املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 1

األحكام السلطانية والواليات الدينية

املاوردي

To PDF: www.al-mostafa.com

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 2

الباب األول

في عقد اإلمامة

اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها ملن يقوم ا يف األمة واجب واختلف يف وجوا هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة وجبت . باإلمجاع وإن شذ عنهم األصم

التنازع والتخاصم، ولوال بالعقل ملا يف طباع العقالء من التسليم لزعيم مينعهم من التظامل ويفصل بينهم يف : الوالة لكانوا فوضى مهملني ومهجاً مضاعني، وقد قال األفوه األودي وهو شاعر جاهلي من البسيط

ادوام سهالوال سراة إذا جه ال يصلح الناس فوضى ال سراة لهم

بل وجبت بالشرع دون العقل، ألن اإلمام يقوم بأمور شرعية قد كان جموناً يف : وقالت طائفة أخرىالعقل أن ال يرد التعبد ا، فلم يكن العقل موجباً هلا، وإمنا أوجب العقل أن مينع كل واحد نفسه من

بعقل ال بعقل غريه، ولكن ويأخذ مبقتضى العدل التناصف والتواصل، فيتدبر. العقالء عن التظامل والتقاطعيا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهللا وأطيعوا : " جاء الشرع بتفويض األمور إىل وليه يف الدين، قال اهللا عز وجل

".الرسول وأويل األمر منكم

وروى هشام بن عروة عن أيب طالع عن أيب . ففرض علينا طاعة أويل األمر فينا وهم األئمة املتأمرون عليناسيليكم بعدي والة فيليكم الرب بربه، ويليكم الفاجر : " أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قالهريرة

".بفجوره، فامسعوا هلم وأطيعوا يف كل ما وافق احلق، فإن أحسنوا فلكم وهلم، وإن أساءوا فلكم وعليهم

من هو أهلها سقط فإذا ثبت وجوب اإلمامة ففرضها على الكفاية كاجلهاد وطلب العلم، فإذا قام اأحدمها أهل االختيار حىت خيتاروا إماماً : وإن مل يقم ا أحد خرج من الناس فريقان. فرضها على الكفاية

لألمة، والثاين أهل اإلمامة حىت ينتصب أحدهم لإلمامة، وليس على من عدا هذين الفريقني من األمة يف يقان من األمة يف فرض اإلمامة وجب أن يعترب كل فريق تأخري اإلمامة حرج وال مأمث، وإذا متيز هذان الفر

.منهما بالشروط املعتربة فيه

أحدها العدالة اجلامعة لشروطها والثاين العلم الذي يتوصل : فأما أهل االختيار فالشروط املعتربة فيهم ثالثةة املؤديان إىل اختيار والثالث الرأي واحلكم. به إىل معرفة من يستحق اإلمامة على الشروط املعتربة فيها

من هو لإلمامة أصلح وبتدبري املصاحل أقوم وأعرف وليس ملن كان يف بلد اإلمام على غريه من أهل البالد

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 3

فضل مزية تقدمي ا عليه وإمنا صار من حيضر ببلد اإلمام متولياً لعقد اإلمامة عرفاً ال شرعاً؛ لسبوق .ب موجودون يف بلدهعلمهم مبوته وألن من يصلح للخالفة يف األغل

العلم ليؤدي : والثاين. العدالة على شروطها اجلامعة: وأما أهل اإلمامة فالشروط املعتربة فيهم سبعة أحدهاسالمة احلواس من السمع والبصر واللسان ليصبح معها : إىل االجتهاد يف النوازل واألحكام والثالث

قص مينع عن استيفاء احلركة وسرعة النهوض سالمة األعضاء من ن: والرابع. مباشرة ما يدرك االشجاعة والنجدة املؤدية إىل محاية : والسادس. الرأي املفضي إىل سياسة الرعية وتدبري املصاحل: واخلامس

النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد اإلمجاع عليه، : البيضة وجهاد العدو، والسابعزها يف مجيع الناس، ألن أبا بكر الصديق رضي اهللا عنه احتج يوم السقيفة وال اعتبار بضرار حني شذ فجو

على األنصار يف دفعهم عن اخلالفة عن املشاركة فيها حني قالوا منا أمري ومنكم أمري تسليماً لروايته يشاً وال قدموا قر: وتصديقاً خلربه ورضوا بقوله حنن األمراء وأنتم الوزراء، وقال النيب صلى اهللا عليه مسلم

.تقدموها

.ليس مع هذا النص املسلم شبهة لتنازع فيه وال قول ملخالف له

فآما انعقادها : والثاين بعهد اإلمام من قبل. أحدمها باختيار أهل العقد واحلل: واإلمامة تنعقد من جهتني مذاهب شىت، باختيار أهل احلل والعقد، فقد اختلف العلماء يف عدد من تنعقد به اإلمامة منهم على

فقالت طائفة ال تنعقد إال جبمهور أهل العقد واحلل من كل بلد ليكون الرضاء به عاماً والتسليم إلمامته إمجاعاً، وأهذ مذهب مدفوع ببيعة أيب بكر رضي اهللا عنه على اخلالفة باختيار من حضرها ومل ينتظر

منهم اإلمامة مخسة جيتمعون على عقدها أقل من تنعقد به: وقالت طائفة أخرى. ببيعته قدوم غائب عنهاأحدمها أن بيعة أيب بكر رضي اهللا عنه انعقدت خبمسة : أو يعقدها أحدهم برضا األربعة استالال بأمرين

عمر بن اخلطاب وأبو عبيدة بن اجلراح وأسيد بن حضري : اجتمعوا عليها مث تابعهم الناس فيها، وهمي اهللا عنهم والثاين أن عمر رضي اهللا عنه جعل الشورى يف وبشر بن سعد وسامل موىل أيب حذيفة رض

وقال آخرون من . ستة ليعقد ألحدهم برضا اخلمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء واملتكلمني من أهل البصرةعلماء الكوفة تنعقد بثالثة يتوالها أحدهم برضا االثنني ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصح عقد النكاح

تنعقد بواحد، ألن العباس قال لعلي رضوان اهللا عليه أمدد يدك : الت طائفة أخرىوق. بويل وشاهدينأبايعك فيقول الناس عم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بايع ابن عمه فال خيتلف عليك اثنان، وألنه

.حكم وحكم واحد نافذ

فيهم شروطها فقدموا للبيعة فإذا اجتمع أهل العقد واحلل لالختيار تصفحوا أحوال أهل اإلمامة املوجودة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 4

منهم أكثرهم فضالً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إىل طاعته وال يتوقفون عن بيعته، فإذا تعني هلم من بني اجلماعة من أداهم االجتهاد إىل اختياره عرضوها عليه، فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت

يف بيعته واالنقياد لطاعته، وإن امتنع من اإلمامة ومل جيب إليها ببيعتهم له اإلمامة فلزم كافة األمة الدخول مل جيرب عليها ألا عقد مراضاة واختيار ال يدخله إكراه وال إجبار، وعدل عنه إىل من سواه من

مستحقيها، فلو تكافأ يف شروط اإلمامة اثنان قدم هلا اختياراً أسنهما وإن مل تكن زيادة السن مع كمال طاً، فإن بويع أصغرمها سناً جاز، ولو كان أحدمها أعلم واآلخر أشجع روعي يف االختيار ما البلوغ شر

يوجبه حكم الوقت، فإن كانت احلاجة إىل فضل الشجاعة أدعى النتشار الثغور وظهور البغاة كان األشجع أحق، وإن كانت احلاجة إىل فضل العلم أدعى لسكون الدماء وظهور أهل البدع كان األعلم

أحق فإن وقف االختيار على واحد من اثنني فتنازعاها فقد قال بعض الفقهاء يكون قدحاً ملنعهما منها والذي عليه مجهور العلماء والفقهاء أن التنازع فيها ال يكون قدحاً مانعاً، وليس طلب . ويعدل إىل غريمها

. منع منها راغباإلمامة مكروهاً، فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنها طالب وال

يقرع بينهما ويقدم من قرع : واختلف الفقهاء فيما يقطع به تنازعهما مع تكافؤ أحواهلما، فقالت طائفةبل يكون أهل االختيار باخليار يف بيعة أيهما شاءوا من غري قرعة، فلو تعني ألهل : وقال آخرون. منهما

حدث بعده من هو أفضل منه؛ ولو ابتدءوا بيعة االختيار واحد هو أفضل اجلماعة فبايعوه على اإلمامة واملفضول مع وجود األفضل نظر، فإن كان ذلك لعذر دعا إليه من كون األفضل غائباً أو مريضاً أو كون

وإن بويع لغري عذر . املفضول أطوع يف الناس وأقرب يف القلوب انعقدت بيعة املفضول وصحت إمامتهامته؛ فذهبت طائفة منهم اجلاحظ إىل أن بيعته ال تنعقد؛ ألن فقد اختلف يف انعقاد بيعته وصحت إم

االختيار إذا دعا إىل أويل األمرين مل جيز العدول عنه إىل غريه مما ليس بأوىل كاالجتهاد يف األحكام وقال األكثر من الفقهاء واملتكلمني جتوز إمامته وصحت بيعته، وال يكون وجود األفضل مانعاً : الشرعية

املفضول إذا مل يكن مقصراً عن شروط اإلمامة، كما جيوز يف والية القضاء تقليد املفضول مع من إمامةوجود األفضل، ألن زيادة الفضل مبالغة يف االختيار وليست معتربة يف شروط االستحقاق، فلو تفرد يف

.ا عنه إىل غريهالوقت بشروط اإلمامة واحد مل يشرك فيها غريه تعينت فيها اإلمامة ومل جيز أن يعدل

واختلف أهل العلم يف ثبوت إمامته وانعقاد واليته بغري عقد وال اختيار؛ فذهب بعض فقهاء العراق إىل ثبوت واليته وانعقاد إمامته ومحل األمة على طاعته وإن مل يعقدها أهل االختيار، ألن مقصود االختيار

هاء واملتلكمني إىل أن إمامته ال تنعقد إال بالرضا وذهب مجهور الفق. متييز املوىل ومتييز هذا بصفتهفإن اتفقوا أمتوا؛ ألن اإلمامة عقد ال يتم إال بعقد، : واالختيار لكن يلزم أهل االخيتار عقد اإلمامة له

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 5

وكالقضاء إذا مل يكن من يصلح له إال واحد مل يصر قاضياً حىت يواله؛ فركب بعض من قال بذلك إذا مل إال واحد مل يصر قاضياً حىت يواله؛ فركب بعض من قال بذلك املذهب هذا الباب يكن من يصلح له

وقال بعضهم ال يصري املنفرد قاضياً وإن صار املنفرد إماماً، وفرق . وقال يصري قاضياً إذا تفرد بصفته إماماً بتقليد مستنيب بينهما بأن القضاء نيابة خاصة جيوز صرفه عنه مع بقائه على صفته، فلم تنعقد واليته إال

له واإلمامة من احلقوق العامة املشتركة بني حق اهللا تعاىل وحقوق اآلدميني ال جيوز صرف من استقرت .فيه إذا كان على صفة فلم يفتقر تقليد مستحقها مع متيزه إىل عقد مستثبت له

ألمة إمامان يف وقت وإذا عقدت اإلمامة إلمامني يف بلدين مل تنعقد إمامتهما ألنه ال جيوز أن يكون ل .واحد وإن شذ قوم فجوزوه

واختلف الفقهاء يف اإلمام منهما منها؛ فقالت طائفة هو الذي عقدت له اإلمامة يف البلد الذي مات فيها من تندمه ألم بعقدها أخص وبالقيام ا أحق وعلى كافة األمة يف األمصار كلها أن يفوضوا عقدها

وقال آخرون بل على كل . لئال ينتشر األمر باختالف اآلراء وتباين األهواءإليهم ويسلموها ملن بايعوه واحد منهما أن يدفع اإلمامة عن نفسه ويسلمها إىل صاحبه طلباً لسالمة وحسماً للفتنة ليختار أهل العقد

إلمامة وقال آخرون بل يقرع بينهما دفعاً للتنازع وقطعاً للتخاصم فأيهما قرع كان با. أحدمها أو غريمهاوالصحيح يف ذلك وما عليه الفقهاء احملققون أن اإلمامة ألسبقهما بيعة وعقداً كالوليني يف نكاح . أحق

فإذا تعني السابق منهما استقرت له اإلمامة وعلى . املرأة إذا زوجاها باثنني كان النكاح ألسبقهما عقداًمة هلما يف حال واحد مل يسبق ا أحدمها املسبوق تسليم ألمر إليه والدخول يف بيعته، وإن عقدت اإلما

فسد العقدان، واستأنف العقد ألحدمها أو لغريمها وإن تقدمت بيعة أحدمها أشكل املتقدم منهما وقف أمرمها على الكشف فإن تنازعاها وادعى كل واحد منهما أنه األسبق مل تسمع دعواه ومل حيلف عنه

ا إىل اآلخر مل تستقر إمامته إال ببينة تشهد بتقدمه، ولو أقر له وهكذا لو قطع التنازع فيها وسلمها أحدمهبالتقدم خرج املقر ومل تستقر لآلخر ألنه مقر يف حق املسلمني، فإن شهد له املقر بتقدمه فيها مع شاهد

آخر مسعت شهادته إن ذكر اشتباه األمر عليه عند التنازع ومل يسمع منه إن مل يذكر االشتباه ملا يف .ني من التكاذبالقول

أحدمها أن : وإذ دام االشتباه بينهما بعد الكشف ومل تقم بينة ألحدمها بالتقدم مل يقرع بينهما ألمرين .اإلمامة عقد والقرعة ال مدخل هلا يف العقود

أن اإلمامة ال جيوز االشتراك فيها والقرعة ال مدخل هلا فيما ال يصح االشتراك فيها كاملناكح، : والثاينل فيما يصح فيه االشتراك كاألموال ويكون دوام هذا االشتباه مبطالً لعقد اإلمامة فيهما ويستأنف وتدخ

أهل االختيار عقدمها ألحدمها، فلو أرادوا العدل ا عنهما إىل غريمها، فقد قيل جبوازه خلروجهما عنهما،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 6

.تباه ال مينع ثبوا يف أحدمهاوقيل ال جيوز ألن البيعة هلما قد صرفت اإلمامة عمن عدامها وألن، االش

وأما انعقاد اإلمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد اإلمجاع على جوازه ووقع االتفاق على صحته ألمرين أن أبا بكر رضي اهللا عنه عهد ا إىل عمر رضي اهللا عنه : عمل املسلمون ما ومل يتناكرومها، أحدمها

.فأثبت املسلمون إمامته بعهده

أن عمر رضي اهللا عنه عهد ا إىل أهل الشورى فقبلت اجلماعة دخوهلم فيها وهم أعيان العصر : اينوالثاعتقاداً لصحة العهد ا وخرج باقي الصحابة منها، وقال علي للعباس رضوان اهللا عليهما حني عاتبه على

نه فصار العهد ا إمجاعاً الدخول يف الشورى كان أمراً عظيماً من أمور اإلسالم مل أر لنفسي اخلروج ميف انعقاد اإلمامة، فإذا أراه اإلمام أن يعهد ا فعليه أن جيهد رأيه يف األحق ا واألقوم بشروطها، فإذا تعني له االجتهاد يف واحد نظر فيه، فإن مل يكن ولداً وال والداً جاز أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض

حداً من أهل االختيار، لكن اختلفوا هل ظهور الرضا منهم شرطاً يف وإن مل يستشر فيه أ. العهد إليهانعقاد بيعته أوالً؟ فذهب بعض علماء أهل البصرة إىل أن رضا أهل االختيار لبيعته شرط يف لزومها لألمة،

والصحيح أن بيعته منعقدة وأن الرضا ا . ألا حق يتعلق م فلم تلزمهم إال برضا أهل االختيار منهمغري معترب، ألن بيعة عمر رضي اهللا عنه مل تتوقف على رضا الصحابة؛ وألن اإلمام أحق ا فكان اختياره فيها أمضى، وقوله فيها أنفذ؛ وإن كان ويل العهد ولداً أو والداً فقد اختلف يف جواز انفراده بعقد البيعة

وال لوالد حىت يشاور فيه أهل االختيار ال جيوز أن ينفرد بعقد البيعة لولد: أحدها. له على ثالثة مذاهبفريونه أهالً هلا فيصح منه حينئذ عقد البيعة لولد وال لوالد حىت يشاور فيه أهل االختيار فريونه أهالً هلا فيصح منه حينئذ عقد البيعة له ألن ذلك منه تزكية له جتري جمرى الشهادة؛ وتقليده على األمة جيري

ن يشهد لوالد وال لولد وال حيكم لواحد منهما للتهمة العائدة إليه مبا جبل من جمرى احلكم وهو ال جيوز أجيوز أن ينفرد بعقدها لولد ووالد ألنه أمري األمة نافذ األمر هلم وعليهم فغلب : واملذهب الثاين. امليل إليه

ته وصار فيها حكم املنصب على حكم النسب ومل جيعل للتهمة طريقاً على أمانته وال سبيالً إىل معارضكعهده ا إىل غري ولده ووالده وهل يكون رضا أهل االختيار بعد صحة العهد معترباً يف لزومه لألمة أو

أنه جيوز أن ينفرد بعقد البيعة لوالده وال جيوز أن ينفرد : واملذهب الثالث. ال؟ على ما قدمناه من الوجهني مما يبعث على ممايلة الوالد ولذلك كان كل ما يقتنيه يف ا لولد، ألن الطبع يبعث على ممايلة الولد أكثر

األغلب مذخوراً لولده دون والده؛ فأما عقدها ألخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبيه فكعقدها للبعداء .األجانب يف جواز تفرده ا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 7

د يف الوقت الذي وإذا عهد األمام باخلالفة إىل من يصح العهد إليه على الشروط املعتربة فيه كان العهيصح فيه نظر املوىل؛ وقيل وهو األصح إنه ما بني عهد املوىل وموته لتنتقل عنه اإلمامة إىل املوىل مستقرة بالقبول املتقدم، وليس لإلمام املوىل عزل من عهد إليه ما مل يتغري حاله وإن جاز له عزل من استنابه من

از له عزهلم ومستخلف لويل عهده يف حق املسلمني فلم سائر خلفائه، ألنه مستخلف هلم يف حق نفسه فجيكن له عزله كما مل يكن ألهل االختيار عزل من بايعوه إذا مل يتغري حاله، فلو عهد اإلمام بعد عزل

األول إىل ثان كان عهد الثاين باطالً واألول على بيعته، فإن خلع األول نفسه مل يصح بيعة الثاين حىت ويل العهد مل يبطل عهده باالستعفاء حىت يعفى للزومه من جهة املويل مث نظر، فإن وإذا استعفى. يبتدئ

وجد غريه جاز استعفاؤه وال إعفاؤه وكان العهد على لزومه من جهيت املوىل واملويل؛ ويعترب شروط موت املويل اإلمامة يف املوىل من وقت العهد إليه وإن كان صغرياً أو فاسقاً وقت العهد، وبالغاً عدالً عند

مل تصح خالفته حىت يستأنف أهل االختيار بيعته، وإذا عهد اإلمام إىل غائب هو جمهول احلياة مل يصح عهده وإن كان معلوم احلياة وكان موقوفاً على قدومه، فإن مات املستخلف؛ ويل العهد على غيبته

ظر يف أمورهم استناب أهل االختيار استقدمه أهل االختيار، فإن بعدت غيبته واستضر املسلمون بتأخري الننائباً عنه يبايعونه بالنيابة دون اخلالفة فإذا قدم اخلليفة الغائب انعزل املستخلف النائب وكان نظره قبل

قدوم اخلليفة ماضياً وبعد قدومه مردوداً ولو أراد ويل العهد قبل موت اخلليفة أن يرد ما إليه من والية إىل فة ال تستقر له إال بعد موت املستخلف؛ وهكذا لو قال جعلته ويل عهدي إذا غريه مل جيز ألن اخلال

وإذا خلع اخلليفة نفسه . أفضت اخلالفة إيل مل جيز ألنه يف احلال ليس خليفة فلم يصح عهده باخلالفةاز انتقلت إىل ويل عهده وقام خلعه مقام موته، ولو عهد اخلليفة إىل اثنني مل يقدم أحدمها على اآلخر ج

.واختار أهل االختيار أحدمها بعد موته كأهل الشورى فإن عمر رضي اهللا عنه جعلها يف ستة

وجدت عمر ذات يوم مكروباً فقال ما أدري ما : حكى ابن إسحاق عن الزهري عن ابن عباس قالعابة وإين أصنع يف هذا األمر؟ أقوم فيه وأقعد؟ فقلت هل لك يف علي فقال إنه هلا ألهل ولكنه رجل يف د

ألراه لو توىل أمركم حلملكم على طريقة من احلق تعرفوا، قال قلت فأين أنت من عثمان؟ فقال لو فعلت حلمل ابن أيب معيط على رقاب الناس مث مل تلتفت إليه العرب حىت تضرب عنقه، واهللا لو فعلت

يه أمر أمة حممد صلى اهللا عليه لفعل ولو فعل لفعلوا؛ قال فقلت فطلحة؟ قال إنه لزهو ما كان اهللا ليولوسلم مع ما يعلم من زهوه، قال قلت فالزبري؟ قال إنه لبطل ولكنه يسأل عن الصح واملدبا لبقيع بالسوق أفذاك يلي أمور املسلمني؟ قال فقلت سعد بن أيب وقاص؟ قال ليس هناك إنه لصاحب مقتب يقاتل عليه؛

ن عوف؟ قال نعم الرجل ذكرت لكنه ضعيف، إنه واهللا ال فأما ويل أمر فال، قال فقلت فعبد الرمحن ب

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 8

يصلح هلذا األمر يا ابن عباس إال القوي يف غري عنف اللني من غري ضعف، واملمسك من غري خبل، قال ابن عباس فلما جرحه أبو لؤلؤة وآيس الطبيب من نفسه وقالوا له أعهد . واجلواد يف غري إسراف

ألمر إىل علي وبإزائه الزبري، وإىل عثمان وبإزائه عبد الرمحن بن عوف هذا ا: جعلها شورى يف ستة وقالوإىل طلحة وبإزائه سعد بن أيب وقاص، فلما جاز الشورى بعد موت عمر رضي اهللا عنه قال عبد الرمحن اجعلوا أمركم إىل ثالثة منكم، فقال الزبري جعلت أمري إىل علي، وقال طلحة جعلت أمري إىل عثمان،

جعلت أمري إىل عبد الرمحن فصارت الشورى بعد الستة هؤالء الثالثة وخرج منها أولئك وقال سعدالثالثة، فقال عبد الرمحن أيكم يربأ من هذا األمر وجنعله إليه واهللا عليه شهيد ليحرص على صالح األمة

ال آلوكم نصحاً فلم جيبه أحد، فقال عبد الرمحن أجتعلوا إيل وأخرج نفسي منه واهللا علي شهيد على أينفقاال نعم فقال قد فعلت فصارت الشورى بعد الستة يف ثالثة مث بعد الثالثة يف اثنني علي وعثمان مث

مضى عبد الرمحن ليستعلم من الناس ما عندهم فلما أجنهم الليل استدعى املسور بن خمرمة وأشركه معه بكتاب اهللا وسنة نبيه ولئن بايع لغريه مث حضر فأخذ على كل واحد منهما العهود أيهما بويع ليعمل

ليسمعن وليطيعن مث بايع عثمان بن عفان فكانت الشورى اليت دخل أهل اإلمامة فيها وانعقد اإلمجاع عليها أصالً يف انعقاد اإلمامة بالعهد ويف انعقاد البيعة بعدد يتعني فيه اإلمامة ألحدهم باختيار أهل احلل

ويستفا منها أن ال جتعل . ل شورى يف اثنني أو أكثر إذا كانوا عدداً حمصوراًوالعقد، فال فرق بني أن جتعاإلمامة بعهده يف غريهم، فإذا تعينت باالختيار يف أحدهم جاز ملن أفضت إليه اإلمامة أن يعهد ا إىل

يس ألهل غريهم، فإذا تعينت باالختيار يف أحدهم جاز ملن أفضت إليه اإلمامة أن يعهد ا إىل غريهم، ولاالختيار إذا جعلها اإلمام شورى يف عدد أن خيتاروا أحدهم يف حياة املستخلف العاهد إال أن يأذن هلم يف تقدم االختيار يف حياته ألنه باإلمامة أحق فلم جيز أن يشارك فيها، فإن خافوا انتشار األمر بعد موته

، فإن زال عنه أمره وغرب عنه رأيه فهي استأذنوه واختاروا إن أذن هلم، فإن صار إىل حال إياس نظر .كحاله بعد املوت يف جواز االختيار، وإن كان على متييزه وصحة رأيه مل يكن هلم االختيار إال عن إذنه

حكى ابن إسحاق أن عمر رضي اهللا ملا دخل مرتله جمروحاً مسع هدة فقال ما شأن الناس؟ قالوا يريدون هد يا أمري املؤمنني استخلف علينا عثمان؛ فقال كيف حيب املال واجلنة الدخول عليك فأذن هلم، فقالوا اع

فخرجوا من عنده، مث مسع هلم هدة فقال ما شأن الناس؟ قالوا يريدون الدخول عليك فأذن هلم فقالوا استخلف علينا علي بن أيب طالب، قال إذن حيملكم على طريقة هي احلق، قال عبد اهللا بن عمر فاتكأت

وجيوز للخليفة أن . ذلك وقلت يا أمري املؤمنني وما مينعك منه؟ فقال يا بين أحتملها حياً وميتاًعليه عندينص على أهل االختيار كما جيوز له أن ينص على أهل العهد، فال يصح إال اختيار من نص عليه كما ال

.يصح إال تقليد من عند إليه ألما من حقوق خالفته

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 9

اثنني أو أكثر ورتب اخلالفة فيهم فقال اخلليفة بعدي فالن فإن مات فاخلليفة بعد ولو عهد اخلليفة إىل موته فالن فإن مات فاخلليفة بعده فالن جاز وكانت اخلالفة متنقلة إىل الثالثة على ما رتبها، فقد

ب استخلف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على مؤتة زيد بن حارثة وقال فإن أصيب فجعفر بن أيب طالفإن أصيب فعبد اهللا بن رواحة فإن أصيب فلريتض املسلمون رجالً فتقدم زيد فقتل، فأخذ الراية جعفر وتقدم فقتل، أخذ الراية عبد اهللا بن رواحة فتقدم فقتل فاختار املسلمون بعده خالد بن الوليد، وإذ فعل

قيل هي عقد والية على صفة وشرط فإن . النيب صلى اهللا عليه وسلم ذلك يف اإلمارة جاز مثله يف اخلالفةقيل هذا من املصاحل العامة اليت يتسع حكمها على . والواليات ال يقف عقدها على الشروط والصفات

أحكام العقود اخلاصة، فقد عمل بذلك يف الدولينت مل ينكر عليه أحد من علماء العصر، هذا سليمان بن ولئن مل يكن سليمان حجة فإقرار . إىل يزيد بن عبد امللكعبد امللك عهد إىل عمر بن عبد العزيز مث بعده

من عاصره من علماء التابعني ومن ال خيافون يف احلق لومة الئم هو احلجة؛ وقد رتبها الرشيد رضي اهللا عنه يف ثالثة من بنيه يف األمني مث املأمون مث املؤمتن عن مشورة من عاصره، يف فضالء العلماء؛ فإذا عهد

ىل ثالثة رتب اخلالفة فيهم ومات والثالثة أحياء كانت اخلالفة من بعده لألول، ومل مات األول اخلليفة إيف حياة اخلليفة كانت اخلالفة بعده للثاين، ولو مات األول والثاين يف حياة اخلليفة فاخلالفة بعده للثالث

مات اخلليفة والثالثة من أولياء ألنه قد استقر لكل واحد من الثالثة بالعهد إليه حكم اخلالفة بعهد، ولوعهده أحياء وأفضت اخلالفة إىل األول منهم فأراد أن يعهد ا إىل غري االثنني مما خيتاره هلا، فمن الفقهاء

فقد عهد السفاح إىل . من منعه من ذلك محال على مقتضى الترتيب إال أن يسترتل عنها مستحقها طوعاًبعهد لعيسى بن موسى فأراد املنصور تقدمي املهدي على عيسى فاسترتله املنصور رمحهما اهللا وجعل العهد

عن العهد عنواً حلقه فيه وفقهاء الوقت على توافر وتكاثر مل يروا له فسحة يف صرفه عن والية العهد قسراً والظاهر من مذهب الشافعي رمحه اهللا وما عليه مجهور الفقهاء أنه جيوز ملن . حىت استرتل واستطيب

ت إليه اخلالفة من أولياء العهد أن يعهد ا إىل من شاء ويصرفها عمن كان مرتباً معه ويكون هذا أفضالترتيب مقصوراً على من يستحق اخلالفة منهم بعد موت املستخلف فإذا أفضت اخلالفة منهم إىل أحدهم

فإفضاء اخلالفة إليه عام على مقتضى الترتيب صار أملك ا بعهد يف العهد ا إىل من شاء، ألنه قد صار الوالية نافذ األمر فكان حقه فيها أقوى وعهده ا أمضى وخلف هذا ما فعله رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من ترتيب أمرائه على جيش مؤتة؛ ألنه كان ورسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف احلياة حىت مل

وأما استطابة . ر مبوته إىل غريه فافترق حكم العهدينتنتقل أمورهم إىل غريه وهذا يكون بعد انتقال األماملنصور نفس عيسى بن موسى فإمنا أراد به تألف أهله ألنه كان يف صدر الدولة والعهد قريب والتكافؤ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 10

بينهم منتشر ويف أحشائهم نفور موهن ففعله سياسة وإن كان يف احلكم سائغاً فعلى هذا لو مات األول ثة بعد إفضاء اخلالفة إليه ومل يعهد إىل غريمها كان الثاين هو اخلليفة بعده بالعهد من أولياء العهد الثال

األول وقدم على الثالث اعتباراً حبكم الترتيب فيها، ولو مات هذا الثاين قبل عهده صار الثالث هو اخلليفة لفه فيصري العهد يف بعده ألن صحة عهد العاهد تقتضي ثبوت حكمه يف الثالثة ما مل جيدد بعده عهداً خيا

األول من الثالثة حتماً ويف الثاين والثالث موقوفاً ألنه ال جيوز أن يعدل عن األول فاحنتم، وجيوز أن يعدل على هذا املذهب عن الثاين والثالث فوقف، ولو مات األول من الثالثة بعد إفضاء اخلالفة إليه من غري أن

اروا للخالفة غري الثاين مل جيز وكذلك لو مات الثاين بعد إفضاء يعهد إىل أحد فأراد أهل االختيار أن خيتاخلالفة إليه مل جيز أن خيتاروا هلا غري الثالث وإن جاز أن يعهد ا الثاين إىل غري الثالث، ألن العهد نص ال

يستعمل االختيار إال مع عدمه ولكن لو قال اخلليفة العاهد قد عهدت إىل فالن، فإن مات بعد إفضاء

اخلالفة إليه فاخلليفة بعده فالن مل تصح خالفة الثاين ومل ينعقد عهده ا ألنه مل يعهد إليه يف احلال وإمنا جعله ويل عهده بعد إفضاء اخلالفة إىل األول،

وقد جيوز أن ميوت قبل إفضائها إليه فال يكون عهد الثاين ا منفذاً فلذلك بطل وجاز لألول بعد إفضاء .ليه أن يعهد ا إىل غريه، وإن مات من غري عهد جاز ألهل االختيار اختيار غريهاخلالفة إ

فإذا استقرت اخلالفة ملن تقلدها إما بعهد أو اختيار لزم كافة األمة أن يعرفوا إفضاء اخلالفة إىل مستحقها وقال . د اخلالفةبصفاته وال يلزم أن يعرفوه بعينه وامسه إال أهل الدين تقوم م احلجة وبيعتهم تنعق

واجب على الناس كلهم معرفة اإلمام بعينه وامسه كما عليهم معرفة اهللا ومعرفة : سليمان بن جريروالذي عليه مجهور الناس أن معرفة اإلمام تلزم الكافة على اجلملة دون التفصيل، وليس على كل . رسوله

كما أن معرفة القضاة الذين ينعقد م األحكام أحد أن يعرفه بعينه وامسه إال عند النوازل اليت حتوج إليه، والفقهاء الذين يفتون يف احلالل واحلرام تلزم العامة على اجلملة دون التفصيل إال عند النوازل احملوجة

إليهم، ولو لزم كل واحد من األمة أن يعرف اإلمام بعينه وامسه للزمت اهلجر إليه وملا جاز ختتلف األباعد خلو األوطان ولصار من العرف خارجاً وبالفساد عائداً، وإذا لزمت معرفته على وألفضى ذلك إىل

التفصيل الذي ذكرناه فعلى كافة األمة تفويض األمور العامة إليه من غري افتيات عليه وال معارضة له عليه ليقوم مبا وكل إليه من وجوه املصاحل وتدبري األعمال، ويسمى خليفة أله خلف رسول اهللا صلى اهللا

واختلفوا هل جيوز أن : وسلم يف أمته فيجوز أن يقال يا خليفة رسول اهللا وعلى اإلطالق فيقال اخلليفةوهو الذي جعلكم خالئف : " يقال يا خليفة اهللا؟ فجوزه بعضهم لقيامه حبقوقه يف خلقه ولقوله تعاىل

".األرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات

ونسبوا قائله إىل الفجور وقالوا يستخلف من يغيب أو ميوت واهللا ال وامتنع مجهور العلماء من جواز ذلك

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 11

يغيب وال ميوت، وقد قيل أليب بكر الصديق رضي اهللا عنه يا خليفة اهللا فقال لست خبليفة اهللا ولكين .خليفة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

وله املستقرة وما أمجع عليه سلف أحدها حفظ الدين على أص: والذي يلزمه من األمور العامة عشرة أشياءاألمة، فإن جنم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له احلجة وبني له الصواب وأخذه مبا يلزمه من احلقوق

والثاين تنفيذ األحكام بني املتشاجرين : واحلدود، ليكون الدين حمروساً من خلل واألمة ممنوعة من زللالثالث محاية البيضة : النصفة، فال يتعدى ظامل وال يضعف مظلوموقطع اخلصام بني املتنازعني حىت تعم

والرابع . والذب عن احلرمي ليتصرف الناس يف املعايش وينتشروا يف األسفار آمنني من تغرير بنفس أو مالواخلامس . إقامة احلدود لتصان حمارم اهللا تعاىل عن االنتهاك وحتفظ حقوق عباده من إتالف واستهالك

غور بالعدة املانعة والقوة الدافعة حىت ال تظفر األعداء بغرة ينتهكون فيها حمرماً أو يسفكون فيها حتصني الثوالسادس جهاد من عائد اإلسالم بعد الدعوة حىت ويدخل يف الذمة ليقام حبق اهللا : ملسلم أو يعاهد دماً

وجبه الشرع نصاً واجتهاداً من والسابع جباية الفيء الصدقات على ما أ. تعاىل يف إظهاره على الدين كلهغري خوف وال عسف والثامن تقدير العطايا وما يستحق يف بيت املال من غري سرف وال تقتري ودفعه يف

وقت ال تقدمي فيه وال تأخري، التاسع استكفاء األمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من األعمال ءة مضبوطة واألموال باألمناء حمفوظة، العاشر أن يباشر ويكله إليهم من األموال لتكون األعمال بالكفا

بنفسه مشارفة األمور وتصفح األحوال؛ لينهض بسياسة األمة وحراسة امللة، وال يعول على التفويض يا داود إنا جعلناك خليفة : " تشاغالً بلذة أو عبادة، فقد خيون األمني ويغش الناصح، وقد قال اهللا تعاىل

".ني الناس باحلق وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل اهللا يف األرض فاحكم ب

فليم يقتصر اهللا سبحانه على التفويض دون املباشرة وال عذره يف االتباع حىت وصفه بالضالل، وهذا وإن كان مستحقاً عليه حبكم الدين ومنصب اخلالفة فهو من حقوق السياسة لكل مسترع قال النيب عليه

". راع وكلكم مسئول عن رعيته كلكم: " الصالة والسالم

: "من البسيط"ولقد أصاب الشاعر فيما وصف به الزعيم املدبر حيث يقول

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا م دركم هللاركأم دوالوق

اعشإذا عض مكروه به خ وال دهاعمترفاً إن رخاء العيش س ال

اعبتاً وماً يوممتبع يكون رهطزال يحلب در الدهر أش ما

الرأي ال فخماً وال ضرعا مستحكم هريرتزر محتى استمر على ش

: من البسيط- وكان وزيره -وقال حممد بن يزداد للمأمون

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 12

ال ينام وكل الناس نوام أفي من كان حارس دنيا إنه فمن

من أمره حل وإبرام همان ترقد عيناً من تضيفه وكيف

إذا قام اإلمام مبا ذكرناه من حقوق األمة فقد أدى حق اهللا تعاىل فيما هلم وعليهم، ووجب له عليهم أحدمها جرح : والذي يتغري به حاله فيخرج به عن اإلمامة شيئان. حقان الطاعة والنصرة ما مل يتغري حاله

أحدمها ما تابع فيه : لى ضربنييف عدالته والثاين نقص يف بدنه، فأما اجلرح يف عدالته وهو الفسق فهو عوالثاين ما تعلق فيه بشبهة، فأما األول منهما فمتعلق بأفعال اجلوارح وهو ارتكابه للمحظورات . الشهوة

وإقدامه على املنكرات حتكيماً للشهوة وانقياداً للهوى، فهذا فسق مينع من انعقاد اإلمامة ومن استدامتها، وقال . رج منها، فلو عاد إىل العدالة مل يعد إىل اإلمامة إال بعقد جديدفإذا طرأ على من انعقدت إمامته خ

يعود إىل اإلمامة بعوده إىل العدالة من غري أن يستأنف له عقد وال بيعة لعموم واليته : بعض املتكلمني هلا وأما الثاين منهما فمتعلق باالعتقاد املتأول بشبهة تعترض فيتأول. وحلوق املشقة يف استئناف بيعته

خالف احلق، فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إىل أا متنع من انعقاد اإلمامة ومن استدامتها وخيرج حبدوثه منها ألنه ملا استوى حكم الكفر بتأويل وجب أن يستوي حايل الفسق الفسق بتأويل وغري

وال خيرج به منها كما ال مينع من والية إنه ال مينع من انعقاد اإلمامة. وقال كثري من علماء البصرة. تأويل .القضاء وجواز الشهادة

أحدها نقص احلواس، والثاين نقص األعضاء، : وأما ما طرأ على بدنه من نقص فينقسم ثالثة أقسامقسم مينع من اإلمامة، وقسم ال مينع : والثالث نقص التصرف، فأما نقص احلواس فينقسم ثالثة أقسام

أحدمها زوال العقل، والثاين ذهاب البصر، فأما : يه، فأما القسم املانع منها فشيئانمنها، وقسم خمتلف فأحدمها ما كان عارضاً مرجو الزوال كاإلغماء فهذا ال مينع من انعقاد اإلمامة وال : زوال العقل فضربان

وسلم يف خيرج منها، ألنه مرض قليل اللبس سريع الزوال، وقد أغمي على رسول اهللا صلى اهللا عليه أحدمها أن يكون : مرضه والضرب الثاين ما كان الزماً ال يرجى زواله كاجلنون واخلبل فهو على ضربني

مطبقاً دائماً ال يتخلله إفاقة فهذا مينع من عقد اإلمامة واستدامتها، فإذا طرأ هذا بطلت به اإلمامة بعد فإن كان زمان . إىل حال السالمة فينظر فيهاحتققه والقطع به؛ والضرب الثاين أن يتخلله إفاقة يعود ا

اخلبل أكثر من زمان اإلفاقة فهو كاملستدمي مينع من عقد اإلمامة واستدامتها وخيرج حبدوثه منها وإن كان واختلف يف منعه من استدامتها، فقيل مينع من استدامتها : زمان اإلفاقة أكثر من اخلبل منع من عقد اإلمامة

ا فإذا طرأ بطلت به اإلمامة، ألن يف استدامته إخالالً بالنظر املستحق فيه، وقيل ال مينع كما مينع من ابتداهلمن استدامة اإلمامة وإن منع من عقدها يف االبتداء ألنه يراعى يف ابتداء عقدها سالمة كاملة ويف اخلروج

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 13

بطلت به اإلمامة ألنه ملا وأما ذهاب البصر فيمنع من عقد اإلمامة واستدامتها فإذا طرأ . منها نقص كاملأبطل والية القضاء ومنع مع جواز الشهادة فأوىل أن مينع من صحة اإلمامة، وأما عشاء العني وهو أن ال

. يبصر عند دخول الليل فال مينع من اإلمامة يف عقد وال استدامة ألنه مرض يف زمان الدعة يرجى زواله

ا رآها مل مينع من اإلمامة، وإن كان يدرك األشخاص وأما ضعف البصر، فإن كان يعرف به األشخاص إذ .وال يعرفها منع من اإلمامة عقداً واستدامة

أحدمها اخلشم يف األنف الذي ال : وأما القسم الثاين من احلواس اليت ال يؤثر فقدها يف اإلمامة فشيئان هذا يف عقد اإلمامة ألما والثاين فقد الذوق الذي يفرق به بني الطعوم فال يؤثر. يدرك به شم الروائح

.يؤثران يف اللذة وال يؤثران يف الرأي والعمل

وأما القسم الثالث من احلواس املختلف فيها فشيئان الصمم واخلرس فيمنعان من ابتداء عقد اإلمامة، ألن نها واختلف يف اخلروج ما من اإلمامة، فقالت طائفة خيرج ما م. كمال األوصاف بوجودمها مفقود

ال خيرج ما من اإلمامة لقيام : وقال آخرون. كما خيرج بذهاب البصر لتأثريمها يف التدبري والعملإن كان حيسن الكتابة مل خيرج ما من : وقال آخرون. اإلشارة مقامهما فلم خيرج منها إال بنقص كامل

اإلشارة موهومة، واألول من اإلمامة، وإن كان ال حيسنها خرج من اإلمامة ما ألن الكتابة مفهومة واملذاهب أصح، وأما متتمة اللسان وثقل السمع مع إدراك الصوت إذا كان عالياً فال خيرج ما من اإلمامة

واختلف يف ابتداء عقدها معهما، فقيل مينع ذلك من ابتداء عقدها ألما نقص خيرج ما عن . إذا حدثاوسى عليه السالم مل متنعه عقدة لسانه عن النبوة فأوىل أن ال مينع حال الكمال، وقيل ال مينع ألن نيب اهللا م

.من اإلمامة

أحدها ما ال مينع من صحة اإلمامة يف عقد وال استدامة، وهو : وأما فقد األعضاء فينقسم إىل أربعة أقسامثيني، فال ما ال يؤثر فقده يف رأي وال عمل وال وض وال يشني يف املنظر، وذلك مثل قطع الذكر واألن

مينع من عقد اإلمامة وال من استدامتها بعد العقد ألن فقد هذين العضوين يؤثر يف التناسل دون الرأي وسيداً : " واحلنكة فيجري جمرى العنة، وقد وصف اهللا تعاىل حيىي بن زكريا بذلك وأثىن عليه فقال

".وحصوراً ونبياً من الصاحلني

والثاين . نني الذي ال يقدر على إتيان النساء قال ابن مسعود وابن عباسأحدمها أنه الع: ويف احلصور قوالنأنه من مل يكن له ذكر يغشى به النساء أو كان كالنواة قاله سعيد بن املسيب، فلما مل مينع ذلك من النبوة

في فأوىل أن ال مينع من اإلمامة، وكذلك قطع األذنني ألما ال يؤثران يف رأي وال عمل وهلما شني خوالقسم الثاين ما مينع من عقد اإلمامة ومن استدامتها، وهو ما مينع من العمل . ميكن أن يستتر فال يظهر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 14

كذهاب اليدين أو من النهوض كذهاب الرجلني، فال تصح معه اإلمامة يف عقد وال استدامة لعجزه عما واختلف يف منعه من . مامةوالقسم الثالث ما مينع من عقد اإل. يلزمه من حقوق ألمة يف عمل أو ضة

استدامتها وهو ما ذهب به بعض العمل، أو فقد به بعض النهوض كذهاب إحدى اليدين أو إحدى الرجلني فال يصح معه عقد اإلمامة لعجزه عن كمال التصرف، فإن طرأ بعد عقد اإلمامة ففي خروجه

. من ابتدائها فمنع من استدامتهاأحدمها خيرج به من اإلمامة ألنه عجز مينع : منها مذهبان للفقهاء

واملذهب الثاين . واملذهب الثاين أنه ال خيرج به من اإلمامة ألنه عجز مينع من ابتدائها فمنع من استدامتهاأنه ال خيرج به من اإلمامة وإن منع من عقدها، ألن املعترب يف عقدها كمال السالمة ويف اخلروج منها

واختلف يف منعه من ابتداء عقدها وهو ما . مينع من استدامة اإلمامةوالقسم الرابع ما ال. كمال النقصشان وقبح ومل يؤثر يف عمل وال يف ضة كجدع األنف ومسل إحدى العينني، فال خيرج به من اإلمامة

أحدمها أنه ال : ويف منعه من ابتداء عقدها مذهبان الفقهاء. بعد عقدها لعدم تأثريه يف شيء من حقوقهان عقدها وليس ذلك من الشروط املعتربة فيها لعدم تأثريه يف حقوقها واملذهب الثاين أنه مينع من مينع م

عقد اإلمامة وتكون السالمة منه شرطاً معترباً يف عقدها ليسلم والة املللة من شني يعاب ونقص يزدرى .ألمةفتقل اهليبة، ويف قلتها نفور من الطاعة، وما أدى إىل هذا فهو نقص يف حقوق ا

فأما احلجر فهو أن يستويل عليه أعوانه من يستبد بتنفيذ األمور . حجر وقهر: وأما نقص التصرف فضربانمن غري تظاهر مبعصية وال جماهرة مبشاقة، فال مينع ذلك من إمامته وال يقدح يف صحة واليته ولكن ينظر

ن ومقتضى العدل جياز إقراره عليها يف أفعال من استوىل على أموره، فإن كنت جارية على أحكام الديوإن كانت أفعاله . تنفيذاً هلا وإمضاء ألحكامها لئال يقف من األمور الدينية ما يعود بفساد على األمة

خارجة عن حكم الدين ومقتضى العدل مل جيز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض يده ويزيل يد عدو قاهر ال يقدر على اخلالص منه فيمنع ذلك عن عقد وأما القهر فهو أن يصري مأسوراً يف . تغلبه

اإلمامة له لعجزه عن النظر يف أمور املسلمني، وسواء كان العد مشركاً أو مسلماً باغياً، ولإلمة اختيار من عداه من ذوي القدرة، وإن أسر بعد أن عقدت له اإلمامة فعلى كافة األمة استنقاذه ملا أوجبته اإلمامة من

وهو على إمامته ما كان مرجو اخلالص مأمول الفكاك إما بقتال أو فداء، فإن وقع اإلياس منه مل نصرتهخيل حال من أسره من أن يكون مشركني أو بغاة مسلمني، فإن كان يف أسر املشركني خرج من اإلمامة

حال أسره نظر يف لليأس من خالصه واستأنف أهل االختيار بيعة غريه على اإلمامة، فإن عهد باإلمامة يفعهده، فإن كان بعد اإلياس من خالصه كان عهده باطالً ألنه عهد بعد خروجه من اإلمامة فلم يصح منه

عهد، وإن عهد قبل اإلياس من خالصه وقت هو فيه مرجو اخلالص صح عهده لبقاء إمامته واستقرت

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 15

بعد عهده نظر يف خالصه فإن إمامة ويل عهده باإلياس من خالصه لزوال إمامته، فلو خلص من أسره كان بعد اإلياس منه مل يعد إىل إمامته خلروجه منا باإلياس واستقرت يف ويل عهده وإن خلص قبل اإلياس

فهو على إمامته ويكون العهد يف ويل العهد ثابتاً وإن مل يصر إماماً وإن كان مأسوراً مع بغاة املسلمني، إما أن يكونوا نصبوا : إن مل خيل حال البغاة من أحد أمرينفإن كان مرجو اخلالص فهو على إمامته و

ألنفسهم إماماً أو مل ينصبوا فإن كانوا فوضى ال إمام هم فاإلمام مأسور يف أيديهم على إمامته ألنه بيعته هلم الزمة وطاعته عليهم واجبة فصار معهم كمصريه مع أهل العدل إذا صارت حتت احلجر، وعلى أهل

ستنيبوا عنه ناظراً خيلفه إن مل يقدر على االستنابة، فإن قدر عليها كان أحق باختبار من االختيار أن ييستنيبه منهم، فإن خلع املأسور نفسه أو مات مل يصر املستناب إماماً ألا نيابة عن موجود فزالت بفقده،

فاإلمام املأسور يف أيديهم وإن كان أهل البغي قد نصبوا ألنفسهم إماماً دخلوا يف بيعته وانقادوا لطاعته خارج من اإلمامة باإلياس من خالصه، ألم قد احنازوا بدار تفرد حكمها عن اجلماعة وخرجوا ا عن

الطاعة فلم يبق ألهل العدل م نصرة وللمأسور معهم قدرة، وعلى أهل االختيار يف دار العدل أن يعقدوا . يعد إىل اإلمامة خلروجه منهااإلمامة ملن ارتضوا هلا، فإن خلص املأسور مل

وإذا متهد ما وصفناه من أحكام اإلمامة وعموم نظرها يف مصاحل امللة وتدبري األمة، فإذا استقر عقدها فالقسم األول من تكون واليته عامة يف : لإلمام انقسم ما صدر عنه من واليات خلفائه أربعة أقسام

والقسم الثاين من تكون . يف مجيع األمور من غري ختصيصاألعمال العامة وهم الوزراء ألم يستنابونواليته عامة يف أعمال خاصة وهم أمراء األقاليم والبلدان ألن النظر فيما خصوا به من األعمال عام يف

من تكون واليته خاصة يف األعمال العامة وهم كقاضي القضاة ونقيب : والقسم الثالث. مجيع األمورومستويف اخلراج وجايب الصدقات، ألن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص اجليوش وحامي الثغور

من تكون واليته خاصة يف األعمال اخلاصة وهم كقاضي بلد أو إقليم : يف مجيع األعمال، والقسم الرابعأو مستويف خراجه أو جايب صدقاته أو حامي ثغره أو نقيب جند، ألن كل واحد منهم خاص النظر

.لكل واحد من هؤالء الوالة شروط تنعقد ا واليته ويصح معها نظرهخمصوص العمل، و

.وحنن نذكرها يف أبواا ومواضعها مبشيئة اهللا وتوفيقه

الباب الثاني

في تقليد الوزارة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 16

وزارة تفويض ووزارة تنفيذ فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر اإلمام من يفوض : والوزارة على ضربنيألمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده، وليس ميتنع جواز هذه الوزارة، قال اهللا تعاىل حكاية عن إليه تدبري ا

واجعل يل وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه يف : " نبيه موسى عليه الصالة والسالم ".أمري

دبري األمة ال يقدر على فإذا جاز ذلك يف النبوة كان يف اإلمامة أجوز، وألن ما وكل إىل اإلمام من تمباشرة مجيعه إال باالستنابة، ونيابة الوزير املشارك له يف التدبري أصلح يف تنفيذ األمور من تفرده ا

ليستظهر به على نفسه وا يكون أبعد من الزلل وأمنع من اخللل، ويعترب يف تقليد هذه الوزارة شروط منفذ االجتهاد فاقتضى أن يكون على صفات اتهدين، اإلمامة إال النسب وحدة ألنه ممضى اآلراء و

وحيتاج فيها إىل شرط زائد على شروط اإلمامة وهو أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إليه من أمر احلرب واخلراج خربة ما ومعرفة بتفصيلهما فإنه مباشر هلما تارة ومستنيب فيهما أخرى، فال يصل إىل

كون منهم، كما ال يقدر على املباشرة إذا قصر عنهم، وعلى هذا الشرط مدار استنابة الكفاة إال أن يإين التمست ألموري رجالً : الوزارة وبه تنتظم السياسة، حكى أن املأمون رمحه اهللا كتب يف اختيار وزير

جامعاً خلصال اخلري ذا عفة يف خالئقه واستقامة يف طرائقه، قد هذبته اآلداب وأحكمته التجارب، إن

اؤمتن على األسرار قام ا وإن قلد مهمات األمور ض فيها، يسكته احللم وينطقه العلم وتكفيه اللحظة وتغنيه اللحمة، له صولة األمراء وأناة احلكماء وتواضع العلماء وفهم الفقهاء، إن أحسن إليه شكر، وإن

رجال خبالبة لسانه وحسن بيانه، ابتلى باإلساءة صرب، ال يبيع نصيب يومه حبرمان غده، يسترق قلوب ال : وقد مجع بعض الشعراء هذه األوصاف فأوجزها ووصف بعض وزراء الدولة العباسية ا فقال من الوافر

إذا اشتبهت على الناس األمور واءه سرتكوف هبديهت

يرشأعي المشاور والم إذا اًر يوموأحزم ما يكون الده

دورضاقت من الهم الص إذا اعسم اتهفيه لل وصدر

فالصالح بنظره عام وما يناط برأيه - وقل ما تكمل -فهذه األوصاف إذا كملت يف الزعيم املدبر وتدبريه تام، وإن اختلت فالصالح حبسبها خيتل والتدبري على قدرها يعتل ولئن مل يكن هذا من الشروط

. احل األمة واستقامة امللةالدينية احملضة فهو من شروط السياسة املمازجة لشروط الدين ملا يتعلق ا من مص

فإذا كملت شروط هذه الوزارة فيمن هو أهل هلا فصحة التقليد فيها معتربة بلفظ اخلليفة املستوزر ألا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 17

والية تفتقر إىل عقد والعقود ال تصح إال بالقول الصريح، فإن وقع له بالنظر وأذن له مل يتم التقليد له الوزارة بلفظ يشتمل على شرطني أحدمها عموم النظر، حكماً، وإن إمضاء الوالية عرفاً حىت يعقد

والثاين النيابة، فإن اقتصر به على النيابة فقط أم ما استنابه فيه من عموم وخصوص أو تنفيذ وتفويض أحدمها وهو : فلم تنعقد به الوزارة، وإذا مجع بينهما انعقدت ومتت، واجلمع بينهما يكون من وجهني

أن يقول قد قلدتك ما إىل نيابة عين فتنعقد به الوزارة ألنه قد مجع له بني عموم باحكام العقود أخصالنظر واالستنابة يف النظر، فإن قال له نب عين فيما إىل احتمل أن تنعقد به الوزارة؛ ألنه قد مجع له يف

ذن حيتاج إىل أن هذا اللفظ بني الوجهني عموم النظر واالستنابة واحتمل أن ال تنعقد به الوزارة ألنه إيتقدمه عقد واإلذن يف أحكام العقود ال تصح به العقود، ولكن لو قال قد استنبتك فيما إيل انعقدت به

الوزارة ألنه عدل عن جمرد اإلذن إىل ألفاظ العقود، ولو قال فيما إىل مل تنعقد به الوزارة الحتماله أن ال ينربم بلفظ حمتمل حىت يصله مبا ينفي عنه االحتمال ينظر يف تصفحه أو تنفيذه أو يف القيام به، والعقد

وليس يراعي فيما يباشره اخللفاء وملوك األمم من العقود العامة ال يراعي يف اخلاصة من الشروط املؤكدة أحدمها أن من عادم االكتفاء بيسري القول عن كثريه فصار ذلك فيهم عرفاً خمصوصاً، ورمبا : ألمرين

فاقتصروا على اإلشارة غري أنه ليس يتعلق ا يف الشرع حكم لناطق سليم فكلك خرجت استثقلوا الكالمبالشرع من عرفهم، والثاين أم لقلة ما يباشرونه من العقود جبعل منو هلذا حلل يف تأهبهم هلا موجباً حلمل

هو يعرف املنصب والوجه الثاين و. لفظهم اعل على الغرض املقصود دون االحتمال ارد، فهذا وجهأشبه أن يقول قد استوزرتك تعويالً على نيابتك فتنعقد به هذه الوزارة ألنه قد مجع بني عموم النظر فيما

إليه بقوله استوزرتك، ألن نظر الوزارة عام وبني النيابة بقوله تعويال على نيابتك فخرجت عن وزارة اريت احتمل أن تنعقد به هذه الوزارة أو ذكر التنفيذ إىل وزارة التفويض، ولو قال قد فوضت إليك وز

التفويض فيها خيرجها عن وزارة التنفيذ إىل وزارة التفويض، وحيتمل أن ال تنعقد ألن التفويض من أحكام هذه الوزارة فافتقر إىل عقد يتقدمه، واألول من االحتمالني أشبه بالصواب، فعلى هذا لو قال قد فوضنا

ة األمور يكنون عن أنفسهم بلفظ اجلمع ويعظمون عن إفاضة الشيء إليهم إليك الوزارة صح ألن والفريسلونه فيقوم قوله قد فوضنا إليك مقام قوله فوضت إليك وقوله الوزارة مقام قوله وزاريت، وهذا أفخم قول عقدت به وزارة التفويض وأوجزه، ولو كين غري امللوك عن أنفسهم باجلمع وترك اإلضافة ملا تعلق به حكم التفرد واإلضافة خلروجه عن العرف املعهود، فأما إذا قال قد قلدناك الوزارة مل يصر ذا القول من

: " وزراء التفويض حىت يبينه مبا يستحق به التفويض ألن اهللا تعاىل يقول عن نبيه موسى صلوات اهللا عليه

".واجعل يل وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه يف أمري

فلم يقتصر على جمرد الوزارة حىت قرا بشدة أزره وإشراكه يف أمره، ألن اسم الوزارة خمتلف يف اشتقاقه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 18

الثاين أنه مأخوذ من . أحدها أنه مأخوذ من الوزر وهو الثقل ألنه حيمل عن امللك أثقاله: على ثالثة أوجه فسمي بذلك، ألن امللك يلجأ إىل رأيه أي ال ملجأ" كال ال وزر " الوزر وهو امللجأ ومنه قوله تعاىل

والثالث أنه مأخوذ من األزر وهو الظهر، ألن امللك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر وألي . ومعونته .هذه املعاين كان مشتقاً فليس يف واحد منها ما يوجب االستبداد باألمور

لى العموم معترب بشرطني يقع الفرق ما بني وإذا تقرر ما تنعقد به وزارة التفويض فالنظر فيها وإن كان عأحدمها خيتص بالوزير وهو مطالعة اإلمام ملا أمضاه من تدبري وأنفذه من والية وتقليد . اإلمامة والوزارة

والثاين خمتص باإلمام وهو أن يتصفح أفعال الوزير وتدبريه األمور ليقر منها . لئال يصري باالستبداد كاإلمام ويستدرك ما خالفه ألن تدبري األمة إليه موكول على اجتهاد حممول، وجيوز هلذا الوزير ما وافق الصواب

وجيوز أن ينظر يف . أن حيكم بنفسه وأن يقلد احلكام كما جيري ذلك اإلمام ألن شروط احلكم فيه معتربةن يقلد من يتواله وجيوز أن يتوىل اجلهاد بنفسه، وأ. املظامل ويستنيب فيها ألن شروط املظامل فيه معتربة

وجيوز أن يباشر تنفيذ األمور اليت دبرها، وأن يستنيب يف تنفيذها، ألن . ألن شروط احلرب فيه معتربةوكل ما صح من اإلمام صح من الوزير إال ثالثة أشياء، أحدها والية . شروط الرأي والتدبري فيه معتربة

والثاين أن لإلمام أن يستعفي األمة من اإلمامة . رالعهد، فإن لإلمام أن يعهد إىل من يرى وليس ذلك للوزيوللثالث أن لإلمام أن يعزل من قلده الوزير، وليس للوزير أن يعزل من قلده اإلمام، . وليس ذلك للوزير

وما سوى هذه الثالثة فحكم التفويض إليه يقتضي جواز فعله وصحة نفوذه منه، فإن عارضه اإلمام يف رد حكم نفذ عن وجهه أوىف الوضع يف حقه مل جيز نقض ما نفذ باجتهاده من حكم ما أمضاه، فإن كان يف

وال استرجاع ما فرق برأيه من مال، فإن كان يف تقليد وال أو جتهيز جيش وتدبري حرب جاز لإلمام معارضته بعزل املوىل والعدول باجليش إىل حيث يرى، وتدبري احلرب مبا هو أوىل ألن لإلمام أن يستدرك

.من أفعال نفسه فكان أوىل أن يستدركه من أفعال وزيرهذلك

فلو قلد اإلمام والياً على عمل وقلد الوزير غريه على ذلك العمل نظر يف أسبقهما بالتقليد فإن كان اإلمام أسبق تقليداً فتقليده أثبت وال والية ملن قلده الوزير، وإن كان تقليد الوزير أسبق فإن علم اإلمام مبا تقدم

تقليد الوزير كان يف تقليده اإلمام لغريه عزل األول واستئناف تقليد الثاين فصح الثاين دون األول، منوإن مل يعلم اإلمام مبا تقدم من تقليد الوزير فتقليد الوزير أثبت وتصح والية األول دون الثاين، ألن تقليد

ال : ال بعض أصحاب الشافعي رضي اهللا عنهوق. الثاين اجلهل بتقليد األول ال يكون عزالً ولو علم بتقليدهينعزل األول مع علم اإلمام حباله إذا قلد غريه حىت يعزله قوالً فيصري بالقول معزوالً ال بتقليد غريه، فعلى هذا إن كان النظر مما ال يصح فيه االشتراك صح تقليدمها فكانا مشتركني يف النظر، فإن كان مماالً يصح

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 19

ليدمها موقوفاً على عزل أحدمها وإقرار اآلخر؛ فإن توىل ذلك اإلمام جاز أن يعزل فيه االشتراك كان تقأيهما شاء ويقر اآلخر، وإن تواله الوزير جاز أن يعزل من اختص بتقليده ومل جيز أن يعزل من قلده

.اإلمام

م وتدبريه، وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف وشروطها أقل، ألن النظر فيها مقصور على رأي اإلماوهذا الوزير وسط بينه وبني الرعايا والوالة يؤدي عنه ما أمر وينفذ عنه ما ذكر وميضي ما حكم وخيرب

بتقليد الوالة وجتهيز اجليوش ويعرض عليه ما ورد من مهم وجتدد من حدث ملم، ليعمل فيه ما يؤمر به، فإن شورك يف الرأي كان باسم الوزارة فهو معني يف تنفيذ األمور وليس بوال عليها وال متقلداً هلا،

أخص، وإن مل يشارك فيه كان باسم الواسطة والسفارة أشبه، وليس تفتقر هذه الوزارة إىل تقليد وإمنا يراعى فيها جمرد اإلذن وال تعترب يف املؤهل هلا احلرية وال العلم، ألنه ليس له أن ينفرد بوالية وال تقليد

أحدمها أن : ز له أن حيكم فيعترب فيه العلم وإمنا هو مقصور النظر على أمرينفتعترب فيه احلرية، وال جيوأحدها األمانة حىت ال خيون فيما قد : يؤدي إىل اخلليفة، والثاين أن يؤدي عنه فرياعي فيه سبعة أوصاف

على أؤمتن عليه وال يغش فيما قد استنصح فيه، والثاين صدق اللهجة حىت يوثق خبربه فيما يؤديه ويعملوالرابع أن يسلم فيما . والثالث قلة الطمع حىت ال يرتشي فيما يلي وال ينخدع فيتساهل. قوله فيما ينهيه

واخلامس أن . بينه وبني الناس من عداوة وشحناء، فإن العداوة تصد عن التناصف ومتنع من التعاطف الذكاء والفطنة حىت ال تدلس عليه والسادس. يكون ذكوراً ملا يؤديه إىل اخلليفة عنه ألنه شاهد له وعليه

األمور فتشتبه، وال متوه عليه فتلتبس، فال يصح مع اشتباهها عزم وال يصلح مع التباسها حزم، وقد أفصح : ذا الوصف وزير املأمون حممد بن يزداد حيث يقول من الطويل

واتذاك مأخطأ المعنى ف فإن همعنى المرء روح كالم إصابة

اتبين سمالعلل فيقظته إذا غاب قلب المرء عن حفظ لفظه

والسابع أن ال يكون من أهل األهواء فيخرجه اهلوى من احلق إىل الباطل ويتدلس عليه احملق من املبطل، حبك : " ولذلك قال النيب صلى اهللا عليه وسلم. فإن اهلوى خادع األلباب وصارف له عن الصواب

".الشيء يعمي ويصم

: قال الشاعر من السريع

ائلالسامع للق وأنصت إذا قلت دواعي الهوى إنا

نقضي بحكم عادل فاضل مالقوم بألبابه واصطرع

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 20

دون الحق بالباطل نلفظ اً والنجعل الباطل حق ال

الدهر مع الحامل فنحمل اأن تسفه أحالمن تخاف

فإن كان هذا الوزير مشاركاً يف الرأي احتاج إىل وصف ثامن وهو احلنكة والتجربة اليت تؤديه إىل صحة الرأي وصواب التدبري فإن يف التجارب خربة بعواقب األمور، وإن مل يشارك يف الرأي مل حيتج إىل هذا

ة وإن كان خربها مقبوالً ملا الوصف وإن كان ينتهي إليه مع كثرة املمارسة، وال جيوز أن تقوم بذلك امرأما أفلح قوم أسندوا أمرهم : " تضمنه معىن الواليات املصروفة عن النساء لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

".إىل امرأة

وألن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء، ومن الظهور يف مباشرة األمور ما هو هذا الوزير من أهل الذمة وإن مل جيز أن يكون وزير التفويض منهم، عليهم حمظور، وجيوز أن يكون

أحدها أنه : ويكون الفرق بني هاتني الوزارتني حبسب الفرق بينهما يف النظرين، وذلك من أربعة أوجهوالثاين أنه جيوز لوزير . جيوز لوزير التفويض مباشرة احلكم والنظر يف املظامل، وليس ذلك لوزير التنفيذ

والثالث أنه جيوز لوزير التفويض أن ينفرد . فويض أن يستبد بتقليد الوالة وليس ذلك لوزير التنفيذالتوالرابع أنه جيوز لوزير التفويض أن يتصرف يف . بتسيري اجليوش وتدبري احلروب وليس ذلك لوزير التنفيذ

فيذ، وليس فيما عدا هذه أموال بيت املال بقبض ما يستحق له ويدفع ما جيب فيه وليس ذلك لوزير التناألربعة ما مينع أهل الذمة منها إال أن يستطيلوا فيكونوا ممنوعني من االستطالة؛ وهلذه الفروق األربعة بني

أحدها أن احلرية معتربة يف وزارة التفويض وغري معتربة يف : النظريين افترق يف أربعة من شروط الوزارتني معترب يف وزارة التفويض وغري معترب يف وزارة التنفيذ والثالث أن العلم والثاين أن اإلسالم. وزارة التنفيذ

والرابع أن املعرفة بأمري احلرب . باألحكام الشرعية معترب يف وزارة التفويض وغري معترب يف وزارة التنفيذن أربعة أوجه واخلراج معتربة يف وزارة التفويض وغري معتربة يف وزارة التنفيذ، فافترقا يف شروط التقليد م

.كما افترقا يف حقوق النظر من أربعة أوجه واستويا فيما عداها من حقوق وشروط

وجيوز للخليفة أن يقلد وزيري تنفيذ على اجتماع وانفراد، وال جيوز أن يقلد وزيري تفويض على والتقليد والعزل االجتماع لعموم واليتهما، كما ال جيوز تقليد إمامني ألما رمبا تعارضا يف العقد واحلل

".لو كان فيهما آهلة إال اهللا لفسدتا : " وقد قال اهللا تعاىل

أحدها أن يفوض إىل كل واحد منهما : فإن قلد وزيري تفويض مل خيل حال تقليده هلما من ثالثة أقسامعموم النظر، فال يصح ملا قدمناه من دليل وتعليل وينظر يف تقليدمها، فإن كان يف وقت واحد بطل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 21

والفرق بني فساد التقليد . تقليدمها معاً، وإن سبق أحدمها اآلخر صح تقليد السابق وبطل تقليد املسبوق. والعزل أن فساد التقليد مينع من نفوذ ما تقدم من نظره، والعزل ال مينع من نفوذ ما تقدم من نظره

واحد منهما أن ينفرد به فهذا والقسم الثاين أن يشرك بينهما يف النظر على اجتماعهما فيه وال جيعل إىليصح وتكون الوزارة بينهما ال يف واحد منهما، وهلما تنفيذ ما اتفق رأيهما عليه، وليس هلما تنفيذ ما اختلفا فيه ويكون موقوفاً على رأي اخلليفة وخارجاً عن نظر هذين، وتكون هذه الوزارة قاصرة على

تماعهما على تنفيذ ما اتفقا عليه، والثاين زوال نظرمها عما أحدمها اج: وزارة التفويض املطلقة من وجهنياختلفا فيه، فإن اتفقا بعد االختالف نظر، فإن كان عن رأي اجتمعا على صوابه بعد اختالفهما فيه دخل يف نظرمها وصح تنفيذه منهما، ألن ما تقدم من االختالف ال مينع من جواز االتفاق، وإن كان من متابعة

حبه مع بقائهما على الرأي املختلف فيه فهو على خروجه من نظرمها ألنه ال يصح من الرتير أحدمها لصا .تنفيذ ما ال يراه صواباً

والقسم الثالث أن ال يشرك بينهما يف النظر ويفرد كل واحد منهما مبا ليس فيه لألخر نظر، وهذا يكون يه عام النظر خاص العمل مثل أن يرد إىل إما أن خيص كل واحد منهما بعمل يكون ف: على أحد وجهني

أحدمها وزارة بالد املشرق وإىل اآلخر وزارة بالد املغرب، وإما أن خيص كل واحد منهما بنظر يكون فيه عام العمل خاص النظر مثل أن يستوزر أحدمها على احلرب واآلخر على اخلراج فيصح التقليد على كال

ي تفويض ويكونان واليني على عملني خمتلفني، ألن وزارة التفويض الوجهني، غري أما ال يكونان وزيرما عمت ونفذ أمر الوزيرين ا يف كل عمل وكل نظر، ويكون تقليد كل واحد منهما مقصوراً على ما

خص به، وليس له معارضة اآلخر يف نظره وعمله وجيوز للخليفة أن يقلد وزيرين وزير تفويض ووزير تفويض مطلق التصرف ووزير التنفيذ مقصوراً على تنفيذ ما وردت به أوامر اخلليفة، تنفيذ فيكون وزير ال

وال جيوز لوزير التنفيذ أن يويل معزوالً وال يعزل من واله اخلليفة، وليس لوزير التنفيذ أن يوقع عن نفسه ليفة ويلزمهم وال عن اخلليفة إال بأمره، وجيوز لوزير التفويض أن يوقع عن نفسه إىل عماله وعمال اخل

قبول توقيعاته، وال جيوز أن يوقع عن اخلليفة إال بأمره يف عموم أو خمصوص، وإذا عزل اخلليفة وزير التنفيذ مل يعزل به أحد من الوالة، وإذا عزل وزير التفويض انعزل به عمال التنفيذ ومل ينعزل به عمال

وز لوزير التفويض أن يستخلف نائباً عنه، التفويض ألن عمال التنفيذ نياب وعمال التفويض والة، وجيوال جيوز لوزير التنفيذ أن يستخلف من ينوب عنه، ألن االستخالف تقليد فصح من وزير التفويض ومل

يصح من وزير التنفيذ، وإذا ى اخلليفة وزير التفويض عن االستخالف مل يكن له أن يستخلف، وإذا أذن أن يستخلف ألن كل واحد من الوزيرين يتصرف عن أمر اخلليفة لوزير التنفيذ يف االستخالف جاز له

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 22

ويه وإن افترق حكمهما مع إطالق التقليد، وإذا فوض اخلليفة تدبري األقاليم إىل والا ووكل النظر فيها إىل املسئولني عليها كالذي عليه أهل زمامنا جاز ملالك كل إقليم أن يستوزر، وكان حكم وزيره معه

. اخلليفة مع اخلليفة يف اعتبار الوزارتني وأحكام النظرينكحكم وزير

الباب الثالث

في تقليد اإلمارة على البالد

: فأما العامة فعلى ضربني: وإذا قلد اخلليفة أمرياً على إقليم أو بلد كانت إمارته على ضربني عامة وخاصة

رار فإمارة االستكفاء اليت تنعقد عن اختياره إمارة استكفاء بعقد عن اختيار وإمارة استيالء بعقد عن اضطفتشمل على عمل حمدود ونظر معهود، والتقليد فيها أن يفوض إليه اخلليفة إمارة بلد أو إقليم والية على

مجيع أهله ونظراً يف العهود من سائر أعماله فيصري عام النظر فيما كان حمدوداً من عمل ومعهوداً من نظر أحدها النظر يف تدبري اجليوش وترتيبهم يف النواحي وتقدير أرزاقهم إال : سبعة أمورفيشتمل نظره فيه على

والثاين النظر يف األحكام وتقليد القضاة واحلكام والثالث جباية . أن يكون اخلليفة قدرها فيدرها عليهمن والذب عن والرابع محاية الدي. اخلراج وقبض الصدقات وتقليد العمال فيهما وتفريق ما استحق منها

والسادس . واخلامس إقامة احلدود يف حق اهللا وحقوق اآلدميني. احلرمي ومراعاة الدين من تغيري أو تبديلوالسابع تسيري احلجيج من عمله ومن . اإلمامة يف اجلمع واجلماعات حىت يؤم ا أو يستخلف عليها

م ثغراً متامخاً للعدو واقترن ا ثامن سلكه من غري أهله حىت يتوجهوا معانني عليه، فإن كان هذا اإلقليوهو جهاد من يليه من األعداء وقسم غنائمهم يف املقاتلة وأخذ مخسها ألهل اخلمس وتعترب يف هذه

اإلمارة الشروط املعتربة يف وزارة التفويض، ألن الفرق بينهما خصوص الوالية يف اإلمارة وعمومها يف ها فرق يف الشروط املعتربة فيها مث ينظر يف عقد هذه اإلمارة، الوزارة وليس بني عموم الوالية وخصوص

فإن كان اخلليفة قد تواله كان لوزير التفويض عليه حق املراعاة والتصفح ومل يكن له عزله وال نقله من أحدمها أن يقلده عن إذن اخلليفة، فال : وإن كان الوزير قد تفرد بتقليده فهو على ضربني. إقليم إىل غريه

. ز له عزله وال نقله من عمله إىل غريه إال عن إذن اخلليفة وأمره ولو عزل الوزير مل ينعزل هذا األمريجيو

والضرب الثاين أن يقلده عن نفسه فهو نائب عنه فيجوز له أنه ينفرد بعزله واالستبدال به حبسب ما يؤديه األمري فلم يصرح فيه بأنه عن اخلليفة ولو أطلق الوزير تقليد. االجتهاد إليه من النظر يف األوىل واألصح

وال عن نفسه كان التقليد عن نفسه؛ وله أن ينفرد بعزله، ومىت انعزل هذا األمري إال أن يقره اخلليفة على

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 23

إمارته فيكون ذلك جتديد والية واستئناف تقليد غري أنه ال حيتاج يف لفظ العقد إىل ما حيتاج إليه ابتداء ي أن يقول اخلليفة قد أقررتك على واليتك وحيتاج يف ابتدء العقد أن يقول قد العقد من الشروط، ويكف

قلدتك ناحية كذا إمارة على أهلها ونظراً على مجيع ما يتعلق ا على تفصيل ال يدخله إمجال وال يتناوله قلد الوزارة احتمال، فإذا قلد اخلليفة هذه اإلمارة مل يكن فيها عزل للوزير عن تصفحها ومراعاا، وإذا

مل يكن فيها عزل هلذا األمري عن إمارته ألنه إذا اجتمع عموم التقليد وخصوصه يف الواليات السلطانية كان عموم التقليد حمموالً يف العرف على مراعاة األخص وتصفحه وكان خصوص التليد حمموالً على

نفيذ بأمر اخلليفة وبغري أمره، وال جيوز وجيوز هلذا األمري أن يستوزر لنفسه وزير ت. مباشرة العمل وتنفيذهأن يستوزر وزير تفويض إال عن إذن اخلليفة وأمره ألن وزير التنفيذ معني ووزير التفويض مستبد، وإذا

أراد هذا األمري أن يزيد يف أرازق جيشه لغري سبب مل جيز ملا فيه من استهالك مال يف غري حق، وإن لسبب، فإن كان مما يرجى زواله ال تستقر به الزيادة على التأييد زادهم حلدوث سبب يقتضيه نظر يف ا

كالزيادة لغالء سعر أو حدوث حدث أو نفقة يف حرب جاز لألمري أن يدفع هذه الزيادة من بيت املال وال يلزمه استئمار اخلليفة ألا من حقوق السياسة املوكولة إىل اجتهاد، وإن كان سبب الزيادة مما يقتضي

رها على التأييد كالزيادة حلرب أبلوا فيها وقاموا بالبصر حىت اجنلت أوقفها على استئمار اخلليفة استقرافيها ومل يكن له التفرد بإمضائها، وجيوز أن يرزق من بلغ من أوالد اجليش ويقرض هلم العطاء بغري أمر،

زاق جيشه محله إىل اخلليفة وال جيوز أن يفرض جليش مبتدأ إال بأمر، وإذا فضل مال اخلراج فاضل عن أرليضعه يف بيت املال العام املعد للمصاحل العامة، وإذا فضل من مال الصدقات فاضل عن أهل عمله مل يلزمه محله إىل اخلليفة وصرفه يف أقوات أهل الصدقات من عمله، وإذا نقص مال اخلراج عن أرزاق

لصدقات عن أهل جيشه طالب اخلليفة متامه من بيت املال، ولو نقص مال ا

عمله مل يكن له مطالبة اخلليفة بتمامه ألن أرزاق اجليش مقدرة بالكفاية وحقوق أهل الصدقات معتربة وإذا كان تقليد األمري من قبل اخلليفة مل ينعزل مبوت اخلليفة، وإن كان من قبل الوزير انعزل . بالوجود

تقليد الوزير مبوت اخلليفة وإن مل ينعزل به األمري ألن مبوت الوزير ألن تقليد اخلليفة نيابة عن املسلمني والوزارة نيابة عن اخلليفة واإلمارة نيابة عن املسلمني فهذا حكم أحد قسمي اإلمارة العامة وهي إمارة

.االستكفاء املعقودة عن اختيار

مث نذكر القسم وحنن نقدم أمام القسم األخري منها حكم اإلمارة اخلاصة الشتراكهما يف عقد االختيارالثاين يف إمارة االستيالء املعقودة عن اضطرار لنبين حكم االضطرار على حكم االختيار فيعلم فرق ما

.بينهما من شروط وحقوق

فأما اإلمارة اخلاصة، فهو أن يكون األمري مقصور اإلمارة على تدبري اجليش وسياسة الرعية ومحاية البيضة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 24

فأما إقامة احلدود . يتعرض للقضاء واألحكام وجلباية اخلراج والصدقاتوالذب عن احلرمي، وليس له أنفما افتقر منها إىل اختيار الختالف الفقهاء فيه وافتقر إىل إقامة بينة لتكاثر املتنازعني فيه فليس له التعرض

افتقر إليهما إلقامتها ألا من األحكام اخلارجة عن خصوص إمارته، وإن مل يفتقر إىل اختيار وال بينة أوفال خيلو أن يكون من حقوق اهللا سبحانه أو من حقوق . فنفذ فيه اجتهاد احلاكم أو إقامة البينة عنده

اآلدميني، فإن كان من حقوق اآلدميني كحد القذف والقصاص يف نفس أو طرف كان ذلك معترباً حبال ه يف مجلة احلقوق اليت ندب احلاكم الطالب، فإن عدل عنه إىل احلاكم كان احلاكم أحق باستيفائه لدخول

إىل استيفائها، وإن عدل الطالب باستيفاء احلد وللقصاص إىل هذا األمري كان األمري أحق باستيفائه، ألنه ليس حبكم وإمنا هو معونة على استيفاء احلق وصاحب املعونة هو األمري دون احلاكم، فإن كان هذا احلد

لزنا جلدا أو رمجا فاألمري أحق باستيفائه من احلاكم لدخوله يف قوانني من حقوق اهللا تعاىل احملضة كحد االسياسة وموجبات احلماية والذب عن امللة، وألن تتبع املصاحل موكول إىل األمراء املندوبني إىل البحث

عنها دون احلكام املرصدين لفصل التنازع بني اخلصوم فدخل يف حقوق اإلمارة ومل خيرج منها إال بنص .خرج من حقوق القضاء فلم يدخل فيها إال بنصو

وأما نظره يف املظامل، فإن كان مما نفذت فيه األحكام وأمضاه القضاء واحلكام جاز له النظر يف استيفائه معونة للمحق على الباطل وانتزاعاً للمحق من املعترف املماطل، ألنه موكول إىل املنع من التظامل والتغالب

بالتعاطف والتناصف، فإن كانت املظامل مما تستأنف فيها األحكام ويبتدأ فيها القضاء ومندوب إىل األخذمنع منه هذا األمري؛ ألنه من األحكام اليت مل يتضمنها عقد إمارته وردهم إىل حاكم بلده؛ فإن نفذ حكمه

أقرب احلكام ألحدهم حبق قام باستيفائه إن ضعف عنه احلاكم، فإن مل يكن يف بلده حاكم عدل ا إىلمن بلده إن مل يلحقهما يف املصري إليه مشقة، فإن حلقت مل يكلفهما ذلك واستأمر اخلليفة فيما تنازعا،

.ونفذ حكمه فيه

وأما تسيري احلجيج من عمله فداخل يف أحكام إمارته، ألنه من مجلة املعونات اليت ندب هلا

إن القضاة ا أخص وهو مبذهب الشافعي أشبه، وقيل فأما إمامة الصلوات يف اجلمع واألعياد، فقد قيلإن األمراء ا أحق وهو مبذهب أيب حنيفة أشبه، فإن تامخت والية هذا األمري ثغراً مل يكن له أن يبتدئ

جهاد أهله إال بإذن اخلليفة وكان عليه حرم ودفعهم إن هجموا عليه بغري إذنه، ألن دفعهم من حقوق ب عن احلرمي، ويعترب يف والية هذه اإلمارة الشروط املعتربة يف وزارة التنفيذ وزيادة احلماية ومقتضى الذ

مها اإلسالم واحلرية، ملا تضمنتها من الوالية على أمور دينية ال تصح مع الكفر والرق، وال : شرطني عليهاة بشروط وزارة فصارت شروط اإلمارة العامة معترب. يعترب فيها العلم والفقه، وإن كان فزيادة فضل

.التفويض الشتراكهما يف عموم النظر وإن اختلفا يف خصوص العمل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 25

وشروط اإلمارة اخلاصة تقصر عن شروط اإلمارة العامة بشرط واحد وهو العلم ألن ملن عمت إمارته أن وليس على واحد من هذين األمرين مطالعة اخلليفة مبا أمضاه يف : حيكم وليس ذلك ملن خصت إمارته

على مقتضى إمارته إذا كان معهوداً إال على وجه االختيار تظاهراً بالطاعة، فإن حدث حادث غري عملهمعهد أوقفاه على مطالعة اإلمام وعمال فيه بأمره، فإن خافا من اتساع اخلرق إن أوقفاه قاما مبا يدفع

على عموم األمور أمضى يف هجومه حىت يرد عليهما إذن اخلليفة فيما يعمالن به ألن رأي اخلليفة إلشرافه .احلوادث النازلة

وأما إمارة االستيالء اليت تعقد عن اضطرار فهي أن يستويل األمري بالقوة على بالد يقلده اخلليفة أمارا، ويفوض إليه تدبريها وسياستها، فيكون األمري باستيالئه مستبداً بالسياسة والتدبري، واخلليفة بإذنه منفذاً

ليخرج من الفساد إىل الصحة ومن احلظر إىل اإلباحة، وهذا وإن خرج عن عرف التقليد ألحكام الدين املطلق يف شروطه وأحكامه فيه من حفظ القوانني الشرعية وحراسة األحكام الدينية ما ال جيوز أن يترك

االستكفاء خمتالً مدخوالً وال فاسداً معلوالً، فجاز فيه مع االستيالء واالضطرار ما امتنع يف تقليد .واالحتيار لوقوع الفرق بني شروط املكنة والعجز

والذي يتحفظ بتقليد املستويل من قوانني الشرع سبعة أشياء، فيشترك يف التزامها اخلليفة الويل واألمري أحدها حفظ منصب اإلمامة يف خالفة النبوة وتدبري أمور امللة، : املستويل ووجوا يف جهة املستويل أغلظ

الثاين ظهور الطاعة . ون ما أوجبه الشرع من إقامتها حمفوظاً وما تفرع عنها من احلقوق حمروساًليكاجتماع الكلمة على األلفة : الدينية اليت يزول معها حكم العناد فيه وينتفي ا إمث املباينة له، والثالث

واليات الدينية جائزة أن تكون عقود ال: والرابع. والتناصر ال يكون للمسلمني يد على من سواهمواخلامس أن يكون . واألحكام واألقضية فيها نافذة ال تبطل بفساد عقودها، وال تسقط خبلل عهودها

والسادس أن تكون احلدود مستوفاة . استيفاء األموال الشرعية حبق تربأ به ذمة مؤديها ويستبيحه آخذهاوالسابع أن يكون األمري . اهللا وحدودهحبق وقائمة على مستحق؛ فإن جنب املؤمن محى إال من حقوق

يف حفظ الدين ورعاً عن حمارم اهللا يأمر حبقه إن أطيع ويدعو إىل طاعته إن عصى، فهذه سبع قواعد يف قوانني الشرع حيفظ ا حقوق اإلمامة واألحكام األمة فألجلها وجب تقليد املستويل؛ فإن كملت منه

عاء لطاعته ودفعاً ملشاقته وخمالفته، وصار باإلذن له نافذ التصرف شروط االختيار كان تقليده حتماً استديف حقوق امللة وأحكام األمة وجرى على من استوزره واستنابه ألحكام من استوزره اخلليفة واستنابه وجاز أن يستوزر وزير تفويض ووزير تنفيذ فإن مل يكمل يف املستويل شروط االختيار جاز للخليفة

استدعاء لطاعته وحسماً ملخالفته ومعاندته، أو كان نفوذ تصرفه يف األحكام واحلقوق إظهار تقليده و

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 26

موقوفاً على أن يستنيب له اخلليفة فيها ملن قد تكاملت فيه شروطها ليكون كمال الشروط فيمن أضيف وجاز مثل . إىل نيابته جرباً ملا أعوز من شروطها يف نفسه فيصري التقليد للمستويل والتنفيذ من املستناب

والثاين أن ما . أحدمها أن الضرورة تسقط ما أعوز من شروط املكنة: هذا وإن شذ عن األصول ألمرينخيف انتشاره من املصاحل العامة ختفف شروطه عن شروط املصاحل اخلاصة، فإذ صحت إمارة االستيالء

ثاين أن إمارة االستيالء تشتمل على وال. متعينة يف املتويل وإمارة االستكفاء مقصورة على اختيار املستكفيوالرابع أن وزارة التفويض . وإمارة االستكفاء مقصورة على معهود النظر دون نادره. معهود النظر ونادره

تصح يف إمارة االستيالء وال تصح يف إمارة االستكفاء لوقوع الفرق أن ينظر يف النادر واملعهود، وإمارة عهود فلم تصح معها وزارة تشتمل على مثلها من النظر املعهود الشتباه االستكفاء مقصورة على النظر امل

.حال الوزير باملستوزر

الباب الرابع

في تقليد اإلمارة على الجهاد

أحدمها أن تكون مصورة على سياسة : وهي على ضربني. واإلمارة على اجلهاد خمتصة بقتال املشركنيوالضرب الثاين أن يفوض إىل األمري فيها مجيع . إلمارة اخلاصةاجليش وتدبري احلرب؛ فيعترب فيه شروط ا

أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح، فيعترب فيها شروط اإلمارة العامة، وهي أكرب الواليات اخلاصة .أحكاماً وأوفرها فصوالً وأقساماً وحكمها إذا خصت داخل يف حكمها إذا عمت، فاقتصرنا عليه إجيازاً

القسم األول يف تسيري اجليش، وعليه يف السري م : ا من األحكام إذا عمت ستة أقساموالذي يتعلق أحدها الرفق م يف السري الذي يقدر عليه أضعفهم وحتفظ به قوة أقواهم، وال جيد السري : سبعة حقوق

