kau.edu.sakau.edu.sa/files/125/files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf ·...

466
ﺍﻝﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻝﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻝﺴﻌﻭﺩﻴﺔ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻝﺘﻌﻠﻴﻡ ﺍﻝﻌﺎﻝﻲ ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻹﻤﺎﻡ ﻤﺤﻤﺩ ﺒﻥ ﺴﻌﻭﺩ ﺍﻹﺴﻼﻤﻴﺔ ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻝﻠﻐﺔ ﺍﻝﻌﺭﺒﻴﺔ ﻗﺴﻡ ﺍﻷﺩﺏëçÊÖ] †ÃÖ] » ð^m†Ö] àÚ MOQM _ MPNO ﺭﺴﺎﻝﺔ ﻤﻘﺩﻤﺔ ﻝﻨﻴل ﺩﺭﺠﺔ ﺍﻝﺩﻜﺘﻭﺭﺍﻩ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻝﻌﺭﺒﻲ ﺍﻝﺤﺩﻴﺙ ﺇﻋﺩﺍﺩ ﻫﺎﺠﺩ ﺒﻥ ﺩﻤﻴﺜﺎﻥ ﺒﻥ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻝﺸﺩﺍﺩﻱ ﺇﺸﺭﺍﻑ. . ﻤﺤﻤﺩ ﺒﻥ ﺴﻌﺩ ﺒﻥ ﺤﺴﻴﻥ ﺃﺴﺘﺎﺫ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻝﻌﺭﺒﻲ ﺍﻝﺤﺩﻴﺙ ﻓﻲ ﻗﺴﻡ ﺍﻷﺩﺏ ﺒﻜﻠﻴﺔ ﺍﻝﻠﻐﺔ ﺍﻝﻌﺭﺒﻴﺔ ﺍﻝﻌﺎﻡ ﺍﻝﺠﺎﻤﻌﻲ: ١٤٢٥ ـ١٤٢٦ ﻫـ

Upload: others

Post on 15-Oct-2020

7 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم العالي

جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية

كلية اللغة العربية

قسم األدب

<ë�çÊÖ]<†Ã�Ö]<»<ð^m†Ö]< <

<àÚMOQM<_<MPNO<{â<< <

رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في األدب العربي الحديث

إعداد

هاجد بن دميثان بن محمد الشدادي

إشراف

محمد بن سعد بن حسين . د.أ

أستاذ األدب العربي الحديث في قسم األدب بكلية اللغة العربية

هـ ١٤٢٦ـ ١٤٢٥: العام الجامعي

Page 2: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

Page 3: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

املقدمة ـ ه احلمد هللا رب العاملني ، والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني ، وعلى آل

: وبعد .. وصحبه أمجعني فالرثاء فن أصيل يعد من أسبق الفنون وأصدقها على ألسنة الشعراء ألنه تعبري صادق

اللقاء ولوعة الفراق ، فهو نابع من أعماق النفس ومعرب عن النفس اإلنسانية ؛ تعبري عن هلفة لوجدانيـة عن حلظات الفراق ، متجها إىل القلوب قبل العقول ؛ ليجسـد االنفعـاالت ا

. واإلنسانية وهو حمبب إىل النفس البشرية ملا جتد فيه من الصدق والبعد عن الزيـف والكلفـة والتقليد األعمى الذي يطمس معامل الشخصية وحيول بينها وبني التحليق يف أجواء التفـرد

.والتميز واخلصوص الشـعراء ومن إطالعي على الشعر السعودي املعاصر ؛ وتصفحي لكثري من دواوين

واموعات الشعرية ؛ لفت انتباهي بروز غرض الرثاء وحضوره األثري وتألقه املوضـوعي . والفين

وقد أغراين هذا احلضور بتتبع املوضوع ودراسته ؛ حبثا عما مييزه واستكشافا لآلفاق ة اليت ارتادها وحماولة يف إبراز جوانب تشكيل شعرنا املعاصر ، وجعل أحد أغراضه األساسي

أمنوذجا لذلك ثقة يف متكن ذلك الغرض الكبري من إبراز هذه اخلصائص واملالمح ، وجتليـة العطاءات املعنوية والفنية املستجدة ؛ ألن األدب يعيش التطور كما تعيشـه احليـاة فهـو

البحث حياول السعي إىل تأسيس مقاربة منهجية تتجه إىل قراءة اخلطاب انعكاس هلا ، وهذا ودي احلديث ، جاعلة من الرثاء أمنوذجا مفعال هلذا اخلطاب ، ومركزة علـى الشعري السع

تطوره ونقلته التشكيلية اجلديدة اليت انتشلته من التقليدية املنحوتة ورواسبها إىل عامل شعري جديد ، وألن كل دراسة حترص على الدقة املنهجية وحتاول االبتعاد عن الفوضى واالختالل

Page 4: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

طار زماين ومكاين ـ حيددها ـ فقد آثرت أن يكون ذلـك منتصـف البد أن يكون هلا إ، وقد اخترت البداية هـ ١٤٢٣إىل عام هـ ـ ١٣٥١القرن الرابع عشر ـ وحتديدا عام

الزمانية السابقة ألا العام الذي أعلن فيه توحيد اململكة العربية السعودية ، كما أن أغلـب . ية مرحلة التجديد يف أدبنا السعودي مؤرخي األدب السعودي ودارسيه جيعلها بدا

وإذا كان االبتكار واجلدة من خصائص الدراسة الناجحة ولوازم البحوث اجلادة فإن الرثاء يف الشعر السعودي يعد جماال واسعا حيتاج إىل حبث منهجي مقنن ، حيث إنه مل حيظ

ده مير بـه مـرورا بدراسة مستقلة ، وكل من درس أو رصد احلركة الشعرية يف اململكة جن . عابرا ؛ ال يتجاوز بضع صفحات يف كثري من تلك الدراسات

: وقد كان أبرز األسباب اليت دعتين إىل اختيار املوضوع ودراسته ما يلي أن األغراض الشعرية الكربى يف الشعر السعودي كاملدح والوصـف الغـزل _ ١مية منهجية مستقلة ، وذلك من إخل ، مل حتظ ـ على حد علمي ـ بدراسة عل ... والرثاء

خالل حبثي املتواصل ذا الشأن ؛ واستشارة بعض أساتذيت الفضالء ، على حني أننا جنـد هناك بعض األغراض الفرعية والقضايا الثانوية قد نالت اهتمام الباحثني وتتبعهم الدراسي يف

. شعرنا املعاصر ت موضوعية وفنيـة متعـددة ، أن الرثاء السعودي املعاصر قد حدث فيه حتوال_ ٢

. وهذه التحوالت تعد أمنوذجا للتحول يف اخلطاب الشعري السعودي عموما أن من مدخالت النقد اجلديدة ـ بعد اشتداد عود الفكر النقدي ـ إذا علمنا _ ٣

ترسيخ مفهوم التطور اإلبداعي ، الذي يسري سريا متوازيا مع العامل الزماين تقدما وتأخرا ، كثريا من التصورات تنمو يف حركية التباين والتغـاير املسـتمر بـني السـابق حيث إنإذا علمنا ذلك فإن أغراض الشعر سوف ينسحب عليها ذلك التحول املطـرد .. واملسبوق

والنمو غري املستقر ؛ والسيما يف عصر التكنولوجيا واالنفتاح العاملي والعطاء اآليل والـتقين . املذهل

ة النقد املعاصر إىل الرثاء أنه فن صعب جدا ؛ فالقصيدة الـيت ال فقد أصبحت نظروالبكاء الذي يشابه بكاء الناس مجيعا فعل .. تعطيك سوى نبأ عن موت فالن قصيدة ميتة

Page 5: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

مكرر وتقليد منحوت ؛ ولكن القصيدة املبدعة هي اليت متنحك كيفية للبكاء ال جتـدها يف اء السابقة ، كما ينبغي هلا أن تنطلق إىل آفـاق دينيـة الواقع ، كما ال جتدها يف مناذج الرث

. وإنسانية واجتماعية ووطنية غري حمدودة متمثال بشعرائه ـ من قضية املـوت ـ اتمع السعودي موقف كشف وبيان_ ٤

. واحلياة ، والقضاء والقدر ، والوفاء والعرفان ، حيث إن األدب صورة اتمع ، الذي هـو ـ أعـىن يتجزأ من أدبنا العريب الكبري األدب السعودي جزء ال_ ٥

ـ مبثابة النهر العظيم الذي تتعدد فروعـه وجداولـه ، فـاألدب املصـري األدب العريب . كلها فروع تصب يف ذلك النهر الكبري .. والسوري واجلزائري

وال شك أن أدب أي وطن من األوطان العربية لن يتحقق له االنتشـار والـذيوع دوده اإلقليمية إال بقيام أبنائه بدراسته والعكوف على البحث فيه ، ورصد حتركاته خارج ح

احلركة األدبية املعاصرة يف مجيع أرجاء الوطن العـريب ، وجتلية قيمه الفنية ، وهذا هو واقع املترامي األطراف ، من احمليط إىل اخلليج ، فاألدب املصري مل ينشره السوريون أو املغربيون

؛ ولكن ازدهر وانبعث على أيدي املصريني أنفسهم ، وكـذلك العراقـي والـيمين ..أو وغريها ، وهذا ناتج لظروف اجتماعية وسياسية وثقافية ودينيـة متعـددة ، .. والسوداين

. تتفاوت نسبها وخيتلف تأثريها من قطر آلخر حث منذ وجوده وإذا كان األدب العريب القدمي ، أو الوسيط مل يزل حمل الدراسة والب

مشاع جلميع أبنـاء الـوطن التاريخ وتعاقب األجيال ، كما أنه وحىت هذا اليوم ، على مرالعريب من الباحثني والدراسني ، ألنه مذكرة األمة ، وتراثها التليد ، إذا كان ذلك فإن واقع

بنـاء األدب املعاصر خيتلف ألسباب إقليمية واجتماعية وثقافية ـ كما سبق ـ حتتم على أ . على أدم بالدراسة ، ونشره ، وإذاعته لآلخرين األوطان العكوف

إن األدب السعودي جزء من تكويننا الثقايف واالجتمـاعي ، فوعلى ضوء ما سبق ومتيزنا العريب واإلسالمي ، ومن حق هذا األدب على أبنائه أن يشبعوه دراسة ورصدا ، وأن

لشيء فإنين أرجو أن أقوم جبزء من الواجب جتـاه أدب ينشروه ويذيعوه ، وإميانا مين ذا ا . وطين العزيز مث خدمة أدبنا العريب عامة

Page 6: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

وقد جاءت الدراسة يف مقدمة ومتهيد وبابني مث خامتة أتبعت مبلحق يضـم تـراجم الشعراء فثبت املصادر واملراجع ؛ فخصص التمهيد يف إعطاء حملة موجزة عن الرثاء السعودي

اسة وذلك منذ بداية دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب اإلصـالحية وحـىت قبل فترة الدرتأسيس اململكة العربية السعودية ، كما تناول التمهيد عرضا ملصادر الرثاء السعودي مركزا

. يف ذلك على عاملي الوفرة والتنوع ودي ويلي التمهيد الباب األول وفيه مت دراسة األبعاد املوضوعية لشعر الرثاء السـع

: وذلك يف ستة فصول هي البعد الديين وفيه مت استجالء أثر الدين ودروه يف بلورة الرؤيـة : الفصل األول _ ١

الرثائية يف مبحثني مها التسليم والقبول مث النصح واالدكار ، وذلك كأمنوذج حـي يعطـي . تصورا كافيا عن تلك الرؤية الدينية الواسعة

تارخيي ، وفيه درست القصيدة الرثائية كمخرج من رحم البعد ال: الفصل الثاين _ ٢التاريخ وحقائقه الثاتبة يف احلاضر واملاضي ، وقد كان تشكيل ذلك يف مبحثني مها التعزي باملاضي كوفاة األنبياء والصاحلني وسائر الناس السابقني ، أما املبحـث الثـاين فكـان يف

. ونات التارخيية والتوثيقية إجنازات املرثي برصدها وتتبعها كجزء من املكالبعد اإلنساين ، وفيه مت الكشف عن القيم اإلنسانية النبيلـة يف : الفصل الثالث _ ٣

الرثاء السعودي من خالل مبحثني أوهلما كان املواساة يف أحداث إسالمية وثانيهما املواساة متداد اإلنساين يف الرثاء يف أحداث عاملية ، وواضح قيام املبحثني على بنية تقابلية تعكس اال

. السعودي ومشوليته وانطالقه غري احملدود حيث مل يكن الرثاء مبعزل عن الرؤية السياسية : البعد السياسي : الفصل الرابع _ ٤

كجزء من التكوين البشري ، وقد برز هذا البعد يف مبحثني جاءا يف القضايا الوطنيـة أوال . وغريها .. والبوسنة واهلرسك وقضايا األمة ثانيا كقضية فلسطني

البعد االجتماعي ، وقد جـاء يف مبحـثني مهـا الـروابط : الفصل اخلامس _ ٥ . االجتماعية أوال ، وقضايا اتمع ثانيا

Page 7: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

البعد التأملي ، وفيه مت تتبع الرتعة التأملية وحماولة استكشاف : الفصل السادس _ ٦ : حثني اآلتيني تكوينها يف الرثاء السعودي من خالل املب

. فلسفة املوت واحلياة _ أ . رثاء الذات _ ب

وذا ينتهي الباب األول مث يليه الباب الثاين يف الدراسة الفنية لشعر الرثاء السعودي : وقد جاء يف أربعة فصول هي

: ويتكون من ستة مباحث هي ) بناء القصيدة : ( الفصل األول _ ١لعتبات اإلبداعية للدخول يف التجربة الشـعرية وألمهيتـه لكونه أول ا: العنوان _ أ

. اخلاصة يف اإلبداع والنقد املعاصر وهو الوثبة األوىل للقصيدة ومرحلة اإلشراف والكشف عـن الرؤيـة : املطلع _ ب

. الشعرية ، وفيه مت دراسة أمناط املطلع ومناذجه إىل غرضه األساس دون حسن التخلص وقدرة الشاعر على االنتقال من املطلع _ ج

. حدوث فجوة أو خلل الترابط وفيه درس توالد األفكار واملضامني األساسية يف القصيدة الشعرية ومدى _ د

. االرتباط والتالؤم بني تلك املضامني من حيث أنواعها كأن تكون دعائية أو حكمية وما يتجلى فيها من .. اخلامتة _ هـ

.قيم فنية ، حيث أصبح شكل الكتابة يف القصيدة املعاصرة ذا تأثري بالغ يف شكل الكتابة_ و

. خلق هيئة داللية خاصة يراعيها املبدع ويالحظها املتلقي يف العملية اإلبداعية : وينقسم هذا الفصل إىل ثالثة مباحث هي ) اللغة : ( الفصل الثاين _ ٢ي عن طريـق صـفات املستوى الصويت ، وفيه مت دراسة تشكيل الصوت اللغو_ أ

.احلروف والتكرار والتضعيف واهلمس واجلهر ، وغري ذلك من مكونات اللغة الصوتية وفيه دف الدراسة إىل الكشف عن الظـواهر املتكـررة .. املستوى التركييب _ ب

. إخل .. ودورها اللغوي كالتقدمي والتأخري واحلذف وتنوع اجلملة

Page 8: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�����ا�

األلفاظ وأثرا وأنواعها ومواضعها ، واحلقول املستوى الداليل من حيث اختيار_ ج . املعجمية ودور كل ذلك يف تقنية الداللة وإبرازها

ويقع هذا الفصل يف مبحثني مها الصـورة ) الصورة الشعرية : ( الفصل الثالث _ ٣أو اجلزئية يئتها البالغية املبسطة مث الصورة الكلية أو املركبة اليت تقوم على حركة الـدراما . حياة القصة فترسم مشهدا طويال ومكثفا وتبلورها احلركة املتتالية واملتنامية يف بنائها الفين

ويقع يف ثالثة مباحث هي األوزان أوال وفيه تناولت ) اإليقاع ( الفصل الرابع _ ٤فهـو الدراسة األوزان اخلليلية فالتفعيلية مث أخريا املازجة بني النوعني ، أما املبحث الثـاين

من حيث تنوعها ودورها اإليقاعي ، وانسـجامها مـع األوزان ، مث ) املوسيقا الداخلية ( من حيث تنوعها وقيمتها اإليقاعية ومدى حضـورها يف ذلـك ) القوايف ( املبحث الثالث

ملحق حيتوي عر ، مث أخريا خامتة الدراسة مشتملة على أبرز النتائج واملقترحات ، ويليها الشموجزة للشعراء املدروسني وقد جلعته متأخرا حىت ال يثقل كاهـل الدراسـة على تراجم

لها ، واقتصرت فيه على التعريف املوجز لكثرة عدد الشعراء وألن غالبيتهم من املترجم يويط، ويلي امللحق ثبت املصادر واملراجع ، مث فهـرس هلم واحلاضرين يف ذاكرة اإلعالم والثقافة

. املوضوعات ية هذه املقدمة وعرفانا ألهل الفضل بفضلهم فإنين أتقدم جبزيل الشكر لكلية ويف ا

اللغة العربية بالرياض ، ممثلة يف قسم األدب وأعضائه الفضالء على ما قدموه مـن عـون .وإسهام يف إخراج هذه الرسالة

أما املشرف على الرسالة األستاذ الدكتور حممد بن سعد بن حسني فقد كـان لـه األول بعد اهللا يف خروج هذه الرسالة وذلك بتوجيهـه الـدائم ومتابعتـه اجلـادة الفضل

واستحثاثه للهمة دائما وأبدا بروح العامل املريب والوالد احلنون ، فله مين جزيـل الشـكر . والتقدير مث الدعاء بالتوفيق والسداد فجزاه اهللا عين خري اجلزاء

Page 9: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

التمهيد

لرثاء يف الشعر السعوديـ حملة عن ا ١

من دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب ـ رمحه اهللا ـ حىت منتصف القرن

الرابع عشر اهلجري ـ مصادر شعر الرثاء السعودي ٢

Page 10: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

عن الرثاء يف الشعر السعودي من دعوة الشيخ حممد بن عبـد حملة _ ١ : الوهاب ـ رمحه اهللا ـ حىت منتصف القرن الرابع عشر اهلجري

