلجهادات النفسية والجسدية التي قد تسبب

وما ينطبق على القدرات التحريكية ينطبق أيضا . اضطرابات مرضية خطيرة .سمعية الخاصة المطلوبة في مهن معينةعلى القدرات البصرية وال

وأخيرا نأتي على ذكر اختبارات االستقرار العاطفي التي تقيس الحساسية النسبية لشخص ما وقدرته على تحمل المشاعر المختلفة ومستوى

وبوسع المحلل . ثقته بنفسه، وذلك من خالل طرح األسئلة غير المباشرةالخاضع لالختبار على تلك األسئلة أن الخبير من خالل تقييم أجوبة الشخص

يحدد تحديديا موثوقا إلى حد بعيد مدى االستقرار النفسي والعاطفي الذي يتمتع ولهذه المعلومة بدورها أهميتها الكبيرة في تحديد قدرة . به ذلك الشخص

الشخص المعني على الثبات والتحمل وإمكانية االعتماد عليه في الظروف فقد يهمنا على سبيل المثال معرفة ما إذا كان . الخاصةالصعبة والحاالت

الشخص الذي سنعينه في عمل ذي طبيعة خاصة، ما إذا كان ذلك الشخص قادرا على متابعة عمله ونشاطه برغم اإلخفاقات والهزائم التي غالبا ما سيتعرض لها أثناء عمله هذا، أم أنه سيستسلم بعد سنة أو سنتين ويترك عمله

غير قادر من حيث تركيبته النفسية والعاطفية على تحمل الضغط النفسي ألنهوتتضح قيمة المعلومة الموثوقة عن مدى . المرافق لهذا النوع من العمل

استقرار العامل النفسي عندما نأخذ باالعتبار أن كلفة تدريب العامل في . يورو٢٥٠٠٠الخدمة الخارجية لشركات التأمين على سبيل المثال قد تبلغ

وهناك العديد من مجاالت العمل التي يحتاج المرء فيها إلنفاق مبالغ أكبر من المال للحصول على عامل موثوق يمكن االعتماد عليه في تنفيذ نوع معين من

وهذه المبالغ الطائلة ستذهب هباء إذا ترك ذلك العامل عمله بعد . األعمالادر على إنجاز ما هو متوقع منه فترة وجيزة أو إذا اتضح الحقا أنه غير ق

إلى " يحتاج"ألنه ال يتحمل الضغط النفسي المرتبط بذلك العمل أو ألنه ربما ويتعلق ما ذكرناه سابقا عن ميل بعض ! ضغط أكبر من الذي يتعرض له

-٢١٩-

الناس إلى السلوك العصابي باستقرارهم النفسي والعاطفي وباإلمكان تحديد ولقد طورت . راء اختبارات االستقرار العاطفيوجود هذا الميل عن طريق إج

تلك االختبارات باتجاه إدخال بعض أسئلة التحكم التي يتم من خالل اإلجابة عليها تحديد مدى استعداد الشخص الذي يخضع لالختبار لتقديم إجابات تتفق مع الحقيقة والواقع ومدى ميله إلى تقديم إجابات مختلقة يريد من خاللها رسم

ولدى تقييم إجابات االختبار يجري أوال . مزيفة عن شخصيته الحقيقيةصورةتقييم أسئلة التحكم تلك، ومن ثم يجري تقييم اإلجابات على أسئلة االختبار في ضوء تقييم إجابات أسئلة التحكم لضمان التقييم الصحيح ومراعاة استعداد

.الشخص المعني لقول الحقيقة

مالحظة تفسيرية-ن استنتاجه منها تطوير االختبارات وما يمكمن الممكن بالطبع فضال عن االختبارات المتوفرة والجاهزة أن يتم تطوير اختبارات خاصة ومتخصصة، بإمكانها مراعاة ظروف وخصوصية . نوع معين من األعمال بصورة أفضل من نماذج االختبارات العامة المتوفرة

يل دقيق وتوصيف شامل لمكان العمل وال بد في جميع األحوال من إجراء تحل أو - الذي نريد شغله بعامل جديد، ألن االختبارات النفسية التي سنستخدمها

للحكم على المتقدمين سنختارها على أساس نتائج ذلك التحليل -سنطورها الدقيق لمكان العمل لكي تؤخذ خصوصياته وظروفه الخاصة باالعتبار بالشكل

: األفضل لتطوير االختبار الخاص تتبع الخطوات التاليةإن الطريقة . األمثلأوال اختبار مجموعة من العاملين المتميزين بنجاحهم في ذلك العمل، وذلك بمساعدة سلسلة من االختبارات الموثوقة؛ ثانيا اختبار مجموعة أخرى من

ة العاملين الذين يعملون في مجال العمل نفسه ولكنهم أقل نجاحا من المجموعاألولى؛ وأخيرا المقارنة بين نتائج االختبارين ليتم اختيار أجزاء االختبار التي تظهر نتائجها اختالفا واضحا بين المجموعتين وإبعاد األجزاء التي تعطي

!النتائج نفسها بالنسبة للمجموعتين

-٢٢٠-

وبالطبع يجب أن نضمن السالمة اإلحصائية لطريقة تطوير هذه بمساعدة اإلجراءات المعروفة في هذا المجال والتي لن االختبارات الخاصة

.نتطرف إليها في هذا الموضع ألنها متوفرة في مراجع أخرىوأخيرا نخلص إذا إلى أن تطبيق اإلجراءات والتقنيات السيكولوجية في اختيار العاملين ال يقتصر في فائدته على العامل ذاته، بل يقدم الفائدة

ألن ذلك يساعد العامل على تحقيق ذاته في مكان . لوالمنفعة للشركة ككألن معرفة قدرات وميول العامل يساعد على تكليفه بالمهام التي (عمله

، كما يزيد من ناحية أخرى من مستوى تحفيزه )تناسب قدراته وميولهاألساسي للقيام بعمله ليصبح ال يعمل ليتقاضى أجرا فحسب، بل لتحقيق ذاته

يشعر بالسعادة والرضا في عمله بمقدار ما يضمن له رب فالمرء. أيضاالعمل تحقيق ذاته وطموحاته، وعندئذ نجده مهتما أيضا بتحسين مستوى

وبالنظر إلى ! أدائه في العمل ألن ذلك سيرفع من مستوى تحقيقه لذاتهالعالقة بين مستوى الذكاء ومستوى الرضا في مكان العمل نجد أن ليس

بتة وواضحة بين ارتفاع قيمة حاصل الذكاء لدى شخص ما هناك عالقة ثاوارتفاع مستوى سعادته ورضاه في مكان عمله، وبخاصة عندما ال يحتاج

ففي هذه الحالة سنجد أن العامل . إنجاز العمل إلى درجة عالية من الذكاءمتوتر ومضطرب دائما وبعيد كل البعد عن حالة الرضا وأنه يحاول

اء وشغل مناصب أعلى من منصبه، ويعود السبب في ذلك باستمرار االرتقفعلى سبيل . إلى أنه ال يشعر بأنه يحقق ذاته من خالل القيام بعمله الحالي

المثال يجب أال نشغل منصبا ال يحتاج إلى قدرات عقلية متميزة بعامل يحمل شهادة جامعية عليا، ألننا ال يمكن أن نحافظ على هذا العامل في هذا

صب على المدى البعيد، واألهم من ذلك أننا لن نجد في حامل الشهادة المن. هذا عامال نشيطا مندفعا ما دام ال يشعر أنه يحقق ذاته من خالل عمله

وليست نادرة المشاكل والصراعات والمكايد والمحفزات السلبية التي تنشأ ية لألشخاص في هذه الحاالت والتي قد تمتد لتطال الحياة العائلية والشخص

-٢٢١-

الذين يشغلون مناصب ال تتطلب مستواهم من الذكاء وال تستفيد من !مؤهالتهم العلمية والفنية

عندما تفقد الشركة أحد عامليها - ٤صحيح أن أسبابا مادية تعطى في أغلب الحاالت لتبرير إقالة أو استقالة العامل من مكان عمله، بيد أن األسباب الحقيقة التي تقف وراء

فعلى سبيل ! إلقالة أو االستقالة في واقع األمر تميل ألن تكون سيكولوجيةالم يظهر "المثال قد يأتي في تبرير تسريح السيد فالن من مكان عمله أنه

بالغ في التلكؤ في تنفيذ المهام الموكلة "أو أنه " الكفاءة التخصصية الالزمةز أو ضعفه أو انخفاض ، بينما قد يكون السبب الحقيقي هو غياب الحف"إليه

وقد يعود ذلك مرة أخرى إلى عدم التوافق (مستوى مبادرة العامل واجتهاده وعلى العموم فإن السبب في تباطؤ العامل ). بين قدراته والمهام الموكلة إليه

في إنجازه لألعمال الموكلة إليه، إنما يعود إما إلى انخفاض مستوى حفزه وأما غياب الكفاءة التخصصية، فقد كان من . وإما إلى ارتفاع مستوى إجهاده

الواجب مالحظته عند التعيين من خالل اختبارات االنتقاء المختلفة، ولو حدث ذلك فعال، لكنا وفرنا على الشخص المعني مرارة اإلخفاق وعلى

ولعل عدد الحاالت التي يعود فيها ! الشركة أو المؤسسة الكثير من المالعوبات ومشاكل مع الرئيس يفوق بكثير عدد سبب ترك العمل إلى ص

الحاالت التي ذكرناها سابقا، ومن أهم تلك المصاعب أن الرئيس ال يكلف فإما أن يرهقه بمهام (العامل بالمهام التي تناسب كفاءاته ومهاراته وميوله

تفوق طاقاته وإما أن يكلفه بمهام ال يحتاج إلنجازها إال إلى جزء يسير من ومن المشاكل األخرى أن يشعر العامل بأنه ال يعامل ). اءاتهقدراته وكف

وينتج عن هذا . باحترام وتقدير أو أن يشعر بعدم الرضا في مكان عملهالوضع عموما حالة من الالمباالة وعدم االستعداد لتحمل المسؤولية، مما

ويمكن تفسير ... يجعل الرئيس غير قادر على االعتماد على العامل وهكذا

-٢٢٢-

انطالقا من تلك ) أكان مبررا أم غير مبرر(االت التأخير المتكرر حوال شك أن إهمال العامل وتعريض نفسه . المالبسات السيكولوجية أيضا

واآلخرين للخطر هما أيضا على ارتباط وثيق بمستوى حفزه وتحمسه فانخفاض مستوى الحفز وغياب الدافع الداخلي للعمل يؤديان إلى . للعملبب غير الواعي وغير المقصود في حدوث الحوادث وإلى انخفاض التس

!مستوى األداء وارتفاع معدل الغياب

مقياس هام لمستوى أداء العاملين-صحيفة الشركة - ٥وفي هذا السياق، سياق التحفيز واالهتمام باإلنسان، تفهم إشارتنا إلى

وقد ال يصدق .أهمية صحيفة الشركة في تحسين المناخ السيكولوجي فيها" رسمي"المرء وقد ال يعي مدى أهمية أن يرى العامل اسمه مطبوعا بشكل

في صفحات صحيفة الشركة التي يعمل فيها، إن ذلك لمهم جدا بالنسبة وهناك العديد من العاملين ممن يحتفظون بتلك النسخ من صحيفة ! للكثيرين

يوتهم ويحافظون عليها الشركة التي ذكرت أسماؤهم فيها لسنوات عديدة في بوقد يعود السبب في بعض ! كما يحافظون على صور شهر العسل التذكارية

الحاالت إلى نوع من الشعور بالشهرة والنجاح والتميز، ولكننا ال نستطيع أن ننكر وجود سبب مهم أيضا وهو أن يشعر العامل بأهميته وبأنه عضو فعال

فضال عن أن صحيفة . ن إنجازاتهفي الشركة يحتاج إليه اآلخرون ويقدروالشركة هي وسط إعالمي مهم يستطيع الرئيس من خالله أن يتوجه مباشرة إلى العاملين ليتطرق إلى مشاكل معينة ويشرح بعض األمور دون إضاعة الوقت الطويل، كما يمكن أن تترك الكلمة أيضا للعاملين أنفسهم للتعبير عن

. خ عمل يسوده التعاون والتفاهم والمودةآرائهم مما يساعد على خلق مناوقد تكفي في . وليس من الضروري أن تكون صحيفة الشركة الفعالة مكلفة

على سبيل " معلومات"كثير من األحيان أوراق بسيطة منسوخة تحت عنوان ومع مرور الوقت ال بد أن ينشأ . المثال لكي تحقق األثر السيكولوجي المرجو

-٢٢٣-

كة من خالل هذا التواصل عبر الصحيفة، مما يرفع في الشر" عائلي"مناخ .بالطبع من الشعور بالتضامن بين العاملين

وعالوة على ذلك تشكل صحيفة الشركة وسطا إعالميا أيضا يعلن من . خالله عن اإلمكانات المتعددة لمتابعة التحصيل المهني الذي تشجعه الشركة

بات تثقيفية وتعليمية فضال عن فالشركة العصرية تلتزم تجاه عامليها بواجفغالبية المواطنين يعتمدون بعد تخرجهم : التزامها بواجباتها االقتصادية البحتة

في ) أو على الدولة(من المدرسة أو الجامعة على الشركة التي يعملون بها وال يفترض في متابعة التحصيل أن تكون . متابعة ثقافتهم العلمية والمهنية

ال ذاته الذي يعمل فيه العامل، بل قد تتخطاه إلى المجاالت دائما في المجالثقافية الواسعة نحو علم النفس وعلم التربية وعلم االجتماع وبعض المسائل السياسية واالقتصادية وما إلى ذلك من معرفة مفيدة للعامل وللشركة بشكل

.غير مباشر

الرئيس هو المثل األعلى دائما - ٦إلضافة إلى إتاحة فرص متابعة التحصيل أمام يجب على الرئيس با

العاملين معه أن يؤدي دور المثل األعلى في الشركة، وال يمكنه التنصل من فالعاملون يشعرون في أعماقهم بانجذاب قوي إلى رئيسهم في . مسؤوليته هذه

وذلك ال يقتصر على العاملين الذين ينتمون ! العمل وأحيانا بالتبعية الشديدة له، بل يتعداهم ولو )السعي وراء إقامة عالقات الثقة(ى نمط التحفيز الثالث إل

فهناك دائما قدر معين من . بدرجة أضعف ليشمل جميع العاملين دون استثناءإنهم ببساطة يقلدون . التوجه السيكولوجي للعاملين باتجاه سلوك الرئيس

نحو كيف -فلكل تفصيل صغير من تفاصيل سلوكه . شخصيته في الوعيهميتصرف في حاالت النزاع، وكيف يعبر عن نفسه، وما هي هواياته، وكيف يظهر بين الناس، وما إذا كان لطيفا ومؤدبا أم متسلطا وعصبيا، وما إذا كان

- أنانيا أم بعيدا عن األنانية ويؤثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية

-٢٢٤-

لطبع على صيت وسمعة الرئيس لكل ذلك أثر استثنائي على العاملين وباوعلى العموم فإنه لمن المجدي أن يسخر ! وصورته في مخيلة العاملين

الشخص القيادي ما توصل إليه العلم من حقائق وخبرات مفيدة في طريقة ". حاصل االندماج والهيمنة"حواره وتعامله مع العاملين وبخاصة بما يسمى

.)١(فصيل في كتاب آخروقد تطرقنا لهذا الموضوع بشيء من الت

رؤية من منظار العامل-كيف أتعامل مع رئيسي؟ - ٧إن ما ذكرناه سابقا عن قيادة القوى البشرية وانتقاء العاملين قد يترك االنطباع بأن علم النفس أداة بيد القياديين دون العاملين، تساعدهم على أن

عامل أمام رئيسه موقفا يتعاملوا مع مرؤوسيهم لمصلحة اإلدارة، بينما يقف ال. ولكن هذا االنطباع يخالف الواقع تماما! سلبيا غير فاعل ال حول له وال قوة

والصحيح هو أن بمقدور العاملين أيضا االستفادة من الحقائق والخبرات السيكولوجية السابقة الذكر ذاتها لكي يدافع عن مصالحه ووجهات نظره أمام

ويمكننا عالوة على ذلك . الحه في الشركةرئيسه ولكي يحقق ذاته ومصاإلشارة إلى أن أهمية تطبيق الحقائق والخبرات المكتسبة من علم النفس بالنسبة للعامل تفوق أهمية تطبيقها بالنسبة للرئيس بدرجات، إذا أن العامل ال يتمتع بالسلطة التي يتمتع بها رئيسه بحكم منصبه وال يمتلك سالحا يدافع به

.لحه سوى سالح العلم بحقائق علم النفس وفهم الناسعن مصاوليس من الضروري من جهة أخرى أن تكون العالقة بين العامل ورئيسه عالقة مواجهة وعداوة، بل على العكس من ذلك، يجب أن تكون في الواقع عالقة شراكة تشبه في تركيبها العالقة بين الطبيب والمريض وبين

.يعتمد فيها كال الطرفين على اآلخر اعتمادا عضوياعالقة : البائع والزبون

.، الطبعة الثانية١٩٧٧، ميونخ "التحفيز واإلقناع في القيادة والبيع"كورل، ) ١(W. Correll, Motivation und Überzeugung in Führung und Verkauf. München

1977, 2.A.

-٢٢٥-

. ويبدأ اهتمام العامل بعالقته مع رئيسه منذ لحظة اختياره لمكان العملعلى ! فليس كل مكان عمل شاغر هو االختيار الصحيح والمناسب ألي عامل

المرء أن يختار مكان عمله المستقبلي بتأن وروية قدر اإلمكان وأال تقتصر من ختيار على التوافق بين متطلبات العمل المهنية والعلمية والتقنية أسس اال

، بل أن ينظر كعامل أيضا إلى من ناحية أخرىوقدراته وكفاءاته الذاتيةناحية فكثيرا ما تكون العالقات : المناخ اإلنساني لمكان عمله الجديد قبل أن يقبل به

ينه وبين زمالئه سببا في اتخاذ الباردة أو العدائية بين العامل ورئيسه أو بالعامل موقفا عدائيا رافضا لعمله ككل وقد يؤدي ذلك في بعض األحيان إلى

فال . نشوء اضطرابات عصابية عميقة تفسد حياة العامل وحياة أسرته معهيكفي إذا األجر الجيد وال ضمان الحفاظ على مكان العمل لتبرير القبول

وبالطبع بمقدور اإلنسان التكيف ! ي واإلنساني سيئبوظيفة مناخها االجتماعوالتأقلم مع حالة اجتماعية معينة ومحاولة تغيير بعض مواقفه وعاداته بما يتفق مع وضعه الجديد، ولكن عندما ال تتوفر األسس المبدئية للتوافق، فإن محاوالت التصحيح والتغيير ستبوء عاجال أم آجال بالفشل الذريع، وعندها

ون قد ضيعنا بأقل تقدير الوقت الثمين في محاولة ال طائل منها على نكولذالك يجب على المتقدم إلى العمل أثناء المقابلة الشخصية أال . اإلطالق

يكتفي بإعطاء صاحب العمل فرصة التعرف عليه وامتحانه بمساعدة ي هو أيضا رئيسه المستقبل" يختبر"االختبارات السيكولوجية، بل عليه أن

وبالطبع ليس هناك لهذا الغرض حتى اآلن . وزمالءه الجدد ومناخ العمل ككلاختبارات بالمعنى الضيق للكلمة، ولكن بمقدور المتقدم مراقبة كل شيء باهتمام وطرح األسئلة المناسبة التي تفيد في الخروج بانطباع حقيقي عن

إلجراءات التي فلنسأل على سبيل المثال عن ا. مناخ مكان العمل المستقبليتهتم بصحة وسالمة العاملين في أماكن عملهم، وعما تقدم الشركة من مساعدات اجتماعية بما في ذلك وجبات الطعام ومساعدة المرضى ودعم الشيخوخة، ولنسأل أيضا إن كان هناك شخص ما يمكننا الرجوع إليه إذا ما

-٢٢٦-

يه من إجابات إن ما نحصل عل... واجهتنا المشاكل المهنية أو الشخصيةوالطريقة التي يجاب بها عن أسئلتنا هذه يكفي في بعض األحيان إلعطائنا . فكرة شاملة ونظرة موضوعية عن موقف الرئيس من العاملين معه

وبمقدورنا عالوة على ذلك ومن خالل بعض األسئلة الموجهة والمراقبة التحفيز الدقيقة لسلوك الرئيس أن نحدد دافعه األساسي وألي من أنماط

الخمس ينتمي، وهكذا يصبح باإلمكان ربط رغباتنا الخاصة بدافعه األساسي .لكي نزيد من فرص تقبلها وتحقيقها

ونود هنا أن نحذر بشدة مما ينصح به البعض وال يؤدي في نظرنا سوى إلى المتاعب واإلخفاق، فهناك من ينصح بأن يحضر المتقدم نفسه

، "كاسر االختبار"طريق االستفادة مما يسمى لالختبارات السيكولوجية عن وذلك من خالل التدرب على االختبارات وتحضير إجابات جاهزة يحاول

حتى يحصل - ال يطابق الواقع - المتقدم من خاللها الظهور بمظهر معين ففي بعض الحاالت ! على النتيجة التي يبتغيها دون االلتزام بالصدق واألمانة

لذلك النوع من التحضير األثر اإليجابي المرجو من يفوق األثر السلبي وقد يكتشف الشخص المختص الذي يجري االختبار . خالل الفوز بالوظيفة

زيف ادعاءات وعدم صدقية إجابات المتقدم مما ينهي المقابلة نهاية سريعة ما الفائدة الفعلية من محاولتنا تضليل : ولنتساءل قبل كل شيء. وسلبية جدا

ففي ! لمقيمة وإعطاءها فكرة خاطئة عن قدراتنا وكفاءاتنا وصفاتنا؟الجهة ا فإننا قد نبقى طوال حياتنا - وهو احتمال وارد -حال نجحنا في مسعانا

مرهقين في عملنا الذي يحملنا دائما فوق طاقتنا الفعلية، إذا كنا قد فزنا به لوهمي الذي بطرق ملتوية، فهو ال يناسب قدراتنا بل قدرات ذلك الشخص ا

والنتيجة على المدى البعيد هي أننا لن نجد السعادة ! انتحلنا صفاته وقدراتهوفي الواقع فإن ما يجب أن نسعى إليه . في مكان العمل الذي لم نستحقه فعال

مكان عمل أو وظيفة أو منصب : هو ذاته ما يسعى إليه الطرف اآلخروإذا ما شغلنا ! رامة وأماننصلح لشغله ويضمن لنا تحقيق الذات والعيش بك

-٢٢٧-

وظيفة تفوق متطلباتها طاقاتنا، فإننا إنما نضع حجرا في طريقنا ال بد أن .نتعثر به في نهاية المطاف

علينا إذا أن نتصرف بشكل مطابق لطبيعتنا ونجيب بما يتفق مع حقيقة ومن الطبيعي أن نظهر بعض التوتر، وال خوف من ذلك . قدراتنا وصفاتنا

.ختبارات الجيدة تأخذ ذلك بعين االعتبارألن االوال ضير من المثول لهذا االختبار أو ذاك تحت إدارة مختصة قبل

فذلك تحضير جيد ومفيد دون أدنى شك، ألنه . الذهاب للمقابلة الشخصيةيعطينا فكرة واضحة عن األسئلة التي ستطرح علينا أثناء المقابلة وعن

قد يزيد من فرص نجاحنا بالمقارنة مع متقدم وهذا ما. تقنية اإلجابة عليهاوعالوة على ذلك فإنه لمن . آخر يمتثل لتلك االختبارات للمرة األولى

أن يعرف المرء قيمة حاصل ذكائه - إن لم نقل من الضروري -المفيد على سبيل المثال، فذلك يساعده بال ريب على تقدير ذاته تقديرا قريبا إلى

فلماذا يحرص المرء على سبيل المثال على معرفة . يةالواقعية والموضوعقياس قميصه وقياس حذائه وفئة الدم التي ينتمي إليها، بينما يخاف من

وفي الواقع قد تكون قيمة ! معرفة قيمة حاصل الذكاء الذي يتمتع به؟حاصل الذكاء أهم بكثير من جميع القيم والمعلومات الشخصية األخرى

هتمام بها وحفظها، وذلك لتنظيم الحياة وإدارتها إدارة التي اعتدنا على االبعد االنتهاء (ولذا ننصح أن يخضع كل إنسان في الوقت المناسب . سليمة

الختبار الذكاء تحت إشراف ) من مرحلة الدراسة الثانوية على سبيل المثالوغالبا ما سنجد بعد إجراء االختبار أننا كنا نجهل في الماضي . اختصاصي

وقد نجد عكس ذلك (راتنا العقلية ولم نحسن االستفادة منها استفادة كاملة قدكما يطلعنا إجراء هذا االختبار في الوقت ذاته على بنية ). في حاالت قليلة

هذا النوع من االختبارات ويكسبنا الخبرة الالزمة لكي نجتاز االختبارات .الالحقة دون خوف أو توتر

-٢٢٨-

اصل الذكاء وحده ال يحدد قدرة المرء على وكما ذكرنا سابقا، فإن حفاألمر يحتاج باإلضافة إلى . األداء الجيد وإنجاز األعمال الموكلة إليه بنجاح

الذكاء إلى مستوى مرتفع من الحفز وإلى القدرة على المثابرة وإلى قدر كبير ة وإذا أردنا أن يكون أداؤنا متميزا علينا أن نمتلك أيضا مهار. من االجتهاد

هذا ما سنتطرق إليه الحقا وقد كنا قد تطرقنا . كبيرة في التعامل مع اآلخرينوبينما تتحدد قيمة حاصل الذكاء . بإسهاب فيما سبق إلى موضوع التحفيز

بالفطرة وال تتأثر تأثرا كبيرا بالبيئة المحيطة، فإن القدرات األخرى المحددة بعيد ويمكن اكتسابها وتقويتها لمستوى أداء اإلنسان تتعلق بالبيئة إلى حد

.بالمراس والتدربوعلى العموم يجب على المتقدم أن ينظر إلى المقابلة الشخصية التي

، "جلسة حوار البيع"يبتغي منها الفوز بمكان عمل مناسب كما ينظر البائع إلى قدراته وكفاءاته وعليه أن يقنع الطرف اآلخر بما " يبيع"فالمتقدم أيضا إنما

وبعد أن يحصل على مكان العمل ! تطيع تقديمه وبأن ذلك سيضمن رضاهيسعليه أن يشغله وينجز المهام المنوطة به بنجاح وأن يسعى ألن يحقق ذاته من

.خالل عمل مفيد ومجد يتفق مع نمط تحفيزه األساسيواآلن بعد أن تعرفنا على ما يتوقعه منا رئيسنا بوجهيه الشكلي المعلن

، وبعد أن عرفنا )بما يتفق مع نمط تحفيزه األساسي(كولوجي والضمني السيقدراتنا ومهاراتنا وتعرفنا على صفاتنا األساسية، بقي علينا أن نقوم بكل ما

وعلينا في نهاية ! بوسعنا لتحقيق النجاح وتفادي اإلحباط، وذلك لمصلحة الطرفين هم الرؤساء الرؤساء الراضين"رؤساءنا في العمل، ألن " نرضي"المطاف أن

وهذا بدوره سيؤدي حتما إلى شعورنا نحن بالرضا، ألننا نحقق ذاتنا "! األفضل !من خالل قيامنا بعمل ناجح وألننا ال نعمل ضد تطلعاتنا ورغما عن إرادتنا

ولكن المبالغة في هذا االتجاه خطأ فظيع، فال يفترض بنا أن نضحي فال بد أن نضمن أن ما نقوم به ! مبتطلعاتنا وأهدافنا إلرضاء اآلخرين وخدمته

للتأقلم مع مكان العمل وإرضاء الرئيس يلقى تقبال داخليا من ذاتنا حتى ال نقع

-٢٢٩-

. في حالة تناقض فكري سلوكي بين ما نقوم به وما نحن على قناعة بصحتهوإذا ما ضمنا هذا التقبل الداخلي، فإن الفرص كثيرة لكي نظهر للرئيس بأن

. كة يهمنا وبأن الحماس يملؤنا لكي ننجز كافة مهامنا بنجاحأمره وأمر الشر .وال بد أن نقطف ثمار جهودنا على المدى البعيد

نخلص من كل ما سبق إلى أن معاملة العامل السليمة لرئيسه ال تختلف في شيء عن معاملة الرئيس السليمة لمرؤوسيه أو عن معاملة اإلنسان

نا مع أي إنسان آخر يكون سليما عندما إن تصرف! السليمة ألخيه اإلنساننعامله بالطريقة ذاتها التي نطمح ألن يعاملنا بها، والمعاملة السليمة هي التي

علينا أوال أن . تخاطب اآلخر بما يتفق مع دوافعه ونمط تحفيزه األساسينتعرف على الدوافع األساسية والحقيقية للطرف اآلخر وندرك مصالحه

ه، وأن نحاول التوفيق بينها وبين مصالحنا وتطلعاتنا ورغباته وتطلعاتالشخصية وأن نظهر أكبر قدر ممكن من الليونة والمرونة في تعاملنا مع

ولنتذكر دائما أن الموقف المتسامح والمتفهم هو الموقف القادر على . اآلخرينإزالة آثار بعض حاالت سوء الفهم وتخفيف الكثير من حاالت شقاء اإلنسان

.صورة عامةب

-٢٣٠-

-٢٣١-

.VII علم النفس وفن اخلطابة

الخطاب وسيلة أساسية في الحياة الديموقراطية - ١تعتمد واحدة من أهم آليات تأثير اإلنسان على اإلنسان في المجتمع

فعندما يعبر اإلنسان عن ذاته . الديموقراطي على الخطاب والكالم والحوارس، فإنه ال يوصل إلى الطرف اآلخر أمام إنسان آخر أو مجموعة من النا

معلومة مجردة فحسب، بل إنه يضيف إليها شكال مميزا من أشكال تحفيز ومنذ أصبح . الطرف اآلخر ويخلق لديه بشكل ما استعدادا للقيام بنشاط معين

اإلنسان عندما يتكلم ال يسمع في مكان تواجده فحسب، بل ومن خالل األوساط في مختلف األمكنة القريبة والبعيدة، عظمت أهمية الخطاب اإلعالمية المختلفة

سنحاول فيما يلي إظهار بعض . وازداد اتساع تأثيره أكثر من ذي قبلالجوانب التطبيقية لعلم النفس في تدعيم أثر الخطاب دون االدعاء أننا نقدم

.نظرة شاملة ومفصلة عن مجال فن الخطابة الواسع جدا

اب بالوسائل السيكولوجيةزيادة فعالية الخط - ٢بوسع الخطيب عندما يقف أما الجمهور أن ينطلق من مبدأ أساسي ومهم وهو أن الموجودين مهما اختلفت أفكارهم قبل بدء الخطاب يجمعهم أمر

ولكن أفكارهم في . واحد على األقل وهو أنهم قد أتوا ليستمعوا إلى خطابهفقد يتساءل أحدهم عما إذا : فةالوقت الحالي مركزة على أمور كثيرة ومختل

كان المكان الذي أوقف فيه سيارته آمنا أم ال، وعما إذا كان قد نسي أن يقفل باب السيارة، وقد ينتاب آخر الشك بأنه لم يحكم إغالق صنابير المياه في

-٢٣٢-

البيت، وقد يفكر ثالث بما سوف يقرره غدا في موضوع مهم من مواضيع اضيع مختلفة ومتنوعة بتنوع األشخاص عمله، وما إلى ذلك من مو

فموقف جمهور المستمعين حتى اآلن يشبه إلى حد بعيد . الموجودين واختالفهمموقف من يذهب إلى مخزن لبيع الكتب، فهو ودون أدنى شك مهتم مبدئيا باإلصدارات الجديدة ولكنه لم يحسم أمره بعد ولم يقرر إن كان سيشتري أحد

ولما كانت ! وإذا كان سيشتري فأي من الكتب سيختارالكتب المعروضة أم الأفكار الموجودين مختلفة، وجب أوال تركيزها على موضوع بعينه وتحويل هذا الجمهور الالمتجانس فكريا إلى جمهور متجانس قدر اإلمكان، إلى جماعة

وال شك أن ! مستمعين اهتمامهم األساسي والوحيد هو ما سيقوله الخطيب :بالعوامل التالية سيساعد على تحقيق هذا الهدفاالهتمام

اإلضاءة -أ

يجب أن توحي إضاءة الصالة التي ينظم فيها الخطاب والبناء ككل فإذا كانت الصالة معتمة وكان البناء . بالكرم كما يجب أن تشعر باالرتياح

مبهم المعالم، فإن ذلك سيوحي بالتقشف والتوفير ويسبب مشاعر التخوف رتياح ويجعل القادم يظن أن عدد الحاضرين قليل وأنه لذلك لن يشعر وعدم اال

وعلى العكس من ذلك توحي اإلضاءة الجيدة الوافية . في هذا المكان باألمانبأن عدد الحضور من الموجودين وممن سيأتون الحقا كبير وبذلك ينشأ

ن يقومون االنطباع لدى القادم منذ البداية بأن ما يقوم به صحيح ألن كثيريوبينما يدفع الظالم اإلنسان إلى ". واحد من الجماعة"بالشيء ذاته أي إنه

ولنجاح . االنطواء على الذات تحفزه اإلضاءة على االنبساط واالنشراحالخطاب ال بد أن يتخذ الجمهور موقفا منفتحا منبسطا إلى الخارج ال أن

هذا الموقف االنطوائي وقد يناسب. يعتكف كل على ذاته ويغوص في أعماقهاالجلسات الروحية وتجمعات الصالة والتأمل، وفي هذه الحال تكون الصالة

.الخفيفة اإلضاءة مناخا مناسبا لهذه النشاطات

-٢٣٣-

وبعد أن يبدأ الخطيب خطابه يمكن تعتيم مكان جلوس الجمهور وإبقاء اإلضاءة على الخطيب فقط أو على ما يعرضه من صور ووسائل مساعدة

هذا ما يزيد من توجيه اهتمام الجمهور إلى شخص الخطيب وإلى ما . أخرىواألفضل . يعرضه، بينما يبقى كل شيء آخر في الصالة خارج نطاق االهتمام

أال يظهر الخطيب مباشرة بل أن تسبقه وتقدم له تحضيرات وتغييرات ضوئية ". إلبرةتسمع فيه رنة ا"فذلك يؤدي إلى جو من الترقب والصمت . وصوتية

.وهذه تحديدا هي اللحظة المناسبة لكي يصعد الخطيب إلى المنصة

نظام ترتيب املقاعد -ب

باإلضافة إلى اإلضاءة فإن نظام ترتيب المقاعد على درجة كبيرة من فإذا ما جلس المستمعون بشكل تنشأ فيه مسافات كبيرة بين مستمع . األهمية

نخفض إحساسه بأنه واحد من وآخر، يزداد وعي كل مستمع لفرديته ويوحينئذ يشعر المستمع بمسؤوليته الفردية ويراقب تصرفاته وينتبه . الجماعة

إلى ردود فعله ويعي أفكاره وال يترك لنفسه العنان لتسبح مع التيار بسهولة كما كان سيفعل، لو جلس المستمعون بشكل يرى فيه كل مستمع نفسه محاطا

ه بفرديته ويزيد من شعوره بأنه واحد من باآلخرين مما يخفف من شعورالجماعة وبأنه ال يتحمل مسؤولية خاصة تحدد تحركاته وردود أفعاله فيطلق

!لنفسه العنان لتتفاعل بحرية تامة مع الخطيبإننا غالبا ما نشعر في الالوعي أننا على حق، عندما نفعل أمرا يقوم به

- ا نتشجع للتوقيع على عريضة ما فال شك أنن. الجميع أو على األقل كثيرون عندما يكون توقيعنا واحدا من بين عدد كبير من -ما كنا لنوقع عليها بمفردنا

وال عجب في أن " (بكثرة"التواقيع، أي عندما يوقع الناس على هذه العريضة يستخدم حرفيا في كثير من الحمالت التي تدعو فيها مجموعات " بكثرة"تعبير

"!). شاركوا بكثرة: "لمنتديات والمظاهرات، فتقول ألعضائهاالطالب إلى اولذلك . وعندئذ ينتابنا الشعور بأن الجمهور ال يخطئ وبأن تصرفنا مصيب

-٢٣٤-

ينصح بوجود شخص ما يستقبل الحضور ويرافقهم إلى الصفوف األمامية لكي تمأل المقاعد األمامية بالجمهور ولكي ال يتشتت الحضور في القاعة متباعدين

ويالحظ أن غالبية الناس يميلون دون وجود هذا الشخص . مكانيا وفكرياالمساعد إلى الجلوس في الصفوف الخلفية وقريبا من المخرج بدال من التجمع

!في الصفوف األماميةوفي هذا السياق يمكن فهم الحقيقة السيكولوجية في علم النفس التربوي

المقاعد المتوسطة في الصف يحصلون والتي تقول بأن الطالب الجالسين فيإحصائيا على معدل أفضل من زمالئهم الجالسين في المقاعد األمامية

ويمكننا أن نفسر هذه المالحظة بنفس الطريقة التي تفسر ارتفاع ! والخلفيةدرجة اهتمام المستمعين الجالسين في األماكن المتوسطة والمحاطين بمستمعين

إن الجالسين في : لمقارنة مع درجة اهتمام سواهمآخرين من كل الجهات باالصفوف األمامية والخلفية من المقاعد ال يخضعون لتأثير الخطيب وال ينساقون مع المجموعة كما يفعل أولئك الجالسون في الوسط والمحاطون

!بالمستمعين من كل الجهاتنعزال وبالمناسبة يؤثر ارتفاع الصالة أيضا على شعور المستمعين باال

فإذا ما كان السقف مرتفعا، شعر المستمعون . أو االنتماء إلى المجموعة؛ وأما إذا كان السقف منخفضا ولم تكن الصالة ضخمة "الضياع"باالنعزال و

. بصورة مبالغ فيها، فإن الشعور باالنتماء إلى المجموعة يتعزز لدى الجميعختيار الصحيح لحجمها ولذا فإن انخفاض سقف الصالة يوازي في أهميته اال

وبوسعنا دائما االنطالق من أن . الذي يجب أن يناسب العدد المتوقع للحضورصالة صغيرة مكتظة أفضل بكثير لنجاح الخطاب من الناحية الفنية الخطابية

!من صالة كبيرة نصفها فارغوباإلمكان تعزيز الشعور باالنتماء إلى المجموعة من خالل تفعيل

الحماسية نحو بث بعض األغاني الدارجة عبر مكبرات بعض الطقوس أو " دعابة تقديمية"الصوت أو إطالق الهتافات الجماعية والتصفيق ردا على

-٢٣٥-

في هذه اللحظات ! وقوف المجتمعين لدى اعتالء الخطيب منصة الخطاب" باألمر ذاته"تحديدا يشتد الشعور باالنتماء إلى الجماعة ألن الجميع يقومون

. هناك مبرر لشعور الفرد بالتفرد واالنعزالوليسنجد في تجمعات الصالة وفي المهرجانات الخطابية السياسية جيدة

.التنظيم الكثير من األمثلة على األثر المنظم والمقصود لمثل هذه اإلجراءاتوعادة ما يقدم للخطاب في المنتدى أو المناسبة شخص آخر يختلف عن

ة أو المنظمة أو مدير الجهة المنظمة أو الشخص نحو رئيس الجلس(الخطيب ومن مهام الشخص المقدم جذب انتباه الجمهور ). الذي دعا إلى المناسبة

وتحفيزهم لمتابعة الخطاب بحماس واهتمام، خاصة وأن نجاح الخطاب يتوقف وفيما يلي سنتطرق إلى . إلى حد بعيد على االفتتاح الصحيح والبداية الموفقة

.ب ذاته في إنجاح الخطابمهام الخطي

دور الخطيب في الحفاظ على انتباه الحضور - ٣واآلن نتساءل عن كيفية الحفاظ على مستوى االنتباه لدى الحضور

فلنتجاوز بداية المضمون . والذي نجح منظم ومقدم الخطاب في تحقيقهجاذبة "الخطابي ولنتجه إلى العوامل الشكلية المكملة، ألنها عوامل

ومن بين تلك العوامل . إن هي وظفت لهذا الغرض توظيفا سليما" املالهتمجميع أشكال وسائل اإليضاح من جهاز اإلسقاط على الحائط إلى جهاز

وبوسع الخطيب . إظهار الشفافات إلى لوح إيضاح األشكال وما إلى ذلكنحو إلصاق بعض (تحضير بعض وسائل اإليضاح هذه قبل بدء المناسبة

مخططات والجداول أو رسم بعض األشكال على لوح الصور والومن الملفت أن مجرد تغيير وضعية الخطيب أو توجهه باتجاه ). اإليضاح

جهاز اإلسقاط أو إمساكه بقلمه أو بقضيب التأشير يرفع مستوى االنتباه ا لدى الحضور بشكل ملحوظ ألنهم يتوقعون من الخطيب إيضاحا إضافي

وغالبا ما يكفي شكل توضيحي فيه بعض . يقولهيدعم معنى الكالم الذي

-٢٣٦-

األسهم والدوائر واالختصارات الدالة على الكالم لتدعيم كالم الخطيب والوصول إلى مستوى أعلى من الفهم واالستيعاب لدى الجمهور ولرفع

وهذا تماما ما يقوم به كل معلم في المدرسة، . مستوى انتباههم ومتابعتهموح مخططا بسيطا يشرح ما يريد أن يقدمه في حصته عندما يرسم على الل

التدريسية، يكتب فيه عنوان الدرس وبعض رؤوس األقالم ويرسم فيه شكال .توضيحيا بسيطا

الحضور " يهيج"االنتباه و" يشعل"وبالطبع من الممكن تقديم خطاب دون الحاجة إلى تلك الوسائل المساعدة إذا كان الموضوع بحد ذاته مثيرا

ولكننا ال نستطيع من جهة ضمان اهتمام الناس بمواضيع جميع . لالهتمامالخطابات قاطبة، ومن جهة أخرى فإن وسائل اإليضاح ترفع دون أدنى شك من مستوى اهتمام الحضور بمحتوى الخطاب مهما كان المحتوى مثيرا

.لالهتمام في األصل

أثر النظر إىل الساعة -أ

عادة سيئة جدا وواسعة االنتشار اعتاد عليها تجدر اإلشارة هنا إلىالكثيرون من الخطباء، وهي النظر إلى ساعة اليد أو ساعة الحائط لمعرفة

إن هذه الحركة مهما كانت طفيفة، ستؤدي . الوقت المتبقي من مدة الخطاببجزء كبير من الحضور إلى تقليدها، وهكذا ينظر عدد كبير منهم كل إلى

اعة الحائط المعلقة في الصالة مما يسبب تشتت أفكارهم ساعته أو إلى سوإضعاف اهتمامهم، حيث يتذكر اآلن الكثيرون منهم أشغالهم والتزاماتهم، فعلى أحدهم أن يجري اتصاال هاتفيا ويأمل آخر أن كل شيء على ما يرام في

واألفضل أن ! البيت ويفكر ثالث بما ينوي فعله بعد انتهاء الخطاب وهكذاضع الخطيب ساعته أمامه على الطاولة قبل بدء الخطاب، بحيث يكون قادرا ي

على النظر إليها دون أن ينتبه الحاضرون أو يتدرب على اختالس النظر إلى .ساعة يده بخفة ورشاقة ودون لفت االنتباه

-٢٣٧-

"اإلعالن عن قرب انتهاء الخطاب بينما يكون في منتصفه"

اته الذي تتركه حركة النظر إلى إن لإلعالن هذا األثر المشتت ذالساعة، فعندئذ يشرع كل مستمع تلقائيا بالتفكير في كيفية الذهاب إلى البيت وما سيقوم به الحقا وما إلى ذلك من أفكار تبعده عن موضوع الخطاب

!وتشتت انتباهه

"نوبة السعال"

ولنوبة السعال أيضا مفعول صرف االنتباه ذاته، ألن ذلك سيؤدي وحتى حركة بلع اللعاب غير ! لعديد من المستمعين إلى السعال أيضابا

المقصودة تجعل العديد من المستمعين يقلدونها، فيبلعون لعابهم هم أيضا، مما !يصرف انتباههم عن موضوع المحاضرة بعض الشيء

الصوت -ب

ماذا بوسع الخطيب فعله عندما ال تتوفر له أية وسيلة إيضاح كما هي أو في المنتديات التي ال ) خالفا للخطاب المتلفز( في الخطاب اإلذاعي الحال

- ؟ نأتي هنا )كالمهرجانات االحتفالية على سبيل المثال(تقدم وسائل إيضاح إلى وسيلة صوت الخطيب -إلى جانب فحوى الخطاب الذي سنناقشه الحقا

شدة الصوت فمن خالل تغيير. والتحكم بها للحفاظ على انتباه المستمعينوطبقته يستطيع الخطيب الحفاظ على انتباه المستمعين مهما كان مضمون

وبالعكس قد يشعر المستمعون . الخطاب يفتقر إلى المعاني المثيرة لالهتمامبالملل وينخفض مستوى اهتمامهم بالخطاب وتتبعهم ألفكاره عندما يحافظ