فأوغلوا فيه هذا الدين متني : "فيهلك الضعيف ويستفرع جلد القوي، وقد قال النيب صلى اهللا عليه وسلم ".برفق، فإن املنبت ال أرضاً قطع وال ظهراً أبقى وشر السري احلقحقة

".املضعف أمري الرفقة : " وروي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

يريد أن من ضعفت دابته كان على القوم أن يسريوا بسريه، والثاين أن يتفقد خيلهم اليت جياهدون عليها ا، فال يدخل يف خيل اجلهاد ضخماً كبرياً وال ضرعاً صغرياً وال حطماً كسرياً وال وظهورهم اليت ميتطو

أعجف زارحاً هزيالً، ألا ال تقي ورمبا كان ضعفها وهناً، ويتفقد ظهور االمتطاء والركوب، فيخرج ما استطعتم من وأعدوا هلم: " منها ما ال يقدر على السري ومينع من محل زيادة على طاقتها، قال اهللا تعاىل

".قوة ومن رباط اخليل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 27

".ارتبطوا اخليل، فإن ظهورها لكم عز، وبطوا لكم كرت : " وقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

مسترزقة ومتطوعة، فأما املسترزقة فهم أصحاب : والثالث أن يراعي من معه من املقاتلة وهم صنفانوأما . م العطاء من بيت املال من الفيء حبسب الغين واحلاجةالديوان من أهل الفيء واجلهاد، يفرض هل

املتطوعة فهم اخلارجون عن الديوان من البوادي واألعراب وسكان القرى واألمصار الذين خرجوا يف ".انفروا خفافاً وثقاالً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم يف سبيل اهللا : " النفري الذي ندب اهللا تعاىل إليه بقوله

".خفافاً وثقاالً : " ه تعاىلويف قول

والثالث . والثاين أغنياء وفقراء قاله أبو صاحل. أحدمها شباناً وشيوخاً قاله احلسن وعكرمة: أربعة تأويالتالرابع ذا عيال وغري ذي عيال قاله الفراء وهؤالء يعطون من الصدقات دون . ركباناً ومشاة قاله أبو عمر

عليه وسلم املذكور يف آية الصدقات، وال جيوز أن يعطوا من الفيء الفيء من سهم رسول اهللا صلى اهللاألن حقهم يف الصدقات وال يعطى أهل الفيء املسترزقة من الديوان من مال الصدقات، ألن حقهم يف

الفيء ولكل واحد من الفريقني مال ال جيوز أن يشارك غريه فيه، وجوز أبو حنيفة صرف كل واحد من احد من الفريقني حبسب احلاجة، وقد ميز اهللا تعاىل بني الفريقني فلم جيز اجلمع بني ما املالني إىل كل و

وينقل عليهما النقباء ليعرف من عرفائهم ونقبائهم أحواهلم . والرابع أن يعرف على الفريقني العرفاء: فرق: " قال اهللا تعاىلويقربون عليه إذا دعاهم، فقد فعل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ذلك يف مغازيه و

".وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا

أحدها أن للشعوب النسب األقرب، والقبائل النسب األبعد قاله جماهد، والثاين أن : وفيها ثالثة تأويالتعرب قحطان، والقبائل عرب عدنان والثالث أن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون . الشعوب

ل طائفة شعاراً يتداعون به ليصريوا متميزين وباالجتماع متظافرين، روى واخلامس أن جيعل لك. العربأن النيب صلى اهللا عليه وسلم جعل شعار املهاجرين يا بين عبد الرمحن وشعار : " عروة بن الزبري عن أبيه

".اخلزرج يا بن عبد اهللا، وشعار األوس يا بين عبيد اهللا، ومسى خيله خيل اهللا

اجليش ومن فيه ليخرج منهم من كان فيه ختذيل للمجاهدين وإرجاف للمسلمني أو والسادس أن يتصفح فقد رد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عبد اهللا بن أيب سلول يف بعض غزواته . عيناً عليهم للمشركني

".وقاتلوهم حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هللا : " لتخذيله املسلمني، وقال تعاىل

والسابع أن ال ميالئ من ناسبه أو وافق رأيه ومذهبه على من باينه يف نسب أو . بعضكم بعضاًأي ال يفنت خالفه يف رأي ومذهب، فيظهر من أحوال املباينة ما تفرق به الكلمة اجلامعة تشاغالً بالتقاطع

جرى واالختالف، وقد أغضى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن املنافقني وهم أضداد يف الدين، وأ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 28

عليهم حكم الظاهر حىت قويت م الشوكة وكثر م العدد وتكاملت م القوة، ووكلهم فيما أضمرته وال تنازعوا فتفشلوا : " قال اهللا تعاىل. قلوم من النفاق إىل عالم العيوب املؤاخذ بضمائر القلوب

".وتذهب رحيكم

عبيدة، والثاين أن املراد ا القوة فضرب الريح ا أحدمها أن املراد بالريح الدولة قاله أبو: وفيه تأويالن .مثالً لقوا

صنف منهم : والقسم الثاين من أحكام هذه اإلمارة يف تدبري احلرب، واملشركون يف دار احلرب صنفانم بلغتهم دعوة اإلسالم فامتنعوا منها وتابوا عليها، فأمري اجليش خمري يف قتاهلم بني أمرين يفعل منهما ما عل

أنه األصلح للمسلمني وأنكاً للمشركني من بيام ليالً واراً بالقتال والتحريق، وأن ينذرهم باحلرب مل تبلغهم دعوة اإلسالم، وقل أن يكونوا اليوم ملا قد أظهر اهللا من : والصنف الثاين. ويصافهم بالقتال

يف مبادي املشرق وأقاصي املغرب ال دعوة رسوله، إال أن يكون قوم من وراء من يقابلنا من الترك والرومنعرفهم فيحرم علينا اإلقدام على قتاهلم غرة وبياتاً بالقتل والتحريق وأن نبدأهم بالقتل قبل إظهار دعوة اإلسالم هلم وإعالمهم من معجزات النبوة وإظهار احلجة مبا يقودهم إىل اإلجابة، فإن قاموا على الكفر

ادع إىل سبيل ربك باحلكمة : " فيه كمن بلغتهم الدعوة، قال اهللا تعاىلبعد ظهورها هلم حارم وصاروا ".واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن

ويف املوعظة : أحدمها بالنبوة، والثاين بالقرآن قال الكايب: يعين ادع إىل دين ربك باحلكمة، وفبها تأويالن .ل قاله الكايب، والثاين ما فيه من األمر والنهيأحدمها القرآن يف لني من القو: احلسنة تأويالن

".وجادهلم باليت هي أحسن"

أي يبني هلم احلق ويوضح هلم احلجة، فإن بدأ بقتاهلم قبل دعائهم إىل اإلسالم وإنذارهم باحلجة وقتلهم غرة وبياتاً ضمن ديات نفوسهم وكانت على األصح من مذهب الشافعي كديات املسلمني، وقيل بل

ال دية على قتلهم ونفوسهم هدر، : وقال أبو حنيفة: ت الكفار على اختالفها اختالف معتقدهمكدياوإذا تقاتلت الصفوف يف احلرب جاز ملن قاتل من املسلمني أن يعلمهم مبا يشتهر به بني الصفني ويتميز به

يفة من اإلعالم من مجيع اجليش بأن يركب األبلق وإن كانت خيول الناس دمهاً وشقراً، ومنع أبو حنبركوب األبلق وليس ملنعه من ذلك وجه، روى عبد بن عون اهللا عن عمري عن أيب إسحق أن رسول اهللا

".تسوموا فإن املالئكة قد تسومت : " صلى اهللا عليه وسلم قال يوم بدر

إىل الرباز فقد دعا أيب بن خلف رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. وجيوز أن جييب إىل الرباز إذا دعي إليهيوم أحد فربز إليه فتله، وأول حرب شهدها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوم بدر، فربز إليهم من

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 29

األنصار عرف ومسعود ابنا عفراء وعبد اهللا بن رواحة فقالوا ليربز أكفاؤنا إلينا فما نعرفكم، فربز إليهم ه، وبرز محزة بن عبد املطلب إىل عتبة فقتله ثالثة من بين هاشم، برز علي بن أيب طالب إىل الوليد فقتل

وبرز عبيدة بن احلارث إىل شيبة فاختلفا بضربتني أثبت كل واحد منهما صاحبه ومات شيبة لوقته : واحتمل عبيدة حياً قد قدت رجله فمات بالصفراء فقال فيه كعب بن مالك من املتقارب

زريبدمعك وكفا وال تن عين جودي وال تبخلي أيا

كريم المشاهد والعنصري هكلسيد هدنا ه على

رلعرف غدا وال منك ه يأمسى وال نرتج عبيدة

رحامية الجيش بالمبت ل كان يحمي عداة القتا وقد

مث نذرت هند بنت عتبة لوحشي نذوراً إن قتل محزة بأبيها يوم أحد فلما قتله بقرت بطنه والكت كبده : رضوان اهللا عليه وأنشأت تقول من السريع

والحرب بعد الحرب ذات سعر دريوم بم باكزينج نحن

ركه وبمي وعوال أخ رما كان عن عتبة لي من صب

دريوحشي غليل ص شفيت ذرييت ننفسي وقض سفيت

ريتضم أعظمي في قب حتى ريموحشي على ع فشكر

يه وسلم أقرب أهله إليه من بين هاشم وبين عبد املطلب من مبارزة وهذا أقر عليه رسول اهللا صلى اهللا عليوم بدر مع ضنه م وإشفاقه عليهم، وبارز أبياً بنفسه يوم أحد وأذن لعلي عليه السالم يف حرب اخلندق

واخلطب أصعب، وإشفاقه صلى اهللا عليه وسلم على علي أكثر بارز عمرو بن عبد ود ملا دعا إىل الرباز فلم جيبه أحد مث دعا إىل الرباز يف اليوم الثاين فلم جيبه أحد مث دعا إىل الرباز يف اليوم الثالث وقال أول يوم

يا حممد ألستم تزعمون أن قتالكم يف اجلنة أحياء عند رم يرزقون : حني رأى اإلحجام عنه واحلذر منهه أو يقدم عدواً إىل النار وأنشأ يقول وقتالنا يف النار يعذبون؟ فما يبايل أحدكم ليقدم على كرامة من رب

: من الكامل

ء لجمعهم هل من مبارز دانى الدنوت إل ولقد

زالقرن المناج موقف عإذا جبن المشج وقفت

زنحو الهزاه متسرعاً م أزلك لذلك يإن

من خير الغرائز والجود ىتالشجاعة في الف إن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 30

فقام علي عليه السالم، فاستأذن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف املبارزة فأذن له وقال اخرج يا علي يف : حفظ اهللا وعياذه، فخرج وهو يقول من الكامل

تك في الهزاهز غير عاجز ويب صاك يجأت أبشر

ائزاة فجبرجو الغداة ن يرةصية وبن ذو

ائزنجعليك نائعة ال يم و أن أقألرج يإن

زائزهذكرها عند ال هر الء يبجنة نعط من

وجتاوال وثارت عجاجة أخفتهما عن األبصار، مث اجنلت عنهما وعلي رضي اهللا عنه ميسح سيفه بثوب عمرو وهو قتيل، حكاه حممد بن إسحق يف مغازيه، فدل هذان اخلربان على جواز الرباز مع التغرير

الدعاء إىل الرباز واالبتداء فأما إذا أراد املقاتل أن يدعو إىل الرباز مبتدئاً فقد منعه أبو حنيفة ألن . بالنفسبالتطاول بغي، وجوزه الشافعي ألنه إظهار قوة يف دين اهللا تعاىل ونصرة رسوله، فقد ندب رسول اهللا

.صلى اهللا عليه وسلم إىل مثله وحث عليه وختري له مع استظهاره بنفسه من أقدم عليه وبدأ به

اهر يوم أحد بني درعني وأخذ سيفاً فهزه حكى حممد بن إسحق أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ظمن يأخذ هذا السيف حبقه؟ فقام إليه عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه فقال أنا آخذه حبقه، فأعرض . وقال

عنه، مث هزه الثانية وقال من يأخذ هذا السيف حبقه؟ فقام إليه الزبري بن العوام وقال أنا آخذه حبقه فأعرض عرضه الثالثة وقال من يأخذ هذا السيف حبقه؟ فقام إليه أبو دجانة مساك بن عنه فوجدا يف أنفسهما، مث

خراشة فقال وما حقه يا رسول اهللا؟ قال أن تضرب يف العدو حىت ينحين، فأخذه منه وأعلم بعصابة محراء : كان إذا أعلم ا علم الناس أنه سيقاتل ويبلي، ومشى إىل احلرب وهو يقول من السريع

هققال من يأخذه بح إذ هي رقالذي أخذته ف أنا

هالرحمن بين خلق للقادر هدقه وصدلبع قبلته

من كان في مغربه وشرقه المدرك الفاض فضل رزقه

".إا ملشية يبغضها اهللا إال يف هذا املوطن: "مث جعل يتبختر بني الصفني فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم

: ودخل يف احلرب مبتدئاً بالقتال فأبلى وأنكى وهو يقول من السريع

بالسفح من النخيل ونحن يللالذي عاهدني خ أنا

أخذت سيف اهللا والرسول ال أقو أم الدهر في الكبول

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 31

أحدمها : وإذا جازت املبارزة مبا استشهدنا من حال املبتدئ ا وأجيب إليها كان لتمكني املبارزة شرطانأن يكون ذا جندة وشجاعة يعلم من نفسه أنه لن يعجز عن مقاومة عدوه، فإن كان خبالفه منع، والثاين

زمية ورسول اهللا صلى اهللا عليه أن ال يكون زعيماً للجيش يؤثر فقده فيهم فإن الزعيم املدبر مفض إىل اهلوسلم أقدم على الرباز ثقة بنصر اهللا سبحانه وإجناز وعده وليس ذلك لغريه؛ وجيوز ألمري اجليش إذا حض على اجلهاد أن حيرض للشهادة من الراغبني فيها من يعلم أن مثله يف املعركة يؤثر أحد أمرين إما حتريض

.ختذيل املشركني جبراءة عليهم يف نصرة اهللاملسلمني على القتال محية له، وإما

حكى حممد بن إسحق أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر فحرض الناس على لكل امرئ ما أصاب؟ وقال والذي نفسي بيده ال يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابراً حمتسباً، : اجلهاد وقال

بخ بخ، ما : جلنة فقال عمري بن محام من بين مسلمة ويف يده مترات يأكلهنمقبالً غري مدبر إال أدخله اهللا ابقي بيين وبني اجلنة إال أن يقتلين هؤالء القوم مث قذف بالتمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حىت قتل

: رمحه اهللا، وهو يقول من السريع

ادعالتقى وعمل الم إال ير زادإلى اهللا بغ ركضاً

ادفوكل زاد عرضه الن والصبر في اهللا على الجهاد

التقى والبر والرشاد غير

.وجيوز للمسلم أن يقتل من ظفر به من مقاتلة املشركني حمارباً وغري حمارب

واختلف يف قتل شيوخهم ورهبام من سكان الصوامع واألديرة، فأحد القولني فيهم أم ال يقتلون حىت والثاين يقتلون وإن مل يقاتلوا ألم رمبا أشاروا برأي هو أنكى . يقاتلوا ألم موادعون كالذراري

د جاوز مائة سنة من للمسلمني من القتال، وقد قتل دريد بن الصمة يف حرب هوازن وهو يوم حنني وق : عمره ورسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يراه فلم ينكر قتله، وكان يقول حيث قتل من الطويل

فلم يستبينوا الرشد إال ضحى الغد وىلأمري بمتعرج ال أمرتهم

دتهير موأني غ غوايتهم عصوني كنت منهم وقد أرى فلما

وال جيوز قتل النساء والولدان يف حرب وال يف غريها ما مل يقاتلوا لنهي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . املستخدمون: عن قتلهم، وى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن قتل العسفاء والوصفاء، والعسفاء

وإذا تترسوا يف . يقتلوا مدبريناملماليك، فإن قاتل النساء والولدان قوتلوا وقتلوا مقبلني وال: والوصفاءاحلرب بنسائهم وأطفاهلم عند قتلهم يتوقى قتل النساء واألطفال، فإن مل يوصل إىل قتلهم إال بقتل النساء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 32

واألطفال جاز، ولو تترسوا بأسارى املسلمني ومل يوصل إىل قتلهم إال بقتل األسارى مل جيز قتلهم فإن لمني توصلوا إىل اخلالص منهم كيف أمكنهم وحترزوا أن يعمدوا أفضى الكف عنهم إىل اإلحاطة باملس

إىل قتل مسلم يف أيديهم، فإن قتل ضمنه قاتله بالدية والكفارة إن عرف أنه مسلم وضمن الكفارة وحدها وجيوز عقر خيلهم من حتتهم إذا قاتلوا عليها ومنع بعض الفقهاء من عقرها، وقد عقر حنظلة . إن مل يعرفه فرس أيب سفيان بن حرب يوم أحد واستعلى عليه ليقتله فرآه ابن شعوب فربز إىل حنظلة وهو بن الراهب

: يقول من السريع

بطعنة مثل شعاع الشمس يصاحبي ونفس ألحمين

: مث طعن حنظلة فقتله واستنقذ أبا سفيان منه فخلص أبو سفيان وهو يقول من الطويل

روبغت للدن غدوة حتى دن وما زال مهري مزجر الكلب منهم

يبلن صعني برك وأدفعهم بالغو لرا وأدعأقاتلهم ط

وبعأحمل النعماء البن ش ولم رةمشئت نجاني حصان ط ولو

: فبلغ ذلك ابن شعوب فقال جميباً له حني مل يشكره من الطويل

يبجيوم النعف غير م أللفيت لو ال دفاعي يا ابن حرب ومشهدي

يبله وكعلى أوصال ضياع ال مكر المهر بالعنف قرقرت ولو

فقد روى أن جعفر بن أيب طالب رضي اهللا عنه اقتحم يوم مؤتة . فأما إذا أراد املسلم أن يعقر فرس نفسهبفرس له شقراء حىت التحم القتال مث نزل عنها وعقرها وقاتل حىت قتل رضي اهللا عنه فكان أول رجل من

ا قوة أمر اهللا تعاىل بإعدادها املسلمني عقر فرسه يف اإلسالم وليس ألحد من املسلمني أن يعقر فرسه ألوأعدوا هلم ما استطعتم من قوة ومن رباط اخليل ترهبون به عدو اهللا : "يف جهاد عدوه حيث يقول

".وعدوكم

وجعفر إمنا عقر فرسه بعد أن أحيط به فيجوز أن يكون عقره هلا لئال يتقوى ا املشركون على املسلمني جعفر أحفظ لدينه من أن يفعل ما مينع منه الشرع، وملا عاد جيشه فصار عقرها مباحاً كعقر خيلهم وإال ف

تلقاهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم واملسلمون معه فجعل الناس حيثون على اجليش التراب ويقولون يا .فرار مل فررمت يف سبيل اهللا؟ ورسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقول ليس بفرار، ولكنه الكرار إن شاء اهللا

القسم الثالث من أحكام هذه اإلمارة ما يلزم من أمري اجليش يف سياستهم والذي يلزمهم فيهم عشرة وأحدها حراستهم من غرة يظفر ا العدو منهم، وذلك بأن يتتبع املكامن وحيوط سوادهم حبرس : أشياء

أن : والثاين. حملاربةآمنون به على نفوسهم ورحاهلم، ليسكنوا يف وقت الدعة ويأمنوا ما وراءهم يف وقت ا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 33

يتخري هلم موضع نزوهلم حملاربة عدوهم، وذلك أن يكونوا أوطأ األرض مكاناً وأكثر مرعى وماء إعداد ما حيتاج : والثالث. وأحرسها أكنافاً وأطرافاً ليكون أعون هلم على املنازلة وأقوى هلم على املرابطة

ة حىت تسكن نفوسهم إىل مادة يستغنون عن اجليش إليه من زاد وعلوفة تفرق عليهم يف وقت احلاجأن يعرف أخبار عدوه حىت يقف : والرابع. طلبها، ليكونوا على احلرب أوفر وعلى منازلة العدو أقدر

ترتيب : واخلامس. عليها ويتصفح أحواله حىت خيربها فتسلم من مكره ويلتمس الغرة يف اهلجوم عليهوالسادس أن يقوي . مييل العدو عليها مبدد يكون عوناً هلااجليش يف مصاف احلرب والتعويل يف كل جهة

نفوسهم مبا يشعرهم من الظفر وخييل إليهم من أسباب النصر ليقل العد يف أعينهم فيكون عليه أجرأ إذ يريكهم اهللا يف منامك قليالً ولو أراكهم كثرياً لفشلتم : "وباجلراءة يتسهل للظفر، قال اهللا تعاىل

".مرولتنازعتم يف األ

أن يعد أهل الصرب والبالء منهم بثواب اهللا لو كانوا من أهل اآلخرة وباجلزاء والثقل من الغنيمة : والسابعومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب اآلخرة نؤته : "إن كانوا من أهل الدنيا، قال اهللا تعاىل

".منها

. اهللا تعاىل يف ترغيبه بني أمرين ليكون أرغب الفريقنيوثواب الدنيا الغنيمة وثواب اآلخرة اجلنة، فجمع

أن يشاور ذوي الرأي فيما أعضل ويرجع إىل أهل احلزم فيما أشكل ليأمن اخلطأ ويسلم من : والثامن ".وشاورهم يف األمر فإذا عزمت فتوكل على اهللا: "الزلل فيكون من الظفر أقرب، قال اهللا تعاىل لنبيه

أمره لنبيه صلى اهللا عليه وسلم باملشاورة مع ما أمده به من التوفيق وأعانه من واختلف أهل التأويل يفأحدها أنه أمره مبشاورم يف احلرب ليستقر له الرأي الصحيح فيه فيعمل عليه . التأييد على أربعة أوجه

".ما تشاور قوم قط إال هدوا ألرشد أمورهم: "وهذا قول احلسن، وقال

والثالث أنه أمره مبشاورم ملا علم . اورم تأليفاً وتطييباً لنفوسهم، وهذا قول قتادةوالثاين أنه أمره مبشفيها من الفضل وعاد ا من النفع وهذا قول الضحاك، والرابع أنه أمره مبشاورم ليسنت به املسلمون

جيشه مبا أوجبه اهللا والتاسع أن يأخذ . ويتبعه فيها املؤمنون وإن كان عن مشورم غنياً وهذا قول سفيانتعاىل من حقوقه ومر به من حدوده حىت ال يكون بينهم جتوز يف دين وال حتيف يف حق، فإن من جاهد

.عن الدين كان أحق الناس بالتام أحكامه والفصل بني حالله وحرامه

يوشكم اوا ج: "وقال روى حارث بن نبهان عن أبان بن عثمان عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالعن الفساد، فإنه ما فسد جيش قط إال قذف اهللا يف قلوم الرعب واوا جيوشكم عن الغلول فإنه ما غل

جيش قط إال سلط اهللا عليهم الرجلة، واوا جيوشكم عن الزنا، فإنه ما زنا جيش قط إال سلط اهللا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 34

".عليهم املؤتان

زوة فإمنا تقاتلون بأعمالكم والعاشر أن ال ميكن أحداً أيها الناس اعملوا صاحلاً قبل الغ. وقال أبو الدرداءمن جيشه أن يتشاغل بتجارة أو زراعة لصرفه االهتمام ا عن مصايرة العدو، وصدق اجلهاد، روي عن

بعثت مرغمة ومرمحة ومل أبعث تاجراً وال زارعاً وإن شر هذه األمة : "النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالال يغزون معي رجل بىن بناء مل : " من شح على دينه، وغزا نيب من أنبياء اهللا تعاىل فقالالتجار والزراع إال

".يكمله، وال رجل تزوج بامرأة ومل يدخل ا وال رجل زرع زرعاً مل حيصده

أحدمها ما : والقسم الرابع من أحكام هذه اإلمارة ما يلزم ااهدين معه من حقوق اجلهاد وهو ضربانحق اهللا تعاىل، والثاين ما يلزمهم يف حق األمري عليهم، فأما الالزم هلم يف حق اهللا تعاىل فأربعة يلزمهم يف

أحدها مصابرة العدو عند التقاء اجلمعني بأن ال ينهزم عنه من مثليه فما دونه، وقد كان اهللا تعاىل : أشياءيا أيها النيب حرض املؤمنني " :فرض يف أول اإلسالم على كل مسلم أن يقاتل عشرة من املشركني، فقال

على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتني، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين ".كفروا بأم قوم ال يفقهون

مث خفف اهللا عز وجل عنهم عند قوة اإلسالم وكثرة أهله، فأوجب على كل مسلم القى العدو أن يقاتل اآلن خفف اهللا عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا : " رجلني منهم، فقال

".مائتني، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفني بإذن اهللا واهللا مع الصابرين

إما أن يتحرف لقتال فيويل الستراحة أو : وحرم على كل مسلم أن ينهزم من مثليه إال إلحدى حالتنيومن : " ، وإما أن يتحيز إىل فئة أخرى جيتمع معها على قتاهلم لقول اهللا تعاىلملكيدة ويعود إىل قتاهلم

".يوهلم يومئذ دبره إال متحرفاً لقتال أو متحيزاً إىل فئة فقد باء بغضب من اهللا

وسواء قربت الفئة اليت يتحيز إليها أو بعدت فقد قال عمر رضي اهللا عنه ألهل القادسية حني ازموا إليه ة لكل مسلم، وجيوز إذا زادوا على مثليه ومل جيد إىل املصابرة سبيالً أن يوىل عنهم غري متحرف أنا فئ

واختلف أصحابه فيمن عجز عن مقاومة مثليه وأشرف . لقتال وال متحيز إىل فئة، هذا مذهب الشافعينص فيه وقالت ال جيوز أن يويل عنهم منهزماً وإن قتل لل: على القتل يف جواز ازامه، فقالت طائفة

جيوز أن يويل ناوياً أن يتحرف لقتال أو بتحيز إىل فئة ليسلم من القتل وما مث خالف، فإنه وإن : طائفةوقال أبو حنيفة ال اعتبار ذا التفصيل والنص فيه منسوخ . عجز على املصابرة فليس يعجز عن هذه النية

لثاين أن يقصد بقتاله نصره دين اهللا تعاىل وا. وعليه أن يقاتل ما أمكنه وزم إذا عجز وخاف القتل : وإبطال ما خالفه من األديان

".ليظهره على الدين كله ولو كره املشركون "

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 35

فيكون ذا االعتقاد حائزاً لثواب اهللا تعاىل ومطيعاً له يف أوامره ونصرة دينه ومستنصراً به على عدوه اية، وال يقصد جبهاده استفادة املغنم فيصري من املكتسبني ال ليستسهل ما القى، فيكون أكثر ثباتاً وأبلغ نك

من ااهدين، فإن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ملا مجع أسرى بدر وكانوا أربعة وأربعني رجالً بعد أن يا رسول اهللا اقتل أعداء اهللا أئمة : فقال عمر. قتل يف املعركة من أشراف قريش مثلهم شاور أصحابه فيهم

هم عشريتك وأهلك جتاوز عنهم : فر ورؤوس الضاللة فإم كذبوك وأخرجوك، وقال أبو بكرالكفمن قائل . يستنقذهم اهللا بك من النار، فدخل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم املدينة قبل األسرى بيوم على القول ما قال عمر ومن قائل القول ما قال أبو بكر مث خرج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

" ما قولكم يف هذين الرجلني؟ إن مثلهما كمثل إخوة هلما كانوا من قبلهما قال نوح : " أصحابه وقال

ربنا اطمس على أمواهلم واشدد على قلوم . " وقال موسى" رب ال تذر على األرض من الكافرين دياراً فمن : " وقال إبراهيم" احلكيم إن تعذم فإم عبادك وإن تغفر هلم فإنك أنت العزيز : " وقال عيسى"

إن اهللا سبحانه ليشدد قلوب رجال فيه حىت تكون أشد " تبعين فإنه مين ومن عصاين فإنك غفور رحيم من احلجارة، ويلني قلوب رجال حىت تكون ألني من اللنب وإن يكن منكم عيله فال ينقلب أحد منكم إال

".بفداء أو ضربة عنق

ف درهم وكان يف األسرى العباس بن عبد املطلب أسره أبو اليسر وكان وفاداه كل أسري بأربعة آالكيف أسرت : " العباس رجالً جسماً وأبو اليسر رجالً جمتمعاً فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم أليب اليسر

ول فقال رس. يا رسول اهللا لقد أعانين عليه رجل ما رأيته قط، هيئته كذا وكذا: العباس يا أبا اليسر؟ قالأفد نفسك وابين أخيك عقيل بن أيب : لقد أعانك عليه ملك كرمي وقال للعباس: اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فقال يا رسول اهللا إين كنت مسلماً ولكن القوم . طالب، ونوفل بن احلارث وحليفك عتبة بن عمر فإن اهللا سبحانه فإن كان ما قلت. اعلم بإسالمك: استكرهوين فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

ونزل يف . ففدي العباس نفسه مبائة أوقية وفدى كل واحد من ابين أخيه وحليفه بأربعني أوقية. جيزيكيا أيها النيب قل ملن يف أيديكم من األسرى إن يعلم اهللا يف قلوبكم خرياً يؤتكم خرياً : " العباس قوله تعاىل

".مما أخذ منكم ويغفر لكم واهللا غفور رحيم

ما أخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فداء أسرى بدر لفقراء املهاجرين وحاجتهم عاتب اهللا تعاىل نبيه فلتريدون " يعين به القتل " ما كان لنيب أن يكون له أسرى حىت يثخن يف األرض : " على ما فعل فقال

واهللا عزيز " ثواب اآلخرة يعين العمل مبا يوجب" واهللا يريد اآلخرة " يعين مال الفداء " عرض الدنيا لو ال كتاب من اهللا سبق ملسكم فيما " حكيم فيما أراه لكم، . يعين عزيز فيما كان من نصركم" حكيم

".أخذمت عذاب عظيم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 36

أحدها لو ال كتاب من اهللا سبق يف أهل بدر : وفيه ثالثة تأويالت. يعين به مال الفداء املأخوذ من األسرىوالثاين لو ال كتاب . ما أخذمت من فداء أسرى بدر عذاب عظيم، وهذا قول جماهدأن ال يعذم ملسكم في

من اهللا سبق يف أنه تستحل الغنائم ملسكم يف تعجيلها من أهل بدر عذاب عظيم، وهذا قول ابن عباس ما والثالث لو ال كتاب من اهللا سبق أن ال يؤاخذ أحداً بعمل أتاه على جهالة ملسكم في. رضوان اهللا عليه

: أخذمتوه عذاب عظيم، وهذا قول ابن إسحاق، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد نزول هذه اآلية

".لو عذبنا اهللا يف هذه اآلية يا عمر ما جنا غريك "

والثالث من حقوق اهللا تعاىل أن يؤدي األمانة فيما حازه من الغنائم وال يغل أحد منهم شيئاً حىت يقسم : " منني ممن شهد الواقعة وكان على العدو يداً ألن لكل واحد منهم فيها حقاً؛ قال اهللا تعاىلبني مجيع الغا

".وما كان لنيب أن يغل ومن يغلل يأت مبا غل يوم القيامة

أحدها وما كان لنيب أن يغل أصحابه وخيوم يف غنائمهم، وهذا قول ابن عباس : وفيه ثالثة تأويالت. ين وما كان لنيب أن يغله أصحابه وخيونوه يف غنائمهم وهذا قول احلسن بن قتادةرضوان اهللا عليه، والثا

والثالث ما كان لنيب أن يكتم أصحابه ما بعثه اهللا تعاىل به إليهم لرهبة منهم وال لرغبة فيهم، وهذا قول .حممد بن إسحاق

ايب يف نصرة دين اهللا ذا مودة فإن حق والرابع من حقوق اهللا تعاىل أن ال ميايل من املشركني ذا قرىب وال حييا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون : " قال اهللا تعاىل. اهللا أوجب ونصرة دينه ألزم

.اآلية" إليهم باملودة وقد كفروا مبا جاءكم من احلق

ى اهللا عليه وسلم بغزوهم نزلت يف حاطب بن أيب بلتعة وقد كتب كتاباً إىل مكة حني هم رسول اهللا صليعلمهم فيه حال مسريه إليهم وأنفذه مع سارة موالة لبين عبد املطلب فأطلع اهللا نبيه عليها فأنفذه علياً

والزبري يف أثرها حىت أخرجاه من قرن رأسها، فدعا حاطباً وقال ما محلك على ما صنعت؟ فقال واهللا يا ت وال بدلت ولكين امرؤ ليس يل يف القوم أصل وال عشرية رسول اهللا إين ملؤمن باهللا ورسوله ما كفر

وكان يل بني أظهرهم أهل وولد فطالعتهم بذلك وعفا عنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وأما ما أحدها التزام طاعته والدخول يف واليته ألن واليته عليهم : يلزمهم يف حق األمري عليهم فأربعة أشياء

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اهللا وأطيعوا الرسول وأويل : " ة وجبت، قال اهللا تعاىلانعقدت وطاعته بالوالي ".األمر منكم

والثاين أم العلماء، . أحدمها أم األمراء، وهذا قول ابن عباس رضوان اهللا عليه: ويف أويل األمر تأويالنقال رسول اهللا صلى : هريرة قالوهذا قول جابر بن عبد اهللا واحلسن وعطاء؛ وروى أبو صاحل عن أيب

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 37

من أطاعين فقد أطاع اهللا، ومن أطاع أمريي فقد أطاعين، ومن عصاين فقد عصى اهللا، : " اهللا عليه وسلم ".ومن عصى أمريي فقد عصاين

والثاين أن يفوضوا األمر إىل رأيه ويكلوه إىل تدبريه حىت ال ختتلف آراؤهم فتتلف كلمتهم ويفترق ".ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم لعلمه الذين يستبطونه منهم : " مجعهم، قال تعاىل

فجعل تفويض األمر إىل وليه سبباً حلصول العلم وسداد األمر، فإن ظهر هلم صواب خفي عليه بينوه له ال األمر والثالث أن يسارعوا إىل امتث. وأشاروا به عليه، ولذلك ندب إىل املشاورة لريجع ا إىل الصواب

والوقوف عند يه وزجره، ألما من لوازم طاعته فإن توقفوا عما أمرهم به وأقدموا على ما اهم عنه فبما رمحة من اهللا لنت هلم ولو : " فقد قال اهللا تعاىل. فله تأديبهم على املخالفة حبسب أحواهلم وال يغلظ

".كنت فظاً غليظ القلب النفضوا من حولك

".خري دينكم أيسره : " املسيب أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قالوروى سعيد بن

والرابع أن ال ينازعوه يف الغنائم إذا قسمها ويرضوا منه بتعديل القسمة عليهم فقد سوى اهللا تعاىل فيها إن : " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. بني الشريف واملشروف، وماثل بني القوي والضعيف

ا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عام حنني يقولون اقسم علينا فيئنا حىت أجلأه إىل شجرة الناس اتبعوفقال ردوا علي ردائي أيها الناس واهللا لو كان لكم عدد شجر امة نعماً لقسمته : فاختطف عنه رداؤه

يا أيها الناس : عها وقالمث أخذ وبرة من سنام بعريه فرف. وما ألفيتموين خبيالً وال جباناً وال كذوباً. عليكمفأدوا اخليط واملخيط، فإن الغلول . واهللا مايل من فيئكم وال هذه الوبرة إال اخلمس واخلمس مردود فيكم

يا : فرآه رجل من األنصار بكبة من خيوط شعر، فقال. يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامةأما نصييب منها فلك، فقال أما إذا : غري يل قد برد فقالرسول اهللا أخذت هذه الكبة أعمل ا برذعة ب

".بلغت هذا فال حاجة يل فيها مث طرحها بني يديه

والقسم اخلامس من أحكام هذه اإلمارة مصابرة األمري قتال العدو ما صابر وإن تطاولت به املدة، وال وصابروا ورابطوا واتقوا اهللا لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا اصربوا : " يويل عنه وفيه قوة قال اهللا تعاىل

."

أحدها؛ اصربوا على طاعة اهللا وصابروا أعداء اهللا ورابطوا يف سبيل اهللا، وهذا قول : وفيه ثالثة تأويالتاصربوا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدكم ورابطوا عدوي وعدوكم وهذا قول : والثاين. احلسن

على اجلهاد وصابروا العدو ورابطوا مبالزمة الثغر وهذا قول زيد بن اصربوا: حممد بن كعب والثالث: وإذا كنت مصابرة القتال من حقوق اجلهاد فهي الزمة حىت يظفر خبصلة من أربع خصال. أسلم

إحداهن أن يسلموا فيصري هلم باإلسالم ما لنا وعليهم ما علينا ويقروا على ما ملكوا من بالد وأموال،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 38

: صلى اهللا عليه وسلمقال رسول اهللا

".أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهللا، فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها "

وتصري بالدهم إذا أسلموا دار اإلسالم جيري عليهم حكم اإلسالم، ولو أسلم يف معركة احلرب منهم يف دار احلرب من أرض ومال فإن ظهر األمري على دار طائفة قلت أو كثرت أحرزوا بإسالمهم ما ملكوا

يغنم ما ال ينقل من أرض ودار، وال يغنم ما ينقل من : احلرب مل يغنم أموال من أسلم وقال أبو حنيفة .مال ومتاع وهو خالف السنة

ن وقد أسلم يف حصار بين قريظة ثعلبة وأسيداً ابنا شعبة اليهوديان فأحرز إسالمهما أمواهلما ويكووقال أبو حنيفة إذا أسلم كافر يف دار اإلسالم مل . إسالمهما إسالماً لصغار أوالدهم ولكل محل كان هلم

يكن إسالماً لصغار ولده، ولو أسلم يف دار احلرب كان إسالماً لصغار ولده وال يكون إسالماً للحمل ومتاعاً مل ميلك عليه إذا ظهر وتكون زوجته واحلمل فيئاً، ولو دخل مسلم دار احلرب فاشترى فيها أرضاً

وقال أبو حنيفة يكون ما ملكه من أرض فيئاً، واخلصلة الثانية أن . املسلمون عليها وكان مشتريها أحق ايظفره اهللا تعاىل م مع مقامهم على شركهم فتسىب ذراريهم وتغنم أمواهلم ويقتل من مل حيصل يف األسر

.منهم

أن يقتلهم صرباً بضرب العنق، : أحدها. ستعمال األصلح من أربعة أمورويكون يف األسرى خمرياً يف اأن يفادي م على مال أو : والثانية أن يسترقهم وجيري عليهم أحكام الرق من بيع أو عتق، والثالث

".إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب : " أن مين عليهم ويعفو عنهم، قال اهللا تعاىل: والرابع. أسرى

أنه قتاهلم بالسالح والتدبري حىت : والثاين. أنه ضرب رقام صرباً بعد القدرة عليهم: أحدمها: جهانوفيه و ".حىت إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق : " يفضي إىل ضرب رقام يف املعركة، مث قال

.األسر: الطعن ويشد الوثاق: يعين باإلثخان

".فإما منا بعد وإما فداء "

أنه العفو واإلطالق كما من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على مثامة بن أثال : حدمهاأ: ويف املن قوالنأنه املفاداة : أحدمها: وأما الفداء ففيه ههنا قوالن. أنه العتق بعد الرق، وهذا قول مقاتل: الثاين. بعد أسره

ى مال وفادى يف على مال يؤخذ أو أسري يطلق كما فادى الرسول صلى اهللا عليه وسلم أسرى بدر عل .بعض املواطن رجالً برجلني

".حىت تضع احلرب أوزارها : " أنه البيع وهو قول مقاتل: والثاين

أثقال احلرب وهو السالح ويف املقصود ذا : والثاين. أوزار الكفر باإلسالم: أحدمها. وفيه تأويالن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 39

سالح املشركني باهلزمية وهلذه األحكام والثاين. أحدمها سالح املسلمني بالنصر: السالح املوضوع وجهانواخلصلة الثالثة أن يبذلوا ماالً على املساملة واملوادعة؛ فيجوز أن . األربعة شرح يذكر مع قسمة الغنيمة بعد

أحدمها أن يبذلوه لوقتهم وال جيعلوه خراجاً مستمراً، فهذا املال غنيمة : يقبل منهم ويوادعهم على ضربني خيل وركاب، فيقسم بني الغامنني ويكون ذلك أمان هلم يف االنكفاف به عن قتاهلم ألنه مأخوذ بإجياف

يف هذا اجلهاد وال مينع من جهادهم فيما بعد، والضرب الثاين أن يبذلوه يف كل عام فيكون هذا خراجاً يؤخذ يف مستمراً ويكون األمان به مستقراً واملأخوذ منهم يف العام ألول غنيمة تقسم بني الغامنني وما

األعوام املستقبلة يقسم يف أهل الفيء، وال جيوز أن يعاود جهادهم ما كانوا مقيمني على بذل املال الستقرار املوادعة عليه، وإذا دخل أحدهم إىل دار اإلسالم كان له يعقد املوادعة ألمان على نفسه وماله،

غريهم من أهل احلرب، وقال أبو حنيفة، ال فإن منعوا املال زالت املوادعة وارتفع األمان ولزم جهادهم كيكون منعهم من مالك اجلزية والصلح تقضا ألمام، ألنه حق عليهم فال ينتقض العهد مبنعهم منهم

كالديون، فأما محل أهل احلرب هدية ابتدوها مل يصر هلم باهلدية عهد وجاز حرم بعدها، ألن العهد ما ألوا األمان واملهادنة، فيجوز إذا تعذر الظفر م وأخذ املال منهم أن واخلصلة الرابعة أن يس. كان عن عقد

يهادم على املساملة يف مدة مقدرة يعقد اهلدنة عليها إذا كان لإلمام قد أذن له يف اهلدنة أو فوض األمر دنة على ويقتصر يف مدة اهل. إليه، قد هادن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قريشاً عام احلديبية عشر سنني

أقل ما ميكن وال جياوز أكثرها عشر سنني، فإن هادم أكثر منها بطلت املهادنة فيما زاد عليها، وهلم األمان فيها إىل انقضاء مدا، وال جياهدون فيها ما أقاموا على العهد، فإن نقضوه صار حرباً جياهدون من

اهللا صلى اهللا عليه وسلم عام الفتح حمارباً قد نقضت قريش صلح احلديبية فسار إليهم رسول . غري إنذارحىت فتح مكة صلحاً عند الشافعي وعنوة عند أيب حنيفة، وال جيوز إذا نقضوا عهدهم أن يقتل ما يف

قد نقض الروم عهدهم زمن معاوية ويف يده رهائن فامتنع املسلمون مجيعاً عن قتلهم . أيدينا من رهائنهمأد األمانة ملن : " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم. خري من غدر بغدروخلو سبيلهم وقالوا وفاء بغدر

".ائتمنك، وال ختن من خانك

فإذا مل جير قتل الرهائن مل جيز إطالقهم ما مل حيارم فإذا حارم وجب إطالق رهائنهم مث ينظر فيهم، وجب إيصاهلم إىل أهاليهم فإن كانوا رجاالً وجب إبالغهم مأمنهم، وإن كانوا ذراري نساء وأطفاالً

ألم أتباع ال ينفردون بأنفسهم، وجيوز أن يشترط هلم يف عقد اهلدنة رد من أسلم من رجاهلم، فإذا أسلم أحد منهم رد إليهم إن كانوا مأمونني على دمه ومل يرد إليهم أن يؤمنوا عليه، وال يشرط رد من أسلم من

ردهن مل جيز أن يردوا ودفع إىل أزواجهن مهورهن إذا نسائهم ألن ذوات فروج حمرمة، فإن اشترطوإذا مل تدع إىل عقد املهادنة ضرورة مل جيز أن يهادم، وجيوز أن يوادعهم أربعة أشهر فما دون . طلقن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 40

".فسيحوا يف األرض أربعة أشهر : " وال يزيد عليها، لقوله تعاىل

: " مرأة حر وعبد لقول صلى اهللا عليه وسلموأما األمان اخلاص فيصح أن يبذله كل مسلم من رجل وا

".املسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم

.ال يصح أمان العبد إال أن يكون مأذوناً يف القتال: يعين عبيدهم، وقال أبو حنيفة

ألمري اجليش يف حصار العدو وجيوز. والقسم السادس من أحكام هذه اإلمارة السرية يف نزال العدو وقتالهقد نصب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على أهل الطائف . أن ينصب عليهم العرادات واملنجنيقات

منجنيقان وجيوز أن يهدم عليهم منازهلم ويضع عليها البيات والتحريق، وإذا رأى يف قطع خناهلم السلم صلحاً فعل، وال يفعل إن مل ير فيه وشجرهم صالحاً يستضعفهم به ليظفر م عنوة أو يدخلوا يف

صالحاً، قد قطع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كروم أهل الطائف فكان سبباً يف إسالمهم، وأمر يف حرب بين النضري بقطع نوع من النخال يقال له األصفر يرى نواه من وراء اللحاء وكانت اللحاء منها

له وقالوا إمنا قطعت خنلة وأحرقت خنلة، وملا قطع خنلة قال أحب إليهم من الوضيع فقطع م وحزنوا : مساك اليهودي يف ذلك من املتقارب

يم على عهد موسى فلم نصرف كحاب التورثنا الك ألسنا

فنامة واألحهت لبسه افجاء عشاء لرع أنتم

فحجكل دهر بكم م كذا مكداً لجالرعاية م يرون

فوكالظلم والنطق الم عن وهتدون اناهفيا أيها الش

فصتديل من العادل المن ر ودهرف الالليالي وص لعل

فطخالنخيل ولم ت وعقر االئهير وإجضنال بقتل

: فأجابه حسان بن ثابت من الوافر

فهم عمي عن التوراة بور وهأوتوا الكتاب فضيع هم

ذيرالذي قال الن بتصديق مبالقرآن وقد أتاك كفرتم

يربالبويرة مستط حريق على سراة بني لوى فهان

هل لنا : فلما فعل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ذلك م جل يف صدور املسلمني وقالوا يا رسول اهللاما قطعتم من لينة أو تركتموها : " فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركناه من وزر؟ فأنزل اهللا تعاىل

".قائمة على أصوهلا فبإذن اهللا وليخزي الفاسقني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 41

والثاين أا كرام . أحدها أا النخلة من أي األصناف كانت؟ وهذا قول مقاتل: اويلويف لينة أربعة أقالنخل وهذا قول سفيان، والثالث أا الفسيلة، ألا ألني من النخلة، والرابع أا مجيع األشجار للينها

من أقوى أسباب باحلياة، وجيوز أن يغور عليهم املياه ويقطعها عنهم وإن كان فيهم نساء وأطفال، ألنهضعفهم والظفر م عنوة وصلحاً، وإذا استسقى منهم عطشان كان األمري خمرياً بني سقيه أو منعه كما

ومن قتل منهم واراه عن األبصار ومل يلزم تكفينه، قد أمر رسول اهللا . كان خمرياً فيه بني قتله أو تركه .وز أن حيرق بالنار منهم حياً وال ميتاًصلى اهللا عليه وسلم بقتلى بدر فألقوا يف القليب؛ وال جي

".ال تعذبوا عباد اهللا بعذاب اهللا : " روي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

وقد أحرق أبو بكر رضي اهللا عنه قوماً من أهل الردة، ولعل ذلك كان منه واخلرب مل يبلغه، ومن قتل من ا ودفن ا ومل يغسل ومل يصل عليه قال رسول اهللا صلى اهللا شهداء املسلمني زمل يف ثيابه اليت قتل فيه

زملوهم بكلومهم فإم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دماً، اللون : " عليه وسلم يف شهداء أحد ".لون الدم والريح ريح املسك

سنب الذين قتلوا يف سبيل وال حت: " وإمنا فعل ذلك م تكرمياً هلم إجراء حلكم احلياة يف ذلك قال اهللا تعاىل ".اهللا أمواتاً بل أحياء عند رم يرزقون

والثاين وهو قول األكثرين . أحدمها أم أحياء يف اجلنة بعد البعث وليسوا يف الدنيا بأحياء: وفيه تأويالن اجليوش يف وال مينع. أم بعد القتل أحياء االستعمال لظاهر النص فرقاً بينهم وبني من مل يوصف باحلياة

دار احلرب من أكل طعامهم وعلوفة دوام غري حمتسب به عليهم، وال يتعدوا القوت والعلوفة إىل ما سوامها من ملبوس ومركوب، فإن دعتهم الضرورة إىل ذلك كان ما لبسوه أو ركبوه أو استعملوه

ستهلكاً؛ وال جيوز ألحد منهم مسترجعاً منهم يف املغنم إن كان باقياً وحمتسباً عليهم من سهمهم إن كان مأن يطأ جارية من السيب إال بعد أن يعطاها بسهمه فيطأها بعد االسترباء، فإن وطئها قبل القسمة عزر وال حيد ألن له فيها سهماً ووجب عليه مهر مثلها ويضاف إىل الغنيمة، فإن أحبلها حلق به ولدها وصارت به

يه ألن أسباب احلكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية فانتفت لعدوه وال حيكم عل. أم ولد له إن ملكهاالتهمة عنه يف احلكم وتوجهت إليه يف الشهادة، وإذا مات القاضي انعزل خلفاؤه، ولو مات اإلمام مل تنعزل قضاته، ولو اتفق أهل بلد قد خال من قاض على أن قلدوا عليهم قاضياً، فإن كان إمام الوقت

وإن كان مفقوداً صح التقليد ونفذت أحكامه عليهم، فإن جتدد بعده نظره إمام مل موجوداً بطل التقليد، .يستدم النظر إال بإذنه ومل ينقض ما تقدم من حكمه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 42

الباب الخامس

في الوالية على حروب المصالح

الفصل األول

قتال أهل الردة

. وقتال احملاربني. وقتال أهل البغي. قتال أهل الردة: وما عدا جهاد املشركني من قتال ينقسم ثالثة أقسام

فأما القسم األول يف قتال أهل الردة فهو أن يرتد قوم حكم بإسالمهم سواء ولدوا على فطرة اإلسالم أو أسلموا عن كفر، فلكال الفريقني يف حكم الردة سواء، فإذا ارتدوا عن اإلسالم إىل أي دين انتقلوا إليه مما

يهودية والنصرانية، أو ال جيوز أن يقر أهله عليه كالزندقة والوثنية مل جيز أن يقر جيوز أن يقر أهله عليه كالمن بدل : " قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. من ارتد إليه، ألن اإلقرار باحلق يوجب التزام أحكامه

".دينه فاقتلوه

. ن مل خيل حاهلم من أحد أمرينفإذا كان ممن وجب قتلهم مبا ارتد عنه من دين احلق إىل غريه من األديا

أما أن يكونوا يف دار اإلسالم شذاذاً وأفراداً مل يتحيزوا بدار يتميزون ا عن املسلمني فال حاجة بنا إىل قتاهلم لدخوهلم حتت القدرة ويكشف عن سبب ردم، فإن ذكروا شبهة يف الدين أوضحت هلم باحلجج

وبة مما دخلوا فيه من الباطل، فإن تابوا قبلت توبتهم من كل ردة واألدلة حىت يتبني هلم احلق وأخذوا بالتال أقبل توبة من ارتد إىل ما يستر به من الزندقة إال أن : وقال مالك. وعادوا إىل حكم اإلسالم كما كانوا

يف يبتدئها من نفسه، وأقبل توبة غريه من املرتدين، وعليهم بعد التوبة قضاء ما تركوه من الصالة والصيام ال قضاء عليهم كمن أسلم عن كفر، ومن كان : وقال أبو حنيفة. زمان الردة العترافهم بوجوبه قبل الردة

وقال أبو حنيفة . من املرتدين قد حج يف اإلسالم قبل الردة مل يبطل حجه ا ومل يلزمه قضاؤه بعد التوبة. يتب وجب قتله رجالً كان أو امرأةقد بطل بالردة ولزمه القضاء بعد التوبة، ومن أقام على ردته ومل

وقد قتل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بالردة امرأة كانت تكىن أم : ال أقتل املرأة بالردة: وقال أبو حنيفة .رومان وال جيوز إقرار املرتد على ردته جبزية وال عهد، وال تؤكل ذبيحته، وال تنكح منه إمرأة

جل يف احلال أو يؤجلون فيه ثالثة أيام على قولني أحدمها تعجيل قتلهم واختلف الفقهاء يف قتلهم هل يعوالثاين ينظرون ثالثة أيام لعلهم يستدركونه بالتوبة، وقد أنذر علي . يف احلال لئال يؤخر هللا عز وجل حق

ن وقال ابن سريج م. عليه السالم املستورد العجلي بالتوبة ثالثة مث قتله بعدها، ويقتل صرباً بالسيف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 43

أصحاب الشافعي يضرب اخلشب حىت ميوت، ألنه أبطأ قتالً من السيف املوحي ورمبا استدرك به التوبة، ووري مقبوراً ال يدفن يف مقابر املسلمني خلروجه بالردة عنهم وال يف . وإذا قتل مل يغسل ومل يصل عليه

فيئاً يف بيت مال املسلمني مصروفاً مقابر املشركني ملا تقدم له من حرمة اإلسالم املباينة هلم، ويكون مالهوقال أبو حنيفة يورث عنه ما اكتسبه قبل الردة . يف أهل الفيء ألنه ال يرثه عنه وارث من مسلم وال كافر

وقال أبو يوسف يورث عنه ما اكتسب قبل الردة وبعدها فإذا حلق . ويكون ما اكتسبه بعد الردة فيئاًر اإلسالم موقوفاً عليه فإن عاد إىل اإلسالم أعيد عليه، وأن هلك على املرتد بدار احلرب كان ما له يف دا

وقال أبو حنيفة أحكم مبوته إذا صار إىل دار احلرب وأقسم ماله بني ورثته، فإن عاد إىل . الردة صار فيئاً دار اإلسالم استرجعت ما بقي يف أيديهم من ماله ومل أغرمهم ما استهلكوه فهذا حكم املرتدين إذا مل

ينحازوا إىل دار وكانوا شذاذاً بني املسلمني واحلالة الثانية أن ينحازوا إىل دار ينفردون ا عن املسلمني حىت يصريوا فيها ممتنني فيجب قتاهلم على الردة بعد مناظرم على اإلسالم وإيضاح دالئله، وجيري على

غرة وبياناً ومصافتهم يف احلرب جهاراً قتاهلم بعد اإلنذار واإلعذار حكم قتال أهل احلرب يف قتاهلم وقتاهلم مقبلني ومدبرين ومن أسر منهم جاز قتله صرباً إن مل يتب، وال جيوز أن يسترق عند الشافعي

رمحه اهللا وإذا ظهر عليهم مل تسب ذراريهم وسواء من ولد منهم يف اإلسالم أو بعد الردة، وقيل إن من أبو حنيفة جيوز سيب من ارتد من نسائهم إذا حلقن بدار احلرب، وقال. ولد منهم بعد الردة جاز سبيه

وإذا غنمت أمواهلم مل تقسم يف الغامنني وكان مال من قتل منها فيئاً ومال اإلحياء موقوفاً، إن أسلموا رد عليهم، وإن هلكوا على ردم صار فيئاً، وما أشكل أربابه من األموال الغنومة صار فيئاً إذا وقع اإلياس

من معرفتهم، وما استهلكه املسلمون عليه يف نائرة احلرب مل يضمن إذا أسلموا، وما استهلكوا من أموال .املسلمني يف غري نائرة احلرب مضمون عليهم

أحدمها يضمنونه، ألن معصيتهم بالردة ال : واختلف يف ضمنان ما استهلكوه يف نائرة احلرب على قولنيقد أصاب أهل . والثاين ال ضمان عليهم فيما استهلكوه من دم ومال. ونةتسقط عنهم غرم األموال املضم

الردة على عهد أيب بكر رضي اهللا عنه نفوساً وأواالً عرف مستهلكوها فقال عمر رضي اهللا عنه يدون قتالنا وال ندى قتالهم فقال أبو بكر ال يدون قتالنا وال ندى قتالهم فجرت بذلك سريته وسرية من بعده

سلم طليحة بعد أن سيب وكان قد قتل وسىب فأقره عمر رضي اهللا عنه بعد إسالمه ومل يأخذه بدم وقد أوال مال، ووفد أبو شجرة بن عبد العزى وكان من أهل الردة على عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه وهو

ألست يقسم الصدقات فقال أعطين فإين ذو حاجة فقال من أنت؟ فقال أبو شجرة فقال أي عدو اهللا : تقول من الطويل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 44

وإني ألرجو بعدها أن أعمرا ورويت رمحي من كتيبة خالد

: مث جعل يعلوه بالدرة يف رأسه حىت ويل راجعاً إىل قومه وهو يقول من البسيط

ه ورقاً لط يومبمتخ وكل هائلنص بعلينا أبو حف ضن

وحال من دون بعض البغية الشفق هت لما زال يضربني حتى حدث

قمحيقرع أحياناً فين والشيخ هترهبت أبا حفص وشرط لما

فلم يعرض له عمر رضي اهللا عنه بسوى التعزيز الستطالته بعد اإلسالم، ولدار الردة حكم تفارق به دار .اإلسالم ودار احلرب

أحدمها أنه ال جيوز أن يهادنوا على املوادعة يف ديارهم : فأما ما تفارق به دار اإلسالم فمن أربعة أوجهوالثاين أنه ال جيوز أن يصاحلوا على مال يقرون به على ردم، وجيوز أن . وجيوز أن يهادن أهل احلرب

جيوز أن يسترق أهل احلرب وتسىب والثالث أنه ال جيوز استرقاقهم وال سيب نسائهم، و. يصاحل أهل احلربوقال أبو حنيفة . نساؤهم والرابع أنه ال ميلك الغامنون أمواهلم، وميلكون ما غنموه من مال أهل احلرب

قد صارت ديارهم بالردة دار حرب ويسبون ويغنمون وتكون أرضهم فيئا وهم عنده . رضي اهللا عنه .كعبدة األوثان من العرب

أحدها وجوب قتاهلم مقبلني ومدبرين كاملشركني والثاين : إلسالم فمن أربعة أوجهوأما ما تفارق به دار اوالرابع بطالن مناكحتهم مبضي . إباحة إمائهم أسرى وممتنعني والثالث تصري أمواهلم فيئاً لكافة املسلمني

بطل تبطل مناكحتهم بارتداد أحد الزوجني، وال ت: وقال أبو حنيفة. العدة وإن اتفقوا على الردةبارتدادمها معاً، ومن ادعيت عليه الردة فأنكرها كان قوله مقبوالً بغري ميينه، ولو قامت عليه البينة بالردة مل

يصر مسلماً باإلنكار حىت يتلفظ بالشهادتني، وإذا امتنع قوم من أداء الزكاة إىل اإلمام العادل مع ال يقاتلون، : املنع منه، وقال أبو حنيفة رمحه اهللاالعتراف بوجوا كانوا من بغاة املسلمني، يقاتلون على

وقد قاتل أبو بكر رضي اهللا عنه مانعي الزكاة مع متسكهم باإلسالم حىت قالوا واهللا ما كفرنا بعد إمياننا : ولكن شححنا على أموالنا فقال عمر رضي اهللا عنه عالم تقاتلهم ورسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقول

".ل الناس حىت يقولوا ال إال اهللا فإذا قالوها عصموا مين دماءهم وأوالدهم إال حبقها أمرت أن أقات"

أرأيت لو سألوا ترك الصالة؟ أرأيت لو سألوا ترك الصيام؟ أرأيت لو سألوا : قال أبو بكر هذه من حقهااالً مما أعطوه رسول ترك احلج؟ فإذا ال تبقى عروة من عرى اإلسالم إال احنلت، واهللا لو منعوين عناقاً وعق

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 45

اهللا صلى اهللا عليه وسلم لقاتلتهم عليه فقال عمر رضي اهللا عنه فشرح اهللا صدري للذي شرح له صدر : أيب بكر رضي اهللا عنه، وقد أبان عن إسالمهم قول زعيمهم حارثة بن سراقة يف شعره من الطويل

دريريب وال نايا قالمن لعل رجفاصطحبينا قبل نائرة الف أال

ركعجباً ما بال ملك أبي ب فيا انينرسول اهللا ما كان ب أطعنا

رأو أحلى إليهم من التم لكالتمر ومتعنالذي سألوكم فم فإن

كرام على العزاء في ساعة العسر يةقا بينان فما ك سنمنعكم

الفصل الثاني

في قتال أهل البغي

وإذا بغت طائفة من املسلمني وخالفوا رأي اجلماعة وانفردوا مبذهب ابتدعوه، فإن مل خيرجوا به عن املظاهرة بطاعة اإلمام وال حتيزوا بدار اعتزلوا فيها وكانوا أفراداً متفرقني تناهلم القدرة ومتتد إليهم اليد

فيما جيب هلم وعليهم من احلقوق واحلدود، وقد عرض تركوا ومل حياربوا وأجريت عليهم أحكام العدلوقال أحدهم وهو خيطب على منربه ال . قوم من اخلوارج لعلي بن أيب طالب رضوان اهللا عليه ملخالفة رأيه

كلمة حق أريد ا باطل لكم علينا ثالث ال مننعكم مساجد اهللا أن : حكم إال هللا فقال علي رضي اهللا عنههللا، وال نبدؤكم بقتال، وال مننعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، فإن تظاهروا تذكروا فيها اسم ا

باعتقادهم وهم على اختالطهم إىل اعتقاد احلق وموافقة اجلماعة، وجاز لإلمام أن يعزر منهم من تظاهر .بالفساد أدباً وزجراً ومل يتجاوزه إىل قتل وال حد

كفر بعد إميان، : ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث " :روي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال ".أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغري نفس

فإن اعتزلت هذه الفئة الباغية أهل العدل وحتيزت بدار متيزت فيها عن خمالطة اجلماعة فإن مل متتنع عن .حق ومل خترج عن طاعة مل حياربوا ما أقاموا على الطاعة وتأدية احلقوق

قد اعتزلت طائفة من اخلوارج علياً عليه السالم بالنهر وإن فوىل عليهم عامالً أقاموا على طاعته زماناً وهو هلم موادع إىل أن قتلوه فأنفذ إليهم أن سلموا إىل قاتله فأبوا وقالوا كلنا قتله قال فاستسلموا إيل أقتل

الباغية من طاعة اإلمام ومنعوا ما عليهم من وإن امتنعت هذه الطائفة. منكم وسار إليهم فضل أكثرهماحلقوق وتفردوا باجتباء األموال وتنفيذ األحكام، فإن فعلوا ذلك ومل ينصبوا ألنفسهم إماماً وال قدموا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 46

عليهم زعيماً كان ما اجتبوه من األموال غصباً ال تربأ منه ذمة، وما نفذوه من األحكام مردداً ال يثبت به ك وقد نصبوا ألنفسهم إماماً اجتبوا بقوله األموال ونفذوا بأمره األحكام مل يتعرض حق، وإن فعلوا ذل

ألحكامهم بالرد وال ملا اجتبوه بقوله األموال ونفذوا بأمره األحكام مل يتعرض ألحكامهم بالرد وال ملا : ة قال اهللا تبارك وتعاىلاجتبوه املطالبة وحوربوا يف احلالني على سواء ليرتعوا عن املباينة ويفيئوا إىل الطاع

وإن طائفتان من املؤمنني اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدامها على األخرى فقاتلوا اليت تبغي حىت " ".تفئ إىل أمر اهللا فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن اهللا حيب املقسطني

ا بغت بالتعدي يف القتال والثاين بغت أحدمه: وجهان". فإن بغت إحدامها على األخرى : " ويف قوله .تبغي بالسيف ردعاً عن البغي وزجراً عن املخالفة" فقاتلوا اليت تبغي " بالعدول عن الصلح، وقوله

أحدمها حىت ترجع إىل الصلح الذي أمر اهللا تعاىل به : وجهان". حىت تفيء إىل أمر اهللا : " ويف قوله تعاىل . إىل كتاب اهللا تعاىل وسنة رسوله فيما هلم وعليهم وهذا قول قتادةوالثاين. وهو قول سعيد بن جبري

والثاين . أحدمها باحلق: فيه وجهان". فأصلحوا بينهما بالعدل " أي رجعت عن البغي " فإن فاءت " م، مث بكتاب اهللا تعاىل، فإذا قلد اإلمام أمرياً على قتال املمتنعتني من البغاة قدم قبل القتال إنذارهم وإعذاره

.قاتلهم إذا أصروا على البغي كفاحاً ال يهجم غرة وبياتاً

أحدها أن يقصد بالقتال ردعهم وال يعتمد به : وخيالف قتاهلم قتال املشركني واملرتدين من مثانية أوجهوالثاين أن يقالم مقبلني، ويكف عنهم مدبرين، وجيوز . قتلهم، وجيوز أن يعتمد قتل املشركني واملرتدين

ل أهل الردة واحلرب مقبلني مدبرين، والثالث أن ال جيهز على جرحيهم وإن جاز اإلجهاز على جرحى قتاأال ال يتبع مدبر وال يذفف على : أمر علي عليه السالم مناديه أن ينادي يوم اجلمل. املشركني واملرتدين

رب أحوال من يف األسر ويعت. أن ال يقتل أسراهم وإن قتل أسرى املشركني واملرتدين: والرابع. جريحمنهم، فمن أمنت رجعته إىل القتال أطلق، ومن مل تؤمن منه الرجعة حبس إىل اجنالء احلرب مث يطلق ومل

أطلق احلجاج أسرياً من أصحاب قطري بن الفجاءة ملعرفة كانت بينهما فقال له . جيز أن حيبس بعدها مطلقها واسترق رقبة معتنقها، وأنشأ يقول قطري عد إىل قتال عدو اهللا احلجاج، فقال هيهات غل يداً

: من الكامل

هوالتا مهأنتقر ب بيد هانالحجاج عن سلط أأقاتل

هدراتبأقبح فعله غ شهدت ذيزيادة والإذا ألخو ال إني

في الصف واحتجت له فعالته رزت إزاءهول إذا بأق ماذا

حق من جارت عليه والته ال ي إذاي ال إنجار عل أأقول

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 47

هلدي فحنظت نخالت غرست اًائعنوتحدث األقوام أن ص

: " روي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أنه قال. أن ال يغم أمواهلم وال يسىب ذراريهم: واخلامس

".منعت دار اإلسالم ما فيها وأباحت دار الشرك ما فيها

أن ال يستعان لقتاهلم مبشرك معاهد وال ذمي وإن جاز أن يستعلن م على فعال أهل احلرب . والسادسأن ال يهادم إىل مدة وال يوادعهم على مال، فإن هادم إىل مدة مل يلزمه، فإن ضعف : والسابع. والردة

نظر يف املال، فإن كان من فيئهم عن قتاهلم انتظر م القوة عليهم، وإن وادعهم على مال بطلت املودة وأو من صدقام مل يرده عليهم وصرف الصدقات يف أهلها والفيء يف مستحقيه، وإن كان من خالص

أمواهلم مل جيز أن ميلكه عليهم ووجب رده إليهم، والثامن أن ينصب عليهم العرادات، وال حيرق عليهم إسالم متنع ما فيها وإن بغى أهلها، فإن أحاطوا بأهل املساكن وال يقطع عليه النخيل واألشجار ألا دار

العدل وخافوا منهم االصطالم جاز أن يدفعوا عن أنفسهم ما استطاعوا من اعتماد قتلهم ونصب العرادات عليهم، فإن املسلم إذا أريدت نفسه جاز له الدفع عنها بقتل من أرادها إذا كان ال يندفع بغري

ع بدوام وال سالحهم، وال يستعان به يف قتاهلم ويرفع اليد عنه يف وقت القتال القتل، وال جيوز أن يستمتجيوز أن يستعان على قتاهلم بدوام وسالحهم ما كانت احلرب : وقال أبو حنيفة رضي اهللا عنه. وبعده

".ال حيل مال امرئ مسلم إال بطيب نفسه منه : " قائمة، وقد قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فإذا اجنلت احلرب ومع أهل العدل هلم أموال ردت عليهم، وما تلف منها يف غري قتال فهو مضمون على متلفه، وما أتلفوه يف نائرة احلرب من نفس ومال فهو هدر، وما أتلفوه على أهل العدل يف غري نائرة

: نه عليهم قوالناحلرب من نفس ومال فهو مضمون عليهم، وما أتلفوه يف نائرة احلرب ففي وجوب ضما

أحدمها يكون هدراً ال يضمن والثاين يكون مضموناً عليهم ألن املعصية ال تبطل حقاً وال تسقط غرماً، ويغسل قتلى أهل البغي ويصلى عليهم، ومنع أبو حنيفة . فتضمن النفوس بالقود يف العمد والدية يف اخلطأ

: " قوبة، وقد قال النيب صلى اهللا عليه وسلممن الصالة عليهم عقوبة هلم، وليس على ميت يف الدنيا ع

".فرض على أميت غسل موتاها والصالة عليهم

أحدمها ال يغسلون وال يصلى : وأما قتلى أهل العدل يف معركة احلرب يف غسلهم والصالة عليهم فقوالن .عليهم تكرمياً وتشريفاً كالشهداء يف قتال املشركني

وقد صلى املسلمون على عمرو عثمان رضي اهللا عنهما، . قتلوا بغياًيغسلون ويصلى عليهم وإن: والثاينوصلى بعد ذلك علي عليه السالم وإن قتلوا ظلماً وبغياً، وال يرث باغ قتل عادالً، وال عادل قتل باغياً،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 48

".القاتل ال يرث : " لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

قال أبو . وال أورث الباغي من العادل ألنه مبطلوقال أبو حنيفة، أورث العادل من الباغي ألنه حمقأورث كل واحد منهما من صاحبة ألنه متأول يف قتله، وإذا مر جتار أهل الذمة بعشارة أهل : يوسف

البغي فعشر أمواهلم مث قدر عليهم عشروا ومل جيزهم املأخوذ منهم خبالف املأخوذ من الزكوات، ألم خوذة من املقيمني املكرهني وإذا أتى أهل البغي قبل القدرة عليهم حدوداً مروا م خمتارين، والزكوات مأ

.ففي إقامتها عليهم بعد القدرة وجهان

الفصل الثالث

في قتال من امتنع من المحاربين وقطاع الطرق

وإذا اجتمعت طائفة من أهل الفساد على شهر السالح وقطع الطريق وأخذ األموال وقتل النفوس ومنع إمنا جزاء الذين حياربون اهللا ورسوله ويسعون يف : " لة فهم احملاربون الذين قال اهللا تعاىل فيهمالساب

".األرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا يف األرض

على قتاهلم من أحدها أن اإلمام ومن استنابه: فاختلف الفقهاء يف حكم هذه اآلية على ثالثة مذاهبالوالة باخليار بني أن يقتل وال يصلب، وبني أن يقتل ويصلب وبني أن يقطع أيديهم وأرجلهم من : خالف، وبني أن ينفيهم من األرض، وهذا قول سعيد بن املسيب وجماهد وعطاء وإبراهيم النخعي

ن ذا بطش وقوة قطع يده أن من كان منهم ذا رأي وتدبري قتله ومل يعف عنه، ومن كا: واملذهب الثاينورجله من خالف ومن مل يكن منهم ذا رأي وال بطش عزره وحبسه، هذا قول مالك بن أنس وطائفة

أا مرتبة باختالف : من فقهاء املدينة جبعلها مرتبة باختالف صفام ال باختالف أفعاهلم واملذهب الثالثقتل ومل : وصلب، ومن قتل ومل يأخذ املالقتل : أفعاهلم ال باختالف صفام، فمن قتل وأخذ املال

قطعت يده ورجله من خالف، ومن كثر وهيب ومل يقتل يأخذ املال : يصلب، ومن أخذ املال ومل يقتلعزر ومل يقتل ومل يقطع وهو قول ابن عباس واحلسن وقتادة والسدي وهو مذهب الشافعي رضي اهللا

إلمام باخليار بني قتلهم مث صلبهم وبني قطع أيديهم إن قتلوا وأخذوا املال فا: وقال أبو حنفية. عنهأو : " وأرجلهم من خالف مث قتلهم، ومن كان معهم مهيباً مكثراً فحكمه كحكمهم، وأما قوله تعاىل

".ينفوا يف األرض

إىل بالد الشرك، : أحدها أنه إبعادهم من بالد اإلسالم: فقد اختلف أهل التأويل فيه على أربعة أقاويل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 49

أنه إخراجهم من مدينة إىل أخرى وهذا قول : والثاين. قول مالك بن أنس واحلسن وقتادة والزهريوهذا والرابع . عمر بن عبد العزيز رمحه اهللا وسعيد بن جبري، والثالث أنه احلبس وهو قول أيب حنيفة ومالك

إال الذين : " قوله تعاىلوأما : وهو أن يطلبوا إلقامة احلدود عليهم فيبعدوا وهذا قول ابن عباس والشافعي ".تابوا من قبل أن تقدروا عليهم

أنه وارد يف احملاربني املفسدين من أهل الكفر إذا تابوا من شركهم : أحدها: ففيه ألهل التأويل ستة أقاويلباإلسالم، وأما املسلمون فال تسقط التوبة عنهم حداً والحقاً، وهذا قول ابن عباس واحلسن وجماهد

رضي اهللا عنهم، وأما التائب بغري أمان فال تؤثر توبته يف سقوط حد وال حق وهذا قول علي بن وقتادةأنه وارد فيمن تاب من املسلمني بعد حلوقه بدار احلرب مث : أيب طالب كرم اهللا وجهه والشعيب، والثالث

كان يف دار اإلسالم يف أنه وارد فيمن: عاد قبل القدرة وهو قول عروة بن الزبري رضي اهللا عنه، والرابعمنعة وتاب قبل القدرة عليه سقطت عقوبته وإن مل يكن يف منعه مل تسقط وهذا قول ابن عمر وربيعة

أن توبته قبل القدرة عليه وإن مل يكن يف منعه تضع عنه : واخلامس. واحلكم بن عيينة رضي اهللا عنهمأن توبته قبل : والسادس. ا قول الشافعيمجيع حدود اهللا سبحانه وال تسقط عنه حقوق اآلدميني وهذ

القدرة عليه تضع عنه مجيع احلدود واحلقوق إال الدماء وهذا قول مالك بن أنس فهذا حكم اآلية مث نقول يف احملاربني إم إذا كانوا على امتناعهم مقيمني قوتلوا كقتال أهل . واختالف أهل التأويل فيها

أحدها أم جيوز قاهلم مقبلني ومدبرين الستيفاء احلقوق : مخسة أوجهالبغي يف عامة أحواهلم وخيالفه من والثاين أنه جيوز أن يعمد يف احلرب إىل قتل من قتل منهم . منهم، وال جيوز اتباع من ويل من أهل البغي

وال جيوز أن يعمد إىل قتل أهل البغي، والثالث أم يؤاخذون مبا استهلكوه من دم ومال يف احلرب والرابع أنه جيوز حبس من أسر منهم السترباء حاله وإن مل جيز حبس أحد من . خبالف أهل البغيوغريها

أهل البغي، واخلامس أن ما اجتبوه من خراج وأخذوه من صدقات فهو كاملأخوذ غصباً وباً ال يسقط م مقصور الوالية عن أهل اخلراج والصدقات حقاً فيكون غرمه عليهم مستحقاً، وإذا كان املوىل على قتاهل

على حماربتهم فليس له بعد القدرة أن يقيم عليهم حداً، وال أن يستويف منهم حقاً ويلزمه حماربته فليس له بعد القدرة أن يقيم عليهم حداً، وال أن يستويف منهم حقاً ويلزمه محلهم إىل اإلمام ليأمر بإقامة احلدود

ه عامة على قتاهلم واستيفاء احلدود واحلقوق منهم فال عليهم واستيفاء احلقوق منهم، وإن كانت واليتبدأن يكون من أهل العلم والعدالة لينفذ حكمه فيما يقيمه من حد ويستوفيه من حق، وإذا كان كذلك

إما بإقرارهم طوعاً من غري ضرب وال إكراه، وإما بقيام البينة : كشف عن أحواهلم من أحد وجهنيلم من أحد هذين الوجهني ما فعله كل واحد منهم من جرائمه نظر، فمن العادلة على من أنكر، فإذا ع

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 50

وقال مالك يصلب حياً مث يطعنه بالرمح حىت ميوت . كان منهم قد قتل وأخذ املال قتله وصلبه بعد القتلوهذا القتل حمتوم وال جيوز العفو عنه، وإن عفا عنه ويل الدم كان عفوه لغواً ويصلب ثالثة أيام ال

وقال مالك . ها مث حيطه بعدها، ومن قتل منهم ومل يأخذا املال قتله ومل يصلبه وغسله وصلى عليهيتجاوزيصلى عليه غري من حكم بقتله؛ ومن أخذ منهم املال ومل يقتل قطع يده ورجله من خالف فكان قطع

ل اقتص منهم يده اليمىن لسرقته وقطع رجله اليسرى اهرته، ومن جرح منهم ومل يقتل ومل يأخذ املاأحدمها أنه حمتوم وال جيوز : اجلراح إن كان يف مثلها قصاص، ويف إحتام القصاص يف اجلروح وجهان

العفو عنه كالقتل والثاين هو إىل خيار مستحقة جتب مبطالبته ويسقط بعفوه، وإن كان اجلرح مما ال منهم مهيباً أو مكثراً مل قصاص فيه وجبت دية اروح إن طلب ا وتسقط إن عفا عنها، ومن كان

يباشر قتالً وال جرحاً وال أخذ مال عزر أدباً وزجراً وجاز حبسه ألن احلبس أحد التعزيرين، وال جيوز به وجوز أبو حنيفة ذلك فيه إحلاقاً حبكم املباشرين معه، فإن تابوا عن جرائمهم بعد . ذلك؛ ال قطع وال قتل

ظامل وأخذوا مبا وجب عليهم من احلدود واحلقوق؛ فإن تابوا القدرة عليهم سقطت عنهم املآمث دون املقبل القدرة عليهم سقطت عنهم مع املآمث حدود اهللا سبحانه ومل تسقط عنهم حقوق اآلدميني؛ فمن كان

منهم قد قتل فاخليار إىل الويل يف القصاص منه أو العفو عنه ويسقط بالتوبة إحتام قتله؛ ومن كان منهم سقط عنه القطع ومل يسقط عنه الغرم إال بالعفو، وجيري على احملاربني وقطاع الطرق يف قد أخذ املال

األمصار حكم قطاعه يف الصحارى واألسفار؛ وهم وإن مل يكونوا باجلراءة يف األمصار أغلظ جرماً مل يكونوا أخف حكماً وقال أبو حنيفة خيتصون ذا احلكم يف

يف األمصار أو خارجها حبيث يدرك الغوث فال جيري عليهم حكم الصحارى حيث ال يدرك الغوث أمااجلرأة يف األمصار؛ وإذا أدعو التوبة قبل القدرة عليهم فإن مل تقترن بالدعوى أمارات تدل على التوبة مل

وإن اقترن بدعواهم أمارات تدل على التوبة ففي . تقبل دعواهم هلا ملا يف سقوطها من حد قد وجب .أحدمها تقبل ليكون ذلك شبهة تسقط ا احلدود: بغري بينة وجهان حمتمالنقبوهلا منهم

والثاين ال تقبل إال بينة عادلة تشهد هلم بالتوبة قبل القدرة عليهم ألا حدود قد وجبت، والشبهة ما .اقترنت بالفعل ال ما تأخرت عنه

الباب السادس

في والية القضاء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 51

: ن تكاملت فيه شروطه اليت يصح معها تقليده وينفذ ا حكمه وهي سبعةوال جيوز أن يقلد القضاء إال م

فالشرط األول منها أن يكون رجالً وهذا الشرط جيمع صفتني البلوغ والذكورية، فأما البلوغ فإن غري . البالغ ال جيري عليه قلم وال يتعلق بقوله على نفسه حكم وكان أوىل أن ال يتعلق به على غريه حكم

وقال أبو حنيفة جيوز أن تقضي . رأة فلنقص النساء عن رتب الواليات وإن تعلن بقوهلن أحكاموأما املوشذ ابن جرير الطربي . املرأة فيما تصح فيها شهادا، وال جيوز أن تقضي فيما ال تصح فيه شهادا

الرجال قوامون على : " فجوز قضاءها يف مجيع األحكام، وال اعتبار بقول يرده اإلمجاع مع قول اهللا تعاىل ".النساء مبا فضل اهللا بعضهم على بعض

والشرط الثاين وهو جممع على اعتباره وال يكتفي . يعين يف العقل والرأي، فلم جيز أن يقمن على الرجالفيه العقل الذي يتعلق به التكليف من علمه باملدركات الضرورية حىت يكون صحيح التمييز جيد الفطنة

والشرط الثالث احلرية، . و والغفلة يتوصل بذكائه إىل إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضلبعيداً من السهألن نقص العبد عن والية نفسه مينع من انعقاد واليته على غريه، وألن الرق ملا منع من قبول الشهادة

بر كان أوىل أن مينع من نفوذ احلكم وانعقاد الوالية وكذلك احلكم فيمن مل تكمل حريته من املدواملكاتب ومن رق بعضه، وال مينعه الرق أن يفيت كما ال مينعه الرق أن يروي بعدم الوالية يف الفتوى

والشرط . وجيوز له إذا عتق أن يقضي وإن كان عليه والء ألن النسب غري معترب يف والية احلكم. والروايةولن جيعل اهللا للكافرين على : " وتعاىلاإلسالم لكونه شرطاً يف جراز الشهادة مع قول اهللا سبحانه : الرابع

".املؤمنني سبيالً

وقال أبو حنيفة جيوز تقلده القضاء بني . وال جيوز أن يقلد الكافر القضاء على املسلمني وال على الكفارأهل دينه، وهذا وإن كان عرف الوالة بتقليده جارياً فهو تقليد زعامة ورئاسة وليس بتقليد حكم

وإذا . زمهم حكمة اللتزامهم له ال لزومه هلم، وال يقبل اإلمام قوله فيما حكم بينهموقضاء، وإمنا يلوالشرط اخلامس العدالة وهي : امتنعوا من حتاكمهم إليه مل جيربوا عليه وكان حكم اإلسالم عليهم أنفذ

وقياً املأمث بعيداً أن يكون صادق اللهجة ظاهر األمانة عفيفاً عن احملارم مت: والعدالة. معتربة يف كل واليةمن الريب، مأموناً يف الرضا والغضب مستعمالً ملروءة مثلة يف دينه ودنياه، فإذا تكاملت فيه فهي العدالة اليت جتوز ا شهادته وتصح معها واليته وإن اخنرم منها وصف منع من الشهادة والوالية فلم يسمع له

السمع والبصر ليصح ما إثبات احلقوق ويفرق بني والشرط السادس السالمة يف. قول ومل ينفذ له حكمالطالب واملطلوب، ومييز املقر من املكر ليتميز له احلق من الباطل، ويعرف احملق من املبطل، فإن كان

ضريراً كانت واليته باطلة، وجوزها مالك كما حوز شهادته، وإن كان أصم فعلى االختالف املذكور يف عضاء فغري معتربة فيه وإن كانت معتربة يف اإلمامة، فيجوز أن يقضي وإن كان األمانة فأما سالمة األ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 52

مقعداً ذا زمانه وإن كانت السالمة من اآلفات أهيب لذوي الوالية والشرط السابع أن يكون عاملاً .باألحكام الشرعية وعلمه ا يشتمل على علم أصوهلا واالوتياض بفروعها

أحدمها علمه بكتاب اهللا عز وجل على الوجه الذي تصح به معرفة ما . بعةوأصول األحكام يف الشرع أرتضمنه من األحكام ناسخاً ومنسوخاً وحمكماً ومتشااً وعموماً وخصوصاً وجممالً ومفسراً والثاين علمه

صحة بسنة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الثابتة من أقواله وأفعاله وطرق جميئها يف التواتر واآلحاد والوالثالث علمه بتأويل السلف فيما اجتمعوا عليه واختلفوا فيه ليتبع . والفساد وما كان عن سبب أو إطالق

االمجاع وجيتهد برأيه يف االختالف والرابع علمه بالقياس املوجب لرد الفروع املسكوت عنها إىل األصول نوازل ومتييز احلق من الباطل، فإذا أحاط املنطوق ا وامع عليها حىت جيد طريقاً إىل العلم بأحكام ال

علمه ذه األصول األربعة يف أحكام الشريعة صار ا من أهل االجتهاد يف الدين، وجاز له أن يفيت ويقضي، وجاز له أن يستفىت ويستقضى، وإن أخل ا أو بشيء منها خرج من أن يكون من أهل

القضاء فحكم بالصواب أو اخلطأ كان تقليده باطالً االجتهاد فلم جيز أن يفيت وال أن يقضي فإن قلدوحكمه وإن وافق احلق والصواب مردوداً، وتوجه احلرج فيما قضى به عليه وعلى من قلده احلكم

والقضاء وجوز أبو حنيفة تقليد القضاء من ليس من أهل االجتهاد ليستفىت يف أحكامه وقضاياه والذي لة وأحكامه مردودة، وألن التقليد يف فروع الشرع ضرورة فلم يتحقق عليه مجهور الفقهاء أن واليته باط

قد اخترب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم معاذاً حني بعثه إىل اليمن والياً . إال يف ملتزم احلق دون ملزمه فإن مل جتد؟ قال: فإن مل جتد؟ قال بسنة رسول اهللا قال: مب حتكم؟ قال بكتاب اهللا، قال: " .... وقال

".احلمد هللا الذي وفق رسول اهللا ملا يرضي رسوله : أجتهد برأيي، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

فأما والية من ال يقول خبرب الواحد فغري جائزة، ألنه تارك األصل قد اجتمعت عليه الصحابة وأكثر ز واليته لرد ما ورد النص أحكام الشرع عنه مأخوذ فصار مبرتلة من ال يقول حبجة اإلمجاع للذي ال جتو

ضرب منهم نفوه واتبعوا ظاهر النص وأخذوا بأقاويل سلفهم فيما مل يرد : وأما نفاة القياس فضربان. بهفيه نص وطرحوا االجتهاد وعدلوا عن الفكر واالستنباط، فال جيوز تقليدهم الفضاء لقصورهم عن طرق

كام تعلقاً بفحوى الكالم ومفهوم اخلطاب كأهل وضرب منهم نفوا القياس واجتهدوا يف األح. األحكامأحدمها ال : وقد اختلف أصحاب الشافعي رضي اهللا عنه يف جواز تقليدهم القضاء على وجهني. الظاهر

والثاين جيوز ألم يعتربون واضح املعاين وإن عدلوا عن خفي القياس، فإذا ثبت ما . جيوز للمعىن املذكور والية القضاء، فال جيوز أن يوىل إال بعد العلم باجتماعها فيه؛ إما بتقدم وصفنا من الشروط املعتربة يفقد قلد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم علياً عليه السالم قضاء اليمن ومل . معرفة، وإما باختيار ومسألة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 53

إذا حضر خصمان بني يديك فال تقض: " خيتربه لعلمه به ولكن وصاه تنبيهاً على وجه القضاء فقال

".ألحدمها حىت تسمع كالم اآلخر

وجيوز ملن اعتقد مذهب الشافعي رمحه اهللا أن يقلد القضاء من اعتقد مذهب أيب حنيفة ألن للقاضي أن جيتهد برأيه يف قضائه وال يلزمه أن يقلد يف النوازل واألحكام من اعتزى إىل مذهبه، فإذا كان شافعياً مل

الشافعي حىت يؤديه اجتهاده إليها، فإن أداه اجتهاده إىل األخذ بقول يلزمه املصري يف أحكامه إىل أقاويلأيب حنيفة عمل عليه وأخذ به، وقد منع بعض الفقهاء من اعتزى إىل مذهب أن حيكم بغريه، فمنع

الشافعي أن حيكم بقول أيب حنيفة، ومنع احلنفي أن حيكم مبذهب الشافعي إذا أداه اجتهاده إليه ملا يتوجه ن التهمة واملمايلة يف القضايا واألحكام وإذا حكم مبذهب ال يتعداه كان أنفى للتهمة وأرضى إليه م

للخصوم، وهذا وإن كانت الساسية تقتضيه فأحكام الشرع ال توجبه ألن التقليد فيها حمظور واالجتهاد داه اجتهاده إليه فيها مستحق، وإذا نفذ قضاؤه حبكم وجتدد مثله من بعد أعاد االجتهاد فيه وقضى مبا أ