إذا إن لكل أدب شخصيته الواضحة اليت حتددها ضوابط زمانية ومكانية حمـددة ، و كانت شخصية الكاتب ذات أثر ملموس يف األدب فإن اململكة العربيـة السـعودية قبـل التوحيد أو ما نسميه الدور الثالث للحكم السعودي ليس من الصعب دراسـة أدـا وإن

ماعيا وفكريا واستقل كل إقليم أو بلد عـن اآلخـر اختلفت وتعددت بيئاا سياسيا واجتحيث إن تلك البيئات الصغرية تتشابه تشاا كـبريا يف واقعهـا السياسـي واالجتمـاعي

نستطيع إدراك خصائصه ومساته املشتركة واليت متيزه أدبا واحدا والفكري مما يعكس بالتايل عراق ومصر والشام وغري ذلك ، واقع اآلداب يف األوطان العربية األخرى كالخصائص وعن وعاء األدب السعودي مكانيا هو تلك األقاليم اليت تتألف منها اململكة العربية السـعودية و

ولعل أبرزها قبل عهد التوحيد إقليم جند وإقليم احلجاز وإقليم األحساء ، وإقليم عسـري أو . اجلنوب

ة منفصلة عن بعضها ملا بينها ومن هنا فإن األسلم للباحث أن ال يدرس أقاليم اجلزيرمن التشابه الكبري والراجع إىل أن النفوذ السعودي وما صحبه من ثقافة دعوية يف فترات مده وجزره كان يف هذه الفترة ينبسط على هذه األقاليم أو ينكمش عنها بني احلني واآلخـر ،

ديث يف سـائر أقـاليم املؤثرة الفاعلة على قيام العصر احل هيويكفي أن الدعوة السلفية (( ، فقد صبغت األدب بصبغة يستطيع متييزها كل من )١()) اجلزيرة منذ بداية العصر احلديث

يستقرئ العطاء األديب يف مجيع تلك األقاليم ، كما أن الدراسة اإلقليمية تفضي إىل تعدديـة . وتشتتية ال طائل من ورائها

ذلك األدب ويعطيه طابعا خاصا فإننا وإذا أردنا البحث عن أبرز عامل مييز شخصيةاملنطلق احلقيقي لألدب السعودي هاجنده دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب ، وميكن اعتبار

هـ ، وهو العام الذي التقى فيه الشيخ حممد بن عبد الوهاب مع اإلمام حممد بن ١١٥٨عام

، الرياض ، مطابع القصيم ( ، ١إبراهيم الفوزان ، ط: شعراء مرحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية ) ١(

٢٢ص) هـ ١٤١٨

Page 11: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

لنهضة العربية واإلسالمية عدها الباحثون ومؤرخو الفكر أما ل ((سعود ، وهذه الدعوة قد فقد أحدثت تغريا جذريا يف اجلزيرة العربية وأوجدت أرضية علمية حتـاول )١( ))احلديثة

جتاوز النمط التقليدي السائد إبان ظهورها ، وقد تنبه ألثرها ودورها كثري من املـؤرخني ياعا تامـا إىل والباحثني ، فطه حسني حينما تناول احلياة األدبية يف جند حكم بضياعها ض

أواخر القرن الثامن عشر تقريبا ، وهذا احلكم وإن كنا خنالفه إىل حد ما إال أن ما يهمنا فيه إن ((: هو اإلشارة إىل دور الدعوة السلفية واالقتناع بتأثريها ويف مقام آخر جنده يقـول

عنيفة نشأت الباحث عن احلياة العقلية األدبية يف جزيرة العرب ال يستطيع أن يهمل حركة )٢( ))ها حممد بن عبد الوهاب ثهذه احلركة هي حركة الوهابيني اليت أحد.. فيها

كما جند كثريا من أساطني التاريخ واألدب قد تنبهوا أيضا ألثرها يف حيـاة األمـة العربية واإلسالمية أمجع متجاوزة يف ذلك حدودها اإلقليمية فهذا الدكتور عمر عبد العزيز

إن الدعوة الوهابية قد أحدثت نوعـا مـن ((: به تاريخ املشرق العريب يقول عمر يف كتااليقظة الفكرية كان العرب واملسلمون يف أشد احلاجة إليها بعد هذا اجلمود الفكري الـذي

)٣( ))سيطر عليهم فترة طويلة إىل عدم اقتصار الـدعوة علـى ) زعماء اإلصالح ( كما يشري أمحد أمني يف كتابه

وهـذه )٤(از واجلزيرة العربية ويقرر بأا قد تعدا إىل كثري من األقطار اإلسـالمية احلجاحلركة اإلصالحية مل يقتصر أثرها على احلياة الدينية أو الفكرية وحسب بل جتاوز ذلك إىل سائر وجوه احلياة ، وقد كان لألدب نصيب ال يستهان به ، وهذا ما أمجع علـى تقريـره

بن حسـني وإبـراهيم حممد لراصدين والدارسني لتلك احلركة من أمثال واحلكم به كل ا . اهلوميل وغريهم حسن احلامد ، وعبد اهللا الفوزان ، و

٥٠ص ،) هـ ١٤١١ ،الرياض ، مطابع الفرزدق ( ، ٥طحممد بن حسني : األدب احلديث تاريخ ودراسات ) ١( ٣٦، ص) م .د) ( م ١٩٣٥دمشق، ( ، ١طه حسني ، ط: احلياة األدبية يف جزيرة العرب ) ٢( ٨٧تاريخ املشرق العريب ، عمر عبد العزيز عمر ، ص) ٣( ٢٢، ص) مصر ، دار النهضة العلمية ( أمحد أمني ، : صالح زعماء اإل) ٤(

Page 12: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

أول مدرسة أدبية يف اجلزيرة العربية يف العصر ] احلركة اإلصالحية [ أوجدت (( فقد ١()) االت احلديث يف جمايل الشعر والنثر ، وقد بقيت آثارها بارزة على سائر ا(

والذين عنوا باستقراء اخلصوصية األسلوبية للخطب والرسائل قبل حركة اإلصـالح يدركون عمق األثر وليس ذلك مقصورا على اخلطب أو الرسائل بل إن الضعف كان شامال للغة والعلم واألدب ، وقد وجد ذلك من درس الواقع األديب قبل منتصف القرن الثاين عشر

: امد جنده يف مبحث له بعنوان الشعر قبل منتصف القرن الثاين عشر يقـول ، فعبد اهللا احلميكن أن نقول مطمئنني أن اللغة والعلم واألدب قد انطمست منها املعامل وأصبحت البالد ((

أما الشعر فهو يف جند عامي ال جتد فيه نأمة من فصاحة ، أو أثارة من .. تعيش أمية شديدة عر العريب الفصيح إىل نبطي يدل على غربة شديدة بليت ـا تلـك إن حتول الش.. عروبة

وعند تتبع التاريخ األديب يف اجلزيـرة (( : ، وجند ناقدا آخر يقول )٢( ))الصحراء القاحلة العربية سيجد الدارس أن احلركة اإلصالحية كانت نقطة حتول يف مجيع جوانب احلياة مبا يف

ه عام حيث ألفت الكتب وكتبت الرسـائل ، ووجـدت ذلك األدب والعلم والثقافة بوجاملناظرات بني العلماء ، وما ذلك إال بسبب انطالق الدعوة وامتدادها إىل األقاليم اـاورة حيث تنبه هلا األنصار واخلصوم وأسهموا مجيعا يف بلورا وإرساء كياا ، فكان البد هلذه

ن أبرزها اخلطب والرسائل واألشعار ، اليت التغريات والتحوالت من وسائل إعالمية كان م، ومن هنا يتبني لنا خطأ من )٣()) كونت فيما بعد جذورا حقيقة لألدب السعودي احلديث

يقول إن بداية األدب السعودي يف القرن الرابع عشر اهلجري ، ألنه ذا القول يلغي اآلثار السعودية األوىل والثانية ، ومن بـني الشعرية الغزيرة اليت صاحبت قضايا اتمع يف الدولة

تلك املوضوعات موقف شعراء الدعوة السلفية اليت شرقت وغربت يف القرن الثالث عشـر اهلجري كما هي يف أشعار األنصار واخلصوم وغري ذلك من مهوم اتمع السعودي ، ومـا

القـاهرة ، مكتبـة اخلـاجني ، ( ١إبـراهيم الفـوزان ، ط : األدب احلجازي احلديث بني التقليد والتجديد ) ١(

١/٢٦٨) هـ ١٤٠١لرياض ، مطابع ا( ١عبد اهللا احلامد ، ط) : هـ ١٣٥٠_ هـ ١١٥٠( الشعر يف اجلزيرة العربية خالل قرنني ) ٢(

٨١ص) هـ ١٤٠٢اإلشعاع ، ) املؤثرات الفنية يف الشعر السعودي احلديث ( حبث خمطوط للدكتور حسن اهلوميل بعنوان ) ٣(

Page 13: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

أثناء مدها وجزرها رصده الشعراء من األفراح واألتراح يف جمتمعهم يف سائر البالد السعوديةهـ ، حيث شكل تيار اإلصالح اإلسالمي الذي طبقه ونشره ١١٧٥منذ قيامها الفاعل سنة

حكام هذه البالد الروح اجلديدة اليت سرت يف جسد األمة العربية وشكل مع التيار العـاملي .ريب يف األدب الع ةاحلديث النهضةهـ البداية احلقيقية لقيام ١٢١٣القادم من الغرب سنة

واستطاع الشعر (( انشط الشعر وهب الشعراء ملناصرة الدعوة وشرح أفكارهوقد واستطاع أن يكسر اجلمود ، ويتخذ مناحي كثرية .. يف جند بواسطتها أن يشب عن الطوق

ومل يكن ذلك مقصورا على شعراء وسـط )١()) من االجتاهات فتفجرت مواهب الشعراء د احلفظي اليت نظمها يف مدح اإلمام وشرح أفكار دعوتـه اجلزيرة ، ومن ذلك أرجوزة أمح

: وبيان نبلها ، ومطلعها )٢( احلنبلي األثري األمحدي شيخ اهلدى حممد احملمدي

كما وجدت قصائد املناقضات اليت كان يرد ا شعراء الدعوة على املناوئني واألعداء م أو االستهانة بدعوته ، فهـي ، وكان أغلب تلك القصائد ردا على قصائد يف سب اإلما

بالتايل شبيهة بالنقائض املوجودة يف تاريخ األدب العريب على مر عصوره السابقة ، وكـان . وغريهم .. من أبرز شعرائها حسني بن غنام وأمحد بن مشرف وسليمان بن سحمان

وكذلك ازدهر املديح حلاجة الدعوة إليه فأنشأ الشعراء القصائد يف مـدح اإلمـام . م وأشادوا ا اورجال الدعوة من آل سعود كما وصفوا معاركهم وفتوح

وكذلك رثى الشعراء موتاهم الذين سقطوا يف ميدان الشرف والكرامة وأرخصـوا .نفوسهم يف سبيل إعالء كلمة الدين وردع البغاة واملعتدين

ن يقال ليس من املمكن أ ((: يقول طه حسني متحدثا عن أولئك الشعراء وشعرهم إم جددوا يف الشعر وأحدثوا فيه ما مل يكن ؛ ولكنهم على كل حـال عـادوا بـه إىل األسلوب القدمي وأمسعونا يف القرن الثاين عشر والثالث عشر يف لغة عربية فصيحة هذه النغمة العربية احللوة اليت مل تكن تسمع من قبل ، هذه النغمة اليت ال يقلد صاحبها فيها أهل احلضر

٢٦شعراء مرحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية ، إبراهيم الفوزان ، ص) ١( ٢٧املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 14: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

زة وطمـوح عال يتكلف فيها البديع ، وإمنا يبعثها حرة وحيملها كل ما جتيش به نفسه من و )١( ))إىل املثل األعلى ورغبة قوية يف إحياء اد القدمي

وعند تتبع أغراض الشعر جند الرثاء والبكاء قد نال نصيبا كبريا من إبداع الشـعراء ف ، ولعل مرد ذلك إىل ما القته الدعوة وإن قل كما عن األغراض األخرى كاملدح والوص

من االضطهاد املتكرر الذي يصل إىل قمته يف مثل نكبة الدرعية ويستمر إىل أدىن من ذلـك يف احلروب واملعارك وما حيدث فيها بني األنصار واخلصوم ، ويدعم هذا التعليل غلبة الرثاء

وهلذا جند أغلب الرثاء يف األئمـة يف إقليم جند وما حوله ، مركز الدعوة وبؤرة انطالقها ، واألصدقاء فهـو ربايف نكبة الدرعية ، أما رثاء األقالعلماء والقادة واألمراء ، وما حدث

وشبيه بإقليم جند يف ذلك كل من األحساء واجلنوب ، وإن كانـت األوىل ، أقل من ذلك ، أما احلجـاز )٢(مة يقل فيها غرض الرثاء ، ولعل ذلك كان ذا صلة بلني العيش وتوفر النع

فإنه أقل األقاليم رثاء ولعل ذلك بسبب وجود احلرمني وما كانت تعيشـه املنطقـة مـن .االستقرار

ومن امللفت للنظر كثرة الرثاء لدى شعراء القطيف ؛ وذلك لنظرية األمل الشيعي ممـا )٣(زيرة العربيـة دفع بعض الباحثني إىل املبالغة والقول بأنه يعدل ما قيل يف مجيع أقاليم اجل

األخرى ؛ وهذا القول حيتاج إىل مزيد تأمل ومتحيص حيث إن أغلب ذلك ليس رثاء واقعيا يندرج حتت مفهوم الرثاء يف املصطلح األديب ، ولكنه من توظيف واستلهام التاريخ املاضي ،

.احلسني بن علي ـ رضي اهللا عنه ـ وجعفر وزيد وغريهم كبيت الإذ أن أغلبه يف آل : رثاء العلماء _ ١قد كان أكثر رثاء الشعراء يف العلماء على خالف ما جنـده يف املراحـل األدبيـة ل

هذا من آثار الدعوة اإلصالحية ، ومن واألخرى ؛ حيث يكون رثاء األمراء والقادة أكثر ،

. ٤٦، ص) م ١٩٥٨القاهرة ، دار املعارف ، ( سني ، طه ح: ألوان ) ١( ) ٤٥٣عبد اهللا احلامد ص: الشعر يف اجلزيرة خالل قرنني ( انظر ) ٢( ) ٣٢٧عبد اهللا احلامد ص: الشعر يف اجلزيرة خالل قرنني ( انظر ) ٣(

Page 15: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ـ ؤرخ أبرز العلماء املرثيني اإلمام حممد بن عبد الوهاب ومن هذا الرثاء ما قاله الشـاعر امل : حسني بن غنام

وليس إىل غري املهيمن مفـزع إىل اهللا يف كشف الشدائد نفـزع )١(فسالت دماء يف اخلدور وأدمع لقد كسفت مشس املعارف واهلدى

وأول ما نالحظه يف هذه املرثية مقدمتها املوضوعية اليت تناسب موضوعها ، وهـذا وعدم وقوعه يف حماكاة منهج القصيدة القدمية ، يدل على حترر الشاعر من التقليدية واإلتباع

والقصيدة وإن غلبت عليها التقريرية واألسلوب اخلطايب إال أا ال ختلو من بعض الصـور : اجلميلة كقوله

وأمسى حمياها يضيء ويلمع اء يبسم ثغرها حفأضحت به السم )٢( وحق هلا باألملعي الترفــع ارهاـبه جند ذيول افتخ وجرت

والسمحاء هي الشريعة احملمدية وهو توظيف للقول املشهور على ألسـنة اخلطبـاء )٣() الشريعة السمحاء (

وال جند يف القصيدة ما يصور حال الشاعر أو ينقل معاناته اليت كان من املفترض أن غنام ، حسني بن تكون بارزة إزاء وفاة إمام الدعوة ومؤسسها وشيخ شاعرنا العامل املؤرخ

ل إن القصيدة مجيعها تدور يف متجيد اإلمام وتعداد مناقبه وفضائله وال يعين ذلك انتقـاص بشأن القصيدة يف أسلوا أو عناصرها الفنية األخرى، بل إن من تناوهلا بالبحث والتحليل قد

إحدى روائع الرثـاء يف ((أشاد ا وأعلى من شأا كقول الدكتور إبراهيم الفوزان عنها .مث إن الرثاء يف أصله مدح للميت )٤( ))احلديث العصر

ومن رثاء العلماء ما قاله الشاعر حسن بن أمحد الضمدي يف الشيخ أمحد بن حممـد : بن إدريس ومطلع مرثيته

١٤٠ص شعراء مرحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية ، إبراهيم الفوزان ،) ١( . املصدر السابق ) ٢(الرياض ، ( ١طالتحرير األديب حلسني علي حممد ، : انظر )) سمحة الالشريعة (( هذا التعبري خاطئ والصواب ) ٣(

٣٦ص، ) هـ ١٤١٧مكتبة العبيكان ، ١٤٠شعراء مرحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية ، إبراهيم الفوزان ، ص) ٤(

Page 16: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

مستعطفا مربعا بالرقمتني عفى البني أن يقـفا املتيم بعدجهد نفك منعطفا القلب ال يفنحوها احلبيـب اأكرم ا بقعة حل

ومدمع عنده واجلفن قد وكفـا كيف السلو ويل عني مسهـدة )١(ال يشتكي الوجد إال من له عرفا فال تلمين إذا ذاب الفؤاد أسى

ويستمر الشاعر ذه املقدمة طويال لتصل إىل ما يقارب مخسة عشر بيتا من قصيدته د ال تناسب الرثاء كمناسبتها للغـزل أو ، وهذه املقدمة التقليدية اليت ترتع مرتعا وجدانيا ق

املدح أو الوصف أو غري ذلك ، وهلذا جند أغلب مطالع املراثي على مر تارخينا األديب تكون مناسبة للرثاء فتأيت يف املصيبة الكبرية واحلادث اجللل ، أو يف الفناء وعدم اخللـود ، أو مـا

ظف هذه املقدمة الوجدانية ويستغلها كان حول ذلك ، غري أن الشاعر املبدع يستطيع أن يووما يسببه من ) الفراق ( استغالال مناسبا ، كما فعل الضمدي هنا حيث جعل حمور املقدمة

اللوعة واألشجان ، ومل يسترسل يف اللغة الغرامية أو الغزلية ولكنه كثف لغة حزينة باكيـة مشاع بني ))الفراق ((ا املعىن حتمل اهلم والشوق والعناء النفسي بعد الغيبة والفراق ، وهذ