ك بغض النظر الخطيب على طبقة صوت وشدة واحدة طوال الخطاب، وذلوعلى العموم فإن ما يجعل الصوت . عن مضمون الخطاب ومستوى إثارته

مؤثرا ويجذب اهتمام المستمعين إنما هو حمولته العاطفية التي يظهرها قد فقدنا هذه الخاصة األساسية في - نحن المتحضرون - بيد أننا . للمستمعين

-٢٣٨-

د صوتنا من أي نوع من صوتنا ألننا نتعلم منذ ذهابنا إلى المدرسة أن نجرأنواع المشاعر والعواطف وأن نتكلم بتجرد وبعيدا عن إظهار العواطف

وإذا ما . وفي الحياة العملية نجبر أنفسنا على عدم إظهار مشاعرنا. الشخصيةومقدمي برامج " القدوة"نظرنا حولنا، فإننا نجد الكثيرين من األشخاص

واضيع المختلفة بصوت ثابت وهادئ اإلذاعة والتلفزة يتكلمون في شتى المومتجرد على الدوام، إننا نسمع طبقة الصوت ذاتها وشدة الصوت عينها مهما

نحو خبر حادث فظيع (كان الموضوع مثيرا للمشاعر ومدغدغا للعواطف ولكن ). مؤلم أو ذكرى ميالد شخصية محبوبة جماهيريا على سبيل المثال

خالل حفاظه على الطبقة ذاتها والشدة نفسها المتحدث في الحقيقة ال يحقق منلصوته قدرا أكبر من الموضوعية، بل إنه يترك االنطباع بأنه غير معني بما

وهذا الشعور ينتقل بدوره إلى المستمعين الذين كثيرا ما يسمعون األنباء . يقولالفظيعة المريعة التي تبث من خالل وسائل اإلعالم المسموع والمرئي دون

وفي المدرسة . ن تترك أي أثر على مشاعرهم ولينسوها في اللحظة التاليةأإذا طلب من تلميذ ما أن يحمل صوته المزيد من المشاعر وهو ينشد قصيدة

يرفع شدة صوته الذي يبقى خال من - وفي أحسن األحوال - حماسية، نجده إن الخطيب المحترف والمتدرب والواعي آلثار الصوت ! المشاعر

سيكولوجية على المستمعين قادر على التعبير عن انطباع ما مرة وعن ضده المن خالل سلسلة من الكلمات عديمة ) نحو الحزن والفرح(في المرة األخرى

على سبيل المثال، وذلك بانتقاء طبقة ..." ربابا، ربابا، ربابا"المعني نحو شخص عادي غير بينما قد يكرر . صوته وشدته المناسبتين للتعبير المقصود

عشرات المرات دون أن يترك االنطباع لدى !" أنا سعيد"محترف جملة المستمع بأنه سعيد فعال، ألنه ال يحمل صوته أي انفعال يدل على االنطباع الذي يريد تركه، فطريقة قوله لتلك الجملة ال تختلف في شيء عن الطريقة

وهذا هو الفارق !". خمإن الكتاب ض"التي يقول بها أية جملة أخرى نحو وإذا لم يع الخطيب هذا الفارق، فإن . األساسي بين المحترف وغير المحترف

-٢٣٩-

خطابه لن يختلف كثيرا في تأثيره على الجمهور عن خطاب مكتوب وموزع !على الحاضرين

!إن أهم ضمان للقدرة على إظهار املشاعر هو امتالكها -ت

عر، فما على المرء إال أن يمكن بالطبع التمرن على إظهار المشانحو الفرح والحزن والملل (يكرر محاوالته للتعبير عن المشاعر المختلفة

، وذلك باستخدام تعابير وسيماء الوجه وحركات إيماءات )والتأثر والغضبوعلى العموم . اليدين والتحكم بالصوت، حتى ينجح في إقناع اآلخرين بذلك

ر المختلفة متوفرة لدى جميع الناس، ألنها فإن هذه القدرة على إظهار المشاعواحدة من الخصائص الفطرية لإلنسان والتي ضعفت إلى حد التالشي مع

فمن . مر العصور، حيث تعلمنا أن نخفي مشاعرنا وانطباعاتنا ونتكلم بتجرديجرؤ في أيامنا هذه على الصراخ في وجه الطرف اآلخر أو شتمه تعبيرا

فضال عن ذلك أن نقول أمرا مغايرا لما نشعر به وقد تعلمنا! عن الغضب؟داخليا، وقد تطورت الحال لدى البعض حتى أصبحت مشاعرهم ضعيفة

. أن يسيطروا عليها ويحللوها ويفسروها ويحكموا العقل مكانها" تعلموا"ألنهم ، "نهاية الحياة االجتماعية"إن المبالغة في إضعاف المشاعر وكبتها إنما يعني

فمن . تحيى وتزدهر بالمشاعر الحقيقية التلقائية النابعة من القلبالتيالعواطف تنطلق الشرارة القادرة على االنتشار وتحريك اآلخرين وتحفيزهم لفعل أمر ما وللتفكير بشيء ما، وأما التزام الموضوعية والتجرد فال يؤدي

!سوى إلى الملل والالمباالة التعبير عن المشاعر هي امتالكها ويبقى الشرط األساسي للقدرة على

وال يقبل هنا االعتراض بأن ذلك يولد إجهادات . أوال امتالكا حقيقيا وصادقافاألمر المجهد فعال إنما هو محاولة إخفاء المشاعر ! وضغوط نفسية مزعجة

ألن كل إنسان طبيعي يمتلك الكثير من المشاعر واألحاسيس . باستمرارإن . وهذا كل ما في األمر. إظهارها دون تحفظ كبيرويجب أن يسمح له ب

-٢٤٠-

نجاح البائع في بيع سلعة ما إنما ينبع من كونه على قناعة تامة بجودتها وسعرها المناسب ومن تركه العنان لصوته ليعبر عن قناعته هذه وليحاول

مع (هي أساس النجاح " الخطة التسويقية المدروسة"وال تعتبر . إقناع الزبائنوإذا لم يكن المرء مؤمنا )! ال نريد هنا أن نقلل من شأن عملية التسويقأننا

بقضيته ومتحمسا لها، فإنه لن يدخل إلى قلوب المستمعين ولن يلمس ولذلك فإن نجاح الخطباء ". بلسان المالئكة"مشاعرهم حتى ولو تكلم

إنما هو نجاح في نقل الحماس- وبخاصة في مجال السياسة -المحترفين وجميعنا يعرف أن كال من . الذاتي إلى المستمعين عن طريق إلهاب مشاعرهم

قد Joseph Goebbels وجوزيف غوبلز Winston Churchillوينستون تشرشل ألقى خطبا ناجحة ومؤثرة جدا أثناء الحرب العالمية الثانية ولكننا نعلم أيضا

وال يمكن - مسا شديدا أن كال منهما كان مؤمنا بقضيته ومتحمسا لها تح !أن تؤدي إلى ذلك النجاح بمفردها" للتقنية البحتة"

لغة السيماء واإلمياءات -ث

تجدر اإلشارة هنا إلى أن للسيماء أو تعابير الوجه ولإليماءات أو حركة وكل ما ذكرناه عن . اليدين أثر مساعد ال يستهان به على نجاح الخطاب

علينا أن . بق على السيماء واإليماءات أيضاإظهار المشاعر في الصوت ينطنتعلم من جديد أن نستخدم أيدينا وعضالت وجهنا وبخاصة حركة الحواجب

فرفع ! في التعبير عن المشاعر المختلفة واألفكار األساسية التي نريد إظهارها إلى ما فوق الرأس تأكيدا لما يقوله يجذب انتباه - أو ليديه -الخطيب ليده

معين بصورة الإرادية ويجعلهم يتوقعون أمرا مميزا ألن ما تحمله هذه المستالحركة من داللة تناشد الطرف اآلخر يؤثر في الوعيه مباشرة ودون

والمهم أن تتفق داللة الحركة مع مضمون الكالم الذي ترافقه وأن ! استئذانيها واستحوذت تناسبه في القوة، وإال تركت تلك الحركة االنطباع بأنها مبالغ ف .على اهتمام الطرف اآلخر كليا وأبعدته عن مضمون الخطاب

-٢٤١-

أربعة مبادئ أساسية للخطاب الفعال - ج

لكي يكون الخطاب فعاال يجب ضمان تحقيق أربعة مبادئ أساسية يمكن .للمرء أن يتعلمها ويستوعبها ومن ثم يطبقها تطبيقا سليما

فلن نكون قادرين . صورة واضحةالمبدأ األول هو أن يتحدث الخطيب بعلى إقناع اآلخرين من خالل العبارات المجردة، بل ال بد من استخدام

يطبق هذا المبدأ بشكل أساسي في علم . التعبيرية واألمثلة والشواهد" الصور"التربية ويناط به هناك دور مركزي، ولكن تطبيقه هنا في مجال فن الخطابة

علينا تقديم "فعلى سبيل المثال يبقى أثر عبارة . عايبدو أكثر إلحاحا وأشد وقعلى المستمعين " المزيد من الدعم للشباب إلنقاذهم من الوقوع في الجريمة

محدودا، بينما يختلف األمر اختالفا جذريا عندما يحكي المتحدث قصة شاب يجلس وحيدا في شقته ال يجد بين ) له اسم وسن ومنشأ وحي ومدينة(بعينه

رامج التلفزة ما يشده ويسليه، فيخرج ليسير في شوارع المدينة دون وجهة بمحددة حتى يلتقي بمجموعة من أترابه الشباب الذين يملؤهم الضجر والملل،

فعندئذ يستطيع الجميع ... ولكنه إجرامي" مشوق ومسل"فيقررون القيام بعمل وكلما كان التصوير أن يتخيلوا ذلك الشاب ويتفهموا حالته ويتعاطفوا معه،

.واقعيا كلما كان األثر العاطفي الذي يتركه أشد وأعمقعلينا أن نكرر الفكرة األساسية في . المبدأ الثاني هو مبدأ التكرار

فبإمكاننا . الخطاب مرات عديدة ولكن في مواضع مختلفة وفي سياق مختلفقول بعد إظهار على سبيل المثال وباالرتباط مع مبدأ التوضيح والتبيان أن ن

..." ولذلك أطلب مرة أخرى أن "... الفكرة األساسية في صورة واضحة ويفضل تكرار الفكرة األساسية خمس . ونكرر تلك الفكرة األساسية مرة أخرى

وباإلمكان . مرات، مربوطة في كل مرة بواحد من الدوافع األساسية الخمسن الصورة الموضحة يجب الحفاظ على تلك الفكرة بحرفيتها في كل مرة، ولك

. وتمكن مالحظة فعالية هذا المبدأ في الكثير من الوصالت الدعائية. أن تتبدل

-٢٤٢-

فباإلمكان تحويل عبارة فارغة المعنى تقريبا وعديمة اإلثارة إلى عبارة بالغة ولكن على عبارات . التأثير إذا ما كررت خمس مرات في ظروف مختلفة

ا وإال انجرف الخطيب إلى مصاف الدعاة الخطاب أن تكون مقبولة أخالقي .الدجالين والمنافقين

يطلب المبدأ الثالث من الخطاب أن يميز الفكرة األساسية ويظهرها في إن طريقة سرد األضداد تبين المقصود من الفكرة بصورة . تناقض مع عكسها

. ..."ال نريد ذلك وال ذاك وإنما ما نريده هو هذا: "مباشرة وبالغة الوضوح: وفي كثير من األحيان يمكن إظهار الفكرة األساسية بطريقة التصعيد نحو

، وفي ...، ومن ثم الحظت أن...عندما سمعت بذلك ظننت في البداية أن"وتستخدم طريقة ...". نهاية المطاف اتضح لي أن ما هو واقع فعال هو هذا

لبائع إقناع الزبون مقارنة الجيد باألسوأ في عملية البيع أيضا، عندما يحاول اوفي مجال السياسة . بسعر السلعة من خالل مقارنته مع سعر أغلى منه بكثير

يمكن للسياسي أن يروج لفكرته التي تتطلب بعض التضحية من المواطنين من خالل إظهار ضآلة التضحية المطلوبة بالمقارنة مع ما قد تتطلبه فكرة

وهنا يشترط . ت من المواطنينأخرى تذهب أبعد من فكرته في طلب التضحياباألمرين اللذين تجري المقارنة بينهما أن يكونا واقعيين ويمكن قبولهما مبدئيا

.بشكل أو بآخر، حيث يتم التركيز على المفاضلة بينهما فحسبوينصح المبدأ الرابع باستخدام األسئلة الخطابية وهي األسئلة التي

د استراحة قصيرة تفصل بين السؤال يطرحها الخطيب ويجيب عليها بنفسه بعويفضل أن يصاغ السؤال . والجواب وتساعد على تركيز اهتمام المستمعين

بطريقة ال تسمح إال بإجابة منطقية واحدة وبحيث يخطر هذا الجواب ألغلبية الحضور في اللحظات القصيرة التي تلي طرح السؤال، ومن ثم يأتي التأكيد

مع أفكار المستمعين عندما يقدم الخطيب اإلجابة على انسجام أفكار الخطيب ويفضل أن ترافق . ذاتها على سؤاله التي تبادرت إلى ذهن غالبية الحضور

-٢٤٣-

االستراحة القصيرة بحركة مناسبة، نحو رفع اليد على سبيل المثال والنظر إلى الجمهور والصمت للحظات قصيرة من ثم إنزال اليد وصياغة الجواب

.على السؤال .نركز فيما يلي على بناء الخطاب ذاتهوس

البناء السليم للخطاب - ٤ال تنفع التقنيات التي أوردناها سابقا لجذب انتباه الجمهور في شيء ما

وعلى الخطيب أن . لم يكن الخطاب ذاته مبنيا بناء محركا ومؤثرا ومحفزاي يضحوا ما الذي حرك المستمعين لك: يطرح على نفسه التساؤالت التالية

بساعة أو بساعتين من وقتهم للقدوم واالستماع إلى خطابه؟ وما الذي جعلهم يتكبدون عناء السفر للحضور إلى مكان الخطاب؟ ما هي الدوافع التي ينتظرون إشباعها من خالل حضورهم الخطاب؟ وبعبارة أخرى بوسعنا تشبيه

علينا إذا أن ! ج ماالمستمعين بالزبائن الذين يقدمون مالهم للحصول على منت - ومن منظار المستمعين أنفسهم -المستمعين خطابا يعادل في قيمته " نبيع"

ولذلك ال بد من االستفادة مما توصل إليه الخبراء . وقتهم الثمين الذي قدموهفي مجال سيكولوجيا البيع توظيفا فعاال في بناء الحجج ووسائل اإلقناع

:إلنجاح الخطاب

اخلطاب بتحفيز املستمعني وتقديم نظرة شاملة عن موضوعهافتتاح -أ

يجب أن يهدف الجزء األول من الخطاب إلى تحفيز المستمعين ولما كان الحضور ال يقتصر على مستمع . لالهتمام بموضوع الخطاب

وحيد، بل يتكون بصورة عامة من مزيج المتجانس من األشخاص ء من الخطاب أن يربط خطابه المختلفين، وجب على الخطيب في هذا الجز

بأكبر عدد ممكن من الدوافع األساسية الخمس ليحفز أكبر عدد ممكن من إذ إن الخطيب يضمن بذلك أن يجد كل مستمع مقطعا من هذا . الحضور

-٢٤٤-

وعلى العموم . الجزء يتفق مع دافعه األساسي األول ويحفزه لمتابعة الخطاب أكبر من الدوافع األخرى، ما لم يكن ليس من المجدي إيالء دافع بعينه أهمية

الخطيب على يقين بأن نمطا معينا من أنماط التحفيز األساسية ممثل أكثر .من سواه في صفوف المستمعين

ربط الخطاب بدافع المقام االجتماعي الرفيع

ينصح في بداية الخطاب بالتنويه بكفاءة ورفعة مقام المستمعين، كأن بالسماح "المثال عن مدى سروره واعتزازه وتشرفه يعبر الخطيب على سبيل

وهنا يشعر العدد األكبر من !". له بالوقوف والتحدث أمام هذا الجمهور المميزالحضور بأنهم معنيون بهذا المديح كما يشعرون بالغبطة الداخلية حيال اعتراف الخطيب برفعة مكانتهم االجتماعية، بينما ال نجد بين الحضور أحدا

يرغب طواعية بأن يؤدي دور الطالب الذي يتلقى العلم والنصح من ممنومما يزيد من غبطة الحضور باعتراف الخطيب بمقامهم الرفيع أن ! الخطيب

. يكون الخطيب ذاته ذا مكانة مرموقة في المجتمع أو في مجال اختصاصهفضال عن أن المكانة المرموقة للخطيب تساعد أيضا على تقبل الحضور

ومع أن تفوقه االختصاصي وتميزه سيظهران . خطاب وانجذابه لموضوعهللعاجال أم آجال أثناء الخطاب، إال أن ظهور هذا التميز في بداية الخطاب سيبني حاجزا كبيرا بين الخطيب والجمهور، حيث إن تجلي هذا التميز منذ

وقف ممانع ويقودهم إلى اتخاذ م- في الوعيهم -البداية سيزعج المستمعين !ومقاوم له، ألنه قد فرض عليهم من الخارج ولم ينبع من داخلهم

وفي جميع األحوال ال بد الفتتاحية الخطاب أن تناسب الحضور فإذا لم يكن الحضور متجانسا، بل كان . والمكان الذي يلقى فيه الخطاب

وسع خليطا المتجانسا من الكفاءات والمهن واالهتمامات المختلفة، فإن بالخطيب أن يكتفي بالتوجه بالشكر إلى الحضور الكريم على تحمله عناء السفر والقدوم إلى هذا اللقاء فضال عن اإلشادة بالقاعة أو البلدة أو المدينة،

-٢٤٥-

مما ...) صالة عريقة، بلدة طبيعتها خالبة، مدينة عصرية(حيث يقام اللقاء م عاطفيا من الخطيب يشعر المستمعين بالرضا والسرور، وهو ما يقربه

!ويجعلهم أكثر تقبال لما سيقوله

ربط الخطاب بدافع األمان

إن مراعاة الدافع األساسي الثاني في الجزء األول من الخطاب هو أمر بالغ األهمية أيضا، فنحن نعرف أن دافع األمان والطمأنينة هو األوسع انتشارا

ول في هرم الدوافع لدى غالبية بين الدوافع األساسية الخمس، فهو الدافع األوال شك أن مستمعي نمط التحفيز الثاني يريدون منذ بداية الخطاب أن . الناس

فمن . يعرفوا ما ينتظرهم أثناء الخطاب لكي يشعروا باألمان والطمأنينةالطبيعي أن يشعر المرء بشيء من الخوف وعدم االرتياح في الالوعي حيال

وكما يقدم الكتاب عادة في صفحاته ! وانهموضوع ال يعرف عنه سوى عناألولى محتواه على شكل عناوين رئيسية وفرعية ورؤوس أقالم تعطي صورة شاملة نوعا ما عن التسلسل المنطقي لفصول الكتاب ومقاطعه، يجب أن يقدم الخطيب في بداية خطابه لمحة شاملة عن أهم المسائل واألفكار التي

وبوسع . ربطها بموضوع الخطاب األساسيسيناقشها في خطابه وأن يالخطيب أن يستعين بمخطط يسقطه على الجدار أو يرسمه على اللوح كأداة

وبالطبع . مساعدة توضح تسلسل األفكار وربطها المنطقي بموضوع الخطابعلى الخطيب عندما يأتي على ذكر المسائل المختلفة التي سيناقشها أن يبين

أهميتها بالنسبة للحضور ومدى ارتباطها بالواقع بجمل قصيرة ومقتضبة مدى .والوضع الراهن

يشعر اإلنسان الذي يسعى إلى األمان والطمأنينة بأنه معني بالكالم مباشرة، عندما يسمع أن ما يشغل باله يشغل بال غالبية الناس أيضا، ألنه

اس يرى في ذلك دليال على أنه ليس وحيدا في مخاوفه، بل إن غالبية النوعالوة على ذلك يشعر اإلنسان بالقلق وعدم . تشاركه هواجسه وأفكاره

-٢٤٦-

األمان عندما يحيط الغموض بالمسائل التي تهمه وعندما يجد نفسه في وضعية مظلمة مبهمة المعالم، وال شك أنه سيشعر باالرتياح واألمان عندما

ته في يحصل منذ البداية على معلومات كافية عن بنية الخطاب وأهم فقراومن الواضح أن أحدا لن يشعر باالرتياح عندما يشق . ترتيب واضح ومنطقي

!طريقه في الظالم الدامسوعالوة على ذلك فال شك أنه تصرف الئق، فيه الكثير من االحترام والتقدير واإلنصاف للمستمعين، عندما نحيطهم علما في بداية الخطاب أو

ستناقش لكي يكونوا على بينة من أمرهم المنتدى بالمواضيع والمسائل التي .ولكي يتابعوا فقرات الخطاب أو أحداث المنتدى بارتياح وطمأنينة

ربط الخطاب بدافع الثقة

إن أفضل طريقة لمخاطبة الدافع األساسي الثالث، دافع الثقة، في الجزء األول من الخطاب هي في التأكيد على العالقة التي تربط الخطيب بالجمهور

وأما إذا لم تكن هناك عالقة واضحة ومميزة تربط الخطيب . إن وجدت -بالحضور، فبوسع الخطيب أن يشير إلى عالقته بمكان إلقاء الخطاب أو

وعالوة على ذلك يستطيع الخطيب . بالجهة المنظمة للمناسبة أو المنتدى مخاطبة هذا الدافع األساسي أثناء تقديم مخطط الخطاب، والذي يتجه أيضا

إلى الدافع األساسي الثاني كما رأينا سابقا، وذلك من خالل التأكيد على أن كل مسألة وكل مشكلة في هذا المخطط وكل فكرة ستناقش في الخطاب تعني جميع الحضور دون استثناء وبالقدر ذاته وأن الجميع مدعوون للمشاركة في

بعبارة أخرى، إيجاد الحلول المناسبة واإلجراءات السليمة وأن الجميع، "!يجلسون في قارب واحد"

وفي هذا السياق ينصح باستخدام جميع التعابير التي تؤكد على عناصر نحو استخدام صيغة الجمع (الشراكة وااللتقاء بين الخطيب وجميع الحضور

وال بد أيضا من االنتباه إلى حقيقة أن "). أنا"عوضا عن صيغة المفرد " نحن"

-٢٤٧-

س تجمع الناس، بينما يؤدي التحليل الفكري الموضوعي المشاعر واألحاسيولذا ينصح دائما بمناشدة . المجرد إلى انفراد كل شخص وانعكافه على ذاته

هذه المشاعر ودغدغة العواطف في بداية الخطاب، وذلك لتوجيه جميع .المستمعين إلى أهداف مشتركة تجمع بينهم وتقوي فيهم الشعور بالثقة

سيطة جدا ولكنها على العموم فعالة في مناشدة المشاعر وهناك طريقة بللخطاب والتي أصبحت من الطرق المستخدمة " الفكاهي"وهي طريقة االفتتاح

على نطاق واسع، وذلك بأن يحكي الخطيب قصة بسيطة فكاهية لها عالقة وثيقة بصلب موضوع الخطاب تحرر لدى الحضور رد فعل تلقائي وإيجابي

سمح لهذا االفتتاح الفكاهي أن يجرح مشاعر أحد، بل إن هدفه وال ي. مشترك .هو خلق مناخ مريح من المرح واالنفتاح

ولما كان اإلنسان الذي يتوجه في حياته وفق الدافع األساسي الثالث ال يرتاح للشكليات والقوالب العرفية، بل يبحث عن العالقات المباشرة

، فإنه من المهم في بداية الخطاب والبسيطة والشخصية مع الناس واألشياءوتجدر اإلشارة هنا إلى أن مستمع نمط . االبتعاد عن الشكليات والرسميات

التحفيز الثالث ينظر إلى المالحظات التي تشير إلى اإلحصاءات وإلى األمور التنظيمية والشخصيات المنظمة على أنها عقبة في طريق فهم

ولذا ينصح بالتخلي عن . ح والشرحالموضوع أكثر منها مفيدة في التوضيوأما إذا كانت بعض تلك . مثل هذه المالحظات في الجزء األول من الخطاب

المالحظات من األهمية بمكان يجعل التخلي عنها غير وارد، يفضل أن توكل إلى مقدم الجلسة أو المناسبة الذي يسبق الخطيب لكي ال تبقى تلك

مال يثقل كاهل الخطاب ويسيء للعالقة بين المالحظات الشكلية والتنظيمية ح .الخطيب والحضور

ولعل أية إشارة تعبر ببساطة عن الشعور اآلني لمستمعي نمط التحفيز فقد تكون على سبيل المثال إشارة : الثالث يمكن أن تكون مفيدة في هذا السياق

، أو )عندما تكون بعيدة عما هو معتاد(بسيطة إلى درجة حرارة الصالة

-٢٤٨-

الحظة عن الطقس أو عن أي موضوع راهن يشغل الناس، فذلك يؤكد مبدوره على القواسم المشتركة التي تجمع بين الحاضرين من جهة والخطيب

.من جهة أخرىوإذا ما عزز الخطيب إشارته أو مالحظته بحركة مؤكدة ومعبرة فإنه

يسحب في أن الكل"يخلق بذلك مناخ الثقة المطلوب ويؤكد على الشراكة وعلى .، مما يشبع توق حضور نمط التحفيز الثالث إلى الثقة!"نفس الجهة من الحبل

ربط الخطاب بدافع الدقة واحترام النظام

السعي في السلوك وراء االلتزام -يمكننا مخاطبة الدافع األساسي الرابع في بداية الخطاب من -بالمعايير والمبادئ األساسية كقاعدة الحترام الذات

.الل التأكيد على علمية وموضوعية ودقة المعلومات التي سترد في الخطابخويجب أال ننسى أن اإلنسان الذي يتوجه في حياته وفق الدافع األساسي الرابع يميل إلى اإلفراط في توخي الدقة والسالمة والنظام، ولذلك فهو يرفض

ع المنطقية للتعابير بحجة اإلقنا" مغرم"إنه . كل ما يوحي باالرتجال واالعتباطواألفكار، ولذلك فهو ينتظر من الخطاب أن يشبع رغبته وتوقه لسماع التعابير

وال يكفي أن نبين في . والحجج المقنعة والمترابطة والمتسلسلة تسلسال منطقيابداية الخطاب، ببساطة وبراعة وبشكل ال يدع للشك مكانا، قرب موضوع

لمعاصرة وعالقته الوثيقة بالوقت الراهن، بل الخطاب من الواقع واألحداث اعلينا أال نغفل أن نوضح أن النقاط التي سنتطرق إليها يرتبط بعضها ببعض

وعالوة على . ارتباطا وثيقا ومنطقيا وأن نحرص على إظهار هذا االرتباطذلك فإن كل ما يدل على صدق وسالمة وشرعية مقصدنا شكال ومضمونا

وفي هذا السياق يفهم . إيجابيا على إنسان نمط التحفيز الرابعسوف يترك أثرا وجوب التقيد الدقيق بوقت بدء الخطاب، حيث يؤدي التأخر إلى إزعاج مستمعي نمط التحفيز الرابع فضال عن نشوء جو من التوتر الذي سيزعج

.مستمعي نمطي التحفيز األول والثالث ويشتت أفكارهم أيضا

-٢٤٩-

رجي للخطيب وشكل مالبسه أن يتفقا أيضا مع وعلى المظهر الخاالمعايير والقواعد المتبعة عادة في محافل الخطابة، دون المبالغة في ذلك

فمن شأن التقيد بآداب اللباس والمظهر أن يرضي مستمعي نمط . بطبيعة الحالفعندما يظهر الخطيب على المنصة بقميص أصفر وربطة عنق . التحفيز الرابع

ى سبيل المثال، فإنه قد يعجب مستمعي نمط التحفيز األول ولكنه بنفسجية علولما كان عدد مستمعي نمط التحفيز الرابع . سينفر مستمعي نمط التحفيز الرابع

يفوق في الحالة العامة عدد مستمعي نمط التحفيز األول، فإن ارتداء تلك .جة إيجابيةالمالبس الخارجة عن المألوف في هذه المحافل لن يؤدي إلى نتي

وإذا ما أخذنا باالعتبار أننا نستطيع أن نؤثر إيجابيا على مستمعي نمط التحفيز األول من خالل اإلجراءات األخرى التي ذكرناها سابقا، يتضح أن على الخطيب أن يختار مظهره الخارجي بما يرضي مستمعي نمط التحفيز

مناسب والبعيد عن لفت ولعلنا نظهر من خالل لباسنا ال. الرابع ال األولوإننا لنرضي مستمعي نمط . األنظار احترامنا لكافة المستمعين في الوقت ذاته

التحفيز الرابع عندما نستشهد بقول صحيح ودقيق ونذكر المرجع الذي وإذا ما قمنا بذلك في بداية الخطاب، فإننا . استشهدنا منه بدقة وأمانة أيضا

.ن دون أن نخسر باقي المجموعاتنكسب هذه المجموعة من المستمعي

ربط الخطاب بدافع االستقالل

إن أفضل طريقة لمخاطبة المستمعين الذين يتوجهون وفق الدافع - دافع االستقالل وتحمل المسؤولية واالعتماد على الذات - األساسي الخامس

في بداية الخطاب هي إظهار أهمية القضية التي يتبناها الخطيب في خطابه بة لكل شخص يميل إلى تحمل مسؤولياته في الحياة والتأكيد على بعده بالنس

عن جميع أنواع اإلكراه أو التأثير على القرار المستقل، وعلى أن هدفه إنما هو تجميع وإظهار بعض الحقائق بصورة واقعية وموضوعية وعرضها على

.أناس مستقلين ومسؤولين

-٢٥٠-

بقى بيد كل فرد ليحدد ما ومن المهم جدا التركيز على أن القرار يإن هذا التأكيد تحديدا . يستخلصه من العرض وما يقرر فعله بناء على ذلكومع أنه يتوجب علينا . يلقى صدى إيجابيا لدى مستمعي نمط التحفيز الخامس

إلرضاء مستمعين نمط التحفيز الثالث أن نركز قدر اإلمكان على الجانب ينا أال نبالغ في ذلك وأال نقتصر على الشخصي والعاطفي في خطابنا، عل

إظهار هذا الجانب، وإال أدى ذلك إلى نفور مستمعي نمط التحفيز الخامس !الذين يرغبون برؤية الوجه العقالني والموضوعي للخطاب

. علينا إذا إظهار هذا الوجه العقالني والموضوعي منذ بداية الخطابلقي جميع األسئلة والمالحظات في أي ن اإلعالن عن استعدادنا البديهي لتإكما

ننا منفتحين للنقاش مع إ، أي )أو على األقل بعد انتهائه(وقت أثناء الخطاب المستمعين في النقاط التي تهمهم والتي قد يغفلها الخطاب، كل ذلك سيساعد

فهم يثقون بعقالنيتهم . أيضا على إرضاء مستمعي نمط التحفيز الخامسكثر مما يثقون بالمناشدات العاطفية، ولذلك سوف يطرحون وأفكارهم الناقدة أ

في نهاية الخطاب وبكل تأكيد أسئلة نقدية وإيضاحية، يمكن للخطيب من خالل .اإلجابة عليها أن يخطو خطوات إضافية في اتجاههم

ولعل من المفيد جدا في هذا السياق أن نطرح من األفكار ما يوقظ عين دون أن نجيب عليها، مما يترك لمستمعي بعض األسئلة في أذهان المستم

نمط التحفيز الخامس فرصة طرح تلك األسئلة، كما يترك للخطيب فرصة اإلجابة عليها بإسهاب وتفصيل بعد انتهاء الخطاب واستخدام وقت الخطاب

.للتطرق إلى نقاط أخرى تهم الجميع خاللها سنأتي اآلن إلى مناقشة مسألة تسلسل المقاطع التي نخاطب من

لقد ذكرنا أن على الخطيب التوجه إلى جميع . أنماط التحفيز الخمس المختلفةولكن ما هو . تلك األنماط للوصول إلى تقبل مبدئي من قبل جميع المستمعين

التسلسل األفضل لورود المقاطع المختلفة؟ فإذا وجهنا حديثنا على سبيل المثال فيز الثاني ومن ثم إلى نمط التحفيز إلى نمط التحفيز األول ثم إلى نمط التح

-٢٥١-

الثالث مباشرة، فإن المستمع سيشعر بتناقض كبير بين العبارات المستخدمة . في المقاطع المتتالية مما يجعله ينظر بعين الشك والريبة إلى الخطاب ككل

ولذلك فقد وجدنا أننا نحتاج إلى تسلسل آخر لكي يكون االنتقال من مقطع إلى وهنا ال بد من المالحظة أن الغالبية العظمى من الناس . نطقيامقطع سلسا وم

في كل مجموعة مجتمعة في مكان ما إنما يشعرون باالنتماء إلى نمط التحفيز فقط من الناس عموما ينتمون إلى هذا النمط % ١٠ بالرغم من أن -الثالث

ففي ! !في األحوال العادية، أي عندما ال يكونوا مجتمعين في مكان واحد، حيث يتوق إلى الثقة المتبادلة "األصلية"المجموعة يعود اإلنسان إلى طبيعته

مع أناس يشاركونه المصير ولذا فهم مجبرون على التعاون والتعاضد ألنهم لقد "... نحو (ومن خالل اإلنذار بتهديد خطر ما ". يجلسون في قارب واحد"

نخاطب العدد األكبر !") وصلت خطورة الوضع إلى حد ال يمكن السكوت عنه. من الحضور أي جميع المستمعين الذين ينتمون اآلن إلى نمط التحفيز الثالث

إنها حقيقة عامة تجعل غالبية الشعب من نمط التحفيز الثالث في حاالت أوقات السلم "الخطر، بينما تزداد نسبة النمطين الثاني والرابع في

الخطاب مخاطبة مستمعي نمط التحفيز إذا بإمكاننا في بداية". واالستقرارالثالث من خالل توصيف خطر معين محدق بالمجموعة والطلب من الجميع

.المساعدة في الخروج من هذا المأزقوبعد مخاطبة النمط الثالث ننتقل إلى النمط األول ونذكر على سبيل

ة المثال بأن الهدف الذي نريد تحقيقه يستدعي شجاعة متميزة وبأن المهموباختصار إننا نصل . الصعبة التي تقف أمامنا ال يمكن ألحد سوانا أن ينجزها

إلى مستمعي نمط التحفيز األول من خالل ربط الخطاب بمقامهم الرفيع ودورهم المميز في المجتمع والطلب منهم المساعدة في تحقيق الهدف العام

.ألنهم يتميزون بالشجاعة والمروءةمط التحفيز الثاني ونحاول صياغة الهدف بالشكل وبعد ذلك نتحول إلى ن

الذي يستوجب التفكير العميق قبل البدء باإلجراءات العملية وبأن علينا أن

-٢٥٢-

نكون حذرين وأن نحافظ على التسلسل المنطقي المدروس للخطوات وما إلى .ذلك من مالحظات تظهر أننا نتوخى األمان والحذر

وعنا ونورد معلومات موثوقة وأخيرا نذكر الخطة المفصلة لمشروأرقاما وحقائق تجذب اهتمام مستمعي نمط التحفيز الرابع الذين تربطهم

.عالقة مميزة باألرقام والوثائق النمط األكثر -وال تجب مخاطبة مستمعي نمط التحفيز الخامس

إال في النهاية، ألن أهمية -استقالال وعقالنية بين جميع األنماط الخمسة وبعبارة أخرى يعني . ي هذا النمط لنجاح الخطاب تبقى محدودة وثانويةمستمع

ذلك أنه بالرغم من أن الحجج المنطقية والعقالنية يجب أن تكون حاضرة الخطاب، عليها أال تظهر على السطح وأال يعبر عنها " خلفية"ومتوفرة في

لتي تراعي تعبيرا مباشرا، بل أن تضمن في البنية السيكولوجية الكاملة اوال يقتصر هذا الترتيب على . وبهذا الترتيب تحديدا٤–٢–١–٣األنماط

االفتتاحية فحسب، بل تجب مراعاته في معرض تحديد األهداف وفي معرض وليس من الضروري أن . استباق االعتراضات وتفنيدها وفي الختام أيضا

طاب، بل تخاطب جميع أنماط التحفيز بإسهاب في كل جزء من أجزاء الخ" بالعبارات المهيجة"تكفي في أغلب األحيان عبارات مقتضبة أو ما يسمى وفيما يلي سنتابع . التي تؤثر إيجابيا على مستمعي نمط التحفيز المكافئ

:مناقشة أجزاء الخطاب األخرى

عرض اخلطاب واستباق االعرتاضات احملتملة وتفنيدها -ب

وافع األساسية الخمس وعبرنا في بعد أن خاطبنا في المقدمة جميع الدالوقت ذاته عن هدف خطابنا بما يتفق مع تلك الدوافع، سنتوجه اآلن إلى عرض الخطاب ذاته بالشكل الذي يتفق مع المرحلة الثالثة من عملية التعلم أو

ويتطرق مباشرة إلى االعتراضات التلقائية - وهي مرحلة التجريد -االقتناع .رح فيما يتعلق بمضمون الخطابواألسئلة التي قد تط

-٢٥٣-

وكما أن العرض ذاته يجب أن يراعي دوافع الحضور، فإن على االعتراضات المحتملة بدورها أن تراعي أيضا تلك الدوافع وأن تصاغ بالشكل الذي يشعر معه المستمعون أنها صادرة عنهم ال عن الخطيب، وذلك

في الواقع عبارة إخبارية فليس هناك! من خالل الصياغة المدروسة والمحكمةال يمكن االعتراض عليها بما يتفق مع دافع ما من الدوافع األساسية الخمس، وعلى الخطيب أن يورد هذا االعتراض وأال يتجاهله إذا ما أراد أن يكون

وعلى الخطيب عندما يفكر في عبارة إخبارية ما في مرحلة . خطابه مقنعابجميع االعتراضات المحتملة النابعة عن التحضير للخطاب أن يفكر مليا

الدوافع المختلفة وبصياغتها على الشكل الذي يجعل كل من العبارات وهكذا فإن الخطاب المبني بهذا . واالعتراضات قريبة من تفكير المستمعين

الشكل ال يختلف كثيرا عن الحوار الحقيقي إال في أن الخطيب هنا ينطق وأما إذا ما . لخطيب ذاته وطرف المستمعينبلسان حال الطرفين، طرف ا

أهمل الخطيب ذكر تلك االعتراضات التلقائية التي ال بد أن تتبادر إلى ذهن الكثيرين من المستمعين، فإنه يضعف شعور المستمعين بالمشاركة الوجدانية

وال عجب . في الخطاب ويلغي فرصة ثمينة لجذبهم وكسب اهتمامهم وقبولهملدى المستمعين نوع من رفض األفكار المطروحة في الخطاب حينئذ أن ينشأ

والنفور منها ألن مشاعرهم وعواطفهم تجاه تلك األفكار قد كبتت وأحبطت .ولم تجد طريقها إلى التعبير واإلفصاح

وأما عندما يعبر الخطيب عن تلك االعتراضات تعبيرا واضحا وعقالنيا وهنا أيضا . لرد عليها في سياق الخطاب ذاتهومنطقيا، يسهل عليه عادة تفنيدها وا

يجب على الخطيب أن يراعي بالطبع أنماط التحفيز - أثناء تفنيد االعتراضات -فاالكتفاء بتفنيد االعتراضات تفنيدا عقالنيا ومنطقيا . المختلفة وأن يخاطب دوافعها

األربعة ال يراعي سوى خصوصية نمط التحفيز الخامس، بينما تحتاج األنماط وفي جميع . األخرى إلى المزيد من العناية بالتعابير التي تخاطب العواطف أيضا

األحوال يخطئ الخطيب عندما يفند اعتراضا ما عن طريق توجيه النقد المباشر

-٢٥٤-

إلى من يوافق ذلك االعتراض، فعندئذ ال يحقق الخطيب سوى دفع المستمع الذي دفاع عن اعتراضه والتمسك به والتعامل يوافق االعتراض إلى اتخاذ موقف ال

.بسلبية أيضا مع األفكار األخرى المطروحة في الخطاب

اخلامتة وذروة اخلطاب -ت

وأخيرا يجب على الخطاب أن يصل في جزئه الثالث واألخير، إلى والمطلوب هنا في هذه المرحلة من الخطاب . ذروته وخاتمته في الوقت ذاته

طاب وأهم نتائجه وأفكاره الرئيسية في صيغة هو إظهار مستخلص الخ. تخاطب جميع الدوافع األساسية الخمس وبصورة ترضي تطلعات المستمعين

ويعطي الخطيب نتائجه وأفكاره دعما إضافيا من خالل التركيز على نفي ما ، ...فلن نقبل أبدا بأن "يعارضها بعزم وحماس كأن يقول على سبيل المثال

وإذا كان مضمون الخطاب يسمح ...!". على العكس من ذلك أنبل إننا نطلب بذلك، بإمكان الخطيب أن ينهي خطابه بمقطع شعري أو نثري لشاعر أو

ولكن حذار من المبالغة في الحماس . أديب معروف ومحترم من قبل الجميعألن ذلك قد يبدو هزليا مما قد يفسد األثر اإليجابي للمقطع الشعري أو النثري

وعلى العموم على الخطيب أن يحاول جاهدا السيطرة على عواطفه ! أكملهب .من جهة وإشعال عواطف المستمعين في الوقت ذاته من جهة أخرى

!شكسبري: مثال يبلغ حد الكمال -ث

الفصل " (يوليوس قيصر"إن خطبة أنطونيو المشهورة في ملحمة شكسبير ى الخطاب المبني والمقدم بالشكل هي مثال متميز عل) الثالث، المشهد الثاني

) مارك أنطون(ومما يصعب األمر على الخطيب أنطونيو . الذي قصدناه سابقاأنه يلقي خطابه أمام مستمعين كانوا يكنون له مشاعر العداء في بداية الخطاب واستطاع بفن خطابته أن يؤثر عليهم بالغ األثر ويكسب ودهم ويحولهم إلى

ويمكن النظر إلى هذا الخطاب على أنه . نوا من ألد أعدائهأتباع له بعد أن كا

-٢٥٥-

مثال رائع للبناء المرحلي المتدرج للخطاب وفي الوقت ذاته على أنه مثال يبلغ حاصل االندماج "حد الكمال في التطبيق الغريزي المحكم لمبادئ منهج

، والتي تنص على وجوب أن يحتوي الخطاب على عدد من )١("والهيمنة) وهي عبارات اندماجية تدعو إلى األلفة(ات التي توافق دوافع المستمعين العبار

يساوي ضعفي عدد العبارات الموضوعية التي قد تعارض دوافع المستمعين وإليضاح المقصود مما ). وهي عبارات مهيمنة ال تراعي مشاعر المستمعين(

:سبق نورد فيما يلي المقطع المناسب من ملحمة شكسبيرفما فعلته بقيصر كنتم . إذا إنني لم أحقر أحدا ولم أبخسه حقه : بروتس

إن حقيقة . ستفعلونه بي بكل تأكيد لو أنني قمت بما قام بهنما كانت له إموته محفوظة في الهيكل، ومجده لم يمس بأذى

إنجازات، كما إنني لم أبالغ في الحكم على جرائمه التي .استحق عليها الموت

).نطونيو وآخرون مع جثة قيصريدخل أ(ها هي جثته آتية يندبها مارك أنطون الذي، وإن لم يشارك

ومن . مكانا مرموقا في المجتمع: في قتله، سيقطف ثمار موتهوأما أنا فسأنصرف، وكما قتلت أعز صديق ! منكم لن يقطفها؟

لي لمصلحة روما، فإنني سأقتل نفسي بنفس الخنجر، إذا كان . إلى مصلحة الوطنموتي يؤدي

!عاش بروتس، عاش، عاش : مواطن .رافقوه إلى منزله بهتافات الفوز والتمجيد : المواطن األول .اصنعوا له تمثاال إلى جانب تماثيل أجداده : المواطن الثاني

١٩٧٧اإلقناع في القيادة والبيع، ميونخ، الطبعة الثانية، كورل، الحفز و. ف )١(

W. Correll, Motivation und Überzeugung in Führung und Verkauf, München, 2. Auflage, 1977.

-٢٥٦-

!إنه القيصر الجديد : المواطن الثالث .ال شك أن بروتس هو القيصر األفضل : المواطن الرابع .سنرافقه إلى منزله بتهليل صاخب : المواطن األول

!- يا أيها المواطنون : بروتس !إن بروتس يتكلم! هدوء! فلتصمتوا : المواطن الثاني !فليلزم جميعكم الهدوء : المواطن األول

:أيها المواطنون الصالحون، دعوني أذهب لوحدي : بروتس .قوا هنا مع مارك أنطونأسدوا إلي جميال، واب واستمعوا إلى الخطاب. أكرموا جثمان قيصر

خطاب أنطونيو: الذي يعظم مجد قيصر .الذي أجمعنا أن له الحق بإلقائه

أسألكم أال يغادر أحد سواي هذا المكان ).يخرج. (حتى ينتهي مارك أنطون من كالمه

. لمارك أنطونولنستمع! أيها الناس، ابقوا هنا : المواطن األول !دعوه يصعد إلى المنصة : المواطن الثالث