وإن خالف ما تقدم من حكمه فإن عمر رضي اهللا عنه قضى يف املشركة بالتشريك يف عام وترك التشريك يف غريه فقيل له ما هكذا حكمت يف العام املاضي، فقال تلك على ما قضينا وهذه على ما

.نقضي

مبذهب الشافعي أو أيب حنيفة فهذا فلو شرط املوىل وهو حنفي أو شافعي من والء القضاء أن حيكم إال أحدمها أن يشترط ذلك عموماً يف مجيع األحكام، فهذا شرط باطل سواء كان موافقاً : على ضربني

ملذهب املوىل أو خمالفاً له، وأما صحة الوالية فإن مل جيعله شرطاً فيها وأخرجه خمرج األمر أو خمرج النهى فعي رمحه اهللا على وجه األمر أو ال حتكم مبذهب أيب حنيفة وقال قد قلدتك القضاء فاحكم مبذهب الشا

على وجه النهى كانت الوالية صحيحة والشرط فاسداً سواء تضمن أمراً أو ياً وجيوز أن حيكم مبا أداه اجتهاده إليه سواء وافق شرطه أو خالفه ويكون اشتراط املويل لذلك قدحاً فيها إن علم أنه اشترط ما ال

يكون قدحاً إن جهل لكن ال يصح مع اجلهل به أن يكون موالياً وال والياً، فإن أخرج ذلك جيوز؛ وال خمرج الشرط يف عقد الوالية فقال قد قلدتك القضاء على أن ال حتكم فيه إال مبذهب الشافعي أو بقول

ويبطل تصح الوالية. وقال أهل العراق. أيب حنيفة كانت الوالية باطلة ألنه عقدها على شرط فاسدالشرط، والضرب الثاين أن يكون الشرط خاصاً يف حكم بعينه، فال خيلو الشرط من أن يكون أمراً أو

ياً، فإن كان أمراً فقال له أقد من العبد باحلر ومن املسلم بالكافر واقتص يف القتل بغري احلديد كان أمره إن مل جيعله شرطاً فيها صحت وحكم يف ذا الشرط فاسداً مث إن جعله شرطاً يف عقد الوالية فسدت و

أحدمها أن ينهاه عن احلكم يف قتل املسلم : وإن كان ياً فهو على ضربني. ذلك مبا يؤديه اجتهاده إليه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 54

بالكافر واحلر بالعبد، وال يقضي فيه بوجوب قود وال بإسقاطه فهذا جائز ألنه اقتصر بواليته على ما عداه .لضرر الثاين أن ال ينهاه عن احلكم وينهاه عن القضاء يف القصاصفصار ذلك خارجاً عن نظره، وا

فقد اختلف أصحابنا يف هذا النهي هل يوجب صرفه عن النظر فيه على وجهني أحدمها أن يكون صرفاً والثاين أنه ال يقتضي الصرف . عن احلكم فيه وخارجاً عن واليته فال حيكم فيه بإثبات قود وال بإسقاطه

يه حكم األمر به ويثبت صحة النظر إن مل جيعله شرطاً يف التقليد وحيكم فيه مبا يؤديه عنه وجيري عل .اجتهاده إليه

ووالية القضاء تنعقد مبا تنعقد به الواليات مع احلضور باللفظ مشافهة ومع الغيبة مراسلة ومكاتبة لكن ال . املوىل وأهل عملهبد مع املكاتبة من أن يقترن ا من شواهد احلال ما يدل عليها عند

قد قلدتك ووليتك : فالصريح أربعة ألفاظ. صريح وكناية: واأللفاظ اليت تنعقد ا الوالية ضربانواستخلفتك واستنتك، فإذا أتى بأحد هذه األلفاظ انعقدت والية القضاء وغريها من الواليات وليس

فأما الكناية فقد ذكر بعض أصحابنا أا سبعة . حيتاج معها إىل قرينة أخرى إال أن يكون تأكيداً ال شرطاًقد اعتمدت عليك وعولت عليك ورددت إليك وجعلت إليك وفوضت إليك ووكلت إليك : ألفاظ

وأسندت إليك، فهذه األلفاظ ملا تضمنته من االحتمال تضعف يف الوالية عن حكم الصريح حىت يقترن مع ما يقترن ا يف حكم الصريح مثل قوله فانظر فيما ا يف عقد الوالية ما ينفي عنها االحتمال فتصري

وكلته إليك واحكم فيما اعتمدت فيه عليك فتصري الوالية ذه القرينة مع ما تقدم من الكناية منعقدة، مث متامها موقوف على قبول املويل، فإن كان التقليد مشافهة فقبوله على الفور لفظاً، وإن كان مراسلة أو

واختلف يف صحة القبول بالشروع . يكون على التراخي، وجيوز قبوله بالقول مع التراخيمكاتبة جاز أنيف النظر؛ فجوزه بعضهم وجعله كالنطق وأباه آخرون حىت يكون نطقاً ألن الشروع يف النظر فرع لعقد

أحدها : بعة شروطويكون متام الوالية مع ما ذكرنا من لفظ التقليد معترباً بأر. الوالية فلم ينعقد به قبوهلامعرفة املويل للموىل بأنه على الصفة اليت جيوز أن يوىل معها، فإن مل يعلم أنه على الصفة اليت جتوز معها

والشرط . تلك الوالية مل يصح تقليده، فلو عرفها بعد التقليد استأنفها ومل جيز أن تعول على ما تقدمهاقاق تلك الوالية بصفاته اليت يصري ا مستحقاً هلا وأنه قد معرفة املويل مبا عليه املوىل من استح: الثاين

تقلدها وصار مستحقاً لإلنابة فيها إال أن هذا شرط معترب يف قبول املويل وجواز نظره وليس بشرط يف وإمنا يراعى . عقد تقليده وواليته، خبالف الشرط املتقدم وليس يراعى يف هذه املعرفة املشاهدة بالنظر

بع اخلرب والشرط الثالث ذكر ما تضمنه التقليد من والية القضاء أو إمارة البالد أو جباية اخلراج انتشار يتتاألن هذه شروط معتربة يف كل تقليد فافتقرت إىل تسمية ما تضمنت ليعلم على أي نظر عقدت فإن جهل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 55

لذي يستحق النظر فسدت، والشرط الرابع ذكر تقليد البلد الذي عقدت الوالية عليه ليعرف به العمل افيه، وال تصح الوالية مع اجلهل به فإذا انعقدت مت تقليد الوالية مبا ذكرنا من الشروط واحتاج يف لزوم

النظر إىل شرط زائد على شروط العقد وهو إشاعة تقليد املوىل يف أهل عمله ليذعنوا بطاعته وينقادوا إىل احلكم، فإذا صحت عقداً ولزوماً مبا وصفنا صح حكمه وهو شرط يف لزوم الطاعة وليس بشرط يف نفوذ

فيها نظر املويل واملوىل كالوكالة ألما معاً استنابة ومل يلزم املقام عليها من جهة املوىل وال من جهة املويل وكان للمويل أن يعزله عنها مىت شاء، وللموىل عزل نفسه عنها إذا شاء غري أن األوىل باملويل أن يعزله إال

وأن ال يعتزل املوىل إال من عذر ملا يف هذه الوالية من حقوق املسلمني، فإذا عزل أو اعتزل جب بعذر، إظهار العزل كما وجب إظهار التقليد حىت ال يقدم على إنفاذ حكم وال يغتر بالترافع إليه خصم، فإن

حكمه وجهان حكم بعد عزله وقد عرف عزله مل ينفذ حكمه، وإن حكم غري عامل بعزله كان يف نفوذ .كاختالفهما يف عقود الوكيل

وال ختلو والية القاضي من عموم أو خصوص، فإن كانت واليته عامة مطلقة التصرف يف مجيع ما أحدها فصل يف النازعات وقطع التشاجر واخلصومات، إما : تضمنته فنظره مشتمل على عشرة أحكام

والثاين استيفاء احلقوق ممن . ات يعترب يف الوجوبصلحاً عن تراض ويراعي فيه اجلواز أو إجباراً حبكم ب .إقرار، أو بينة: مطل ا وإيصاهلا إىل مستحقها بعد ثبوت استحقاقها من أحد وجهني

واختلف يف جواز حكمه فيها بعلمه، فجوزه مالك والشافعي رضي اهللا عنهما أصح قوليه، ومنع منه يف جيوز أن حيكم بعمله فيما علمه يف واليته وال حيكم مبا علمه وقال أبو حنيفة رمحه اهللا . القول اآلخر

والثالث ثبوت الوالية على من كان ممنوع التصرف جبنون أو صغر واحلجر عل من يرى احلجر . قبلهاوالرابع النظر يف . عليه لنفسه أو فليس حفظاً لألموال على مستحقيها وتصحيحاً ألحكام العقود فيها

وتنمية فروعها والقبض عليها وصرفها يف سبيلها، فإن كان عليها مستحق للنظر األوقات حبفظ أصوهلافيها راعاه وإن مل يكن تواله، ألنه ال يتعني للخاص فيها إن عمت، وجيوز أن يقضي إىل العموم وإن خصت، واخلامس تنفيذ الوصايا على شروط املوصي فيما أباحه الشرع ومل حيظره وإن كانت ملعينني

فيذها باإلقباض، وإن كانت يف موصوفني كان تنفيذها أن يتعني مستحقوها باالجتهاد وميلكوا كان تنوالسادس تزويج األيامى باألكفاء إذا عد من . باإلقباض فإن كان فيها وصي راعاه وإن مل يكن تواله

تفرد األمي بعقد األولياء ودعني إىل النكاح، وال جيعله أبو حنيفة رضي اهللا عنه من حقوق واليته لتجويزوالسابع إقامة احلدود على مستحقيها، فإن كان من حقوق اهللا تعاىل تفرد باستيفائه من غري . النكاح

وقال أبو . طالب إذا ثبت بإقرار أو بينة، وإن كان من حقوق اآلدميني كان موقوفاً على طلب مستحقه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 56

مصاحل عمله من الكف عن التعدي يف والثامن النظر يف . حنيفة ال يستوفيها معاً إال خبصم مطالبالطرقات واألقبية وإخراج ماال يستحق من األجنحة واألبنية، وله أن ينفرد بالنظر فيها وإن مل حيضره

وقال أبو حنيفة ال جيوز له النظر فيها إال حبضور خصم مستعد، وهي من حقوق اهللا تعاىل اليت . خصموالتاسع تصفح شهوده وأمنائه . تفرد الوالية ا أخصيستوي فيها املستعدي وغري املستعدي فكان

واختيار النائبني عنه من خلفائه يف إقرارهم والتعويل عليهم مع ظهور السالمة واالستقامة وصرفهم ومن ضعف منهم عما يعانيه كان موليه باخليار يف أصلح . واالستبدال م مع ظهور اجلرح واخليانة

ن هو أقوى منه وأكفى، وإما أن يضم إليه من يكون اجتماعه عليه وأنفذ إما أن يستبدل به م: األمرينوالعاشر التسوية يف احلكم بني القوي والضعيف والعدل يف القضاء بني املشروف والشريف، وال . وأمضى

يا داود إنا جعلناك خليفة يف األرض فاحكم : " يتبع هواه يف تقصري احملق أو ممايلة مبطل، قال اهللا تعاىلبني الناس باحلق وال تتبع اهلوى فيضلك عن سبيل اهللا إن الذي يضلون عن سبيل اهللا هلم عذاب شديد مبا

".نسوا يوم احلساب

وقد استوىف عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه يف عهده إىل أيب موسى األشعري شروط القضاء وبني أحكام نة متبعة، فافهم إذا أديل إليك، فإنه ال ينفع تكلم أما بعد، فإن القضاء فريضة حمكمة وس: التقليد فقال فيه

حبق ال نفاذ له، وآس بني الناس يف وجهك وعدلك وجملسك حىت ال يطمع شريف يف حيفك وال ييأس البينة على من ادعى واليمني على من أنكر؛ والصلح جائز بني املسلمني إال صلحاً . ضعيف من عدلك

عك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أحل حراماً أو حرم حالالً، وال مينأن ترجع إىل احلق فإن احلق قدمي، ال يبطله شيء ومراجعة احلق خري من التمادي يف الباطل؛ الفهم الفهم

فيما تلجلج يف صدرك ما ليس يف كتاب اهللا تعاىل وال سنة نبيه، مث اعرف األمثال واألشباه؛ وقس األمور ، واجعل ملن ادعى حقاً غائباً أو بينة امداً ينتهي إليه، فمن أحضر بينة أخذت له حلقه وإال بنظائرها

استحلل القضية عليه، فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى؛ واملسلمون عدول بعضهم على بعض إال . ان ودرأ بالبيناتجملوداً يف حد أو جمرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً يف والء أو نسب، فإن اهللا عفا عن األمي

وإياك والقلق والضجر والتأفف باخلصوم فإن احلق يف مواطن احلق يعظم اهللا به األجر وحيسن به الذكر، .والسالم

والثاين . أحدمها خلوه من لفظ التقليد الذي تنعقد به الوالية: فإن قيل ففي هذا العهد خلل من وجهنيقيل أما خلوه عن لفظ . رب فيه عدالة الباطن بعد الكشف واملسألةاعتباره يف الشهود عدالة الظاهر واملعت

أحدمها أن التقليد تقدمه لفظاً وجعل العهد مقصوراً على الوصاية واألحكام والثاين : التقليد ففيه جوابان

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 57

فمن أحضر بينة أخذت " وكقوله " فأفهم إذا أديل إليك " أن ألفاظ العهد تتضمن معاين التقليد مثل قوله .وإال استحللت القضية عليه فصار فحوى هذه األوامر مع شواهد احلال مغنياً عن لفظ التقليد" ه حبقه ل

أحدمها أنه جيوز أن يكون ممن يرى ذلك فذكره : وأما اعتباره يف الشهود عدالة الظاهر ففيه جوابانلة عدول ما مل يظهر جرح إال والثاين معناه أم بعد الكشف واملسأ. إخباراً عن إعتقاده فيه ال أمراً به

جملوداً يف حد، وليس هلذا القاضي وإن عمت واليته جباية اخلراج، ألن مصرفه موقوف على رأي غريه فأما أموال الصدقات فإن اختصت بناظر خرجت عن عموم واليته، وإن مل يندب هلا . من والة اجليوش

ها يف مستحقيها ألا من حقوق اهللا تعاىل ناظر فقد تدخل يف عموم واليته فيقبضها من أهلها ويصرفوقيل ال تدخل يف واليته ويكون ممنوعاً من التعرض هلا ألا من حقوق األموال اليت حتمل . فيمن مساه هلا

على اجتهاد األئمة وكذلك القول يف إمامة اجلمع واألعياد، فأما إن كانت واليته خاصة فهي منعقدة ى ما تضمنته كمن قلد القضاء يف بعض ما قدمناه من األحكام أو يف على خصوصها ومقصورة النظر عل

احلكم بإقرار دون البينة أو يف الديون دون املناكح أو يف مقدر بنصاب فيصح هذا التقليد وال يصح .للموىل أن يتعداه ألا استنابة فصحت عموماً وخصوصاً كالوكالة

يقلد النظر يف مجيع األحكام يف أحد جانيب البلد أو يف وجيوز أن يكون القاضي عام النظر خاص العمل، لحملة منه فينفذ مجيع أحكامه يف اجلانب الذي قلده واحمللة اليت عينت له، وينظر فيه بني ساكنيه وبني الطارئني إليه، ألن الطارئ إليه كالساكن فيه إال أن يقتصر به على النظر بني ساكنيه دون الغريبني

ولو قلد مجيع البلد ليحكم يف أحد جانبيه أو يف حملة منه أو يف دار من دوره . ال يتعداهموالطارئني إليه فجاز له احلكم يف كل موضع منه ألنه ال ميكن احلجر عليه يف مواضع جلوسه مع عموم واليته، فإن أخرج

د احلكم ذلك خرج الشرط يف عقد الوالية أبطلها وكان مردود احلكم يف ذلك املوضع وغريه، ولو قلفيمن ورد إليه يف داره أو يف مسجده صح ومل جيز أن حيكم يف غري داره وال يف غري مسجده، ألنه جعل واليته مقصورة على من ورد إىل داره أو مسجده وهم ال يتعينون إال بالورود إليهما فلذلك صار حكمه

صرة برهة من الدهر يستقضون قاضياً مل تزل األمراء عندنا بالب: قال أبو عبد اهللا الزبريي. فيهما شرطاًعلى املسجد اجلامع يسمونه قاضي املسجد حيكم يف مائيت درهم وعشرين ديناراً فما دوا ويفرض

.النفقات وال يتعدى موضعه وال ما قدر له

أحدها أن إىل أحدمها موضعاً منه وإىل : وإذا قلد قاضيان على بلد مل خيل حال تقليدمها من ثالثة أقسامآلخر غريه فيصح، ويقتصر كل واحد منهم على النظر يف موضعه، والقسم الثاين أن يرد إىل أحدمها نوع ا

من األحكام وإىل اآلخر غريه كرد املداينات إىل أحدمها واملناكح إىل اآلخر فيجوز ذلك ويقتصر كل د إىل كل واحد منهما والقسم الثالث أن ير. واحد منهما على النظر يف ذلك احلكم اخلاص يف البلد كله

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 58

فقد اختلف أصحابنا يف جوازه، فمنعت منه طائفة ملا يفضي إليه أمرمها من . مجيع األحكام يف مجيع البلد. التشاجر يف جتاذب اخلصوم إليهما، وتبطل واليتهما إن اجتمعت، وتصح والية األول منهما إن افترقت

لوكالة، ويكون القول عند جتاذب اخلصوم قول وأجازته طائفة أخرى وهم األكثرون ألا استنابة كاالطالب دون املطلوب، فإن تساويا اعترب أقرب احلاكمني إليهما، فإن استويا فقد قيل يقرع بينهما وقيل

.مينعان من التحاكم حىت يتفقا على أحدمها

النظر بينهما وجيوز أن تكون والية القاضي مقصورة على حكومة معينة بني خصمني فال جيوز أن ينفذ إىل غريمها من اخلصوم وتكون واليته على النظر بينهما باقية ما كان التشاجر بينهما باقياً، فإذا بت احلكم

بينهما زالت واليته، وإن جتددت بينهما مشاجرة أخرى مل ينظر بينهما إال بإذن مستجد، فلو مل يعني نظر بني اخلصوم يف يوم السبت وحده جاز نظره اخلصوم وجعل النظر مقصوراً على األيام وقال قلدتك ال

فيه بني اخلصوم يف مجيع الدعاوي، وتزول واليته بغروب الشمس منه، ولو قال قلدتك النظر يف كل يوم فإذا خرج يوم السبت مل تزل واليته لبقائها على أمثاله من . سبت جاز أيضاً وكان مقصور النظر فيه

من نظر يف يوم السبت بني اخلصوم : فيما عداه، ولو قال ومل يسم أحداًاأليام وإن كان ممنوعاً من النظرفهو خليفيت مل جيز للجهل باملوىل، وألنه قد جيوز أن ينظر فيه من ليس من أهل االجتهاد، فلو قال من نظر

أي غريه فيه من أهل االجتهاد فهو خليفيت مل جيز أيضاً للجهل به، وألنه يصري متييز اتهد موكوالً إىل رمن اخلصوم، ولو قال من نظر فيه من مدرسي أصحاب الشافعي أو مفيت أصحاب أيب حنيفة مل جيز،

وكذلك لو مسى عدداً فقال من نظر فيه من فالن أو فالن فهو خليفيت مل جيز سواء قل العدد أو كثر، ألن ز سواء قل العدد أو كثر، املوىل منهم جمهول لكن إذا قال رددت النظر فيه إىل فالن وفالن وفالن جا

،ألن مجيعهم موىل فإذا نظر فيه أحدهم تعني وزال نظر الباقني ألنه مل جيمعهم على النظر وإمنا أفرد به أحدهم، فإن مجعهم على النظر فيه مل جيز إن كثر عددهم، ويف جوازهم إن قل وجهان من اختالف

.أصحابنا يف اجلمع بني قاضيني

فإن من غري أهل االجتهاد فيه كان تعرضه لطلبه حمظوراً وصار : الوالة عليهفأما طلب القضاء وخطبةأحدها أن : بالطلب جمروحاً، وإن كان من أهله على السفة اليت جيوز معها نظره فله يف طلبه ثالثة أحوال

ه يكون القضاء يف غري مستحقه، إما لنقص علمه، وإما لظهور جوره فيخطب القضاء دفعاً ملن ال يستحقليكون فيمن هو بالقضاء أحق فهذا سائغ ملا تضمنه من دفع منكر، مث ينظر، فإن كان أكثر قصده إزالة

واحلالة الثانية أن يكون : غري املستحق كان مأجوراً، وإن كان أكثره اختصاصه بالنظر فيه كان مباحاًما ليجر بالقضاء إىل نفسه نفعاً؛ القضاء يف مستحقه ومن هو أهله ويريد أن يعزله عنه إما لعداوة بينهما وإ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 59

واحلالة الثالثة أن ال يكون يف القضاء ناظر وهو خال من . فهذا الطلب حمظور وهو ذا الطلب جمروحوال عليه؛ فرياعي حاله يف طلبه، فإن كان حلاجته إىل رزق القضاء املستحق يف بيت املال كان طلبه

أن يتعرض له غري مستحق كان طلبه مستحباً، فإن قصد مباحاً، وإن كان لرغبة يف إقامة احلق وخوفهبطلبه املباهاة واملرتلة فقد اختلف يف كراهية ذلك مع االنفاق على جوازه، فكرهته طائفة ألن طلب

تلك الدار اآلخرة جنعلها للذين ال يريدون علواً يف : " املباهاة واملرتلة يف الدنيا مكروه، قال اهللا تعاىل ".اً والعاقبة للمتقني األرض وال فساد

وذهبت طائفة أخرى إىل أن طلبه لذلك غري مكروه، ألن طلب املرتلة مما أبيح ليس مبكروه، وقد رغب اجعلين على خزائن األرض إين حفيظ : "نيب اهللا يوسف عليه السالم إىل فرعون يف الوالية واخلالفة فقال

".عليم

أحدمها حفيظ ملا : وفيه تأويالن" إين حفيظ عليم " وله فطلب الوالية وصف نفسه مبا يستحقها به من قاستودعتين عليم مبا وليتين، وهذا قول عبد الرمحن بن زيد، والثاين أنه حفيظ للحساب عليم باأللسن،

وخرج هذا القول عن حد التزكية لنفسه واملدح هلا ألنه كان لسبب دعا . وهذا قول إسحاق بن سفيانيف جواز الوالية من قبل الظامل، فذهب قوم إىل جوازها إذا عمل باحلق فيما واختلف ألجل ذلك . إليه

.يتواله، ألن يوسف عليه السالم توىل من قبل فرعون ليكون بعدله دافعاً جلوره

وذهبت طائفة أخرى إىل حظرها واملنع من التعرض هلا ملا فيها من توىل الظاملني واملعونة هلم وتزكيتهم .بالتقليد أو أمرهم

أحدمها أن فرعون يوسف كان صاحلاً : وأجابوا عن والية يوسف عليه السالم من قبل فرعون جبوابني .والثاين أنه نظر يف أمالكه دون أعماله. وإمنا الطاغي فرعون موسى

.فأما بذل املال على طلب القضاء فمن احملظورات ألا رشوة حمرمة يصري الباذل هلا والقابل هلا جمروحني

".أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لعن الراشي واملرتشي والرايش"ابت عن أنس روى ث

.املتوسط بينهما: والرايش. واملرتشي قابلها: باذل الرشوة: والراشي

وليس ملن تقلد القضاء أن يقبل هدية من خصم وال من أحد من أهل عمله وإن مل يكن له خصم ألنه قد .يستعديه فيما يليه

".هدايا األمراء غلول: " النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قالروي عن

فإن قبلها وعجل املكافأة عليها ملكها، وإن مل يعجل املكافأة عليها كان بيت املال أحق ا إن تعذر ردها وال جيوز له أن . على املهدي ألنه أوىل ا منه، وليس للقاضي تأخري اخلصوم إذا تنازعوا إليه إال من عذر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 60

جب إال يف أوقات االستراحة، وليس له أن حيكم ألحد من والديه وال من أوالده ألجل التهمة وحيكم حيعليهم الرتفاعها، وكذلك ال يشهد هلم ويشهد عليهم، ويشهد لعدوه وال يشهد عليه، وحيكم وإن وطئ

هذه اإلمارة على فإذا عقدت . من مل يدخل يف السيب حد، ألن وطأها زنا، ومل يلحق به ولدها إن علقتغزوة واحدة مل يكن ألمريها أن يغزو غريها سواء غنم فيها أو مل يغنم، وإذا عقدت عموماً عاماً بعد عام

لزمه معاودة الغزو يف كل وقت يقدر على غزو فيه وال يفتر عنه مع ارتفاع املوانع إال قدر االستراحة ر إذا فوضت إليه اإلمارة على ااهدين أن ينظر يف وأقل ما جيزيه أن ال يعطل عاماً من جهاد وهلذا األم

أحكامهم ويقيم احلدود عليهم وسواء من ارتزق منهم أو تطوع، وال ينظر يف أحكام غريهم ما كان سائراً إىل ثغرة، فإذا استقر يف الثغر الذي تقلده جاز أن ينظر يف أحكام مجيع أهله من مقاتلته ورعيته،

.رى عليها حكم اخلصوصوإن كانت إمارة خاصة أج

الباب السابع

في والية المظالم

ونظر املظامل هو قود املتظاملني إىل التناصف بالرهبة وزجر املتنازعني عن التجاحد باهليبة فكان من شروط قليل الطمع كثري الورع، ألنه . الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ األمر، عظيم اهليبة ظاهر العفة

نظره إىل سطوة احلماة وثبت القضاة، فيحتاج إىل اجلمع بني صفات الفريقني، وأن يكون جباللة حيتاج يفالقدر نافذ األمر يف اجلهتني، فإن كان ممن ميلك األمور العامة كالوزراء واألمراء مل حيتج النظر فيها إىل

النظر احتاج إىل تقليد وتولية تقليد وكان له بعموم واليته النظر فيها، وإن كان ممن مل يفوض إليه عمومإذا اجتمعت فيه الشروط املتقدمة، وهذا إمنا يصح فيمن جيوز أن خيتار لوالية العهد أو لوزارة التفويض أو إلمارة األقاليم إذا كان نظره يف املظامل عاماً، فإن اقتصر به على تنفيذ ما عجز القضاة عن تنفيذه وإمضاء

أن يكون دون هذه الراتبة يف القدر واخلطر بعد أن ال تأخذه يف احلق ما قصرت يدهم عن إمضائه جازفقد نظر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم املظامل يف الشرب الذي . لومة الئم وال يستشفه الطمع إىل رشوة

مث اسق أنت يا زبري: " تنازعه الزبري بن العوام رضي اهللا عنه ورجل من األنصار فحضره بنفسه فقال الزبرياألنصار فقال األنصاري إنه البن عمتك يا رسول اهللا فغضب من قوله وقال يا زبري أجره على بطنه حىت

".يبلغ املاء إىل الكعبني

واختلف مل أمره بإجراء املاء إىل الكعبني هل كان حقاً بينه . وإمنا قال أجره عل بطنه أدباً له جلرأته عليه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 61

ره به زجراً على جوابني، ومل ينتدب للمظامل من اخللفاء األربعة أحد ألم هلما حكماً أو كان مباحاً فأميف الصدر األول مع ظهور الدين عليهم بني من يقوده التناصف إىل احلق أو يزجره الوعظ عن الظلم،

وإمنا كانت املنازعات جتري بينهم يف أمور مشتبهة يوضحها حكم القضاء، فإن جتوز من جفاء أعرام ز تناه الوعظ أن يدبر وقاده العنف أن حيسن فاقتصر خلفاء السلف على فصل التشاجر بينهم متجو

باحلكم والقضاء تعييناً للحق يف جهته النقيادهم إىل التزمه، واحتاج علي رضي اهللا عنه حني تأخرت غوامض إمامته واختلط الناس فيها وجتوروا إىل فصل صرامة يف السياسة وزيادة تيقظ يف الوصول إىل

األحكام فكان أول من سلك هذه الطريقة واستقل ا ومل خيرج فيها إىل نظر املظامل احملض الستغنائه وقضى يف . وقضى يف القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثالماً. صار مثنها تسعاً: وقال يف املنربية. عنه

ر بعده حىت بعده حىت جتاهر الناس بالظلم ولد تنازعته امرأتان مبا أدى إىل فصل القضاء، مث انتشر األموالتغالب ومل يكفهم زواجر العظة عن التمانع والتجاذب، فاحتاجوا يف ردع املتغلبني وأنصاف املغلوبني

إىل نظر املظامل الذي ميتزج به قوة السلطنة بنصف القضاء، فكان أول من أفرد للظالمات يوم يتصفح فيه للنظر عبد امللك بن مروان، فكان إذا وقف منها على مشكل أو احتاج قصص املتظلمني من غري مباشرة

فيها إىل حكم منفذ رده إىل قاضيه أيب إدريس األودي فنفذ فيه أحكامه لرهبة التجارب من عبد امللك بن مث زاد من . مروان يف عمله باحلال ووقوفه على السبب، فكان أبو ادريس هو املباشر وعبد امللك هو اآلمر

ر الوالة ظلم العتاة ما مل يكفهم عنه إال أقوى األيدي وأنفذ األوامر، فكان عمر بن عبد العزيز رمحه جواهللا أول من ندب نفسه للنظر يف املظامل فردها وراعى السنن العادلة وأعادها، ورد مظامل بين أمية على

لعواقب، فقال كل يوم أتقيه أهلها حىت قيل له وقد شدد عليهم فيها وأغلظ إنا خناف عليك من ردها امث جلس هلا من خلفاء بين العباس مجاعة، فكان أول من جلس هلا . وأخافه دون يوم القيامة ال وقيته

. املهدي، مث اهلادي، مث الرشيد، مث املأمون فآخر من جلس هلا املهتدي حىت عادت األمالك إىل مستحقيها

وقوانني العدل الذي ال يعمم الصالح إال مبراعاته وال وقد كان ملوك الفرس يرون ذلك من قواعد امللك وكانت قريش يف اجلاهلية حني كثر فيهم الزعماء وانتشرت فيهم الرياسة . يتم التناصف إال مبباشرته

وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما مل يكفهم عنه سلطان قاهر عقدوا حلفاً على رد املظامل وأنصاف به ما حكاه الزبري بن بكار أن رجالً من اليمن من بين زبيد قدم مكة معتمراً املظلوم من الظامل وكان سب

ببضاعة فاشتراها منه رجل من بين سهم، وقيل أنه العاص بن وائل فلوى الرجل حبقه فسأله ماله أو متاعه : فامتنع عليه فقام على احلجر وأنشظ بأعلى صوته من البسيط

رفببطن مكة فأنى الدار والن هتاعقصي لمظلوم بض يال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 62

المقام وبين الحجر والحجر بين همحرم لم تقض حرمت واشعث

أو ذاهب في ضالل مال معتمر مهتذممن بني سهم ب أقائم

فاستجار برجل من بني مجع . مث قيس بن شيبة السلمي باع متاعاً على أيب بن خلف فلواه وذهب حبقه : فلم جيره، فقال قيس من الرجز

البيت وأحالف الكرم وحرمة يال قصي كيف هذا في الحرم

ال يمنع عني من ظالم أظلم

: فأجابه العباس بن مرداس السلمي من البسيط

ااسشربت بكأس الذل أنف وقد هتكان جارك لم تنفعك ذم إن

ااستلق تأديبهم فحشاً وال ب ال البيوت وكن من أهلها صدداً فأت

يلق ابن حرب ويلق المرء عباسا اًميكن بفناء البيت معتص ومن

والحزم ما عاشا وما ساما بالمجد لةمكقومي قريش بأخالق م

ايورث أخماساً وأسداس والمجد جلالحجيج وهذا ناشر ف ساق

فقام أبو سفيان والعباس بن عبد املطلب فردا عليه ماله واجتمعت بطون قريش فتحالفوا يف دار عبد اهللا بن جدعان على رد املظامل مبكة وأن ال يظلم أحد إال منعوه وأخذوا للمظلوم حقه، وكان رسول اهللا

لف الفضول يف دار صلى اهللا عليه وسلم يومئذ معهم قبل النبوة وهو ابن مخس وعشرين سنة فعقدو حلقد شهدت يف دار عبد اهللا بن : " عبد اهللا بن جدعان، فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ذاكراً للحال

".جدعان حلف الفضول مالو دعيت إليه ألجبت، وما أحب أن يل به محر النعم

: وأين بقصته وما يزيده اإلسالم إال شدة فقال بعض قريش يف هذا احللف من البسيط

وزهرة لخير في دار ابن جدعان اًمبن مرة إن سألت وهاش تيم

انفي فنن من جذع كتم ورقاء ردتعلى الندى ما ع متحالفين

وهذا وإن كان فعالً جاهلياً دعتهم إليه السياسة فقد صار حبضور رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم له وما .قاله يف تأكيد أمره حكماً شرعياً وفعالً نبوياً

فإذا نظر يف املظامل من انتدب هلا جعل لنظره يوماً معروفاً يقصده فيه املتظلمون ويراجعه فيه املتنازعون، ه من األيام ملا هو موكول إليه من السياسة والتدبري إال أن يكون من عمال املظامل املنفردين ليكون ما سوا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 63

.هلا فيكون مندوباً للنظر يف مجيع األيام، وليكن سهل احلجاب نزه األصحاب

أحدهم احلماة : ويستكمل جملس نظره حبضور مخسة أصناف ال يستغىن عنهم وال ينتظم نظره إال موالصنف الثاين القضاة واحلكام الستعالم ما يثبت عندهم من . ب القوى وتقومي اجلريءواألوان جلذ

والصنف الثالث الفقهاء لريجع إليهم فيما أشكل . احلقوق ومعرفة ما جيري يف جمالسهم بني اخلصومليهم والصنف الرابع الكتاب ليثبتوا ما جرى بني اخلصوم وما توجه هلم أو ع. ويسأهلم عما اشتبه وأعضل

من احلقوق، والصنف اخلامس الشهود ليشهدهم على ما أوجبه من حق وأمضاه من حكم، فإذا استكمل .جملس املظامل مبن ذكرنا من األصناف اخلمسة شرع حينئذ يف نظرها

فالقسم األول النظر يف تعدي الوالة على الرعية : والذي خيتص بنظر املظامل يشتمل على عشرة أقسام يف السرية، فهذا من لزوم النظر يف املظامل الذي ال يقف على ظالمة متظلم، فيكون وأخذهم بالعسف

لسرية الوالة متصفحاً عن أحواهلم مستكشفاً ليقويهم إن أنصفوا ويكفهم إن عسفوا، ويستبدل م إن مل .يصنفوا

: محكي أن عمر بن عبد العزيز خطب على الناس يف أول خالفته وكانت من أول خطبة فقال هل

أوصيكم بتقوى اهللا، فإنه ال يقبل غريها وال يرحب إال أهلها، وقد كان قوم من الوالة منعوا احلق حىت اشترى منهم شراء وبذلوا الباطل حىت افتدى منهم فداء، واهللا لوال سنة من احلق أميتت فأحييتها وسنة من

رتكم تصلح لكم دنياكم، إن امرأ ليس أصلحوا آخ. الباطل أحييت فأمتها ما باليت أن أعيش وقتاً واحداً .بينه وين آدم إال املوت ملعرق له يف املوت

أجوز العمال فيما جيبونه من األموال فريجع فيه إىل القوانني العادلة يف دواوين األئمة : والقسم الثاينر برده، وإن فيحمل الناس عليها ويأخذ العمال ا وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إىل بيت املال أم

.أخذوه ألنفسهم استرجعه ألربابه

فقد حكي عن املهدي رضي اهللا عنه أنه جلس يوماً املظامل فرفعت إليه قصص يف الكسور فسأل عنها، كان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه قسط اخلراج على أهل السواد وما فتح من : فقال سليمان بن وهب

وكانت الدراهم والدنانري مضروبة على وزن كسرى وقيصر، وكان نواحي املشرق واملغرب ورقاً وعيناًأهل البلدان يؤدون ما يف أيديهم من املال عدداً وال ينظرون يف فضل بعض األوزان على بعض، مث فسد الناس فصار أرباب اخلراج يؤدون الطربية اليت هي أربعة دوانق ومتسكوا بالوايف الذي وزنه وزن املثقال،

ياد العراق طالب بأداء الوايف وألزمهم الكسور وجار فيه عمال بين أمية، إىل أن ويل عبد امللك فلما ويل زبن مروان، فنظر بني الوزنني وقد وزن الدراهم على نصف ومخس املثقال وترك املثقال على حاله، مث إن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 64

من بعده إىل أيام احلجاج من بعده أعاد املطالبة بالكسور حىت أسقطها عمر بن عبد العزيز وأعادها املنصور إىل أن خرب السواد فأزال املنصور اخلراج عن احلنطة والشعري ورقاً وصريه مقامسة ومها أكثر

غالت السواد وأبقى اليسري من احلبوب والنخل والشجر على رسم اخلراج وهو كما يلزمون اآلن م العمل به أو تأخر، أسقطوه عن الناس، الكسور واملؤن؛ فقال املهتدي معاذ اهللا أن ألزم الناس ظلماً تقد

فقال احلسن بن خملد إن أسقط أمري املؤمنني هذا ذهب من أموال السلطان يف السنة اثنا عشر ألف ألف .درهم، فقال املهتدي على أن أقرر حقاً وأزيل ظلماً وإن أجحف بيت املال

أمواهلم فيما يستوفونه له ويوفونه منه كتاب الدواوين ألم أمناء املسلمني على ثبوت : والقسم الثالثأعاده؛ فيتصفح أحوال ما وكل إليهم، فإن عدلوا حبق من دخل أو خرج إىل زيادة أو نقصان إىل قوانينه

.وقابل على جتاوزه

حكي أن املنصور رضي اهللا عنه بلغه عن مجاعة من كتاب دواوينه أم زوروا فيه وغريوا فأمر بإحضارهم : فقال حدث منهم وهو يضر من الوافروتقدم تأديبهم؛

اينيا أمير المؤمن وعز أطال اهللا عمرك في صالح

اينمعصمة للعال فإنك انستجير فإن تجرن بعفوك

اينباتفهبنا للكرام الك اأنالكاتبون وقد أس ونحن

فأمر بتخليتهم ووصل الفىت وأحسن إليه، ألنه ظهرت منه األمانة وبانت فيه النجابة وهذه األقسام الثالثة .ال حيتاج وايل املظامل يف تصفحها إىل متظامل

تظلم املسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها عنهم وإجحاف النظر م فريجع إىل ديوانه : والقسم الرابعم عليه وينظر فيما نقصوه أو منعوه من قبل، فإن أخذه والة أمورهم استرجعه يف فرض العطاء فيجريه

.منهم، وإن يأخذوه قضاء من بيت املال

كتب بعض والة اجلند إىل املأمون أن اجلند شعبوا وبوا، فكتب إليه لو عدلت مل يشعبوا، ولو وفيت مل .ينهبوا، وعزله عنهم وأدر عليهم أرزاقهم

د الغصوب، وهي ضربان أحدمها غصوب سلطانية قد تغلب عليها والة اجلوز ر: والقسم اخلامسكاألمالك املقبوضة عن أرباا، إما لرغبة فيها، وإما لتعد على أهلها، فهذا إن علم به وايل املظامل عند

جع تفصح األمور أمر برده قبل التظلم إليه، وإن مل يعلم به فهو موقوف على تظامل أربابه، وجيوز أن يرفيه عند تظلمهم إىل ديوان السلطنة فإذا وجد فيه ذكر قبضها على مالكها عمل عليه وأمر بردها إليه ومل

.حيتج إىل بينة تشهد به وكان ما وجده يف الديوان كافياً

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 65

كما حكي أن عمر بن عبد العزيز رمحه اهللا خرج ذات يوم إىل الصالة فصادفه رجل ورد من اليمن : لبسيطمتظلماً فقال من ا

أتاك بعيد الدار مظلوم فقد تدعون جيران مظلوماً ببابكم

فقال ما ظالمك؟ فقال غصبين الوليد بن عبد امللك ضيعيت، فقال يا مراجم ائتين بدفتر الصوايف بود يف أصفى عبد اهللا الوليد بن عبد امللك ضيعة فالن، فقال أخرجها من الدفتر وليكتب برد ضيعته إليه ويطلق

ة وتصرفوا فيه تصرف والضرب الثاين من الغصوب ما تغلب عليه ذوو األيدي القوي. له ضعف نفقتهاملالك بالقهر والغلبة، فذا موقوف على تظلم أربابه وال ينتزع من غاصبه إال بأحد أربعة أمور، إما

باعتراف الغاصب وإقراره، وإما بعلم وايل املظامل فيجوز له أن حيكم عليه بعلمه، وإما ببينة تشهد على اهر األخبار الذي ينفي عنها التواطؤ، وال خيتلج الغاصب بغصبه أو تشهد للمغصوب منه مبلكه، وإما بتظ

فيها الشكوك ألنه ملا جاز للشهود أن يشهدوا يف األمالك بظاهر األخبار كان حكم والة املظامل بذلك .أحق

عامة وخاصة، فأما العامة فيبدأ بتصفحها وإن مل يكن : مشارفة الوقوف وهي ضربان: والقسم السادسإما من : سبيلها وميضيها على شروط واقفها إذا عرفها من أحد ثالثة أوجهفيها متظلم ليجريها على

دواوين احلكام املندوبني حلراسة األحكام، وإما من دواوين السلطنة على ما جرى فيها من معاملة أو ثبت هلا من ذكر وتسمية، وإما من كتب فيها قدمية تقع يف النفس صحتها وإن مل يشهد الشهود ا ألنه ليس

.يتعني اخلصم فيها فكان احلكم أوسع منه يف الوقوف اخلاصة

وأما الوقوف اخلاصة فإن نظره فيها موقوف على تظامل أهلها عند التنازع فيها لوقفها على خصوم متعينني فيعمل عند التشاجر فيها على ما تثبت به احلقوق عند احلاكم وال جيوز أن يرجع إىل ديوان

.ت من ذكرها يف الكتب القدمية إذا مل يشهد ا شهود معدلونالسلطنة وال إىل ما يثب

تنفيذ ما وقف القضاة من أحكامها لضعفهم عن إنفاذها وعجزهم عن احملكوم عليه : والقسم السابعلتعززه وقوة يده أو لعلو قدره وعظم خطره، فيكون ناظر املظامل أقوى يداً وأنفذ أمراً فينفذ احلكم على

.نتزاع ما يف يده أو بإلزامه اخلروج مما يف ذمتهمن توجه إليه با

النظر فيما عجز عنه الناظرون من احلمية يف املصاحل العامة كااهرة مبنكر ضعف عن : والقسم الثامندفعه والتعدي يف طريق عجز عن منعه والتحيف يف مل يقدر على رده فيأخذهم حبق اهللا تعاىل يف مجيعه

.ويأمر حبملهم على موجبه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 66

مراعاة للعبادات الظاهرة كاجلمع واألعياد واحلج واجلهاد من تقصري فيها وإخالل : والقسم التاسع .بشروطها فإن حقوق اهللا أوىل أن تستويف وفروضه أحق أن تؤدى

النظر بني املتشاجرين واحلكم بني املتنازعني فال خيرج يف النظر بينهم عن موجب احلق : والقسم العاشريسوغ أن حيكم بينهم إال مبا حيكم به احلكام والقضاة ورمبا اشتبه حكم املظامل على ومقتضاه، وال

.الناظرين فيها فيجورون يف أحكامها وخيرجون إىل احلد الذي ال يسوغ فيها

أحدها أن لناظر املظامل من فضل اهليبة وقوة اليد ما : والفرق بني نظر املظامل ونظر القضاة من عشرة أوجهوالثاين أن نظر املظامل . ضاة يف كف اخلصوم عن التجاحد ومنع الظلمة من التغالب والتجاذبليس للق

والثالث أنه يستعمل . خيرج من ضيق الوجوب إىل سعة اجلواز فيكون الناظر فيه أفسح جماالً وأوسع مقاالًعلى احلكام من فضل اإلرهاب وكشف األسباب باإلمارات الدالة وشواهد األحوال الالئحة ما يضيق

والرابع أن يقابل من ظهر ظلمه بالتأديب ويأخذ من بان . فيصل به إىل ظهور احلق معرفة املبطل من احملقواخلامس أن له من التأين يف ترداد اخلصوم عند اشتباه أمورهم واستبهام . عدوانه بالتقومي والتهذيب

إذا سأهلم أحد اخلصمني فصل احلكم حقوقهم، ليمعن يف الكشف عن أسبام وأحواهلم ما لبس للحكاموالسادس أن له رد اخلصوم إذا أعضلوا . فال يسوغ أن يؤخره احلاكم ويسوغ أن يؤخره وايل املظامل

وساطة األمناء ليفصلوا التنازع بينهم صلحاً عن تراضي، وليس للقاضي ذلك إال عن رضى اخلصمني حت أمارات التجاحد ويأذن يف إلزام الكفالة فيما والسابع أن يفسح يف مالزمة اخلصمني إذا وض. بالرد

يسوغ فيه التكفل لينقاد اخلصوم إىل التناصف ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب، والثامن أنه يسمع من التاسع أنه جيوز له إحالف الشهود . شهادات املستورين ما خيرج عن عرف القضاء يف شهادة املعدلني

ام طوعاً ويستكثر من عددهم ليزول عنه الشك وينفي عنه االرتياب، وليس عند ارتيابه م إذا بدلوا أميوالعاشر أنه جيوز أن يبتدئ باستدعاء الشهود ويسأهلم عما عندهم يف تنازع اخلصوم، . ذلك للحاكم

وعادة القضاة تكليف املدعي إحضار بينة وال يسمعوا إال بعد مسألته، فهذه عشرة أوجه يقع ا الفرق نظر املظامل ونظر القضاء يف التشاجر والتنازع ومها فيما عدامها متساويان، وسنوضح من تفصيلهما ما بني

.تبني به إطالق ما بينهما من هذه الفروق إن شاء اهللا تعاىل

إما أن يقترن ا : وإذا كان كذلك مل خيل حال الدعوى عند الترافع فيها إىل وايل املظامل من ثالثة أحوالفلما اقترن ا من القوة . ها أو يقترن ا ما يضعفها أو ختلو من األمرين، فإن اقترن ا ما يقويهاما يقوي

.ستة أحوال ختتلف ا قوة الدعوى على التدريج

والذي خيتص نظر يف مثل هذه الدي . أن يطهر معها كتاب فيه شهود معدلون حضور: فأوهلا أحواهلا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 67

ا باستدعاء الشهود للشهادة والثاين اإلنكار على اجلاحد حبسب حالة أحدمها يبتدئ الناظر فيه: شيئانوشواهد أحواله، فإذا أحضر الشهود، فإن كان الناظر يف املظامل ممن جيل قدرة كاخلليفة أو وزير التفويض

رد أو أمري إقليم راعي من أحوال املتنازعني ما تقتضيه السياسة من مباشرة الناظر بينهما إن جل قدرمها أو .ذلك إىل قاضيه مبشهد منه إن كانا متسوطني أو على بعد منه إن كانا خاملني

حكي أن املأمون رضي اهللا عنه كان جيلس للمظامل يف يوم األحد فنهض ذات يوم من جملس نظره فلقته : إمرأة يف ثياب رثة فقالت من البسيط

دلببه قد أشرق ال إماماً يا خير منتصف يهدي له الرشد

دعليها فما تقوى به أس عدا لةإليك عميد الملك أرم تشكو

دتفرق عنها األهل والول لما امنها ضياعاً بعد منعته فابتز

: فأطرق املأمون يسرياً مث رفع رأسه وقال من البسيط

دالقلب هذا الحزن والكم وأقرح دون ما قلت عيل الصبر والجلد من

الخصم في اليوم الذي أعد وأحضر أو أن صالة الظهر فانصرفي هذا

دس األحمنه وإال المجل أنصفك المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا

فانصرفت وحضرت يوم األحد يف أول الناس، فقال هلا املأمون من خصمك؟ فقالت القائم على رأسك العباس ابن أمري املؤمنني، فقال املأمون لقاضيه حيىي بن أكثم وقيل لوزيره أمحد بن أيب خالد أجلسها معه

زجرها بعض حجابه، فقال وأنظر بينهما، فأجلسها معه ونظر بينهما حبضرة املأمون وجعل كالمها يعلو، فله املأمون دعها فإن احلق أنطقها والباطل أخرسه، وأمر برد ضياعها عليها، ففعل املأمون يف النظر بينهما

أحدمها أنه حكم رمبا توجه لولده : حيث كان مبشهده، ومل يباشره بنفسه ملا اقتضته السياسة من وجهنيإن جاز أن حيكم عليه، والثاين أن اخلصم إمرأة جيل املأمون ورمبا كان عليه وهو ال جيوز أن حيكم لولده و

عن حماورا وابنه من جاللة القدر باملكان الذي ال يقدر غريه على إلزامه احلق فرد النظر مبشهد منه إىل من كفاه حماورة املرأة يف استيفاء الدعوى واستيضاح احلجة، وباشر املأمون رضي اهللا عنه تنفيذ احلكم

. احلقوإلزام

واحلالة الثانية يف قوى الدعوى أن يقترن ا كتاب فيه من الشهود املعدلني من هو غائب، فالذي خيتص أحدها إرهاب املدعي عليه فرمبا تعجل من إقراره بقوة : بنظر املظامل يف مثل هذه الدعوى أربعة أشياء

ذا عرف مكام ومل يدخل الضرر الشاق والثاين التقدم بإحضار الشهود إ. اهليبة ما يغين عن مساع البينة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 68

والثالث األمر مبالزمة املدعي عليه ثالثاً وجيهد رأيه يف الزيادة عليها حبسب احلال من قوة اإلمارة . عليهمودالئل الصحة والرابع أن يظهر يف الدعوى، فإن كانت ماالً يف الذمة كلفه إقامة كفيل، وإن كانت عيناً

فيها حجراً ال يرفع به حكم يده ورد استغالهلا إىل أمني حيفظه على مستحقه قائماً كالعقار حجر عليهمنهما فإن تطاولت املدة ووقع اإلياس من حضور الشهود جاز لوايل املظامل أن يسأل املدعي عليه عن

دخول يده مع جتديد إرهابه، فإن مالك بن أنس رضي اهللا عنه يرى يف مثل هذا احلال سؤال املدعي عليه ن سبب دخول يده وإن مل يره الشافعي وأبو حنيفة، وللناظر يف املظامل استعمال اجلائز وال يلزم ع

.االقتصار على الواجب، فإن أجاب مبا يقطع التنازع أمضاه وإال فصل بينهما مبقتضى الشرع

ني عند واحلالة الثالثة يف قوة الدعوى أن يكون يف الكتاب املقترن ا شهود حضور لكنهم غري معدلاحلاكم والذي خيتص بنظر املظامل أن يتقدم الناظر فيها بإحضار وسري أحواهلا فإنه جيدهم على أحوال

ثالثة إما أن يكونوا من ذوي اهليئات وأهل الصيانات فالثقة بشهادام أقوى وإما أن يكونوا أرذاالً فال فيجوز له بعد الكشف عن أحواهلم يقوى عليهم لكن يقوى م إرهاب اخلصم وإما أن يكونوا أوساطاً

أن يستظهر بإحالفهم إن رأى قبل الشهادة أو بعدها مت هو يف مساع شهادة هذين الصنفني بني ثالثة أحدها إما أن يسمعها بنفسه فيحكم ا وإما أن يرد إىل القاضي مساعها ليؤديها القاضي إليه : أمور

ال جيوز أن حيكم إال بشهادة من ثبت عنده عدالته وإما أن ويكون احلكم إال ا موقوفاً عليه ألن القاضييرد مساعها إىل الشهود املعدلني فإن رد إليهم نقل شهادم إليه مل يلزمهم استكشاف أحواهلم وإن رد الشهادة عنده ملا يصح من شهادم لزمهم الكشف عما يقضي قبول شهادم ليشهدوا ا بعد العلم

.احلكم حبسبهالصحتها ليكون تنفيذ

واحلالة الرابعة يف قوى الدعوى أن يكون يف الكتاب املقترن ا شهادة شهود موتى معدلني والكتاب أحدها إرهاب املدعي عليه مبا يضطره إىل : موثوق بصحته، فالذي خيتص بنظر املظامل فيه ثالثة أشياء

. كون من وابه ما يتضح به احلقوالثاين سؤاله عن دخول يده جلواز أن ي. الصدق واالعتراف باحلق

والثالث أن يكشف عن احلال من جريان امللك ومن جريان املتنازعني فيه ليتوصل به إىل وضوح احلق فإن مل يصل إليه بواحد من هذه الثالثة ردمها إىل وساطة حمتشم مطاع له ما معرفة ومبا تنازعاه خربة

ادق والتصاحل فإن أفضى األمر بينهما إىل أحدمها وإال بت ليضطرمها بكثرة الترداد وطول املدى إىل التص .احلكم على ما يوجبه حكم القضاء

واحلالة اخلامسة يف قوة الدعوى أن يكون مع املدعي خط املدعى عليه مبا تضمنته الدعوى فنظر املظامل فيه وإن مل يعترف بصحته يقتضي سؤال املدعي عليه عن اخلط، وأن يقال له أهذا خطك، فإن حكم إقراره،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 69

فمن والة املظامل من حكم عليه خبطه إذا اعترف به وإن مل يعترف بصحته وجعل ذلك من شواهد احلقوق اعتباراً بالعرف، والذي عليه حمققوهم وما يراه مجيع الفقهاء منهم أنه ال جيوز للناظر منهم أن

يبيح من األحكام ما حظره الشرع ونظر حيكم مبجرد اخلط حىت يعترف بصفة ما فيه، ألن نظر املظامل الاملظامل فيه أن يرجع إىل ما يذكره من خطه، فإن قال كتبته ليقرضين وما أقرضين أو ليدفع إىل مثن ما بعته وما دفع فهذا مما يفعله الناس أحياناً، ونظر املظامل يف مثله أن يستعمل فيه من اإلرهاب حبسب ما يشهد

رة مث يرد إىل الوساطة، فإن أفضت إىل الصلح وإال بت القاضي احلكم بينهما به احلال وتقوى به اإلمابالتحالف، وإن أنكر اخلط فمن والة املظامل من خيترب اخلط خبطوطه اليت كتبها ويكلفه من كثرة الكتابة ما

اخلط موجباً مينع من التصنع فيها مث جيمع بني اخلطني فإذا تشاا حكم به عليه وهذا قول من جعل اعترافه للحكم به والذي عليه احملققون منهم أم ال يفعلون ذلك للحكم عليه ولكن إلرهابه وتكون الشبهة مع

إنكاره للخط أضعف منها مع اعترافه به وترفع الشبهة إن كان اخلط منافياً خلطه ويعود اإلرهاب على .بت القاضي احلكم بينهما باإلمياناملدعي مث يردان إىل الوساطة، فإن أفضت احلال إىل الصلح وإال

واحلالة السادسة يف قوة الدعوى إظهار احلساب مبا تضمنت الدعوى وهذا يكون يف املعامالت، وال خيلو إما أن يكون حساب املدعي أو حساب املدعى عليه، فإن كان حساب : حال احلساب من أحد أمرين

ثله إىل مراعاة نظم احلساب، فإن كان خمتالً حيتمل املدعي فالشبهة فيه أضعف، ونظر املظامل يرجع يف مفيه اإلدغال كان مطرحاً وهو يضعفالدعوى أشبه منه بقوا، وإن كان نظمه متسقاً ونقله صحيحاً فالثقة به أقوى فينقضي احلساب للمدعي عليه كانت الدعوى به أقوى، وال خيلو أن يكون منسوباً إىل خطه أو

باً إىل خطه فلناظر املناظر فيه أن يسأل عنه املدعى عليه أهذا خطك، فإن خط كاتبه، فإن كان منسواعترف به قيل أتعلم ما هو، فإن أقر مبعرفته قيل أتعلم صحته فإن أقر بصحته صار ذه الثالثة مقراً

مبضمون احلساب فيؤخذ مبا فيه، فإن اعترف بأنه خطه وأنه مل يعلم ما فيه ومل يعترف بصحته فمن حكم اخلط من والة املظامل حكم عليه مبوجب حسابه وإن مل يعترف بصحته وجعل الثقة ذا أقوى من الثقة ب

باخلط املرسل، ألن احلساب ال يثبت فيه قبض ما مل يقبض، والذي عليه احملققون منهم وهو قول الفقهاء اإلرهاب به أكثر مما أنه ال حيكم عليه باحلساب الذي مل يعترف بصحته ما فيه، ولكن يقتضي من فضل

اقتضاه اخلط املرسل ملا تقدم ذكره من الفرق بينهما يف العرف، مث يردان بعده إىل الوساطة، مث إىل بت القضاة، وإن كان اخلط منسوباً إىل كاتبه سئل عنه املدعى عليه قبل سؤال كاتبه، فإن اعترف مبا فيه أخذ

عفت الشبهة بإنكاره وأرهب إن كان متهماً ومل يرهب به وإن مل يعترف يسأل عنه كاتبه، فإن أنكره ضإن كان مأموناً، فإن اعترف به وبصحته صار شاهداً به على املدعي عليه فيحكم عليه بشهادته إن كان

عدالً، ويقضي بالشاهد واليمني إما مذهباً وإما سياسة تقتضيها شواهد احلال، فإن لشواهد احلال يف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 70

ف األحكام، ولكل حال منها يف اإلرهاب حد ال يتجاوزه متييزاً بني األحوال املظامل تأثرياً يف اختال .مبقتضى شواهدها

وأما إن اقترن بالدعوى ما يضعفها، فلما اقترن ا من الضعف ستة أحوال تنايف أحوال القوة، فينتقل .اإلرهاب ا من جنبة املدعى عليه إىل جنبة املدعي

بكتاب شهوده حضور معدلون يشهدون مبا يوجب بطالن الدعوى وذلك من أن يقابل : فاحلالة األوىلوالثاين أن يشهدوا على إقراره بأن ال حق له فيما . أحدها أن يشهدوا عليه ببيع ما ادعاه: أربعة أوجه

والرابع . ادعاه، والثالث أن يشهدوا على إقرار أبيه الذي ذكر انتقال امللك عنه أنه ال حق له فيما ادعاهن يشهدوا للمدعى عليه بأنه مالك ملا ادعاه عليه فبطل دعواه ذه الشهادة ويقتضي نظر تأديبه حبسب أ

حاله، فإن ذكر أن الشهادة باالبتياع كانت على سبيل رهب وإجلاء، وهذا قد يفعله الناس أحياناً فينظر الدعوى، وإن مل يذكر يف كتاب االبتياع، فإن ذكر فيه أنه من غري رهب وال إجلاء ضعفت شبهة هذه

ذلك فيه قويت شبهة الدعوى وكان اإلرهاب يف اجلهتني مبقتضى شواهد احلالني ورجع إىل الكشف بااورين واخللطاء، فإن بان ما يوجب العدول عن ظاهر الكتاب عمل عليه، وإن مل ينب كان إمضاء

بأن ابتياعه كان حقاً ومل يكن على احلكم مبا شهد به شهود االبتياع أحق فإن سأل إحالف املدعى عليهسبيل الرهب واإلجلاء، فقد اختلف الفقهاء يف جواز إحالفه الختالف ما ادعاه فذهب أبو حنيفة رضي

ولوايل املظامل . اهللا عنه وطائفة من أصحاب الشافعي من إحالفه، ألن متقدم إقراره مكذب ملتأخر دعواهاحلالني وهكذا لو كانت الدعوى ديناً يف الذمة فأظهر املدعى أن يعمل من القوانني مبا تقتضيه شواهد

عليه كتاب براءة منه فذكر املدعي أنه أشهد على نفسه قبل أن يقبض ومل يقبض كان إحالف املدعى .عليه على ما تقدم ذكره

ا أن أحدمه: أن يكون شهود الكتاب املقابل للدعوى عدوالً غائبني، فهذا على ضربني: واحلالة الثانيةيتضمن إنكاره اعترافاً بالسبب كقوله ال حق له يف هذه الضيعة ألنين ابتعتها منه ودفعت مثنها إليه وهذا

كتاب عهدي باإلشهاد عليه فيصري املدعى عليه مدعياً بكتاب قد غاب شهوده فيكون على ما مضى وله ا امللك فريهبهما حبسب ما زيادة يد وتصرف فتكون األمارة أقوى وشاهد احلال أظهر، فإن مل يثبت

تقتضيه شواهد أحواهلما ويأمر بإحضار الشهود إن أمكن ويضر ب حلضورهم أجالً يردمها فيه إىل الوساطة، فإن أفضت إىل صلح عن تراض استقر به احلكم وعدل عن استماع الشهادة إذا حضرت وإن

امللك وكان لوايل املظامل رأيه يف زمان مل ينربم ما بينهما صلحاً أمعن يف الكشف عن جرياما وجريان إما أن يرى . منها ما يؤديه اجتهاده إليه حبسب األمارات وشواهد األحوال: الكشف يف خصلة من ثالثة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 71

انتزاع الضيعة من يد املدعى عليه وتسليمها إىل املدعي إىل أن تقوم عليه بينة بالبيع، وإما أن يسلمها إىل تغالهلا على مستحقه، وإما أن يقرها يف يد املدعى عليه وحيجر عليه فيها أمني تكون يف يده وحيفظ اس

ينصب أميناً حيفظ استغالهلا ويكون هلا حاهلما على ما يراه وايل املظامل يف خصلة من هذه الثالث ما كان من ظهور احلق بالكشف، أو حضور الشهود لألداء، فإن وقع اإلياس منهم بت احلكم: راجياً أحد أمرين

والضرب الثاين أن . بينهما، فلو سأل املدعى عليه احالف املدعي أحلفه له وكان ذلك بتاً للحكم بينهماال يتضمن انكاره اعترافاً بالسبب ويقول هذه الضيعة يل ال حق هلذا املدعي فيها وتكون شهادة الكتاب

ى إقراره بأا ملك املدعى عليه إما عل إقراره بأن ال حق له فيها، وإما عل: على املدعي على أحد وجهنيفالضيعة مقرة يف يد املدعى عليه وال جيوز انتزاعها منه، فأما احلجر عليه فيها وحفظ استغالهلا مدة

الكشف والوساطة فمعترب بشواهد أحواهلما واجتهاد وايل املظامل فيما يراه بينهما إىل أن يثبت احلكم .بينهما

الكتاب املقابل هلذه الدعوى حضور غري معدلني فرياعي وايل املظامل فيهم ما أن شهود : وأما احلالة الثالثةقدمنا يف جنبة املدعي من أحواهلم الثالث، ويراعى حال إنكاره هل يتضمن اعترافاً بالسبب أم ال، فيعمل

.وايل املظامل يف ذلك مبا قدمناه تعويالً على اجتهاده برأيه يف شواهد األحوال

أن يكون شهود الكتاب موتى معدلني فليس يتعلق به حكم إال يف اإلرهاب ارد الذي : ةواحلالة الرابع .يقتضي فضل الكشف مث يف بت احلكم على ما تضمنه اإلنكار من االعتراف بالسبب أم ال

أن يقابل املدعى عليه خبط املدعي مبا يوجب إكذابه يف الدعوى فيعمل مبا قدمناه يف : واحلالة اخلامسة .ط ويكون اإلرهاب معترباً بشاهد احلالاخل

أن يظهر يف الدعوى حساب يقتضي بطالن الدعوى فيعمل فيه مبا قدمناه يف احلساب : واحلالة السادسة .ويكون الكشف واإلرهاب واملطاولة معترباً بشواهد األحوال مث يبت احلكم بعد اإلياس قطعاً للرتاع

ة والضعف فلم يقترن ا ما يقويها وال ما يضعفها فنظر املظامل فأما إن جتردت الدعوى عن أسباب القوأحدها أن تكون غلبة : يقتضي مراعاة حال املتنازعني يف غلبة الظن، وال خيلو حاهلما فيه من ثالثة أحوال

والثالث أن يتعدال فيه والذي يؤثره غلبة . والثاين أن تكون يف جنبة املدعي عليه. الظن يف جنبة املدعيظن يف إحدى اجلهتني هو إرهاما وتغليب الكشف من جهتهما، وليس لفصل احلكم بينهما تأثري يعترب ال

فيه الظنون الغالبة، فإن كانت غلبة الظن يف جنبة املدعي وكانت الريبة متوجهة إىل املدعى عليه، فقد اليد مستالن اجلنبة أحدها أن يكون املدعي مع خلوه من حجة يظهر ا مضعوف : يكون من ثالثة أوجه

واملدعى عليه ذا بأس وقدرة، فإذا ادعى عليه غصب دار أو ضيعة غلب يف الظن أن مثله مع لينه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 72

والثاين أن يكون املدعي مشهوراً . واستضعافه ال يتجوز يف دعواه على من كان ذا بأس وذا سطوةوالثالث . صدق املدعي يف دعواهبالصدق واألمانة واملدعى عليه مشهور بالكذب واخليانة فيغلب يف الظن

أن تتساوى أحواهلما غري أنه قد عرف للمدعي يد متقدمة وليس بعرف لدخول يد للمدعى عليه سبب أحدمها إرهاب املدعى عليه لتوجيه : شيئان: حادث فالذي يقتضيه نظر املظامل يف هذه األحوال الثالثة

ه فإن مالك ابن أنس رضي اهللا عنه يرى ذلك والثاين سؤاله عن سبب دخول يده وحدوث ملك: الريبةمذهباً يف القضاء مع االرتياب فكان نظر املظامل بذلك أوىل ورمبا ألف املدعى عليه مع علو مرتلته عن

مساواة خصمه يف احملاكمة فيرتل عما يف يده خلصمه عفواً، كالذي حكى عن موسى اهلادي، جلس يوماً رأسه وله مرتل فحضر رجل يف مجلة املتظلمني يدعي أن عمار غصب للمظامل وعمارة بن محزة قائم على

ضيعة له فأمره اهلادي باجللوس معه للمحاكمة فقال يا أمري املؤمنني إن كانت الضيعة له فما أعارضه فيها، ورمبا تلطف وايل املظامل يف إيصال . وإن كانت يل فقد وهبتها له وما أبيع موضعي من جملس أمري املؤمنني

ملتظلم إىل حقه مبا حيفظ معه حشمه املطلوب أو مواضعه املطلوب على ما حيفظ به حشمة نفسه أن ايكون منسوباً إىل ختيف ومنع من حق كالذي حكاه عون بن حممد أن أهل ر املرغاب بالبصرة خاصموا

قام الرشيد فتظلموا فيه املهدي قاضيه عبدي اهللا بن احلسن العنربي فلم يسلمه إليهم وال اهلادي بعده مث إليه وجعفر بن حيىي ناظر يف املظامل فلم يرده إليهم فاشتراه جعفر بن حيىي من الرشيد بعشرين ألف درهم ووهبه هلم وقال إمنا فعلت هذا لتعلموا أن أمري املؤمنني حلق جلاج فيه وأن عبده اشتراه فوهبه لكم فقال

: فيه أشجع السلمي من الكامل

فيها بمنزلة السماك األعزل ذي يديه وأهلهاالسباح ب رد

يرعاها يوم أعضل والدهر مأيقنوا بذهابها وهالكه قد

بين الجران وبين حد الكلكل لهم وهم من دهرهم فافتكها

الكريم لكل أمر معضل إن كان يرجى غيره لفكاكها ما

فاحتمل ما فعله جعفر بن حيىي من أن يكون قد ابتداه من نفسه ترتيهاً للرشيد عن التظلم فيه واحتمل أن يكون الرشيد واضعه على هذا لئال ينسب أبوه وأخوه إىل جور يف حق وهو األشبه وأليهما كان فقد عاد

نبة املدعى عليه، فقد يكون به احلق إىل أهله مع حفظ احلشمة وحسم البذلة أما إن كان غلبة الظن يف جأحدها أن يكون املدعي مشهوراً بالظلم واخليانة، واملدعى عليه مشهوراً بالنصفة . ذلك من ثالثة أوجه

. واألمانة، والثاين أن يكون املدعي دنيئاً مبتذالً واملدعى عليه نزهاً منصوباً فيطلب إحالفه قصداً لبذلته

ه سبب معروف وليس يعرف لدعوى املدعي سبب فيكون غلبة والثالث أن يكو لدخول يد املدعى علي

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 73

الظن يف هذه األحوال الثالثة يف جنبة املدعى عليه والريبة متوجهة إىل املدعي، فمذهب مالك رمحه اهللا إن كانت دعواه يف مثل هذه احلالة بعني قائمة مل يسمعها إال بعد ذكر السبب الواجب هلا وإن كانت يف

عها إال بعد أن يقيم املدعي بينة أنه كان بينه وبني املدعى عليه معاملة، والشافعي وأبو مال الذمة مل يسم .حنيفة رضي اهللا عنهما ال يريان ذلك يف حكم القضاء

فأما نظر املظامل املوضوع على األصلح فعلى اجلائز دون الواجب، فيسوغ فيه مثل هذا عند ظهور الريبة شف باألسباب املؤدبة إىل ظهور احلق ويصون املدعى عليه مبا اتسع يف وقصد العناد، ويبالغ يف الك

احلكم، فإن وقع األمر على التحالف وهو غاية احلكم البات الذي ال جيوز دفع طالب عنه يف نظر القضاء وال يف نظر املظامل إذا مل يكفه عنه اإلرهاب وال الوعظ، فإن فرق دعاويه وأراد أن حيلف يف كل جملس

على بعضها قصداً إلعانته وبذلته فالذي يوجبه حكم القضاء أن ال ميتنع من تبعيض الدعاوى وتفريق منهااألميان، والذي يتجه نظر املظامل أن يؤمر املدعي جبمع دعاويه عنه ظهور اإلعنات منه وإخالف اخلصم

شاجرين ومل يترجع حجة على مجيعها مييناً واحدة، فأما إن اعتدلت حال املتنازعني وتقابلت بينة املتأحدمها بأمارة أو ظنة فينبغي أن يساوي بينها يف العظة وهذا مما يتفق عليه القضاة ووالة املظامل مث خيتص والة املظامل بعد العظة باإلرهاب هلما معاً لتساويهما، مث بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال امللك، فإن

عليه وإن مل يظهر بالكشف ما ينفصل به تنازعهما ردمها ظهر بالكشف ما يعرف به احملقق منهما عمل إىل وساطة وجوه اجلريان وأكابر العشائر، فإن جنز ا ما بينهما وإال كان فصل القضاء بينهما وهو خامتة

ورمبا ترفع إىل والة املظامل يف غوامض . أمرمها حبسب ما يراه من املباشرة لبت احلكم واالستنابة فيهالت اخلصام ما يرشده إىل اجللساء ويفتحه عليه العلماء فال ينكر منهم االبتداء وال األحكام ومشك

يستكثر أن يعمل به يف االنتهاء، كالذي رواه الزبري عن بكار عن إبراهيم احلرمي بن حممد بن معن هار الغفاري أن امرأة أتت عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه فقالت يا أمري املؤمنني إن زوجي يصوم الن

ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل لطاعة اهللا، فقال هلا الزوج نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها اجلواب، فقال له كعب بن سور األسدي يا أمري املؤمنني هذه امرأة تشكو

كالمها فاقض بينهما، فقال زوجها يف مباعدته إياها عن فراشه، فقال له عمر رضي اهللا عنه كما فهمت كعب علي بزوجها فأيت به، فقال إن امرأتك تشكوك فقال أيف طعام أو شراب؟ قال ال يف واحد منهما،

: فقالت املرأة من الرجز

ألهى خليلي عن فراشي مسجده دهيم رشأيها القاضي الحك يا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 74

دها يرقه ميلول ارهنه دهبعفي مضجعي ت زهده

القضا يا كعب ال تردده فاقض دهمفي أمر النساء أح فلست

: فقال الزوج من الرجز

زلد نا قأني امرو أذهلني م لجزهدني في فرشها وفي الح

للوف جكتاب اهللا تخ وفي في سورة النحل وفي السبع الطول

: فقال كعب من الرجز

لفي أربع لمن عق نصيبها ليك يا رجلها حقاً عل إن

فأعطها ذاك ودع عنك العلل

مث قال له قد أحل لك من النساء مثىن وثالث ورباع، فلك ثالثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك وهلا يوم وليلة، فقال عمر لكعب رضي اهللا عنه، واهللا ما أدري من أي أمريك أعجب أمن فهمك أمرمها؟ أم من

من عمر رضي اهللا حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك القضاء بالبصرة، وهذا القضاء من كعب واإلمضاء عنه كان حكماً باجلائز دون الواجب، ألن الزوج ال يلزمه أن يقسم للزوجة الواحدة و ال جييبها إىل

.الفراش إذا أصاا دفعة واحدة، فدل هذا على أن لوايل املظامل أن حيكم باجلائز دون الواجب

فصل في توقيعات الناظر في المظالم

مل يف قصص املتظاملني إليه بالنظر بينهم مل خيل حال املوقع إليه من أحد أمرين إما وإذا وقع الناظر يف املظاأن يكون والياً على ما وقع به إليه أو غري وال عليه، فإن كان والياً عليه كتوقيعه إىل القاضي بالنظر

ذناً بالكشف بينهما، فال خيلو حال ما تضمنه التوقيع من أحد أمرين إما أن يكون إذناً باحلكم أو إوالوساطة فإن كان إذناً باحلكم جاز له احلكم بينهما بأصل الوالية ويكون التوقيع تأكيداً ال يؤثر فيه

قصور معانيه وإن كان إذناً بالكشف للصورة أو التوسط بني اخلصمني، فإن كان يف التوقيع بذلك يه الً له عن احلكم بينهما وهو على عموم عن احلكم فيه مل يكن له أن حيكم بينهما وكان هذا النهي عز

واليته فيما عداها ألنه ملا جاز أن يتكون الوالية نوعني عامة وخاصة جاز أن يكون العزل نوعني عاماً وخاصاً، وإن مل ينهه يف الترقيع عن احلكم بينهما حني أمره بالكشف، فقد قيل يكون نذر على عمومه يف

ما إليه ال يكون منعاً من خريه، وقيل بل يكون منعاً من غريه وقيل جواز حكمه بينهما ألن أمره ببعض بل يكون ممنوعاً من احلكم بينهما مقصوراً على ما تضمنه التوقيع من الكشف والوساطة، ألن فحوى

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 75

التوقيع دل عليه مث ينظر، فإن كان التوقيع بالوساطة مل يلزمه إاء احلال إليه بعد الوساطة، وإن كان صورة لزمه إاء حاهلما إليه ألنه استخبار منه فلزمه إجابته عنه فهذا حكم توقيعه إىل من له يكشف ال

.الوالية

وهو أن يوقع إىل من ال والية له كتوقيعه إىل فقيه أو شاهد فال خيلو حال توقيعه من : وأما احلالة الثانيةالثالث أن يكون باحلكم، . وساطةأحدها أن يكون بكشف الصورة، والثاين أن يكون بال: ثالثة أحوال

فإن كان التوقيع بكشف الصورة فعليه أن يكشفها وينهي منها ما يصح أن يشهد به ليجوز للموقع أن حيكم به، فإن أى ما ال جيوز أن يشهد به كان خرباً ال جيوز أن حيكم به املوقع ولكن جيعله يف نظر

صمني يف اإلرهاب وفضل الكشف، فإن كان التوقيع املظامل من األمارات إيل يغلب ا حال أحد اخلبالوساطة توسط بينهما ومل يقف على ما تضمنه التوقيع من ختصيص الوساطة، ألن الوساطة ال تفتقر إىل تقليد وال والية وإمنا يفيد التوقيع بالوساطة تعيني الوسيط باختيار املوقع وقود اخلصمني إليه اختياراً، فإن

ىل صلح اخلصمني مل يلزمه إاؤها وكان شاهداً فيها مىت استدعي للشهادة أداها، وإن أفضت الوساطة إمل تقض الوساطة إىل صلحهما كان شاهداً عليهما فبما اعترفا به عنده يؤديه إىل الناظر يف املظامل إن عاد

فهذه والية يراعى فيها اخلصمان إىل التظلم، وال يلزمه أداؤه إن مل يعودا وإن كان التوقيع باحلكم بينهما، .معاين التوقيع ليكون نظره حمموالً على موجبه

أحدمها أن حيال به على إجابة اخلصم إىل ملتمسه فيعترب فيه حينئذ ما : وإذا كان كذلك فللتوقيع حاالنسأل اخلصم يف ظالمته ويصري النظر مقصوراً عليه، وسواء خرج التوقيع خمرج األمر كقوله أجبه إىل

لتمسه، أو خرج خمرج احلكاية كقوله رأيك يف إجابته إىل ملتمسه كان موقعاً ألنه ال يقتضي والية ميلزمها حكمها فكان أمرها أخف فإن سأل املتظلم يف قصته احلكم بينهما فال بد أن يكو اخلصم مسمى

الوالية ألا واخلصومة مذكورة لتصح الوالية عليها، فإن مل يسم اخلصم ومل تذكر اخلصومة مل تصحليست والية عامة فيحمل على عمومها وال خاصة للجهل ا وإن مسي رافع القصة خصمه وذكر

خصومته نظر يف التوقيع بإجابته إىل ملتمسه، فإن خرج خمرج األمر فوقع وأجاب إىل ملتمسه وعمل مما للحال فوقع رأيك يف التمسه صحت واليته يف احلكم بينهما فهذا التوقيع، وإن خرج خمرج احلكاية

إجابته إىل ملتمسه فهذا التوقيع خارج يف األعمال السلطانية خمرج األمر، والعرف باستعماله فيها معتاد فأما يف األحكام الدينية فقد جوزته طائفة من الفقهاء اعتباراً يف العرف فه وصحت به الوالية، ومنعت

قترن به أمر تنعقد واليته به اعتباراً مبعاين األلفاظ، فلو طائفة أخرى من جوازه وانعقاد الوالية به حىت يكان رافع القصة سأل التوقيع باحلكم بينهما فوقع بإجابته إىل ملتمسه من يعترب العرف املعتاد صحت

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 76

للوالية ذا التوقيع وإن وقع من يعترب معاين األلفاظ مل تصح به الوالية ألنه سأل التوقيع باحلكم ومل يسأل واحلالة الثانية يف التوقيعات أن حيال فيه على إجابة اخلصم إىل ما سأل ويستأنف فيه األمر مبا . ماحلك

. حال كمال: تضمنه فيصري ما تضمنه التوقيع هو املعترب يف الوالية، فإن كان كذلك فله ثالثة أحوال

يف صحة الوالية فهو أن وحل خيلو عن األمرين فأما احلالة اليت يكون التوقعي فيها كماالً. وحال جوازانظر بني رافع هذه القصة وبني : والثاين األمر باحلكم فيذك فيه. أحدمها األمر بالنظر: يتضمن شيئني

خصمه واحكم بينهما باحلق وموجب الشرع؟ فإذا كان كذلك جاز ألن احلكم ال يكون إال باحلق الذي ال شرطاً، فإن كان هذا التوقيع جامعاً هلذين يوجبه حكم الشعر، وإمنا يذكر ذلك يف التوقيعات وصفاً

األمرين من النظر واحلكم فهو التوقيع الكامل ويصح به التقليد والوالية، وأما احلالة اليت يكون فيها : التوقيع جائزاً مع قصوره عن حال الكمال فهو أن يتضمن األمر باحلكم دون النظر فيذكر يف توقيعه

اقض بينهما فتصح الوالية بذلك ألن احلكم والقضاء : بني خصمه، أو يقولأحكم بني رافع هذه القصة و .بينهما ال يكون إال بعد تقدم النظر فصار األمر به متضمناً للنظر ألنه ال خيلو منه

انظر بينهما، فال : وأما احلالة اليت يكون التوقيع فيها خالياً من كمال وجواز فهو أن يذكر يف التوقيعتوقيع والية ألن النظر بينهما قد حيتمل الوساطة اجلائزة وحيتمل احلكم الالزم ومها يف تنعقد ذا ال

االحتمال سواء، فلم تنعقد به مع االحتمال يف الوالية، وإن ذكر فيه انظر بينما باحلق، فقد قيل أن الوالية . يلزمه، واهللا أعلمبه منعقدة، ألن احلق ما لزم، وقيل ال تنعقد به، ألن الصلح والوساطة حق وإن مل

الباب الثامن

في والية النقابة على ذوي النسب

وهذه النقابة موضوعة على صيانة ذوي األنساب الشريفة عن والية من ال يكافئهم يف النسب وال : روي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال: يساويهم يف الشرف ليكون عليهم أحىب وأمره فيهم أمضى

سابكم تصلوا أرحامكم فإنه ال قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة وال بعد ا إذا اعرفوا أن" ".وصلت وإن كانت بعيدة

إما ملن جهة اخلليفة املستويل على كل األمور، وإما : ووالية هذه النقابة تصح من إحدى ثالث جهاتوإما من نقيب عام الوالية استخلف نقيباً ممن فوض اخلليفة إليه تدبري األمري كوزير التفويض وأمري اإلقليم،

خاص الوالية، فإذا أراد املويل أن يويل على الطالبني نقيباً أو على العباسيني نقيباً خيري منهم أجلهم بيتاً وأكثرهم فضالً وأجزهلم رأياً فيويل عليهم لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا إىل طاعته

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 77

.بسياستهبرياسته وتقسيم أمورهم

فأما اخلاصة فهو أن يقتصر بنظره على جمرد النقابة من غري جتاوز هلا : خاصة وعامة: والنقابة على ضربني .إىل حكم وإقامة حد، فال يكون العلم معترباً يف شرطها

أحدها حفظ أنسام من داخل فيها وليس : ويلزمه يف النقابة على أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقاًا أو خارج عنها وهو منها، فيلزمه حفظ اخلارج منها كما يلزمه حفظ الداخل فيها ليكون النسب منه

والثاين متييز بطوم ومعرفة أنسام حىت ال خيفى عليه منهم بسنوات . حمفوظاً على صحته معزواً إىل جهتهة من ولد منهم من ذكر أو والثالث معرف. وال يتداخل نسب يف نسب ويثبتهم يف ديوانه على متييز أنسام

أنثى فيثبت ومعرفة من مات منهم فيذكره حىت ال يضيع نسب املولود إن مل يثبته وال يدعي نسب امليت والرابع أن يأخذه م من اآلداب مبا يضاهي شرب أنسام وكرم حمتدهم لتكون . غريه إن مل يذكره

واخلامس أن يرتههم . وسلم فيهم حمفوظةحشمتهم يف النفوس موفورة وحرمة رسول اهللا صلى اهللا عليه. عن املكاسب الدنيئة ومينعهم من املطالب اخلبيثة حىت ال يستقل منهم مبتذل وال يستضام منهم متذلل

والسادس أن يكفهم عن ارتكاب املآمث ومينعهم من انتهاك احملارم ليكونوا على الدين الذي نصروه أغري، ينطلق بدمهم لسان وال بشأم إنسان، والسابع أن مينعهم من التسلط وللمنكر الذي أزالوه أنكر، حىت ال

على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم، فيدعوهم ذلك إىل املقت والبغض، ويبعثهم على املناكرة والبعد، ويندم إىل استعطاف القلوب وتأليف النفوس ليكون امليل إليهم أوىف والقلوب هلم أصفى والثامن

يكون عوناً هلم يف استيفاء احلقوق حىت ال يضعفوا عنها وعوناً عليهم يف أخذ احلقوق منهم حىت ال أن مينعوا منها ليصريوا باملعونة هلم منتصفني وباملعونة عليهم منصفني، فإن عدل السرية فيهم إنصافهم

قرىب يف الفيء والغنيمة والتاسع أن ينوب عنهم يف املطالبة حبقوقهم العامة يف سهم ذوي ال. وانتصافهموالعاشر أن مينع أيامهم أن . الذي ال خيتص به أحدهم حىت يقسم بينهم حبسب ما أوجبه اهللا تعاىل هلم

يتزوجن إال من األكفاء لشرفهن على سائر النساء صيانة ألنسان وتعظيماً حلرمتهن أن يتزوجن غري ذوي اهلفوات منهم فيما سوى احلدود مبا ال يبلغ واحلادي عشر أن يقوم . الوالة أو ينكحهن غري الكفاة

والثاين عشر مراعاة وقوفهم . به حداً وال ينهر به دماً، ويقبل ذا اهليئة منهم عثرته، ويغفر بعد الوعظ زلتهحبفظ أصوهلم وتنمية فروعها، وإذا مل يرد إليه جبايتها راعي اجلباة هلا فيما أخذوه وراعى قسمتها إذا

ستحقني هلا إذا خصت وراعى أوصافهم فيها إذا شرطت حىت ال خيرج منهم مستحق وال قسموه وميز امل .يدخل فيها غري حمق

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 78

أحدها : وأما النقابة العامة فعمومها أن يرد إليه يف النقابة عليهم مع ما قدمنا من حقوق النظر مخسة أشياءوالثالث إقامة احلدود عليهم فيما . فيما ملكوهوالثاين الوالية على أيتامهم . احلكم بينهم فيما تنازعوا فيه

واخلامس إيقاع احلجر . ارتكبوه، والرابع تزويج األيامى الاليت ال يتعني أولياؤهن أو قد تعينوا فعضلوهنعلى من عته منهم أو سفه، وفكه إذا أفاق ورشد، فيصري ذه اخلمسة عامة النقابة، فيعترب حينئذ يف صحة

أن يكون عاملاً من أهل االجتهاد ليصح حكمه وينفذ قضاؤه فإذا انعقدت واليته مل نقابته وعقد واليتهإما أن يتضمن صرف القاضي عن النظر يف أحكامه أو ال يتضمن فإن كانت : خيل حاهلا من أحد أمرين

واليته مطلقة العموم ال تتضمن صرف القاضي عن النظر يف أحكامهم مل يكن تقليد النقيب للنظر يف امهم موجباً لصرف القاضي عن النظر يف أحكامهم ومل يكن تقليد النقيب للنظر يف أحكامهم موجباً أحك

لصرف القاضي عنها جاز لك واحد من النقيب والقاضي النظر يف أحكامهم، أما النقيب فخصوص حكم يف واليته اليت أوجب دخوهلم فيها، وأما القاضي فعموم واليته اليت أوجب دخوهلم فيها، فأيهما

تنازعهم وتشاجرهم ويف تزويج أيامهم نفذ حكمه وجرى أمرمها يف احلكم على أهل هذا النسب جمرى قاضيني يف بلد فأيهما حكم نفذ حكمه بني متنازعني ومل يكن لآلخر إذا كان حبكمه يف االجتهاد مساغ

ر إىل حكم القاضي، فقد أن ينقضه، وإن اختلف متنازعان منهم فدعا أحدمها إىل حكم النقيب ودعا اآلخقيل إن الداعي إىل نظر النقيب أوىل خلصوص واليته، وقيل بل مها سواء فيكونان كاملتنازعني يف التحاكم

: إىل قاضيني يف بلد فيغلب قول الطالب على املطلوب، فإن تساويا كان على ما قدمناه من الوجهني

لثاين يقطع التنازع بينهما حىت يتفقا على وا. أحدمها يقرع بينهما ويعمل على قول من قرع منهماأحدمها، وإن كان يف والية النقيب صرف القاضي عن النظر بني أهل هذا النسب مل جيز للقاضي أن

يتعرض للنظر يف أحكامهم سواء استعدى إليه منهم مستعد أو مل يستعد، وخالف ذلك حال القاضيني يف خر مستعد يلزمه أن يعديه على خصمه للفرق بينهما وذل أن جانيب بلد إذا استعدى إليه من اجلانب اآل

والية كل واحد من القاضيني حمصورة مبكانه فاستوى حكم الطارئ إليه والقاطن فيه ألما يصريان من أهله، ووالية النقابة حمصورة بالنسب الذي ال خيتلف حاله باختالف األماكن؛ فلو تراضى املتنازعان من

كم القاضي مل يكن له النظر بينهما وال أن حيكم هلا أو عليهما ألنه بالصرف منهي عنه أهل هذا النسب حبوكان النقيب أحق بالنظر بينهما إذا كان التنازع بينهم ال يتعداهم إىل غريهم، فإن تعداهم فتنازع طاليب

