١

وزارة التعليم

جامعة امللك سعود

كلية الرتبية

قسم الدراسات اإلسالمية

الدراسات العليا

-سلم٦٠٦مقرر

ختصص عقيدة -دكتوراه -املستوى الثاين

الفصل الدراسي الثاين

إعداد

أ.د/هيا بنت إمساعيل بن عبد العزيز آل الشيخ

٢

بسم هللا الرمحن الرحيم

مقدمة البحث

� حنمـــــــــــده ونســـــــــــتعينه ونســـــــــــتـغفره ونـعـــــــــــوذ �� مـــــــــــن شـــــــــــرور احلمـــــــــــد

ـــــــن ـــــــه وم ـــــــال مضـــــــل ل ف ـــــــده ا� ـــــــن يـه ـــــــا م ـــــــن ســـــــيئات أعمالن فســـــــنا وم أنـ

وحــــــــده ال شــــــــر ــــــــه إال ا� ــــــــه وأشــــــــهد أن ال إل ــــــــال هــــــــادي ل يك يضــــــــلل ف

له وأن حممدا عبده ورسوله، أما بـعد:

لفلســـــــــــفة مـــــــــــن احملـــــــــــاوالت فـــــــــــإن حماولـــــــــــة اجلمـــــــــــع أو التوفيـــــــــــق بـــــــــــني الـــــــــــدين وا

ـــــــــو�ن قـــــــــدميا فقـــــــــد اغـــــــــرت هـــــــــؤالء بعقـــــــــوهلم، ،القدميـــــــــة قـــــــــام �ـــــــــا فالســـــــــفة الي

فكـــــــــــان نتيجـــــــــــة هـــــــــــذه احملاولـــــــــــة ؛ وأخـــــــــــذوا يشـــــــــــرعون الشـــــــــــرائع يف كـــــــــــل فـــــــــــن

ــــــــــــــــف ال ــــــــــــــــب الســــــــــــــــماوية الســــــــــــــــابقة حتري ــــــــــــــــل، وعمــــــــــــــــ كت ومالتــــــــــــــــوراة واإلجني

تلك الد��ت، وتسرب إليها اإلحلاد.يف الفوضى الفكرية

تــــــــبعهم علــــــــى حماولــــــــة التوفيــــــــق كــــــــل مــــــــن حــــــــاد عــــــــن الطريــــــــق املســــــــتقيم قــــــــد و

شـــــــــــــهداء صــــــــــــراط الــــــــــــذين أنعـــــــــــــم هللا علــــــــــــيهم مــــــــــــن النبيـــــــــــــني والصــــــــــــديقني وال

ء البشــــــــــــرية مبــــــــــــا وعنــــــــــــدما اصــــــــــــطدمت تلــــــــــــك اآلراوحســــــــــــن أولئــــــــــــك رفيقــــــــــــا،

الـــــــــــدين اجلمـــــــــــع بـــــــــــني مـــــــــــن ســـــــــــبقهم ،بـــــــــــه الرســـــــــــل قـــــــــــالوا: بفكـــــــــــرة تجـــــــــــاء

ـــــــــــــدين اإلســـــــــــــالمي عمليـــــــــــــة التوفيـــــــــــــق بـــــــــــــني ا وقـــــــــــــدالفلســـــــــــــفة، ســـــــــــــالمياإل ل

ــــــــــــب الفلســــــــــــفية والفلســــــــــــفة ــــــــــــري مــــــــــــن الكت مــــــــــــع حركــــــــــــة نقــــــــــــل وترمجــــــــــــة الكث

-واملنطقيــــــــــــــة مــــــــــــــن الســــــــــــــر�نية واليو�نيــــــــــــــة والفارســــــــــــــية إىل اللغــــــــــــــة العربيــــــــــــــة،

ــــــــب أرســــــــطو ــــــــى عقيــــــــدة -خاصــــــــة كت ــــــــر خطــــــــري عل ــــــــث كــــــــان لرتمجتهــــــــا أث حي

ــــــــون وختمينــــــــات -كــــــــل مــــــــن حــــــــاول مــــــــزج الفلســــــــفة الــــــــيت تشــــــــتمل علــــــــى ظن

وطالســـــــــــم لفظيـــــــــــة ال حقيقـــــــــــة وال معـــــــــــىن هلـــــــــــا �لـــــــــــدين اإلســـــــــــالمي، وهلـــــــــــذا

قــــــــــال العالمــــــــــة ابــــــــــن خلــــــــــدون بعــــــــــد حديثــــــــــه عــــــــــن أرســــــــــطو ومنزلتــــــــــه عنــــــــــد

الفالســــــــــفة "مث كــــــــــان مــــــــــن بعــــــــــده يف اإلســــــــــالم مــــــــــن أخــــــــــذ بتلــــــــــك املــــــــــذاهب

واتبـــــــــع فيهـــــــــا رأيـــــــــه حـــــــــذو النعــــــــــل �لنعـــــــــل إال يف القليـــــــــل، وذلـــــــــك أن كتــــــــــب

أولئــــــــــك املتقــــــــــدمني ملــــــــــا ترمجهــــــــــا اخللفــــــــــاء مــــــــــن بــــــــــين العبــــــــــاس مــــــــــن اللســــــــــان

٣

العــــــــــريب تصــــــــــفحها الكثــــــــــري مــــــــــن أهــــــــــل امللــــــــــة، وأخــــــــــذ اليــــــــــو�ين إىل اللســــــــــان

ـــــــــوم وجـــــــــادلوا عنهـــــــــا واختلفـــــــــوا مـــــــــذاهبهم مـــــــــن أضـــــــــله هللا مـــــــــن منتحلـــــــــي العل

يعهــــــــا وكــــــــان مــــــــن أشــــــــهرهم أبــــــــو نصــــــــر الفــــــــارايب وأبــــــــو يف مســــــــائل مــــــــن تفــــــــا ر

ــــــــــن ســــــــــينا" يفــــــــــوق ،األرســــــــــطيةحيــــــــــث كــــــــــا� إميا�مــــــــــا �لفلســــــــــفة )١(علــــــــــي اب

إميا�مـــــــــــا �لـــــــــــدين اإلســـــــــــالمي، ولكـــــــــــن خوفهمـــــــــــا مـــــــــــن احملـــــــــــيط اإلســـــــــــالمي

ــــــــه جعلهمــــــــا يبــــــــذالن اجلهــــــــد الكبــــــــري للتوفيــــــــق بــــــــني اللــــــــذين كــــــــا� يعيشــــــــان في

الــــــــــــدين اإلســــــــــــالمي والفلســــــــــــفة ولكــــــــــــن توفيقهمــــــــــــا كــــــــــــان تلفيقــــــــــــا، وحتريفــــــــــــا

لنصـــــــــــوص الكتـــــــــــاب والســـــــــــنة وانتصـــــــــــارا للفلســـــــــــفة علـــــــــــى حســـــــــــاب الـــــــــــدين،

النصـــــــــــــــــوص الشـــــــــــــــــرعية علـــــــــــــــــى حســـــــــــــــــاب اآلراء وذلـــــــــــــــــك أل�مـــــــــــــــــا فســـــــــــــــــرا

الفلســــــــــفية، فحرفوهــــــــــا عــــــــــن داللتهــــــــــا احلقيقيــــــــــة، بــــــــــل إن ابــــــــــن ســــــــــينا جعــــــــــل

مرتبــــــــــة الفلســــــــــفة أعلــــــــــى مــــــــــن مرتبــــــــــة النبــــــــــوة، وزعــــــــــم أن النصــــــــــوص الشــــــــــرعية

ـــــــــــل، وتعرضـــــــــــوا رمـــــــــــوزا وإشـــــــــــارات ملعـــــــــــان فلســـــــــــفية، فقـــــــــــد أســـــــــــرفوا يف التأوي

واملعــــــــــاد ؛ وهلــــــــــذا ملســــــــــائل مل يتعــــــــــرض هلــــــــــا غــــــــــريهم مــــــــــن املــــــــــؤولني كــــــــــالنبوات

قــــــــــال شــــــــــيخ اإلســــــــــالم ابــــــــــن تيميــــــــــة :"ولكــــــــــن ابــــــــــن ســــــــــينا وأمثالــــــــــه خلطــــــــــوا

كالمهــــــــــم يف اإلهليــــــــــات وصــــــــــار ابــــــــــن ســــــــــينا وابــــــــــن رشــــــــــد احلفيــــــــــد وأمثاهلمــــــــــا

يقربــــــــــــــون أصــــــــــــــول هــــــــــــــؤالء األنبيـــــــــــــــاء، ويظهــــــــــــــرون أن أصــــــــــــــوهلم ال ختـــــــــــــــالف

الشــــــــــرائع النبويــــــــــة، وهــــــــــم يف البــــــــــاطن يقولــــــــــون: إن مــــــــــا أخــــــــــربت بــــــــــه الرســــــــــل

ن اليــــــــــوم اآلخــــــــــر ال حقيقــــــــــة لــــــــــه يف نفــــــــــس األمــــــــــر وإمنــــــــــا هــــــــــو عــــــــــن هللا وعــــــــــ

ــــــــك ــــــــه يف ذل ــــــــال مضــــــــروبة لتفهــــــــيم العامــــــــة مــــــــا ينتفعــــــــون ب ــــــــل وأمث ــــــــل ومتثي ختيي

.)٢(بزعمهم، وإن كان خمالفا للحق يف نفس األمر"

ومبـــــــــا أن هللا تعــــــــــاىل قــــــــــد أخــــــــــرب� يف كتابــــــــــه العزيــــــــــز أنــــــــــه قــــــــــد تكفــــــــــل حبفــــــــــظ

ــــــــــه ت ــــــــــف بقول ــــــــــديل والتحري ــــــــــدين مــــــــــن التب ــــــــــن نـزلنــــــــــا عــــــــــاىل: هــــــــــذا ال {إ� حن

هـ ، ١٤١٥ ١ط –حتقيق : درويش اجلويدي – ١١٥ص –. مقدمة ابن خلدون ١

بريوت . –املكتبة العصرية –م ١٩٩٥ حتقيق : د/حممد رشاد سامل . – ١/٢٣٧ –الصفدية .٢

٤

قــــــــــيض هللا لدينـــــــــــه يف كـــــــــــل فقـــــــــــد٩الــــــــــذكر وإ� لـــــــــــه حلـــــــــــافظون }احلجــــــــــر

ـــــــه مـــــــن علمـــــــاء هـــــــذه األمـــــــة، فاإلمـــــــام الغـــــــزايل زمـــــــان ومكـــــــان مـــــــن يـــــــدافع عن

ــــــــــــــف بــــــــــــــذلك كتــــــــــــــاب �افــــــــــــــت ــــــــــــــني بــــــــــــــدعمهم يف عشــــــــــــــرين مســــــــــــــالة وأل ب

وهي:الفالسفة، كفرهم يف املسائل الثالث املشهورة عنهم

قوهلم: بقدم العامل -١

قوهلم: بعدم علم هللا �جلزيئات. -٢

قوهلم: حبشر األرواح دون األجساد. -٣

كما بدعهم يف السبعة عشر الباقية.

ـــــــــر الصـــــــــحيح مـــــــــن ردود الغـــــــــزايل ـــــــــن تيميـــــــــة أق وملـــــــــا جـــــــــاء شـــــــــيخ اإلســـــــــالم اب

ـــــــــه؛ وهلـــــــــذا ـــــــــا القـــــــــول الصـــــــــحيح مكان وأكمـــــــــل النـــــــــاقص، وأبطـــــــــل اخلطـــــــــأ مبين

ــــــــــه فــــــــــدحض أقــــــــــواهلم وبــــــــــني ؛ضــــــــــوح املــــــــــنهج وقــــــــــوة االســــــــــتدالليف و زاد علي

فساد آراءهم مستدال على فساد ما قالوه �لعقل والنقل.

٥

املسألة الثالثة

ثالثة فصول رواح دون األجسادقول الفالسفة: حبشر األ -

ــــــــــــة هلــــــــــــذه املســــــــــــألة. - (أفالطون وفيه مباحــــــــــــثالفصــــــــــــل األول: اجلــــــــــــذور التارخيي

وارسطو)أمنوذج

النفس عند أفالطون-املبحث األول:

النفس عند أرسطو -املبحث الثاين:

الفارايب وابن سينا ومسألة حشر األرواح دون األجساد وفيه مبحثني-الفصل الثاين:

ملبحث األول: رأي الفارايب وابن سينا يف مسألة حشر األرواح دون األجساد.ا

مسألة حشر األرواح دون األجساد.املبحث الثاين: أدلة الفارايب وابن سينا يف

موقف الغزالي من الفالسفة في مسألة حشر األرواح دون -:الفصل الثالث

-:وفیھ مبحثان األجساد

املبحث األول: عقيدة الغزايل يف هذه املسألة.

.املبحث الثاين: عرض الغزايل آلراء الفالسفة وأدلتهم يف هذه املسائلة ورده عليهم

ابن رشد والغزالي وفیھ مبحثان: بین:الفصل الرابع

املبحث األول: موقف ابن رشد من مسألة حشر األرواح دون األجساد.

املبحث الثاين: دفاع ابن رشد عن الفالسفة ورده على الغزايل يف هذه املسألة.

بین ابن تیمیة والفالسفة في مسألة حشر األرواح دون -:الفصل اخلامس

األجساد. وفیھ مبحثان: األول: رأي ابن تيمية يف مسألة حشر األرواح دون األجساد. املبحث

املبحث الثاين: رد ابن تيمية على الفالسفة يف مسألة حشر األرواح دون األجساد.

٦

املبحث األول

أفالطون النفس عند

متتــــــــــد جــــــــــذور هــــــــــذه املســــــــــألة إىل مــــــــــا قبــــــــــل املــــــــــيالد بســــــــــنني طويلــــــــــة حيــــــــــث

أصــــــــــــحاب الفكــــــــــــر الفلســــــــــــفي القــــــــــــدمي تكلــــــــــــم يف طبيعــــــــــــة ومصــــــــــــري الــــــــــــنفس

ــــــــــو�ن وخاصــــــــــة كــــــــــل مــــــــــن أفالطــــــــــون وأرســــــــــطو، وهلــــــــــذا ــــــــــذي ظهــــــــــر يف الي ال

سوف نبدأ مبا قاله أفالطون أوال ومن مث تلميذه أرسطو .

أوال: أفالطون والنفس اإلنسانية.

طبيعة النفس عند أفالطون.-

فإن طبيعة النفس عند أفالطون مزدوجة وتنطوي على صــــــــــــراع مصــــــــــــدره اختال

مكو��ا، فالنفس اإلنسانية حصيلة ثالث قوى وهي:

العقل الذي مييل إىل اخلري. )١

الشهوة اليت تسعى دائما إىل إرضاء احلاجات املادية. )٢

ــــــــــــيت تنحــــــــــــاز إىل أحــــــــــــد الطــــــــــــرفني وهــــــــــــي احلمــــــــــــاس )٣ القــــــــــــوة الوســــــــــــيطة ال

.)١(والغضب

وهلـــــــــــذا فاإلنســـــــــــان عنـــــــــــد أفالطـــــــــــون كـــــــــــائن ذو طبيعـــــــــــة ثنائيـــــــــــة، فهـــــــــــو مبالـــــــــــه

ــــــــــه مــــــــــن جســــــــــد مــــــــــن ن ــــــــــد، ومبال ــــــــــي اإلهلــــــــــي اخلال فــــــــــس ينتمــــــــــي للعــــــــــامل العقل

ينتمـــــــــــــي إىل العـــــــــــــامل الفـــــــــــــان، وحقيقتـــــــــــــه وجـــــــــــــوهره هـــــــــــــو الـــــــــــــنفس اإلنســـــــــــــانية

ـــــــــــــك يقـــــــــــــول: "إن ـــــــــــــدة ويف ذل الـــــــــــــذي طبيعتهـــــــــــــا مـــــــــــــن طبيعـــــــــــــة اآلهلـــــــــــــة اخلال

ـــــــــــد، و�ملعقـــــــــــول ـــــــــــى أشـــــــــــد مـــــــــــا يكـــــــــــون الشـــــــــــبه �إلهلـــــــــــي، و�خلال ـــــــــــروح عل ال

ــــــــــل، ــــــــــذي الصــــــــــورة الواحــــــــــدة وبغــــــــــري التحل ــــــــــى أشــــــــــد مــــــــــا وب وإن اجلســــــــــد عل

دار الكتاب –م ١٩٦٨ –ترمجة فؤاد زكر� – ٤٤٣ص –. انظر : مجهورية أفالطون ١

بريوت . –العريب

٧

يكـــــــــــــون الشـــــــــــــبه �إلنســـــــــــــاين، و�لفـــــــــــــاين وبغـــــــــــــري العقـــــــــــــول، وبـــــــــــــذى الصـــــــــــــور

.)١(املتعددة و�ملتحلل، و�ملتحول"

ـــــــــــروح بعـــــــــــد املـــــــــــوت تتجمـــــــــــع يف نفســـــــــــها ويقـــــــــــول يف موضـــــــــــع آخـــــــــــر: "إن ال

ـــــــــــتخلص مـــــــــــن أدران النـــــــــــاس وســـــــــــخفهم لتعـــــــــــيش وترتفـــــــــــع عـــــــــــن اجلســـــــــــد، وت

.)٢(مع اآلهلة إىل األبد"

ــــــــنفس وقــــــــدمها �دلــــــــة عقليــــــــة ــــــــود ال ومــــــــن جهــــــــة أخــــــــرى أكــــــــد أفالطــــــــون خل

فلســـــــــــــته يف هـــــــــــــذه كـــــــــــــان لف -يف حمـــــــــــــاورة فيـــــــــــــدون–تثبـــــــــــــت هـــــــــــــذا اخللـــــــــــــود

يف توجيــــــــــــه الفالســــــــــــفة األثــــــــــــر األكـــــــــــرباملســـــــــــألة خاصــــــــــــة ويف غريهـــــــــــا عامــــــــــــة

لخص فيما يلي:وتتمن بعده

إن الـــــــــــنفس مـــــــــــا دامـــــــــــت تـــــــــــدرك املثـــــــــــل العقليـــــــــــة اخلالـــــــــــدة فطبيعتهـــــــــــا مماثلـــــــــــة

مثلهــــــــــا، ال تتعـــــــــــرض يف لطبيعــــــــــة مــــــــــا تدركـــــــــــه، فهــــــــــي إذن بســــــــــيطة الرتكيـــــــــــب

للفســــــــــــاد أو االحنــــــــــــالل الــــــــــــذي يصــــــــــــيب األجســــــــــــام، ومــــــــــــا دامــــــــــــت الــــــــــــنفس

تشــــــــــابه املثــــــــــل وتشــــــــــارك يف مثــــــــــل احليــــــــــاة فــــــــــال بــــــــــد إ�ــــــــــا خالــــــــــدة، ألن مــــــــــا

.)٣( ضد وهو املوتيشارك يف احلياة ال يقبل ال

؛فكان الســـــــــابقالـــــــــنفس بـــــــــل إنـــــــــه تنـــــــــاقض مـــــــــع نفســـــــــه بعـــــــــد تعميمـــــــــه ملصـــــــــري

مـــــــــن عالقتهـــــــــا �جلســـــــــد مالـــــــــت إىل الـــــــــنفس تطهـــــــــرت مـــــــــن تناقضـــــــــه أنـــــــــه إذا

ـــــــــــيت مل ـــــــــــة، أمـــــــــــا ال مـــــــــــا يشـــــــــــابه طبيعتهـــــــــــا مـــــــــــن املوجـــــــــــودات اخلالـــــــــــدة الالمرئي

تتطهــــــــــــــر، وانقـــــــــــــــادت للجســـــــــــــــد فتعلقــــــــــــــت �ملـــــــــــــــاد�ت وكرهـــــــــــــــت احلكمـــــــــــــــة

ــــــــــد مــــــــــن فإ�ــــــــــا تظــــــــــل بعــــــــــد ــــــــــدان، فتول ــــــــــة كثيفــــــــــة متعلقــــــــــة �ألب املــــــــــوت مادي

جديــــــــــــد يف جســــــــــــم آخــــــــــــر يوافــــــــــــق طبيعتهــــــــــــا الســــــــــــيئة، فــــــــــــالنفس الشــــــــــــهوانية

١٩٦٦ –نقلها للعربية زكي جنيب حممود – ١٥١ص –فيدون –. حماورات أفالطون ١

القاهرة . –مطبعة جلنة التأليف والرتاث .١٠٦ص –مقدمة فيدون –. املرجع السابق ٢

.١٠٦مقدمة فيدون ص -وما بعدها ١٤٨احملاورة ص -. انظر: املرجع السابق ٣

٨

الدنيئـــــــــــــــة توجـــــــــــــــد يف محـــــــــــــــار أو حيـــــــــــــــوان مثلـــــــــــــــه، أمـــــــــــــــا الطاغيـــــــــــــــة املؤذيـــــــــــــــة

فيناســـــــــــــبها جســـــــــــــم ذئـــــــــــــب أو صـــــــــــــقر، أمـــــــــــــا غـــــــــــــري املؤذيـــــــــــــة الـــــــــــــيت أمهلـــــــــــــت

.)١(لاحلكمة، فقد توجد يف حيوان اجتماعي كالنحل أو النم

املبحث الثاين

النفس عند أرسطو

رتيبه فكان ت ؛م تدرجيييف نظاحسب اعتقاد أرسطو أنواع وقد رتب هذه األنواع النفس

: كالتايل

الــــــــــــنفس الغاذيــــــــــــة: وهــــــــــــي أبســــــــــــط األنــــــــــــواع أل�ــــــــــــا موجــــــــــــودة يف كـــــــــــــل )١

األحياء.

الــــــــــــنفس احلساســــــــــــة: موجــــــــــــودة يف كــــــــــــل احليــــــــــــوا�ت، وتتــــــــــــدرج وســــــــــــائل )٢

هــــــــــــــــذه الـــــــــــــــــنفس حبيــــــــــــــــث تبـــــــــــــــــدأ حباســــــــــــــــة اللمـــــــــــــــــس، ألنــــــــــــــــه أبســـــــــــــــــط

ــــــــــــــر اإلحساســــــــــــــات، ويشــــــــــــــرتك يف كــــــــــــــل االحساســــــــــــــات األخــــــــــــــرى األكث

ـــــــــــــــه الـــــــــــــــذوق فالشـــــــــــــــم فالســـــــــــــــمع فالبصـــــــــــــــر وال تقتصـــــــــــــــر ـــــــــــــــدا مث يلي تعقي

وظـــــــــــــائف الـــــــــــــنفس احلساســـــــــــــة علـــــــــــــى اإلدراك احلســـــــــــــي فحســـــــــــــب، بـــــــــــــل

شـــــــــــعور �للـــــــــــذة واألمل الـــــــــــذي تتبعـــــــــــه الرغبـــــــــــة والنـــــــــــزوع، تشـــــــــــمل أيضـــــــــــا ال

ــــــــــذاكرة املوجــــــــــود�ن ــــــــــال وال ــــــــــو� اخلي وكــــــــــذلك يتفــــــــــرع عــــــــــن اإلحســــــــــاس ق

.)٢(عند بعض األنواع العليا من احليوان

الــــــــــنفس اإلنســــــــــانية: وهــــــــــي أعلــــــــــى أنــــــــــواع النفــــــــــوس أل�ــــــــــا تتميــــــــــز عــــــــــن )٣

�قي احليوان �لقوة العاقلة.

معىن القوة العاملة عند أرسطو -

.١٠٦وانظر : مقدمة فيدون -١٥٥ -١٥٤ص –. انظر : املرجع السابق ١. انظر: أرسطو طاليس يف النفس مع اآلراء الطبيعية املنسوب إىل فلوطرخس واحلاس ٢

-د/عبد الرمحن بدوي -البن رشد، والنبات املنسوب إىل أرسطو طاليس واحملسوس

بريوت. -دار القلم -٦٨-٣٢،٣٤،٣٥،٦٧ص

٩

أرســــــــــطو الــــــــــنفس اإلنســــــــــانية �ــــــــــذه القــــــــــوة، ووظيفتهــــــــــا ختتلــــــــــف عــــــــــن خيــــــــــص

�قــــــــــــي قــــــــــــوى الــــــــــــنفس األخــــــــــــرى، أل�ــــــــــــا غــــــــــــري مرتبطــــــــــــة �جلســــــــــــم، ويــــــــــــنص

أرســــــــــطو علــــــــــى أن العقــــــــــل مفــــــــــارق للبــــــــــدن، والــــــــــدليل علــــــــــى هــــــــــذه املفارقــــــــــة

يـــــــــــــتلخص يف أننـــــــــــــا لـــــــــــــو قـــــــــــــار� بـــــــــــــني عمـــــــــــــل أي حاســـــــــــــة وعمـــــــــــــل العقـــــــــــــل

ـــــــــرة االســـــــــتعمال وت ـــــــــث فســـــــــوف جنـــــــــد أن احلاســـــــــة تضـــــــــعف مـــــــــن كث رهـــــــــق حبي

إ�ـــــــــــــــا ال ميكـــــــــــــــن أن تقـــــــــــــــوم بوظيفتهـــــــــــــــا، فبعـــــــــــــــد أي إحســـــــــــــــاس شـــــــــــــــديد ال

تقـــــــــوى احلاســـــــــة علـــــــــى إدراك مـــــــــا هـــــــــو أبســـــــــط منـــــــــه، فـــــــــنحن ال منيـــــــــز اللـــــــــون

أو الرائحـــــــــــة البســـــــــــيطة بعـــــــــــد �ثـــــــــــر� �ألقـــــــــــوى منهمـــــــــــا، أمـــــــــــا العقـــــــــــل فعلـــــــــــى

ـــــــــــى ـــــــــــزداد قدرتـــــــــــه عل تعقـــــــــــل البســـــــــــيط بعـــــــــــد إدراك العكـــــــــــس مـــــــــــن ذلـــــــــــك ت

.)١(املركب

يف رأي أرسطووظيفة العقل -

ختتلف وظيفة العقل عنده عن اإلحساس، فاحلواس تتأثر

ـــــــــدرك ـــــــــة ا�ـــــــــردة، فمـــــــــثال ن ـــــــــأثر �لصـــــــــور العقلي �لصـــــــــور احلســـــــــية، والعقـــــــــل يت

الفطوســـــــــــــة يف أنـــــــــــــف معـــــــــــــني بواســـــــــــــطة اإلحســـــــــــــاس، أمـــــــــــــا العقـــــــــــــل فيـــــــــــــدرك

، وهلـــــــــــــــذا )٢(معناهـــــــــــــــا ا�ـــــــــــــــرد، أي أن العقـــــــــــــــل يـــــــــــــــدرك املاهيـــــــــــــــات املعقولـــــــــــــــة

قوتني:يفرق أرسطو بني

فعالــــــــــــة ختــــــــــــرج املعــــــــــــاين الكليــــــــــــة مــــــــــــن اجلزئيــــــــــــات، وتظهرهــــــــــــا كمـــــــــــــا األوىل:

يظهـــــــــــر ضـــــــــــوء الشـــــــــــمس األلـــــــــــوان، وحيوهلـــــــــــا إىل الوجـــــــــــود �لفعـــــــــــل يف العـــــــــــني

اإلنسانية.

قـــــــــــوة قابلـــــــــــة لتلقـــــــــــي مجيـــــــــــع املعقـــــــــــوالت، وهـــــــــــي ملكـــــــــــة اســـــــــــتعداد الثانيـــــــــــة:

لتقبـــــــــــــل الصـــــــــــــور املعقولـــــــــــــة، و�ـــــــــــــا تعقـــــــــــــل املعقـــــــــــــوالت �لقـــــــــــــوة ولكنهـــــــــــــا ال

ل هـــــــــــذه املعقـــــــــــوالت �لفعـــــــــــل إال بفضـــــــــــل القـــــــــــوة األوىل، وبنـــــــــــاء علـــــــــــى تعقـــــــــــ

–، وانظر : الفلسفة اليو�نية �رخيها ومشكال�ا ٧٣-٧١ص –. انظر املرجع السابق ١

دار قباء القاهرة . – ١٩٩٨ط -٣١٤ص –د/أمرية مطر .٧٤-٧٣ص – . انظر : أرسطو طاليس يف النفس ٢

١٠

ـــــــــــنفس ـــــــــــوعني مـــــــــــن العقـــــــــــل يف ال هـــــــــــذه التفرقـــــــــــة يقـــــــــــول أرســـــــــــطو: بوجـــــــــــود ن

ـــــــــــوالين، وعقـــــــــــل فعـــــــــــال ال ميكـــــــــــن للعقـــــــــــل اإلنســـــــــــانية، عقـــــــــــل منفعـــــــــــل أو هي

املنفعـــــــــــــــل أن يعقــــــــــــــــل �لفعــــــــــــــــل إال بفضــــــــــــــــل شــــــــــــــــيء آخــــــــــــــــر هــــــــــــــــو دائمــــــــــــــــا

.)١(�لفعل

ــــــــا منيــــــــز مــــــــن جهــــــــة يقــــــــول أرســــــــطو: ــــــــه إنن الفعــــــــل الــــــــذي يشــــــــبه اهليــــــــوال ألن

ــــــــة يصــــــــبح مجيــــــــع املعقــــــــوالت، ومــــــــن جهــــــــة أخــــــــرى للعقــــــــل الــــــــذي يشــــــــبه العل

ـــــــــه حيـــــــــدثها مجيعـــــــــا: كأنـــــــــه حـــــــــال شـــــــــبيه �لضـــــــــوء، ألن الضـــــــــوء ـــــــــة، ألن الفاعل

أيضـــــــــا يوجـــــــــه مـــــــــا حييـــــــــل األلـــــــــوان �لقـــــــــوة إىل ألـــــــــوان �لفعـــــــــل، وهـــــــــذا العقـــــــــل

�جلــــــــوهر فعــــــــل، هــــــــو املفــــــــارق، الــــــــال منفعــــــــل غــــــــري املمتــــــــزج مــــــــن حيــــــــث إنــــــــه

ــــــــــــوال، ــــــــــــدأ أمســــــــــــى مــــــــــــن اهلي ألن الفاعــــــــــــل دائمــــــــــــا أمســــــــــــى مــــــــــــن املنفعــــــــــــل واملب

والعلـــــــــم �لفعـــــــــل هـــــــــو وموضـــــــــوعه شـــــــــيء واحـــــــــد، أمـــــــــا العلـــــــــم، فهـــــــــو متقـــــــــدم

�لزمــــــــــــــــان يف الفــــــــــــــــرد ولــــــــــــــــيس متقـــــــــــــــــدما �لزمــــــــــــــــان علــــــــــــــــى اإلطـــــــــــــــــالق، وال

نســـــــــــتطيع أن نقـــــــــــول إن هـــــــــــذا العقـــــــــــل يعقـــــــــــل �رة، وال يعقـــــــــــل �رة أخـــــــــــرى،

قــــــــــــط يصــــــــــــبح خمتلفــــــــــــا عمــــــــــــا كــــــــــــان �جلــــــــــــوهر وعندئــــــــــــذ وعنــــــــــــدما يفــــــــــــارق ف

.)٢(يكون خالدا وأزليا وبدون العقل الفعال ال تعقل"

وأرسطو يف النص السابق ينص صراحة على أن كال العقلني املنفعل والفعال

موجودان يف النفس اإلنسانية، إال أنه يصف العقل الفعال بصفات متيزه عن

.)٣(د وأزيل، وأنه �يت اإلنسان من اخلارجالعقل املنفعل ألنه مفارق وخال

ـــــــــــــــنفس يف رأي أرســـــــــــــــطو مـــــــــــــــن املســـــــــــــــتحيل أن ومـــــــــــــــن جهـــــــــــــــة أخـــــــــــــــرى ، ال

تتحــــــــــــرك، ألن كـــــــــــــل متحـــــــــــــرك بذاتـــــــــــــه ينقســـــــــــــم ضـــــــــــــرورة إىل عنصـــــــــــــر حيـــــــــــــرك

وعنصـــــــــــر متحـــــــــــرك، فاإلنســـــــــــان مـــــــــــثال كـــــــــــائن متحـــــــــــرك، واحملـــــــــــرك فيـــــــــــه هـــــــــــو

.٧٧. أرسطو طاليس يف النفس ص ١البايب -١٩٤٩ ١ط -ترمجة أمحد فؤاد األهواين -٥٠ص -ألرسطو -النفس . كتاب ٢

.٧٥-٧٤احلليب، وانظر: املرجع السابق .٣١٤ص –د/أمرية مطر –. انظر : الفلسفة اليو�نية ٣

١١

ــــــــــنفس احملركــــــــــة ال ميكــــــــــن أن تتحــــــــــرك، الــــــــــنفس، واملتحــــــــــرك هــــــــــو اجلســــــــــم، وال

أل�ـــــــــــا لـــــــــــو حتركـــــــــــت لوجــــــــــــب التمييـــــــــــز �ـــــــــــا بــــــــــــني عنصـــــــــــر حمـــــــــــرك صــــــــــــوري

وعنصـــــــــــر متحـــــــــــرك مـــــــــــادي، ولكـــــــــــن الـــــــــــنفس صـــــــــــورة خالصـــــــــــة، ال خيالطهـــــــــــا

ــــــــــنفس �)١(أي أثــــــــــر للمــــــــــادة الــــــــــذي وصــــــــــفه �نــــــــــه هلــــــــــه، فأرســــــــــطو يشــــــــــبه ال

حيــــــــــــرك وال يتحـــــــــــــرك كـــــــــــــذلك الـــــــــــــنفس حتــــــــــــرك اجلســـــــــــــم وال تتحـــــــــــــرك، أل�ـــــــــــــا

مصدر حركته.