!فليصعد النبيل مارك أنطون إلى المنصة! نعم، أصغوا إليه .إنني ملتزم تجاهكم بحسب مشيئة بروتس : أنطونيو

ماذا يقول عن بروتس؟ : المواطن الرابعن ملتزما تجاهنا إنه يقول أن مشيئة بروتس تحكم عليه أن يكو : المواطن الثالث

!جميعا .من األفضل له أال يذكر اسم بروتس بالسوء : المواطن الرابع .لقد كان قيصر ظالما : المواطن األول .هذا مؤكد. بلى : المواطن الثالث

.ولحسن حظنا أن روما تخلصت منه

-٢٥٧-

!فلتصغوا لما في جعبة أنطونيو! هدوء : المواطن الثاني -بناء روما النبالء يا أ : أنطونيو !فلتصغوا إليه! هدوء : مواطن :أصغوا إلي! يا أبناء روما! أيها األصدقاء! أيها المواطنون : أنطونيو

.غايتي هي دفن قيصر، ال اإلشادة به إن ما يفعله الناس من سوء، يبقى إلى ما بعد مماتهم،

.موتهمولكن فعلهم الخير كثيرا ما يموت ويندثر ب لقد قال لكم بروتس النبيل! وهذا ما حصل لقيصر

أن شهوة الحكم والتسلط كانت تمتلك قيصر؛ وهذا ما جعل ذنبه عظيما،

.ولذا فقد دفع الثمن غاليا وبحسب مشيئة بروتس واآلخرين،

ألن بروتس رجل نبيل وكلكم رجال نبالء، .أقف هنا بجانب جثمان قيصر ألتكلم إليكم

كن بروتس اتهمه بشهوة الحكم والتسلط،ول .وال شك أن بروتس رجل نبيل

لقد ساق قيصر الكثير من المال إلى روما .وهذا ما مأل الخزينة بأموال الفدية

!فهل يدل ذلك على شهوة الحكم والتسلط؟ وعندما كان الفقراء يستغيثون بقيصر، كان يبكي،

.دة صلبةوال بد أن شهوة الحكم مسبوكة من ما ولكن بروتس اتهمه بشهوة الحكم والتسلط،

.وال شك أن بروتس رجل نبيل لقد كنتم جميعا شهودا عندما عرضت على قيصر تاج الملك

ثالث مرات،" لوبركس"في حفل

-٢٥٨-

فهل يدل ذلك على شهوة . وفي المرات الثالث رفض التاج !الحكم؟

بروتس رجل ولكن بروتس اتهمه بشهوة الحكم، وال شك أن .شريف

ال أريد أن أرد على ما قاله بروتس، .إنني أخبركم فقط بما أعرفه

:لقد أحببتم قيصر يوما، ليس دون سبب فماذا يمنعكم اآلن أن تحزنوا عليه؟

.إنك تهربين من اإلنسان إلى الحيوان األحمق! يا أيتها الحكمة ! مهال-! لقد ابتعد اإلنسان عن العقل

ي في هذا التابوت مع قيصر،إن قلب .وعلي أن أصمت حتى يعود إلي قلبي

.إنني أتحسس الكثير من الصحة والمنطق في كالمه : المواطن األول .إذا فكرنا مليا في األمر، نجد أن قيصر قد ظلم ظلما شديدا : المواطن الثاني !أهذا رأيكم أيها المواطنون؟ : المواطن الثالث

.فه من هو أسوأ منهأخشى أن يخل لقد رفض التاج،! أسمعتم؟ : المواطن الرابع

.هذا يثبت براءته من تهمة شهوة الحكم والتسلط .إذا كان األمر كذلك، فإن أحدا ما سيدفع الثمن غاليا : المواطن األول ! يا له من رجل فقير : المواطن الثاني

.ة البكاءانظروا إلى عينيه المشتعلتين احمرارا من كثر .أنطونيو هو الرجل األكثر شجاعة في روما كلها : المواطن الثالث !انتبهوا، إنه يتابع خطابه : المواطن الرابع

منذ يوم واحد فقط لم يكن العالم كله ليجرؤ : أنطونيو

-٢٥٩-

واآلن ها هو مستلق هنا. على معارضة قيصر .وال ينحني له حتى أصغر القوم قدرا

إن أنا سعيت إلى إلهاب قلوبكم وشجاعتكم! المواطنونيا أيها وحولتها إلى غضب وانتفاض، فإنني أظلم كاسيوس وبروتس، .اللذين عرفتموهما رجلين نبيلين

ال أريد أن أظلمهما، بل أفضل أن أظلم هذا الميت .وأظلم نفسي وأظلمكم على أن أظلم رجلين نبيلين مثلهما

!الوثيقة الممهورة بختم قيصرولكن، انظروا إلى هذه .إنها وصيته األخيرة. لقد وجدتها معه

لو عرف الشعب مضمون هذه الوصية - واعذروني أنني ال أرغب في قراءتها أمامكم -

لذهبوا وقبلوا جراحه وغمسوا مناديلهم في دمه الطاهر المقدس،

ولطلبوا شعرة من رأسه لالحتفاظ بها تذكارا .يال بعدهم في وصيتهميورثونه ألج

!نريد أن نسمع الوصية، اقرأها لنا : المواطن الرابع .اقرأها يا مارك أنطون

.دعونا نستمع إلى وصية قيصر! الوصية. بلى، بلى : مواطن ال يجدر بي أن أقرأها،! اهدؤوا يا أصدقائي األعزاء : أنطونيو

.عليكم أال تعلموا كم أحبكم قيصر .لستم من خشب وال من حجر، إنكم بشرف

ولذا، فلو عرفتم ما في الوصية، .لهبت فيكم الثورة، ولفقدتم هدوءكم واتزانكم

-٢٦٠-

عليكم أال تعرفوا أنكم ترثونه، !ألنكم لو عرفتم، فمن يعلم ماذا سيحصل؟

!اقرأ الوصية، نريد أن نسمعها يا مارك أنطون : مواطن ال تريدون أن تصبروا، أال تريدون أن تنتظروا؟أ : أنطونيو

.ال بد أني تسرعت في إخباركم عن الوصية وأخشى أنني بقراءتي للوصية أضر بالرجال النبالء

!إنني أخشى ذلك فعال. الذين بخناجرهم سقط قيصر !إنهم خونة، أولئك الذين تصفهم بالنبالء : المواطن الرابع

! الوصية!الوصية : مواطن !اقرأ الوصية! لقد كانوا أشرارا وقتلى : المواطن الثاني

.إنكم تجبروني على قراءة الوصية : أنطونيو .إذا، شكلوا دائرة حول جثمان قيصر

.وسأريكم هذا الرجل الذي جعلكم ورثته هل تسمحون لي بذلك؟ هل علي أن أنزل إليكم؟

!نعم، تعال :مواطن !انزل : انيالمواطن الث

).يترك أنطونيو منصة الخطاب( .بكل سرور نسمح لك بذلك : المواطن الثالث !تعالوا نشكل دائرة حول أنطونيو وجثمان قيصر : المواطن الرابع !ابتعدوا عن التابوت : المواطن األول !أفسحوا المجال ألنطونيو، ألنطونيو النبيل : المواطن الثاني

!ابقوا على مسافة من الجثمان! تقتربوا كثيراال : أنطونيو !إلى الوراء! ابتعدوا! إلى الوراء : مواطن

-٢٦١-

.إن كان في مقلكم دموع، فاستعدوا اآلن لزرفها : أنطونيو :كلكم يعرفه! انظروا إلى هذا الرداء

ما زلت أذكر المرة األولى التي ارتداه فيها قيصر، وكان قد تخلص في ذلك اليوم - صيفي في خيمته في مساء

".النرفيين"من .وهنا، انظروا، هنا دخل خنجر كاسيوس

!تأملوا هذا الشق الذي تركه ذلك الخنجر الخادع .وهنا أغمد بروتس المحبوب خنجره وعندما سحب ذلك الفوالذ اللعين،

انظروا، كيف لحقت به دماء قيصر، لترى ما إذا كان فعال بروتسوكأنها أرادت الهرع إلى الباب،

.هو الذي طرقه تلك الطرقة المعادية الخائنة .ألن بروتس، كما تعلمون، كان مالك قيصر

!لتشهدي أيتها اآللهة، كم أحبه قيصر .ولم تكن أي ضربة أخرى أوجع من ضربة بروتس

ولعل ما أردى قيصر، إنما هو نكران الجميل . أكثر من أي سالح غدار

ندها تحطم قلبه الكبيروع.وغطى الرداء وجهه عند قاعدة عامود البومبيوس وسالت دماؤه

!سقط قيصر العظيم، ويا له من سقوط كلنا سقطنا بسقوط قيصر، وتراقصت ! يا مواطني األحباء .فوقنا الخيانة الدامية

كم اآلن تبكون وتشفقون على قيصر،إنني أرا !وما هذا إال القليل

-٢٦٢-

كي قلوبكم الخيرة لمجرد أنكم رأيتم رداء حبيبنا ماذا؟ أتب !قيصر ملطخا بالدماء؟

.ها هو بعظمته منتهك من قبل الخونة! انظروا إليه !يا له من مشهد مثير للشفقة : المواطن األول !آه يا قيصر النبيل : المواطن الثاني !يا له من يوم تعيس : المواطن الثالث !ن مشهد داميا له م : المواطن الرابع !إننا نطالب بالثأر : المواطن األول !أضرموا النار! أحرقوا! هبوا وابحثوا! الثأر : جميع المواطنين

!ال تتركوا أحدا على قيد الحياة! اقتلوا! اضربوا !هدئوا من روعكم يا مواطني األعزاء : أنطونيو

!أصغوا إلى أنطونيو النبيل! هدوء : المواطن األول !سنصغي إليه ونتبعه ونموت من أجله : المواطن الثاني

!أيها األصدقاء األخيار األعزاء : أنطونيو .ال يجدر بي أن أدفعكم إلى ثورة وحشية عاصفة

.إن من اقترف هذا الفعل هم رجال نبالءوال أعرف ما هي شكواهم وما هي األسباب التي دفعتهم إلى

.هذا الفعل ماء ونبالء دون شك،ولكنهم حك

.وسيقدمون لكم بالتأكيد أسباب فعلهم هذا لم آت لكي أسرق قلوبكم أيها األصدقاء،

فلست خطيبا بارعا مثل بروتس،.بل إنني كما تعرفون جميعا رجل بسيط، ومخلص لصديقه

-٢٦٣-

. وهذا ما عرفه من سمح لي بالتكلم إليكم بكل تأكيد يج وال موهبة التعبير،أنا ال أمتلك ال موهبة التهر

وال أتقن فن الخطابة ولست بارعا في استخدام سالح الكلمة .الذي يجعل الدم يغلي في العروق

كال، إنني أتحدث إليكم مباشرة وبصراحة، وال أقول سوى ما .تعرفونه أصال

إنني أريكم جراح قيصر المحبوب وفمه الصامت يثير الشفقة، .فهي تتكلم عني

و كنت بروتس، ولو كان بروتس مارك أنطون،ولكنني ل لوقف أمامكم اآلن من يضرم النار في األرواح،

ويضع في كل جرح من جراح قيصر لسانا يستنفض .حتى أحجار روما للثورة والعصيان

!الغضب : الجميع !أضرموا النار في بيت بروتس : المواطن األول !عالوا نلقي القبض على المتآمرينت! هيا إذا : المواطن الثاني

!أصغوا إلي يا مواطني األعزاء، أصغوا إلي : أنطونيو !أصغوا إلى مارك أنطون، إلى مارك أنطون النبيل! هدوء : مواطن واآلن أيها األصدقاء، أتدرون فعال حقيقة األمر؟ : أنطونيو

كم؟أتدرون فعال ما يجعل قيصر يستحق حب !اسمعوا إذا حقيقة األمر! إنكم ال تعلمون شيئا. كال

.لقد نسيتم الوصية التي تكلمت عنها سابقا !ابقوا لنسمع الوصية! الوصية. هذا صحيح : مواطن .ها هي الوصية ممهورة بختم قيصر : أنطونيو

-٢٦٤-

وبموجبها يترك لكل مواطن من مواطني روما خمسا وسبعين .مادره

!تعالوا ننتقم لموته! يا لك من نبيل يا قيصر : المواطن الثاني !يا لك من ملك يا قيصر : المواطن الثالث

!اصبروا وأصغوا إلي : أنطونيو !هدوء : مواطنكما يترك لكم ولورثتكم كل محميات المتعة والمنازل الصيفية : أنطونيو

المغلقةإلى أبد " التايبر"يدة في هذه الجهة من نهر والحدائق الجد

اآلبدين، .لكي تنعموا بها جميعا !فمتى سيأتي من يشبهه؟! لقد كان قيصر عظيما

!تعالوا نطردهم! تعالوا نطردهم! لن يأتي مثله! لن يأتي مثله : المواطن األول أحرقوا الجثمان في الساحة المقدسة

.لجثمانوأحرقوا بيوت الخونة بنيران ا !هيا احملوا الجثمان

!اذهبوا وأحضروا النار : المواطن الثاني !اقتلعوا المقاعد : المواطن الثالث !اقتلعوا المقاعد والدكاكين وكل شيء : المواطن الرابع

).يخرج المواطنون ومعهم جثمان قيصر( ن،يا أيتها الكارثة، لقد جاء دورك اآل : أنطونيو

!رب التي تروق لكفلتسلكي الد ).يدخل أحد الخدم(

-٢٦٥-

ماذا في جعبتك أيها الخادم؟ .سيدي، لقد وصل أوكتافيوس إلى روما : الخادم أين هو؟ : أنطونيو .إنه وليبيدوس في بيت قيصر : الخادم .أريد أن أذهب في الحال لرؤيته : أنطونيو

. لمناسبال شك أنه يأتي في الوقت ا .الحظ بجانبنا، ولن يخذلنا اآلن مهما طلبنا منه

لقد سمعته يقول بأن كاسيوس وبروتس وجماعتهما : الخادم .قد فروا كالمجانين من أبواب روما

قد يكونا قد خبرا من الشعب : أنطونيو .كيف حرضته عليهما

!واآلن، خذني إلى أوكتافيوس .)يخرج االثنان(

-٢٦٦-

-٢٦٧-

.VIII واملوسيقىعلم النفس

الموسيقى هي وجه خاص ومميز من أوجه الحضارة اإلنسانية - ١هناك العديد من الدالالت على أن الموسيقى، ولو في شكل بسيط يختلف

وحتى . عن شكلها الحالي، كانت على الدوام جزء مهم من الحياة اإلنسانية .اإلنسان ألدوات موسيقية بسيطةآثار ما قبل التاريخ تدل على استعمال

صحيح أن األثر الفعال للتناغم، وهو إصدار عالمات موسيقية متعددة ومتناغمة في الوقت ذاته، لم يكن معروفا في العصور القديمة، أي إن الناس كانوا يغنون أو يعزفون ألحانا بسيطة ودون مراعاة قوانين التناغم المعروفة

. لموسيقى في شكلها األساسي كانت موجودة منذ األزلفي يومنا هذا، إال أن اوقد تكون البشرية قد طورت قدراتها الموسيقية على مر العصور كما يطور

فالطفل . كل إنسان قدراته الموسيقية الخاصة في مراحل حياته المختلفةالصغير الذي يكتفي في بداية حياته بإصدار ألحان بسيطة ال تتعدى السلم

نغمات ليعبر من خاللها ودون وعي عن حاالت عاطفية معينة، الخماسي لليطور قدراته شيئا فشيئا مع مرور الزمن ليصبح قادرا على استيعاب وفهم

.الجمل الموسيقية المعقدةالتي " بخشخوشته"وعندما يحاول الطفل الرضيع بتكرار أن يمسك

شيئا فشيئا، فإن ذلك ألحان مناغاته " يطور"تصدر صوتا محببا على قلبه أو . لداللة أخرى على أن اإلنسان يمتلك التعبير واالستيعاب الموسيقي منذ والدته

ومهما تكن درجة تطور االستيعاب الموسيقي لدى اإلنسان متدنية أو متطورة،

-٢٦٨-

تبقى الموسيقى المنبه أو المثير األقل قابلية لإلدراك الحسي بين جميع .هائلة على التأثير في النفس البشريةالمنبهات التي تمتلك قدرة

الموسيقى والحاالت المزاجية - ٢مع أن الموسيقى، بخالف المؤثرات األخرى األكثر مادية نحو الصورة أو التمثال، تختفي بعد سماعها، إال أنها فريدة بين المؤثرات األخرى في

وة على ذلك وبوسعنا االدعاء عال. قدرتها على إيقاظ أقوى المشاعر في داخلناأن جميع حاالت اإلنسان الشعورية والمزاجية تتحول في أشد وأعظم درجاتها

!إلى إنتاج موسيقيفاإلنسان في قمة حماسه يبدأ بالغناء وضرب اإليقاع، وفي قمة حزنه

ونادرا ما يقام حفل لدفن ميت دون . يحبس دمعه من خالل لحن جنائزي وبالمقابل ال يقام حفل زفاف دون أن .عزف الموسيقى الدينية أو الجنائزية

تعزف موسيقى راقصة مفرحة وال يقام احتفال أو مهرجان دون أجواء وال تستطيع الغالبية . موسيقية تميز نوع المهرجان وتضفي عليه صبغة معينة

العظمى من الناس أن تتصور حياتها اليومية والمهنية دون مرافقة موسيقية راص التسجيل وأجهزة استقبال اإلذاعة والتلفزة وفي عهد أشرطة وأق. خفيفة

أصبح العدد األكبر من البيوت والفنادق والشقق في العالم المتحضر مزودا بتلك األجهزة إلى حد كبير ال تجد معه غرفة واحدة ال تملؤها ألحان الموسيقى

وعندما ندخل إلى مخازن البيع الكبرى فإننا غالبا. الخفيفة على مدار الساعة لحنا يشعرنا بالراحة أو أغنية معروفة - عن غير قصد أو وعي - ما نلتقط

تشعرنا بالطمأنينة، مما يضعنا في مزاج جيد بعيد عن التفكير بالهموم والمشاكل ويسهل علينا اتخاذ قرارات الشراء ودفع األموال، ألنه ينسينا كم

!تعبنا لكسبهاالجميلة أثناء العمل أو في وعندما نستمع إلى الموسيقى الرومانسية

الطريق إليه، فإنها تولد فينا تداعيات، تذكرنا بعطلة قضيناها في مكان جميل

-٢٦٩-

أو بالطقس المشرق الرائع أو باالستلقاء على شاطئ البحر أو بأناس لطفاء وعندما تترامى إلى . وجو مريح، وتنسينا أننا نقوم بعملنا اليومي الرتيب

ئة عند طبيب األسنان، فإنها تساعدنا على نسيان ألمنا مسامعنا ألحان عذبة هادوكثيرا . وتسهل علينا االرتخاء لنفسح المجال أمام الطبيب لينجز عمله بنجاح

ما توظف الموسيقى في صاالت التصنيع والتركيب لتشغل العامل فكريا تل وتجعله ينسى أنه يقوم بعمل رتيب بكل معنى الكلمة وتنقذه من الشعور القا

والتي ال يحتاج -بالملل، ألن العامل يربط قدرة التفكير والتخيل الفائضة لديه بعربة الموسيقى المسافرة في -سوى إلى جزء يسير منها في عمله الرتيب

!عالم الخيال الواسعوعالوة على ذلك فإن الموسيقى موجودة أيضا ضمن وسائل النقل على

وال تساعد . غير مجهزة بمستقبل لإلذاعةفليس هناك سيارة واحدة . الطرقاتالموسيقى في السيارة على تغطية ضجة المحرك فحسب، بل إنها تساعد أيضا

الجالس في (على توجيه األفكار ودفعات النشاط التي ال يستخدمها السائق وتوظيفها ) كرسيه والذي ال يحتاج أثناء قيادته للكثير من التفكير والنشاط

فعلى أنغام لحن جميل محبب ينقلنا إلى جزيرة . األعصابإيجابيا لتهدئةمشمسة شواطئها رملية طويلة تبدو لنا الطريق البائس الثلجية المليئة بالحفر والعثرات وكأنها الدرب التي ترشدنا إلى المكان الجميل الذي سنقضي فيه

بية وعلى العموم تساعدنا الموسيقى في الطرقات لكي نبتعد عن العص! عطلتناوالعدائية في القيادة ولكي تبقى ردود أفعالنا أكثر تأن وحكمة مما ستكون عليه الحال لو كنا نتعرض لإلحباط والضغط النفسي الذي تسببه عجقة السير دون

وفي أيامنا هذه تحرص الغالبية العظمى من ! ذلك الدرع الموسيقي الواقيقبال اإلذاعي في البيت، مما الناس على اقتناء جهاز منبه مدمج مع جهاز االست

يسمح لصاحب الجهاز أن ينام ويستيقظ على أنغام الموسيقى، ألن الجهاز يتوقف من تلقاء نفسه طيلة فترة النوم ليعاود إصدار الموسيقى في الصباح في

.ساعة يحددها صاحبه

-٢٧٠-

األثر السيكولوجي للموسيقى على حالتنا النفسية - ٣رنا سابقا، هو قدرتها كمنبه أو مثير على إن ما يميز الموسيقى كما ذك

ولما كانت حياتنا مرافقة بصورة . حالة نفسية معينة بطريق التداعي" استدعاء" وحتى عندما ال تصدر الموسيقى من أي -شبه دائمة باإليقاعات واأللحان

مصدر خارجي، فإننا قد نشعر بها ألننا ال نستطيع بمحض إرادتنا أن نقصي فإننا سنربط في مخيلتنا ألحانا -يقاعات كليا عما يجول في فكرنا األلحان واإل

وتشبه آلية الربط هذه آلية . وإيقاعات كثيرة بحاالت نفسية أو جسدية معينةعندما يغني لنا أحد : نشوء رد الفعل المشروط باالقتران التي شرحناها سابقا

سترتبط بحالة نفسية معينة، أفراد أسرتنا أغنية ما في طفولتنا، فإن هذه األغنيةحالة من الطمأنينة واألمان والعيش الهنيء، حالة تميز الطفولة السعيدة؛ وعندما

ولو بشكل مختلف - نسمع هذه األغنية الحقا كبالغين وبعد عشرات السنين ال عجب حينئذ أن نعود تلقائيا إلى - قليال وبرفقة عدد من اآلالت الموسيقية

!نفسية الطفولية وأن نشعر بنوع من الطمأنينة والراحةتلك الحالة الوهكذا نضطر لدى سماعنا للحن أو إيقاع معين إلى تذكر أمر بعينه وإلى استحضار حالة نفسية محددة وأحداث قديمة من الذاكرة، مما يجعلنا ندخل في عالم األحالم والتخيالت فتنتابنا في بعض الحاالت مشاعر حزن

.ير يعكس تلك الحالة النفسية ذاتهاعميق أو فرح كبوإذا تساءلنا عن سبب النجاح الكبير الذي تلقاه األغاني الشعبية التقليدية الرائجة التي تتوارثها األجيال، فإننا سنجد السبب في أن هذه األغاني التي . حافظت على رواجها لعشرات األعوام تذكر البالغ بطفولته وتشعره بالسعادة

. منا أن يجري تجربة شخصية بسيطة ليشعر بهذا األثر بنفسهوبإمكان كل فإذا استمع اإلنسان البالغ ألحان اسطوانة قديمة تحتوي على بعض األغاني التي اعتاد على سماعها في طفولته، فإنه سيشعر بكل تأكيد بنوع من الحنين

انت مليئة إلى الطفولة السعيدة، وسيتذكر أناسا تعلق بهم في طفولته وأحداثا ك

-٢٧١-

ويمكن تشبيه هذا األثر . باإلثارة واالستكشاف لم تخطر في باله منذ سنينباألثر الذي يتركه النظر إلى مجموعة من الصور القديمة، حيث كان الناظر طفال صغيرا، فنجده ينظر في الصور ويتذكر األمكنة والمناسبات التي أخذت

ولكن االنطباع الذي تتركه . فيها الصور واألشخاص المصورين معه فيهاوربما يكمن ! الموسيقى يبقى أقوى وأعمق من االنطباع الذي تتركه الصور

السبب في ذلك في أن إدراك الموسيقى يتضمن قدرا أقل من الموضوعية من النظر إلى الصور أو قراءة قصة معينة، والموضوعية هي التي تعدل من قوة

نقارن اآلن بين هذه الحالة المزاجية التي ول. االنطباعات والمشاعر الهائجةمن جهة تنشأ عندما نستمع إلى أغنية شعبية أو أغنية لألطفال محببة إلى قلبنا

وتلك الحالة التي تنشأ بصورة تلقائية أيضا عندما نستمع إلى النشيد الوطنيفهنا سينتابنا إلى حد ما شعور احتفالي وسنتذكر الوضعيات . من جهة أخرى

. تعلمنا فيها النشيد الوطني أو التي شاركنا فيها في إنشاده بنجاح مميزالتي !وقد يتذكر من شارك منا في الحرب الماضية بعض الحوادث المؤثرة جدا

عالقة الحس الموسيقي لإلنسان بمشاعره وبأدائه - ٤وبقدر ما تنتمي المشاعر والحاالت المزاجية إلى طبيعة اإلنسان وكيانه،

نستطيع أن نفهم حقيقة أن اإلنسان الذي يمتلك حسا موسيقيا مرهفا بقدر ما من " إنسانية"ويمتلك القدرة على التفاعل مع األلحان واإليقاعات يبدو لنا أكثر

اإلنسان الذي ال يملك هذه المقدرة، مما يجعلنا نربط بين امتالك الحس ا السياق يمكننا وفي هذ. الموسيقي وامتالك المشاعر والعواطف بصرة عامة

انزل حيث يغني الناس واشعر باألمان، ليس : "أن نورد القول المشهورإننا ننظر إذا إلى اإلنسان الذي ال !". لألشرار موسيقى وليس لهم أغاني

عديم المشاعر والعواطف اإليجابية " الشرير"يستمتع بالموسيقى نظرتنا إلى اإلنسان التأثر باألنغام لم يتعلم هذا . وعديم الحب والعطف والشفقة

واإليقاعات، وهو لذلك يوصد الباب في وجه الموسيقى وال يتركها تفعل فعلها

-٢٧٢-

وقد يعود السبب في ذلك إلى أنه لم . وتحمله إلى حالة نفسية إنسانية عامةيحظى في طفولته بفرصة الربط بين الموسيقى والشعور باألمان والطمأنينة،

!بتلك المشاعر اإليجابية التي ربما لم يعرفها أصالولذلك فالموسيقى ال تذكره ومن جهة أخرى فإن للموسيقى أثر كبير على قدرة اإلنسان على األداء . من خالل تحكمها بالمشاعر التي بدورها تتحكم بإفراز بعض الغدد الصم

العسكرية التي تملؤها ضربات " المارش"فتحت تأثير أنغام وإيقاعات موسيقى فخات األبواق تنشأ لدى الغالبية العظمى من الناس حاالت عاطفية الطبول ون

وقد ). أي الوطن(ووجدانية مرتبطة بالكفاح والدفاع عن النفس والجماعة أثبتت الدراسات أن هذا النوع من الموسيقى يؤدي إلى إفراز المزيد من

نوع وإلى ارتفاع نسبة السكر في دم الشخص الذي يسمع ذلك ال" األدرينالين"من الموسيقى، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع ملموس في القدرات الجسدية

.للشخص المعني قابل للقياس الفيزيائيوعالوة على رفع القدرات الجسدية فإن الموسيقى تزيد من قدرتنا على األداء بطريق آخر أيضا، وذلك من خالل رفع مستوى تركيزنا على الهدف

التي قد تقف عائقا " الروادع الفكرية"ي إلى تجاوز مما يقلل من التردد ويؤد .أمام الوصول إلى الهدف

وهكذا فإلى جانب الموسيقى الحربية والعسكرية تعد األغاني التي ترافق األعمال الجماعية المختلفة من أفضل األمثلة على التأثير المباشر للموسيقى

وجود الموسيقى المناسبة فب. على مستوى األداء في المجالين النفسي والجسدينجد أن العمال ال يشعرون ال بالتعب وال بالملل أثناء قيامهم باألعمال الرتيبة

وقد طور زنوج أمريكا أغان خاصة في موسم . والمتعبة في غياب الموسيقىقطاف القطن عندما كانوا يقومون بأعمال شاقة ومتعبة قبل زمن انعتاقهم،

وهكذا نجد أن تأثير . تساب القدرة على المتابعةوذلك لتخفيف وطأة التعب واكوفي حاالت معينة . الموسيقى على حالتنا النفسية وعلى أدائنا قد يفوق توقعاتنا

يكون للحالة النفسية الدور الحاسم في النجاح، فلمعنويات الجنود في القتال

-٢٧٣-

على سبيل المثال دور يفوق في بعض األحيان الدور الذي تؤديه قوة الفتك .الفعلية للسالح الذي يحملونه

ويحكي التاريخ عن مواقع كثيرة استطاعت فيها فرقة متواضعة العدد والعتاد أن تحرز نصرا مبينا على فرقة تزيدها عددا وتفوقها عتادا، وذلك

ولكي ال نضطر لالستشهاد بحوادث من . بسبب ارتفاع معنويات الفرقة األولىمثلة نورد مثاال من التاريخ اليوناني القديم التاريخ الحديث المليء باأل

تحت ضغط أعدائه إلى اللجوء إلى " Spartaسبارتا "والمعروف عندما اضطر أهل مدينة أثينا لطلب العون والمساعدة؛ ولما كان أهل أثينا ال يرغبون في أن

لكي ال يزداد قوة وبطشا ويصبح منافسا (من المعركة منتصرا " سبارتا"يخرج ، كما إنهم ال يريدون من جهة أخرى أن يصدوه صدا مباشرا )قويا لهم

، أرسلوا له عوضا عن المحاربين الذين طلبهم )فيصبح من أعدائهم المعلنين(الذي لم يكن يعرف فنون القتال لكنه كان مغنيا " Tyrtaeusتيرتايوس "الشاعر

على " سبارتا"صر أتباع وقد كانت المفاجأة عظيمة عندما انت. وشاعرا عظيما" تيرتايوس"أعدائهم الذين يفوقونهم في العدد والعتاد، وذلك تحت تأثير أناشيد

!!الحماسية التي تمأل قلوب المقاتلين بالشجاعة

الموسيقى توقظ المشاعر

بوسعنا في أي وقت أن نؤكد ما هو معروف في مجال علم النفس، بأن ئيا ذكريات بعينها مرتبطة في داخلنا بذلك سماع لحن أو إيقاع نعرفه يوقظ تلقا

" المارش"فإذا ما ترامت إلى ذهننا موسيقى . اللحن أو اإليقاع ارتباطا وثيقاوالتي تمتاز بإيقاع متميز، فإننا نتذكر الوضعية التي سمعنا فيها تلك الموسيقى

عرفها منذ وإذا ما سمعنا أغنية لألطفال ن. أو ما يشبهها للمرة األولى في حياتناطفولتنا، فإننا سنتذكر بصورة تلقائية أيضا زمن الطفولة والمواقف المرتبطة بتلك األغنية، فنتخيل أنفسنا على سبيل المثال في بيت األهل القديم محاطين . باألشخاص المحببين على قلوبنا وتنشأ داخلنا مشاعر الحنين إلى تلك المرحلة

-٢٧٤-

ا في المدرسة، فإننا سنتذكر المدرسة ومعلمة وإذا سمعنا أغنية كنا قد تعلمناه ...الموسيقى وكل ما يتعلق بدرس الموسيقى

ولعل الفرق األساسي بين الكالم والموسيقى هو أن الكلمة تحمل مدلوال محددا يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى سماعها أو قراءتها، وذلك بغض النظر

الكلمة ألول مرة؛ بينما تردنا عن الوضعية التي سمعنا أو قرأنا فيها تلك الموسيقى في كل مرة نسمعها فيها إلى الشعور الذي كان ينتابنا عندما سمعناها ألول مرة، فضال عن كون المدلول الذي تحمله ال يكون على تلك

.الدرجة من التحديد التي يتميز بها مدلول الكلمة، فإننا نعرف "حساء القرنبيط"فعندما نسمع على سبيل المثال تعبير

بالضبط ما هو المقصود بهذا التعبير، وقد نستطيع إذا ما أغمضنا أعيننا أن نتخيل الطعم الذي يتميز به ذلك الحساء، وذلك بغض النظر عن الوضعية

ولكننا عندما نستمع إلى . التي تذوقنا فيها ذلك الحساء للمرة األولى في حياتناسنتذكر مواقف معينة من طفولتنا أو من زمن ، فإننا غالبا ما "يا غزالي"أغنية

. الدراسة، وقد نتذكر منظرا طبيعيا مرتبطا بشكل من األشكال بهذه األغنيةواألهم من ذلك كله أننا نشعر بحالة نفسية معينة، وإذا ما أسندنا ظهرنا إلى الخلف وأغمضنا أعيننا، فإننا سنستذكر ربما أياما خلت منذ زمن بعيد

.بالحنين إلى تلك الذكرياتوسنشعر وعندما ترفق باللحن كلمات معينة، فإن هذه الكلمات ستساعد بالطبع على نشوء تداعيات تربط اللحن بذكريات وصور محددة حتى ولو كان اللحن جديدا على مسمع السامع، ألن للكلمات دالالت محددة ومن اآلن فصاعدا

تشكله باللحن الذي نسمعه اآلن سوف نربط هذه الدالالت أو التصور الذيوإذا ما سمعنا هذا اللحن مرة أخرى مجردا من الكلمات، فإن ذلك . ألول مرة

!التصور بعينه سيتبادر إلى ذاكرتنا من جديدوهكذا بوسعنا أن نقرن بأي لحن أو بأي إيقاع تقريبا، بمساعدة

اللحن أو الكلمات، تصورا معينا سوف نتذكره الحقا في كل مرة يطن

-٢٧٥-

وما نحن . اإليقاع في آذاننا، حتى عندما يكون مجردا من تلك الكلماتبصدده اآلن إنما هو نوع من أنواع اإلقران المشروط شبيه جدا بذلك النوع : الذي نفسر به آلية تطور ميل أو كره الطفل لنوع معين من أنواع األطعمة

ن السبانخ ويعبر الجالسون فعندما نقدم لطفل ما ألول مرة في حياته طبقا محول المائدة عن إعجابهم الشديد بهذا الطبق الشهي، فإننا سنجد الطفل

وعندما - حتى إنه قد يعجب بلونه األخضر - يعجب تلقائيا بطبق السبانخ تعلن والدته في المرة القادمة أنها قد حضرت طبقا من السبانخ، سنجده

وعلى العكس . لطعام بفارغ الصبريسر لسماع هذا الخبر وينتظر موعد امن ذلك فإن ذلك الطفل سيطور تلقائيا رفضا واضحا لطبق السبانخ، إذا ما الحظ أن إخوته على سبيل المثال يمتعضون من رؤية ذلك الطبق على مائدة الطعام ويعبرون تعبيرا واضحا عن عدم تقبلهم له في أول مرة يقدم

وال عجب حينئذ أن يكون رد فعل الطفل . اللطفل الصغير طبق السبانخ هذسلبيا في المرة القادمة التي تعلن فيها والدته بأن طبق اليوم سيكون

!محضرا من السبانخونعرف اآلن أن العديد من حاالت الميل أو الكره تجاه نوع معين من أنواع الطعام لدى البالغين، والتي قد تمتد لسنوات طوال، يمكن إرجاعها إلى

فعندما ال يرغب أحد ما بشرب الحليب أو . شكل من أشكال االقتران المشروطال يتقبل أكل السمك على سبيل المثال، فإن ذلك غالبا ما يمكن إرجاعه إلى تلك االنطباعات السلبية التي نشأت لدى أول تجربة لذلك الشخص مع تلك

ت أو تلك التجربة األنواع من الطعام، حتى ولو لم يعد يتذكر تلك االنطباعا .بصورة واعية

فليس بوسعنا إذا أن نعرف مسبقا االنطباعات والمشاعر التي ستتركها ولكننا . مقطوعة موسيقية ما في نفس الشخص الذي يسمعها ألول مرة

نستطيع بدرجة مقبولة من التأكيد أن نتوقع ما ستتركه تلك المقطوعة من " تأخذه"نحدد الحالة الوجدانية التي انطباعات ومشاعر في نفس المستمع وأن

-٢٧٦-

نحو األغنيات (إليها، إذا كان يعرفها مسبقا أو إذا كانت ترافقها كلمات ).واألناشيد وما إلى ذلك

وإذا ما كان الهدف من توظيف الموسيقى هو وضع مجموعة من المستمعين في حالة نفسية وعاطفية موحدة نوعا ما، علينا أن نستخدم لهذا

أغاني معروفة أو موسيقى من المعروف أنها تؤدي إلى تداعي الغرض وعلينا أن نترك إدخال األغاني والموسيقى . المشاعر واالنطباعات المطلوبة

وفي مجال الدعاية أيضا يعتبر . الجديدة ألصحاب الخبرة واالختصاصاستخدام األلحان غير المعروفة طريق محفوفة بالكثير من المخاطر ألن تلك

لحان نادرا ما تحقق هدفها في وضع مجموعة المستمعين في حالة نفسية األوعاطفية موحدة وقد توقظ لديهم في كثير من األحيان انطباعات ومشاعر

!معاكسة لتلك المقصودة في األصل

اإلمكانيات التربوية للموسيقى - ٥لقد رأينا أن بوسع مقطوعة موسيقية ما إيقاظ مشاعر محددة في نفس

تمع، بعد أن تكون هذه المقطوعة قد ارتبطت بتلك المشاعر لدى المستمع المسمن خالل تكرار سماعه لها وهو في حالة تسيطر عليه فيها تلك المشاعر

وهكذا يعود المستمع إلى تلك الحالة بعينها ). عملية اإلقران المشروط(تحديدا ولما كان . ههاكلما سمع في المستقبل هذه المقطوعة الموسيقية أو ما يشب

الجزء اإليقاعي من الموسيقى هو الجزء الذي تستوعبه وتهتم به الغالبية العظمى من الناس، ألنه يربط بحركات جسدية معينة، أصبحت الموسيقى

ولدى سماع تلك . المنتشرة على نطاق واسع موسيقى راقصة عموماموسيقى بصورة الموسيقى الراقصة يبدأ الناس بحركات جسدية توافق إيقاع ال

.تلقائية، ولو اكتفوا أحيانا بحركات األيديوبرغم أهمية هذا النوع البسيط من اقتران الحركات الجسدية بعناصر إيقاعية من الموسيقى، علينا أن نؤكد أن ذلك ال يتعدى كونه المستوى األول

-٢٧٧-

وال شك أن . واألبسط من مستويات االستيعاب الموسيقي والتجربة الموسيقيةاإلمكانيات التربوية الحقيقية والواسعة للموسيقى ال تكون متاحة جميعها إال ألولئك األشخاص الذين قد تعلموا أن يشعروا بالتفاصيل العاطفية الكامنة فيما وراء العناصر اإليقاعية في الموسيقى، نحو قدرة المستمع على الشعور

ي من سيمفونية في الجزء الثان) بل بشيء من الغضب واليأس(بالحزن على سبيل المثال، بعد أن يكون قد امتلكه شعور راق باألمان " بيتهوفن"

واالستقرار الذاتي في الجزء األول منها، ومن ثم االستقرار مجددا على درجة ثابتة من اإلحساس باألمان والتوافق مع الذات في الجزء الثالث واألخير من

.السيمفونية وال - وقت مبكر على التأثر بالموسيقى وعندما ندرب األطفال في

يتطلب ذلك من حيث المبدأ سوى تطبيق نوع بسيط جدا من أنواع اإلقران المشروط بين المشاعر المختلفة واأللحان المختلفة والتمرن عليه حتى اإلتقان

فإننا نزودهم بإمكانية رائعة قد يحتفظون بها طوال حياتهم للتأثير اإليجابي -تهم العاطفية والوجدانية التي يمرون بها ولضبط أنفسهم والسيطرة على حاال

.على سلوكهم وللتعبير األفضل عن مزاجهم وحاالتهم الشعوريةولكن الخيار األفضل يبقى بالطبع فسح المجال أمام الطفل ليتعلم العزف على آلة موسيقية لكي يتمكن من التعبير الخالق عن الحاالت الشعورية

وإذا تعذر ذلك أو اتضح أنه ليس باألمر السهل، . التي يمر بهاوالعاطفيةيجب العمل على تعليم الطفل مبادئ استيعاب الموسيقى وتدريبه على سماع المقطوعات الموسيقية المختلفة بوعي وإدراك وعلى الدخول في الحاالت

ا على فذلك يمكنه الحقا، عندما يكون حزين. النفسية والشعورية التي تناسبهاسبيل المثال، من أن يختار المقطوعات الموسيقية المناسبة التي تدخله في حالة وجدانية من الحزن ترافق حزنه وتخرجه منه بهدوء وأمان؛ كما يمكنه، عندما يكون غاضبا، من أن يهدئ من غضبه بسماع المقطوعات الموسيقية

ناسبة هو إدخال المستمع فما يحدثه سماع المقطوعة الموسيقية الم. المناسبة

-٢٧٨-

في حالة نفسية توحي بها المقطوعة وتناسب حالته اآلنية وتساعده على التغلب .على صراعه الداخلي والخروج من حالة عدم االتزان التي يمر فيها

وكما تعالج على سبيل المثال بعض أنواع اضطرابات النوم بألحان جميع أنواع االضطرابات وإيقاعات مناسبة، يمكن للمرء أن يدعم عالج

ونورد هنا على سبيل المثال األثر العالجي . النفسية بعالج موسيقي مرافقالمعروف لمقطوعات موسيقية محددة ومشهورة على اضطرابات الكآبة

.والهوس وما يشبههاوبإمكان سائق السيارة أن يقلل من عصبيته أثناء القيادة من خالل

يقية لها أثر مهدئ في نفسه وهو جالس خلف السماع المتكرر لمقطوعات موسولكن عليه أن يسمع تلك المقطوعات من وقت آلخر في بيته . مقود سيارته

أيضا في جو هادئ لكي يتعزز أثرها المهدئ عليه أثناء القيادة ولكي يؤكد وحينئذ سوف . على ربط تلك المقطوعات بالشعور بالهدوء وراحة األعصاب

زانه في حاالت اعتاد سابقا على التصرف فيها بتوتر يحافظ على هدوئه وات !وعصبية في غياب األثر المهدئ للموسيقى

وبنفس الطريقة يمكن توظيف الموسيقى أداة فعالة جدا لرفع قدرة المرء على التركيز، وذلك من خالل إقران مقطوعات موسيقية قصيرة ومناسبة

تفعة من التركيز ومن ثم سماع بالحاالت التي يكون فيها المرء على درجة مرهذه المقطوعات الحقا عندما يكون المرء بحاجة للمزيد من التركيز لحل

وبعد تكرار ذلك عدة مرات يمكن للمرء ! مشكلة معقدة أو إلنجاز مهمة صعبةاالعتماد على استعادة هذه الدرجة المرتفعة من التركيز بمجرد سماع تلك

.رن على سماعها في حاالت تركيزه المرتفعالمقطوعات الموسيقية التي تمحيث . وبطرية مشابهة تستخدم الموسيقى في مجال اإلعالم السياسي

تعزف مقطوعات موسيقية خاصة قبل صعود الخطيب إلى المنصة أثناء مهرجان خطابي سياسي تعبئ الجماهير وتوقظ في نفوسهم مشاعر حماسية ووطنية

. الخطيب تحت لواء ذلك االتجاه السياسيوتعزز التحام الجمهور وتوحده مع

-٢٧٩-

وبالطبع ال تضيع محطات اإلذاعة والتلفزة على نفسها فرصة االستفادة من تأثير الموسيقى أيضا في الترويج لبرامجها من خالل تحديد مقطوعة موسيقية

وعادة ما تقرن تلك المقطوعة . مناسبة لكل برنامج تتتالى حلقاته بتكرار. لحلقتين األولى والثانية على األقل بتوقع إيجابي لدى الجمهورالموسيقية في ا

وفي الحلقات التالية يكفي أن يسمع الجمهور المقطوعة الموسيقية التقديمية للبرنامج حتى يثار اهتمامه ويترقب الحلقة الجديدة وكله أمل أنه سيجد فيها من

وقد اقترنت . لقات األولىالمتعة والفائدة والتشويق ما وجده أو ما وعد به في الحبعض المقطوعات الموسيقية بمسلسالت بوليسية مشهورة حتى أصبحت عالمات مميزة لتلك المسلسالت وأصبح مجرد سماع الموسيقى التقديمية لتلك المسلسالت

!يثير اهتمام المشاهد ويجعله يأمل بساعة من التشويق والمتعة أيضا بمقاطع موسيقية معينة تدل وكثيرا ما ترتبط مناسباتنا واحتفاالتنا

فال أحد يتصور على سبيل المثال أن تأخذ أعياد الميالد . عليها داللة واضحةطابعها الخاص المتميز في غياب مقطوعات موسيقية أو غنائية بعينها مقرونة بتلك األعياد، وبالمقابل فإن أحدا ال يسمع تلك المقطوعات دون أن يفكر

يالد أو يتذكر مواقف خاصة من االحتفاالت الماضية، وقد بأجواء أعياد الميرجع في ذاكرته إلى أيام الطفولة في بيت العائلة أو في الجبال أو في بيت