من اإلجابة إىل نقيب وعباسي فدعا الطاليب إىل حكم غري نقيبه خلروجه عن واليته فإذا أقام على متانعهما أحدمها يرجعان إىل حكم السلطان الذي هو عام الوالية عليهما إذا كان القاضي : أحدمها ففيه وجهان

. مصروفاً عن النظر بينهما ليكون السلطان هو احلاكم بينهما إما بنفسه أو مبن يستنيبه على احلكم بينهما

كل واحد منهما صاحبه ويشتركان يف مساع الدعوى والوجه الثاين وهو أشبه أن جيتمع النقيبان وحيضر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 79

وينفرد باحلكم بينهما نقيب املطلوب دون الطالب ألنه مندوب إىل أن يستويف من أهله حقوق مستحقيها، فإن تعلق ثبوت احلق ببيته تسمع على أحدمها أو ميني حيلف ا أحدمها مسع البينة نقيب

نقيب احلالف دون نقيب املستحلف ليصري احلاكم بينهما هو املشهود عليه دون نقيب املشهود له وأحلفنقيب املطلوب دون الطالب، وإن متانع النقيبان أن جيتمعا مل يتوجه عليهما يف الوجه األول مأمث وجته فلو . عليهما املأمث يف الوجه الثاين وكان أغلظ النقيبني مأمثاً نقيب املطلوب منهما الختصاصه بتنفيذ احلكم

الطاليب والعباسي باحلاكم إىل أحد النقيبني فحكم بينهما نقيب أحدمها نظر، فإن كان احلاكم تراضىوإن حكم بينهما نقيب الطالب ففي نفوذ حكمه . بينهما نقيب املطلوب صح حكمه وأخذ به خصمه

على ينفذ حكمه يف أحدمها ويرد يف اآلخر، ولو أضر أحدمها بينة عند القاضي ليسمعها : عليه وجهانخصمه ويكتب ا إىل نقيبه وهو منصرف عن النظر بينهما مل جيز أن يسمع بينه وإن كان يرى القضاء

على الغائب، ألن حكمه ال ينفذ على من تقوم عليه البينة لو حضر فأوىل أن ال ينفذ حكمه عليه مع غري عمله الغيبة، ولو أراد القاضي الذي يرى القضاء على الغائب مساع بينة على رجل من

ليكتب مبا ثبت عنده منها إىل قاضي بلده جاز مساع البينة عليه وأهل هذين النسبني إن حضر أحدمها عنده مل ينفذ حكمه عليه، فكذلك مل جيز أن يسمع البينة عليه، ولو كان أحد هذين أقر عند القاضي

أن جيرب به حكماً ألن حكمه ال ينفذ لصاحبه حبق جاز أن يكون القاضي شاهداً به عليه عند نقيبه ومل جيز عليه، وهكذا لو أقر به عند غري النقيبني كان شاهداً فيه عند نقيبه، ولو أقر به عند نقيبه جاز وكان

حاكماً عليه بإقراره، ولو أقر به عند نقيب خصصه ففيه ما قدمناه من الوجهني يكون يف أحدمها شاهداً ا بيناه من الفرق بني نقيب الطالب واملطلوب وهكذا القول يف يكون يف الوجه اآلخر حاكماً فيها مل

.واليات زعماء العشائر ووالة القبائل املنفردين بالواليات على عشائرهم وقبائلهم

الباب التاسع

في الواليات على إمامة الصلوات

والثاين اإلمامة يف صالة . أحدها اإلمامة يف الصلوات اخلمس: واإلمامة على الصلوات تنقسم ثالثة أقاسموالثالث اإلمامة يف صلوات الندب، فأما اإلمامة يف الصلوات اخلمس فنصب اإلمام فيها معترب . اجلمعة

فأما املساجد . د عاميةمساجد سلطانية ومساج: حبال املساجد اليت تقام فيها الصلوات، وهي ضربانالسلطانية ففي املساجد واجلوامع واملشاهد، وما عظم وكثر أهله من املساجد اليت يقوم السلطان مبراعاا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 80

فال جيوز أن ينتدب لإلمامة فيها إال من ندبه السلطان هلا وقلده اإلمامة فيها لئال يفتات الرعية عليه فيما ها إماماً كان أحق باإلمامة فيها من غريه، وإن كان أفضل منه هو موكول إليه، فإذا قلد السلطان في

وهذه الوالية طريقها طريق األوىل ال طريق اللزوم والوجوب، خبالف والية القضاء والنقابة . وأعلموالثاين أن اجلماعة يف . أحدمها أنه لو تراضى الناس بإمام وصلى م أجزأهم وصحت مجاعتهم: ألمرين

ن السنن املختارة والفضائل املستحسنة وليست من الفروض الواجبة يف قول مجيع الصلوات اخلمس مالفقهاء إال داود فإنه تفرد بإجياا إال من عذر وإذا كانت من الندب املؤكد وندب السلطان هلذه املساجد

. اإلمامةإماماً مل يكن لغريه أن يتقدم فيها مع حضوره، فإن غاب واستناب كان من استنابه فيها أحق ب

وإن مل يستنب يف غيبته استأذن اإلمام فيمن تقدم فيها إن أمكن وإن تعذر استئذانه تراضى أهل البلد فيمن يؤمهم لئال تتعطل مجاعتهم، فإذا حضرت صالة أخرى واإلمام على غيبته فقد قيل إن املرتضى للصالة

، وقيل بل خيتار للصالة الثانية ثان يرتضى هلا األوىل يتقدم يف الثانية وما بعدها إىل أن حيضر اإلمام املوىلغري األول لئال يصري هذا االختيار تقلداً سلطانياً، والذي أراه أوىل من إطالق هذين الوجهني أن يراعى

فإن حضر هلا من حضر يف األوىل كان املرتضى يف اجلماعة األوىل أحق . حال اجلماعة يف الصالة الثانيةلثانية، وإن حضرها غريهم كان األول كأحدهم واستأنفوا اختيار إمام يتقدمهم فإذا باإلمامة يف الصالة ا

صلى إمام هذا املسجد جبماعة وحضر من مل يدرك تلك اجلماعة مل يكن هلم أن يصلوا فيه مجاعة وصلوا سجد إمامني فإن فيه فرادى ملا فيه من إظهار املباينة والتهمة باملشاقة واملخالفة، وإذا قلد السلطان هلذا امل

خص كل واحد منهما ببعض الصلوات اخلمس جاز وكان كل واحد مقصوراً على ما خص به كتقليد أحدمها صالة النهار وتقليد اآلخر صالة الليل فال يتجاوز كل واحد منهما ما رده إليه، وإن قلد اإلمامة

ا يوماً غري يوم صاحبه من غري ختصيص كل واحد منهما ببعض الصلوات لكن رد إىل كل واحد منهمكان كل واحد منهما يف يومه أحق باإلمامة فيه من صاحبه، فإن أطلق تقليدمها من غري ختصيص كانا يف اإلمامة سواء وأيهما سبق إليها كان أحق ا ومل يكن لآلخر أن يؤم يف تلك الصالة بقوم آخرين، ألنه ال

.صالة واحدةجيوز أن يقام يف املساجد السلطانية مجاعتان يف

أحدمها سبقة باحلضور يف املسجد والثاين سبقة : واختلف يف السبق الذي يستحق به التقدم على وجهنيباإلمامة فيه، فإن حضر اإلمامان يف حالة واحدة مل يسبق أحدمها صاحبه، فإن اتفقا على تقدمي أحدمها

نهما ويتقدم من قرع منهما والثاين يردع إىل أحدمها يقرع بي: كان أوىل باإلمامة، وإن تنازعا ففيه وجهانويدخل يف والية هذا اإلمام تقليد املؤذنني ما مل يصرح له بالصرف منه ألن . اختيار أهل املسجد ألحدمها

اآلذان من سنن الصلوات اليت وىل القيام ا فصار داخالً يف الوالية، وله أن يأخذ املؤذنني مبا يؤديه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 81

فإن كان شافعياً يرى تعجيل الصلوات يف أول األوقات وترجيع األذان . ت واألذاناجتهاده إليه يف الوقوإفراد اإلقامة أخذ املؤذنني بذلك، وإن كان رأيهم خبالفه وإن كان حنفياً يرى تأخري الصلوات إىل آخر

مث . خبالفهاألوقات إال املغرب ويرى ترك الترجيع يف األذان وتثنية اإلقامة أخذهم بذلك، وإن كان رأيهميعمل اإلمام على رأيه واجتهاده يف أحكام صالته، فإن كان شافعياً يرى اجلهر ببسم اهللا الرمحن الرحيم

والقنوت يف الصبح مل يكن للسلطان أن ينهاه عن ذلك وال للمأمومني أن ينكروه عليه، وكذلك إن كان ى رأيه ومل يعارض فيه، والفرق بني حنفياً يرى ترك القنوت يف الصبح وترك اجلهر بالبسملة عمل عل

واملؤذن يؤذن يف حق غريه . الصالة واآلذان أنه يؤدي الصالة يف حق نفسه فلم جيز أن يعارض يف اجتهادهفجاز ن يعارض يف اجتهاده فإن أحب املؤذن أنه يؤذن لنفسه على اجتهاده أذن بعد األذان العام أذاناً

.هرخاصاً لنفسه على رأيه يسر به وال جي

والصفات املعتربة يف تقليد هذا اإلمام مخس أن يكون رجالً عادالً قارئاً فقيهاً سليم اللفظ من نقص أو فإن كان صبياً أو عبداً أو فاسقاً صحت إمامته ومل تنعقد واليته، ألن الصغر والرق والفسق مينع من . لثغ

يه وسلم عمرو بن مسلمة أن يصلي بقومه قد أمر رسول اهللا صلى اهللا عل. الوالية وال مينع من اإلمامةصلوا خلف كل : " وكان صغرياً ألنه أقرأهم، وصلى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خلف موىل له وقال

".بار وفاجر

وال جيوز أن يكون هذا اإلمام امرأة وال خنثى وال أخرس وال ألثغ، وإن أمت امرأة أو خنثى فسدت واخلناثى، وإن أم ألثغ أو أخرس يبدل احلروف بأغيارها بطلت صالة من صالة من ائتم ما من الرجال

وأقل ما على هذا اإلمام من القراءة والفقه أن يكون حافظاً . ائتم به إال أن يكون على مثل خرسه أو لثغهميع ألم القرآن عاملاً بأحكام الصالة ألنه القدر املستحق فيها، وإن كان حافظاً جلميع القرآن عاملاً جب

األحكام كان أوىل وإذا اجتمع فقيه ليس بقارئ وقارئ ليس بفقيه فالفقيه أوىل من القارئ إذا كان يفهم الفاحتة، ألن ما يلزم من القرآن حمصور وما ينوبه من احلوادث يف الصالة غري حمصور وجيوز أن يأخذ هذا

املصاحل، ومنع أبو حنيفة ذلك، وأما اإلمام ومأذونه رزقاً على اإلمامة واألذان من بيت املال من سهماملساجد العامة اليت يبنيها أهل الشوارع والقبائل يف شوارعهم وقبائلهم فال اعتراض للسلطان عليهم يف أئمة مساجدهم وتكون اإلمامة فيها ملن اتفقوا على الرضا بإمامته، وليس هلم بعد الرضا به أن يصرفوه

ليس هلم بعد رضاهم به أن يستخلفوا مكانه نائباً عنه ويكون أهل املسجد عن اإلمامة إال أن يتغري حاله، وحق باالختيار، وإذا اختلف أهل املسجد يف اختيار إمام عمل على قول األكثرين فإن تكافأ املختلفون اختار السلطان هلم قطعاً لتشاجرهم من هو أدين وأسن وأقرأ وأفقه وهل يكون اختياره مقصوراً على

ملختلف فيه أو يكون عائماً يف مجيع أهل املسجد؟ على وجهني أحدمها أنه يكون مقصوراً على العدد ا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 82

والثاين أنه . ذلك العدد املختلف يف اختياره أحدهم وال يتعداهم إىل غريهم التفاقهم على ترك من عداهموإذا بىن رجل . ختيارخيتار من مجيع أهل املسجد من يراه إلمامته مستحقاً ألن السلطان ال يضيق عليه اال

وقال أبو حنيفة . مسجداً مل يستحق اإلمامة فيه كان هو وغريه من جريان املساجد سواء يف إمامته وأذانهوإذا حضرت مجاعة مرتل رجل للصالة فيه كان مالك املرتل أحقهم . إنه أحق باإلمامة واألذان فيه

ان كان يف أحد القوانني أحق من املالك لعموم باإلمامة فيه وإن كان دوم يف الفضل، فإن حضره السلط .واليته عليه، واملالك يف القول الثاين أحق الختصاصه بالتصرف يف ملكه

وأما اإلمامة يف صالة اجلمعة فقد اختلف الفقهاء يف وجوب تقليدها، فذهب أبو حنيفة وأهل العراق إىل إال حبضور السلطان أو من يستنيبه فيها وذهب أا من الواليات الواجبات وأن صالة اجلمعة ال تصح

. الشافعي رضي اهللا عنه وفقهاء احلجاز إىل أن التقليد فيها ندب، وأن حضور السلطان ليس بشرط فيها

فإن أقامها املصلون وعلى شرائطها انعقدت وصحت، وال جيوز أ، يكون اإلمام فيها عبداً وإن مل تنعقد وال جيوز إقامتها إال يف وطن جمتمع املنازل يسكنه من تنعقد م : قوالنويف جواز إمامة الصيب . واليته

وقال أبو حنيفة ختتص . اجلمعة ال يظعنون عنه شتاء وال صيفاً إال ظعن حاجة سواء كان مصراً أو قريةذ اجلمعة باألمصار، وال جيوز إقامتها يف القرى واعترب املصر بأن يكون فيه سلطان يقيم احلدود وقاض ينفاألحكام واختلف يف وجوب اجلمعة على من كان خارج املصر، فأسقطها أبو حنيفة عنهم، وأوجبها

.الشافعي عليهم إذا مسعوا نداءها منه

واختلف الفقهاء يف العدد الذي تنعقد به اجلمعة، فذهب الشافعي رضي اهللا عنه إىل أا ال تنعقد إال .رأة وال عبد وال مسافربأربعني رجالً من أهل اجلمعة ليس فيهم ام

واختلف أصحابه يف إمامهم هل يكون زائداً على العدد أو واحد منهم، فذهب بعضهم إىل أا ال تصح وقال الزهري وحممد بن احلسن . إال بأربعني سوى اإلمام، وقال أكثرهم جيوز أن يكونوا أربعني مع اإلمام

وقال الزهري وحممد بن . يكونوا أربعني مع اإلماموقال أكثرهم جيوز أن. تنعقد باثين عشر سوى اإلماموقال أبو حنيفة واملزين تنعقد بأربعة أحدهم اإلمام وقال الليث وأبو . احلسن تنعقد باثين عشر سوى اإلمام

وقال أبو ثور تنعقد باثنني كسائر اجلماعات، وقال مالك ال اعتبار . يوسف تنعقد بثالثة أحدهم اإلمامها، وإمنا االعتبار أن يكونوا عدداً تبىن له األوطان غالباً، وال جيوز أن تقام اجلمعة يف بالعدد يف انعقاد

وإذا كان املصر جامعاً القرى قد اتصل بناؤها حىت اتسع . السفر وال خارج املصر إال أن يتصل بناؤه. إقامتها يف مواضعهابكثرة أهله كبغداد جاز إقامة اجلمعة يف موضعه القدمية، وال مينع اتصال البنيان من

وإن كان املصر واحداً يف موضع واحد منه، وإن كان املصر واحد متصل األبنية ال يسع جامعه مجيع أهله

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 83

لكثرم كالبصرة فقد اختلف أصحاب الشافعي يف جواز إقامة اجلمعة يف مضعني منه للضرورة بكثرة م اتسعت هلم الطرقات فلم يضطروا إىل أهله، فذهب بعضهم إىل جوازها وأباه آخرون وقال إن ضاق

.تفريق اجلمعة يف مواضع منه

أحدمها أن ال : وقد أقيمت اجلمعة يف موضعتني يف مصر قد منع أهله من تفريق اجلمعة فيه ففيه قوالنمجعة ألسبقهما بإقامتها وعلى املسبوق أن يعيد الصالة ظهراً، والقول الثاين أن اجلمعة للمسجد األعظم

حيضره السلطان سابقاً كان أو مسبوقاً وعلى من صلى يف األصغر إعادة صالم ظهراً، وليس ملن الذي قلد إمامة اجلمعة أن يؤم يف الصلوات اخلمس، واختلف فيمن قلد إمامة الصلوات اخلمس هل يستحق

. راً مقصوراًاإلمامة يف صالة اجلمعة فمنعه منها من جعل اجلمعة فرداً مبتدأ، وجوزها له من جعلها ظه

وإذا كان اإلمام يف اجلمعة يرى أا ال تنعقد بأقل من أربعني رجالً وكان املأمومون وهم أقل من أربعني رجالً يرون انعقاد اجلمعة م مل جيز أن يؤمهم ووجب عليه أن يستخلف عليهم أحدهم، ولو كان اإلمام

ونه وهم أقل مل يلزم اإلمام وال املأمومني إقامتها يرى أا تنعقد بأقل من أربعني رجالً واملأمومون ال يرألن املأمومني ال يرونه واإلمام مل جيد معه من يصليها، وإذا أمر السلطان اإلمام يف اجلمعة أن ال يصلي بأقل من أربعني مل يكن له أن يصليها بأقل من أربعني وإن كان يراه مذهباً، ألنه مقصور الوالية على

وجيوز أن يستخلف عليهم من يصليها لصرف والية عنها، وإذا أمره : عما دوااألربعني ومصروفالسلطان أن يصلي بأقل من أربعني وهو ال يراه ففي واليته وجهان أحدمها أا باطلة لتعذرها من جهته،

.والثاين أا صحيحة ويستخلف عليها من يراه منهم

صالة العيدين واخلسوفني واالستسقاء، وتقليد : معة فخمسوأما اإلمامة يف الصلوات املسنونة مثل اجلواختلف يف حكمها فذهب بعض أصحاب الشافعي إىل أا . اإلمامة فيما ندب جلوازها مجاعة وفرادى

وذهب آخرون منهم إىل أا من فروض الكفاية، وليس ملن قلد إمامة الصلوات . من السنن املؤكدة .امتها إال أن يقلد مجيع الصلوات فتدخل يف غريهااخلمس أو إمامة اجلمعة حق يف إق

فأما صالة العيد فوقتها ما بني طلوع الشمس وزواهلا وخيتار تعجيل األضحى وتأخري الفطر ويكرب الناس يف ليليت العيدين من بعد غروب الشمس إىل حني أخذهم يف صالة العيد وخيتص عيد األضحى بالتكبري

بد صالة الظهر من يوم النحر إىل بعد صالة الصبح من آخر أيام التشريق، عقيب الصلوات املفروضة من ع .ويصلي العيدين قبل اخلطبة واجلمعة بعدها اتباعاً للسنة فيهما

وختتص صالة العيدين بالتكبريات الزوائد، واختلف الفقهاء يف عددها، فذهب الشافعي رضي اهللا عنه إىل اإلحرام ويف الثانية مخساً سوى تكبرية القيام قبل القراءة فيهما، أنه يزيد يف األوىل سبعاً سوى تكبرية

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 84

وقال مالك يزيد يف األوىل ستاً ويف الثانية مخساً سوى تكبرية القيام وقال أبو حنيفة يكرب يف األوىل ثالثاً ات الزوائد على قبل القراءة ويف الثانية أربعاً سوى تكبرية القيام قبل القراءة، ويعمل اإلمام يف هذه التكبري

رأيه واجتهاده، وليس ملن واله أن يأخذه برأي نفسه، خبالف العدد يف صالة اجلمعة ألنه يصري بذكر .العدد يف صالة اجلمعة خاص الوالية ال يصري بذكر التكبري يف صالة العيد خاص الوالية فافترقا

يته فاشتملت عليهما وهي ركعتان فأما صالة اخلسوفني فيصليهما من ندبه السلطان هلما أو من عمت واليف كل ركعة ركوعان وقيامان يطيل القراءة فيهما فيقرأ يف القيام األول من الركعة األوىل سراً بعد الفاحتة بسورة البقرة أو بقدرها من غريها ويركع مسبحاً بقدر مائة آية مث يرفع منتصباً ويقرأ بعد الفاحتة بسورة

مسبحاً بقدر مثانني آية يسجد سجدتني كسائر الصلوات؛ مث يصنع يف آل عمران أو بقدرها ويركع الركعة الثانية كذلك يقرأ يف قيامها ويسبح يف ركوعها بثلث ما قرأ وسبح يف الركعة األوىل مث خيط

ويصلي خلسوف القمر كصالة كسوف الشمس . وقال أبو حنيفة يصلي ركعتني كسائر الصلوات. بعدها .وقال مالك ال يصلى خلسوف القمر كصالة كسوف الشمس. الليلجهراً ألا من صالة

فأما صالة االستسقاء فمذهوب إليها عند انقطاع املطر وخوف اجلدب بتقدم من قلدها بصيام ثالثة أيام قبلها والكف فيها عن التظامل والتخاصم، ويصلح فيها بني املتشاجرين واملتخاصمني واملتهاجرين وهي

وإذا قلد صالة العيد يف عام جاز مع إطالق واليته أن يصليها يف كل عام ما مل . وقتهاكصالة العيد يف وإذا قلد صالة الكسوف واالستسقاء يف عام مل يكن له مع إطالق واليته أن يصليها يف غريه إال . يصرف

قاء أمتوها أن يقلد ألن صالة العيد راتبة وصالة اخلسوف واالستسقاء عارضة وإذا مطروا وهم يف االستسخطب بعدها شكراً، ولو مطروا قبل الدخول فيها مل يصلوا وشكروا اهللا تعاىل بغري خطبة، وكذلك يف

وروى أبو مسلم عن أنس بن . اخلسوف إذا اجنلى، ولو اقتصر يف االستسقاء على الدعاء بغري صالة أجزأا رسول اهللا لقد أتيناك ومالنا بعري يثط ي: أن أعرابياً أتى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقال له: " مالك

: وال صيب يصطبح مث أنشده من الطويل

لفشغلت أم الصبي عن الط وقد اهانبي لوالعذراء يدم أتيناك

ىالجوع ضعفاً ال يمر وال يجل من انةكتي اسببكفيه الص وألقى

سوى الحنظل العلمي والعلهز الغسل ادننشيء مما يأكل الناس ع وال

لرسفرار الناس إال إلى ال وأين ارارنيك فا إال إلنل يسول

اللهم أسقنا : " فقام رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جير رداءه حىت صعد املنرب فحمد اهللا وأثىن عليه وقالغيثاً غدقاً مغيثاً سحاً طبقاً غري رائث ينبت به الزرع وميأل به الضرع وحتيي به األرض بعد موا، وكذلك

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 85

".خترجون

: " أهل البطانة يصيحون يا رسول اهللا الغرق فقالفما استتم الدعاء حىت ألقت السماء بأرواقها فجاء

".حوالينا وال علينا

فاجنابت السحاب عن املدينة كاإلكبل، فضحك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حىت بدت فواجده مث : قال

فقام علي بن أيب طالب فقال " هللا در أيب طالب، لو كان حياً لقرت عيناه من الذي ينشد شعره؟ " : يا رسول اهللا أردت قوله من الطويلكأنك

ثمال اليتامى عصمة لألرامل يستسقي الغمام بوجهه وأبيض

عنده في نعمة وفواضل فهم مبه الهالك من آل هاش يلوذ

لاضنقاتل دونه ونن ولما داًوبيت اهللا نبزى محم كذبتم

الئلعن أبنائنا والح ونذهن هولونسلمه حتى نصرع ح

: فقام رجل من كنانة فأنشد النيب صلى اهللا عليه وسلم من املتقارب

ربوجه النب المط سقينا لك الحمد والحمد ممن شكر

معها إليه البصر وأشخص وةه دعقالاهللا خ دعا

حتى رأينا المطر وأسرع ردااء اليك إال كإلق فلم

أغاث به اهللا علياً مضر ق اعدفاق العزالى حجم الب

ررأبو طالب أبيض ذا غ همه عالكما ق وكان

وهذا العيان وذاك الخبر م ااهللا أرسل صوب الغم به

".إن يكن شاعر حيسن فقد أحسنت : " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم

وتكره خمالفته . وليس السواد خمتص باألئمة يف الصلوات اليت تقام فيها دعوة السلطان اتباعاً لشعاره اآلنوإذا تغلب من منع اجلماعة كان عذراً يف ترك ااهرة ا، أو . فيه وإن مل يرد به شرع حترزاً من مباينته

.بدعة حيدثهاإذا أقامها املتغلب مع سوء معتقدة اتبع فيها، وال يتبع على

الباب العاشر

في الوالية على الحج

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 86

أحدمها أن تكون على تسيري احلجيج والثاين على إقامة احلج، فأما تسيري : وهذه الوالية على احلج ضربان .احلجيج فهو والية سياسة وزعامة وتدبري

.أن يكون مطاعاً ذا رأي وشجاعة وهيبة وهداية: والشروط املعتربة يف املوىل

أحدها مجع الناس يف مسريهم ونزوهلم حىت ال يتفرقوا : الذي عليه يف حقوق هذه الوالية عشرة أشياءوفيخاف عليهم التوى والتغرير، والثاين ترتيبهم يف املسري والرتول بإعطاء كل طائفة منهم مقاداً حىت يعرف

والثالث يرفق م . ال يضلون عنهكل فريق منهم مقاده إذا سار ويألف مكانه إذا نزل، فال يتنازعون فيه ويف السري حىت ال يعجز عنه ضعيفهم وال يضل عنه منقطعهم، وروي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه

".الضعيف أمري الرفقة : " قال

والرابع أن يسلك م أوضح الطرق . يريد أن من ضعفت دوابه كان على القوم أن يسريوا سريهواخلامس أن يرتاد هلم املياه إذا انقطعت واملراعي إذ قلت. ا وأوعرهاوأخصبها، ويتجنب أجد .

. والسادس أن حيرسهم إذا نزال أو حيوطهم إذا رحلوا حىت ال يتخطفهم داعر وال يطمع فيهم متلصص

والسابع أن مينع عنهم من يصدهم عن املسري ويدفع عنهم من حيصرهم عن احلج بقتال إن قدر عليه أو ن أجاب احلجيج إليه وال يسعه أن جيرب أحداً على بذل اخلفارة إن امتنع منها حىت يكون باذالً يبذل مال إ

والثامن أن يصلح بني . هلا عفواً وجميباً إليها طوعاً، فإن بذل املال على التمكني من احلج ال جيبحلكم إليه فيعترب فيه أن املتشاجرين ويتوسط بني املتنازعني وال يتعرض للحم بينهم إجباراً إال أن يفوض ا

يكون من أهله فيجوز له حينئذ احلكم بينهم فإن دخلوا بلد فيه حاكم جاز له وحلاكم البلد أ حيكم بينهم والتاسع . فأيهما حكم نفذ حكمه ولو كان التنازع بني احلجيج وأهل البلد مل حيكم بينهم إال حاكم البلد

التعزيز إىل احلد إال أن يؤذن له فيه فيستوفيه إذا كان من أن يقوم زائغهم ويؤدب خائنهم، وال يتجاوز أهل االجتهاد فيه، فإن دخل بلداً فيه من يتوىل إقامة احلد عليه من وايل البلد، وإن كان ما أتاه احملدود يف

ىت والعاشر أن يراعي اتساع الوقت ح. احملدود يف البلد فوايل البلد أوىل بإقامة احلد عليه من وايل احلجيجيؤمن الفوات وال يلجئهم ضيقه إىل احلث يف السري، فإذا وصل إىل امليقات أمهلهم لإلحرام وإقامة سننه

فإن كان الوقت متسعاً عدل م إىل مكة ليخرجوا مع أهلها إىل املواقف وإن كان الوقت ضيقاً عدله م ة ما بني زوال الشمس من يوم عن مكة إىل عرفة خوفاً من فواا فيفوت احلج فإن زمان الوقوف بعرف

عرفة إىل طلوع الفجر الثاين من يوم النحر، فمن أدرك الوقوف ا يف شيء من هذا الزمان من ليل أو ار فقد أدرك احلج، وإن فاته الوقوف ا حىت طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته احلج وعليه إمتام ما بقي من

املقبل إن أمكنه وفيما بعده إن تعذر عليه، وال يصري حجة عمرة أركانه وجربانه بدم وقضاؤه يف العام

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 87

: وقال. بالفوات وال يتحلل بعد الفوات إال بإحالل احلج، وقال أبو حنيفة رمحه اهللا يتحلل بعمل عمرة

أبو يوسف يصري إحرامه بالفوات عمرة، وإذا وصل احلجيج إىل مكة فمن مل يكن على املد منهم فقد ه الوايل على احلجيج فلم تكن له عليه يد؛ ومن كان منهم على العود فهو حتت واليته زالت عنه واليت

وملتزم أحكام طاعته، فإذا قضى الناس حجهم أمهلهم األيام اليت جرت ا العادة يف إجناز عالئقهم وال صلى اهللا عليه يرهقهم يف اخلروج فيضرم، فإذا عاد م صار م على طريق املدينة لزيارة قرب رسول اهللا

وسلم ليجمع هلم بني حج بيت اهللا عز وجل وزيارة قرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم رعاية حلرمته وقياماً حبقوق طاعته، ولئن مل يكن ذلك من فروض احلج فهو من ندب الشرع املستحبة وعادات احلجيج

.املستحسنة

من زار قربي وجبت له : " ى اهللا عليه وسلم قالروى نافع عن ابن عمر رضي اهللا عنه أن رسول اهللا صل ".شفاعيت

كنت عند قرب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأتاه أعرايب فأقبل وسلم فأحسن مث قال : وحكى العتيب قالولو أم إذ طلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اهللا واستغفر هلم : " يا رسول اهللا إين وجدت اهللا تعاىل يقول

".وجدوا اهللا تواباً رحيما الرسول ل

: وقد جئتك تائباً من ذنيب مستشفعاً بك إىل ريب؛ مث بكى وأنشأ يقول من البسيط

من طيبهن القاع واألكم فطلب خير من دفنت بالقاع أعظمه يا

فيه العفاف وفيه الجود والكرم هالفداء لقبر أنت ساكن نفسي

قال العتيب فأغفيت اغفاءه فرأيت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فقال يل يا . مث رك راحلته وانصرفمث يكون يف عوده م ملتزماً فيهم من احلقوق ما . عتيب احلق األعرايب وأخربه أن اهللا سبحانه قد غفر له

ته عنهم بالعود إليه، وإن كانت التزمه يف صدرهم حىت يصل م إىل البلد الذي سار م منه فتنقطع واليالوالية على إقامة احلج فهو فيه مبرتلة اإلمام يف إقامة الصلوات، فمن شروط الوالية عليه مع الشروط

وتكون مدة واليته . املعتربة يف أئمة الصلوات أن يكون عاملاً مبناسك احلج وأحكامه، عارفاً مبواقيته وأيامهة الظهر يف اليوم السابع من ذي احلجة وآخرها يوم احلالق وهو النفر مقدرة بسبعة أيام أوهلا من صال

الثاين يف اليوم الثالث عشر من ذي احلجة، وهو فيما قبلها وبعدها أحد الرعايا وليس من الوالة وإذا كان مطلق الوالية على إقامة احلج فله إقامته يف كل عام ما مل يصرف عنه، وإن عقدت له خاصة على عام

. مل يتعد إىل غريه إال عن واليةواحد

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 88

أحدها : والذي خيتص بواليته ويكون نظره مقصوراً عليه مخسة أحكام متفق عليها وسادس خمتلف فيهوالثاين ترتيبهم . إشعاراً للناس بوقت إحرامهم واخلروج إىل مشاعرهم ليكونوا له متبعني وبأفعاله مقتدين

تبوع فيها فال يقدم مؤخراً وال يؤخر مقدماً سواء كان الترتيب للمناسك على ما استقر الشرع عليه ألنه موالثالث تقدير املواقف مبقامه فيها ومسريه عنها كما تقدر صالة املأمومني بصالة . مستحقاً أو مستحباً

اإلمام والرابع اتباعه يف األركان املشروعة فيها والتأمني على أدعيته ا ليتبعوه يف القول كما تبعوه يف اخلامس إمامتهم يف الصلوات يف األيام اليت شرعت . العمل وليكون اجتماع أدعيتهم أفتح ألبواب اإلجابة

فاألوىل منهن وهي أول شروعه يف مسنوناته ومندوباته : خطب احلج فيها ومجع احلجيج عليها وهن أربعة يف اليوم السابع، وخيطب بعد تقدم إحرامه وأن كان لو أخر احرامه أجزأه أن يصلي م صالة الظهر مبك

والتكبري إن كان حمالً، ويعلم . بعدها وهي األوىل من خطب احلج األربع مفتتحاً هلا بالتلبية إن كان حمرماًالناس أن مسريهم يف غد إىل مىن ليخرجوا إليها فيه وهو الثامن من العشر فيرتل حبيف مىن ببين كنانة

منه ويبيت ا ويسري م من غده وهو التاسع مع طلوع حيث نزل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمالشمس إىل عرفة على طريق ضب ويعود على طريق املأزمني اقتداء برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم،

وليكن عائداً من عري الطريق الذي صدر منه، فإذا أشرف على عرفة نزل ببطن عرفة وأقام به حىت تزول د ابراهيم صلوات اهللا عليه بوادي عرفة خيطب م اخلطبة الثانية من خطب الشمس مث سار منه إىل مسج

احلج قبل الصالة كاجلمعة، فإن مجيع اخلطب مشروعة بعد الصالة إال خطبتني خطبة اجلمعة وخطبة عرفة، فإذا خطبها ذكر للناس فيها ما يلزمهم من أركان احلج ومناسكه وما حيرم عليهم من حمظوراته، مث

م بعد اخلطبة صالة الظهر والعصر جامعاً بينهما يف وقت الظهر، ويقصرمها املسافرون ويتمهما يصلياملقيمون اقتداء برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف مجعه وقصره، مث يسري بعد فراغه منهما إىل عرفة وهو

عرفة فقد أدرك احلج، احلج عرفة فمن أدرك : " املوقف املفروض، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ".ومن فاته عرفة فقد فاته احلج

وحد عرفة ما جاوز وادي عرفة الذي فيه املسجد، وليس املسجد وال وادي عرفة من عرفة إىل اجلبال املقابلة على عرفة كلها فيقف منها عند اجلبال الثالثة التتعة والنتيعة والتائب، فقد وقف رسول اهللا صلى

على ضرس من التائب وجعل بطن راحلته إىل احملراب، فهذا أحب املواقف أن يقف اإلمام اهللا عليه وسلمفيه، وأينما وقف من عرفة والناس أجزأهم ووقوفه على راحلته ليقتدي به الناس أوىل، مث يسري بعد

م الناس غروب الشمس إىل مزدلفة مؤخراً صالة املغرب حىت جيمع بينها وبني العشاء اآلخرة مبزدلفة، ويؤفيهما ويبيت مبزدلفة وحدها من حيث يفيض من مأزمي عرفة وليس املأزمان منها إىل أن يأيت إىل قرن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 89

حمسر وليس القرن منها، ويلتفظ الناس منها حصى اجلمار بقدر األنامل مثل حصى اخلذف ويسري منها وجعله أبو . جيربه دم إن تركهبعد الفجر، ولو سار قبله وبعد نصف الليل أجزأ وليس املبيت ا ركناً، و

حنيفة من األركان الواجبة، مث صار منها إىل املشعر احلرام فيقف منه يقرح داعياً، وليس الوقوف به ومن ساق معه هدياً من . فرضاً، مث يسري إىل مىن فيبدأ برمي مجرة العقبة قبل الزوال تسع حصيات مث ينحر

اء، واحللق، مث يتوجه إىل مكة فيطوف ا طواف اإلفاضة وهو احلجيج مث حيلق أو يقصر يفعل منهما ما شمث يعود . وال جيزئه طوافه قبلها. الفرض، ويسعى بعد طوافه إن مل يسع قبل عرفة، وجيزئه سعيه قبل عرفة

إىل مىن فيصلي بالناس الظهر وخيطب بعدها وهي اخلطبة الثالثة من خطب احلج األربع، ويذكر الناس ما ن مناسكهم وحكم إحالهلم األول والثاين وما يستبيحونه من حمظورات اإلحرام بكل واحد بقي عليهم م

منهما على اإلنفراد وإن كان فقيهاً قال هل من سائل، وإن مل يكن فقيهاً مل يتعرض للسؤال ويبيت مبىن وعشرين اجلمار الثالث فإحدى -وهو يوم النفر يوم احلادي عشر بعد الزوال . ليلته ويرمي من غده

ويبيت ا ليلته الثانية ويرمي من غدها وهو يوم النفر اجلمار الثالث، مث -حصاة كل مجرة سبع حصيات خيطب بعد صالة الظهر اخلطبة الرابعة وهي آخر اخلطب املشروعة يف احلج، ويعلم الناس أن هلم يف احلج

معدودات فمن تعجل يف يومني فال إمث عليه واذكروا اهللا يف أيام : " نفرتني خريهم اهللا تعاىل فيهما بقوله ".ومن تأخر فال إمث عليه ملن اتقى

ويعلمهم أن من نفر من مىن قبل غروب الشمس من يومه هذا سقط عنه املبيت ا والرمي للجمار من ن غده ومن أقام ا حىت غربت الشمس لزمه املبيت ا والرمي يف غده وليس هلذا اإلمام حبكم واليته أ

ينفر يف النفر األول ويقيم ليبيت ا وينفر يف النفر الثاين من غده يف ومي احلالق وهو اليوم الثالث عشر بعد رمس اجلمار الثالث ألنه متبوع فلم ينفر إال بعد استكمال املناسك، فإذا استقر حكم النفر الثاين

وأما السادس املختلف فيه فثالثة . واليتهانقضت واليته وقد أدى ما لزمه، فهذه احلكام اخلمسة املتعلقة بأشياء أحدها إن فعل أحد احلجيج ما يقتضي تعزيزاً أو يوجب فعله حدا، فإن كان مما ال يتعلق باحلج مل

: ويف إقامة احلد عليه وجهان. يكن له تعزيره وال حده، وإن كان مما يتعلق باحلج فله تعزيره زجراً وتأديباً

أحكام احلج، ويف اآلخر ال حيده خلروجه عن أفعال اجلج، والثاين ال جيوز أن حيكم أحدمها حيده، ألنه من بني احلجيج فيما تنازعوه من غري أحكام احلج ويف حكمه بينهما فيما تنازعوه من أحكام احلج كالزوجني

والثالث . مأحدمها حيكم بينهما، والثاين ال حيك: إذا تنازعا يف إجياب كفارة للوطء ومؤتة القضاء وجهانأن يأيت أحد احلجيج ما يوجب الفدية فله أن جيربه بوجوا ويأمره بإخراجها وهل يستحق الزامه هلا

ويصري خصماً له يف املطالبة أم ال على وجهني كما يف إقامة احلدود وجيوز لوايل احلج أن يفيت من استفتاه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 90

هم ما يسوغ فعله إال فيما خياف أن جيعله إذا كان فقيهاً، وإن مل جيز أن حيكم وليس له أن ينكر علياجلاهل قدوة فقد أنكر عمر رضي اهللا عنه على طلحة بن عبيد اهللا ليس املضرج يف احلج وقال أخاف أن

يقتدي بك اجلاهل، وليس له أن حيمل الناس يف املناسك على مذهبه، ولو أقام للناس احلج وهو حالل غري هو خبالف الصالة اليت ال يصح إن يؤمهم فيها وهو غري مصل هلا، حمرم كره له ذلك وصح احلج معه، و

ولو قصد الناس يف احلج التقدم على إمامهم فيه والتأخري عنه جاز وإن كانت خمالفة املتبوع مكروهة ولو قصدوا خمالفته يف الصالة فسدت عليهم صالم الرتباط صالة املأموم بصالة اإلمام وانتصال حج الناس

.مامعن حج اإل

الباب الحادي عشر

في والية الصدقات

وال جيب على املسلم يف ماله حق سواها، . الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق االسم ويتفق املسمى ".ليس يف املال حق سوى الزكاة : " قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

.ل فيها طهرة ألهلها ومعونة ألهل السهمانوالزكاة جتب يف األموال املرصدة للنماء إما بأنفسها أو بالعم

ظاهرة وباطنة، فالظاهرة ما ال ميكن إخفاؤه كالزرع والثمار واملواشي، والباطنة : واألموال املزكاة ضربانوليس لوايل الصدقات نظر يف زكاة املال الباطن، . ما أمكن إخفاؤه من الذهب والفضة وعروض التجارة

نه إال أن يبدهلا أرباب األموال طوعاً فيقبلها منهم ويكون يف تفريقها عوناً وأربابه أحق بإخراج زكاته م .هلم؛ ونظره خمتص بزكاة األموال الظاهرة يؤمر أرباب األموال بدفعها إليه

أحدمها أنه حممول على اإلجياب وليس هلم التفرد بإخراجها وال : ويف هذا األمر إذا كان عادالً فيها قوالنوالقول الثاين حممول على االستجابة إظهاراً للطاعة، وإن تفردوا بإخراجها . وهاجتزئهم إن أخرج

أجزأم، وله على القولني معاً أن يقاتلهم عليهم إذا امتنعوا من دفعاً كما قاتل أبو بكر الصديق رضي اهللا أبو حنيفة رضي اهللا عنه مانعي الزكاة ألم يصريون باإلمتناع من طاعة والة األمر إذا عدلوا بغاة، ومنع

والشروط املعتربة يف هذه الوالية أن يكون حراً مسلماً . عنه من قتاهلم إذا أجابوا على إخراجها بأنفسهمعادالً عاملاً بأحكام الزكاة إن كان من عمال التفويض، وإن كان منفذاً قد عينه اإلمام على قدر يأخذه

قلدها من حترم عليه الصدقات من ذوي القرىب ولكن جاز أن ال يكون من أهل العلم ا وجيوز أن يت .يكون رزقه عن سهم املصاحل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 91

أحدها أن يقلد أخذها وقسمها، فله اجلمع بني األمرين على ما سنشرح، : وله إذا قلدها ثالثة أحوال والثاين أن يقلد أخذها وينهي عن قسمتها فنظره مقصور عن األخذ وهو ممنوع من القسم واملقلد ما

والثالث أن يطلق تقليده عليها، فال . بتأخري قسمها مأثوم إال أن جيعل تقليدها ملن ينفرد بتعجيل قسمهايؤمر بقسمها وال ينهي عنه فيكون بإطالقه حمموالً على عمومه يف األمرين من أخذها وقسمها، فصارت

هذا الباب على الصدفات مستملة على األخذ والقسم لكل واحد منهما حكم وسنجمع بينهما يف .االختصار

أحدها املواشي وهي اإلبل والبقر والغنم ومسيت : إن األموال الزكاة أربعة: ونبدأ بأحكام أخذها فنقول .ماشية لرعيها وهي ماشية

فأما اإلبل فأول نصاا مخس، وفيها إىل تسع شاة جذعة من الضأن أو ثنية من املعز، واجلذع من الغنم ما لثين منها ما استكمل سنة، فإذا بلغت اإلبل عشراً ففيها إىل أربع عشرة شاتان، ويف مخس له ستة أشهر، وا

عشرة إىل تسع عشرة ثالث شياه ويف العريين إىل أربع وعشرين أربع شياه، فإذا بلغت مخساً وعشرين مت عدل فرضها عن الغنم وكان فيها إىل مخس وثالثني بنت خماض وهي اليت استكملت السنة، فإن عد

فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثالثني ففيها إىل مخس وأربعني ابنة لبون وهي ما استكملت سنتني، فإذا بلغت ستاً وأربعني ففيها إىل ستني حقة وهي ما استكملت ثالث سنني واستحقت الركوب وطروق

سنني، فإذا الفحل، فإذا بلغت إحدى وستني ففيها إىل مخس وسبعني جذعة وهي ما استكملت أربعبلغت ستاً وسبعني ففيها إىل تسعني بنتاً لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعني ففيها إىل مائة وعشرين حقتان،

فإذا زادت على مائة وعشرين فقد اختلف الفقهاء يف حكم . وهذا ما ورد به النص وانعقد عليه اإلمجاعال اعتبار بالزيادة حىت تبلغ مائة وثالثني وقال مالك . ذلك، فقال أبو حنيفة يستأنف ا الفرض املبتدأ

إذا زادت على مائة وعشرين واحدة كان يف أربعني بنت : وقال الشافعي. فيكون ا حقة وابنتا لبونلبون ويف مائة ومخسني ثالث حقاق، ويف مائة وستني أربع بنات لبون، ويف مائة وسبعني حقة وثالث

ويف مائة وتسعني ثالث حقاق وبنت لبون، فإذا بلغت : نتاً لبونبنات لبون، ويف مائة ومثانني حقتان وبمائتني ففيها أحد فرضني إما أربع حقاق أو مخس بنات لبون، فإن مل يوجد فيها إال أحد الفرضني أخذ

وإن وجدا معاً أخذ العامل أفضلهما، وقيل يأخذ احلقائق ألا أكثر منفعة وأقل مؤنة، مث على هذا القياس . يف كل أربعني بنت لبون، ويف كل مخسني حقةفيما زاد

وأما البقر، فأول نصاا ثالثون وفيها تبيع ذكر وهو ما استكمل ستة أشهر وقدر على اتباع أمه فإن أعطي تبيعة أنثى قبلت منه، فإذا بلغت أربعني ففيها مسنة أنثى وهي اليت قد استكملت سنة، فإن أعطي

ن يف بقرة أنثى، وإن كانت كلها ذكوراً فقد قيل يقبل املسن الذكر وقيل ال مسناً ذكراً مل يقبل منه إن كا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 92

.يقبل

واختلف فيما زاد على األربعني من البقر فقال أبو حنيفة يف إحدى رواياته يؤخذ من مخسني بقرة مسنة الستني يف ال شيء فيها بعد األربعني حىت تبلغ ستني فيجب فيها تبعان مث فيما بعد : وقال الشافعي. وربع

كل ثالثني تبيع، ويف كل أربعني مسنة فيكون يف سبعني مسنة وتبيع، ويف مثانني مسنتان، ويف تسعني ثالثة أتبعة ويف مائة تبيعان ومسنة ويف مائة وعشرة مسنتان، ويف مائة وعشرين أحد فرضني كاملائتني من اإلبل،

ا ما وجد، فإن وجدمها أخذ أفضلهما وقيل إما أربعة أتبعة أو ثالث مسنات، وقيل يأخذ العامل منهم .يأخذ املسنات، مث على هذا القياس فيما زاد يف كل ثالثني تبيع، ويف كل أربعني مسنة

وأما الغنم فأول نصاا أربعون، وفيها إىل مائة وعشرين شاة جذعة أو ثنية من املعز، إال أن تكون كلها ال : وقال مالك. مذهب الشافعي صغرية دون اجلذع والثنيةصغاراً دون اجلذاع والثنايا فيؤخذ منها على

يؤخذ إال جذعة أو ثنية، فإذا صارت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إىل مائيت شاة، فإذا صارت مائيت شاة وشاة ففيها ثالث شياه إىل أن تبلغ أربعمائة شاة، فإذا بلغتها ففيها أربع شياه، مث يف كل مائة

. األربعمائة شاةاستكملها من بعد

ويضم الضأن إىل املعز واجلواميس إىل البقر والبخايت إىل العراب ألما نوعان من جنس واحد، وال يضم . اإلبل إىل البقر وال البقر إىل الغنم الختالف اجلنس وجيمع مال اإلنسان يف الزكاة وإن تفرقت أمواله

ال تأثري للخلطة : عت فيها شرائط اخللطة، وقال مالكواخللطاء يف النصاب يزكون زكاة الواحد إذا اجتمال اعتبار باخللطة ويزكى كل : حىت ميلك واحد منهم نصاباً فيزكون حينئذ زكاة اخللطة وقال أبو حنيفة

.واحد منهم ما له على انفراده

سلها فإن أحدمها أن تكون سائمة ترعى الكأل فتقل مؤنتها ويتوفر درها ون: وزكاة املواشي جتب بشرطني. كانت عاملة أو معلوفاً مل جتب فيها زكاة على مذهب أيب حنيفة والشافعي وأوجبها مالك كالسائمة

ال زكاة : " والشرط الثاين أن حيول عليها احلول الذي يستكمل فيه النسل لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم ".يف مال حىت حيول عليه احلول

ولدت قبل احلول وكانت األمهات نصاباً، فإن نقصت األمهات عن والسخال تزكى حبول أمهاا إذا النصاب فعند أيب حنيفة تزكى حبول األمهات إذا بلغتا نصاباً وعند الشافعي أا يستأنف ا احلول بعد

وال زكاة يف اخليل والبغال واحلمري وأوجب أبو حنيفة يف إناث اخليل السائمة ديناراً . استكمال النصاب ".عفوت لكم عن صدقة اخليل والرقيق : " رس، وقد قال النيب صلى اهللا عليه وسلمعن كل ف

وإذا كان وايل الصدقات من عمال التفويض أخذها فيما اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده ال على

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 93

ن كان وإ. ومل جيز لإلمام أن ينص له على قدر ما يأخذه. اجتهاد اإلمام وال على اجتهاد أرباب األموالمن عمال التنفيذ عمل فيما اختلف فيه على اجتهاد اإلمام دون أرباب األموال ومل جيز هلذا العامل أن

جيتهد ولزم اإلمام أن ينص له على القد املأخوذ ويكون رسوالً يف القبض منفذاً الجتهاد اإلمام فعلى هذا مل جيز ألن فيها والية ال يصح ثبوا مع إن كان هذا العامل عبداً أو ذمياً جاز، فإن كان يف زكاة عامة

الكفر والرق، وإن كان يف زكاة خاصة نظر، فإن كان يف مال قد عرف مبلغ أصله وقدر زكاته جاز أن يكون هذا املأمور بقبضه عبداً أو ذمياً ألنه جترد من حكم الوالية وختصص بأحكام الرسالة، وإن كان يف

مل جيز أن يكون املأمور بقبضه ذمياً ال أؤمتن به على مال ال يعمل فيه مال مل يعرف مبلغه وال قدر زكاتهوإذا تأخر عامل الصدقات عن أرباب األموال بعد . على خربة وجاز أن يكون عبداً ألن خرب العبد مقبول

وجوب زكام فإن كان بعد ورود عمله وتشاغله بغريهم انتظروه ألنه ال يقدر على أخذه إال من طائفة طائفة وإن تأخر عن مجيعهم وجتاوز العرف يف وقت زكام أخرجوها بأنفسهم ألن األمر يدفعها إليه بعد

مشروط باملكنة وساقط مع عدم اإلمكان، وجاز ملن يتوىل إخراجها من أرباب األموال أن يعمل فيها على أخذ بقوله، وال يلزمه أن اجتهاده إن كان من أهل االجتهاد وإن مل يكن من أهله استفىت من الفقهاء من ي

يستفيت غريه وإن استفىت فقيهني فأفتاه أحدمها بإجياا وأفتاه اآلخر بإسقاطها أو أفتاه أحدمها بقدر وأفتاه اآلخر بأكثر منه، فقد اختلف أصحاب الشافعي فيما يعمل به منهما فذهب بعضهم إىل أنه يأخذ بأغلظ

.القولني حكماً

األخذ بقول من شاء منهما، فلو حضر العامل بعد أن عمل رب املال على وقال آخرون يكون خمرياً يفاجتهاد نفس أو اجتهاد من استفتاه وكان اجتهاد العامل مؤدياً إىل إجياب ما أسقطه أو الزيادة على ما أخرجه كان اجتهاد العامل أمضى إن كان وقت اإلمكان باقياً، واجتهاد رب املال أنفذ إن كان وقت

ن فائتاً؛ ولو أخذ العامل الزكاة باجتهاده وعمل يف وجوا وأسقطها على رأيه وأدى اجتهاد رب اإلمكااملال إىل إجياب ما أسقطه أو الزيادة عن ما أخذه لزم رب املال فيما بينه وبني اهللا تعاىل إخراج ما أسقطه

.من أصل أو تركه من زيادة ألنه معترف بوجوا عليه ألهل السهمان

فأوجب أبو حنيفة الزكاة يف مجيعها، وأوجبها الشافعي . ل الثاين من أموال الزكاة مثار النخل والشجرواملا .يف مثار النخل والكرم خاصة، ومل يوجب يف غريمها من مجيع الفواكه والثمار زكاة

ح أحدمها بدو صالحها واستطابة أكلها وليس على من قطعها قبل بدو الصال: وزكاا جتب بشرطنيوالشرط الثاين أن تبلغ مخسة أو سق، . زكاة، ويكره أن يفعله فراراً من الزكاة، وال يكره إن فعله حلاجة

فال زكاة فيها عند الشافعي إن كانت أقل من مخسة أو سق والوسق ستون صاعاً والصاع مخسة أرطال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 94

ن خرص الثمار على أهلها، وأوجبها أبو حنيفة يف القليل والكثري، ومنع أبو حنيفة م. وثلث بالعراقيوجوزه الشافعي تقديراً للزكاة واستظهاراً ألهل السهمان، فقد وىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على

".خففوا اخلرص فإن يف املال الوصية والعرية والواطئة والنائبة : " خرص الثمار عماالً وقال هلم

ما يعرى للصالت يف حال احلياة والواطئة ما تأكله السابلة فالوصية ما يوصى ا أرباا بعد الوفاة والعرية .منهم، ومسوها واطئة لوطئهم األرض، والنائبة ما ينوب الثمار من اجلائح

فأما مثار البصرة فيخرص كرومها وهم يف خرصها كغريهم، وال خيرص عليهم خنلها لكثرته وحلوق املشقة ارة منها، وإمنا ما قد هلم الصدر األول من ثناياها يف يومي يف خرصه، فإم يبيحون يف التعاون أكل امل

اجلمعة والثالثاء يصرف معظمه يف أهل الصدقات، وجعل هلم يف عوض الثنايا كبار الثمار، ومحلها إىل .كرسي البصرة ليستويف أعشارها منهم هناك، وليس يلزم هذا غريهم فصاروا بذلك خمالفني ملن سواهم

م والنخل إال بعد بدو الصالح فيخرصان بسراً وعنباً وينظر ما يرجعان إليه متراً وال جيوز خرص الكروزبيباً، مث خيري أرباا إذا كانوا أمناء بني ضماا مببلغ خرصها ليتصرفوا فيها ويضمنوا قدر زكاا، وبني

.تأن تكون يف أيديهم أمانة مينعون من التصرف فيها حىت تتناهى فتؤخذ زكاا إذا بلغ

وقدر الزكاة العشر إن سقيت عذباً أو سيحاً، ونصف العشر إن سقيت غرباً أو نضحاً، فإن سقيت ما، فقد قيل يعترب أعالمها، وقيل يؤخذ بقسط كل واحد منهما، وإذا اختلف رب املال والعامل فيما سقيت

اعترف به، ويضم أنواع النخل به كان القول قول را وأحلفه العامل استظهاراً فإن نكل مل يلزمه إال ما بعضها إىل بعض وكذلك أنواع الكرم ألن مجيعها جنس واحد، وال يضم النخل إىل الكرم الختالفهما يف

.اجلنس

وإذا كانت مثار النخل والكرم قصري متراً وزبيباً مل تؤخذ زكاما إال بعد تناهي جفافهما متراً أو زبيباً، أو عنباً أخذ عشر مثنهما إذا بيعا، فإن احتاج أهل السهمان إىل حقهم وإن كانت مما ال يؤخذ إال رطباً

منهما رطباً أو عنباً جاز يف أحد القولني إذا قيل إن القسمة متييز نصيب؛ ومل جيز يف القول الثاين إذا قيل نها وإذا هلكت الثمار بعد خرصها جبائحة من أرض أو مساء قبل إمكان أداء الزكاة م. أن القسمة بيع

.سقطت، وإن هلكت بعد إمكان أدائها أخذت

واملال الثالث الزروع أوجب أبو حنيفة الزكاة يف مجيعها، وعند الشافعي ال جتب إال فيما زرعه اآلدميون قوتاً مدخراً، وال جتب عنده يف البقول واخلضر، وال جتب عند الشافعي فيهما وال فيما ال يؤكل من

: وهي مأخوذة عنده من عشرة أنواع. عه اآلدميون من نبات األودية واجلبالالقطن والكتان وال فيما يزر

فأما العس فهو نوع من . الرب والشعري واألرز والذرة والباقالء واللوبيا واحلمص والعدس والدخن واجللبان. قشرتهالرب ينم إليه وعليه قشرتان ال جتب الزكاة فيه بقشرته إال إذا بلغ عشرة أوسق، وكذلك األرز يف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 95

وأما السلت فهو نوع من الشعري يضم إليه، واجلاورس نوع من الدخن يضم إليه وما عدامها أجناس ال .يضم بعضها إىل غريه وضم مالك الشعري إىل احلنطة وضم ما سوامها من القطنيات بعضها إىل بعض

غ النصف منه مخسة وزكاة الزرع جتب فيه بعد قوته واشتداده، وال تؤخذ منه دياسه وتصفيته إذا بلوال زكاة فيما دوا، وأوجبها أبو حنيفة يف قليله وكثريه وإذا جز املالك زرعه بقالً أو قصيالً مل : أوسق

.جتب زكاه، ويكره أن يفعله فراراً من الزكاة، وال يكره إن كان حلاجة

أنه ال عشر فيها وإذا ملك الذمي أرض عشر فزرعها فقد اختلف الفقهاء يف حكمها، فذهب الشافعي إىلوقال أبو حنيفة يوضع عليها اخلراج وال يسقط عنها فإذا أسلم سقط عنها مضاعفة . عليه وال خراج

وقال حممد بن احلسن وسفيان الثوري يؤخذ منها صدقة املسلم وال تضاعف بإسالمه وقال أبو : الصدقة .يوسف يؤخذ منها ضعف الصدقة املأخوذة من املسلم

سلم أرض خراج أخذ منه عند الشافعي عشر الزرع مع خراج األرض، ومنع أبو حنيفة مع وإذا زرع املاجلمع بينهما، واقتصر على أخذ اخلراج وحده وإذا استأجر أرض خراج على مؤجرها والعشر على

عشر الزرع على املؤجر وكذلك املعمر، فهذه األموال الثالثة كلها أموال : وقال أبو حنيفة. مستأجرها .هرةظا

وأما املال الرابع فهو الفضة والذهب، ومها من األموال الباطنة، وزكاما ربع العشر، لقوله عليه الصالة ".يف الورق ربع العشر : " والسالم

. ونصاب الفضة مائتا درهم بوزن اإلسالم وزن كل درهم منه ستة دوانق وكل عشرة منها سبعة مثاقيل

دراهم هو ربع عشرها وال زكاة فيها إذا نقصت عن مائتني، وفيما زاد وفيها إذا بلغت مائيت درهم مخسةال زكاة فيما زاد على مائتني حىت يبلغ أربعني درمهاً فيجب فيها درهم : عليها حبسابه وقال أبو حنيفة

.سادس، والورق املطبوعة والنقار سواء

شرة ونصف مثقال وفيما زاد حبسابه، وأما الذهب فنصابه عشرون مثقاالً مبثاقيل اإلسالم جيب فيه ربع عوال تضم الفضة إىل الذهب ويعترب نصاب كل واحد منها ما على انفراده، . ويستوي فيه خالصه ومطبوعه

وإذا أجتر بالدراهم والدنانري جتب زكاما، . وضم مالك وأبو حنيفة األقل إىل األكثر وقوماه بقيمة األكثروأسقط داود . ألن زكاة الفضة والذهب جتب حبول احلول عليهماورحبهما تبع هلما إذا حال احلول؛

وإذا اختذ من الفضة والذهب حلياً مباحاً سقطت زكاته . زكاة مال التجار وشذ ذا القول عن اجلماعةوإن اختذ منهما ما . يف أصح قول الشايف وهو مذهب مالك، ووجبت يف أضعفهما وهو قول أيب حنيفة

. وجبت زكاته يف قول اجلميعحظر من احللي واألواين

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 96

وأما املعادن فهي من األموال الظاهرة، واختلف الفقهاء فيما جتب فيه الزكاة منها، فأوجبها أبو حنيفة يف كل ما ينطبع من فضة وذهب وصفر وحناس، وأسقطها عما ال ينطبع من مائع وحجر، أوجبها أبو

الشافعي جتب يف معادن الفضة والذهب خاصة وعلى مذهب. يوسف فيما يستعمل منها حلياً كاجلواهر: إذا بلغ املأخوذ من كل واحد منهما بعد السبك والتصفية نصاباً ففي قدر املأخوذ من زكاته ثالثة أقاويل

والقول الثالث يعترب . والقول الثاين اخلمس كالركاز. أحدها ربع العشر كاملقتين من الذهب والفضةبع العشر، وإن قلت مؤنته ففيه اخلمس، وال يعترب فيه احلول ألا فائدة حاله، فإن كثرت مؤنته ففيه ر

.تزكى لوقتها

وأما الركاز، فهو كل مال وجد مدفوناً من ضرب اجلاهلية يف موات أو طريق سابل يكون لواجده وعليه أبو وقال ". ويف الركاز اخلمس : " مخسه يصرف يف مصرف الزكاة، لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

واجد الركاز خمري بني إظهاره وبني إخفائه، واإلمام إذا ظهر له خمري بني أخذ اخلمس أو تركه، وما : حنيفةوجد يف األرض مملوكة فهو يف الظاهر ملالك األرض ال حق فيه لواجده، وال شيء فيه على مالكه إال ما

ناً أو غري مدفون فهو لقطة جيب جيب من زكاة إن يكن قد أداها عنه، وما وجد من ضرب اإلسالم مدفو .تعريفها حوالً، فإن جاء صاحبها وإال فللواجد أن يتملكها مضمونة يف ذمته ملالكها إذا ظهر

وعلى عامل الصدقة أن يدعو ألهلها الدفع ترغيباً هلم يف املسارعة ومتييزاً هلم من أهل الذمة يف اجلزية ".ة تطهرهم وتزكيهم ا وصل عليهم إن صالتك سكن هلم خذ من أمواهلم صدق: " وامتثاالً لقوله تعاىل

" أي تطهر ذنوم وتزكي أعماهلم ويف قوله تعاىل " تطهرهم وتزكيهم ا " ومعىن قوله سبحانه وتعاىل

والثاين أدع هلم، وهو . أحدمها استغفر هلم، وهو قول ابن عباس رضي اهللا عنه: وجهان" وصل عليهم أحدها قربة هلم، وهو قول ابن : أربع تأويالت" إن صالتك سكن هلم " تعاىل ويف قوله. قول اجلمهور

والرابع أمن . الثالث تثبيت هلم، وهو قول ابن قتيبة. الثاين رمحة هلم وهو قول طلحة. عباس رضي اهللا عنه .أحدمها مستحب، والثاين مستحق: ويف استحقاقه إذا سئل وجهان. هلم وهو من االستحباب إن مل يسأل

وإذا كتم الرجل زكاة ماله وأخفاها عن العامل مع عدله أخذها العامل منه إذا ظهر عليها ونظر يف سبب إخفائها، فإن كان ليتوىل إخراجها بنفسه مل يعزره، وإن أخفاها ليغلها ومينع حق اهللا منها عزره ومل يغرمه

من غل صدقة فأنا آخذها : " السالموقال مالك يأخذ منه شطر ماله لقوله عليه الصالة و. زيادة عليها ".وشطر ماله عزمة من عزمات اهللا، ليس آلل حممد فيها نصيب

: ويف قول النيب عليه الصالة والسالم

".ليس يف املال حق سوى الزكاة "

".من قتل عبده قتلناه : " ما يصرف هذا احلديث عن ظاهره من اإلجياب إىل الزجر واإلرهاب كما قال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 97

ن ال يقتل بعبده وإذا كان العامل جائراً يف الصدقة عادالً يف قسمتها جاز كتمها وأجزأ دفعها إليه، وإذا كاوإذا كان عادالً يف أخذها جائراً يف قسمتها وجب كتماا منه ومل جيز دفعها إليه، فإن أخذها طوعاً أو

. إىل مستحقيها من أهل السهمانجرباً مل جيزهم عن حق اهللا تعاىل يف أمواهلم ولزمهم إخراجها بأنفسهم

وقال مالك جيزئهم وال يلزمهم إعادا وإذا أقر عامل الصدقات يقبضها من أهلها قبل قوله وقت واليته ويف قبول قوله بعد عزله وجهان خترجياً من القولني يف . سواء كان من عمال التفويض أو من عمال التنفيذ

مستحب أو مستحق؟ فإن قيل مستحب قبل قوله بعد العزل، وإن دفع زكاة األموال الظاهرة إليه، هل هوقيل مستحق مل يقبل قوله إال ببينة، ومل جيز أن يكون شاهداً يقبضها وإن كان عدالً، وإذا ادعى رب املال

ويف . إخراجها، فإن كان مع تأخري العامل عنه بعد إمكان أدائها قبل قوله وأحلفه العامل إن امهاليمني وجهان أحدمها مستحقه إن نكل عنها أخذت منه الزكاة والوجه الثاين استظهاراً استحقاق هذه

وإن ادعى ذلك مع حضور العامل مل يقبل قوله يف الدفع إن قيل إن دفعها إىل . إن نكل عنها مل تؤخذ منه .العامل مستحق وقيل قوله إن قيل إنه مستحب

إمنا الصدقات للفقراء : " اهللا تعاىل يف كتابه العزيز بقولهوأما قسم الصدقات يف مستحقيها، فهي ملن ذكرواملساكني والعاملني عليها واملؤلفة قلوم ويف الرقاب والغارمني ويف سبيل اهللا وابن السبيل فريضة من اهللا

".واهللا عليم حكيم

ض املنافقني وقال بعد أن كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقسمها على رأيه واجتهاده حىت لزمه بع ".ثكلتك أمك إذا مل أعدل فمن يعدل : " اعدل يا رسول اهللا فقال

إن اهللا تعاىل مل يرض يف : " مث نزلت عليه آية الصدقات بعد فعندما قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ".قسمة األموال مبلك مقرب وال بنيب مرسل حىت توىل قسمتها بنفسه

ملواشي وأعشار الزرع والثمار وزكاة األموال واملعادن ومخس الركاز ألن فواجب أن تقسم صدقات اوقال أبو . وال جيوز أن خيل بصنف منهم. مجيعها زكاة على مثانية أسهم لألصناف الثمانية إذا وجدوا

حنيفة جيوز أن يصرفها إىل أحد األصناف الثمانية مع وجودهم، وال جيب أن يدفعها إىل مجيعهم، ويف اهللا تعاىل بينهم يف آية الصدقات ما مينع من االقتصار على بعضهم، فواجب على عامل الصدقات تسوية

بعد تكاملها ووجود مجيع من مسي هلا أن يقسمها على مثانية أسهم بالتسوية فيدفع سهما منا إىل الفقراء لذي له ماالً يكفيه فكان واملسكني هو ا. والفقري هو الذي ال شيء له مث يدفع السهم الثاين إىل املساكني

وقال أبو حنيفة املسكني أسوأ حاالً من الفقري وهو الذي قد أسكنه العدم، فيدفع . الفقري أسوأ حاالً منهإىل كل واحد منهما إذا اتسعت الزكاة ما خيرج به من اسم الفقر واملسكنة إىل أدىن مراتب الغىن وذلك

الواحد غنياً إذا كان من أهل األسواق يربح فيه قدر كفايته معترب حبسب حاهلم فمنهم من يصري بالدينار

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 98

فال جيوز أن يزاد عليه، ومنهم من ال يستغين إال مبائة دينار فيجوز أن يدفع إليه أكثر منه ومنهم من يكون وقدر أبو حنيفة رضي . ذا جلد يكتسب بصناعته قد كفايته فال جيوز أن يعطى وإن كان ال ميلك درمهاً

أكثر ما يعطاه الفقري واملسكني مبا دون مائيت درهم من الورق وما دون عشرين دينار من الذهب اهللا عنه .لئال جتب عليه الزكاة فيما أخذ من الزكاة

أحدمها املقيمون بأخذها وجبايتها والثاين املقيمون : مث السهم الثالث سهم العاملني عليها وهم صنفانمتبوع وتابع، جعل اهللا تعاىل أجورهم يف مال الزكاة لئال يؤخذ من بقسمتها وتفريقها من أمني ومباشر و

أرباب األموال سواها، فيدفع إليهم من سهمهم قدر أجور أمثاهلم، فإن كان سهمهم منها أكثر رد الفضل على باقي السهام، وإن كان أقل متمت أجورهم من مال الزكاة يف أحد الوجهني، ومن مال

.املصاحل يف الوجه اآلخر

صنف يتألفهم ملعونة املسلمني وصنف يتألفهم : والسهم الرابع سهم املؤلفة قلوم وهم أربعة أصنافللكف عن املسلمني، وصنف يتألفهم لرغبتهم يف اإلسالم، وصنف لترغيب قومهم وعشائرهم يف

زكاة، ومن اإلسالم، فمن كان من هذه األصناف األربعة مسلماً جاز أن يعطى من سهم املؤلفة من ال .كان منهم مشركاً عدل به عن مال الزكاة إىل سهم املصاحل من الفيء والغنائم

والسهم اخلامس سهم الرقاب وهو عند الشافعي وأيب حنيفة مصروف يف املكاتبني يدفع إليهم قدر ما .وقال مالك يصرف يف شراء عبيد يعتقون. يعتقون به

منهم استدانوا يف مصاحل أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر صنف: والسهم السادس للغارمني، وهم صنفاندون الغىن ما يقضون به ديوم، وصنف منهم استدانوا يف مصاحل املسلمني فيدفع إليهم مع الفقر والغين

.قدر ديوم من غري فضل

فإن والسهم السابع سهم سبيل اهللا تعاىل وهم الغزاة يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم يف جهادهم،كانوا يرابطون يف الثغر دفع إليهم نفقة ذهام وما أمكن من نفقات مقامهم، وإن كانوا يعودون إذا

.جاهدوا أعطوا نفقة ذهام وعودهم

وللسهم الثامن سهم ابن السبيل، وهم املسافرون الذي ال جيدون نفقة سفرهم يدفع إليهم من سهمهم إذا وقال أبو . فرهم وسواء من كان منهم مبتدئاً بالسفر أو جمتازاًمل يكن سفر معصية قدر كفايتهم يف س

.حنيفة أدفعه إىل اتاز دون املبتدئ بالسفر

وإذا قسمت الزكاة يف األصناف الثمانية مل خيل حاهلم بعدها من مخسة أقسام أحدها أن تكون وفق . وحرم عليهم التعرض هلاكفايتهم من غري نقص وال زيادة، فقد خرجوا مبا أخذوه من أهل الصدقات

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 99

. والقسم الثاين أن تكون مقصرة عن كفايتهم فال خيرجون من أهلها وحيالون بباقي كفايتهم على غريها

والقسم الثالث أن تكون كافية لبعضهم مقصرة عن الباقني فيخرج الكتفون عن أهلها ويكون املقصرون كفاية مجيعهم فيخرجون من أهلها بالكفاية والقسم الرابع أن تفضل عن . على حاهلم من أهل الصدقات

والقسم اخلامس أن تفضل عن كفايات . ويرد الفاضل من سهامهم على غريهم من أقرب البالد إليهمبعضهم وتعجز عن كفايات الباقني فريد ما فضل عن املكتفني على من عجز من املقصرين حىت يكتفي

.الفريقان

الزكاة على من يوجد منهم ولو كان صنفاً واحد، وال ينقل وإذا عدم بعض األصناف الثمانية قسمتسهم من عدم منهم يف جريان املال إال سهم سبيل اهللا يف الغزاة فإنه ينقل إليهم، ألم يسكنون الثغور يف األغلب وتفرق زكاة كل ناحية يف أهلها وال جيوز أن تنقل زكاة بلد إىل غريه إال عند عدم وجود أهل

، فإن نقلها عنه مع وجودهم فيه مل جيزئه يف أحد القولني وأجزأه يف القول اآلخر وهو السهمان فيهوجوز أبو حنيفة دفع زكاة الفطر خاصة إىل الذمي دون . مذهب أيب حنيفة وال جيوز دفع الزكاة إىل كافر

أوساخ الذنوب املعاهد، وال جيوز دفعها إىل ذوي القرىب من بين هاشم وبين عبد املطلب ترتيهاً هلم عن وال جيوز أن يدفع أحد زكاته إىل من جتب عليه نفقته من والد أو ولد . وجوز أبو حنيفة دفعها إليهم

وجيوز أن يدفعها إىل من سواهم من أقاربه، وصرفها . لغناهم به إال من سهم الغارمني إذا كانوا منهم حضر رب املال أقاربه إىل العامل وإذا. فيهم أفضل من األجانب ويف جريان املال أفضل من األباعد

ليخصهم بزكاة ماله، فإن مل ختتلط زكاته بزكاة غريه خصهم ا فإن اختلطت كانوا يف املتلط أسوة .غريهم، لكن ال خيرجهم منها ألن فيها ما هم أحق وأخص

إىل ذلك وإذا استراب رب املال بالعامل يف مصرف زكاته وسأله أن يشرف على قسمتها يلزمه إجابتهألنه قد برئ منها بدفعها إليه، ول سأل العامل رب املال أن حيضر قسمتها مل يلزمه احلضور لرباءته منها

. وإذا هلكت الزكاة يف يد العامل قبل قسمتها أجزأت رب املال ومل يضمها العامل إال بالعدوان. بالدفع

مل جتزه وأعادها، ولو تلف ماله قبل إخراج وإذا أتلفت الزكاة يف يد رب املال قبل وصوهلا إىل العامل وإذا ادعى . زكاته سقطت عنه إن كان تلفه قبل إمكان أدائها، وال تسقط إن كان تلفه بعد إمكان أدائها

وال حيوز . رب املال تلف ماله قبل ضمان زكاته كان قوله مقبوالً وإن امه العامل أحلفه استظهاراًهدايا : " قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. موال وال يقبل هداياهمللعامل أن يأخذ رشوة أرباب األ

والفرق بني الرشوة واهلدية أن الرشوة ما أخذت طلباً واهلدية ما بذلت عفواً، فإذا ظهرت " العمال غلول ل على العامل خيانة كان اإلمام هو الناظر يف حاله املستدرك خليانته دون أرباب األموال ومل يتعني أله

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 100

السهمان يف خصومته إال أن يتظلموا إىل اإلمام تظلم ذوي احلاجات، وال تقبل شهادم على العامل للتهمة الالحقة م، فأما شهادة أرباب األموال عليه، فإذا كانت يف أخذ الزكاة منهم مل تسمع شهادم،

اة إىل العامل وأنكرها وإن كانت يف وضعه هلا غري حقها مسعت وإذا ادعى أرباب األموال دفع الزكأحلف أرباب األموال على ما ادعوه وبرئوا وأحلف العامل على ما أنكره وبرئ فإن شهد بعض أرباب

األموال لبعض بالدفع إىل العامل، فإن كان بعد التناكر والتخاصم مل نسمع شهادم عليه، وإن كان ة أنه قسمها يف أهل السهمان مل يقبل منه قبلهما مسعت وحكم على العامل بالغرم، فإن ادعى بعد الشهاد

ألنه قد أكذب هذه الدعوى بإنكاره، فإن شهد له أهل السهمان بأخذها منه مل تقبل شهادم ألنه قد وإذا أقر العامل بقبض الزكاة وادعى قسمتها يف أهل السهمان فأنكروه كان قوله . أكذم بإنكار األخذ

ومن ادعى من . ، وقوهلم يف اإلنكار مقبول يف بقاء فقرهم وحاجتهميف قسمتها مقبوالً ألنه مؤمن فيهاعند العامل بقدر زكاته ومل خيربه مببلغ ماله جاز أن يأخذها منه على قوله ومل يأخذه فإحضار ماله جرباً وإذا خطأ العامل يف قسم الزكاة ووضعها يف غري مستحق مل يضمن فيمن خيفى حاله من األغنياء، ويف

ا فيمن ال خيفى حالة من ذوي القرىب والكفار والعبيد قوالن؛ ولو كان رب املال هو اخلاطئ يف ضمانه هل .قسمتها ضمنها فيمن ال خيفى حاله من ذوي القرىب والعبيد

ويكون حكم العامل يف سقوط الضمان أوسع ألن شغله : ويف ضماا فيمن خيفى حاله من األغنياء قوالن .أكثر فكان يف اخلطأ أعذر

الباب الثاني عشر

في قسم الفيء والغنيمة

.ما وصل من املشركني أو كانوا سبب وصوهلا: وأموال الفيء والغنائم

أحدها أن الصدقات مأخوذة : وخيتلف املاالن يف حكمهما ومها خمالفان ألموال الصدقات من أربعة أوجهوالثاين أن مصرف الصدقات . انتقاماً منهممن املسلمني تطهرياً هلم، والفيء والغنيمة مأخوذان من الكفار

. منصوص عليه ليس لألئمة اجتهاد فيه ويف أموال الفيء والغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد األئمة

وال جيوز ألهل الفيء والغنيمة أن : والثالث أن أموال الصدقات جيوز أن ينفرد أرباا بقسمتها يف أهلهاوالرابع اختالف املصرفني على ما : تواله أهل االجتهاد من الوالةينفردوا بوضعه يف مستحقه حىت ي

.سنوضح

فأما وجها اتفاقهما فأحدمها أن يأكل : أما الفيء والغنيمة فهما متفقان من وجهني وخمتلفان من وجهني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 101

واحد من املالني واصل بالكفر، والثاين أن مصرف مخسهما واحد وأما وجهة افتراقهما فأحدمها أن مال والثاين أن مصرف أربعة أمخاس الفيء خمالف الغنيمة . فيء مأخوذ عفواً ومال الغنيمة مأخوذ قهراًال

.ملصرف أربعة أمخاس الغنيمة ما سنوضح إن شاء اهللا تعاىل

إن كل مال وصل من املشركني عفواً من غري قتال وال بإجياف خيل وال : وسنبدأ مبال الفيء فنقولزية وأعشار متاجرهم أو كان واصالً بسبب من جهتهم كمال اخلراج ففيه ركاب فهو كمال اهلدنة واجل

ال مخس يف : وقال أبو حنيفة رضي اهللا عنه. إذا أخذ منهم أداء اخلمس ألهل اخلمس مقسوماً على مخسةما أفاء اهللا على رسوله من أهل : " الفيء ونص الكتاب يف مخس الفيء مينع من خمالفته، قال اهللا تعاىل

".ى فلله وللرسول ولذي القرىب واليتامى واملساكني وابن السبيل القر

سهم منها كان لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف حياته ينفق : فيقسم اخلمس على مخسة أسهم متساويةواختلف الناس فيه بعد موته، فذهب من . منه على نفسه وأزواجه ويصرفه يف مصاحله ومصاحل املسلمني

يكون ملكاً لإلمام بعده : وقال أبو ثور. ث األنبياء إىل أنه موروث عنه مصروف إىل ورثتهيقول مبرياوذهب الشافعي رمحه اهللا إىل أن يكون مصروفاً . قد سقط مبوته: لقيامه بأمور األمة مقامه وقال أبو حنيفة

وأرزاق القضاة يف مصاحل املسلمني كأرزاق اجليش وإعداد الكراع والسالح وبناء احلصون والقناطر والسهم الثاين سهم ذوي القرىب زعم أبو حنيفة أنه قد . واألئمة وما جرى هذا ارى من وجوه املصاحل

وعند الشافعي أن حقهم فيه ثابت، وهم بنو هاشم وبنو عبد املطلب ابنا عبد . سقط حقهم منه اليومرهم وكبارهم وأغنيائهم مناف خاصة ال حق فيه ملن سواهم من قريش كلها يسوي فيه بني صغا

وفقرائهم، ويفضل فيه بني الرجال وللنساء للذكر مثل حظ األنثيني ألم أعطوه باسم القرابة وال حق فيه . ملواليهم وال ألوالد بنام ومن مات منهم بعد حصول املال وقبل قسمه كان سهامه منه مستحقاً لورثته

تيم موت األب مع الصغر، ويستوي فيه حكم الغالم والسهم الثالث لليتامى من ذوي احلاجات، والي ".ال يتم بعد حلم : " قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. واجلارية، فإذا بلغا زال اسم اليتم عنهما

والسهم الرابع للمساكني، وهم الذين ال جيدون ما يكفيهم من أهل الفيء ال جيدون ما ينفقون، وسواء أحدمها : ان جمتازاً، فهذا حكم اخلمس يف قسمه وأما أربعة أمخاسه فيه قوالنمنهم من ابتدأ بالسفر و ك

أنه للجيش خاصة ال يشاركهم فيه غريهم ليكون معداً ألرزاقهم والقول الثاين أنه مصروف يف املصاحل اليت منها أرزاق اجليش وماال غىن للمسلمني عنه، وال جيوز أن يصرف الفيء يف أهل الصدقات، وال

يف الصدقات يف أهل الفيء ويصرف كل واحد من املالني يف أهله وأهل الصدقة من ال هجرة له تصرفوأهل الفيء هم ذو اهلجرة الذابون عن البيضة . وليس من املقاتلة عن املسلمني وال من محاة البيضة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 102

وطنه إىل املدينة واملانعون عن احلرمي وااهدون للعدو، وكان اسم اهلجرة ال ينطلق إىل على من هاجر منوكل قبيلة هاجر بعضها تدعى . لطلب اإلسالم، وكانت كل قبيلة أسلمت وهاجرت بأمرها تدعى الربرة

اخلربة، فكان املهاجرون بررة وحرية، مث سقط حكم اهلجرة بعد الفتح وصار املسلمون مهاجرين وأعراباً، سلم أعراباً، ويسمى أهل الفيء مهاجرين فكان أهل الصدقة يسمون على عهد رسول اهللا صلى اهللا عليه و

: وهو ظاهر يف أشعارهم كما قال فيه بعضهم من السريع

أروع خراج من الدوى يلفها الليل بعصلب قد

ليس بأعرابي مهاجر

والختالف الفريقني يف حكم املالني ما مثني وسوى أبو حنيفة بينهما وجود صرف كل واحد من املالني وإذا أراد اإلمام أن يصل قوماً لتعود صالم مبصاحل املسلمني كالرسل واملؤلفة . يف كل واحد من الفريقني

ؤلفة يوم حنني فأعطى عيينة جاز أن يصلهم من مال الفيء فقد أعطى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم املبن حصن الفزاري مائة بعري واألقرع بن حاس بن التميمي مائة بعري والعباس بن مرداس السلمي مخسني

: بعرياً فتسخطها وعتب على رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقال من املتقارب

بكرى على المهر في األجوع اهيتالقاً تابنه كانت

عجم أههجع القوم ل إذا دواوم أن يرققوإيقاظي ال

رعينة واألفين عب د يبنهبي ونهب الع فأصبح

عنم أمأعط شيئاً ول فلم كنت في الحرب ذا قدرة وقد

عا األربوائهق عديد اهيتطل أعاتأق وإال

عميفوقان مرداس في مج اسن وال حصفما كان ح

عيوم ال يرفتضع ال ومر امكنت دون امرئ منه وال

".اذهب فاقطع عين لسانه : " فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لعلي بن أيب طالب

ال، ولكن أعطيك حىت ترضى فأعطاه فكان ذلك قطع : فلما ذهب به قال أتريد أن تقطع لساين؟ قالفأما إذا كانت صلة اإلمام ال تعود مبصلحة على املسلمني وكان املقصود ا نفع املعطى خاصة . لسانه

.كانت صالم من ماله

: لسريعروي أن أعرابياً أتى عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه فقال من ا

هنهبنياتي وأم اكس يا عمر الخير جزيت الجنة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 103

هنلعباهللا لتف أقسم هلنا من الزمان جن وكر

وإذا ذهبت : فقال" إذا أبا حفص ألذهبنه : " إن مل أفعل يكون ماذا؟ فقال: فقال عمر رضي اهللا عنه : يكون ماذا؟ فقال

يوم تكون االعطيات منه هعن حالي لتسألن يكون

نةإلى نار وإما ج إما هوموقف المسئول بينهن

قال فبكى عمر رضي اهللا عنه حىت خضبت حليته وقال يا غالم أعطه قميصي هذا لذلك اليوم ال لسعره، أنا واهللا ال أملك غريه، فجعل ما وصل به من ماله ال من مال املسلمني، ألن صلته ال تعد بنفع عل غريه

عمر رضي اهللا عنه مل ومثل هذا األعرايب يكون من أهل الصدقة، غري أن . فخرجت من املصاحل العامةوكان . يعطه منها إما ألجل شعره الذي استرتله فيه؛ وإما ألن الصدقة مصروفة يف جرياا ومل يكن منهم

.مما نقمه الناس على عثمان رضي اهللا عنه أنه جعل كل الصلوات من مال الفيء ومل ير الفرق بني األمرين

ألم من أهله، فإن كانوا صغاراً كانوا يف إعطاء وجيوز لإلمام أن يعطي ذكور أواله من مال الفيء .الذراري من ذوي السابقة والتقدم، وإن كانوا كباراً ففي إعطاء املقاتلة من أمثاهلم

حكى ابن إسحاق أن عبد اهللا بن عمر رضي اهللا عنهما ملا بلغ أتى أباه عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه ء غالم من أبناء األنصار قد بلغ فسأله أن يفرض ففرض له يف وسأله أن يفرض له ففرض يف ألفني، مث جا

ثالثة آالف فقال عبد اهللا يا أمري املؤمنني فرضت يل يف ألفني وفرضت هلذا يف ثالثة آالف ومل يشهد أبو هذا ما قد شهدت قال أجل لكين رأيت أبا أمك يقاتل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ورأيت أبا أم هذا

.سول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ولألم أكثر من األلفيقاتل مع ر

وأما عبيده . وال جيوز لإلمام أن يعطي إناث أوالده من مال الفيء ألم من مجلة ذريته الداخلني يف عطائهوعبيد غريه، فإن مل يكونوا مقاتلة فنفقام يف ماله ومال سادام، وإن كانوا مقاتلة فقد كان أبو بكر

والشافعي رمحه اهللا يأخذ فيهم . ه يفرض هلم يف العطاء ومل يفرض هلم عمر رضي اهللا عنهرضي اهللا عنبقول عمر رضي اهللا عنه، فال يفرض هلم يف العطاء ولكن تزاد سادام يف العطاء ألجلهم ألن زيادة

أهل الفيء يف العطاء معتربة حبال الذرية، فإن عتقوا جاز أن يفرض هلم يف العطاء وجيوز أن يفرض لنقباء وجيوز أن . عطاياهم وال جيوز أن يفرض لعماهلم ألن النقباء منهم والعمال يأخذون أجراً على عملهم

يكون عامل الفيء من ذوي القرىب من بين هاشم وبين عبد املطلب وال جيوز أن يكون عامل الصدقات طلب حترم عليهم الصدقات وال حيرم منهما إذا أراد سهمه منها إال أن يتطوع، ألن بين هاشم وبين عبد امل

وجيوز لعامل الصدقات أن يقسم ما جباه . وال جيوز لعامل الفيء أن يقسم ما جباه إال بإذن. عليهم الفيء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 104

بغري إذن ما مل ينه عنه، ملا قدمناه من صرف مال الفيء عن اجتهاد اإلمام ومصرف الصدقة نص .بالكتاب

: وهي تنقسم ثالثة أقسام: امته ختتلف حبسب اختالف واليته فيهوصفة عامل الفيء مع وجود أمانته وشه

أحدها أن يتوىل تقدير أموال الفيء وتقدير يضعها يف اجلهات املستحقة منها كوضع اخلراج : القسم األولفمن شروط والية هذا العامل أن يكون حراً مسلماً جمتهداً يف أحكام الشريعة مضطلعاً باحلساب . واجلزية .ةواملساح

فاملعترب يف صحة واليته . أن يكون عام الوالية على جباية ما استقر من أموال الفيء كلها: والقسم الثاينشروط اإلسالم واحلرية واالضطالع باحلساب واملساحة، وال يعترب أن يكون فقيهاً جمتهداً ألنه يتوىل قبض

.ما استقر بوضع غريه

على نوع من أموال الفيء خاص فيعترب ما وليه منها، فإن مل أن يكون خاص الوالية : والقسم الثالثيستغن فيه عن استنابة اعترب فيه اإلسالم واحلرية مع اضطالعه بشروط ما ويل من مساحة أو حساب، ومل جيز أن يكون ذمياً وال عبداً، ألن فيها والية وإن استغىن عن االستنابة جاز أن يكون عبداً ألنه كالرسول