أرسطو.حدوث واتصال النفس �لبدن عند -

يقــــــــــــرر أرســـــــــــــطو أن الـــــــــــــنفس حـــــــــــــدثت مــــــــــــع حـــــــــــــدوث البـــــــــــــدن ال قبلـــــــــــــه وال

بعـــــــــــده، وأ�ـــــــــــا تبقـــــــــــى بعـــــــــــد البـــــــــــدن متكثـــــــــــرة ويف ذلـــــــــــك يقـــــــــــول: "ولعمـــــــــــري

إ�ــــــــا تبقــــــــى بعــــــــد البــــــــدن متكثــــــــرة، فــــــــإن األنفــــــــس قــــــــد وجــــــــد كــــــــل منهــــــــا ذا�

منفـــــــــــردة �خـــــــــــتالف موادهـــــــــــا الـــــــــــيت كانـــــــــــت و�خـــــــــــتالف أزمنـــــــــــة حـــــــــــدوثها،

عنــــــــــد االتصــــــــــال �لبــــــــــدن، فهــــــــــي و�خــــــــــتالف هيئــــــــــات وملكــــــــــات حصــــــــــلت

ـــــــــــة، حادثـــــــــــة مـــــــــــع حـــــــــــدوث البـــــــــــدن تصـــــــــــريه نوعـــــــــــا كســـــــــــائر الفصـــــــــــول الذاتي

ــــــــك العــــــــوارض ــــــــه مل توجــــــــد تل ــــــــدن بعــــــــوارض معينــــــــة ل ــــــــة بعــــــــد مفارقــــــــة الب و�قي

.)٢(قبل اتصاهلا �لبدن"

ــــــــــــالنفس عنــــــــــــد أرســــــــــــطو حــــــــــــدثت مــــــــــــع حــــــــــــدوث البــــــــــــدن و�ــــــــــــذا فــــــــــــارق ف

ــــــــدان ــــــــل األب ــــــــال: إ�ــــــــا حــــــــدثت قب ــــــــذي ق ــــــــى أســــــــتاذه أفالطــــــــون ال ووافقــــــــه عل

القول: خبلودها بعد موت األجساد.

املعاد حسب رأي أرسطو لألنفس فقط.-

يقـــــــــــــول أرســـــــــــــطو: "إن النفـــــــــــــوس اإلنســـــــــــــانية إذا اســـــــــــــتكملت قـــــــــــــويت العلـــــــــــــم

ـــــــــــه و ـــــــــــذي يعتقـــــــــــدهالعمـــــــــــل تشـــــــــــبهت �إلل ، ووصـــــــــــلت إىل كماهلـــــــــــا، وإمنـــــــــــا ال

ــــــــــــة يكــــــــــــون إمــــــــــــا حبســــــــــــب االســــــــــــتعداد، وإمــــــــــــا هــــــــــــذا التشــــــــــــبه بقــــــــــــدر الطاق

، فــــــــــــإذا فــــــــــــارق البــــــــــــدن اتصــــــــــــل �لروحــــــــــــانيني، واخنــــــــــــرط حبســــــــــــب االجتهــــــــــــاد

.٢٠-١٩ص –. انظر : أرسطو طاليس يف النفس ١ .٢/١٣٣حل للشهرستاين . امللل والن ٢

١٢

ـــــــــيس كـــــــــل ـــــــــذاذ واالبتهـــــــــاج، ول ـــــــــه االلت ـــــــــتم ل يف ســـــــــلك املالئكـــــــــة املقـــــــــربني، وي

ـــــــــــة، ـــــــــــذات نفســـــــــــانية عقلي ـــــــــــذات ل ـــــــــــك الل ـــــــــــان تل ـــــــــــذة فهـــــــــــي جســـــــــــمانية، ف ل

وهـــــــــــــذه اللـــــــــــــذة اجلســـــــــــــمانية تنتهـــــــــــــي إىل حـــــــــــــد، ويعـــــــــــــرض للملتـــــــــــــذ ســـــــــــــآمه

ف وكـــــــــــــالل وضـــــــــــــعف وقصـــــــــــــور إن تعــــــــــــــدى عـــــــــــــن احلـــــــــــــد احملـــــــــــــدود، خبــــــــــــــال

اللــــــــــــــــــذات العقليـــــــــــــــــــة، فإ�ـــــــــــــــــــا حيثمــــــــــــــــــا ازدادت ازداد الشـــــــــــــــــــوق واحلـــــــــــــــــــرص

والعشق إليها.

وكـــــــــذلك القـــــــــول يف اآلالم النفســـــــــانية، فإ�ـــــــــا تقـــــــــع �لضـــــــــد ممـــــــــا ذكـــــــــر� هلـــــــــذا

. )١(الر�ط احملسوس من العامل وال إبطاال لنظامه"

ــــــــــــاالت ذهنيــــــــــــة، النتيجــــــــــــة: ــــــــــــى خي ــــــــــــا أفكارمهــــــــــــا عل أفالطــــــــــــون وأرســــــــــــطو بني

ــــــــا، فكــــــــان أل�مــــــــا اعتمــــــــدا علــــــــى عقوهلمــــــــا فقــــــــط وتركــــــــا دعــــــــوة الرســــــــل جانب

ـــــــل كـــــــل مـــــــن التنـــــــاقض واالخـــــــتالف حليـــــــف كـــــــل مـــــــن ســـــــار علـــــــى در�مـــــــا ب

حـــــــــاول التوفيـــــــــق بـــــــــني رأيهمـــــــــا انتهـــــــــى أمـــــــــره إىل اإلخفـــــــــاق، ولـــــــــذلك عنـــــــــدما

حـــــــــــــاول أفلـــــــــــــوطني اجلمـــــــــــــع بـــــــــــــني رأي أفالطـــــــــــــون وأرســـــــــــــطو أتـــــــــــــى بنظريـــــــــــــة

ــــــــة الــــــــيت تبن اهــــــــا الفــــــــارايب وابــــــــن الفــــــــيض وجعــــــــل الــــــــنفس أســــــــاس هــــــــذه النظري

ســـــــــينا، فكـــــــــان قوهلمـــــــــا يف هـــــــــذه املســـــــــألة خاصـــــــــة ويف غريهـــــــــا مـــــــــن املســـــــــائل

هــــــــو مــــــــا قالــــــــه أرســــــــطو ممزوجــــــــا مبــــــــا قالــــــــه أفالطــــــــون �رة ومبــــــــا قالــــــــه أفلــــــــوطني

�رة أخرى.

.١٣٥-٢/١٣٤. امللل والنحل ١

١٣

الفصل الثاين

الفارايب وابن سينا ومسألة حشر األرواح دون األجساد وفيه مبحثني

الفارايب وابن ســــــــــينا يف مســـــــــــألة حشــــــــــر األرواح دون املبحث األول: رأي

األجساد.

املبحث الثاين: أدلة الفارايب وابن سينا يف مسألة حشر األرواح دون األجساد.

١٤

الفصل الثاين

الفارايب وابن سينا ومسألة حشر األرواح دون األجساد

رأي الفـــــــــــــارايب وابـــــــــــــن ســـــــــــــينا يف مســـــــــــــألة حشـــــــــــــر -املبحـــــــــــــث األول:

األجساد.األرواح دون

مــــــــــذهب الفــــــــــارايب وابــــــــــن ســــــــــينا يف الــــــــــنفس يشــــــــــبه إىل حــــــــــد كبــــــــــري مــــــــــذاهب

فالســـــــــــــفة اليـــــــــــــو�ن وخباصـــــــــــــة أفالطـــــــــــــون وأرســـــــــــــطو، فقـــــــــــــد أخـــــــــــــذا عنهمـــــــــــــا

ـــــــــــنفس وأخـــــــــــذا عـــــــــــن أرســـــــــــطو ترتيـــــــــــب النفـــــــــــوس حبســـــــــــب ـــــــــــود ال القـــــــــــول خبل

ـــــــــاة ـــــــــب احلي ـــــــــب الوجـــــــــود، وترتيـــــــــب القـــــــــوى حبســـــــــب مرات ؛وهلـــــــــذا كـــــــــان )١(مرات

ربعـــــــــــــة بطبقا�ـــــــــــــا طـــــــــــــوع األجـــــــــــــرام إن مجيـــــــــــــع العناصـــــــــــــر األمـــــــــــــن فلســـــــــــــفتهم

الفلكيــــــــــة والكائنــــــــــات الفاســــــــــدات، تتولــــــــــد مــــــــــن �ثــــــــــري تلــــــــــك وطاعــــــــــة هــــــــــذه

وإذا امتزجــــــــــــت العناصــــــــــــر امتزاجــــــــــــا اعتــــــــــــداال نشــــــــــــأ عنهــــــــــــا بســــــــــــبب القــــــــــــوى

ــــــــــــــــة نبــــــــــــــــات، وإذا زاد اعتــــــــــــــــدال املــــــــــــــــزاج اســــــــــــــــتعد لقبــــــــــــــــول الــــــــــــــــنفس الفلكي

ـــــــــــة، حـــــــــــىت إذا أمعـــــــــــن يف ـــــــــــنفس النباتي احليوانيـــــــــــة بعـــــــــــد أن يســـــــــــتويف درجـــــــــــة ال

االعتـــــــــدال قبـــــــــل الـــــــــنفس احليوانيـــــــــة، علـــــــــى أن قـــــــــوى الـــــــــنفس ليســـــــــت �شـــــــــئة

. )٢(عن امتزاج العناصر، بل هي مستفادة من خارج

ــــــــــــدمها إىل عقــــــــــــل ــــــــــــة أرســــــــــــطو يف القــــــــــــوة ينقســــــــــــم العقــــــــــــل عن وحبســــــــــــب نظري

.)٣(هيوالين، وعقل �لفعل أو امللكة مث عقل مستفاد

ـــــــــــــة ١ ــــــ ـــــــــــات املدنيــ ــــــ ــــــــــر: السياســــ ــــــ ـــــارايب ص -. انظـــــ ــــــ ــــــ ــــاة -٢٣-٢٢، ٣، ٢الفــــ ــــــ ــــــ -النجـــــ

.١٣٧-١٣٦، ٢/١٣٢البن سينا نقلهــــــــــــــــا إىل العربيــــــــــــــــة -دي بــــــــــــــــور -وانظــــــــــــــــر: �ريــــــــــــــــخ الفلســــــــــــــــفة يف اإلســــــــــــــــالم ١٩٦، ١٩٥، ١٩٠. انظــــــــــــــــر: النجــــــــــــــــاة ص ٢

.احلاشية -٢١٦-٢١٥د/حممد أبو ريده ص

-٦٨ص –رســــــــــــــالة يف احلــــــــــــــدود ضــــــــــــــمن تســــــــــــــع رســــــــــــــائل يف احلكمــــــــــــــة – ٨. انظــــــــــــــر : رســــــــــــــالة يف اثبــــــــــــــات املفارقــــــــــــــات ص ٣

٦٩.

١٥

ــــــــــدمها: فهــــــــــو العقــــــــــل العاشــــــــــر يف سلســــــــــلة العقــــــــــول أمــــــــــا العقــــــــــل الفعــــــــــال عن

الصـــــــــــادرة عـــــــــــن األول، فهـــــــــــو عقـــــــــــل كـــــــــــوين، ومهـــــــــــزة وصـــــــــــل بـــــــــــني اإلنســـــــــــان

وعــــــــــــــامل العقــــــــــــــول العليــــــــــــــا، وهلــــــــــــــذا فهــــــــــــــو يفــــــــــــــيض الصــــــــــــــور علــــــــــــــى العقــــــــــــــل

اإلنســـــــــــاين، فهـــــــــــو الـــــــــــذي خيـــــــــــرج العقـــــــــــل اهليـــــــــــوالين مـــــــــــن القـــــــــــوة إىل الفعـــــــــــل

�شــــــــــراقه عليــــــــــه، فيحصــــــــــل يف اإلنســــــــــان العقــــــــــل �مللكــــــــــة، ويســــــــــتمر تــــــــــدخل

ة التعقـــــــــــــل إىل أن تصــــــــــــــري املعقـــــــــــــوالت حاضــــــــــــــرة العقـــــــــــــل الفعـــــــــــــال يف عمليــــــــــــــ

يف العقـــــــــــــــل املســـــــــــــــتفاد، فهـــــــــــــــو أســـــــــــــــاس أي إدراك عقلـــــــــــــــي، وعـــــــــــــــن معرفـــــــــــــــة

الغيـــــــــــــب، والنفـــــــــــــوس الناطقـــــــــــــة ال تتمـــــــــــــايز مبوضـــــــــــــوع معرفتهـــــــــــــا، وال مبقـــــــــــــدار

مــــــــــــا حصــــــــــــلته مــــــــــــن معــــــــــــارف وإمنــــــــــــا يكــــــــــــون مبقــــــــــــدار ســــــــــــرعة اســــــــــــتعدادها

.)١(لالتصال �لعقل الفعال الذي تتلقى عنه املعرفة

لنفس عند الفارايب وابن سينا وخلودها.حدوث ا -

الـــــــــــــنفس اإلنســـــــــــــانية عنـــــــــــــدمها تفـــــــــــــيض مـــــــــــــن العقـــــــــــــل الفعـــــــــــــال، فهـــــــــــــي ذات

طبيعـــــــــــة معقولــــــــــــة غــــــــــــري ماديــــــــــــة، حتـــــــــــدث عنــــــــــــد حــــــــــــدوث البــــــــــــدن املســــــــــــتعد

لقبوهلا، وتبقى بعد فنائه.

جوهر واحـــــــــــد هـــــــــــو اإلنســـــــــــان …"إن الـــــــــــنفس الناطقـــــــــــة يقـــــــــــول الفـــــــــــارايب:

منهــــــــــــا يف األعضــــــــــــاء، وإ�ــــــــــــا ةعنــــــــــــد التحقيــــــــــــق، ولــــــــــــه فــــــــــــروع وقــــــــــــوى منبثــــــــــــ

ـــــــــــه ـــــــــــد حـــــــــــدوث الشـــــــــــيء املســـــــــــتعد لقبول ـــــــــــة عـــــــــــن واجـــــــــــب الصـــــــــــور عن حادث

املســـــــــــــــتحق لوجـــــــــــــــوده فيـــــــــــــــه، وهـــــــــــــــو البـــــــــــــــدن أو مـــــــــــــــا يف قوتـــــــــــــــه أن يكـــــــــــــــون

.)٢(…"بد�

"إن الـــــــــــنفس ال جيـــــــــــوز أن تكـــــــــــون موجـــــــــــودة ويقـــــــــــول يف موضـــــــــــع آخـــــــــــر:

قبـــــــــل وجــــــــــود البــــــــــدن، وإ�ــــــــــا ال جيـــــــــوز أن تكــــــــــرر يف أبــــــــــدان خمتلفــــــــــة وانــــــــــه ال

تســع رســائل يف احلكمة، كذلك ضــمن -، وانظر: إثبات النبوات٤١،٤٩،٥٠للفارايب ص -. انظر: الســياســات املدنية ١

.٢١٨ي بور صد -، وانظر: �ريخ الفلسفة يف اإلسالم٦٩رسالة يف احلدود ص

.٢/٣٤، وانظر : النجاة البن سينا ١٠. الدعاوي القلبية ص ٢

١٦

جيـــــــــوز أن يكـــــــــون لبـــــــــدن واحـــــــــد نفســـــــــان، وإ�ـــــــــا �قيـــــــــة بعـــــــــد مـــــــــوت البـــــــــدن،

لــــــــــيس فيهـــــــــــا قـــــــــــوة قبــــــــــول الفســـــــــــاد، وإن هلـــــــــــا بعــــــــــد املفارقـــــــــــة أحـــــــــــواال، إمـــــــــــا

.)١(أحوال سعادة أو أحوال شقاوة"

املفارقات على مراتب خمتلفة احلقائق. ويقول يف موضع آخر:

الوجود الذي ال سبب له وهو واحد. األول:

ل الفعالة وهي كثرية �لنوع.العقو الثاين:

القوى السماوية وهي كثرية �لنوع. الثالث:

النفوس اإلنسانية وهي كثرية �ألشخاص. الرابع:

والصـــــــــــفات العامـــــــــــة هلـــــــــــا أربـــــــــــع وذكـــــــــــر الصـــــــــــفة الثانيـــــــــــة "إ�ـــــــــــا ال مث قـــــــــــال:

متـــــــــــوت وال تفســـــــــــد، وإال وجـــــــــــب فيهـــــــــــا أن تكـــــــــــون قـــــــــــوة املـــــــــــوت والفســـــــــــاد،

ــــــــو جــــــــاز هــــــــذا لوجــــــــب أن جتتمــــــــع ــــــــاء وفعلهمــــــــا، ول فيهــــــــا قــــــــوة الوجــــــــود والفن

فتكـــــــــــــــون موجـــــــــــــــودة ومعدومـــــــــــــــة معـــــــــــــــا، فتبـــــــــــــــني أن البســـــــــــــــائط إذا صـــــــــــــــارت

ــــــــات �لفعــــــــل مل يبــــــــق فيهــــــــا القــــــــوة واإلمكــــــــان بــــــــل إمنــــــــا يصــــــــح ذلــــــــك يف املركب

ــــــــه �لفعــــــــل ويبقــــــــى اآلخــــــــر يف ــــــــد كون ــــــــيت هلــــــــا إمكــــــــان، فيبطــــــــل أحــــــــدمها عن ال

.)٢("املادة

ــــــــــــــنفس وبنــــــــــــــاء علــــــــــــــى النصــــــــــــــوص الســــــــــــــابقة: فالفــــــــــــــارايب أثبــــــــــــــت خلــــــــــــــود ال

بشــــــــــــكل عــــــــــــام يف نصــــــــــــوص صــــــــــــرحية لــــــــــــيس فيهــــــــــــا أي لــــــــــــبس أو غمــــــــــــوض

فالفاضـــــــــــــــلة يف -حســـــــــــــــب تعبـــــــــــــــريه-ســـــــــــــــواء كانـــــــــــــــت فاضـــــــــــــــلة أو جاهلـــــــــــــــة

ســــــــــعادة وهــــــــــي جنــــــــــات النعــــــــــيم، واجلاهلــــــــــة يف شــــــــــقاء وهــــــــــو اجلحــــــــــيم وهــــــــــذا

هـــــــــــو رأي الفـــــــــــارايب يف أغلـــــــــــب كتبـــــــــــه مثـــــــــــل الـــــــــــدعاوي القلبيـــــــــــة والتعليقـــــــــــات

اخل.…واثبات املفارقات

كتابيــــــــــه: "آراء أهــــــــــل املدينــــــــــة الفاضــــــــــلة" "والسياســــــــــات املدنيــــــــــة" فهــــــــــو أمــــــــــا

يثبــــــــــــــت خلــــــــــــــود الــــــــــــــنفس الفاضــــــــــــــلة بشــــــــــــــكل قــــــــــــــاطع، ويــــــــــــــرتدد يف خلــــــــــــــود

.٤٠-٢/٣٩، وانظر : النجاة ١٠. الدعاوي القلبية ص ١

.٣-٢. رسالة يف إثبات املفارقات ص ٢

١٧

ــــــــــارة يقــــــــــول بفنائهــــــــــا واحنالهلــــــــــا إىل العــــــــــدم، و�رة يقــــــــــول ــــــــــة فت ــــــــــنفس اجلاهل ال

ــــــــــيت قــــــــــال فيهــــــــــا خبلــــــــــود األنفــــــــــس خبلودهــــــــــا يف الشــــــــــقاء، فمــــــــــن النصــــــــــوص ال

نيــــــــــة الفاضــــــــــلة هلــــــــــم أشــــــــــياء مشــــــــــرتكة يعلمو�ــــــــــا الفاضــــــــــلة قولــــــــــه: "وأهــــــــــل املد

ــــــــــة، وكــــــــــل ــــــــــم وعمــــــــــل خيــــــــــص كــــــــــل رتب ويفعلو�ــــــــــا، وأشــــــــــياء أخــــــــــرى مــــــــــن عل

واحـــــــــد مــــــــــنهم، إمنـــــــــا يصــــــــــري كــــــــــل واحـــــــــد يف حــــــــــد الســـــــــعادة �ــــــــــذين، أعــــــــــين

ــــــــيت هــــــــو ــــــــة ال ــــــــذي خيــــــــص أهــــــــل املرتب ــــــــه ولغــــــــريه معــــــــا، و�ل ــــــــذي ل �ملشــــــــرتك ال

منهـــــــــــا، فـــــــــــإذا فعـــــــــــل ذلـــــــــــك كـــــــــــل واحـــــــــــد مـــــــــــنهم، أكســـــــــــبته أفعالـــــــــــه تلـــــــــــك

وتلك حــــــــــــال األشــــــــــــياء الــــــــــــيت ينــــــــــــال …هيئــــــــــــات نفســــــــــــانية جيــــــــــــدة فاضــــــــــــلة

ـــــــــــدت منهـــــــــــا وتكـــــــــــررت وواظـــــــــــب اإلنســـــــــــان �ـــــــــــا الســـــــــــعادة فإ�ـــــــــــا كلمـــــــــــا زي

ــــــــــيت شــــــــــأ�ا أن تســــــــــعد أقــــــــــوى وأفضــــــــــل وأكمــــــــــل ــــــــــنفس ال عليهــــــــــا صــــــــــريت ال

إىل أن تصــــــــــري مــــــــــن حــــــــــد الكمــــــــــال، إىل أن تســــــــــتغين عــــــــــن املــــــــــادة فتحصــــــــــل

إذا بقيــــــــــت احتاجـــــــــــت إىل منربئــــــــــة منهــــــــــا، فـــــــــــال تتلــــــــــف بتلــــــــــف املـــــــــــادة، وإال

.)١("مادة

ويؤكــــــــــــــــد ذلــــــــــــــــك يف السياســــــــــــــــات املدنيــــــــــــــــة فيقــــــــــــــــول: "كــــــــــــــــذلك األفعــــــــــــــــال

املســــــــــــددة حنــــــــــــو الســــــــــــعادة، فإ�ــــــــــــا تقــــــــــــوي جــــــــــــزء الــــــــــــنفس املعــــــــــــد �لفطــــــــــــرة

للســـــــــــــــعادة، وتصـــــــــــــــريه �لفعــــــــــــــــل وعلـــــــــــــــى الكمـــــــــــــــال، فتبلــــــــــــــــغ مـــــــــــــــن قو�ــــــــــــــــا

ــــــــــة �الســــــــــتكمال احلاصــــــــــل هلــــــــــا إىل أن تســــــــــتغين عــــــــــن املــــــــــادة فتحصــــــــــل منربئ

تتلـــــــــــف بتلـــــــــــف املـــــــــــادة إذا صـــــــــــارت غـــــــــــري حمتاجـــــــــــة يف قوامهـــــــــــا منهـــــــــــا، فـــــــــــال

.)٢("ووجودها إىل مادة، فتحصل حينئذ هلا السعادة

أمــــــــا النصــــــــوص الــــــــيت قــــــــال فيهــــــــا بفنــــــــاء أنفــــــــس أهــــــــل املــــــــدن اجلاهلــــــــة وذلــــــــك

أل�ـــــــــــا "تبقـــــــــــى غـــــــــــري مســـــــــــتكملة وحمتاجـــــــــــة يف قوامهـــــــــــا إىل املـــــــــــادة ضـــــــــــرورة،

الت األول أصـــــــــــال، إذا مل يرتســــــــــم فيهــــــــــا رســــــــــم حقيقـــــــــــة بشــــــــــيء مــــــــــن املعقــــــــــو

.١١٢. املدينة الفاضلة ص ١ .٨١. السياسات املدنية ص ٢

١٨

فــــــــــإذا بطلــــــــــت املــــــــــادة الــــــــــيت كــــــــــان قوامهــــــــــا �ــــــــــا بطلــــــــــت القــــــــــوى الــــــــــيت كــــــــــان

.)١("…شأ�ا أن يكون �ا قوام ما بطل

ويقــــــــــول يف السياســــــــــات املدنيــــــــــة حينمــــــــــا يــــــــــتكلم عــــــــــن مصــــــــــري أهــــــــــل املــــــــــدن

الشـــــــــــقية: "هـــــــــــؤالء تبقـــــــــــى أنفســـــــــــهم هيوالنيـــــــــــة غـــــــــــري مســـــــــــتكملة اســـــــــــتكماال

.)٢("ادة بطلت هي أيضا تفارق به املادة حىت إذا بطلت امل

ــــــــــة ــــــــــرأي خمــــــــــالف يف نفــــــــــس كتــــــــــاب املدين ــــــــــث أن يــــــــــديل ب ــــــــــه مــــــــــا يلب غــــــــــري أن

الفاضــــــــــــــلة فيقــــــــــــــول يف معــــــــــــــرض حديثــــــــــــــه عــــــــــــــن أهــــــــــــــل املدينــــــــــــــة الفاســــــــــــــقة:

ــــــــــورده احلــــــــــواس عليــــــــــه مل ــــــــــاطق مــــــــــا دام متشــــــــــاغال مبــــــــــا ت "وكــــــــــذلك اجلــــــــــزء الن

يشــــــــعر �ذى مــــــــا يقــــــــرتن بــــــــه مــــــــن اهليئــــــــات الرديئــــــــة، حــــــــىت إذا انفــــــــرد انفــــــــرادا

ـــــــــــــــات، ـــــــــــــــه أذى هـــــــــــــــذه اهليئ �مـــــــــــــــا دون احلـــــــــــــــواس شـــــــــــــــعر �ألذى وظهـــــــــــــــر ل

فيبقـــــــــى الـــــــــدهر كلـــــــــه يف أذى، فـــــــــان احلـــــــــق مـــــــــن هـــــــــو يف مرتبتـــــــــه مـــــــــن أهـــــــــل

ـــــــــــة، ازداد أذى كـــــــــــل واحـــــــــــد مـــــــــــنهم بصـــــــــــاحبه، ألن املتالحقـــــــــــني ـــــــــــك املدين تل

بــــــــال �ايــــــــة تكــــــــون ز�دات أذاهــــــــم يف غــــــــابر الزمــــــــان بــــــــال �ايــــــــة، فهــــــــذا هــــــــو

.)٣("الشقاء املضاد للسعادة

وهــــــــــــــذا الــــــــــــــنص يوضــــــــــــــح أن الفــــــــــــــارايب يقــــــــــــــول: إن نفــــــــــــــوس أهــــــــــــــل املدنيــــــــــــــة

الفاســــــــــــــقة، تظــــــــــــــل خالــــــــــــــدة يف الشــــــــــــــقاء أو مقيمــــــــــــــة الــــــــــــــدهر كلــــــــــــــه يف أذى

.)٤(حسب رأيه -عظيم

ــــــــزم ــــــــنفس حبــــــــدوث اجلســــــــد ال يل ــــــــال: إن حــــــــدوث ال ــــــــن ســــــــينا فقــــــــد ق أمــــــــا اب

عنــــــــــه بطــــــــــالن الــــــــــنفس بــــــــــبطالن اجلســــــــــد، والــــــــــدليل علــــــــــى ذلــــــــــك أن عالقــــــــــة

.١١٨. املدينة الفاضلة ص ١

.٨٣. السياسات املدنية ص ٢

.١٢٠-١١٩. املدينة الفاضلة ص ٣

١ط – ١١٣-١١٢ص –د/إبراهيم عايت –. انظر : اإلنسان يف الفلسفة اإلسالمية ٤

القاهرة . -اهليئة املصرية العامة للكتاب –م ١٩٩٣

١٩

أن تكــــــــــون عالقــــــــــة املكــــــــــافئ للجســــــــــد يف الوجــــــــــود، الــــــــــنفس �جلســــــــــد، إمــــــــــا

وإما أن تكون عالقة املتأخر عنه، وإما أن تكون عالقة املتقدم.

أمــــــــــا إذا كــــــــــان عالقــــــــــة الــــــــــنفس عالقــــــــــة املكــــــــــافئ يف الوجــــــــــود، أي إذا كـــــــــــان

اجلســـــــــد والـــــــــنفس قـــــــــد وجـــــــــدا معـــــــــا، فإمـــــــــا أن تكـــــــــون هـــــــــذه العالقـــــــــة ذاتيـــــــــة،

ـــــــــــت عالقتهمـــــــــــ ـــــــــــة، صـــــــــــار كـــــــــــل وإمـــــــــــا أن تكـــــــــــون عرضـــــــــــية، فـــــــــــإذا كان ا ذاتي

واحــــــــــــــــد منهمــــــــــــــــا مضــــــــــــــــاف الــــــــــــــــذات إىل صــــــــــــــــاحبه، وانقلبــــــــــــــــا إىل جــــــــــــــــوهر

واحـــــــــــــــد، فليســـــــــــــــت إذن عالقـــــــــــــــة الـــــــــــــــنفس �جلســـــــــــــــد عالقـــــــــــــــة ذاتيـــــــــــــــة، وإذا

كانـــــــــــت عالقتهمـــــــــــا عالقـــــــــــة عرضـــــــــــية، أمكـــــــــــن زوال أحـــــــــــدمها مـــــــــــن غـــــــــــري أن

يـــــــــزول اآلخـــــــــر، ومعـــــــــىن هـــــــــذا أن الـــــــــنفس ال تفـــــــــىن بفنـــــــــاء اجلســـــــــد، وأمـــــــــا إذا

د عالقــــــــــة املتــــــــــأخر، أي أن اجلســــــــــد متقــــــــــدم كانــــــــــت عالقــــــــــة الــــــــــنفس �جلســــــــــ

الوجـــــــــــود علـــــــــــى الـــــــــــنفس فـــــــــــإن اجلســـــــــــد عنـــــــــــد ذلـــــــــــك يكـــــــــــون علـــــــــــة وجـــــــــــود

ــــــــــة، والعلــــــــــة املاديــــــــــة، ــــــــــع: العلــــــــــة الفاعل ــــــــــم أن العلــــــــــل أرب الــــــــــنفس، وحنــــــــــن نعل

والعلـــــــــة الصـــــــــورية، والعلـــــــــة الغائيـــــــــة، أمـــــــــا كـــــــــون اجلســـــــــد علـــــــــة فاعلـــــــــة تعطـــــــــي

يفعـــــــــــل الـــــــــــنفس وجودهـــــــــــا فهـــــــــــذا حمـــــــــــال، ألن اجلســـــــــــم مبـــــــــــا هـــــــــــو جســـــــــــم ال

ـــــــــة، وملـــــــــا كـــــــــان مـــــــــن احملـــــــــال أن بقـــــــــواه اجلســـــــــمانية الـــــــــيت هـــــــــي أعراضـــــــــه املادي

تكــــــــون األعــــــــراض علــــــــة للماهيــــــــة كــــــــان مــــــــن احملــــــــال أن يكــــــــون اجلســــــــم علــــــــة

ــــــــــــة ــــــــــــة مادي ــــــــــــنفس، ومــــــــــــن احملــــــــــــال أيضــــــــــــا أن يكــــــــــــون اجلســــــــــــد عل فاعلــــــــــــة لل

للــــــــــــــنفس، ألن الــــــــــــــنفس كمــــــــــــــا علمنــــــــــــــا جــــــــــــــوهر غــــــــــــــري منطبــــــــــــــع يف اجلســــــــــــــم

ـــــــــــال يف النحـــــــــــ ـــــــــــاع صـــــــــــورة التمث ـــــــــــة ال ميكـــــــــــن أن كانطب اس، واألجســـــــــــام املادي

تصـــــــــــنع شـــــــــــيئا مـــــــــــاد�، أمـــــــــــا انتفـــــــــــاء كونـــــــــــه علـــــــــــة صـــــــــــورية أو غائيـــــــــــة، فـــــــــــإن

األوىل أن يكـــــــــــــــون �لعكـــــــــــــــس، فاجلســـــــــــــــد ال ميكـــــــــــــــن إذن أن يكـــــــــــــــون علـــــــــــــــة

ـــــــع، والـــــــنفس إمنـــــــا تفـــــــيض عـــــــن واهـــــــب الصـــــــور، فـــــــإذا ـــــــل األرب مـــــــن هـــــــذه العل

ه ال كانــــــــــت حادثــــــــــة مل يلــــــــــزم عــــــــــن حــــــــــدوثها أن تفــــــــــىن بفنــــــــــاء اجلســــــــــد، ألنــــــــــ

يـــــــــــدعو حـــــــــــدوث الشـــــــــــيء مـــــــــــع الشـــــــــــيء إىل بطالنـــــــــــه معـــــــــــه، وقـــــــــــد حتـــــــــــدث

أمـــــــــور عـــــــــن أمـــــــــور وتبطـــــــــل هـــــــــذه األمـــــــــور، وتبقـــــــــى تلـــــــــك إذا كانـــــــــت ذوا�ـــــــــا

٢٠

غـــــــــري قائمـــــــــة فيهـــــــــا فلـــــــــيس يلـــــــــزم إذن عـــــــــن �خـــــــــر الـــــــــنفس يف الوجـــــــــود علـــــــــى

ــــــــــــــــة هلــــــــــــــــا يف وجودهــــــــــــــــا، وال أن تبطــــــــــــــــل اجلســــــــــــــــد أن يكــــــــــــــــون اجلســــــــــــــــد عل

ببطالنه.