.فالحي ريفي مع األصدقاءوقد أصبحت ذكرى الميالد الشخصية لكل منا ترتبط أيضا بأغنية معينة

غنية أو ذلك اللحن حتى أو لحن خاص بكل أسرة، وما أن يسمع المرء تلك األ .يشعر بأجواء االحتفال بتلك الذكرى

وبطريقة مشابهة يمكن للمرء أن يحول حاالت اإلثارة الجنسية إلى وقد بات من . حاالت إبداع خالقة من خالل ربطها بمقطوعة موسيقية معينة

المعروف أن الكثيرين من المبدعين يستلهمون أهم أفكارهم وإيحاءاتهم من غالبا - موسيقية معينة عادة ما تنقلهم أوال إلى حاالت إثارة شديدة مقطوعات

! يستطيعون توظيفها في نشاط مبدع خالق-ما تكون ذات طبيعة جنسية

-٢٨٠-

ولما كانت الطريقة التي نقدم فيها للطفل المقطوعات الموسيقية ألول الذي قد مرة في حياته على تلك الدرجة من األهمية، ولما كان لها ذلك األثر

يدوم لسنوات طوال، وجب االهتمام بدرس الموسيقى في الصفوف األولى من فعلى حصة الموسيقى أن تقدم للطفل الفهم الموسيقي . المدرسة اهتماما خاصا

والتدريب الصحيح على عملية اقتران المقطوعات الموسيقية المختلفة بحاالت .عاطفية ووجدانية معينة

قطوعة شعرية على سبيل المثال ال يكتمل إال وكما أن االستمتاع بمبوضع المستمع مسبقا بحالة وجدانية مناسبة، فإن أغنية المهد أيضا مرتبطة بحالة وجدانية معينة يسهل توفيرها في أوقات بعد الظهيرة أو في المساء، بينما يصعب توفيرها في ساعات ما قبل الظهيرة، ألن اإلضاءة الخافتة

جة معينة من التعب الجسدي هما من المقومات والشروط التي المناسبة ودر .تسهل دخول الطفل في هذه الحالة الوجدانية

وبوسعنا أن نتصور بسهولة أن اإلمكانيات التي يمكن لدرس الموسيقى كما إن استخدام الموسيقى . أن يوفرها في هذا السياق لم تتم االستفادة منها بعد

وكل . لم يلق االهتمام الواجب إال منذ سنوات قليلةفي مجال المعالجة النفسيةما ذكرناه سابقا إنما يدل أيضا على اإلمكانيات الكثيرة لتوظيف الموسيقى في حياة اإلنسان الخاصة من خالل االختيار الصحيح والواعي لعملية إقران

ك المقطوعات الموسيقية المختلفة بالحاالت الوجدانية المناسبة وعدم ترك ذل !للمصادفة

-٢٨١-

. IX اإلحياء والدعاية وكسب األصدقاء

اإليحاء - ١لقد رأينا في الفصل السابق أن سماع قطعة موسيقية ما يضع سامعها

بعملية ربط ) الحقيقية(في حالة شعورية معينة، وقد فسرنا هذه الخبرة بالتداعي أو بعملية اقتران مسبق مشروط تجعل السامع يعود لدى سماعه

مقطوعة الموسيقية إلى الحالة الوجدانية التي كان فيها عندما سمع تلك لل .المقطوعة ألول مرة، وذلك دون وعيه الكامل لهذا االقتران وألسبابه

والظاهرة األعم هي ظاهرة اإليحاء، حيث يسبب حاث ما استجابة ك معينة لدى مستقبله مرتبطة بذلك الحاث ارتباطا وثيقا، وذلك دون إدرا

.المستقبل أو المتلقي للحاث إدراكا واعياوبإمكاننا التأكد من فعل اإليحاء من خالل تجربة بسيطة بوسعنا أن نجريها بأنفسنا مع بعض ضيوفنا في لحظة وداعهم وهم يهمون بارتداء معاطفهم ويشكروننا على حسن ضيافتنا لهم، فإذا ما أخذنا غرضا ما بأيدينا

، فإنهم غالبا )بصورة توحي أننا نقدمه لهم(سرعة ووضعناه أمامهم بسيأخذونه دون وعي، حتى ولو كان ذلك الغرض مجرد كتاب أو محفظة أو

وبعد أن يخرج الضيوف من البيت ! مشجبة مالبس ال تمت لهم بأية صلةيمكننا حينئذ أن نسألهم على سبيل المزاح إن كان من عادتهم أن يأخذوا

وعندها فقط يستوضح الضيوف عادة ! حسنوا ضيافتهمأغراض الناس الذين أ !ما فعلوه ليشعروا بشيء من الخجل والحرج

-٢٨٢-

إن ما يحدث في هذه الحال هو أن تصرفا تلقائيا غير مقصود يصدر وضع (، وذلك استجابة للحاث الذي نقدمه لهم )أخذ الغرض(عن الضيوف

يبدي بطريق اإليحاء وال يمكن للمرء أن). الغرض أمامهم وكأننا نقدمه لهمتصرفا جديدا كل الجدة لم يعتد على إبدائه من قبل، بل ال بد لهذا التصرف أن يكون مألوفا لديه حتى يصدر عنه بطريقة تلقائية وعفوية ودون تفكير أو قصد

.بمجرد توفر الحاث المناسبويمكننا أن ندرج أيضا مثاال آخر يوضح آلية التصرف باإليحاء،

ما يستطيع أن يؤكده القيمون على الفنادق التي تقدم لزبائنها خيارين وهو فمن المعروف لدى القيمين . إما المنامة فقط وإما المنامة مع وجبة الفطور

على تلك الفنادق أن الزبون الذي يختار المنامة مع وجبة الفطور يأكل في ا يقدم الفندق وبخاصة عندم- وجبته المجانية هذه أكثر بكثير من المعتاد

عرضا غنيا مليئا بأنواع مختلفة من الخبز واللحم المقدد والجبن والبيض فعندها ال يكتفي الزبون بقطعة خبز واحدة وال بشريحة . المقلي والمسلوق

من اللحم وال بقطعة من الجبن وال ببيضة واحدة، بل إنه قد يختار أكثر من العديد من فناجين القهوة أو قطعة أو شريحة واحدة من كل صنف ويشرب

الشاي ويبالغ في ذلك حتى يتناول فوق طاقته أو على األقل أكثر من بينما قد يكتفي الزبون الذي سيضطر لطلب مكونات الفطور كل . المعتاد

على حدة بقطعة خبز وبيضة وشريحة من اللحم المقدد أو من الجبن !وفنجان من القهوة أو الشاي

حظ أن هذا التصرف ال يقتصر على اإلنسان، بل ومن الممتع أن نالفإذا ما وضعنا أمام دجاجة جائعة . إن الحيوان يسلك سلوكا مشابها أيضا

غراما منها وتترك ما ٥٠ غرام من الحنطة، فإنها ستأكل حوالي ١٠٠تبقى مبعثرا على األرض، ألنها تكتفي بنصف الكمية المقدمة لها وهي

ولكننا عندما . وله الدجاجة عادة في الوجبة الواحدةقيمة وسطية لما تتنا ٨٠ غرام من الحنطة، فإنها قد تأكل ما يقارب ١٠٠٠نقدم لتلك الدجاجة

-٢٨٣-

وهكذا فإن الكمية الزائدة التي تأكلها الدجاجة . غراما وتترك الباقي٩٠إلى كر، إنما سببها أثر اإليحاء السابق الذ) غراما٤٠ إلى ٣٠(في المرة الثانية

حيث تؤدي الكمية الكبيرة المقدمة في المرة الثانية إلى جعل الدجاجة تأكل وهكذا يبدو أن هذا السلوك باإليحاء . أكثر من المعتاد وربما فوق طاقتها

والذي يشترك فيه اإلنسان والحيوان على حد سواء له جذور غريزية !موروثة غير مكتسبة

اإليحاء اإليجابي واإليحاء السلبي - ٢نتكلم عن اإليحاء اإليجابي عندما يؤدي حاث ما إلى تصرف يخدم

ونتكلم عن اإليحاء السلبي في الحالة المعاكسة، أي عندما . تحقيق هدف معين .يؤدي الحاث إلى تصرف يعرقل تحقيق الهدف

فعندما نمسك بيدنا عظمة لها رائحة شهية أمام كلب جائع، فإنه وأما عندما نمسك بزجاجة . اه العظمةسيخضع إليحاء إيجابي ويتجه باتج

. تفوح منها رائحة مخرشة، فإنه سيبتعد عنها ألن ذلك سيخضعه إليحاء سلبيولكننا عندما نقدم له العظمة والزجاجة مجتمعتين في آن معا، فإننا نخضعه في الوقت ذاته إليحاء إيجابي وآخر سلبي، واإليحاء األقوى هو الذي

ساسه بالجوع أقوى من نفوره من الرائحة المخرشة، فإذا كان إح": سينتصر"فإنه سيتجه باتجاه الحاثين؛ وأما إذا فاق نفوره من الرائحة المخرشة إحساسه بالجوع، فإنه سيبتعد عن الحاثين؛ وفي حال التساوي بين شدة نفوره وجوعه،

.فإنه لن يبدي أي سلوك تجاه الحاثين وكأنهما غير موجودينيه السلبي واإليجابي دور بالغ األهمية في مجال الدعاية لإليحاء بنمط

كاختيار (فعندما تدعونا الدعاية مباشر إلى شراء منتج أو خدمة ما . واإلعالن، فإن ذلك مثال )نوع معين من أنواع بطاريات السيارات على سبيل المثال

ير إلينا وقد تستخدم الدعاية اإليحاء السلبي لتش. على توظيف اإليحاء اإليجابيكأن تدعي الدعاية أن ذلك (بأن منتجا أو خدمة ما توفر علينا تجربة سيئة

-٢٨٤-

النوع من أنواع البطاريات من شأنه أن يقينا من المفاجآت غير السارة في وعندما توظف الدعاية هذين النمطين من اإليحاء في السياق نفسه، ). الشتاء

أقوى من اإليحاء ) ة المباشرةالدعو(فإنها تنطلق من أن اإليحاء اإليجابي ).المفاجآت غير السارة(السلبي

بيد أن هذا المنطلق تحديدا ال يمكن التسليم بصحته في جميع الظروف، - فقد يتذكر البعض، ممن عانوا من تجربة تعطل بطارية سيارتهم في الشتاء

ك قد يتذكرون تجربتهم تل-وبغض النظر عن نوع تلك البطارية التي تعطلت بمشاعر سلبية قوية جدا، مما يجعل استجابتهم لتلك الدعاية سلبية أكثر منها

.إيجابيةولذلك يبقى االقتصار على توظيف نمط اإليحاء اإليجابي في الدعاية أأمن من توظيف نمط اإليحاء السلبي أو توظيف مزيج من النمطين في آن

قوى من أثر النمط السلبي فال أحد يضمن أن يكون أثر النمط اإليجابي أ. واحدوأن يربط المتلقي االنطباعات اإليجابية بالمنتج المروج له أكثر من

وهذا يعني أن ما قد يحدث فعال في مثالنا السابق هو أن . االنطباعات السلبيةالمتلقي قد يقرن بنوع البطاريات، الذي تروج له الدعاية، تلك المفاجآت غير

!اته اإليجابيةالسارة وينسى فوائده وميزونجد هذا المفعول السلبي أو ما يشبهه في كل دعاية تقريبا تعترف

إذ إن االعتراف بالخطأ، مع أنه . بعيب أو خطأ ما في المنتج الذي تروج لهتصرف حميد بحد ذاته ينم عن صدق واستقامة، غالبا ما يدفع المتلقي إلى

وفي نهاية ! ة العارضةربط هذا الخطأ بصورة المنتج المعروض أو الشركالمطاف فإن صورة صدق الشركة واستقامتها لن تصمد في الغالب أمام صورة الخطأ أو العيب المقرون بها، مما سيدفع المتلقي إلى االبتعاد عن هذه

فاعتراف شركة مصنعة لنوع معين ! الشركة الصادقة وإلى حذفها من خياراتهبعض السيارات المبيعة على من أنواع السيارات بخطأ طفيف في محرك

سبيل المثال، وبرغم تأكيد الشركة في السياق ذاته على أنها قد اكتشفت الخطأ

-٢٨٥-

وكانت سخية في التعويض للمتضررين عن ذلك الخطأ وبأنها قد اتخذت اإلجراءات الالزمة للحيلولة دون تكرار الخطأ، سيؤدي ذلك في الغالب إلى

لك النوع من السيارات وإلى تخوف المتلقي اقتران الخطأ في ذهن المتلقي بذمن أن عيوبا أخرى قد تظهر في المستقبل مما سيعني أن شراءه لسيارة من ذلك النوع سيضطره إلى إعادتها إلى ورشة التصليح وإلى غير ذلك من

ولذا تنصح تلك الشركة في مثالنا السابق بأن تقوم بكل ... االنطباعات السلبيةح وتحسين وتعويض عن الضرر بعيدا عن الضجة ما يلزم من إصال

. اإلعالمية، كما تنصح بعدم محاولة االستفادة من تلك النشاطات في الدعاية. فخطر حدوث اقتران إيحائي سلبي غير مرغوب فيه لدى المتلقين كبير جدا

وعلى العكس من ذلك يمكننا التأكيد مرة أخرى على قوة تأثير اإليحاء غيسن "الل حادث بسيط وقع في الريف القريب من مدينة اإليجابي من خ

Gießen "فقد اشتكى أحد القاطنين في تلك المنطقة، وقد كان من : في ألمانياهواة االعتناء بالحدائق، مرارا لدى جاره، الذي كان يربي بعض الدجاجات، شارحا له أن دجاجاته كانت تدخل إلى حديقته الخاصة من خالل فتحات في السياج الفاصل بين حديقتي الجارين وتلتهم وتخرب نباتاته وأزهاره المحبوبة

بيد أن جميع الشكاوى بقيت دون جدوى واستمرت الدجاجات . جدا على قلبهوبقي األمر . بالمجيء إلى الحديقة وفعل فعلها وبقي السياج مليئا بالفتحات

سيطة ولكنها فعالة على حاله حتى خطرت لهاوي الحدائق فكرة سيكولوجية بفاشترى من المتجر القريب طبق بيض ووضع البيضات في السر بعد : جدا

غياب الشمس في حديقته بالقرب من السياج في مكان مكشوف لجاره صاحب وفي صباح اليوم . الدجاجات عندما يكون في حديقته يطعمهم ويعتني بهم

ه سلة فارغة ليضع فيها التالي تقصد أن يأتي على مرأى من جاره حامال بيدالبيضات ويدخلها إلى بيته بصورة توحي بأنه يقوم بذلك يوميا وبصورة

ولم يتوجب على صاحب الحديقة أن ينتظر طويال قبل أن يرى جاره . بديهية "!حفاظا على بيض دجاجاته"يسد جميع ثغرات السياج

-٢٨٦-

حث جاره من الواضح أن اإليحاء اإليجابي الذي وظفه صاحب الحديقة ، وكان فعاال أكثر من "خسارة المزيد من البيض"على فعل أمر ما لتفادي

ولعل استجابة الجار تشبه إلى حد . جميع الشكاوى التي تقدم بها إلى جارهبعيد تلك االستجابات التي رأيناها في مثال المبالغة في تناول الطعام عندما

المرء بدافع االنجذاب نحو ففي جميع الحاالت يتصرف. يكون العرض وفيرا .االستفادة من الفرص المتاحة

دور الالوعي في الدعاية اإليحائية - ٣يتضح من كل ما أوردناه سابقا أن احتمال وقوع رد فعل استجابة معينة ردا على إيحاء ما يزيد بانخفاض شدة الممانعة التي تقف في طريق تلك

ا نستطيع االلتفاف حول اإلدراك وهذه هي الحال دائما عندم. االستجابةوعلى العكس من ذلك، فإننا عندما . الواعي وتفاديه لنخاطب الالوعي مباشرة

نخاطب اإلدراك الواعي لدى المتلقي وبخاصة وعيه الناقد، فإننا نوقظ في ذهنه بصورة شبه تلقائية اعتراضات وانتقادات تعرض عملية اإليحاء إلى

.خطر الفشلطب باإليحاء الوعي المتلقي بطريقة يبقى معها وعيه وأما عندما نخا

، فإننا نحصل منه على االستجابة المرجوة دون ممانعة تذكر "موصدا"). شريطة أن تكون هذه االستجابة معروفة مسبقا ومعتادة بالنسبة للمتلقي(

وهذه اآللية هي التي تحدث مثال عندما تستجيب حالتنا الوجدانية والنفسية مقطوعات موسيقية معينة وعندما نتلقى تلك المقطوعات على هامش لتأثير

فاألنغام الموسيقية الناعمة التي تمأل صاالت ). أي بطريق الالوعي(اهتمامنا البيع ستسهل على الزبون اتخاذ القرار بالشراء، إذا ما استطاعت بطريق

.الالوعي إثارة تداعيات وذكريات محببة إلى قلبهقد يكون من المعروف أن اإلنسان يشعر بأن حركة العين وفي مجال آخر

الشاقولية متعبة أكثر من الحركة األفقية، وذلك ألسباب تتعلق بالخصائص

-٢٨٧-

ولعل هذا هو السبب في أننا نبالغ في تقدير األبعاد الشاقولية . العضوية للعينلسبب نفسه نظن، وربما ل. باتجاه الزيادة وفي تقدير األبعاد األفقية باتجاه النقصان

عندما نقارن بين معلبتين لهما السعة ذاتها وتختلفان في األبعاد، أن المعلبة !األطول تفوق المعلبة األقصر سعة بالرغم من أنها أقل منها ثخانة

وبوسعنا أيضا أن نخلص إلى استنتاجات مشابهة وطريفة في مجال وف صاالت البيع ترتيب البضاعة في نوافذ العرض في المتاجر أو في رف

الكبرى، مفادها أن االنطباع الذي ينشأ لدى الزبون عندما تعرض كمية من البضاعة مكومة بعضها فوق بعضها اآلخر بشكل شاقولي يكون أفضل من االنطباع الذي تتركه الكمية ذاتها من البضاعة عندما ترتب بعضها بجانب

.بعضها اآلخر بصورة أفقية": األرقام الكبيرة"يكمن خلف االنطباع الذي تتركه ولعل أثرا مشابها

فالتعبير عن سعة معلبة ما بواحدة الغرام تترك في أغلب الحاالت انطباعا أفضل لدى الزبون مما يتركه التعبير عن تلك السعة بواحدة الكيلوغرام أو

فعندما يكتب على معلبة حساء على سبيل المثال أن محتوياتها تزن . األوقية غرام، فإن مجرد رؤية األصفار الثالثة يكفي بحد ذاته لإليحاء في ١٠٠٠

مما لو كتب عليها أن محتوياتها " أكبر"الالوعي بأن المعلبة تحتوي على كمية ! كيلوغراما١تزن

إن ذلك إنما يندرج تحت ظاهرة مخاطبة أي من دوافع اإلنسان التي تتوجه مباشرة إلى األساسية مخاطبة غير مباشرة باستخدام طرق اإليحاء

.الوعي اإلنسان دون أن توقظ اهتمامه الواعيفعندما يقدم أحد مشاهير الرياضة أو السينما أو مقدمي البرامج المسلية منتجا ما في دعاية تروج لذلك المنتج، فإن المشاهد سيتلقى فضال عن

يق الالوعي المواصفات األساسية اإليجابية للمنتج وقبل كل شيء اإليحاء بطربأن هذا الشخص المشهور يستعمل ذلك المنتج أو على األقل ينصح باستعماله

-٢٨٨-

ويلقى هذا النوع . وبأن بوسع المشاهد بناء على ذلك أن يشتريه دون ترددنمط (الثالث لدى مشاهدي نمطي التحفيز األول وتحديدا من الدعايات نجاحا

ن النجاح الذي يلقاه ذلك النوع من أكبر م) المقام الرفيع ونمط عالقات الثقةوبهذا تكون الدعاية المبنية . الدعايات لدى مشاهدي أنماط التحفيز األخرى

!على هذا الشكل قد نجحت بمخاطبة نصف المشاهدين تقريباالمثل " الذي عادة ما يسمى بأثر -وتمكن زيادة أثر فعالية هذا األثر

الذي قد (لعب دور المثل األعلى من خالل إظهار الشخص الذي ي-" األعلىفي الدعاية، ) يكون شخصية مشهورة أو شخصا عاديا يحمل رمزا مشهورا

أكان ذلك بالصورة الثابتة أم المتحركة، وهو يستخدم المنتج الذي تروج له فمجرد رؤية أي شخص ممن يمثلون رموز الشهرة والتفوق يفعل . الدعاية

عي غالبية المشاهدين الرغبة في تقليد ذلك هذا األمر أو ذاك يوقظ في الو !الشخص والتمثل به وامتالك ذلك المنتج

) األمان(ولكي تنجح الدعاية في مخاطبة مشاهدي نمطي التحفيز الثاني يجب عليها أن تصف المنتج بالتفصيل، ويفضل أن تقدم رسما ) الدقة(والرابع

ارجية والداخلية وطريقة توضيحيا ودقيقا قدر اإلمكان لجميع أجزائه الخومع أن هذه الطريقة في الدعاية . استعماله وما إلى ذلك من معلومات مفصلة

قد ال تنجح في مخاطبة مشاهدي النمطين األول والثالث وقد تسبب نفورهم، ولكنها تنجح بالمقابل في مخاطبة نصف المشاهدين تقريبا، السيما عندما يذكر

وخدمة الزبائن وما إلى ذلك من أمور تخاطب في الدعاية موضوع الكفالة .دافع األمان لدى المشاهدين بطريقة بسيطة ومباشرة

لن نتمكن في هذا السياق من مناقشة موضوع أثر األلوان على نجاح الدعاية مناقشة مستفيضة، ولكننا نكتفي بمالحظة أن استخدام األلوان المتعددة

ير من االكتفاء باللونين األبيض واألسود، في اإلعالنات يلفت االنتباه أكثر بكثكما إنه يوحي للعقل الباطن من جهة أخرى بشيء من الرفاهية وسمو المقام

-٢٨٩-

واالكتفاء االقتصادي بخالف اإلعالنات الفقيرة باأللوان التي توحي بالعقالنية .والبرودة الزائدة والتقشف

نحو األثاث فإذا كانت الدعاية تروج لمنتجات ترفيهية نوعا ما، واألدوات المنزلية الكهربائية والمالبس والمستلزمات الشخصية على سبيل

وال شك أن السيارة ما . المثال، فإن استخدام األلوان فيها أمر ال بد منهتزال تحسب في عداد المنتجات الترفيهية، حيث إننا ننظر إليها كرمز يدل

وبصورة عامة فإن . على المقام االجتماعي، ال كوسيلة نقل فحسباالنطباع اإليحائي الذي يتركه إعالن نوع ما من أنواع السيارات في ذهن المشاهد يتعلق إلى حد بعيد بالخلفية التي تبرز فيها السيارة المعروضة في

وإن االنطباع الذي تتركه البيوت السكنية العمالية الفقيرة يختلف . اإلعالنعة يتوسطها بيت ريفي من الطراز عن االنطباع الذي تتركه حديقة واس

.اإلنكليزي الفخموال شك أن ذلك ينطبق أيضا على مجال المالبس واألزياء، فالمرء . يتوجه في اختياره لمالبسه وفق أذواق رموز الشهرة والفخامة والنجاح

وعادة ما تقرن أزياء النساء بمدينة باريس الفرنسية، بينما تقرن أزياء الرجال .السيما بمدينة لندنوا، ببريطاني

وتحاول شركات تصميم األزياء النسائية على وجه الخصوص التركيز على النفحة الفرنسية المتميزة والجاذبية التي تفرض نفسها على

وعالوة . المشاهد كما تركز على الميل إلى اإلغراء وإظهار القد الممشوقلتسطح والدالل وعدم على ذلك توحي األزياء النسائية الناجحة بشيء من ا

المباالة، بينما تحاول إعالنات األزياء الرجالية اإليحاء بمزيج من المحافظة وهي (على التقاليد ومواكبة العصر مع التركيز على الرزانة والرصانة

صورة الرجل البريطاني المعاصر الذي يجمع بين تلك الصفات في ).شخصه ومظهره

-٢٩٠-

اإليحاء في عملية البيع - ٤ سبق أن أشرنا إلى أن ممانعة المشاهد للعرض الذي يقدمه إعالن ما لقد

أي كلما انخفضت نسبة المركبات التي (تنخفض بارتفاع نسبة اإليحاء فيه، ).تخاطب العقل الواعي وتدعي للتفكير والتأمل

وال شك أن توظيف اإليحاءات اإليجابية التي تتوجه إلى العقل الباطن قى أصعب بكثير منه في اإلعالنات، التي تمتلك إمكانات أثناء لقاء البيع تب

هائلة للتأثير من خالل الصورة واأللوان واألشكال والكلمات لكي تدفع . المشاهدين، كل حسب نمط تحفيزه، باتجاه تصرف محسوب بدقة إلى حد ما

وهذا ما يصعب على البائع خالل لقاء البيع تحديدا، حيث إن الطرف اآلخر .يا وتيقظا متميزين أثناء هذا اللقاءيظهر وع

" صادرة عنا"تلك األفكار تحديدا التي تبدو أنها " تقنعنا"وعلى العموم وتعبر عن لسان حالنا أكثر من األفكار التي تصدر عن اآلخرين وتصاغ من

أسرة من أسر األطباء تستخدم ٥٤٨"فمقولة . قبلهم مباشرة لتصل إلى مسامعناعلى سبيل المثال هي جملة إخبارية " نواع المكنسات الكهربائيةهذا النوع من أ

إذا "مباشرة، ولكنها تنطوي على إيحاء غير مباشر يقودنا إلى التفكير بأنه كانت أسر ذلك العديد الكبير من األطباء تستخدم هذا النوع من المكنسات، فال

ما يعني ، م"شك في أنه نوع فعال ويمتاز في قدرته على تنظيف المنازل ".هذا النوع أفضل من غيره من األنواع"بعبارة أخرى

ومع أن البائع لم يقل هذه الجملة األخيرة مباشرة، إال أنه هيأ البيئة المناسبة، من خالل جملته اإلخبارية األولى التي تبدو موضوعية إلى حد ما،

كثر إقناعا لكي تخطر الجملة األخيرة في بال المتلقي من تلقاء نفسها، فتبدو أفلو قالها البائع لعارضها . مما هي الحال، لو كانت قد صدرت عن البائع ذاته

وهكذا . المتلقي في الغالب أو لشكك بأقل تقدير في صحتها وموضوعيتهايجب على البائع الجيد أثناء لقاء البيع أال يذكر األسباب األساسية المقنعة التي

-٢٩١-

، بل عليه أن يحمل الزبون على استنتاجها تدفع الزبون الختيار منتجه مباشرة .بنفسه من خالل اإليحاءات المناسبة

وأما إذا ذكر البائع تلك األسباب صراحة وبصورة مباشرة، فإنه سيضطر لبذل جهد كبير في اإلجابة على اعتراضات الزبون المحتمل وإزالة

تلقي عكسا وبعبارة أخرى تتناسب الممانعة الطبيعية للشراء لدى الم. شكوكه .مع عدد اإليحاءات اإليجابية الموجهة إلى عقله الباطن

بمقدور البائع أن يوجه هذه اإليحاءات إلى المتلقي في صيغة تساؤالت واعتراضات، وبخاصة عندما ال يفصح المتلقي عن موقفه من العرض

وال بد للبائع من اكتشاف نمط تحفيز الزبون الهدف لكي . بصورة مباشرةيعترض "العتراضات االستباقية التي يتوقع أن تصدر عن المتلقي نحو يصيغ ا

وعندئذ قد يلقى البائع تأكيدا لهذا ...". بعض الزبائن هنا ويقولون بأن أو ربما يسمع من ) عن طريق اإليماء بالرأس على سبيل المثال(االعتراض

ئع حينئذ وال يصعب على البا. الطرف اآلخر اعتراضا آخر في االتجاه ذاتهأن يفند ذلك االعتراض بما يتفق بالطبع مع نمط تحفيز الطرف اآلخر، وذلك

) وهذا أمر بالغ األهمية(عن طريق االعتراف أوال بشرعية ذلك االعتراض ومن ثم تقديم األسباب المقنعة التي تجعله ال ينطبق على هذه الحالة الخاصة

أن يكون البائع قد استوضح دوافع وبالطبع يشترط لنجاح هذه الطريقة. تحديداالطرف اآلخر استيضاحا موثوقا، ألنه عندما يفند اعتراضات ال تتفق مع دوافع الطرف اآلخر وال تخاطب عقله الباطن، فإن الطريقة برمتها لن تنجح

.وإنما يكون البائع قد أضاع وقته وجهده سدى

طرح األسئلة أثناء حوار البيع - ٥من الباعة إلى طرح األسئلة المباشرة على زبائنهم يلجأ الكثيرون

المحتملين وذلك بغرض تنشيطهم وحثهم من خالل اإلجابة على األسئلة على إبداء آرائهم الصريحة حتى يتثنى للبائع تقدير الوضع ومعرفة مدى جدوى

-٢٩٢-

بيد أن طريقة طرح األسئلة على الزبائن . متابعته في الطريقة التي يسلكهاالكثير من المخاطر من وجهة النظر السيكولوجية، ألن طابع الهيمنة محفوفة ب

يغلب على هذه الطريقة، مما قد يسبب نفورا في نفس المتلقي تبعا لنمط فمن منا (تحفيزه ويدفعه إلى قطع الحوار إذا ما تكرر طرح األسئلة المباشرة

.!!)يرضى أن يستجوب من قبل أي كان؟ فما بالك من قبل البائعيفضل بالطبع طرح األسئلة غير المباشرة التي تحمل إيحاء إلى العقل الباطن يحثه على اإلجابة عليها بنعم، مما يقيم عالقة إيجابية بين البائع

ولكن الخطر يبقى هنا أيضا قائما بأن يجيب الزبون . والزبون المحتملفإذا . ريقة برمتهاالمحتمل بالنفي أو بأنه ال يعرف، مما يؤدي إلى فشل الط

أال تعتقد أن لهذه المكنسة الكهربائية قوة : "سأل البائع الزبون على سبيل المثال، فإن من المحتمل أن يجيب الزبون باإليجاب، ولكنه ربما يجيب "شفط كبيرة؟

إذا فاحتمال اإلجابة !". ربما"بالنفي أو بأنه ال يعرف أو قد يكتفي بكلمة ، وإذا لم يحدث هذا االحتمال تكون الطريقة %٥٠ة باإليجاب ال يتعدى نسب

بال جدوى، ألن البائع حينئذ يكون قد صبغ الحوار بصبغة مهيمنة ومعارضة .لدوافع الزبون المحتمل

لهذه : "ومن األفضل في هذه الحال أن نطرح السؤال على الشكل التالين قد جربنا وعندما نكو". المكنسة الكهربائية قوة شفط كبيرة، أليس كذلك؟

أال ترى أن : "المكنسة أمام الزبون يمكننا أن نطرح السؤال على الشكل التاليوال شك أن الجواب السلبي !". هذه المكنسة الكهربائية تمتلك قوة شفط كبيرة؟

على هذا النوع من األسئلة صعب جدا، ألنه يشكل معارضة صريحة ال يقدم .مواقفعليها المرء إال نادرا في مثل هذه ال

وربما يمتنع الزبون عن اإلجابة على هذا السؤال، ولكن ذلك ال يشكل بالضرورة عبئا على مسار الحوار، ألننا ال نحتاج في هذه الحال إلى جواب على السؤال لكي نتابع الحوار؛ فيكفي على سبيل المثال أن يومئ

-٢٩٣-

دف فاله! الزبون المحتمل برأسه أو أن يمتنع عن المعارضة الصريحةاألساسي من هذا النوع من األسئلة هو الحصول على تجاوب إيجابي ولو

.بطريقة غير مباشرة

الوصف العام والوصف الدقيق للمنتجات والخدمات في عملية البيع - ٦ولعله من الممتع في هذا السياق أن نتساءل عن الطريقة المثلى في

أ إلى الوصف الدقيق؟ أنكتفي بالوصف العام أم نلج. وصف المنتج أو الخدمةفإذا اعتمدنا وصفا عاما للمنتج أو للخدمة، فإننا نحث المتلقي ونجبره على

وهذا أمر إيجابي . استخدام مخيلته لوضع تصور كامل عن المنتج أو الخدمة. من جهة، ألن الزبون في هذه الحال يتخذ موقفا فعاال مشاركا في عملية البيع

من جهة أخرى أن يفوق تصور الزبون عن المنتج أو ولكن الخطر يبقى قائماوعندئذ تكون . الخدمة في الجودة والكمال ما هو أو هي عليه في واقع الحال

.النتيجة عدم رضا الزبون، إن كنا قد توصلنا معه إلى صفقة أصاليشبه هذا األمر كثيرا ما يحدث في كثير من األحيان عندما نحكي

ين شخصيات القصة وصفا يترك لخيال الطفل لطفل قصة خرافية واصفومن البديهي أن يكمل . حيزا من الحرية لكي يشارك في رسم الشخصيات

الطفل رسم الشخصيات بمساعدة صفات أشخاص يعرفهم أو يتصورهم في وليست نادرة الحاالت التي يكتشف فيها الطفل أن شخصيات . مخيلته

التي يجدها الحقا في فيلم سينمائي القصة في مخيلته تختلف كثيرا عن تلكوغالبا ما تكون النتيجة إحباطا . أو في مسرحية عرائسية تحكي تلك القصة

!كبيرا للطفلولما كان هدف البائع في الحالة العامة إقامة عالقات طيبة طويلة األمد مع الزبائن والحفاظ على رضاهم عن منتجاته واهتمامهم بها، وجب عليه أن

دى حاالت اإلحباط التي قد يسببها الوصف العام للمنتجات والخدمات يتفاوالذي يفتقر للدقة وأن يلجأ عوضا عن ذلك وقدر المستطاع إلى الوصف

-٢٩٤-

المفصل والدقيق الذي يعبر عن حقيقة المنتجات والخدمات ويساعد الزبائن .على تكوين صورة عنها أقرب ما تكون إلى الحقيقة والواقع

ون المنتج قطع الحلوى المحشية على سبيل المثال، علينا أال فعندما يكنكتفي أثناء الترويج لها باإلشارة إلى طعمها الرائع ومكوناتها العالية الجودة، والحرفة والصنعة التي حضرت بها، ألن ذلك قد يجعل المستمع في بعض

ير منذ األفضل أن نش! الحاالت يتوقع ويأمل ما ال يستطيع المنتج أن يحققهالبداية إلى أن البرتقال المستخدم في صنع الحشوة على سبيل المثال طازج وغير معالج باألدوية الكيميائية، وأن خلطة الفانيليا محضرة من الزبدة البلدية والقشدة الطازجة والسكر المقمر العالي الجودة، وأن تحضيرها يجري في

ركة وما إلى ذلك من مطابخ متخصصة بإدارة شخصية من قبل صاحب الشوصف دقيق يساعد المستمع على تكوين صورة قريبة من الواقع قدر

ويجب في هذا السياق تجنب صيغ المبالغة أيضا ألنها ال تسبب . المستطاعردود فعل محددة، بل توقظ توقعات عامة يصعب عادة تحقيقها على أرض

بالغة ال تصلح كوسيلة ولذلك فإن صيغ الم. الواقع من خالل المنتج أو الخدمة .فعالة لإليحاء الناجح

ومن وسائل اإليحاء الفعالة تحديد سعر السلعة باستخدام أرقام غير على سبيل المثال يبدو أقل بكثير من السعر " يورو١,٩٥"فالسعر . تامة

فضال عن أن استخدام ! ، مع أن الفرق بين السعرين ضئيل جدا" يورو٢,٠٠" في التسعيرة يوحي أيضا بالدقة في حساب كلفة وربح األرقام غير التامة

.السلعة وبالجدية في محاولة تقديم أفضل جودة بأخفض سعر ممكنوعالوة على ذلك فإن السم السلعة ولما يصور على غالفها أثرا إيحائيا

فعندما نربط نوعا معينا من أنواع عطور الحالقة . مهما أيضا في مخيلة الزبون، )وكل ذلك باأللوان(ر بمناظر طبيعية عذراء وبشالالت الماء العذب وبتكرا

وعندما يدل اسم هذه السلعة أيضا على منطقة في العالم معروفة بطبيعتها التي لم يصل إليها الفعل المخرب لإلنسان بعد، فإن ذلك سيسهل على الزبون ربط

-٢٩٥-

ة والنشاط والحيوية، هذه السلعة بالطبيعة الخالبة ونقائها وباإلحساس بالراحبينما يصعب على الزبون ذلك إذا كان عطر الحالقة يعرض ببساطة تحت اسم

ومن جهة أخرى فقد يكفي في كثير من األحيان اختيار اسم "! عطر حالقة" !فرنسي أو إنكليزي للسلعة حتى يرتفع مقامها في مخيلة الزبائن

تنشيط الزبون - ٧ون أي حثه على تجريب واختبار السلعة إن لعملية تنشيط أو تفعيل الزب

بنفسه، متى كان ذلك ممكنا، أثرا مهما جدا في إنجاح مهمة إقناعه بالسلعة، ألن ذلك يوحي بشكل ما إلى ملكية الزبون للسلعة المعروضة ويدفعه إلى

فصحيح أنه من المجدي أن يقوم البائع بعرض سلعته . تملكها فعال بشرائهاكأن يقوم بتجريب المكنسة الكهربائية وإظهار قدرتها (لمحتملين أمام الزبائن ا

، ولكن األجدى بالطبع هو دعوة الزبائن )على شفط الغبار على سبيل المثالأنفسهم ألن يمسكوا بالمكنسة ويجربوها، ألنهم بذلك يجربون أيضا الشعور

خاذ قرار بامتالكها ولو للحظات قليلة، وهذا ما يدفعهم دفعا قويا نحو اتوينطبق األمر بالطبع على الركوب التجريبي للسيارة في معارض . الشراء

فلحظات التجريب . السيارات وكذلك على تجريب العطور في صاالت بيعهاوعندما يغتنم البائع . تشعر المجرب بنشوة الملكية ولو للحظات وتدفعه للشراء

جربه على سبيل المثال مناسبة التجريب ليؤكد للزبون على أن العطر الذي ييالئم الشخصية المميزة للزبون أكثر من غيره من العطور، فإنه يعزز بذلك

.الفعل اإليحائي لعملية التجريب ويساعد على إقناع الزبون بالشراء

إطالق العبارات التي تناسب دوافع الزبون الخاصة - ٨مكان صياغة وعلى البائع أثناء لقائه بالزبون المحتمل أن يحاول قدر اإل

عباراته بما يتفق مع مشاعر الزبون وأفكاره ودوافعه الخاصة وأن يتكلم واألفضل بالطبع أن يدفع الزبون نفسه إلى قول تلك العبارات، ". بلسان حاله"

إذ إنها كما ذكرنا سابقا تبدو أكثر إقناعا عندما يتلفظ بها الزبون منها عندما

-٢٩٦-

يعارض الزبون مبدئيا كل ما يقوله البائع في فمن الطبيعي أن . يقولها البائع .مديح سلعته أو خدمته وأن يشكك بصحته

وبوسعنا هنا أن نشير مرة أخرى إلى أن ما يخاطب دوافعنا األساسية ولما كانت الدوافع األساسية . ويتفق معها هو الذي يبدو وكأنه صادر عنا

احدة منها فقط باحتالل ولو تفردت و-الخمس متوفرة عموما لدى جميع الناس فإن بوسعنا دائما االنطالق من أن العبارات المحددة -" هرم الدوافع"رأس

والنوعية التي تتضمن قيما وأرقاما دقيقة توحي دائما بالدقة والثقة وتكون أكثر قدرة على اإلقناع، بينما توحي العبارات العامة وغير المحددة والمبالغ فيها

وهكذا فإنه من األجدى أن نقول على . الدقة وبنقص الصدقيةبالغوغاء وبعدممن أن نقول " طبيبا يفضلون نوع السيارات س ع١٥٦٤٩"سبيل المثال بأن

فالعبارة الثانية توحي تلقائيا بعدم "! طبيب يفضلون ذلك النوع٢٠٠٠٠"بأن ولى والتي الدقة ولو كانت تتضمن رقما أكبر من الرقم الذي تتضمنه العبارة األ .توحي بالدقة والثقة اللتين يمكن إثباتهما عندما تقضي الحاجة إلى ذلك

وفضال عن ذلك على البائع أن يتفادى كل التعابير التي تقترب من صيغة األمر أو التي فيها نفحة من الهيمنة، وعليه أن يتخلص من جميع

حري بك أن "أو ..." يجب عليك أن "الصيغ التي تتضمن على سبيل المثال توقظ لدى المتلقي " المهيمنة"، ألن تلك الصيغ ..."على كل إنسان أن "أو ..."