الرثاء والغزل بل إنه يف األول آكد لكونه حقيقة وواقعا على حني أنه قد يكون يف الثـاين . خياال وتومها

درك السر يف كثافة املقدمات الوجدانية التقليدية عند شعراء املدائح النبوية يومن هنا فكرة رثائية وجزءا من الرثاء يف شعرنا القدمي اليت وإن صارت فنا مستقال إال أا يف األساس

واحلديث ، وبعد مقدمة الشاعر الطويلة خيلص إىل متجيد املرثي والثناء عليه وأنه نال احلـظ : األوفر يف العلم واإلميان مضمنا ذلك شيئا من النمط الوعظي والنصح ومنها

شـفااألواه أي ما فيه للمهتدي يبدي لنا من معاين قول خالقنا نابه الصحــفافيما تفتش فال فيض من اخلالق أعطيهفذاك

)٢( املصطفى وكفى يقول ما وحسبنا أحىي لنا سنة املختار من مضر

٢/٨٢٣، ) هـ ١٤١٣جازان ، نادي جازان األديب ، ( ، ١حممد العقيلي ، ط: التاريخ األديب ملنطقة جازان ) ١( ٢/٨٢٤املصدر السابق ، ) ٢(

Page 17: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ومن روائع رثاء العلماء ما قاله شاعر الدعوة السلفية الشيخ سليمان بن سحمان يف : هـ ١٢٣٩رثاء شيخه عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل الشيخ سنة

احلزن ثاوياونا من نوتظهر مك تذكرت والذكرى يج البواكيا وبالعلم يزهو ربع تلك الروابيا معاهد كانت باهلدى مستنيـرة

فيها رواسياوأطواد شرع اهللا أراضيها بالعلم والدين قد زهت )١( الروازيـا اهلمومعلينا بأنواع أطبقـت مث برهةإال كانفما

اعر قصيدته ذه املقدمة القوية اليت يتبادر إىل أذهان من يسمعها أنه قد وقد صدر الشحدثت مصيبة كبرية أتت على كل شيء ومل تبق بعدها ذكرا وال أثرا ، فيستخدم لغة اجلمع

البواكي ، معاهد ، الروايب ، أراضيها ، رواسي ، أطـواد ، اهلجـوم ، ( للتعظيم ملا حدث ليس باكيا واحدا ولكنه مجع كبري من البـواكي ، واألمـاكن فاحلزين املتذكر) الروازي

. إخل .. املفتقدة املتأثرة ليس معهدا ولكنها مجع من املعاهد ومجع من األراضي إن الشاعر يدرك أنه ال يرثي عاملا جيد يف غريه العزاء واأللفة ، ولكنه يرثي مرجـع

اإلدراك أن الفقيد شيخ شاعرنا وأستاذه العلماء ورئيس القضاء ، كما يزيد من االنفعال ذاالقريب من نفسه واخلليص إىل روحه ، مث ميضي الشاعر بعد مقدمته السـابقة إىل تعـداد فضائل املرثي وبيان مرتلته العلمية واالجتماعية ، وما كان له مـن دور يف ردع املنكـرات

: والرد على الطغاة واألعداء إمام هدى قد كان هللا داعيـا فعبد اللطيف احلرب أوحد عصره

)٢( بنته عداة الدين من كل طاغيا تصدى لرد املنكرات وهد مـاويستمر يف ذلك ليصل إىل تعزية املسلمني والدعاء له ، فكـأن التمجيـد السـابق

: والفضائل املذكورة موجبة للتعزية والدعاء لتنسبك القصيدة يف وحدة شعورية متتابعة كل غادياسحب العفو من لوهطا وابل الرضى سقى اهللا رمسا حله

وأحلقه بالصاحلني املهــاديـــا فضال ورمحةوأسكنه الفردوس

٤٩٤، ص) الرياض ، مطابع مؤسسة الدعوة اإلسالمية ( سليمان بن سحمان ، : عقود اجلواهر املنضدة احلسان ) ١( . املصدر السابق ) ٢(

Page 18: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

)١( ماضــيـامضى لسبيل كلنا فيه فيا معشر اإلخوان صربا فإمنـاأما رائد الشعر السعودي احلديث حممد بن عبد اهللا بن عثيمني فنجد له قصيدتني يف

يف الشيخ عبد اهللا بن عبد اللطيف آل الشيخ مفيت الديار النجدية املتوىف رثاء العلماء ، األوىل : هـ ، ومطلع القصيدة ١٣٣٩سنة

فما مياثله خطب وإن عظــما العيون دما فلتبكملثل هذا اخلطب واـدما اد سنامفاآلن جب كانت مصائبنا من قبله جلـــال

العفو يهمي وبلها دميا من واسع سحبسقى ثرى حله شيخ اهلدى )٢( باهللا معتصـماطريقة املصطفى األخالق متبـعاشيخ مضى طاهر

: مث يذكر مآثر وأعمال الشيخ معظما من شأنه ومكربا من أثره والعلم والفضل واإلحسان والكرما نعى إلينا العال والرب مصــرعه

)٣( مـاعل فيهمعلى الرجال فأضحى تفضلههذي اخلصال اليت كانت وجيعل بعد ذلك ما تبقى من قصيدته يف احلكمة واليت يهدف من ورائها إىل النصـح

: واإلرشاد البد يلقى الفىت من مسها أملـــا إن احلياة وإن طال السـرور ا زادا فما أحلق الباقي مبـــن قدما فخذ لنقلتك اآليت املصــري هلا

)٤( قد بكى أو شق أو لطمان تدري مب يبكى عليك والالبد من ساعة وعند تتابع العطاء األديب جند عددا كبريا من قصائد الرثاء يف رثاء الشيخ حممد بـن عبد الوهاب وأبنائه وأحفاده من العلماء الذين واصلوا ج الشيخ وساروا على طريقتـه يف

ـ ن الشـرك نشر الدعوة وحماربة البدع واملنكرات واحلفاظ على صفاء العقيدة وخلوها م . واالحنراف

٤٩٥، ص) الرياض ، مطابع مؤسسة الدعوة اإلسالمية ( سليمان بن سحمان ، : عقود اجلواهر املنضدة احلسان ) ١( ٤٦١،ص) هـ ١٤٠٠الرياض ، مطابع اهلالل ، ( ، ٣حممد بن عثيمني ، ط: العقد الثمني ) ٢( . املصدر السابق ) ٣( ٤٦٣املصدر السابق ، ص) ٤(

Page 19: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

وإذا كانت أسرة آل الشيخ يف جند قد حظيت بنصيب كبري من الرثاء ملا هلـا مـن آل ( و) آل مبـارك ( مكانة علمية ولكثرة العلماء فيها ، فإننا جند يف األحسـاء أسـرة

يف عسري وقد حاز كل من األسرتني مكانة علمية مرموقة وتوارث أبناؤمها العلـم ) حفظي يم ، كما وجد فيهما عدد من العلماء الذين رثاهم الشعراء ، ومن أولئـك العلمـاء والتعل

الشيخ عبد اهللا بن الشيخ عبد اللطيف آل مبارك ، الذي رثاه عدد من الشعراء ومن ذلك ما :قاله الشاعر عبد اهللا بن علي آل عبد القادر ، ومطلعها

وال دار العلم ال أهلفأصبح من ديار العلم آثارلقد عفت ديار والدار احلمى كابذ فما العلم ال تفدوايا زائرين ديار

)١( مشمر من حداة البني سيـار ترحل القوم عنها واستمر م ذه العاطفة احلزينة الباكية بدأ الشاعر قصيدته ، فاملرثي مبوته وفقده ذهب وفقـد

رثاء الشخصية إىل رثاء معان عامة ، العلم ، وال شك أا بداية قوية يتحول الشاعر فيها من، ولكن املفقود العلم .. كان املرثي رمزا هلا ، فهو ال يريد أن يقول فقد العامل الكبري اجلهبذ

أهل األحساء هذه القصيدة مرثيـة يسمي(( لتكون الداللة آكد والتأثري أعم وأمشل ، وهلذا وتبلغ حالته قمة التأمل ليصبح فاقدا مجيـع ، مث تزداد لوعة الشاعر وإحساسه بالفقد ))العلم ، وترفع حدة القلق واالضطراب حىت يفقد العـوي ) فما بذاك احلمى والدار ديار ( اخللق

: بواقعه الزماين واملكاين ال الشمس مشس وال األقمار أقمار ماء عليهم وهي كاسفة ستبكي ال

)٢(الوجد إعصـار فري يعلو هلا من ز مرزأة ثكلىبعدهم منواألرض فيجرد مظاهر الكون الطبيعية وجيعلها متأثرة باكية معه ، ليجسد بالتايل رؤيته القائمة على تغري وتأثر كل شيء بعد موت املرثي إعظاما وإكبارا لذلك الفقد ويتجه بعد املقدمـة

: لك إىل بيان مرتلة الشيخ وتفوقه العلمي ؛ وقدرته على الرد واملناظرة وما إىل ذ له الصدارة إن القته أحبــار له اإلمارة يف أهل اللسان كـما

٢٧٥ص ) هـ ١٤٠١دار العلوم للطباعة والنشر ، ( عبد الفتاح احللو ، : ر شعراء هج) ١( املصدر السابق ) ٢(

Page 20: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

تيـارجم الدراري بعيد القعر مشارعه جفتالعلم قد حبر من قرآن وأخبـــارإال هلا منه املدارس ال يؤتى مبسـألةفخر

ــاروهو باخلريات أممهومه االس عن زين االس مسالة )١( بعده يف الناس إسفارفهل لكم السبق أولكم آل املبارك حاز

ويف البيت األخري جنده يتجه إىل أسرة الشاعر ـ املعروفة بالعلم ـ ليحثها ويسـتثري مهة أبنائها يف مواصلة احلرص على العلم وحفظه وعدم إضاعته يف أبيات كثرية ليصل بعـد

. _ يه وسلم صلى اهللا عل_ ذلك إىل ختام قصيدته بالصالة على النيب

٢٧٦ص ) هـ ١٤٠١دار العلوم للطباعة والنشر ، ( عبد الفتاح احللو ، : شعراء هجر ) ١(

Page 21: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

: رثاء األمراء _ ٢ويلي رثاء العلماء يف احلضور وال خيتلف عنه كثريا يف األسلوب ومن روائع ذلـك

: أمحد بن علي بن مشرف يف اإلمام فيصل بن تركي ) الكبري ( الرثاء ما قاله الشاعر بكينا بدمع مثل صوب الغمائم على فيصل حبر الندى واملكـارم

بسمر القنا واملرهفات الصورام الضاللة واخلــنا إمام نفى أهل )١(منهم يف املالحم رؤوسا وأفىن صائال جاء هلم مجعفكم فل من

ومجيع القصيدة تستمر يف هذا الثناء واإلطراء من شأن اإلمام ؛ وال ند فيها ما يصور ألمري عبـد اهللا بـن حزن الشاعر أو عظم املصيبة ، مث ينتقل بعد ذلك إىل الثناء على خلفه ا

: فيصل ، وكأن يف ذلك العزاء والتسلية حيث يقول وإال ستسلو مثل سلو البهائم فال جزع مما قضى اهللا فاصطرب )٢( حازمباإلمـامة خليقلنجل فلما توىل خلف امللك بعـده

ويف قصيدة أخرى قاهلا ابن مشرف بعد وفاة اإلمام فيصل وسـلك فيهـا مسـلك .ابقة حيث ذكر مشائل ومناقب اإلمام فيصل مث انتقل إىل الثناء على ابنه عبد اهللا قصيدته الس

لذي أدب حظ فماذا حتاوله فيصــلوقائلة أقصرفما بعد غيبته جنـادلهموارى بقرب أترغب يف نظم القيض وجسمه

)٣( ومشائله أخالقه زكت لنجل اد املؤثل والندى ثورفقد ري من الثناء والتمجيد لإلمام فيصل بن تركي وابنه عبد اهللا ، ومن ويف القصيدة الكث

املؤسف جدا أننا ال جند هلذا الشاعر الكبري غري ذلك يف الرثاء ، سوى ماذكره عرضـا يف .نكبة الدرعية وما فعله ا جيش إبراهيم باشا

األخرى قد شعره يف األغراض لفت النقاد عدم إجادته فيه مع أنومع قلة رثائه فقد تألق ومسا به ، والشاعر فيما يبدو جييد من أغراض الشعر ما يتصل بالقوة ولذلك جييـد يف

٩٧، ص) ت .د( ، ) الرياض ، دار الشبل للنشر والتوزيع ( ، ١ط: ديوان ابن مشرف ) ١( ٩٨املصدر السابق ، ص) ٢( ٨٨املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 22: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

املدح ووصف الفتوح واملعارك ، وحيسن التحريض ، لكن زنده يكل يف الرثـاء ، فهـو ال حيسن الرثاء ، مات فيصل بن تركي الذي مدحه الشاعر بأكثر من ثالثني قصيدة فلم يستطع

فيه غري أحد عشر بيتا ، ليس فيها روح احلزن أو البكاء ، يقول ابن حسني يف هذه أن يقولونستطيع أن نقول أن ابن مشرف مل ينفعل باحلدث ومل تستجب له مشـاعره ((القصيدة

: وإحساساته ، األمر الذي أملى عليه فيها مثل قوله فأضحت كمثل الدر يف سلك ناظم ةفدونك أبياتا حوت كل مدح

، )١())هذه القصيدة من خصائص الرثاء سوى املطلع ، على ضعف فيه يفومل يتضح هـ ووفاة ١٢٨٢غري أن مما ال ينبغي الغفلة عنه أن وفاة اإلمام فيصل بن تركي كانت عام

ابن مشرف أثناء وفاة اإلمام وفقـده هـ ، فلعل لكرب سن١٢٨٥كانت عام ابن مشرفعريته عموما وسبب يف عدم اكتراثه أو تألق رثائـه يف بصره آخر حياته أثر على مخول شا

. اإلمام فيصل بن تركي ومن رثاء األمراء ما قاله احلسن بن أمحد الضمدي يف رثاء األمري علي بـن حيـدر

: ومطلع قصيدته شديد ليس ترتجر للهو تسعى حىت مىت لعظيم الذنب حتتـقر )٢( كفى دائما سقرجتزى اجلنان وت وما سعيت لطاعات اإلله لكي

وذه املقدمة الوعظية املليئة بالنصح واإلرشاد والتذكري باملوت وعدم الغفلة إىل الدنيا أثر ذلك بثلث قصيدته تقريبا لـيخلص بعـده إىل توالركون إليها يستمر الشاعر حىت يسـ

: مدح املرثي واإلشادة به حضروا قد احلربسل عداه إذا يف ف فإنه األسد املقدام يوم وغى

)٣(فعندها ينفصح للمنطق اخلبــــر وقائعه يف كل ناحيةوسل

٢٠١حممد بن حسني ، ص: االلتزام اإلسالمي يف األدب ) ١( ٢/٨١٥حممد العقيلي ، : التاريخ األديب ملنطقة جازان ) ٢( ٢/٨١٦املصدر السابق ، ) ٣(

Page 23: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ويستمر يف مدحه بالشجاعة واإلقدام والفتك باألعداء لينتقل بعد ذلك إىل كرمـه : وجوده

من الدماء فال تبقــي وال تذر أروى القواضب منهم فهي ناهلة )١(الترب والدرر كم نيل باجلود منها مضاعــفة وكان غيثا عطاياه

وال جند يف القصيدة رثاء ذاتيا يصور حال نفس الشاعر وينقل آالمه وأحزانه ؛ كما أن املقدمة الوعظية الطويلة اليت عرجنا عليها آنفا أتت قبل رثاء امليت ، والعادة الغالبـة أن يكون الوعظ والنصح وما يدخل يف ذلك من احلكمة وخالصة التجارب يف آخر الرثـاء ، ولكن لعل الشاعر هنا كان جل اهتمامه النصح واإلرشاد واستغل مناسبة موت املرثي مـن أجل ذلك ؛ ويعضد هذا تقدم الوعظ والنصح وتفوق أبياته على باقي القصـيدة ، كمـا

. يعضده غياب تصوير أحزان الشاعر ومعاناته ثائه ما قالـه يف أما رائد الشعر السعودي احلديث حممد بن عثيمني فإننا جند أغلب ر

األمراء ومن ذلك قصيدتان يف رثاء حاكم قطر الشيخ قاسم بـن حممـد آل ثـاين سـنة : حيث يقول يف مطلعها .. نعرض إحدامها ،هـ ١٣٣١

على الناس إال مثل يوم التزاحم لعمرك ما يوم قضى فيه قاسم )٢( واملكــارمولكنه موت العال وحده ماتأجل إنه واهللا ما

صيبة كبرية جدا مبوت املرثي ، حىت إن احلدث يشبه يوم التزاحم ، ويؤكد ذلك فاملليـأيت بعـد ) ما مات وحده ( مث القسم ، مث النفي ) إنه ( مث ) أجل ( يف البيت الثاين بـ

ذلك بتعليل منطقي للتشبيه والقسم والتوكيد املتقدم، فموت املرثي موت للعال واملكـارم ، . )٣(جلميلة ، وسر مجاهلا يكمن يف قوة وجزالة املعىن التقليدية وهذا من املعاين ا

٢/٨١٦حممد العقيلي ، : التاريخ األديب ملنطقة جازان ) ١( ٤٥٦ديوان العقد الثمني ، ص )٢( .إذا كان الشاعر يقصد تشبيه موت املرثي بيوم القيامة فهذا ال جيوز ويعد خمالفة شرعية ) ٣(

Page 24: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ويستمر ابن عثيمني يف وصف حروب املرثي ، ولقائه لتلك احلروب من غري هيبة وال ذلة ، ومن مجيل ما تضمنته القصيدة اعتراف الشاعر بعطايا املرثي وما كان ينعم به عليـه

: ها وهذا من االعتراف ألهل الفضل وشكرهم علي تردد ما بني احلشا واحليــازم وهيجت يل يابن األكارم حسرة )١( أياديكم الاليت كصوب الغمائم فال حتسبين غافال أو مضيــعا

ويف قصيدته األخرى جند املعاين نفسها ، كما جند ذلك يف رثائه لإلمام عبد الرمحن لشبه كبري جدا بني مجيع مراثيه بن فيصل ـ رمحه اهللا ـ وعبد الرمحن بن قاسم آل ثاين ، فا