جلســــــــــــد عالقــــــــــــة املتقــــــــــــدم، أي لنفــــــــــــرض أمــــــــــــا إذا كانــــــــــــت عالقــــــــــــة الــــــــــــنفس �

ـــــــــنفس وجـــــــــدت قبـــــــــل وجـــــــــود اجلســـــــــد فقـــــــــد قـــــــــال ابـــــــــن ســـــــــينا: إمـــــــــا أن أن ال

يكـــــــــــون التقـــــــــــدم مـــــــــــع ذلـــــــــــك زمانيـــــــــــا فيســـــــــــتحيل أن يتعلـــــــــــق وجودهـــــــــــا بـــــــــــه،

ــــــــــذات ال يف الزمــــــــــان، أل�ــــــــــا متقدمــــــــــة عليــــــــــه يف الزمــــــــــان، وإمــــــــــا التقــــــــــدم يف ال

وهــــــــــــذا ال يــــــــــــدعو إىل فنــــــــــــاء الــــــــــــنفس بــــــــــــبطالن اجلســــــــــــد، ألن فــــــــــــرض عــــــــــــدم

املتأخر ال يوجد عدم املتقدم.

ـــــــــــــنفس �جلســـــــــــــد عالقـــــــــــــة عرضـــــــــــــية ال ـــــــــــــده أن عالقـــــــــــــة ال إذن: فالنتيجـــــــــــــة عن

.)١(ذاتية، وهلذا ال تفىن النفس بفناء اجلسد

وبنـــــــــاء علـــــــــى مـــــــــا ســـــــــبق، فـــــــــان رأي الفـــــــــارايب وابـــــــــن ســـــــــينا يف مســـــــــألة املعـــــــــاد

خاصـــــــــــة ويف غريهـــــــــــا مـــــــــــن املســـــــــــائل عامـــــــــــة، هـــــــــــو التمييـــــــــــز بـــــــــــني احملســـــــــــوس

ن الرغبـــــــــــة يف إصـــــــــــابة الســـــــــــعادة الروحيـــــــــــة أعظـــــــــــم مـــــــــــن الرغبـــــــــــة واملعقـــــــــــول، وإ

ـــــــــــنفس ـــــــــــة وأن الســـــــــــعادة احلقـــــــــــة يف أن تســـــــــــلك ال يف إصـــــــــــابة الســـــــــــعادة البدني

ســــــــــــــبيلها إىل اجلــــــــــــــواهر الروحيــــــــــــــة املطلقــــــــــــــة، وتصــــــــــــــبح جــــــــــــــزءا مــــــــــــــن العــــــــــــــامل

)٢(العلـــــــــوي قـــــــــد ارتســـــــــمت فيهـــــــــا الصـــــــــورة ا�ـــــــــردة، والنظـــــــــام املعقـــــــــول للكـــــــــل

ــــــــيت تقتصــــــــر علــــــــى ب ــــــــوغ الكمــــــــال األنســــــــي، وهــــــــي النفــــــــوس أمــــــــا النفــــــــوس ال ل

الســــــــــــــاذجة الــــــــــــــيت مل تتهيــــــــــــــأ هلــــــــــــــذا التجــــــــــــــرد، أو تقاعســــــــــــــت عــــــــــــــن طلبــــــــــــــه،

والنفـــــــــــــوس البلـــــــــــــه الـــــــــــــيت تكتســـــــــــــب الشـــــــــــــوق يف حـــــــــــــال املفارقـــــــــــــة عنـــــــــــــادا أو

ـــــــــــل" فتقاســـــــــــي ـــــــــــة الفاســـــــــــدة "أي الرذائ ـــــــــــات البدني جحـــــــــــودا مـــــــــــع هـــــــــــذه اهليئ

وما بعدها . ٢/٣٥. انظر : النجاة البن سينا ١ــــفاء البن ســـــــــينا ، وانظ٩للفارايب ص -. انظر: فصـــــــــوص ٢ وانظر اجلانب ٢/٤٢٥ر: الشـــــ

ـــــــ١٤١٢ ١ط ٣٢٠د/ســــامل مرشــــان ص -اإلهلي عند ابن ســــينا ــــــ -م دار قتيبة١٩٩٢ -هــــــ

بريوت.

٢١

العـــــــــذاب املريـــــــــر مـــــــــن جـــــــــراء انفصـــــــــاهلا عـــــــــن البـــــــــدن، وعجزهـــــــــا عـــــــــن مباشـــــــــرة

، وهلذا)١(اللذات البدنية نتيجة لذلك

ــــــــة املــــــــزاعم: مــــــــن يف النبــــــــوة الفــــــــارايب وابــــــــن ســــــــينامــــــــزاعم علــــــــى املرتتب

زعمـــــــــــا أن غايـــــــــــة النـــــــــــيب دون األجســـــــــــاد يف حشـــــــــــر األرواح مزاعمهمـــــــــــا

مــــــــن مســــــــألة أمــــــــر املعــــــــاد هــــــــي دفــــــــع النــــــــاس إىل فعــــــــل اخلــــــــري وهــــــــذا التوجيــــــــه

ـــــــــــدفع إىل فعـــــــــــل اخلـــــــــــري ال ميكـــــــــــن إال إذا شـــــــــــرح ـــــــــــيب صـــــــــــلى هللا أو ال هلـــــــــــم الن

عليـــــــــه وســـــــــلم أن املعـــــــــاد ال خيـــــــــص الـــــــــروح وحـــــــــدها، بـــــــــل حـــــــــىت البـــــــــدن، ألن

اإلنســــــــــان واقــــــــــع يف خطــــــــــأ االعتقــــــــــاد �ن بدنــــــــــه هــــــــــو ذاتــــــــــه علــــــــــى احلقيقــــــــــة،

.)٢(فال يستطيع أن يتصور أنيته من دونه

"إال أن اســــــــــتيالء بدنـــــــــه علـــــــــى نفســـــــــه وختييـــــــــل بدنــــــــــه يقـــــــــول ابـــــــــن ســـــــــينا:

ســـــــــان نفســـــــــه، فظـــــــــن غـــــــــريه أنـــــــــه هـــــــــو، وظـــــــــن إليـــــــــه أنـــــــــه هويتـــــــــه، أنســـــــــى اإلن

خرياتــــــــــه وشــــــــــروره أ�ــــــــــا خــــــــــريات وشــــــــــرور ذاتــــــــــه، وظــــــــــن أنــــــــــه إذا خــــــــــال عــــــــــن

ـــــــــــك اخلـــــــــــريات والشـــــــــــرور، فقـــــــــــد خـــــــــــال عـــــــــــن اخلـــــــــــري والشـــــــــــر �إلطـــــــــــالق، تل

فظـــــــــــن أن ال ســـــــــــعادة لـــــــــــه إذا مل يكـــــــــــن لـــــــــــه اللـــــــــــذة اجلســـــــــــمانية، وال شـــــــــــقاوة

.)٣(له إذا مل يكن له األمل اجلسماين"

ي أن الشــــــــــريعة تلجــــــــــأ دائمــــــــــا إىل ضــــــــــرب بــــــــــل إن ابــــــــــن ســــــــــينا يــــــــــدع

األمثلـــــــــــــة احملسوســـــــــــــة يف مثـــــــــــــل هـــــــــــــذه املســـــــــــــائل، وهـــــــــــــي ضـــــــــــــرورية

ـــــــــال: إن واضـــــــــعوا الشـــــــــرائع عنـــــــــدما للجمهـــــــــور، ولكـــــــــي يقـــــــــرر مـــــــــا زعمـــــــــه ق

أرادوا أن يرغبـــــــــــوا النــــــــــــاس يف الثــــــــــــواب، وخيوفــــــــــــو�م مــــــــــــن العقــــــــــــاب، اضــــــــــــطروا

إىل القـــــــــــــــول: إن الســـــــــــــــعادة األخرويـــــــــــــــة �للـــــــــــــــذات احلســـــــــــــــية، مثـــــــــــــــل حـــــــــــــــور

عــــــــــــــني والفاكهــــــــــــــة واجلنــــــــــــــات والنعـــــــــــــــيم واألرائــــــــــــــك، والشــــــــــــــقاوة األخرويـــــــــــــــة ال

–ماجد فخري –، وانظر : خمتصر �ريخ الفلسفة العربية ٢/٤٢٩ –. انظر : الشفاء ١

بريوت . -١٩٨١ ١ط – ٧٢-٧١ص القاهرة –م ١٩٤٩ –حتقيق : سليمان دنيا – ٥٨ص –البن سينا –. انظر : رسالة أضحوية يف أمر املعاد ٢

.٩٧. املرجع السابق ص ٣

٢٢

ــــــــــــر، والسالســــــــــــل واألغــــــــــــالل والنــــــــــــار، ــــــــــــل الســــــــــــعري والزمهري �ألمل احلســــــــــــي مث

وهلـــــــــــــذا فاحلكمـــــــــــــاء اإلهليـــــــــــــون كانـــــــــــــت رغبـــــــــــــتهم يف إصـــــــــــــابة معـــــــــــــاد الـــــــــــــنفس

.)١(والسعادة املقرتنة �ا

"واحلكمــــــــــــاء اإلهليــــــــــــون رغبـــــــــــتهم يف إصــــــــــــابة هــــــــــــذه يقـــــــــــول ابــــــــــــن ســــــــــــينا:

لســـــــــعادة أعظـــــــــم مـــــــــن رغبـــــــــتهم يف إصـــــــــابة الســـــــــعادة البدنيـــــــــة، بـــــــــل كـــــــــأ�م ال ا

يلتفتــــــــــــــــون إىل تلــــــــــــــــك، وان أعطوهــــــــــــــــا، وال يســــــــــــــــتعظمو�ا يف جنبــــــــــــــــة هــــــــــــــــذه

.)٢(السعادة اليت هي مقاربة احلق األول"

ـــــــــاء، إمنـــــــــا ـــــــــى لســـــــــان األنبي إذن: فـــــــــابن ســـــــــينا زعـــــــــم أن خطـــــــــاب الشـــــــــريعة عل

ـــــــــه، لتقريـــــــــب مـــــــــا ال يفهمـــــــــون إىل يـــــــــراد منـــــــــه خطـــــــــاب اجلمهـــــــــور مبـــــــــا يفهمون

أفهامهم �لتشبيه والتمثيل.

فقـــــــــد فســـــــــروا املعـــــــــاد علـــــــــى أنـــــــــه ســـــــــعادة أمـــــــــا اخلاصـــــــــة وهـــــــــم احلكمـــــــــاء:

للــــــــــنفس أو شــــــــــقاء هلــــــــــا، وهــــــــــو يريــــــــــد مــــــــــن زعمــــــــــه هــــــــــذا كلــــــــــه الوصــــــــــول إىل

إثبات املعاد للنفس فقط دون اجلسد.

وهلــــــــــــذا خــــــــــــالف الكتــــــــــــاب والســــــــــــنة ومــــــــــــا عليــــــــــــه كافــــــــــــة املســــــــــــلمني مــــــــــــن أن

واجلســــــــــــد وأن األنفــــــــــــس متـــــــــــوت مبــــــــــــوت األجســــــــــــاد ومو�ــــــــــــا املعـــــــــــاد للــــــــــــنفس

هو مفارقة اجلسد، وهذا ما سنوضحه فيما بعد.

املبحث الثاين:

أدلـــــــــــة الفـــــــــــارايب وابـــــــــــن ســـــــــــينا يف مســـــــــــألة حشـــــــــــر األرواح دون

األجساد.

إن األســـــــــــــــاس الـــــــــــــــذي اســـــــــــــــتند عليـــــــــــــــه الفالســـــــــــــــفة يف قـــــــــــــــوهلم: إن احلشـــــــــــــــر

ــــــــــذي اســــــــــ ــــــــــألرواح دون األجســــــــــاد، هــــــــــو نفــــــــــس األســــــــــاس ال ــــــــــه يف ل تندوا علي

ـــــــــــوهلم: بقـــــــــــدم العـــــــــــامل وهـــــــــــو تصـــــــــــورهم أن التجـــــــــــدد أو احلـــــــــــدوث يقتضـــــــــــي ق

.٢/٤٢٥، وانظر : الشفاء ٦٠-٥٩ص –. انظر : املرجع السابق ١

.٢/٤٢٣. الشفاء ٢

٢٣

ــــــــــذي تعلقــــــــــوا �ــــــــــاتغــــــــــريا يف اإلرادة اإلهليــــــــــة، إذا كــــــــــان ، ومــــــــــن الشــــــــــبه ال

ـــــــــدن بعـــــــــد املـــــــــوت ال ـــــــــى جمـــــــــرى واحـــــــــد ، فـــــــــإن الب الفعـــــــــل اإلهلـــــــــي يســـــــــري عل

ــــــــــك أن ــــــــــدبرت ظهــــــــــر ل ــــــــــه "إذا �ملــــــــــت وت ــــــــــه وذلــــــــــك ألن يعقــــــــــل عــــــــــوده وبعث

هر الرتبـــــــــة املعمـــــــــورة جثـــــــــث املـــــــــوتى املرتبـــــــــة، وقـــــــــد حـــــــــرث الغالـــــــــب علـــــــــى ظـــــــــا

فيهـــــــــــا وزرع، وتكـــــــــــون منهـــــــــــا األغذيـــــــــــة وتغـــــــــــذى �ألغذيـــــــــــة جثـــــــــــث أخـــــــــــرى،

ــــــــة لصــــــــوريت إنســــــــانني يف وقتــــــــني هلــــــــا ــــــــأىن ميكــــــــن بعــــــــث مــــــــادة كانــــــــت حامل ف

ـــــــه يبعـــــــث للـــــــنفس ـــــــال قائـــــــل: إن مجيعـــــــا يف وقـــــــت واحـــــــد بـــــــال قســـــــمة، فـــــــإن ق

ـــــــــــــــراب وأي هـــــــــــــــواء ومـــــــــــــــاء و�ر اتفـــــــــــــــق بعينـــــــــــــــه القـــــــــــــــول بـــــــــــــــدن مـــــــــــــــن أي ت

.)١("�لتناسخ الصراح

ظـــــــــاهر الرتبــــــــــة «:أوهلـــــــــا أورد عــــــــــدة شـــــــــبهفـــــــــابن ســـــــــينا يف الـــــــــنص الســـــــــابق

«و�نيهــــــــــــا »وقــــــــــــد حــــــــــــرث فيهــــــــــــا وزرع، املعمــــــــــــورة جثــــــــــــث املــــــــــــوتى املرتبــــــــــــة

ــــــــــث أخــــــــــرى ــــــــــة جث فــــــــــأىن ميكــــــــــن بعــــــــــث مــــــــــادة «و�لثهــــــــــا »تغــــــــــذى �ألغذي

ـــــــــت ـــــــــني هلـــــــــا مجيعـــــــــا يف وق ـــــــــة لصـــــــــوريت إنســـــــــانني يف وقت ـــــــــت حامل واحـــــــــد كان

؛ت أن املعــــــــــاد للــــــــــروح فقــــــــــط دون اجلســــــــــدثبــــــــــوكــــــــــل هــــــــــذا ليي» بــــــــــال قســــــــــمة

ومـــــــــــن مث اســـــــــــتدل علـــــــــــى ماســـــــــــبق بشـــــــــــبهة أدهـــــــــــى وأمـــــــــــر وهـــــــــــو زعمـــــــــــه أن و

ضــــــــــربت األمثلـــــــــــة احملسوســــــــــة يف هــــــــــذا ا�ـــــــــــال للجمهــــــــــور، وكـــــــــــان الشــــــــــريعة

قصـــــــــــدها اجلــــــــــــزاء العملــــــــــــي مــــــــــــن أفعــــــــــــال اإلنســــــــــــان، وذلــــــــــــك لكــــــــــــي يفعــــــــــــل

يف نوعـــــــــه وشـــــــــريكه يف جنســـــــــه، اإلنســـــــــان اخلـــــــــري مـــــــــع نفســـــــــه ومـــــــــع شـــــــــريكه

فإنــــــــــه إن مل ميثـــــــــــل هلـــــــــــم الثــــــــــواب والعقـــــــــــاب احلقيقـــــــــــي البعيــــــــــد عـــــــــــن األفهـــــــــــام

مبـــــــــــــا يظهـــــــــــــر مل يرغبـــــــــــــوا ومل يرهبـــــــــــــوا، ومـــــــــــــا مل يبعـــــــــــــث أبـــــــــــــدا�م مل يرتســـــــــــــخوا

لألمـــــــــــــرين، فوجـــــــــــــب يف حكـــــــــــــم السياســـــــــــــة الشـــــــــــــرعية تقريـــــــــــــر أمـــــــــــــر املعـــــــــــــاد

.)٢(واحلساب والثواب والعقاب على هذه الوجوه

. ٥٥. رسالة أضحوية يف أمر املعاد ص ١ .٩٧، ٦٠-٥٨ص . انظر : املرجع السابق ٢

٢٤

مــــــــا ســــــــبق فــــــــإن أدلــــــــة الفــــــــارايب وابــــــــن ســــــــينا يف الــــــــنفس الناطقــــــــة وبنــــــــاء علــــــــى

تنقسم إىل ثالثة أقسام وهي:

أدلتهم على زعمهم أن النفس جوهر روحاين مفارق. )١

أدلتهم على زعمهم أن النفوس سرمدية ال يتصور فناؤها. )٢

أدلتهم على أن احلشر لألرواح دون األجساد. )٣

حـــــــــــــــد مث �يت �دلـــــــــــــــة وســـــــــــــــوف نكتفـــــــــــــــي علـــــــــــــــى األول والثـــــــــــــــاين بـــــــــــــــدليل وا

القسم الثالث ألنه لب املوضوع.

دليلهم على أن النفس جوهر روحاين مفارق: -

ـــــــــدرك املعقـــــــــوالت، واملعقـــــــــوالت معـــــــــان جمـــــــــردة عمـــــــــا ســـــــــواها ال جيـــــــــوز إ�ـــــــــا ت

أن حتصــــــــــــل وترســــــــــــم يف شــــــــــــيء منقســــــــــــم، وال يف شــــــــــــيء ذي وضــــــــــــع، فلــــــــــــو

ــــــــــه مقــــــــــدار وشــــــــــكل ووضــــــــــع، حصــــــــــل معقــــــــــوال يف اجلســــــــــم لكــــــــــان حيصــــــــــل ل

خيـــــــــرج مـــــــــن أن يكـــــــــون معقـــــــــوال، وان الـــــــــنفس اإلنســـــــــانية إمنـــــــــا ختــــــــــرج فكـــــــــان

ــــــــــة إىل الفعــــــــــل، واىل أن يكــــــــــون عقــــــــــال كــــــــــامال �لفعــــــــــل بشــــــــــيء قو�ــــــــــا العقلي

آخــــــــــر خيرجهــــــــــا مــــــــــن القــــــــــوة إىل الفعــــــــــل وهــــــــــو العقــــــــــل الفعــــــــــال، وإن ذلــــــــــك

إمنــــــــــــــا يكــــــــــــــون �تصــــــــــــــال حيصــــــــــــــل بــــــــــــــني الــــــــــــــنفس الناطقــــــــــــــة وبــــــــــــــني العقــــــــــــــل

.)١("الفعال

ترتــــــــــب دلــــــــــيلهم علــــــــــى قــــــــــوهلم: إن النفــــــــــوس يلوبنــــــــــاء علــــــــــى هــــــــــذا الــــــــــدل

سرمدية ال يتصور فناؤها.

ــــــــــــارايب يقــــــــــــول: ــــــــــــت فالف "إن العقــــــــــــل يقــــــــــــوى بعــــــــــــد الشــــــــــــيخوخة، وإذا كان

ــــــــــــرة ــــــــــــة حلــــــــــــدوثها املتكث مفارقــــــــــــة مل جيــــــــــــب أن تفســــــــــــد بفســــــــــــاد املــــــــــــادة املوجب

بعــــــــــــدها املعينــــــــــــة لوجــــــــــــود نفــــــــــــس مــــــــــــن دون أخــــــــــــرى مثلهــــــــــــا علــــــــــــى أن هلــــــــــــا

ادة املفارقــــــــــــات وإن أمتهــــــــــــا مــــــــــــا ســــــــــــعادة بعــــــــــــد املفارقــــــــــــة مــــــــــــن جــــــــــــنس ســــــــــــع

.)٢("يكون للنفوس الفاضلة

.٢/٢٠٦الشفاء – ٢/٢٦النجاة – ١٠الدعاوي القلبية ص – ٧. انظر : رسالة يف إثبات املفارقات ص ١ .٨. رسالة يف إثبات املفارقات ص ٢

٢٥

"وملـــــــا كانـــــــت الـــــــنفس الناطقـــــــة الـــــــيت هـــــــي موضـــــــوع أمـــــــا ابـــــــن ســـــــينا فقـــــــال:

ـــــــــة، غـــــــــري منطبعـــــــــة يف جســـــــــم تقـــــــــوم بـــــــــه بـــــــــل إمنـــــــــا هـــــــــي مـــــــــا للصـــــــــور املعقول

ذات آلــــــــــــــة �جلســــــــــــــم، فاســـــــــــــــتحالة اجلســــــــــــــم عــــــــــــــن أن يكـــــــــــــــون آلــــــــــــــة هلـــــــــــــــا،

هرهــــــــــا، بــــــــــل يكــــــــــون �قيــــــــــا وحافظــــــــــا للعالقــــــــــة معهــــــــــا �ملــــــــــوت، وال يضــــــــــر جو

.)١("مبا هو مستفيد الوجود من اجلواهر الباقية

فــــــــــالنفس عنــــــــــدمها والــــــــــيت وصــــــــــفوها ��ــــــــــا جــــــــــوهر روحــــــــــاين مفــــــــــارق تلحــــــــــق

��ـــــــــردات الـــــــــيت مسوهـــــــــا عقـــــــــول ونفـــــــــوس فهـــــــــي ال متـــــــــوت وال تفـــــــــىن، وهلـــــــــذا

ــــــــني شــــــــيخ اإلســــــــالم ابــــــــن تيميــــــــة رمحــــــــه هللا "أن مــــــــا يذكرونــــــــه مــــــــن العقــــــــول ب

ردات واملفارقــــــــــــــــــات ال يثبــــــــــــــــــت هلــــــــــــــــــم منــــــــــــــــــه إال نفــــــــــــــــــس والنفــــــــــــــــــوس وا�ــــــــــــــــــ

فإن أصـــــــــــل تســـــــــــميتهم هلـــــــــــذه األمــــــــــور مفارقـــــــــــات هـــــــــــو مـــــــــــأخوذ …اإلنســــــــــان

مـــــــــن مفارقـــــــــة الــــــــــنفس البـــــــــدن �ملــــــــــوت، وهـــــــــذا أمـــــــــر صــــــــــحيح، فـــــــــإن نفــــــــــس

ــــــــــــنفس قائمــــــــــــة ــــــــــــين علــــــــــــى أن ال امليــــــــــــت تفــــــــــــارق بدنــــــــــــه �ملــــــــــــوت، وهــــــــــــذا مب

بنفســــــــــــها تبقــــــــــــى بعــــــــــــد فــــــــــــراق البــــــــــــدن �ملــــــــــــوت منعمــــــــــــة أو معذبــــــــــــة وهــــــــــــذا

هب أهــــــــــــل امللــــــــــــل مــــــــــــن املســـــــــــــلمني وغــــــــــــريهم وهــــــــــــو قــــــــــــول الصـــــــــــــحابة مــــــــــــذ

ـــــــــــــــــــابعني هلـــــــــــــــــــم �حســـــــــــــــــــان وســـــــــــــــــــائر أئمـــــــــــــــــــة املسلمني والفالســـــــــــــــــــفة …والت

ــــــــــنفس تبقــــــــــى إذا فارقــــــــــت البــــــــــدن، لكــــــــــن يصــــــــــفون املشــــــــــاءون يقــــــــــرون �ن ال

الـــــــــنفس بصـــــــــفات �طلـــــــــة فيـــــــــدعون أ�ـــــــــا إذا فارقـــــــــت البـــــــــدن كانـــــــــت عقـــــــــال،

ادة، واملـــــــــادة عنـــــــــدهم والعقـــــــــل عنـــــــــدهم هـــــــــو ا�ـــــــــرد عـــــــــن املـــــــــادة وعالئـــــــــق املـــــــــ

.)٢("هي اجلسم

ـــــــــــنفس األنســـــــــــانية مـــــــــــن حـــــــــــق ـــــــــــني رمحـــــــــــه هللا مـــــــــــا يف قـــــــــــوهلم يف ال وهكـــــــــــذا ب

ــــــــــوهلم فيهــــــــــا فقــــــــــال: "والعقــــــــــل عنــــــــــدهم ــــــــــؤول إليــــــــــه ق ــــــــــني مــــــــــا ي و�طــــــــــل مث ب

وانظر : رسالة يف السعادة ٢٤٣-٢٤٢ص –البن سينا –. إشارات القسم الثالث ١

.١٢للفارايب ضمن رسائله ص . ٢٧٢-٩/٢٧١م ابن تيمية . فتاوى شيخ اإلسال ٢

٢٦

جـــــــــــــوهر قـــــــــــــائم بنفســـــــــــــه ال يوصـــــــــــــف حبركـــــــــــــة وال ســـــــــــــكون وال تتجـــــــــــــدد لـــــــــــــه

أحوال البتة.

تجــــــــــــدد هلــــــــــــا حــــــــــــال فحقيقــــــــــــة قــــــــــــوهلم: إن الــــــــــــنفس إذا فارقــــــــــــت البــــــــــــدن ال ي

.)١("…من األحوال

أما أدلتهم على أن احلشر لألرواح دون األجساد فهي:

يقـــــــــــول) اللـــــــــــذات العقليـــــــــــة أمســـــــــــى وأشـــــــــــرف مـــــــــــن اللـــــــــــذات اجلســـــــــــمانية: ١

ـــــــــارايب: ـــــــــنفس–"إ�ـــــــــا الف ـــــــــيس -أي ال ـــــــــدن ل ـــــــــة بعـــــــــد مـــــــــوت الب ـــــــــة �قي مفارق

فيهــــــــــا قــــــــــوة قبــــــــــول الفســــــــــاد، وأن هلــــــــــا بعــــــــــد املفارقــــــــــة أحــــــــــواال، إمــــــــــا أحــــــــــوال

.)٢("ادة، وإما أحوال شقاوةسع

ـــــــــــــت عويصـــــــــــــا يهمـــــــــــــك ويقـــــــــــــول ابـــــــــــــن ســـــــــــــينا: ـــــــــــــم إذا �مل "وأنـــــــــــــت تعل

وعرضـــــــــــــــــت عليـــــــــــــــــك شـــــــــــــــــهوة، وخـــــــــــــــــريت بـــــــــــــــــني الظفـــــــــــــــــرين اســـــــــــــــــتخففت

�لشــــــــــهوة إن كنــــــــــت كــــــــــرمي الــــــــــنفس، واألنفــــــــــس العاميــــــــــة أيضــــــــــا فإ�ــــــــــا تــــــــــرتك

الشـــــــــــــــــــهوات املعرتضـــــــــــــــــــة وتـــــــــــــــــــؤثر الغرامـــــــــــــــــــات واآلالم الفادحـــــــــــــــــــة بســـــــــــــــــــبب

افتضـــــــــاح أو خجـــــــــل أو تغيـــــــــري أو ســـــــــوء قالـــــــــة وهـــــــــذه كلهـــــــــا أحـــــــــوال عقليـــــــــة

وأضـــــــــــــدادها علـــــــــــــى املـــــــــــــؤثرات الطبيعيـــــــــــــة ويصـــــــــــــري هلـــــــــــــا علـــــــــــــى تـــــــــــــؤثر هـــــــــــــي

املكروهــــــــــــــات الطبيعيــــــــــــــة، فـــــــــــــــيعلم يف ذلــــــــــــــك أن الغـــــــــــــــا�ت العقليــــــــــــــة أكـــــــــــــــرم

علــــــــــــى الــــــــــــنفس مــــــــــــن حمقــــــــــــرات األشــــــــــــياء، فكيــــــــــــف البهيــــــــــــة العاليــــــــــــة؟ اال أن

الـــــــــــنفس اخلسيســـــــــــة حتـــــــــــس مبـــــــــــا يلحـــــــــــق احملقـــــــــــرات مـــــــــــن اخلـــــــــــري والشـــــــــــر، وال

.)٣("عاذيرحتس مبا يلحق األمور البهية ملا قيل من امل

) إنــــــــه إذا كــــــــان حــــــــال املالئكــــــــة أشــــــــرف مــــــــن حــــــــال احليــــــــوا�ت فــــــــإن لــــــــذة ٢

املالئكــــــــة مبـــــــــا اختصــــــــت بـــــــــه مـــــــــن االطــــــــالع علـــــــــى حقــــــــائق األشـــــــــياء وقر�ـــــــــا

من رب العاملني راجعة إىل جتردها عن األبدان.

.٩/٢٧٣. املرجع السابق : ١ .١٠ص –. الدعاوي القلبية ٢

.٢/٤٢٧ –. الشفاء ٣

٢٧

كمـــــــــــا يـــــــــــرى احلكمـــــــــــاء اإلهليـــــــــــون رغبـــــــــــتهم يف "… يقـــــــــــول ابـــــــــــن ســـــــــــينا:

تهم يف إصـــــــــــــابة الســـــــــــــعادة إصـــــــــــــابة الســـــــــــــعادة الروحيـــــــــــــة أعظـــــــــــــم مـــــــــــــن رغبـــــــــــــ

ــــــــــــــذة الــــــــــــــيت للجــــــــــــــوهر اإلنســــــــــــــاين ــــــــــــــة، إذ أن الل ــــــــــــــد -أي نفســــــــــــــه–البدني عن

ـــــــــــه لـــــــــــذة فقـــــــــــط مـــــــــــن ـــــــــــيس ممـــــــــــا يقـــــــــــاس إلي املعـــــــــــاد، إذا كـــــــــــان مســـــــــــتكمال ل

اللــــــــــــذات املوجــــــــــــودة يف عاملنــــــــــــا هــــــــــــذا، وهــــــــــــل اخلــــــــــــري واللــــــــــــذة الــــــــــــيت ختــــــــــــص

ــــــــــيت ختــــــــــص البهــــــــــائم ــــــــــذة ال جــــــــــواهر املالئكــــــــــة يكــــــــــون يف مقيــــــــــاس اخلــــــــــري والل

.)١("والسباع

) إنـــــــــــــــــه إذا وردت يف الشـــــــــــــــــرع صـــــــــــــــــور حســـــــــــــــــية عـــــــــــــــــن اجلنـــــــــــــــــة والنـــــــــــــــــار ٣

ــــــــــــال لقصــــــــــــور أفهــــــــــــام العــــــــــــوام عــــــــــــن إدراك اللــــــــــــذات فالقصــــــــــــد ضــــــــــــرب األمث

العقلية متاما.