وبوسع البائع أن يقول . نوعا من االعتراض التلقائي والموقف السلبي المباشرال تسبب نفور المتلقي، أي بشكل " اندماجية"المضمون ذاته ولكن بعبارات

.يحاول إرضاء دافعه األساسيإنه من الخطأ أن يضيع البائع وقته في مديح السلعة وتعداد ولذا ف

مواصفاتها وميزاتها، واألفضل بالطبع أن يعرض سلعته أو يجربها أمام ولعل صحة هذه الفكرة تتضح . الزبون وأن يدعه يجربها أو يختبرها بنفسه

فعندما نريد سرد قصة شيقة، ال نبدؤها بشرح : وتتجلى أكثر في المثال التاليمطول عن غرابة وتميز القصة التي سنحكيها وال نشرع بالحديث عن ندرة

-٢٩٧-

الحادثة التي تدور حولها وعن أن طريقة السرد ستثير الكثير من الضحك فال شك أن تلك المقدمة ستسبب ردود فعل سلبية لدى المستمعين ! والتسلية

ل تلك وتدفعهم إلى اتخاذ موقف ممانع لتأثير القصة عليهم، ألنهم من خالومن المحير فعال أن الكثيرين من البائعين . المقدمة قد أنذروا وأوقظ وعيهم

يكررون الوقوع في هذا الخطأ ويكثرون من الكالم عديم الفائدة مع أن تفادي .الوقوع في الخطأ سهل جدا في هذه الحال

كيف يستقطب المرء ود وإعجاب اآلخرين؟-الوجه اآلخر للدعاية - ٩د أهم إجراءات الدعاية والذي يؤثر نجاحه تأثيرا كبيرا على رضا إن أح

وسعادة كل إنسان تقريبا في أيامنا هذه هو إجراء الترويج للذات بهدف الفوز فالعيش مع اآلخرين حاجة أساسية لإلنسان . بتقبل وإعجاب وود اآلخرين

يكون موقف االجتماعي بالفطرة، وال شك أن إشباع تلك الحاجة يسهل عندما ال بل - ويحترمونهاآلخرين عدائيا، بل وديا قدر المستطاع، أي عندما يتقبلونه

!عندما يعجبون بهولقد رأينا سابقا كم يعتمد نجاح البائع في عمله على إعجاب زبائنه

في الواقع اإلقناع أو محاولة " البيع"وبالمعنى األوسع تعني كلمة . بشخصهالقوانين التي تحكم نجاح عملية بيع سلعة أو خدمة ما هي التأثير على اآلخر، ف

أي التعليم أو اإلقناع أو " بيع األفكار"ذاتها التي تطبق للحكم على نجاح عملية !حتى الترويج للذات

وما دام اإلنسان يتعامل مع اآلخرين، فإنه بائع في معظم معامالته من جهة وإلى يروج لشخصه ويسعى إلى ضمان تقبل وود اآلخرين له

وكلما حاول اإلنسان ذلك بطريقة . تحقيق رغباته ومصالحه من جهة أخرىمباشرة كلما لمس ممانعة ورفضا من قبل اآلخرين الذين سيعتبرون محاوالته تلك تدخال في قرارهم الخاص وانتقاصا من حرية اختيارهم

يم التي وعلى العكس من ذلك فإن من يطبق مبادئ الترويج السل. الشخصية

-٢٩٨-

تعتمد على الترويج والتسويق غير المباشرين وتراعي مشاعر اآلخرين وتتفق مع دوافعهم، إن من يتقن تلك المبادئ يضمن النجاح في كسب تقبل وود اآلخرين، بل إنه قد يحقق مكانة متميزة في مجتمعه تجعل اآلخرين

!يرغبون بدورهم في التقرب منه وكسب مودتهة استمالة الناس وكسب مودتهم كما هي الحال في المهم هنا في عملي

أي " إيجابيات العرض"عملية البيع والترويج للسلع والمنتجات هو إظهار إظهار الصفات والميزات الشخصية اإليجابية بطريقة لطيفة تراعي مشاعر

وبالطبع فإن حكم المتلقي على الصفات الشخصية . اآلخرين وال تنفرهمفما يجده . باطا وثيقا بما ينتظره المتلقي وما يتطلع إليهللمتكلم يرتبط ارت

وربما يجده على -شخص ما إيجابيا قد ال يحرك ساكنا في نفس شخص آخر وعالوة على ذلك يجب إظهار تلك الصفات اإليجابية ! العكس من ذلك سلبيا

العقل لشخصية المتكلم إظهارا غير مباشر وباستخدام تقنيات اإليحاء ومخاطبة الباطن أكثر من مخاطبة العقل الواعي حتى ال ينشأ االنطباع بأن المتكلم يريد

ويفرض نفسه على اآلخرين فرضا، ألن ذلك سيولد تلقائيا ممانعة " يهيمن"أن .ومشاعر رافضة لدى الشخص المتلقي

ونعني باإلظهار غير المباشر على سبيل المثال أن ننقل، متى سنحت رأيا إيجابيا لشخص ثالث يرفع من أسهمنا لدى المتلقي، أو أن الفرصة لذلك،

نظهر فعال من خالل تنظيم وقتنا ومقابالتنا وعالقاتنا أننا ننتمي إلى النخبة المتميزة، كما إن التعبير عن الرأي في مجاالت الفن واألدب والثقافة

ا إيجابيا والسياسة واالقتصاد بصيغة واضحة ومحكمة ال بد أن يترك انطباع .بأننا ننتمي إلى نخبة المجتمع

ولكن هذه الخطوة أو هذا الجزء من الطريق لن يقودنا إلى بلوغ ! فماذا ينفعنا مقامنا الرفيع إذا كان الطرف اآلخر يحسدنا عليه؟. الهدف

ال بد إذا بعد أن نظهر إيجابياتنا ونحقق اعتراف الطرف اآلخر بمقامنا أن طوات التي تظهر إيجابيات وإنجازات الطرف اآلخر نقوم بسلسلة من الخ

-٢٩٩-

وبقدر ما ننجح في رفع مستوى رضا . وترفع من مقامه ومن قيمته الذاتيةالطرف اآلخر عن نفسه واعتداده بها، بقدر ما تتعزز في الوعي الطرف

وحينئذ نكون قد . اآلخر الرابطة التي تربطنا بشعوره بالرضا وبالسعادةب تقبله ووده وضمنا موقفه اإليجابي المبدئي مما نقوله نجحنا فعال في كس

.ونفعلهبالنسبة لشخص ما تتناسب طردا مع مقدار " قيمتنا"وبعبارة أخرى فإن

.إسهامنا في رفع مقامه أمام ذاته وثقته بهاوالحب في نهاية المطاف ما هو إال شكل من أشكال المودة الشديدة تجاه

بوب عندنا تتحدد بمدى شعورنا بأن قيمتنا وقيمة الشخص المح. شخص آخروالحب في أعلى . الذاتية ترتفع من خالل وجوده معنا أو من خالل تعامله لنا

درجاته يجعلنا نظن أن حياتنا ليس لها أي معنى في غياب الحبيب وأننا ال وهكذا فإننا نضمن محبة الشخص اآلخر عندما . نستطيع أن نحيا من دونه

وعلى . ضاه عن نفسه من خالل طريقتنا في معاملتهنرفع من مستوى رالعكس من ذلك فإن الشخص اآلخر سيرفضنا ويحاول االبتعاد عنا، إذا كنا

وهذا ما . نحن من يكشف له أخطاءه ومن يحبط تطلعاته وآماله الشخصيةعموما والمنفتح على اآلخرين هو " االنبساطي"يفسر حقيقة أن الشخص

بأموره الخاصة " االنطوائي"وذلك ألن اهتمام الشخص . المفضل لدى الجميعوانعكافه على نفسه يفقده القدرة على التقرب من اآلخر، بينما يقوم الشخص االنبساطي بطبيعته المنفتحة وبصورة شبه تلقائية بالتقرب من اآلخر ومحاولة

هتم والالفت فعال أن الشخص االنطوائي الذي ال ي. إرضائه وتعزيز ثقته بنفسهوهذا ما يؤدي في نهاية . باآلخرين يتوقع منهم أن يهتموا به ويتقربوا منه

ومن . المطاف إلى عدم رضا اآلخرين وانعزال الشخص االنطوائي على ذاتهالطبيعي أن تفشل عالقة الصداقة بين طرفين يحاول أحدهما دائما أن يأخذ

أن تلك العالقة وال شك! بينما يتوجب على الطرف اآلخر أن يعطي دائماستستمر وتزدهر عندما يتساوى تقريبا مقدارا أخذ وعطاء كل طرف وعندما

-٣٠٠-

يحاول كل طرف جاهدا أن يعزز إحساس الطرف اآلخر بقيمته الذاتية الذي .سيقدر بدوره عاليا ذلك الجهد

ولما كانت قيمة اإلطراء عموما تتحدد في نهاية المطاف بقيمة الشخص ن الخطوة التي يجب أن تسبق خطوة اإلطراء هي رفع القيمة الذي يقدمه، فإ لكي تضمن - وذلك بطريقة غير مباشرة كما ذكرنا سابقا -الذاتية للمتكلم

. الخطوة الثانية أن يعزز ذلك اإلطراء فعال من تقدير الشخص المتلقي لذاتهفاإلطراء الذي يصلنا من شخص عادي أقل قيمة من اإلطراء الذي نحصل

.ليه من شخص نحترمه ونقدره ونعتبر مكانته متميزةعوال بد أن نشير إلى أن هاتين الخطوتين نحو كسب ود الطرف اآلخر تتساويان في األهمية من وجهة النظر السيكولوجية، بالرغم من أن غالبية

ويهملون الخطوة ) أي رفع مقامهم الشخصي(الناس يكتفون بالخطوة األولى علينا إذا أن نرفع مقام الطرف اآلخر ). مقام الطرف اآلخرأي رفع (الثانية

في الخطوة الثانية إلى نفس المستوى الذي نرفع إليه مقامنا الشخصي في .الخطوة األولى لكي تكون النتيجة أفضل ما يمكن

شخص ما يبدي إعجابه : ولكي نوضح هذه الفكرة نورد المثال التاليكتفاء بالخطوة األولى نحو كسب وده، فإننا فإذا أردنا اال. ببزتنا الجديدة

سنخبره على سبيل المثال بأننا اشتريناها من مدينة لندن مقابل الكثير من وال شك أن هذا الجواب . المال وبأنها لذلك ال بد أن تكون من النوع الممتاز

سيرفع من مقامنا في عين الطرف اآلخر ولكنه لن يكفي وال بحال من ولذلك علينا أن نكمل الطريق ونخطو الخطوة الثانية . هاألحوال لكسب ود

بعد األولى مباشرة ونشير إلى أننا نقدر هذا اإلعجاب عاليا ألنه صادر عن شخص خبير في هذا المجال ومعروف بذوقه الرفيع ومتميز على الدوام

وبهذا نكون قد أنصفناه في ردنا الذي . باالهتمام بأناقة هندامه وبجودتهوبمقدورنا والحال هذه، أي عندما . فيه أن نقابل إطراءه بإطراء مثلهحاولنا

-٣٠١-

ال نهمل أية من الخطوتين، أن ننطلق من أن حديثنا مع الطرف اآلخر قد عزز شعوره بمقامه الرفيع أشعره بالسعاة وفي الوقت ذاته قد عزز من

.مكانتنا في نظره وأكسبنا ودهلتسويقنا "اما متميزا إذا ما أردنا وعلينا أن نولي األمور التالي اهتم

:أن يكون ناجحا" الذاتيعلى مظهرنا الخارجي أن يوافق المناسبة التي نظهر فيها وأن يرضي

وال يقتصر ذلك على الهندام، بل . توقعات الطرف اآلخر قدر المستطاعيتعداه ليشمل الوقفة والحركات الجسدية وتسريحة الشعر ورائحة الجسد

ولعل الكثيرون من الناس ينظرون إلى نظافة . ألسنان واألظافرونظافة اأسنان الشخص اآلخر باهتمام خاص ويعتبرون نظافة األسنان مؤشرا على

وال شك أنا نترك من خالل إهمال ! الصحة ومقياسا لإلخالص والصدقمنظر أسناننا انطباعا سلبيا لدى الطرف اآلخر دون أن نكون قد أقدمنا في

ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن األسنان ! األمر على أية إساءة بحقهواقع - المهملة توحي بأن صاحبها مهمل في جميع أمور حياته الخاصة والعامة

إن بياض األسنان المعتنى . دون أن يكون هذا الربط بالطبع مبررا أو واقعياباالستقامة بها وكذلك نظافة األظافر وتقليمها، كل ذلك يوحي عموما

في التعامل مع اآلخرين بالرغم من انعدام الربط " النظافة"والصدق و !المنطقي الحتمي بين كل هذه األمور

ومع إدراكنا لحقيقة أن تقديم اإلطراء إلى الطرف اآلخر أفضل دائما من توجيه االنتقاد والذم، إال أننا يجب أن نتجنب اإلطراء السطحي أو

فعلى . قدير يخفق هدفه، وقد يؤدي إلى عكس غايتهالمصطنع ألنه بأقل تاإلطراء المباشر على سبيل المثال أن يكون عفويا وغير مفتعل لكي يكون

بينما يمكن لإلطراء غير المباشر أن يكون مدروسا ومخططا له . مقنعافاالستعداد لالنتصاح . وأن يستخدم وسائل اإليحاء التي تحدثنا عنها سابقا

خرين هو شكل من أشكال اإلطراء غير المباشر إذ إننا نظهر من بآراء اآل

-٣٠٢-

كما إن . خالل ذلك اعترافنا بتفوق الطرف اآلخر في مجال معرفي ماالطلب إلى الطرف اآلخر أن يؤكد موقفنا من أمر أو قضية ما هو أيضا

وهنا تكمن البراعة في كيفية طرح . شكل من أشكال اإلطراء غير المباشرولعل الطريقة المثلى هي صياغة االستفسار . ر أو طلب التأكيداالستفسا

بالشكل الذي يسمح للطرف اآلخر باإلجابة عليه باإليجاب بكل ارتياح وال يقتصر األمر على االنتصاح الفعلي بآراء وخبرات الطرف . وثقة

اآلخر، بل إن أي تواصل إيجابي مع الطرف اآلخر من شأنه أن يعزز ثقته ومن الالفت أننا ال نستطيع بسهولة أن نرفض شخصا ما . برتهبتفوقه وبخ

أو نتخذ منه موقفا عدائيا عندما يقدم لنا إطراء يعزز شعورنا بالرضا !ويرفع من مقامنا

وليس من الضروري أن تتوجه مالحظاتنا اإليجابية إلى شخص الطرف البيئة التي يعيش اآلخر، بل قد يكفي أحيانا أن نوجهها إلى ما يملكه أو إلى

فاإلطراء الموجه إلى األطفال أو إلى البيت أو الحديقة . فيها على سبيل المثالأو إلى الحيوانات األليفة التي تعيش في بيت الطرف اآلخر لها نفس فعل

ويعود السبب في ذلك إلى أن اإلنسان . اإلطراء الموجه إلى الشخص ذاته. القريب جزء ال يتجزأ من شخصهيشعر أن األشخاص واألشياء في محيطه

وعندما نبدي مالحظة ناقدة تشير إلى حديقة أحد البيوت المهملة على سبيل المثال، فإن مالحظتنا هذه قد تقيم من قبل صاحب البيت على أنها إهانة

وعلى العكس من ذلك سيشعر صاحب البيت بالسرور عندما . شخصية لهنصفها بتعابير إيجابية وننتقد الحدائق نالحظ أن حديقة بيته طبيعية وعندما

!التي يبالغ أصحابها بالعناية بها وبتشذيبها ونعتبر ذلك هوساوعلى العموم فإن اإلطراء يبدو صادقا عندما يعبر ببساطة عما نشعر

ولعل األمر شبيه جدا بما ذكرناه سابقا في سياق حديثنا عن أثر . به فعالدو مقنعا عندما يكون مقتنعا فعال بما يقول، فإن فكما أن الخطيب يب: الخطاب

على اإلطراء أن يكون تعبيرا صادقا عن المشاعر ال أن يكون مختلقا

-٣٠٣-

وعلينا أال ننسى أن المتلقي يملك حسا مرهفا وقدرة كبيرة على . ومصطنعا !تحديد مدى صدق المتكلم فيما يقوله

وخططه حتى يكسب ثقتهال بد للبائع أن يشرح للزبون أهدافه -١٠ال تكتمل معالجتنا ألهم حيثيات الترويج والبيع وكسب مودة اآلخرين ما لم نقدم بعض المالحظات عن رؤية الزبون أو الطرف اآلخر لهذه اإلجراءات

وفي الواقع فإن كل من يبيع أو يروج ألمر ما في حاالت . من منظاره هو! يع اآلخرين في حاالت أخرىمعينة هو شار أو هدف إلجراءات ترويج وب

فليس من أحد قادر على العيش بمعزل عن التعامل مع من حوله أي دون أن ، ولو اقتصر األمر على االنطباعات التي يحصل عليها عن "يبيع"و" يشتري"

.اآلخرين ويحاول تركها لديهم عن ذاته مفعوال"ومرة " فاعال"وهكذا فإن من واجب اإلنسان الذي يكون مرة

، أن يطبق ما شرحناه من خبرة وعلم، وأال يقتصر دوره في الحياة "بهإلجراءات وخطط اآلخرين التي تهدف لتحقيق " ضحية"على كونه مجرد

ومن ناحية أخرى علينا أال ننظر دائما إلى . مصالحهم ووجهات نظرهم" صراع"أو عالقة " استغالل"عالقة البائع بالشاري على أنها عالقة

، بل يجب أن نراها من منظار الشراكة والمصلحة المتبادلة التي "خديعة"وتتطلب من الطرفين إبداء االستعداد للتفاوض الهادئ والصادق والمرتكز على مبادئ العدل، إذا ما أريد لهذه العالقة أو الشراكة أن تستمر وأال

ود وتس. تنكسر تحت وطأة السيطرة أحادية الجانب والمعاملة غير العادلة - وهو البائع عادة - السيطرة أحادية الجانب حيث يوظف أحد الطرفين

الحقائق والخبرات السيكولوجية سالحا في مفاوضاته بينما يقف الطرف اآلخر أعزال ومجردا من أي سالح يتصدى به لهجوم الطرف األقوى ليقع

ومن أحد أهداف هذا الكتاب األساسية إيصال الطرفين إلى . ضحية لهالمستوى ذاته من العلم والمعرفة السيكولوجية، لكي تكون المنافسة منصفة

-٣٠٤-

ولكي تتركز على المضمون ال على الشكل والطريقة ولكي تكون الغلبة للطرف الذي يأتي بالحجج األقوى، ال للطرف الذي يحسن استغالل الحقائق

.والخبرات السيكولوجية لمصلحته الشخصيةإذا أن يدرك ) الثاني في العالقة بشكل عامأو الطرف (فعلى الزبون

ولعل الدافع األساسي للبائع في ). أو الطرف األول عموما(أوال دافع البائع ولذلك فهو يريد ! إنه وببساطة يريد أن يبيعنا أمرا ما: جميع الحاالت هو ذاته

هذا (ة أوال أن يوقظ فينا حفزا للشراء ويحاول أن يربطه بأحد دوافعنا األساسيولذا علينا أن نبقى متيقظين عندما نالحظ في !). ما حاولنا أن نعلمه إياه سابقا

داخلنا رغبة مفاجئة في امتالك أو فعل أمر ما لم نكن نمتلكها من قبل وربما نشأت نتيجة لحديث أو إعالن ذكي أثر في عقلنا الباطن دون أن يوقظ عقلنا

وفي هذه الحال ال بد أن نتحقق من ! نراقبهاعلينا إذا أن نفهم ذاتنا و. الواعيحقيقة امتالكنا لهذه الرغبة ومن ديمومتها واستمرارها، فكثيرا ما تكون رغبة

!قوية ولكنها آنية وعابرةواألفضل أن يلجأ المرء إلى إجراء أمان إضافي يعتاد على االلتزام به،

ولو ليوم واحد وهو أال يتسرع في قرار قبول أي عرض كان دون أن ينتظر فغالبا ما نكون غير قادرين على الحكم على رغبتنا اآلنية إن . على األقل

كانت فعال رغبة حقيقية أم مزيفة إال بعد فترة من نشوئها ومن خالل وإذا لم نلتزم بإجراء األمان هذا، فإننا قد نقع في كثير من الحاالت . ديمومتها

توخي الحذر الشديد واليقظة الفائقة عندما وال بد من ! ضحية ألهوائنا المتقلبة" العرض محدود"يحاول شخص ما حثنا على اتخاذ قرار فوري ومباشر ألن

ففي هذه الحاالت تحديدا علينا أن "! العرض ساري المفعول اليوم فقط"أو ألن سيكولوجية معروفة من حيل " حيلة"نتوخى الحذر، فربما يكون األمر ببساطة

يريد أن يترك لنا المجال للتفكير قبل اتخاذ القرار، ألنه يخشى البائع الذي الولما كانت هذه . أن نفهم حقيقة األمر أو أن ننظر إليه بعين النقد الموضوعي

الطريقة في اإلصرار على اتخاذ القرار فورا مجحفة بحق الشاري من الناحية

-٣٠٥-

ن العرض الجيد السيكولوجية، علينا أن نتصدى لها وأن ننطلق دائما من أ "!ساري المفعول ليوم واحد فقط"نادرا ما يكون

وعالوة على ذلك فإنه لمن المفيد عموما أن نكون لنفسنا فكرة صحيحة ومنصفة وموضوعية عن ذاتنا وعما يجول بها من رغبات ودوافع وتطلعات وذلك من خالل مراقبة دقيقة ومستمرة لحياتنا النفسية بشقيها

فلقد رأينا سابقا أن نجاح البائع يتوقف على قدرته على . اعيالواعي والالومخاطبة الوعينا، وال شك أننا سنقع ضحية محاوالت الباعة في التأثير علينا

وهنا . ما لم نعرف ولو بالخطوط العريضة سمات حياتنا النفسية الالواعية نحتاج ال": لفهمنا"بوسعنا االعتماد على نفس الطرق التي يسلكها البائع

ولو في وقت الحق لوقت وقوع األحداث - سوى لالعتياد على مراقبة ذاتنا في جميع الحاالت التي نتصرف فيها انطالقا من عقلنا الباطن، وتلك هي -

الحاالت التي نفعل أو نقول فيها أمرا ما بصورة عفوية مرتجلة دون تفكير اذا تصرفت بتلك لم: "فالمطلوب حينئذ أن يتساءل كل منا. أو تمحيص

وهناك ". ما هو الدافع الحقيقي الذي جعلني أتصرف هكذا؟"و" الطريقة؟فضال عن ذلك إمكانية أخرى مهمة جدا لتعميق فهم الذات، وهي تحليل

، هي الطريق "فرويد"فاألحالم، كما يقول . األحالم وبخاصة تلك التي تتكررإنها تكشف لنا . ن أو الالوعيالمباشرة الواسعة التي توصلنا إلى العقل الباط

شهواتنا ورغباتنا الدفينة في أعماق الوعينا ألن تلك الشهوات والرغبات . في األحالم حيث ينام العقل الواعي الحارس- ولو بشكل رمزي -تتجلى

وال تقتصر األحالم بالضرورة على الشهوات الجنسية المكبوتة التي تجد ل قد ترتبط األحالم بدافع المقام والسلطة طريقها إلى اإلشباع في المنام، ب

أيضا على سبيل المثال، حيث يحقق الحالم في حلمه ولو رمزيا رغبته الدفينة في السيطرة وتبوئ المقام الرفيع بين معارفه، وفي الحلم نرى أنفسنا

على من حولنا من الناس الذين نرزح تحت سيطرتهم في " منتصرين"فجأة أنفسنا أقوى وأجمل من اآلخرين الذين يفوقوننا قوة حياة اليقظة، نرى

-٣٠٦-

ومن أحالمنا هذه نستنتج أننا نمتلك في أعماق . وجماال في الحياة العاديةالوعينا دافعا قويا جدا نحو التفوق والسلطة قد ال نتقبله في حياتنا الواعية أو

رف على وفي هذه الحال، أي عندما نتع. قد ال نستطيع إشباعه بأقل تقديرهذه النزعة في ذاتنا، علينا توخي الحذر الشديد عندما يعدنا شخص ما من خالل خدمته أو صداقته بدعمنا لتقوية نفوذنا وسلطتنا على اآلخرين، ألن ذلك الشخص ربما يكون قد اكتشف بطرقه الخاصة أن سلوكنا موجه وفق

ولذلك فإنه ) دافع التفوق والتسلط والمقام الرفيع(هذا الدافع األساسي سيعرض علينا سلعته مربوطة بهذا الدافع تحديدا، وذلك من خالل توظيف

!الخبرات والحقائق السيكولوجية توظيفا فعاالال نريد أن ننكر في هذه الحال أننا نسعى فعال إلى المزيد من التفوق

السلعة هل ستساعدنا : والسلطة والمقام الرفيع، ولكن السؤال األهم هنا إنما هوالمعروضة علينا من قبل ذلك الشخص على تحقيق مسعانا هذا؟ أم أنه يحاول

؟ فعلى "الضحك علينا"فقط استغاللنا من خالل حيله السيكولوجية ومن خالل سبيل المثال ليست كل سيارة تقدم لنا على أنها متميزة وفريدة في جودتها هي

في حال تسرعنا في -طأ قرارنا وربما نكتشف قريبا خ! فعال متميزة وفريدة إذ قد تكون كلفتها باهظة ال تتناسب مع ميزاتها أو قد تكون مجرد -شرائها

!سيارة عادية ال تمتاز عن سواها بشيء وال تشبع دافعناوبالطبع ما ينطبق على الدافع األساسي األول ينطبق على بقية الدوافع

ها من خالل المراقبة المنهجية الرئيسية األربع التي نستطيع أن نتعرف عليلتصرفاتنا في الحاالت التي تتجلى فيها رغباتنا ودوافعنا الدفينة وتظهر إلى

وبقدر ما نعي تلك الدوافع الحقيقية بقدر ما . السطح دون حارس أو رقيبنكون محصنين ضد محاوالت الباعة إلقناعنا بعروض ال تلبي رغباتنا

ي لنا بذلك من خالل استخدام الحيل السيكولوجية وتطلعاتنا حقيقة بيد أنها توحوحينئذ سنتمكن من اتخاذ قرارنا الصحيح بناء على . التي بتنا نعرفها اآلن

.أسس ومعطيات موضوعية في المقام األول

-٣٠٧-

ولكننا من جهة أخرى يجب أال ننسى أن الحياة التي تهدف إلى تحقيق اعية والمدروسة وأنها ال الذات ال تقتصر على القرارات الموضوعية والو

تقتصر في مكوناتها على عناصر نفسية واعية وعقالنية، بل إن العناصر التي يحكمها العقل الباطن الالواعي والعفوية واالرتجال على قدر كبير من األهمية ! أيضا، وربما تكون تلك العناصر دون سواها هي التي تتحكم بسعادة اإلنسان

يقتصر سلوكه على ما هو نتاج التفكير المنطقي وال شك أن الشخص الذي الواعي غير قادر على التصرف العفوي التلقائي ولذلك فهو لن يجد نفسه مرة

فهذه الحالة تحديدا تحتوي دائما على ". السعادة الحقيقية"في الحالة التي نسميها فاإلنسان ال يستطيع أن يعيش حالة الحب على سبيل . جزء عفوي عاطفي

ثال بناء على تفكير عميق وتخطيط مسبق، إنما تنشأ تلك الحالة عندما الموإذا ما . نتعامل مع شخص آخر بحد أدنى من العفوية ومن حكم العواطف

بدأنا بالتفكير والتمحيص في كل خطوة وفي كل فعل ورد فعل وحللنا كل التي األمور إلى مركباتها، فإننا قد نمتلك في نهاية المطاف جميع األجزاء

يتألف منها الكل دون أن نمتلك ذلك الكل فعال، ألن ما ينقصنا والحال هذه هو .الروح التي تجمع األجزاء وتصنع منها الكل

إذا، لم ال نسمح ألنفسنا من وقت آلخر باالنصياع وراء رغبة عفوية ولم نبخل على أنفسنا باالستمتاع بشراء سلعة ما، هكذا ! بشراء منتج ما؟

ال شيء يمنعنا من ! طة ودون سابق تخطيط وقناعة راسخة بالحاجة إليها؟ببسافقط عندما تكون نفقات . فعل ذلك ما دام ال يوقعنا في مشاكل مادية خطيرة

الشراء تفوق قدرتنا المالية أو ما خولنا بصرفه، علينا أن نتوخى الحذر التي يعتمدها المذكور سابقا وأن نحاول كشف االستراتيجيات السيكولوجية

وال شك أنه من الممتع جدا أن نكتشف التقنيات . البائع للتأثير على قرارنا دون أن نعني - والحيل السيكولوجية التي يعيش منها اقتصاد اإلعالنات

فعندما نفهم تلك الحيل . بالطبع أن من حقنا النظر إلى تلك التقنيات بازدراءكبر إلى العالم المليء بالمفاجآت والتقنيات بوسعنا أن ننظر بارتياح أ

-٣٠٨-

والمخاطر والحيل، بل بوسعنا أن نرى في ذلك العالم المليء بالسلع والمنتجات والخدمات المختلفة حديقة تنمو فيها ورود كثيرة، بعضها جميل

وكلما طورنا ! وبعضها غريب، نستطيع االستمتاع بها دون الحاجة إلى قطفهال الموجود في العالم والمتاح للجميع، كلما قدرتنا على االستمتاع بالجما

!تخلصنا من سيطرة فكرة امتالك كل ما هو معروض للبيعيتمتع اإلنسان بالمقدرة على خلق إمكانيات جديدة في داخله إلشباع دوافعه تجعله مستقال إلى حد بعيد عن العروض الخارجية المتراكضة إلشباع

المقدرة من خالل اإلصغاء أكثر وأكثر وإذا ما عزز المرء تلك. تلك الدوافعإلى عالمه الداخلي والتعرف إلى ما يدور في كنفه، فإنه سيكتشف حينئذ مدى سعادة من اكتشف ذاته الحقيقية وتسلح بها في وجه اإلحباط الذي يسببه الكم

وبالطبع يجب . الهائل من العروض التي ال نحتاج إلى الغالبية العظمى منهامرة أخرى أال يبالغ في السير في هذا االتجاه وأال ينظر إلى على اإلنسان

المطلوب هو إيجاد التوازن السليم بين : العالم كله من منظار ذاتي بحت .إرضاء الذات وإرضاء اآلخرين

-٣٠٩-

.X علم النفس واألداء

أضحت مسألة األداء وتحسينه من المواضيع المركزية التي يهتم بها من بينها علم النفس التطبيقي في عصرنا الحالي الذي ينظر العديد من العلوم و

. إلى قدرة اإلنسان غير المحدودة على تحسين أدائه كواحدة من أهم خصائصهما هي اإلجراءات السيكولوجية التي تجعل إنجاز اإلنسان : ومن هنا نتساءل

ألعماله الجسدية والفكرية أسرع وأقل خطأ من جهة، وتضمن قدرته على ستمرار في إنجاز أعماله دون آثار جانبية سلبية من جهة أخرى؟ سنحاول اال

.في هذا السياق إعطاء نظرة شاملة ومختصرة في أهم جوانب هذا الموضوع

الحفز واألداء - ١إن لحفز وحماس اإلنسان كما رأينا سابقا أثر هام جدا على نتيجة

داء فإن نتيجة عمله فبغض النظر عن قدرة الشخص الفعلية على األ. نشاطهتكون أقرب إلى الكمال عندما يعمل انطالقا من حفز داخلي أولي منها عندما

وكما رأينا في الفصل الثاني من هذا الكتاب، . يدفع بحفز خارجي ثانويفإننا ال ندخر جهدا وال ماال وال وقتا عندما نعمل إلرضاء دافعنا األساسي

هذا بالطبع ما يجعل نتيجة عملنا أفضل و- الذي يترأس هرم دوافعنا بينما نعمل عندما يكون حفزنا ثانويا بهدف تحقيق فائدة - ونجاحنا أكبر

، )نحو الحصول على األجر من عمل ال يتفق مع دافعنا األساسي(إضافية وهنا يقتصر شعورنا بالنجاح على تحقيق تلك الفائدة اإلضافية دون أن يطال

.إنجاز العمل بذاته

-٣١٠-

بوسعنا القول إذا بأن تحسين األداء ممكن بالقدر الذي نستطيع فيه ويتحقق . للقيام بمهمة أو وظيفة ما تحفيزا أوليا- أو اآلخرين -تحفيز أنفسنا

ذلك بدوره من خالل ربط هدف المهمة المطلوب القيام بها بأحد الدوافع . ر من هذا الكتاباألساسية لإلنسان التي تطرقنا إليها سابقا في موضع آخ

ومن جهة أخرى فإن قيمة النجاح في إنجاز المهمة تكون أكبر عندما يكون موضع الدافع األساسي الذي يرتبط هدف المهمة به أعلى في هرم الدوافع

ولما كانت خبرة النجاح في إنجاز المهمة تقوي الدافع الذي ترتبط . األساسية نعيشه أثناء عملنا من الكمال في به تلك المهمة، فإننا نقترب في كل نجاح

ومن هنا . ومن هنا تأتي األهمية الكبرى للشعور بالنجاح في العمل! أدائناتأتي أيضا أهمية االنتباه أثناء التعامل مع أنفسنا ومع اآلخرين إلى تحقيق التناسب بين المهام والوظائف من جهة والكفاءات والقدرات والميول من جهة

ن كل شخص إنجاز المهمة الموكلة إليه بنجاح من خالل أخرى، بحيث يضموعندئذ يأتي المديح من قبل . التوظيف األمثل لكل طاقته وكفاءاته المتاحة

فتحميل اإلنسان فوق طاقته . اآلخرين ليتوج هذا النجاح ويعطيه زخما إضافيايؤدي في أغلب الحاالت إلى انخفاض مستوى حفزه بسبب غياب النجاح؛

ولكن تحميل اإلنسان تحت . يؤدي بدوره إلى انخفاض مستوى األداءوهذا طاقته بكثير يؤدي أيضا إلى انخفاض مستوى أدائه، حيث إن إنجازه للمهام الموكلة إليه ال يعتبر في نظره نجاحا حقيقيا، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى

داء الحفز وهذا بدوره سيؤدي مع مرور الوقت إلى انخفاض مستوى األ !بالرغم من توفر الكفاءات والقدرات الالزمة

وعلى العموم فإن كل إجراء يجعل العمل الرتيب الممل يبدو للشخص الذي يقوم به عمال متنوعا وممتعا يساعد على ارتفاع مستوى األداء من خالل

وعالوة . تجديد النشاط والنظر إلى إنجاز المهام الموكلة على أنه نجاح حقيقيلك فإن كل إجراء يسعى إلى تكليف العامل بمهام جديدة ومتنوعة من على ذ

ونذكر هنا على سبيل المثال . وقت آلخر يساعد أيضا على رفع مستوى األداء

-٣١١-

وإجراءات النقل ) أي تبادل المهام مؤقتا بين الزمالء" (تدوير المهام"إجراءات تحميل العاملين أقل الوظيفي كوسائل مفيدة للقضاء على الرتابة وعلى ظاهرة

.من طاقتهموانطالقا من مبدأ تفادي تحميل اإلنسان فوق طاقته أو أقل منها بكثير، ولما كان ال بد من االنتباه منذ البداية إلى تحقيق التوافق بين المهام الموكلة

من وكفاءاته وقدراته الفعليةمن ناحية إلى الشخص أو ما هو متوقع أن ينجزه فإن الخطوة األولى على الطريق الصحيح هي اختبار العاملين ، ناحية أخرى

والطالب اختبارا سيكولوجيا صحيحا يحدد كفاءاتهم وقدراتهم باالستعانة .باالختبارات السيكولوجية التي سبق أن ذكرناها في موضع آخر من الكتاب

الضغط النفسي واألداء - ٢األداء أي أعلى مما هو عندما يكون مستوى التوقعات أعلى من مستوى

ومع . منجز فعال، ينخفض مستوى التوقعات تلقائيا ليناسب مستوى األداءانخفاض مستوى التوقعات ينخفض أيضا وبصورة تلقائية الحفز الالزم لتحسين مستوى األداء، ألن هذا الحفز إنما يتعلق تعلقا وثيقا بحاالت النجاح

.واإلخفاق التي يعيشها اإلنسانلما كانت طبيعة اإلنسان تدفعه إلى أن يقارن مستوى أدائه بمستوى و

أداء من حوله، حتى في سن الطفولة المبكرة، فإن الشخص ذا مستوى األداء المنخفض بالمقارنة مع مستوى أداء اآلخرين ومع مستوى توقعاته ال بد أن

حدا يطور مشاعر اإلحباط وضعف الثقة بالنفس، إذا ما تخطى مستوى أدائهولقد . معينا إلى األسفل ينظر إليه في قرارة نفسه على أنه الحد األدنى المقبول

وإذا ما . سبق أن تطرقنا إلى هذا الموضوع في موضع آخر من الكتابتكررت مشاعر اإلحباط تلك ودامت لفترة طويلة، فإن حالة من اإلرهاق

باط الدائم ويظن أنه والضغط النفسي قد تسيطر على اإلنسان يشعر فيها باإلحفاشل وغير قادر على تحقيق ما هو متوقع منه، وقد تتدهور حالته أكثر فأكثر

-٣١٢-

وكما ذكرنا سابقا فإن هذا . حتى يصبح سلوكه مخالفا لمبادئه وقناعاته. الشخص يكون عرضة الضطرابات عصابية بسبب حالة اإلحباط الدائم تلك

توى أداء الشخص بحالة الضغط وما يشغلنا اآلن هو معرفة مدى تأثر مس .النفسي التي يعاني منها

لقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا السياق أن حالة اإلحباط التي يتعرض لها الشخص قد تسبب في بداية األمر زيادة مرحلية في مستوى

ويشبه ذلك إلى حد بعيد االزدياد المؤقت لقوة الشخص الذي يتعرض . أدائهنا يجب أن نفرق هنا بين مستوى األداء في مجال األعمال ولكن. للهجوم

الجسدية وبينه في المجال الفكري والعقلي، فبينما نالحظ ارتفاعا في مستوى األداء الجسدي لإلنسان تحت حالة اإلحباط والضغط النفسي، نالحظ على العموم انخفاضا في مستوى األداء الفكري والقدرة على التركيز، حيث يزداد

عدد األخطاء التي يرتكبها وتضعف ذاكرته وتنخفض قدرته على التحكم وهذا ما نالحظه أيضا عندما ننظر إلى سلوك شخص ما في حالة . بحركاته

إنه قد يتمتع في تلك اللحظات بقدرات جسدية . ذعر أو هلع على سبيل المثالستيعاب غير معتادة لم يعهدها من قبل، ولكنه من جهة أخرى قد يخفق في ا

.أبسط العالقات التي تستدعي التفكير والحكم العقلي والمنطقيولعل أثر الضغط النفسي الناتج عن استمرار حالة اإلحباط يشبه أثر الذعر على مستوى أداء اإلنسان، فهنا أيضا نالحظ انخفاضا في مستوى

ج للقوة األداء الفكري والعقلي وارتفاعا في مستوى األداء الجسدي الذي يحتاوكثيرا ما يمكننا وصف الشخص الذي يعاني . وفي مستوى الحماس واالندفاع

من الضغط النفسي بأنه دائم االنشغال وال يعرف السكينة وأنه يعاني من فرط النشاط، فهو غير قادر على التركيز على مهمة بعينها حتى ينجزها بنجاح، بل

أية مهمة من مهامه ودون أن إنه ينتقل من مهمة إلى أخرى دون أن يستوعب فكمية األعمال المنجزة تزداد في حالة الضغط ! ينجز أية منها إنجازا تاما

النفسي، ولكن ذلك يكون على حساب الجودة، حيث يزداد كما ذكرنا عدد

-٣١٣-

ففي مثال الضرب على اآللة . األخطاء ويتراجع مستوى الدقة في اإلنجازلدقيقة يزداد تحت الضغط النفسي ولكن الكاتبة نجد أن عدد الضربات في ا

.عدد األخطاء يزداد أيضاوال يختلف أثر الخوف أو القلق بصورة عامة على مستوى األداء عما

وال عجب في ذلك، ألن . ذكرناه سابقا عن أثر اإلحباط والضغط النفسيفاإلنسان . الخوف هو شكل خاص من أشكال اإلحباط أو الضغط النفسي

بالضعف إما بسبب عدم إنجازه لما هو متوقع منه وإما من الخائف يشعرخالل استذكاره ألمر مزعج كان قد حصل معه في الماضي وإما بسبب

وذلك الشعور تحديدا بالضعف . إدراكه لحقيقة وضعه الحالي غير المرضييؤثر سلبا على حفزه األساسي وهذا التأثير السلبي هو نواة نشوء اإلحباط كما

ومع أننا نستطيع أن نتوقع من اإلنسان الخائف المزيد من النشاط . سابقارأينا الحركي، بيد أن نتيجة هذا النشاط وجودة األعمال المنجزة غالبا ما تكون

فقدرة اإلنسان على السيطرة وعلى التركيز في . أسوأ من الحالة االعتيادية. فادة من ذاكرتهحالة الخوف تنخفض، كما تتراجع أيضا قدرته على االست

وليست نادرة حاالت ضعف القدرة على التركيز لدى طالب المدارس على فغالبا ما يحمل هؤالء الطالب . سبيل المثال التي يسببها خوفهم أثناء االمتحان

فوق طاقاتهم إما من قبل األهل وإما من قبل المعلمين، وكثيرا ما ينقصهم عالم الغريب والغامض، وفي بعض الشعور بالثقة واالستقرار في هذا ال

األحيان نجدهم يعانون من حالة عدم إشباع إلحدى حاجاتهم األساسية في وكل ذلك من شأنه أن يدفعهم إلى اإلفراط في النشاط الحركي مع . الحياة

.انخفاض في طاقاتهم الفكرية والعقلية المرتبطة بالنواحي النفسية األداء الفكري والعقلي لدى وغالبا ما تعود أسباب انخفاض مستوى

البالغين إلى اضطرابات في عالقاتهم مع اآلخرين أو مع شركائهم في الحياة أو إلى اضطرابات في عالقاتهم مع رؤسائهم ومرؤوسيهم وزمالئهم في

. وفي هذه الحاالت أيضا نالحظ ارتفاعا في النشاط الجسدي والحركي. العمل

-٣١٤-

الخارجي والتي سنتطرق إليها الحقا هناك وبجانب هذه األسباب ذات الطابع .أسباب تتعلق ببساطة بتقدم سن اإلنسان

العالقة بين التقدم في السن واألداء - ٣يزداد في عمر الطفولة والشباب مستوى أداء اإلنسان في المجالين الجسدي والعقلي باطراد مع تقدم سنه، وال نتوقع تدنيا في مستوى األداء إال

ت التي يختفي فيها التناغم بين نمو اإلنسان الجسدي ونموه العقلي في الحاالولعل سبب ذلك . والنفسي، كما هي الحال في سن المراهقة على سبيل المثال

التدني في مستوى األداء بسيط ويعود إلى أن اإلنسان يكون في هذه المرحلة حل الحرجة من حياته عرضة لمشاعر الخوف واإلحباط أكثر منه في مرا

حياته األخرى، وذلك ألن تلك المرحلة هي مرحلة عدم استقرار متميزة يمر ولما كان . فيها كل إنسان بتجارب فريدة في المجالين الجسدي والنفسي

لمشاعر الخوف واإلحباط أثر سلبي على الحفز واألداء، فإن الغالبية العظمى وهو ما يسمى بسن (من الشباب يعانون في بداية مرحلة المراهقة وما قبلها

من اضطراب في مستوى أدائهم، فنجدهم كثيري الحركة وقليلي ) الرفضالتركيز وهذا ما يؤدي بدوره إلى انخفاض درجاتهم المدرسية في جميع

!المواد تقريباوبعد انقضاء مرحلة المراهقة يمر الشباب بمرحلة من االستقرار

مع اكتمال واستقرار بنائهم النفسي والعقلي والتي غالبا ما تترافق أيضاولو تثنى للشباب في هذه المرحلة أن يطوروا في داخلهم حفزا أوليا . الجسدي

.مناسبا، الستطاعوا تقديم أفضل أداء ممكن ولحققوا أفضل النتائجومن أكثر اإلشكاليات إثارة لالهتمام في المراحل الالحقة هي إشكالية

حيث " أزمة عمر اليأس"أو " ف العمرأزمة منتص"ما يطلق عليه تعبير وبالطبع تبقى هذه ( عاما ٥٥ عاما و٤٥يتراوح عمر اإلنسان حينئذ ما بين

المعطيات نسبية، فالبعض يمر بهذه الفترة المهمة من الحياة في سن مبكرة

-٣١٥-

). والبعض اآلخر في سن متأخرة عن المجال الوسطي الذي ذكرناه سابقا عن حالة االستقرار والتناغم التي ظل ينعم بها وهنا يخرج اإلنسان عادة

فترة طويلة من عمره، حيث يخرج إيقاع نشاطاته الجسدية عن المألوف بصورة مفاجئة إلى حد ما، وهذا ما يسبب بدوره خروجا عن التناغم بين

وربما للمرة األولى في حياته بهذا -إنه يدرك اآلن . جسده وعقله ونفسهوال شك أن هذا . في هذه الدنيا قد اتجه إلى النهاية أن وجوده-الوضوح

اإلدراك بحد ذاته هو عبء نفسي كبير كاف في كثير من األحيان للتسبب بحاالت من الخوف واإلحباط واالضطراب والتي من شأنها أن تؤدي إلى

وهكذا نجد أن اإلنسان في هذه المرحلة . انخفاض واضح في مستوى األداء ما يتخذ قرارات فجائية تؤدي في بعض الحاالت إلى تغيير من حياته كثيرا

فهناك من يترك عمله الحالي ويختار . شامل في طريقته ومواقفه في الحياةالبدء بنشاط مهني مغاير تماما، وهناك من يقرر فجأة االبتعاد عن عائلته

ة وربما يعتقد المرء في هذه المرحلة الحرج. والبدء بمغامرة عاطفية جديدة، أي قبل انتهاء حياته "في الدقيقة الخامسة قبل الساعة الثانية عشرة"أن عليه

ومن الطبيعي والحال هذه أال يظهر . بقليل، أن يعوض كل ما فاته فيهاالمرء مستوى األداء المعهود وأن يكون سلوكه محكوما بالنشاط الحركي

!المحموم وغير المركزالمرحلة الحرجة حتى يبدأ مرحلة وما إن ينجح المرء في تخطي هذه

جديدة من الحياة المثمرة تتصف بمستوى عال من األداء وال تنتهي إال فال عجب إذا أن نجد شخصيات مهمة من الجنسين قادرة على . باقتراب موته

العطاء المثمر، وبخاصة الفكري منه، في سن تزيد عن الستين عاما وقد جعل أولئك الشخصيات ناجحة ومعروفة في مما ي! تصل إلى ما بعد الثمانين

مجاالت الحياة كافة، االقتصادية منها والسياسية والعلمية والفنية وغيرها، حيث يستفيدون من خبراتهم الطويلة والثمينة في تلك المجاالت التي يمتازون

!بها عن منافسيهم من الشباب

-٣١٦-

النوم واألداء - ٤ل النظر إلى التوزع الزماني تتجلى أهمية النوم كنشاط حيوي من خال

فانطالقا من أن اإلنسان ينام وسطيا . لحاالت النوم واليقظة في حياة كل مناثلث يومه يمكننا أن نستنتج ببساطة أن إنسانا في سن األربعين يكون قد

وتتجلى األهمية السيكولوجية ! عاما من حياته نائما١٥ إلى ١٣أمضى من في أنه يقضي على حالة التعب العضوي التي تنشأ شيئا للنوم في المقام األول

فشيئا في فترة اليقظة ويجعل اإلنسان بعد فترة االستراحة قادرا على العطاء .من جديد في المجالين الجسدي والفكري

ويتعلق عدد ساعات النوم في اليوم الواحد التي يحتاجها اإلنسان تعلقا قلي والنفسي الذي يبذله اإلنسان في فترة شديدا بنوع الجهد الجسدي والع

وعالوة على ذلك فإن . يقظته، إضافة إلى تعلقه بعاداته وبإيقاع حياته اليومية! حاجة اإلنسان إلى النوم تتعلق أيضا بحالة حفزه التي تتغير من يوم آلخر

وينطلق المرء عادة من أن اإلنسان بحاجة إلى ثماني ساعات من النوم وسطيا ليوم الواحد، ومع ذلك هناك العديد من األمثلة التي تظهر أن اإلنسان في ا

قادر، ولو لفترة قصيرة، على االكتفاء بأقل من هذا القدر بكثير دون تراجع وتلك هي الحال في فترات االمتحانات وفي فترات العمل ! يذكر في أدائه

ف اإلنسان االختبارية وبخاصة عندما يكون الحفز أوليا، أي عندما يتصر .انطالقا من دافع أساسي أولي في داخله

وبالمقابل فإن اضطرابات النوم هي أحد أهم أسباب تراجع األداء بشكل عام، ألن اإلنسان الذي يعاني من اضطراب في نومه إنما يعاني في األصل من اضطرابات نفسية حادة تمنعه من االسترخاء والخلود إلى النوم برغم تعبه