بل إن األلفاظ تتشابه يف الغالب إن مل تتماثل لوال اختالف طريقة ((اليت قاهلا يف األمراء ، نظم الكالم ، فقاسم بن ثاين والشيخ عبد اهللا واإلمام عبد الرمحن كل واحد منهم كافـل

مل ((إىل اجلزم بأن ابن عثـيمني وهذا ما دفع بعض الباحثني )٢( ).. )األيتام وذخرية األنام . وال يعطيها من األمهية واالعتناء ما يعطي املدح مثال )٣( )) يكن حيتفل بقصيدة الرثاء

: ـ رثاء األقارب واألصدقاء ٣وهو أوىل أنـواع ( يتميز رثاء األقارب واألصدقاء باحلرقة الشديدة واللوعة الصادقة

ولكننا جند )٤() لب الشاعر ، واملصيبة يف ذاته أو يف بيته الرثاء ذه التسمية ألن اجلرح يف قولعل من الغرابة مبكان أن نقول إن رثاء األسرة ( (هذا الرثاء قليال جدا يف تراثنا الشعري ،

واألصحاب مل يكن يف الشعر السعودي إال نزرا قليال ، وحنن نقف أمـام هـذه الظـاهرة )٥( ).. )حائرين

٤٥٦ديوان العقد الثمني ، ص) ١( ٨٩هـ ، ص١٤١٢، ١حممد بن حسني ، ط: حممد بن عبد اهللا بن عثيمني شعره ونثره ) ٢( ٢٦١ص) م.د(، ) م ١٩٧٨بريوت ، ( ، ٢بكري شيخ أمني ، ط: ة العربية السعودية احلركة األدبية يف اململك) ٣( ٢٦١املصدر السابق ، ص) ٤( ٢٦٤املصدر السابق ، ص) ٥(

Page 25: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ما قاله الشاعر عبد العزيز بن عبد اللطيف املبارك يف رثاء والده ، ومن الدرر النفيسةقد أنشد أروع قصيدة معاصرة يف الشعر املعاصر قاهلـا (: (وقد نعتها أحد الدارسني بقوله

: ومنها )١( ))ابن يف رثاء والده أضىن عليه يومه املتحـــــتم قد أخــاكأن أنباكيا بدر من

ثوب أسحم عليكومن الكسوف لفــراقه ادداحمـحىت غدوت )٢( أن احلداد على الرجـــال حمرم أجهلت أم نسيت من فرط اجلوى

وال ندري هل الكسوف الذي ذكره من باب التصوير اخليايل ، أم أنه حقيقة كونية ك أو وقعت بعد وفاة والده فاستغل ذلك ووظفه يف رثائه ، حيث إننا ال منلك ما يؤكد ذل

ينفيه ، ولكنه على أي من احلالني يدل على إبداع الشاعر وتفوقه البالغي ، حيث اجتـه إىل . خماطبة البدر والتحدث إليه ليجد يف إنارته وارتفاعه وبعده أيضا معادال موضوعيا لوالده

: كما جند يف قصيدته ما يصور شدة حزنه وأمله الشديد لفراق والده فمن األسى واحلزن قدرك أفخم عن العزا إن كان قد جل املصاب

ربا كرميا جاره ال يهضـــم أبيت ليهنك أن غدوت جمــاورا والصرب قل وأنت منا أرحــم يا رب إن األمر جل كمـا ترى

)٣(صربا مجيال فهو نعم املرهــم أفرغ على قليب احلزين من اجلوى فلما يعيشها الشاعر جراء فقد والده ، واألبيات تعكس حالة االضطراب والفزع اليت

، وكما .. ) والصرب قل : ( جنده بعد ذلك قائال ) فمن األسى واحلزن قدرك أفخم ( ل يق : تصور القصيدة حال الشاعر فإا تزخر بعدد من احلكم واألبيات الوعظية مثل

متأخر عنه وال متقـدم وإذا أتى املرء احلمام فما له )٤( والعمر بيد والقبور خميم مان مطيةوالزوالناس سفر

١٢١شعراء مرحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية ، إبراهيم الفوزان ، ص) ١( ٢٠٨عبد الفتاح احللو ، ص : شعراء هجر ) ٢( ٢٠٩املصدر السابق ، ص) ٣( املصدر السابق ) ٤(

Page 26: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

سفر ، بيد ، مطية ، ( ونشاهد كيف استمد الشاعر مصادر صورته من بيئته الطبيعية . يف تشبيهات بليغة نظمها يف تقسيم رائع ) خميم

، الـذي توفيـت تومن رثاء الزوجات ما قاله شاعر املدينة املنورة عبد احلق رفاق : مكة املكرمة زوجته على أثر سفره إىل

السود يف عضدي احلادثاتوفتت اليوم بدل صفو العيش بالنكد جلدي ذكرها ىأوه) املدينة ( من وافتين اليوم أنباء شقيت هلـا

)١( مفتــقدرزئت فيها بفقدي خري زينب ال أنسى فضائلها تفقدزوجته حياة ونلمس من األبيات عظيم حزن الشاعر مما يدل على أنه كان يعيش مع : زوجية هادئة ميلؤها احلب والوداد ، وقد أفصح عن شيء من ذلك يف مثل قوله

نفسي وقد منيت بذات الفقر يدي مطالبها ترهق ومل حقوقي ترعى )٢( ال ينفع الدمع نار احلزن والكمـد لو ينفع الدمع ثأري كنت أشربه

بهجة واملخزية ، فنقف على خطوة ويبدو أن الشاعر يسترسل مع املاضي بذكرياته امل : جديدة حياسب فيها الشاعر نفسه ويتحسر على بعض التصرفات السابقة ، وذلك يف قوله

أمرها للشر والنــكدملا انتهى لو عاجل العقل يف لطف قضيتها )٣( الصمدومن يعارض حكم الواحد له مردعن قضــاء ال لكنه

ينة وعدم السفر ا ، وكأنه يشعر أن ذلك تفريط منه فهو نادم على تركه هلا يف املد، مث ال يلبث أن يستشعر دور القضاء ، وأن لكل إنسان أجله ويومه ، فال جمال للنـدم أو

. اللوم : أما شاعر املدينة املنورة إبراهيم بن حسن األسكويب فإنه يقول يف رثاء أخيه حممد

وأمد يف أحزاين طيب الكرى أجفاين من أطار عليك جزعي حيلو من العيش السعيد اهلاين أخي ففقدت مايا فقدتكإين

١/٢٠٧إبراهيم الفوزان ، : األدب احلجازي احلديث بني التقليد والتجديد ) ١( املصدر السابق ) ٢( املصدر السابق ) ٣(

Page 27: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

)١( إذ كان لقياك الردى أراداين كنت املىن من قبل باعثة األسىالرثاء يف ذلك العصر ، وتكمن روعتها يف صدق العاطفة فيها وهي من أروع قصائد

: تها تألقا وجدانيا كقوله يف آخرها وسالسة األسلوب ، إضافة إىل نزعتها الذاتية اليت منح أشجاينالكرى عندوتزورين ويعودين يف كل يوم طيــفه

)٢( واترك لنفسي ثورة األحـزان بواسع رمحةطب ميتا واسعد والقصيدة تصور حزنا صادقا ولوعة كبرية وإحساسا بفراق األخ الذي يبـدو مـن

.الشاعر األسكويب النص أنه كان ذا مكانة خاصة وود منفرد لدىومن مجيل رثاء األصدقاء ما نظمه الشيخ عبد العزيز بن محد يف رثاء صديقه الشيخ عبد اهللا بن عبد اللطيف آل مبارك ، وقد ابتدأ رثاءه مبقدمة حتدث فيها عن الفناء والـبني ،

عد ذلك ينتقل وأن اإلنسان البد أن ميوت ، مث حذر من الركون إىل الدنيا والغفلة فيها ، مث ب : إىل عظم مصيبته بفقد املرثي

فترامت من أدمعي اجلمرات إن نار اهلوى بقليب شبــت وقريين فأين مين الثبــات بزين الدهر صاحيب بل شقيقي

)٣( للحازم األريب عظاتفيه غ شيء وفراق األقران أبلــلفريدة ، وما كان يتميز به مث ينتقل إىل تعداد حماسنه وبيان أخالقه الفاضلة ومشائله ا

وجند يف القصيدة أبياتا تنقل ما نسميه .. من العلم واألدب وتسلية األصدقاء وأنس الندماء حيث يصور االحتضار والتشييع والدفن بأسلوب قصصي مثري ، ينقل ) تسجيل احلالة ( بـ

:إلينا معاناة الشاعر وتتابع أمله إزاء تلك املواقف

ـه وال أا به فاجعـات ترزؤين فيـما حسبت األيام

التـراث ، املدينـة املنـورة ، دار ( ١حتقيق وتقدمي حممد اخلطراوي ، ط: ديوان إبراهيم بن حسن األسكويب ) ١(

١٧٤ص) هـ ١٤٠٩ ١٧٥حتقيق وتقدمي حممد اخلطراوي ، ص: ديوان إبراهيم بن حسن األسكويب ) ٢( ٣٧٦عبد الفتاح احللو ، ص : شعراء هجر ) ٣(

Page 28: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

البعد دونه النريات يف وهو إلينــااألكف من أدىن ظل غرقـــات مبائها واملآقي اب باحتســ جتهيزهوابتدرنا

أنـــات محله عند ولنا ومحلناه فوق نعش معــد ر وزانت تشييعه الدعوات ـ كـذوتبعناه بالتالوة والـ

صلــوات ربنا من وهي عليه الصــالةوعجلنا إىل آهـالته قبور من أهل ـ ليــر حواقب وسط ودفناه

)١( منسجمات العيون ودموع وانصرفنا ويف القلوب ضراموبعد هذا التيقن من فراق وابتعاد صاحبه ، والذي جسدته وأكدته تلـك املواقـف

لصالة عليه ، إتباع جنازتـه ، االحتضار ، التجهيز ، محله فوق النعش ، ا( احلزينة املتتابعة بعد هذا كله جند الشاعر يظل قريبا منه صاحبه ويظل ذاكرا له وحاضرا ) االنصراف مثدفنه

: قائال خيف ذهنه ليصر )٢( اتـغري ناء وإن دهاك املم يب ــيا حياة النفوس أنت بقل

ن املـوت فهو مل يرضخ للواقع أو يستسلم له ، ولن ينس ذلك الصديق على الرغم م . الفاتك

ويأيت بقية القصيدة بعد ذلك فيما يقارب عشرين بيتا جعلها يف الـوعظ والتـذكري والعزاء ، وقد اشتملت على حكم نفيسة ومواعظ مؤثرة ، وختمها بعد ذلك بالصالة على

. _ صلى اهللا عليه وسلم _ النيب : رثاء املدن والنكبات العامة _ ٤

ن يف الشعر السعودي سوف يتبادر إىل الذهن مباشرة نكبة عند التحدث عن رثاء املدهـ وسقوطها على أيدي األتراك وما حل بأهلها من القتل والتشـريد ١٢٣٣الدرعية سنة

واألسر ، ومما الشك فيه أنه سيوجد كم من األشعار يصور املأساة وجيسد أثرها ويرثي تلك .. املدينة الساقطة

٣٧٧عبد الفتاح احللو ، ص: شعراء هجر ) ١( املصدر السابق ) ٢(

Page 29: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

أهل الدرعية ونقل بعضهم إىل مصر أو الشام إضـافة غري أن ظروف املأساة وتشرد كل ذلك سيذهب بكثري من ذلك الرثاء وسيظل .. إىل عدم االلتفات إىل التدوين والتأريخ

ه لنا كتب التاريخ يف رثـاء الدرعيـة تحلقة مفقودة يف تارخينا األديب ، ومن أمجل ما حفظت على األلسن وبكت الكارثـة حـىت اشتهر ((قصيدة عبد العزيز بن محد املعمر واليت قد

:ومطلعها )١( )) أبكت الناس ، ونعتها ابن بشر بالقصيدة الطنانة )٢( وأدعوك يف الضراء ريب لتسمعا إليك إله العرش أشكو تضرعا

الشكوى ، ( وذا املطلع ندرك حمتوى قصيدة الشاعر وسريها يف جمالني متوازيني مها دارت حوله أبيات قصيدته فمن الشكوى ذكر ما فعلـه جـيش وهذا بالفعل ما ) والدعاء

: إبراهيم باشا من القتل والتدمري وب األموال وتشريد اآلمنني وركعـاهداة رضاة ساجدين فكم قتلوا من عصبة احلق فتية

األنيسة بلقعافقد تركوا الدار وكم دمروا من مربع كان آهال األيتام غرثى وجوعا وأصبحت فأصبحت األموال فيهم ائبا )٣( معــاوفرق إلفا كان جمتمعا وفر من األوطان من كان قاطنا

: فإننا جند فيه ) الدعاء ( أما اال اآلخر وجيبـر منـــا ما قد تصـــدعا عسى وعسى أن ينصر اهللا ديننا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٤( اوارفع الضرأصابت وصابت واكشف نا واكشف الشدة اليت أغثنا أغث

ومن الشعر الذي قيل يف رثاء الدرعية قصيدة للشاعر علي بن حسني بن الشيخ حممد : ابن عبد الوهاب ومن أبياا

على إثر أخرى أو تستهل بوابل أرى عربة غرباء تتبع أختــــها

١٥١د ، صعبد اهللا احلام: الشعر يف اجلزيرة خالل قرنني ) ١( ١٥١عبد اهللا احلامد ، ص: الشعر يف اجلزيرة خالل قرنني ) ٢( املصدر السابق ) ٣( املصدر السابق ) ٤(

Page 30: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ي واللحى لألماثل صلنواتشيب ا يج ذكرا لألمـــور اليت جرت. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . .

املؤمنني الغوافلوريعت قلوب وبثت عتاة الدين يف األرض نعيهم )١( وساداا يف عسكر وجحـافل وأقبل قادات الضاللة والــردى

خمصوصة يف ذلك كما أتى رثاء الدرعية عرضا يف قصائد بعض الشعراء اليت مل تكن : ، ومنهم أمحد بن مشرف حيث يقول

أم الفتنة الظلماء قد أقبلت تعدو أليل غشا الدنيا أم األفق مسود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . .

وجاسوا خالل الدار وانتثر العقد بأيدي غواة مفسدين لقد عثوا بعــدن قبل األمور ومن وهللا م قضاء من الرمحن جار حبكمـة

)٢( متيد الراسيات وتنهـدوكادت ذكرهـافآه هلا من وقعة طار ومن ظواهر الرثاء يف النكبات العامة رثاء املساجد ملا كان يصيبها من آثار السيول أو عوامل السقوط األخرى ، ويشري الدكتور عبد اهللا أبو داهش إىل كثرة ذلك يف شعر جنويب

وكان من أبرز ما يشري إىل مالمح التجدد يف شعر الرثاء (: (ودية آنذاك فيقول البالد السعخالل هذه الفترة ظاهرة بكاء املساجد ، وذلـك ألن املسـاجد تشـكل أهـم عنصـر

مث يورد قصيدة للشاعر أمحد بن حسن البهكلي يف بكاء املسجد اجلـامع )٣() ).. روحي يث عاتب الوادي ، مث بعد ذلك رد عليـه هـ ، ح١٢٣١بضمد حني اجتاحه السيل عام

: قائال اجلهــد وأدركهتصعد أنفاسا وملا وعى مين مقـال تعتــيب حققت عذرا لكم يبـدوأال رمبا ونادى بصوت مسمع ال خفا به

الرياض ، مطـابع ( ، ١إبراهيم الفوزان ، ط: مرحلة التقليد املتطور يف الشعر السعودي احلديث يف منطقة جند ) ١(

٧٢، ص) هـ ١٤١٨القصيم ٧٥ابن مشرف ، ص ديوان) ٢(أا ، نـادي أـا األديب ، ( ٢عبد اهللا أبو داهش ، ط. د: احلياة الفكرية واألدبية يف جنويب البالد السعودية ) ٣(

٣٣٩ص) هـ ١٤٠٦

Page 31: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

رشدله من به يهديما اللبمن فشأين ال خيفى علىكل من لـه )١( الفـرد الواحد مموالهسلطين ي ملالكي التصريف فيما علمتمـو

والقصيدة تسري يف سياقها الديين القائم على اإلميان بالقضـاء والقـدر ، وأن كل ما حيدث يف الكون حلكمة إهلية ال يعلمها اإلنسان ، فالشاعر حينمـا عاتـب الوادي أجاب على لسانه إجابة تزيل اامه باالعتراض على األقدار وسب الدهر أو

ذلك ممقوت يف الدين ، والستشعار الشاعر بـذلك وحـذره السيول ، ومعلوم أن . الديين كانت قصيدته على الطراز السابق بيانه

وهذا من آثار الدعوة اإلصالحية اليت وجهت الشعراء توجيها دينيا ملتزما يف . املوضوع والفن

وقد جاء رثاء وفري للعلم واألخالق والتقوى ومظاهر االلتزام الديين واخللقـي وهذا الرثاء وإن ورد غالبا عند رثاء العلماء أو األمراء إال أنه قد ينشأ فيه قصـائد ،

خمصوصة ، ومن ذلك ما فعله بن مشرف يف قصيدة طويلة أنشأها يف رثـاء العلـم : ومطلعها

جسم وال روح منه فينا يبقومل على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم ما قليل سوف ينطمس الرسموع دارس العلـمرسم من بقيولكن

)٢( اهلـم يصدعهأن لقلب نآو ادموعهـــ تسيلأن لعني نآفوالقصيدة تزيد على مائة بيت وفيها من احلث على العلم والترغيب يف طلبه والسفر من أجله الشيء الكثري ، كما أن الشاعر قد استطرد فيها إىل جزاء طالب العلم ومرتلتـه يف

وغري ذلك مـن .. االستطراد شيئا من وصف اجلنة والترغيب فيها اآلخرة ؛ وتضمن ذلك قصيدة يسميها أهل األحساء مرثية له معاين الدين والعقيدة األخرى ، وقد مر معنا سابقا أن

العلم ملا فيها من التركيز الشديد على رثاء العلم وإن كانت مناسبتها رثاء أحد العلمـاء ، . والدين واألخالق عند كثري من الشعراء وقد وجد حنو ذلك الرثاء للعلم