وأما كونه ذمياً فينظر فيما رد إليه من مال الفيء، فإن كانت معاملته فيه مع أهل الذمة كاجلزية . املأموروأخذ العشر من أمواهلم جاز أن يكون ذمياً، وإن كانت معاملته فيه مع املسلمني كاخلراج املوضوع على

بطلت والية العامل وإذا . رقاب األرضني إذا صارت يف أيدي املسلمني ففي جواز كونه ذمياً وجهانفقبض مال الفيء مع فساد واليته بريء الدافع مما عليه إذا مل ينهه عن القبض، ألن القابض منه مأذن له

وإن فسدت واليته وجرى يف القبض جمرى الرسول، ويكون الفرق بني صحة واليته وفسادها أن له ن ل عن القبض مع فساد واليته مل يكن اإلجبار على الدفع مع صحة الوالية وله اإلجبار مع فسادها، فإ

ويف براءته إذا مل يعلم بالنهي وجهان . له القبض وال اإلجبار ومل يربأ الدافع بالدفع إليه إذا علم بنهيه .كالوكيل

.فأما الغنيمة فهي أكثر أقامساً وأحكاماً ألا أصل تفرع عنه الفيء فكان حكمها أعم

.وأموال. وأرضني. وسيب. أسرى: وتشتمل على أقسام

فأما األسرى فهم الرجال املقاتلون من الكفار إذا ظفر املسلمون بأسرهم أحياء فقد اختلف الفقهاء يف حكمهم؛ فذهب الشافعي رمحة اهللا إىل أن اإلمام أو من استنابه اإلمام عليهم يف أمر اجلهاد خمري فيهم إذا

وإما القتل، وإما االسترقاق، وإما الفداء مبال أو : أقاموا على كفرهم يف األصلح من أحد أربعة أشياء .أسرى، وإما املن عليهم بغري فداء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 105

: يكون خمرياً بني ثالثة أشياء: فإن أسلموا سقط القتل عنهم وكان على خياره يف أحد الثالثة، وقال مالك

يكون خمرياً بني شيئني : القتل أو االسترقاق أو املفاداة بالرجال دون املال، وليس له املن، وقال أبو حنيفةفإما مناً : " القتل أو االسترقاق وليس له املن وال املفاداة باملال؛ وقد جاء القرآن باملن والفداء، قال تعاىل

".بعد وإما فداء حىت تضع احلرب أوزارها

عاد ومن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على أيب عزة اجلمحي يوم بدر وشرط عليه أال يعود لقتاله فال يلدغ املؤمن : " لقتاله يوم أحد فأسر فأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بقتله فقال امنن علي فقال

".من جحر مرتني

وملا قتل النضر بن احلارث بالصفراء بعد انكفائه من بدر ملا استوقفته ابنته قتيلة يوم فتح مكة وأنشدته : قوهلا من الكامل

صبح خامسة وأنت موفق عن نةظيل ماً إن األثيا راكب

إن تزال بها الزكائب تخفق ما يةحإن تاً فيتألمغ به م

قجاءت لمائحها وأخرى تخن وحةفسإليه وعبرة م مني

في قومها والفحل فحل معرق ريمةنء كأمحمد يا خير ض

قتإن كان عتق يع وأحقهم رابةأقرب من قتلت ق النضر

الفتى وهو المغيظ المحنق من كان ضرك لو مننت وربما ما

".لو مسعت شعرها ما قتلته : " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم

.ولو مل جيز املن ملا قال هذا ألن أقواله أحكام مشروعة

وأما الفداء فقد أخذ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فداء أسرى بدر وفادى بعدهم رجالً برجلني، فإذا ثبت خياره فيمن مل يسلم بني األمور األربعة تصفح أحواهلم واجتهد برأيه فيهم، فمن علم منه قوة بأس

غري مثله، ومن رآه منهم ذا وشدة نكاية ويئس من إسالمه وعلم ما يف قتله من وهن قومه قتلة صرباً من جلد وقوة على العمل وكان مأمون اخليانة واخلباثة استرقه ليكون عوناً للمسلمني، وما رآه منهم مرجو

اإلسالم أو مطاعاً يف قومه ورجا باملن عليه إما إسالمه أو تألف قومه من عليه وأطلقه، ومن وجد منهم ذا ه على مال وجعله عدة لإلسالم وقوة للمسلمني وإن كان يف مال وجدة وكان باملسلمني خلة وحاجة فأدا

أسرى عشريته أحد من املسلمني من رجال أو نساء فأداه على إطالقهم فيكون خياره يف األربعة على وال خيص ا من أسر من " وجه األحوط األصلح ويكون املال املأخوذ يف الفداء غنيمة تضاف إىل الغنائم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 106

هللا صلى اهللا عليه وسلم دفع فداء األسرى من أهل بدر إىل من أسرهم قبل نزول املسلمني فإن رسول اومن أباح اإلمام دمه من املشركني لعظم نكايته وشدة أذيته مث أسر جاز له املن : قسم الغنيمة يف الغامنني

: ستار الكعبةقد أمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بقتل ستة عام الفتح ولو تعلقوا بأ. عليه والعفو عنه

عبد اهللا بن سعد بن أيب سرح كان يكتب الوحي لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فيقول له اكتب غفور : رحيم فيكتب عليم حكيم مث ارتد فلحق بقريش وقال إين أصرف حممداً حيث شئت فرتل فيه قوله تعاىل

".ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اهللا "

واحلويرث بن نفل : قينتان تغنيان بسبب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلموعبد اهللا بن خطل، كانت له ومقيس بن حبابة كان بعض األنصار قتل أخاً له خطأ فأخذ . كان يؤذي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

: ينه مث اغتال القاتل فقتله وعاد إىل مكة مرتداً وأنشد يقول من الطويل

ادعاء األخيه دمثوب يضرج سنداًشفى النفس أن قد بات بالقاع م

عفتحفى عن وطاء المضاج ثلم ههموم النفس من قبل قتل وكانت

ارعاب فبني النجار أرب سراة هلقبه قهراً وحملت ع ثأرت

عالم أول راجعن اإلس وكنت داًثأري وأضجعت موس وأدركت

وعكرمة بن أيب جهل كان يكثر التأليب على النيب . وسارة موالة لبعض بين املطلب كانت تسب وتؤذي .صلى اهللا عليه وسلم طلباً لثأر أبيه

فأما عبد اهللا بن سعد أيب سرح فإن عثمان رضي اهللا عنه استأمن له رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ما كان فيكم من يقتله حني أعرضت عنه، قالوا هال : " يل قالفأعرض عنه مث أعاد االستئمان ثانية فلما و

وأما عبد اهللا بن خطل فقتله سعيد بن " أومأت إلينا بعينك؟ قال ما كان لنيب أن تكون له خائنة األعني وأما . وأما مقيس بن حبابة فقتله منيلة بن عبد اهللا رجل من قومه. حريث املخزومي وأبو برزة األسلمي

ال يقتل : " نفيل فقتله علي بن أيب طالب صرباً بأمر رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، مث قالاحلويرث بن ".قرشي بعد هذا صرباً إال بقود

وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحدامها وهربت األخرى حىت استؤمن هلا من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأمنها مث تغيبت من بعد وأما سارة فتغيبت حىت استؤمن هلا من رس. فأمنها

حىت أوطأها رجل من املسلمني فرساً له يف زمان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه باألبطح فقتلها، وأما عكرمة بن أيب جهل فإنه سار إىل ناحية البحر وقال ال أسكن مع رجل قتل أبا احلكم يعين أباه فلما

لسفينة أخلص قال ومل؟ قال ال يصلح يف البحر إال اإلخالص فقال واهللا لئن ركب البحر قال له صاحب ا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 107

كان ال يصلح يف البحر إال اإلخالص فإنه ال يصلح يف الرب غريه فرجع وكانت زوجته بنت احلارث قد أسلمت وهي أم حليم فأخذت له من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أماناً، وقيل بل خرجت إليه بأمانه

مرحباً بالراكب املهاجر فأسلم فقال له رسول اهللا : لبحر فلما رآه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قالإىل ا ".ال تسألين اليوم شيئاً إال أعطيتك : " صلى اهللا عليه وسلم

فقال إين أسألك أن تسأل اهللا أن يغفر يل كل نفقة أنفقتها ألصد ا عن سبيل اهللا وكل موقف وقفته ".اهللا أغفر له ما سأل : " سبيل اهللا فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمألصد به عن

فقال واهللا يا رسول اهللا ال أدع درمهاً أنفقته يف الشرك إال أنفقت مكانه يف اإلسالم درمهني وال موقفاً اخلرب يتعلق به وهذا . وقفته يف الشرك إال وقفت مكانه يف اإلسالم موقفني فقتل يوم الريموك رضي اهللا عنه

.يف سرية الرسول صلى اهللا عليه وسلم أحكام فلذلك استوفيناه

وأما قتل من أضعفه اهلرم أو أعجزته الزمانة أو كان ممن ختلى من الرهبان وأصحاب الصوامع، فإن كانوا عد األسر ميدون املقاتلة برأيهم وحيرضون على القتال جاز قتلهم عند الظفر م وكانوا يف حكم املقاتلة ب

.وإن مل خيالطوه يف رأي وال حتريض ففي إباحة قتلهم قوالن

وأما السيب فهم النساء واألطفال؛ فال جيوز أن يقتلوا إذا كانوا أهل كتاب لنهي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عن قتل النساء والولدان ويكونوا سبياً مسترقاً يقسمون مع الغنائم وإن كان النساء من قوم ليس

هلم كتاب كالدهرية وعبدة األوثان وامتنعن من اإلسالم، فعند الشافعي يقتلن، وعند أيب حنيفة يسترققن، ".ال توله والدة عن ولدها : " وال يفرق فيمن استرققن بني والدة وولدها لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

م مغنوماً مكام ومل يلزمه استطابة فإن فاد بالسيب على مال جاز ألن هذا الفداء بيع ويكون مال فدائهنفوس الغامنني عنهم من سهم املصاحل، وإن أراد أن يفادي م عن أسرى من املسلمني يف أيدي قومهم عوض الغامنني عنهم من سهم املصاحل، وإن أراد املن عليهم مل جيز إال باستطابة نفوس الغامنني عنهم إما

فإن كان املن عليهم ملصلحة عامة جاز أن يعوضهم . عوضهم عنهمبالعفو عن حقوقهم منهم وإما مبال يومن امتنع من الغامنني عن ترك حقه مل . من سهم املصاحل، وإن كان ملر خيصه عارض عنهم من مال نفسه

يسترتل عنه إجباراً حىت يرضى وخالف ذلك حكم األسرى الذي ال يلزمه استطابة نفوس الغامنني يف املن الرجال مباح وقتل السيب حمظور فصار السيب ماالً مغنوماً ال يسترتلون عنه إال باستطابة عليهم، ألن قتل

.النفوس

وقد استعطفت هوازن النيب صلى اهللا عليه وسلم حني سباهم حبنني وأتاه وفودهم وقد فرق األموال وقسم .السيب فذكروه حرمة رضاعه فيهم من لنب حليمة وكانت من هوازن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 108

أن هوازن ملا سبيت وغنمت أمواهلم حبنني قدمت وفودهم مسلمني على النيب صلى اهللا حكى ابن إسحاقعليه وسلم وهو باجلعرانة فقالوا يا رسول اهللا لنا أصل وعشرية وقد أصابنا من البالء ماال خيفى عليك

حلظائر عماتك فامنن علينا من اهللا عليك مث قام منهم أبو صرد زهري بن صرد فقال يا رسول اهللا إمنا يف اوخاالتك وحواضنك الالئي كن يكفلنك ولو أنا ملكنا للحارث بن أيب مشر أو النعمان بن املنذر مث نزلنا

: مبثل املرتل الذي نزلنا رجونا عطفه وجائزته وأنت خري الكفيلني مث أنشأ يقول من البسيط

ردخوه ونرجرء نمك الفإن ريمي ك فول اهللاا رسينلع ننأم

قدر ممزق شملها في دهرها غبر أمنن على بيضة قد عاقها دررا الهضحن مؤه ملوك يمف إذ أمنن على نسوة قد كنت ترضعها

ذرا تى ومأتا تريك موإذ ت اهعرضت تنالً كفت طنإذا ك اآلن

رر زهشعا مإنا فنق مبتواس هتامعت نالن شما كنلعجت ال

ربتين يخاً حملاس حنح الأرج يا ارهشناء تمعا ننداركم تل إذ

ردخيوم نذا الد هعا بدننوع رتثى وإن كمعنرك الكشنل اإن

فقالوا خريتنا بني " أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ : " فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمأما : " أموالنا وأحسابنا بل ترد علينا أبناءنا ونساءنا فهم أحب إلينا فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

".ما كان يل ولبين عبد املطلب فهو لكم

فهو لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وقالت األنصار ما كان لنا فهو لرسول وقالت قريش ما كان لنا اهللا، وقال األقرع بن حابس أما أنا وبنو متيم فال، وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فال؛ وقال اهللا العباس بن مرداس السلمي أما أنا وبنو سليم فال، فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول اهللا صلى

أما : " عليه وسلم فقال العباس بن مرداس لنيب سليم قد وهنتم يب فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ".من متسك منكم حبقه من هذا السيب فله بكل إنسان ست قالئص فردوا إىل الناس أبناءهم ونساءهم

ا يف احلي نسباً فعسى أن يعظم فردوا، وكان عيينة قد أخذ عجوزاً من عجائز هوازن وقال إين ال أرى هلفداؤها فامتنع من ردها بست قالئص، فقال أبو صرد خلها عنك، فواهللا ما فوها ببارد، وال ثديها بناهد، وال بطنها بوالد، وال زوجها بواحد، وال درها مباغد، فردها بست قالئص، مث إن عيينة لقي األقرع فشكا

ال نصفاً وثرية وكان ف السيب الشيماء بنت احلارث بن عبد إليه فقال إنك ما أخذا بيضاء غريرة والعزى أخت رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من الرضاعة، فلما انتهت إليه قالت له أنا أختك فقال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 109

وما عالمة ذلك؟ فقالت عضة عضضتنيها وأنا متوركتك فعرف العالمة : رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمعليه وخريها بني املقام عنده مكرمة أو الرجوع إىل قومها ممتعة فاختارت أن وبسط هلا رداءه وأجلسها

ميتعها ويردها إىل قومها ففعل النيب صلى اهللا عليه وسلم وذلك قبل ورود الوفد ورد السيب؛ فأعطاها .غالماً له يقال له مكحل وجارية فزوجت أحدمها باآلخر ففيهم من نسلهما بقية

.حكام املستفادة منه سرية جيب أن يتبعها الوالة فلذلك استوفيناهويف هذا اخلرب مع األ

وقال أبو حنيفة . وإذا كان يف السبايا ذوات أزواج بطل نكاحهن بالسيب سواء سيب أزواجهن معهن أم الإن سبني مع أزواجهن فهن على النكاح، وإن أسلمت منهن ذات زوج قبل حصوهلا على السيب فهي حرة

وإذا قسم السبايا يف الغامنني حرم وطؤهن حىت يستربين حبيضة إن كن من . انقضاء العدةونكاحها باطل بروي أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مر بسيب هوازن . ذوات األقراء أو بوضع احلمل إن كن حوامل

".أال ال توطأ حامل حىت تضع وال غري ذات محل حىت حتيض : " فقال

أموال املسلمني وأحرزوه مل ميلكوه وكان باقياً على ملك أربابه من وما غلب عليه املشركون من املسلمني؛ فإن غنمة املسلمون رد على مالكه مهم بغري عوض وقال أبو حنيفة قد ملكه املشركون إذا

غلبوا عليه، حىت لو كانت أمة ودخل سيدها املسلم دار احلرب حرم عليه وطؤها، ولو كانت أرضاً أسلم وقال مالك إن أدركه . ب عليها كان أحق ا وإذا غنمه املسلمون كانوا أحق به من مالكهعنها املتغل

مالكه قبل القسمة كان أحق به، وإن أدركه يعدها كان مالكه حق بثمنه وغامنه أحق بعينه، وجيوز شراء ن، وال جيوز أوالد أهل احلرب منهم كما جيوز سبيهن، وجيوز شراء أوالد أهل العهد منهم وال جيوز سبيه

.شراء أوالد أهل الذمة منهم وال جيوز سبيهم

ال يؤخذ : وقال أبو حنيفة وصاحباه. وجيري على ما غنمته الواحد واالثنان حكم الغنيمة يف أخذ مخسهالسرية أن يكونوا عدداً ممتنعاً، : واختلفوا يف السرية، فقال أبو حنيفة وحممد. مخسة حىت يكونوا سرية

السرية تسعة فصاعداً، ألن سرية عبد اهللا بن جحش كانت تسعة وهذا غري معترب عند :وقال أبو يوسفأكثر الفقهاء، ألن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعث عبد اهللا بن أنيس إىل خالد بن سفيان اهلذيل سرية

.وحدة فقتله، وبعث عمرو بن أمية الضمري وآخر معه سرية

لصغار أوالدمها من ذكور وإناث وال يكون إسالماً للبالغني منهم إال أن وإذا أسلم األبوان كان إسالماً يكون إسالم األب إسالماً هلم وال يكون إسالم األم إسالماً هلم، وال : يكون البالغ جمنوناً، وقال مالك

إذا وقال أبو حنيفة إسالم الطفل إسالم وردته ردة. يكون إسالم األطفال بأنفسهم إسالماً وال ردم ردةوقال أبو يوسف يكون إسالم الطفل إسالماً وال تكون ردته . كان يعقل ومييز لكن ال يقتل حىت يبلغ

.وقال مالك يف رواية معن عنه إن عرف نفسه صح إسالمه وإن مل يعرفها مل يصح. ردة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 110

: وأما األرضون إذا استوىل عليها املسلمون فتقسم ثالثة أقسام

حىت فارقوها بقتل أو أسر أو إجالء؛ فقد اختلف الفقهاء يف حكمها بعد أحدها ما ملكت عنوة وقهراًفذهب الشافعي رضي اهللا عنه إىل أا تكون غنيمة كاألموال تقسم بني الغامنني . استيالء املسلمني عليها

تصري وقفاً على املسلمني حني : وقال مالك. إال أن يطيبو نفساً بتركها فتوقف على مصاحل املسلمنياإلمام فيها باخليار بني قسمتها بني الغامنني فتكون : وقال أبو حنيفة. نمت، وال جيوز قسمها بني الغامننيغ

أرضاً عشرية أو يعيدها إىل أيدي املشركني خبراج يضربه عليها فتكون أرض خراج ويكون املشركون ا ء سكنها املسلمون أو أعيد إليها أهل ذمة أو يقفها على كافة املسلمني وتصري هذه األرض دار إسالم سوا

.املشركون مللك املسلمني هلا، وال جيوز أن يسترتل عنها للمشركني لئال تصري دار حرب

والقسم الثاين منها ما ملك منهم عفواً الجنالئهم عنها خوفاً فتصري باالستيالء عليها وقيل بل ال تصري وقفاً يكون أجره لرقاا تؤخذ ممن عومل عليها من مسلم أو حىت يقفها اإلمام لفظاً ويضرب عليها خراجاً

معاهد، وجيمع فيها بني خراجها أعشار زروعها ومثارها إال أن تكون الثمار من خنل كانت فيها وقت االستيالء عليها، فتكون تلك النخل وقفاً معها ال جيب يف مثرها عشر، ويكون اإلمام فيها خمرياً بني وضع

وقال . سافاة على مثرا، ويكون ما استؤلف غرسه من النخل معشوراً وأرضه خراجاًاخلراج عليها أو املال جيتمع العشر واخلراج، ويسقط العشر باخلراج وتصري هذه األرض دار إسالم، وال جيوز بيع : أبو حنيفة

.هذه األرض وال رهنها، وجيوز بيع ما استحدث فيها من خنل أو شجر

: ليها صلحاً عل أن تقر يف أيديهم خبراج يؤدونه عنها، فهذا على ضربنيوالقسم الثالث أن يستويل ع

أحدمها أن يصاحلهم على أن ملك األرض لنا فتصري ذا الصلح وقفاً من دار اإلسالم؛ وال جيوز بيعها وال رهنها ويكون اخلراج أجرة ال يسقط عنهم بإسالمهم فيؤخذ خراجها إذا انتقلت إىل غريهم من املسلمني، وقد صاروا ذا الصلح أهل عهد فإن بذلوا اجلزي على رقام جاز إقرارهم فيها على التأييد، وإن منعوا

اجلزية مل جيربوا عليها ومل يقروا فيها إال املدة اليت يقر فيها أهل العهد وذلك أربعة أشهر، وال جياوزون الضرب الثاين أن يصاحلوا على أن و. ويف إقرارهم فيها ما بني األربعة أشهر والستة وجهان. السنة

األرضني هلم ويضرب عليها خراج يؤدونه عنها، وهذا اخلراج يف حكم اجلزية مىت أسلموا سقط عنهم، وإذا انتقلت إىل مسلم مل يؤخذ . وال تصري أرضهم دار إسالم وتكون دار عهد، وهلم بيعها ورهنها

جزية رقام ألم يف غري دار اإلسالم، وقال أبو خراجها ويقرون فيها ما أقاموا على الصلح، وال تؤخذحنيفة قد صارت دارهم بالصلح بعد استقراره معهم فقد اختلف فيهم فذهب الشافعي رمحه اهللا إىل أا

وقال أبو حنيفة إن كان يف . إن ملكت أرضهم عليهم فهي على محها، وإن مل متلك صارت الدار حرباًوقال أبو يوسف وحممد قد . دار احلرب بلد للمسلمني فهي دار حربدارهم مسلم أو كان بينهم وبني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 111

.صارت دار حرب يف األمرين كليهما

وأما األموال املنقولة فهي الغنائم املألوفة، وقد كان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقسمها على رأيه، وروى : لرسوله يضعها حيث شاءوملا تنازع فيها املهاجرون واألنصار يوم بدر جعلها اهللا عز وجل ملكاً

يسألونك عن األنفال : " سألت عبادة بن الصامت عن األنفال يعين عن قوله تعاىل: أبو أمامة الباهلي قال ".قل األنفال له والرسول فاتقوا اهللا وأصلحوا ذات بينكم

قنا فانتزعه اهللا فقال عبادة بن الصامت فينا أصحاب بدر أنزلت حني اختلفنا يف النفل فساءت فيه أخالسبحانه من أيدينا فجعله إىل رسوله فقسمه بني املسلمني على سواء واصطفى من غنيمة بدر سيفه ذا

الفقار وكان سيف منبه بن احلجاج، وأخذ منها سهمه ومل خيمسها إىل أن أنزل اهللا عز وجل بعد بدر ل ولذي القرىب واليتامى واملساكني وابن واعلموا إمنا غنمتم من شيء فإن هللا مخسه وللرسو: " قوله تعاىل

".السبيل

فتوىل اهللا سبحانه قسمة الغنائم كما توىل قسمة الصدقات، فكان أول غنيمة مخسها رسول اهللا صلى اهللا .عليه وسلم بعد بدر غنيمة بين قنيقناع

ظفر واستقرار امللك، وإذا مجعت الغنائم مل تقسم مع قيام احلرب حىت تتجلى، ليعلم باجنالئها حتقق الولئال يتشاغل املقاتلة ا فيهزموا، فإذا اجنلت احلرب كانت تعجيل قسمتها يف دار احلرب وجواز تأخريها

ال جيوز أن يقسمها يف دار : إىل دار اإلسالم حبسب ما يراه أمري اجليش من الصالح، وقال أبو حنيفةذا أراد قسمتها بدأ بأسالب القتلى فأعطى كل قاتل احلرب حىت تصري إىل دار اإلسالم فيقسمها حينئذ فإوقال أبو حنيفة ومالك إن شرط هلم ذلك استحقوه، . سلب قتيله سواء شرط اإلمام له ذلك أو مل يشرطه

وإن مل يشترطه هلم كان غنيمة فيشتركون فيها وقد نادى منادي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد ". فله سلبه من قتل قتيالً: " حيازة الغنائم

. والشرط ما تقدم الغنيمة ال ما تأخر عنها، وقد أعطي أبا قتادة أسالب قتاله وكانوا عشرين قتيالً

والسلب ما كان على املقتول من لباس يقيه وما كان معه من سالح يقاتل به وما كان حتته من فرس ا يف وسطه من مال وما بني يديه من يقاتل عليه، وال يكون ما يف املعسكر من أمواله سلباً وهل يكون م

حقيبة سلباً؟ فيه قوالن، وال خيمس السلب، وقال مالك، يؤخذ مخسة ألهل اخلمس، فإذا فرغ من إعطاء السلب فقد اختلف فيما يصنعه بعد مالك، يؤخذ مخسة ألهل اخلمس، فإذا فرغ من إعطاء السلب فقد

أنه يبدأ بعد السلب بإخراج اخلمس من مجيع الغنيمة اختلف فيما يصنعه بعد ذلك، فالصحيح من القولني يقسم اخلمس : فيقسمه بني أهل اخلمر على مخسة أسهم كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف وحممد ومالك

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 112

يقسم اخلمس على ستة : رضي اهللا عنه: وقال ابن عباس. على ثالثة أسهم لليتامى واملساكني وابن السبيل . مصاحل الكعبةسهم هللا تعاىل يصرف يف: أسهم

وأهل اخلمس يف الغنيمة هم أهل اخلمس يف الفيء فيكون سهم من اخلمس لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ويصرف بعده للمصاحل، والسهم الثاين لذوي القرىب من بين هاشم وبين املطلب، والسهم الثالث

يرضخ بعد اخلمس ألهل الرضخ؛ لليتامى، والسهم الرابع للمساكني، والسهم اخلامس لبين السبيل، مث وهم يف القول الثاين مقدمون على اخلمس، وأهل الرضخ من ال سهم له من حاضري الوقعة من العبيد

والنساء والصبيان والزمىن، وأهل الذمة يرضخ هلم من الغنيمة حبسب عنائهم وال يبلغ برضيخ أحد منهم ر الوقعة بعتق العبد وبلوغ الصيب وإسالم فلو زال نقص أهل الرضخ بعد حضو. سهم فارس وال راحل

فإن كان لك قبل انقضاء احلرب أسهم هلم ومل يرضخ، وإن كان ذلك بعد انقضائها رضخ هلم . الكافرومل يسهم، مث تقسم الغنيمة بعد إخراج اخلمس والرضخ منها بني من شهد الوقعة من أهل اجلهاد، وهم

يها من قاتل ومن مل يقاتل، ألن من مل يقاتل عون للقاتل ورده الرجال األحرار املسلمون األصحاء يشرك ف ".وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهللا أو ادفعوا : " له عند احلاجة، وقد اختلف يف قوله تعاىل

والثاين أنه املرابطة على اخليل وهو : أحدمها أنه تكثري السواد وهذا قول السدي وابن جريج: على تأويلنيوتقسم الغنيمة بينهم قسمة االستحقاق ال يرجع فيها إىل خيار القاسم ووايل اجلهاد، وقال . ونقول ابن ع

مال الغنيمة موقوف عل رأي اإلمام، إن شاء قسمه بني الغامنني تسوية وتفضيالً وإن شاء أشرك : مالك ".ة شهد الوقعة الغنيمة ملن: " معهم غريهم ممن مل يشهد الوقعة ويف قول النيب صلى اهللا عليه وسلم

وإذا اختص ا من شهد الوقعة وجب أن يفضل الفارس على الراجل لفضل عنائه، . ما يدفع هذا املذهب: وقال الشافعي. يعطى الفارس سهمني والرجل سهماً واحداً: واختلف يف قدر تفضيله، فقال أبو حنيفة

الفارس إال ألصحاب اخليل خاصة، يعطى الفارس ثالثة أسهم والراجل سهماً واحداً وال يعطى سهمويعطى ركاب البغال واحلمري واجلمال والفيلة سهام الرجالة، وال فرق بني عتاق اخليل وهجاا، وقال

وإذا . وإذا شهد الوقعة بفرس أسهم له وإن مل يقاتل عليه. سليمان ربيعة ال يسهم إال للعتاق السوابقوقعة بأفراس مل يسهم إال لفرس واحد وبه قال أبو حنيفة وإذا حضر ال. خلفه يف العسكر مل يسهم له

وقال ابن عيينة يسهم ملا حيتاج إليه وال سهم . يسهم لفرسني وبه قال األوزاعي: وقال أبو يوسف. وحممدومن مات فرسه بعد حضور الوقعة أسهم له، ولو مات قبلها مل يسهم له، وكذلك لو . ملا ال حيتاج إليهوإذا جاءهم مدد . إن مات هو وأفراسه بعد دخول دار احلرب أسهم له: ل أبو حنيفةوقا: كان هو امليت

إن : وقال أبو حنيفة: قبل اجنالء احلرب شاركوهم يف الغنيمة، وإن جاءوا بعد اجنالئها مل يشاركوهم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 113

إذا ويسوى يف قسمة الغنائم بني مرتزقة اجليش وبني املتطوعة: دخلوا دار احلرب قبل اجنالئها شاركوهم. وقال أبو حنيفة ال خبمس. وإذا غزا قوم بغري إذن اإلمام كان ما غنموه خمموساً: شهد مجيعهم الوقعة

.ال ميلك ما غنموه: وقال احلسن

وإذا دخل املسلم دار احلرب بأمان أو كان مأسوراً معهم فأطلقوه وأمنوه مل جيز أن يغتاهلم يف نفس وال أن يغتاهلم يف أنفسهم وأمواهلم إال أن يستأمنوه كما أمنوه فيلزمه وقال داود . مال وعليه أن يؤمنهم

وإذا كان يف املقاتلة من ظهر عناؤه وأثر بالؤه لشجاعته وإقدامه أخذ سهمه . املوادعة وحيرم عليه االغتيالمن الغنيمة أسوة غريه وزيد من سهم املصاحل حبسب عنائه فإن لذي السابقة واإلقدام حقاً ال يضاع قد

عقد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أول راية عقدها يف اإلسالم بعد عمه محزة بن عبد املطلب لعبيدة بن احلارث يف شهر ربيع األول يف السنة الثانية من اهلجرة وتوجه معه سعد بن أيب وقاص إىل أدىن ماء

رمى سهماً يف سبيل باحلجاز وكان أمري املشركني عكرمة بن أيب جهل فرمى سعد ونكى، كان أول من : اهللا فقال من الوافر

حميت صحابتي بصدور نبلي يهل أتى رسول اهللا أن أال

لهحزونة وبكل س بكل م ذياداًها أوائلهب أذود

يليا رسول اهللا قب بسهم دوي عد رام فتيع فما

دله وعحق أتيت ب وذو دقك دين صأن دين وذلك

.فلما قدم اعتذر له رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم مبا سبق إليه وتقدم فيه

الباب الثالث عشر

في وضع الجزية والخراج

واجلزية واخلراج حقان أوصل اهللا سبحانه وتعاىل املسلمني إليهما من املشركني جيتمعان من ثالث أوجه، .ويفترقان من ثالثة أوجه، مث تتفرع أحاكمهما

والثاين . فأما األوجه اليت جيتمعان فيها، فأحدها أن كل واحد منهما مأخوذ عن مشرك صغاراً له وذمة .والثالث أما جيبان حبلول احلول وال يستحقان قبله. أهل الفيءأما ماال يفء، يصرفان يف

فأحدها أن اجلزية نص وأن اخلراج اجتهاد والثاين أن أقل اجلزية مقدر : وأما األوجه اليت يفترقان فيهاوالثالث أن اجلزية تؤخذ مع . بالشرع وأكثرها مقدر باالجتهاد، واخلراج أقله وأكثره مقدر باالجتهاد

فأما اجلزية فهي موضوعة على . الكفر وتقسط حبدوث اإلسالم، واخلراج يؤخذ مع الكفر واإلسالمبقاء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 114

الرؤوس وامسها مشتق من اجلزاء، إما جزاء على كفرهم ألخذها منهم صغاراً، وإما جزاء على أماننا هلم .ألخذها منهم رفقاً

باليوم اآلخر وال حيرمون ما حرم اهللا ورسوله قاتلوا الذي ال يؤمنون باهللا وال: " واألصل فيها قوله تعاىل ".وال يدينون دين احلق من الذين أتوا الكتاب حىت يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون

فأهل الكتاب وإن كانوا معترفني بأن اهللا سبحانه واحد " الذين ال يؤمنون باهللا " أما قوله سبحانه والثاين ال يؤمنون : مها ال يؤمنون بكتاب اهللا تعاىل وهو القرآنأحد: فيحتمل نفي هذا اإلميان باهللا تأويلني

.ألن تصديق الرسل إمياناً بالرسل: برسوله حممد صلى اهللا عليه وسلم

حيتمل تأويلني أحدمها ال يعرفون وعيد اليوم اآلخر وإن كانوا معترفني " وال باليوم اآلخر " وقوله سبحانه .يصدقون مبا وصفه اهللا تعاىل من أنواع العذابوالثاين ال . بالثواب والعقاب

أحدمها ما أمر اهللا سبحانه بنسخه من : حيتمل تأويلني" وال حيرمون ما حرم اهللا ورسوله " وقوله .الثاين ما أحله اهللا هلم وحرمه عليهم. شرائعهم

تباع الرسول وهذا قول أحدمها ما يف التوراة واإلجنيل من ا: فيه تأويالن" ال يدينون دين احلق " وقوله .والثاين الدخول يف اإلسالم وهو قول اجلمهور. الكليب

والثاين من الذين . أحدمها من دين أبناء الذين أوتوا الكتاب: فيه تأويالن" من الذين أتوا الكتاب " وقوله .بينهم الكتاب ألم من اتباعه كأبنائه

أحدمها حىت يدفعوا اجلزية، والثاين حىت يضمنوها ألن فيه تأويالن " حىت يعطوا اجلزية " وقوله تعاىل .بضماا جيب الكف عنهم

أحدمها أا من األمساء املة اليت ال نعرف منا ما أريد ا إال أن يرد بيان والثاين من : ويف اجلزية تأويالن .األمساء العامة اليت جيب إجراؤها على عمومها إال ما قد خصه الدليل

والثاين أن يعتقدوا أن لنا يف أخذها . تأويالن أحدمها عن غىن وقدرة" عن يد " حانه وتعاىل ويف قوله سب .منهم يداً وقدرة عليهم

والثاين أن جتري عليهم أحكام اإلسالم، . أحدمها أذالء مستكينني: تأويالن" وهم صاغرون " ويف قوله ذمة من أهل الكتاب ليقروا ا يف دار فيجب على ويل األمر أن يضع اجلزية على رقاب من دخل يف ال

والثاين احلماية هلم ليكونوا بالكف آمنني . أحدمها الكف عنهم: ويلتزم هلم ببذهلا حقان. اإلسالم: " كان آخر ما تكلم به النيب صلى اهللا عليه وسلم أن قال: روى نافع عن عمر قال. وباحلماية حمروسني

زية منهم كغريهم وقال أبو حنيفة ال آخذها من العرب لئال جيري والعرب يف أخذ اجل" احفظوين يف ذميت

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 115

وأخذها أبو حنيفة من عبدة األوثان إذا كانوا . عليه صغار، وال تؤخذ من مرتد وال دهري وال عابد وثنعجماً ومل يأخذها منهم إذا كانوا عرباً، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وكتام التوراة واإلجنيل،

وتؤخذ من الصابئني . وس جمراهم يف أخذ اجلزية منهم وإن حرم أكل ذبائحهم ونكاح نسائهموجيري اوالسامرة إذا وافقوا اليهود والنصارى يف أصل معتقدهم وإن خالفوهم يف فروعه، وال تؤخذ منهم إذا

أقر على ما ومن دخل يف اليهودية والنصرانية قبل تبديلهما. خالفوا اليهود النصارى يف أصل معتقدهمومن . دان به منهما وال يقر إن دخل بعد تبديلهما ومن جهلت حالته أخذت جزيته ومل تؤكل ذبيحته

انتقل من يهودية إىل نصرانية مل يقر يف أصح القولني وأخذ باإلسالم، فإن عاد إىل دينه الذي انتقل عنه .اع الفقهاءففي إقراره عليه قوالن؟ ويهود خيرب وغريهم يف اجلزية سواء بإمج

وال جتب اجلزية إال على الرجال األحرار العقالء، وال جتب على امرأة وال صيب وال جمنون وال عبد ألم ولو تفردت منهم امرأة على أن تكون تبعاً لزوج أو نصيب مل تؤخذ منها جزية ألا تعب . أتباع وذراري

دار احلرب فبذلت اجلزية للمقام يف دار لرجل قومها وإن كانوا أجانب منها، ولو تفردت امرأة من اإلسالم مل يلزمها ما بذلته وكان ذلك منها كاهلبة ال تؤخذ منها إذا امتنعت ولزمت ذمتها وإن مل تكن

.تبعاً لقومها

.وال تؤخذ اجلزية من خنثى مشكل، فإن زال إشكاله وبان أنه رجل أخذ ا يف مستقبل أمره وماضيه

قدر اجلزية، فذهب أبو حنيفة إىل تصنيفهم ثالثة أصناف أغنياء يؤخذ منهم مثانية واختلف الفقهاء يف فجعلها . وأربعون درمهاً، وأوساط يؤخذ منهم أربعة وعشرون درمهاً وفقراء يؤخذ منهم اثنا عشر درمهاً

موكولة وقال مالك ال يقدر أقلها وال أكثرها وهي . مقدرة األقل واألكثر ومنع من اجتهاد الوالة فيهاالجتهاد الوالة يف الطرفني وذهب الشافعي إىل أا مقدرة األقل بدينار ال جيوز االقتصار على أقل منه

وعنده غري مقدرة األكثر يرجع فيه إىل اجتهاد الوالة وجيتهد الوالة وجيتهد رأيه يف التسوية بني مجيعهم أو معها على مرضاة أوىل األمر منهم صارت الزمة التفضيل حبسب أحواهلم، فإذا اجتهد رأيه يف عقد اجلزية

جلميعهم وألعقام قرناً بعد قرن، وال جيوز لوال بعده أن يغريه إىل نقصان منه أو زيادة عليه، فإن صوحلوا على مضاعفة الصدقة عليهم ضوعفت كما ضاعف عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه مع تنوخ

نساء والصبيان ألا جزية تصرف يف أهل الفيء فخالفت وراء وبين تغلب بالشام، وال تؤخذ من الالزكاة املأخوذة من النساء والصبيان، فإن مجع بينهما وبني اجلزية أخذتا معاً، وإن اقتصر عليها وحدها

وإذا صوحلوا على ضيافة من مر م من املسلمني قدرت . كانت جزية إذا مل تنقص يف السنة عن دينارخذوا ا ال يزادون عليها كما صاحل عمر نصارى الشام على ضيافة من مر م من عليهم ثالثة أيام وأ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 116

املسلمني ثالثة أيام مما يأكلون، وال يكلفهم ذبح شاة وال دجاجة وتبييت دوام من غري شعري وجعل ذلك على أهل السواد دون املدن، فإن مل يشترط عليهم الضيافة ومضاعفة الصدقة فال صدقة عليهم يف

.رع وال مثرة، وال يلزمهم إضافة سائل وال سابلز

أما املستحق فستة شروط أحدها أن ال . ومستحق ومستحب: ويشترط عليهم يف عقد اجلزية شرطانوالثاين أن ال يذكروا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم . يذكروا كتاب اهللا تعاىل بطعن فيه وال حتريف له

يذكروا دين اإلسالم بذم له وال قدح فيه، والرابع أن ال يصيبوا والثالث أن ال. بتكذيب وال إزدراءوالسادس . واخلامس أن ال يفتنوا مسلماً عن دينه وال يتعرضوا ملاله وال دينه. مسلمة بزنا وال باسم نكاح

أن ال يعينوا أهل احلرب وال يودوا أغنيائهم، فهذه الستة حقوق ملتزمة فتلزمهم بغري شرط، وإمنا تشترط .شعاراً هلم وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم ويكون ارتكاا بعد الشرط نقضاً لعهدهمإ

وأما املستحب فستة أشياء أحدها تغيري هيئام بلبس الغيار وشد الزنار والثاين أن ال يعلوا على املسلمني يسهم وال تالوة كتبهم يف األبنية ويكونوا إن مل ينقصوا مساوين هلم والثالث أن ال يسمعوهم أصوات نواق

. وال قوهلم يف عزيز واملسيح والرابع أن ال جياهروهم بشرب مخورهم وال بإظهار صلبام وخنازيرهم

واخلامس أن خيفوا دفن موتاهم وال جياهروا بندب عليهم وال نياحة، والسادس أن مينعوا من ركوب اخليل وهذه الستة املستحبة ال تلزم بعقد الذمة حىت تشترط عناقاً وهجاناً وال مينعوا من ركوب البغال واحلمري،

فتصري بالشرط ملتزمة وال يكون ارتكاا بعد الشرط نقضاً لعهدهم، لكن يؤخذون ا إجباراً ويؤبون ويثبت اإلمام ما استقر من عقد الصلح معهم يف . عليها زجراً، وال يؤدبون إن مل يشترط ذلك عليهم

إذا تركوه، فإن لكل قوم صلحاً رمبا خالف ما سواه، وال جتب اجلزية عليهم دواوين األمصار ليؤخذوا بهيف السنة إال مرة واحدة بعد انقضائها بشهور هاللية، ومن مات منهم فيها أخذ من تركته بقدر ما مضى

ه ومن أسلم منهم كان ما لزم من جزيته ديناً يف ذمته يؤخذ ا وأسقطها أبو حنيفة بإسالمه وموت. منهاومن بلغ من صغارهم أو أفاق من جماننهم استقبل به حول مث أخذ باجلزية، ويؤخذ العقري ا إذا أيسر

وينظر ا إذا أعسر، وال تسقط عن شيخ وال زمن، وقيل تسقط عنهما وعن الفقري ا إذا أيسر وينظر ا ا تشاجروا يف دينهم وإذ: إذا أعسر، وال تسقط عن شيخ وال زمن، وقيل تسقط عنهما وعن الفقري

واختلفوا يف معتقدهم مل يعارضوا فيه ومل يكشفوا عنه، وإذا تنازعوا يف حق وترافعوا فيه إىل حاكمهم مل مينعوا منه، فإن ترافعوا فيه إىل حاكمنا حكم بينهم مبا يوجبه دين اإلسالم وتقام عليهم احلدود إذا أتوها

، ألهل العهد إذا دخلوا دار اإلسالم األمان على نفوسهم ومن نقض منهم عهده بلغ مأمنه مث كان حرباًوأمواهلم هلم أن يقيموا فيها أربعة أشهر بغري جزية، وال يقيموا سنة إال جبزية، وفيما بني الزمنني خالف،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 117

.ويلزم الكف عنهم كأهل الذمة، وال يلزم الدفع عنهم خبالف أهل الذمة

لزم أمانة كافة املسلمني، واملرأة يف بذل األمان كالرجل والعبد فيه وإذا أمن بالغ عاقل من املسلمني حربياً وال يصح أمان العبد إال أن يكون مأذوناً له يف القتال، وال يصح أمان الصيب وال : وقال أبو حنيفة. كاحلر

.انون، ومن أمناه فهو حرب إال أن جهل حكم أمام فيبلغ مأمنه ويكون حرباً

هد والذمة بقتال املسلمني كانوا حرباً لوقتهم فيقتل مقاتلهم ويعترب حال ما عدا املقاتلة وإذا تظاهر أهل العوإذا امتنع أهل الذمة من أداء اجلزية كان نقضاً لعهدهم، وقال أبو حنيفة وينقض به . بالرضى واإلنكار

.اً كالديونعهدهم، وقال أبو حنيفة وينقض به عهدهم إال أن يلحقوا بدار احلرب، ويؤخذ منهم جرب

وال جيوز أن حيدثوا يف دار اإلسالم بيعة و ال كنيسة، فإن أحدثوها هدمت عليهم؛ وجيوز أن يبنوا ما استهدم من بيعهم وكنائسهم العتيقة، وإذا نقض أهل الذمة عهدهم مل يستبح بذلك قتلهم وال غنم

لمني آمنني حىت يلحقوا مأمنهم من أمواهلم وال سيب ذراريهم ما مل يقاتلوا ووجب إخراجهم من بالد املس .أدىن بالد الشرك، فإن مل خيرجوا طوعاً أخرجوا كرهاً

وأما اخلراج، فهو ما وضع على رقاب األرض من حقوق تؤدى عنها وفيه من نص الكتاب بينة خالفت ربك خري أم تسأهلم خرجاً فخراج : " نص اجلزية فلذلك كان موقوفاً على اجتهاد األئمة، قال اهللا تعاىل

."

: ويف قوله فخراج ربك خري وجهان. أحدمها أجراً، والثاين نفعاً: ويف قوله أم تسأهلم خرجاً وجهان

والثاين فأجر ربك يف اآلخرة خري منه، وهذا . أحدمها فرزق ربك يف الدنيا خري منه وهذا قول الكليب: قال أبو عمرو بن العالء. سن أيضاًهول الكليب أيضاً، وقوله فأجر ربك يف اآلخرة خري منه، هذا قول احل

واخلراج يف لغة العرب اسم للكراة . والفرق بني اخلرج واخلراج أن اخلرج من الرقاب واخلراج من األرض ".اخلراج بالضمان : " والغلة ومنه قول النيب صلى اهللا عليه وسلم

.وأرض اخلراج تتميز عن أرض العشر يف امللك واحلكم

أحدها ما استأنف املسلمون إحياءه فهو أرض عشر ال جيوز أن : تنقسم أربعة أقسامواألرضون كلها يوضع عليها خراج، والكالم فيها يذكر يف إحياء املوات من كتابنا هذا والقسم الثاين ما أسلم عليه أربابه

قال و. فهم أحق به، فتكون على مذهب الشافعي رمحه اهللا أرض عشر وال جيوز أن يوضع عليها خراجأبو حنيفة اإلمام خمري بني أن جيعلها خراجاً أو عشراً، فإن جعلها خراجاً مل جيز أن تنقل إىل العشر، وإن

والقسم الثالث ما ملك من املشركني عنوة وقهراً، فيكون على . جعلها عشراً جاز أن تنقل إىل اخلراج ال جيوز أن يوضع عليها خراج، مذهب الشافعي رمحه اهللا غنيمة تقسم بني الغامنني وتكون أرض عشر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 118

. وقل أبو حنيفة يكون اإلمام خرياً بني األمرين. وجعلها مالك وفقاً على املسلمني خبراج يوضع عليها

.والقسم الرابع ما صوحل عليه املشركون من أرضهم فهي األرض بوضع اخلراج عليها وهي على ضربني

فتصري وفقاً على مصاحل املسلمني ويضرب عليها أحدمها ما خال عنه أهله حصلت للمسلمني بغري قتلاخلراج ويكون أجرة تقر على األبد وإن مل يقدر مبدة ملا فيها من عموم املصلحة وال يتغري بإسالم وال

.ذمة، وال جيوز بيع رقاا اعتباراً حلكم الوقوف

: عليهم فهذا على ضربنيوالضرب الثاين ما أقام فيه أهله وصوحلوا على إقراره يف أيديهم خبراج يضرب

أحدمها أن يرتلوا عن ملكها لنا عند صلحنا فتصري هذه األرض وقفاً على املسلمني كالذي اجنلى عنه أهله، ويكون اخلراج املضروب عليهم أجرة ال تسقط بإسالمهم وال جيوز هلم بيع رقام، ويكونون أحق

قاموا على شركهم أم أسلموا كما ال تنتزع ا ما أقاموا على صلحهم وال تنتزع من أيديهم سواء أاألرض املستأجرة من يد مستأجرها، وال يسقط عنهم ذا اخلراج جزية رقام إن صاروا أهل ذمة

مستوطنني وإن مل ينتقلوا إن الذمة وأقاموا على حكم العهد مل جيز أن يقروا فيها ستة وجاز إقرارهم فيها .دوا بغري جزية

ن يستبقوها على أمالكهم وال يرتلوا عن رقاا ويصاحلوا عنها خبراج يوضع عليها، فهذا والضرب الثاين أاخلراج جزية تؤخذ منهم ما أقاموا على شركهم وتسقط عنهم بإسالمهم وجيوز أن ال يؤخذ منهم جزية

تبايعوها رقام، وجيوز هلم بيع هذه األرض على من شاءوا منهم أو من املسلمني أو من أهل الذمة، فإن وإن بيعت على ذمي : فيما بينهم كانت على حكمها يف اخلراج وإن بيعت على مسلم سقط عنه خراجها

احتمل أن ال يسقط عنه خراجها لبقاء كفره، واحتمل أن يسقط عنه خراجها خبروجه بالذمة عن عقده ربان بأن يؤخذ من كل من صوحل عليها مث ينظر يف هذا اخلراج املوضوع عليها، فإن وضع على مسائح اجل

جريب قدر من ورق أو حب، فإن سقط عن بعضها بإسالم أهله كان ما بقي على حكمه وال يضم إليه خراج ما سقط اجلربان، فمذهب الشافعي أنه حيط عنهم من مال الصلح ما سقط منه بإسالم أهله، وقال

فأما قدر اخلراج . ما خصه بإسالمهأبو حنيفة يكون مال الصلح باقياً بكماله وال يسقط عن هذا املسلماملضروب فيعترب مبا حتتمله األرض، فإن عمر رضي اهللا عنه حني وضع اخلراج على سواد العرق يف بعض

نواحيه على كل جريب قفيزاً ودرمهاً وجرى يف ذلك على ما استوفقه من رأي كسرى بن قباذ، فإنه أول وراعى ما حتتمله األرض من غري حيف . ع الدواوينمن مسح السواد ووضع اخلراج وحدد احلدود ووض

مبالك وال إجحاف بزارع وأخذ من كل جريب قفيزاً ودرمهاً وكان القفيز وزنه مثانية أرطال مثنه ثالثة : درهم، وزن املثقال، النتشار ذلك مبا ظهر يف جاهلية العرب قال زهري بن أيب سلمى من الطويل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 119

قرى بالعراق من قفيز ودرهم اهلكم ما ال تغل ألهل فتغلل

وضرب عمر رضي اهللا عنه على ناحية أخرى غريها غري هذا القدر، فاستعمل عثمان ابن حتيف عليه وأمره باملساحة ووضع ما حتتمله األرض من خراجها، فمسح ووضع على كل جريب من الكرم والشجر

اهم، امللتف عشر دراهم، ومن النخل مثانية دراهم، ومن قصب السكر ستة دراهم، ومن الرطبة مخسة درومن الرب أربعة دراهم، ومن الشعري درمهني وكتب بذلك إىل عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه فأمضاه

وعمل يف نواحي الشام على غري هذا فعلم أنه راعى يف كل أرض ما حتتمله وذلك جيب أن يكون واضع حد منها يف زيادة اخلراج بعده يراعي يف كل أرض ما حتتمله، فإا ختتلف من ثالثة أوجه يؤثر كل وا

الثاين ما . أحدها خيتص باألرض من جودة يزكو ا زرعها أو رداءة يقل ا ريعها: اخلراج ونقصانهخيتص بالزرع مع اختالف أنواعه من احلبوب والثمار، فمنها ما يكثر مثنه، ومنها ما يقل مثنه، فيكون

زم املؤنة يف سقيه بالتواضح والدوايل ال اخلراج حبسبه، والثالث ما خيتص بالسقي والشرب، ألن ما الت .حيتمل من اخلراج ما حيتمله سقي السيوح واألمطار

أحدها ما سقاه اآلدميون بغري آلة كالسيوح من العيون : وشرب الزرع واألشجار ينقسم أربعة أقسام. ياه منفعة وأقلها كلفةواألار يساق إليها فيسيح عليها عند احلاجة ومينع منها عند االستغناء وهذا أوفر امل

. والقسم الثاين ما سقاه اآلدميون بآلة من نواضح ودواليب أو دوايل وهذا أكثر املياه مؤنة وأشقها عمالً

والقسم الرابع ما سقته األرض : والقسم الثالث ما سقته السماء مبطر أو ثلج أو طل ويسمى العذىعها وشجرها بعرقه ويسمى البل، فأما الغيل وهو ما بنداوا وما استمكن من املاء يف قرارها فيشرب زر

وإن مل يسح فهو من القسم الثاين، وأما الكظائم فهو ما . شرب بالقناة فإن ساح فهو من القسم األولشرب من اآلبار، فإن نضج منها بالغروب فهو من القسم الثاين، وإن استخرج من القناة فهو غيل يلحق

ا ذكرنا فال بد لواضع اخلراج من اعتبار ما وصفناه من األوجه الثالثة، من وإذا استقر م. بالقسم األولاختالف األرضني واختالف الزروع واختالف السقي ليعلم قدر ما حتمله األرض من خراجها، فيقصد العدل فيها فيما بني أهلها وبني الفيء من غري زيادة جتحف بأهل اخلراج وال نقصان يضر بأهل الفيء

فريقني، ومن الناس من اعترب شرطاً رابعاً وهو قرا من البلدان واألسواق ويعدها لزيادة أمثاا نظراً للونقصاا، هذا إمنا يعترب فيما يكون خراجه ورقاً وال يعترب فيما يكون خراجه حباً وتلك الشروط الثالثة

ختلف قدره وجاز أن يكون خراج تعترب يف احلب والورق، وإذا كان اخلراج معترباً مبا وصفنا فكذلك ما اكل ناحية خمالفاً خلراج غريها، وال يستقصي يف وضع اخلراج غاية ما حيتمله، وليجعل فيه ألرباب األرض

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 120

.بقية جيربون ا النوائب واحلوائج

حكي أن احلجاج كتب إىل عبد امللك بن مروان يستأذنه يف أخذ الفضل من أموال السواد فمنعه من ه، ال تكن على درمهك ملأخوذ أحرص منك على درمهك املتروك وأبق هلم حلوماً يعقدون ذلك وكتب إلي

.ا شحوماً

: فإذا تقرر اخلراج مبا احتملته األرض من الوجوه اليت قدمناها راعى فيها أصلح األمور من ثالثة أوجه

ن جيعلها مقامسة، فإن والثلث أ. والثاين أن يضعه على مسائح الزرع. أحدها أن يضعه على مسائح األرضوضعه على مسائح األرض كان معترباً بالسنة اهلاللية وإن وضعه على مسائح الزرع كان معترباً بالسنة

الشمسية، وإن جعله مقامسه كان معترباً بكمال الزرع وتصفيته، فإذا استقر على استقر على أخذها مقدار يزاد فيه وال ينقص منه ما كانت األرضون على أحواهلا بالشروط املعتربة فيه صار ذلك مؤبداً ال جيوز أن

.يف سقيها ومصاحلها

أحدمها أن يكون حدوث الزيادة والنقصان : فإن تغري ومصاحلها إىل الزيادة أو النقصان فذلك ضربانبسبب من جهتهم، كزيادة حدثت بشق أار أو استنباط مياه، أو نقصان حدث لتقصري يف عمارته؛ أو

قوق ومصلحة، فيكو اخلراج عليهم حباله ال يزاد عليهم فيه لزيادة عمارم فيه، ال ينقص عدول عن ح : منه لنقصاا، ويؤخذون العمارة لئال يستدمي خراا فتعطل

والضرب الثاين أن يكون حدوث ذلك من غري جهتهم؛ فيكون النقصان لشق انشق أو ر تعطل، فإن إلمام أن يعمله من بيت املال من سهم املصاحل، واخلراج ساقط عنهم كان سده وعمله ممكناً وجب على ا

ما مل يعمل، وإن مل يكن عمله فخراج تلك األرض ساقط عن أهلها إذا عدم االنتفاع ا، فإن أمكن االنتفاع ا يف غري الزراعة كمصائد أو مراع جازأ يستأنف وضع خراج عليها حبسب ما حيتمله الصيد

كاألرض املوات اليت ال جيوز أن يوضع على مصائدها ومراعيها خراج، ألن هذه األرض واملوعى وليست .مملوكة وأرض املوات مباحة

أما الزيادة اليت أحدثها اهللا تعاىل فكأار حصرها السيل وصارت األرض ا سائحة بعد أن كانت تسقى راج وإن وثق بدوامه راعى اإلمام فيه بآلة، فإن كان هذا عارضاً ال يوثق بدوامه مل جيز أن يزاد يف اخل

.املصلحة ألرباب الضياع وأهل الفيء وعمل يف الزيادة أو املتاركة مبا يكون عدالً بني الفريقني

وقال مالك ال خراج عليها سواء تركها . وخراج األرض إذا أمكن زرعها مأخوذ منها وإن مل تزرعوإذا كان . إن كان خمتاراً ويسقط عنها إن كان معذوراًوقال أبو حنيفة يؤخذ منها. خمتاراً أو معذوراً

خراج ما أخل بزرعه خيتلف باختالف الزروع أخذ منه فيما أخل بزرعه عن أقل ما يزرع فيها ألنه لو .اقتصر على زرعه مل يعارض فيه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 121

هلا وإذا كانت أرض اخلراج ال ميكن زرعها يف كل عام حىت تراح يف عام وتزرع يف عام آخر روعي حاإما : يف ابتداء وضع احلراج عليها واعترب أصلح األمور ألرباب الضياع وأهل الفيء يف خصله من ثالث

أن جيعل خراجها على الشطر من خراج ما يزرع كل عام فيؤخذ من املزروع واملتروك وإما أن ميسح كل اله على مساحة املزروع جريبني منها جبريب ليكون أحدمها للمزروع واآلخر للمتروك وإما أن يضعه بكم

.واملتروك ويستوىف من أربابه الشطر من زراعة أرضهم

وإذا كان خراج الزروع والثمار خمتلفاً باختالف األنواع لزرع أو غرس ما مل ينص عليه اعترب خراجه .بأقرب املنصوصات به شبهاً ونفعاً

ألرض ومجع فيها بني احلقني وإذا زرعت أرض اخلراج ما يوجب العشر مل يسقط عشر الزرع خبراج اوقال أبو حنيفة ال أمجع بينهما واقتصر على أخذ اخلراج وإسقاط العشر، . على مذهب الشافعي رمحه اهللا

وإذا سقى مباء . وال جيوز أن تنفل أرض اخلراج إىل العشر وال أرض العشر إىل اخلراج، وجوزه أبو حنيفةذا سقي مباء العشر أرض خراج كان املأخوذ منها خراجاً اخلراج أرض عشر كان املأخوذ منها عشراً، وإ

اعتباراً باألرض دون املاء، وقال أبو حنيفة يعترب حكم املاء فيؤخذ مباء اخلراج من أرض العشر اخلراج ويؤخذ مباء العشر من أرض اخلراج العشر اعتباراً باملاء دون األرض واعتباراً األرض أوىل من اعتبار املاء

ج مأخوذ عن األرض والعشر مأخوذ عن الزرع، وليس على املاء خراج وال عشر فلم يعترب يف ألن اخلراواحد منهما وعلى هذا االختالف منع أبو حنيفة صاحب اخلراج أن يسقى مباء العشر ومنع صاحب

.العشر أن يسقى مباء اخلراج، ومل مينع الشافعي رمحه اهللا واحداً منهما أن يسقى بأي املاءين شاء

وإن بىن يف أرض اخلراج أبنية من دور أو حوانيت كان خراج األرض مستحقاً، ألن لرب األرض أن ينتفع ا كيف شاء، وأسقطه أبو حنيفة إال أن تزرع أو تغرس والذي أراه أن ماالً يستغىن عن بنيانه من

يستوطنه، وما جاوز مقامه يف أرض اخلراج لزراعتها عفو يسقط عنه خراجه، ألنه ال يستقر إال مبسكن .قدر احلاجة مأخوذ خبراجه

وإذا أوجرت أرض اخلراج أو أعريت فخراجها على املالك دون املستأجر واملستعري وقال أبو حنيفة .خراجها يف اإلجازة على املالك وف العارية على املستعري

را أا أرض عشر وإذا اختلف العامل ورب األرض يف حكمها فادعى العامل أنا أرض خراج وادعىوقوهلما ممكن فالقول قول املالك دون العامل، فإن ام أحلف استظهار وجيوز أن يعمل يف مثل هذا االختالف على شواهد الدواوين السلطانية إذا علم صحتها ووثق بكتاا وقلما يشكل ذلك إال يف

ادعى دفع العشر قبل قوله، وجيوز أن وإذا ادعى رب األرض دفع اخلراج مل يقبل منه قوله، ولو . احلدود

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 122

يعمل يف دفع اخلراج على الدواوين السلطانية إذا عرف صحتها اعتبار بالعرف املعتاد فيها ومن أعسر خبراجه أنظر به إيساره وقال أبو حنيفة جيب بإيساره ويسقط باإلعسار وإذا مطل باخلراج مع إيسار

فإن مل يوجد له غري رض اخلراج فإن كان . خراجه كاملديونحبس به إال أن يوجد له مال فيباع عليه يف السلطان يرى جواز بيعها باع منها عليه بقدر خراجها؛ وإن كان ال يرى ذلك أجراها عليه واستوىف

وإذا عجز رب األرض . اخلراج من مستأجرها، فإن زادت األجرة زيادا، وإن نقصت كان عليه نقصاا تؤجرها أو ترفع يدك عنها لتدفع إىل من يقوم بعمارا ومل يترك على خراا من عمارا قيل له إما أن

.وإن دفع خراجها لئال تصري باخلراب مواتاً

وعامل اخلراج يعترب يف صحة واليته احلرية واألمانة والكفاية، مث خيتلف حاله باختالف واليته فإن توىل جتهاد وإن ويل جباية اخلراج صحت واليته وإن مل وضع اخلراج اعترب فيه أن يكون فقيهاً من أهل اال

يكن فقيها جمتهداً، ورزق عامل اخلراج يف مال اخلراج، كما أن رزق عامل الصدقة يف مال الصدقة من وأما أجرة القسام فقد اختلف الفقهاء فيها، فذهب الشافعي رمحه . سهم العاملني وكذلك أجور املساح

أجور من : وقال أبو حنيفة. راج مما يف حق الذي استوفاه السلطان منهمااهللا إىل أجور قسام العشر واخلأجور اخلراج على السلطان : وقال سفيان الثوري. يقسم غلة العشر وغلة اخلراج وسط من أصل الكيل

أجور العشر على صاحب األرض وأجور اخلراج على : وقال مالك. وأجور العشر على أهل األرض .الوسط

أحدها مقدار : وم على مساحة معلومة فاعترب يف العلم ا ثالثة مقادير تنفي اجلهالة عنهاواخلراج حق معل .والثالث مقدار الكل املستوىف به. والثاين مقدار الدرهم املأخوذ به. اجلريب بالذراع املسموح به

قصبة فأما اجلريب فهو عشر قصبات يف عشر قصبات، والقفيز عشر قصبات يف قصبة والعشري قصبة يفوالقصبة ستة أذرع فيكون اجلريب ثالثة آالف وستمائة ذراع مكسرة، والقفيز ثالمثائة وستون ذراعاً مكسرة وهو عشر اجلريب، والعشري ستة وثالثون ذراعاً وهو عشر القفيز وأما الذراع فاألذرع سبع

مث اهلامشية الكربى وهي الزيادية مث أقصرها القاضية مث اليوسفية مث السوداء مث اهلامشية الصغرى وهي الباللية .العمرية مث امليزانية

فأما القاضية وتسمى ذراع الدور فهي أقل من ذراع السوداء بإصبع وثلثي إصبع، وأول من وضعها ابن .أيب ليلى القاضي وا يتعامل أهل كلواذي

ن السوداء بثلثي إصبع وأول من وأما اليوسفية وهي اليت تذرع ا القضاة الدور مبدينة السالم فهي أقل م .وضعها أبو يوسف القاضي

وأما الذراع السوداء فهي أطول من ذراع الدور بإصبع وثلثي إصبع، وأول من وضعها الرشيد رمحه اهللا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 123

تعاىل قدرها بذراع خادم أسود كان على رأسه وهي اليت يعامل ا الناس يف ذراع البز والتجارة واألبنية .وقياس نيل مصر

وأما الذراع اهلامشية الصغرى وهي الباللية فهي أطول من الذراع السوداء بإصبعني وثلثي إصبع، وأول من أحدثها بالل بن أيب بردة وذكر أا ذراع جده أيب موسى األشعري رضي اهللا عنه وهي أنقص من

.الزيادية بثالثة أرباع عشر وا يتعامل الناس بالبصرة والكوفة

الكربى وهي ذراع امللك وأول من نقلها إىل اهلامشية املنصور رمحه اهللا تعاىل فهي أطول من وأما اهلامشية الذراع السوداء أصابع وثلثي إصبع فتكون ذراعاً ومثناً وعشراً بالسوداء، وتنقص عنها اهلامشية الصغرى

.ا أهل األهواز بثالث أرباع عشر، ومسيت زيادية ألن زيادا مسح ا أرض السواد وهي اليت يذرع

وأما الذراع العمرية فهي ذراع عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه اليت مسح ا أرض السواد وقال موسى بن رأيت ذراع عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه اليت مسح ا أرض السواد وهي ذراع وقبضة وإام : طلحة

أطواهلا ذراعاً وأقصرها وأوسطها فجمع منها قائمة قال احلكم بن عيينة إن عمر رضي اهللا عنه عمد إىل ثالثة وأخذ الثلث منها وزاد عليه قبضة وإاماً قائمة مث ختم يف طرفيه بالرصاص وبعث بذلك إىل حذيفة

.وعثمان بن حنيف حىت مسحا ا السواد وكان أول من مسح ا بعده عمر بن هبرية

راعني وثلثي ذراع وثلثي إصبع وأول من وضعها املأمون وأما الذراع امليزانية فتكون بالذراع السوداء ذ .رضي اهللا عنه، وهي اليت يتعامل الناس فيها يف ذراع الربائد واملساكن واألسواق كراء األار واحلفائر

وأما الدرهم فيحتاج فيه إىل معرفة وزن ونقده، فأما وزنه فقد استقر األمر يف اإلسالم على أن وزن واختلف يف سبب استقراره على هذا الوزن، : ق ووزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيلالدرهم ستة دواني

فذكر قرم أن الدراهم كانت أيام الفرس مضروبة على ثالثة أوزان منها درهم على وزن املثقال عشرون قرياطاً ودرهم وزنه اثنا عشر قرياطاً ودرهم وزنه عشرة قراريط فلما احتيج يف اإلسالم إىل تقديره يف

الزكاة أخذ الوسط من مجيع األوزان الثالثة وهو اثنان وأربعون قرياطاً فكان أربعة عشر قرياطاً من قراريط املثقال فلما ضربت الدراهم اإلسالمية على الوسط من هذه األوزان الثالثة قيل يف عشريا وزن

ب رضي اهللا عنه ملا رأى سبعة مثاقيل، ألا كذلك وذكر آخرون أن السبب يف ذلك أن عمر بن اخلطاومنها اليمىن وهو دانق قال انظروا األغلب مما يتعامل . اختالف الدراهم وأن منها البعلي وهو مثانية دونق

به الناس من أعاله وأدناها فكان الدرهم البغلي والدرهم الطربي فجمع بينهما فكانا اثين عشر دانقاً فأخذ سالمي ثالثة أعشاره كان درمهاً فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل نصفاً فكان ستة دوانق فجعل الدرهم اإل

فأما النقص فمن خالص الفضة وليس ملغشوشة مدخل يف . وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درمهاً وسبعان

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 124

حكمه وقد كان الفرس عند فساد أمورهم فسدت نقودهم فجاء اإلسالم ونقودهم من العني والورق غري وم يف املعامالت مقام اخلالصة وكان غشها عفواً لعدم تأثريه بينهم إىل أن ضربت خالصة إال أا كانت تق

الدراهم اإلسالمية فتميز املغشوش من اخلالص، واختلف يف أول من ضرا يف اإلسالم، فقال سعيد بن ترد املسيب أن أول من ضرب الدراهم املنقرشة عبد امللك بن مروان وكانت الدنانري ترد رومية والدراهم

قال أبو الزناد فأمر عبد امللك بن مروان احلجاج أن يضرب الدراهم بالعراق . كسروية ومحريية قليلةوقال املدائي بل ضرا احلجاج يف آخر سنة مخس وسبعني مث أمر بضرا يف . فضرا سنة أربع وسبعني

.عليهاالنواحي سنة ست وسبعني، وقيل إن احلجاج خلصها ختليصاً مل يستقصه وكتب

واختلف يف تسميتها بذلك، فقال قوم ألن الفقهاء كرهوها ملا . ومسيت مكروهة" اهللا أحد اهللا الصمد " وقال اآلخرون ألن األعاجم كرهوا نقصاا فسميت . عليها من القرآن وقد حيملها اجلنب واحملدث

ا أجود مما كانت مث ويل بعده مكروهة مث ويل بعد احلجاج عمر بن هبرية يف أيام يزيد بن عبد امللك فضرخالد بن عبد اهللا القسري فشدد يف جتويدها وضرب بعده يوسف بن عمر فأفرط يف التشديد فيها

والتجويد فكانت اهلبريية واخلالدية واليوسفية أجود نقود بين أمية، وكان املنصور رضي اهللا عنه ال يأخذ .يف اخلراج من نقودهم غريها

نعمان الغفاري عن أبيه أن أول من ضرب الدراهم مصعب بن الزبري عن أمر أخيه عبد وحكى حيىي بن الوإذا خلص العني . اهللا بن الزبري سنة سبعني على ضرب األكاسرة وعليها بركة جانب واحلجاج يف جانب

مة طبعه والورق من غش كان هو املعترب يف النقود املستحقة واملطبوع منها بالسكة السلطانية املوثوق بسالاملأمون من تبديله وتلبيسه هو املستحق دون نقار الفضة وسبائك الذهب، ألنه ال يوثق ما إال بالسك

والتصفية واملطبوع موثوق به ولذلك كان هو الثابت يف الذمم فيما يطلق من أمثان البيعات وقيم لب عامل اخلراج بأعالها قيمة نظر، املتلفات، ولو كانت املطبوعة خمتلفة القيمة مع اتفاقها يف اجلودة فطا

فإن كان من ضرب سلطان الوقت أجيب إليه ألن يف العدول عن ضربه مباينة له يف الطاعة وإن كان من ضرب غريه نظر، فإن كان هو املأخوذ يف خراج من تقدمه أجيب إليه استصحاباً ملا تقدم، وإن مل يكن

.حيفاًمأخوذاً فيما تقدم كانت املطالبة به غبناً و

وأما مكسور الدراهم والدنانري فال يلزم أخذه اللتباسه وجواز اختالطه ولذلك نقصت قيمتها عن املضروب الصحيح، واختلف الفقهاء يف كراهية كسرها، فذهب مالك وأكثر فقهاء املدينة إىل أنه مكروه

ليه وسلم أنه ى عن كسر وروي عن النيب صلى اهللا ع. ألنه من مجلة الفساد يف األرض وينكر على فاعله .سكة املسلمني اجلارية بينهم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 125

الباب الرابع عشر

فيما تختلف أحكامه من للبالد

.حرم، وحجاز، وما عدامها: بالد اإلسالم وتنقسم على ثالثة أقسام

أما احلرم فمكة وما طاف ا من نصب حرمها وقد ذكرها اهللا تعاىل بامسني يف كتابه مكة وبكة، فذكر وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من عبد أن أظفركم : " يف قوله عز وجلمكلة

".عليهم

إذا استخرجته عنه ألا متك الفاجر عنها وخترجه : ومكة مأخوذ من قوهلم متككت املخ من العظم متككاً : منها على ما حكاه األصمعي وأنشد قول الراجز يف تلبيته

وال تمكى مذحجاً وعكا يا مكة الفاجر مكي مكا

".إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً : " وذكر بكة يف قوله عز وجل

: قال األصمعي، ومسيت بكة ألن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها أي يدفع، وأنشد من الرجز

هفخله حتى يبك بك إذا الشريب أخذته أكه

مها لغتان واملسمى ما واحد ألن العرب تبدل امليم بالباء : واختلف الناس يف هذين االمسني فقال قومبل مها امسان . وقال آخرون. فتقول ضربة ال رب وضرب الزب لقرى املخرجني وهذا قول جماهد

يف املسمى واملسمى ما شيئان، ألن اختالف األمساء موضوع الختالف املسمى، ومن قال ذا اختلفأحدمها أن مكة اسم البلد كله وبكة اسم البيت وهذا قول إبراهيم النخعي وحيىي بن أيب : ما على قولني

وحكى مصعب بن . والثاين أن مكة احلرم كله وبكة املسجد وهذا قول الزهري وزيد بن أسلم. أيوبوأنشد قول أيب سفيان بن حرب بن كانت مكة يف اجلاهلية تسمى صالحاً ألمنها، : عبد اهللا الزبريي قال

: أمية البن احلضرمي من الوافر

ريشالندامى من ق فيكفيك الحم إال صلأبا مطر ه

وتأمن أن يزورك رب جيش اًديمزت قبلدة ع وتنزل

وحكى جماهد أن من أمساء مكة أم زحم والباسة، فأما أم زحم فألن الناس بتزامحون ما ويتنازعون، وأما ".وبست اجلبال بساً : " الباسة فألا تبس من احلد فيها أي حتطمه ولكه، ومنه قول اهللا تعاىل

ل مكة وحرمتها ما عظمه اهللا وأص. ويروي الناسة بالنون ومعناه أا تنس من أحلد فيها أي تطرده وتنفيهسبحانه من حرمة بيته حىت جعلها ألجل البيت الذي أمر برفع قواعده وجعله قبلة عبادة أم القرى كما

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 126

".لتنذر أم القرى ومن حوهلا : " قال اهللا سبحانه

وحكى جعفر بن حممد عن أبيه حممد بن علي رضي اهللا عنهم أن سبب وضع البيت والطواف به أن اهللا إين جاعل يف األرض خليفة قالوا أجتعل فيها من يفسد فيه ويسفك الدماء وحنن : " اىل قال للمالئكةتع

".نسبح حبمدك ونقدس لك قال إين أعلم ما ال تعلمون

فغضب عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون رم فرضي عنهم وقال هلم ابنوا يل ن سخطت عليه من بين آدم يطوف حوله كما فعلتم بعرشي فأرضى عنهم فبنوا يف األرض بيتاً يعوذ به م

إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً " له هذا البيت، فكان أول بيت وضع للناس قال اهللا تعاىل فلم خيتلف أهل العلم أنه أول بيت وضع للناس للعبادة، وإمنا اختلفوا هل كان أول بيت " وهدى للعاملني

.ضع لغريها، فقال احلسن وطائفة قد كان قبله بيوت كبرية، وقال جماهد وقتادة مل يكن قبله بيتو

والثاين أنه . أحدمها أن بركته مبا يستحق من ثواب القصد إليه: تأويالن" مباركاً " ويف قول تبارك وتعاىل أحدمها هدى : مل تأويلنيحتت" وهدى للعاملني " أمن ملن دخله حىت الوحش فيجتمع فيه الظيب والذئب

.والثاين إىل عبادته يف احلج والصالة. هلم إىل توحيده

".فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً "

اخلائف وهيبة البيت : وكانت اآلية يف مقام إبراهيم تأثري قدميه فيه وهو حجر صلد، واآلية يف غري املقاملعلو عليه، وتعجيل العقوبة ملن عتا فيه، وما كان يف اجلاهلية من عند مشاهدته، وامتناع الطري من ا

أصحاب الفيل؟ وما عطف عليه قلوب العرب يف اجلاهلية من تعظيمه، وأن من دخله من اجلاهلية وهم غري أهل الكتاب وال متبعي شرع يلتزمون أحكامه حىت أن الرجل منهم كان يرى فيه قاتل أخيه وأبيه فال

.فيه، وكل ذلك آيات اهللا تعاىل ألقاها على قلوب عبادهيطلبه بثأره

تأويالن أحدمها آمناً من النار " ومن دخله كان آمناً " وأما أمنه يف اإلسالم ففي قوله سبحانه وتعاىل وهذا قول حيىي بن جعدة، والثاين آمناً من القتل، ألن اهللا تعاىل أوجب اإلحرام على داخله وحظر عليه أن

أحلت يل : " وقال أيضاً رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حني دخل مكة عام الفتح حالالً. يدخله حمالًوهللا على الناس حج البيت : " مث قال" ساعة من ار ومل حتل ألحد من قبلي، وال حتل ألحد من بعدي

".من استطاع إليه سبيال

كعبة يف الصالة فرض يف السنة الثانية من فجعل حجه فرضاً بعد أن صار يف الصالة قبلة، ألن استقبال ال .اهلجرة واحلج فرض يف السنة السادسة

وإذ قد تعلق مبكة للكعبة من أركان اإلسالم عبادتان وباينت حبرمتها سائر البلدان وجب أن نصفها مث

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 127

.نذكر حكم حرمها

وإذ يرفع : " بحانه قالفأما بناؤها فأول من تواله بعد الطوفان إبراهيم عليه الصالة والسالم؛ فإنه س ".إبراهيم القواعد من البيت وإمساعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

فدل ما سأاله من القبول على أما كان ببنائها مأمورين، ومسيت كعبة لعلوها مأخوذ من قوهلم كعبت هيم صلى اهللا عليه وسلم مع املرأة إذا عال ثديها ومنه مسي الكعب كعباً لعلوه وكانت الكعبة بعد إبرا

: جرهم والعمالقة إىل أن انقرضوا حىت قال فيهم عامر بن احلارث من الطويل

رامكة سولم يسمر بم أنيس كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

الليالي والجدود العواثر صروف اادنأبا فهنحن كنا أهل بلى

وخلفهم فيها قريش بعد استيالئهم على احلرام لكثرم بعد القلة وعزم بعد الذلة تأسيساً ما يظهره اهللا تعاىل فيهم من النبوة، فكان أول من جدد مباء الكعبة من قريش بعد إبراهيم عليه السالم قصي بن كالب

: وسقفها خبشب الدوم وجريد النخل قال األعشى من الطويل

مقصي جده وابن جره بناها وبي راهب الشام والتيحلفت بث

مني على ظهر شيهم ليرتحلن انشب نيران العداوة بين لئن

مث بنتها قريش بعده ورسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ابن مخس وعشرين سنة وشهد بناءها وكان باا يف األرض فقل أبو حذيفة بن املغرية يا قوم ارفعوا باب الكعبة حىت ال تدخل إال بسلم فإنه ال يدخلها حينئذ

ملن رآه فعلت قريش ذلك، وسبب إال من أردمت، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فيسقط فكان نكاالً بنائها أن الكعبة استهدمت وكانت فوق القامة فأرادوا تعليتها وكان البحر قد ألقى سفينة لرجل من جتار

الروم إىل جدة فأخذوا خشبها وكان يف الكعبة حية خيافها الناس فخرجت فوق الكعبة فرتل طائر حانه قد رضي ما أردنا فهدموها وبنوها خبشب فاختطفها فقالت قريش إنا لنرجوا أن يكون اهللا سب

السفينة وكانت على بنائها إىل حوصر بن الزبري باملسجد من احلصني بن منري وعسكر الشام حني حاربوه سنة أربع وستني يف زمن يزيد بن معاوية فأخذ رجل من أصحابه ناراً يف ليفة على رأس رمح وكانت

تار الكعبة فأحرقتها فتصدعت حيطاا واسودت وتناثرت الريح عاصفة فطارت شرارة فتعلقت بأسأحجارها فلما مات يزيد وانصرف احلصني ابن منري شاروا عبد اهللا بن الزبري أصحابه يف هدمها وبنائها

فأشار به جابر بن عبد اهللا وعبيد ابن عمري وأتاه عبد اهللا بن عباس وقال ال دم بيت اهللا تعاىل فقال ابن ترى احلمام يقع على حيطان البيت فتناثرت حجارته ويظل أحدكم يبين بيته وال يبين بيت اهللا؛ الزبري أما

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 128

لو كانت لنا سعة لبنيته على : " أال إين هادمه بالغداة فقد بلغين أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قال ".أس إبراهيم؛ وجلعلت له بابني شرقياً وغربياً

شة رضي اهللا عنها يف ذلك شيئاً؟ فقال نعم أخربتين أن النيب صلى اهللا وسأل األسود هل مسعت من عائإن النفقة قصرت بقومك فاقتصروا؛ ولوال حدثان عهدهم بالكفر هلدمته وأعدت فيه : " عليه وسلم قال

فاستقر رأي ابن الزبري على هدمه فلما أصبح أرسل إىل عبيد بن عمري فقيل هو نائم فأرسل " ما تكروا إن األرض لتضج إىل اهللا تعاىل من : " يقظه وقال له أما بلغك أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قالإليه وأ

".نومة العلماء يف الضحى

فهدمها فأسل إليه ابن عباس إن كنت هادمها فال تدع الناس بال قبلة، فلما هدمت قال الناس كيف بلة، وأمر ابن الزبري مبوضعها فستر ووضع نصلي بغري قبلة؟ فقال جابر وزيد صلوا إىل موضعها فهو الق

احلجر يف تابوت يف خرقة حرير، قال عكرمة رأيته فإذا هو ذراع أو يزيد وكان جوفه أبيض مثل الفضة؛ وجعل حلي الكعبة عند احلجبة يف خزانة الكعبة، فلما أراد بناءها حفر من قبل احلطيم حىت استخرج أس

قال هل تعلمون أن هذا أس إبراهيم؟ قالوا نعم فبناها على أس إبراهيم إبراهيم عليه السالم فجمع الناس مثصلى اهللا عليه وسلم وأدخل فيها احلجر ستة أذرع وترك منه أربعاً وقيل أدخل سبعة أذرع وترك ثالثاً وجعل هلا بابني ملصوقني باألرض شرقياً وغربياً يدخل من واحد وخيرج من اآلخر وجعل على باما

لذهب وجعل مفاتيحها من ذهب وكان ممن حضر بناءها من رجال قريش أبو اجلهم بن حذيفة صفائح االعدوي فقال عملت يف بناء الكعبة مرتني واحدة يف اجلاهلية بقوة غالم نفاع وأخرى يف اإلسالم بقوة

طبق ا كبري فان وذكر الزبري ابن بكار أن عبد اهللا بن الزبري وجد يف احلجر صفائح حجارة خضر قد أعلى قرب فقال له عبد اهللا بن صفوان هذا قرب نيب اهللا إمساعيل عليه السالم فكف عن حتريك تلك احلجارة،

مث بقيت الكعبة يف أيام الزبري على حاهلا إىل أن حاربه احلجاج وحصره يف املسجد ونصب عليه دمها احلجاج وبناها بأمر عبد املنجانيقات إىل أن ظفر به وقد تصدع بناء الكعبة بأحجار املنجنيق فه

امللك بن مروان وأخرج احلجر منها وأعادها إىل بناء قريش على ما هي عليه اليوم فكان عبد امللك بن .مروان يقول وددت أين كنت محلت ابن الزبري من أمر الكعبة وبنائها ما حتمله

إن أول من كسا : " عليه وسلموأما كسوة الكعبة فقد روي أبو هريرة رضي اهللا عنه عن النيب صلى اهللا ".البيت سعد اليماين

مث كساها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الثياب اليمانية مث كساها عمر بن اخلطاب وعثمان رضي اهللا وحكى حمارب ابن دثار أن أول من كسا . عنهما القباطي مث كساها يزيد بن معاوية الديباج اخلسرواين

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 129

د بن جعفر بن كالب أصاب لطيمة يف اجلاهلية وفيها منط ديباج فناطه بالكعبة، مث الكعبة الديباج خالكساها ابن الزبري واحلجاج الديباج، مث كساها بنو أمية يف بعض أيامها احللل اليت كانت على أهل جنران

قفها يف حرم، وفوقها الديباج مث جدد املتوكل رخام الكعبة وأزرها بفضة وألبس سائر حيطاا وس .بذهب مث كسا أساطينها الديباج؛ مث مل يزل الديباج كسوا يف الدولة العباسية بأسرها

وأما املسجد احلرام فقد كان فناء حول الكعبة للطائفني ومل يكن عل عهد رسول اهللا صلى اهللا عليه ثر الناس وسع وسلم أيب بكر الصديق رضي اهللا عنه جدار حييط به، فلما استخلف عمر رضي اهللا عنه وك

املسجد واشترى دوراً هدمها وزداها فيه وهدم على قومن جريان املسجد أبوا أن يبيعوا ووضع هلم األمثان حىت أخذوها بعد ذلك واختذ للمسجد جدار قصرياً دون القامة وكانت املصابيح توضع عليه، وكان عمر

رضي اهللا عنه ابتاع منازل، فوسع ا رضي اهللا عنه أول من اختذ جداراً للمسجد، فلما استخلف عثماناملسجد وأخذ منازل أقوام ووضع هلم أمثاا فضجوا منه عند البيت فقال إمنا جرأكم على حلمي عنكم

فقد فعل بكم عمر رضي اهللا عنه هذا فأقررمت ورضيتم مث أمر م إىل احلبس حىت كلمه فيهم عبد اهللا بن د األروقة حني وسعه، فكان عثمان رضي اهللا عنه أول من اختذ خالد بن أسد فخلى سبيلهم وبىن للمسج

للمسجد األروقة مث إن الوليد بن عبد امللك وسع املسجد ومحل إليه أعمدة احلجارة والرخام، مث إن .املنصور رمحه اهللا زاد يف املسجد وبناه وزاد فيه املهدي رمحه اهللا بعده وعليه استقر بناؤه إىل وقتنا هذا

ة فلم تكن ذات منازل وكانت قريش بعد جرهم والعمالقة ينتجعون جباهلا وأوديتها وال خيرجون وأما مكمن حرمها انتساباً إىل الكعبة الستيالئهم عليها وختصصاً باحلرم حللوهلم فيه ويرون أنه سيكون هلم بذلك

ون على العرب وكان شأن، وكلما كثر فيهم العدد ونشأت فيهم الرياسة قوي أملهم وعلموا أم سيتقدمفضالؤهم وذوو الرأي والتجربة منهم يتخيلون أن ذلك لرياسة يف الدين وتأسيس لنبوة ستكون، ألم

متسكوا من أمور الكعبة مبا هو بالدين أخص، فأول من شعر بذلك منهم وأهلمه كعب بن لؤي بن غالب جلاهلية عروبة فسماه كعب يوم وكانت قريش جتتمع إليه يف كل مجعة، وكان يوم اجلمعة يسمى يف ا

وأما بعد، فامسعوا وتعلموا : اجلمعة، وكان خيطب فيه على قريش فيقول على ما حكاه الزبري بن بكاروافهموا، واعلموا أن الليل ساج والنهار صاح، واألرض مهاد واجلبال أوتاد، والسماء بناء والنجوم

أن يأيت ما يهيج، فصلوا أرحامكم واحفظوا أعالم، واألولني كاآلخرين والذكر واألنثى زوج إىلأصهاركم ومثروا أموالكم فهل رأيتم من هالك رجع أو ميت انتشر، والدار أمامكم والظن ما تقولون،

: حرمكم زينوه وعظموه ومتسكوا به فسيأيت له نبأ عظيم وسيخرج منه نيب كرمي، مث يقول من الطويل

اارهعلينا ليلها ونه سواء ادثحوليل كل يوم ب نهار

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 130

وبالنعم الضافي علينا ستورها اًأوبباألحداث فينا ت يثوبان

الها عقد ما يستحيل مريره اوأنباء تقلب أهله صروف

أخباراً صدوقاً خبيرها فيخبر دغفلة يأتي النبي محم على

أما واهللا لئن كنت فيها ذا مسع وبصر ويد ورجل لتنصبت فيها تنصب اجلمل وألرقلت فيها : مث يقول : إرقال الفحل، مث يقول من البيط

حين العشيرة تبغي الحق خذالنا هوتليتني شاهد فحواء دع يا

وهذا من فطن اإلهلامات اليت ختيلتها العقول فصدقت وتصورا النفوس فتحققت مث انتقلت الرياسة بعده إىل قصي بن كالب فبىن مبكة دار الندوة ليحكم فيها بني قريش مث صارت الدار لتشاورهم وعقد األلوية

من الدور ما استوطنوه، وكلما فكانت أول دار بنيت مبكة، مث تتابع الناس فبنوا : قال الكليب. يف حرومقربوا من عصر اإلسالم ازدادوا قوة وكثرة عدد حىت دانت هلم العرب فصدقت املخيلة األوىل يف الرياسة عليهم، مث بعث اهللا سبحانه نبيه رسوالً فصدقت املخيلة الثانية يف حدوث النبوة فيهم فآمن به من هدى