يقـــــــــــول ابـــــــــــن ســـــــــــينا: "فإنـــــــــــه إذا مل ميثـــــــــــل هلـــــــــــم الثـــــــــــواب والعقـــــــــــاب احلقيقـــــــــــي

البعيـــــــــــد عـــــــــــن اإلفهـــــــــــام مبـــــــــــا يظهـــــــــــر، مل يرغبـــــــــــوا، ومل يرهبـــــــــــوا، ومـــــــــــا مل يبعـــــــــــث

مل يرتشــــــــــــــحوا لألمــــــــــــــرين فوجــــــــــــــب يف حكــــــــــــــم السياســــــــــــــة الشــــــــــــــرعية أبــــــــــــــدا�م

تقريـــــــــــر أمـــــــــــر املعـــــــــــاد واحلســـــــــــاب والثـــــــــــواب والعقـــــــــــاب علـــــــــــى هـــــــــــذه الوجـــــــــــوه،

وقـــــــــــد بلـــــــــــغ صـــــــــــاحب شـــــــــــريعتنا حممـــــــــــد صـــــــــــلى هللا عليـــــــــــه وســـــــــــلم يف مجيـــــــــــع

.)٢("ذلك مبلغا ال ميكن أن يزاد عليه فيه البتة

ــــــــــع هــــــــــذا عــــــــــن أوهــــــــــام النــــــــــاس ويقــــــــــول يف موضــــــــــع آخــــــــــر: "ومل يكــــــــــن رف

فعــــــــــــــة، ويف أول اخلطــــــــــــــاب، فاضــــــــــــــطر واضــــــــــــــعوا الشــــــــــــــريعة يف الرتغيــــــــــــــب يف د

الثـــــــــــــــواب، والرتغيـــــــــــــــب �لعقـــــــــــــــاب، إىل أن قـــــــــــــــالوا: إن الســـــــــــــــعادة األخرويـــــــــــــــة

.)٣("�للذة احلسية، والشقاوة األخروية �ألمل احلسي

.١١٧-١١٦. رسالة أضحوية ص ١

.٦١-٥٧. املرجع السابق ص ٢

.١٠٨-٩٦. املرجع السابق ص ٣

٢٨

وهكـــــــــــذا فســـــــــــر الفالســـــــــــفة املعـــــــــــاد علـــــــــــى أســـــــــــاس أنـــــــــــه ســـــــــــعادة للـــــــــــنفس أو

وإمـــــــــا ســـــــــعيدة وهـــــــــذا هـــــــــو شـــــــــقاء هلـــــــــا، فـــــــــالنفس بعـــــــــد املـــــــــوت إمـــــــــا شـــــــــقية

املعاد عندهم.

حســــــــب أمــــــــا مــــــــا ورد يف القــــــــرآن مــــــــن عــــــــذاب ونعــــــــيم لألجســــــــاد فإمنــــــــا هــــــــو

.)١(على سبيل التمثيل والتخييل للجمهور اعتقادهم الباطل

ـــــــال شـــــــيخ اإلســـــــالم ابـــــــن تيميـــــــة: ـــــــوهم والتخييـــــــل هـــــــم وهلـــــــذا ق "فأهـــــــل ال

ـــــــــوم اآلخـــــــــ ـــــــــون: إن األنبيـــــــــاء أخـــــــــربوا عـــــــــن هللا وعـــــــــن الي ـــــــــذين يقول ر، وعـــــــــن ال

ــــــــــــل وعــــــــــــن املالئكــــــــــــة، �مــــــــــــور غــــــــــــري مطابقــــــــــــة لألمــــــــــــر يف ــــــــــــار، ب اجلنــــــــــــة والن

ـــــــــه أن هللا جســـــــــم ـــــــــه ويتومهـــــــــون ب نفســـــــــه، لكـــــــــنهم خـــــــــاطبوهم مبـــــــــا يتخيلـــــــــون ب

ــــــــــدان تعــــــــــاد هلــــــــــم نعيمــــــــــا حمسوســــــــــا، وعقــــــــــا� حمسوســــــــــا، وان عظــــــــــيم وأن األب

كــــــــــان األمــــــــــر لــــــــــيس كــــــــــذلك يف نفــــــــــس األمــــــــــر، ألن مصــــــــــلحة اجلمهــــــــــور أن

ون بــــــــــه، ويتخيلــــــــــون أن األمــــــــــر هكــــــــــذا، وان كــــــــــان هــــــــــذا خيــــــــــاطبوا مبــــــــــا يتومهــــــــــ

كـــــــــــــــــــذ� فهـــــــــــــــــــو كـــــــــــــــــــذب ملصـــــــــــــــــــلحة اجلمهـــــــــــــــــــور، وإذ كانـــــــــــــــــــت دعـــــــــــــــــــو�م

ـــــــــن ســـــــــينا وأمثالـــــــــه ـــــــــق، وقـــــــــد وضـــــــــع اب ومصـــــــــلحتهم ال ميكـــــــــن اال �ـــــــــذا الطري

.)٢("قانو�م على هذا األصل

"وأمــــــــا مجيــــــــع الفالســــــــفة كمــــــــا بــــــــني اخــــــــتالف هــــــــؤالء الفالســــــــفة فقــــــــال:

عظـــــــــــم اختالفـــــــــــا مـــــــــــن مجيـــــــــــع طوائـــــــــــف فـــــــــــال جيمعهـــــــــــم جـــــــــــامع، بـــــــــــل هـــــــــــم أ

املســــــــــــلمني واليهــــــــــــود والنصــــــــــــارى، والفلســــــــــــفة الــــــــــــيت ذهــــــــــــب إليهــــــــــــا الفــــــــــــارايب

وابــــــــن ســــــــينا إمنــــــــا هــــــــي فلســــــــفة املشــــــــائني أتبــــــــاع أرســــــــطو صــــــــاحب التعــــــــاليم،

ـــــــــني ـــــــــني ســـــــــلفه مـــــــــن النـــــــــزاع واالخـــــــــتالف مـــــــــا يطـــــــــول وصـــــــــفه، مث ب وبينـــــــــه وب

.)٣("أتباعه من اخلالف ما يطول وصفه

.١١١. انظر : املرجع السابق ص ١

.٩-١/٨. درء ٢

.١/١٥٧. املرجع السابق ٣

٢٩

الفصل الثالث

موقف الغزايل من الفالسفة يف مسألة حشر األرواح دون األجساد

عقيدة الغزايل يف هذه املسألةاملبحث األول:

ـــــــــنفس إمـــــــــا يف شـــــــــقاء وإمـــــــــا ـــــــــود ال ـــــــــذين يعتقـــــــــدون خبل كـــــــــان الغـــــــــزايل مـــــــــن ال

يف ســــــــــــعادة بعــــــــــــد مــــــــــــوت البــــــــــــدن، وهلــــــــــــذا يــــــــــــرهن علــــــــــــى خلودهــــــــــــا بــــــــــــنفس

ـــــــــــراهني أفالطـــــــــــون وابـــــــــــن ســـــــــــينا شـــــــــــر األجســـــــــــاد، اال أنـــــــــــه ال ينكـــــــــــر ح ،)١(ب

بـــــــــــل أنكـــــــــــر علـــــــــــى مـــــــــــن اعتقـــــــــــد ذلـــــــــــك فجعـــــــــــل إنكـــــــــــار الفالســـــــــــفة حلشـــــــــــر

األجســـــــــــــاد مـــــــــــــن املســـــــــــــائل الـــــــــــــيت خـــــــــــــالفوا فيهـــــــــــــا كافـــــــــــــة املســـــــــــــائل فقـــــــــــــال:

"قــــــــــــوهلم: إن األجســــــــــــاد ال حتشــــــــــــر، وإمنــــــــــــا املثــــــــــــاب واملعاقــــــــــــب هــــــــــــي األرواح

ـــــــــــة ال جســـــــــــمانية، ولـــــــــــو صـــــــــــدقوا يف ا�ـــــــــــردة، واملثـــــــــــو�ت والعقـــــــــــو�ت روحاني

فإ�ـــــــــــــــا كائنـــــــــــــــة أيضـــــــــــــــا، ولكـــــــــــــــن كـــــــــــــــذبوا يف إنكـــــــــــــــار إثبـــــــــــــــات الروحانيـــــــــــــــة،

.)٢("اجلسمانية وكفروا �لشريعة فيما نطقوا به

أنكــــــــــــــروا حشــــــــــــــر الــــــــــــــذين الــــــــــــــنص الســــــــــــــابق كفــــــــــــــر الفالســــــــــــــفة فــــــــــــــالغزايل يف

ـــــــــــــه: األجســـــــــــــاد اجلســـــــــــــمانية كـــــــــــــذبوا يف إنكـــــــــــــار «يـــــــــــــدل علـــــــــــــى ذلـــــــــــــك قول

ولكنـــــــــــــه وافقهـــــــــــــم علـــــــــــــى خلـــــــــــــود » وكفـــــــــــــروا �لشـــــــــــــريعة فيمـــــــــــــا نطقـــــــــــــوا بـــــــــــــه

ولــــــــــــــــــو صــــــــــــــــــدقوا يف إثبــــــــــــــــــات «عنــــــــــــــــــدما قــــــــــــــــــال:األرواح وعــــــــــــــــــدم مو�ــــــــــــــــــا

بــــــــل إنـــــــــه صــــــــرح بـــــــــذلك يف عــــــــدة مواضـــــــــع ،»الروحانيــــــــة، فإ�ـــــــــا كائنــــــــة أيضـــــــــا

مــــــــن كتبـــــــــه فقـــــــــال: "واإلنســـــــــان إمنـــــــــا يكلـــــــــف وخياطـــــــــب ألجـــــــــل معـــــــــىن آخـــــــــر

عنـــــــــــــده زائـــــــــــــدا خاصـــــــــــــا، وذلـــــــــــــك املعـــــــــــــىن هـــــــــــــو الـــــــــــــنفس الناطقـــــــــــــة والـــــــــــــروح

الــــــــــــروح لــــــــــــيس جبســــــــــــم وال عــــــــــــرض، ألنــــــــــــه مــــــــــــن أمــــــــــــر هللا اللطيفــــــــــــة، وهــــــــــــذا

تعـــــــاىل كمــــــــا أخـــــــرب بقولــــــــه تعـــــــاىل: "ويســــــــألونك عـــــــن الــــــــروح قـــــــل الــــــــروح مــــــــن

١ط –ضمن جمموعة رسائله – ٧٧ص –اإلمام الغزايل –ر : معراج السالكني . انظ ١

بريوت . –دار الكتب العلمية –م ١٩٩٤هـ ، ١٤١٤ ضمن جمموعة الرسائل السابقة . – ٤٢ص –. املنقذ من الضالل ٢

٣٠

وأمـــــــــــر هللا لـــــــــــيس جبســـــــــــم وال عـــــــــــرض، بـــــــــــل جـــــــــــوهر �بـــــــــــت )١("…أمـــــــــــر ريب

ـــــــــــــــل دائـــــــــــــــم ال يقبـــــــــــــــل الفســـــــــــــــاد، وال يضـــــــــــــــمحل، وال يفـــــــــــــــىن وال ميـــــــــــــــوت، ب

ــــــــــــــــه يــــــــــــــــوم القيامــــــــــــــــة كمــــــــــــــــا و ــــــــــــــــدن، وينتظــــــــــــــــر العــــــــــــــــود إلي رد يف يفــــــــــــــــارق الب

.)٢(الشرع"

ونــــــــــص الغــــــــــزايل الســــــــــابق منــــــــــه مــــــــــا هــــــــــو صــــــــــحيح ومنــــــــــه مــــــــــا هــــــــــو خطــــــــــأ -

والصــــــــحيح منــــــــه قولــــــــه عــــــــن الــــــــروح إ�ــــــــا تفــــــــارق البــــــــدن وتنتظــــــــر العــــــــود إليــــــــه

يوم القيامة.

فهــــــــو قولــــــــه عــــــــن الــــــــروح ال يفــــــــىن وال ميــــــــوت ولــــــــو أنــــــــه قــــــــال: وأمــــــــا اخلطــــــــأ:

فــــــــرق وبعــــــــد ذلــــــــك -الــــــــروح متــــــــوت ومو�ــــــــا مفارقــــــــة البــــــــدن الســــــــتقام كالمــــــــه

ـــــــــــني ـــــــــــني إنكـــــــــــار املعـــــــــــاد أصـــــــــــال، وب ـــــــــــني درجـــــــــــات اإلنكـــــــــــار أي ب الغـــــــــــزايل ب

إثبــــــــــــات املعــــــــــــاد علــــــــــــى حنــــــــــــو عقلــــــــــــي مــــــــــــع نفــــــــــــي اآلالم واللــــــــــــذات احلســــــــــــية

اجلســـــــــــمانية، فاإلنكـــــــــــار األول وهـــــــــــو إنكـــــــــــار املعـــــــــــاد أصـــــــــــال، يـــــــــــراه الغـــــــــــزايل

زندقة مطلقة.

ـــــــاين: ـــــــوع الث ـــــــات �لن وهـــــــو إثبـــــــات املعـــــــاد علـــــــى حنـــــــو عقلـــــــي مـــــــع أمـــــــا اإلثب

ـــــــــــة مقيـــــــــــدة يقـــــــــــول نفـــــــــــي ـــــــــــرياه زندق ـــــــــــذات احلســـــــــــية واجلســـــــــــمانية ف اآلالم والل

ـــــــــــا الغـــــــــــزايل: "أمـــــــــــا الزندقـــــــــــة املطلقـــــــــــة، فهـــــــــــي أن تنكـــــــــــر أصـــــــــــل املعـــــــــــاد عقلي

ــــــــوع ــــــــات املعــــــــاد بن وحســــــــيا، وتنكــــــــر الصــــــــانع للعــــــــامل أصــــــــال ورأســــــــا، وأمــــــــا إثب

عقلــــــــــي مــــــــــع نفــــــــــي اآلالم واللــــــــــذات احلســــــــــية، وإثبــــــــــات الصــــــــــانع مــــــــــع نفــــــــــي

ــــــــــوم ــــــــــوع اعــــــــــرتاف بصــــــــــدق علمــــــــــه بتفاضــــــــــل العل ، فهــــــــــي زندقــــــــــة مقيــــــــــدة، بن

.)٣("األنبياء وظاهر ظين

.٨٥. سورة اإلسراء/ ١

، وانظر : معراج ٣٥الرسالة اللدنية ص – ٣٥. روضة الطالبني وعمدة السالكني ص ٢

ومجيعها ضمن جمموعة رسائل الغزايل . ٧٧-٧٦ص –السالكني ضمن جمموعة رسائله. ٨٨لإلمام الغزايل ص -. فيصل التفرقة ٣

٣١

وكـــــــــــالم الغـــــــــــزايل الســـــــــــابق فيـــــــــــه خطـــــــــــأ وخمالفـــــــــــة للشـــــــــــرع والعقـــــــــــل، وذلـــــــــــك

ــــــــــدن ــــــــــك بــــــــــرد الــــــــــنفس إىل أي ب ألنــــــــــه يعتقــــــــــد أن بعــــــــــث البــــــــــدن ممكــــــــــن وذل

كــــــــــــان ســــــــــــواء كــــــــــــان مــــــــــــن مــــــــــــادة البــــــــــــدن األوىل أو مــــــــــــن غــــــــــــريه، أو مــــــــــــادة

ــــــــــــــــــإن اإلنســــــــــــــــــان بنفســــــــــــــــــه ــــــــــــــــــه اســــــــــــــــــتؤنف خلقهــــــــــــــــــا ف حســــــــــــــــــب -ال ببدن

ــــــــــك خطــــــــــأ الفالســــــــــفة فيمــــــــــا يقولونــــــــــه يف اإلهليــــــــــات -)١(اعتقــــــــــاده ، ومــــــــــع ذل

والنبــــــــــــوات واملعــــــــــــاد والشــــــــــــرائع أعظــــــــــــم مــــــــــــن خطــــــــــــأ املتكلمــــــــــــني مبــــــــــــا فــــــــــــيهم

.)٢(الغزايل

ـــــــــــاين: ـــــــــــتهم يف هـــــــــــذه املبحـــــــــــث الث عرض الغـــــــــــزايل آلراء الفالســـــــــــفة وأدل

املسألة ورده عليهم.

للفالســــــــــفة يف هــــــــــذه املســــــــــألة مــــــــــن وجــــــــــه اإلمــــــــــام الغــــــــــزايل رمحــــــــــه هللا نقــــــــــده

خـــــــــــــالل ثـــــــــــــالث مســـــــــــــائل يف كتابـــــــــــــه �افـــــــــــــت الفالســـــــــــــفة وهـــــــــــــذه املســـــــــــــائل

هي:

وهــــــــــــي تعجيــــــــــــز الفالســــــــــــفة عــــــــــــن إقامــــــــــــة املســــــــــــألة الثامنــــــــــــة عشــــــــــــر: )١

الربهـــــــــــان العقلـــــــــــي علـــــــــــى أن الـــــــــــنفس اإلنســـــــــــانية جـــــــــــوهر روحـــــــــــاين قـــــــــــائم

بنفسه، وليس جبسم، وال عرض.

ن النفـــــــــــــوس وهـــــــــــــي إبطـــــــــــــال قـــــــــــــوهلم: إ املســـــــــــــألة التاســـــــــــــعة عشـــــــــــــر: )٢

البشـــــــــــرية يســـــــــــتحيل عليهـــــــــــا العـــــــــــدم بعـــــــــــد وجودهـــــــــــا. وإ�ـــــــــــا ســـــــــــرمدية ال

يتصور فناؤها.

يف إبطـــــــــــــال إنكـــــــــــــارهم لبعـــــــــــــث األجســـــــــــــاد ورد املســـــــــــــألة العشـــــــــــــرون: )٣

األرواح إىل األبــــــــــــــــدان، ووجــــــــــــــــود النــــــــــــــــار اجلســــــــــــــــمانية، ووجــــــــــــــــود اجلنــــــــــــــــة

واحلور العني، وسائر ما وعد به الناس.

.١٢٣. انظر : �افت الفالسفة ص ١ .٢/٦٢. انظر : الرد على املنطقيني ٢

٣٢

ة عشــــــــــــــر فتتعلقــــــــــــــان بروحانيــــــــــــــة أمــــــــــــــا املســــــــــــــألتان الثامنــــــــــــــة عشــــــــــــــر والتاســــــــــــــع

النفس.

وأمـــــــــــا املســـــــــــألة العشـــــــــــرون فإنـــــــــــه يهـــــــــــتم فيهـــــــــــا مبســـــــــــألة البعـــــــــــث اجلســـــــــــماين،

ويركز عليها تركيزا كثريا.

ففــــــــــي املســــــــــألة الثامنــــــــــة عشــــــــــر شــــــــــرح الغــــــــــزايل مــــــــــذهب الفالســــــــــفة يف قــــــــــوى

الـــــــــــــــنفس، ومل يكـــــــــــــــن غرضـــــــــــــــه يف مناقشـــــــــــــــة الفالســـــــــــــــفة يف هـــــــــــــــذه املســـــــــــــــألة

ــــــــــــنفس، وإمنــــــــــــا ــــــــــــة ال كــــــــــــان غرضــــــــــــه إنكــــــــــــار دعــــــــــــواهم أ�ــــــــــــم إنكــــــــــــار روحاني

يســـــــــــــــــتطيعون برباهـــــــــــــــــني العقـــــــــــــــــل أن يثبتـــــــــــــــــوا أن الـــــــــــــــــنفس جـــــــــــــــــوهر قــــــــــــــــــائم

.)١(بنفسه

"ولـــــــــيس شــــــــيء ممـــــــــا ذكــــــــروه ممـــــــــا جيــــــــب إنكـــــــــاره يف يوضــــــــح ذلـــــــــك قولــــــــه:

الشــــــــرع، فإ�ـــــــــا أمـــــــــور مشــــــــاهدة أجـــــــــرى هللا تعـــــــــاىل �ــــــــا العـــــــــادة، وإمنـــــــــا نريـــــــــد

ئمـــــــــــــا أن نعـــــــــــــرتض اآلن علـــــــــــــى دعـــــــــــــواهم معرفـــــــــــــة كـــــــــــــون الـــــــــــــنفس جـــــــــــــوهرا قا

.)٢(بنفسه برباهني العقل"

ــــــــة الــــــــنفس، ترجــــــــع يف أصــــــــوهلا ــــــــى روحاني ــــــــة عل ــــــــك ذكــــــــر عشــــــــر أدل وبعــــــــد ذل

األساســـــــــــــــية إىل أدلـــــــــــــــة ابـــــــــــــــن ســـــــــــــــينا، اال أن الغـــــــــــــــزايل �لـــــــــــــــغ يف التفصـــــــــــــــيل

.)٣(والتقسيم حىت أرجع هذه األدلة إىل عدة أدلة جزئية

وقـــــــــــــد كـــــــــــــان الغـــــــــــــزايل يـــــــــــــذكر الـــــــــــــدليل مث �يت �العـــــــــــــرتاض عليـــــــــــــه، ولكـــــــــــــن

رتاضـــــــــــاته علـــــــــــى أدلـــــــــــتهم مجيعـــــــــــا كانـــــــــــت مبنيـــــــــــة علـــــــــــى فكـــــــــــرة اســـــــــــتحالة اع

.)٤(احلكم على الكلي مبا حيكم به على اجلزئي

.١٨١-١٧٩. انظر : �افت الفالسفة ص ١ .١٨٢ملرجع السابق ص. ا ٢دار الكتاب -١٩٧٣ ٢ط ٣٧٠د/مجيل صليبا ص -. انظر: �ريخ الفلسفة العربية ٣

بريوت. -اللبناين .٣٧٢. انظر املرجع السابق ص ٤

٣٣

مثــــــــــال ذلــــــــــك قولــــــــــه يف الــــــــــرد علــــــــــى الــــــــــدليل األول: "مــــــــــا زعمتمــــــــــوه مــــــــــن أن

كــــــــل حــــــــال يف جســــــــم فينبغــــــــي أن ينقســــــــم، �طــــــــل علــــــــيكم مبــــــــا تدركــــــــه مــــــــن

ــــــــــذئب، فــــــــــإ�م يف حكــــــــــم شــــــــــيء واحــــــــــد ال يتصــــــــــور الشــــــــــاة مــــــــــن عــــــــــداوة ال

تقســــــــــــــيمه، إذ لــــــــــــــيس للعــــــــــــــداوة بعــــــــــــــض حــــــــــــــىت يقــــــــــــــدر إدراك بعضــــــــــــــه وزوال

بعضــــــــــه، وقــــــــــد حصــــــــــل إدراكهــــــــــا يف قــــــــــوة جســــــــــمانية عنــــــــــدكم، فــــــــــان نفــــــــــس

البهـــــــــائم منطبعـــــــــة يف األجســـــــــام ال تبقـــــــــى بعـــــــــد املـــــــــوت، وقـــــــــد اتفقـــــــــوا عليـــــــــه،

فــــــــــــــإن أمكــــــــــــــنهم أن يتكلفــــــــــــــوا تقــــــــــــــدير االنقســــــــــــــام يف املــــــــــــــدركات �حلــــــــــــــواس

لقــــــــــــوة احلافظـــــــــــة للصــــــــــــور، فــــــــــــال ميكــــــــــــنهم اخلمـــــــــــس، و�حلــــــــــــس املشــــــــــــرتك، و�

تقـــــــــدير االنقســـــــــام يف هـــــــــذه املعـــــــــاين الـــــــــيت لـــــــــيس مـــــــــن شـــــــــرطها أن تكـــــــــون يف

.)١(مادة"

ومثـــــــــال ذلـــــــــك أيضـــــــــا قولـــــــــه يف الـــــــــرد علـــــــــى الـــــــــدليل الســـــــــادس: "وممـــــــــا عـــــــــرف

�التفــــــــــــــاق بطالنــــــــــــــه، وذكــــــــــــــر يف املنطــــــــــــــق، أن حيكــــــــــــــم بســــــــــــــبب جزئــــــــــــــي أو

ــــــــال ــــــــوه مبــــــــا إذا ق ــــــــى كلــــــــي، حــــــــىت مثل ــــــــرية عل ــــــــات كث اإلنســــــــان: إن كــــــــل جزئي

حيـــــــــــــــوان فإنــــــــــــــــه حيــــــــــــــــرك عنــــــــــــــــد املضــــــــــــــــغ فكــــــــــــــــه األســــــــــــــــفل، أل� اســــــــــــــــتقرأ�

احليـــــــــــــــوا�ت كلهــــــــــــــــا فرأيناهــــــــــــــــا كــــــــــــــــذلك، فيكــــــــــــــــون ذلــــــــــــــــك لغفلتــــــــــــــــه عــــــــــــــــن

وهــــــــــؤالء مل يســــــــــتقرءوا إال احلــــــــــواس "التمســــــــــاح" فانــــــــــه حيــــــــــرك فكــــــــــه األعلــــــــــى،

ــــــــه، فلعــــــــل اخلمــــــــس، فوجــــــــدوها علــــــــى وجــــــــه معلــــــــوم فحكمــــــــوا علــــــــى الكــــــــل ب

ن ســـــــــائر احلـــــــــواس جمــــــــــرى التمســـــــــاح مــــــــــن العقـــــــــل حاســـــــــة أخــــــــــرى جتـــــــــري مــــــــــ

ــــــــــــوا�ت، فتكــــــــــــون احلــــــــــــواس مــــــــــــع كو�ــــــــــــا جســــــــــــمانية منقســــــــــــمة ســــــــــــائر احلي

إىل: مـــــــــا تـــــــــدرك حملهـــــــــا واىل مـــــــــا ال تـــــــــدرك، كمـــــــــا انقســـــــــمت إىل مـــــــــا يـــــــــدرك

مدركــــــــــــه مــــــــــــن غــــــــــــري مماســــــــــــة، كالبصــــــــــــر، واىل مــــــــــــا ال يــــــــــــدرك إال �التصــــــــــــال

نـــــــــا كالـــــــــذوق واللمـــــــــس، فمـــــــــا ذكـــــــــروه أيضـــــــــا إن ورث ظنـــــــــا، فـــــــــال يـــــــــورث يقي

.)٢(موثوقا"

.١٨٣. �افت الفالسفة ص ١ .١٩٠. املرجع السابق ص ٢

٣٤

ــــــــنفس أمــــــــا املســــــــألة التاســــــــعة عشــــــــر: ــــــــود ال ــــــــيلهم علــــــــى خل فقــــــــد ذكــــــــر دل

بقولــــــــــــه: قــــــــــــالوا: إن الـــــــــــــنفس ال متــــــــــــوت مبــــــــــــوت البـــــــــــــدن ألن البــــــــــــدن لـــــــــــــيس

ــــــــــيت يف ــــــــــنفس بوســــــــــاطة القــــــــــوى ال ــــــــــة تســــــــــتعملها ال ــــــــــل هــــــــــو آل حمــــــــــال هلــــــــــا، ب

البـــــــــــدن، وفســـــــــــاد اآللـــــــــــة ال يوجـــــــــــب فســـــــــــاد مســـــــــــتعمل اآللـــــــــــة اال أن يكـــــــــــون

وألن حـــــــــــــاال فيهـــــــــــــا منطبعـــــــــــــا كـــــــــــــالنفوس البهيميـــــــــــــة، والقـــــــــــــوى اجلســـــــــــــمانية،

للــــــــــــــــنفس فعــــــــــــــــالن، أحــــــــــــــــدمها مبشــــــــــــــــاركة البــــــــــــــــدن كالتخيــــــــــــــــل واإلحســــــــــــــــاس

والشـــــــــــــهوة والغضـــــــــــــب، وهـــــــــــــذا ال جـــــــــــــرم يفســـــــــــــد بفســـــــــــــاد البـــــــــــــدن ويقـــــــــــــوى

بقو�ا.

ــــــــــــدن مثــــــــــــل إدراك املعقــــــــــــوالت ا�ــــــــــــردة واآلخــــــــــــر: ــــــــــــذا�ا دون مشــــــــــــاركة الب ب

عـــــــــن املـــــــــواد وهـــــــــذا ال يفســـــــــد بفســـــــــاد البـــــــــدن، بـــــــــل إن البـــــــــدن يعوقهـــــــــا عـــــــــن

.)١(إدراك املعقوالت

ــــــــه:ويعــــــــ ــــــــك بقول إن بقــــــــاء الــــــــنفس بعــــــــد البــــــــدن ال رتض الغــــــــزايل علــــــــى ذل

يثبــــــــــــت �لرباهــــــــــــني العقليــــــــــــة، فــــــــــــال يكفــــــــــــي أن نقــــــــــــول: إن الــــــــــــنفس ليســــــــــــت

حالــــــــــة يف جســــــــــم وال أن نقــــــــــول: إن تعلقهــــــــــا �لبــــــــــدن تعلــــــــــق عرضــــــــــي حــــــــــىت

نثبـــــــــــت أ�ــــــــــــا ال متــــــــــــوت مبوتـــــــــــه فقــــــــــــد تفــــــــــــىن الـــــــــــنفس بقــــــــــــدرة هللا، أو تفــــــــــــىن

فة، ولــــــــــيس هنــــــــــاك دليــــــــــل عقلــــــــــي �ســــــــــباب أخــــــــــرى مل ختطــــــــــر ببــــــــــال الفالســــــــــ

ـــــــــنفس تبقـــــــــى ـــــــــو قـــــــــرر� مـــــــــع الفالســـــــــفة أن ال ـــــــــى أن البســـــــــيط ال يفـــــــــىن، ول عل

بعـــــــــــــد البـــــــــــــدن بقـــــــــــــاء ســـــــــــــرمد� �لطبـــــــــــــع، وإن البـــــــــــــدن ميـــــــــــــوت وينحـــــــــــــل إىل

عناصــــــــــــــــــــره ويتالشــــــــــــــــــــى، لســــــــــــــــــــاقنا هــــــــــــــــــــذا القــــــــــــــــــــول إىل إنكــــــــــــــــــــار بعــــــــــــــــــــث

.)٢(األجساد

وهكـــــــــذا اتضـــــــــح لنـــــــــا مـــــــــن نصـــــــــوص الغـــــــــزايل الســـــــــابقة أنـــــــــه ال ينكـــــــــر علـــــــــى

لفالســــــــــــفة القــــــــــــول بروحانيــــــــــــة الــــــــــــنفس، وال القــــــــــــول خبلودهــــــــــــا ألن ذلــــــــــــك ال ا

.١٩٨. انظر : �افت الفالسفة ص ١مجيل -ظر كذلك: �ريخ الفلسفة العربية، وان٢٠٠-١٩٩. انظر: املرجع السابق ص ٢

.٣٧٣صليبا ص

٣٥

ـــــــــــدين وإمنـــــــــــا ينكـــــــــــر -حســـــــــــب اعتقـــــــــــاده-خيـــــــــــالف أصـــــــــــال مـــــــــــن أصـــــــــــول ال

ــــــــــــــى روحانيتهــــــــــــــا وخلودهــــــــــــــا �لعقــــــــــــــل دون ــــــــــــــيهم حمــــــــــــــاولتهم الربهــــــــــــــان عل عل

الشـــــــــــرع، وهلـــــــــــذا فهــــــــــــو يبـــــــــــدعهم يف هـــــــــــاتني املســــــــــــألتني حملـــــــــــاولتهم الرباهــــــــــــني

عن اخلوض يف هذه األمور.على ذلك �لعقل، والعقل عاجز

فقـــــــــــد خصصـــــــــــها الغـــــــــــزايل للـــــــــــرد علـــــــــــى قـــــــــــول أمـــــــــــا املســـــــــــألة العشـــــــــــرون:

ــــــــــــــه ــــــــــــــذي خــــــــــــــالفوا ب ــــــــــــــألرواح دون األجســــــــــــــاد، ال الفالســــــــــــــفة �ن احلشــــــــــــــر ل

اعتقـــــــــــــاد املســـــــــــــلمني كافـــــــــــــة، وهـــــــــــــو الـــــــــــــذي ترتـــــــــــــب عليـــــــــــــه كفـــــــــــــرهم عنـــــــــــــده

خبـــــــــــالف مـــــــــــا يتعلـــــــــــق �لـــــــــــنفس مـــــــــــن حيـــــــــــث الفنـــــــــــاء أو مـــــــــــن حيـــــــــــث إ�ـــــــــــا

ان ذلـــــــــك ال يتعلـــــــــق بـــــــــه كفـــــــــر أو إميـــــــــان وإمنـــــــــا جـــــــــوهر روحـــــــــاين أو غـــــــــريه، فـــــــــ

املقصود هو التعجيز فقط.

ــــــــــد بــــــــــدأ الغــــــــــزايل بشــــــــــرح مــــــــــذهبهم أوال مث بــــــــــني أ�ــــــــــم يف جمــــــــــال تربيــــــــــرهم وق

لرأيهم يقولون:

إن اللذات العقلية أشرف من اللذات اجلسمانية لسببني:

إن حــــــــــال املالئكــــــــــة أشـــــــــرف مــــــــــن حــــــــــال الســـــــــباع واخلنــــــــــازير مــــــــــن أحـــــــــدها:

ليســـــــــــت هلـــــــــــا اللـــــــــــذات اجلســـــــــــمية كاجلمـــــــــــاع واألكـــــــــــل والشـــــــــــرب، البهـــــــــــائم، و

ــــــــه أنفســــــــها يف ــــــــذي خصــــــــت ب وإمنــــــــا هلــــــــا لــــــــذة الشــــــــعور بكماهلــــــــا ومجاهلــــــــا، ال

اطالعهـــــــــــــا علـــــــــــــى حقـــــــــــــائق األشـــــــــــــياء وقر�ـــــــــــــا مـــــــــــــن هللا يف الصـــــــــــــفات ال يف

املكان ورتبة الوجود.