٣٣٩املصدر السابق ، ص) ١( ٣٣ديوان ابن مشرف ، ص) ٢(

Page 32: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

وأخريا فإننا بعد هذا االستعراض العاجل ملوضوعات الرثاء وحماولة الوقـوف علـى :كما يلي مناذج تلك املوضوعات نستطيع أن خنرج بعدد من النتائج العامة

حجم الرثاء يقل كما عن غرض املدح أو الوصف ، والدواوين املوجودة تثبت مثال يف ديوان ابن مشرف ال يتجاوز الرثاء ثالث قصائد على حني جند ذلك ، ف

له يف املدح ما يزيد على ثالثني قصيدة ، كما أن ديون ابن عثيمني ليس فيه إال سبع قصائد رثائية ويستأثر املديح والغزل واحلكمة ببقية الديوان ، كما نلمـس

، أما العطاء الشعري يف )شعراء هجر ( ذلك يف اموعات الشعرية مثل كتاب . احلجاز فيقل فيه الرثاء إن مل يكن أدىن األغراض حجما

أما بناء شعر الرثاء فنحن نعلم أن قصيدة الرثاء ال طراز حمدد هلا خبالف قصيدة املدح ، ومع ذلك فإننا جندها كما يف النماذج السابقة حتتوي علـى مقدمـة

بة ووقوع الكارثة وويـل املأسـاة تناسب املوضوع فتكون غالبا حول املصيبأسلوب بكائي حزين ، وقد يندر وجود املقدمات الغزلية ، اليت وإن كانت غري مناسبة يف جمال الرثاء إال أن التقليدية والتأثر بالتراث قد يوقع فيها بعض الشعراء

صح ، ويلي املقدمة تأبني املرثي وتعداد مناقبه وإبراز فضائله ، مث يعقب ذلك الن_ والتذكري وتعزية الناس واألهل وختام القصيدة بعد ذلك بالصالة على الـنيب

. _ صلى اهللا عليه وسلم

وهذا املنهج مع ما فيه من العمومية إال أنه ينسبك فيه أعظم ذلك الرثاء ، أما لغة ذلك الرثاء فتتميز بأا بسيطة وسهلة ؛ ال إغراب فيها وال خشـونة ،

. األلفاظ وسهولتها أنسب للرثاء وأجدر به ومعلوم أن يسرومن أبرز مسات ذلك الرثاء الروح الدينية اليت سادت مجيع ألفاظ ومعاين الرثاء ، فاأللفاظ

الدينية أثرية باخلروج ومتكررة الربوز يف مجيع ذلك الشكر ، أما املعاين فهـي مسـتلهمة ومصري البد منه ، وال جند من يذهب ومستمدة مما يوحي به الشرع ويأمر به ، فاملوت حق

إىل الدخول يف فلسفة املوت والتأمل فيه تأمال عقليا يستوحيه من ذاته القاصـرة ، ولكـن اجلميع يؤمنون به وبوقوعه ال حمالة وحسب ، وكذلك القضاء والقدر ، فكل شيء بقضاء

Page 33: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

ذلك الرثاء ، كمـا اهللا وال جيوز االعتراض على ما يقع وال التسخط منه ، وهذا ما تضمنه كما أن مباشرة الوعظ واإلرشاد والتوجيه .إخل .. أن الصرب وعدم اجلزع واجب عند املوت

إليه من املناسب جدا يف القصائد الرثائية وهذا التأثر طبعي جدا يف بلد ديين ينعم بربكات . دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب ـ رمحه اهللا ـ

Page 34: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

: ودي يف زمن الدراسة مصادر شعر الرثاء السع_ ٢تعد مادة الرثاء يف الشعر السعودي مادة واسعة وكثيفة ، وقد يكون من الصـعوبة مجعها أو إحصاؤها إحصاء دقيقا ، ولكن ذلك لن يقف عائقا عن إمكانية وجـود تقـدير تقرييب تتكشف من خالله قيم وخصائص هذه املادة ، وأول ما يعني علـى حتقيـق هـذه

مصادر ذلك الرثاء بوفرا ومبا حتتويه من تلك املادة ، وال نكـون مبـالغني اإلمكانية هي حينما نقول إن مجيع شعر الرثاء السعودي املعاصر قد احتوته تلك املصادر وأتـت علـى الغالبية الكاثرة منه ، وال ميكن ألي باحث أو مطلع على األدب السعودي أن يقـول بـأن

يدة املأخذ اللهم ما كان من بعض القصائد املخطوطـة الـيت الرثاء مادة صعبة التناول أو بعبقيت لدى أصحاا ألسباب شخصية أو ظروف خاصة ، وهي مع هذا قليلة جـدا ، ويف الغالب يسهل احلصول عليها عند االتصال بأصحاب تلك القصائد أو بذويهم إذا كانوا ممن

نشر واإلعداد ولكـن أصـحاا طوم األيام ، وغالب تلك القصائد املخطوطة يف طور الينتظرون اكتمال ما يريدون نشره وترجع أسباب هذا التوفر يف املصادر على مـا تشـهده

لمي ، فأغلب الشعراء قد نشـرت دواوينـهم ـ وفقها اهللا ـ من نشاط فكري وع بالدناالشعرية ، وكما وامتألت مكتبة األدب السعودي بكم زاخر من تلك الدواوين واموعات

يف الفكر والثقافة فإنه ـ أيضا ـ يدل على تفاعل احلركـة أن هذا مؤشر حضارة وتقدماألدبية وازدهارها يف املستويني اإلبداعي والنقدي ، فعالوة على الـدواوين واموعـات الشعرية هناك دراسات أدبية ونقدية قد عنيت بتتبع اإلبداع ودراسته ، ومن منـاذج تلـك

الشخصية اإلبداعية وتلمس مسات وخصـائص إبـداعها يف مجيـع الدراسات دراسة شعر . ااالت

: أقسام هي مخسةوتنقسم مصادر الرثاء يف الشعر السعودي إىل . أـ اموعات الشعرية . ب ـ الدواوين الشعرية

. ج ـ كتب التراجم . د ـ الصحف واالت

Page 35: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

.القصائد واملخطوطة _ هـ هذه األقسام املصنفة قد يأخذ طوال فارعا ويستهلك جزءا وألن إحصاء املصادر يف

في الباحث هنا يف عرض مناذج للتمثيل من تلك األقسام ، مع أمهية تكبريا من الدراسة فسيك . التنبيه على أن ثبت املصادر واملراجع قد احتوى جزءا كبريا من تلك املصادر

: أ ـ اموعات الشعرية سام هذه املصادر يف مستواه املوضوعي والفين ألن اموعات هذا القسم هو أدىن أق

الشعرية جتمع غالبا دف اجلمع ال غري ، وال يسعى اجلامع إىل التمييز يف جمموعته بقدر ما يسعى إىل الكمية أو اكتمال النصاب ، ولذا فقد احتوى بعض تلك اموعات على شـيء

: فنيا ، ومن أبرز اموعات الرثائية ما يلي من الشعر الردئ أو غري املتميز مجاليا و .ـ الثالثاء احلزين ، مجع عبد العزيز أمحد شكري ١ . ـ آالم وآمال ، مجع عبد العزيز األحيدب ٢

.صل ، مرثيات دموع وآالم ، مجع على احلمد الصفراين يـ إىل جنة اخللد ف ٣

إبراهيم آل الشـيخ ، ـ ديوان الرثاء يف فقيد األمة وحرب اجليل الشيخ حممد بن ٤ . مجع وترتيب إمساعيل العتيق

. ـ عيون املراثي البازية ، مجع وترتيب سليمان العثيم وفهد اجلوعي ٥

. ـ ابن عثيمني اإلمام الزاهد مجع وترتيب ناصر الزهراين ٦

: ب ـ الدواوين الشعرية تصرا عليه ، وتنقسم تلك الدواوين إىل نوعني ، أوهلما ما كان خاصا بالرثاء ومق

: وهذا النوع من أهم مصادر الرثاء السعودي ومن مناذجه ما يلي ـ يا فدى ناظريك للدكتور غازي القصييب ١ . ـ أعشاش املالئكة للشاعر جاسم الصحيح ٢ . ـ ريشة من جناح الذل للشاعر حسن الزهراين ٣ . ـ ما مل تقله اخلنساء للشاعر عبد اهللا احلميد ٤

Page 36: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

الثاين فهو الدواوين اليت كان الرثاء جزءا من مادا ، ويف هذا النـوع أما النوعختتلف كمية مادة الرثاء من ديوان آلخر ومن شاعر آلخر ، وهذا النوع جيمـع مـادة كبرية من الرثاء السعودي ، بل إنه يفوق يف مادته حىت ما احتوت عليـه اموعـات

خصيات حمدودة من املرثيني يف الشـعر الشعرية ألن اموعات كانت مقصورة على شالسعودي ، كما أن تلك اموعات قد خلت متاما من رثاء األقـارب واألصـدقاء ،

أن هذا النوع أكثر مصادر الرثاء ألنه يشمل أغلب دواوين الشعر السـعودي ، فالواقع فمن النادر أن يوجد ديوان شعري ال حيتوي على شيء من الرثاء ، ومن أبرز منـاذج

: تلك الدواوين ما يلي . ـ على رىب اليمامة لعبد اهللا بن مخيس ١ . ـ أصداء وأنداء حملمد بن سعد بن حسني ٢ . ـ اموعة الكاملة حملمد هاشم رشيد ٣ . ـ ترانيم الليل حملمود عارف ٤

. وهذه النماذج للتمثيل فقط ألن اإلحصاء واالستقصاء يصعب يف هذا الباب : راجم ، ومن أمثلتها ج ـ كتب الت

._رمحه اهللا_ ـ علماء جند خالل مثانية قرون لسماحة الشيخ عبد اهللا البسام ١ . ـ أعالم احلجاز حملمد علي مغريب ٢ . ـ شعراء من جزيرة العرب لعبد اهللا بن سامل احلميد ٣وحمبيه ، مجع وإخـراج يز ، يف ذاكرة معارفهـ فهد بن سلمان بن عبد العز٤

. بن عبد اهللا الفركز ناصر . ـ شعراء من جزيرة العرب لعبد اهللا بن سامل احلميد ٥

: الصحف واالت _ د ويقع يف هذا القسم كثري من قصائد الرثاء قبل ضمها إىل أحد املصادر األخرى كاموعات والدواوين ، كما أنه قد يضم قصائد لشعراء ليس هلم دواوين مطبوعة أو

: م خمطوطا ، ومن مناذج هذا القسم ما يلي ال يزال شعره

Page 37: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

جملة الدعوة _ ١ جملة املنهل _ ٢ صحيفة الرياض _ ٣ صحيفة اجلزيرة _ ٤ . وغري ذلك .... صحيفة البالد _ ٥

. ـ املخطوطات هـوهذا القسم ـ كما سبق ـ لن تكون له قيمة توثيقية أو موضـوعية عاليـة ،

ال يكون حظها النشر واإلخراج غالبا ما تكون متدنية حيث إن القصائد املخطوطة اليتاملستوى الفين ألا لشعراء غري متألقني يف جتربتهم اإلبداعية ، أمـا قصـائد املتـألقني

ر بقاؤها خمطوطة يف عصر ازدهار الطباعة والنشر وتعـدد قنـوات دوالبارزين فمن النانادرة الوجود ، ومـن منـاذج وجماالت اإلخراج ، ولذا فإن تلك القصائد املخطوطة

: ذلك . ـ رسالة عزاء للشاعرة مزنة املبارك ١ . سلمى للشاعر عبد الرمحن بن ماجد بن ربيعان رثاءـ ٢ . ـ رثاء والدي لعبد الرمحن بن ناصر الفهد ٣ . ـ قصيدة يف رثاء الذات للشاعر حجاب بن حنيت ٤ فيصل بن فهد بن عبد العزيز ـ قصيدة يف رثاء صاحب السمو امللكي األمري ٥

. للشاعر خالد احلزعان ويف ضوء االستقراء وتتبع هذه املصادر يتبني أن أمهها الدواوين مث اموعـات الشعرية ، يلي ذلك الصحف والدوريات فكتب التراجم ، مث أخريا القصائد املخطوطة ،

ـ ائد املوجـودة يف كما يلحظ عنصر التكرار يف هذه املصادر ، حيث إن أكثـر القصاموعات الرثائية موجودة كذلك يف دواوين الشعراء وكذلك احلال بالنسبة للصحف والتراجم ، وعلى هذا فإن األسلم واألوىل عند التوثيق الرجوع إىل دواوين الشعراء إال يف حال عدم توفرها أو يف حال كون تلك القصائد غري متوفرة يف الدواوين الشعرية ،

Page 38: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

� ا���

إال ألن الديوان سيكون ـ حتما ـ أكثر ضبطا وصحة يف نقل املادة ، وقل وما ذلك . أن يعتوره اخلطأ الطباعي أو التصحيفي قياسا على اموعات والصحف

Page 39: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

األبعاد املوضوعية : الباب األول

) البعد الديين ( الفصل األول

ـ التسليم والقبول ١

ـ النصح واالدكار٢

Page 40: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

البعد الديين أو الرؤية الدينية يف األدب العريب قد أصبحت مسة مسيطرة ومنـهجا إن مؤثرا منذ بعثة النيب صلى اهللا عليه وسلم ، فانتقل األدب إزاءها نقلة غريية وأصبح واقعـا خمتلفا يف موضوعه وأسلوبه ، فالدين قد أثر تأثريا بالغا فقيد وأطلق ، وعمـم وخصـص ،

مبادئه وشرائعه ، وبقي األدب على مر تارخيه متشبعا بتلك الـروح وأبعد وقرب من خاللالدينية ومتعايشا معها ، ومستال منها مهما تغري الزمن أو شط املكان ، ومهمـا تـدخلت

هما حاولت تلك التغريات واملؤثرات ماملؤثرات اجلارفة ، سياسية أو اقتصادية ، أو فكرية ، وة خاسئة ، وإن كان هلا من أثر أو دليل فإنه يبقى شذورا هذه السيطرة فإا ترتد حسري عنز

وإملاحات باهتة أمام ذلك العطاء الكبري ، لتبقى تلك احملاوالت مبثابة الشاهد املختبئ الـذي . تبحث عنه العيون فال تكاد تعرفه أو تراه

وليس أدل على ذلك مما وقع يف أدب املهاجر العربية ، حيث مل يسـتطع مبـدعوه نفالت من الرؤية اإلسالمية يف زمن االنبهار مبنجزات الغرب وأدم ، ويف منأى مكـاين اال

عـرب عن البيئة اإلسالمية ، لقد أصبح الدين اإلسالمي مذكرة األمة العربية وتراثها ايد ، مئات السنني ، كما أنه قضيتها ومهها احلاضر ، ويف الوقت نفسه هو مستقبلها املنشـود ،

صـور عالتراث الديين يف كـل ال ( ملنتظر ، فهو ملتقى غاياا وآماهلا وإذا علمنا أن وأملها ان مصادر اإلهلام الشعري ، حيث يستمد منه الشعراء مولدى كل األمم كان مصدرا سخيا

، وإذا علمنا ذلك بعموميته فإن للـدين اإلسـالمي )١() مناذج وموضوعات وصورا أدبية اخلصوصـية كانـت ونسخه لسابق األديان ، ومن تلـك بديةخصوصية أدق لقبوليته األ

. سيطرته التامة على األدب العريب على مر األزمان ة شاملة للشعر العريب وأثرها فيه متجليـا كتجلـي يوإذا كانت سيطرة الرؤية الدين

الشمس يف وضح النهار فإا يف الشعر السعودي سيكون هلا مزيد بروز وانكشاف ، ومـا بسبب بيئة هذا الشعر والعوامل املؤثرة فيه وعلى رأسها الدعوة السلفية اليت قام ا ذلك إال

الشيخ حممد بن عبد الوهاب ـ رمحه اهللا ـ فخلصت اتمع السعودي من مجيع شـوائب والباحث يف مؤثرات األدب السعودي بصفة عامة والشـعر ((العقيدة ومرتلقات الغواية ،

. ٧٥، ص) هـ ١٤١٧، دار الفكر العريب ، القاهرة ( علي عشري زايد ، : استدعاء الشخصيات التراثية ) ١(

Page 41: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

بأي حال من األحوال أن يغفل نزعة أصيلة تأصلت عند األدبـاء بصفة خاصة ال يستطيع ة اليت التـزم ـا الشـاعر يهذه الرتعة هي الرتعة الدين.. عامة ، والشعراء منهم خاصة ،

مث ( ، )١( ))السعودي ، والتزامه بينه وبني نفسه باالستحضار املستمر للمقتضى اإلسالمي كل مناسبة متسكهم بالعقيدة اإلسالمية ، ويعزون كـل إن أويل األمر يف اململكة يعلنون يف

املنجزات احلضارية اليت حتققت يف اململكة إىل التمسك ذا املنهج الرباين ، ويؤكدون على اعتبار الدين اإلسالمي ركيزة أساسية لكل مناهج التعليم ويف خمتلف مستوياته ، ويدعون إىل

.)٢(.. )جتمع املسلمني ووحدم دنا أن نبحث يف البعد الديين الغرض الشعري وما بينهما من عالقة التنافر لو أرو

والتقارب فسنجد الرثاء أكثر يؤا وأعظم استعدادا من بقية األغراض الشعرية ، كالغزل إخل ، وما ذلك إال ملا ينطوي عليه الرثاء من بواعث ومالبسات فهو .. واملدح أو الفخر

النفسية واالجتماعية ، كما أنه يبعث يف النفوس الصفاء الروحي يناقش قضية الفناء وآثارهاكفى باملوت ( والنقاء العاطفي ، وهو مناسبة للوعظ والتذكري وقد جاء يف احلديث النبوي

، كما أنه امتحان للبشر وحمك صادق يف قضية القضاء والقدر ، والتسليم والقبول ) واعظا ��� ����� �: ، وقد قال تعاىل � ��������� �������� ���� �

، وإذا أردنا )٤(.. ) إمنا الصرب عند الصدمة األوىل : ( كما قال صلى اهللا عليه وسلم )٣(الرثاء السعودي فإنه من املمكن بلورة هذه الرؤية الدينية يف يف دراسة هذا البعد الديين

: عاملني أساسيني مها .ـ التسليم والقبول ١ . واالدكار ـ النصح ٢

) الرتعة اإلسالمية يف الشعر السعودي املعاصر ( مقدمة الدكتور حسن بن فهد اهلوميل لكتابه : انظر ) ١(الرياض ، دار عبد العزيز آل حسني ( ، ١طلعت صبح السيد ، ط: التيارات الفنية يف الشعر السعودي احلديث ) ٢(