وسلم حني اشتد به األذى حىت عاد ظافراً بعد مثان سنني وجحد من عائد، وهاجر عنهم صلى اهللا عليه .من هجرته عنهم

واختلف الناس يف دخوله صلى اهللا عليه وسلم مكة عام الفتح هل دخلها عنوة أو صلحاً مع إمجاعهم على أنه مل يغنم منها ماالً ومل يسب فيها ذرية، فذهب أبو حنيفة ومالك إىل أنه دخلها عنوة فعفا عن

م ومن على السيب، وإن لإلمام إذا فتح بلداً عنوة أن يعفو عن غنائمه وممن على سبيه، وذهب الغنائمن أغلق بابه كان آمناً، ومن : "الشافعي إىل أنه دخلها صلحاً عقده مع أيب سفيان كان الشرط فيه أن

".تعلق بأستار الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أيب سفيان فهو آمن

قتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة وقد مضى ذكرهم وألجل عقد الصلح مل يغنم ومل إال ستة أنفس استثىنيسب، وليس لإلمام إذا فتح بلداً عنوة أن يعفو عن غنائمه وال ممن على سبيه ملا فيهما من حقوق اهللا

تعاىل وحقوق الغامنني فصارت مكة وحرمها حني مل تغنم أرض عشر إن زرعت ال جيوز أن يوضع عليها

.خراج

واختلف الفقهاء يف بيع دور مكة وإجارا، فمنع أبو حنيفة من بيعها وأجاز إجارا يف غري أيام احلج مكة حرام ال حيل : " ومنع منهما يف أيام احلج لرواية األعمش عن جماهد أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال

".بيع رباعها وال أجور بيوا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 131

جواز بيعها وإجارا، ألن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أقرهم عليها بعد وذهب الشافعي رمحه اهللا إىلاإلسالم بعدما كانت عليه قبله ومل يغنمها ومل يعارضهم فيها وقد كانوا يتبايعوا قبل اإلسالم وكذلك

ة يف هذه دار الندوة، وهي أول دار بنيت مبكة صارت بعد قصي لعبد الدار بن قصي وابتاعها معاوي. بعدهاإلسالم من عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد الدار بن قصي وجعلها دار اإلمارة وكانت من أشهر دار ابتيعت ذكراً وأنشرها يف الناس خرباً، فما أنكر بيعها أحد من الصحابة وابتاع عمر وعثمان رضي اهللا

ملا بذاله من أموال املسلمني مث عنهما ما زاداه يف املسجد من دور مكة متلك أهلها أمثاا، ولو حرم ذلكوحتمل رواية جماهد مع إرساهلا على أنه ال حيل بيع . جرى به العمل إىل وقتنا هذا فكان إمجاعاً متبوعاً

.رباعها وعلى أهلها تنبيهاً على أا مل تغنم فتملك عليهم فذلك مل تبع وكذلك حكم اإلجارة

ده من طريق املدينة دون التنعيم عند بيوت بين نفار على وح: أما احلرم فهو ما أطاف مبكة من جوانبهاثالثة أميال، ومن طريق العراق على ثنية جبل باملنقطع على سبعة أميال، ومن طريق اجلعرانة بشعب آل عبد اهللا بن خالد على تسعة أميال، ومن طريق الطائف على عرفة من بطن منرة على سبعة أميال، ومن

ئر على عشرة أميال، فهذا حد ما جعله اهللا تعاىل حرماً ملا اختص به من التحرمي طريق جدة منقطع العشايعين مكة " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً : " قال اهللا عز وجل: وباين حبكمه سائر البالد

.وحرمها

ألهله األمن ألنه كان وادياً غري ذي زرع، فسأل اهللا تعاىل أن جيعل " وارزق أهله من الثمرات " واخلصب ليكونوا ما يف رغد من العيش، فأجابه اهللا تعاىل إىل ما سأل، فجعله حرماً آمناً يتخطف الناس

.من حوله، وجبا إليه مثرات كل بلد حىت مجعها فيه

واختلف الناس يف مكة وما حوهلا هل صارت حرماً آمناً بسؤال إبراهيم عليه السالم أو كانت قبل أا مل زل حرماً آمناً بسؤال إبراهيم عليه السالم من اجلبابرة واملسلطني ومن : أحدمها: نيكذلك على قول

اخلسوف والزالزل، وإمنا سأل إبراهيم عليه السالم ربه سبحانه أن جيعله حرماً آمناً من اجلدب والقحط : وأن يرزق أهله من الثمرات لرواية سعيد بن أيب سعيد قال

هللا سبحانه حرم مكة يوم خلق السموات واألرض، فهي حرام إىل يوم القيامة ال حيل أيها الناس إن ا" المريء يؤمن باهللا واليوم اآلخر أن يسفك ا دماً أو يعضد ا شجراً، وإا ال حتل ألحد بعدي ومل حتل

لشاهد يل إال يف هذه الساعة غضباً على أهلها، أال وهي قدر جعب على حاهلا باألمس، أال ليبلغ ا ".الغائب، فمن قال إن رسول اهللا قد قتل ا أحداً فقولوا إن اهللا تعاىل قد أحلها لرسوله ومل حيلها لك

أن مكة كانت حالالً قبل دعوة إبراهيم عليه السالم كسائر البالد وأا صارت بدعوته : والقول الثاينصلى اهللا عليه وسلم حراماً بعد أن كانت حرماً آمناً حني حرمها، كما صارت املدينة بتحرمي رسول اهللا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 132

إن إبراهيم عليه : " حالالً، لرواية األشعث عن نافع عن أيب هريرة قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلمالصالة والسالم كان عبد اهللا وخليله، وأين عبد واهللا ورسوله، وإن إبراهيم حرم مكة، وإين حرمت

".يدها، وال حيمل ا سالح لقتال، وال يقطع ا شجر إال لعلف بعري املدينة ما بني ال بيتها عضاهها وص

والذي خيتص به احلرم من األحكام اليت تباين ا سائر البالد مخسة أحكام أحدها أن احلرم ال يدخل حمل ل وقال أبو حنيفة جيوز أن يدخلها احمل. قدم إليه حىت حيرم لدخوله إما حبج أو بعمرة يتحلل ا من إحرامه

أحلت " إذا مل يرد حجاً أو عمرة، ويف قول النيب عليه الصالة والسالم حني دخل مكة عام الفتح حالالً مما يدل على وجوب اإلحرام على داخلها، إال أن يكون ممن يكثر " يل ساعة من ار مل حتل ألحد بعدي

غدوة ويعودون إليها عشية، فيجوز الدخول إليها ملنافع أهلها كاحلطابني والسقايني الذين خيرجون منها هلم دخوهلا حملني لدخول املشقة عليهم يف اإلحرام كلما دخلوا فإن علماء مكة أقروهم على دخوهلا حملني

فخالفوا حكم من عداهم، فإن دخل القادم إليها حالالً فقد أمث وال قضاء عليه وال دم، ألن القضاء الذي يستأنفه خمتصاً بدخول الثاين فلم يصح أن يكون قضاء متعذر؛ فإنه إذا خرج للقضاء كان إحرامه

عن دخوله األول فتعذر القضاء وأعوز فسقط، وأما الدم فال يلزمه الدم ألن الدم يلزم جربان النسك وال .يلزم جرباناً ألصل النسك

غوا على أهل أن ال حيارب أهلها لتحرمي رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قتاهلم، فإن ب: واحلكم الثاينالعدل، فقد ذهب بعض الفقهاء إىل حترمي قتاهلم مع بغيهم ويضيق عليهم حىت يرجعوا عن بغيهم ويدخلوا

والذي عليه أكثر الفقهاء أم يقاتلون على بغيهم إذا مل ميكن ردهم عن البغي إال . يف أحكام أهل العدلوز أن تضاع، وألن تكون حمفوظة يف حرمة أوىل بقتال ألن قتال أهل البغي من حقوق اهللا تعاىل اليت ال جي

.من أن تكون مضاعفة فيه

فأما إقامة احلدود يف احلرم فذهب رمحه اهللا إىل أا تقام فيه على من أتاها وال مينع احلرم من إقامتها سواء وإن أتاها يف احلل . أتاها يف احلرم أو يف احلل مث جلأ إىل احلرم وقال أبو حنيفة إن أتاها يف احلرم أقيمت فيه

.مث جلأ إىل احلرم مل يقم عليه فيه وأجلئ إىل اخلروج معه فإذا خرج أقيمت عليه

حترمي صيده على احملرمني واحمللني من أهل احلرم من طرأ إليه، فإن أصاب يف صيده وجب : واحلكم الثالثرم صيداً يف احلل ضمنه ألنه عليه إرساله، فإن تلف يف يده ضمنه باجلزاء كاحملرم، وهكذا لو رمي من احل

قاتل يف احلرم وهكذا لو رمي من احلل صيداً يف احلرم ضمنه ألنه مقتول يف احلرم، ولو صيد يف احلل مث أدخل احلرم كان حم ال له عند الشافعي رمحه اهللا، وحراماً عليه عند أيب حنيفة، وال حيرم قتل ما كان

.مؤذياً من السباع وحشرات األرض

الرابع حيرم قطع شجرة الذي أنبته اهللا تعاىل، وال حيرم قطع ما غرسه اآلدميون كما ال حيرم فيه واحلكم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 133

ذبح األنيس من احليوان، وال حيرم رعي خاله، ويضمن عاقطعه من حمظور شجره، فيضمن الشجرة يكون الكبرية ببقرة والشجرة الصغرية بشاة، والغصن من كل واحد منهما يسقطه من ضمان أصله، وال

.ما استخلف بعد قطع األصل مسقطاً لضمان األصل

احلكم اخلامس أن ليس جلميع من خالف دين اإلسالم من ذمي أو معاهد أن يدخل احلرم ال مقيماً فيه وال ماراً به وهذا مذهب الشافعي رمحه اهللا وأكثر الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخوهلم إليه إذا مل

".إمنا املشركون جنس فال يقربوا املسجد احلرام بعد عامهم هذا " : يستوطنوه، ويف قوله تعاىل

نص مينع ما عداه، فإن دخله مشرك عزر إن دخله بغري إذن ومل يستبح قتله، وإن دخله بإذن مل يعذر وأنكر على اآلذان له، وعزر إن اقتضت حالة التعزير وأخرج منه املشرك آمناً، وإذا أراد املشرك دخول

يسلم فيه منع منه حىت يسلم قبل دخوله، وإذا مات مشرك يف احلرم حرم دفنه فيه ودفن يف احلل، احلرم لفإن دفن يف احلرم نقل إىل احلل إال أن يكون قد بلي فيترك فيه كما تركت أموات اجلاهلية، وأما سائر

وقال مالك . فيمنعوااملساجد فيجوز أن يؤذن هلم يف دخوهلا ما مل يقصد الدخول استبذاهلا بأكل أو نوم .ال جيوز أن يؤذن هلم يف دخوهلا حبال

مسي حجازاً ملا : مسي حجازاً ألنه حجز بني جند وامة، وقال ابن الكليب: وأما احلجاز فقد قال األصمعي .احتجز به من اجلبال

ي وال أحدها أن ال يستوطنه مشرك من ذم: وما سوى احلرم منه خمصوص من سائر البالد بأربعة أحكاممعاهد، وجوزه أبو حنيفة وقد روى عبيد اهللا عبد اهللا بن عتبا بن مسعود رمحه اهللا عن عائشة رضي اهللا

ال جيتمع يف جزيرة العرب : " كان آخر ما عهد به رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن قال: عنها قالت ".دينان

وضرب ملن قدم منهم تاجراً أو صانعاً مقام وأجلى عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه أهل الذمة عن احلجاز، ثالثة أيام وخيرجون بعد انقضائها فجرى به العامل واستقر عليه احلكم فمنع أهل الذمة من استيطان احلجاز و الميكنون من دخوله وال يقيم الواحد منهم يف موضع منه أكثر من ثالثة أيام، فإذا انقضت

فإن أقام مبوضع منه أكثر من : ثالثة أيام مث يصرف إىل غريهصرف عن موضعه وجاز أن يقيم يف غريه .ثالثة أيام عزر إن مل يكن معذوراً

واحلكم الثاين أن ال تدفن أموام وينقلوا إن دفنوا فيه إىل غريه، ألن دفنهم مستدام فصار كاالستيطان، .أن يدفنوا فيهإال أن يبعد مسافة إخراجهم منه ويتغريوا إن أخرجوا فيجوز ألجل الضرورة

واحلكم الثالث أن ملدينة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم باحلجاز حرماً حمظوراً ما بني البتيها مينع من

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 134

وأباحه أبو حنيفة وجعل املدينة كغريها، وفيما قدمناه من حديث . تنفري صيده وعضد شجره كحرم مكةوعضد شجره فقد قيل إن جزاءه سلب ثيابه، أيب هريرة دليل على أن حرم املدينة حمظور فإن قتل صيده

.وقيل تعزيره

: واحلكم الرابع أن أرض احلجاز تنقسم الختصاص رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بفتحها قسمني

أحدمها صدقات رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم اليت أخذها حبقيه، فإن أحد حقيه اخلمس من الفيء اس الفيء الذي أفاده اهللا على رسوله مما مل يوجف عليه املسلمون خببل واحلق الثاين أربعة أمخ. والغنائم

وال ركاب، فما صار إليه بواحد من هذين احلقني، فقد رضخ منه لبعض أصحابه وترك باقيته لنفقته وصالته ومصاحل املسلمني، حىت مات عنه صلى اهللا عليه وسلم فاختلف الناس يف حكمه بعد موته فجعله

وجعله آخرون لإلمام القائم مقامه يف محاية البيضة وجهاد . عنه ومقسوماً على املواريث ملكاًقوم موروثاًوالذي عليه مجهور الفقهاء أا صدقات حمرمة الرقاب خمصوصة املنافع مصروفة يف وجوه املصاحل . العدو

له أو متروك ملن العامة، وما سوى صدقاته أرض عشر ال خراج عليها ألا ما بني مغنوم ملك على أه .أسلم عليه، وكال األمرين معشور ال خراج عليه

إحداها وهي : فأما صدقات النيب عليه الصالة والسالم فهي حمصورة ألنه قبض عنها فتعينت وهي مثانيةحكى . أول أرض ملكها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وصية خمرييق اليهودي من أموال بين النضري

ق اليهودي كان حرباً من علماء بين النضري آمن برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يوم أحد الواقدي أن خمرييكانت له سبعة حوائط وهي املبيت والصافية والدالل وجسىن وبرقة واألعراف واملسربة فوصى ا لرسول

.اهللا صلى اهللا عليه وسلم حني أسلم وقال معه بأحد حىت قتل رمحه اهللا

ية أرضه من أموال بين النضري باملدينة، وهي أول أرض أفاءها اهللا على رسوله فأجالهم عنها والصدقة الثانوكف عن دمائهم وجعل هلم ما محلته اإلجل من أمواهلم إال احللقة وهي السالح، فخرجوا مبا استقلت

يامني بن عمري إبلهم إىل خيرب والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم إال ما كان لمث قسم رسول اهللا صلى . وأيب سعد بن وهب فإما أسلما قبل الظفر فأحرز هلما إسالمهما مجيع أمواهلم

اهللا عليه وسلم ما سوى األرضني من أمواهلم على املهاجرين األوليني دون األنصار إىل سهل بن حنيف األرضني على نفسه فكانت من صدقاته وأبا دجانة مساك بن خرشة فإما ذكرا فقراً فأعطامها وحبس

يضعها حيث يشاء وينفق منها على أزواجه، مث سلمها عمر إىل العباس وعلي رضوان اهللا عليهما ليقوما .مبصروفها

نام والقموص وشق والنطاة : والصدقة الثالثة والرابعة واخلامسة ثالثة حصون من خيرب مثانية حصون

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 135

الصعب بن معاذ، وكان أول حصن فتحه رسول اهللا صلى اهللا عليه والكتيبة والوطيح والسالمل وحصن وسلم منها ناعم وعند قتل حممود بن مسلمة أخو حممد بن مسلمة والثاين القموص وهو حصن بن أيب

احلقيق، ومن سببه اصفطى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند فأعتقها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وتزوجها وجعل عنقها صداقها، مث كنانة بن الربيع بن أيب احلقيق

حصن الصعب بن معاذ وكان أعظم حصون خيرب وأكثرها ماالً وطعاماً وحيواناً، مث شق والنطاة والكتيبة فهذه احلصون الستة فتحا عنوة، مث افتتح الوطيح والسالمل وهي آخر فتوح خيرب صلحاً بعد أن حاصرهم

عشر ليلة فسألوه أن يسري م وحيقن هلم دماءهم ففعل ذلك، وملك من هذه احلصون الثمانية ثالثة بضعأما الكتيبة فأخذها خبمس الغنيمة، وأما الوطيح والسالمل فهما مما أفاء : حصون الكتيبة والوطيح والسالمل

الصة لرسول اهللا صلى اهللا اهللا عليه ألنه فتحها صلحاً فصارت هذه احلصون الثالثة بالفيء واخلمس خوقسم اخلمسة الباقية بني الغامنني ويف مجلتها وادي خيرب . عليه وسلم فتصدق ا وكانت من صدقاته

وواديا السرير ووادي حاضر على مثانية عشر سهماً، وكانت عدة من قسمت عليه ألفا وأربعمائة وهم عنها إال جابر بن عبد اهللا قسم له كسهم من أهل احلديبية من شهد منهم خيرب ومن غاب عنها ومل يغب

حضرها، وكان فيهم مائتا فارس أعطاهم ستمائة سهم وألف ومائتا سهم أللف مائيت رجل، فكانت سهام مجيعهم ألفا ومثامنائة سهم، أعطى لكل مائة سهماً فلذلك صارت خيرب مقسومة على مثانية عشر

.سهماً

كان النيب صلى اهللا عليه وسلم ملا فتح خيرب جاءه أهل فدك والصدقة السادسة النصف من فدك، فقد فصاحلوه بسفارة حميصة بن مسعود على أن له نصف أرضهم وخنلهم يعاملهم عليه وهلم النصف اآلخر،

فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من مثرا والنصف اآلخر خالصاً هلم إىل أن ي اهللا عنه فيمن أجاله من أهل الذمة عن احلجاز، فقوم فدك ودفع إليهم أجالهم عمر بن اخلطاب رض

نصف القيمة فبلغ ذلك ستني ألف درهم، وكان الذي قومها مالك بن التيهان وسهل بن أيب حثمة وزيد بن ثابت فصار نصفها من صدقات رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ونصفها اآلخر لكافة املسلمني،

.آلن سواءومصرف النصفني ا

والصدقة السابعة الثلث من أرض وادي القرى ألن ثلثها كان لبين عذرة وثلثيها لليهود فصاحلهم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على نصفه، فصارت أثالثاً ثلثها لرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم هو من

عنه عنها وقوم حقهم فيها فبلغت صدقاته، وثلثها لليهود، وثلثها لبين عذرة إىل أن أجالهم عمر رضي اهللاقيمته تسعني ألف دينار فدفعها إليهم وقال لبين عذرة إن شئتم أديتم نصف ما أعطيت ونعطيكم النصف

فأعطوه وهو مخسة وأربعون ألف دينار فصار نصف الوادي لبين عذرة، والنصف اآلخر الثلث منه يف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 136

. لكافة املسلمني، ومصرف مجيع النصف سواءصدقات رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم والسدس منه

والصدقة الثامنة موضع سوق باملدينة يقال له مهر ولذا استقطعها مروان من عثمان رضي اهللا عنه فنقم الناس ا عليه، فاحتمل أن يكون إقطاع تضمني ال متليك ليكون له يف اجلواز وجه، فهذه مثان صدقات

.ة املغازي، واهللا أعلم بصحة ما ذكرناحكاها أهل السري ونقلها وجوه روا

فأما ما سوى هذه الصدقات الثمانية من أمواله، فقد حكى الواقدي أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ورث من أبيه عبد اهللا أم أمين احلبشية وامسها بركة، ومخسة أمجال وقطعة من غنم، وقيل ومواله شقران

رث من أمه آمنة بنت وهب الزهرية دارها اليت ولد فيها يف شعب بين وابنه صاحلاً وقد شهد بدراً، ووعلي، وورث من زوجته خدجية بنت خويلد رضي اهللا عنها دارها مبكة بني الصفا واملروة خلف سوق

العطارين وأمواالً، وكان حكيم بن حزام اشترى خلدجية زيد بن حارثة من سوق عكاظ بأربعمائة درهم ل اهللا صلى اهللا عليه وسلم فأعتقه وزوجه أم أمين فولدت أم أمين أسامة بعد النبوة، فاستوهبته منها رسو

فأما الداران فإن عقيل بن أيب طالب باعهما بعد هجرة رسول اهللا صلى اهللا عليه سلم فلما قدم مكة يف عقيل ألنه حجة الوداع قيل له يف أي داريك ترتل؟ فقال هل ترك لنا عقيل من ربع فلم يرجع فيما باعه

.تغلب عليه ومكة دار حرب يومئذ فأجرى عليه حكم املستهلك فخرجت هاتان الداران من صدقاته

وأما دور أزواج النيب عليه الصالة والسالم فقد كان أعطى كل واحدة منهن الدار اليت تسكنها ووصى سكىن وإرفاق فهي بذلك هلن، فإن كان ذلك منه عطية متليك فهي خارجة من صدقاته، وإن كان عطية

.من مجلة صدقاته، وقد دخلت اليوم يف املسجد وال أحسب منها ما هو خارج عنها

وأما رحل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وآلته، فقد روى هشام الكليب عن عوانة ابن احلكم أن أبا بكر وسلم ودابته وحذاءه الصديق رضي اهللا عنه دفع إىل علي رضي اهللا عنه آلة رسول اهللا صلى اهللا عليه

تويف رسول اهللا صلى اهللا : " وروى األسود عن عائشة رضي اهللا عنها قالت. وقال ما سوى ذلك صدقةفقد . فإن كانت درعه املعروفة بالبتراء" عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثالثني صاعاً من شعري

تل فأخذها عبيد اهللا بن زياد، فلما قتل حكى أا كانت عند احلسني بن علي رضوان اهللا عليهما يوم قاملختار عبيد اهللا بن زياد صارت الدرع إىل عباد بن احلصني احلنظلي، مث إن خالد بن عبد اهللا بن خالد بن أسيد وكان أمري البصرة سأل عباداً عنها فجحده إياها فضربة مائة سوط فكتب إليه عبد امللك بن مروان

. ينبغي أن يقتل أو يعفى عنه مث ال يعرف للدرع خرب بعد ذلكمثل عباد ال يضرب إمنا كان

أما الربدة فقد اختلف الناس فيها، فحكى أبان بن ثعلب أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهري واشتراها منه معاوية رضي اهللا عنه وهي اليت يلبسها اخللفاء، وحكى ضمرة بن ربيعة أن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 137

طاها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أهل أيلة أمانا هلم فأخذها منهم سعيد بن خالد بن أىب هذه الربدة أعأوىف وكان عامالً عليهم من قبل مروان بن حممد فبعث ا إليه وكانت يف خزائنه حىت أخذت بعد قتله،

.وقبل اشتراها أبو العباس السفاح بثالمثائة دينار

هللا صلى اهللا عليه وسلم اليت هي صدقة وقد صار مع الربدة من شعار وأما القضيب فهو من تركة رسول ا .اخلالفة

أما اخلامت فلبسه بعد رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أبو بكر مث عمر مث عثمان رضي اهللا عنهم حىت سقط .من يده يف بئر فلم جيده، فهذا شرح ما قبض عنه رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم من صدقته وتركته

قسم أسل عليه أهله فيكون : وأما ما عدا احلرم واحلجاز من سائر البالد، فقد ذكرنا انقسامها أربعة أقسام. أرض عشر، وقسم أحياه املسلمون فيكون مبا أحيوه معشوراً، وقسم أحرزه الغامنون عنوة فيكون معشراً

أحدمها ما صوحلوا : سم قسمنيوهذا القسم ينق. وقسم صوحل أهله عليه فيكون فيئاً يوضع عليه اخلراجعلى زوال ملكهم عنه فال جيوز بيعه، ويكون اخلراج أجرة ال تسقط بإسالم أهله فتؤخذ من املسلم وأهل

والثاين ما صوحلوا على بقاء ملكهم عليه، فيجوز بيعه ويكون اخلراج جزية تسقط بإسالمهم . الذمة .ويؤخذ من أهل الذمة وال يؤخذ من املسلمني

قد انقسمت البالد على هذه األقسام فسنشرح حكم أرض السواد فإا أصل حكم الفقهاء فيها مبا وإذيعترب به نظائرها وهذا السواد يشار به إىل سواد كسرى الذي فتحه املسلمون على عهد عمر بن اخلطاب

زيرة العرب اليت رضي اهللا عنه من أرض العراق مسي سواداً لسواده بالزرع واألشجار، ألنه حني تاخم جال زرع فيها وال شجرة كانوا إذا أخرجوا من أرضهم إليه ظهرت هلم خضرة الزرع واألشجار وهم

جيمعون بني اخلضرة والسواد يف األسامي كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أىب هلب وكان أسود : اللون من الرمل

أخضر الجلدة من نسل العرب ينرفوأنا األخضر من يع

فسموا خضرة العراق سواداً، ومسي عراقاً الستواء أرضه حني خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض، : والعراق يف كالم العرب هو االستواء قال الشاعر من السريع

من ليس له عراق سياق سقتم إلى الحق لهم وساقوا

أي ليس له استواء، وحد السواد طوالً من حديثة املوصل إىل عبادان، وعرضه من عذيب القادسية إىل حلوان يكون طوله مائة وستني فرسخاً وعرضه مثانني فرسخاً فأما العراق فهو يف العرض مستوعب ألرض

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 138

حريب مث ميتد إىل السواد عرفاً ويقصر عن طوله يف العرف ألن أوله من شرقي دجلة العلث ويف غربيها آخر أعمال الصرة من جزيرة عبادان فيكون طوله مائة ومخسة وعشرين فرسخاً يقصر عن السواد خبمسة

وثالثني فرسخاً وعرضه مع تبعه يف العرف مثانون فرسخاً كالسواد قال قدامة بن جعفر يكون ذلك رسلة ويكون بذراع املساحة مكسراً عشرة آالف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع امل

وهي الذراع اهلامشية تسعة آالف ذراع فيكون ذلك إذا ضرب يف مثل هو تكسري فرسخ يف فرسخ اثنني وعشرين ألف جريب ومخسمائة جريب، فإذا ضرب ذلك يف عدد الفراسخ وهي عشرة آالف فرسخ بلغ

واضع التالل واآلكام والسباخ مائيت ألف ألف ومخسة وعشرين ألف ألف جريب، يسقط منها بالتخمني مواآلجام ومداس الطرق واحملاج وجماري األار وعراض املدن والقرى ومواضع األرجاء والربيدات،

والقناطر والشاذر وأنات والبنادر ومطارح القصب وأتاتني اآلجر وغري ذلك الثلث وهو مخسة وسبعون ألف ومخسني ألف ألف جريب يراح منها ألف ألف جريب، يصري الباقي من مساحة العراق مائة ألف

النصف ويكون النصف مزروعاً مع ما يف اجلميع من النخل والكرم واألشجار، فإذا أضيف إىل ما ذكره قدامة يف مساحة العراق ما زاد عليها من بقية السواد وهو مخسة وثالثون فرسخاً كانت الزيادة على تلك

ع ما يصلح للزرع والغرس من أرض السواد، ويف املتعذر أن املساحة قد ربعها فيصري ذلك مساحة مجييستوعب زرع مجيعه، وقد يتعطل منه بالعوارض واحلوادث ما ال ينحصر، وقد قيل إنه بلغت مساحة

السواد يف أيام كسرى قباذ مائة ألف ألف ومخسني ألف ألف جريب فكان مبلغ ارتفاعه مائيت ألف ألف وزن سبعة، ألنه كان يأخذ على كل جريب درمهاً وقفيزاً مثنه ثالثة وسبعة وسبعني ألف ألف درهم ب

دراهم وزن املثقال، وأن مساحة ما كان يزرع منه على عهد عمر رضي اهللا عنه من اثنني وثالثني ألف .ألف جريب إىل ستة وثالثني ألف ألف جريب

. ف الفقهاء يف فتحه ويف حكمهوإذ قد استقر ما ذكرناه من حدود السواد ومساحة مزارعه، فقد اختل

فذهب أهل العراق إىل أنه فتح عنوة، لكن مل يقسمه عمر رضي اهللا عنه بني الغامنني وأقره على سكانه وضرب اخلراج على أرضه، والظاهر من مذهب الشافعي رمحه اهللا يف السواد أنه فتح عنوة واقتسمه

وا إال طائفة استطاب نفوسهم مبال عاوضهم به عن الغامنون ملكاً مث استرتهلم عمر رضي اهللا عنه فرتلواختلف أصحاب الشافعي . حقوقهم منه فلما خلص للمسلمني ضرب عمر رضي اهللا عنه عليه خراجاً

يف حكمه، ملذهب أبو سعيد األصطخري يف كثري منهم إىل أن عمر رضي اهللا عنه وقفه على كافة رقاب األرضني يكون أجرة هلا تؤدى يف كل عام وإن مل املسلمني وأقره يف أيدي أربابه خبراج ضربه عل

تقدر مدا لعموم املصلحة فيها، وصارت بوقفه هلا يف حكم ما أفاء هللا على رسوله من خيرب والعوايل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 139

. وأموال بين النضري، ويكون املأخوذ من خراجها مصروفاً يف املصاحل وال يكون فيئاً خمموساً ألنه قد مخس

على اجليش ألنه وقف على عامة املسلمني فصار مصرفه يف عموم مصاحلهم اليت منها وال يكون مقصوراًأرزاق اجليش وحتصني الثغور وبناء اجلوامع والقناطر وكراء األار وأرزاق من تعم م املصلحة من

ة عليها القضاة والشهود والفقهاء والقراء واألئمة واملؤذنني، فهذا مينع من بيع رقاا وتكون املعارضباالنتفاع واالنتقال أليد وجواز التصرف ال لثبوت امللك إال على ما أحدث فيها من غرس وبناء، وقيل أن عمر رضي اهللا عنه وقف السواد برأي علي بن أيب طالب ومعاذ بن جبل رضي اهللا عنهما، وقال أبو

سترتل الغامنني عن السواد إن عمر رضي اهللا عنه حني ا: العباس بن سريج يف نفر من أصحاب الشافعيباعه على األكرة والدهاقني باملال الذي وضعه عليها خراجاً يؤدونه ي كل عام فكان اخلراج مثناً، وجاز

مثله يف عموم املصاحل كما قبل جبواز مثله يف اإلجارة وأن بيع أرض السواد جيوز ويكون البيع موجباً .للتمليك

قد حكى عمرو بن ميمون أن عمر رضي اهللا عنه حني استخلص وأما قدر اخلراج املضروب عليها، فالسواد بعث حذيفة على ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة، قال الشعيب فمسح

عثمان بن حنيف السواد فوجده ستة وثالثني ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درمهاً وقفيزاً، قال وروى قتادة . هلم يدعى الشربقان، قال حيىي بن آدم هو احملتوم احلجاجيبلغين أن القفيز مكيال: القاسم

عن أيب خملد أن عثمان بن حنيف جعل على كل جريب م الكرم عشرة دراهم وعلى كل جريب من النخل مثانية دراهم، وعلى كل جريب من قصب السكر ستة دراهم، وعلى كل جريب من الرطبة مخسة

لرب أربعة دراهم، وعلى كل جريب من الشعري درمهني فكان خراج الرب دراهم، وعلى كل جريب من اوالشعري يف هذه الرواية خمالفاً خلراجهما يف الرواية األخرى، وهذا الختالف النواحي حبسب ما حتتمل

وكانت ذراع حذيفة وعثمان بن حنيف ذراع اليد وقبضة وإاماً ممدوداً، وكان السواد يف أول أيام اً على املقامسة إىل أن مسحه ووضع اخلراج عليه قباذ بن فريوز فارتفع له باملساحة مائة الفرس جاري

.ومخسون ألف ألف درهم بوزن املثقال

وكان السبب يف مساحته وإن كان م قبل جارياً على املقامسة ما حكي أنه خرج يوماً يتصيد فأفضى إىل منها على الشجر لريى ما فيه من الصيد، فرأى شجر ملتف فدخل فيه للصيد فصعد إىل رابية يشرف

امرأة حتفر يف بستان فيه خنل ورمان مثمر ومعها صيب يريد أن يتناول شيئاً من الرمان وهي متنعه، فعجب إن للملك حقاً مل يأت القاسم : منها وأنفذ إليها رسوالً يسأهلا عن سبب منع ولدها من الرمان؟ فقالت

شيئاً إال بعد أخذ حقه، فرق امللك لقوهلا وأدركته رأفة برعيته فتقدم إىل لقبضه وخناف أن ينال منه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 140

وزرائه باملساحة اليت يقارب قسطها ما حيصل باملقامسة لتمتد يد كل إنسان إىل ما ميلكه يف وقت حاجته فبلغ إليه فكان الفرس على هذا يف بقية أيامهم وجاء اإلسالم فأقره عمر بن اخلطاب على املساحة واخلراج

ارتفاعه يف أيامه مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم، وجباه عبيد اهللا بن زياد مائة ألف ألف ومخسة وثالثني ألف ألف درهم بغشمه وظلمه، وجباه احلجاج مائة ألف ألف ومثانية عشر ألف ألف بغشمه

بعدله وعمارته وكان ابن وخرابه، وجباه عمر بن عبد العزيز رمحه اهللا مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف هبرية جيبيه مائة ألف ألف سوى طعام اجلند وأرزاق املقاتلة، وكان يوسف ابن عمر حيصل منه يف كل

سنة من ستني ألف ألف إىل سبعني ألف ألف، وحيتسب بعطاء من قبله من أهل الشام ستة عشر ألف ألف، ف، ويبقى يف بيوت األحداث والعوانق عشرة ويف نفقة الربيد أربعة آالف درهم وهم يف الطوارق ألف أل

آالف درهم وقال عبد الرمحن بن جعفر بن سليمان ارتفاع هذا اإلقليم يف احلقني ألف ألف ألف ثالث مرات، فما نقص من مال الرعية زاد يف مال السلطان، وما نقص من مال السلطان زاد يف مال الرعية،

أن عدل هلم املنصور رمحه اهللا يف الدولة العباسية عن اخلراج إىل ومل يزل السواد على املساحة واخلراج إىلاملقامسة، ألن السعر نقص فلم تف الغالت خبراجها وخرب السواد فجعله مقامسة وأشار أبو عبيد اهللا على املهدي أن جيعل أرض اخلراج مقامسة بالنصف إن سقي سيحاً ويف الدوايل على الثلث ويف الدواليب على

ال شيء عليهم سواه، وأن يعمل يف النخل والكرم والشجر مساحة خراج تقدر حبسب قربه من الربعاألسواق والفرض ويكون البني مثل املقامسة فإذا بلغ حاصل الغلة ما بقي خبراجني أخذ عنها خراجاً

.كامالً، وإذا نقص ترك فهذا ما جرى يف أرض السواد

وب عليها أوالً وتغيريه إىل املقامسة إذا كان لسبب حادث والذي يوجبه احلكم أن خراجها هو املضراقتضاه اجتهاد األئمة فيكون أمضى مع بقاء سببه وإال أعيد إىل حاله األول عند زوال سببه، إذ ليس

لإلمام أن ينقض اجتهاد من تقدمه، فأما تضمني العمال ألموال العشر واخلراج فباطل ال يتعلق به الشرع مؤمتن يستويف ما وجب ويؤدي ما حصل فهو كالوكيل الذي إذا أدى األمانة مل حكم، ألن العامل

يضمن نقصاناً ومل ميلك زيادة وضمان األموال بقدر معلوم يقتضي االقتصار عليه يف متل ما زاد وغرم ما .نقص، وهذا مناف لوضع العمالة وحكم األمانة فبطل

منه األبلة مبائة ألف درهم فضربه مائة سوط وصلبه حياً وحكي أن رجالً أتى العباس رضي اهللا عنه يتقبل .تعزيراً وأدباً

وقد خطب عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه الناس فجمع يف خطبته بني صفتهم وصفة واليته عليهم أيها الناس اقرءوا لقرآن تعرفوا به، : وحكم املال الذي يليه مبا هو الصواب املسموع واحلق املتبوع، فقال

ا مبا فيه تكونوا من أهله، ولن يبلغ ذو حق أن يطاع يف معصية اهللا، إال وإنه لن يبعد من رزق ولن واعملو

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 141

يقرب من أجل يقول املرء حقاً، أال وإين ما وجدت صالح ما والين اهللا إال بثالث أداء األمانة واألخذ أن يؤخذ حبق؛ وأن يعطى : ثبالقوة واحلكم مبا أنزل اهللا، أال وأين ما وجدت صالح هذا املال إال بثال

يف حق، وأن مينع يف حق، وأن مينع من باطل، أال وإين يف مالكم كويل اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن .افتقرت أكلت باملعروف كترمم البهيمة األعرابية

الباب الخامس عشر

في إحياء الموات واستخراج المياه

ال جيوز إحياؤه إال بإذن اإلمام، لقول النيب : ذنه، وقال أبو حنيفةمن أحيا مواتاً ملكه بإذن اإلمام وبغري إ ".ليس ألحد إال ما طابت به نفس إمامه : " عليه الصالة والسالم

".من أحيا أرضاً مواتاً فهي له : " ويف قول النيب عليه الصالة والسالم

.دليل على أن ملك املوات معترب باألحياء دون إذن اإلمام

وقال أبو . عند الشافعي كل ما مل يكن عامراً وال حرمياً لعامر فهو مات وإن كان متصالً بعامرواملواتاملوات كل أرض إذا وقف على أدناها : املوات ما بعد من العامر مل يبلغه املاء، وقال أبو يوسف: حنيفة

الن خيرجان عن املعهود يف من العامر مناد بأعلى صوته مل يسمع أقرب الناس إليها يف العامر، وهذان القوجريانه من أهل عامر أحق : وقال مالك. اتصال العمارات ويستوي يف إحياء املوات جريانه واألباعد

بإحيائه من األباعد، وصفة اإلحياء، معتربة بالعرف فيما يراد له اإلحياء ألن رسول اهللا صلى اهللا عليه إن أراد إحياء املوات للسكىن كان إحياؤه بالبناء وسلم أطلق ذكره إحالة على العرف املعهود فيه، ف

.والتسقيف ألنه أول كمال العمارة اليت ميكن سكناها

أحدها مجع التراب احمليط ا حىت يصري حاجزاً : وإن أراد إحياءها للزرع والغرس اعترب فيه ثالثة شروطها إن كانت بطائح ألن إحياء لليبس والثاين سوق املاء إليها إن كانت يبساً وحبسه عن. بينها وبني غريها

: والثالث حرثها. بسوق املاء إليه، وإحياء البطائح حببس املاء عنها حىت ميكن زرعها وغرسها يف احلالني

واحلرث جيمع إثارة املعتدل وكسح املستعلى وطم املنخفض، فإذا استكملت هذه الشروط الثالثة كمل ال ميلكه حىت يزرعه أو يغرسه، وهذا فاسد : لشافعي فقالاإلحياء وملك احمليي، وغلط بعض أصحاب ا

ألنه مبرتلة السكىن اليت ال تعترب يف متلك املسكون، فإن زارع عليها بعد اإلحياء من قام حبرثها وزراعتها كان احمليي مالكاً لألرض واملثري مالكاً للعمارة، فإن أراد مالك األرض بيعها جاز وإن أراد مالك العمارة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 142

. ا فقد اختلف يف جوازه فقال أبو حنيفة إن كان له إثارة جاز له بيعها، وإن مل يكن له إثارة مل جيزبيعه

وقال . جيوز له بيع العمارة على األحوال كلها وجيعل األكار شريكاً يف األرض بعمارته: وقال مالكجر أو زرع فيجوز له بيع ال جيوز له بيع العمارة حبال إال أن يكون له فيها أعيان قائمة كش: الشافعي

األعيان دون اإلثارة، وإذا حتجر على موات كان أحق بإحيائه من غريه، فإن تغلب عليه من أحياه كان احمليي أحق به من املتحجر، فإن أراد املتحجر على األرض بيعها قبل إحيائها مل جيز على الظاهر من

بالتحجري عليها أحق ا جاز له بيعها مذهب الشافعي، وجوزه كثري من أصحابه، ألنه ملا صار كاألمالك، فعلى هذا لو باعها فتغلب عليها يف يد املشتري من أحياها فقد زعم ابن هريرة من أصحاب

وقال غريه من أصحابه القائلني . الشافعي أن مثنها ال يسقط عن املشتري لتلف ذلك يف يده بعد قبضهمل يستقر، فأما إذا حتجر وساق املاء ومل حيرث فقد ملك املاء جبواز بيعه إن الثمن يسقط عنه ألن قبضه

وما جرى فيه من املوات وحرميه ومل ميلك ما سواه وإن كان به أحق وجاز له بيع ما جرى فيه املاء، ويف .جواز بيع ما سواه من احملجور ما قدمناه من الوجهني

وقال . سواء سقي مباء العشر أو مباء اخلراجوما أحيي من املوات معشور ال جيوز أن يضرب عليه خراجإن ساق إىل ما أحياه ماء العشر كانت أرض عشر، وإن ساق إليها ماء اخلراج : أبو حنيفة وأبو يوسف

كانت أرض خراج، وقال حممد بن احلسن إن كانت األرض احملياة على أار حفرا األعاجم فهي أرض عز وجل كدجلة والفرات فهي أرض عشر، وقد أمجع العراقيون خراج، وإن كانت على أار أجراها اهللا

أما على قول حممد بن احلسن فألن . وغريهم على أن ما أحيي من موات البصرة وسباخها أرض عشردجلة البصرة مما أجراه اهللا تعاىل من األار وما عليها من األار احملدثة فهي حمياة احتفرها املسلمون يف

فجعل بعضهم العلة فيه : لى قول أيب حنيفة فقد اختلف أصحابه يف تعليل ذلك على قولنياملوات وأما عأن ماء اخلراج يغيض يف دجلة والفرات، وهذا التعليل فاسد ألن املد يفيد املاء العذب من البحر وال ميتزج

ن آدم بل العلة فيه مبائه وال تشر وإن كان املد شرا إال ماء دجلة والفرات، وقال أصحابه منهم طلحة بأن ماء دجلة البصرة فال يكون من ماء اخلراج، ألن البطائح ليست من أار اخلراج، وهذا تعليل فاسد أيضاً ألن البطائح بالعراق انبطحت قبل اإلسالم فتغري حكم األرض حىت صارت مواتاً ومل يعترب حكم

يف الدجلة املعروفة باللغور الذي ينتهي إىل وسببه ما حكاه صاحب السري أن ماء دجلة كان ماضياً. املاءدجلة البصرة من املدائن يف منافذ مستقيمة املسالك حمفوظة اجلوانب وكان موضع البطائح اآلن أرض مزارع وقرى ذات منازل فلما كان امللك قباذ بن فريوز انفتح يف أسافل كسكر بثق عظيم أغفل أمره

عاله فلما وىل أبو شروان ابنه أمر بذلك املاء فتزحم باملسنيات حىت غلب ماؤه وغرق من العمارات ما

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 143

حىت عاد بعض تلك األرض إىل عمارا وكانت على ذلك سنة ست من اهلجرة وهي السنة اليت بعث فيها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم عبد اهللا بن حذافة السهمي إىل كسرى رسوالً وهو كسرى أبرويز

ادة عظيمة مل ير مثلها فانبثقت بثواقاً عظاماً اجتهد أبرويز يف سكرها حىت صلب فزادت دجلة والفرات زييف يوم واحد سبعني سكارى وبسط األموال على اإلقطاع فلم يقدر للماء على حيلة مث ورد املسلمون

العراق وتشاغلت الفرس باحلروب فكانت البثوق تنفجر فال يلتفت إليها ويعجز الدهاقني عن سدها ت البطيحة وعظمت، فلما ويل معاوية رضي اهللا عنه ويل مواله عبد اهللا بن دراج خراج العراق فاتسع

فاستخرج له من أرض البطائح ما بلغت غلته مخسة آالف ألف درهم، واستخرج بعده حسان النبطي تنا حىت للوليد بن عبد امللك مث هلشام من بعده كثرياً من أرض البطائح، مث جرى للناس على هذا إىل وق

صارت جوامدها وأكثر، وكان هذا التعليل من أصحاب أيب حنيفة مع ماشرحناه من أحوال البطائح عذرا دعاهم إليه ما شاهدوا الصحابة عليه من إمجاعهم على أن ما أحيي من موات البصرة أرض عشر

.وما ذلك لعلة غري اإلحياء

الشافعي معترب مبا ال تستغين عنه تلك األرض من وأما حرمي ما أحياه من املوات لسكىن أو زرع فهو عندوقال . حرمي أرض ما بعد منها ومل يبلغه ماؤها: وقال أبو حنيفة. طريقها وفائها وجماري مائها ومغيضها

حرميها ما انتهى إليه صوت املنادي من حدودها، ولو كان هلذين القولني وجه ملا اتصلت : أبو يوسفوقد مصرت الصحابة رضي اهللا عنهم البصرة على عهد عمر رضي اهللا عنه عمارتان وال تالصقت داران

وجعلوها خططاً لقبائل أهلها فجعلوا عرض شارعها األعظم وهو مربدها ستني ذراعاً، وجعلوا عرض ما سواه من الشوارع عشرين ذراعاً، وجعلوا عرض كل زقاق سبعة أذرع، وجعلوا وسط كل خطة رحبة

قبور موتاهم وتالصقوا يف املنازل ومل يفعلوا ذلك إال عن رأي اتفقوا عليه ونص ال فسيحة ملرابط خيلهم وإذا تدارأ : " وقد روى بشري بن كعب عن أيب هريرة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قال. جيوز خالفه

".القوم يف طريق فليجعل سبعة أذرع

ار فتنقسم ثالثة وأما املياه املستخرجة فتنقسم ثالثة أقسام مياه األار ومياه آبار مياه عيون فأما األ : أقسام

أحدها ما أجراه اهللا تعاىل من كبار األار اليت حيتقرها اآلدميون كدجلة والفرات ويسميان الرافدين فماؤمها يتسع للزرع وللشاربة، وليس يتصور فيه قصور عن كفاية وال ضرورة تدعو فيه إىل تنازع أو

وز ملن شاء من الناس أن يأخذ منها لضيعته شرباً وجيعل من ضيعته إليها مغيضاً، وال مينع مشاحنة، فيج .من أخذ شرب وال يعارض يف إحداث مغيض

أحدمها أن يعلو ماؤها وإن مل حيبس : والقسم الثاين ما أجراه اهللا تعاىل من صغار األار، وهو على ضربني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 144

كل ذي أرض من أهله أن يأخذ منه شرب أرضه يف وقت ويكفي مجيع أهله من غري تقصري، فيجوز لحاجته وال يعارض بعضهم بعضاً، فإن أراد قوم أن يستخرجوا منه راً يساق إىل أرض أخرى أو جيعلوا

والضرب . إليه مغيض ر آخر نظر، فإن كان ذلك مضراً بأهل هذا النهر منع منه، وإن مل يضر م مل مينعا النهر وال يعلو للشرب إال حببسه فلألول من أهل النهر أن يبتدئ حببسه ليسقى الثاين أن يستقل ماء هذ

روى عبادة بن . أرضه حىت تكتفي منه وترتوي مث حيبسه من يليه حىت يكون آخرهم أرضاً آخرهم حبساًأن النيب صلى اهللا عليه وسلم قضى يف شرب النخل من السيل أن لألعلى أن يشرب قبل : " الصامت ". مث يرسل املاء إىل األسفل الذي يليه كذلك حىت ينقضى األرضون األسفل

أن : " وأما قدر ما حيبسه يف املاء يف أرضه، فقد روى حممد بن إسحاق عن أيب مالك بن ثعلبة عن أبيهرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم قضى يف وادي مهزور أن حيبس املاء يف األرض إىل الكعبني، فإذا بلغ إىل

".ني أرسل إىل األخرى الكعب

وقضى يف سيل بطحان مبثل ذلك فقدره بالكعبني، وليس هذا القضاء منه على العموم يف : وقال مالك .األزمان والبلدان، ألنه مقدر باحلاجة

أحدها باختالف األرضني، فمنها ما يرتوي باليسري ومنها ماال يؤتوي إال : وقد خيتلف من مخسة أوجهوالثالث . إختالف ما فيها، فإن للزرع من الشرب قدراً وللنخل واألشجار قدراًوالثاين ب: بالكثري

باختالف الصيف والشتاء، فإن لكل واحد من الزمانني قدراً، والرابع باختالفها يف وقت الزرع وقبله، ذ منه واخلامس باختالف حال املاء يف بقائه وانقطاعه، فإن املنقطع يؤخ. فإن لكل واحد من الوقتني قدراً

ما يدخر والدائم يؤخذ منه ما يستعمل، فالختالفه من هذه األوجه اخلمسة مل يكن حتديده مبا قضاه فلو سقى رجل . رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف أحدها وكان معترباً بالعرف املعهود عند احلاجة إليه

يف ملكه مبباح، فإن اجتمع أرضه أو فجرها فسال من مائها إىل أرض جاره فغرقها مل يضمن ألنه تصرف .يف ذلك املاء مسك كان الثاين أحق بصيده من األول ألنه يف ملكه

والقسم الثالث من األار ما احتفره اآلدميون ملا أحيوه من األرضني فيكون النهر بينهم مالكاً مشتركاً يدخله ماء املد فهو يعم كالزقاق املرفوع بني أهله ال خيتص أحدهم مبلكه، فإن كان هذا النهر بالبصرة

مجيع أهله ال يتشاحون فيه التساع مائه وال حيتاجون إىل حبسه لعلوه باملد إىل احلد الذي ترتوي منه مجيع األرضني مث يقبض بعد االرتواء يف اجلزر، وإن كان بغري البصرة من البالد اليت ال مد فيها وال جزر فالنهر

ال حق فيه لغريه يف شرب منه وال مغيض، وال جيوز لواحد من أهله مملوك ملن احتفره من أرباب األرضنيأن ينفرد بنصب عبارة عليه وال برفع مائه وال إدارة رحى فيه إال عن مرضاة مجيع أهله الشتراكهم فيما ميد هو ممنوع من التفرد به كما ال جيوز يف الزقاق املرفوع أن يفتح إليه باباً، وال أن خيرج عليه جناحاً وال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 145

.عليه ساباطاً إال مبرضاة مجيعهم

أحدها أن يتناوبوا عليه باأليام إن قلوا وبالساعات إن كثروا، : مث ال خيلو حال شرم منه من ثالثة أقسامويقترعوا إن تنازعوا يف الترتيب حىت يستقر هلم ترتيب األول ومن يليه وخيتص كل واحد منهم بنوبته ال

.ن بعدها على ما ترتبوايشاركه غريه فيها، مث هو م

والقسم الثاين أن يقتسموا فم النهر عرضاً خبشبة تأخذ جانيب النهر ويقسم فيها حفور مقدرة حبقوقهم من .املاء يدخل يف كل حفرة منها قدر ما استحقه صاحبها من مخس أو عشر ويأخذه إىل أرضه على األدوار

رضه شرباً مقدراً هلم باتفاقهم أو على مساحة أمالكهم والقسم الثالث أن حيفر كل واحد منهم يف وجه أليأخذ من ماء النهر قد حقه ويساوي فيه مجيع شركائه، وليس له أن يزيد فيه وال هلم أن ينقصوه وال

وليس . لواحد منهم أن يؤخر شرباً مقدماً، كما ليس لواحد من أهل الزقاق املرفوع أن يؤخر باباً مقدماًمؤخراً وإن جاز أن يقدم باباً مؤخراً، ألن يف تقدمي الباب املؤخر اقتصاراً على بعض له أن يقدم شرباً

احلق ويف تقدمي الشرب املؤخر زيادة على احلق، فأما حرمي هذا النهر احملفور يف املوات فهو عند الشافعي حرمي النهر ملقى :معترب بعرف الناس يف مثله، وكذلك حكم القناة ألن القناة ر باطن وقال أبو حنيفة

وحرمي القناة ما مل يسح على وجه األرض وكان جامعاً للماء وهلذا القول وجه : قال أبو يوسف. طينه .مستحسن

أحدها أن حيفرها لسابلة فيكون ماؤها مشتركاً وحافرها فيه : وأما اآلبار فلحافرها ثالثة أحوالب بدلوه مع الناس ويشترك يف مائها إذا قد وقف عثمان رضي اهللا عنه بئر رومة فكان يضر. كأحدهم

اتسع شرب احليوان وسقى الزرع، فإن ضاق ماؤها عنهما كان شرب احليوان أوىل به من الزرع ويشترك .فيها اآلدميون والبهائم، فإن ضياق عنهما كان اآلدميون مبائها أحق من البهائم

انتجعوا أرضاً وحفروا فيها بئراً لشرم وشرب واحلالة الثانية أن حيتفرها الرتفاقه مبائها كالبادية إذامواشيهم كانوا أحق مبائها ما أقاموا عليها يف جنعتهم وعليهم بذل الفضل من مائها للشاربني دون غريهم فإذا ارحتلوا عنها صارت البئر سابلة فتكون خاصة االبتداء وعامة االنتهاء، فإن عادوا إليها بعد االرحتال

.غريهم سواء فيها ويكون السابق إليها أحق اعنها كانوا هم و

واحلالة الثالثة أن حيتفرها لنفسه ملكاً فما مل يبلغ باحلفر إىل استنباط مائها مل يستقر ملكه عليها، وإذا استنبط ماءها استقر ملكاً بكمال اإلحياء إال أن حيتاج إىل طي فيكون طيها من كمال اإلحياء واستقرار

.الكاً هلا وحلرميهاامللك مث يصري م

وقال . واختلف الفقهاء يف قدر حرميها، فذهب الشافعي رمحه اهللا إىل أنه معترب بالعرف املعهود يف مثلها

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 146

حرمي البئر للناضح مخسون ذارعاً وقال أبو يوسف حرميها ستون ذراعاً إال أن يكون رشاؤها : أبو حنيفةمي بئر العطن أربعون ذراعاً، وهذه املقادير ال تثبت إال قال أبو يوسف وحر. أبعد فيكون هلا منتهى رشائها

بنص، فإن جاءها نص كان متبعاً وإال فهو معلول وللتقدير مبنتهى الرشاء وجه يصح اعتباره ويكون داخالً يف العرف املعترب، فإذا استقر ملكه على البئر وحرميها فهو أحق مبائها واختلف أصحاب الشافعي

قبل استقائه وحيازته، فذهب بعضهم إىل أنه جيري على ملكه يف قراره قبل حيازته؛ هل يصري مالكاً له . كما إذا ملك معدناً ملك ما فيه قبل أخذه، جيوز بيعه قبل استفائه، ومن استقاه بغري إذنه استرجع منه

ا باستفائه وقال آخرون ال ميلكه إال بعد احليازة صلة موضوعة على اإلباحة، وله أن مينع من التصرف فيهفإن غلبه من استقاء مل يسترجع منه شيئاً، فإذا استقر حكم هذه البئر يف اختصاصه مبلكها واستحقاقه

ملائها فله سقي مواشيه وزرعه وخنيلة أشجاره، فإن مل يفضل عن كفايته فضل مل يلزمه بذل شيء منه إال .ملضطر على نفس

استسقاهم فلم يسقوه حىت مات فأغرمهم عمر رضي اهللا وروى احلسن رمحه اهللا أن رجالً أتى أهل ماء فعنه الدية، وإن فضل منه بعد كفايته فضل لزمه على مذهب الشافعي أن يبذل فضل مائه للشاربه من أرباب املواشي واحليوان دون الزرع واألشجار وقال من أصحابه أبو عبيدة بن جرثونة ال يلزمه بذل

آخرون منهم يلزمه بذله للحيوان دون الزرع وما ذهب إليه الشافعي وقال. الفضل منه حليوان وال زرعقال : روى أبو الزناد عن األعرج عن أيب هريرة قال. من وجوب بذله للحيوان دون الزرع هو املشروع

من منع فضل املاء ليمنع به فضل الكأل منعه اهللا فضل رمحته يوم : " رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ".القيامة

أحدها أن يكون يف قرار البئر، فإن استقاه مل يلزمه بذله، والثاين : وبذل هذا الفضل معترب بأربعة شروطأن يكون متصالً بكأل يرعى، فإن مل يقرب من الكأل مل يلزمه بذله، والثالث أن ال جتد املواشي غريه، فإن

اح، فإن كان غريه من املوجود مملوكاً لزم وجدت مباحاً غريه مل يلزمه بذله وعدلت املواشي إىل املاء املبكل واحد من مالكي املاءين أن يبذل فضل مائه ملن ورد إليه، فإذا اكتفت املواشي بفضل أحد املاءين

الرابع أن ال يكون عليه يف ورد املواشي إىل مائه ضرر يلحقه يف زرع وال ماشية . سقط الفرض عن اآلخر للرعاة استقاء فضل املاء هلا، فإذا كملت هذه الشروط األربعة لزمه فإن حلقه بورودها ضرر منعت وجاز

بذل الفضل وحرم عليه أن يأخذ له مثناً، وجيوز مع اإلخالل ذه الشروط أن يأخذ مثنه إذا باعه مقدراً بكيل أو وزن، وال جيوز أن يبيعه جزافاً وال مقداراً بري ماشية أو زرع، وإذا احتفر بئر أو ملكها

ها مث احتفر آخر بعد حرميها بئراً فنضب ماء األول وغار فيها أقر عليها ومل مينع منها، وكذلك لو وحرمي

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 147

وقال مالك إذا نضب ماء األول إليها أو تغري ا منع منها . حفرها لطهور فتغري ا ماء األول أقرب .وطمت

ماءها ومل يستنبطه اآلدميون فحكمها أحدها أن يكون مما أنبع اهللا تعاىل: وأما العيون فتنقسم ثالثة أقسامحكم ما أجراه اهللا تعاىل من األار، وملن أحيا أرضاً مبائها أن يأخذ منه قدر كفايته، فإن تشاحوا فيه

لضيفه روعي ما أحي مبائها من املوات، فإن تقدم فيه بعضهم على بعض كان ألسبقهم إحياء أن يستويف إن قصر الشرب عن بعضهم كان نقصانه يف حق األخري، وإن اشتركوا من منها شرب أرضه مث ملن يليه، ف

.يف اإلحياء على سواء ومل يسبق به بعضهم بعضاً حتاضوا فيه إما بقسمة املاء وإما باملهايأة عليه

والقسم الثاين أن يستنبطها اآلدميون فتكون ملكاً ملن استنبطها وميلك معها حرميها وهو على مذهب وقال أبو حنيفة حرمي العني مخسمائة . بالعرف املعهود يف مثلها ومقدر باحلاجة الداعية إليهاالشافعي معترب

.ذراع وملستنبط هذه العني سوق مائها إىل حيث شاء وكان ما جرى فيه ماؤها ملكاً له وحرميه

تها فال والقسم الثالث أن يستنبطها الرجل يف ملكه فيكون أحق مبائها لشرب أرضه، فإن كان قدر كفايوإن فضل عن كفايته أراد أن حييي بفضله أرضاً مواتاً فهو أحق به . حق عليه فيه غال لشارب مضطر

لشرب ما أحياه وإن مل يرده ملوات أحياه لزمه بذله ألرباب املواشي دون الزرع كفضل ماء البئر، فإن ملن احتفر يف البادية بئراً اعتاض عليه من أرباب الزرع جاز، وإن اعتاض من أرباب املواشي مل جيوز

وقال سعيد بن املسيب وابن أيب ذئب ال جيوز له . فملكها أو عيناً استنبطها أو يبيعها، وال حيرم عليه مثنهابيعها، وال حيرم عليه مثنها، وقال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد إن باعها لرغبة جاز، وإن باعها خلالء مل

.لك أحق ا بغري مثن، فإن رجع اخلايل فهو أملك هلاجيز وكان أقرب الناس إىل ما

الباب السادس عشر

في الحمى واألرفاق

.ومحى املوات هو املنع من إحيائه إمالكاً ليكون مستبقى اإلباحة لنبت الكأل ورعي املواشي

".قد محى رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم باملدينة وصعد جبالً بالبقيع "

.و النقيع بالنونه: قال أبو عبيد

".هذا محاي وأشار بيده إىل القاع : " وقال

فأما محى األئمة بعده فإن محوا . وهو قدر ميل يف ستة أميال محاه خلليل املسلمني من األنصار واملهاجرين .به مجيع املوات أو أكثره مل جيز، وإن محوا أقلة خلاصة من الناس أو ألغنائهم مل جيز

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 148

أحدمها ال جيوز ويكون احلمى خاصاً : لمني أو للفقراء واملساكني ففي جوازه قوالنوإن محوه لكافة املسلرسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم لرواية الصعب ابن جثامة أن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حني محى

".ال محى إال هللا ولرسوله : " البقيع قال

هلم، ألنه كان يفعل ذلك لصالح املسلمني ال لنفسه والقول الثاين أن محى األئمة بعده جائز كجوازهقد محى أبو بكر رضي اهللا عنه بالربذة ألهل الصدقة واستعمل عليه . فكذلك من قام مقامه يف مصاحلهم

ومحى عمر رضي اهللا عنه من الشرف مثل ما محاه أبو بكر من الربذة ووىل عليه موىل له . مواله أبا سالمة هىن ضم جناحك عن الناس، واتق دعوة املظلوم فإن دعوة املظلوم جمابة، وأدخل يا: يقال له هىن وقال

رب الصرمية ورب الغنيمة، وإياك ونعم بن عفان وبن عوف فإما إن لك ماشيتهما يرجعان إىل خنل لكأل وزرع، وإن رب الصرمية ورب الغنيمة يأتيين بعياله فيقول يا أمري املؤمنني أفتاركهم أنا؟ ال أباك فا

أهون علي من الدينار والدرهم، والذي نفسي بيده لوال املال الذي أمحل عليه يف سبيل اهللا ما محيت .فأما قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. عليهم من بالدهم شرباً

حل فمعناه ال محى إال على مثل ما محاه اهللا ورسوله للفقراء واملساكني وملصا": ال محى إال هللا ولرسوله " كافة املسلمني، ال على مثل ما كانوا عليه ف اجلاهلية من تفرد العزيز منهم باحلمى لنفسه، كالذي كان

يفعله كليب بن وائل، فإنه كان يواىف بكلب على نشاز من األرض مث يستعديه وحيمي ما انتهى إليه يقول العباس بن عواؤه من كل اجلهات، ويشارك الناس فيما عداه حىت كان ذلك سبب قتله، وفيه

: مرداس من الطويل

من العز حتى طاح وهو قتيلها همكان يبغيها كليب بظل كما

ايمنع األقناء منها حلوله وإذ وائل إذ يترك الكلب نابحاً على

وإذا جرى على األرض حكم احلمى استبقاء ملواا سابالً ومنعاً من إحيائها ملكاً روعي حكم احملمي، فإن كان للكافة تساوى فيه مجيعهم من غين وفقري ومسلم وذمي يف رعي كلئهم خبيلهم وماشيتهم، فإن

ه الفقراء واملساكني خص به املسلمون اشتراك فيه أغنياؤهم وفقراؤهم ومنع منهم أهل الذمة، وإن خص بمنع منه األغنياء وأهل الذمة وال جيوز أن خيص به األغنياء دون الفقراء وال أهل الذمة دون املسلمني، وإن خص به نعم الصدقة أو خيل ااهدين مل يشركهم فيه غريهم مث يكون احلمى جارياً على ما استقر عليه

الناس جاز أن يشتركوا فيه الرتفاع الضرر عمن من عموم وخصوص، فلو اتسع احلمى املخصوص لعمومخص به، ولو ضاق احلمى العام عن مجيع الناس مل جيز أن خيتص به أغنياؤهم، ويف جواز اختصاص

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 149

فقرائهم به وجهان، وإذا استقر حكم احلمى على أرض فأقدم عليها من أحياها ونقض محاها روعي عليه وسلم كان احلمى ثابتاً واإلحياء باطالً واملتعرض احلمى، فإن كان مما محاه رسول اهللا صلى اهللا

إلحيائه مردوداً من جوراً ال سيما إذا كان سبب احلمى باقياً، ألنه ال جيوز أن يعارض حكم رسول اهللا .صلى اهللا عليه وسلم بنقض وال إبطال

عليه وسلم ألنه وإن كان من محى األئمة وجيري عليه حكم احلمى كالذي محاه رسول اهللا صلى اهللا والقول الثاين يقر اإلحياء ويكون حكمه أثبت من احلمى لتصريح رسول اهللا صلى اهللا : حكم نفذ حبق

".من أحىي أرضاً مواتاً فهي له : " عليه وسلم بقوله

وال جيوز ألحد من الوالة أن يأخذ من أرباب املواشي عوضاً عن مراعي موات أو محى لقول رسول اهللا ".املاء والنار والكأل : املسلمون شركاء يف ثالث: " ليه وسلمصلى اهللا ع

وأما األرفاق فهو أرفاق الناس مبقاعد األسواق وأفنية الشوارع وحرمي األمصار ومنازل األسفار فيقسم وقسم خيتص االرتفاق فيه بأفنية األمالك، . قسم خيتص االرتفاق فيه بالصحارى والفلوات: ثالثة أقسام

.بالشوارع والطرقوقسم خيتص

: فأما القسم األول وهو ما اختص بالصحارى والفلوات فكمنازل األسفار وحلول املياه وذلك ضربان

أحدمها أن يكون الجتياز السابلة واستراحة املسافرين فيه فال نظر للسلطان فيه لبعده عنده وضرورة ظ مياهه والتخلية بني الناس وبني السابلة إليه، والذي خيتص السلطان له من ذلك بإصالح عورته وحف

نزوله ويكون السابق إىل املرتل أحق حبلوله فيه من املسبوق حىت يرحتل عنه لقول النيب صلى اهللا عليه ".من مناخ من سبق إليها : " وسلم

ا فإن وردوه على سواء وتنازعوا فيه نظر يف التعديل بينهم مما يزيل تنازعهم وكذلك البادية إذا انتجعوأرضاً طلباً للكأل وارتفاقاً باملرعى وانتقاالً من أرض إىل أخرى كانوا فيما نزلوه وارحتلوا عنه كالسابلة ال

والضرب الثاين أن يقصدوا نزول األرض اإلقامة فيها واالستيطان هلا، . اعتراض عليهم يف تنقليهم ورعيهمضراً بالسابلة منعوا منها قبل الرتول وبعده، فللسلطان يف نزوهلا ا نظر يراعي فيه األصلح، فإن كان م

وإن مل يضر بالسابلة راعى األصلح يف نزوهلم فيها أو منعهم منها ونقل غريهم إليها، كما فعل عمر حني مصر البصرة والكوفة نقل إىل كل واحد من املصرين من رأى املصلحة فيه لئال جيتمع فيه املسافرون

سفك الدماء وكما يفعل يف إقطاع املوات ما يرى، فإن مل يستأذنوه حىت فيكون سبباً النتشار الفتنة ونزلوه مل مينعهم منه كما ال مينع من أحىي مواتاً بغري إذنه ودبرهم مبا يراه صالحاً هلم واهم عن إحداث

قدمنا مع عمر بن اخلطاب يف: روى كثري بن عبد اهللا عن أبيه عن جده قال. زيادة من بعد إال عن إذنه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 150

عمرته سنة سبع عشرة فكلمه أهل املياه يف الطريق أن يبنوا بيوتاً فيما بني مكة واملدينة مل تكن قبل ذلك، .فأذن هلم واشترط عليهم أ، ابن السبيل أحق باملاء والظل

ن وأما القسم الثاين وهو ما خيتص بأفنية الدور واألمالك، فإن كان مضراً بأرباا منع املرتفقون منها إال أ: يأذنوا بدخول الضرر عليهم فيمكنوا، وإن كان غري مضر م ففي إباحة ارتفاقهم به من غري إذم قوالن

أحدمها أن هلم االرتفاق ا وإن مل يأذن أرباا؛ ألن احلرمي مرفق إذا وصل أهله إىل حقهم منه ساواهم عن إذم ألنه تبع ألمالكهم فكانوا به والقول الثاين أنه ال جيوز االتفاق حبرميهم إال. الناس فيما عداه

أحق وبالتصرف فيه أخص، فأما حرمي اجلوامع واملساجد، فإن كان االتفاق به مضراً بأهل املساجد واجلوامع منعوا منه ومل جيز للسلطان أن يأذن هلم فيه ألن املصلني به أحق، وإن مل يكن مضراً أجاز

.السلطان هلم على وجهني من القولني يف حرمي األمالكارتفاقهم حبرميها، وهل يعترب فيه إذن

وأما القسم الثالث وهو ما اختص بأفنية الشوارع والطرق فهو موقوف على نظر السلطان، ويف نظره أحدمها أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي ومنعهم من اإلضرار واإلصالح بينهم عند : وجهان

وال أن يقدم مؤخراً ويكون السابق إىل املكان أحق به من املسبوق، التشاجر، وليس له أن يقيم جالساًوالوجه الثاين أن نظره فيه نظر جمتهد فيما يراه صالحاً يف إجالس من جيلسه ومنع من مينعه وتقدمي من

يقدمه كما جيتهد يف أموال بيت املال وإقطاع املوات وال جيعل السابق منهما إىل املكان أحق به من وق، فإذا انصرف عنه كان هو وغريه من الغد فيه سواء يراعى فيه السابق إليه وقال مالك إذا عرف املسب

أحدهم مبكان وصار به مشهوراً كان أحق به من غريه قطعاً للتنازع وحسماً للتشاجر، واعتبار هذا وإن .كان له يف املصلحة وجه خيرجه عن حكم اإلباحة إىل حكم امللك

ء والفقهاء يف اجلوامع واملساجد والتصدي للتدريس والفتيا فعلى كل واحد منهم زاجر وأما جلوس العلما .من نفسه أن ال يتصدى ملا ليس له بأهل فيضل به املستهدي ويزل به املسترشد، وقد جاء األثر بأن

".أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على جراثيم جهنم "

ن إقراره أو إنكاره، فإذا أراد من هو لذلك أهل أن يترتب والسلطان فيهم من النظر ما يوجبه االختيار ميف أحد املساجد لتدريس أو فتياً نظر حال املسجد، فإن كان من مساجد احملال اليت ال يترتب األئمة فيها

من جهة السلطان مل يلزم من ترتب فيه للتدريس والفتيا استئذان السلطان يف جلوسه كما ال يلزم أن ترتب لإلمامة، وإن كان من اجلوامع وكبار املساجد اليت يترتب األئمة فيها بتقليد يستأذن فيه من

السلطان روعي يف ذلك عرف البلد وعادته يف جلوس أمثاله، فإن كان للسلطان يف جلوس مثله نظر مل ه يف يكن له أن يترتب للجلوس فيه إال عن إذنه كما ال يترتب لإلمامة فيه إال عن إذنه لئال يفتات علي

واليته، وإن مل يكن للسلطان يف مثله نظر معهود مل يلزم استئذانه للترتيب فيه وصار كغريه من املساجد،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 151

والذي عليه مجهور . وإذا ارتسم مبوضع من جامع أو مسجد فقد جعله مالك أحق باملوضع إذا عرف بهه زال حقه منه وكان وإذا قام عن. الفقهاء أن هذا يستعمل يف عرف االستحسان وليس حبق مشروع

: السابق إليه أحق لقول اهللا تعاىل

".سواء العاكف فيه والباد "

وقد روي عن النيب . ومينع الناس يف اجلوامع واملساجد من استطراق حلق الفقهاء والقراء صيانة حلرمتهافأما ثلة البئر . القومثلة البئر، وطول الفرس، وحلقة: ال محى إال يف ثالث: " صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

وأما طول الفرس فهو ما دار فيه مبقوده إذا كان مربوطاً، وأما حلقة القوم فهو . فهو منتهى حرميها ".استدارم يف اجللوس للتشاور واحلديث

وإذا تنازع أهل املذاهب املختلفة فيما يسوغ فيه االجتهاد مل يعترض عليهم فيه إال أن حيدث بينهم تنافراً كفوا عنه، وإن حدث منازع ارتكب ما ال يسوغ فيه االجتهاد كف عنه ومنع منه، فإن أقام عليه في

وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن حيسم بزواجر السلطنة ظهور بدعته ويوضح بدالئل ستبطن ما الشرع فساد مقالته، فإن لكل بدعة مستمعاً، ولكل مستغو متبعاً، وإذا تظاهر بالصالح من ا

سواه ترك، وإذا تظاهر بالعلم من عرى منه هتك ألن الداعي إىل صالح ليس فيه مصلح والداعي إىل علم .ليس فيه مضل

الباب السابع عشر

في أحكام اإلقطاع

وإقطاع السلطان خمتص مبا جاز فيه تصرفه ونفذت فيه أوامره، وال يصح فيما تعني فيه مالكه ومتيز .وإقطاع استغالل. إقطاع متليك: نوهو ضربا. مستحقه

موات وعامر ومعادن فأما املوات فعلى : فأما إقطاع التمليك فتنقسم فيه األرض املقطعة ثالثة أقسامأحدمها ما مل يزل مواتاً على قدمي الدهر فلم جتر فيه عمارة وال يثبت عليه ملك فهذا الذي جيوز : ضربني

، ويكون اإلقطاع على مذهب أيب حنيفة شرطاً يف جواز اإلحياء للسلطان أن يقطعه من حيييه ومن يعمرهوعلى مذهب اإلمام الشافعي أن اإلقطاع جيعله أحق بإحيائه : ألنه مينع من إحياء املوات إال بإذن اإلمام

من غريه وإن مل يكن شرطاً يف جوازه ألنه جيوز إحياء املوات بغري إذن اإلمام، وعلى كال املذهبني يكون قد قطع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم الزبري بن العوام ركض فرسه من : " ع أحق بإحيائه من غريهاملقط

أعطوه منتهى : فقال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم. موات النقيع فأجراه مث رمى بسوطه رغبة يف الزيادة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 152

".سوطه

أحدمها ما كان جاهلياً : وذلك ضربانوالضرب الثاين من املوات ما كان عامراً فخرب فصار مواتاً عاطالً كأرض عاد ومثود فهي كاملوات الذي مل يثبت فيه عمارة، وجيوز إقطاعه قال رسول اهللا صلى اهللا عليه

".عادي األرض هللا ولرسوله مث هي لكم مين : " وسلم

واتاً والضرب الثاين ما كان إسالمياً جرى عليه ملك املسلمني مث خرب حىت صار م. يعين أرض عادفذهب الشافعي فيه إىل أنه ال ميلك : عاطالً، فقد اختلف الفقهاء يف حكم إحيائه على ثالثة أقوال

. ميلك باإلحياء سواء عرف أربابه أو مل يعرفوا: وقال مالك. باإلحياء سواء عرف أربابه أو مل يعرفوا

عرفوا ملك باإلحياء، وإن مل جيز إن عرف أربابه مل ميلك باإلحياء، وإن مل ي: وقال أبو حنيفة رمحه اهللاعلى مذهبه أن ميلك باإلحياء من غري إقطاع، فإن عرف أربابه مل جيز إقطاعه وكانوا أحق ببيعه وإحيائه

وإن مل يعرفوا جاز إقطاعه وكان اإلقطاع شرطاً يف جواز إحيائه، فإذا صار املوات على ما شرحناه أحق الناس به مل يستقر ملكه عليه قبل اإلحياء فإن شرع يف إقطاعاً، فمن خصه اإلمام به وصار باإلقطاع

إحيائه صار بكمال اإلحياء مالكاً له وإن أمسك عن إحيائه كان أحق به يداً وإن مل يصر ملكاً مث روعي إمساكه عن إحيائه، فإن كان لعذر ظاهر مل يعترض عليه فيه وأقر يف يده إىل زوال عذره، وإن كان غري

و حنيفة ال يعارض فيه قبل مضى ثالث سنني، فإن أحياه فيها وإال بطل حكم إقطاعه بعدها معذور قال أباحتجاجاً بأن عمر رضي اهللا عنه جعل أجل اإلقطاع ثالث سنني، وعلى مذهب الشافعي أن تأجيله ال

ه إما أن حتييه يلتزم وإمنا املعترب فيه القدرة على إحيائه، فإذا مضى عليه زمان يقدر على إحيائه فيه قيل لوأما تأجيل عمر رضي اهللا عنه فهو قضية . فيقر يف يدك وإما أن ترفع يدك عنه ليعود إىل حاله قبل إقطاعه

.يف عني جيوز أن يكون لسبب اقتضاه أو الستحسان رآه

: فلو تغلب على هذا املوات املستقطع متغلب فأحياه فقد اختلف العلماء يف حكمه على ثالث مذاهب

وقال أبو حنيفة إن أحياه قبل ثالث سنني كان ملكاً . الشافعي أن حمييه أحق به من مستقطعهمذهبوقال مالك إن أحياه عاملاً باإلقطاع كان ملكاً للمقطع، . للمقطع، وإن أحياه بعدها كان ملكاً للمحيي

بني تركه للمحيي وإن أحياه غري عامل باإلقطاع خري املقطع بني أخذه وإعطاء احمليي نفقة عمارته، و .والرجوع عليه بقيمة املوات قبل إحيائه

أحدمها ما تعني مالكه فال نظر للسلطان فيه إال ما يتعلق بتلك األرض من حقوق : وأما العامر فضربانبيت املال إذا كانت يف دار اإلسالم سواء كانت ملسلم أو ذمي، فإن كانت يف دار احلرب اليت ال يثبت

.د فأراد اإلمام أن يقطعها ليملكها املقطع عند الظفر ا جازللمسلمني عليها ي

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 153

وقد سأل متيم الداري رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل " ".فتحه ففعل

ول؟ أال تسمعون ما يق: وسأله أبو ثعلبة اخلشين أن يقطعه أرضاً كانت بيد الروم فأعجبه ذلك، وقال" ".فكتب له بذلك كتاباً . والذي بعثك باحلق ليفتحن عليك: فقال

وهكذا لو استوهب من اإلمام مال يف دار احلرب وهو على ملك أهلها أو استوهب أحد من سبيها روى . وذاريها ليكون أحق به إذا فتحها جاز وصحت العطية فيه مع اجلهالة ا لتعلقها باألمور العامة

إن فتح اهللا عليك احلرية : قال للنيب صلى اهللا عليه وسلم. مي بن أوس بن حارثة الطائيأن حر: " الشعيب ".فأعطين بنت نفيلة

فلما أراد خالد صلح أهل احلرية قال له حرمي إن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم جعل يل بنت نفيلة فال ن الصلح ودفعها إىل حرمي تدخلها يف صلحك وشهد له بشري بن سعد وحممد بن مسلمة فاستثناها م

فاشتريت منه بألف درهم وكانت عجوزاً قد حالت عن عهده فقيل له وحيك لقد أرخصتها كان أهلها وإذا صح اإلقطاع . يدفعون إليك ضعف ما سألت ا فقال ما كنت أظن أن عدداً يكون أكثر من ألف

ن املستقطع واملستوهب أحق مبا والتمليك على هذا الوجه نظر حال الفتح، فإن كان الفتح عنوة كااستقطعه واستوهبه من الغامنني ونظر يف الغامنني، فإن علموا باإلقطاع واهلبة قبل الفتح فليس هلم املطالبة بعوض ما استقطع ووهب، وأن مل يعلموا حىت فتحوا عارضهم اإلمام عنه مبا يستطيب به نفوسهم كما

ال يلزمه استطابة نفوسهم عنه وال عن غريه : قال أبو حنيفةو. يستطيب نفوسهم عن غري ذلك من الغنائم .من الغنائم إذا رأى املصلحة يف أخذها منهم

: من العامر ما مل يتعني مالكوه ومل يتميز مستحقوه، وهو على ثالثة أقسام: والضرب الثاين

ستحقاق أهله له، وإما بأن أحدها ما أصفاه اإلمام لبيت املال من فتوح البالد، إما حبق اخلمس فبأخذه بايصطفيه باستطابة نفوس الغامنني عنه فقد اصطفى عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه من أرض السواد أموال كسرى، وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان مبلغ غلتها تسعة آالف درهم كان يصرفها يف

اهللا عنه أقطعها ألنه رأى إقطاعها إياه أن يأخذ مصاحل املسلمني ومل يقطع شيئاً منها، مث إن عثمان رضيمنه حق الفيء فكان ذلك منه إقطاع إجارة ال إقطاع متليك فتوفرت غلتها حىت بلغت على ما قيل مخسني ألف درهم فكان منها صالته وعطاياه مث تناقلها اخللفاء بعده فلما كان عام اجلماجم سنة اثنتني ومثانني يف

حرق الديون وأخذ كل قوم ما يليهم، فهذا النوع من العامر ال جيوز إقطاع رقبته ألنه فتنة ابن األشعث أقد صار باصطفائه لبيت املال ملكاً لكافة املسلمني فجرى على رقبته حكم الوقوف املؤبدة وصار

تغله والسلطان فيه باخليار على وجه النظر يف األصلح بني أن يس. استغالله هو املال املوضوع يف حقوقه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 154

لبيت املال كما فعل عمر رضي اهللا عنه وبني أن يتخري له من ذوي املكنة والعمل من يقوم بعمارة رقبته خبراج يوضع عليه مقدر بوفور االستغالل ونقصه كما فعل عثمان رضي اهللا عنه ويكون اخلراج أجرة

فإن كان ما وضعه من تصرف يف وجوه املصاحل إال أن يكون مأخوذاً باخلمس فيصرف يف أهل اخلمس، اخلراج مقامسة على الشطر من الثمار والزروع جاز يف النخل كما ساق رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

أهل خيرب على النصف من مثار النخل، وجوازها يف الزرع معترب باختالف الفقهاء يف جواز املخابرة، فمن ا، وقيل بل جيوز اخلراج ا، وإن منع من املخابرة أجازها أجاز اخلراج ا ومن منع منها منع من اخلراج

ملا يتعلق ا من عموم املصاحل اليت يتسع حكمها عن أحكام العقود اخلاصة ويكون العشر واجباً يف الزرع .دون الثمر، ألن الزرع ملك لزارعيه والثمرة ملك لكافة املسلمني مصروفة يف مصاحلهم

ضرب . خلراج فال جيوز إقطاع رقام متليكاً ألا تنقسم على ضربنيأرض ا: والقسم الثاين من العامروضرب يكون . يكون رقام وقفاً وخراجها أجرة، فتمليك الوقف ال يصح بإقطاعها وال بيع وال هبة

رقاا ملكاً وخراجها جزية فال يصح إقطاع مملوك تعني مالكوه، فأما إقطاع خراجها فنذكره بعد يف .لإقطاع االستغال

ما مات عنه أربابه ومل يستحقه وارثه بفرض وال تعصيب فينتقل إىل بيت املال مرياثاً : والقسم الثالثوقال أبو حنيفة مرياث من ال وارث له مصروف يف الفقراء خاصة . لكافة املسلمني مصروفاً يف مصاحلهم

األمالك اخلاصة وصار بعدا صدقة عن امليت، ومصرفه عند الشافعي يف جوه املصاحل أعم ألنه قد كان منوقد اختلف أصحاب الشافعي فيما انتقل إىل بيت املال من . النتقال إىل بيت املال من األمالك العامة

أا تصري وقفاً لعموم : أحدمها: رقاب األموال هل يصري وقفاً عليه بنفس االنتقال إليه؟ على وجهنيال تصري وقفاً حىت : والوجه الثاين. يعها وال إقطاعهامصرفها الذي ال خيتص جبهة، فعلى هذا ال جيوز ب

يقفها اإلمام، فعلى هذا ال جيوز بيعها إذا رأى بيعها أصلح لبيت املال ويكون مثنها مصروفاً يف عموم املصاحل ويف ذوي احلاجات من أهل الفيء وأهل الصدقات وأما إقطاعها على هذا الوجه فقد قيل جبوازه

وصرف مثنها إىل من يراه من ذوي احلاجات وأرباب املصاحل جاز إقطاعها له ويكون ألنه ملا جاز بيعهامتليك رقبتها كتمليك مثنها وقيل إن إقطاعها ال جيوز وإن جاز بيعها ألن البيع معاوضة وهذا اإلقطاع

الفرق صلة واألمثان إذا صارت ناضة هلا حكم خيالف يف العطايا حكم األصول الثابتة فافترقا، وإن كان .بينهما ضعيفاً، وهذا الكالم يف إقطاع التمليك

فإقطاعه ال جيوز ألنه زكاة ألصناف : فأما العشر: عشر، وخراج: وأما إقطاع االستغالل فعلى ضربنييعترب وصف استحقاقها عند دفعها إليهم، وقد جيوز أن ال يكونوا من أهلها وقت استحقاقها ألا جتب

فال جتب فإن وجبت وكان مقطها وقت الدفع مستحقاً كانت حوالة بعشر بشروط، جيوز أن ال توجد

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 155

قد وجب على ربه عن هو من أهله صح؛ وجاز دفعه إليه، وال يصر ديناله مستحقاً حىت يقبضه، ألن .الزكاة ال متلك إال بالقبض، فإن منع من العشر مل يكن له خصماً فيه وكان كامل العشر باملطالبة أحق

أن يكون من أهل : فيختلف حكم إقطاعه باختالف حال مقطعه، وله ثالثة أحوال أحدها: راجوأما اخلالصدقات فال جيوز أن يقطع مال اخلراج ألن اخلراج يفء ال يستحقه أهل الصدقة كما ال يستحق الصدقة

.أهل الفيء، وجوز أبو حنيفة ذلك ألنه جيوز صرف يفء أهل الصدقة

من أهل املصاحل ممن ليس له رزق مفروض، فال يصح أن يقطعه على اإلطالق أن يكون: واحلالة الثانيةوإن جاز أن يعطاه من مال اخلراج ألنه من نفل أهل الفيء ال من فرضه، وما يعطى له إمنا هو من صالت املصاحل، فإن جعل له من مال اخلراج شيء أجرى عليه حكم احلوالة والتسبب ال حكم اإلقطاع فيعترب يف

والثاين أن يكون مال اخلراج قد . أحدمها أن يكون مبال مقدر قد وجد سبب استباحته: زه شرطانجوا .حل ووجب ليصح التسبب عليه واحلوالة به فخرج ذين الشرطني عن حكم اإلقطاع

أن يكون من مرتزقة أهل الفيء وفرضية الديوان وهم أهل اجليش وهم أخص الناس جبواز : واحلالة الثالثةطاع ألن هلم أرزاقاً مقدرة تصرف إليهم مصرف االستحقاق ألا تعويض عما أرصدوا نفوسهم له اإلق

من محاية البيضة والذب عن احلرمي فإذا صح أن يكونوا من أهل اإلقطاع روعي حينئذ مال اخلراج، فإن لتأييد ألنه له حالني حال يكون جزية وحال يكون أجرة، فأما ما كان منه جزية فهو غري مستقر على ا

مأخوذ مع بقاء الكفر وزائل مع حدوث اإلسالم، فال جيوز إقطاعه أكثر من سنة ألنه غري موثوق باستحقاقه بعدها، فإن أقطعه سنة بعد حلول واستحقاقه صح، وإن أقطعه يف السنة قبل استحقاقه ففي

ال جيوز إذا قيل إن حول : والثاين. جيوز إذا قيل إن حول اجلزية مضروب لألداء: أحدمها. جوازه وجهاناجلزية مضروب للوجوب، وأما ما كان من اخلراج أجرة فهو مستقر الوجوب على التأييد فيصح إقطاعه

.سنتني وال يلزم االقتصار منه على سنة واحدة، خبالف اجلزية اليت ال تستقر

معلومة كإقطاعه عشر أن يقدر سنني : أحدها: وإذا كان كذلك فال خيلو حال إقطاعه من ثالثة أقسامسنني، فيصح إذا روعي فيه شرطان أحدمها أن يكون رزق املقطع معلوم القدر عند باذل اإلقطاع، فإن

.كان جمهوالً عنده مل يصح

أن يكون قدر اخلراج معلوماً عند املقطع وعند باذل اإلقطاع، فإن كان جمهوالً عندمها أو عند : والثاينلك مل خيل حال اخلراج من أحد أمرين إما أن يكون مقامسة أو مساحة، أحدمها مل يصح، وإذا كان كذ

فإن كان مقامسة، فمن جوز من الفقهاء وضع اخلراج على املقامسة جعله من اهول الذي ال جيوز .إقطاعه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 156