وهذا اإلنسان سيصبح في اليوم التالي وفي غياب حصوله . الفكريالجسدي وعلى القسط الكافي من الراحة أكثر اضطرابا وأقل تركيزا مما كان عليه في اليوم السابق، مما سيؤدي حتما إلى تدني مستوى أدائه، وهذا ما سيزيد بدوره

-٣١٧-

مة أيضا من من اضطرابه النفسي والفكري الذي سوف يحرمه في الليلة القادولعله من المجدي في هذه الحال قطع هذه الحلقة ... النوم الهنيء وهكذا

المفرغة واللجوء إلى المعالجة السيكولوجية والدوائية في الوقت ذاته للتمكن من التغلب على الصراع السيكولوجي الداخلي واستعادة اإليقاع الطبيعي

.لتتالي فترات النوم واليقظة من جديداهرة النوم مركبتان، واحدة سيكولوجية وأخرى كيميائية، وهاتان إن لظ

المركبتان مدروستان دراسة وافية وال نريد الخوض في تفاصيل تلك الدراسات هنا، ولكن المثير لالهتمام هو أن جميع تلك الدراسات تشير إلى أن

في النوم ال يكون على نفس الدرجة من العمق طوال فترة النوم، بل إنه يصل نهاية الساعة األولى منه إلى أعمق مستوى له ويحافظ عليه إلى ما بعد نهاية الساعة الثالثة ومن ثم يصبح نوما سطحيا ويقل عمقه بمرور الزمن حتى

وتفسر هذه النتيجة إلى حد ما وجود أناس كثيرين، . يستيقظ الشخص النائمت عدة من االكتفاء ، تمكنوا ولسنوا"أديسون"و" نابليون"ربما من أشهرهم

. بثالث إلى أربع ساعات من النوم يوميا وحققوا إنجازات كبيرة وأداء رائعافعندما يستيقظ المرء بعد ثالث أو أربع ساعات من النوم، فإنه يكون قد تخطى مرحلة النوم العميق المهمة، وإذا ما تعود على االكتفاء بهذا القدر من

ي عن الساعات الباقية التي اعتاد اآلخرون أن النوم، فإنه قد يستطيع التخل .يتابعوا نومهم فيها ودون خسارة في مستوى األداء

وأما إذا كان النوم متقطعا بسبب الضجيج أو بسبب عدم التهوية الصحيحة لغرفة النوم أو بسبب ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة عن الحد

من الراحة الجسدية والنفسية مما المقبول، فإن المرء لن يحظى بالقسط الكافي فهناك إذا عالقة واضحة بين مستوى . قد يسبب انخفاضا في مستوى أدائه

.أداء الشخص وحصوله على القسط الكافي من الراحة أثناء النومحصول اإلنسان على قسط " خطر"وال حاجة من ناحية أخرى للقلق من

قدرته على متابعة نومه عندما مبالغ فيه من النوم، ألن اإلنسان يفقد عادة

-٣١٨-

يحظى بالقدر الكافي منه، ومحاولته لجبر نفسه على النوم فترة أطول .لن تضمن له المزيد من الراحة) بمساعدة العقاقير المنومة على سبيل المثال(

وال بد هنا من اإلشارة إلى أن استخدام العقاقير المنومة ولفترات طويلة فعلى سبيل المثال ترهق تلك العقاقير جهاز الكبد . له تأثيرات جانبية سلبية

وال شك أن تلك اآلثار . على المدى البعيد وتؤدي إلى تلف أجزاء كبيرة منه. السلبية على الصحة ستجر خلفها آثارا سلبية على مستوى األداء أيضا

وعالوة على ذلك فإن األثر السيكولوجي للجوء اإلنسان إلى تلك العقاقير ر منه إيجابي، ألن االستخدام المطول والمنتظم لتلك العقاقير يجعل سلبي أكث

وهذا اإلدمان، مثله في ذلك مثل جميع . اإلنسان معتادا عليها إلى حد اإلدمانأشكال اإلدمان األخرى، يتطور باتجاه طلب المزيد باطراد، مما يسبب في

لى مستوى نهاية المطاف مشاكل صحية عضوية ستؤثر بدورها بكل تأكيد عوسنتطرق إلى خصوصيات إدمان المخدرات بشيء من . أداء الشخص المدمن

.التفصيل الحقا

البيئة المناسبة لألداء الجيد -لقد تطرقنا فيما سبق إلى العوامل الشخصية التي تؤثر على مستوى

ولكن هناك سلسلة من المعطيات والمسببات . أداء اإلنسان والنابعة من داخله . في البيئة المحيطة باإلنسان تؤثر أيضا على مستوى أدائهالخارجية

وأول ما نذكره في هذا السياق هو نمط تنظيم مكان العمل وطريقة فكل حركة إضافية أو غير ضرورية أثناء القيام بالعمل تصعبه . ترتيبه

وقد تقف البيئة السيئة في مكان . وتؤخر إنجازه وتسبب تدني مستوى األداءوجه رغبة العامل الشديدة لتحسين أدائه وتحول دون تحقيقها مما العمل في

يسبب بدوره في بعض الحاالت مشاعر اإلحباط وعدم الرضا قد تصل إلى ولكي نكتشف الحركات غير . حد االضطراب النفسي أو العضوي

الضرورية أو تلك المعيقة للعمل، علينا أوال أن نقوم بدراسة وافية لمكان

-٣١٩-

م المطلوب إنجازها وأن نتعقب جميع خطواته، واألفضل أن العمل والمهانقوم بتصويرها بآلة التصوير المتحركة لكي ندرس كل خطوة على حدة

فمن المعروف على سبيل المثال أن هناك سلسلة . بالحركة البطيئة للصورةمن الحركات غير الضرورية أثناء الضرب على اآللة الكاتبة وباإلمكان من

سة الدقيقة والوافية لطريقة عمل الموظفة التي تعمل على اآللة خالل الدراالكاتبة أن نحسب نسبة انخفاض مستوى أدائها بسبب الحركات غير

ولقد كان من نتائج مثل تلك الدراسات أن تم . الضرورية التي تقوم بهاتحسين ترتيب األحرف وأذرع التحكم في اآللة لتقليص عدد الحركات غير

.ثناء كتابة النصوصالضرورية أوفي الشركات العصرية تجرى دراسات مماثلة لكل مكان عمل مهم في الشركة وتؤخذ نتائج تلك الدراسات بالحسبان أثناء تصميم أو إعادة تصميم اآلالت المستخدمة في أمكنة العمل المدروسة للتخلص من أكبر عدد

إلى أخفض ممكن من الحركات غير الضرورية ولتقليص الوقت الضائع .حد ممكن

وتهتم تلك الدراسات على سبيل المثال بتحليل حركات العين أثناء عملية القراءة، حيث اتضح أن عملية القراءة تكون أسهل بكثير عندما تتألف الكلمة

على سبيل " Minimax"فقراءة كلمة . من أحرف غير متناسقة في الطولن وجود األحرف الطويلة في أل" Millimeter"المثال أصعب من قراءة كلمة

وهكذا يجب االنتباه إلى . الكلمة الثانية يعطيها تركيبة أفضل ويسهل قراءتهاهذه الحقيقة أثناء تصميم مواد القراءة وأخذ األثر السيكولوجي لبنية الكلمات بالحسبان أثناء كتابة العناوين والملصقات والرسائل والطرود البريدية وجميع

. وما إلى ذلكأنواع الشاخصاتومن المواضيع التي يهتم بها علم النفس التطبيقي أيضا التصميم الصحيح للمقاعد بما يناسب جسم اإلنسان ووضعية الجلوس الصحية إضافة

-٣٢٠-

ويهدف هذا . إلى االختيار السليم لمكان وضع أزرار وأذرع التحكم في اآلالت بصورة عامة إلى المجال من مجاالت تطبيق علم النفس في حياة اإلنسان

بدال من -تغيير ظروف العمل بما يناسب القدرات والمعطيات البشرية االتجاه المعاكس الذي يسعى إلى تغيير اإلنسان بما يناسب اآلالت وأدوات

وبينما كان االتجاه ! اإلنتاج البعيدة كل البعد عن كونها خالية من العيوبما مضى، بدأ العالم بالتوجه وفق االتجاه الثاني هو االتجاه السائد والمسلم به في

وال تقتصر أسباب التوجه الجديد على الجانب اإلنساني . األول أكثر فأكثرالبحت، بل إن الدافع الرئيسي الذي جعل هذا التوجه الجديد ينجح وينتشر

فلقد اتضح أن التنظيم السليم من الناحية ! يستند إلى حسابات اقتصاديةن العمل يزيد من إنتاجية العامل الذي يعمل فيه زيادة السيكولوجية لمكا

واضحة ويرفع مستوى رضاه ويقلل من عدد ساعات الغياب الذي تسببه !حاالت المرض والتمارض

نحو المخدرات والكحول والتبغ (وتعتبر المواد المخدرة والمنبهة لبيئة التي يتم تناولها بانتظام من المكونات األساسية ل) والشاي والقهوة

الكيميائية التي تحيط باإلنسان أثناء قيامه بعمله وتؤثر تأثيرا قويا على مستوى ويعد الكحول من أقدم المواد التي يتعاطاها اإلنسان وأكثرها انتشارا في . أدائه

وتشير الدراسات على عكس ما هو معتقد وشائع إلى أن أثر . العالم الغربير منه منشط ومروح عن النفس، وإلى أن الكحول مثبط ومثير لإلحباط أكث

أثره التنشيطي ينحصر ولوقت قصير في أنه يزيد تواتر ضربات القلب ولكن ذلك يترافق مع انخفاض في القدرة على . وينشط الدورة الدموية

االستيعاب والتركيز والسيطرة على النفس وهذا ما يؤثر سلبا على مستوى نحو منعكس الرضفة (سات اإلنسان فغالبية منعك. األداء بصورة عامة

وسرعة استجاباته بصورة عامة تصبح تحت تأثير الكحول ) ومنعكس القرنيةوعالوة على ذلك فإن جميع النشاطات الفكرية %. ٣٠إلى % ٥أبطأ بمقدار

بما فيها نشاط تفعيل الذاكرة تعاني من تأثير الكحول إلى حد تعذر بعضها إذا

-٣٢١-

وفي جميع الحاالت فإن . اطي هذه المادة المثبطةما بالغ اإلنسان في تع .مستوى األداء العام الجسدي والفكري يتراجع تحت تأثير الكحول

وعلى العموم يتعذر إعطاء حكم عام ينطبق على جميع الناس في األثر الكمي للكحول على أداء اإلنسان، ألن استجابة كل شخص لكمية معينة من

ألشخاص اآلخرين تبعا لبنيته الجسدية والنفسية الكحول تختلف عن استجابة افالكل يعرف إشكالية تحديد كمية الكحول التي يمكن . وتبعا لعامل االعتياد

ومع أننا . لسائق المركبة تعاطيها دون أن تتأثر قدرته على قيادة المركبةتوصلنا إلى اتفاق يصف طريقة معينة لقياس كمية الكحول في الدم ويحدد

المسموح بها، إال أن اإلشكالية ما تزال قائمة في أن أثر هذه القيمة على القيمة !قدرة السائق على القيادة تختلف من شخص آلخر اختالفا كبيرا

وبرغم الصعوبة في تحديد أثر الكحول على األفراد يفضل االبتعاد كليا اص عن تعاطي الكحول في العمل، ألنه يؤثر سلبا على مستوى أداء األشخ

- وربما يكون هذا هو األثر األخطر - من جهة، ويسبب من جهة أخرى التسريع في عملية االعتياد على التعاطي وإسقاط حواجز الحياء وظهور

وجميعنا يعلم أن خطر إدمان الكحول . بوادر العنف في التعامل مع اآلخرينن هو واحد من أكبر األخطار التي تعصف باإلنسان المعاصر، وبخاصة أل

الكحول، بخالف المخدرات التي تصنف على أنها أخطر منه، يمكن شراؤه ولذا فإن . وتعاطيه في كل مكان ودون أن يضطر المرء للتعريف عن نفسه

.عدد المدمنين يزداد عاما بعد عاملسنا هنا بصدد البحث عن أسباب إدمان الكحول، ولكنها نادرا ما تكون

غلب األحيان تأخذ طابعا نفسيا، وقد مررنا ذات طابع جسدي، بل إنها في أحاالت صراع داخلي لم يحسم : على ذكر تلك األسباب سابقا في سياق آخر

بعد، وبوادر إرهاق أو ملل، وحاالت إحباط لم تتم معالجتها سببها في كثير من األحيان العيش في حيز ضيق وفي مجتمع يفتقر إلى العالقات االجتماعية

إن العمل في شركة سيئة اإلدارة وفي ظروف عمل صعبة هو كما. الوثيقة

-٣٢٢-

ويعتقد الشخص . أيضا من األسباب المؤدية إلى الوقوع ضحية إلدمان الكحولالذي يلجأ إلى الكحول أنه يهرب بذلك من المصاعب والمشاكل وال يدري أنه

أو بتعبير آخر يعيش حلما قصيرا(بفعله هذا إنما يخدر نفسه لوقت قصير وأنه في الوقت ذاته قادم ال محالة على تحطيم بنيته الجسدية ) ليس إال

والنفسية إلى أن يصل في نهاية المطاف إلى حال يرثى لها يصبح فيها غير قادر باالعتماد على ذاته على التخلص من مشكلة اإلدمان والتغلب على

.مصاعبه وحلها حال واقعيا من المواد المنبهة الواسعة االنتشار وتعتبر مادتا الشاي والقهوة أيضا

وينبع خطر هاتين المادتين من أنهما، برغم . والخطيرة في الوقت ذاتهأثرهما المنبه، تجعالن الجسم يعتاد على الكمية التي يأخذها منهما في اليوم، بحيث يطلب الجسم وباستمرار كميات أكبر منهما لتحقيق نفس األثر

هاتين المادتين أثر مسكر أو مثمل ولكن تعود وصحيح أن ليس ل. المنبهالجسم التدريجي عليهما يكسبهما أثر اإلدمان الذي يظهر من خالل عدم مقدرة الشخص المعتاد على تعاطي الشاي أو القهوة على العمل أو على . إنجاز مهامه دون أن يأخذ القسط الذي اعتاد على أخذه منهما على األقل

هذه الحالة في مثال عاملي وعامالت المكاتب، وال شك أن الكل يعرفحيث ال تتوقف آلة تحضير القهوة عن العمل طوال اليوم وحيث ال يتوقف

إن مادتي الشاي . العاملون والعامالت عن شرب القهوة ما داموا يعملونوالقهوة إذا ما أخذتا بكميات كبيرة ستشكالن بالطبع عبئا صحيا على القلب

ية يزداد مع مرور الزمن حتى يسبب في نهاية المطاف والدورة الدمووال تقتصر تلك االضطرابات على عمل القلب . اضطرابات صحية خطيرة

والدورة الدموية بل قد تتعداه إلى عمل األجهزة األخرى كالمعدة واألمعاء .والكبد وغيرها

اس ومن المشاكل اإلضافية لهاتين المادتين المنبهتين أنهما تطردان النعإذا ما أخذتا في المساء مما يؤخر دخول المرء في مرحلة النوم العميق

-٣٢٣-

ويجعله بحاجة في الصباح التالي إلى كميات كبيرة منهما حتى يصحو ويصبح !قادرا على النشاط من جديد

وال تعتبر مادتا الشاي والقهوة ضارتين أثناء العمل إذا ما أخذتا باعتدال وأما إذا أخذتا ). ت منتظمة على سبيل المثالفي أوقات محددة واستراحا(

بكميات مبالغ فيها، فإنهما تجعالن مناخ العمل مضطربا ومحموما وتسببان عدم التركيز وازدياد عدد األخطاء أثناء إنجاز األعمال الجسدية والفكرية على

ومع أن لهاتين المادتين أثر تنبيهي ال يمكن إنكاره يتمثل في زيادة. حد سواءالنشاط الجسدي والتغلب على التعب والكسل والنعاس، فإن المخاطر التي ينطوي عليها سوء تعاطيهما يجعلنا نحذر من اإلفراط في تعاطيهما ونؤكد

.على ضرورة االعتدال في تناولهماالتي تمتاز " الكوال"ويبقى التحذير ذاته ساري المفعول بالنسبة لمشروبات

المنبهة ولكنها تنطوي " الكفئين"احتوائها على مادة بتأثير منشط أيضا بسبب .على المخاطر ذاتها التي ذكرناها سابقا في حديثنا عن مادتي القهوة والشاي

وقد أجريت دراسات متعددة بحثت في أثر التدخين أيضا على مستوى وقد كانت بعض نتائج تلك الدراسات إيجابية وبعضها سلبية . أداء األشخاص

وبصورة عامة نستطيع أن نخلص إلى أن . روط إجراء تلك الدراساتتبعا لشاألثر اإليجابي المفترض لتدخين التبغ على التركيز ذو طبيعة سيكولوجية

كما يرتكز التصور القائل بأن للمدخن مقدرة أكبر على . أكثر منها عضوية تحمل حاالت الضغط النفسي من مقدرة غير المدخن إنما يرتكز في األساس

على األثر اإليحائي للتدخين والمرتبط بالقيام الواعي والمركز بحركتي ومن خالل تعود ! الشهيق والزفير أثناء التدخين مما يدل على القوة البدنية

الموجودة في السجائر يعاني " النيكوتين"الجسم مع مرور الزمن على مادة مادتا الشاي المدخن من نوع من اإلدمان أقوى من اإلدمان الذي تسببه

ولذلك فإن جميع ما قيل في سياق . والقهوة ويشبه إلى حد ما إدمان الكحول

-٣٢٤-

إدمان الكحول من سلبيات وإشكاليات ينطبق بصورة أو بأخرى على موضوع وإذا ما أخذنا باالعتبار عالوة على جميع ما سبق أن هناك . إدمان التدخين

اإلصابة بمرض السرطان، وبأن ربطا وثيقا ما بين التدخين وارتفاع احتمال التدخين يزيد من احتمال اإلصابة بسرطان الرئة وسرطان الحنجرة وسرطان المعدة على وجه الخصوص، فإنه يتضح وبشكل جلي وجوب التقليل من

ويكفينا لتبرير هذا . التدخين وبخاصة في المعامل والشركات أو منعه كلياى صحة غير المدخنين من اآلثار السلبية التقليل أو المنع أننا نحافظ بذلك عل

وقد ال . للتدخين وأننا نقلل من احتمال انزالق الشباب إلى هذه العادة الضارةآخر ركن للتدخين في المصانع (نستطيع منع التدخين كليا في االستراحات

، ولكننا يجب أن نعمل على توعية الشباب فيما يتعلق بمساوئ )والشركات .يد دائما على حقيقة أن التدخين يؤثر سلبا على مستوى األداءالتدخين والتأك

" المسكل"و" الهيروئين"و" الحشيش"وللسموم المخدرة األخرى مثل ومع أن اآلثار . آثار سلبية أقوى من آثار جميع ما ذكرناه من المواد" األوبيوم"و

ي يتعاطاها للشخص الذ" إيجابية"البدئية واللحظية لتعاطي تلك المخدرات تبدو نحو الهلوسة أو الهذيان أو األحالم السعيدة أو التوهم بتحقيق الرغبات واآلمال (

، إال أنها ال تساعد في الواقع على حل أية مشكلة، بل إن جل ما )وما إلى ذلكوعالوة على ذلك فإن تلك . تفعله إنما هو تأجيل المشاكل ومحاولة نسيانها

ويزيد من خطورة . اإلنسان رويدا رويداالمخدرات سموم حقيقية تدمر صحةولذا ينصح باالبتعاد . تلك المواد السامة بالطبع أنها تسبب اإلدمان بسرعة بالغة

وال بد من التأكيد ! كليا حتى عن تجريبها مرة واحدة، فما بالك بتعاطيها بانتظامباستمرار من خالل برامج التوعية على أثرها الضار على الصحة وعلى

وتقع على إدارة كل مصنع وكل شركة مسؤولية تحذير . توى األداء أيضامسالعاملين من اآلثار المدمرة للمخدرات والعمل على منع انتشارها واإلخبار عن

.حاالت اإلدمان وتحويلها إلى مراكز العالج المختصة

-٣٢٥-

المناخ ودرجة الحرارة

داء الناس وللمناخ ودرجة الحرارة أثر ال يستهان به على مستوى أومن المعروف تاريخيا أن مستوى أداء الناس ونشاطهم الجسدي . أيضا

والفكري في مناطق المناخ المعتدل أعلى منه في المناطق ذات المناخ شديد ومن المعروف أيضا أن التميز في األداء الجسدي أو . الحرارة أو البرودة

رطب، وذلك يعود في الفكري نادر في مناطق المناخ االستوائي الحار والالغالب إلى كون الحرارة ونسبة الرطوبة المرتفعتين ال تشجعان على النشاط

ومن ناحية أخرى فإن المواد الغذائية والنباتات عموما تنمو . بل على الخمولبسرعة وبسهولة في تلك المناطق وال تحتاج لمجهود خاص من قبل اإلنسان،

لى الخمول واالتكال على الطبيعة بينما وهذا بدوره يدفع اإلنسان أيضا إيضطر الناس تاريخيا في المناطق المعتدلة والباردة إلى العمل واالجتهاد ليضمنوا لقمة العيش وظروف الحياة الكريمة من ملبس ومسكن وما إلى ذلك

وال شك أن التحديات الدائمة والكبيرة التي يفرضها المناخ . من سبل العيشالحال في أوروبا الشمالية على سبيل المثال، تقتضي أن القاسي، كما هي

يكون المرء في تلك المناطق خالقا ومبدعا، فعندما تشح الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة يقتضي األمر البحث عن مصادر بديلة وشق طرق جديدة

ولو دعت الحاجة لالختراعات التقنية الكبيرة في مناطق ! للبقاء على قيد الحياةالمناخ االستوائي الحار والرطب، لحصلت هناك مثلما حصلت في المناطق

ومن هنا نجد أن الكثير، ال بل الغالبية . األخرى ذات المناخ األكثر قسوةالعظمى، من االختراعات التقنية قد أنجزت تحت تأثير مناخ قاس وفي

اعات، ظروف صعبة أجبر فيها اإلنسان بشكل أو بآخر على إنجاز تلك االختر !مما ضمن بقاءه على قيد الحياة

وبناء على تلك الحقائق التاريخية يفضل أن تتراوح درجة الحرارة في درجة ٢٠- ١٨مكاتب العمل في الشركات والمصانع والمؤسسات بين

. مئوية، بينما يمكن أن تنخفض إلى أدنى من ذلك المجال في صاالت اإلنتاج

-٣٢٦-

في صاالت اإلنتاج التي تعج باآلالت ويتمثل خطر ارتفاع درجات الحرارة،المصدرة للحرارة على سبيل المثال أو في أيام الصيف الحارة، في أنها تدفع العاملين إلى الخمول أكثر مما تدفعهم إلى النشاط وتسبب تدني مستوى

وغالبا ما يترافق ارتفاع درجات . أدائهم الجسدي والفكري على حد سواءمغلقة مع انخفاض نسبة األوكسجين في الهواء، مما الحرارة في األمكنة ال

يدعو في هذه الحال إلى وجوب تركيب جهاز مكيف أو ضمان التبديل .المستمر للهواء داخل الغرف والصاالت

تأثير اإلضاءة

وهناك الكثير من الدراسات التي تبحث في تأثير اإلضاءة على اإلضاءة غير المباشرة ومن نتائج تلك الدراسات أن. مستوى أداء اإلنسان

تضمن توزعا متجانسا للضوء في الغرفة أو فوق صفحة الكتاب أو على ولذلك يسهل التركيز في هذه الظروف، بينما . سطح المكتب وما إلى ذلك

يجذب التباين في تركيز اإلضاءة النظر إلى األماكن المضاءة أكثر من لى التركيز، مما يسبب تدني إذا فاإلضاءة المباشرة تضعف القدرة ع. غيرها

مستوى األداء والشعور بالتعب في الوقت ذاته بسبب الحركة المحمومة للعين وتنقلها بين األشياء وانجذابها بصورة شبه سحرية إلى منابع الضوء

ولعل تفسير ظاهرة ارتياح العين للكتابة السوداء على . بين الحين واآلخرلكتابة البيضاء على الورق األسود ينطلق الورق األبيض أكثر من ارتياحها ل

من أن العين ستحاول تلقائيا، وربما بسبب العادة، أن تعتبر المساحة البيضاء - فتكون الكلمات في حال الكتابة البيضاء هي الخلفية - هي الخلفية

وستتعب العين في هذه الحال من التفتيش عن التضاريس السوداء واستقراء !منهاالحروف والكلمات

كما أجريت دراسات وأبحاث كثيرة لتحديد األثر المتعب لأللوان وللضوء الملون على اإلنسان، ونتج عنها على سبيل المثال أن للضوء

-٣٢٧-

األخضر واألزرق المخضر األثر المتعب األقوى بين األلوان وأن للضوء وبخالف ذلك فإن للضوء . األصفر واألصفر المحمر األثر المتعب األضعف

اللون الرمادي المخضر األثر المنبه األضعف، بينما يمتاز الضوء أواألصفر واألصفر المحمر أي البرتقالي بقدرة كبيرة على التنبيه واإلثارة، ولذا فهي تصلح أكثر من غيرها لالستخدام في شاخصات اإلنذار وفي طالء

سعاف نحو سيارات اإل(المركبات التي يستدعي استخدامها إثارة االنتباه ).والشرطة وغيرها

وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن السطوح العاكسة والتي كثيرا ما تستخدم في المكاتب وفي آالت اإلنتاج تخفض من قدرتنا على التركيز واالستيعاب

ومن هنا ينصح بعدم استخدام السطوح العاكسة واستبدال . تخفيضا كبيراك أثر اقتصادي مزدوج، فبجانب ولذل! الورق اللميع بورق عادي غير عاكس

التوفير في الثمن هناك أيضا توفير في الحركات المتعبة للعينين ومحاولتهما باستمرار تغيير فتحتيهما للمحافظة على مستوى واحد من كمية الضوء

.الداخلة إليهماوعلينا أال ننسى أثر الوضعية الصحيحة للجلوس والوقوف أثناء العمل،

الوضعية صحيحة وكلما وفرنا في الحركات اإلضافية وغير فكلما كانت تلكويندرج في هذا . الضرورية، كلما قللنا من التعب ورفعنا من مستوى أدائنا

السياق تحديد مستوى الجلوس الصحيح والميل السليم لمساحة العمل أو ففي بعض أمكنة العمل السيئة التصميم يقوم العامل بحوالي . لسطوح اآلالت

من حركاته دون جدوى، وهذا ما يؤدي بالطبع إلى انخفاض % ٦٠-٢٠ !مستوى أدائه بالنسبة ذاتها

وال يمكن بطبيعة الحال التحكم التام بمقدار الحركات غير الضرورية فمن الضروري إدخال بعض االستراحات . أثناء العمل واالستغناء عنها كليا

آلخر، ألن لذلك أثر وبعض التغيير في وضعية الوقوف أو الجلوس من وقت

-٣٢٨-

مريح لبعض العضالت التي يصيبها نصيب كبير من اإلجهاد أثناء العمل كما !إن ذلك من شأنه أن يجنب العامل العصبية والتعب وفقدان التركيز

الذي (ومن المعروف منذ زمن بعيد في مجال الطب السيكوسوماتي التغذية أن هناك وفي مجال فيزيولوجيا) يعنى بالعالقة بين الجسد والنفس

فغددنا الصم تتأثر بصورة . عالقة وثيقة بين نظامنا الغذائي وحالتنا النفسيةخاصة بمواد كيميائية موجودة في الغذاء، وهي تفرز بدورها موادا في الدم . لها أثر كبير على مزاجنا ونشاطنا ودرجة تعبنا وقدرتنا على إنجاز األعمال

مية قد تطرق إلى األثر الذي تتركه الفيتامينات ولعل الكثير من المراجع العلولما كانت مطاعم المصانع والشركات . والعناصر النادرة في هذا السياق

والتي تنظر في كثير من األحيان إلى موضوع تقديم الطعام من منظار (تتحكم بنظام تغذية العاملين إلى حد بعيد، فإن سوء أداء ) اقتصادي بحت

عاملين قد يجد له سببا في النظام الغذائي غير المتوازن شريحة كبيرة من الالذي يتبعونه، حيث إنهم غالبا ما يعتمدون اعتمادا أساسيا على ما يقدم لهم في مكان العمل دون االنتباه إلى ضرورة مساندة نظامهم الغذائي بمواد مفيدة

للعاملين في ولذا فإن مراقبة وجبات الطعام التي تقدم . وضرورية في البيتالشركات والمصانع من قبل مختصين في علوم التغذية والصحة وتأمين وجبات متوازنة ومتكاملة ومتنوعة إنما يصب في مصلحة تلك الشركات

وبالطبع يجب االنتباه أيضا إلى موضوع التخمة التي قد . والمصانع أيضاى مستوى األداء تسبب الكثير من األمراض الجسدية والنفسية وتؤثر سلبا عل

ولكن خطر التغذية غير المتكاملة في المصانع والشركات يبقى . بشكل عام .أكبر من خطر التخمة

وال بد أن نذكر هنا أن للضجيج أيضا أثرا بالغ األهمية على مستوى ومع أن تفادي الضجيج كليا أمر مستحيل . أداء العامل في المجال الفكري

في مكان واحد، يجب االنتباه إلى عدم تخطي حد عندما يجتمع عدد من الناسمعين من الضجيج وبخاصة المحافظة على مستوى معين منه وعدم السماح

-٣٢٩-

ولقد أظهرت الدراسات أن مستوى غير معدوم ولكنه ! بتغيرات كبيرة فيهمتدن من الضجيج له أثر إيجابي على درجة تركيز اإلنسان وعلى مستوى

في ذلك إلى أن اإلنسان عندما يتعرض لمستوى وربما يعود السبب. أدائهثابت وغير مبالغ فيه من الضجيج، يحاول جاهدا وعن وعي وقصد أن يركز

وبالطبع يكلفه ذلك . اهتمامه على عمله وأال يصرف انتباهه إلى أمور أخرى. المزيد من الطاقة مما يجعله يشعر بالتعب أكثر مما لو انتفى الضجيجي تماما

ثر السلبي للضجيج يكون أكبر بكثير إذا كان مستوى الضجيج ولكن األ .يتأرجح بشدة وبخاصة عندما يتخطى العتبة المسموح بها

ومن جهة أخرى فإن رتابة العمل هي أيضا سبب من أسباب ولكي نحصل على ديمومة مستوى األداء المرتفع . انخفاض مستوى األداء

ان بطريقة تضمن تركيز الجزء لدى العاملين، يجب أن نخاطب ذكاء اإلنسفعندما تصبح األعمال . األكبر من انتباهه على العمل المطلوب إنجازه

المطلوب إنجازها رتيبة وعندما ال تتطلب الكثير من االهتمام، يبدأ الملل ة بالظهور وتتحرر لدى العالم قوى فكرية وجسدية فائضة غير مستغل

قد سيطرته عليها وتقف بدورها يستخدمها بالشروع بنشاطات جانبية يفعائقا في طريق إنجاز األعمال والمهام األساسية وتؤدي إذا إلى انخفاض

ومن المعروف أن مجال التحليق في فضاء الخيال والهذيان . مستوى األداء. والرغبات هو أحد أهم أسباب اضطرابات األداء بالنسبة لألعمال الروتينية

ي جميع الحاالت أن يكسر العامل رتابة عمله ولما كان من غير الواقعي فالمكلف به، بحيث يواجه دائما تحديات جديدة، ينصح هنا باالستعانة

وال تصلح لهذا الغرض سوى الموسيقى . بالموسيقى الهادئة كحل بديل !الصرفة المجردة من الكلمات

تبقى وبينما يمكننا بسهولة نسبيا التحكم بجميع تلك العوامل الخارجية، المشكلة األساسية هي التحكم بالعوامل السيكولوجية الداخلية التي تحدد مستوى

ولذا تقع على عاتق إدارة الشركة العصرية مسؤولية خلق . أداء كل إنسان

-٣٣٠-

الظروف المناسبة لكي يحقق العامل ذاته في مكان عمله دون حاجته إلى ودون أن تكون حياته مليئة المبالغة في التفكير بمشاكله الشخصية أو العائلية

وبوسعنا . بالخوف والقلق على مكان عمله وعلى عالقاته بزمالئه وبرؤسائهإن العامل السعيد هو القادر على اإلنجاز والعطاء وتقديم : أن نختم بالقول

.األفضل

-٣٣١-

.XI سيكولوجيا الزواج والشراكة احلياة

هي المجال -ة بشكل عام وحياة الشراك-ال شك أن الحياة الزوجية الذي تنشأ وتظهر فيه أقوى المشاعر والعواطف اإليجابية، ولسوء الحظ،

. فهنا تكمن قمة سعادة اإلنسان وجذور تعاسته في الوقت ذاته. السلبية أيضاولذا فإن اختيار الزوج أو الزوجة، شريك الحياة أو شريكة الحياة يفوق اختيار

.السعادة الحقيقية البعيدة المدىالمهنة أهمية وأثرا على الناس بعلم النفس لفهم وحل مشاكلهم في " يستغيث"وال عجب هنا أن

مجال الزواج والشراكة في الحياة أكثر مما يفعلون في مجاالت الحياة وبوسعنا من حيث المبدأ تطبيق جميع ما أوردناه سابقا من حقائق . األخرى

كما إن جميع . المجال الحيوي أيضاوعالقات وخبرات سيكولوجية في هذانحو علم النفس التربوي وسيكولوجيا الدعاية وعلم التحفيز (فروع علم النفس

قادرة على تقديم خدمات مهمة ) وعلى وجه الخصوص سيكولوجيا الصراعولعل هذه الحقيقة تزيد من استغرابنا من . لبناء عالقة زوجية أو شراكة ناجحة

رتب ويعقد عندنا دون جهد يذكر لفهم واستيعاب الحيثيات أن الزواج ما زال يالسيكولوجية التي تحكم هذه العالقة الحيوية، كما إن قرار الطالق أو االنفصال من الناحية األخرى كثيرا ما يتخذ قبل استنفاد الفرص التي تعتمد

في على الخبرات والوصفات السيكولوجية التي يقدمها علم النفس التطبيقي .حل الصراعات والنزاعات بين الشركاء

وإننا على يقين تام بأن جزءا كبيرا من التعاسة في الحياة الزوجية وحياة الشراكة كان من الممكن تفاديه، لو طبق الشركاء أبسط الخبرات

-٣٣٢-

والقواعد السيكولوجية في اختيار الشريك وفي بناء عالقة الشراكة على وجه أن عددا كبيرا من حاالت الطالق والتشرذم العائلي مما ال شك فيهو. سليم

كان من الممكن تفاديها، لو لجأ األطراف في الوقت المناسب إلى الخبرات السيكولوجية في محاولة عدم الوقوع في الصراع أو محاولة السيطرة عليه

.وحله حال مرضياقه أن ولو أردنا اإلسهاب لوجب علينا لكي نعطي هذا الفصل المهم ح

نورد جميع تطبيقات ما تعلمناه في الفصول السابقة من حقائق سيكولوجية ولكننا سنحاول تفادي التكرار . على موضوع الزواج والشراكة في الحياةومن هذه األفكار مسألة اختيار . واالكتفاء بالتطرق إلى بعض األفكار المهمة

كان ذلك بصورة الشريك ومسألة ما يتوقعه كل طرف من الطرف اآلخر، أ: ومن ثم سنناقش مسائل محددة نحو. مقصودة واعية أم انطالقا من الالوعي

من يناسب من؟ وما هي العوامل الحرجة المخربة في الزواج وما هي العوامل المدعمة له؟ وأخيرا سنتطرق إلى الحقائق السيكولوجية التي تحكم

.واج والشراكة في الحياةعملية التواصل وإلى تطبيقها في إنجاح إدارة الز

:المبادئ األساسية للزواج وعالقتها بالدوافع السيكولوجية - ١ ماذا يتوقع كل طرف من الطرف اآلخر؟

عندما نغض الطرف عن الدوافع الخارجية المادية التي يسعى اإلنسان إلى تحقيقها وإشباعها في العالقة الزوجية أو عالقة الشراكة مع إنسان آخر،

أن يحظى ببيت يأويه وحياة مرفهة على سبيل المثال، ال يبقى كأن يأمل ب. سوى الدوافع الداخلية السيكولوجية التي تغذي العالقة وتبقيها على قيد الحياة

وبالطبع يحظى عامل اإلثارة وإشباع الدوافع الجنسية بدور مهم في جميع العامل بالنسبة القرارات المتعلقة باختيار الشريك للعيش معه، ولكن أهمية هذا

للعوامل السيكولوجية الكثيرة األخرى يختلف من شخص آلخر تبعا لنمط فبينما يكون إشباع الرغبة الجنسية مع الشريك المحبوب . تحفيزه األساسي

-٣٣٣-

بالنسبة لشخص ما أهم ما يسعى إليه في عالقته معه، ال يتعدى ذلك بالنسبة ى األمور األخرى التي لشخص آخر كونه نقطة إيجابية إضافية تضاف إل

.يراها أكثر أهمية والتي يبحث عنها في عالقته مع شريك حياتهوال شك أن اختيار شريك الحياة يأتي عموما في مرحلة من مراحل تطور الحياة يكون فيها لإلثارة الجنسية دور متميز وإلشباع الرغبة الجنسية

بأن األمر ربما يكون وقد صدق من قال. أولوية على إشباع الرغبات األخرىمن خدع الطبيعة التي كانت ستخشى فناءها لو انتظر " خدعة"حكمة إلهية أو

كل فرد في قراره الختيار شريكه حتى ينبع هذا القرار عن دافع آخر غير !دافع إشباع الرغبة الجنسية

أن يبقى متخفيا " يريد"وعالوة على ذلك فإن من طبيعة دافع الجنس أنه فغالبا ما . ع أخرى تصب في نفس النتيجة التي يسعى إلى تحقيقهاخلف دواف

قاعدة "أو عن " تناغم االهتمامات الفكرية والروحية"ندعي أننا نفتش عن ، عندما نكون في الواقع نسعى إلى إشباع رغبتنا "عريضة للتفاهم المتبادل

!الجنسية والعاطفيةيز األول والذي يحكمه وهكذا فإن اإلنسان الذي يتوجه وفق نمط التحف

، )انظر الفصل الثاني من هذا الكتاب(القبول االجتماعي والمقام الرفيع سيبحث في بداية األمر عن شريك يرفع من مقامه ويدعم تقبل اآلخرين له

وعلى الشريك في هذه الحال تبعا لتصورات إنسان نمط التحفيز . وإعجابهم بهوعليه عالوة ". ن التباهي به أمام اآلخرينيمك"األول أن يبدي مظهرا خارجيا

على ذلك أن يهتم بكل ما هو جديد وأن يكون وقبل كل شيء على استعداد من جهة ولمساعدته على رفع ) إنسان نمط التحفيز األول(لإلعجاب بشريكه

.مقامه لكي يحصد القبول واإلعجاب من قبل اآلخرين من جهة أخرى جديد تعني أن على الشريك أيضا أن ولكن صفة االهتمام بكل ما هو

يكون من نمط التحفيز األول ولذلك فهو سيسعى بدوره لتحقيق المقام الرفيع

-٣٣٤-

وفي ذلك تناقض . والوجاهة لشخصه ولن يأبه كثيرا لإلعجاب بشريكه يونغ . ج. س"معروف من تناقضات الطبيعة البشرية والتي أشار إليها الباحث

C. G. Jung"أن مساعي اإلنسان وتطلعاته المنبثقة عن عقله ، عندما وجد وهذا ما يظهر هنا على الشكل . الواعي تجد ما يعاكسها في عقله الباطن

إن اإلنسان الذي يسعى إلى المقام الرفيع يبحث عن شريك يساعده : التاليولكن عندما يكون الشريك أيضا يسعى إلى المقام . على تحقيق مسعاه هذا

ينا سابقا، فإن الصراع يكون حتميا داخل كل من الشريكين، الرفيع، كما رأ .وبناء عليه بينهما أيضا

وبالطبع يتوقع إنسان نمط التحفيز الثاني الذي يسعى نحو األمان فشاب هذا النمط . والطمأنينة أن يوفر له شريكه ما يسعى إليه قبل كل شيء

غيور حنون، وربما على سبيل المثال سيبحث عن فتاة تكون له بمثابة أم. يبحث عن امرأة أكبر منه سنا وتوحي له بالبلوغ والهدوء والخبرة في الحياة

وبالمقابل تبحث فتاة هذا النمط عن شاب يؤمن لها الضمان المادي واالستقرار وإذا وقع إنسان النمط الثاني على شريك من النمط . النفسي والحماية العاطفية .اني الطرفان من اإلحباط كبير جداذاته، فإن احتمال أن يع

وأما إنسان نمط التحفيز الثالث الذي يسعى إلى إقامة عالقات الثقة مع فبوسعه دون جهد كبير . من حوله، فهو الشريك المثالي لجميع األنماط األخرى

أن يتكيف مع شريكه أيا كان نمط تحفيزه وأن يقيم معه عالقة ترضي دافعه . ة وترضي الطرف اآلخر من خالل تقديم الوالء والوفاء لهنحو الثقة المتبادل

، إلى "مثل أعلى"ومن حيث المبدأ فإن إنسان النمط الثالث يتوق دائما إلى وأفضل من يقوم بهذا الدور . شخص يقود الشراكة ويكون دعامتها األساسية

نشوء وال نتوقع . بالطبع هو إنسان نمط التحفيز الخامس أو نمط التحفيز األولصراع بين إنسان نمط التحفيز الثالث وشريكه إال في حاالت نادرة، وذلك

، وهذا ما قد يحدث "المثل األعلى"عندما يرفض شريكه بعناد أن يؤدي دور .عندما ينتمي الشريك إلى نمط التحفيز الرابع على وجه الخصوص

-٣٣٥-

ويبحث إنسان نمط التحفيز الرابع الذي يلتزم بالمبادئ والقواعد والمعايير واحترام العهود والدقة في المواعيد عن شريك يناسب تصوراته

واألفضل إذا أن يكون الشريك أيضا من نمط التحفيز الرابع . وقناعاته تلكوال شك أن إنسان نمط التحفيز . ذاته، ألنه األقدر على تحقيق تلك الشروط

وأما إنسان . ابعاألول سيفشل تماما في العيش كشريك مع إنسان النمط الرالنمط الثاني، فمع أنه خيار وارد، إال أنه سيعاني كثيرا في حياته بجانب

ولعل احتمال نجاح حياة الشراكة بين شخصين . شريك من نمط التحفيز الرابعأحدهما ينتمي إلى نمط التحفيز الرابع واآلخر إلى نمط التحفيز الخامس أمر

ز الخامس في سعيه نحو االستقالل شبه مستحيل، ألن إنسان نمط التحفيوالتحرر من جميع القيود يعارض تطلعات وآمال شريكه في االلتزام

ولم يبق إذا سوى إنسان نمط التحفيز الثالث شريكا مثاليا إلنسان ! بالشراكةوعلى ". مثال أعلى"النمط الرابع، شريطة أن يكون على استعداد ألن يكون له

ع من ينتمي إلى نمط التحفيز الرابع تبقى محفوفة العموم فإن الشراكة مبالمشاكل والمخاطر، عندما يبالغ في تقيده بالقوانين والقواعد وفي طلبه من

ألن كل شراكة ناجحة ويسودها التناغم نوعا ما، . اآلخرين االلتزام بها أيضا ولكن هذا ما سيرفضه! ال بد أن تعتمد على حد أدنى من المرونة والتسامح

إنسان النمط الرابع، حيث سيطلب االنصياع الكامل للمبادئ والقواعد إنسان النمط الرابع على شريك من النمط ذاته، " يقع"وحتى عندما . واالتفاقات

فإن احتمال حدوث المشاكل وارد جدا، ألن مضمون المبادئ التي يلتزم بها ن يصر كل وال شك حينئذ أ. أحدهما قد يختلف عن مضمون مبادئ اآلخر

.طرف على وجهة نظره ويرفض كليا وجهة نظر الطرف اآلخروأخيرا فإن إنسان نمط التحفيز الخامس الذي يتميز باالستقالل وتحمل المسؤولية يرغب أن يحتفظ في عالقته الزوجية أيضا بأكبر قدر ممكن من

ولذا . اللاالستقالل، كما يترك بدوره لشريكه هامشا كبيرا من الحرية واالستقوهناك احتمال ال بأس به أن . فإنه سيبحث في الغالب عن شريك من نمطه

-٣٣٦-

. تنجح عالقة إنسان النمط الخامس مع شريك من نمط التحفيز األول أو الثالثمع أن ما يسعى إليه إنسان النمط الثالث من عالقة ثقة وطيدة مع شريكه قد

وأما عالقته بإنسان . ستصطدم بمعارضة قوية من قبل إنسان النمط الخامنمط التحفيز الثاني فغالبا ما ستقود إلى صراع ونزاع، سببهما أنه ينظر إلى إنسان نمط التحفيز الثاني على أنه قليل النشاط والمبادرة وأنه يجده فضال عن

!ذلك بخيالتقتصر " إن الطيور على أشكالها تقع"وهكذا يتضح مما سبق أن مقولة

سيكولوجيا التحفيز على بعض الحاالت فقط، بينما يصح صحتها من منظار .في الحاالت األخرى" تجاذب األضداد"الحديث عن