إن اإلنســـــــــان قـــــــــد يـــــــــؤثر اللـــــــــذات العقليـــــــــة علـــــــــى اجلســـــــــمية و�ـــــــــذا و�نيهـــــــــا:

ـــــــــــــذا ـــــــــــــذات اجلســـــــــــــمية تكـــــــــــــون الل ـــــــــــــة، أفضـــــــــــــل مـــــــــــــن الل ـــــــــــــة األخروي ت العقلي

والدنيويــــــــــــة، والــــــــــــذي ورد يف الشــــــــــــرع مــــــــــــن الصــــــــــــور احلســــــــــــية، فالقصــــــــــــد بــــــــــــه

ضــــــــــرب األمثــــــــــال لقصــــــــــور األفهــــــــــام عــــــــــن درك هــــــــــذه اللــــــــــذات، فمثــــــــــل هلــــــــــم

.)١(ما يفهمون مث ذكر هلم أن تلك اللذات فوق ما وصف هلم

د/حممد –، وانظر : مذاهب فالسفة املشرق ٢٠٦-٢٠٥. انظر : �افت الفالسفة ص ١

مصر -دار املعارف -١٩٧٥ ٤ط –عاطف العراقي

٣٦

ــــــــــــى الفالســــــــــــفة: مــــــــــــور "وحنــــــــــــن نقــــــــــــول: أكثــــــــــــر هــــــــــــذه األ رد الغــــــــــــزايل عل

ليســــــــــت علــــــــــى خمالفــــــــــة الشــــــــــرع، فــــــــــإ� ال ننكــــــــــر أن يف اآلخــــــــــرة أنواعــــــــــا مــــــــــن

ـــــــــد مفارقـــــــــة ـــــــــنفس عن اللـــــــــذات أعظـــــــــم مـــــــــن احملسوســـــــــات، وال ننكـــــــــر بقـــــــــاء ال

البـــــــــــــدن، ولكنـــــــــــــا عرفنـــــــــــــا ذلـــــــــــــك �لشـــــــــــــرع إذ قـــــــــــــد ورد �ملعـــــــــــــاد، وال يفهـــــــــــــم

املعـــــــــاد اال ببقـــــــــاء الـــــــــنفس، وإمنـــــــــا أنكـــــــــر� علـــــــــيهم مـــــــــن قبـــــــــل دعـــــــــواهم معرفـــــــــة

قل.ذلك مبجرد الع

ولكـــــــــــــن املخـــــــــــــالف للشـــــــــــــرع منهـــــــــــــا: إنكـــــــــــــار حشـــــــــــــر األجســـــــــــــاد، وإنكـــــــــــــار

ــــــــــــــــذات اجلســــــــــــــــمانية يف اجلنــــــــــــــــة وإنكــــــــــــــــار اآلالم اجلســــــــــــــــمانية يف النــــــــــــــــار، الل

وإنكـــــــــار وجـــــــــود اجلنـــــــــة والنـــــــــار، كمـــــــــا وصـــــــــف يف القـــــــــرآن. فمـــــــــا املـــــــــانع مـــــــــن

حتقيــــــــــق اجلمــــــــــع بــــــــــني الســــــــــعادتني الروحانيــــــــــة واجلســــــــــمانية، وكــــــــــذا الشــــــــــقاوة؟

ــــــــه تعــــــــاىل: "فــــــــال تع أي )١(لــــــــم نفــــــــس مــــــــا أخفــــــــي هلــــــــم مــــــــن قــــــــرة أعــــــــني"وقول

ال يعلم مجيع ذلك.

"أعـــــــــــــــــددت لعبـــــــــــــــــادي الصـــــــــــــــــاحلني مـــــــــــــــــا ال عـــــــــــــــــني رأت وال أذن وقولـــــــــــــــــه:

فكــــــــــذلك وجــــــــــود هــــــــــذه األمــــــــــور )٢(مسعــــــــــت وال خطــــــــــر علــــــــــى قلــــــــــب بشــــــــــر"

ــــــــل اجلمــــــــع بــــــــني األمــــــــرين أكمــــــــل، الشــــــــريفة، ال يــــــــدل علــــــــى نفــــــــي غريهــــــــا، ب

واملوعـــــــــود بـــــــــه أكمـــــــــل األمـــــــــور، وهـــــــــو ممكـــــــــن، فيجـــــــــب التصـــــــــديق بـــــــــه علـــــــــى

.)٣(وفق الشرع"

إن مــــــــــا ورد يف الشــــــــــرع أمثــــــــــال ضــــــــــربت علــــــــــى حــــــــــد إفهــــــــــام وأمــــــــــا قــــــــــوهلم:

علــــــــــى حــــــــــد اخللــــــــــق، كمــــــــــا أن الــــــــــوارد مــــــــــن آ�ت التشــــــــــبيه وأخبــــــــــاره أمثــــــــــال

فهـــــــــــم اخللـــــــــــق، والصـــــــــــفات اإلهليـــــــــــة مقدســـــــــــة عمـــــــــــا يتخيلـــــــــــه عـــــــــــوام النـــــــــــاس،

.١٧سوة السجدة/ ١يف -�ب ما جاء يف صفة اجلنة وإ�ا خملوقة، مسلم -. رواه البخاري يف كتاب اخللق ٢

كتاب اجلنة ووصفه نعيمها. .٢٠٩-٢٠٨. �افت الفالسفة ص ٣

٣٧

فقــــــــــــد أجــــــــــــا�م الغــــــــــــزايل بقولــــــــــــه: إن التســــــــــــوية بينهمــــــــــــا حتكــــــــــــم، بــــــــــــل مهــــــــــــا

يفرتقان من وجهني:

ــــــــــل علــــــــــى عــــــــــادة أحــــــــــدمها: ــــــــــواردة يف التشــــــــــبيه حتتمــــــــــل التأوي إن األلفــــــــــاظ ال

العــــــــــــــرب يف االســــــــــــــتعارة، ومــــــــــــــا ورد يف وصــــــــــــــف اجلنــــــــــــــة والنــــــــــــــار، وتفصــــــــــــــيل

تلك األحوال بلغ مبلغا ال حيتمل التأول.

ــــــــــــــاين: ــــــــــــــت علــــــــــــــى اســــــــــــــتحالة املكــــــــــــــان واجلهــــــــــــــة الث ــــــــــــــة العقــــــــــــــول دل إن أدل

والصــــــــــــــــــورة، ويــــــــــــــــــد اجلارحــــــــــــــــــة، وعــــــــــــــــــني جارحــــــــــــــــــة، وإمكــــــــــــــــــان االنتقــــــــــــــــــال

واالســــــــــــــــتقرار، علــــــــــــــــى هللا ســــــــــــــــبحانه وتعــــــــــــــــاىل، فوجــــــــــــــــب التأويــــــــــــــــل �دلــــــــــــــــة

العقــــــــــول، ومــــــــــا وعــــــــــد بــــــــــه مــــــــــن أمــــــــــور اآلخــــــــــرة، لــــــــــيس حمــــــــــاال يف قــــــــــدرة هللا

تعــــــــــاىل، فيجــــــــــب إجــــــــــراؤه علــــــــــى ظــــــــــاهر الكــــــــــالم بــــــــــل علــــــــــى فحــــــــــواه الــــــــــذي

.)١("هو صريح فيه

ـــــــــــوهلم: ـــــــــــا ق ـــــــــــت وأصـــــــــــبحت تـــــــــــرا� وأم إن بعـــــــــــث األجســـــــــــام بعـــــــــــد أن حتلل

ــــــــــى مــــــــــن يــــــــــرى مســــــــــتحيل، فقــــــــــد أجــــــــــا�م الغــــــــــزايل بقولــــــــــه: "مب تنكــــــــــرون عل

ــــــــنفس �قيــــــــة بعــــــــد املــــــــوت، وهــــــــي جــــــــوهر قــــــــائم بنفســــــــه فــــــــإن ذلــــــــك ال أن ال

ــــــــــــه تعــــــــــــاىل: "وال حتســــــــــــنب ــــــــــــه الشــــــــــــرع يف قول خيــــــــــــالف الشــــــــــــرع، بــــــــــــل دل علي

نــــــــــــد ر�ــــــــــــم يرزقــــــــــــون، الــــــــــــذين قتلــــــــــــوا يف ســــــــــــبيل هللا أمــــــــــــوا�، بــــــــــــل أحيــــــــــــاء ع

ــــــــــــــه وســــــــــــــلم: "أرواح الصــــــــــــــاحلني يف )٢("…فــــــــــــــرحني ــــــــــــــه صــــــــــــــلى هللا علي وبقول

ومبا )٣(حواصل طيور خضر معلقة حتت العرش"

ورد مـــــــــــــــــن األخبـــــــــــــــــار بشـــــــــــــــــعور األرواح �خلـــــــــــــــــريات والصـــــــــــــــــدقات وســـــــــــــــــؤال

منكر ونكري وعذاب القرب وغريه، وكل ذلك يدل على البقاء.

ـــــــك علـــــــى البعـــــــث والنشـــــــور بعـــــــده، وهـــــــو بعـــــــث البـــــــدن نعـــــــم قـــــــد دل مـــــــع ذل

وذلـــــــــك ممكـــــــــن بردهـــــــــا إىل بـــــــــدن، أي بـــــــــدن كـــــــــان، ســـــــــواء كـــــــــان مـــــــــن مـــــــــادة

.٢٠٩. �افت الفالسفة ص ١ .١٦٩. سورة آل عمران/ ٢ وقال الرتمذي هذا حديث حسن صحيح . –�ب ما جاء يف ثواب الشهداء –. رواه الرتمذي يف كتاب فضائل اجلهاد ٣

٣٨

البــــــــــدن األول أو مــــــــــن غــــــــــريه، أو مــــــــــن مــــــــــادة اســــــــــتؤنف خلقهــــــــــا، فإنــــــــــه هــــــــــو

بنفســــــــــه ال ببدنــــــــــه إذ تتبــــــــــدل عليــــــــــه أجــــــــــزاء البــــــــــدن مــــــــــن الصــــــــــغر إىل الكــــــــــرب

�هلــــــــــــزال والســــــــــــمن وتبــــــــــــدل الغــــــــــــذاء، وخيتلــــــــــــف مزاجــــــــــــه مــــــــــــع ذلــــــــــــك وهــــــــــــو

بعينـــــــــــه، فهـــــــــــذا مقـــــــــــدور هللا تعـــــــــــاىل ويكـــــــــــون ذلـــــــــــك عـــــــــــودا ذلـــــــــــك اإلنســـــــــــان

ـــــــــــد تعـــــــــــذر عليهـــــــــــا أنـــــــــــه حتظـــــــــــى �آلالم واللـــــــــــذات ـــــــــــه ق ـــــــــــنفس، فإن ـــــــــــك ال لتل

اجلســـــــــــمية بفقـــــــــــد اآللـــــــــــة، وقـــــــــــد أعيـــــــــــدت إليهـــــــــــا آلـــــــــــة مثـــــــــــل األوىل فكـــــــــــان

.)١(ذلك عودا حمققا"

�ن هذا تناسخ فال مشاحة يف "… مث قال: وأما قولكم:

جيـــــــــب تصـــــــــديقه، فلـــــــــيكن تناســـــــــخا، وحنـــــــــن األمســـــــــاء، فمـــــــــا ورد الشـــــــــرع بـــــــــه

إمنــــــــــا ننكــــــــــر التناســــــــــخ يف هــــــــــذا العــــــــــامل، وأمــــــــــا البعــــــــــث، فــــــــــال ننكــــــــــره، مســــــــــي

.)٢("تناسخا أو مل يسمى تناسخا

وخالصـــــــــــــة رد الغـــــــــــــزاىل الســـــــــــــابق أن نصـــــــــــــوص الصـــــــــــــفات حمتملـــــــــــــة ولـــــــــــــذلك

وجب �ويلها �دلة العقول.

ــــــــــا نصــــــــــوص املعــــــــــاد: ــــــــــث بلغــــــــــت مبلغــــــــــا ال حيتمــــــــــل أم فهــــــــــي كثــــــــــرية، حبي

ؤول أل�ا ال ختالف أدلة العقول.التأويل، فال ت

فقـــــــــد قـــــــــالوا: إن نصـــــــــوص الصـــــــــفات أكثـــــــــر مـــــــــن أمـــــــــا هـــــــــؤالء املالحـــــــــدة:

ـــــــــــل نصـــــــــــوص ـــــــــــذلك وجـــــــــــب �وي ـــــــــــتم ذلـــــــــــك، ل ـــــــــــد أول نصـــــــــــوص املعـــــــــــاد، وق

.)٣(املعاد

والــــــــــــــذي يظهــــــــــــــر أن الغــــــــــــــزايل شــــــــــــــعر بضــــــــــــــعف املناقشــــــــــــــة، فأحــــــــــــــال هــــــــــــــذا

ف فقـــــــــال يف هـــــــــذا املوضـــــــــوع ملـــــــــا تطـــــــــرق لـــــــــه يف كتابـــــــــه اإلحيـــــــــاء إىل الكشـــــــــ

املوضــــــــــــوع: "وحــــــــــــد االقتصــــــــــــاد بــــــــــــني هــــــــــــذا االحنــــــــــــالل كلــــــــــــه وبــــــــــــني مجــــــــــــود

ــــــــــــدركون ــــــــــــع عليــــــــــــه إال املوفقــــــــــــون الــــــــــــذين ي ــــــــــــق غــــــــــــامض ال يطل احلنابلــــــــــــة دقي

.٢١٣. �افت الفالسفة ص ١ .٢١٤. املرجع السابق ص ٢ الر�ض . –مكتبة الرشد –م ١٩٩٥هـ ، ١٤١٥ ١ط – ٢/٩٠٣د/عبد الرمحن احملمود –. انظر : موقف ابن تيميه من األشاعرة ٣. ٣

٣٩

األمــــــــــــور بنــــــــــــور إهلــــــــــــي، ال �لســــــــــــماع مث اذا انكشــــــــــــف هلــــــــــــم أســــــــــــرار األمــــــــــــور

ـــــــــواردة، فمـــــــــا وافـــــــــق ـــــــــه نظـــــــــروا اىل الســـــــــمع، واأللفـــــــــاظ ال علـــــــــى مـــــــــا هـــــــــي علي

ــــــــ ــــــــوه، فأمــــــــا مــــــــن �خــــــــذ مــــــــا شــــــــاهدوه بن ور اليقــــــــني قــــــــرروه، ومــــــــا خــــــــالف أول

ــــــــال يســــــــتقر لــــــــه فيهــــــــا قــــــــدم، وال معرفــــــــة هــــــــذه األمــــــــور مــــــــن الســــــــمع ا�ــــــــرد ف

.)١(يتعني له موقف"

وهكـــــــــــــــذا انتقـــــــــــــــل الغـــــــــــــــزايل مـــــــــــــــن ضـــــــــــــــعف املناقشـــــــــــــــة إىل اإلحالـــــــــــــــة علـــــــــــــــى

ــــــــة: ــــــــو حامــــــــد مــــــــع "…الكشــــــــف، وهلــــــــذا قــــــــال شــــــــيخ اإلســــــــالم ابــــــــن تيمي أب

والفلســـــــــــــــفة وســـــــــــــــلوكه طريـــــــــــــــق الزهـــــــــــــــد فــــــــــــــرط ذكائـــــــــــــــه ومعرفتـــــــــــــــه �لكـــــــــــــــالم

والر�ضـــــــــــــة والتصـــــــــــــوف ينتهـــــــــــــي يف هـــــــــــــذه املســـــــــــــائل إىل الوقـــــــــــــف، أو حييـــــــــــــل

ـــــــــــه يف آخـــــــــــر أمـــــــــــره علـــــــــــى طريقـــــــــــة أهـــــــــــل الكشـــــــــــف وهلـــــــــــذا جنـــــــــــده يف مناظرت

للفالســـــــــفة، إمنـــــــــا يبطـــــــــل طـــــــــرقهم وال يثبـــــــــت طريقـــــــــة معينـــــــــة، وان كـــــــــان بعـــــــــد

ذلـــــــــك رجـــــــــع إىل طريقـــــــــة أهـــــــــل احلــــــــــديث، ومـــــــــات وهـــــــــو يشـــــــــتغل بصــــــــــحيح

.)٢(ي"البخار

ـــــــــه املتكلمـــــــــون مبـــــــــا ـــــــــة مـــــــــا انتهـــــــــى إلي ـــــــــن تيمي ـــــــــني شـــــــــيخ اإلســـــــــالم اب كمـــــــــا ب

فــــــــيهم الغــــــــزايل فقــــــــال: غايــــــــة مــــــــا ينتهــــــــي إليــــــــه هــــــــؤالء املعارضــــــــون لكــــــــالم هللا

ورســـــــــــوله �رائهـــــــــــم، مـــــــــــن املشـــــــــــهورين �إلســـــــــــالم هـــــــــــو التأويـــــــــــل والتفـــــــــــويض،

واملتـــــــــأول إن مل يكـــــــــن مقصـــــــــوده معرفـــــــــة مـــــــــراد املـــــــــتكلم، كـــــــــان �ويلـــــــــه اللفـــــــــظ

حيتملــــــــه مــــــــن حيــــــــث اجلملــــــــة يف كــــــــالم مــــــــن تكلــــــــم مبثلــــــــه مــــــــن العــــــــرب، مبــــــــا

هو من �ب التحريف واإلحلاد، ال من �ب التفسري وبيان املراد.

ــــــــــــــدبر ــــــــــــــوم أن هللا تعــــــــــــــاىل أمــــــــــــــر� أن نت وأمــــــــــــــا التفــــــــــــــويض: فــــــــــــــإن مــــــــــــــن املعل

القـــــــــرآن، وخصـــــــــنا علـــــــــى عقلـــــــــه وفهمـــــــــه، فكيـــــــــف جيـــــــــوز مـــــــــع ذلـــــــــك أن يـــــــــرد

.)٣(لهمنا اإلعراض عن فهمه ومعرفته وعق

.١/١٠٤اإلمام الغزايل –. إحياء علوم الدين ١ بتصرف . ١٦٣-١/١٦٢. درء التعارض ٢ .١/٢٠١. انظر : درء ٣

٤٠

مث بــــــــــــــــــــني رمحــــــــــــــــــــه هللا أن خــــــــــــــــــــوض املتكلمــــــــــــــــــــني يف التأويــــــــــــــــــــل لنصــــــــــــــــــــوص

الصـــــــــــــفات والعلـــــــــــــو، ســـــــــــــلط علـــــــــــــيهم هـــــــــــــؤالء املالحـــــــــــــدة مـــــــــــــن الفالســـــــــــــفة

والباطنيـــــــــة فقـــــــــالوا: وحنـــــــــن أيضـــــــــا نتـــــــــأول نصـــــــــوص املعـــــــــاد وهلـــــــــذا قـــــــــال رمحـــــــــه

هللا: "و�ـــــــــــذا احـــــــــــتج هـــــــــــؤالء املالحـــــــــــدة كـــــــــــابن ســـــــــــينا وغـــــــــــريه علـــــــــــى مثبـــــــــــيت

نصـــــــــــوص املعـــــــــــاد كـــــــــــالقول يف نصـــــــــــوص التشـــــــــــبيه املعـــــــــــاد وقـــــــــــالوا: القـــــــــــول يف

ــــــــــــني مــــــــــــا والتجســــــــــــيم، وزعمــــــــــــوا أن الرســــــــــــول صــــــــــــلى هللا عليــــــــــــه وســــــــــــلم مل يب

األمــــــــــــــر عليــــــــــــــه يف نفســــــــــــــه، ال يف العلــــــــــــــم �� تعــــــــــــــاىل وال �ليــــــــــــــوم اآلخــــــــــــــر،

ــــــــى نفــــــــي ــــــــى هــــــــؤالء هــــــــو مــــــــوافقتهم هلــــــــم عل ــــــــه عل فكــــــــان الــــــــذي اســــــــتطالوا ب

لبطلــــــــــــــت الصــــــــــــــفات، وإال فلــــــــــــــو أمنــــــــــــــوا �لكتــــــــــــــاب كلــــــــــــــه حــــــــــــــق اإلميــــــــــــــان،

.)١(معارضتهم، ودحضت حجتهم"

.١/٢٠٣. املرجع السابق ١

٤١

الفصل الرابع

بني ابن رشد والغزايل

املبحث األول:موقف ابن رشد من مسألة حشر األرواح دون األجساد.

يتفـــــــــق ابـــــــــن رشـــــــــد مـــــــــع الفالســـــــــفة القـــــــــائلني خبلـــــــــود الـــــــــنفس وعـــــــــدم فنائهـــــــــا،

ـــــــــة العقليـــــــــة ـــــــــت عليـــــــــه األدل ـــــــــه يـــــــــدعي أن هـــــــــذا ممـــــــــا دل والشـــــــــرعية ويف بـــــــــل إن

ذلــــــــــك يقــــــــــول: "الــــــــــنفس غــــــــــري مائتــــــــــة كمــــــــــا دلــــــــــت عليــــــــــه الــــــــــدالئل العقليــــــــــة

.)١(والشرعية"

"الــــــــــــنفس �قيــــــــــــة وقامــــــــــــت الرباهــــــــــــني علــــــــــــى ويقــــــــــــول يف موضــــــــــــع آخــــــــــــر:

.)٢(ذلك"

وبنـــــــــــاء علـــــــــــى األدلـــــــــــة الســـــــــــابقة يـــــــــــرى أن النفـــــــــــوس بعـــــــــــد مـــــــــــوت األجســـــــــــاد

"تتعــــــــــــــرى مــــــــــــــن الشــــــــــــــهوات اجلســــــــــــــمانية، فــــــــــــــإن كانــــــــــــــت زكيــــــــــــــة تضــــــــــــــاعف

تعريهـــــــــــا مـــــــــــن الشـــــــــــهوات اجلســـــــــــمانية، وإن كانـــــــــــت خبيثـــــــــــة زادهـــــــــــا زكاؤهـــــــــــا ب

املفارقــــــــــة خبثــــــــــا، أل�ــــــــــا تتــــــــــأذى �لرذائــــــــــل الــــــــــيت اكتســــــــــبت وتشــــــــــتد حســــــــــر�ا

علــــــــى مــــــــا فا�ــــــــا مــــــــن التزكيــــــــة عنــــــــد مفارقتهــــــــا البــــــــدن، أل�ــــــــا ليســــــــت ميكنهــــــــا

ـــــــــــدن ـــــــــــرى ابـــــــــــن رشـــــــــــد أن: "الشـــــــــــرائع )٣("االكتســـــــــــاب إال مـــــــــــع هـــــــــــذا الب . وي

مـــــــــن بعـــــــــد املـــــــــوت أحـــــــــواال مـــــــــن الســـــــــعادة كلهـــــــــا متفقـــــــــة علـــــــــى أن للنفـــــــــوس

وهـــــــــــــذا االغبـــــــــــــار عليـــــــــــــه، ألن النفـــــــــــــوس منعمـــــــــــــة أو معذبـــــــــــــة )٤("أو الشـــــــــــــقاء

منفـــــــــردة أحيـــــــــا� ومـــــــــع األبـــــــــدان أحيــــــــــا� أخـــــــــرى، ولكنـــــــــه يـــــــــرى أن الشــــــــــرائع

.)٥("خمتلفة يف متثيل هذه األحوال وتفهيم وجودها للناس

.٣٢٧. �افت التهافت ص ١ .١٥١. مناهج األدلة ص ٢ .١٥١. املرجع السابق ص ٣

.١٥٣. املرجع السابق ص ٤

.١٥٣. املرجع السابق ص ٥

٤٢

ـــــــــــل مـــــــــــا يكـــــــــــون هنالـــــــــــك للنفـــــــــــوس الزكيـــــــــــة مـــــــــــن ا للـــــــــــذة "فمنهـــــــــــا مـــــــــــا مل ميث

ــــــــــه أحــــــــــواال ــــــــــك كل وللشــــــــــقية مــــــــــن األذى �مــــــــــور شــــــــــاهدة، وصــــــــــرحوا �ن ذل

ـــــــــــــــد يف متثيلهـــــــــــــــا �ألمـــــــــــــــور ـــــــــــــــذات ملكيـــــــــــــــة، ومنهـــــــــــــــا مـــــــــــــــا اعت روحانيـــــــــــــــة ول

املشـــــــــاهدة أعـــــــــين أ�ــــــــــا مثلـــــــــت اللــــــــــذات املدركـــــــــة هنالــــــــــك �للـــــــــذات املدركــــــــــة

ــــــــــا بعــــــــــد أن نفــــــــــى عنهــــــــــا مــــــــــا يقــــــــــرتن �ــــــــــا مــــــــــن األذى، ومثلــــــــــوا األذى هاهن

ى الــــــــــذي يكــــــــــون هاهنــــــــــا بعــــــــــد أن نفــــــــــوا عنــــــــــه الــــــــــذي يكــــــــــون هنالــــــــــك �ألذ

.)١(هنالك ما يقرتن به هاهنا من الراحة منه"

وذلــــــــــــك ألنــــــــــــه إذا كـــــــــــــان هنــــــــــــاك طريـــــــــــــق شــــــــــــرعي، فهنـــــــــــــاك أيضــــــــــــا طريـــــــــــــق

فلســـــــــــــفي وبرهـــــــــــــاين "ألن الفلســـــــــــــفة إمنـــــــــــــا تنحـــــــــــــو تعريـــــــــــــف ســـــــــــــعادة بعـــــــــــــض

ــــــــــاس العقليــــــــــة، وهــــــــــو مــــــــــن شــــــــــأنه أن يــــــــــتعلم احلكمــــــــــة والشــــــــــرائع نقصــــــــــد الن

، ومــــــــــع هــــــــــذا فــــــــــال جنــــــــــد شــــــــــريعة مــــــــــن الشــــــــــرائع إال تعلــــــــــيم اجلمهــــــــــور عامــــــــــة

وقـــــــــد انتهـــــــــت مبـــــــــا خيـــــــــص احلكمـــــــــاء، وعنيـــــــــت مبـــــــــا يشـــــــــرتك فيـــــــــه اجلمهـــــــــور،

ـــــــــــتم وجـــــــــــوده وحتصـــــــــــيل وملـــــــــــا كـــــــــــان الصـــــــــــنف اخلـــــــــــاص مـــــــــــن النـــــــــــاس إمنـــــــــــا ي

ســـــــــــعادته مبشـــــــــــاركة الصـــــــــــنف العـــــــــــام ضـــــــــــرور� يف وجـــــــــــود الصـــــــــــنف اخلـــــــــــاص

. )٢("ويف حياته

ـــــــــــــابن رشـــــــــــــد يف الـــــــــــــنص الســـــــــــــابق يقســـــــــــــم النـــــــــــــاس إىل خـــــــــــــواص وعـــــــــــــوام، ف

واخلــــــــــــواص وهــــــــــــم الفالســــــــــــفة طــــــــــــريقهم برهــــــــــــاين فلســــــــــــفي والعــــــــــــوام طــــــــــــريقهم

ـــــــــل ـــــــــرى أن "التمثيـــــــــل الروحـــــــــاين يشـــــــــبه أن يكـــــــــون أق شـــــــــرعي، وهلـــــــــذا فهـــــــــو ي

حتريكــــــــــــــا لنفــــــــــــــوس اجلهــــــــــــــور اىل مــــــــــــــا هنالــــــــــــــك، واجلمهــــــــــــــور أقــــــــــــــل حتريكــــــــــــــا

لنفـــــــــــــوس لـــــــــــــه مـــــــــــــنهم يف التمثيـــــــــــــل اجلســـــــــــــماين ولـــــــــــــذلك يشـــــــــــــبه أن يكـــــــــــــون

ــــــــــــل اجلســــــــــــماين أشــــــــــــد )٣("حتريكــــــــــــا إىل مــــــــــــا هنالــــــــــــك مــــــــــــن الروحــــــــــــاين التمثي

ـــــــــه وكـــــــــذلك كـــــــــان متثيـــــــــل املعـــــــــاد هلـــــــــم �ألمـــــــــور اجلســـــــــمانية أفضـــــــــل مـــــــــن متثيل

.١٥٢. املرجع السابق ص ١

.٣٢٥ص –. �افت التهافت ٢

.١٥٣ –. مناهج األدلة ٣

٤٣

�ألمــــــــــور الروحانيــــــــــة كمــــــــــا قــــــــــال تعــــــــــاىل: "مثــــــــــل اجلنــــــــــة الــــــــــيت وعــــــــــد املتقــــــــــون

وقــــــــال النــــــــيب صــــــــلى هللا عليــــــــه وســــــــلم: "فيهــــــــا )١("جتــــــــري مــــــــن حتتهــــــــا األ�ــــــــار

.)٢("خباطر بشر ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر

وبعـــــــــد ذلـــــــــك بـــــــــني ابـــــــــن رشـــــــــد أن النـــــــــاس يف فهـــــــــم التمثيـــــــــل الســـــــــابق الـــــــــذي

ـــــــــه اإلســـــــــالم ـــــــــه–جـــــــــاء ب ـــــــــالث فـــــــــرق "فرقـــــــــة -حســـــــــب رأي ـــــــــى ث اختلفـــــــــوا عل

رأت أن ذلـــــــــــك الوجــــــــــــود هــــــــــــو بعينــــــــــــه هــــــــــــذا املوجــــــــــــود الــــــــــــذي هاهنــــــــــــا مــــــــــــن

النعــــــــــيم واللــــــــــذة، أعــــــــــين أ�ــــــــــم رأوا أنــــــــــه واحــــــــــد �جلــــــــــنس وأنــــــــــه إمنــــــــــا خيتلــــــــــف

م واالنقطاع، أعين أن ذلك دائم وهذا منقطع.الوجودان �لدوا

وطائفـــــــــــــــــة رأت أن الوجـــــــــــــــــود متبـــــــــــــــــاين، وهـــــــــــــــــذه انقســـــــــــــــــمت إىل قســـــــــــــــــمني:

طائفـــــــــــة رأت أن الوجـــــــــــود املمثـــــــــــل �ـــــــــــذه احملسوســـــــــــات روحـــــــــــاين، وأنـــــــــــه إمنـــــــــــا

مثل به إرادة البيان.