٥١، ص) هـ ١٤٢٠زيع ، للنشر والتو . ٣٠سورة الزمر آية ) ٣( ) هـ ١٤١٤دار اخلري ، ( ١، ط) ٩٢٦( صحيح مسلم يف اجلنائز برقم ) ٤(

Page 42: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

:التسليم والقبول -١لعل أول بوادر التسليم يف قصيدة الرثاء هو اليقني حبتمية املوت وأنه اية البد منها

افرت على ضوال حيلة للنفس اإلنسانية ا ، وهذا اليقني قد أقره املنطق والعقل السليم ، وتره أو اخلروج منه أي فكر أو نظام إثباته وإقراره مجيع األديان والنظريات ، ومل يستطع إنكا

منذ خلق اهللا اإلنسان وأوجده على هذه األرض لعمارا ، والسعي ا ، وقد أثبت الدين اإلسالمي هذه احلقيقة وأكدها ، بل إنه ركز عليها تركيزا استثماريا يف جمال الدعوة إىل

صبح اإلميان حبتمية املوت اإلميان واخلضوع هللا وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه ، ومن هنا أ .من أطروحات الدين ومستلزماته

وقد انطلق الشعراء حيال هذه القضية من عدة منطلقات ، فهذا أمحد الغزاوي يف : يقول ) فؤاد اخلطيب ( رثائه للشاعر

أجل يقول ماذا عسى جتديك مرثيـة ال يفتدي هو املوت، ما يف املوت واقية

اهللا منه ذو بطش بقوتــه مشيئة بــةـــي غالــي وهــمتض

؟ كـل !واملوت حق ولن يعدوك مرتغما يصـري إلـيه حيثما استهما وال ضعيف توارى وانطوى سقمـا على العباد

)١(مـا ـا حكــدوهم مبـــوحتنص يتضمن فإذا أخذنا باالعتبار النقد املعاصر وأطروحاته التحليلية القائلة بأن كل

دخال مفهوم القيمة على معجم شعري معني ، يكون هو احملدد هلوية كلمات شاهدة تقوم بإالنص ، وتدل الكلمات ـ الشاهدة ـ على شعور ورؤية فكرية حتدد انتماء الشخصية أو

.)٢(اختيارها األيديولوجي ، وذلك استنادا إىل معجم يكون سائدا يف النص ومهيمنا عليه أبيات الغزاوي السابقة شاهدة ترمز إىل يف ) املوت ( فانطالقا من ذلك جند كلمة

النهاية احلقيقة واملصري لكل حي ، لتستوعب يف النهاية مجيع البشر ، وهنا تكون هذه الرؤية منبعثة من اإلميان املطلق مبشيئة اهللا وإرادته اليت تبدو يف النص متصفة باهليمنة املطلقة ، والقهر

ترد يف هذا النص أربع ) املوت ( وجند كلمة ) .غالبة ـ متضي ـ حتدوهم ( املسيطر يف

٥٥١هـ ص ١٣٧٦ذو القعدة ) ٩(جملة املنهل ، العدد ) ١( ٢٠٧هـ ـ نشر النادي األديب جبدة ، ص١٤٢٤جملة جذور ، حمرم : انظر ) ٢(

Page 43: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

ومل تأت نكرة البتة ، ولعل يف جميئها معرفة انعكاسا ليقني الشاعر ) ل ا( مرات معرفة بـ يكون عن صاحب ) املوت ( وإميانه املطلق حبتميتها ومضائها ، كما أن نفي االفتداء منها ا

دركة اجلميع وال خالص منها أو جناء القوة والبطش كما يكون عن الضعيف العاجز فهي م، وما التقابل الذي ورد يف شطري البيت إال إلخفاء داللة الشمول على تلك الكلمة ، وقد ترد يف النص تعبريات أخرى للموت تكون مبثابة الدالالت املوازية أو املوحية الرامزة ولكنها

: تنسدل حتت الرؤية نفسها ومن ذلك )١(إذا ما انقض أو هجما) الفرار ( منه أين لنا) م األجل احملتو( لكنه

، وتتكرر ) احملتوم ( فاملوت هو األجل احملتوم وقد أتى معرفة أيضا وموصوفا بـ فكرة الشاعر السابقة وخترج مرة أخرى آخذة منهجها السابق نفسه ليقول بعد بيته السابق

: مباشرة حتيال وإن أثرى وإن عظما وال ا وما للمرء فيــه يد : البد منه

)٢( ورعديد قد ازما_)باجلحفلني( _ غري مكترث_سيان فيه شجاع حيمل معىن مضاء املوت وسيطرته على العباد ، ) البد منه ـ وما للمرء فيه يد : ( فقوله

كما أن ) مشيئة اهللا متضي ـ غالبة ـ حتدوهم ( وهو تكرار لفكرته يف البيت السابق القوي ذو البطش ، والرعديد هو الضعيف السقيم يف األبيات السابقة ، وما الشجاع هو

نريد أن نصل إليه هنا هو سيطرة رؤية الشاعر الدينية القائدة على اليقني حبتمية املوت وسيطرته على اجلميع وعدم خالص أو فرار أي خملوق منه ، وما تكرر هذا البعد املعنوي إال

.هيمنة يف هذه القصيدة الرثائية داللة على أنه الفكرة املوإذا كان اإلميان واليقني حبتمية املوت وهيمنته ينطلق عند الغزاوي من إحساس آين ميليه واقع الشاعر املعايش ، فإنه يتبلور عند الشاعر حممد املشعان برؤية زمانية تستقرئ املاضي

: اهللا ـ وتتمثله يف واقعها ، حيث يقول يف رثاء امللك فيصل ـ رمحه من مل ميت بالعوادي مات بالكبـر آمنت باهللا ال ختــليد للبشر

. ، أمحد الغزاوي ٥٥٠ص ١٣٧٦ذو القعدة ) ٩(عدد جملة املنهل ، ال) ١( . املرجع السابق ) ٢(

Page 44: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

وسالف الدهر سفر ضج بالعــرب املوت حق فما حي بـمنكره )١( د املوت ال يفضي إىل صدررومو واألزاء هائجة ) قابيل ( فمنذ

لوقني ، وقضى بعدم فيفتتح قصيدته باإلميان باهللا ، فهو الذي حكم باملوت وجعله اية للمخكثريا ما ترددت يف ثنايا قصائد ) املوت حق ( اخللود يف هذه الدنيا للبشر مجيعا ، ومجلة

وقد يكون ذلك تأثرا بالقرآن الكرمي ) املوت ( خرب للمبتدأ ) حق ( الرثاء ، لتكون كلمة $"�! �: يف قوله تعاىل ) اليقني ( الذي عرب عن املوت بـ %&'(&)�* ,-����.(% �/� �

ابن ( ، وكما ورد هذا التعبري عند الغزاوي واملشعان فإننا جنده عند العشماوي يف رثاء )٢(ـ رمحه اهللا ـ حيث يقيم حماورة بينه وبني من أبلغه بوفاة الشيخ من خالل اتصال ) باز

نا يربز هاتفي فتضطرب نفس الشاعر ، وتنتاا حالة من اهللع واهلياج النفسي احلزين ، وه : دور صاحبه وجنيه املبلغ وهو دور إجيايب يتمثل يف تذكري الشاعر بأحقية املوت وحتميته

ان ـأنقذتين من هذه األشـج قل يل بربك أي شيء ربـما انــعجبا ألمرك يا فىت الفتي قل يل بربك أي شيء قال يل ان ـواية كتبت علي اإلنسـ أنسيت أن املوت حق واقـع

)٣( انـف املهيمنومجيع من خلق أن املوت حق واقـع أنسيتيدل على حبثه عن حقيقة .. ) قل يل ( وطلب الشاعر امللح من خالل التكرار

يعرفها ويؤمن ا كما أنه يعلم بأن صاحبه سيقوهلا له ، ولكنه أراد مساعها من غريه ليزداد فهام اإلنكاري املتكرر أيضا ثباتا وإميانا ، فيأيت اجلواب من صاحبه بأسلوب االست

... ) . أنسيت ( ) املهيمن ( يار والعدول يف األلفاظ هنا استخدام الشاعر لفظة تومن مجاليات االخ

وعدوله عما سواها من أمساء اهللا ، فهي أكثر إحياء وإملاعا يف الداللة على هيمنة اهللا على

١/٤٠، ) ت .د) ( الرياض ، مطابع حنيفة ( ، ١عبد العزيز األحيدب ، ط: آالم وآمال ) ١( ٤٧سورة املدثر آية ) ٢(ض ، دار الكتاب السـعودي ، الريا( ، ١مجع وترتيب سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ط: عيون املراثي البازية ) ٣(

١٧٣ص) هـ ١٤٢١

Page 45: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

مث بعد هذا االضطراب . عا خلقه وعدم ختليد أحد منهم ، وكتابته املوت عليهم مجيالوجداين والثورة النفسية اليت انتابت الشاعر لتأثره بسماع خربة وفاة الشيخ جنده يثوب إىل

: إميانه حبقيقة املوت اين حزأ منالرجاء هربت باب أنسيت ؟ ال واهللا لكنــي إىل

)١( باهللا جمبول على اإلذعـــان مؤمنصدقت إين ماتالشيخ ميان يمنة املوت وحتمية وقوعه فالبد من اإلحساس بأنه قضاء من اهللا وعند اإل

وقدر مكتوب ال حميص عنه وال انفالت منه ، والشاعر هنا حبكم انتمائه وتكوينه يؤمن بذلك ويعلم أنه من لوازم اإلميان بالقضاء والقدر ، الذي هو أحد أركان اإلميان ، فالبد من

جميء القدر وعدم استطاعة اهلروب منه أمحد حيىي كلي يف رثاء التسليم هللا بذلك ، ويصور : امللك فيصل

راـمنالسبع منإذ يرى خلفه وكما ينفر القطـــيع مريــعا طيـع حذراــطو فليس يست ـالقدر الصارم خيـمثل هذا جييئنا

سراـدر هروبا فلنسلم األمر ق ـمل نق_ وكيف ذلك _ إن هربنا )٢( راـشباخلالئق خطوةإن تكن ـرـالقضاء ألف شبـ إمنا خطوة

فالقدر سبع مفترس ، وهذا التشخيص عالوة على معناه البالغي القريب فإنه يضفي على القدر صفيت احليوية والفتك ، واألوىل تدور يف أفق الدوام واالستمرار على حني تدور

غري ناضجة فكريا وإن نضجت فنيا وهذه الصورة ال تزال األخرى يف أفق اإلبادة والفناء يف الغابة أو الفالة قد يستطيع اهلروب بعضه أو جزء منه عندما ينقض عليه حيث إن القطيع

) املوت ( السبع املفترس ، وبالتايل فال تستطيع هذه الصورة أن تكون صادقة على القدر فيخرج القلق لديه الذي ال يستطيع أي خملوق اإلفالت منه ، وجند أن الشاعر حيس بذلك

فليس ( بعد ذلك من خالل تكثيف األسلوب الطليب املتمثل يف النفي واالستفهام واألمر فكأنه يرى حلقة مفقودة يف دائرة فكرته مث ) نستطيع ـ كيف ذلك ـ مل نقدر ـ فلنسلم

١٧٣مجع وترتيب سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ١( . ٧٣، ص) ت .د) ( جازان ، النادي األديب ( ، ١أمحد كلي ، ط: طيفان على نقطة الصفر ) ٢(

Page 46: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

احليوان ( تأيت أخريا تلك احللقة بأسلوب خربي مؤكد ؛ ينص على أن خطوة القضاء رق الكبري بني شرب واحد ، ومعلوم الفا) القطيع ( ألف شرب بينما خطوة اخلالئق ) املفترس

نا مما يقضي حبسم القضية لصاحل القدر حسما ال حيتمل الشك أو خطي قطيب الفكرة ه . التربير

واإلميان بالقدر وعدم إحراز شيء حياله جيعل اإلنسان يقف عاجزا ال حيلة بيده ، : ه علي عسريي يف رثاء يد ابنته احملترقة ومن مناذج ذلك ما قل يدك اليسرى

يا أقبل أوجاع الروح . ! تلعلع يف شفيت

. يدك اليسرى حترقين رؤيتها تكويين أناتك

.......... لكن ما احليلة

)١(.... واألمر هنا وهناك إىل اهللا سلم األمر إىل اهللا وهو يرى يد ابنته إال أنه يفمع تعذبه الشديد وحسرته العظيمة

إن األمر : حيث يقول ) هنا ـ هناك ( تسليما مطلقا ، تتضمن ذلك داللة امسي اإلشارة كله هللا ؛ يف القريب والبعيد ، واملمكن واملستحيل ، واحلياة واملوت ، وحزنه الشديد

. واحتراق يد ابنته ، حيث وقفت عاطفة األب عاجزة ال تستطيع عمل شيء العاجز أمام القدر ؛ يفضي إىل اإلميان خبريه وشره ، وعدم التربم أو وهذا الوقوف

حممد بن ( الضيق به عند نزوله كما يقول عبد العزيز بن إبراهيم السراء يف رثاء الشيخ : ـ رمحه اهللا ـ ) عثيمني

اراـأو أشهرت سيفها كاليوم إشه تـإين ألؤمن باألقدار إن بسمـ إذ القيت أقــدارا ألقيت رحلي ناــاء تسعفيا رمحة اهللا يف البلو

١١٦، ص) م .د( هـ ، ١٤١٧، ١ز الفرج ، طعبد العزي: شعراء مبدعون من اجلزيرة واخلليج )١(

Page 47: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

)١( منابت الشوك بعد اجلرح أزهارا أستغفر اهللا ال ندري فكم منـحتفهو مل يقف أمام القدر عاجزا يشكو قلة حيلته ، ولكنه يتقبله منقادا خاضعا بل إنه

إهلية ، فتسري يرى فيه رمحة اهللا فيستغفره ويتوب إليه ، راجيا أن يكون خلف ذلك حكمة . القصيدة يف قاموسني متقابلني

ألؤمن ، بسمت ، ( ميثله موقف الشاعر املؤمن املتفائل برمحة اهللا يف حنو : أوهلما ..) . رمحة اهللا ، تسعفنا ، أستغفر اهللا ، أزهارا

األقدار ، أشهرت سيفها ، ( قاموس املصيبة الواقعة والقدر املتحتم يف حنو : وثانيهما . وبني القاموسني تقع عالقة اإلرسال واالستقبال .. ) لواء ، الشوك ، اجلرح الب

ونستطيع القول بأن هذه النظرة الثانوية إىل القدر ـ وهو هنا مدلول املوت والفقد النصـ تصطبغ بالتفاؤل اليقيين ، وتأخذ أمناطا متعددة ، وإذا كنا قد ملسنا شيئا منها يف

بشكل أوضح يف مناذج أخرى ، ومن ذلك ما قاله حممد علي مغريب يف السابق فإا قد تربز : رثاء امللك فيصل ـ رمحه اهللا ـ

اين ـوما أبصروا خفي املعـ عجب الناس من صروف املقادير فتعاىل عن آفـة النقصـان كمل البدر واستــفاض سنـاء

)٢( ه شهيدا واخللد أغلى األماين والـفاصطفاه يف جنة اخللد مــوتتبلور نظرة الشاعر هنا يف إدراك خفي املعاين ، فقد أكرب من موت الفيصل وشبهه بالبدر حني وفاته ، وحيث إن البدر يناله النقص بعد ذلك فقد أىب الفيصل هذا ورحل عن احلياة مكتمال دون أن يناله نقص أو قصور ، ويتحقق كماله بالشهادة يف سبيل اهللا تلك

دف اإلسالمي السامي ، والذي حدث اصطفاء من اهللا ومكرمة ربانية الغاية النبيلة واهليتركها الشاعر وينصرف ) تشبيه الفيصل بالبدر ( عظيمة ، وهلذا جند صورة الشاعر البيانية

عن إكماهلا الذي كان من املفترض ـ مجاليا ـ أن حيدث خسوف للبدر بعد جتليه ومتامه ، اهلا ، ولكن الشاعر ترك ذلك وابتدأ مجلة فعلية جديدة لتكتمل دينامية الصورة ويستجلي مج

٨٧٨ص) هـ ١٤٢٢الدمام ، دار ابن اجلوزي ، ( ، ١ناصر الزهراين ، ط: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ١( ١/٣٤آالم وآمال ، عبد العزيز األحيدب ، ) ٢(

Page 48: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

، وهذا يدل على ) اهللا ( وفاعله ) صل يالف( ومفعول به ) االصطفاء ( تتكون من فعل احتفائه باملعىن هنا أكثر من الفن ، وذلك إلحساسه بضرورة بلورة فكرته ونظرته القدرية

. املتفائلة د رؤية الشعراء تقوم على القبول والتسليم املطلق وبالتايل فإننا ـ حيال القدر ـ جن

وتنقسم بعد ذلك إىل أولية تتسم باحلزن والتأمل ، مث ثانوية تتسم بالتأمل والتفاؤل ، كما : يوضحه الشكل البياين اآليت

)املوت ( النظرة إىل القدر بالقبول والتسليم

ثانوية أولية )ملة متفائلة متأ( ) حزينة متأملة (

املرثية دور كبري يف تكوين النظرتني ، ففي رثاء األقارب وقد يكون للشخصية واألصدقاء تكون النظرة األولية أجلى وآكد ، على حني جند النظرة الثانوية بارزة يف رثاء الشهداء ـ مثال ـ كما سيأيت بيانه ـ إن شاء اهللا ـ ، كما أن كال من النظرتني يصبح

ى رؤية تنبثق منهما وتصبح فرعا ألصل سابق ، حيث تنبعث النظرة األولية إىل باعثا علالشكوى واللجوء إىل اهللا ، أما النظرة الثانوية فتصبح باعثا إىل الصرب واالحتساب عند وقوع

: املصيبة ، ومن ذلك قول عبد الرمحن آل عبد الكرمي يف رثاء صديق له واك يكشف كل كرب فليس س لك املشكى إله اخللق ريب

إذا ما ريع مأمـنه خبـطب وليس سواك للداعي جميب )١(شكايت من مصاب راع قليب إله العاملني إلــيك أبدي

حيث يستشعر عظمة اهللا وقدرته املاضية فيشكو إليه ويلتجئ به من مصابه الذي قد ليس سواك ( ي ، يف حنو راع قبله ، ويبدو التوسل إىل اهللا بارزا يف التكرار اللفظي واملعنو