وعلينا دائما عندما نناقش مسألة توافق أنماط التحفيز وما يتوقعه كل طرف من الطرف اآلخر أن ننتبه إلى حقيقة مهمة تقول بأن أنماط التحفيز

ثابتة وشخصية تالزم اإلنسان من المهد إلى التي تحدثنا عنها ليست أنماطااللحد، إنما هي مواقف تتغير بتطور اإلنسان وبخاصة عندما يصل إلى إشباع أو إرضاء دافعه األساسي، فيبرز حينذاك الدافع التالي من حيث الشدة إلى

وهكذا . رأس هرم الدوافع ليصبح هو الدافع الذي يحدد نمط التحفيز الجديد .لسليم للشريك قد ال يكفي للعيش بسالم مدى الحياةفاالختيار ا

فقد ينتمي المرء على سبيل المثال حين اختيار الشريك إلى نمط التحفيز ولهذا . األول ويصبح بعد عامين من الحياة الزوجية تابعا لنمط تحفيز آخر

السبب تحديدا، وألن تطور الشريكين ال يسير دائما في االتجاه ذاته، يمكننا القول أن نشوء بعض الخالف أو الصراع أمر ال بد منه في حياة الشراكة بين

وسنناقش فيما يلي آليات مفيدة للتواصل بين الشريكين من شأنها أن . شخصينولعلنا . تساعدهما على السيطرة على حاالت الخالف أو الصراع تلك

سليمة نستوضح أكثر فأكثر ومن خالل خبراتنا المتراكمة أن المواقف الوالعقالنية والمفيدة في الشراكة يجب أن تكتسب بكثير من الصبر والجهد، وأننا ولسوء الحظ ال نستطيع االعتماد على قدراتنا الموروثة في حل مشاكلنا

-٣٣٧-

مع الشريك، بل ال بد من تعلم آليات ومواقف جديدة ومفيدة في التواصل .ت آلخرالسليم مع الشريك وحل النزاع الذي قد يحصل من وق

االنطواء على الذات واالنبساط على اآلخر في عالقة الزواج أو الشراكة - ٢لقد سبق لنا أن أشرنا إلى أن اإلنسان االنطوائي المنكفئ على نفسه نادرا ما يلقى التقبل واإلعجاب من قبل اآلخرين من حوله، على عكس

أن اإلنسان وهذا يعود إلى . اإلنسان االنبساطي المنفتح على اآلخريناالنطوائي ومن خالل تركيزه على أهدافه الخاصة والشخصية وانشغاله التام

ولكن من ال يهتم باآلخرين ويبقى . بنفسه ال يظهر عادة أي اهتمام باآلخرينمنشغال بنفسه لن يحصد بطبيعة الحال أي اهتمام من قبلهم وسيبقى معزوال

إذا، . د للعطاء إال عندما يلقى مقابالفاإلنسان عامة ال يكون على استعدا. عنهم .من يعزل نفسه يعزل من قبل اآلخرين أيضا وبصورة شبه تلقائية

وعلى العكس من ذلك فإن اإلنسان االنبساطي يمتاز عن االنطوائي بأنه يحظى بإعجاب ومحبة الجميع، ألنه يتعامل مع الناس ويندفع نحوهم ببساطة

ه يشاطرهم أفراحه وأتراحه ويبدي استعدادا لمشاركتهم وبعيدا عن التعقيد، كما إنأفراحهم وأتراحهم ويوزع على اآلخرين المالطفات ويتقبلها منهم بصدر رحب

وبينما يحتضن اإلنسان االنطوائي أفكاره وهواجسه ويدرسها ويبالغ في . وبسروراره تلقائيا التفكير بكل كلمة قبل أن يفصح عنها، نجد اإلنسان االنبساطي يطور أفك

وهكذا فإن اإلنسان االنبساطي يميل إلى التقلب . أثناء حديثه مع اآلخرين .واالرتجال بينما يميل اإلنسان االنطوائي إلى المنهجية وااللتزام والحزم

كرتشمر "وإذا ما أخذنا علم نماذج الشخصية الذي طوره الباحث Kretschmer "ط البنية الجسدية بالبنية باالعتبار والذي يعتمد على مسلمات ترب

الشخصية النفسية لإلنسان، فإن بوسعنا أن نربط نموذج اإلنسان النحيف بنموذج اإلنسان االنطوائي، بينما يرتبط نموذج اإلنسان المكتنز بنموذج

.اإلنسان االنبساطي

-٣٣٨-

ويخشى لدى الشخص االنبساطي من تقلبه ومن ميله إلى الدخول في ع قد تتبدل أو تنقطع بسرعة، بينما يخشى لدى عالقات سطحية مع الجمي

الشخص االنطوائي من مبالغته في التركيز على الشريك وإقحامه في جميع مسائله الخاصة ومن أنه سيطلب من شريكه الكثير الكثير ومن أنه سيبالغ في

.االهتمام بتنفيذ العهود المبرمة تنفيذا حازماعاني من أية مشكلة أثناء إقامة ومن هنا فإن الشخص االنبساطي ال ي

. العالقة أو الدخول في الشراكة، بينما يصعب ذلك على الشخص االنطوائيوعلى العكس من ذلك فإن الحفاظ على العالقة ورعايتها يصعب على الشخص االنبساطي الذي ال يميل إلى المتابعة والتحمل وااللتزام ويفضل

االنطوائي الكثير من االلتزام والتحمل التبديل والتغيير، بينما يظهر الشخص والصبر، وهو لذلك دون أدنى شك قادر على الحفاظ على العالقة التي تسير

ولكن المبالغة في االلتزام وطلب ذلك من الشريك يبدو بعيدا . وفق تصوراتهعن الواقع، إذ إن العالقات بين البشر تتطلب حدا أدنى من المرونة والتسامح

وهذا ما يتناقض مبدئيا مع طبيعة الشخص االنطوائي الذي ال . سابقاكما رأينا .يستطيع أن يظهر القدر الكافي من المرونة في عالقاته

وإذا أخذنا باالعتبار أن كال من اإلنسان االنبساطي واإلنسان االنطوائي يتوق في عقله الباطن الالواعي إلى نظير من النمط اآلخر، فإننا نفهم

ل الكبير لوقوع االنبساطي في بحثه عن شريك له على شخص االحتماانطوائي، ووقوع االنطوائي على انبساطي؛ وكأن كل طرف قد وجد في الطرف اآلخر ضالته أو نصفه اآلخر وأنه باتحاده معه يكون قد اقترب من

وال شك أن هذا االعتقاد بأن كل طرف في العالقة يكمل الطرف . الكمالفالحقيقة تظهر أن كل طرف يحافظ . كل شوقا أبديا لإلنساناآلخر سيبقى يش

داخل شراكة األضداد على قسط كبير من التفرد والكيان المستقل، وما .االعتقاد باالنصهار الكلي لكل طرف مع الطرف اآلخر إال مجرد وهم

-٣٣٩-

ومن الطبيعي أن نتوقع نشوء حاالت كثيرة من الخالف في العالقة بين فإذا ما أراد . عندما يرتبط شخص انبساطي بآخر انطوائيشخصين، وبخاصة

االنبساطي على سبيل المثال الخروج من المنزل للترويح عن نفسه، نجد االنطوائي يفضل البقاء في البيت؛ وبينما يفرح االنبساطي بالمرح والمزاح وسرد الحوادث المختلفة، ال يلبث االنطوائي أن يشعر بالملل من كل ذلك

مناقشة مشكلة جدية ما مناقشة وافية ومعمقة ومنهجية؛ وفي الوقت ويفضلالذي نجد فيه االنبساطي يتعامل مع خططه وأموره الشخصية بانفتاح ويشارك اآلخرين أخباره ومشاريعه، يفضل االنطوائي التعامل مع األمور الشخصية

صية ببالغ الحذر والتحفظ واألمانة ويحرص على التعامل مع األمور الشخفقد ينسى االنبساطي على سبيل المثال بكل بساطة ذكرى . معاملة خاصة

زواجه عندما يكون برفقة زوجته في رحلة ترفيهية مثيرة، بينما لن يفهم الطرف اآلخر هذا التصرف إذا كان من النمط االنطوائي وسيشعر باإلحراج

خص انبساطي وهكذا فإن احتمال نجاح العالقة بين ش. واإلهانة من جراء ذلكوفي حال نجاح العالقة، . وآخر انعزالي ضئيل جدا، إن لم نقل أنه معدوم

.ستكون عالقة يحكمها الصراع المستمر

هل الطبيعة االنطوائية أو االنبساطية لإلنسان ثابتة أم قابلة للتبدل؟ - ٣ال شك أن هذا التساؤل يطرح نفسه مباشرة عندما ندرك مدى أهمية

.لشخصين في استقراء نجاح العالقة بينهماتحديد طبيعتي ااالنبساطية (ومع أن هذين الموقفين الشخصيين أو هاتين الصفتين

هما صفتان نمطيتان تعبران عن شخصية اإلنسان، إال أنه ال يمكننا ) واالنطوائية. النظر إليهما بعيدا عن المؤثرات البيئية بما فيها العوامل التربوية المختلفة

لذي يعاني في حياته عددا من اإلخفاقات أكبر من عدد النجاحات التي فالشخص ايعيشها، يدفع بطريقة ما إلى اتخاذ موقف انطوائي في المجتمع حتى إذا كان

فمع تكرار حاالت الفشل واإلخفاق ! انبساطيا في مرحلة سابقة من حياته

-٣٤٠-

اهتمامه على سينسحب ذلك الشخص شيئا فشيئا من بيئته االجتماعية ويركز وفي المقابل يمكننا أن . أموره الشخصية حتى تطغى عليه الصبغة االنطوائية

نتصور شخصا كان انطوائيا في مرحلة سابقة من حياته وأصبح مع مرور .الزمن وبتكرار نجاحه فيما يقوم به أكثر انبساطا وانفتاحا على اآلخرين

ها مساعينا من قبل الناس بحد ذاتها التي تحظى ب" التقوية"ولعل فكرة المحيطين بنا تكفي لكي نعتقد أن ليس هناك داع حقيقي يجعل االنبساطي بيننا انبساطيا إلى األبد واالنطوائي انطوائيا إلى األبد، بل إن التعامل مع اآلخرين

فاالنطوائي على سبيل المثال . يعدل من حدة األمور ويقضي على التطرفقعته وينفتح قليال على اآلخرين، فإنه غالبا ما يلقى عندما يخرج مرة من قو

تشجيعا ونجاحا يجعالنه متحمسا لتكرار هذا التصرف مما يدفعه قليال باتجاه ولكننا قد ال نستطيع توقع حدوث ذلك في العالقة الزوجية أو . االنبساطية

ئي من عالقة الشراكة، فليس من المتوقع على سبيل المثال أن يميل االنطواخالل التعامل مع شريك انبساطي إلى االنبساطية، وذلك بسبب التناقض الصريح والصارخ بين ما يتوقعه كل طرف في العالقة من الطرف اآلخر

.في هذه الحال" التقوية"وبسبب انعدام مفعول ولذا ينصح عند اختيار الزوج أو الشريك أن يختار االنطوائي انطوائيا

طيا، ال أن يختار المرء شريكه من طبيعة مغايرة تماما واالنبساطي انبسافهذا االختيار السليم من شأنه أن يسهل األمور مبدئيا ويحمي العالقة ! لطبيعته

.من صراع محتوم ودائموبالطبع فإن أية من الطبيعتين االنبساطية واالنطوائية ليست بالضرورة

هناك طبيعة غالبة لدى شخص وإذا كانت. واضحة ومسيطرة في جميع الحاالت. ما، فليس من الضروري أن يعي ذلك الشخص تلك الطبيعة ويحددها بوضوح

فالغالبية العظمى من الناس يميلون إلى الحكم على أنفسهم بأنهم انبساطيون في ". مختلطة"حاالت معينة وانطوائيون في حاالت أخرى، أي إنهم من طبيعة

.خص المناسب للشراكة من هذا المنظارويتعذر حينئذ تحديد طبيعة الش

-٣٤١-

العالقة بين الطبيعتين االنبساطية واالنعزالية وأنماط التحفيز - ٤لقد وجدنا في تحديد طبيعة اإلنسان، أكان انطوائيا أم انبساطيا، عامال مهما بالنسبة لنجاح العالقة الزوجية أو عالقة الشراكة، يشبه في

بوسعنا أن نحاول ربط الخاصة االنبساطية أو و. أهميته عامل نمط التحفيزاالنطوائية بأنماط التحفيز المختلفة، ولو أن ذلك يبدو من الصعوبة بمكان

من الصعب ربط . ويخضع في كثير من الحاالت لشروط ومحددات أخرىأي بنمط التحفيز (الطبيعة االنطوائية مبدئيا بالموقف الحفزي الرابع

ا ، ألننا ال نستط)الرابع يع أن نتصور على المدى البعيد إنسانا انبساطيوينتمي في الوقت ذاته إلى ذلك النمط من التحفيز؛ فاالنبساطية تعني فيما تعني أن يتخلى اإلنسان عن المبالغة في االلتزام الصارم بالمبادئ والميل

وفي هذه الحال يتخلى إنسان نمط . إلى المرونة في التعامل مع اآلخرينز الرابع عن أهم خاصة من خصائص هذا النمط وال يمكننا بعد ذلك التحفي

فكما . أن نصنفه بين صفوف هذا النمط، بل ال بد أن ننقله إلى نمط آخررأينا سابقا يمكن لإلنسان أن يبدل نمط تحفيزه وينتقل إلى حالة حفزية

وهذا ما قد . جديدة مع مرور الزمن وتحت تأثير بيئته وصفاته األخرى .دث مرارا في حياة اإلنسانيح

وبالمقابل ال يمكننا أن نتصور إنسانا انطوائيا وينتمي في الوقت ذاته إلى نمط التحفيز األول، ألن السعي وراء الشهرة والمقام الرفيع في المجتمع

واالحتمال األكبر هو أن يكون إنسان نمط . يناقض تماما الخاصة االنطوائيةومن ناحية أخرى فإن خاصة اإلنسان االنبساطية . ياالتحفيز األول انبساط

.تشجعه على أن يكون من نمط التحفيز األولوبطريقة مشابهة يمكننا القول بأن إنسان نمط التحفيز الثالث يتصف

، أي بالشخص الذي "بمثله األعلى"باالنبساطية في أغلب األحيان ألنه يهتم !مامه بذاتهينسب إليه أهم أمور حياته، أكثر من اهت

-٣٤٢-

وعلى العكس من ذلك فإن إنسان نمط التحفيز الثاني يتصف في أغلب الحاالت باالنطوائية، ألن تخوفه من عالقاته مع اآلخرين وخجله وحياءه في تعامله معهم، كل ذلك يجعله يتراجع وينكفئ على ذاته لتفادي الشعور بالخوف

.والخجل والحياء فيتصف في أغلب الحاالت وأما إنسان نمط التحفيز الخامس

باالنبساطية، ألنه في مسعاه نحو االستقالل والدور القيادي وتحمل المسؤوليات يوجه نظره دائما نحو اآلخرين، فأولئك يشكلون القيود التي يريد

كما إن واقعية . التخلص منها والوسط الذي سيمارس من خالله دوره القيادي مع االنطوائية الصرفة وتفسح المجال إنسان نمط التحفيز الخامس تتعارض

.أمام االنبساطيةومع تغير الموقف الحفزي لإلنسان أي مع تغير نمط تحفيزه تتغير بصورة أو بأخرى وبما يتفق مع نمط التحفيز الجديد نسبة الجزء االنبساطي

وال يعني ذلك أن ثبات هذه النسبة طوال . إلى الجزء االنطوائي في شخصيتهفقد نجد على . سان وبرغم تغيرات الظروف المحيطة أمر غير واردحياة اإلن

سبيل المثال أناسا، ممن يغلب على طبيعتهم الفرح والمرح واالنفتاح على كما نجد أناسا يغلب على . اآلخرين، يحافظون على ذلك طوال حياتهم

شخصيتهم الحزن والجدية واالنغالق على الذات ويحافظون أيضا على ذلك الحياة، برغم التقلبات التي قد تطرأ على ظروفهم المعيشية وبرغم مدى

ففي بعض األحيان يبدو أن طبيعة . الحوادث والمناسبات التي قد يمرون بهااإلنسان التي حافظ عليها على مر الزمن ومواقفه في الحياة تتعارض مع

ة الشريكين وهنا نود أن نكرر تأكيدنا على أن طبيع. الظرف الذي يمر به آنياالمتقاربة هي القاعدة المثلى لتطوير مصالح واهتمامات مشتركة بينهما، على الرغم من أن احتمال تغير تلك المصالح واالهتمامات وارد في جميع الحاالت

.كما هي الحال بالنسبة للدافع األساسي لدى كل منهما

-٣٤٣-

هل يمكن التخطيط لضمان التناغم بين الشريكين؟ - ٥سبق إلى أن السمات األساسية لشخصية اإلنسان وآماله نخلص مما

وطموحاته في الحياة هي من المتغيرات، مما يجعل ضمان استمرار التناغم والتوافق بين الشريكين في بعض الحاالت أمرا بالغ الصعوبة، حتى عندما يكون التناغم في المواقف والطموحات قائما في بداية الشراكة أي لحظة

.لشريكاختيار اولقد كان قدر بعض األزواج والزوجات أن يعيشوا مرارة هذه الحقيقة وأن يتذكروا كيف بدأ كل شيء في عالقتهم بتناغم وتوافق ووئام وكيف انتهى بهم األمر إلى تناقض رهيب وتضاد مدمر، وذلك من خالل تطور كل طرف

فقد يبدأ األمر . ةباتجاه مختلف عبر األحداث والتغيرات التي مرت بها العالق !بتطابق كلي في االهتمامات واألهداف والرغبات وينتهي إلى تضاد تام

فال تدوم . وهنا تبرز أهمية االستعداد الدائم والتام للتواصل مع الشريكالعالقة إال بتوفر االستعداد لدى الطرفين للنقاش الدائم وللمرونة والتسامح

وفي حال توفر . ومواقفهما المتغيرةوذلك بغض النظر عن اهتمامات الطرفينهذا االستعداد للحوار الحقيقي البناء يمكننا أن ننظر إلى االختالف في االهتمامات وفي اآلراء والمواقف بين الطرفين من منظار إيجابي، فهذا

وال يمكن . االختالف هو بمثابة وقود يغذي الحوار الدائم والتواصل المستمرفي الشراكة إلى حد ال يقبل معه الحل إال إذا انعدم أن يصل الخالف بين طر

ولذا علينا أن . االستعداد للتواصل لدى أحد الطرفين أو لدى كليهما في آن معانطلب من جميع األزواج والزوجات ومن جميع الشركاء أن يحافظوا على االستعداد الدائم لمناقشة جميع المشاكل والخالفات في وجهات النظر مناقشة

دية بناءة إضافة إلى االستعداد لتقديم التنازالت من أجل تقريب المواقف جوبمجرد انعدام هذا االستعداد لوقت طويل أو قصير تمر . ووجهات النظر

وبهذا نأتي اآلن إلى مناقشة . العالقة بأزمة حقيقية قد تهدد بتدمير العالقة

-٣٤٤-

كولوجي التي يضمن المسألة المركزية المتعلقة بمبادئ وآليات التواصل السي .تطبيقها الحفاظ على حوار الشراكة الحقيقي والفعال

االستعداد للتواصل مع اآلخر هو القاعدة السليمة للشراكة - ٦" يكمله"لقد وجدنا أن اإلنسان في بحثه عن شريك حياته يتوق إلى من

معه في تطلعاته ويدعمها من" يتفق"من جهة وإلى من " حاجته للتكامل"ليشبع وبعبارة أخرى فإنه يتوق إلى أمرين متناقضين يصعب بلوغهما . جهة أخرى

وما شوقه إلى من يكمله إال تعبير عن عدم بلوغ اإلنسان حد . في الوقت ذاتهوأما حاجته إلى من يتفق معه في تطلعاته فهي نابعة من الدوافع . الكمال

.األساسية التي يتوجه وفقها سلوكه العامالتوق إلى الكمال وإلى تأكيد التطلعات (هذين الهدفين ولكن من طبيعة

فكلما اعتقد . أنهما ال يمكن أن يتحققا تحققا تاما ونهائيا) وثبات شرعيتهاالمثالي، أكان نصفا مكمال أم نصفا مؤكدا، " نصفه الثاني"المرء أنه قد وجد

ما مبادئ وهذا يتفق . يكون تصوره عن صورته الذاتية المثالية قد تبدلالتي تقول بأن اإلنسان يحتاج دائما إلى غاية أو هدف يعيش " الفلسفة الغائية"

وفي نهاية ... من أجله، وإذا ما بلغ غايته فإنه يضع غاية جديدة وهكذاالمطاف فإن وجود األهداف والغايات غير المحققة بعد هو سبب نشاطنا

.الجسدي والفكري والروحي المشبعة رغباته جميعها والمحققة أهدافه كافة وال شك في أن اإلنسان

يصبح إنسانا خامال سلبيا غير قادر على استجماع الحفز الالزم للدخول في ومن هذا المنظار فإن الشراكة هي عملية . عالقة شراكة مع شخص آخر

حيوية دائمة التغير والحركة، إنها تواصل دائم يهدف إلى إيجاد الحلول وبلوغ وعلينا أال ننسى أن التناغم التام الدائم المطلق غير موجود، وإنما ما .التناغم

يجب أن نسعى إليه هو تناغم في تطور مستمر يواكب تغير الطرفين في .صفاتهما وتطلعاتهما ومواقفهما

-٣٤٥-

نمطان للتواصل في الشراكة - ٧بوسعنا أن نحصل على تصور واضح وشامل للتواصل الدائم والالزم

عالقة الزواج أو الشراكة انطالقا من نمطين متباينين ومتناقضين للحفاظ علىوأما النمط . نمط التواصل االندماجي ونمط التواصل المهيمن: للتواصل

االندماجي فهو يتوجه إلى االهتمام بالطرف اآلخر ومحاولة مساعدته على تحقيق تصوراته مع اإلهمال التام للتصورات الشخصية التي تناقض تلك

فمن خالل نمط التواصل االندماجي نسعى إلى تحقيق طموح . التصوراتوعلى العكس من ذلك يحاول نمط التواصل المهيمن . اآلخر مع إهمال الذات

تحقيق التصورات والغايات الشخصية مع إهمال اآلخر كليا، وفضال عن ذلك ساعدة ينطلق هذا النمط من أنه على الطرف اآلخر االنصياع وتقديم كل الم

!الالزمة لتحقيق األهداف الشخصيةوفي الواقع ال يتخذ المرء عادة نمطا وحيدا وثابتا للتواصل مع الشريك، فتارة يكون التواصل اندماجيا وتارة يكون مهيمنا، وفي بعض األحيان يكون

ما : والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو. مزيجا من النمطين معا ل األمثل مع الشريك من وجهة النظر السيكولوجية؟شكل التواص

عادة ما يجيب الناس الذين يقيمون عالقة شراكة ناجحة ومتناغمة قائلين بأن تواصلهم مع الشريك يميل إلى االندماج في بعض الحاالت وإلى الهيمنة في حاالت أخرى وذلك تبعا لمزاج الطرفين وحالتهما النفسية ولموضوع

.حوار أو الجدل أيضاالنقاش أو الوقد يتفق الطرفان على تقسيم المسؤوليات في العالقة، بحيث يهتم كل

كأن تهتم المرأة على سبيل المثال . منهما ببعض مجاالت الحياة المشتركةباألمور المالية لألسرة بينما يهتم الرجل بتنظيم العطل والرحالت التي تقوم

.اضيع التي تستدعي النقاشوهذا يخفض بالطبع من عدد المو. بهاوبالرغم من أن هذا االتفاق قد تم التوصل إليه عبر حوار حقيقي وصريح بين الطرفين، ولذلك فهو قد كان في وقت الحوار الحل األمثل، فإننا

-٣٤٦-

. ال نستطيع أن ننظر إليه على أنه الحل األمثل في جميع الظروف واألوقاتألن اهتماماتهما واحتياجاتهما وذلك ألن الطرفين يتطوران باستمرار و

وطموحاتهما تتبدل باستمرار أيضا، وهذا كله ال يمكن أخذه بالحسبان في ! اتفاق نهائي يبرم في وقت ما ولمرة واحدة ويبقى صالحا مدى الحياة

وبوسعنا القول عالوة على ذلك أن مثل هذا االتفاق يقف عائقا في طريق وإذا كانت جميع المواضيع والمجاالت . استمرار التواصل في هذا الموضوع

الهامة في الحياة المشتركة قد نظمت بهذه الطريقة، فإن التواصل يتوقف وال ولعلنا نالحظ مثل . مجال عندئذ للحوار الحقيقي الذي يغذي العالقة ويقويها

هذا التطور في العالقات الزوجية بين المسنين، والذين قد ال يخاطب أحدهم ض الحاالت طوال اليوم، ألنهم قد نظموا جميع أمور حياتهم في اآلخر في بع

"!فعالة"و" مسبقة"اتفاقات وعلى العكس من ذلك، فإن التواصل اإليجابي الفعال بين الشريكين يجب أال يعتمد على أن جميع المشاكل واألمور محلولة ومنظمة باتفاقات

ومن سمات هذا . مسبقة، بل أن تجري معالجتها في حوار حقيقي مشتركالحوار أال يفرض فيه أحد الطرفين رأيه على الطرف اآلخر، بل أن يتم التوصل إلى قاسم مشترك وحل وسط من خالل نمط تواصل يمتزج فيه االندماج والهيمنة في خليط يضمن رضا الطرفين ويقوي العالقة بينهما

الجهد في التوصل فمع أن االتفاقات المبدئية توفر الكثير من الوقت و. ويغذيهافي كل مرة إلى حل للمسألة الراهنة، إال أنها تضيق في الوقت ذاته المجال

.للمزيد من التواصل والحوار بين الطرفين وتضعف الشراكة بينهما

حاصل االندماج والهيمنة كمقياس للتواصل في الشراكة - ٨ -IDQ, Integrations(يمكن استخدام ما يسمى بحاصل االندماج والهيمنة

Domination- Quotient (التواصل الذي كمقياس كمي لتحديد شكل أو تركيبة وهذا المقياس يستخدم أيضا في اإلدارة وفي مجال . يدعم عالقة الشراكة

-٣٤٧-

ويمكن حساب قيمة هذا الحاصل بتقسيم مجموع التصرفات . التعليم والتربية التصرفات االندماجية، أي المتساهلة مع الطرف اآلخر، على مجموعوتكون قيمة . المهيمنة، أي التي تهدف إلى فرض أمر ما على الطرف اآلخر

هذا الحاصل قريبة من الواحد عندما يتساوى عدد التصرفات أو التصريحات وقد تتجاوز قيمته الواحد إذا كان عدد المالحظات . االندماجية مع تلك المهينة

وأخيرا قد تكون قيمة . يمنةأو التصريحات االندماجية يفوق عدد تلك المهالحاصل أقل من واحد إذا كانت الهيمنة في التعاطي مع الطرف اآلخر تطغى

.على االندماجوبهذا يكون لدينا مقياس للحكم على شكل التواصل بين الشريكين حكما

وقد يعتقد المرء أن القيمة المثلى لحاصل االندماج والهيمنة . كميا، أي باألرقامولكن الخبرة . حد حيث يتساوى االندماج والهيمنة في التواصلهي الوا

في مجالي اإلدارة والشراكة، ١,٩أظهرت أن القيمة المثالية لهذا الحاصل هي حيث تكون الظروف عند تلك القيمة مواتية لنشوء التفاهم والتناغم بين

لتصرفات الطرفين، فحينئذ يكون عدد الحاالت التي يتنازل فيها المتكلم، وهي ااالندماجية، ضعفي عدد الحاالت التي يحاول فيها فرض مشيئته، وهي

وتحسب قيمة هذا الحاصل عادة بالنسبة لحوار أو مناقشة . التصرفات المهيمنة .أو شجار على مدى عشر دقائق أو أقل

وهنا بوسعنا أن نتساءل عن قيمة هذا الحاصل فعليا في ألمانيا على ، ١,٩تقع القيمة المثلى كما ذكرنا سابقا عند القيمة فبينما . سبيل المثال

تظهر الدراسات على أرض الواقع قيمة أقل من ذلك بكثير تصل في بعض وهذا يدل على أن غالبية جلسات الحوار تملؤها . ٠,٦٢األحيان إلى

" تصريحات اإلجراءات التنفيذية"تصريحات مهيمنة ومجردة نحو الجلسات تفتقر إلى التصريحات المحفزة وأن تلك" تصريحات األوامر"و

" ضيق الوقت"وعادة ما يصرح عن . والموجهة إلى إرضاء الطرف اآلخركأسباب لتلك القيمة المنخفضة لحاصل االندماج " االنشغال بمهام أخرى"و

-٣٤٨-

ولكن من يسعى إلى مناخ عمل جيد عليه كقيادي أن يجند الوقت . والهيمنةلجيد لجلسات الحوار وإلجرائها بالشكل الذي والجهد الالزمين للتخطيط ا

.يضمن قيمة مرتفعة لهذا الحاصلفال . البحتة" المالطفة"وعلينا هنا أن نفرق بين التصريح االندماجي و

تعد المالطفة تصريحا اندماجيا إال إذا كانت مناسبة لنمط تحفيز الشخص رجل المرأته على وال يمكن اعتبار التصريح التالي الذي يقوم به. المتلقي

ال بد لي : "سبيل المثال اندماجيا إذا كانت امرأته تنتمي إلى نمط التحفيز األولمن الثناء عليك ألنك ما زلت تحتفظين بهذا الثوب الجميل الذي قدمته لك

وعلى العكس ". هدية منذ سنين خلت، وألنك ما زلت ترتدينه حتى يومنا هذاة تصريحا اندماجيا بالفعل، إذا ما وجهت إلى من ذلك فقد تعتبر هذه المالحظ

وال بد من اإلشارة إلى أن . امرأة من نمط التحفيز الثاني على سبيل المثال، وهي التي ال تأخذ نمط تحفيز الشخص المتلقي بالحسبان، "المالطفة الفارغة"

وكل ما سبق يشترط بالطبع في . تبدو في أغلب األحيان ساخرة وغير مقنعةلم أن يعرف نمط تحفيز الطرف اآلخر، حتى يدلي بعدد من التصريحات المتك

االندماجية التي توافق نمط تحفيزه يساوي تقريبا ضعفي عدد التصريحات المهيمنة والمجردة والتي يطلب فيها من الطرف اآلخر مباشرة ما يريد منه

هيمنة أن وعلى العموم يمكن للقيمة المثلى لحاصل االندماج وال. أن يقوم بهوعلى المرء، وبخاصة في . وذلك تبعا للحالة الخاصة١,٩ و١,١تقع بين

مجال عالقات الزواج والشراكة أن يكثر من تصريحات المديح والثناء التي تخاطب نمط تحفيز الشريك بدال من االقتصار على التصريحات الموضوعية

.والناقدة الخالية من التشجيع والتحفيز والمديح يثير الدهشة أن كل طرف يحاول مدفوعا بغريزته أن يعامل ومما

وهكذا فإذا ما . الطرف اآلخر بالمثل وأن يقلده في نمط التواصل الذي يسلكهحاول أحد الطرفين الوصول بقيمة حاصل االندماج والهيمنة في حديثه مع الطرف اآلخر إلى القيمة المثلى، فإن الطرف اآلخر بدوره سيحاول األمر

-٣٤٩-

وحينئذ سيسهل الوصول إلى حل أو قاسم مشترك . فسه وبصورة تلقائيةن .يرضي الطرفين في كل األمور

ولكن األمر مرهون عالوة على ذلك بأهمية النقاط التي يتنازل فيها كل فمن الطبيعي أن . طرف من طرفي الحوار وتلك التي يصر على موقفه حيالها

ال تهمه كثيرا ويصعب في تلك التي التنازل يسهل على المرء في النقاط التيوال شك أن الحالة المثالية تكون بتنازل كل شريك في النقاط التي . تعنيه فعال

يعرف أنها تهم الطرف اآلخر ويصر على موقفه في النقاط التي يعتقد أن .التنازل فيها يسهل على الطرف اآلخر ألنها ال تعنيه كثيرا

عرفة نمط تحفيز الشريك وحالته النفسية اآلنية وهنا تلفتنا مجددا أهمية م. قبل أن نتمكن من التطبيق السليم لما نعرفه عن حاصل االندماج والهيمنة

فليس بوسعي أن أكون اندماجيا إال إذا عرفت آمال وتطلعات وتوقعات الشريك في لحظة الحوار، ولن أكون ناجحا في ممارسة الهيمنة ببراعة إال

ثقا أن الموضوع الذي أتحدث عنه يسمح للطرف اآلخر عندما أكون واوهنا يتضح مرة أخرى أن نجاح . بالتنازل بشأنه ألنه ال يعنيه بقدر ما يعنيني

.الشراكة يتوقف على استعداد كل طرف لفهم وتفهم الطرف اآلخر بمحبة وودولكي نكون قادرين على إعطاء كل تصريح في الحوار وزنا عدديا

قرب إلى الحقيقة قمنا بإدخال تقسيمات ثانوية داخل التصنيفين واقعيا أففي مجال التصريحات المهيمنة . األساسيين، والمتمثلين باالندماج والهيمنة

أعطينا التصريح األكثر تطرفا في الهيمنة ثالث نقاط وهو التصريح من النوع Dc من التصريحات ونورد مثاال على هذا النوع ". الصراع" الذي يدفع باتجاه

إنني مصر على موقفي هذا وال أحيد عنه قيد شعرة؛ : "المهيمنة القول التالي!". وإن لم توافقني الرأي، فإنني على استعداد التخاذ كل اإلجراءات المناسبة

من التصريحات، فإننا نهدد بالصدام أو Dcفعندما نلجأ إذا إلى هذا النوع وهكذا يحصل المتكلم . در حكما صارماالصراع أو بإنزال عقوبة ما أو نص

-٣٥٠-

لكل تصريح من هذا النوع على ثالث نقاط تحت خط الكسر في حساب ومن هنا يتضح خطر هذا النوع من . حاصل االندماج والهيمنة لحديثه

فإذا ! التصريحات، إذ إنها تضخم وزن التصريحات المهيمنة تضخيما مخيفا فإننا نحصل Dcيحات من هذا النوع ما أدلينا في سياق الحديث بعشر تصر

تصريحا اندماجيا لكي ٦٠ نقطة تحت الكسر ونحتاج إلى حوالي ٣٠على ! لحاصل االندماج والهيمنة١,٩نعدل مفعولها ونضمن القيمة

وهناك نوع من التصريحات المهيمنة أقل خطورة من سابقه ولكنه أثناء الحديث، وهو يحتفظ بقدر كبير من الخطورة يكفي لكي نحاول تجنبه

والذي نعطيه نقطتين اثنتين ويمكن وصفه بأنه Dnالتصريح من النوع تصريح مهيمن بحت، وال يحتوي أي تفسير، وينطلق من نمط تحفيز قائله، ويتجه إلى فرض أمر ما فرضا مباشرا، ولكنه من ناحية أخرى ال يتجه نحو

من التصريحات Dnوع وكمثال على هذا الن. الصراع أو الصدام المباشرفليس في !". سنسافر في العطلة إلى جبال األلب: "المهيمنة نورد القول التالي

هذا القول أي توضيح لما ينوي القائل فعله في حال عدم موافقة الطرف اآلخر، أي إن القول خال من التهديد، ولكنه من ناحية أخرى ال يحاول إعطاء

يحاول التقرب من الطرف اآلخر والسؤال أي تبرير أو شرح لهذا القرار والإن القائل يصرح عن قراره مباشرة ويتوقع من . عن رغباته ووجهة نظره

يستخدم هذا النوع من . له دون قيد أو شرط" االنصياع"الطرف اآلخر التصريحات كثيرا في العالقات التي ينقصها االنسجام والتناغم، وغالبا ما

لواحد لحاصل االندماج والهيمنة، مما يجعل تلك يؤدي ذلك إلى قيمة دون ا .العالقة باردة وخالية من العواطف

وأما أكثر التصريحات المهيمنة مالءمة لعالقة الشراكة الناجحة وأقربها ولو كانت ذات - والتي Dtإلى التفهم واللباقة هي التصريحات من النوع

ولتها ربط مضمونها تتجه باتجاه االندماج من خالل محا-مضمون مهيمن من التصريحات Dtونعطي لهذا النوع . بما يتوقعه الشريك وبنمط تحفيزه

-٣٥١-

وبهذا يكون أخف أنواع التصريحات (المهيمنة نقطة واحدة تحت الكسر ونورد مثاال ). المهيمنة وأكثرها مالءمة لالستخدام في الحوار مع الشريك

أتذكري كم استمتعت في المرة : "على هذا النوع من التصريحات القول التاليالسابقة بمروج وقرى جبال األلب النائية؟ أقترح أن نذهب في العطلة الصيفية

فبالرغم من أن هذا التصريح يتضمن فحوى !". المقبلة إلى جبال األلب ثانيةمهيمن يتجه نحو تحقيق مشيئة القائل، إال أنه قد ألبس ثوبا اندماجيا من خالل

. أن يربطه بدوافع الطرف اآلخر ورغباتهمحاولة قائله الذي Itوفي مجال التصريحات االندماجية هناك نوع التصريحات

يوافق الطرف اآلخر في رأيه أو في سعيه لتحقيق غاياته كليا وبصورة ولهذا النوع نقطتان اثنتان فوق خط الكسر في حساب حاصل االندماج . تلقائية

إنني ! رائع: " نورد القول التاليItح من النوع وكمثال على التصري. والهيمنةوكما نرى فإن هذا النوع من التصريحات !". أوافقك الرأي دون أي تحفظ

والذي يحظى Dnاالندماجية يقابله في مجال التصريحات المهيمنة النوع وهكذا فإن استخدام . ولكن تحت خط الكسر-أيضا بنقطتين اثنتين في عالقة الشراكة غير محفوف بالمخاطر، بينما Itالتصريحات من النوع

ألننا يجب أن نضمن في نهاية ! خطرة جداDnتعد التصريحات من النوع المطاف حصولنا على عدد من النقاط االندماجية يساوي ضعفي عدد النقاط

من أنواع التصريحات االندماجية نادر Itغير أن هذا النوع . المهيمنة تقريباي الحياة العملية، مع أنه قادر من خالل موافقة الطرف اآلخر االستخدام ف

وقد يعود السبب في ذلك . على إرساء قاعدة سليمة لنشوء حوار فعال ومجدإلى الخوف الغريزي لإلنسان من أن مثل تلك التنازالت غير المشروطة قد

!تضعف موقفه أمام الطرف اآلخر وتفقده جميع أوراقهلمرء صيغة مضعفة من التصريحات االندماجية، وغالبا ما يستخدم ا

ال تعبر عن تنازل عفوي غير مشروط، بل عن Inتصريحات من النوع . موافقة محددة في الزمان والمكان على ما يعرضه أو يقترحه الطرف اآلخر

-٣٥٢-

وكمثال . نقطة واحدة فوق خط الكسرInويعطى هذا النوع من التصريحات إنني وبعد : "ت االندماجية نورد القول التاليعلى هذا النوع من التصريحا

". تفكير وتمحيص عميقين في حيثيات الموضوع أوافقك الرأي في هذه الفكرةإذا فالموافقة ليست عفوية وإنما جاءت بعد تفكير وتمحيص، وعالوة على ذلك

وبهذا يحتفظ القائل لنفسه بحق معارضة بقية . فإنها محدودة في فكرة بعينهاوكما رينا سابقا فإن األشخاص غير الواثقين من أنفسهم . الموضوع ذاتهأفكار

يميلون إلى اإلفصاح عن أقل قدر ممكن من مواقفهم خشية أن يفقدوا هيبتهم .واحترامهم ومكانتهم الرفيعة في المجتمع

وتبعا لنمط تحفيز الطرف اآلخر ومزاجه ودرجة هدوئه أو انفعاله علينا فإما أن نختار . لمناسبة من أنواع التصريحات المختلفةاختيار التراكيب ا

In وDn وإما مزيجا من النوعين It وDcمزيجا من تصريحات من النوعين وقد نفضل في بعض الحاالت تركيب حديثنا من تصريحات من It وDnأو

.It أو In مع أخرى من النوع Dtالنوع ا من نقاط االندماج والمهم في جميع الحاالت أن يتضمن حديثنا عدد

يساوي تقريبا ضعفي عدد نقاط الهيمنة بحيث تكون قيمة حاصل االندماج وفي حال تخطت قيمة . أو أكبر من الواحد بأقل تقدير١,٩والهيمنة بحدود

هذا الحاصل االثنين، فإن ذلك سيعني أننا لم نعط موقفنا الوزن الكافي وأننا ومع أن . وجهة نظرنا أثناء الحوارلن نكون قادرين على فرض موقفنا أو

تخطي حاصل االندماج والهيمنة عتبة العدد اثنين ممكن في العالقة الجيدة ومحبب أحيانا، غير أن محادثات الشراكة الحقيقية والناجحة يجب أن تشهد على المدى البعيد قبول كل من الطرفين بجزء من وجهات نظر الطرف

أيضا من فرض جزء من مواقفه ووجهات اآلخر وتمكن كل من الطرفين .نظره على الطرف اآلخر أثناء الحوار

ويبقى الخطر األكبر أثناء النقاشات بين الشريكين في الواقع هو أن تكون فذلك يعني أن التصريحات . قيمة حاصل االندماج والهيمنة أصغر من الواحد

-٣٥٣-

ع الطرف اآلخر إلى وهذا يدف. المهيمنة في النقاش تغلب على تلك االندماجيةاتخاذ موقف مدافع رافض لتلك الهيمنة، أي إن تصريحات الطرف اآلخر ستغلب عليها أيضا سمة الهيمنة، حيث يدافع بتلك التصريحات عن مواقفه . ويحاول حماية نفسه من هيمنة الطرف األول، فيتمسك بمواقفه ووجهات نظره

.لتواصل بين الطرفينوهكذا يتحول الحوار إلى صراع حقيقي وينعدم اوهذه هي الحال التي تسيطر فيها المواقف السلبية في العالقة نحو مواقف

وأما الغيرة فتنشأ عندما يفقد أحد الطرفين الثقة بأن الطرف . الغيرة والرفضاآلخر يخصه بالقدر الكافي من القبول والحب، ويبدأ لذلك بالمغاالة في مراقبة

وعلى . منعه من القيام بأية خطوة تبعده عنهتحركات اآلخر والسهر على العموم علينا أن نحكم على التصريحات النابعة من الغيرة بأنها تصريحات

وال يقتصر طبعا سلوك الغيرة على التصريحات . Dc أو Dnمهيمنة من النوع بل قد يتضمن أيضا أفعاال مختلفة نحو مراقبة رسائل الطرف اآلخر ومكالماته

كما يبدأ الشخص المصاب بالغيرة باعتبار كل خطوة يقوم بها الطرف ! الهاتفيةاآلخر وكل نظرة في تعامله مع اآلخرين على أنها إشارة إعجاب ممنوعة

وعلى العموم ال يمكن للغيرة أن تنشأ وتترعرع إال . وخطيرة يجب التصدي لها .في كنف شراكة يغلب على الحوارات فيها طابع الهيمنة

شابهة يمكننا النظر إلى موقف الرفض الذي تتبناه النساء وبطريقة مفبهذا ". برفض الذكور"على وجه الخصوص والذي يأخذ شكل ما يسمى

الموقف الرافض مبدئيا تحاول السيدة التي تشعر بالظلم أن تدافع عن نفسها والذي قد يكون في واقع األمر مجرد (ضد استغالل الرجل لها وهيمنته عليها

أو ضد المعاملة السيئة للنساء بصورة عامة من ) خاطئ كونته السيدةتصور وكتعبير عن اعتراض تلك السيدة التي . قبل المجتمع الذي يحكمه الرجال

تشعر بالضعف أمام الرجال وترفض هيمنة الرجال على النساء ترتدي على ة تشبه سبيل المثال ثياب الرجال وتتكلم بلغتهم وتحاول أن تعيش حياتها بطريق

وال شك أن السيدة بفعلها هذا تفقد قدرتها على أن تكون األنثى ! حياة الرجال

-٣٥٤-

وهذا ما يؤدي تلقائيا إلى صراع ال يمكن تفاديه إال من . التي يريدها شريكهاخالل معالجة المشكلة من جذورها، وذلك من خالل تصحيح قيمة حاصل

يضمن تفوق االندماج على االندماج والهيمنة في الحوار بين الطرفين بما .الهيمنة وإعادة التواصل السليم والبناء بين الشريكين

وال بد لنا أن نؤكد هنا على أهمية سلوك التواصل غير الكالمي إلى ويذهب البعض إلى . جانب التواصل الكالمي في عالقة الشراكة الناجحة

لكالمي في بناء القول بأن للتواصل غير الكالمي أهمية تفوق أهمية التواصل افعلى سبيل المثال يبدو أن الطريقة التي يقال بها أمر ما أهم . العالقة وتمتينها

ويعود ذلك، كما ذكرنا في فصل سابق تحدثنا . أحيانا من مضمون القول ذاتهفيه عن الخطاب، إلى أن الجزء غير الكالمي من خطابنا الموجه إلى الطرف