ــــــــــــــك اجلســــــــــــــمانية ــــــــــــــه جســــــــــــــماين، لكــــــــــــــن اعتقــــــــــــــدت أن تل وطائفــــــــــــــة رأت أن

ــــــــــك خمالفــــــــــة هلــــــــــذه اجل ــــــــــك املوجــــــــــودة هنال ــــــــــة، وتل ســــــــــمانية لكــــــــــون هــــــــــذه �لي

.)٣("�قية

وهـــــــــذا الـــــــــرأي األخـــــــــري يعـــــــــد الئقـــــــــا �خلـــــــــواص وذلـــــــــك أنـــــــــه يقـــــــــوم مث قـــــــــال:

على عدة أمور ليس فيها خالف عند اجلميع:

ــــــــــاين أنــــــــــه لــــــــــيس عــــــــــن عــــــــــودة الــــــــــنفس إىل "أحــــــــــدها أن الــــــــــنفس �قيــــــــــة، والث

ـــــــــــــذي يلحـــــــــــــق عـــــــــــــن عـــــــــــــودة تلـــــــــــــك األجســـــــــــــام أجســـــــــــــام أخـــــــــــــر، احملـــــــــــــال ال

.)٤("بعينها

ـــــــــــيس إىل اجلســـــــــــد نفســـــــــــه فهـــــــــــ و يـــــــــــرى أن الـــــــــــنفس تعـــــــــــود إىل أي جســـــــــــد ول

"وذلــــــــــــك أنــــــــــــه يظهــــــــــــر أن مــــــــــــواد األجســــــــــــام الــــــــــــيت هاهنــــــــــــا توجــــــــــــد متعاقبــــــــــــة

.٣٥. سورة الرعد/ ١

.٣٢٦وانظر : �افت التهافت ص –١٨٦. سبق خترجيه ص ٢

.١٥٤. مناهج األدلة ص ٣

.١٥٤. املرجع السابق ٤

٤٤

ومنتقلـــــــــة مـــــــــن جســـــــــم إىل جســـــــــم، أعـــــــــين أن املـــــــــادة الواحـــــــــدة بعينهـــــــــا توجـــــــــد

ألشــــــــــــخاص كثــــــــــــرية يف أوقــــــــــــات خمتلفــــــــــــة، وأمثــــــــــــال هــــــــــــذه األجســــــــــــام لــــــــــــيس

ي واحــــــــــدة مثــــــــــال ذلــــــــــك ميكــــــــــن أن توجــــــــــد كلهــــــــــا �لفعــــــــــل، ألن ماد�ــــــــــا هــــــــــ

ــــــــــــــك أن إنســــــــــــــا� مــــــــــــــات واســــــــــــــتحال جســــــــــــــمه إىل الــــــــــــــرتاب، واســــــــــــــتحال ذل

الــــــــــرتاب إىل نبــــــــــات، فاغتــــــــــذى إنســــــــــان آخــــــــــر مــــــــــن ذلــــــــــك النبــــــــــات، فكــــــــــان

.)١("منه تولد إنسان آخر

ــــــــــن رشــــــــــد، وذلــــــــــك ألن اإلنســــــــــان إذا ــــــــــد اب فبعــــــــــث األجســــــــــاد مســــــــــتحيل عن

ــــــــــــــات ــــــــــــــرتاب إىل نب ــــــــــــــراب وحتــــــــــــــول ذلــــــــــــــك ال مــــــــــــــات حتــــــــــــــول جســــــــــــــمه إىل ت

وهــــــــذا هــــــــو –بــــــــه إنســــــــان آخــــــــر وتولــــــــد منــــــــه إنســــــــان آخــــــــر كــــــــذلك يغتــــــــذي

وهلــــــــذا فهـــــــــو يــــــــرى أنــــــــه ال بــــــــد مــــــــن االعتقـــــــــاد "إىل -نفــــــــس رأي ابــــــــن ســــــــينا

أن األشـــــــــياء الـــــــــيت تعـــــــــود هـــــــــي أمثـــــــــال هـــــــــذه األشـــــــــياء الـــــــــيت كانـــــــــت يف هـــــــــذه

الــــــــــدار، ال هـــــــــــي بعينهــــــــــا، ألن املعـــــــــــدوم ال يعـــــــــــود �لشــــــــــخص، وإمنـــــــــــا يعـــــــــــود

.)٢("عدماملوجود ملثل ما عدم ال لعني ما

ويف الــــــــــــنص الســــــــــــابق يظهــــــــــــر اعتقــــــــــــاد ابــــــــــــن رشــــــــــــد �لتناســــــــــــخ ألن البعــــــــــــث

عنــــــــــده �لنــــــــــوع ال �لعــــــــــدد، وال بــــــــــد للــــــــــنفس أن تتخــــــــــذ هلــــــــــا جســــــــــما آخــــــــــر

ــــــــــك ــــــــــرتاب يوضــــــــــح ذل غــــــــــري جســــــــــمها احلــــــــــايل، ألن هــــــــــذا اجلســــــــــم يفــــــــــىن �ل

قولـــــــه: وإمنـــــــا يعـــــــود املوجـــــــود ملثـــــــل مـــــــا عـــــــدم ال لعـــــــني مـــــــا عـــــــدم، وعلـــــــى هـــــــذا

نفــــــــــوس إىل أجســــــــــاد غــــــــــري األجســــــــــاد فالبعــــــــــث حســــــــــب رأيــــــــــه هــــــــــو إعــــــــــادة ال

الــــــــــــيت كانــــــــــــت فيهــــــــــــا، الســــــــــــعيدة منهــــــــــــا تــــــــــــنعم فيهــــــــــــا الــــــــــــدهر كلــــــــــــه �شــــــــــــد

احملسوســـــــــات نعيمـــــــــا وهـــــــــي اجلنـــــــــة، والشـــــــــقية منهـــــــــا تتـــــــــأمل فيهـــــــــا الـــــــــدهر كلـــــــــه

�شـــــــــــد احملسوســـــــــــات أذى وهـــــــــــي النـــــــــــار، بـــــــــــل إنـــــــــــه يـــــــــــرى أن متثيـــــــــــل اجلـــــــــــزاء

.١٥٤. املرجع السابق ١

.٣٣٧. �افت التهافت ص ٢

٤٥

جســـــــــــــــــمانيا للجمهـــــــــــــــــور فقـــــــــــــــــط، لـــــــــــــــــدفعهم إىل العمـــــــــــــــــل والفضـــــــــــــــــيلة، ألن

.)١(مهور يتصور األشياء تصورا عمليا حسيا اجل

دفاع ابن رشد عن الفالسفة ورده على الغزايل يف هذه املسألة.املبحث الثاين:

ـــــــــــوهلم: إن ـــــــــــن رشـــــــــــد يتفـــــــــــق مـــــــــــع الفالســـــــــــفة يف ق ســـــــــــبق وأن وضـــــــــــحنا أن اب

النفـــــــــــوس ال متـــــــــــوت مبـــــــــــوت األجســـــــــــاد، وهلـــــــــــذا قـــــــــــال يف رده علـــــــــــى الغـــــــــــزايل

"يف -أي الغـــــــــــــــــزايل– قـــــــــــــــــال فيهـــــــــــــــــا يف املســـــــــــــــــألة الثامنـــــــــــــــــة عشـــــــــــــــــر والـــــــــــــــــيت

ـــــــــــــنفس اإلنســـــــــــــانية ـــــــــــــى أن ال ـــــــــــــزهم عـــــــــــــن إقامـــــــــــــة الربهـــــــــــــان العقلـــــــــــــي عل تعجي

جوهر روحاين قائم بنفسه".

ــــــــنفس غــــــــامض جــــــــدا، وإمنــــــــا اخــــــــتص ــــــــال ابــــــــن رشــــــــد: فــــــــالكالم يف أمــــــــر ال ق

هللا بـــــــــــــــه مـــــــــــــــن النـــــــــــــــاس العلمـــــــــــــــاء الراســـــــــــــــخني يف العلـــــــــــــــم، ولـــــــــــــــذلك قـــــــــــــــال

عنـــــــــــدما ســـــــــــألوه، �ن هـــــــــــذا ســـــــــــبحانه: جميبـــــــــــا يف هـــــــــــذه املســـــــــــألة للجمهـــــــــــور

الطـــــــــور مــــــــــن الســـــــــؤال لــــــــــيس هـــــــــو مــــــــــن أطـــــــــوارهم "ويســــــــــألونك عـــــــــن الــــــــــروح

.)٢("قل الروح من أمر ريب وما أوتيتم من العلم إال قليال

ـــــــــــنفس الغـــــــــــامض مـــــــــــن ـــــــــــنص الســـــــــــابق جعـــــــــــل ابـــــــــــن رشـــــــــــد علـــــــــــم ال ففـــــــــــي ال

حســـــــــــب اعتقــــــــــــاده، -وهـــــــــــم الفالســــــــــــفة–اختصـــــــــــاص الراســـــــــــخني يف العلــــــــــــم

يتــــــــوىف األنفــــــــس حــــــــني مو�ــــــــا والــــــــيت مل متــــــــت بــــــــل إنــــــــه يستشــــــــهد �آليــــــــة "هللا

علــــــــــــى أ�ــــــــــــا دليــــــــــــل علــــــــــــى بقــــــــــــاء الــــــــــــنفس فقــــــــــــال: "ووجــــــــــــه )٣("يف منامهــــــــــــا

ـــــــــه ســـــــــوى فيهـــــــــا بـــــــــني النـــــــــوم واملـــــــــوت يف تعطيـــــــــل ـــــــــدليل يف هـــــــــذه اآليـــــــــة أن ال

فعـــــــــل الـــــــــنفس، فلـــــــــو كـــــــــان تعطـــــــــل فعـــــــــل الـــــــــنفس يف املـــــــــوت لفســـــــــاد الـــــــــنفس

ــــــــنفس لقــــــــد كــــــــان جيــــــــب أن يكــــــــون تعطــــــــل فعلهــــــــا ــــــــوم ال بتغــــــــري آلــــــــة ال يف الن

-٣١٠-٢٩٧ص -د/حممد عاطف العراقي -. انظر: النزعة العقلية يف فلسفة ابن رشد ١

بدون. -مصر -دار املعارف .٣١١وانظر: �افت التهافت ص ٨٥. سورة اإلسراء/ ٢ .٤٢. سورة الزمر/ ٣

٤٦

لفســــــــاد ذا�ــــــــا، ولــــــــو كــــــــان ذلــــــــك كــــــــذلك ملــــــــا عــــــــادت عنــــــــد االنتبــــــــاه علــــــــى

هيئتهــــــــــا، فلمــــــــــا كانــــــــــت تعــــــــــود عليهــــــــــا علمنــــــــــا أن هــــــــــذا التعطــــــــــل ال يعــــــــــرض

هلــــــــا ألمــــــــر حلقهــــــــا يف جوهرهــــــــا، وإمنــــــــا هــــــــو شــــــــيء حلقهــــــــا مــــــــن قبــــــــل تعطــــــــل

.)١("آلتها، وأنه ليس يلزم إذا تعطلت اآللة أن تتعطل النفس

الثامنـــــــــة عشـــــــــر والتاســـــــــعة عشـــــــــر والـــــــــيت بـــــــــدعهم وبعـــــــــد أن عـــــــــرض املســـــــــألتني

فيهــــــــــــــا الغــــــــــــــزايل قــــــــــــــال: املســــــــــــــألة العشــــــــــــــرون يف إبطــــــــــــــال إنكــــــــــــــارهم لبعــــــــــــــث

األجسام مع التلذذ التام.

وملـــــــا فـــــــرغ مـــــــن هـــــــذه املســـــــألة، أخـــــــذ يـــــــزعم أن الفالســـــــفة قـــــــال ابـــــــن رشـــــــد:

ينكــــــــــرون حشــــــــــر األجســــــــــاد، وهــــــــــذا شــــــــــيء مــــــــــا وجــــــــــد لواحــــــــــد ممــــــــــن تقــــــــــدم

اد أقــــــــــل مــــــــــا لــــــــــه منتشــــــــــرا يف الشــــــــــرائع فيــــــــــه قــــــــــول. والقــــــــــول حبشــــــــــر األجســــــــــ

ألــــــــــف ســــــــــنة، والــــــــــذين �دت إلينــــــــــا عــــــــــنهم الفلســــــــــفة هــــــــــم دون هــــــــــذا العــــــــــدد

ــــــــين ــــــــاء ب ــــــــك أن أول مــــــــن قــــــــال حبشــــــــر األجســــــــاد هــــــــم أنبي مــــــــن الســــــــنني، وذل

إســـــــرائيل الـــــــذين أتـــــــوا بعــــــــد موســـــــى عليـــــــه الســـــــالم، وذلــــــــك بـــــــني مـــــــن الزبــــــــور

أيضـــــــــا ومـــــــــن كثـــــــــري مـــــــــن الصـــــــــحف املنســـــــــوبة لبـــــــــين إســـــــــرائيل، وثبـــــــــت ذلـــــــــك

يف اإلجنيــــــــــل، وتــــــــــواتر القــــــــــول بــــــــــه عــــــــــن عيســــــــــى عليــــــــــه الســــــــــالم وهــــــــــو قــــــــــول

.)٢(الصابئة، وهذه الشريعة أقدم الشرائع"

وابـــــــــــن رشـــــــــــد يف الـــــــــــنص الســـــــــــابق يـــــــــــرى أن الفالســـــــــــفة ال ينكـــــــــــرون حشــــــــــــر

ـــــــــــاس ـــــــــــنص التـــــــــــايل أ�ـــــــــــم مـــــــــــن أشـــــــــــد الن األجســـــــــــاد، بـــــــــــل إنـــــــــــه يؤكـــــــــــد يف ال

ر مـــــــــن أمـــــــــرهم تعظيمـــــــــا ملســـــــــألة حشـــــــــر األجســـــــــاد فقـــــــــال: "بـــــــــل القـــــــــوم يظهـــــــــ

ــــــــــك أ�ــــــــــم أ�ــــــــــم أشــــــــــد النــــــــــاس تعظيمــــــــــا هلــــــــــا وإميــــــــــا� �ــــــــــا، والســــــــــبب يف ذل

يــــــــرون أ�ــــــــا تنحــــــــو حنــــــــو تــــــــدبري النــــــــاس الــــــــذي بــــــــه وجــــــــود اإلنســــــــان مبــــــــا هــــــــو

ــــــــــك أ�ــــــــــا ضــــــــــرورية يف وجــــــــــود ــــــــــه، وذل إنســــــــــان وبلوغــــــــــه ســــــــــعادته اخلاصــــــــــة ب

ـــــــــــــة، الفضـــــــــــــائل اخللقيـــــــــــــة لإلنســـــــــــــان، والفضـــــــــــــائل النظريـــــــــــــة والصـــــــــــــنائع العملي

.١٥٥. مناهج األدلة ص ١ .٣٢٤. �افت التهافت ص ٢

٤٧

يــــــــــــــرون أن اإلنســــــــــــــان ال حيــــــــــــــاة لــــــــــــــه يف هــــــــــــــذه الــــــــــــــدار إال وذلــــــــــــــك أ�ــــــــــــــم

�لصـــــــــــنائع العمليـــــــــــة وال حيـــــــــــاة لـــــــــــه يف هـــــــــــذه الـــــــــــدار، وال يف الـــــــــــدار اآلخـــــــــــرة

ــــــــــتم وال يبلــــــــــغ إليــــــــــه ــــــــــه وال واحــــــــــد مــــــــــن هــــــــــذين ي ــــــــــة وإن إال �لفضــــــــــائل النظري

إال �لفضــــــــــــــــائل اخللقيــــــــــــــــة، وال تــــــــــــــــتمكن إال مبعرفــــــــــــــــة هللا تعــــــــــــــــاىل وتعظيمــــــــــــــــه

ـــــــــــــادات املشـــــــــــــروعة هلـــــــــــــم يف ـــــــــــــة ملـــــــــــــة، مثـــــــــــــل القـــــــــــــرابني والصـــــــــــــلوات �لعب مل

واألدعيـــــــــة، ومـــــــــا يشـــــــــبه ذلـــــــــك مـــــــــن األقاويـــــــــل الـــــــــيت تقـــــــــال يف الثنـــــــــاء علـــــــــى

.)١(هللا تعاىل وعلى املالئكة والنبيني"

ــــــــــــر موقــــــــــــف الفلســــــــــــفة ــــــــــــرى أنــــــــــــه، لتقري ــــــــــــنص الســــــــــــابق ي وابــــــــــــن رشــــــــــــد يف ال

�لنســـــــــبة ألحـــــــــوال املعـــــــــاد الـــــــــيت وردت يف الشـــــــــرع ال بـــــــــد مـــــــــن التفرقـــــــــة بـــــــــني

زء علمـــــــــــــي، وذلـــــــــــــك ألنـــــــــــــه يوجـــــــــــــد فضـــــــــــــائل عمليـــــــــــــة جـــــــــــــزء عملـــــــــــــي وجـــــــــــــ

ـــــــــنفس هـــــــــذه الفضـــــــــائل، هـــــــــي ـــــــــيت تكســـــــــب ال ـــــــــة، واألفعـــــــــال ال وفضـــــــــائل نظري

)٢(اخلــــــــــــــــريات واحلســــــــــــــــنات، والــــــــــــــــيت تعوقهــــــــــــــــا هــــــــــــــــي الشــــــــــــــــرور والســــــــــــــــيئات

ولــــــــــذلك حثــــــــــت الشــــــــــريعة علــــــــــى تقريرهــــــــــا فــــــــــأمرت �لفضــــــــــائل و�ــــــــــت عــــــــــن

ــــــــــم ــــــــــع النــــــــــاس يف العل ــــــــــذي فيــــــــــه ســــــــــعادة مجي ــــــــــت �ملقــــــــــدار ال ــــــــــل، وعرف الرذائ

والعمـــــــــــل، أي الســـــــــــعادة املشـــــــــــرتكة، فعرفـــــــــــت مـــــــــــن األمـــــــــــور النظريـــــــــــة مـــــــــــا ال

بـــــــــد جلميـــــــــع النـــــــــاس مـــــــــن معرفتـــــــــه، وهـــــــــي معرفـــــــــة هللا تبـــــــــارك وتعـــــــــاىل ومعرفـــــــــة

املالئكـــــــــــــة، ومعرفـــــــــــــة املوجـــــــــــــودات الشـــــــــــــريفة، ومعرفـــــــــــــة الســـــــــــــعادة، وكـــــــــــــذلك

ـــــــــــــه النفـــــــــــــوس فاضـــــــــــــلة ـــــــــــــت مـــــــــــــن األعمـــــــــــــال القـــــــــــــدر الـــــــــــــذي تكـــــــــــــون ب عرف

.)٣(�لفضائل العملية

لفلسفة عند ابن رشد:وظيفة ا -

إن وظيفــــــــــــة الفلســــــــــــفة عنــــــــــــد ابــــــــــــن رشــــــــــــد هــــــــــــي تعريــــــــــــف النــــــــــــاس الســــــــــــعادة

العقليـــــــــــة بتعلـــــــــــيم احلكمـــــــــــة، والشـــــــــــرائع للعامـــــــــــة واخلاصـــــــــــة؛ فمـــــــــــن ردود ابـــــــــــن

.٣٢٤. �افت التهافت ص ١

.١٥٠. انظر مناهج األدلة ص ٢

.١٥١. انظر: املرجع السابق ص ٣

٤٨

ـــــــــه: إن الشـــــــــرائع اتفقـــــــــت رشـــــــــد علـــــــــى الغـــــــــزايل يف هـــــــــذه املســـــــــألة خاصـــــــــة قول

ـــــــــــى وجـــــــــــود أخـــــــــــروي إال أ�ـــــــــــا اختلفـــــــــــت يف تفهـــــــــــيم األحـــــــــــوال، وتفهـــــــــــيم عل

ــــــــك �حــــــــوال روحانيــــــــة، ومنهــــــــا وجودهــــــــا ل لنــــــــاس فمنهــــــــا مــــــــن مثــــــــل وفهــــــــم ذل

، وذلــــــــــــك ألن الشــــــــــــرائع " ملــــــــــــا كانــــــــــــت )١(مــــــــــــن مثــــــــــــل وفهــــــــــــم �حملسوســــــــــــات

تنحــــــــــو حنــــــــــو احلكمــــــــــة بطريــــــــــق مشــــــــــرتك للجميــــــــــع كانــــــــــت واجبــــــــــة عنــــــــــدهم،

ــــــــــة، ــــــــــاس العقلي ــــــــــف ســــــــــعادة بعــــــــــض الن ألن الفلســــــــــفة إمنــــــــــا تنحــــــــــو حنــــــــــو تعري

تعلــــــــــيم اجلمهــــــــــور وهــــــــــو مــــــــــن شــــــــــأنه أن يــــــــــتعلم احلكمــــــــــة، والشــــــــــرائع تقصــــــــــد

عامـــــــــة، ومـــــــــع هـــــــــذا، فـــــــــال جنـــــــــد شـــــــــريعة مـــــــــن الشـــــــــرائع إال وقـــــــــد نبهـــــــــت مبـــــــــا

خيــــــــص احلكمــــــــاء، وعنيــــــــت مبــــــــا يشــــــــرتك فيــــــــه اجلمهــــــــور. وملــــــــا كــــــــان الصــــــــنف

اخلـــــــــــــاص مـــــــــــــن النـــــــــــــاس إمنـــــــــــــا يـــــــــــــتم وجـــــــــــــوده وحتصـــــــــــــيل ســـــــــــــعادته مشـــــــــــــاركة

الصـــــــــنف العـــــــــام، كـــــــــان التعلـــــــــيم العـــــــــام ضـــــــــرور� يف وجـــــــــود الصـــــــــنف اخلـــــــــاص

وقــــــــــت صــــــــــباه ومنشــــــــــأه فــــــــــال يشــــــــــك أحــــــــــد يف ذلــــــــــك، ويف حياتــــــــــه، أمــــــــــا يف

وأمـــــــــا عنـــــــــد نقلتـــــــــه إىل مـــــــــا خيصـــــــــه فمـــــــــن ضـــــــــرورة فضـــــــــيلته أال يســـــــــتهني مبـــــــــا

نشــــــــــأ عليــــــــــه، وأن يتـــــــــــأول لــــــــــذلك أحســــــــــن �ويـــــــــــل، وأن يعلــــــــــم أن املقصـــــــــــود

.)٢("بذلك التعليم هو ما يعم ال ما خيص

ـــــــــــاس إىل خاصـــــــــــة وهـــــــــــم الفالســـــــــــفة، وعامـــــــــــة ـــــــــــنص الســـــــــــابق قســـــــــــم الن ويف ال

ــــــــــــــد وهــــــــــــــم غــــــــــــــريهم ــــــــــــــت �ــــــــــــــؤالء وهــــــــــــــؤالء ولكــــــــــــــن ال ب وأن الشــــــــــــــريعة اعتن

للخاصـــــــــة أن يتعلمــــــــــوا مــــــــــا يتعلمـــــــــه العامــــــــــة مــــــــــن الشـــــــــرائع إضــــــــــافة إىل تعلــــــــــم

ــــــــــــــه أال احلكمــــــــــــــة وخاصــــــــــــــة يف الصــــــــــــــبا واملنشــــــــــــــأ، فــــــــــــــإذا كــــــــــــــرب وجــــــــــــــب علي

يســـــــــــتهني مبـــــــــــا تعلمـــــــــــه، بـــــــــــل جيـــــــــــب أن يتأولـــــــــــه أحســـــــــــن �ويـــــــــــل، وأحســـــــــــن

ـــــــــــ -حســـــــــــب اعتقـــــــــــاده-التأويـــــــــــل ـــــــــــه هـــــــــــو إنكـــــــــــار معـــــــــــاد األجســـــــــــاد، ب ل إن

ــــــــاء فقــــــــال: "أصــــــــدق كــــــــل قضــــــــية هــــــــي وصــــــــف الفالســــــــفة ��ــــــــم ورثــــــــة األنبي

.١٥١. انظر : مناهج األدلة ص ١ .٣٢٥. �افت التهافت ص ٢

٤٩

ـــــــــذين ـــــــــيس كـــــــــل حكـــــــــيم نـــــــــيب، ولكـــــــــنهم العلمـــــــــاء ال ـــــــــيب حكـــــــــيم ول أن كـــــــــل ن

.)١("قيل فيهم: إ�م ورثة األنبياء

املعاد عند ابن رشد هو إعادة األنفس ملثل ما عدم ال لعني ما عدم:-

ــــــــيت تبعــــــــث هــــــــي ــــــــن رشــــــــد أن األجســــــــام ال ــــــــال هــــــــذه األجســــــــاد يعتقــــــــد اب أمث

ــــــــه ــــــــدار، ال هــــــــي بعينهــــــــا ولــــــــذلك استحســــــــن مــــــــا قال الــــــــيت كانــــــــت يف هــــــــذه ال

الغـــــــــــزايل عنـــــــــــد رده علـــــــــــى الفالســـــــــــفة فقـــــــــــال: "ومـــــــــــا قالـــــــــــه هـــــــــــذا الرجـــــــــــل يف

معانـــــــــــــد�م هـــــــــــــو جيـــــــــــــد، وال بـــــــــــــد يف معانـــــــــــــد�م أن توضـــــــــــــع الـــــــــــــنفس غـــــــــــــري

مائنـــــــــــه، كمـــــــــــا دلـــــــــــت عليـــــــــــه الـــــــــــدالئل العقليـــــــــــة والشـــــــــــرعية، وأن يوضــــــــــــع أن

هـــــــــي أمثـــــــــال هـــــــــذه األجســـــــــام الـــــــــيت كانـــــــــت يف هـــــــــذه الـــــــــدار، ال الـــــــــيت تعـــــــــود

هــــــــــــي بعينهــــــــــــا، ألن املعــــــــــــدوم ال يعــــــــــــود �لشــــــــــــخص وإمنــــــــــــا يعــــــــــــود املوجــــــــــــود

.)٢("ملثل ما عدم ال لعني ما عدم

ـــــــــن رشـــــــــد اعرتاضـــــــــاته يف هـــــــــذه املســـــــــألة بتفســـــــــريه للوجـــــــــود، ـــــــــط اب وهكـــــــــذا رب

ـــــــــــة وأن املعـــــــــــدوم ال ميكـــــــــــن ـــــــــــة معين ـــــــــــذهب إىل أن لكـــــــــــل شـــــــــــيء هوي فهـــــــــــو ي

ــــــــــــه أصــــــــــــبحت فانيــــــــــــةأن يعــــــــــــ ، )٣(ود هــــــــــــو نفســــــــــــه مــــــــــــرة أخــــــــــــرى إذا أن هويت

وهلــــــــذا ينطبــــــــق عليــــــــه وعلــــــــى كــــــــل مــــــــن قــــــــال بقولــــــــه، قولــــــــه تعــــــــاىل: "وضــــــــرب

ـــــــي العظـــــــام وهـــــــي رمـــــــيم. قـــــــل حيييهـــــــا ـــــــا مـــــــثال ونســـــــي خلقـــــــه قـــــــال مـــــــن حيي لن

.)٤("الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم

.٣٢٦. املرجع السابق ص ١ .٣٢٧. املرجع السابق ص ٢

.٣ص –. انظر : النزعة العقلية يف فلسفة ابن رشد ٣ .٧٩-٧٨. سورة يس/ ٤

٥٠

الفصل اخلامس

حشر األرواح دون األجسادبني ابن تيمية والفالسفة يف مسألة

املبحث األول: رأي ابن تيمية يف مسألة حشر األرواح دون األجساد.

بـــــــــــني رمحـــــــــــه هللا تعـــــــــــاىل أن "طـــــــــــرق العلـــــــــــم ثالثـــــــــــة: احلـــــــــــس، والعقـــــــــــل واملركـــــــــــب منهمـــــــــــا

كـــــــــاخلرب، فمـــــــــن األمـــــــــور مـــــــــا ال ميكـــــــــن علمـــــــــه إال �خلـــــــــرب، كمـــــــــا يعلمـــــــــه كـــــــــل شـــــــــخص

ومــــــــــا يعلــــــــــم خبــــــــــرب األنبيــــــــــاء صــــــــــلوات هللا علــــــــــيهم �خبــــــــــار الصــــــــــادقني، كــــــــــاخلرب املتــــــــــواتر،

أمجعـــــــــــني، وهـــــــــــذا التقســـــــــــيم جيـــــــــــب اإلقـــــــــــرار بـــــــــــه، وقـــــــــــد قامـــــــــــت األدلـــــــــــة اليقينيـــــــــــة علـــــــــــى

ــــــــــــوات األنبيــــــــــــاء وأ�ــــــــــــم قــــــــــــد يعلمــــــــــــون �خلــــــــــــرب مــــــــــــا ال يعلــــــــــــم إال �خلــــــــــــرب، وكــــــــــــذلك نب

وهلـــــــــــــذا كـــــــــــــان أكمـــــــــــــل األمـــــــــــــم علمـــــــــــــا املقـــــــــــــرون �لطـــــــــــــرق …يعلمـــــــــــــون غـــــــــــــريهم خبربهم

يــــــــة، فمــــــــن كــــــــذب بطريــــــــق منهــــــــا فاتــــــــه مــــــــن العلــــــــوم حبســــــــب مــــــــا احلســــــــية والعقليــــــــة واخلرب

.)١("كذب به من تلك الطرق

ـــــــــــه الرســـــــــــول عـــــــــــن هللا حـــــــــــق وصـــــــــــدق ال يناقضـــــــــــه مث أكـــــــــــد أن مـــــــــــا خيـــــــــــرب ب

ــــــــع مــــــــا خيــــــــرب بــــــــه الرســــــــول ــــــــل عقلــــــــي وال مسعــــــــي فقــــــــال: "فوجــــــــب أن مجي دلي

عــــــــــــن هللا صــــــــــــدق وحــــــــــــق، ال جيــــــــــــوز أن يكــــــــــــون يف ذلــــــــــــك شــــــــــــيء منــــــــــــاقض

ىت علــــــــم املــــــــؤمن �لرســــــــول أنــــــــه أخــــــــرب لشــــــــيء لــــــــدليل عقلــــــــي وال مسعــــــــي، فمــــــــ

مــــــــــن ذلــــــــــك جــــــــــزم جزمــــــــــا قاطعــــــــــا أنــــــــــه حــــــــــق، وأنــــــــــه ال جيــــــــــوز أن يكــــــــــون يف

ــــــــل قطعــــــــي، ال ــــــــع أن يعارضــــــــه دلي ــــــــه ميتن ــــــــه، وأن البــــــــاطن خبــــــــالف مــــــــا أخــــــــرب ب

ــــــــه عارضــــــــه مــــــــن ذلــــــــك، فإمنــــــــا هــــــــو عقلــــــــي وال مسعــــــــي، وأن كــــــــل مــــــــا ظــــــــن أن

.)٢("حجج داحضة، وشبه من جنس شبه السوفسطائية

ــــــــك كلــــــــه ممــــــــا يبــــــــني إنــــــــه لــــــــيس يف املعقــــــــول الصــــــــريح مــــــــا ميكــــــــن أن "…وذل

يكــــــــــــــون مقــــــــــــــدما علــــــــــــــى مــــــــــــــا جــــــــــــــاءت بــــــــــــــه الرســــــــــــــل، وذلــــــــــــــك ألن اآل�ت

والرباهــــــــــــني دالــــــــــــة علــــــــــــى صــــــــــــدق الرســــــــــــل، وأ�ــــــــــــم ال يقولــــــــــــون علــــــــــــى هللا إال

احلـــــــــق، وأ�ـــــــــم معصـــــــــومون فيمـــــــــا يبلغونـــــــــه عـــــــــن هللا مـــــــــن اخلـــــــــرب والطلـــــــــب، ال

.١٧٩-١/١٧٨. درء ١ .١/١٧٢. املرجع السابق ٢

٥١

شـــــــــــيء مـــــــــــن اخلطـــــــــــأ، كمـــــــــــا اتفـــــــــــق جيـــــــــــوز أن يســـــــــــتقر يف خـــــــــــربهم عـــــــــــن هللا

ــــــــــع املقــــــــــرين �لرســــــــــل مــــــــــن املســــــــــلمني واليهــــــــــود والنصــــــــــارى ــــــــــك مجي علــــــــــى ذل

.)١("وغريهم

كمــــــــــــا بــــــــــــني رمحــــــــــــه هللا أن الفالســــــــــــفة زعمــــــــــــوا أن علــــــــــــوم األنبيــــــــــــاء حمصــــــــــــورة

فبمـــــــــــــا يســـــــــــــمونه �لقـــــــــــــوة القدســـــــــــــية، فقـــــــــــــال: "واملتفلســـــــــــــفة الـــــــــــــذين أثبتـــــــــــــوا

ـــــــــوات علـــــــــى وجـــــــــه يوافـــــــــق أصـــــــــوهلم الفاســـــــــدة، كـــــــــابن مل –ســـــــــينا وأمثالـــــــــه النب

ـــــــــــه خبـــــــــــرب �تـــــــــــيهم عـــــــــــن هللا، ال يقـــــــــــروا �ن األنبيـــــــــــاء يعلمـــــــــــون مـــــــــــا ال يعلمون

ـــــــــة؛ لكـــــــــو�م ـــــــــل زعمـــــــــوا أ�ـــــــــم يعلمونـــــــــه بقـــــــــوة عقلي ـــــــــك وال غـــــــــريه، ب خبـــــــــرب مل

ــــــــــوة احلــــــــــدس، ويســــــــــمون ذلــــــــــك القــــــــــوة القدســــــــــية أكمــــــــــل مــــــــــن غــــــــــريهم يف ق

ــــــــــك وبعــــــــــد ذلــــــــــك بــــــــــني حقيقــــــــــة قــــــــــوهلم )٢("فحصــــــــــروا علــــــــــوم األنبيــــــــــاء يف ذل

نبيـــــــــــــاء فقـــــــــــــال: "وكـــــــــــــان حقيقـــــــــــــة قـــــــــــــوهلم: إن األنبيـــــــــــــاء مـــــــــــــن جـــــــــــــنس يف األ

غـــــــــريهم وأ�ـــــــــم مل يعلمـــــــــوا شـــــــــيئا �خلـــــــــرب، وهلـــــــــذا صـــــــــار هـــــــــؤالء ال يســـــــــتفيدون

شـــــــــيئا خبـــــــــرب األنبيـــــــــاء بـــــــــل يقولـــــــــون: إ�ـــــــــم خـــــــــاطبوا النـــــــــاس بطريـــــــــق التخييـــــــــل

ملنفعـــــــــــــة اجلمهـــــــــــــور، وحقيقـــــــــــــة قـــــــــــــوهلم: إ�ـــــــــــــم كـــــــــــــذبوا ملصـــــــــــــلحة اجلمهـــــــــــــور،

.)٣("بون الرسلوهؤالء يف احلقيقة يكذ

ـــــــــــني أن الـــــــــــذي صـــــــــــرح �لكـــــــــــالم الســـــــــــابق فضـــــــــــالؤهم كالفـــــــــــارايب وابـــــــــــن مث ب

ــــــــــــث أقــــــــــــروا ســــــــــــينا وأتباعهمــــــــــــا وأ�ــــــــــــم متناقضــــــــــــون وســــــــــــبب "تناقضــــــــــــهم حي