. ١٤ص) هـ ١٤١٨، الرياض، مطبعة العبيكان( ، ١خلجات قلب ، عبد الرمحن آل عبد الكرمي ، ط) ١(

Page 49: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

) املشكى ، شكايت ) ( إله اخللق ، إله العاملني ) ( واك للداعي جميب س، ليس .. يكشف . مما يدل على شدة اإلحلاح يف دعاء الشاعر وشكواه ) ريع ، راع (

: كما جند الشكوى عند حممد بن سعد بن حسني يف رثاء والده تدــى فقده إن الرؤية تشسو ــل وما ذرفت عيناي يوما ملعض

)١(دـوترت تفيضرات عب اضجروإ أعاين من الشجى اإىل اهللا أشكو مفهنا مع أن عاطفة بن حسني تبدو يف أشد حاالت التأمل واحلزن إال أنه مل ينسه احلادث األليم الشكوى إىل اهللا والعوذ به مما يالقيه ، وحكمنا على العاطفة هنا يستند إىل

نطق والفن ، فما يقتضيه املنطق أن فقد األب من أعظم وأنكى املصائب على مقتضى املاإلنسان ، وأما ما يقتضيه الفن فهو أن الشعر قريب من الذات فالبد من بروز الذات من

، تشتد ، اهللا ، الشجى ، ذرفت ، الزرية( خالله ، وهلذا جند التشديد يف ألفاظ النص الشاعر ويصور حزنه العظيم ، فاجلانب الصويت هنا حيمل وكأن هذا يعكس شدة امل) ترتد

. عمقا رمزيا وإحياء فكريا جعله قريبا من روحية التفاعل واالستنباط فإا كما سبق تلجأ ) حادثة املوت ( أما النظرة املتأملة واملتفائلة إىل القضاء والقدر

) : محزة ( يف رثاء ابنه إىل الصرب واالحتساب ، ومن مناذجها قول ضياء الدين رجب يوما فيــومانترجى عقباه فلنا اهللا ثـم أنت احتسـابـا

ولكنه تشعشع نعــمــى زــولنا اهللا يف اصطبار لقد ع )٢( اـأمش طودافاستطال اإلميان ني جنـــاه ــمثرا أينع اليق

يم نبع من إدراك لقد تبلورت فكرة الشاعر هنا انطالقا من عقيدة راسخة وإميان عظ: ل ــأجر وثواب الصابر احملتسب عند فقد صفيه يف الدنيا ، والذي ميثله قول اهللا عز وج

� %☺���� 1�,��23 ��24�(567(% �89�:;<�*

�4=: �? @A%BCD$ � )اىل ـــومن قوله تع )٣ :

) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ١( ٤١٩ص) هـ ١٤٠٠جدة ، دار األصفهاين ، ( ضياء الدين رجب ، : ديوان ضياء الدين رجب ) ٢( ١٠سورة الزمر آية ) ٣(

Page 50: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

� :DEFGH�� IJK�4�(567(% نه قد ورد مفصال يف احلديث النبوي وإذا كان املعىن قد أتى يف القرآن جممال فإ )١( �

من إذا قبضت صفيه املؤمن عندي جزاء ؛ لعبدي ما : ( كمثل قوله صلى اهللا عليه وسلم ونرى أثرة األلفاظ االبتهاجية يف معجم النص كـ )٢() إال اجلنة ه الدنيا مث احتسب أهلعلى البيت األخري هذا املعجم حىت يسيطر ) احتساب ، نرجتى ، عقباه ، تشعشع ، نعمى (

وقد حدث كل ) مثرا ، أينع ، اليقني ، جناه ، استطال ، اإلميان ، طودا ، أمشا ( سيطرة تامة هذا مع حزن عظيم وأسى مطبق لفقد الشاعر ابنه الوحيد ، والذي أكثر من رثائه يف العديد

د فقده ، حيث من القصائد واملقطوعات ، وأنشأ فيه الذكريات احملزنة مع كل مناسبة متر بع : إخل على حنو .. تذكره يف احلج ويف العيد ، ويف رمضان

دك ـيا حبييب وأنت تسكن حل قد أهل العام اجلديد علـينا مرة أحيــاه بؤســـــا لعيــد أول يا محزة هذا ا

)٣( دىــفيه تطالعين فغبت على امل وأهل شهر كنت أول فرحةح خميلة األب الشاعر ، فهو يتذكره دوما ، ظلت ذكرى االبن الفقيد ال ترب ((فقد

ولكنه مع فتهطل أمطار األحزان الشعرية فياضة ، ويعصف األسى بذلك القلب الواهي ذلك كله يربز األثر الديين واإلمياين العميق يف احتسابه ـ صابرا مؤمنا ـ يف فقد ابنه ،

، وقد يتداخل )٤())سبحانه والتجائه إىل اهللا سبحانه وتعاىل ، وطلب الصرب والعون منهفيبعثان رؤية شاعرية جتمع بني الشكوى إىل ) مصيبة املوت ( احلزن والتفاؤل حيال القدر

: كما تقول .. مؤصال كل ذلك اإلميان باهللا والتسليم والقبول ، اهللا والصرب واالحتساب : فوزية القاضي يف رثاء زوجها

إن شاء أسعدنا أو شاء أشقـانا أشكو إىل اهللا ال أشكو إىل أحـد

١٥٥سورة البقرة آية ) ١( ) هـ ١٤٠٩يان ،الرياض ، دار الر( ، ٢، ط) ٦٤٢٤احلديث رقم ( صحيح البخاري ) ٢( ٤٢٠ضياء الدين رجب ، ص: ديوان ضياء الدين رجب ) ٣() املدينة املنورة ، نادي املدينة املنـورة األديب ( عبد اهللا باقازي ، : شعر ضياء الدين رجب بني املوقف والصياغة ) ٤( ٣٣ص) ت.د(

Page 51: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

نريان األحشاءويثمر احلزن يف ـه وأكتم احلزن يف األحشاء مرتع )١( واهللا خالقنا بالصرب وصانـــا ال منلك احلل فاألقدار غالبــة

فقد رثت زوجها بأكثر من قصيدة ، وصورت معاناا ومآسيها بعد فقده ، وما ئها ، فجاء رثاؤها مليئا بلوعة احلزن وأمل الفراق ، وما ذلك إال ألنه قد تعانيه من تيتم أبنا

توافرت فيه عواطف ثالث ، عاطفة املرأة برقتها ورهافة إحساسها ، وعاطفة الزوجة الفاقدة ، وعاطفة األم احلانية ، ومل يصرفها ذلك عن القبول والتسليم ولذا جلأت إىل اهللا شاكية

ه ، ولعل شكواها هنا تتضمن بعدا آخر ، فهي تشكو عدم ختلصها باكية وأعرضت عما سوامن البكاء واحلزن مع يقينها باليقني وثواب الصابرين ، وأن الصرب وصية اهللا لعباده ، فشكواها ليست مقتصرة على حدوث املصيبة ولكنها تشكو من تبعياا وأثرها املتمثل يف

: السابقة تقول البكاء املستمر ، ولذا جندها بعد أبياا ونكره احلق أحيانا وأحيانـا املوت حق وكل الناس تعـرفه )٢( لذا بكيت وأرجو اهللا غفرانا وتطفئ النار يف األحشاء أدمعنا

فهي تعلم أن الشرع املطهر قد حرم النياحة على امليت ، وأنه رمبا يعذب بسبب تغفر اهللا وترجوه الصفح عن بكائها سذلك ، كما ورد يف نصوص نبوية متعددة ، ولذا ت

الذي مل تستطع اخلالص منه ، وما دفعها إىل ذلك إال إمياا العظيم الذي أفضى ا إىل القبول وتسليم األمر خلالقها الكرمي ، وهذا التسليم والقبول إزاء األقدار ال يعين عدم

يتناىف مع اإلميان كما االلتفات إىل مسببات األشياء ، وحتميل القدر كل شيء ، وهذا ال.. تنص على ذلك نصوص وآثار العقيدة ، اليت أمرت اإلنسان بأخذ احلذر وجتنب التهلكة

إخل ، وهذا ما يعاجله حممد هاشم رشيد يف رثاء طفلة قد دهسها سائق متهور ، حيث يتأمل من اإلحساس لواقع تلك الطفلة ، وينتقد موقف من يربرون جنايته بالقضاء والقدر ، هاربني

: باملسؤولية

اللجنة ( نة النسائية ملهرجان اجلنادرية بالقصيم اللج( ، ١نوال الثنيان ، ط: مناذج لشاعرات من منطقة القصيم ) ١(

٣٨ص) هـ ١٤١٩) الثقافية املرجع السابق ) ٢(

Page 52: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

فحطموا قلبك الطـهور ويا فتايت جىن البشر كأنه ناضب الشعــور وأسندوا الذنب للقـدر

.................... ....................... مـوميرح ارم األثيـ وهكذا در الدمــاء

)١(تشكو إىل اخلالق العظيم للسماء الروحوتصعد الشاعر ينتقد منهجا وأسلوبا معينا وال ينتقد فكرا أو عقيدة ، فريى األزمة واملعاناة ف

كامنة يف املنهج ال العقيدة ، وهلذا جنده يف البيت األخري يصور صعود روح الطفلة إىل را شاكية مأساا وجرمية إزهاق روحها من ذلك ارم ، كما تشكو جناية البشر بعدم حماسبة

، وإسناد ذلك إىل األقدار دون متعن يف مقتضياا وأسباا ، ألن اإلميان بالقضاء ارم والقدر يقتضي العمل وأخذ احلذر وال يعين التكاسل والقعود ، وقد جنح الشاعر يف ايء

لتنكشف رؤيته بصورته األخرية ، حيث إا خلصته من مة عدم قبول األقدار والتسليم هلا ل القدر قبوال معينا ، كما أن هذا البيت حيمل تكنيكا مجاليا آخر يتمثل يف متمثلة يف قبو

عدم إمهال من يهدرون الدماء ويتهاونون يف سفكها دون أدىن إحساس جبرم أو مسؤولية ، حيث تصعد تلك األرواح املسفوكة إىل بارئها فتشكو إليه ، كما أا تكتسب حياة جديدة

: قال فبعد موا ، ومل جيعل هذا خاصا بالفتاة املرئية ) تصعد ، تشكو ( وهلذا جعلها لتكتسب النظرة مشولية وعمومية ترتقي بنبلها الديين ) روحها ( ومل يقل ) تصعد الروح (

. واإلنساين الكبري والتسليم يف النماذج السابقة قد انتاب عواطف الشعراء فيه احلزن وإذا كان القبول

البكاء واآلالم ، كما أن التفاؤل فيها قد ورد خافتا ومل يستطع واألسى وسيطر على بعضهاإذا كان ذلك فإننا جند القبول والرضى يتألق .. اخلالص من هول املصاب ومعاناة الفقد

بصورة أجلى عند رثاء الشهداء والصاحلني ، وما ذلك إال ملا ينتظرهم من الثواب والكرامة : يقول .. حملمد بن سعد الدبل ) هيد الش( والنعيم ، ففي قصيدة بعنوان

يؤمله يف دار أخـراه إذا شــدالقد فاز يف أوالة باملطمع الـذي

١١٥ص) هـ ١٤١٠نادي املدينة املنورة األديب ، ( ، ٢األعمال الشعرية الكاملة ، حممد هاشم رشيد ، ط) ١(

Page 53: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

ترنح معتــزا وشـمر واشتـدا كأين به ، والنصل يهوي بصدره دىـلعل هلا يف دفعها بعض ما يس ..يدافع نفسا عاجلتها منيـــة

)١(إيل فقد وفيت سيفك والغمــدا ف ـفنادى به يف عامل العرش هاتفالشهيد يليب نداء إهليا عظيما ، قد اختصه كرامة وإجالال ، وتدور الفكرة حول

، لتنحسم يف النهاية لصاحل ) أواله ـ أخراه ( املوازنة بني حيايت الشهيد املتمثلتني يف ه ـ املطمع ـ ترنح فاز ، يؤمل( الفرحة يف حنو األخرى ، وهلذا جند سيطرة اللغة الراضية

وال جند تلك اللغة الباكية احلزينة ، واملتأملة الضاجرة ، وتقع األبيات يف .. ) ـ معتزا ، مشر هيد يف الدنيا وما قام به من بالء يف اجلهاد ألول من القصيدة ، لتمثل واقع الشاملقطع ا

واقعه ومآله يف الدار ومقاتلة للعدو إىل أن يسلم روحه هللا ، مث يأيت املقطع الثاين ليصور : اآلخرة

إله الكون من خري ما أسدى علي ت صحيب يعلمون مبا أفا أال ليـ... ........................... .................................

وما أنا فيه من نعيـم قد امتــدا أال ليت صحيب ينظرون أريكيت )٢(داـن نظرات العني ما يبعث السعوم وحويل نبع الكوثر العذب مرتع

:وهو هنا يستلهم املعىن القرآين العظيم الذي ورد يف قوله تعاىل � LM�� �, NBC. �� ,KDPQ%

R �8SD�8 1�, �T��UV WQ% %X)���.��* Y =T ? Z[Q%�\;$�* ]'D2 X�^�_?�` ��8a=:23

�bDc� ,-D$:&N Q%☺�? 2�^(&) �[ dQ% eD� fD* ;c&N ��24gh=i jCGk��

,KDPQ%%�? =�&( R �l�&NS 3 ���@ ;eDm�

٢٤ص) هـ ١٤٠٥لعبيكان ، الرياض ، مطابع ا( ، ١معاناة شاعر ، حممد بن سعد الدبل ، ط) ١( املصدر السابق ) ٢(

Page 54: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

=��^DnNSo pM�* q%=�o =���=4_S r LM�� =�89 Is����t& 3 �b/�� � )١(

كما يستلهم هذا املعىن بصورة أوضح عبد الرمحن العشماوي حيث يقول يف رثاء : الشهيد أيضا

وان الردى ـالفتاك عنيف هلونا موت الشهيد حياته ، وحياتنـا )٢(أخلـدا من ما زال حيبو دوا مسافة اجلهاديا من قطعت إىل

وإذا كان هذا االستلهام آليات اجلهاد وما فيها من بيان لعظيم ثواب ومرتلة الشهداء يكثر يف رثاء الشهداء فإن هناك من يستلهم ويوظف آيات أخرى مل تكن خاصة باجلهاد

الشاعر جاسم الصحيح يف رثائه لالستشهادية الفلسطينية ذات الستة ومقتضياته ، كما فعل ) : آيات األخرس ( عشر ربيعا

للذكر ) اجلمعة ( لبت داعي ) آيات ( هكذا وصلتها من القلب وجوبـــا ونوافـل مث عادت بربيع شاعر يف دمها املنـظـوم

واشتاقت إىل تقفية املاء مبنثور اجلداول دراجلسد اهلا وأحالت من دوي

حلنا واحدا )٣(وزعه احلب تقاسيم على كل الفصائـل

3 u�I]�v�5% �: فاآلية املوظفة هنا هي قوله تعاىل ,KDPQ% R ,�2w � �[

&x�� IyD\��� DGY�_S67SD( eD� Dz=� 3 Du8☺l{.(%

R =�8V%%&N Y1_|��

١٧٠، ١٦٩سورة آل عمران آية ) ١( ٣١، ص) هـ ١٤٢٣الرياض ، مطابع العبيكان ، ( ، ٢عندما يعزف الرصاص ، عبد الرمحن العشماوي ، ط) ٢( ١٤١، ص) هـ ١٤٢٤الطائف ، نادي الطائف األديب ، ( ١جاسم الصحيح ، ط: حنيب األجبدية ) ٣(

Page 55: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

:.}Dx WQ% R ��`&x�� ~.� �.(% Y =�[�D(�&x

4=:o =�[�P( ��� X�j'[} ��☺_S8&) �c� � )١(

وقد أتى ا الشاعر ليدل على أن تلك الفتاة قد قامت باجلهاد مع عدم فرضيته عليها ، على حني ختاذل وتقاعس عنه الرجال املقتدرون مع فرضيته عليهم ، ووجد يف نداء اجلمعة

فاستخدم اآلية القرآنية لريصد ما خيدم رؤيته حيث إا دعوة خاصة بالرجال دون النساء ، . من خالهلا املفارقة بني الفتاة الشهيدة والرجال املتقاعسني يف رؤية رمزية وتكنيك فين بديع

وبالتايل فإننا نالحظ أن الشعراء قد استشعروا أن الشهيد قد جاد بنفسه وقدمها هللا مثال الرضى والقبول ، ؟ ومن هنا كان رثاء الشهداء لديهم ...!فكيف يضن ا اآلخرون

واإلجالل والتقدير ، منطلقني يف ذلك من مبدأ دينهم اإلسالمي القومي ومتمثلني نصوصه .العظيمة فيما يقولون

وكما يكون االطمئنان والرضى سائدا اإلبداع الشعري يف رثاء الشهداء لعظيم تقى والورع وأكثر ما مرتلتهم ورجاء جنام ، فإنه يكون أيضا يف رثاء الصاحلني وأهل ال

يتجلى ذلك يف رثاء العلماء الربانيني الذي قد شهدت هلم األمة باإلخالص والتقى والفضل ـ رمحه اهللا ) حممد ابن عثيمني ( واإلميان ، ومن هذا رثاء عبد الرمحن العشماوي للشيخ

:ـ فلماذا يا جراحي ترتفيـن حلق الشيخ بركب الصاحليـن

وملاذا يا دموعي تذرفـني تشتـكـي وملاذا يا فـؤادي. . . . . . . . . . . . . . . . . .