. أن ال خيتلف باختالف الزروع فهذا معلوم يصح إقطاعه: أحدمها: وإن كان اخلراج مساحة فهو ضربان

أن خيتلف باختالف الزروع فينظر رزق مقطعه فإن كان يف مقابلة أعلى اخلراجني صح إقطاعه : والثاينألنه راض بنقص إن دخل عليه، وإن كان يف مقابلة أقل اخلراجني مل يصح إقطاعه ألنه قد يوجد فيه زيادة

.ال يستحقها

: إا ال ختلو من ثالثة أحوالمث يراعى بعد صحة اإلقطاع يف هذا القسم حال املقطع يف مدة اإلقطاع ف

واحلالة . أحدها أن يبقى إىل انقضائها على حال السالمة فهو على استحقاق اإلقطاع إىل انقضاء املدةالثانية أن ميوت قبل انقضاء املدة فيبطل اإلقطاع يف املدة الباقية بعد موته ويعود إىل بيت املال، فإن كانت

واحلالة الثالثة أن . ال يف أرزاق اجلند فكان ما يعطونه سبباً ال إقطاعاًله ذرية دخلوا يف إعطاء الذراري أنه باق عليه : حيدث به زمانه فيكون باقي احلياة مفقود الصحة ففي بقاء إقطاعه بعد زمانته قوالن أحدمها

مبدة إىل انقضاء مدته إذ قيل إن رزقه بالزمانة قد سقط فهذا حكم القسم األول إذا قدر اإلقطاع فيه .معلومة

من أقسامه أن يستقطعه مدة حياته مث لعقبه ورثته بعد موته فهذا إقطاع باطل، ألنه قد : والقسم الثاينخرج ذا قد خرج اإلقطاع من حقوق بيت املال إىل األمالك املوروثة وإذا بطل كان ما اجتباه منه

ة رزقه، فإن كان أكثر رد الزيادة؛ وإن مأذوناً فيه عن عقد فاسد فيربأ أهل اخلراج بقبضه وحسب من مجلكان أقل رجع بالباقي وأظهر السلطان فساد اإلطالع حىت مينع من القبض ومينع أهل اخلراج من الدفع،

.فإن دفعوه بعد إظهار ذلك مل يربأ منه

أحدمها أنه صحيح إذا قيل إن : أن يستقطعه مدة حياته ففي صحة اإلقطاع قوالن: والقسم الثالثوالقول الثاين أنه باطل إذا قيل إن حدوث زمانته يوجب سقوط . دوث زمانته ال يقتضي سقوط رزقهح

رزقه، وإذا صح اإلقطاع فأراد السلطان استرجاعه من مقطعه جاز ذلك فيما بعد السنة اليت هو فيها قبل حلول خراجها مل ويعود رزقه إىل ديوان العطايا فأما يف السنة اليت هو فيها فينظر، فإن حل رزقه فيها

يسترجع منه يف سنته الستحقاق خراجها يف رزقه، وإن حل خراجها قبل حلول رزقه جاز استرجاعه منه .ألن تعجيل املؤجل وإن كان جائزاً ليس بالزم

من يرتزق على عمل : أحدها: وأما أرزاق ما عدا اجليش إذا أقطعوا ا مال اخلراج فيقسمون ثالثة أقسام كعمال املصاحل وجباة اخلراج فاإلقطاع بأرزاقهم ال يصح ويكون ما حصل هلم ا من مال غري مستدمي

.اخلراج تسبباً وحوالة بعد استحقاق الرزق وحلول اخلراج

من يرزق على عمل مستدمي وجيري رزقه جمرى اجلعالة وهم الناظرون يف أعمال الرب اليت : والقسم الثاين

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 157

عليها كاملؤذنني واألئمة فيكون جعل اخلراج هلم يف أرزاقهم تسبباً به وحوالة يصح التطوع ا إذا ارتزقوا .عليه وال يكون إقطاعاً

من يرتزق على عمل مستدمي وجيري رزقه جمرى اإلجارة وهو من ال يصح نظره إال : والقسم الثالثراج سنة واحدة، بوالية وتقليد مثل القضاة واحلكام وكتاب الدواوين فيجوز أن يقطعوا بأرزاقهم خ

أحدمها جيوز كاجليش والثاين ال جيوز ملا يتوجه إليهم من : وحيتمل جواز إقطاعهم أكثر من سنة وجهني .العزل واالستبدال

.ظاهرة وباطنة: وأما إقطاع املعادن وهي البقاع اليت أودعها اهللا تعاىل جواهر األرض فهي ضربان

فيها بازراً كمعادن الكحل وامللح والقار والنفط، وهو فأما الظاهرة فهي ما كان جوهرها املستودع : كاملاء الذي ال جيوز إقطاعه والناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه روى ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده

فقال األقرع بن . أن األبيض بن محال استقطع رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم ملح مآرب فأقطعه" هللا إين وردت هذا امللح يف اجلاهلية وهو بأرض ليس فيها عريه من ورده أخذه يا رسول ا: حابس التميمي

. فقال قد أقلتك على أن جتعله مين صدقة. وهو مثل املاء العد باألرض فاستقال األبيض يف قطيعة امللح

".هو منك صدقة، وهو مثل املاء العد من ورده أخذه : فقال النيب عليه الصالة والسالم

وقال غريه هو املاء املتجمع املعد فإن . املاء العذب هو الذي له مواد متده مثل العيون واآلبار: دقال أبو عبيأقطعت هذه املعادن الظاهرة مل يكن إلقطاعها حكم وكان املقطع وغريه فيها سواء، ومجيع من ورد إليها

خذه مالكاً ألنه متعد باملنع ال أسوة مشتركون فيها، فإن منعهم املقطع منها كان باملنع متدياً وكان ملا أباألخذ فكف عن املنع وصرف عن مداومة العمل لئال يثبته إقطاعاً بالصحة أو يصري معه كاألمالك

.املستقر

وأما املعادن الباطنة فهي ما كان جوهرها مستكناً فيها ال يوصل إليه إال بالعمل كمعادن الذهب والفضة .معادن باطنة سواء احتاج املأخوذ منها إىل سبك وختليص أو مل حيتجوالصفر واحلديد، فهذه وما أشبهها

.أحدمها ال جيوز كاملعادن الظاهرة وكل الناس فيها شرع: ويف جواز إقطاعها قوالن

جيوز إقطاعها لرواية كثري بن عبد اهللا بن عوف املزين عن أبيه عن جده عن رسول اهللا : والقول الثاينقطع بالل بن احلارث املعادن القبليه جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من أ: " صلى اهللا عليه وسلم

".قدس ومل يقطعه حق مسلم

والثاين أن . أحدمها أنه أعالها وأسفلها وهو قول عبد اهللا بن وهب: ويف اجللسى والغورى تأويالن : من الطويلاجللسى بالد جند والغورى بالد امة، وهذا قول أيب عبيدة ومنه قول الشماخ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 158

كوقب الحصى جلسيها قد تغورا افمرت على ماء العذيب وعينه

.فعلى هذا يكون املقطع أحق ا وله منع الناس منها

أحدمها أنه إقطاع متليك يصري به املقطع مالكاً لرقبة املعدن كسائر أمواله يف حال : ويف حكمه قوالن .عمله وبعد قطعه جيوز له بيعه يف حياته وينتقل إىل ورثته بعد موته

يه، أنه إقطاع إرفاق ال ميلك به رقبة املعدن وميلك به االرتفاق بالعمل فيه مدة مقامه عل: والقول الثاينوليس ألحد أن ينازعه فيه ما أقام على العمل، فإذا تركه زال حكم اإلقطاع عنه وعاد إىل حال اإلباحة،

فإذا أحىي مواتاً بإقطاع أو غري إقطاع فظهر فيه باإلحياء معدن ظاهر أو باطن ملكه احمليي على التأييد .كما ميلك ما استنبطه من العيون واحتفره من اآلبار

من عشر الباب الثا

في وضع الديوان وذكر أحكامه

والديوان موضع حلفظ ما يتعلق حبقوق السلطنة من األعمال واألموال ومن يقوم ا من اجليوش والعمال، أحدمها أن كسرى اطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرآهم حيسبون مع : ويف تسميته ديواناً وجهان

ذا االسم مث حذفت اهلاء عند كثرة االستعمال ختفيفاً أنفسهم فقال ديوانه أي جمانني فسمى موضعهم لالسم فقيل ديوان، والثاين أن الديوان بالفارسية اسم الشياطني فسمى الكتاب بامسهم حلذقهم باألمور

وأول من : وقوم على اجللي واخلفي ومجعهم ملا شذ وتفرق، مث مسى مكان جلوسهم بامسهم فقيل ديوان .الم عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنهوضع الديوان يف اإلس

اختلف الناس يف سبب وضعه له، فقال قوم سببه أن أبا هريرة قدم عليه مبال من البحرين فقال له عمر ماذا جئت به؟ فقال مخسمائة ألف درهم فاستكثره عمر فقال له أتدري ما تقول؟ قال نعم مائة ألف

أيها : صعد عمر املنرب فحمد اهللا تعاىل وأثىن عليه مث قالمخس مرات فقال عمر أطيب هو؟ فقال ال أدري فالناس قد جاءنا مال كثري، فإن شئتم كلنا لكم كيالً وإن شئتم عددنا لكم عداً، فقام إليه رجل فقال يا

وقال آخرون بل سببه أن عمر . أمري املؤمنني قد رأيت األعاجم يدونون ديوناً هلم فدون أنت لنا ديواناً وكان عنده اهلرمزان فقال لعمر هذا بعث قد أعطيت أهله األموال، فإن ختلف منهم جل وآجل بعث بعثاً

روى عابد بن حيىي . مبكانه فمن أين يعمل صاحبك به فأثبت هلم ديواناً فسأله عن الديوان حىت فسره هلم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 159

علي بن أيب عن احلارث بن نفيل أن عمر رضي اهللا عنه استشار املسلمني يف تدوين الديوان فقال لهوقال عثمان بن عفان . طالب رضي اهللا عنه تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من املال وال متسك سنة شيئاً

رضي اهللا عنه أرى ماالً كثرياً يتبع الناس، فإن مل حيصوا حىت يعرف من أخذ ممن مل يأخذ خشيت أن د دونوا ديواناً وجندوا جنوداً فدون ينتشر األمر، فقال خالد بن الوليد قد كنت بالشام فرأيت ملوكها ق

ديواناً وجند جنوداً فأخذ بقوله ودعا عقيل بن أيب طالب وخمرمة بن نوفل وجبري بن مطعم وكانوا من شبان قريش وقال اكتبوا الناس على منازهلم فبدءوا ببين هاشم فكتبوهم مث أتبعوهم أبا بكر وقومه مث عمر

ما وددت أنه كان . فلما نظر فيه قال ال. اخلالفة مث رفعوه إىل عمروقومه وكتبوا القبائل ووضعوها علىهكذا ولكن ابدءوا بقربة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم األقرب فاألقرب حىت تضعوا عمر حيث وضعه

اهللا فشكره العباس رضوان اهللا عليه على ذلك وقال وصلتك رحم وروى زيد بن أسلم عن أبيه أن بين عمر فقالوا إنك خليفة إنك خليفة رسول اهللا وخليفة أيب بكر وأبو بكر خليفة رسول عدي جاءوا إىل

اهللا، فلو جعلت نفسك حيث جعلك اهللا سبحانه وجعلك هؤالء القوم الذين كتبوا فقال بخ بخ يا بين عدي أردمت األكل على ظهري وأن أهب حسنايت لكم ال، ولكنكم حىت تأتيكم الدعوة وأن ينطبق

لدفتر يعين ولو تكتبوا آخر الناس؛ إن يل صاحبني سلكا طريقاً فإن خالفتهما خولف يب، ولكنه عليكم اواهللا ما أدركنا الفضل يف الدنيا وال نرجو الثواب عند اهللا تعاىل على عملنا إال مبحمد صلى اهللا عليه

جم بعمل وجئنا بغري وسلم فهو شرفنا وقومه أشراف العرب مث األقرب فاألقرب، وواهللا لئن جاءت األعا. عمل هلم أوىل مبحمد صلى اهللا عليه وسلم منا يوم القيامة، فإن من قصر به عمله مل يسرع به نسبه

وروى عامر أن عمر رضي اهللا عنه حني أراد وضع الديوان قال مبن أبدأ؟ فقال له عبد الرمحن بن عوف عليه وسلم وهو يبدأ ببين هاشم وبين ابدأ بنفسك، فقال عمر أذك أين حضرت مع رسول اهللا صلى اهللا

عبد املطلب فبدأ م عمر مبن يليهم من قبائل قريش بطناً بعد بطن حىت استوىف مجيع قريش، مث انتهى إىل وروى الزهري . األنصار، فقال عمر ابدءوا برهط سعد بن معاذ من األوس مث باألقرب فاألقرب لسعد

رم سنة عشرة فلما استقر ترتيب الناس يف الدواوين على قدر عن سعيد بن املسيب أنه كان ذلك يف احملالنسب املتصل برسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وكان أبو بكر رضي اهللا عنه يرى التسوية بينهم يف العطاء

وال يرى التفضيل بالسابقة، كذلك كان رأي علي رضي اهللا عنه يف خالفته وبه أخذ الشافعي ومالك، ضي اهللا عنه التفضيل بالسابقة يف اإلسالم، وكذلك كان رأي عثمان رضي اهللا عنه وكان رأي عمر ر

.بعده، وبه أخذ أبو حنيفة وفقهاء العراق

وقد نظر عمر أبا بكر حني سوى بني الناس فقال أتسوي بني من هاجر اهلجرتني وصلى إىل القبلتني وبني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 160

ا عملوا هللا وإمنا أجورهم على اهللا، وإمنا الدنيا دار من أسلم عام الفتح خوف السيف؟ فقال له أبو بكر إمنبالغ للراكب فقال له عمر ال أجعل من قاتل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كمن قاتل معه؛ فلما وضع

: الديوان فضل بالسابقة ففرض لكل من شهد بدراً من املهاجرين األولني مخسة آالف درهم يف كل سنة

وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اهللا، والزبري بن العوام، وعبد الرمحن بن منهم علي بن أيب طالب،عوف رضي اهللا عنهم وفرض لنفسه معهم مخسة آالف درهم وأحلق به العباس بن عبد املطلب واحلسن احلسني رضوان اهللا عليهم ملكام من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، وقيل بل فضل العباس وفرض له

ف درهم، وفرض لك من شهد بدراً من األنصار أربعة آالف درهم، ومل يفضل على أهل بدر سبعة آالأحداً إىل أزواج رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، فإنه فرض لكل واحدة منهن عشرة آالف درهم إال

عائشة، فإنه فرض هلا اثين عشر ألف درهم، وأحلق ن جويرية بن احلارث وصفية بنت حيي، وقيل بل

فرض لكل واحدة منهن ستة آالف درهم، وفرض لكل من هاجر قبل الفتح ثالثة آالف درهم وملن أسلم بعد الفتح ألفي درهم لكل رجل وفرض لغلمان أحداث من أبناء املهاجرين واألنصار كفرائض مسلمي

لى اهللا عليه الفتح، وفرض لعمر بن أيب سلمة املخزومي أربعة آالف درهم ألن أمه أم سلمة زوج النيب صمل تفضل عمر علينا وقد هاجوا آباؤنا وشهدوا بدراً؟ فقال : وسلم فقال له حممد بن عبد اهللا بن جحش

عمر أفضله ملكانه من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فليأت الذي يستعتب بأم مثل أم سلمة أعتبه، ضت يل ثالثة آالف درهم وفرضت وفرض ألسامة بن زيد أربعة آالف درهم فقال له عبد اهللا بن عمر فر

ألسامة أربعة آالف درهم وقد شهدت ما مل يشهد أسامة؟ فقال عمر زدته ألن كان أحب إىل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم منك وكان أبوه أحب إىل رسول اهللا من أبيك مث فرض للناس على منازهلم وقراءم

العراق لكل رجل منهم من ألفني إىل ألف إىل القرآن وجهادهم، وفرض ألهل اليمن وقيس بالشام ولئن كثر املال ألفرضن لكل رجل أربعة آالف درهم . مخسمائة إىل ثالمثائة، ومل ينقص أحد منها وقال

ألفا لفرسه وألفا لسالحه وألفا لسفره وألفا خيلفها يف أهله؛ وفرض للمنفوس مائة درهم، فإذا ترعرع بلغ ه، وكان ال يفرض ملولود شيئاً حىت يفطم إىل أن مسع امرأة ذات ليلة وهي به مائيت درهم، فإذا بلغ زاد

إن عمر ال يفرض للمولود حىت يفطم فأنا أكرهه : تكره ولدها على الفطام وهو يبكي فسأهلا عنه؟ فقالال : على الفطام حىت يفرض له فقال يا ول عمركم احتقب من وزر وهو ال يعلم مث أمر عمر مناديه فنادى

لوا أوالدكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود يف اإلسالم، مث كتب إىل أهل العوايل وكان جيري عليهم جتعالقوت، فأمر جبريب من الطعام فطحن مث خبز مث ثرد مث دعا ثالثني فأكلوا منه غداهم حىت أصدرهم، مث

رأة واململوكة فعل العشاء مثل ذلك فقال يكفي الرجل جريبان يف كل شهر، وكان يرزق الرجل وامل .جريبني يف كل شهر، كان إذا أراد الرجل أن يدعو على صاحبه قال له قطع اهللا عنك جريبك

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 161

وكان الديوان موضوعاً على دعوة العرب يف ترتيب الناس فيه معترباً بالنسب، وتفضيل العطاء معترباً قراض أهل السوابق بالتقدم يف بالسابقة يف اإلسالم وحسن األثر يف الدين، مث روعي يف التفضيل عند ان

الشجاعة والبالء يف اجلهد، فهذا حكم ديوان اجليش يف ابتداء وضعه على الدعوة القريبة والترتيب .الشرعي

وأما ديوان االستيفاء وجباية األموال فجرى هذا األمر فيه بعد ظهور اإلسالم بالشام والعراق على ما كان لرومية ألنه كان من ممالك الروم وكان ديوان العراق بالفارسية ألنه عليه من قبل، فكان ديوان الشام با

كان من ممالك الفرس، فلم يزل أمرمها جارياً على ذلك إىل زمن عبد امللك بن مروان فنقل ديوان الشام .إىل العربية سنة إحدى ومثانني

راد ماء لدواته فبال فيها بدالً من وكان سبب نقله إليه ما حكاه املدائين أن بعض كتاب الروم يف ديوانه أاملاء فأدبه وأمر سليمان بن سعد أن ينقل الديوان إىل العربية فسأله أن يعينه خبراج األردن سنة ففعل وواله

األردن وكان خراجه مائة مثانني ألف دينار، فلم تنقص السنة حىت فرغ من الديوان فنقله، وأتى به عبد كاتبه فعرضه عليه فغمة وخرج كئيباً، فلقيه قوم من كتاب الروم فقال هلم امللك بن مروان فدعا سرجون

.اطلبوا املعيشة من غري هذه الصناعة وقد قطعها اهللا عنكم

أما ديوان الفارسية بالعراق فكان سبب نقله إىل العربية أن كاتب احلجاج كان يسمى زادان فروخ كان ربية والفارسية فوصله زادان فروخ باحلجاج فخف على معه صاحل بن عبد الرمحن بكتب بني يديه بالع

قلبه فقال صاحل لزادان فروخ إن احلجاج قربين وال آمن عليك أن يقدمين عليك، فقال ال تظن ذلك فهو إيل أحوج مين إليه ألنه ال جيد من يكفيه حسابه غريي، فقال صاحل واهللا لو شئت أن أحول احلساب إىل

منه ورقة أو سطراً حىت أرى ففعل مث قتل زادان فروخ يف أيام عبد الرمحن بن العربية لفعلت، قال فحولاألشعث، فاستخلف احلجاج صاحلاً مكانه فذكر له ما جرى بينه وبني زادان فروخ، فأمره أن ينقله

فأجابه إىل ذلك وأجله فيه أجالً حىت نقله إىل العربية، فلما عرف مرد إنشاه بن زادان فروخ ذلك بذل له

مائة ألف درهم ليظهر للحجاج العجز عنه فلم يفعل، فقال له قطع اهللا أوصالك من الدنيا كما قطعت .أصل الفارسية، فكان عبد احلميد بن حيىي كاتب مروان يقول هللا در صاحل ما أعظم منته على الكتاب

.والذي يشتمل عليه ديوان السلطنة ينقسم أربعة أقسام

والثالث ما . إثبات وعطاء، والثاين ما خيتص باألعمال من رسوم وحقوقأحدها ما خيتص باجليش من والرابع ما خيتص ببيت املال من دخل وخراج، فهذه أربعة أقسام . خيتص بالعمال من تقليد وعزل

.تقتضيها أحكام الشرع يتضمن تفصيلها ما رمبا كان لكتاب الدواوين يف إفرادها عادة هم ا أخص

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 162

: فيما خيتص باجليش من إثبات وعطاء فإثبام يف الديوان معترب بثالثة شروط أحدها:فأما القسم األول

احلال اليت يقدر به : والثالث. السبب الذي يستحق به ترتيبهم: والثاين. الوصف الذي جيوز به إثبام .عطاؤهم

صيب من مجلة البلوغ فإن ال: أحدها: فأما شرط جواز إثبام يف الديوان فرياعى فيه مخسة أوصاف .الذراري واألتباع، فلم جيز أن يثبت يف ديوان اجليش فكان جارياً يف عطاء الذراري

احلرية، ألن اململوك تابع لسيده فكان داخالً يف عطائه، وأسقط أبو حنيفة اعتبار احلرية، وجوز : والثاين اعترب احلرية يف العطاء، وبه أخذ إفراد العبد بالعطاء يف ديون املقاتلة، وهو رأي أيب بكر وخالفه فيه عمر

.الشافعي

اإلسالم ليدفع عن امللة باعتقاده ويوثق بنصحه واجتهاده، فإن أثبت فيهم ذمياً مل جيز، وإن ارتد : والثالث .منهم مسلم سقط

والرابع السالمة من اآلفات املانعة من القتال فال جيوز أن يكون زمناً وال أعمى وال أقطع، وجيوز أن . أخرس أو أصم، فأما األعرج، فإن كان فارساً أثبت، وإن كان راجالً مل يثبتيكون

فإن ضعفت منته عن اإلقدام أو قلت معرفته . واخلامس أن يكون فيه إقدام على احلروب ومعرفة بالقتاله يف بالقتال مل جيز إثباته، ألنه مرصد ملا هو عاجز عنه، فإذا تكاملت فيه هذه األوصاف خلمس كان إثبات

ديوان اجليش موقوفاً على الطلب واإلجياب فيكون منه الطلب إذا جترد عن كل عمل، ويكون ملن ويل األمر اإلجابة إذا دعت احلاجة إليه، فإن كان مشهر االسم نبيه القدر مل حيسن إذا أثبت يف الديوان أن

قده ولونه وحلي وجهه حيلى فيه وينعت، فإن كان من املغمورين يف الناس حلى ونعت، فذكر سنة وووصف مبا يتميز به عن غريه، لئال تتفق األمساء ويدعي وقت العطاء وضم إىل نقيب عليه أو عريف له

.ليكون مأخوذاً بدركه

.أحدمها عام واآلخر خاص: وأما ترتيبهم يف الديوان إذا أثبتوا فيه فمعترب من وجهني

تتميز كل قبيلة عن غريها وكل جنس عمن خالفه، فال جيمع فأما العام فهو ترتيب القبائل واألجناس حىت فيه بني املختلفني وال يفرق به بني املتفقني، لتكون دعوة الديوان على نسق واحد معروف بالنسب يزول

به التنازع والتجاذب، وإذا كان هكذا مل خيل حاهلم من أن يكونوا عرباً أو عجماً، فإن كانوا عرباً ق بينهم أنساب ترتبت قبائلهم بالقرىب من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كما فعل جتمعهم أنساب وتفر

.عمر رضي اهللا عنه حني دوم

فيبدأ بالترتيب يف أصل النسب مث مبا يتفرع عنه، فالعرب عدنان وقحطان، فتقدم عدنان على قحطان ألن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 163

ن النبوة فيهم، ومضر جيمع قريشاً وغري النبوة فيهم، وعدنان جيمع ربيعة ومضر، فتقدم مضر على ربيعة ألقريش، فتقدم قريش ألن النبوة فيهم، وقريش جيمع بين هاشم وغريهم، فتقدم بنو هاشم ألن النبوة فيهم

فيكون بنو هاشم قطب الترتيب مث مبن يليهم من أقرب األنساب إليهم حىت يستوعب قريشاً، مث مبن يليهم . مبن يليهم يف النسب حىت يستوعب مجيع عدنانيف النسب حىت يستوعب مجيع مضر، مث

شعيب، مث قبيلة، مث عمارة، مث بطن : وقد رتب أنساب العرب ستة مراتب، فجعلت طبقات أنسام هيفالشعب النسب األبعد مثل عدنان وقحطان، مسي شعباً ألن القبائل منه تشعبت، مث : مث فخذ، مث فصيلة

الشعب مثل ربيعة ومضر، مسيت قبيلة لتقابل األنساب فيها، مث القبيلة، وهي ما انقسمت فيه أنساب العمارة، وهي ما انقسمت فيها أنساب القبائل مثل قريش وكنانة، مث البطن، وهو ما انقسمت فيه انساب العمارة مثل بين عبد مناف وبين خمزوم، مث الفخذ وهو ما انقسمت فيه أنساب البطن مثل بين هاشم وبين

صيلة وهي ما انقسمت فيها أنساب الفخذ مثل بين أيب طالب وبين العباس، فالفخذ جيمع أمية، مث الفالفصائل والبطن جيمع األفخاذ، والعمارة جتمع البطون، والقبيلة جتمع العمائر، والشعب جيمع القبائل،

.وإذا تباعدت األنساب صارت القبائل شعوباً والعمائر قبائل

. إما أجناس وإما بالد: على نسب فالذي جيمعهم عند فقد النسب أمرانوإن كانوا عجماً ال جيتمعون

فاملتميزون باإلجناس كالترك واهلند مث يتميز الترك أجناساً واهلند أجناسا واملتميزون بالبالد كالديلم بقة يف واجلبل، مث يتميز الديلم بلداناً واجلبل بلداناً وإذا متيزوا باألجناس أو البلدان، فإن كانت هلم سا

اإلسالم ترتبوا عليها يف الديوان، وإن مل تكن هلم سابقة ترتبوا بالقرب من ويل األمر، فإن تساووا فبالسبق .إىل طاعته

وأما الترتيب اخلاص فهو ترتيب الواحد بعد الواحد يرتب بالسابقة يف اإلسالم فإن تكافئوا يف السابقة ن؛ فإن تقاربوا فيها ترتبوا بالشجاعة، فإن تقاربوا فيها فويل األمر ترتبوا بالدين، فإن تقاربوا فيه ترتبوا بالس

.باخليار بني أن يرتبهم بالقرعة أو يرتبهم عن رأيه واجتهاده

.وأما تقدير العطاء فمعترب بالكفاية حىت يستغين ا عن التماس مادة تقطعه عن محاية البيضة

وله من الذراري واملماليك والثاين عدد ما يرتبطه من أحدها عدد من يع: والكفاية معتربة من ثالثة أوجهوالثالث املوضع الذي حيله يف الغالء والرخص فيقدر كفايته يف نفقته وكسوته لعامه كله . اخليل والظهر

.فيكون هذا القدر يف عطائه مث تعرض حاله يف كل عام فإن زادت رواتبه املاسة زيد، وإن نقصت نقص

در رزقه بالكفاية هل جيوز أن يزاد عليها؟ فمنع الشافعي من زيادته على كفايته واختلف الفقهاء إذا تقألن أموال بيت املال ال توضع إال يف احلقوق الالزمة، وجوز أبو حنيفة زيادته على . وإن اتسع املال

بالوقت ويكون وقت العطا معلوماً يتوقعه اجليش عند االستحقاق، وهو معترب: الكفاية إذا اتسع املال هلا

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 164

الذي تستويف فيه حقوق بيت املال، فإن كانت تستويف يف وقت واحد من السنة جعل العطاء يف رأس كل وإن كانت تستويف يف وقتني جعل العطاء يف كل سنة مرتني، وإذا كانت تستويف يف كل شهر جعل : سنة

نهم إذا اجتمع وال العطاء يفء رأس كل شهر ليكون املال مصروفاً إليهم عند حصوله، فال حيبس عوإذا تأخر عنهم العطاء عند بيت املال لعوارض أبطلت حقوقه أو أخرا كانت . يطالبون به إذا تأخر

أرزاقهم ديناً على بيت املال وليس هلم مطالبة ويل األمر به كما ليس لصاحب الدين مطالبة من أعسر و لعذر اقتضاه جاز، وإن كان لغري سبب مل وإذا أراد ويل األمر إسقاط بعض اجليش لسبب أوجبه أ. بدينه

.جيز ألم جيش املسلمني يف الذب عنهم

وإذا أراد بعض اجليش إخراج نفسه من الديوان جاز مع االستغناء عنه ومل جيز مع احلاجة إليه إال أن فوا وإذا جرد اجليش لقتال فامتنعوا وهم أكفاء من حارم سقطت أرزاقهم، وإن ضع. يكون معذوراً

عنهم مل تسقط وإذا نفقت دابة أحدهم يف حرب عوض عنها وإن نفقت يف غري حرب مل يعوض، وإذا وإذا جرد . استهلك سالحه فيها عوض عنه إن مل يكن يدخل يف تقدير عطائه ومل يعوض إن دخل فيه

أو قتل لسفر أعطي نفقة سفره إن مل تدخل يف تقدير عطائه ومل يعط إن دخلت فيه، وإذا مات أحدهم .كان ما يستحق من عطائه موروثاً عنه على فرائض اهللا تعاىل وهو دين لورثته يف بيت املال

واختلف الفقهاء يف استبقاء نفقاء ذريته من عطائه يف ديوان اجليش على قولني أحدمها أنه قد سقطت أنه يستبقى : لثايننفقتهم من ديوان اجليش لذهاب مستحقه وحيالون على مال العشر والصدقة، والقول ا

.من عطائه نفقات ذريته ترغيباً له يف املقام وبعثاً له على األقدام

أحدمها يسقط ألنه يف مقابلة : واختلف الفقهاء أيضاً يف سقوط عطائه إذا حدثت به زمانة على قولني .أنه باق على العطاء ترغيباً يف التجند واالرتزاق: عمل قد عدم، والقول الثاين

أحدها حتديد العمل : قسم الثاين فيما اختص باألعمال من رسوم وحقوق فيشمل على ستة فصولوأما المبا يتميز به من غريه وتفصيل نواحيه اليت ختتلف أحكامها، فيجعل لكل بلد حداً ال يشاركه فيه غريه،

فصلت وإن اختلفت أحكام الضياع يف كل ناحية . ويفصل نواحي كل بلد إذا اختلفت أحكام نواحيه .ضياعه كتفصيل نواحيه وإن مل ختتلف اقتصر على تفصيل النواحي دون الضياع

والفصل الثاين أن يذكر حال البلد هل فتح عنوة أو صلحاً وما استقر عليه حكم أرضه من عشر أو خراج، وهل، اختلفت أحكامه ونواحيه أو تساوت؟ فإنه ال خيلو من ثالثة أحوال إما أن يكون مجيعه

ر أو مجيعه أرض خراج، أن يكون بعض عشراً وبعضه خراجاً، فإن كان مجيعه أرض عشر مل أرض عشيلزم إثبات مسائحه ألن العشر على الزرع دون املساحة، ويكون ما استؤنف زرعه مرفوعاً إىل ديوان

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 165

أربابه العشر ال مستخرجاً منه ويلزم تسمية أربابه عند رفعه إىل الديوان ألن وجوب العشر فيه معترب بدون رقاب األرضني، وإذا رفع الزرع بأمساء أربابه ذكر مبلغ كيله وحال سقيه بسيح أو عمل الختالف حكمه ليستويف على موجبه، وإن كان مجيعه أرض خراج لزم إثبات مسائحه ألن اخلراج على املساحة،

تلف بإسالم وال كفر، وإن فإن كان هذا اخلراج يف حكم األجرة مل يلزم تسمية أرباب األرضني ألنه ال خيباختالف . كان اخلراج يف حكم اجلزية لزم تسمية أربابه وصفهم باإلسالم والكفر الختالف حكمه

أهله، وإن كان بعضه عشراً وبعضه خراجاً فصل يف ديوان العشر ما كان منه عشراً ويف ديوان اخلراج ما .د منهما ما خيتص حبكمهكان منه خراجاً الختالف احلكم فيهما وأجرى على كل واح

والفصل الثالث أحكام خراجه ما استقر على مسائحه هل هو مقامسة على زرعه أو هو رزق مقدر على خراجه، فإن كان مقامسة لزم إذا أخرجت مسائح األرضني من ديوان اخلراج أن يذكر معها مبلغ املقامسة

لتستويف املقامسة على موجبها، وإن كان من ربع أو ثلث أو نصف ويرفع إىل الديوان مقادير الكيول اخلراج ورقاً مل خيل من أن يكون متساوياً مع اختالف الزروع أو خمتلفاً، فإن كان متساوياً مع اختالف

الزروع أخرجت املسائح من ديوان اخلراج ليستويف خراجها وال يلزم أن يرفع إليه إال ما قبض منها، وإن لزروع لزم إخراج املسائح من ديوان اخلراج، وأن يرفع إليه أجناس الزروع كان اخلراج خمتلفاً باختالف ا

.ليستويف خراج املساحة على ما يوجبه حكم الزرع

والفصل الرابع ذكر من كل بلد من أهل الذمة وما استقر عليهم يف عقد اجلزية فإن كانت خمتلفة باليسار يسارهم وأعسارهم، وإن مل ختتلف يف اليسار واإلعسار مسوا يف الديوان مع ذكر عددهم ليخترب حال

واإلعسار جاز االقتصار على ذكر عددهم ووجب مراعام يف كل عام ليثبت من بلغ ويسقط من مات .أو أسلم لينحصر بذلك ما يستحق من حريتهم

والفصل اخلامس إن كان من بلدان املعادن أن يذكر أجناس معادنه وعدد كل جنس منها ليستويف حق

املعدن منها وهذا مما ال ينضبط مبساحة وال ينحصر بتقدير الختالفه وإمنا ينضبط حبسب املأخوذ منه إذا أعطي وأنال وال يلزم يف أحكام املعادن أن يوصف يف الديوان أحكام فتوحها هل هي من أرض عشر أو

يف حقوق العاملني فيها خراج ألن الديوان فيها موضوع الستيفاء احلق من نبلها وحقها ال خيتلف ذلك وقد تقدم القول يف اختالف الفقهاء يف أجناس ما يؤخذ حق املعادن منه، ويف قدر املأخوذ . واآلخذين

منه، فإن مل يكن قد سبق لالئمة فيها حكم اجتهدوا إىل الوقت برأيه يف اجلنس الذي جيب فيه ويف القدر ن أهل االجتهاد، وإن كان من سبق من األئمة والوالة املأخوذ منه وعمل عليه يف األمرين معاً إذا كان م

قد اجتهد برأيه يف اجلنس الذي جيب فيه ويف القدر املأخوذ منه وحكم به فيها حكماً أيده وأمضاه فاستقر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 166

حكمه يف األجناس اليت جيب فيها حىت املعدن ومل يستقر حكمه يف القدر املأخوذ من املعدن، ألن حكمه ملعدن املوجود وحكمه يف القدر يعترب باملعدن ألن حكمه باجلنس معترب باملعدن املوجود يف اجلنس معترب با

.وحكمه يف القدر معترب باملعدن املفقود

والفصل السادس إن كان ثغراً يتاخم دار احلرب وكانت أمواهلم دخلت دار اإلسالم معشورة عن صلح منهم من عشر أو مخس وزيادة عليه أو نقصان استقر معهم وأثبت يف ديوان عقد صلحهم وقدر املأخوذ

منه، فإن كان خيتلف باختالف األمتعة واألموال فصلت فيه وكان الديوان موضوعاً إلخراج رسومه و .الستيفاء ما يرفع إليه من مقادير األمتعة احملمولة إليه

ها شرع وال يسوغها اجتهاد وأما أعشار األموال املنتقلة يف دار اإلسالم من بلد إىل بلد فمحرمة ال يبيحوال هي من سياسات العدل وال من قضايا النصفة وقل ما تكون إال يف البالد اجلائرة، وقد روى عن النيب

".شر الناس العشارون احلشارون: " عليه الصالة والسالم أنه قال

وغاً يف االجتهاد ألمر وإذا غريت الوالة أحكام البالد ومقادير احلقوق فيها اعترب ما فعلوه، فإن كان مساقتضاه ال مينع الشرع منه حلدوث سبب يسوغ الشرع الزيادة ألجله أو النقصان حلدوثه جاز وصار الثاين

وإذا استخرج حال العمل من الديوان جاز أن يقتصر على إخراج احلال . هو احلق املستويف دون األولأن يزول السبب احلادث فيعود احلكم األول؛ وإن واألحوط أن خيرج احلالني جلواز . الثانية دون األوىل

كان ما أخذ به الوالة من تغيري احلقوق غري مسوغ يف الشرع وال له وجه يف االجتهاد كانت احلقوق على احلكم األول وكان الثاين مردوداً سوء غريوه إىل زيادة أو نقصان، ألن الزيادة ظلم يف حقوق الرعية

وإذا استخرج حال العمل من الديوان وجب على رافعة من كتاب . املالوالنقصان ظلم يف حقوق بيت الدواوين إخراج احلالني إن كان املستدعي إلخراجها من الوالة ال يعلم حاهلا فيما تقدم، وإن كان عاملاً

ا مل يلزمه إخراج احلال األول إليه ألن علمه ا قد سبق وجاز االقتصار على إخراج احلال الثانية مع

.وصفها بأا مستحدثة

أحدها ذكر من يصح : وأما القسم الثالث فيما اختص بالعمال من تقليد وعزل، فيشتمل على ستة فصولمنه تقليد العمال، وهو معترب بنفوذ األمر وجواز النظر، فكل من جاز نظره يف عمل نفذت فيه أوامره

وإما . ا من السلطان املستويل على كل األمورإم: وصح منه تقليد العمال عليه، وهذا يكون من أحد ثالثةوإما من عامل عام الوالية كعامل إقليم أو مصر عظيم يقلد يف خصوص األعمال . من وزير التعويض

.فأما وزير التنفيذ فال يصح منه تقليد عامل إال بعد املطالعة واالستئمار. عامالً

قل بكفايته ووثق بأمانته، فإن كانت عمالة تفويض والفصل الثاين من يصح أن يتقلد العمالة، وهو من استتفتقر إىل اجتهاد روعي فيها احلرية واإلسالم، وإن كانت عمالة تنفيذ ال اجتهاد للعامل فيها مل يفتقر إىل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 167

.احلرية واإلسالم

به أحدها حتديد الناحية مبا تتميز : والفصل الثالث ذكر العمل الذي تقليده وهذا يعترب فيه ثالثة شروطوالثالث العلم برسوم : والثاين تعيني العمل الذي خيتص بنظره فيها من جباية أو خراج أو عشر. عن غريها

العمل وحقوقه على تفصيل ينتفي عنه اجلهالة، فإذا استكملت هذه الشروط الثالثة يف عمل علم به املويل .واملوىل صح التقليد ونفذ

: ثالثة أحوالوالفصل الرابع زمان النظر، فال خيلو من

أحدها أن يقدره مبدة حمصورة الشهور أو السنني، فيكون تقديرها ذه املدة جموز النظر فيها ومانعاً من وال يكون النظر يف املدة املقيدة الزماً من جهة املويل، وله صرفه وال استبدال به إذا . النظر بعد انقضائها

فمعترب حبال جارية عليها، فإن كان اجلاري معلوماً . املوىلرأى ذلك صالحاً، فأما لزومه من جهة العاملمبا تصح به األجور لزمه العمل يف املدة إىل انقضائها، ألن العمالة فيها تصري من اإلجارات احملضة ويؤخذ

ويل والفرق بينهما يف ختيري املويل ولومها للموىل أا يف جنبة امل. العامل فيها بالعمل إىل انقضائها إجباراًمن العقود اخلاصة لعقده هلا يف حق نفسه فيجري عليها حكم اللزوم وإن مل يتقدر جارية مبا يصح يف

األجور مل تلزمه املدة، وجاز له اخلروج من العمل إذا شاء بعد أن ينهي إىل موليه حال تركه حىت ال حيلو .عمله من ناظر فيه

فيه قد قلدتك خراج ناحية كذا يف هذه السنة أو قلدتك واحلالة الثانية أن يقدر بالعمل فيقول املويل فإذا فرغ منه انعزل عنه وهو . صدقات بلد كذا يف هذا العام فتكون مدة نظره مقدرة بفراغه عن عمله

.قبل فراغه على ما ذكرنا جيوز أن يعزله املويل، وعزله لنفسه معترب بصحة جارية وفساده

طلقاً فال يقدر مبدة وال عمل، فيقول فيه قد قلدتك خراج الكوفة أو واحلالة الثالثة أن يكون التقليد مأعشار البصرة أو محاية بغداد، فهذا تقليد صحيح وإن جهلت مدته، ألن املقصود منه اإلذن جلواز النظر،

.وليس املقصود منه اللزوم املعترب يف عقود اإلجيارات

إما أن يكون مستدمياً أو منقطعاً، فإن كان : مرينوإذا صح التقليد وجاز النظر مل خيل حاله من أحد أوإن كان . مستدمياً كالنظر يف اجلباية والقضاء وحقوق املعادن فيصح نظره فيها عاماً بعد عام ما مل يعزل

أحدمها أن ال يكون معهود العود يف كل عام كالوايل عل قسم الغنيمة فينعزل : منقطعاً فهو على ضربنيوالضرب الثاين أن يكون عاداً يف كل عام . س له النظر يف قسمة غريها من الغنائمبعد فراغه منها ولي

كاخلراج الذي إذا استخرج يف عام عاده فيما يليه، فقد اختلف الفقهاء هل يكون إطالق تقليده مقصوراً على أحدمها أنه يكون مقصوراً للنظر : على نظر عامه أو حمموالً على كل عام ما مل يعزل على وجهني

العام الذي هو فيه، فإذا استوىف خراجه أو أخذ أعشاره انعزل ومل يكن له أن ينظر يف العام الثاين إال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 168

والوجه الثاين أنه حيمل على جواز النظر يف كل عام ما مل يعزل اعتباراً . بتقليد مستجد اقتصاراً على اليقني .بالعرف

أحدها أن يسمى معلوماً، : و فيه من ثالثة أحوالوالفصل اخلامس يف جاري العامل على عمله، وال خيلوالثالث أن ال يسمى جبهول وال مبعلوم، فإن مسي معلوماً استحق املسمى إذا . والثاين أن يسمى جمهوالً

وىف العمالة حقها، فإن قصر فيها روعي تقصريه، فإن كان لترك بعض العمل مل يستحق جاري ما قابله فاء العمل استكمل جارية وارجتع ما خان فيه، وإن زاد يف العمل روعيت وإن كان خليانة منه مع استي

الزيادة، فإن مل تدخل يف حكم عمله كان نظره فيها مردوداً ال ينفذ، وإن كانت داخلة يف حكم نظره مل إما أن يكون قد أخذها حبق أو ظلم، فإن كان أخذها حبق كان متربعاً ا ال يستحق : خيل من أحد أمرين

زيادة على املسمى يف جاريه، وإن كان ظلماً وجب ردها على من ظلم ا وكان عدواناً من العامل هلايؤخذ جبريرته، وأما إن مسي جارية جمهوالً استحق جاري مثله فيما عمل، فإن كان جاري العمل مقدار

به إال واحداً مل يف الديوان وعمل به مجاعة من العمال صار ذلك القدر هو جاري املثل، وإن مل يعمل .يصر ذلك مألوفاً يف جاري املثل

وأما إن مل يسم جاريه مبعلوم وال مبجهول فقد اختلف الفقهاء يف استحقاقه جلاري مثله على عمله على أربعة مذاهب قاهلا الشافعي وأصحابه، فمذهب الشافعي فيها أنه ال جاري له على عمله ويكون متطوعاً

علوماً أو جمهوالً خللو عمله من عوض، وقال املزين له جاري مثله وإن مل يسمه به حىت يسمى جارياً موقال أبو العباس بن سريج إن كان مشهوراً بأخذ اجلاري على عمله فله جاري . الستيفاء عمله عن إذنه

إن : مثله، وإن مل يشهر بأخذ اجلاري عليه فال جاري له وقال أبو إسحاق املروزي من أصحاب الشافعيدعى إىل العمل يف االبتداء أو أمر به فله جاري مثله، فإن ابتدأ بالطلب فأذن له يف العمل فال جاري له، وإذا كان يف عمله مال جيتىب فجاريه مستحق فيه، وإن مل يكن فيه مال فجاريه يف بيت املال مستحق من

.سهم املصاحل

به املويل صح به التقليد كما تصح به سائر والفصل السادس فيما يصح به التقليد، فإن كان نصاً يلفظالعقود، وإن كان عن توقيع املويل بتقليده خطاً ال لفظ صح التقليد وانعقدت به الواليات السلطانية إذا

اقترنت به شواهد احلال وإن مل تصح به النقود اخلاصة اعتباراً بالعرف اجلاري فيه، وهذا إذا كان التقليد داه إىل استنابة غريه فيه وال يصح إذا كان التقليد عاماً متعدياً؛ فإذا صح التقليد مقصوراً عليه ال يتع

بالشروط املعتربة فيه وكان العمل قبله خالياً من ناظر تفرد هذا املوىل بالنظر واستحق جاريه من أول شتراك فيه وقت نظره فيه، وإن كان يف العمل ناظر قبل تقليده نظر يف العمل، فإن كان ما ال يصح اال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 169

كان تقليده الثاين عزالً لألول، وإن كان مما يصح فيه االشتراك روعي العرف اجلاري فيه، فإن مل جيز العرف باالشتراك فيه كان عزالً لألول، وإن جرى العرف باالشتراك فيه مل يكن تقليد الثاين عزالً لألول

لعامل مباشراً للعمل وكان املشرف مستوفياً وكانا عاملني عليه وناظرين فيه، فإن قلد عليه مشرف كان ا .له مينع من زيادة عليه أو نقصان منه أو تفرد به

أحدها أنه ليس للعامل أن ينفرد بالعمل دون : وحكم املشرف خيالف حكم صاحب الربيد من ثالثة أوجه .املشرف وله أن ينفرد به دون صاحب الربيد

.فيه وليس ذلك لصاحب الربيدوالثاين أن للمشرف منع العامل مما أفسد

والثالث أن املشرف ال يلزمه اإلخبار مبا فعله العامل من صحيح وفاسد إذا انتهى إليه، ويلزم صاحب .الربيد اإلخبار مبا فعله العامل من صحيح وفاسد ألن خرب املشرف استعداء وخرب صاحب الربيد إاء

أحدمها أن خرب اإلاء يشتمل على الفاسد والصحيح : والفرق بني خرب اإلاء وخرب االستعداء من وجهني .وخرب االستعداء خمتص بالفاسد دون الصحيح

والثاين أن خرب اإلاء فيما رجع عنه العامل وفيما مل يرجع عنه وخرب االستدعاء خمتص مبا مل يرجع عنه مل يكن قول واحد منهما دون ما رجع عنه، وإذا أنكر العامل استعداء املشرف أو إاء صاحب الربيد

مقبوالً عليه حىت يربهن عنه، فإن اجتمعا على اإلاء واالستعداء صار شاهدين عليه فيقبل قوهلما عليه إذا وإذا طولب العامل برفع احلساب فيما تواله لزمه رفعه يف عمالة اخلراج ومل يلزمه رفعه يف . كانا مأمونني

ومصرف العشر إىل أهل الصدقات وعلى مذهب أيب . املالعمالة العشر، ألن مصرف اخلراج إىل بيتحنيفة يؤخذ برفع احلساب يف املالني الشتراك مصر فهما عنده، وإذا ادعى عامل العشر صرف العشر يف .مستحقه قبل قوله فيه، ولو ادعى عامل اخلراج دفع اخلراج إىل مستحقه مل يقبل قوله إال بتصديق أو بينة

أحدمها أن يستخلف عليه من ينفرد بالنظر فيه : ن يستخلف على عمله فذلك ضربانوإذا أراد العامل أدونه، فهذا غري جائز منه ألنه جيري جمرى االستبدال، وليس له أن يستبدل غريه بنفسه وإن جاز له عزل

.نفسه

أحدها أن : الوالضرب الثاين أن يستخلف عليه معيناً له فرياعي خمرج التقليد فإنه ال خيلو من ثالثة أحويتضمن إذناً باالستخالف فيجوز له أن يستخلف ويكون من استخلفه نائباً عنه يعزل بعزله إن مل يكن مسمى يف اإلذن، فإن مسي له من يستخلفه فقد اختلف الفقهاء فيه إذا استخلفه هل ينعزل بعزله؟ فقال

.قوم ينعزل، وقال آخرون ال ينعزل

التقليد ياً عن االستخالف، فال جيوز له أن يستخلف وعليه أن ينفرد بالنظر فيه واحلالة الثانية أن يتضمن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 170

إن قدر عليه، فإن عجز عنه كان التقليد فاسداً، فإن نظر مع فساد التقليد صح من نظره ما اختص باإلذن .من أمر وي ومل يصح منه ما اختص اختص بالوالية من عقد وحل

قليد مطلقاً ال يتضمن إذناً وال ياً فيعترب حال العمل فإن قدر على التفرد بالنظر واحلالة الثالثة أن يكون التفيه مل جيرأ أن يستخلف عليه، وإن مل يقدر على التفرد بالنظر فيه جاز له أن يستخلف فيما عجز عنه ومل

.جيز أن يستخلف فيما قدر عليه

فهو أن كل ما ل استحقه املسلمون ومل يتعني وأما القسم الرابع فيما اختص بيت املال من دخل وخرج، ماله منهم فهو من حقوق بيت املال، فإذا قبض صار بالقبض مضافاً إىل حقوق بيت املال سواء أدخل إىل

حرزه أو مل يدخل، ألن بيت املال عبارة عن اجلهة ال عن املكان، وكل حق وجب صرفه يف مصاحل رف يف جهته صار مضافاً إىل اخلراج من بيت املال سواء خرج املسلمني فهو حق على بيت املال، فإذا ص

من حرزه أو مل خيرج، ألن ما صار إىل عمال املسلمني أو خرج من أيديهم فحكم بيت املال جار عليه يف .دخله إليه وخرجه

.يفء وغنيمة وصدقة: وإذا كان كذلك فاألموال اليت يستحقها املسلمون تنقسم ثالثة أقسام

ء فمن حقوق بيت املال، ألن مصرفه موقوف على رأي اإلمام واجتهاده، وأما الغنيمة فليست فأما الفيمن حقوق بيت املال ألا مستحقة للغامنني الذين تعينوا حبضور الواقعة ال خيتلف مصرفها برأي اإلمام،

.وال اجتهاد له يف منعهم فلم تصر من حقوق بيت املال

قسم منه يكون من حقوق بيت املال وهو سهم النيب صلى : سم ثالثة أقساموأما مخس الفيء والغنيمة فينقاهللا عليه وسلم املصروف يف املصاحل العامة لوقوف مصرفه على رأي اإلمام واجتهاده، وقسم منه ال يكون

من حقوق بيت املال وهو سهم ذوي القرىب، ألنه مستحق جلماعتهم فتعني مالكوه وخرج عن حقوق روجه عن اجتهاد اإلمام ورأيه، وقسم منه يكون بيت املال فيه حافظاً له على جهاته وهو بيت املال خل

.سهم اليتامى واملساكني وابن السبيل إن وجدوا دفع إليهم وإن فقدوا أحرز هلم

صدقة مال باطن فال يكون من حقوق بيت املال جلواز أن ينفرد أربابه بإخراج : وأما الصدقة فضربانها، والضرب الثاين صدقة مال ظاهر كأعشار الزروع والثمار وصدقات املواشي، فعند أيب زكاته يف أهل

حنيفة أنه من حقوق بيت املال ألنه جيوز صرفه على رأي اإلمام واجتهاده ومل يعينه يف أهل السهمني، ري وعلى مذهب الشافعي ال يكون من حقوق بيت املال ألنه معني اجلهات عنده ال جيوز صرفه على غ

جهاته، ولكن اختلف قوله هل يكون بيت املال حمالً إلحرازه عند تعذر جهاته؟ فذهب يف القدمي إىل أن بيت املال إذا تعذرت اجلهات يكون حمالً إلحرازه فيه إىل أن توجد ألنه كان يرى وجوب دفعه إىل اإلمام

تحقاقاً ألنه ال يرى فيه وجوب ورجع عنه يف مستجد قوله إىل أن بيت املال ال يكون حمالً إلحرازه اس

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 171

.دفعه إىل اإلمام وإن جاز أن يدفع إليه فذلك مل يستحق إحرازه يف بيت املال وإن جاز إحرازه فيه

أحدمها ما كان بيت املال فيه حرزاً فاستحقاقه معترب بالوجود، فإن : وأما املستحق على بيت املال فضربانوالضرب الثاين أن يكون بيت . مستحقاً وعدمه مسقط الستحقاقهاملال موجوداً فيه كان صرفه يف جهاته

أحدمها أن يكون مصرفه مستحقاً على وجه البدل كأرزاق اجلند وأمثان : املال مستحقاً فهو على ضربنيالكراع والسالح فاستحقاقه غري معترب بالوجود وهو من احلقوق الالزمة مع الوجود والعدم فإن كان

وإن كان معدوماً وجب فيه على األنظار كالديون مع اإلعسار، . كالديون مع اليسارموجوداً عجل دفعه والضرب الثاين أن يكون مصرفه مستحقاً على وجه املصلحة واألرفاق دون البدل فاستحقاقه معترب

بالوجود دون العدم، فإن كان موجوداً يف بيت املال وجب فيه وسقط فرضه عن املسلمني، وإن كان سقط وجوبه عن بيت املال وكان إن عم ضرره من فروض الكفاية على كافة املسلمني حىت يقوم معدوماً

به منهم من فيه كفاية كاجلهاد، وإن كان مما ال يعم ضرره كوعر طريق قريب جيد الناس طريقاً غريه وجوبه على بعيداً أو انقطاع شرب جيد الناس غريه شرباً، فإذا سقط وجوبه عن بيت املال بالعدم سقط

الكافة لوجود البدل، فلو اجتمع على بيت املال حقان ضاق عنهما واتسع ألحدمها صرف فيما يصري منهما دين فيه، فلو ضاق عن كل واحد منهما جاز لوايل األمر إذا خاف الفساد أن يفترض على بيت

اً بقضائه إذا اتسع له بيت املال ما يصرفه يف الديون دون االرتفاق وكان من حدث بعده من الوالة مأخوذ .املال

وإذا فضلت حقوق بيت املال عن مصرفها، فقد اختلف الفقهاء يف فاضله، فذهب أبو حنيفة إىل أنه يدخر وذهب الشافعي إىل أنه يقبض على أموال من يعم به صالح . يف بيت املال ملا ينوب املسلمني من حادث

عليهم إذا حدثت فهذه األقسام األربعة اليت وضعت عليها املسلمني وال يدخر ألن النوائب تعني فرضها .قواعد الديوان

.العدالة والكفاية: وأما كاتب الديوان وهو صاحب ذمامه، فاملعترب يف صحة واليته شرطان

فأما العدالة فألنه مؤمتن على حق بيت املال والرعية فاقتضى أن يكون يف العدالة واألمانة على صفات .املؤمتنني

أما الكفاية فألنه مباشر لعمل يقتضي أن يكون يف القيام مستقالً بكفاية املباشرين فإذا صح تقليده فالذي وحفظ القوانني، واستيفاء احلقوق، وإنبات الرفوع، وحماسبات العمال، وإخراج : ندب له ستة أشياء

.األحوال، وتصفح الظالمات

العادلة من غري زيادة تتحيف ا الرعية أو نقصان ينثلم فأما األول منها وهو حفظ القوانني على الرسوم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 172

به حق بيت املال، فإن قررت يف أيامه لبالد استؤنف فتحها أو ملوات ابتدئ يف إحيائه أثبتها يف ديوان الناحية وديوان بيت املال اجلامع للحكم املستقر فيها، وإن تقدمته القوانني املقررة فيها رجع فيها إىل ما

مناء الكتاب إذا وثق خبطوطهم وتسلمه من أمنائهم حتت ختومهم وكانت اخلطوط اخلارجة على أثبته أهذه الشروط مقنعة يف جواز األخذ به والعمل عليها يف الرسوم الديوانية واحلقوق السلطانية، وإن مل تقنع

دي ما وجده من يف أحكام القضاء والشهادات اعتباراً بالعرف املعهود فيها كما جيوز للمحدث أن يؤمساعه باخلط الذي يثق به وجييء على قول أيب حنيفة أنه ال جيوز لكاتب الديوان أن يعمل على اخلط وحده حىت يأخذه مساعاً من لفظ نفسه حيفظه عنه بقلبه كما يقول يف رواية احلديث اعتباراً بالقضاء

ت من احلقوق اخلاصة اليت يكثر والفرق بينهما أن القضاء والشهادا. والشهادات وهذا شاق مستبعداملباشر هلا والقيم ا فلم يضق احلفظ هلا بالقلب فذلك مل جيز أن يعول فيها عل جمرد اخلط وأن القوانني الديوانية من احلقوق العامة اليت يقل املباشر هلا مع كثرا وانتشارها فضاق حفظها بالقلب فذلك جاز

.رواية احلديثالتعويل فيها على جمرد اخلط وكذلك

والثاين . أحدمها استيفاؤها ممن وجبت عليه من العاملني: وأما الثاين وهو استيفاء احلقوق فهو على ضربنياستيفاؤها من القابضني هلا من العمال، فأما استيفاؤها من العاملني فيعمل فيه على إقرار العمال بقبضها،

ذي عليه كتاب الدواوين أنه إذا عرف اخلط كان حجة وأما العمل فيها على خطوط العمال بقبضها فالوالذي عليه الفقهاء أنه إن مل . القبض سواء اعترف العامل بأنه خطه وأنكره إذا قيس خبطه املعروف

يعترف العامل بأنه خطه وأنكره مل يلزمه ومل يكن حجة يف القبض ال يسوغ أن يقاس خبطه يف اإللزام اباً ليعترف به طوعاً، وإن اعترف باخلط وأنكر القبض فالظاهر من مذهب إجباراً وإمنا يقاس خبطه إره

الشافعي أن يكون يف احلقوق السلطانية خاصة حجة للعاملني بالدفع وحجة على العمال بالقبض اعتباراً بالعرف؛ والظاهر من مذهب أيب حنيفة أنه ال يكون حجة عليهم وال للعاملني حىت يقر به لفظاً كالديون

.اصة، وفيما قدمناه من الفرق بينهما مقنعاخل

وأما استيفاؤها من العمال، فإن كانت خراجاً إىل بيت املال مل حيتج فيها إىل توقيع ويل األمر وكان اعتراف صاحب بيت املال بقبضها حجة يف براءة العمال منها والكالم يف خط إذا جترد عن إقراره على

ون حجة على الظاهر من مذهب الشافعي وال يكون حجة على ما قدمناه يف خطوط العمال أنه يكالظاهر من مذهب أيب حنيفة، وإن كانت خراجاً من حقوق بيت املال ومل تكن خراجاً إليه مل ميض

.العمال إال بتوقيع ويل األمر وكان التوقيع إذا عرفت صحته حجة مقنعة يف جواز الدفع

أن يكون االحتساب به موقوفاً على اعتراف املوقع له بقبض أحدمها : وأما االحتساب به فيحتمل وجهني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 173

.ما تضمنه، ألن التوقيع حجة بالدفع إليه وليس حبجة يف القبض منه

والوجه الثاين حيتسب به العامل يف حقوق بيت املال، فإن أنكر صاحب التوقيع القبض حاكم العامل فيه احب التوقيع وأخذ العامل بالغرام، وهذا الوجه وأخذ العامل بإقامة احلجة عليه، فإن عدمها أحلف ص

والوجه األول أشبه بتحقيق الفقه، فإن استراب صاحب الديوان بالتوقيع مل حيتسب . أخص بعرف الديوانللعامل به على الوجهني معاً حىت يعرضه على املوقع، فإن اعترف به صح وكان االحتساب به عل ما

مل ونظر يف وجه اخلراج، فإن كان يف خاص موجود رجع به العامل تقدم، وإن أنكره مل حيتسب به للعاعليه، وإن كان يف جهات ال ميكن الرجوع ا سأل العامل ال يف عرف السلطنة وال يف حكم القضاء، .فإن علم بصحة اخلراج فهو من عرف السلطنة مدفوع عن إحالف املوقع ويف حكم القضاء جياب عليه

رفوع مساحة وعمل، ورفوع قبض واستيفاء، : الرفوع، فينقسم ثالثة أقساموأما الثالث فهو إثبات فأما رفوع املساحة والعمل، فإن كانت أصوهلا مقدرة يف الديوان اعترب صحة الرفع . ورفوع خرج ونفقة

مبقابلة األصل وأثبت يف الديوان إن وافقها، وإن مل يكن هلا يف الديوان أصول عمل يف إثباا على قول ألنه يقر به على نفسه ال . عها، وأما رفوع القبض واالستيفاء فيعمل يف إثباا على جمرد قول رافعهاراف

فإن احتج بتوقيعات . هلا، وأما رفوع اخلراج والنفقة فرافعها مدع هلا فال نقبل دعواه إال باحلجج البالغة .قيعاتوالة األمور استعرضها وكان احلكم فيها على ما قدمنا من أحكام التو

وأما الرابع وهو حماسبة العمال فيختلف حكمها باختالف ما تقلدوه، وقد قدمنا القول فيها، فإن كانوا من عمال اخلراج لزمهم رفع احلساب ووجب على كاتب الديوان حماسبتهم على صحة ما رفعوه، وإن

لى كاتب الديوان كانوا من عمال العشر مل يلزمهم على مذهب الشافعي رفع احلساب ومل جيب عحماسبتهم عليه؛ ألن العشر عنده صدقة ال يقف مصرفها على اجتهاد الوالة، ولو تفرد أهاهلا مبصرفها أجزأت ويلزمهم على مذهب أيب حنيفة رفع احلساب وجيب على كاتب الديوان حماسبتهم عليه، ألن

ن العمال نظل، فإن مل يقع وإذا حوسب من وجبت عليه حماسبته م. مصرف اخلراج والعشر عنده مشتركبني العامل وكاتب الديوان حلف كان كاتب الديوان مصدقاً يف بقايا احلساب، فإن استراب به ويل األمر

كلفه إحضار شواهده، فإن زالت الريبة عنه سقطت اليمني فيه، وإن مل تزل الريبة وأراد ويل األمر ن املطالبة متوجهة على العامل دون الكاتب اإلحالف على ذلك أحلف العامل دون كاتب الديوان، أل

وإن اختلفا يف احلساب نظر فإن كان اختالفهما يف خراج فالقول فيه قول الكاتب ألنه منكر، وإن كان .اختالفهما يف مساحة متكن إعادا اعتربت بعد االختالف وعمل فيها على ما خيرج بصحيح االعتبار

استشهاد صاحب الديوان على ما ثبت فيه من قوانني وحقوق وأما اخلامس وهو إخراج األحوال فهو

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 174

أحدمها أن ال خيرج من األموال إال ما علم صحته كما ال يشهد إال : فصار كالشهادة واعترب فيه شرطانمبا علمه وحتققه، والثاين أن ال يبتدئ بذلك حىت يستدعي منه كما ال يشهد حىت يستشهد، واملستدعي

فذت توقيعاته كما أن املشهود عنده من نفذت أحكامه، فإذا أخرج حاالً لزم املوقع إلخراج األموال من نبإخراجها واألخذ ا والعمل عليها كما يلزم احلاكم تنفيذ احلكم مبا يشهد به الشهود عنده، فإن استراب

مل جيز املوقع بإخراج املال جاز أن يسأله من أين أخرجه ويطالبه بإحضار شواهد الديوان ا، وإنللحاكم أن يسأل شاهداً عن سبب شهادته، فإن أحضرها ووقع يف النفس صحتها زالت عنه الريبة، وإن عدمها وذكر أنه أخرجها من حفظه لتقدم علمه ا صار معلول القول، واملوقع خمري بني قبول ذلك منه

.أورده عليه، وليس له استخالفه

لف بسبب اختالف التظلم، وليس خيلو من أن يكون املتظلم وأما السادس وهو تصفح الظالمات فهو خيتمن الرعية أو من العمال، فإن كان املتظلم من الرعية تظلم من عامل حتيفه يف معاملته كان صاحب

الديوان فيها حاكماً بينهما وجاز له أن يتصفح الظالمة ويزيل التحيف سواء وقع النظر إليه بذلك أو مل ظ القوانني واستيفاء احلقوق فصار بعقد الوالية مستحقاً لتصفح الظالمة، فإن منع يقع، ألنه مندوب حلف

منها امتنع وصار عزالً عن بعض ما كان إليه، وإن كان املتظلم عامالً جوزف يف حساب أو غولط يف .معاملة صار صحب الديوان فيها خصماً، وكان املتصفح هلا وايل األمر

الباب التاسع عشر

الجرائمفي أحكام

اجلرائم حمظورات شرعية زجر اهللا تعاىل عنها حبد أو تعزيز، وهلا عند التهمة حال استرباء تقتضيه السياسة .الدينية، وهلا عند ثبوا وصحتها حال استيفاء توجيه األحكام الشرعية

فع إليه رجل قد فأما حاهلا بعد التهمة وقبل ثبوا وصحتها فمعترب حبال النظر فيها، فإن كان حاكماً رام بسرقة أو زنا مل يكن لتهمة ا تأثري عنده؛ ومل جيز أن حيبسه لكشف وال استرباء، وال أن يأخذه

بأسباب اإلقرار إجباراً، ومل يسمع الدعوى عليه يف السرقة إال من خصم مستحق ملا قرف وراعى ما يبدو لدعوى عليه إال بعد أن يذكر املرأة اليت زىن ا من إقرار املتهوم أو إنكاره؛ إن ام بالزنا مل يسمع ا

ويصف ما فعله ا مبا يكون زنا مبوجبه للحد، فإن أقر حده مبوجب إقراره، وإن أنكر وكانت بينة مسعها .عليه، وإن مل تكن أحلفه يف اآلدميني دون حقوق اهللا تعاىل، إذا طلب اخلصم اليمني

هوم أمرياً أو من أوالد األحداث واملعاون كان له مع هذا املتهوم من وإن كان النظر الذي رفع إليه هذا املت

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 175

.أسباب الكشف واالسترباء ما ليس للقضاة واحلكام وذلك من تسعة أوجه خيتلف ا حكم النظرين

أحدها أنه ال جيوز لألمري أن يسمع قرف املتهوم من أعوان اإلمارة من غري حتقيق الدعوى املقررة ويرجع هلم يف اإلخبار عن حال املتهوم، وهل هو من أهل الريب؟ وهل هو معروف مبثل ما قرف به أم ال؟ إىل قو

فإن برءوه من مثل ذلك خفت التهمة ووضعت وعجل إطالقه ومل يغلط عليه، وإن قرفوه بأمثاله وعرفوه .بأشباهه غلظت التهمة وقويت واستعمل فيها من حال الكشف ما سنذكره، وليس هذا للقضاة

والثاين أن لألمري أن يراعي شواهد احلال وأوصاف املتهوم يف قوة التهمة وضعفها، فإن كانت التهمة زنا وكان املتهوم مطيعاً للناس ذا فكاهة وخالبة قويت التهمة، وإن كان بضده ضعفت، وإن كانت امه

منقب قويت التهمة، وإن بسرقة وكان املتهوم ا ذا عيارة أو يف بدنه آثار ضرب أو كان معه حني أخذ .كان بضده ضعفت وليس هذا للقضاة أيضاً

واختلف يف مدة حبسه لذلك، فذكر عبد . والثالث أن لألمري أن يعجل حبس املتهوم للكشف واالسترباءوقال . اهللا الزبريي من أصحاب الشافعي أن حبسه لالسترباء والكشف مقدر بشهر واحد ال يتجاوزه

وهو موقوف على رأي اإلمام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن حيبسوا أحداً إال غريه بل ليس مبقدار .حبق وجب

والرابع أن جيوز لألمري مع قوة التهمة أن يضرب املتهوم ضرب التعزيز ال ضرب احلد ليأخذه بالصدق عن يقر مل يكن حاله فيما قرف به وام، فإن أقر وه مضروب اعتربت حاله فيما ضرب عليه، فإن ضرب ل

إلقراره حتت الضرب حكم، وإن ضرب ليصدق عن حاله وأقر حتت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره، فإذا أعاده كان مأخوذاً باإلقرار الثاين دون األول، فإن اقتصرت على اإلقرار األول ومل يستعده مل يضيق

.عليه أن يعمل باإلقرار األول، وإن كرهناه

ري فيمن تكررت منه اجلرائم ومل يرتجر عنها باحلدود أن يستدمي حبسه إذا استضر واخلامس أنه جيوز لألمالناس جبرائمه حىت ميوت بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت املال ليدفع ضرره عن الناس، وإن مل يكن

.ذلك للقضاة

أمره يف التهمة حبقوق والسادس أنه جيوز لألمري إحالف املتهوم استرباء حلاله وتغليظاً عليه يف الكشف عناهللا تعاىل وحقوق اآلدميني، وال يضيق عليه أن جيعله بالطالق والعتاق والصدقة كاإلميان باهللا يف البيعة

.السلطانية، وليس للقضاة إحالف أحد على غري حق وال أن جياوزوا األميان باهللا إىل الطالق أو العتق

توبة إجبار ويظهر من الوعيد عليهم ما يقودهم إليها طوعاً، والسابع أن لألمري أن يأخذ أهل اجلرائم بالوال يضيق عليهم الوعيد بالقتل فيما ال جيب فيه القتل ألنه وعيد إرهاب خيرج عن حد الكذب إىل حني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 176

.التعزيز واألدب، وال جيوز أن حيقق وعيده بالقتل فيقتل فيما ال جيب فيه القتل

ع شهادات أهل املال ومن ال جيوز أن يسمع منه القضاة إذا كثر والثامن أنه ال جيوز لألمري أن يسم .عددهم

والتاسع أن لألمري النظر يف املواثبات وإن مل توجد غرماً وال حداً، فإن مل يكن بواحد منهما أثر مسع قول من سبق بالدعوى وإن كان بأحدمها أثر فقد ذهب بعضهم إىل أنه يبدأ بسماع دعوى من به األثر وال

والذي عليه أكثر الفقهاء أنه يسمع قول أسبقهما بالدعوى ويكون املبتدئ باملواثبة . اعي السبقيرأحدمها حبسب : أعظمهما جرماً وأغلظهما تأديباً، وجيوز أن خيالف بينهما يف التأديب من وجهني

من الصالح يف والثاين حبسب اختالفهما يف اهليبة والتصاون وإذا رأى. اختالفهما يف االقتراف والتعديردع السفلة أن يشهرهم وينادي عليهم جبرائمهم ساغ له ذلك، فهذه أوجه يقع ا الفرق يف اجلرائم بني

نظر األمراء والقضاة يف حال االسترباء وقبل ثبوت احلد الختصاص األمري بالسياسة واختصاص القضاة .باألحكام

.يهم أحوال األمراء والقضاةوأما بعد ثبوت جرائمهم فيستوي يف إقامة احلدود عل

.إقرار وبينة، ولكل واحد منهما حكم يذكر يف موضعه: وثبوا عليهم يكون من وجهني

واحلدود زواجر وضعها اهللا تعاىل للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر به ملا يف الطبع من مغالبة من زواجر احلدود ما يردع به ذا اجلهالة الشهوات امللهية عن وعيد اآلخرة بعاجل اللذة، فجعل اهللا تعاىل

حذراً من أمل العقوبة وخيفة من نكال الفضيحة ليكون ما حظر من حمارمه ممنوعاً وما أمر به من فروضه ".وما أرسلناك إال رمحة للعاملني : " متبوعاً فتكون املصلحة أعم والتكليف أمت، قال اهللا تعاىل

.إرشادهم من الضاللة وكفهم عن املعاصي وبعثهم على الطاعةيعين ف باستنقاذهم من اجلهالة و

أحدمها ما كان من حقوق اهللا : فأما احلدود فضربان: حد وتعزيز: وإذا كان كذلك فالزواجر ضربانأحدمها ما وجب يف : تعاىل، والثاين ما كان من حقوق اآلدميني، فأما املختصة حبقوق اهللا تعاىل فضربان

. ما وجب يف ارتكاب حمظوروالثاين. ترك مفروض

فأما ما وجب يف ترك مفروض كتارك الصالة املفروضة حىت خيرج وقتها يسأل عن تركه هلا، فإن قال من : " لنسيان أمر ا قضاء يف وقت ذكرها ومل ينتظر ا مثل وقتها، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

".تها ال كفارة هلا غري ذلك نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وق

ال يكلف اهللا نفساً إال : " وإن تركها ملرض صالها حبسب طاقته من جلوس أو اضطجاع، قال اهللا تعاىل ".وسعها

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 177

وإن تركها جاحداً لوجوا كان كافراً، حكمه حكم املرتد يقتل بالردة إذا مل يتب، وإن تركها استثقاالً اختلف الفقهاء يف حكمه فذهب أبو حنيفة إىل أنه يضرب يف وقت كل لفعلها مع اعترافه بوجوا، فقد

وقال أمحد بن حنبل وطائفة من أصحاب احلديث يصري بتركها كافراً يقتل بالردة، . صالة وال يقتلوذهب الشافعي إىل أنه ال يكفر بركها وال يقتل حداً وال يصري مرتداً، وال يقتل إال بعد االستنابة، فإن

إىل فعلها ترك وأمر ا، فإن قال أصليها يف مرتيل وكلت أمانته ومل جيرب على فعلها مبشهد تاب وأجابمن الناس، وإن امتنع من التوبة ومل جيب إىل فعل الصالة قتل بتركها يف احلال على أحد القولني وبعد

ضرباً باخلشب حىت ميوت ثالثة أيام يف القول الثاين ويقتله بسيف صرباً، وقال أبو العباس ابن سريج يقتله .ويعدل عن السيف املوحي ليستدرك التوبة بتطاول املدى

واختلف أصحاب الشافعي يف وجوب قتله بترك الصلوات الفوائت إذا امتنع من قضائها، فذهب بعضهم ه وذهب آخرون إىل أنه ال يقتل ا الستقرارها يف الذمة بالفوات ويصلى علي. إىل أن قتله ا كاملوقتات

.بعد قتله ويدفن يف مقابر املسلمني ألنه منهم ويكون ماله لورثته

فأما تارك الصيام فال يقتل بإمجاع الفقهاء وحيبس عن الطعام والشراب مدة صيام شهر رمضان ويؤدب .تعزيراً، فإن أجاب إىل الصيام ترك ووكل إىل أمانته، فإن شوهد آكالً عزر ومل يقتل

يقتل ا وتؤخذ إجباراً من ماله، ويعزر إن كتمها بغري شبهة، وإن تعذر أخذها وأما إذا ترك الزكاة فالالمتناعه حورب عليها وإن أفضى احلرب إىل قتله حىت تؤخذ منه كما حارب أبو بكر الصديق مانعي

.الزكاة

خريه وأما احلج ففرضه عند الشافعي على التراخي ما بني االستطاعة واملوت، فال يتصور على مذهبه تأعن وقته، وهو عند أيب حنيفة على الفور، فيتصور على مذهبه تأخريه عن وقته ولكنه ال يقتل ولكنه ال

.يقتل به وال يعزر عليه، ألنه يفعله بعد الوقت أداء ال قضاء، فإن مات قبل أدائه حد عنه من رأس ماله

ن أمكن وحيبس ا إذا تعذرت إال أن وأما املمتنع من حقوق اآلدميني من ديون وغريها فتؤخذ منه جرباً إ .يكون ا معسراً فينظر إىل ميسرة فهذا حكم ما وجب بترك املفروضات

حد الزنا، : أحدمها ما كان من حقوق اهللا تعاىل وهي أربعة: وأما ما وجب بارتكاب احملظورات فضربان .وحد اخلمر، وحد السرقة، وحد احملاربة

حد القذف بالزنا والقذف يف اجلنيات، وسنذكر كالركل : شيئانوالضرب الثاين من حقوق اآلدميني .واحد منهما مفصالً

الفصل األول

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 178

في حد الزنا

الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره يف أحد الفرجني من قبل أو دبر ممن ال عصمة بينهما وال شبهة، وجعل أبو حنيفة الزنا خمتصاً بالقبل دون الدبر ويستويف يف حد الزنا حكم الزاين والزانية، ولكل واحد

.بكر وحمصن: منهما حالتان

فيحد إن كان حراً مائة سوط تفرق يف مجيع بدنه إال الوجه أما البكر فهو الذي مل يطأ زوجة بنكاحن واختلف الفقهاء يف تغريبه مع . واملقاتل ليأخذ كل عضو حقه، بسوط ال حديد فيقتل، وال خلق فال يؤمل

اجللد، فمنع منه أبو حنيفة اقتصاراً على جلده، وقال مالك يغرب الرجل وال تغرب املرأة، وأوجب خذوا عين قد : " عن بلدها إىل مسافة أقلها يوم وليلة، لقوله صلى اهللا عليه وسلمالشافعي تغريبها عاماً

".جعل اهللا هلن سبيالً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم

.وحد الكافر واملسلم سواء عند الشافعي يف اجللد والتغريب

من املدبر واملكاتب وأم الولد فحدهم يف الزنا مخسون جلدة على وأما العبد ومن جرى عليه حكم الرق واختلف يف تغريب من رق منهم فقيل ال يغرب ملا يف التغريب من . النصف من حد احلر لنقصهم بالرق

اإلضرار بسيده وهو قول مالك، وقيل يغرب عاماً كامالً كاحلر، وظاهر مذهب الشافعي أنه يغرب نصف فه، وأما احملصن فهو الذي أصاب زوجته بنكاح صحيح، وحده الرجم باألحجار أو عام كاجللد يف تنصي

ما قام مقامها حىت ميوت وال يلزم توقي مقاتله، خبالف اجللد ألن املقصود بالرجم القتل، وال جيلد مع .وقال داود جيلد مائة سوط مث يرجم، واجللد منسوخ يف احملصن. الرجم

".ليه وسلم ما عزاً ومل جيلده وقد رجم النيب صلى اهللا ع"

وليس اإلسالم شرطاً يف اإلحصان، فريجم الكافر كاملسلم، وقال أبو حنيفة اإلسالم شرط يف اإلحصان، .فإذا زنا الكافر جلد ومل يرجم

".وقد رجم رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يهوديني زنيا "

صان، فإذا زىن العبد مل يرجم، وإن كان ذا زوجة وال يرجم إال حمصناً، فأما احلرية فهي من شروط اإلحيرجم كاحلر، واللواط وإتيان البهائم زنا يوجب جلد البكر ورجم احملصن، : وقال داود. جلد مخسني

وقيل بل يوجب قتل البكر واحملص، وقال أبو حنيفة ال حد فيهما، وقد روي عن النيب صلى اهللا عليه ".من أتاها اقتلوا البهيمة و: " وسلم أنه قال

وإذا زىن البكر مبحصنة أو احملصن بالبكر جلد البكر منهما ورجم احملصن وإذا عاود الزنا بعد احلد حد،

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 179

.وإذا زىن مراراً قبل احلد حد للجميع حداً واحداً

عاً أقيم إما بإقرار أو بينة، فأما اإلقرار، فإذا أقر البالغ العاقل بالزنا مرة واحدة طو: والزنا يثبت بأحد أمرينعليه احلد، وقال أبو حنيفة ال آخذه حىت يقر أربع مرات، وإذا وجب احلد عليه بإقراره مث رجع عنه قبل

وقال أبو حنيفة ال يسقط احلد برجوعه عنه، وأما البينة فهو أن يشهد عليه بفعل . اجللد سقط عنه احلدل ذكره يف الفرج كدخول املرود يف الزنا أربعة رجال عدول ال امرأة فيهم يذكرون أم شاهدوا دخو

املكحلة، فإن مل يشاهدوا ذلك على هذه الصفة، فإذا قاموا بالشهادة على حقها جمتمعني أو متفرقني قبلت وإذا شهدوا بالزنا بعد سنة . وقال أبو حنيفة ومالك ال أقبلها إذا تفرقوا يف األداء وأجعلهم قذفة. شهادم

بو حنيفة ال أمسعها بعد سنة وأجعلهم قذفة وإذا مل يكمل شهود الزنا أربعة أو أكثر مسعت شهادم وقال أفهم قذفة حيدون يف أحد القولني وال حيدون يف الثاين، وإذا شهدت البينة على إقراره بالزنا جاز االقتصار

نة حفرت له على شاهدين يف أحد القولني، وال جيوز يف القول الثاين أقل من أربعة، وإذا رجم الزاين بالبيوإن رجم بإقراره مل . بئر عند رمجه يرتل فيها إىل وسطه مينعه من اهلرب، فإن هرب اتبع ورجم حىت ميوت

حتفر له، وإن هرب مل يتبع، وجيوز لإلمام أو من حكم برمجه من الوالة أن حيضر رمجه، وجيوز أن ال : ، وقد قال النيب صلى اهللا عليه وسلمحيضر، وقال أبو حنيفة ال جيوز أن يرجم إال حبضور من حكم برمجه

".أعد يا أنيس على هذه املرأة فإن اعترفت فارمجها "

وجيوز أن ال حيضر الشهود رمجه، وقال أبو حنيفة جيب حضورهم وأن يكونوا أول من يرمجه، وال حتد ن نكاح حامل حىت تضع وال بعد الوضع حىت يوجد لولدها مرضع وإذا أدعى يف الزنا شبهة حمتملة م

فاسد أو اشتبهت عليه بزوجته أو جهل حترمي الزنا وهم حديث اإلسالم درئ ا عنه احلد، قال النيب ".ادرءوا احلدود بالشبهات : " صلى اهللا عليه وسلم

وقال أبو حنيفة إذا اشتبهت عليه األجنية لزوجته مل يكن ذلك شبهة له وحد من أصابه ا، وإذا أصاب حد، وال يكون العقد مع حترميها بالنص شبهة يف درء احلد، وجعله أبو حنيفة شبهة ذات حمرم بعقد نكاح

يسقط ا احلد عنه، وإذا تاب الزاين بعد القدرة عليه مل يسقط عنه احلد، ولو تاب قبل القدرة عليه يسقط ابوا من بعد ذلك مث إن ربك للذين عملوا السوء جبهالة مث ت: " قال اهللا تعاىل. عنه احلد يف أظهر القولني

".وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم

والثاين لغلبة الشهوة مع العلم بأا سوء وهذا أظهر . أحدمها جبهالة سوء: تأويالن" جبهالة " ويف قوله التأولني، ولكن من جهل بأا سوء مل يأمث ا، وال حيل ألحد أن يشفع يف إسقاط حد عن زان وال غريه،

: لمشرع إليه أن يشفع فيه قال اهللا تعاىلوال حيل ل

".من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها "

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 180

أحدها أن الشفاعة احلسنة التماس اخلري ملن يشفع له، والشفاعة : ويف احلسنة والسيئات ثالث تأويالت، والثاين أن احلسنة الدعاء للمؤمنني واملؤمنات والسيئة السيئة التماس الشر له، وهذا قول احلسن وجماهد

.الدعاء عليهم، والثالث وهو حمتمل أن احلسنة ختليصه من الظلم والسيئة دفعه عن احلق

.ويف الكفل تأويالن أحدمها اإلمث وهو قول احلسن، والثاين أنه النصيب، وهو قول السدي

الفصل الثاني

قطع السرقة

ت قيمته نصاباً إذا سرقه بالغ عاقل ال شبهة له يف املال وال يف حرزه قطعت يده اليمىن كل مال حمرز بلغمن مفصل الكوع، فإن سرق ثانية بعد قطعه إما من ذلك املال بعد إحرازه أو من غريه قطعت رجله

ثالثة اليسرى من مفصل الكعب، فإن سرق ثالثة قال أبو حنيفة ال يقطع فيها؛ وعند الشافعي تقطع يف اليده اليسرى، ويف الرابعة رجله اليمىن، وإن سرق خامسة عزر ومل يقتل، وإن سرق مراراً قبل القطع فليس

.عليه إال قطع واحد

واختلف الفقهاء يف قدر النصاب الذي تقطع فيه اليد فذهب الشافعي إىل أنه مقدر مبا تبلغ قيمته ربع أبو حنيفة هو مقدر بعشر دراهم أو دينار، وال يقطع يف وقال. دينار فصاعداً من غالب الدنانري اجليدة

وقدره إبراهيم النخعي بأربعني درمهاً أو أربعة دنانري، وقدره ابن ليلى خبمسة دراهم وقدره مالك . أقل منه .وقال داود ويقطع يف الكثري والقليل من غري تقدير. بثالثة دراهم

. فذهب الشافعي إىل أنه يقطع يف كل مال حرم على سارقهواختلف الفقهاء يف املال الذي تقطع يف اليد،

وعند الشافعي يقطع فيه بعد . وقال أبو حنيفة ال يقطع فيما كان أصله مباحاً كالصيد واحلطب واحلشيشوقال أبو حنيفة ال يقطع . وعند الشافعي يقطع فيه. وقال أبو حنيفة ال يقطع يف الطعام والرطب. متليكه

وقال أبو حنيفة ال يقطع إذا سرق من قناديل املسجد أو أستار . الشافعي يقطعسارق املصحف وعندوقال . وإذا سرق عبداً صغرياً ال يعقل أو أعجمياً ال يفهم قطع عند الشافعي: الكعبة وعند الشافعي يقطع

.أبو حنيفة ال يقطع، ولو سرق صبياً صغرياً مل يقطع وقال مالك يقطع

. فشذ عنهم داود ومل يعتربه قطع كل سارق من حرز ما سرقه قطع أو غرمواختلف الفقهاء يف احلرز

وقال أبو . وإذا وهبت له السرقة مل يسقط عنه القطع. وقال أبو حنيفة إن قطع مل يغرم وإن أغرم مل يقطعحنيفة يسقط إذا عفا رب املال عن التقطع مل يسقط قد عفى صفوان بن أمية عن سارق ردائه فقال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 181

".ال عفا اهللا عين إن عفوت، وأمر بقطعه : " صلى اهللا عليه وسلمرسول اهللا

: وحكي أن معاوية أتى بلصوص فقطعهم حىت بقي واحد منهم فقدم ليقطع فقال من الطويل

اهأن تلقى نكاالً بين بعفوك اأمير المؤمنين أعيذه يميني

اتقدم الحسناء عيباً يشينه وال يدي كانت الحسناء لو تم سترها

اهإذا ما شمال فارقتها يمين خير في الدنيا وكانت خبيثة فال

فقال معاوية كيف أصنع بك وقد قطعت أصحابك؟ فقالت أم السارق اجعلها من مجلة ذنوبك اليت تتوب .إىل اهللا منها فخلي سبيله، فكان أول حد ترك يف اإلسالم

ويستوي يف قطع السرقة الرجل واملرأة واحلر والعبد واملسلم والكافر، وال يقطع صيب، وال يقطع املغمي وقال داود . عليه إذا سرق يف إغمائه، وال يقطع عبد سرق من مال سيده، وال والد سرق من مال ولده

.يقطعان

الفصل الثالث

في حد الخمر

وقال أبو . نبيذ حرام حد شاربه سواء سكر منه أو مل يسكركل ما أسكر كثريه أو قليله من مخر أو .حنيفة حيد من شرب اخلمر وإن مل يسكر، وال حيد من شرب النبيذ حىت يسكر

. أن جيلد أربعني باأليدي وأطراف الثياب ويبكت بالقول املمض والكالم الرادع للخرب املأثور فيه: واحلد

حلدود وجيوز أن يتجاوز األربعني إذا مل يرتدع ا إىل مثانني جلدة، وقيل بل حيد بالسوط اعتباراً بسائر افإن عمر رضي اهللا عنه حد شارب اخلمر أربعني إىل أن رأى الناس افت الناس فيه فشاور الصحابة فيه وقال أرى الناس قد افتوا يف شرب اخلمر فماذا ترون؟ فقال علي عليه السالم أرى أن حتده مثانني، ألنه