ومع كـــــــــــــون قـــــــــــــوهلم …بنبـــــــــــــوات األنبيـــــــــــــاء مث قـــــــــــــالوا مـــــــــــــا يوجـــــــــــــب بطال�ـــــــــــــا

مســـــــــــتلزما لتناقضـــــــــــهم، فهـــــــــــو مســـــــــــتلزم لـــــــــــبطالن األدلـــــــــــة العقليـــــــــــة والســـــــــــمعية

.)٤("، وهذا من أعظم السفسطةوبطالن النبوات

.١/١٧٢. املرجع السابق ١ .١٧٩-١/١٧٨. املرجع السابق ٢

.١/٨٠١. املرجع السابق ٣

.١/١٨٢. املرجع السابق ٤

٥٢

" فهـــــــــــــذا وأمثالـــــــــــــه ممـــــــــــــا يبـــــــــــــني أن مـــــــــــــن أعـــــــــــــرض عـــــــــــــن الكتـــــــــــــاب والســـــــــــــنة

وعارضــــــــــهما مبـــــــــــا يناقضـــــــــــهما مل يعارضـــــــــــهما إال مبــــــــــا هـــــــــــو جهـــــــــــل بســـــــــــيط أو

جهــــــــــــل مركــــــــــــب، فأهــــــــــــل اجلهــــــــــــل البســــــــــــيط مــــــــــــنهم أهــــــــــــل الشــــــــــــك واحلــــــــــــرية

املعارضــــــــــــني للكتــــــــــــاب املعرضــــــــــــني عنــــــــــــه و هــــــــــــم "كســــــــــــراب بقيعــــــــــــة حيســــــــــــبه

إذا جــــــــــاءه مل جيــــــــــده شــــــــــيئا ووجــــــــــد هللا عنــــــــــده فوفــــــــــاه الضــــــــــمآن مــــــــــاء حــــــــــىت

.)١("حسابه وهللا سريع احلساب

ـــــــــــيت يزعمـــــــــــون أ�ـــــــــــا وأهـــــــــــل اجلهـــــــــــل املركـــــــــــب أر�ب االعتقـــــــــــادات الباطلـــــــــــة ال

عقليـــــــــات، وآخــــــــــرون ممـــــــــن يعارضــــــــــهم يقـــــــــول املنــــــــــاقض لتلـــــــــك األقــــــــــوال هــــــــــو

العقليـــــــــات وهـــــــــم "كظلمـــــــــات يف حبـــــــــر جلـــــــــي يغشـــــــــاه مـــــــــوج مـــــــــن فوقـــــــــه مـــــــــوج

ظلمـــــــــــات بعضـــــــــــها فـــــــــــوق بعـــــــــــض إذا أخـــــــــــرج يـــــــــــده مل مـــــــــــن فوقـــــــــــه ســـــــــــحاب

.)٢("يكد يراها، ومن مل جيعل هللا له نورا فماله من نور

وبعـــــــــــد ذلـــــــــــك بـــــــــــني فســـــــــــاد االعتقـــــــــــادين الســـــــــــابقني فقـــــــــــال: "ومعلـــــــــــوم أنـــــــــــه

حينئــــــــــــذ جيــــــــــــب فســــــــــــاد أحــــــــــــد االعتقــــــــــــادين أو كليهمــــــــــــا، والغالــــــــــــب فســــــــــــاد

ق يكـــــــــون كـــــــــال االعتقـــــــــادين ملـــــــــا فيهمـــــــــا مـــــــــن اإلمجـــــــــال واالشـــــــــتباه، وأن احلـــــــــ

فيــــــــــه تفصـــــــــــيل يبـــــــــــني أن مـــــــــــع هـــــــــــؤالء حقـــــــــــا و�طـــــــــــال، ومـــــــــــع هـــــــــــؤالء حقـــــــــــا

ـــــــــاب ـــــــــذي جـــــــــاء بـــــــــه الكت ـــــــــذي مـــــــــع كـــــــــل منهمـــــــــا هـــــــــو ال و�طـــــــــال واحلـــــــــق ال

.)٣("الذي حيكم بني الناس فيما اختلفوا فيه وهللا أعلم

ـــــــــــال تعـــــــــــاىل: ـــــــــــور، ق ـــــــــــى ن ـــــــــــور عل وهلـــــــــــذا فأصـــــــــــحاب القـــــــــــرآن واإلميـــــــــــان يف ن

ــــــــك روحــــــــا مــــــــن أمــــــــر ــــــــاب "وكــــــــذلك أوحينــــــــا إلي ــــــــدري مــــــــا الكت � مــــــــا كنــــــــت ت

وقـــــــــــال تعـــــــــــاىل: "فالـــــــــــذين آمنـــــــــــوا بـــــــــــه وعـــــــــــزروه ونصـــــــــــروه )٤("…وال اإلميـــــــــــان

.٣٩. سورة النور / ١ .٤٠. سورة النور/ ٢ .١٧٠-١/١٦٨. درء ٣

.٥٣-٥٢. سورة الشورى/ ٤

٥٣

وهلــــــــــذا فــــــــــإن )١("واتبعــــــــــوا النــــــــــور الــــــــــذي أنــــــــــزل معــــــــــه أولئــــــــــك هــــــــــم املفلحــــــــــون

ـــــــــاظرهم �ـــــــــا ـــــــــة الســـــــــنية الســـــــــلفية احملمديـــــــــة الشـــــــــرعية فإمنـــــــــا ين "الطريقـــــــــة النبوي

ــــــــــيت تناقضــــــــــها، فــــــــــي علم حينئــــــــــذ فســــــــــاد مــــــــــن كــــــــــان خبــــــــــريا �ــــــــــا و�قــــــــــواهلم ال

أقواهلم �ملعقول الصريح املطابق للمنقول الصحيح.

ـــــــــيت ـــــــــات والفلســـــــــفيات ال ـــــــــة هـــــــــذه الكالمي وهكـــــــــذا كـــــــــل مـــــــــن أمعـــــــــن يف معرف

تعـــــــــــارض �ـــــــــــا النصـــــــــــوص مـــــــــــن غـــــــــــري معرفـــــــــــة �مـــــــــــة �لنصـــــــــــوص ولوازمهـــــــــــا،

وكمـــــــــــال املعرفـــــــــــة مبــــــــــــا فيهـــــــــــا، واألقـــــــــــوال الــــــــــــيت تنافيهـــــــــــا فإنـــــــــــه ال يصــــــــــــل إىل

.)٢("تفيده الشك واحلرية يقني يطمئن إليه، وإمنا

ـــــــــــازعوا يف ـــــــــــدما تن ـــــــــــني أن هـــــــــــؤالء املتكلمـــــــــــني والفالســـــــــــفة عن ـــــــــــك ب وبعـــــــــــد ذل

املعقــــــــــول "مل يكــــــــــن قــــــــــول طائفــــــــــة هلــــــــــا مــــــــــذهب حجــــــــــة علــــــــــى أخــــــــــرى، بــــــــــل

يرجـــــــــع يف ذلـــــــــك إىل الفطـــــــــر الســـــــــليمة الـــــــــيت مل تتغـــــــــري �عتقـــــــــاد يغـــــــــري فطر�ـــــــــا

وال هــــــــــوى، فــــــــــامتنع حينئــــــــــذ أن يعتمــــــــــد علــــــــــى مــــــــــا يعــــــــــارض الكتــــــــــاب مــــــــــن

قــــــــــوال الــــــــــيت يســــــــــمو�ا معقــــــــــوالت، وإن كــــــــــان ذلــــــــــك قــــــــــد قالتــــــــــه طائفـــــــــــة األ

.)٣("كبرية ملخالفة طائفة كبرية هلا

.١٥٧. سورة األعراف/ ١ .١/١٦٤. درء ٢

.١٦٩-١/١٦٨. املرجع السابق ٣

٥٤

رد ابن تيمية على الفالسفة يف مسألة حشر األرواح دون األجساد.املبحث الثاين:

أسعد اخللق وأعظمهم نعيما وأعالهم درجة:-

وأعظمهم نعيما وأعالهم درجة، بني شيخ اإلسالم ابن تيمية أن أسعد اخللق

أعظمهم اتباعا وموافقة للرسول صلى هللا عليه وسلم علما وعمال فقال: "الرسل

عليهم البالغ املبني، وخامت الرسل حممد صلى هللا -صلوات هللا وسالمه عليهم

عليه وسلم: أنزل هللا كتابه مصدقا ملا بني يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فهو

ني على مجيع الكتب، وقد بلغ أبني البالغ وأمته وأكمله، وكان أنصح اخللق األم

لعباد هللا، وكان �ملؤمنني رؤوفا رحيما بلغ الرسالة وأدى األمانة، وجاهد يف هللا

م فأسعد اخللق وأعظمهم نعيما وأعاله -حق جهاده، وعبد هللا حىت أ�ه اليقني

.)١("درجة، أعظمهم اتباعا له علما وعمال

وهلـــــــــذا: "فســـــــــعادة الــــــــــدنيا واآلخـــــــــرة" هـــــــــي �تبــــــــــاع املرســـــــــلني، فمـــــــــن املعلــــــــــوم

ــــــــــــــــبعهم ــــــــــــــــذلك: هــــــــــــــــم أعلمهــــــــــــــــم ��ر املســــــــــــــــلمني وأت ــــــــــــــــاس ب أن أحــــــــــــــــق الن

ـــــــــذلك، فالعـــــــــاملون �قـــــــــواهلم وأفعـــــــــاهلم املتبعـــــــــون هلـــــــــا هـــــــــم أهـــــــــل الســـــــــعادة يف ل

كـــــــــل زمـــــــــان ومكـــــــــان، وهـــــــــم الطائفـــــــــة الناجيـــــــــة مـــــــــن أهـــــــــل كـــــــــل ملـــــــــة، وهـــــــــم

يث مـــــــــن هـــــــــذه األمـــــــــة، فـــــــــإ�م يشـــــــــاركون ســـــــــائر األمـــــــــة أهـــــــــل الســـــــــنة واحلـــــــــد

ــــــــــازون عــــــــــنهم مبــــــــــا اختصــــــــــوا مــــــــــن فيمــــــــــا عنــــــــــدهم مــــــــــن أمــــــــــور الرســــــــــالة، وميت

.)٢("العلم املوروث عن الرسول، مما جيهله غريهم أو يكذب به

صالح اإلنسان ليس جمرد أن يعلم احلق دون حمبته وأتباعه: -

ان يف جمـــــــرد " ولـــــــيس صـــــــالح اإلنســـــــ يقـــــــول شـــــــيخ اإلســـــــالم ابـــــــن تيميـــــــة:

أن يعلــــــــــــــم احلــــــــــــــق، دون أن ال حيبــــــــــــــه ويريــــــــــــــده ويتبعــــــــــــــه، كمــــــــــــــا أنــــــــــــــه لــــــــــــــيس

ســـــــــــــعادته يف أن يكـــــــــــــون عاملـــــــــــــا �� مقـــــــــــــرا مبـــــــــــــا يســـــــــــــتحقه دون أن يكـــــــــــــون

ــــــــــوم القيامــــــــــة ــــــــــاس عــــــــــذا� ي ــــــــــل أشــــــــــد الن ــــــــــدا �، مطيعــــــــــا �، ب ــــــــــا �، عاب حمب

عــــــــــامل مل ينفعــــــــــه هللا بعلمــــــــــه، فــــــــــإذا علــــــــــم اإلنســــــــــان احلــــــــــق وأبغضــــــــــه وعــــــــــاداه،

.٤/٢٦. فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ١ .٤/٢٦. املرجع السابق ٢

٥٥

كـــــــــــان مســـــــــــتحقا مـــــــــــن غضـــــــــــب هللا وعقابـــــــــــه مـــــــــــا ال يســـــــــــتحقه مـــــــــــن لـــــــــــيس

وهــــــــــو جاهــــــــــل –كــــــــــذلك، كمــــــــــا أن مــــــــــن كــــــــــان قاصــــــــــدا للحــــــــــق طالبــــــــــا لــــــــــه

كـــــــــــان فيـــــــــــه مـــــــــــن الضـــــــــــالل، وكـــــــــــان مســـــــــــتحقا مــــــــــــن -�ملطلـــــــــــوب وطريقـــــــــــه

مــــــــــا ال يســــــــــتحقه مــــــــــن لــــــــــيس -الــــــــــيت هــــــــــي البعــــــــــد عــــــــــن رمحــــــــــة هللا–اللعنــــــــــة

ط املســـــــــــتقيم، صـــــــــــراط مثلـــــــــــه، وهلـــــــــــذا أمـــــــــــر� هللا أن نقـــــــــــول: "أهـــــــــــد� الصـــــــــــرا

.)١("الذين أنعمت عليهم غري املغضوب عليهم وال الضالني

"أن املغضــــــــوب علــــــــيهم" هــــــــم: اليهــــــــود الــــــــذين بعــــــــد ذلــــــــك بــــــــني رمحــــــــه هللا:

علموا احلق فلم حيبوه ومل يتبعوه.

و"الضـــــــــــالون" هـــــــــــم النصـــــــــــارى: قصـــــــــــدوا احلـــــــــــق لكـــــــــــن جبهـــــــــــل وضـــــــــــالل بـــــــــــه

وبطريقه.

لفـــــــــــــاجر، والنصـــــــــــــارى مبنزلـــــــــــــة العابـــــــــــــد مث بـــــــــــــني أن اليهـــــــــــــود: مبنزلـــــــــــــة العـــــــــــــامل ا

فقـــــــــــد ثبـــــــــــت عـــــــــــن النـــــــــــيب صـــــــــــلى هللا عليـــــــــــه وســـــــــــلم أنـــــــــــه قـــــــــــال: )٢(اجلاهـــــــــــل

.)٣(""اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون

.٧/٥٨٦، وانظر : فتاوى ٧-٦. سورة الفاحتة/ ١ .٧/٥٨٦. انظر : املرجع السابق ٢

وقال الرتمذي حديث –تفسري سورة الفاحتة –الرتمذي يف التفسري –�ب ومن سورة فاحتة أم الكتاب –. رواه البخاري يف التفسري ٣

حسن غريب .

٥٦

املتفلسفة أسوأ حاال من اليهود والنصارى: -

بعـــــــــــــد ذلـــــــــــــك بـــــــــــــني رمحـــــــــــــه هللا أن الفالســـــــــــــفة أســـــــــــــوأ حـــــــــــــاال مـــــــــــــن اليهـــــــــــــود

جهـــــــــل النصـــــــــارى وضـــــــــالهلم، وبـــــــــني والنصـــــــــارى وذلـــــــــك أل�ـــــــــم "مجعـــــــــوا بـــــــــني

ـــــــــيس يف فجـــــــــور اليهـــــــــود وظلمهـــــــــم فصـــــــــار فـــــــــيهم مـــــــــن اجلهـــــــــل والظلـــــــــم مـــــــــا ل

اليهـــــــــــــــود وال النصـــــــــــــــارى حيـــــــــــــــث جعلـــــــــــــــوا الســـــــــــــــعادة يف جمـــــــــــــــرد أن يعلمـــــــــــــــوا

احلقــــــــــائق حــــــــــىت يصــــــــــري اإلنســــــــــان عاملــــــــــا معقــــــــــوال مطابقــــــــــا للعــــــــــامل املوجــــــــــود،

ورســــــــــــله مث مل ينــــــــــــالوا مــــــــــــن معرفــــــــــــة هللا وأمسائــــــــــــه وصــــــــــــفاته ومالئكتــــــــــــه وكتبــــــــــــه

وخلقـــــــــه وأمـــــــــره إال شـــــــــيئا نـــــــــزرا قلـــــــــيال، فكـــــــــان جهلهـــــــــم أعظـــــــــم مـــــــــن علمهـــــــــم

وضـــــــــــالهلم أكـــــــــــرب مـــــــــــن هـــــــــــداهم، وكـــــــــــانوا مـــــــــــرتددين بـــــــــــني اجلهـــــــــــل البســـــــــــيط

واجلهـــــــــــــل املركـــــــــــــب، فـــــــــــــإن كالمهـــــــــــــم يف الطبيعيـــــــــــــات والر�ضـــــــــــــيات ال يفيـــــــــــــد

ــــــــــــــم اإلهلــــــــــــــي، ــــــــــــــك �لعل ــــــــــــــنفس وصــــــــــــــالحها، وإمنــــــــــــــا حيصــــــــــــــل ذل كمــــــــــــــال ال

ى رأس جبـــــــــــــل وعـــــــــــــر، ال ســـــــــــــهل وكالمهـــــــــــــم فيـــــــــــــه حلـــــــــــــم مجـــــــــــــل غـــــــــــــث علـــــــــــــ

.)١("فريتقى، وال مسني فينتقل

طريقة القرآن يف إمكان املعاد: -

أن اإلمكان يستعمل بني شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا:

على وجهني:

إمكان ذهين. الوجه األول:

إمكان خارجي. الوجه الثاين:

العلـــــــــم فحقيقتـــــــــة عـــــــــدم العلـــــــــم �المتنـــــــــاع وعـــــــــدم أمـــــــــا اإلمكـــــــــان الـــــــــذهين:

ــــــــــل يبقــــــــــى الشــــــــــيء يف �المتنــــــــــاع ال يســــــــــتلزم العلــــــــــم �إلمكــــــــــان اخلــــــــــارجي، ب

، )٢(الــــــــــــــــذهن غــــــــــــــــري معلــــــــــــــــوم االمتنــــــــــــــــاع وال معلــــــــــــــــوم اإلمكــــــــــــــــان اخلــــــــــــــــارجي

ــــــــــــــال يعلــــــــــــــم ــــــــــــــذهن، ف ــــــــــــــى ال ــــــــــــــذهين أن يعــــــــــــــرض الشــــــــــــــيء عل فاإلمكــــــــــــــان ال

.٥٨٧-٧/٥٨٦. فتاوى ١ .١/٣١. انظر : درء ٢

٥٧

امتناعــــــــــه بـــــــــــل يقــــــــــول ميكـــــــــــن هـــــــــــذا ال لعلمــــــــــه �مكانـــــــــــه بــــــــــل لعـــــــــــدم علمـــــــــــه

يكون ممتنعا يف اخلارج. �متناعه، مع أن ذلك الشيء قد

أمــــــــــــا اإلمكــــــــــــان اخلــــــــــــارجي، فهــــــــــــو أن يعلــــــــــــم إمكــــــــــــان الشــــــــــــيء يف اخلــــــــــــارج،

ــــــــــم وجــــــــــوده يف اخلــــــــــارج أو وجــــــــــود نظــــــــــريه، أو وجــــــــــود وهــــــــــذا �ن يكــــــــــون يعل

مــــــــا هــــــــو أبعــــــــد عــــــــن الوجــــــــود منــــــــه، فــــــــإذا كــــــــان األبعــــــــد عــــــــن قبــــــــول الوجــــــــود

. "وهللا )١(موجــــــــــــــــودا ممكــــــــــــــــن الوجــــــــــــــــود؛ فــــــــــــــــاألقرب إىل الوجــــــــــــــــود منــــــــــــــــه أوىل

تعــــــــــاىل مل يكتـــــــــــف يف بيـــــــــــان إمكـــــــــــان املعــــــــــاد �إلمكـــــــــــان الـــــــــــذهين، إذ ميكـــــــــــن

ـــــــــــــذهن امتناعـــــــــــــه ـــــــــــــم ال ـــــــــــــو لغـــــــــــــريه، وإن مل يعل أ، يكـــــــــــــون الشـــــــــــــيء ممتنعـــــــــــــا ول

ــــــــــــــــــه إذا علــــــــــــــــــم بطــــــــــــــــــل أن يكــــــــــــــــــون خبــــــــــــــــــالف اإلمكــــــــــــــــــان اخلــــــــــــــــــارجي، فإن

.)٢("ممتنعا

ـــــــــــم اإلنســـــــــــان اإلمكـــــــــــان اخلـــــــــــارجي ـــــــــــف يعل ـــــــــــني رمحـــــــــــه هللا كي ـــــــــــك ب بعـــــــــــد ذل

اإلمكـــــــــــــــان اخلـــــــــــــــارجي: �رة بعلمـــــــــــــــه بوجـــــــــــــــود فقـــــــــــــــال: "واإلنســـــــــــــــان يعلـــــــــــــــم

الشــــــــــــــيء، و�رة بعلمــــــــــــــه بوجــــــــــــــود نظــــــــــــــريه، و�رة بعلمــــــــــــــه بوجــــــــــــــود الشــــــــــــــيء

ـــــــــه ـــــــــى أن مـــــــــا هـــــــــو دون ـــــــــل عل ـــــــــه، فـــــــــإن وجـــــــــود الشـــــــــيء دلي أوىل �لوجـــــــــود من

أوىل �إلمكــــــــان منــــــــه، مث إنــــــــه إذا تبـــــــــني كــــــــون الشــــــــيء ممكنـــــــــا فــــــــال بــــــــد مـــــــــن

يف إمكـــــــــــان بيـــــــــــان قـــــــــــدرة الـــــــــــرب، وإال فمجـــــــــــرد العلـــــــــــم �مكانـــــــــــه ال يكفـــــــــــي

.)٣("وقوعه، إن مل يعلم قدرة الرب على ذلك

بعــــــــــد ذلــــــــــك بــــــــــني رمحــــــــــه هللا أن هــــــــــذه طريقــــــــــة القــــــــــرآن يف إمكــــــــــان املعــــــــــاد،

فتـــــــــارة خيـــــــــرب عمـــــــــن أمـــــــــا�م هللا مث أحيـــــــــاهم، كمـــــــــا أخـــــــــرب عـــــــــن قـــــــــوم موســـــــــى

بقولــــــــــــه: "وإذ قلــــــــــــتم � موســــــــــــى لــــــــــــن نــــــــــــؤمن لــــــــــــك حــــــــــــىت نــــــــــــرى هللا جهــــــــــــرة

.٩/٢٢٤، فتاوى ٢/٦٨. انظر : الرد على املنطقيني ١ .١/٣١. درء ٢

.١/٣١/٣٢. املرجع السابق ٣

٥٨

بعثنـــــــــــــاكم مـــــــــــــن بعـــــــــــــد مـــــــــــــوتكم فأخـــــــــــــذتكم الصـــــــــــــاعقة وأنـــــــــــــتم تنظـــــــــــــرون، مث

.)١("لعلكم تشكرون

وكمـــــــــــا أخـــــــــــرب عـــــــــــن املضـــــــــــروب �لبقـــــــــــرة بقولـــــــــــه: "فقلنـــــــــــا اضـــــــــــربوه ببعضـــــــــــها

.)٢("كذلك حييي هللا املوتى

ــــــــــوا بعــــــــــد ثالمثائــــــــــة ســــــــــنة وكمــــــــــا أخــــــــــرب عــــــــــن أصــــــــــحاب الكهــــــــــف أ�ــــــــــم بعث

وتســــــــــــع ســــــــــــنني فقــــــــــــال: "ولبثــــــــــــوا يف كهفهــــــــــــم ثــــــــــــالث مئــــــــــــة ســــــــــــنني وازدادوا

.)٣("تسعا

ــــــــــــــك �لنشــــــــــــــأة األوىل وأن اإلعــــــــــــــادة أهــــــــــــــون مــــــــــــــن و�رة يســــــــــــــتدل علــــــــــــــى ذل

االبتــــــــــداء كمــــــــــا يف قولــــــــــه تعــــــــــاىل: "� أيهــــــــــا النــــــــــاس إن كنــــــــــتم يف ريــــــــــب مــــــــــن

البعــــــــــث فــــــــــإ� خلقنــــــــــاكم مــــــــــن تــــــــــراب مث مــــــــــن نطفــــــــــة مث مــــــــــن علقــــــــــة مث مــــــــــن

وقولـــــــــه تعـــــــــاىل: "وضـــــــــرب لنـــــــــا )٤("مضـــــــــغة خملقـــــــــه وغـــــــــري خملقـــــــــة لنبـــــــــني لكـــــــــم

ـــــــــي العظـــــــــام وهـــــــــي ـــــــــال مـــــــــن حيي رمـــــــــيم، قـــــــــل حيييهـــــــــا مـــــــــثال ونســـــــــي خلقـــــــــه ق

.)٥("الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم

و�رة يســــــــــــتدل علــــــــــــى إمكــــــــــــان ذلــــــــــــك خبلــــــــــــق الســــــــــــماوات واألرض كمــــــــــــا يف

ـــــــــــــــذي خلـــــــــــــــق الســـــــــــــــماوات واألرض ومل ـــــــــــــــروا أن هللا ال قولـــــــــــــــه تعـــــــــــــــاىل: "أومل ي

ــــــــى إنــــــــه علــــــــى كــــــــل شــــــــيء ــــــــي املــــــــوتى بل يعــــــــي خبلقهــــــــن بقــــــــادر علــــــــى أن حيي

.)٦("قدير

.٥٦-٥٥. سورة البقرة/ ١

.٧٣. سورة البقرة/ ٢

.٢٥. سورة الكهف/ ٣

.٥. سورة احلج/ ٤

.٧٩-٧٨. سورة يس/ ٥

.٣٣. سورة األحقاف/ ٦

٥٩

لــــــــــــق النبـــــــــــات كمـــــــــــا يف قولــــــــــــه تعـــــــــــاىل: "وهللا الــــــــــــذي و�رة علـــــــــــى إمكانـــــــــــه خب

أرســـــــــل الـــــــــر�ح فتثـــــــــري ســـــــــحا� فســـــــــقناه إىل بلـــــــــد ميـــــــــت فأحيينـــــــــا بـــــــــه األرض

.)١("بعد مو�ا كذلك النشور

وهكـــــــــذا "فقـــــــــد تبـــــــــني أن مـــــــــا عنـــــــــد أئمـــــــــة النظـــــــــار أهـــــــــل الكـــــــــالم والفلســـــــــفة

مـــــــــن الـــــــــدالئل العقليـــــــــة علـــــــــى املطالـــــــــب اإلهليـــــــــة فقـــــــــد جـــــــــاء القـــــــــرآن الكـــــــــرمي

ا مــــــــن احلــــــــق، ومــــــــا هــــــــو أبلــــــــغ وأكمــــــــل منهــــــــا علــــــــى أحســــــــن وجــــــــه، مبــــــــا فيهــــــــ

مـــــــــــــع تنزهـــــــــــــه عـــــــــــــن األغـــــــــــــاليط الكثـــــــــــــرية املوجـــــــــــــودة عنـــــــــــــد هـــــــــــــؤالء، فـــــــــــــإن

خطـــــــــأهم فيهـــــــــا كثـــــــــري جـــــــــدا ولعـــــــــل ضـــــــــالهلم أكثـــــــــر مـــــــــن هـــــــــداهم، وجهلهـــــــــم

.)٢("أكثر من علمهم

أقسام اللذات املوجودة يف الدنيا:-

اللذات املوجودة يف الدنيا ثالثة أجناس وهي:

ة حسية.لذ )١

لذة ومهية. )٢

لذة عقلية. )٣

ــــــــذة احلســــــــية: فهــــــــي كــــــــل مــــــــا يكــــــــون �حســــــــاس اجلســــــــد كاألكــــــــل أمــــــــا الل

والشرب واللبس وضدها التأمل بفقدان ذلك.

فهــــــــي كــــــــل مــــــــا يتخيلــــــــه اإلنســــــــان ويتومهــــــــه بنفســــــــه، ونفــــــــس وأمــــــــا الومهيــــــــة:

غــــــــريه، كاملــــــــدح لــــــــه والتعظــــــــيم، والطاعــــــــة والكرامــــــــة، وضــــــــدها مــــــــا يؤملــــــــه مــــــــن

نة.الذم واإلها

فهــــــــــي مــــــــــا يعلمــــــــــه بقلبــــــــــه وبعقلــــــــــه كالتــــــــــذاذه بـــــــــــذكر هللا، وأمــــــــــا العقليــــــــــة:

ــــــــــــه، ومعرفــــــــــــة احلــــــــــــق، و�ملــــــــــــه �جلهــــــــــــل إمــــــــــــا البســــــــــــيط وهــــــــــــو عــــــــــــدم ومعرفت

.٩. سورة فاطر/ ١ .٢٢٥-٩/٢٢٤، وانظر فتاوى ٧٠-٢/٦٩. الرد على املنطقيني ٢

٦٠

ــــــــأمل اجلســــــــد ــــــــذكر، وإمــــــــا املركــــــــب وهــــــــو اعتقــــــــاد الباطــــــــل، كمــــــــا يت الكــــــــالم وال

. )١(بعدم غذائه �رة، و�لتغذي �ملضار �رة أخرى

هـــــــــــذه اللــــــــــذات مــــــــــا فيــــــــــه صــــــــــالح حـــــــــــال "وهللا ســــــــــبحانه قــــــــــد شــــــــــرع مــــــــــن

ــــــــــــدنيا، وجعــــــــــــل اللــــــــــــذة التامــــــــــــة بــــــــــــذلك يف الــــــــــــدار اآلخــــــــــــرة، اإلنســــــــــــان يف ال

كمــــــــا أخــــــــرب هللا بــــــــذلك علــــــــى ألســــــــن رســــــــله ��ــــــــا هــــــــي دار القــــــــرار، وإليهــــــــا

.)٢("تنتهي حركات العباد

وبعـــــــــد ذلـــــــــك بـــــــــني رمحـــــــــه هللا أن مـــــــــن اللـــــــــذات مـــــــــا يكـــــــــون عـــــــــو� علـــــــــى مـــــــــا

إن جلـــــــــــــت هــــــــــــــي يف نفســــــــــــــها هـــــــــــــو أكثــــــــــــــر منـــــــــــــه فقــــــــــــــال: "وكـــــــــــــل لــــــــــــــذة و

مقصـــــــــودة لنفســـــــــها، إذ املقصـــــــــود لنفســـــــــه هـــــــــو اللـــــــــذة، لكـــــــــن مـــــــــن اللـــــــــذات

مــــــــــا يكــــــــــون عــــــــــو� علــــــــــى مــــــــــا هــــــــــو أكثــــــــــر منــــــــــه أيضــــــــــا، فيكــــــــــون مقصــــــــــودا

لنفســــــــه بقــــــــدره، ويكــــــــون مقصــــــــودا لغــــــــريه بقــــــــدر ذلــــــــك الغــــــــري، و هــــــــذا مــــــــن

متـــــــــام نعمـــــــــة هللا علـــــــــى عبـــــــــاده، وكـــــــــل مـــــــــا يتنعمـــــــــون بـــــــــه إذا اســـــــــتعملوه علـــــــــى

ـــــــــــه إىل مـــــــــــا هـــــــــــو أعظـــــــــــم نعمـــــــــــة وجـــــــــــه العـــــــــــد ـــــــــــذي شـــــــــــرعه أوصـــــــــــلهم ب ل ال

.)٣("منه

ولـــــــــذات اجلنـــــــــة أيضـــــــــا تتضـــــــــاعف وتتزايـــــــــد كمـــــــــا يشـــــــــاء هللا تعـــــــــاىل، فـــــــــإن هللا

يقـــــــــول علـــــــــى لســـــــــان نبيـــــــــه صـــــــــلى هللا عليـــــــــه وســـــــــلم يف احلـــــــــديث الصـــــــــحيح:

"أعـــــــــــــــددت لعبـــــــــــــــادي الصـــــــــــــــاحلني مـــــــــــــــا ال عـــــــــــــــني رأت وال أذن مسعـــــــــــــــت وال

.)٤("خطر على قلب بشر

كذلك أنظر: -٢٤٧-٢٤٦ص –ا�موعة الثانية –البن تيمية –. انظر جامع الرسائل ١

هـ ، ١٤١١ ٢ط –دراسة وحتقيق : حممد عبد الرمحن عوض -١٣٨النبوات البن تيمية ص

بريوت . –دار الكتاب العريب –م ١٩٩١ . ٢٤٩ا�موعة الثانية ص –. جامع الرسائل ٢

.٢٤٩. املرجع السابق ص ٣

.١٨٦. سبق خترجيه ص ٤

٦١

.)١(""فال تعلم نفس ما أخفي هلم من قرة أعني ىل:وقد قال تعا

وهلـــــــــــذا بعـــــــــــث هللا الرســـــــــــل مبشـــــــــــرين ومنـــــــــــذرين بنعمـــــــــــة هللا التامـــــــــــة يف جنتـــــــــــه

ـــــــــــذي أنـــــــــــزل علـــــــــــيهم واســـــــــــتعمل القســـــــــــط ـــــــــــذكر ال ملـــــــــــن أطـــــــــــاعهم، فـــــــــــاتبع ال

ـــــــــــذرين بتعظـــــــــــيمهم عقـــــــــــاب هللا ملـــــــــــن أعـــــــــــرض عـــــــــــن ـــــــــــه، ومن ـــــــــــوا ب الـــــــــــذي بعث