طب من خالل المضمون الذي يعبر عنه اآلخر يخاطب الوعيه، بينما نخاوهكذا فإن أهمية الجزء . الجزء الكالمي عقل الطرف اآلخر الواعي والمتيقظ

غير الكالمي لتواصلنا مع اآلخرين ينبع من أهمية استجاباتنا الالواعية في ويتشكل حاصل االندماج والهيمنة غير الكالمي من األثر . تحديد سلوكنا العام

ثر المهيمن لتعابير الوجه وحركات اليدين وطبقة الصوت االندماجي واألفعندما ننظر على . وشدته واإليماءات التي يقوم بها المتحدث وما إلى ذلك

سبيل المثال بلطف بينما نقول أمرا فحواه مهيمن، فإن األثر المهيمن وبالمقابل، فإن قوال . للمضمون قد يعدل من خالل األثر االندماجي للصيغة

حواه اندماجي قد يبدو مهيمنا إذا ما قاله صاحبه مكفهر الوجه مبالغا في فويمكننا الحكم على اإليماءات أيضا بطريقة مشابهة، فقبضة اليد . جديته

المغلقة واإلشارة بالسبابة على سبيل المثال هما من اإليماءات المهيمنة، بينما نخلص . أعلى قليال أثرا اندماجياتترك اليد المفتوحة أو اليدان المفتوحتان إلى

إذا إلى أن حاصل االندماج والهيمنة غير الكالمي قادر على تصحيح الحاصل .والعكس صحيح أيضا. الكالمي

-٣٥٥-

وعلينا بالطبع على الرغم من كل ما قيل أال ننسى أن الشريك يكتشف ن أدنى وإننا ودو. بغريزته وفي أغلب الحاالت صدق أو زيف ما نقول وما نفعل

شك نختار تلقائيا الطريقة الصحيحة للتواصل والحوار عندما نتعامل مع شخص نكن له المودة والمشاعر اإليجابية ونحترمه ونقبله كما هو، ولكننا نفشل في التعامل

.معه عندما نريده أن يتصرف دائما بطريقة ترضينا ولكنها مخالفة لطبيعته ولكيانه النجاح من الناحية السيكولوجية لطريقتنا في فإذا أردنا إذا أن نضمن

التواصل مع شخص آخر دون أن نتعب أنفسنا في تطبيق مبادئ علم النفس وقواعده التفصيلية، علينا أن نتخذ موقفا إيجابيا من الطرف اآلخر قبل أن نبدأ

وال شك أن هذا الموقف اإليجابي سيقودنا تلقائيا إلى اختيار . التواصل معهوبالمقابل . يغة األفضل للحوار الحقيقي البناء الذي يضمن التواصل السليمالص

ال ينتج عن الموقف السلبي والرافض للطرف اآلخر والمشكك في صدق كالمه ونواياه سوى اإلخفاق في التواصل معه، ألنه غالبا ما سيكتشف بغريزته زيف ادعاءاتنا وتصريحاتنا التي نحاول من خاللها وبصورة

.طنعة كسب وده، وذلك مهما كانت طريقتنا بارعة ومدروسةمصويتركز الدور األساسي لعلم النفس هنا في جعل كل طرف في العالقة يعرف ويعي أن لكل شكل من أشكال التواصل مع الشريك استجابة معينة ومتوقعة، ولذلك فهو لن يستغرب حينئذ ردود فعل الشريك بل سيتفهمها ويحاول

وال يمكننا أن نتوقع من علم النفس أن يفرض على أحد طرفي . هامعرفة أسبابالشراكة سلوكا معينا ال ينبع من داخله ألن زيفه سيكشف للطرف اآلخر عاجال

ولكن حسب علم النفس أن يوضح العالقة المنطقية بين سلوك ما يبديه . أم آجالشخص العالم بحقائق ويكفي ال. أحد الطرفين واالستجابة المنطقية للطرف اآلخر

سيكولوجيا العالقات اإلنسانية أن يتصرف في حاالت الصراع الحرجة بروية وتعقل وأن يحاول جاهدا وعن وعي تجنيد كالمه وإيماءاته لخلق مناخ أفضل يمكن فيه حل الصراع أو تجنب تفاقمه وأن يتوجه في حديثه إلى مخاطبة دوافع

.لته النفسية باالعتباروميول ورغبات الطرف اآلخر ويأخذ حا

-٣٥٦-

-٣٥٧-

.XII عشر قواعد إلدارة احلياة :الصحة النفسية

وإذا ما تساءلنا في نهاية المطاف عن الطريقة المثلى التي نستطيع بمساعدتها تطبيق ما تعلمناه سابقا من حقائق عن الشراكة وعن المجاالت

شكل الذي نحافظ فيه األخرى لعلم النفس التطبيقي على إدارة حياتنا الخاصة بالعلى صحتنا النفسية كما نحافظ على صحتنا الجسدية، فإننا نستطيع القول بأننا عندما نحاول أن نسلك السلوك السليم في المجاالت التي عالجناها في هذا

ويا لألسف، لم يعد اإلنسان في . الكتاب، فإننا نكون قد حققنا أثرا إيجابيا بالغالى االعتماد على غريزته في ضمان تعامله السليم مع هذا العصر قادرا ع

اآلخرين من الناحية السيكولوجية، بل إنها لمن الخصائص المميزة لهذا العصر وأصبح مجبرا على االعتماد " ثقته بغريزته"الذي نعيش فيه أن اإلنسان قد فقد

نسانية، على عقله الواعي وفهمه العقالني للحقائق السيكولوجية عن الطبيعة اإل .لكي يبتعد في تصرفاته وردود أفعاله عن الخطأ واالضطراب وعدم االتزان

وال شك أن اهتمام اإلنسان وانشغاله بالمجاالت التطبيقية لعلم النفس يقوده إلى فهم أفضل لذاته يبرر اعتقادنا بأن االهتمام بعلم النفس وتطبيقاته ال

ومع أننا نعي أن . ي سلوك هذا اإلنسانبد أن يثمر ولو جزئيا تغيرا إيجابيا فالتدريب العملي على تطبيق ما أوردناه من حقائق يبقى أفضل وأجدى من االكتفاء بشرح وفهم هذه الحقائق، وهناك في الواقع العديد من ورشات العمل والدورات التدريبية التي تعنى بهذا الموضوع وتقدم تقنيات فعالة للتواصل، إال

عة أيضا بأن اإلنسان قادر ودون مساعدة خارجية على تطبيق أننا على قنافاإلنسان كما رأينا . الحقائق التي يدركها إدراكا فكريا صحيحا بنجاح كبير

-٣٥٨-

سابقا مخلوق قادر على التعلم وقادر على السيطرة على سلوكه وتوجيهه وتطبيقها توجيها سليما من خالل استيعاب الحقائق والخبرات استيعابا صحيحا

.بنجاح على أرض الواقعوبناء على هذا األساس نقدم اآلن عشر قواعد عملية من شأنها أن تساعد الفرد على المحافظة على صحته النفسية والروحية، أو على استعادتها في حال

:كانت قد عانت من اضطرابات مرحلية تحت ظروف استثنائية صعبةالقة ثقة حميمة واحدة على األقل على كل إنسان أن يؤسس ويرعى ع - ١

وعلى هذه العالقة أن توفر لإلنسان المناخ المناسب . مع إنسان آخرلكي يعبر بحرية مطلقة عن همومه ومشاكله ومخاوفه وطموحاته دون حرج ولكي يناقش مع شريكه جميع المواقف المهمة والمؤثرة التي يمر

الوقوع في خطر كبت وفي غياب عالقة الثقة هذه يكون احتمال . بها .المخاوف والطموحات كبيرا، مما قد يسبب اضطرابات نفسية خطيرة

وبالطبع فإن الوضع المثالي هو عندما تؤدي العالقة الزوجية التي فهذه العالقة تحديدا وفي المقام . يملؤها الوفاق والتآلف هذا الدور المهم

تضطلع بهذا األول هي المؤهلة من وجهة النظر السيكولوجية ألنولكن إن اقتضى األمر يمكن لشخص آخر غير الشريك أن . الدور

" نفضفض له"يؤدي دور المستمع الجيد والموثوق الذي نستطيع أن وقد يكون هذا الشخص المعالج أو الطبيب النفسي أو . ونفتح له قلبنا

رجل الدين الذي يحظى بثقتنا أو أي من األشخاص الموثوقين اآلخرين هل العالقة مع : وقد نتساءل.رين على تحمل أعباء هذا الدوروالقاد

حيوان أليف، كالكلب أو الحصان أو القطة على سبيل المثال، قادرة للعالقة الحميمة مع إنسان آخر؟ ليس من السهل " بديال"على أن تكون

وال بد . أن نجيب على هذا التساؤل، وال يمكن إلجابتنا أن تكون عامةلى أن العالقة التي قد تربطنا بحيوان أليف ال يمكنها أن من التأكيد ع

تكون سوى بديل مؤقت للعالقة الحميمة مع إنسان آخر، كما إنها على

-٣٥٩-

العموم ال يمكن أن ترقى إلى مستوى تلك العالقة اإلنسانية وال أن تبلغ ومع ذلك فهناك العديد من الحاالت الواقعية التي . عمقها وقوتها

قة التي تربط اإلنسان بحيوان أليف قد أنقذته من أظهرت أن العالاضطرابات نفسية كبيرة كان يعاني منها في عالقاته مع الناس من

وهناك ثمة عالقة بين اإلنسان والحيوان األليف على درجة من ! حوله ولو -الحميمية والعمق والدفء تؤهلها فعال ألن تكون بديال حقيقيا

للعالقات اإلنسانية، تقوم مقامها -ة عابرة لفترة وجيزة أو في مرحل .وتؤدي دورها

على اإلنسان أن يسعى إلى معرفة دوافعه األساسية وإلى إرضائها قدر - ٢وهذا يعني أن عليه فيما يخص الدافع األساسي األول أن . المستطاع

يحاول جاهدا ويفعل ما بوسعه ليضمن تحقيق مسعاه في بلوغ الوجاهة وال بد له أن يبقي . يع وفي الفوز باحترام الناس وتقديرهموالمقام الرف

مسعاه هذا في حدود الممكن، ألن المبالغة في طلب التميز والمقام الرفيع ال تؤدي إال إلى اإلحباط، الذي سيسبب بدوره اضطرابات

.نفسية خطيرة إذا ما استمر مدة طويلة من الزمنى المرء أن يسعى في هذا وفيما يتعلق بالدافع األساسي الثاني عل

العالم المضطرب والمحفوف بالمخاطر إلى ضمان مستوى مقبول من األمان والطمأنينة وأال يبالغ في طلب األمان المطلق ألن ذلك غير

وال شك أن . ممكن وسيؤدي بالتأكيد إلى نشوء المشاكل واالضطراباتهنة اإلنسان العاقل قادر من خالل تحليله السليم للظروف الرا

واإلمكانات المتاحة على الوصول إلى صيغة مقبولة من مسعاه إلى .األمان والطمأنينة تناسب الظروف واإلمكانات وتقبل التطبيق الفعلي

وفي إطار الدافع األساسي الثالث يجب على اإلنسان أن يسعى إلى بناء عالقات اجتماعية جيدة في بيئته المحيطة وأن يحافظ عليها

ما كان من الصعب، بل من المستحيل، إيجاد مجموعات ول. ويرعاها

-٣٦٠-

ونواد وتنظيمات مبنية وفق رغباته وأهوائه الخاصة، وجب عليه أن . يقبل بحلول وسط يفرضها الواقع وأن يقتنع بها قناعة داخلية حقيقية

وعلى اإلنسان عالوة على ذلك أن يقبل بشخص حقيقي من الواقع أو ألعلى الذي يسعى إلى السير على خطاه من شخصيات التاريخ كمثله ا

وال يمكن إشباع الدافع . أو التمثل به في أموره الحياتية المختلفةاألساسي الثالث في غياب النظرة اإليجابية والواقعية إلى الشخصيات

وتجدر اإلشارة في . التي نعيش معها وتلك التي سبقتنا في هذه الحياةلشك واالنتقاد والنظر إلى كل ما هو هذا السياق إلى أن المبالغة في ا

موجود من منظار سلبي، كل ذلك يخفي مخاطر شبيهة بتلك التي يسببها الميل إلى االنعزال في بيئة المدن الكبرى حيث تنعدم تقريبا

.العالقات االجتماعيةوفي مجال الدافع األساسي الرابع على اإلنسان أن يسعى إلى

وعليه . واحترام العهود والقوانين واألعرافمستوى مقبول من العدالةأال يقنط عن دفع اآلخرين أيضا نحو االلتزام بالمبادئ التي هو مقتنع بصحتها، متذكرا دائما أنه إنسان يعيش بين الناس، وأن الناس عموما

وفي ضوء ما سبق . ينقصهم الكمال، وأن ال أحد معصوم عن الخطأ بلوغ الكمال سيفشل ال محالة، وكل إنسان فإن من يبالغ في مسعاه إلى

!ال يدرك هذه الحقيقة في الوقت المناسب يكون من الخاسرينوفيما يتعلق بالدافع األساسي الخامس يجب على اإلنسان أن

يعمل على أن يضمن لنفسه حيزا خاصا من حرية اتخاذ القرار وأن ان بحاجة إلى فاإلنس. يتحمل مسؤوليات وتبعات قراراته الخاصة

هذه الحرية الشخصية وبحاجة إلى التفرد في اآلراء والمواقف والرغبات برغم أهمية التالؤم والتوافق مع من حوله في المجتمع

فهذا . وأهمية التزامه بالقوانين واألعراف المقبولة من قبل الجميعالحيز من الحرية في اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية يحتاجه

-٣٦١-

حقيق ذاته بين أقرانه في المجتمع ولكي يشعر بأنه فرد اإلنسان لت .مستقل يختلف عن بقية األفراد

وتزداد صعوبة الحفاظ على هذا الحيز الخاص من الحرية في اتخاذ القرار كلما ازدادت الكثافة السكانية في المكان الذي يعيش فيه

روف المحيطة ومن هنا تأتي أهمية التقييم السليم والواقعي للظ. المرءواإلمكانات المتاحة والحدود المفروضة لكي ينظم اإلنسان حياته

.الشخصية بما يتناسب مع تلك الظروف واإلمكانات والحدودعلى اإلنسان أن يحافظ على صحته الجسدية كقاعدة سليمة لصحته - ٣

.الروحية ولصالبة بنية استقراره النفسي دون أن يبالغ في ذلكتمام المعرفة العالقة المتبادلة بين الصحة الجسدية كلنا يعرف

واالستقرار النفسي، كما نعرف أن السالمة الجسدية شرط الزم لبناء وبالرغم من أن اإلنسان ال يمكن أن . إنسان بنيانه النفسي سليم ومعافى

يضمن عدم تعرضه لألمراض المختلفة واألذيات الجسدية المتنوعة، افظ على صحته وسالمته بالقدر الذي تسمح به إال أن بمقدوره أن يح

وهنا . ظروف حياته من خالل اتباع طريقة عقالنية ومنطقية في الحياةنذكر على سبيل المثال الحرص على ضمان تغذية صحية ومتكاملة،

وضمان الحصول واالبتعاد قدر اإلمكان عن المواد المنبهة والمخدرة،جهة وقسط كاف من الحركة على قسط كاف من النوم والراحة من

والرياضة من جهة أخرى، إلى غير ذلك من شروط تضمن الصحة .والسالمة والنشاط

ومن ناحية أخرى ينبغي تجنب المبالغة في الحرص وفي العناية بالصحة، وال ينبغي أن تكون نتيجة الحرص تجنب الخوض في عراك

أن يقبل وعلى اإلنسان ! الحياة من كثرة الخوف على الصحةباألمراض واإلعاقات التي ال يمكن الشفاء منها أو إزالتها وأال يأخذها ذريعة ليبرر بها تذمره المستمر وشكواه الدائمة، بل ال بد من القناعة

-٣٦٢-

وهذا . الداخلية بأن الحياة ممكنة برغم وجود تلك األمراض واإلعاقاتاقشناه في الذي سبق لنا أن ن" بحد تحمل اإلحباط"يتعلق بما يسمى

.موضع آخرعلى اإلنسان أن يسعى إلى تأمين قدر كاف من وقت الفراغ للراحة - ٤

واالسترخاء واالستجمام واستعادة النشاط بعد فترات العمل والجد .واالجتهاد

ومع صعوبة تحديد ما هو مريح ومهدئ لألعصاب وما هو مجهد ن كل ما نفعله انطالقا ومتعب بالنسبة لكل فرد يمكننا أن نعمم قائلين بأ

فربما ! من حفز أساسي أولي في داخلنا هو مريح ومهدئ لألعصابيشكل ما هو عمل مجهد بالنسبة لشخص ما راحة واسترخاء بالنسبة لشخص آخر، عندما يكون ذلك العمل استجابة أو إشباعا لدافع داخلي

ت وعلى العموم يحتفظ كل منا لنفسه بهوايات ونشاطا. أولي لديهيمارسها في وقت فراغه تريحه من جهد العمل وتعبه وتروح عن النفس وتمنع احتقان الضغوط النفسية التي يتعرض لها اإلنسان أثناء

فالمهم إذا ال أن يسترخي الجسد ويمتنع عن الحركة، بل أن . العمليقوم بنشاط مختلف عن نشاط العمل، وفي المقام األول أن يكون الدفع

اء ذلك النشاط مختلفا عن حفز العمل وأن يأتي نشاط أو الحفز وروقت الفراغ الجسدي أو الفكري إرضاء لدافع أساسي أولي لدى

فعلى سبيل المثال قد تستوجب لعبة الشطرنج جهدا فكريا . اإلنسانأكبر بكثير من الجهد الفكري الذي يبذله اإلنسان في عمله، ومع ذلك

لمن يهوى تلك اللعبة نشاط ترفيهي فهي بالنسبة للكثيرين وبخاصة .مريح لألعصاب

وإذا ما أراد اإلنسان الحفاظ على استقراره النفسي، عليه أن يختار لنفسه عددا من النشاطات الجسدية والفكرية لكي يمأل بها وقت فراغه

وال شك أن . ويفرغ من خاللها قدراته الجسدية والفكرية والنفسية

-٣٦٣-

تزداد وتتضح مع ازدياد مجاالت الترفيه وأوقات أهمية هذا الموضوعالفراغ في نظام العمل الحالي، السيما بالنظر إلى احتمال التقاعد المبكر والوقوع في البطالة المؤقتة التي ال يمكن تفاديها دائما وفي

.جميع الحاالتعلى اإلنسان أن ينظر بواقعية وموضوعية إلى المشاكل التي تعنيه - ٥

.، وأن يتخذ منها مواقف بناءةمباشرةوهذا يعني أن يجابه اإلنسان مشاكل وصعاب الحياة التي تعترضه

بتعقل وروية وأن يتجنب العصبية واالنفعال في تصرفاته وردود فقد ! أفعاله وبخاصة في المناسبات المفرطة في الحزن أو الفرحصاع يخطئ اإلنسان في الحاالت المحزنة على وجه الخصوص وين

لمشاعره وعواطفه اآلنية وينسى الجانب الموضوعي والعقالني كليا، حتى إنه قد يتهم الشخص الذي يأتي بالخبر المحزن بأنه سبب الحادث

! المحزن أو بأنه سيئ النيةوعلى العكس من ذلك، عندما ننظر إلى األمور بعين صاحية وفكر

االت واألوضاع، موضوعي وندرب أنفسنا على ذلك في مختلف الحنتجنب خطر الوقوع في العزلة عن المجتمع ألسباب وهمية ونحافظ

وال شك . على رزانتنا واتزاننا في حاالت الفرح والحزن على حد سواءأن من يعير هذا األمر األهمية الكافية يستطيع أن يحافظ على رباطة

.زانهمجأشه وتماسكه واتزانه في حاالت ينهار فيها آخرون ويفقدون اتعلى اإلنسان أن يسعى إلى تنظيم يومه وفق مخطط يضعه بنفسه وأن - ٦

فتخطيط المستقبل، أكان ذلك فيما يتعلق . يمأل وقته بنشاطات مجديةوأما . بالعمل أو بوقت الفراغ، هو الدعامة المتينة إلنسان مستقر نفسيا

ع إذا عاش اإلنسان يومه ببساطة ودون أي تخطيط ولم يلجأ إلى وضخطة زمنية وأهداف مرحلية لحياته المستقبلية، فإنه سيكتشف يوما ما أن حياته تفتقد إلى األساس الصلب وسيبدأ شيئا فشيئا باالعتقاد بعدم

-٣٦٤-

فمعنى حياة الفرد يجب أن يحدده بنفسه من خالل وضع . جدوى حياتههدف وخطة مجدية لحياته، أي لما تبقى له من وقت يعيشه، ومن

اولة تنفيذ تلك الخطة بجد واجتهاد للوصول إلى الهدف خالل مح .المنشود في الحياة

وعلينا هنا أن نشير أيضا إلى خطر المبالغة في تخطيط المستقبل وهكذا فعلى كل خطة للمستقبل أن . وإلى أن ذلك قد يؤدي إلى اإلحباط

نها تتضمن فترة زمنية احتياطية خالية من المهمات، يمكن االستفادة م. إن اقتضى األمر، أي في حال تأخر تنفيذ الخطة لسبب أو آلخر

وعلى اإلنسان فضال عن ذلك أن يكون على استعداد لتغيير خطته أو فالعناد . إلغائها واستبدالها بخطة أخرى إذا اقتضت الظروف ذلك

والتمسك بالخطة واإلصرار على تحقيق األهداف الموضوعة فيها ر خطير للغاية، وقد يسبب اضطرابات نفسية مهما كانت الظروف أم

.خطيرة ويقضي على االستقرار النفسي. على اإلنسان أن يحاول توسيع مجال تحمله لإلحباط قدر اإلمكان - ٧

ونعني بذلك أننا مع سعينا نحو النجاح وتحقيق األهداف وتنفيذ خطتنا ن وعوضا ع. في الحياة علينا أال ننسى أن احتمال اإلخفاق وارد

الغوص في الشعور باإلحباط في تلك الحاالت والدخول في دوامة الفشل والمعاناة من االضطرابات العصابية، علينا أن نمرن أنفسنا منذ البداية على تحمل أكبر قسط ممكن من اإلحباط من خالل التقنيات

وأن ) تقنية التدريب الذاتي على سبيل المثال(السيكولوجية المعروفة تقبل حدوث النكبات والنكسات الخارجة عن سيطرتنا نتدرب على

وعلى اكتساب المناعة ضد تأثير تلك النكبات والنكسات على .استقرارنا النفسي والعاطفي

إن ما نحتاج إليه في هذا العصر الذي تزداد فيه حاالت اإلحباط "stoic leisureالروية الرواقية "يوما بعد يوم هو ما يطلق عليه اسم

-٣٦٥-

كشكل من أشكال القدرة على تحمل المزيد من اإلحباط حيث نتعلم من خالل امتالكنا لتلك الروية أن نتحمل مشاعر اإلحباط واأللم دون تذمر

وال شك أن حاالت اإلحباط تكثر ! ودون أن نظهر ذلك إلى الخارجبارتفاع الكثافة السكانية في المنطقة التي يسكن فيها المرء وبارتفاع

.االحتكاك مع اآلخرينمعدل إنه الثمن الذي يجب علينا دفعه مقابل اتساع انتشار الديموقراطية

فحقوق الناس أصبحت . والحريات وتطبيق مبادئ حقوق اإلنسانولذلك . متساوية نوعا ما وزادت حرية حركتهم وزادت طموحاتهم

فمراكز جذب اإلنسان تجذب الكثيرين دفعة واحدة، مما يزيد من واالحتكاك ال بد أن يؤدي إلى إحباط بعض . حتكاك بعضهم ببعضا

األطراف وبخاصة عندما يتنافس عدد كبير من األشخاص في مسعاهم وهكذا أصبح من واجب اإلنسان المعاصر أن . لتحقيق الهدف ذاته

يكون على استعداد للتنازل بعض الشيء عن مطالبه ورغباته ولتغيير ال يمكن لإلنسان على المدى البعيد أن و. مواقفه إن اقتضى األمر

.يتحمل ذلك كله ما لم يوسع باستمرار مجال تحمله لإلحباطواألفضل أن يبدأ اإلنسان بذلك منذ الطفولة بمساعدة األهل

ومن ثم يستطيع متابعة هذا المقصد من خالل دورات . والمربين طبعا" الذاتيدورات التدريب "تدريبية متخصصة بهذا الغرض نحو

وال شك أن الممارسات الدينية والروحية النابعة من ". دورات التأمل"و .القلب تساعد أيضا على توسيع مجال تحمل اإلحباط

على اإلنسان أن يعرف قدراته الذاتية ويعي حدودها جيدا وأن يتجنب - ٨ .إجهاد نفسه وتحميلها فوق طاقتها

ء إلى الوسائل والطرق ولتحديد القدرات الذاتية يمكن اللجو السيكولوجية التي تستطيع تحديد تلك القدرات والمهارات تحديدا . موضوعيا وتوصيفها وفق معايير وأسس موضوعية إلى حد بعيد

-٣٦٦-

ولقد رأينا أن اإلنسان يميل في كثير من األحيان إلى تحميل نفسه فوق ربه الخاصة طاقتها أو إلى تحميلها دون طاقتها بكثير، وذلك تبعا لتجا

وكال األمرين يضر . ولحاالت نجاحه وفشله فيما يقوم به من مهامفتحميل النفس فوق طاقتها يسبب اإلخفاق . بصحة اإلنسان النفسية

واإلحباط وتحميلها دون طاقتها بكثير يسبب الشعور بعدم تحقيق الذات !واإلخفاق في إعطاء حياته معنى خاصا بها

لقدرات الذاتية تحديدا موضوعيا يجب إن معرفة الذات وتحديد اأن يعتمد على االختبارات السيكولوجية المعيارية المعروفة التي ذكرناها في فصل سابق والتي ال تقتصر بالطبع على اختبارات

وبناء على التحديد الموضوعي للقدرات يجب . تحديد حاصل الذكاء والهوايات أن توضع خطة الحياة وأن يتم اختيار العمل المناسب

" التواضع الزائف"وهنا يتساوى في الخطأ . والنشاطات الترفيهية .والمبالغة في تقدير القدرات الذاتية

على اإلنسان أن يسعى إلى اتخاذ موقف إيجابي من جميع النشاطات - ٩ي أن يفعل (فأن يقوم اإلنسان بأمر ما يخالف قناعاته . التي يقوم بها

الف قانون احترام الذات والذي يسري مفعوله يعني أنه يخ) ذلك مجبراومع ذلك ال نستطيع إحصاء الحاالت التي . على الجميع دون استثناء

فكم من األمور نقولها : نخالف فيها ذلك القانون في حياتنا اليوميةونفعلها كل يوم خالفا لرغباتنا وقناعاتنا وإرضاء لشخص آخر أو

ولكن ذلك إذا ما تكرر ! الكسل؟مراعاة لمشاعره أو ببساطة بسبب واستمر وقتا طويال، فإنه ال بد أن يسبب تزعزع االستقرار النفسي للشخص المعني وانخفاض مستوى أدائه أو تعرضه الضطرابات

على . عصابية خطيرة في بعض الحاالت الخاصة والمبالغ فيهاوقوف اإلنسان عوضا عن ذلك أن يتحلى بالشجاعة وااللتزام والحزم لل

وراء أقواله وأفعاله النابعة عن ذاته والنظر إليها من منظار متفائل

-٣٦٧-

وبعبارة أخرى علينا أن نسعى . وإظهارها بصورة إيجابية وبناءةجاهدين إلى بناء حفز أساسي أولي يكون هو المحرك لكل ما نقوله

فبهذه الطريقة يتحول ما كنا نشعر أنه واجب ثقيل الوطأة . وما نقوم بهوحري بنا أن . رغبة حقيقية نابعة من حفز أساسي أولي في داخلناإلى

! نمتنع عن فعل أمر ما بدال من أن نقوم به ضد قناعتنا وتوجهاتناوبوسع اإلنسان من حيث المبدأ وباستخدام تقنيات التحفيز والتحفيز الذاتي أن يضمن أن يكون الجزء األكبر واألساسي مما يقوم به في

فحينئذ فقط يشعر بالرضا الكامل . بحفز داخلي أوليحياته مدفوعاوبالطبع هناك . وبأنه يؤدي رسالته في الحياة وبأن حياته لها معنى

حاالت يصعب فيها بناء حفز أولي يقف خلف ما نقوم به من أفعال ونورد . وبخاصة عندما ال يتضح بسهولة جدوى ومغذى تلك األفعال

سياق عملية اإلنتاج أو اإلدارة مثاال على ذلك بعض األعمال فيالمجزأة إلى خطوات صغيرة وعديدة، حيث ال يظهر جدوى كل خطوة بصورة مباشرة بالرغم من أن العملية ككل لها هدف واضح

وال يخفى على أحد أن التطور الراهن في الشركات ! ومجدوالتنظيمات والمؤسسات المختلفة يتجه كما ذكرنا سابقا نحو التركيز

وذلك . لى ضمان أن يشعر كل فرد بمغذى ما يقوم به من أعمالعألن اإلدارة العصرية قد استوعبت حقيقة أن رضا وسعادة واتزان اإلنسان ترتبط ارتباطا وثيقا ومباشرا بدرجة التحفيز األولي للنشاطات

وهذا ما يحدد . األساسية التي يقوم بها في حياته المهنية والخاصة .أدائه العامبدوره مستوى

وأخيرا على اإلنسان أال ينسى مع كل هذه القواعد األساسية والجدية -١٠أن روح الفكاهة هي واحدة من أهم المتطلبات األساسية لضمان الصحة

ومن يبالغ في النظر إلى حياته بجدية يفقد معها .النفسية والحفاظ عليهاما يفعله بمنظار أو على النظر إلى " الضحك على ذاته"القدرة على

-٣٦٨-

الفكاهة بعيدا عن التعصب للذات، يصاب بالتحجر ويصبح غير قادر على النظر إلى العالم من حوله إال بمنظار متحجر وضيق ومتشائم يخفي كل ما هو فكاهي ومرح في الحياة، مما قد يسبب في أسوأ األحوال فقدان

!القدرة كليا على الضحك الذي هو بلسم الروح الشافيوحري باإلنسان برغم سعيه الحثيث نحو الجدية والدقة والفعالية

والنجاح أن يتذكر دائما أن كل ما يفعله على هذه األرض ما هو إال أي إن األمر ال يحتمل كل (عمل جزئي متواضع في هذا العالم الواسع

وأن هناك ربما كائن ينظر إلينا في مماحكاتنا من فوق ) هذه الجديةعلى وجهه ابتسامة متعبة وأنه ربما يكن لنا كل الخير وينظر راسما

!إلى أعمالنا بعين التسامح والعطفوبالطبع لم نقصد بهذه القواعد العشر اختصار جميع ما ناقشناه سابقا من حقائق وخبرات مستقاة من علم النفس، وإنما أردنا فقط تلخيص بعض قواعد

تطبيق والتي من شأنها أن تساعدنا على السلوك المهمة والواضحة والسهلة الوال شك أن . الحفاظ على اتزاننا النفسي الذي هو دعامة سعادتنا في هذه الحياة

.من يملك السعادة والسالم الداخلي يستطيع أن يشارك في إسعاد من حوله

-٣٦٩-

الصفحة

I. ٥ ............................................................. مقدمة II. ٧ ......... اته؟ كيف ينشأ الصراع وما هي تأثري-" الصراع"ظاهرة

٧ .......................................... !الصراع مشكلة العصر. ١ ١١ .....................................اإلحباط أحد أهم أسباب العنف. ٢ تؤدي قد حاالت الصراع التي لم يتم حلها والعنف المحتقن الذي تسببه. ٣

١٥ ........................... إلى اضطرابات صحية ذات منشأ نفسي ١٨ ................................................ اإلجهاد والعصاب. ٤ ٢٠ .......................................................... الهوس. ٥ ٢١ ......................................................... الرهاب. ٦ ٢١ ............................................. الكآبة والسلوك الشاذ. ٧ ٢٢ ...................... الشخص العصابي إنسان يحتاج إلى المساعدة. ٨ ٢٤ ............ التطلعات والحاجات والدوافع هي أسس الوجود البشري. ٩III. ٢٧ .................... دوافع اإلنسان األساسية وإمكانيات حتفيزه

٢٧ .................................. الحفز كنتيجة للغرائز والشهوات. ١ ٢٨ ................. دوافع اإلنسان األساسية هي القوى المحركة للحياة. ٢ ٣٥ ......................................... ةع األساسية الخمسالدواف. ٣

٣٥ ........................................... دافع القبول االجتماعي . أ

-٣٧٠-

الصفحة

٣٩ .......................................... دافع األمان والطمأنينة. ب ٤٢ ..................................................... دافع الثقة. ت ٤٥ ............................................. دافع احترام الذات. ث ٥٠ ................................. دافع االستقالل وتحمل المسؤولية. ج

٥٣ ........................ الحفز األولي والحفز الثانوي ومعنى الحياة. ٤ ٥٤ ........................... ي والحفز الثانويالتمييز بين الحفز األول . أ

٥٦ .................. التحفيز األولي شرط الزم لكي يكون للحياة معنى . ب ٥٩ ....................... مسألة السيطرة بين الدوافع األساسية النفسية . ت

٦٢ ................................................. التحفيز واإلرادة. ٥ ٦٢ .................................... هل اإلرادة قوة مستقلة بذاتها؟ . أ

٦٢ ............................... اإلرادة هي محصلة مركبات الحفز .ب ٦٥ ..................................... "رادةاإل"التربية على امتالك .ت

٦٧ ................................................... صراع الدوافع. ٦ ٦٧ ................................ تجارب صراع الدوافع لدى الحيوان . أ

٦٨ ...................................... صراع الدوافع عند اإلنسان . ب ٧٢ ............................ هل يتعلق حل صراع الدوافع بالذكاء؟ . ت

٧٣ ................................................... تقنيات التحفيز. ٧ ٧٣ .................................... التحفيز مهمة بالغة الصعوبة . أ

٧٤ .............................................. التحفيز بالكلمات. ب ٨٠ .............................................. التحفيز بالصور. ت

IV. ٨٣ ............................................ علم النفس والرتبية ٨٣ .................................. اإلنسان بحاجة ماسة إلى التربية. ١

-٣٧١-

الصفحة

٨٥ ... وبالبيئة المحيطة به في آن معايتأثر تطور اإلنسان بصفاته الموروثة . ٢ ٨٥ ..................... هل اإلنسان نتاج بيئته أم نتاج صفاته الموروثة؟ . أ

٨٧ ...................................... الذكاء عامل فطري أساسي. ب ٨٨ ..................... منطقي ومفيد على الفطرة والبيئةالتربية تأثير. ت

٩٠ .......... المساعدة على تحقيق الذات في مرحلتي الطفولة والشباب. ٣ ٩٠ ......................... مرحلة الطفولة هي مرحلة التبعية المحتومة . أ

٩٠ ............ عقدة أوديب-مشكلة تربوية في مرحلة الطفولة المبكرة . ب ٩٤ ............. ة الذهاب إلى المدرس-االنفصال عن األسرة ألول مرة . ت للذهاب العالئم االجتماعية والجسدية والنفسية لنضوج الطفل واستعداده. ث

٩٤ ................................................... إلى المدرسة ٩٨ .... مرحلة تطور طبيعية-الولوع بالسحر والقصص الخرافية في سن الطفولة . ج ١٠٠ ............................ زمن االستقالل المتزايد- عمر الشباب . ح ١٠١ ................ لى النفسالتربية الحقة هي مجرد مساعدة لالعتماد ع. خ ١٠٣ ............................ أثر ترتيب الطفل بين األوالد في األسرة . د ١٠٦ ....................... التربية هي بناء المواقف اإليجابية في الحياة . ذ

١٠٩ ................................................ علم النفس والتعلم. ٤ ١٠٩ ............... هل يتعلم التلميذ في المدرسة ما يفيده في الحياة العملية؟ . أ

١١٠ ............................................... مسألة االنسحاب. ب ١١٣ .................... وتطبيقها تطبيقا سليما" في التعلماإلفراط "طريقة . ت ١١٦ ....................................... التعلم هو تغير في السلوك. ث ١١٧ ........................ الربط بين الحاث واالستجابة هو عملية تعلم. ج ١١٨ ................................. التعلم من خالل التجريب والخطأ. ح

-٣٧٢-

الصفحة

١١٩ ................................. التعلم من خالل الفهم واالستيعاب. خ ١٢١ ............ ات أساسية لعملية التعلماإلرادة والنظام واالنتباه هي متطلب . د ١٣١ .......................... الحفز الصحيح هو مفتاح النجاح في التعلم . ذ ١٣٤ ........................... هل لقدرة المرء على التعلم عالقة بسنه؟. ر

١٣٦ ..................................... بعض طرق التعلم االقتصادية. ٥ ١٣٧ .................................... تقسيم عملية التعلم إلى خطوات . أ

١٣٨ ............................................. الكل أوال ثم الجزء. ب ١٣٨ ........................... من التعلم المتوازيالتعلم التسلسلي بدال. ت ١٣٩ ............................ التعلم بفاعلية عوضا عن التعلم السلبي. ث ١٤٣ ......................... التعلم المبين باألمثلة بدال من التعلم المجرد. ج ١٤٤ ..طريقة التعلم المنهجية بدال من الطريقة العشوائية التي تفتقر إلى الترابط المنطقي. ح ١٤٧ .............................................. التعلم في الالوعي. خ

١٤٩ ........................................ ذاكرتنا– والنسيان الحفظ. ٦ ١٥١ .................................................... قانون الجوار . أ

١٥١ ................................................... قانون التتالي. ب ١٥١ .................................................. قانون التشابه. ت ١٥٣ ................................................... قانون التباين. ث

١٥٤ ........................ وما يمكن فعله حيالها-اضطرابات التعلم . ٧ ١٥٥ ....................... غياب الحفز الكافي للتعلم وأسباب ذلك الغياب . أ

١٦٧ ..... وب معين من أساليب التربية؟هل تنتج اضطرابات التعلم عن أسل. ب ١٧٨ ....................................... اضطرابات التعلم الخاصة. ت

V. ١٨٣ ................. علم النفس العيادات الطبية ومكاتب احملاماة

-٣٧٣-

الصفحة

١٨٣ .................... الجوانب السيكولوجية في عمل العيادات الطبية. ١ ١٨٣ .................. لماذا ال يستفيد الناس من إمكانية الفحوص الوقائية؟ . أ

١٨٤ .......................................... الثالثةأنماط المرضى . ب ١٨٦ .............. مسألة معالجة سيكولوجية سليمة-الفوز بثقة المريض . ت ١٨٨ ........................... المشاكل الخاصة بعالج المرضى النساء. ث ١٩٠ ............................... تصورات وأفكار-الطبيب المثالي . ج ١٩١ ............ كيف أتعامل مع طبيبي؟: تساؤل من وجهة نظر المريض. ح

١٩٦ ! يتبدل الحق أم من يحكم بالحق؟جوانب سيكولوجية للممارسات الحقوقية هل. ٢ ١٩٧ .............. هل يمكن تعلم السلوك القانوني؟-أسباب مخالفة القانون . أ

١٩٩ ......................... مناقشة مسألة العقاب-هل يجب العقاب؟ . ب ٢٠١ .................................... إجراءات وقائية ضد الجريمة. ت

VI. ٢٠٥ ............................. علم النفس إدارة القوى البشرية ٢٠٥ ................................. ملمن العامل إلى الشريك في الع. ١ ٢٠٦ العنصر اإلنساني في اختيار القوى البشرية - الرجل المناسب في المكان المناسب. ٢ ٢٠٧ ....................................... أسس اختيار القوى البشرية. ٣

٢٠٩ ................................................ المقابلة الشخصية . أ ٢١١ ....تقسيم المقابلة إلى جزء المنهجي وآخر نصف منهجي وثالث منهجي منظم. ب ٢١٢ ....................... قاء العامليناالختبارات السيكولوجية النت. ت

٢٢١ ................................... عندما تفقد الشركة أحد عامليها. ٤ ٢٢٢ ................ مقياس هام لمستوى أداء العاملين-صحيفة الشركة . ٥ ٢٢٣ .................................... الرئيس هو المثل األعلى دائما. ٦ ٢٢٤ ................ رؤية من منظار العامل- كيف أتعامل مع رئيسي؟ . ٧

-٣٧٤-

الصفحة

VII. ٢٣١ ...................................... علم النفس وفن اخلطابة ٢٣١ ..................... سيلة أساسية في الحياة الديموقراطيةالخطاب و. ١ ٢٣١ ........................ زيادة فعالية الخطاب بالوسائل السيكولوجية. ٢

٢٣٢ ........................................................ اإلضاءة . أ ٢٣٣ ............................................ نظام ترتيب المقاعد. ب

٢٣٥ ...................... دور الخطيب في الحفاظ على انتباه الحضور. ٣ ٢٣٦ ............................................ أثر النظر إلى الساعة . أ

٢٣٧ ....................................................... الصوت. ب ٢٣٩ ............. !على إظهار المشاعر هو امتالكهاإن أهم ضمان للقدرة . ت ٢٤٠ ......................................... لغة السيماء واإليماءات. ث ٢٤١ ............................... أربعة مبادئ أساسية للخطاب الفعال. ج

٢٤٣ ............................................. البناء السليم للخطاب. ٤ ٢٤٣ .... افتتاح الخطاب بتحفيز المستمعين وتقديم نظرة شاملة عن موضوعه . أ

٢٥٢ ............ تفنيدهاعرض الخطاب واستباق االعتراضات المحتملة و. ب ٢٥٤ ......................................... الخاتمة وذروة الخطاب. ت ٢٥٤ ................................... !شكسبير: مثال يبلغ حد الكمال. ث

VIII. ٢٦٧ ........................................ علم النفس واملوسيقى ٢٦٧ ...... الموسيقى هي وجه خاص ومميز من أوجه الحضارة اإلنسانية. ١ ٢٦٨ ..................................... الموسيقى والحاالت المزاجية. ٢ ٢٧٠ .................... فسيةاألثر السيكولوجي للموسيقى على حالتنا الن. ٣ ٢٧١ ................... عالقة الحس الموسيقي لإلنسان بمشاعره وبأدائه. ٤ ٢٧٦ ..................................... اإلمكانيات التربوية للموسيقى. ٥

-٣٧٥-

الصفحة

IX. ٢٨١ ............................. اإلحياء والدعاية وكسب األصدقاء ٢٨١ .......................................................... اإليحاء. ١ ٢٨٣ ................................. اإليحاء اإليجابي واإليحاء السلبي. ٢ ٢٨٦ ................................ دور الالوعي في الدعاية اإليحائية. ٣ ٢٩٠ ........................................... يحاء في عملية البيعاإل. ٤ ٢٩١ .................................... طرح األسئلة أثناء حوار البيع. ٥ ٢٩٣ . الوصف العام والوصف الدقيق للمنتجات والخدمات في عملية البيع. ٦ ٢٩٥ ................................................... تنشيط الزبون. ٧ ٢٩٥ ................ إطالق العبارات التي تناسب دوافع الزبون الخاصة. ٨ ٢٩٧ وإعجاب اآلخرين؟ كيف يستقطب المرء ود-الوجه اآلخر للدعاية . ٩

٣٠٣ ..... ال بد للبائع أن يشرح للزبون أهدافه وخططه حتى يكسب ثقته. ١٠X. ٣٠٩ ............................................... علم النفس واألداء

٣٠٩ .................................................... الحفز واألداء. ١ ٣١١ ........................................... الضغط النفسي واألداء. ٢ ٣١٤ ................................ العالقة بين التقدم في السن واألداء. ٣ ٣١٦ ..................................................... النوم واألداء. ٤ ٣١٨ ........................................ داء الجيدالبيئة المناسبة لأل. ٥

XI. ٣٣١ .......................... سيكولوجيا الزواج والشراكة احلياة :المبادئ األساسية للزواج وعالقتها بالدوافع السيكولوجية. ١

٣٣٢ .......................... ماذا يتوقع كل طرف من الطرف اآلخر؟ ٣٣٧ .. االنطواء على الذات واالنبساط على اآلخر في عالقة الزواج أو الشراكة. ٢ ٣٣٩ .. ائية أو االنبساطية لإلنسان ثابتة أم قابلة للتبدل؟هل الطبيعة االنطو. ٣

-٣٧٦-

الصفحة

٣٤١ ........ العالقة بين الطبيعتين االنبساطية واالنعزالية وأنماط التحفيز. ٤ ٣٤٣ .................. هل يمكن التخطيط لضمان التناغم بين الشريكين؟. ٥ ٣٤٤ ........... االستعداد للتواصل مع اآلخر هو القاعدة السليمة للشراكة. ٦ ٣٤٥ ...................................... للتواصل في الشراكةنمطان. ٧ ٣٤٦ ............ حاصل االندماج والهيمنة كمقياس للتواصل في الشراكة. ٨XII. ٣٥٧ ................... عشر قواعد إلدارة احلياة: الصحة النفسية

م٢٠١٤/ الطبعة األوىل نسخة١٠٠٠عدد الطبع