ذا شرب اخلمر سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، فحده مثانني حد الفرية فجلد فيه عمر بقية إما أحد أقيم عليه احلد فيموت فأجد يف نفسي منه : أيامه، واألئمة من بعده مثانني فقال علي عليه السالم

ليه وسلم، فإن حد شارب شيئاً أحلق قتله إال شارب اخلمر فإنه شيء رأيناه بعد رسول اهللا صلى اهللا ع .اخلمر أربعني فمات منها كانت نفسه هدراً، وإن حد مثانني فمات ضمنت نفسه

والثاين نصف ديته ألن نصف . أحدمها مجع ديته اوزته النص يف حده: ويف قدر ما يضمن منها قوالنفال حد عليه، وإن ومن أكره على شرب اخلمر أو شرا وهو ال يعلم أا حرام . حده نص ونصفه مزيد

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 182

شرا لعطش حد ألا ال تروي، وإن شرا لداء مل جيد ألنه رمبا يربأ ا، وإذا اعتقد إباحة النبيذ حد وإن كان على عدالته، وال حيد السكران حىت يقر بشرب اخلمر املسكر أو يشهد عليه شاهدان أنه شرب

حده للسكر وهذا سهو، ألنه قد يكره على شرب قال أبو عبيد الزبريي أ. خمتاراً ما مل يعلم أنه مسكر .السكر

وحكم السكران يف جريان األحكام عليه كالصاحي إذا كان عاصياً بسكره، فإن خرج عن حكم املعصية .إلكراهه على شرب اخلمر أو شرب ما ال يعلم أنه مسكر مل جير عليه قلم كاملغمي عليه

حد السكر ما زال معه العقل حىت ال يفرق بني األرض واختلف يف حد املسكر فذهب أبو حنيفة إىل أنوحده أصحاب الشافعي بأنه ما أفضى بصاحبه إىل أن يتكلم بلسان . والسماء وال يعرف أمه من زوجته

متكسر ومعىن غري منتظم ويتصرف حبركة خمتبط ومشي متمايل وإذا مجع بني اضطراب الكالم فهما وقياماً صار داخالً يف حد السكر وما زاد على هذا فهو زيادة يف حد وإفهاماً وبني اضطراب احلركة مشياً

.السكر

الفصل الرابع

في حد القذف واللعان

حد القذف بالزنا مثانون جلدة، ورد النص ا وانعقد اإلمجاع عليها، ال يزاد فيها وال ينقص منها، وهو ت يف املقذوف بالزنا مخسة شروط، ويف من حقوق اآلدميني يستحق بالطلب ويسقط بالعفو، فإذا اجتمع

.القاذف ثالثة شروط وجب احلد فيه

أن يكون بالغاً عاقالً مسلماً حراً عفيفاً، فإن كان صبيا أو جمنوناً : أما الشروط اخلمسة يف املقذوف فهيءة أو عبداً أو كافراً أو ساقط العصمة بزنا حد فيه فال حد على قاذفه ولكن يعزر ألجل األذى ولبذا

.اللسان

أن يكون بالغاً عاقالً حراً، فإن كان صغرياً أو جمنوناً مل حيد ومل : وأما الشروط الثالثة يف القاذف فهيوحيد الكافر كاملسلم، وحتد املرأة . يعزر، وإن كان عبداً حد أربع نصف احلد للحر لنصفه بالرق

قال أبو . بلت شهادته قبل احلد وبعدهكالرجل، ويفسق القاذف وال يعمل بشهادته فإن تاب زال فسقه وقحنيفة تقبل شهادته إن تاب قبل احلد، وال تقبل شهادته إن تاب بعد احلد، والقذف باللواط وإتيان

.وال حيد القاذف بالكفر والسرقة ويعزر ألجل األذى. البهائم كقذف الزنا يف وجوب احلد

يت أو رأيتك تزين، فإن قال يا فاجر أو يا فاسق أو والقذف بالزنا ما كان صرحياً كقوله يا زاين أو قد زن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 183

يا لوطي كان كناية الحتماله، فال جيب به احلد إال أن يريد به القذف ولو قال يا عاهر كانت كناية عند الولد للفراش : " بعض أصحاب الشافعي الحتماله، وصرحياً عند آخرين لقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

".وللعاهر احلجر

أن يقول فيحال الغضب . والتريض: وجعل مالك رمحه اهللا التعويض فيه كالصريح يف وجوب احلدواملالحاة أنا ما زنيت فجعله مبثابة قوله إنك زنيت، وال حد يف التعريض عند الشافعي وأيب حنيفة

ونه فيحد هلما إن طلبا رمحهما اهللا حىت يقر أنه أراد به القذف، فإذا قال يا بن الزانيني كان قاذفاً ألبويه دحد القذف ال يورث ولو أراد : أو أحدمها إال أن يكونا ميتني فيكون احلد موروثاً عنهما، وقال أبو حنيفة

املقذوف أن يصاحل عن حد القذف مبال مل جيز، وإذا قذف الرجل أباه حد له، وإن قذف ابنه مل حيد وإذا وقال أبو حنيفة يسقط، وإذا قذف الرجل زوجته . قذفمل حيد القاذف حىت زنا املقذوف مل يسقط حد ال

.بالزنا حد هلا إال أن يالعن منها

أشهد باهللا : واللعان أن يقل يف املسجد اجلامع على املنرب أو عنده مبحضر من احلاكم وشهود أقلها أربعةا هو مين إن أراد إين ملن الصادقني فيما رميت به زوجيت هذه من الزنا بفالن، وأن هذا الولد من زنا وم

أن ينفي الوالد ويكرر ذلك أربعاً، مث يقول يف اخلامسة لعنة اهللا علي إن كنت من الكاذبني فيما رميتها به من الزنا بفالن إن كان ذكر الزاين ا، وإن هذا الولد من الزنا على زوجته إال أن تالعن فتقول أشهد

من الزنا بفالن، وأن هذا الولد منه وما هو من زنا مكرر باهللا أن زوجي هذا ملن الكاذبني فيما رماين بهذلك أربعاً، مث تقول يف اخلامسة وعلي غضب اهللا إن كان زوجي هذا من الصادقني فيما رماين به من

الزنا بفالن فإذا أكملت هذه سقط حق الزنا عنها وانتفى الولد عن الزوج ووقعت الفرقة بينهما وحرمت .على األبد

وقال . لفقهاء فيما وقعت به الفرقة، فذهب الشافعي إىل أن الفرقة واقعة بلعان الزوج وحدهواختلف اوقال أبو حنيفة ال تقع الفرقة بلعاما حىت يفرق بينهما احلاكم، وإذا قذفت . مالك الفرقة بلعاما معاً

حد للقذف ومل حتل له املرأة زوجها حدت ومل تالعن وإذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان حلق به الولد و .الزوجة عند الشافعي وأحلها أبو حنيفة

الفصل الخامس

في قود الجنايات وعقلها

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 184

.عمد، وخطأ؛ وعمد شبه خطأ: اجلنايات على النفوس ثالثة

فأما العمد احملض فهو أن يتعمد قتل النفس مبا يقطع حبده كاحلديد أو مبا ميور يف اللحم موز احلديد أو ما قال أبو حنيفة العمد املوجب للقود ما . اً بثقله كاحلجارة واخلشب فهو قتل عمد يوجب احلديقتل غالب

قتل حبده من حديد وغريه وإذا مار يف اللحم موراً، وال يكون ما قتل بثقله أو أمله من األحجار واخلشب فؤ الدمني بني القود وحكم العمد عند الشافعي أن يكون ويل املقتول حراً مع تكا. عمداً وال يوجب قوداً

وويل الدم هو . وقال أبو حنيفة لويل املقتول أن ينفرد بالقود وليست له لدية إال عن مرضاة القاتل. والديةوقال مالك أولياؤه ذكور الورثة دون إناثهم وال قود هلم . وارث املال من ذكر أو أنثى بفرض أو تعصيبوقال مالك ال يسقط، وإذا كان . سقط القود وجبت الديةإال أن جيتمعوا على استيفائه، فإن عفا أحدهم

فيهم صغري أو جمنون مل يكن للبالغ والعاقل أن ينفرد بالقود وتكافؤ الدمني عند الشافعي أن ال يفضل القاتل على املقتول حبرية وال إسالم، فإن فضل القاتل عليه بأحدمها فقتل حر عبداً أو مسلم كافراً فال قود

أبو حنيفة العتبار ذا التكافؤ فيقتل احلر بالعبد واملسلم بالكافر كما يقتل العبد باحلر عليه، وقال .والكافر باملسلم وما فتحاماه النفوس من هذا وتأباه قد منع القائلني به من العمل عليه

ها إليه حكي أنه رفع إىل أبو يوسف القاضي مسلم قتل كافراً فحكم عليه بالقود فأتاه رجل برقعة فألقا : فإذا فيها مكتوب من السريع

وما العادل كالجائر جرت رافكقاتل المسلم بال يا

علماء الناس أو شاعر من اهمن ببغداد وأطراف يا

رواصبروا فاألجر للصاب استرجعوا وابكوا على دينكم

رافكالمؤمن بال بقتله على الدين أبو يوسف جاز

فدخل أبو يوسف على الرشيد وأخربه اخلرب وأقرأه الرقعة فقال له الرشيد تدارك هذا األمر حبيلة لئال تكون فتنة فخرج أبو يوسف وطالب أصحاب الدم ببينة على صحة الذمة وثبوا فلم يأتوا ا فأسقط

.القود؛ والتوصل إىل مثل هذا سائغ عند ظهور املصلحة فيه

وقال أبو حنيفة ال قود على القاتل إذا زادت . ويقتل العبد بالعبد وإن فضلت قيمة القاتل على املقتول .قيمته على قيمة املقتول

ويقاد الرجل باملرأة واملرأة بالرجل والكبري بالصغري والعاقل . وإذا اختلف أديان الكفار قيد بعضهم ببعض . يقاد والد بولده ويقاد الولد بالوالد واألخ باألخبانون، وال قود على صيب وال جمنون وال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 185

وأما اخلطأ احملض فهو أن يتسبب إليه يف القتل من غري قصد، فال يقاد القاتل باملقتول كرجل رمى هدفاً فأمات إنساناً أو حفر بئراً فوقع فيها إنسان أو أشرع جناحاً فوقع على إنسان أو ركب دابة فرحمت

ضع حجراً فعثر إنسان فهذا وما أشبهه إذا حدث عنه املوت قتل خطأ حمض يوجب ووطئت إنساناً أو ووقال . الدية دون القود، وتكون على عاقلة اجلاين ال يف ماله مؤجلة يف ثالث سنني من حني ميوت القتيلب وإن أبو حنيفة من حني حيكم احلاكم بديته والعاقلة من عدا اآلباء واألبناء من العصبات، فال حيمله األ

عال وال االبن وإن سفل وجعل أبو حنيفة ومالك اآلباء واألبناء من العاقلة، وال يتحمل القاتل مع العاقلة وقال أبو حنيفة ومالك يكون القاتل كأحد العاقلة، والذي يتحمله املوسر منهم يف كل . شيئاً من الدية

ار أو قدره من اإلبل، ويتحمل الفقري سنة نصف دينار أو قدره من اإلبل، وال يتحمل األوسط ربع دين .ومن أيسر بعد فقره حتمل ومن افتقر بعد يساره مل يتحمل. شيئاً منها

ودية نفس احلر املسلم إن قدرت ذهباً ألف دينار من غالب الدنانري اجليدة، وإن قدرت ورقاً إثنا عشر ئة بعري أمخاساً، ومنها عشرون وقال أبو حنيفة عشرة آالف درهم، وإن كانت إبالً فهي ما. ألف درهم

ابنة خماض، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابن لبون وعشرون حقة؛ وعشرون جذعة، وأصل الدية اإلبل .ودية املرأة على النصف من دية الرجال يف النفس واألطراف. وما عداها بدل

وقال مالك نصف دية . واختلف يف دية اليهودي والنصراين، فذهب أبو حنيفة إىل أا كدية املسلماملسلم، وعند الشافعي أا ثلث دية املسلم، وأما اوسي فديته ثلثا عشر دية املسلم مثامنائة درهم ودية

وقال أبو حنيفة ال أبلغ ا دية احلر . العبد قيمته ما بلغت وإن زادت على دية احلر أضعافاً عند الشافعي .إذا زادت وأنقص منها عشرة دراهم

عمد شبه اخلطأ فهو أن يكون عامداً يف الفعل غري قاصد للقتل كرجل ضرب رجالً خبشبة أو رمى وأما الحبجر جيوز أن يسلم من مثلها أو يتلف فأفضى إىل قتله أو كمعلم ضرب صبياً مبعهود أو عزر السلطان

ظها يف الذهب رجالً على ذنب فتلف فال قود عليه يف هذا القتل، وفيه الدية على العاقلة مغلظة وتغليوالورق أن يزاد عليها ثلثها، ويف اإلبل أن تكون أثالثاً منها ثالثون حقة وثالثون جذعة وأربعون خلفة يف

ال حتمل العاقلة عبداً وال عمداً وال صلحاً وال : " بطوا أوالدها وروي أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال ".اعترافاً

هر احلرم وذي الرحم مغلظة، ودية العمد احملض إذا عفى فيه عن القود ودية اخلطأ احملض يف احلرم واألشعلى مجعهم فعليهم دية واحدة وإن كثروا؛ ولويل الدم أن يعفو عن من شاء من هم ويقتل باقيهم، وإن

عفا عن مجيعهم فعليهم دية واحدة تسقط عليهم على عدد رؤوسهم فإن كان بعضهم جارحاً أو موجئاً وإذا قتل الواحد مجاعة . فس على الذابح واملوجئ واجلارح مأخوذ حبكم اجلراحة دون النفسفالقود يف الن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 186

وقال أبو حنيفة يقتل جبميعهم وال دية عليه؛ وإذا قتلهم يف حالة . قتل باألول ولزمته يف ماله دية الباقنيالقود ألحدهم فيقاد له واحدة أقرع بينهم وكان القود ملن قرع منهم إال أن يتراضى أولياؤهم على تسليم

وقال أبو حنيفة يقتل جبميعهم وال دية عليه؛ وإذا قتلهم يف حالة واحدة أقرع . ويلزم يف ماله ديات الباقنيبينهم وكان القود ملن قرع منهم إال أن يتراضى أولياؤهم على تسليم القود ألحدهم فيقاد له ويلزم يف

بالقتل فالقود على اآلمر واملأمور معاً، ولو كان األمر غري مطاع وإذا أمر املطاع رجالً. ماله ديات الباقنيويف وجوبه على املكره . كان القود على املأمور دون اآلمر، وإذا أكره على القتل وجب القود على املكره

: قوالن

وأما لقود يف األطراف فكل طرف قطع من مفصل ففيه القود فيقاد من اليد باليد والرجل بالرجل األصبع واألمنلة باألمنلة والسن مبثلها، وال تقاد ميىن بيسرى وال علياً بسفلى وال ضرس بسن وال ثنية و

برباعية، وال يؤخذ بسن من قد ثغر سن من مل يثغر، وال تؤخذ يد سليمة بيد شالء وال بلسان ناطق ذ العني بالعني وتؤخذ وتؤخ. بلسان أخرس، وتؤخذ اليد الكتابة والصانعة بيد من ليس بكاتب وال صانع

النجالء باحلوالء والعشواء، وال تؤخذ العني القائمة واليد الشالء إال مبثلها، ويقاد األنف الذي يشم وقال مالك ال قود عليه ويقاد من العريب بالعجمي ومن . باألنف األخشم وأذن السميع بأذن األصم

لدية ففي اليدين الدية الكاملة ويف أحدمها نصف فإن عفى عن القود ذه األطراف إىل ا. الشريف بالدينءالدية، ويف كل أصبع عشر الدية وهو عشر من اإلبل، ويف كل واحدة من أنامل األصابع ثالثة وثلث إال

أمنلة اإلام ففيها مخس من اإلبل ودية اليدين كالرجلني إال يف أناملهما فيكون يف كل أمنلة منها مخس من الدية ويف إحدامها نصف الدية، وال فضل لعني األعور على من ليس بأعور، وأوجب ويف العينني . اإلبل

مالك رمحه اهللا يف عني األعور مجيع الدية، ويف اجلفون األربع مجيع الدية، ويف كل واحد منها ربع الدية بع الدية ويف ويف إحدامها نصف الدية وف اللسان الدية ويف اللسان الدية ويف الشفتني ر. ويف األنف الدية

كل سن مخس من اإلبل، وال فضل لسن على ضرس وال لثنية على ناجذ ويف إذهاب السمع الدية فإن قطع أذنية فأذهب مسعة فعليه ديتان، وكذلك لو قطع أنفه فأذهب مشه فعليه ديتان، ويف إذهاب الكالم

ويف إذهاب الذكر الدية، . الديةويف إذهاب العقل . فإن قطع لسانه فأذهب كالمه فعليه دية واحدة. الديةوذكر اخلصي ومعنني وغريمها سواء وقال أبو حنيفة يف ذكر العنني واخلصي حكومة، ويف االنثيني الدية

وقيل . ويف إحدامها نصف الدية، ويف ثديي املرأة ديتها، ويف إحدامها نصف الدية ويف ثدي الرجل حكومة .دية

مث الدامية، . يت أخذت يف اجللد، وال قود فيها وال دية وفيها حكومةوأما الشجاج، فأوهلا اخلارصة وهي الوهي اليت أخذت يف اجللد وأدمت وفيها حكومة مث الدامغة، وهي اليت قد خرج دماؤها من قطع اجللد

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 187

مث الباضعة . مث املتالمحة، وهي اليت قطعت وأخذت يف اللحم وفيها حكومة. كالدامغة ويف وفيها حكومةمث السمحاق، وهي اليت قطعت مجيع اللحم بعد اجللد . طعت اللحم بعد اجللد وفيها حكومةوهي اليت ق

حكومات هذه الشجاج تزيد على حسب ترتيبها، . وأبقت على عظم الرأس غشاوة رقيقة وفيها حكومةمث املوضحة، وهي اليت قطعت اجللد واللحم الغشاوة وأوضحت عن العظم فقبها القود، فإن عفى عنها

مث اهلامشة، وهي اليت أوضحت عن اللحم حىت ظهر وهشمت عظم الرأس حىت . يها مخس من اإلبلففتكسر وفيها عشر من اإلبل، فإن أراد القود من اهلشم مل يكن له، وإن أراده من املوضحة قيد له منها

أوضحت مث النقلة، وهي اليت. وقال مالك يف اهلشم حكومة. وأعطى يف زيادة اهلشم مخساً من اإلبلوهشمت حىت شظى العظم وزال عن موضعه واحتاج إىل نقله وإعادته وفيها مخس عشرة من اإلبل، فإن

مث املأمومة وتسمى الدامغة، وهي اليت . استقاد من املوضحة أعطى يف اهلشم والتنقيل عشراً من اإلبل .وصلت إىل أم الدماغ وفيها ثلث الدية

وعلى الواصلة إىل اجلوف وفيها ثلث الدية، وال . شيء منها إال اجلافيةوأما جراح اجلسد فال تقدر دية وإذا قطعت أطرافه فاندملت وجبت عليه . قود يف جراح اجلسد إال املوضحة عن عظم ففيها حكومة

دياا وإن كانت أضعاف دية النفس، ولو مات منها قبل اندماهلا كانت عليه دية النفس وسقط ديات بعد اندمال بعضها وجبت عليه دية النفس فيما مل يندمل مع دية األطراف، وفيما األطراف، ولو مات

اندمل من لسان األخرس ويد األشل واألصبع الزائد والعني القائمة حكومة، واحلكومة يف مجيع ذلك أن عترب ما بني يقوم احلاكم اين عليه لو كان عبداً مل جين عليه مث يقومه لو كان عبداً بعد اجلناية عليه وي

وإذا ضرب بطن امرأة فألقت من الضرب جنيناً ميتاً . القيمتني من ديته فيكون قدر احلكومة يف جنايتهففيه إذا كان حراً غرة عبد أو أمة حتملها العاقلة، ولو كان مملوكاً ففيه عشر قيمة أمه يستوي فيه الذكر

ويفرق بني الذكر واألنثى، وعلى كل قال نفس . واألنثى، فإن استهل اجلنني صار خاص ففيه الدية كاملةوأوجبها أبو حنيفة على اخلاطئ، دون العامد والكفارة عتق . ضمن بديتها الكفارة عامداً كان أو خاطئاً

رقبة مؤمنة سليمة من العيوب املضرة بالعمل، فإن أعوزها صام شهرين متتابعني، فإن عجز عنه أطعم ال شيء عليه يف القول اآلخر وإذا ادعى قوم قتالً على قوم ومع الدعوى ستني مسكيناً يف أحد القولني، و

لوث واللوث أن يعنوا بالدعوى ما يوقع يف النفس صدق املدعي فيصري القول باللوث وقول املدعي فيحلف مخسني مييناً وحيكم له بالدية دون القود، ولو نكل املدعي عن اليمني أو بعضها حلف عليه

وإذا وجب القود يف نفس أو طرف مل يكن لوليه أن ينفرد باستيفائه إال بإذن . برئمخسني مييناً وفإن كان يف طرف مل ميكنه السلطان من استيفائه حىت يتواله غريه، وأجره الذي يتواله يف مال . السلطان

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 188

القصاص وقال أبو حنيفة تكون يف مال املقتص له دون املقتص منه، فإن كان. املقتص منه دون املقتص لهيف نفس جاز أن يأذن له السلطان يف استيفائه بنفسه إذا كان ثابت النفس وإال استوفاه السلطان له بأومى سيف وأمضاه، فإن تفرد ويل القود باستيفائه من نفس أو طرف ومل يتعد عزره السلطان الفتياته عليه وقد

.صار إىل حقه بالقود فال شيء عليه

الفصل السادس

التعزير

والتعزير تأديب على ذنوب مل تشرع فيها احلدود، وخيتلف حكمه باختالف حاله وحال فاعله، فيوافق احلدود من وجه وهو أنه تأديب استصالح وزجر خيتلف حبسب اختالف الذنب وخيالف احلدود من ثالثة

لقول النيب أحدها أن تأديب ذي اهليبة من أهل للصيانة أخف من تأديب أهل البذاء والسفاهة : أوجه ".أقيلوا ذوي اهليئات عثرام : " صلى اهللا عليه وسلم

فإن تساووا يف احلدود املقدرة فيكون تعزيز من جل قدره باإلعراض عنه، : فتدرج الناس على منازهلموتعزيز من دونه بالتعنيف له وتعزيز من دونه بزواجر الكالم وغاية االستخفاف الذي ال قذف فيه وال

ل مبن دون ذلك إىل احلبس الذي حيبسو فيه على حسب ذام وحبسب هفوام، فمنهم من سب، مث يعدحيبس يوماً، ومنهم تقدر غايته بشهر لالسترباء والكشف وبستة أشهر للتأديب والتقومي مث يعدل مبن دون

.ذلك إىل النفي واإلبعاد إذا تعدت ذنوبة إىل اجتذاب غريه إليها واستضراره ا

فالظاهر من مذهب الشافعي تقدر مبا دون احلول ولو بيوم واحد لئال يصري . غاية نفيه وإبعادهواختلف يفمساوياً لتعزير احلول يف الزنا، وظاهر مذهب مالك أنه جيوز أن يزاد فيه على احلول مبا يرى من أسباب

لضرب وحبسب الزواجر مث يعدل مبن دون ذلك إىل الضرب يرتلون فيه على حسب اهلفوة يف مقدار ا .الرتبة يف االمتهان والصيانة

واختلف يف أكثر ما ينتهي إليه الضرب يف التعزيز، فظاهر مذهب الشافعي أن أكثره يف احلر تسعة . وقال أبو حنيفة. وثالثون سوطاً لينقص عن أقل احلدود يف اخلمر، فال يبلغ باحلر أربعني وبالعبد عشرين

وقال مالك ال . طاً يف احلر والعبد وقال أبو يوسف أكثره مخسة وسبعونأكثر التعزير تسعة وثالثون سوحد ألكثره، وجيوز أن يتجاوز به أكثر احلدود وقال أبو عبد اهللا الزبريي تعزير كل ذنب مستنبط من

حده املشروع فيه وأعاله مخسة وسبعون يقصر به عن حد القذف خبمسة أسواط، فإن كان الذنب يف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 189

روعي منه ما كان، فإن أصابومها بأن ناهلم منها ما دون الفرج ضربومها أعلى التعزير وهو التعزير بالزنا مخسة وسبعون سوطاً، وإن وجدومها يف إزار غري متباشرين ضربومها أربعني سوطاً وإن وجدومها خاليني

ومها عشرين يف بيت عليهما ثياما ضربومها ثالثني سوطاً، وإن وجدومها يف طريق يكلمها وتكلمه ضربسوطاً، وإن وجدوه يتبعها ومل يقفوا على غري ذلك حتققوا، وإن وجدومها يشري إليها وتشري إليه بغري

كالم ضربومها عشرة أسواط، وهكذا يقول يف التعزير بسرقة ما ال جيب فيه القطع، فإذا سرق نصاباً من أقل من نصاب ضرب ستني وإذا سرق من حرز. غري حرز ضرب أعلى التعزير مخسة وسبعني سوطاً

وإذا سرق أقل من نصاب من غري حرز ضرب مخسني سوطاً، فإذا مجع املال يف احلرز واسترجع . سوطاًوإذا نقب . منه قبل إخراجه ضرب أربعني سوطاً، وإذا نقب احلرز ودخل ومل يأخذ ضرب ثالثني سوطاً

. اب ومل يكمله ضرب عشرة أسواطاحلرز ومل يدخل ضرب عشرين سوطاً، وإذا تعرض للنقب أو لفتح ب

وإذا وجد معه منقب أو كان مراصد للمال حيقق مث على هذه العبارة فيما سوى هذين وهذا الترتيب وإن كان مستحسناً يف الظاهر فقد جترد االستحان فيه عن دليل يتقدر به وهذا الكالم يف أحد الوجوه اليت

.خيتلف فيها احلد والعزير

احلد وإن مل جيز العفو عنه وال الشفاعة فيه فيجوز يف التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة والوجه الثاين أن فيه، فإن تفرد التعزير حبق السلطنة حكم التقومي ومل يتعلق به حىت آلدمي جاز لويل األمر أن يراعي

صلى اهللا عليه روي عن النيب . األصلح يف العفو أو التعزير وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب ".اشفعوا إيل ويقضي اهللا على لسان نبيه ما يشاء : " وسلم أنه قال

ولو تعلق بالتعزير حىت آلدمي كالتعزير يف الشتم واملواثبة ففيه حق للمشئوم واملضروب وحق السلطنة يف له حقه للتقومي والتهذيب، فال جيوز لويل األمر أن يسقط بعفوه حق املشئوم واملضروب، وعليه أن يستو

من تعزير الشامت والضارب، فإن عفا املضروب واملشئوم كان ويل األمر بعد عفومها على خياره يف فعل األصلح من التعزير تقومياً والصفح عنه عفواً، فإن تعافوا عن الشتم والضرب قبل الترافع إليه سقط التعزير

.جهنيواختلف يف سقوط حق السلطنة عنه والتقومي على الو: اآلدمي

أحدمها وهو قول أيب عبد اهللا الزبريي أنه يسقط وليس لويل األمر أن يعزر فيه ألن حد القذف أغلظ .ويسقط حكمه بالعفو فكان حكم التعزير بالسلطنة أسقط

والوجه الثاين وهو األظهر أن لويل األمر أن يعزر فيه مع العفو قبل الترافع إليه كما جيوز أن يعزر فيه مع د الترافع إليه خمالفة للعفو عن حد القذف يف املوضعني ألن التقومي من حقوق املصلحة العامة ولو العفو بع

تشامت وتواثب والد من ولد سقط تعزير الوالد يف حق الولد ومل يسقط تعزير الولد يف الوالد كما ال يقتل والتقومي ال حق فيه للولد، وجيوز الوالد بولده، ويقتل الولد بوالده وكان تعزير األب خمتصاً حبق السلطنة

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 190

لويل األمر أن ينفرد بالعفو عنه وكان تعزير الولد مشتكراً بني حق الولد وحقوق السلطنة فال جيوز لويل األمر أن ينفرد بالعفو عنه مع مطالبة الوالد به حىت يستوفيه له وهذا الكالم يف الوجه الثاين الذي خيتلف

.فيه احلد والتعزير

لثالث أن احلد وإن كان ما حدث عنه من التلف هدراً فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه والوجه امن التلف، قد أرهب عمر بن اخلطاب امرأة فأمخصت بطنها فألقت جنينها ميتاً فشاور علياً عليه السالم

.ومحل دية جنينها

ل تكون يف بيت املال، فأما الكفارة فقيل تكون على عاقلة ويل األمر، وقي: واختلف يف حمل دية التعزيرأحدمها : ففي ماله إن قيل إن الدية على عاقلته، وإن قيل إن الدية يف بيت املال ففي حمل الكفارة وجهان

والثاين يف بيت املال، وهكذا املعلم إذا ضرب صبياً أدباً معهوداً يف العرف فأفضى إىل تلفه ضمن . يف مالهوجيوز للزوج ضرب زوجته إذا نشزت عنه، فإن تلفت من ضربه . يف مالهدينه على عاقلته والكفارة

.ضمن ديتها على عاقلته إال أن يتعمد قتال فيقاد ا

واختلف يف . وأما صفة الضرب يف التعزير فيجوز أن يكون بالعصا وبالسوط الذي كسرت مثرته كاحلديف الصفة على ضرب احلدود وأنه جيوز جوازه بسوط مل تكسر مثرته فذهب الزبريي إىل جوازه فإن زاد

أن يبلغ به إار الدم، وذهب مجهور أصحاب الشافعي رضي اهللا عنه إىل حظره بسوط مل تكسر مثرته وألن الضرب يف احلدود أبلغ وأغلظ وهو كذلك حمظور فكان يف التعزير أوىل أن يكون حمظوراً وال جيوز

أن يفرق يف البدن كله بعد توقي املواضع القاتلة ليأخذ كل أن يبلغ بتعزيز إار الدم وضرب احلد جيب عضوا نصيبه من احلد، وال جيوز أن جيمع يف موضع وحد من اجلسد واختلف يف ضرب التعزير فأجراه

مجهور أصحاب الشافعي جمرى الضرب يف تفريقه وحظر مجعه، وخالفهم الزبريي فجوز مجعه يف موضع سقاطه عن مجيع اجلسد جاز إسقاطه عن بعضه خبالف احلد وجيوز أن واحد من اجلسد ألنه ملا جاز إ

يصل يف التعزير حياً قد صلب رسول اهللا صلى اهللا صلى اهللا عليه وسلم رجالً على جبل يقال له أبو وال مينع إذا صلب أداء طعام وال شراب وال مينع من الوضوء للصالة ويصلي مومياً ويعيد إذا أرسل . ناب

بصلبه ثالثة أيام، وجيوز يف نكال التعزير أن جير من ثيابه إال قدر ما يستر عورته ويشهر يف وال يتجاوز واختلف . الناس وينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ومل يتب، وجيوز أن حيلق شعره وال جيوز أن حتلق حليته

.يف جواز تسويد وجوههم؛ فجوزه األكثرون، ومنع منه األقلون

الباب العشرون

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 191

في أحكام الحسبة

ولتكن منكم : " هي أمر باملعروف إذا ظهر تركته وى عن املنكر إذا أظهر فعله وقال اهللا تعاىل: احلسبة ".أمة يدعون إىل اخلري ويأمرون باملعروف وينهون عن املنكر

ني أحدها أن فرضه متع: وهذا وإن صح من كل مسلم فالفرق فيه بني املتطوع واحملتسب من تسعة أوجهوالثاين أن قيام احملتسب به من . على احملتسب حبكم الوالية وفرضه على غريه داخل يف فروض الكفاية

حقوق تصرفه الذي ال جيوز أن يتشاغل عنه، وقيام املتطوع به من نوافل عمله الذي جيوز أن يتشاغل عنه .بغريه

.وع منصوباً لالستعداءوالثالث أنه منصوب لالستعداء إليه فيما جيب إنكاره، وليس املتط

.والرابع أن على احملتسب إجابة من استعداه وليس على املتطوع إجابته

واخلامس أن عليه أن يبحث عن املنكرات الظاهرة ليصل إىل إنكارها ويفحص عما ترك من املعروف .الظاهر ليأمر بإقامته ليس على غريه من املتطوعة حبث وال فحص

ى إنكاره أعواناً ألنه عمل هو له منصوب وإليه مندوب ليكون له أقهر وعليه والسادس أن له أن يتخذ عل .أقدر وليس للمتطوع أن يندب لذلك أعواناً

.والسابع أن له أن يعزر يف املنكرات الظاهرة ال يتجاوز إىل احلدود وليس للمتطوع أن يعزر على منكر

.وز للمتطوع أن يرتزق على إنكار منكروالثامن أن له أن يرتزق على حسبته من بيت املال وال جي

والتاسع أن له اجتهاد رأيه فيم تعلق بالعرف دون الشرع كاملقاعد يف األسواق وإخراج األجنحة فيه فيقر وينكر من ذلك ما أداه اجتهاده إليه وليس هذا للمتطوع فيكون الفرق بني وايل احلسبة وإن كان يأمر

ه من املتطوعني وإن جاز أن يأمر باملعروف وينهى عن املنكر من هذه باملعروف ينهى عن املنكر وبني غري .الوجوه التسعة

وإذا كان كذلك فمن شروط وايل احلسبة أن يكون حراً عدالً ذا رأي وصرامة وخشونة يف الدين وعلم .باملنكرات الظاهرة

مور اليت اختلف الفقهاء واختلف الفقهاء من أصحاب الشافع، هل جيوز له أن حيمل فيما ينكره من األأحدمها وهو قول أيب سعيد األصطخري أن له أن حيمل : فيها على رأيه واجتهاده أم ال؟ على وجهني

ذلك على رأيه واجتهاده، فعلى هذا جيب على احملتسب أن يكون عاملاً من أهل االجتهاد يف أحكام الدين ن حيمل الناس على رأيه واجتهاده وال يقودهم إىل والوجه الثاين ليس له أ. ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 192

مذهبه لتسويغ االجتهاد الكافة وفيما اختلف فيه؛ فعلى هذا جيوز أن يكون احملتسب من غري أهل االجتهاد .إذا كان عارفاً باملنكرات املتفق عليها

القضاء فهي موافقة وأعلم أن احلسبة واسطة بني أحكام بالقضاء وأحكام املظامل، فأما ما بينها وبني فأما الوجهان يف : ألحكام القضاء من وجهني، ومقصورة عنه من وجهني وزائدة عليه من وجهني

.موافقتها ألحكام القضاء

فأحدمها جواز االستعداء إليه ومساعه دعوى املستعدي على املستعدى عليه يف حقوق اآلدميني، وليس هذا أحدها أن يكون فيما يتعلق ببخس وتطفيف : اع من الدعوىعلى عموم الدعاوى، وإمنا خيتص ثالث أنو

والثالث فيما يتعلق مبطل وتأخري لدين . والثاين ما يتعلق بغش أو تدليس يف مبيع أو مثن: يف كيل أو وزنمستحق مع املكنة، وإمنا جاز نظره يف هذه األنواع الثالثة من الدعاوي دون ما عداها من سائر الدعاوي

ظاهر هو منصوب إلزالته واختصاصها مبعروف بني هو مندوب إىل إقامته، ألن موضوع لتلقها مبنكر احلسبة ألزم احلقوق واملعونة على استيفائها، وليس للناظر فيها أن يتجاوز ذلك إىل احلكم الناجز والفصل

.فهذا أحد وجهي املوافقة. البات

الذي عليه وليس هذا على العموم يف كل احلقوق والوجه الثاين أن له إلزام املدعى عليه للخروج من احلق وإمنا هو خاص يف احلقوق اليت جاز له مساع الدعوى فيها على العموم يف كل احلقوق وإمنا هو خاص يف احلقوق اليت جاز له مساع الدعوى فيها وإذا وجبت باعتراف وإقرار مع متكنه وإيساره فيلزم املقر املوسر

.ستحقها، ألن يف تأخريه هلا منكر هو منصوب إلزالتهاخلروج منها ودفعها إىل م

فأحدمها قصورها عن مساع عموم الدعاوي اخلارجة عن . وأما الوجهان يف قصورها عن أحكام القضاءظواهر املنكرات من الدعاوى يف العقود واملعامالت وسائر احلقوق واملطالبات، فال جيوز أن ينتدب

للحكم فيها ال يف كثري احلقوق وال يف قليلها من درهم فما دونه إال لسماع الدعوى هلا وال أن يتعرض أن يرد ذلك إليه بنص صريح يزيد على إطالق احلسبة فيجوز ويصري ذه الزيادة جامعاً بني قضاء

وحسبة، فرياعى فيه أن يكون من أهل االجتهاد، وإن اقتصر به عن مطلق احلسبة فالقضاة واحلكام بالنظر .ك وكثري أحق، فهذا وجهيف قليل ذل

والوجه الثاين أا مقصورة على احلقوق املعترف ا، فأما ما يتداخله التجاحد والتناكر فال جيوز له النظر فيه، ألن احلاكم فيها يقف على مساع بينة وإحالف ميني، وال جيوز للمحتسب أن يسمع بينة على إثبات

.لقضاة واحلكام بسماع البينة وإحالف اخلصوم أحقاحلق، وال أن حيلف مييناً على نفي احلق وا

.وأما الوجهان يف زيادا على أحكام القضاء

فأحدمها أنه جيوز للناظر فيها أن يتعرض لنصفح ما يأمر به من املعروف وينهى عنه من املنكر وإن مل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 193

ى منه، فإن حيضره خصم مستعد، وليس للقاضي أن يتعرض لذلك إال حبضور خصم جيوز له مساع الدعو .تعرض لذلك خرج عن منصب واليته وصار متجوزاً يف قاعدة نظره

والثاين أن للناظر يف احلسبة من سالطة السلطنة واستطالة احلماة فيم تعلق باملنكرات ما ليس للقضاة ألن القضاء احلسبة موضوعة للرهبة، فال يكون خروج احملتسب إليها بالسالطة والغلظة جتوراً فيها وال خرقاً و

موضوع للمناصفة فهو باألناة والوقار أحق وخروجه عنهما إىل سالطة احلسبة جتوز وخرق ألن موضوع .كل واحد من املنصبني خمتلف فالتجوز فيه خروج عن حده

.وأما ما بني احلسبة واملظامل فينهما شبه مؤتلف وفرق خمتلف

ا مستقر على الرهبة املختصة بسالطة السلطنة أحدمها أن موضوعهم: فأما لشبه اجلامع بينهما فمن وجهني .وقوة الصرامة، والثاين جواز التعرض فيهما ألسباب املصاحل والتصلع إىل إنكار العدوان الظاهر

أحدمها أن النظر يف املظامل موضوع ملا عجز عنه القضاة، والنظر يف : وأما الفرق بينهما فمن وجهنية ولذلك كانت رتبة املظامل أعلى ورتبة احلسبة أخفض، وجاز لوايل احلسبة موضوع ملا رفع عنه القضا

املظامل أن يوقع إىل القضاة واحملتسب ومل جيز للقاضي أن يوقع إىل وايل املظامل، وجاز له أن يوقع إىل احملتسب ومل جيز للمحتسب أن يوقع إىل واحد منهما، فهذا الفرق الثاين أنه جيوز لوايل املظامل أن حيكم

.ال جيوز لوايل احلسبة أن حيكمو

وإذا استقر ما وصفناه من موضوع احلسبة ووضع الفرق بينهما وبني القضاء واملظامل فهي تشتمل على .والثاين ي عن املنكر. أحدمها أمر باملعروف: فصلني

علق حبقوق والثاين ما يت. أحدها ما يتعلق حبقوق هللا تعاىل: فأما األمر باملعروف فينقسم ثالثة أقسام .اآلدميني، والثالث ما يكون مشتركاً بينهما

فأما املتعلق حبقوق اهللا عز وجل فضربان، أحدمها يلزم األمر به يف اجلماعة دون االنفراد كترك اجلمعة يف وطن مسكون، فإن كانوا عدداً قد اتفق على انعقاد اجلمعة م كاألربعني فما زاد فواجب أن يأخذهم

هم بفعلها ويؤدب على اإلخالل ا وإن كانوا عدداً اختلف يف انعقاد اجلمعة م فله وهلم بإقامتها ويأمرأحدها أن يتفق رأيه ورأي القوم على انعقاد اجلمعة بذلك العدد فواجب عليه أن يأمرهم : أربعة أحوال

به على ترك ما نعقد بإقامتها وعليهم أن يسارعوا إىل أمره ا ويكون يف تأديبهم على تركها ألني من تأدي .اإلمجاع عليه

واحلالة الثانية أن يتفق رأيه ورأي القوم على أن اجلمعة ال تنعقد م فال جيوز أن يأمرهم بإقامتها وهو .بالنهي عنها لو أقيمت أحق

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 194

ر احلالة الثالثة أن يرى القوم انعقاد اجلمعة م واليراه احملتسب، فال جيوز له أن يعارضهم فيها وال يأم .بإقامتها ألنه اليراه، وال جيوز أن ينهاهم عنها ومينعهم مما يرونه فرضا عليهم

واحلالة الرابعة أن يرى احملتسب انعقاد اجلمعة م وال يراه القوم فهذا مما يف استمرار تركه تعطيل اجلمعة تباراً ذا املعىن أم مع تطاول الزمان وبعده وكثرة العدد وزيادته، فهل للمحتسب أن يأمرهم بإقامتها اع

.ال؟ على وجهني ألصحاب الشافعي رضي اهللا عنه

أحدمها وهو مقتضى قول أيب سعيد األصطخري أنه جيوز له أن يأمرهم بإقامتها اعتباراً باملصلحة لئال ينشأ الصغري على تركها فيظن أا تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه، فقد راعى زياد مثل هذا يف

ة الناس يف جامعي البصرة والكوفة، فإم كانوا إذا صلوا يف صحنه فرفعوا من السجود مسحوا صالجباهم من التراب فأمر بإلقاء احلصى يف صحن املسجد اجلامع وقال لست آمن أن يطول الزمان فيظن

.الصغري إذا نشأ أن مسح اجلبهة من أثر السجود سنة يف الصالة

مرهم ا ألنه ليس له محل الناس على اعتقاده، وال أن يأخذهم يف الدين برأيه والوجه الثاين ال يتعرض ألوأما أمرهم بصالة العيد . مع تسويغ االجتهاد فيه وأم يعتقدون أن نقصان العدد مينع من إجزاء اجلمعة

من فله أن يأمرهم ا، وهل يكون األمر ا من احلقوق الالزمة أو من احلقوق اجلائزة؟ على وجهنياختالف أصحاب الشافعي فيها هل هي مسنونة أو من فروض الكفاية؟ فإن قيل إا مسنونة كان األمر

.ا ندباً، وإن قيل إا من فروض الكفاية كان األمر ا حتماً

فأما صالة اجلماعة يف املساجد وإقامة األذان فيها للصلوات فمن شعائر اإلسالم وعالمات التعبد اليت فرق رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بني دار اإلسالم ودار الشرك فإذا اجتمع أهل بلد أو حملة على تعطيل ا

اجلماعة يف مساجدهم وترك األذان يف أوقات صلوام كان احملتسب مندوباً إىل أمرهم باألذان واجلماعة على وجهني من يف الصلوات، وهل ذلك واجب عليه يأمث بتركه أو مستحب له يثاب على فعله؟

اختالف أصحاب الشافعي يف اتفاق أهل بلد على ترك األذان واإلقامة واجلماعة، وهل يلزم السلطان حماربتهم عليه أم ال؟ فأما ترك صالة اجلمعة من آحاد الناس أو ترك األذان واإلقامة لصالته فال اعتراض

يسقط باألعذار إال أن يقترن به استرابة أو للمحتسب عليه إذا مل جيعله عادة وإلفاً ألا من الندب الذيجيعله إلفاً وعادة وخياف تعدي ذلك إىل غريه يف االقتداء به فرياعى حكم املصلحة به يف زجره عما

استهان به من سنن عبادته ويكون وعيده على ترك اجلماعة معترباً بشواهد حاله، كالذي روي عن النيب : صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

لقد مهمت أن آمر أصحايب أن جيمعوا حطباً وآمر بالصالة فيؤذن هلا وتقام مث أخالف إىل منازل أقوام ال " ".حيضرون الصالة فأحرقها عليهم

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 195

وأما ما يأمر به آحاد الناس وأفرادهم فكتأخري الصالة حىت خيرج وقتها فيذكر ا ويأمر بفعلها ويراعى ان حثه على فعلها بعد ذكره ومل يؤدبه؛ وإن قال تركتها لتوان وهو إن جوابه عنها، فإن قال تركتها لنسي

أدبه زجراً وأخذه بفعلها جرباً، وال اعتراض على من أخرها والوقت باق الختالف الفقهاء يف فضل التأخري، ولكن لو كانت اجلماعات يف بلد قد اتفق أهله على تأخري صلوام إىل آخره واحملتسب يرى

فهل له أن يأمرهم بالتعجيل على وجهني ألن اعتبار مجيع الناس لتأخريها يفضي بالصغري فضل تعجيلهاالناشئ إىل اعتقاد أن هذا هو الوقت دون ما تقدم ولو عجلها بعضهم ترك من آخرها منهم وما يراه من

.التأخري

بأمر وال ي وإن كان فأما األذان والقنوت يف الصلوات إذا خالف فيه رأي احملتسب فال اعتراض له فيه يرى إذا ما يفعل مسوغاً يف االجتهاد خلروجه عن معىن ما قدمناه وكذلك الطهارة إذا فعلها على وجه سائغ خيالف فيه رأي احملتسب من إزالة النجاسة باملائعات والوضوء مباء تغري باملذرورات الطاهرات، أو

ن النجاسات فال اعتراض له يف شيء من ذلك اقتصار على مسح أقل الرأس أو العفو عن قدر درهم مبأمر وال ي، وكان له يف اعتراضه عليهم يف الوضوء بنبيذ التمر عند عدم املاء وجهان، ملا فيه من

اإلفضاء إىل استباحته على كل حال فإنه رمبا آل إىل السكر من شربه مث على نظائر هذا املثال تكون .ىلأوامره باملعروف يف حقوق اهللا تعا

.عام وخاص: فأما األمر باملعروف يف حقوق اآلدميني فضربان

فأما العام فكالبلد إذا تعطل شربه أو استهدم سوره أو كان يطرقه بنو السبيل من ذوي احلاجات فكفوا عن معونتهم، فإن كان يف بيت املال ماالً مل يتوجه عليهم فيه ضرر أمر بإصالح شرم وبناء سورهم

السبيل يف االجتياز م، ألا حقوق تلزم بيت املال دوم، وكذلك لو استهدمت مساجدهم ومبعونة بينوجوامعهم، فأما إذا أعوز بيت املال كان األمر ببناء سورهم وإصالح شرم وعمارة مساجدهم مر به، وجوامعهم ومراعاة بين السبيل فيهم متوجهاً إىل كافة ذوي األمكنة منهم وال يتعني أحدهم يف األ

وإن شرع ذوي املكنة يف عملهم ويف مراعاة بين السبيل وباشروا القيام به سقط عن احملتسب حق األمر به ومل يلزمهم االستئذان يف مراعاة بين السبيل ويف بناء ما كان مهدوماً، ولكن لو أرادوا هدم ما يعيدون

ما عم أهل البلد من سوره وجامعهم إال بناءه من املسترم واملستهدم مل يكن هلم اإلقدام على هدمه فيباستئذان ويل األمر دون احملتسب ليأذن هلم يف هدمه بعد تضمينه القيام بعمارته وجاز فيما خص من

املساجد يف العشائر والقبائل أال يستأذنوه، وعلى احملتسب أن يأخذهم ببناء ما هدموه وليس له أن ذوي املكنة عن بناء ما استهدم وعمارة ما استرم، فإن كان يأخذهم بإمتام ما استأنفوه، فأما إذا كف

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 196

وإن تعذر املقام يف البلد لتعطيل شربه . املقام يف البلد ممكناً وكان الشرب وإن قل مقنا تاركهم وإباهواندحاض سورة نظر، فإن كان البلد ثغراً يضر بدار اإلسالم تعطيله مل جيز لويل األمر أن يفسخ يف

وكان حكمه حكم النوازل إذا حدثت يف القيام كافة ذوي املكنة به وكان تأثري احملتسب يف االنتقال عنه مثل هذا إعالم السلطان به، وترغيب أهل املكنة يف عمله وإن مل يكن هذا البلد ثغراً مضراً بدار اإلسالم

السلطان أحق كان أمره أيسره وحكمه أخف ومل يكن هذا للمحتسب أن يأخذ أهله جرباً بعمارته، ألنأن يقوم به، ولو اعوزه املال فيستجده فيقول هلم احملتسب ما استدام عجز السلطان عنه أنتم خمريون بني االنتقال عنه أو التزام ما يصرف يف مصاحله اليت ميكن معها دوام استيطانة، فإن أجابوه إىل التزام ذلك

احد منهم يف عينه أن يلتزم جرباً ما ال تسمح كلف مجاعتهم ما تسمح به نفوسهم ومل جيز أن يأخذ كل وبه نفسه من قليل و كثري ويقول ليخرج كل واحد منكم ما سهل عليه وطاب نفساً به ومن أعوزه املال أعان العمل حىت إذا اجتمعت كفاية املصلحة أو يلوح اجتماعها بضمان كل واحد من أهل املكنة قدراً

صلحة وأخذ كل ضامن من اجلماعة بالتزام ما ضمنه، وإن كان طاب به نفساً شرع حينئذ يف عمل املمثل هذا الضمان ال يلزم يف املعامالت اخلاصة، ألن حكم ما عم من املصاحل موسع فكان حكم الضمان

وإذا عمت هذه املصلحة مل يكن للمحتسب أن يتقدم بالقيام ا حىت يستأذن السلطان فيها . فيه أوسعتاتاً عليه إذ ليست هذه املصلحة من معهود حسبته فإن قلت وشق استئذان السلطان لئال يصري بالتفرد مف

.فيها أو خيف زيادة الضرر لبعد استئذانه جاز شروعه فيها من غري استئذان

وأما اخلاص فكاحلقوق إذا مطلت والديون إذا أخرت فللمحتسب أن يأمر باخلروج منها مع املكنة إذا ليس له أن حيبس ا ألن احلبس حكم، وله أن يالزم عليها ألن لصاحب استعداه أصحاب احلقوق، و

احلق أن يالزم، وليس له األخذ بنفقات األقارب الفتقار ذلك إىل اجتهاد شرعي فيمن جتب له، وجيب عليه إال أن يكون احلاكم قد فرضها فيجوز له أن يأخذ له بأدائها، وكذلك كفالة من جتب كفالته من

تراض له فيها حىت حيكم ا احلاكم فيجوز حينئذ للمحتسب أن يأمر بالقيام ا على الصغار واالع .الشروط املستحقة فيها

وأما قبول الوصايا والودائع فليس له أن يأمر فيها أعيان الناس وآحادهم وجيوز أن يأمر ا على العموم . باملعروف يف حقوق اآلدمينيحثا على التعاون بالرب والتقوى، مث على هذا املثال تكون أوامره

وأما األمر باملعروف فيما كان مشتركاً بني حقوق اهللا تعاىل وحقوق اآلدميني فكأخذ األولياء نكاح األيامى أكفائهن إذا طلنب وإلزام النساء أحكام العدد إذا فورقن وله تأديب من خالف يف العدة من النساء

.وليس له تأديب من امتنع من األولياء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 197

ومن نفى ولداً قد ولد فراض أمه وحلوق نسبه أخذه بأحكام األدباء جرباً وعزره عن النفي أدباً، ويأخذ السادة حبقوق العبيد واإلماء وأن ال يكلفوا من األعمال ما ال يطيقون، وكذلك أرباب البهائم يأخذه

.بعلوفتها إذا قصروا وأن ال يستعملوها فيما ال تطيق

يف كفالته أمره أن يقوم حبقوق التقاطه من التزام كفالته أو تسليمه إىل من يلتزمها ومن أخذ لقيط وقصرويقول ا، وكذلك واجد الصوال إذا قصر فيها يأخذه مبثل ذلك من القيام ا ويكون ضامناً للضالة

.بالتقصري وال يكون به ضامناً اللقيط

بالتسليم إىل غريه، مث على نظائر هذا املثال يكون وإذا أسلم الضالة إىل غريه ضمنها؛ وال يضمن اللقيط .أمره باملعروف يف احلقوق املشتركة

والثاين ما كان من . أحدها ما كان من حقوق اهللا تعاىل: وأما النهي عن املنكرات فينقسم ثالثة أقسام .حقوق اآلدميني، والثالث ما كان مشتركاً بني احلقني

والثاين ما تعلق . أحدها ما تعلق بالعبادات: عاىل فعلى ثالثة أقسامفأما النهي عنها يف حقوق اهللا ت .والثالث ما تعلق باملعامالت. باحملظورات

فأما املتعلق بالعبادات فكالقاصد خمالفة هيئاا املشروعة واملتعمد تغيري أوصافها املسنونة مثالً من يقصد زيد يف الصالة أو يف اآلذان أذكاراً غري مسنونة، اجلهر يف صالة اإلسرار، واإلسرار يف صالة اجلهر أو ي

فللمحتسب إنكارها وتأديب املعاند فيها إذا مل يقل مبا ارتكبه إمام متبوع، وكذل إذا أخل بتطهري جسده أو ثوبه أو موضع صالته أنكره عليه إذا حتقق ذلك منه، وال يؤاخذه بالتهم وال بالظنون، كالذي حكى

حلسبة أنه سأل رجالً داخالً إىل املسجد بنعلني هل يدخل ما بيت طهارته فلما على بعض الناظرين يف اأنكر ذلك أراد إحالفه عليه، وهذا جهل من فاعله وتعدى فيه أحكام احلسبة وغلب فيه سوء الظنة، وهكذا لو ظن برجل أنه يترك الغسل من اجلنابة أو يترك الصالة والصيام مل يؤاخذه بالتهم ومل يعامله

. باإلنكار، ولكن جيوز له بالتهمة أن يعظ وحيذر من عذاب اهللا على إسقاط حقوقه واإلخالل مبفروضاته

فإن رآه يأكل يف شهر رمضان مل يقدم على تأديبه إال بعد سؤاله عن سبب أكله إذا التبست أحواله فرمبا ذكر من األعذار ما حيتمله كان مريضاً أو مسافراً أو يلزمه السؤال إذا ظهرت منه إمارات الريب، فإن

حالة كف عن زجره وأمره بإخفاء أكله لئال يعرض نفسه للتهمة وال يلزم إحالفه عند االسترابة بقوله ألنه موكول إىل أمانته، فإن مل يذكر عذراً جاهر باإلنكار عليه جماهرة ردع وأدبه تأديب زجر، وهكذا لو

نفسه للتهمة، ولئال يقتضى به من ذوي اجلهالة ممن ال مييز علم عذره يف كل أنكر عليه ااهرة بتعويض .حال عذره من عريه

وأما املمتنع من إخراج الزكاة؛ فإن كان من األموال الظاهرة فعامل الصدقة يأخذها منه جرباً أخص وهو

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 198

تسب بتعزيره على الغلول إن مل جيد له عذراً أحق، وإن كان من األموال الباطنة فيحتمل أن يكون احملأخص باإلنكار عليه من عامل الصدقة، ألنه اعتراض للعامل يف األموال الباطنة، وحيتمل أن يكون العامل

باإلنكار عليه أخص ألنه لو دفعها له أجازه ويكون تأديبه معترباً بشواهد حاله يف االمتناع من إخراج جالً يتعرض ملسألة الناس يف طلب وإن رأى ر. زكاته، فإن ذكر أنه خيرجها سراً وكل إىل أمانته فيها

الصدقة وعلم أنه غين إما مبال أو عمل أنكره عليه وأدبه فيه وكان احملتسب بإنكاره أخص من عامل الصدقة قد فعل عمر رضي اهللا عنه مثل ذلك بقوم من أهل الصدقة ولو رأى عليه آثار الغىن وهو يسأل

كره عليه جلواز أن يكون يف الباطن فقرياً، وإذا تعرض الناس آالمه حترميها على املستغين عنها ومل ينللمسألة ذو جلد وقوة على العمل زجره وأمره أن يتعرض لالحتراف بعمله، فإن أقام على املسألة عزره

وإن دعت احلالة عند إحلاح من حرمت عليه املسألة مبال أو عمل إال أن ينفق على ذي . حىت يقلع عنهاجر ذا العمل وينفق عليه من أجرته مل يكن احملتسب أن يفعل ذلك بنفسه ألن هذا مال جرباً من ماله ويؤ

.حكم واحلكام به أحق فريفع أمره إىل احلاكم ليتوىل ذلك أو يأذن فيه

وإذا وجد من يتصدى لعلم الشرع وليس من أهله من فقيه أو واعظ ومل يأمن اغترار الناس به يف سوء ومن أشكل . عليه التصدي ملا ليس هو من أهله وأظهر أمره لئال يغتر بهتأويل أو حتريف جواب أنكر

قد مر علي بن أيب طالب عليه السالم باحلسن البصري . عليه أمره مل يقدم عليه باإلنكار إال بعد االختباروهو يتكلم عن الناس فاختربه، فقال له ما عماد الدين؟ فقال الورع، فقال فما آفته؟ قال الطمع، قال

وهكذا لو ابتدع بعض املنتسبني إىل العلم قوالً خرق به اإلمجاع وخالف فيه النص . تكلم اآلن إن شئتورد قوله علماء عصره أنكره عليه وزجره عنه، فإن أقلع وتاب وإال فالسلطان بتهذيب الدين أحق وإذا

اطن بدعة تتكلف له تعرض بعض املفسرين لكتاب اهللا تعاىل بتأويل عدل فيه عن ظاهر الترتيل إىل بغمض معانيه أو تفرد بعض الرواة بأحاديث مناكري تنفر منها النفوس أو يفسد ا التأويل كان على

احملتسب إنكار ذلك واملنع منه، وهكذا إمنا يصح منه إنكاره إذا متيز عنده الصحيح من الفاسد واحلق من م واجتهاده فيه حىت ال خيفى ذلك عليه، وإما الباطن، وذلك من أحد وجهني، إما أن يكون بقوته يف العل

بأن يتفق علماء الوقت على إنكاره وابتداعه فيستعدونه فيه فيعول يف اإلنكار على أقاويلهم ويف املنع منه .على اتفاقهم

وأما ما تعلق باحملظورات فهو أن مينع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة فقد قال النيب صلى اهللا عليه ".دع ما يريبك إىل ما ال يريبك : " وسلم

.فيقدم اإلنكار وال يعجل بالتأديب قبل اإلنكار

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 199

حكى إبراهيم النخعي أن عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه ى الرجال أن يطوفوا مع النساء فرأى رجالً ا يصلي مع النساء فضربه بالدرة فقال الرجل واهللا إن كنت أحسنت لقد ظلمتين، وإن كنت أسأت فم

علمتين، فقال عمر أما شهدت عزميت؛ فقال ما شهدت لك عزمة فألقى إليه الدرة وقال له اقتص قال ال قال ال أعفو، فافترقا على ذلك، مث لقيه من الغد فتغري لون عمر فقال له . أقتص اليوم، قال فاعفو عين

ل فأشهد اهللا إين قد عفوت الرجل يا أمري املؤمنني كأين أرى ما كان مين قد أسرع فيك؟ فقال أجل، قاعنك، وإذا رأى وقفة رجل مع إمرأة يف طريق سابل مل تظهر منهما أمارات الريب مل يعترض عليهما

.بزجر وال إنكار فيما جيد الناس بداً من هذا

وإن كانت الوقفة يف طريق خال فخلو املكان ريبة فينكرها ال يعجل بالتأديب عليهما حذراً من أن تكون رم، وليقل إن كانت ذات حمرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فخف اهللا تعاىل من ذات حم

.خلوة تؤديك إىل معصية اهللا تعال، وليكن زجره حبسب األمارات

حىت أبو األزهر أن ابن عائشة رأى رجالً يكلم امرأة يف طريق فقال له إن كانت حرمتك فإنه لقبيح بك فإذا برقعة قد . إن مل تكن حرمتك فهو أقبح، مث وىل عنه وجلس للناس حيدثهمأن تكلمها بني الناس، و

: ألقيت يف حجره مكتوب فيها من الكامل

ولا رسسحراً أكلمه ينرتالتي أبص إن

يللها نفسي تس كادت الةي رسإل أدت

خصره ردف ثقيل ذب اظ يجحفاتر االل من

يلوليس له رس يرمي ابصقوس ال متنكباً

ولقتسمع ما ن حتى انينك بأن أذن فلو

أثري هو الحسن الجميل نما استقبحت م لرأيت

فقرأها ابن عائشة ووجد مكتوباً على رأسها أبو نواس، فقال ابن عائشة مايل وللتعرض أليب نواس، وهذا القدر من إنكار ابن عائشة كاف ملثله، وال يكون ملن ندب لإلنكار من والة احلسبة كافياً، وليس فيما

شواهد حاله وفحوى قال أبو نواس تصريح بفجور الحتمال أن يكون إشارة إىل ذات حمرم وإن كانتفإذا . كالمه ينطقان بفجوره وريبته فيكون من مثل أيب نواس منكراً وإن جاز أن ال يكون من غريه منكراً

رأى احملتسب يف هذه احلال ما ينكره تأىن وتفحص وراعى شواهد احلال ومل يعجل باإلنكار قبل بينما عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه :االستخبار، كالذي رواه ابن أيب الزناد عن هشام بن عروة قال

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 200

يطوف بالبيت إذ رأى رجالً يطوف وعلى عانقه امرأة مثل املهاة يعين حسناً ومجاالً وهو يقول من : السريع

والهأتبع الش موطأ والًلهذي جمالً ذل قدت

أحذر أن تسقط أو تزوال ياللكف أن تمأعد لها با

بذاك نائالً جزيال أرجو

فقال له عمر رضي اهللا عنه يا عبد اهللا من هذه اليت وهبت هلا حجك؟ قال امرأيت يا أمري املؤمنني، وإا فقال له مالك ال تطلقها؟ قال إا حسناء ال تفرك، وأم . محقاء مرغامة، أكول قمامة، ال يبقى هلا خامة

.قال فشأنك ا. صبيان ال تترك

.املرغام املختلط، فلم يقدم عليه باإلنكار حىت استخربه فلما انتفت عنه الريبة الن له: قال أبو زيد

.وإذا جاهر رجل بإظهار اخلمر، فإن كان مسلماً أراقها عليه وأدبه، وإن كان ذمياً أدبه على إظهارها

ه، ألا عنده من أمواهلم املضمونة واختلف الفقهاء يف إراقتها عليه، فذهب أبو حنيفة إىل أا ال تراق علي .ومذهب الشافعي أا تراق عليهم ألا ال تضمن عنده يف حق مسلم وال كافر. يف حقوقهم

وأما ااهرة بإظهار النبيذ، فعند أيب حنيفة أنه من األموال اليت يقر املسلمون عليها فيمنع من إراقته ومن يس مبال كاخلمر وليس يف إراقته غرم، فيعترب وايل احلسبة وعند الشافعي أنه ل. التأديب على إظهاره

بشواهد احلال فيه فيهىن فيه عن ااهرة ويزجر عليها إن كان ملعاقرة وال يريقه عليه إال أن يأمره بإراقته وأما السكران إذا تظاهر بسكره وسخف . حاكم من أهل االجتهاد، لئال يتوجه عليه غرم إن حوكم فيه

.على السكر واهلجر تعزيراً ال حداً لقلة مراقبته وظهور سخفهجره أدره

وأما ااهرة بإظهار املالهي احملرمة احملتسب أن يفصلها حىت تصري خشباً لتزول عن حكم املالهي، .ويؤدب ااهرة ا، وال يكسرها إن كان خشبها يصلح لغري املالهي

وفيها وجه من وجوه . ا إلف البنات لتربية األوالدوأما اللعب فليس يقصد ا املعاصي وإمنا يقصدالتدبري تقارنه معصية بتصوير ذوات األزواج ومشاة األصنام، فللتمكني منها وجه، وللمنع منها وجه،

.وحيسب ما تقتضيه شواهد األحوال يكون إنكاره وإقراره

ي تلعب بالبنات فأقرها ومل ينكر قد دخل النيب عليه الصالة والسالم على عائشة رضي اهللا عنها وه" ".عليها

وحكى أن أبا سعيد األصطخري من أصحاب الشافعي تقلد حسبة بغداد يف أيام املقتدر فأزال سوق

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 201

كانت عائشة : الدادي ومنع منها وقال ال يصلح إال للنبيذ احملرم وأقر سوق اللعب ومل مينع منها وقال قدسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم فلم ينكره عليها، وليس ما ذكره من رضي اهللا عنها تلعب بالبنات مبشهد ر

.اللعب بالبعيد من االجتهاد

وأما سوق الدادي فاألغلب من حاله أنه ال يستعمل إال يف النبيذ، وقد جيوز أن يستعمل نادراً يف الدواء جائز جلواز استعماله يف وهو بعيد، فبيعه عند من يرى إباحة النبيذ جائز ال يكره وعند من يرى حترميه

وإمنا منع من . غريه، ومكروه اعتباراً باألغلب من حاله، وليس منع أيب سعيد منه لتحرمي بيعه عندهاملظاهرة بإفراد سوقه وااهرة ببيعه إحلاقاً له بإباحة ما اتفق الفقهاء على إباحة مقصده ليقع لعوام الناس

يس ميتنع إنكار ااهرة ببعض املباحات كما ينكر ااهرة باملباح الفرق بينه وبني غريه من املباحات، ول .من مباشرة األزواج واإلماء

وأما ما مل يظهر من احملظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها وال أن يهتك األستار حذراً من ستتر بستر اهللا، فإنه من أتى من هذه القاذورات شيئاً فلي: " االستتار ا، قال النيب عليه الصالة والسالم ".من يبد لنا صفحته نقم حد اهللا تعاىل عليه

أحدمها أن يكون ذلك : فإن غلب على الظن استسرار قوم ا ألمارات دلت آثار ظهرت فذلك ضربانيف انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن خيربه من يثق بصدقه أن رجالً خال بأمر ليزين ا أو برجل

له يف مثل هذه احلالة أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذراً من فوات ما ال ليقتله، فيجوزيستدرك من انتهاك احملارم وارتكاب احملظورات، وهكذا لو عرف ذلك قوم من املتطوعة جاز هلم اإلقدام

.على الكشف والبحث يف ذلك واإلنكار، كالذي كان من شأن املغرية بن شعبة

إليه بالبصرة امرأة من بين هالل يقال هلا أم مجيل بنت حمجم بن األفقم وكان فقد روي أنه كان ختتلفهلا زوج من ثقيف يقال له احلجاج بن عبيد، فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح وسهل بن معبد ونافع بن احلارث وزياد بن عبيد فرصدوه حىت إذا دخلت عليه هجموا عليهما وكان من أمرهم يف الشهادة عليه

مر رضي اهللا عنه ما هو مشهور فلم ينكر عليهم عمر رضي اهللا عنه هجومهم وإن كان حدهم عند ع .القذف عند قصور الشهادة

والضرب الثاين ما خرج عن هذا احلد وقصر عن حد هذه الرتبة، فال جيوز التجسس عليه وال كشف .األستار عنه

راب ويوقدون يف أخصاص فقال يتكم دخل على قوم يتعاقرون على ش: حكي أن عمر رضي اهللا عنهعن املعاقرة فعاقرمت ويتكم عن اإليقعاد يف األخصاص فأوقدمت، فقالوا يا أمري املؤمنني قد اك اهللا عن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 202

هاتان اتني، : التجسس فتجسست واك عن الدخول بغري إذن فدخلت، فقال عمر رضي اهللا عنهمنكرة من دار تظاهر أهلها بأصوام أنكرها خارج وانصرف ومل يتعرض هلم فمن مسع أصوات مألة

.الدار ومل يهجم عليه بالدخول، ألن املنكر ظاهر وليس على أن يكشف عما سواه من الباطن

وأما املعامالت املنكرة كالزنا والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه مع تراضي املتعاقدين به إذا كان متفقاً إنكاره واملنع منه والزجر عليه وأمره يف التأديب خمتلف حبسب األحوال على حظره فعلى وايل احلسبة

.وشدة احلظر

وأما اختلف الفقهاء يف حظره وإباحته فال مدخل له يف إنكاره إال أن يكون مما ضعف اخلالف فيه وكان على حترميه، ذريعة إىل حمظور متفق عليه كربا النقد فاخلالف فيه ضعيف وهو ذريعة إىل ربا النساء املتفق

.فهل يدخل يف إنكاره حبكم واليته أم ال؟ على ما قدمنا من الوجهني

ويف معىن املعامالت وإن مل تكن منها عقود املناكح احملرمة ينكرها إن اتفق العلماء على حظرها، وال ور يتعرض إلنكارها إن اختلف الفقهاء فيها إال أن يكون مما ضعف اخلالف فيه وكان ذريعة إىل حمظ

متفق عليه كاملتعة فرمبا صارت ذريعة إىل استباحة الزنا، ففي إنكاره هلا وجهان، وليكن بدل إنكاره هلا .الترغيب يف العقود املتفق عليها

. ومما يتعلق باملعامالت غش املبيعات وتدليس األمثان فينكره ومينع منه ويؤدب عليه حبسب احلال فيه

".ليس منا من غش : " م أنه قالوروي عن النيب صلى اهللا عليه وسل

فإن كان هذا الغش تدليساً على املشتري وخيفى عليه فهو أغلظ الغش حترمياً وأعظمها مأمثاً فاإلنكار عليه أغلظ والتأديب عليه أشد، وإن كان ال خيفى على املشتري كان أخف مأمثاً وألني إنكاراً، وينظر يف

جه اإلنكار على البائع لغشه وعلى املشتري بابتياعه، ألنه قد يبيعه مشتريه، فإن اشتراه ليبيعه من غريه توملن ال يعلم بغشه؛ فإن كان يشتريه ليستعمله خرج املشتري من مجلة اإلنكار وتفرد البائع وحده،

.وكذلك القول يف تدليس األمثان

.ليسومينع من تصرية املواشي وحتفيل ضروعها عند البيع للنهي عنه فإنه نوع من التد

ومما هو عمدة نظره املنع من التطفف والبخس يف املكاييل واملوازين والصنجات لوعيد اهللا تعاىل عليه عند وجيوز له إذا استراب مبوازين السوقة ومكاييلهم أن . يه عنه، وليكن األدب عليه أظهر واملعاقبة فيه أكثر

روف بني العامة ال يتعاملون إال به كان أحوط خيتربها ويعايرها ولو كان له على ما عايره منها طابع مع .وأسلم

أحدمها : فإن فعل ذلك وتعامل قوم بغريما طبع بطابعه توجه اإلنكار عليهم إن كان مبخوساً من وجهني

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 203

ملخالفته يف العدول عن مطبوعه وإنكاره من احلقوق السلطانية والثاين للبخس والتطفيف يف احلق وإنكاره ية، فإن كان ما تعاملوا به من غري املطبوع سليماً من خبس ونقص توجه اإلنكار عليهم من احلقوق الشرع

حبق السلطنة وحدها ألجل املخالفة، وإن زور قوم على طابعه كان املزور فيه كاملبهرج على طابع يف حق أحدمها : الدراهم والدنانري فإن قرن التزوير بغش كان اإلنكار عليه والتأديب مستحقاً من وجهني

والثاين من جهة الشرع يف الغش وهو أغلظ التكوين، وإن سلم التزوير من . السلطنية من جهة التزويرغش تفرد باإلنكار السلطاين منهما فكان أحقهما، وإذا اتسع البلد حىت احتاج أهله فيه كيالني ووزانني

اء الثقات وكانت أجورهم من ونقادين ختريهم احملتسب ومنع أن ينتدب لذلك إال من ارتضاه من األمنبيت املال إن اتسع هلا، فإن ضاق عنها قدرها هلم حىت ال جيري بينهم فيها استزادة وال نقصان فيكون

وقد كان األمراء يقومون باختيارهم وترتيبهم . ذلك ذريعة إىل املمايلة والتحيف يف مكيل أو موزونلط م غريهم ممن ال تؤمن وساطته، فإن ظهر من أحد لذلك ويثبتوم بأمسائهم يف الدواوين حىت ال خيت

هؤالء املختارين للكيل والوزن حتيف يف تطفيف أو ممايلة يف زيادة أدب وأخرج عن مجلة املختارين ومنع أن يتعرض للوساطة بني الناس وكذلك القول يف اختيار الداللني يقر منهم األمناء ومينع اخلونة، وهذا مما

.سبة إن قعد عنه األمراءيتواله والة احل

وأما اختيار القسام والزراع فالقضاة أحق باختيارهم من والة احلسبة ألم قد يستنابون يف أموال األيتام .والغري

وأما اختيار احلراسيني يف القبائل واألسواق فإىل احلماة وأصحاب املعاون وإذا وقع يف التطفيف ختاصم مع اخلصم فيه جتاحد وتناكر، فإن أفضى إىل جتاحد وتناكر كان القضاة جاز أن ينظر احملتسب إن مل يكن

أحق بالنظر فيه من والة احلسبة ألم باألحكام أحق وكان التأديب فيه إىل احملتسب، فإن تواله احلاكم ه ومما ينكره احملتسب يف العموم وال ينكره يف اخلصوص واآلحاد التبايع مبا مل يألف. جاز التصاله حبكمهم

أهل البلد من املكاييل واألوزان اليت ال تعرف فيه وإن كانت معروفة يف غريه، فإن تراضى ا اثنان مل يعترض عليهما باإلنكار واملنع، ومينع أن يرتسم ا قوم من العموم ألنه قد يعاملهم فيها من ال يعرفها

.فيصري مغروراً

تعدى رجل يف حد جلاره أو يف حرمي لداره أو يف وضع وأما ما ينكر من حقوق اآلدميني احملضة فمثل أن يأجذاع على جداره فال اعتراض للمحتسب فيه ما مل يستعده اجلار ألنه حق خيصه فيصح منه العفو عنه واملطالبة به، فإن خاصمه فيه كان للمحتسب النظر فيه إن مل يكن بينهما تنازع وتناكل وأخذ املتعدي

به عليه حبسب شواهد احلال، فإن تنازعا كان احلاكم بالنظر فيه أحق، ولو أن بإزالة تعديه وكان له تأدياجلار أقر جاره على تعديه وعفا عن مطالبته دم ما تعدى فيه مث عاد مطالباً بعد ذلك كان له ذلك وأخذ

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 204

رجع اجلار املتعدي بعد العفو عنه يف هدم ما بناه، ولو كان قد ابتدأ البناء ووضع األجذاع بإذن اجلار مثيف إذنه مل يؤخذ الثاين دمه، لو انتشرت أغصان الشجرة إىل دار جاره كان للجار أن يستعدي احملتسب

حىت يعديه على صاحب الشجرة ليأخذه بإزالة ما انتشر من أغصاا يف داره وال تأديب عليه، ألن يف قرار أرض اجلار مل انتشارها ليس من فعله، ولو انتشرت عروق الشجرة حتت األرض حىت دخلت

يؤخذ بقلعها ومل مينع اجلار من التصرف يف قرار أرضه وإن قطعها وإذا نصب املالك تنوراً يف داره فتأذى اجلار بدخانه مل يعترض عليه ومل مينع منه، وكذلك لو نصب يف داره رحى أو وضع فيها حدادين أو

ا وما جيد الناس من مثل هذا بداً وإذا تعدى قصارين مل مينع ألن للناس التصرف بأمالكهم مبا أحبومستأجر على أجري يف نقصان أجره أو استزادة عمل كفه عن تعديه وكان اإلنكار عليه معترباً بشواهد

حاله، ولو قصر األجري يف حق املستأجر فنقصه من العمل أو استزاده يف األجرة منعه منه وأنكره عليه إذا .ناكرا كان احلاكم بينهما أحقختاصما إليه، فإن اختلفا وت

منهم من يراعي عمله يف : ومما يؤخذ والة احلسبة مبراعاته من أهل الصنائع يف األسواق ثالثة أصناف .الوقور والتقصري، ومنهم من يرعى حاله يف األمانة واخليانة، ومنهم من يراعي عمله يف اجلودة والرداءة

الطبيب واملعلمني ألن الطبيب إقداماً على النفوس يفضي إىل فأما من يراعي يف الوقور والتقصري فكالتقصري فيه إىل تلف أو سقم، وللمعلمني من الطرائق اليت ينشأ الصغار عليها ما يكون نقلهم عنها بعد الكرب عسرياً فيقر منهم من توفر عمله وحسنت طريقته ومينع من قصر وأساء من التصدي ملا يفسد به

. اآلدابالنفوس وختبث به

وأما من يراعي حاله يف األمانة واخليانة فمثل الصاغة واحلاكة والقصارين والصباغني ألم رمبا هربوا بأموال الناس، فرياعي أهل الثقة واألمانة منهم فيقرهم ويبعد من ظهرت خيانته ويشهر أمره لئال يغتر به

ر يف أحوال هؤالء من والة احلسبة وهو من ال يعرفه، وقد قيل إن احلماة ووالة املعاون أخص بالنظ .األشبه، ألن اخليانة تابعة للسرقة

وأما من يراعي عمله يف اجلودة والرداءة فهو مما ينفرد بالنظر فيه والة احلسبة، وهلم أن ينكروا عليهم يف ساد وأما يف عمل خمصوص اعتاد الصانع فيه الع. العموم فساد العمل ورداءته وإن مل يكن فيه مستعد

والتدليس فإذا استعداه اخلصم قابل عليه باإلنكار والزجر، فإن تعلق بذلك غرم روعي حال الغرم، فإن افتقر إىل تقدير أو تقيم مل ميكن للمحتسب أن ينظر فيه الفتقاره إىل اجتهاد حكمي وكان القاضي بالنظر

ال اجتهاد فيه، وال تنازع فللمحتسب فيه أحق، وإن مل يفتقر إىل تقدير وال تقومي واستحق فيه املثل الذي .أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتأديب على فعله ألنه أخذ بالتناصف وزجر عن التعدي

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 205

وال جيوز أن يسعر على الناس األقوات وال غريها يف رخص وال غالء وأجازه مالك يف األقوات مع .الغالء

ىل وحقوق اآلدميني فكاملنع من اإلشراف على منازل وأما ما ينكر من احلقوق املشتركة بني حقوق اهللا تعاالناس، وال يلزم من عال بناؤه أن يستر سطحه وإمنا يلزم أن ال يشرف على غريه ومينع أهل الذمة من

تعلية أبنيتهم على أبنية املسلمني، فإن ملكوا أبنية عالية أقروا عليها ومنعوا من اإلشراف منها على ا شرط عليهم يف ذمتهم من لبس الغيار واملخالفة يف اهليئة وترك ااهرة بقوهلم يف املسلمني وأهل الذمة مب

العزير ومينع عنهم من تعرض هلم من املسلمني بسب أو أذى، ويؤدب عليه من خالف فيه، وإذا كان يف و احملاجات أئمة املساجد السابلة واجلوامع اجلفلة من يطيل الصالة حىت يعجز عنها الضعفاء وينقطع ا ذو

أنكر ذلك عليه كما أنكره رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على معاذ بن جبل حني أطال الصالة بقومه ".أفتان أنت يا معاذ : " وقال

.فإن أقام على اإلطالة ومل ميتنع منها مل جيز أن يؤديه عليها ولكن يستبدل به من خيففها

ه وميتنع من النظر بينهم إذا حتاكموا إليه حىت تقف وإذا كان يف القضاة من جيب اخلصوم إذا قصدواألحكام ويستضر اخلصوم فللمحتسب أن يأخذه مع ارتفاع األعذار مبا ندب له من النظر بني املتحاكمني

.وفصل القضاة بني املتنازعني، وال مينع علو رتبته من إنكار ما قصر فيه

بدار أيب عمر بن محاد وهو يومئذ قاضي القضاة فرأى قد مر إبراهيم بن بطحاء ويل احلسبة جبانيب بغداداخلصوم جلوساً على بابه ينتظرون جلوسه للنظر بينهم وقد تعاىل النهار وجرت الشمس، فوقف

تقول لقاضي القضاة اخلصوم جلوس على الباب وقد بلغتهم الشمس وتأذوا : واستدعى حاجبه وقالفيصرفوا غداً ويعودوا، وإذا كان يف سادة العبيد من باالنتظار، فإما جلست هلم أو عرفتهم عذرك

يستعملهم فيما ال يطيقون الدوام عليه كان منعهم واإلنكار عليهم موقوفاً على استعداد العبيد على وجه .اإلنكار والعظة فإذا استعدوه منع حينئذ وزجر

نكره احملتسب عليه ومنعه منه، وإن وإذا كان من أرباب املواشي من يستعملها فيما ال تطيق الدوام عليه أمل يكن فيه مستعد إليه، فإن أدعى املالك احتمال البهيمة ملا يستعملها فيه جاز للمحتسب أن ينظر فيه

ألنه وإن افتقر إىل اجتهاد فهو عريف يرجع فيه إىل عرف الناس وعادام، وليس باجتهاد شرعي واحملتسب وإذا استعداه العبد يف امتناع سيده من كسوته . ع من اجتهاد الشرعال ميتنع من اجتهاد العرف وإن امتن

ونفقته جاز أن يأمره ما ويأخذه بالتزامهما، ولو استعداه من تقصري سيده فيهما مل يكن له يف ذلك نظر وال إلزام ألنه حيتاج يف التقدير إىل اجتهاد شرعي، وال حيتاج يف التزام األصل إىل اجتهاد شرعي، ألن

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 206

.لتقدير منصوص عليه ولزومه غري منصوص عليها

وللمحتسب أن مينع أرباب السفن من محل ما ال تسعه وخياف منه غرقها، وكذلك مينعهم من املسري عند وإذا محل فيها الرجال والنساء حجز بينهم حبائل وإذا اتسعت السفن نصب للنساء خمارج . اشتداد الريح

.للرباز لئال يتربجن عند احلاجة

وإذا كان يف أسهل األسواق من خيتص مبعاملة النساء راعى احملتسب سريته وأمانته فإذا حتققها منه أقره على معاملتهن، وإذا ظهرت منه الريبة وبان عليه الفجور منعه من معاملتهن وأدبه على التعرض هلن، وقد

.سبة ألنه من توابع الزناقيل إن احلماة ووالة املعاون أخص بإنكار هذا واملنع منه من والة احل

وينظر إىل احلسبة يف مقاعد األسواق فيقر منها ما ال ضرر فيه على املارة ومينع ما استضر به املارة، وال .يقف منعه على االستعداد إليه، وجعله أبو حنيفة موقوفاً على االستعداء إليه

دم ما بنوه ولو كان املبىن مسجداً ألن وإذا بىن قوم يف طريق سابل منع منه، وإن اتسع الطريق يأخذهم .مرافق الطرق للساوك ال لألبنية

وإذا وضع الناس األمتعة واآلالت األبنية يف مسالك الشوارع واألسواق ارتفاقاً لينقلوه حاالً بعد حال سبطة مكنوا منه إن مل يستضر به املارة، ومنعوا منه إن استضروا به وهكذا القول يف إخراج األجنحة واأل

وجماري املياه وآبار احلشوش يقر ما ال يضر ومينع ما ضر وجيتهد احملتسب رأيه فيما ضر وما مل يضر ألنه والفرق بني االجتهادين أن االجتهاد الشرعي ما روعي فيه أصل ثبت : من االجتهاد العريف دون الشرعي

ويوضح الفرق بينهما بتمييز ما حكمه بالشرع واالجتهاد العريف ما روعي فيه أصل ثبت حكمه بالعرف، ولوايل احلسبة أن مينع من نقل املوتى من قبورهم . يسوغ فيه اجتهاد احملتسب مما هو ممنوع االجتهاد فيه

واختلف . ملك أو مباح إال من أرض خمصوبة فيكون ملالكها أن يأخذ من دفنه فيها بنقله منها. إذا دفنوا .و ندى فجوزه الزبريي وأباه غريهيف جواز نقلهم من أرض قد حلقها سيل أ

ومينع من خصاء اآلدميني والبهائم ويؤدب عليه وإن استحق فيه قود أو دية استوفاه ملستحقه ما مل يكن .فيه تناكر وتنازع

وال ميتنع من . ومينع من خضاب الشيب بالسواد إال للمجاهدة يف سبيل اهللا، ويؤدب من يصبغ به للنساءوهذا فضل . تم، ومينع من التكسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه اآلخذ واملعطياخلضاب باحلناء والك

.وفيما ذكرناه من شواهد دليل على ما أغفلناه. يطول أن يبسط ألن املنكرات ال ينحصر عددها فتستويف

واحلسبة من قواعد األمور الدينية، وقد كان أئمة الصدر األول يباشروا بأنفسهم لعموم صالحها يل ثواا، ولكن ملا أعرض عنها السلطان وندب هلا من هان وصارت عرضة للتكسب وقبول الرشا وجز

ألن أمرها وهان على الناس خطرها، وليس إذا وقع اإلخالل بقاعدة سقط حكمها، وقد أغفل الفقهاء

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 207

لفقهاء أو عن بيان أحكامها ما مل جيز اإلخالل به وإن كان أكثر كتابنا هذا يشتمل على ما قد أغفله ا .قصروا فيه فذكرنا ما أغفلوه واستوفينا ما قصروا فيه

.وأنا أسأل اهللا توفيقاً ملا توخيناه وعوناً على ما نويناه مبنه ومشيئته، وهو حسيب ونعم الوكيل

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 208

الفهرس

2.......................................................................................الباب األول

2....................................................................................يف عقد اإلمامة

15.....................................................................................الباب الثاين

15.................................................................................يف تقليد الوزارة

22....................................................................................الباب الثالث

22......................................................................يف تقليد اإلمارة على البالد

26.....................................................................................الرابعالباب

26.....................................................................يف تقليد اإلمارة على اجلهاد

42...................................................................................الباب اخلامس

42..................................................................يف الوالية على حروب املصاحل

42................................................................................الفصل األول

42..............................................................................قتال أهل الردة

45................................................................................الفصل الثاين

45...........................................................................يف قتال أهل البغي

48...............................................................................الفصل الثالث

48................................................يف قتال من امتنع من احملاربني وقطاع الطرق

50..................................................................................الباب السادس

50.................................................................................يف والية القضاء

60....................................................................................الباب السابع

60..................................................................................يف والية املظامل

74...........................................................فصل يف توقيعات الناظر يف املظامل

76....................................................................................الباب الثامن

76...............................................................يف والية النقابة على ذوي النسب

79....................................................................................الباب التاسع

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 209

79................................................................يف الواليات على إمامة الصلوات

85....................................................................................الباب العاشر

85.............................................................................يف الوالية على احلج

90..............................................................................الباب احلادي عشر

90..............................................................................يف والية الصدقات

100...............................................................................الباب الثاين عشر

100.........................................................................يف قسم الفيء والغنيمة

113.............................................................................الباب الثالث عشر

113........................................................................جلزية واخلراجيف وضع ا

125..............................................................................الباب الرابع عشر

125..................................................................فيما ختتلف أحكامه من للبالد

141............................................................................الباب اخلامس عشر

141...............................................................يف إحياء املوات واستخراج املياه

147............................................................................الباب السادس عشر

147.............................................................................حلمى واألرفاقيف ا

151.............................................................................الباب السابع عشر

151.............................................................................يف أحكام اإلقطاع

158..............................................................................الباب الثامن عشر

158................................................................يف وضع الديوان وذكر أحكامه

174.............................................................................الباب التاسع عشر

174..............................................................................مرائيف أحكام اجل

177...............................................................................الفصل األول

178................................................................................يف حد الزنا

180...............................................................................الفصل الثاين

180................................................................................قطع السرقة

181..............................................................................الفصل الثالث

181...............................................................................يف حد اخلمر

املاوردي-األحكام السلطانية والواليات الدينية 210

182...............................................................................ابعالفصل الر

182.....................................................................يف حد القذف واللعان

183.............................................................................الفصل اخلامس

183....................................................................يف قود اجلنايات وعقلها

188............................................................................الفصل السادس

188.....................................................................................التعزير

190................................................................................الباب العشرون

191...............................................................................يف أحكام احلسبة

208........................................................................................الفهرس

To PDF: www.al-mostafa.com