. )٢(ذلك وعصاهم، فكان من الظاملني"

ــــــــنكم لقولــــــــ ــــــــبعض عــــــــدو، فإمــــــــا �تي ه تعــــــــاىل: اهبطــــــــا منهــــــــا مجيعــــــــا بعضــــــــكم ل

منــــــــه هــــــــدى فمــــــــن تبــــــــع هــــــــداي فــــــــال يضــــــــل وال يشــــــــقى، ومــــــــن أعــــــــرض عــــــــن

.)٣("ذكري فإن له معيشة ضنكا وحنشره يوم القيامة أعمى

ولقولـــــــــه تعـــــــــاىل: "فمـــــــــن تبـــــــــع هـــــــــداي فـــــــــال خـــــــــوف علـــــــــيهم وال هـــــــــم حيزنـــــــــون

ـــــــــــــك أصـــــــــــــحاب ا لنـــــــــــــار هـــــــــــــم فيهـــــــــــــا والـــــــــــــذين كفـــــــــــــروا وكـــــــــــــذبوا ��تنـــــــــــــا أولئ

.)٤("خالدون

وقـــــــــــد غلطـــــــــــت املتفلســـــــــــفة مـــــــــــن الصـــــــــــابئة واملشـــــــــــركني وحنـــــــــــوهم ومـــــــــــن حـــــــــــذا

حـــــــــــذوهم ممـــــــــــن صـــــــــــنف يف أصـــــــــــناف اللـــــــــــذات، فالفالســـــــــــفة الـــــــــــذين دخلـــــــــــوا

مــــــــع أهــــــــل امللــــــــل مــــــــنهم مــــــــن وافــــــــق املــــــــؤمنني �ظهــــــــارهم اإلقــــــــرار مبــــــــا جــــــــاءت

ـــــــــــه الرســـــــــــل مـــــــــــن الوعـــــــــــد ـــــــــــه الرســـــــــــل ولكـــــــــــنهم زعمـــــــــــوا أن مـــــــــــا أخـــــــــــربت ب ب

ــــــــد إمنــــــــ ــــــــتفهم العامــــــــة املعــــــــاد الروحــــــــاين، ومــــــــا والوعي ا هــــــــو أمثــــــــال مضــــــــروبة، ل

ــــــــــــــذات ــــــــــــــت بعضــــــــــــــهم الل ــــــــــــــذة واألمل الروحــــــــــــــانيني، ورمبــــــــــــــا يثب فيــــــــــــــه مــــــــــــــن الل

اخلياليـــــــــــة، بنـــــــــــاء علـــــــــــى أن النفـــــــــــوس ميكـــــــــــن أن حيصـــــــــــل هلـــــــــــا مـــــــــــن إشــــــــــــراق

ــــــذة مــــــا هــــــو مــــــن أعظــــــم اللــــــذات ــــــه مــــــن الل األفــــــالك عليهــــــا مــــــا حيصــــــل هلــــــا ب

.)٥(احلسية اخليالية اليت يقولون هي أعظم من

.١٧. سورة السجدة/ ١

.٢٥٠. جامع الرسائل ا�موعة الثانية ص ٢

.١٢٤-١٢٣. سورة طه/ ٣

.٣٩-٣٨. سورة البقرة/ ٤

.٢٥٢. انظر : جامع الرسائل ا�موعة الثانية ص ٥

٦٢

ــــــن ســــــينا ومــــــن ســــــار علــــــى - ــــــيت أقــــــر �ــــــا الفــــــارايب واب ــــــة ال اللــــــذة العقلي

طريقهما مل حتصل هلم ومل يعرفوا الطريق إليها:

ـــــــة: ـــــــن تيمي "إن اللـــــــذات العقليـــــــة الـــــــيت أقـــــــروا �ـــــــا يقـــــــول شـــــــيخ اإلســـــــالم اب

ـــــــــوا أن ذلـــــــــك إمنـــــــــا هـــــــــو ـــــــــل ظن ـــــــــق إليهـــــــــا، ب مل حتصـــــــــل هلـــــــــم، ومل يعرفـــــــــوا الطري

ـــــــــــــذة العقليـــــــــــــة يف إدراك الوجـــــــــــــود املط ـــــــــــــوا الل لـــــــــــــق �نواعـــــــــــــه وأحكامـــــــــــــه، وطلب

الـــــــــــدنيا مبـــــــــــا هـــــــــــو مـــــــــــن هـــــــــــذا الـــــــــــنمط مـــــــــــن األمـــــــــــور العقليـــــــــــة، وتكلمـــــــــــوا يف

اإلهليــــــــــــات بكــــــــــــالم حقــــــــــــه قليــــــــــــل و�طلــــــــــــه كثــــــــــــري، فكــــــــــــانوا طــــــــــــالبني اللــــــــــــذة

ـــــــــر مـــــــــن ـــــــــيت تضـــــــــر وتـــــــــؤمل، أكث ـــــــــة الفاســـــــــدة ال ـــــــــيت أثبتوهـــــــــا �ألغذي ـــــــــة ال العقلي

دين لغـــــــــذائها الـــــــــذي ال صـــــــــالح طلبهـــــــــا �ألغذيـــــــــة النافعـــــــــة، بـــــــــل كـــــــــانوا فاقـــــــــ

هلــــــــــا إال بـــــــــــه، وهـــــــــــو إخـــــــــــالص الـــــــــــدين � بعبادتـــــــــــه وحـــــــــــده ال شـــــــــــريك لـــــــــــه،

فــــــــإن هــــــــذا هــــــــو خاصـــــــــة الــــــــنفس الــــــــيت خلقـــــــــت لــــــــه، ال تصــــــــلح إال بـــــــــه، وال

تفســــــــد فســــــــادا مطلقــــــــا مــــــــع وجــــــــوده قــــــــط بــــــــل مــــــــن �ت وهــــــــو يعلــــــــم أنــــــــه ال

.)١("إله إال هللا دخل اجلنة

تج بـــــــه يف �ب الصـــــــفات زعـــــــم ابـــــــن ســـــــينا أن ظـــــــاهر الشـــــــرع ال حيـــــــ -

واملعاد:

ــــــــن ســــــــينا أن ظــــــــاهر الشــــــــرع غــــــــري ــــــــة بعــــــــد أن ذكــــــــر زعــــــــم اب ــــــــن تيمي يقــــــــول اب

أي الصــــــــــــــفات اإلهليــــــــــــــة واملعــــــــــــــاد –حمــــــــــــــتج بــــــــــــــه يف مثــــــــــــــل هــــــــــــــذه األبــــــــــــــواب

-األخروي

ـــــــت:" ـــــــه مـــــــن القرامطـــــــة قل ـــــــن ســـــــينا، وهـــــــو وحنـــــــوه كـــــــالم أمثال فهـــــــذا كـــــــالم اب

الباطنية واملالحدة.

والكالم على هذا من فنني: مث قال:

بيان لزوم ما ألزمه لنفاة الصفات، الذين مسوا أحدمها:

نفيها توحيدا من اجلهمية املعتزلة وغريهم.

.٢٥٢. املرجع السابق ص ١

٦٣

.)١(بيان بطالن كالمه وكالمهم الذي وافقوهم عليه الثاين:

"فــــــــــإن هــــــــــؤالء وافقــــــــــوه علــــــــــى نفــــــــــي الصــــــــــفات اإلهليــــــــــة ومســــــــــوا أمــــــــــا األول:

تســــــــــمية ابتــــــــــدعها اجلهميــــــــــة النفــــــــــاة، مل ينطــــــــــق هــــــــــذا النفــــــــــي توحيــــــــــدا وهــــــــــي

�ــــــــا كتــــــــاب وال ســــــــنة وال أحــــــــد مــــــــن الســــــــلف واألئمــــــــة، بــــــــل أهــــــــل اإلثبــــــــات

ــــــــــات الصــــــــــفات وعبــــــــــادة هللا وحــــــــــده ــــــــــتم إال �ثب ــــــــــوا أن التوحيــــــــــد ال ي ــــــــــد بين ق

ـــــــــــك يف ســـــــــــورة اإلخـــــــــــالص وعامـــــــــــة ســـــــــــور ـــــــــــه، كمـــــــــــا ذكـــــــــــر ذل ال شـــــــــــريك ل

.)٢("القرآن

اعه الصــــــفات جعل البن ســــــينا وأتبموافقة املتكلمني للفالســــــفة على نفي -

حجة عليهم، يف نفي املعاد:

بــــــــــني شــــــــــيخ اإلســــــــــالم ابــــــــــن تيميــــــــــة أن موافقــــــــــة املتكلمــــــــــني الفالســــــــــفة علــــــــــى

ــــــــــن ســــــــــينا وأتباعــــــــــه حجــــــــــة علــــــــــيهم، فــــــــــزعم أن نفــــــــــي الصــــــــــفات، جعــــــــــل الب

الرســـــــــل مل يبينـــــــــوا مـــــــــا هـــــــــو احلـــــــــق يف نفســـــــــه: مـــــــــن معرفـــــــــة توحيـــــــــد هللا تعـــــــــاىل

يقــــــــــول: "فلمــــــــــا وافقــــــــــه هــــــــــؤالء اجلهميــــــــــة ومعرفــــــــــة اليــــــــــوم اآلخــــــــــر. ويف ذلــــــــــك

، وأن هـــــــــــذا هـــــــــــو التوحيـــــــــــد مـــــــــــن املعتزلـــــــــــة وغـــــــــــريهم علـــــــــــى نفـــــــــــي الصـــــــــــفات

ـــــــــوا -احلـــــــــق احـــــــــتج علـــــــــيهم �ـــــــــذه املقدمـــــــــة اجلدليـــــــــة: علـــــــــى أن الرســـــــــل مل يبين

ـــــــــوم ـــــــــة الي ـــــــــد هللا تعـــــــــاىل، ومعرف ـــــــــة توحي مـــــــــا هـــــــــو احلـــــــــق يف نفســـــــــه: مـــــــــن معرف

صـــــــــة بـــــــــين اآلخـــــــــر، ومل يـــــــــذكروا مـــــــــا هـــــــــو الـــــــــذي يصـــــــــلح أو جيـــــــــب علـــــــــى خا

آدم وأولـــــــــــــو األلبـــــــــــــاب مـــــــــــــنهم أن يفهمـــــــــــــوه ويعقلـــــــــــــوه ويعلمـــــــــــــوه مـــــــــــــن هـــــــــــــذا

البــــــــــــاب، وأن الكتــــــــــــاب والســــــــــــنة واإلمجــــــــــــاع ال حيــــــــــــتج �ــــــــــــا يف �ب اإلميــــــــــــان

ـــــــــــــدأ وال املعـــــــــــــاد، ـــــــــــــوم اآلخـــــــــــــر، ال يف اخللـــــــــــــق وال يف البعـــــــــــــث، ال املب �� والي

ــــــــــه العامــــــــــة، ال حتقيقــــــــــا ــــــــــيال تنتفــــــــــع ب ــــــــــادت ختي ــــــــــة إمنــــــــــا أف ــــــــــب اإلهلي وأن الكت

يفيــــــــــد العلــــــــــم واملعرفــــــــــة، وأن أعظــــــــــم العلــــــــــوم وأجلهــــــــــا وأشــــــــــرفها وهــــــــــو العلــــــــــم

ــــــــــل ــــــــــق، ب ــــــــــه اخلل ــــــــــه، ومل �ــــــــــد إلي ــــــــــه الرســــــــــل أصــــــــــال، ومل تنطــــــــــق ب ��، مل تبين

.٢١-٥/٢٠. انظر : درء ١ .٥/٢١. املرجع السابق ٢

٦٤

مـــــــــا بينـــــــــت ال معرفـــــــــة هللا، وال معرفـــــــــة املعـــــــــاد، ال مـــــــــا هـــــــــو احلـــــــــق يف اإلميـــــــــان

ــــــــــيس عنــــــــــدهم ــــــــــوم اآلخــــــــــر، بــــــــــل ل ��، وال مــــــــــا هــــــــــو احلــــــــــق يف اإلميــــــــــان �لي

ــــــــــو البــــــــــاب، يف كــــــــــالم هللا ورســــــــــوله مــــــــــن هــــــــــذا البــــــــــاب علــــــــــم ينتفــــــــــع بــــــــــه أول

بـــــــل إنـــــــه بـــــــني رمحـــــــه )١(وإمنـــــــا فيـــــــه ختييـــــــل وإيهـــــــام ينتفـــــــع بـــــــه: جهـــــــال العـــــــوام"

هللا أن مـــــــــا احـــــــــتج بـــــــــه هـــــــــؤالء املالحـــــــــدة، علـــــــــى نفـــــــــاة الصـــــــــفات، إلثبـــــــــات

إحلــــــــادهم هــــــــي مــــــــن حجــــــــج أهــــــــل اإلثبــــــــات علــــــــيهم إلثبــــــــات إميــــــــا�م وذلــــــــك

ـــــــــن احلـــــــــق ليظهـــــــــره ألن هللا تعـــــــــاىل أخـــــــــرب ـــــــــه: "أرســـــــــل رســـــــــوله �هلـــــــــدى ودي أن

ولقولـــــــــــه تعـــــــــــاىل: "كتـــــــــــاب أنزلنـــــــــــاه إليـــــــــــك لتخـــــــــــرج )٢("علـــــــــــى الـــــــــــدين كلـــــــــــه

ولقولــــــــــــه تعــــــــــــاىل: "قــــــــــــد )٣(النــــــــــــور �ذن ر�ــــــــــــم"النــــــــــــاس مــــــــــــن الظلمــــــــــــات إىل

جــــــــــاءكم مــــــــــن هللا نــــــــــور وكتــــــــــاب مبــــــــــني يهــــــــــدي بــــــــــه هللا مــــــــــن اتبــــــــــع رضــــــــــوانه

ذنـــــــــــه ويهـــــــــــديهم إىل ســـــــــــبل الســـــــــــالم وخيـــــــــــرجهم مـــــــــــن الظلمـــــــــــات إىل النـــــــــــور �

ولقولــــــــــــه تعــــــــــــاىل: "ومــــــــــــا علــــــــــــى الرســــــــــــول إال الــــــــــــبالغ )٤("صــــــــــــراط مســــــــــــتقيم

ـــــــــني ـــــــــزل )٥("املب ـــــــــاس مـــــــــا ن ـــــــــذكر لتبـــــــــني للن ـــــــــك ال ـــــــــا إلي ـــــــــه تعـــــــــاىل: "وأنزلن ولقول

.)٧("…ولقوله تعاىل: "اليوم أكملت لكم دينكم )٦("إليهم

"وأمثـــــــــــال هـــــــــــذه النصـــــــــــوص الـــــــــــيت تبـــــــــــني أن الرســـــــــــول هـــــــــــدى اخللـــــــــــق وبـــــــــــني

ـــــــــــيهم ـــــــــــبس عل ـــــــــــور، ال أنـــــــــــه ل هلـــــــــــم، وأنـــــــــــه أخـــــــــــرجهم مـــــــــــن الظلمـــــــــــات إىل الن

وخيــــــــــل، وكــــــــــتم احلــــــــــق فلــــــــــم يبينــــــــــه ومل يهــــــــــد إليــــــــــه، ال للخاصــــــــــة وال للعامــــــــــة،

فإنــــــــه مــــــــن املعلــــــــوم أن الرســــــــول صــــــــلى هللا عليــــــــه وســــــــلم مل يــــــــتكلم مــــــــع أحــــــــد

.٥/٢١. درء ١ .٣٣. سورة التوبة/ ٢ .١. سورة إبراهيم/ ٣ .١٦-١٥. سورة املائدة/ ٤ .١٨. سورة العنكبوت/ ٥ .٤٤-. سورة النحل ٦ .٣. سورة املائدة/ ٧

٦٥

س، وال كــــــــــان خــــــــــواص أصــــــــــحابه يعتقــــــــــدون مبــــــــــا ينــــــــــاقض مــــــــــا أظهــــــــــره للنــــــــــا

ـــــــــه فيـــــــــه نقـــــــــيض مـــــــــا أظهـــــــــره للنـــــــــاس بـــــــــل كـــــــــل مـــــــــن كـــــــــان بـــــــــه أخـــــــــص وحبال

أعــــــــرف، كــــــــان أعظــــــــم موافقــــــــة لــــــــه وتصــــــــديقا علــــــــى مــــــــا أظهــــــــره وبينــــــــه، فلــــــــو

ــــــــــــزم: إمــــــــــــا أن يكــــــــــــون ــــــــــــاطن خــــــــــــالف مــــــــــــا أظهــــــــــــره، لل كــــــــــــان احلــــــــــــق يف الب

ـــــــــــــه ـــــــــــــه عـــــــــــــن اخلاصـــــــــــــة والعامـــــــــــــة، ومظهـــــــــــــرا خالف ـــــــــــــه أو كامتـــــــــــــا ل جـــــــــــــاهال ب

العامة.للخاصة و

ــــــــروى خــــــــالف هــــــــذا ــــــــم أن مــــــــا ي وكــــــــل مــــــــن كــــــــان عارفــــــــا بســــــــنته وســــــــريته عل

.)١(فهو خمتلق كذب"

اإلنسان عبارة عن البدن والروح، وروحه هي نفسه: -

ــــــــــة: ــــــــــن تيمي ــــــــــني شــــــــــيخ اإلســــــــــالم اب ــــــــــدن ب أن اإلنســــــــــان عبــــــــــارة عــــــــــن الب

والروح معا وأن روحه هي نفسه مستدال على ذلك مبا يلي:

ـــــــــت: ـــــــــه وســـــــــلم، حـــــــــديث أم ســـــــــلمى قال دخـــــــــل رســـــــــول هللا صـــــــــلى هللا علي

ـــــــــــال: إن الـــــــــــروح إذا ـــــــــــى أيب ســـــــــــلمى وقـــــــــــد شـــــــــــق بصـــــــــــره فأغمضـــــــــــه، مث ق عل

ــــــــــــدعوا علــــــــــــى ــــــــــــه فقــــــــــــال: ال ت قــــــــــــبض تبعــــــــــــه البصــــــــــــر فضــــــــــــج �س مــــــــــــن أهل

أنفســــــــــكم إال خبــــــــــري، فــــــــــإن املالئكــــــــــة يؤمنــــــــــون علــــــــــى مــــــــــا تقولــــــــــون، مث قــــــــــال:

"اللهــــــــــــــم أغفـــــــــــــــر أليب ســـــــــــــــلمة وارفـــــــــــــــع درجتـــــــــــــــه يف املهـــــــــــــــديني، واخلفـــــــــــــــه يف

ــــــــــه يف قــــــــــربه، ــــــــــا ولــــــــــه � رب العــــــــــاملني، وأفســــــــــح ل ــــــــــة الغــــــــــابرين واغفــــــــــر لن عقب

.)٢(ونور له فيه"

قـــــــال رســـــــول هللا صـــــــلى هللا وحـــــــديث أبـــــــو هريـــــــرة رضـــــــي هللا عنـــــــه قـــــــال:

عليـــــــــــه وســـــــــــلم: "أمل تـــــــــــروا أن اإلنســـــــــــان إذا مـــــــــــات شـــــــــــخص بصـــــــــــره" قـــــــــــالوا:

.٥/٢٥. درء ١. رواه مسلم يف اجلنائز ، �ب ما يف إغماض امليت الرتمذي يف اجلنائز �ب ماجاء يف ٢

تلقني املريض عند املوت والدعاء له .

٦٦

فســـــــــماه �رة روحـــــــــا، )١(بلـــــــــى، قـــــــــال: "فكـــــــــذلك حـــــــــني يتبـــــــــع بصـــــــــره نفســـــــــه"

.)٢(نفسا و�رة

ـــــــــــيت تفارقـــــــــــه �ملـــــــــــوت هـــــــــــي الـــــــــــروح ـــــــــــني أن "الـــــــــــروح املـــــــــــديرة للبـــــــــــدن وال مث ب

ــــــــه صــــــــلى هللا عليــــــــه ــــــــيت تفارقــــــــه �ملــــــــوت لقول ــــــــنفس ال ــــــــه، وهــــــــي ال املنفوخــــــــة في

وســـــــــــــلم ملـــــــــــــا �م عــــــــــــــن الصـــــــــــــالة: "إن هللا قـــــــــــــبض أرواحنــــــــــــــا حيـــــــــــــث شــــــــــــــاء

ـــــــــــــوىف األنفـــــــــــــس حـــــــــــــني )٣(وردهـــــــــــــا حيـــــــــــــث شـــــــــــــاء" ـــــــــــــه تعـــــــــــــاىل: "هللا يت ولقول

ـــــــــــيت مل ـــــــــــيت قضـــــــــــى عليهـــــــــــا املـــــــــــوت مو�ـــــــــــا وال متـــــــــــت يف منامهـــــــــــا فيمســـــــــــك ال

.)٤(ويرسل األخرى إىل أجل مسمى"

وأكثــــــــر املفســـــــــرين يقبضــــــــها قبضـــــــــتني، قــــــــبض املـــــــــوت، قــــــــال ابـــــــــن عبـــــــــاس:

ـــــــــــيت متـــــــــــوت، ويرســـــــــــل األخـــــــــــرى إىل ـــــــــــوم يقـــــــــــبض ال وقـــــــــــبض النـــــــــــوم، مث يف الن

.)٥(أجل مسمى حىت �يت أجلها وقت املوت

هللا عليـــــــــه وســـــــــلم أنـــــــــه كـــــــــان وقـــــــــد ثبـــــــــت يف الصـــــــــحيحني عـــــــــن النـــــــــيب صـــــــــلى

يقــــــــــــــــــــول إذا �م: "�مســــــــــــــــــــك ريب وضــــــــــــــــــــعت جنــــــــــــــــــــيب وبــــــــــــــــــــك أرفعــــــــــــــــــــه إن

ــــــــــــاغفر هلــــــــــــا وارمحهــــــــــــا، وإن أرســــــــــــلتها فاحفظهــــــــــــا مبــــــــــــا أمســــــــــــكت نفســــــــــــي ف

.)٦(حتفظ عبادك الصاحلني"

. رواه مسلم يف اجلنائز �ب يف شخوص بصر امليت يتبع نفسه . ١ .٤/٢٢٢،٢٢٦. انظر : جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ٢ مسلم يف املساجد �ب قضاء الصالة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. –. رواه البخاري يف املواقيت �ب األذان بعد ذهاب الوقت ٣

.٤٢. سورة الزمر/ ٤

.٩/٢٨٩أنظر : فتاوى . ٥

–الدعاء أمساء هللا تعاىل ، مسلم يف الذكر و ب. رواه البخاري يف الدعوات �ب التعوذ والقراءات عند املنام ، يف التوحيد �ب السؤال ٦

�ب مايقول عند النوم وأخذ املضجع .

٦٧

النعـــــــــيم والعـــــــــذاب علـــــــــى الـــــــــنفس والبـــــــــدن مجيعـــــــــا وعلـــــــــى الـــــــــنفس -

مفردة:

علـــــــــــى الـــــــــــنفس يبـــــــــــني شـــــــــــيخ اإلســـــــــــالم ابـــــــــــن تيميـــــــــــة أن: العـــــــــــذاب والنعـــــــــــيم

ــــــــــنفس وتعــــــــــذب ــــــــــنعم ال والبــــــــــدن مجيعــــــــــا �تفــــــــــاق أهــــــــــل الســــــــــنة واجلماعــــــــــة، ت

ـــــــــــدن متصـــــــــــل �ـــــــــــا، منفـــــــــــردة عـــــــــــن البـــــــــــدن، وتعـــــــــــذب متصـــــــــــلة �لبـــــــــــدن والب

فيكـــــــــــــون النعـــــــــــــيم والعـــــــــــــذاب عليهمـــــــــــــا يف هـــــــــــــذه احلـــــــــــــال جمتمعـــــــــــــني، كمـــــــــــــا

.)١(يكون للروح منفردة عن البدن"

تهـــــــــا" فلـــــــــيعلم أن مـــــــــذهب "ســـــــــلف األمـــــــــة وأئم ويقـــــــــول يف موضـــــــــع آخـــــــــر:

أن امليـــــــــــــت إذا مــــــــــــــات يكــــــــــــــون يف نعــــــــــــــيم أو عــــــــــــــذاب، وأن ذلــــــــــــــك حيصــــــــــــــل

ــــــــــــــروح تبقــــــــــــــى بعــــــــــــــد مفارقــــــــــــــة البــــــــــــــدن منعمــــــــــــــة أو لروحــــــــــــــه ولبدنــــــــــــــه، وأن ال

معذبـــــــــــــة، وأ�ـــــــــــــا تتصـــــــــــــل �لبـــــــــــــدن أحيـــــــــــــا� فيحصـــــــــــــل لـــــــــــــه معهـــــــــــــا النعـــــــــــــيم

والعـــــــــــــــــذاب، مث إذا كـــــــــــــــــان يـــــــــــــــــوم القيامـــــــــــــــــة الكـــــــــــــــــربى أعيـــــــــــــــــدت األرواح إىل

.)٢(املني"أجسادها، وقاموا من قبورهم لرب الع

ـــــــــــث عـــــــــــذاب القـــــــــــرب، ومســـــــــــألة منكـــــــــــر ونكـــــــــــري، وهـــــــــــي ـــــــــــك أحادي يبـــــــــــني ذل

كثــــــــــــــرية متــــــــــــــواترة عــــــــــــــن النــــــــــــــيب صــــــــــــــلى هللا عليــــــــــــــه وســــــــــــــلم، مثــــــــــــــل مــــــــــــــا يف

ـــــــــــيب صـــــــــــلى هللا الصـــــــــــحيحني: عـــــــــــن ابـــــــــــن عبـــــــــــاس رضـــــــــــي هللا عنهمـــــــــــا أن الن

عليــــــــــــه وســــــــــــلم مــــــــــــر بقــــــــــــربين فقــــــــــــال: "إ�مــــــــــــا ليعــــــــــــذ�ن، ومــــــــــــا يعــــــــــــذ�ن يف

نميمـــــــــــة، وأمـــــــــــا اآلخـــــــــــر فكـــــــــــان ال كبـــــــــــري، أمـــــــــــا أحـــــــــــدمها فكـــــــــــان ميشـــــــــــي �ل

يســـــــــــتنزه مـــــــــــن بولـــــــــــه مث دعـــــــــــا جبريـــــــــــدة رطبـــــــــــة فشـــــــــــقها نصـــــــــــفني، مث غـــــــــــرز يف

ـــــــــــه ـــــــــــت هـــــــــــذا؟ قـــــــــــال: "لعل ـــــــــــرب واحـــــــــــدة فقـــــــــــالوا � رســـــــــــول هللا مل فعل كـــــــــــل ق

.)٣(خيفف عنهما ما مل ييبسا"

. ٤/٢٨٢. فتاوى ١ .٤/٢٨٤. املرجع نفسه ٢جناسة البول �ب الدليل على –ه من بوله ، مسلم يف كتبا الطهارة ز�ب من الكبائر أن ال يسنت –. رواه البخاري يف كتاب الوضوء ٣

جاء يف التشديد يف البول . �ب ما –الرتمذي يف كتاب الطهارة –ووجوب اإلسترباء منه

٦٨

ويف صـــــــــــحيح مســـــــــــلم وغـــــــــــريه عـــــــــــن ابـــــــــــن عبـــــــــــاس رضـــــــــــي هللا عنهمـــــــــــا، عـــــــــــن

هــــــــــم هـــــــــــذا الـــــــــــدعاء، كمـــــــــــا النــــــــــيب صـــــــــــلى هللا عليـــــــــــه وســــــــــلم أنـــــــــــه كـــــــــــان يعلم

يعلمهـــــــــــــم الســـــــــــــورة مـــــــــــــن القـــــــــــــرآن "اللهـــــــــــــم إين أعـــــــــــــوذ بـــــــــــــك مـــــــــــــن عـــــــــــــذاب

ــــــــك مــــــــن فتنــــــــة املســــــــيح جهــــــــنم، وأعــــــــوذ بــــــــك مــــــــن عــــــــذاب القــــــــرب، وأعــــــــوذ ب

.)١(الدجال، وأعوذ بك من فتنة احمليا واملمات"

ــــــــت عــــــــن ــــــــث واآل�ر مــــــــا يضــــــــيق هــــــــذا الوق ــــــــه مــــــــن األحادي ــــــــاب في وهــــــــذا الب

الــــــــــــيت يف القبــــــــــــور تــــــــــــنعم وتعــــــــــــذب إذا استقصــــــــــــائه، ممــــــــــــا يبــــــــــــني أن األبــــــــــــدان

شــــــــــــاء هللا ذلــــــــــــك كمــــــــــــا يشــــــــــــاء، وأن األرواح �قيــــــــــــة بعــــــــــــد مفارقــــــــــــة البــــــــــــدن

وهلـــــــــــذا أمـــــــــــر النـــــــــــيب صـــــــــــلى هللا عليـــــــــــه وســـــــــــلم �لســـــــــــالم )٢(منعمـــــــــــة ومعذبـــــــــــة

ــــــــــــت يف الصــــــــــــحيحني والســــــــــــنن "أنــــــــــــه كــــــــــــان يعلــــــــــــم علــــــــــــى املــــــــــــوتى كمــــــــــــا ثب

ـــــــــــــيكم أهـــــــــــــل الـــــــــــــد� ـــــــــــــوا: "الســـــــــــــالم عل ـــــــــــــور أن يقول ر أصـــــــــــــحابه إذا زاروا القب

ـــــــــــرحم هللا املســـــــــــتقدمني مـــــــــــن املـــــــــــؤمنني، وإ� إن شـــــــــــاء هللا بكـــــــــــم الحقـــــــــــون، ي

ـــــــــــــة اللهـــــــــــــم ال ـــــــــــــا ولكـــــــــــــم العافي ـــــــــــــا ومـــــــــــــنكم واملســـــــــــــتأخرين، نســـــــــــــأل هللا لن من

.)٣(حترمنا أجرهم وال تفتنا بعدهم، واغفر لنا وهلم"

ــــــــــد أئمــــــــــة النظــــــــــار، أهــــــــــل الكــــــــــالم وهكــــــــــذا بــــــــــني رمحــــــــــه هللا: "أن مــــــــــا عن

يـــــــــــة علــــــــــــى املطالـــــــــــب اإلهليـــــــــــة، فقـــــــــــد جــــــــــــاء والفلســـــــــــفة مـــــــــــن الـــــــــــدالئل العقل

القـــــــرآن مبـــــــا فيهـــــــا مـــــــن احلـــــــق، ومـــــــا هـــــــو أبلـــــــغ وأكمـــــــل منهـــــــا علـــــــى أحســــــــن

وجـــــــــه مـــــــــع تنزهـــــــــه عـــــــــن األغـــــــــاليط الكثـــــــــرية املوجـــــــــودة عنـــــــــد هـــــــــؤالء ، فـــــــــإن

م يف كتاب مسل -احمليا واملمات�ب التعوذ من فتنة -. رواه البخاري يف كتاب الدعوات ١

ب � -كتاب الدعوات -الرتمذي -�ب التعوذ من العجز والكسل وغريه -الذكر والدعاء

٧٦ . . ٤/٢٩٦. فتاوى ٢

�ب ما يقال عند دخول القبور والدعاء ألهلها ، النسائي يف كتاب اجلنائز �ب األمر �الستغفار –. رواه مسلم يف كتاب اجلنائز ٣

ني .للمؤمن

٦٩

ـــــــــر مـــــــــن هـــــــــداهم وجهلهـــــــــم ـــــــــري جـــــــــدا ولعـــــــــل ضـــــــــالهلم أكث خطـــــــــأهم فيهـــــــــا كث

.)١(أكثر من علمهم"

"وجــــــــــــد القــــــــــــرآن والســــــــــــنة كاشــــــــــــفان ألحــــــــــــواهلم، مبينــــــــــــان وهلــــــــــــذا وغــــــــــــريه:

حلقهـــــــــم مميـــــــــزان بـــــــــني حـــــــــق ذلـــــــــك و�طلـــــــــة، والصـــــــــحابة كـــــــــانوا أعلـــــــــم اخللـــــــــق

.)٢(بذلك كما كانوا أقوم اخللق جبهاد الكفار واملنافقني"

وهكــــــــــــــــذا فالفالســــــــــــــــفة القــــــــــــــــائلون: "إن النعــــــــــــــــيم والعــــــــــــــــذاب ال يكــــــــــــــــون إال

ــــــــــنعم وال يعــــــــــذب منكــــــــــر ــــــــــروح، وأن البــــــــــدن ال ي ون ملعــــــــــاد األبــــــــــدان، علــــــــــى ال

. )٣(وهؤالء كفار �مجاع املسلمني"

. ٢٢٦ – ٩/٢٢٥. فتاوى ١

.٤/١٣٧. املرجع السابق ٢ .٤/٢٨٣. املرجع السابق ٣