مرتل رحب وجنات وعني فارق الدنيا اليت تفىن إلــى بالذي يغفر للمستــغفرين ذاك ما نرجو وهذا ظنـــنا )٢(من صالح وثبات ويقـني رحل الشيخ على مثل الضحى

٩سورة اجلمعة آية ) ١( ٨٦٣ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ٢(

Page 56: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

يا بني عقله وعاطفته ، ومتثل عقله األدلة املنطقية البارزة يف حلاق فيقيم حوارا منطقالشيخ بركب الصاحلني ، ومغادرة الدنيا الفانية إىل اجلنة الباقية ، بينما متثل عاطفته جراحه

البيت األول ( النازفة وفؤاده املشتكي ودموعه الذارفة ، وتربز صورة العاطفة يف أول النص ي بعد ذلك وتطغى عليها رؤية العقل مما يدل على غلبتها وجناحها يف ذلك مث ختتف) والثاين . احلوار

وليس هذا التفاؤل والرضى مقصورا على رثاء العلماء الزهاد ، بل إنه قد يكون يف راثي بالتقوى والعبادة والصالح ، اء الذين قد احتفظت هلم ذاكرة الرثاء األقارب واألصدق : ه حممد بن حسني يف رثاء والده ومن أمثلة ذلك ما يقول

شهـدت بأنـك تايل القـرآن وهي عليمةلو تنطق األسحار انـذي عصيباكي املدامع غري متهجدا متعـبـدا متضـرعا

)١( انـأوصافهم يف سورة الفـرق رمعشمشية متشي بأرض اهللا دينية ، جتعله يعيش فشخصية والده العابدة اخلاشعة ، وما ختتزنه ذاكرته من صفاته ال

الرجاء واألمل يف املغفرة لوالده والرمحة اإلهلية ودخول اجلنة ، وجنده يتعزى هنا مبا ورد يف %\ �: سورة الفرقان من صفات عباد اهللا وهي قوله تعاىل �D2�� �e5����:(% IJKDPQ%

��lF;☺ 3 1_) 2 ��=`��% %w�=�9 &x���� 2�^ U&�&�

Is�8S�^5{.(% R �[(%& %�☺5_SV �D�� oe3DPQ% �� Is��j��U 3 X�^�_?�:D( ']�{V %�☺5�\D�� �D� � )٢(

إىل آخر اآليات ، وتعزيه وتفاؤله ذه اآليات وما جعله يستذكرها هنا هو ما ورد يف �: آخرها من ثواب للواردة أوصافهم حيث يقول تعاىل

���5&(v��* Is��t.^[�

) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ١( ٦٤، ٦٣سورة الفرقان آية ) ٢(

Page 57: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

&u&N=:[.(% %☺�? R �24(B� Is=���_S23��

%^\DN wu�\D �� %�☺5_SV�� �/�� IJKD% 5o %^\DN Y

;&'�C$ �:&� jC2� %'�%&�2��� �/D�، كما أتى هذا اجلزاء ختاما )١( �

: لتلك اآليات فإن الشاعر خيتم قصيدته مستوحيا ذلك فيقول وان ـرض من يف جناب اهللا يف يا من تذوب حشاشيت من فقده )٢( ترف النعيم وروضة اإلحسان ش يف جوار اهللا يفـواهنأ بعي

حيث متتلئ نفسه يقينا وإميانا بأن اهللا سيدخل والده اجلنة ، وهناك سيعيش منعما . مكرما ، فيزول ما يعانيه من آالم الفقد وجور املصاب

نفسه اطمئنانا وكذلك عبد الرمحن آل عبد الكرمي خيتم رثاءه يف والده ببيت ميأل : فيقول

)٣( أين عهدتك يف صالتك ختشع حسيب أيب وقد افتقدتك فجأة فيحتسب عند اهللا ما عهده من صالة والده وخشوعه فيها راجيا أن يكون يف ذلك

.ختفيف فجأة املوت اليت أفقدته والده العزيز يل املتقاطع مـع وهكذا فقد كانت نزعة الرضا والتسليم هي االجتاه السائد والتشك

لوعة الفراق ومرارة الفقد وقد تبلور ذلك من واقع تصور إمياين يؤسسه الدين اإلسـالمي . العظيم بتوجهاته ونظامه التكاملي الواسع

٧٦، ٧٥سورة الفرقان آية ) ١( ) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ٢( ٧٢رمي ، صعبد الرمحن آل عبد الك: خلجات قلب ) ٣(

Page 58: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

: النصح واالدكار -٢ قصائد الرثاء يقع بني يديها حادث املوت ومصيبة الذهاب ، فهي من قصائد

واملبدع واملتلقي فيها يعيشان كالمها حالة نفسية خاصة ، قد ال املناسبات يف غالبها الكثري ،تتوافر يف غري ذلك املوقف ، حيث تتسم حالتهما باحلزن والتأثر العاطفي ، فتهرق الدموع ويعلو النحيب ، ويتذكر اجلميع ، ويرى كل مصرعه ومآله الذي البد منه ، فتثوب النفس

واإلمهال ، وإزاء ذلك تتكون التجربة الشعرية النابعة إىل الرشد واالتعاظ ، وحتس بالتقصريمن اإلحساس بضروة االتعاظ واالعتبار ، واإلرشاد واملناصحة ، حيث حيس الشاعر ذلك

فة ذا نفعل العاطتبنفسه ، كما أنه جيده حاجة ملحة يف أنفس مجهوره ومتلقيه ، مث نات السيكولوجية للنفس عي ومعروف حيث إنه من املكواإلحساس ، وهذا األمر طب

اإلنسانية ، ومع تطور الفكر البشري وتوسع وتعدد قنوات االتصال واخلطاب أصبح ذلك اإلحساس ليس مقصورا على الشعر بل إنه قد جتاوزه إىل مجيع الفنون القولية والكتابية

ماذج إخل ، عرب وسائل إعالم واتصاالت وقنوات متعددة ، ومن الن.. والصور الفوتوغرافية اليسرية لذلك ما نشاهده من صور حوادث السيارات وضحاياها البشرية ، وما تكتب من عبارات على تلك الصور اليت ينشرها اإلعالم األمين دف النصح والتذكري وتفادي تلك

. إخل ... املواقف احملزنة ، ومثل ذلك ما ينشر دف التحذير من املخدرات وسوء عواقبها جد ، والشاعر بإحساسه املدرك مناسبة لالتعاظ والنصح ، وقل أن ت والرثاء جيده

...وقصيدة يف الرثاء مل تتضمن هذا املعىن أو تتطرق له ، على مر التاريخ اإلبداعي إذا كان من يبكي ميتا أو يعزي فيه يعرض للحياة وأا زائلة ، وأن املوت اية ( (

ما يف هذا املصري الذي ينتظرهم ، وأن يتجهزوا كل شخص ، وأن على الناس أن يفكروا دائله ويعدوا زادهم قبل أن تأزف اآلزفة وحتل الكارثة ، وهي كارثة مقررة ال مفر منها وال

طبيعة احلياة الدينية مل تستطع ((حىت إن الشعر اجلاهلي قد تضمن ذلك مع أن )١( ))حميص

٩٩، ص) ت .د) ( القاهرة ، دار املعارف ( ، ٣شوقي ضيف ، ط: الرثاء ) ١(

Page 59: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

، ولكن )١( ))و تشبع تأمالم الفكرية إشباع طموح األفراد الذين يبحثون عن احلقيقة أ : التكوين العقلي البسيط وجد يف املوت موعظة ونصحا ، ليقول شاعر ذلك العصر

بصـائــر لناقرون يف الذاهبني األوليـن من الـ للموت ليس هلا مصادر ملا رأيــت مــــواردا

يبقى من الباقني غابـر ع املاضــي وال ـال يرجـ )٢( حيث صار القوم صائر ال حمـالةأنـي أيقـنـت

: واخلنساء تقول يف إحدى مراثيها ألخيها صخر )٣( والدهر ال تبقى له باقية ا ـال خري يف عيش وإن سرن

مث بعد ذلك أتى اإلسالم ليصبح حالة روحية تتلبس اإلنسان العريب ، وتشكل ك تفكري الشعراء يف إطاره ، وإذا به جيعل احلضارة العربية ، ومتثل احملور األساسي الذي يتحر

قضية املوت جماال رحبا لالتعاظ والنصح من خالل نصوصه املطهرة يف القرآن الكرمي والسنة النبوية الشريفة ، ويتأثر بذلك الشعر ويسترسل فيه ، حىت إننا جند بعض املراثي تنشأ هلذا

عا أساسا إن مل يكن وحيدا ، وتدور حول تلك الرؤية ليصبح يف بعضها موضوالقصد . متفردا

والرثاء السعودي املعاصر مليء مبعاين النصح واالدكار ، فهذا حسني سرحان يقول : يف رثاء جده

طرف سقته يد الظلــماء بالوسن نأيت ونذهب كاألطياف خايـلها نـمضوا من املوت فوق املركب اخلش ؟موانهيأر الناس ، أين الناس تذك

)٤(ومن مسود ومـن غر ومن فـطن ت هذا الثرى من سيد لبقكم حت

١٩ص) م١٩٩٧بريوت ، دار صادر ، ( ، ١مقبول النعمة ، ط: املراثي الشعرية يف عصر صدر اإلسالم ) ١(، مطبعـة السـعادة ، مصـر ( ، ٤مروج الذهب ، أبو احلسن املسعودي ، حتقيق حمي الدين عبد احلميد ، ط) ٢(

. ١:٦٩) م ١٩٦٤ ٢٠٧، ص) م ١٩٨٢بريوت ، دار املسرية ، ( ، ٢حتقيق وشرح كرم البستناين ، ط: شعر اخلنساء ) ٣( ٧٥، ص) ت .د( ، ) الطائف ، نادي الطائف األديب ( ، حسني سرحان : أجنحة بال ريش ) ٤(

Page 60: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

فتشري إىل حالة اإلنسان الذي يأيت كالطيف مث ينتهي إىل املوت يف هذه احلياة ، ، وكأنه حيس بأن هذا اإلحساس كما خياجله ) نأيت ، نذهب ( ويستخدم ضمري املتكلمني

زه الصورة البيانية اليت ال نراها مقتصرة خياجل غريه من الناس ، وحيمل البيت تكنيكا فينيا تربعلى حتليلها البالغي البسيط املتمثل يف التشبيه والتشخيص أو االستعارة ، ولكنها قد حتمل بعدا رمزيا يقع بني دال ومدلول يف ثنائية متجاورة ، فالظلماء دال ومدلوله الدنيا ، والوسن

اور بني هذه الدوال أو املدلوالت يعكس ما بينها دال ومدلوله الغفلة واللهو يف الدنيا ، والتجمن وشائج القرىب والتالحم ، فالغفلة واللهو ونسيان اآلخرة أمور تبعث االماك يف الدنيا

من ملذاا ونسيان ما سواها ، كما أن الدنيا فاتنة مغررة تدعو إىل واالغترار ا والعب تذكر ( ميع جنده يتجه إىل املفرد املخاطب والنسيان ، مث بعد حتدثه بضمري اجل الغفلةلينتقل من اإلمجال إىل التخصيص ومن خماطبة اجلمع إىل الواحد ، زيادة يف .. ) الناس

التذكري وتأكيدا له ، وكأنه بعد وعظ اجلماعة يعظ كل واحد مبفرده ، وهذا من مالمح هرية اليت تذكرنا به ما فعله النيب االهتمام باإلنذار واإلبالغ والتأكيد عليه ، ومن أمثلته الش

أيها ( ـ صلى اهللا عليه وسلم ـ يف إحدى خطبه حيث بدأ بوعظ ومناصحة اجلميع يا صفية بنت عبد املطلب .... ) ( يا عباس بن عبد املطلب ( مث انتقل إىل التفصيل ) الناس

عناه جنده يف بيته األخري مث بعد هذا االحتفاء من الشاعر مب )١(.. ) ال أغين عنك من اهللا شيئا يدعو إىل إعمال الفكر والتأمل فيما حتت هذا الثرى من األجساد الفانية اليت تتعدد وتتباين أوصافها من سيد ومسود ، وغر وفطن ، وما هذا التمثيل املتباين إال للداللة على كثرا

.وتعددهاكل مناسبة رثاء ، مما معا سيطر هذا املعىن على الشاعر يف أغلب مراثيه ويردده فيهيو

جيعلنا نطمئن إىل قولنا بأن لديه إحساسا ذاتيا بتساوي مجيع الناس يف املوت وإتيانه على كل فئام من كبري وصغري ، أو غين وفقري ، أو عظيم وحقري ، إذ نلمح هذا إضافة إىل ما سبق

: يف رثائه لصديقه عبد اهللا بسيوين حيث يقول

) هـ ١٤١٤ار اخلري ، مكة املكرمة ، د( ، ١، ط) ٩٣٢( صحيح مسلم ) ١(

Page 61: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

املــالينيبأرباب تبايلوال ه غصـصـقريا عيشتفىن الليايل ف

شقو املساكنيبذخ املغنني أو ت مصفسيان يف مذهب الدنيا إذا ان١(فكيف ال تستوي كل املوازين تلبــمر مســك والعاملال متر(

ونلمح اإلضافة إىل معناه يف النص السابق ، حيث أتى خبالصة رؤيته يف االستفهام أما النص السالف فقد مضى يعدد فيه الفئات ) ال تستوي كل املوازين فكيف( التعجيب

اإلنسانية مركزا على أسلوب املقابلة ، دون أن جيمع شتات تلك املقابلة ، وهذا من مالمح التطور والنمو يف التجربة الشعرية لدى حسني سرحان ، ونستطيع أن نتابع مع ما سبق

ة الشاعر ؛ فنجده ينتقل من نقل خالصة فكرته ـ كما استمرار هذا النمو املعنوي يف فكرسبق ـ يف أسلوب طليب إىل أسلوب خربي ليتخلص من التساؤل واحلرية والبحث وينتهي

: إىل إقرار ائي فيقول يف رثاء حافظ إبراهيم )٢( ليايل سروره واهلناء خلق املرء للفناء وإن طالت

ان فإننا جندها عند حفيظ الدوسري وكما تقررت هذه احلقيقة عند حسني سرح ) : كلنا للحفر ( جاعال عنوان املقطع .. حيث يقول يف رثائه

وقرب . . بني قرب تسري النهــاية تلمع يف الرمل تلك احلكاية

يقتادها للعذاب السفر . . هكذا ال مفر كلنا للحفر

٥٤، ص) ت .د( ، ) الطائف، نادي الطائف األديب ( حسني سرحان ، : الطائر الغريب ) ١( ٤٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 62: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

. . . . . . . . . . . . )١( فاالعتبار واالتعاظ هنا انطباع خاص وصادق فيه من اإلحساس بقدر ما فيه من العقل ، ذلك أنه أشبه باملعادل املوضوعي الذي ينشأ من الفراق واحلرمان والفقد واحلزن ،

مترادفات ملعاين صدمة املوت أو قدرته يف حتويل هول املصيبة وروع الفاجعة إىل تذكر وهي ت البشر ، وعندما يتداخل اإلحساس والعقل يف تكوين ذلك املعادل فناء اجلميع ومو

املوضوعي ـ والذي البد من حدوثه ـ تتألف فنية التجربة الشعرية وتسمو العاطفة ، وتنبثق الرؤية اإلبداعية مشبعة هلف العاطفة ومسيطرة على هياجها وانفعاالا غري احملدودة ،

، وتتخذ الداللة اللغوية من صيغة اجلمع يف ) للحفر كلنا( فترطب النفس احملزونة مبثل املفردتني مجاال تعبرييا ينقل اإلحساس األكيد مبوت اجلميع ، كما أنه يدل على جتاوز الشاعر ذاته مصعدا عواطفه الذاتية لتسمو إىل مرتبة عواطف مجيع احملزونني والباكني

. الفاقدين الشاعر السعودي يف مراثيه على إدراك فناء مث بعد هذا الوقوف التأملي العميق من

واقع القصيدة : وموت البشر جنده ينطلق يف مسارين متعاكسني تفرضهما أمور ثالثة هي الرثائية ، ومكونات املبدع ، والبيئة احمليطة ، أوهلا ماضوي ، أو دنيوي ، وثانيهما مستقبلي

ء أو القصيدة الرثائية ، فكلها تدل على أو أخروي ، والقاسم املشترك بينهما الشاعر أو الرثانقطة االنطالق اليت ينبعث أو ينطلق منها هذان االجتاهان املتعاكسان ، واالجتاه األول يتركز يف الدنيا والنظر إليها فيذمها الشعراء وحيذرون منها ويصفون غرورها ومفاتنها ، واالجتاه

اخلري واملعروف والعمل الصاحل والتزود من الثاين يتركز يف التذكري والوعظ واحلث على فعل إخل .. احلسنات ومفارقة الذنوب واملعاصي

٦٤ص) هـ ١٤١٨مصر ، الصديقان للنشر ( ، ١قحط احملبة ، حفيظ الدوسري ، ط) ١(

Page 63: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

املسار املاضويذم الدنيا وأا دار الغرور (

) والفتنة واالبتالء

املسار األخرويالتذكري والنصح واحلث (

اخلري واملعروف على فعل )والعمل الصاحل

سي يف هذا اخلطاب الشعري جنده الدين اإلسالمي ، بحث عن املصدر األساوعند الوال عجب يف ذلك فالقرآن الكرمي مليء باآليات اليت دارت يف فلك هذين االجتاهني ، وسنجد شيئا من هذا يربز جليا عند استعراض ومناقشة النماذج الشعرية ، أما تعميمنا هلذا

هد الفراق واحلزن والتحسر على التصور وجعله عاما يف الرثاء السعودي فألن جتسيد مشااملوتى من القواسم املشتركة بني الشعراء ال خيتلف يف التعبري عنها شاعر دون آخر سوى ما

. يلمح من العلو واالخنفاض يف مؤشر التجربة الشعرية وطبيعة بنات األيام من أعظم مقاصد الوعظ والذكرى ذم الدنيا والتحذير منها ، وهو من مقاصد و

L&N �: اىل ـــاإلسالمي اليت ركز عليها ، فقال تع الدين2�[����:[&) [GY���&.(% %���`](% R �)وقال أيضا )١ :�

% ��� [GY��\�.(% Q%���`%Q% pM�� ~5 � � `�2:[.(% � )ومن هنا فقد امتألت به قصائد الرثاء )٢ ،

: اهيم الربي يف إحدى مراثيه ، ونظروا إىل الدنيا وشخصوا واقعها يقول عمر إبر هي كاخليار مؤقت مقــدور ـة زورـا الدنيـيف الدني املكث

كرحى على قطب اهلالك تدور اــال ترج يف الدنيا اخللود فإ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مغمــورعقل ودين باهلدى هـاالختبار ملن لذي الدار دار

٥سورة فاطر آية ) ١( ١٨٥سورة آل عمران آية ) ٢(

الشاعر

الرثاء

قصيدة الرثاء

Page 64: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

)١( طيش وعيش باهلوى معمور ن بهالفتون مل اليت حوتوهي فبعد أن شخص واقع الدنيا بعدد من األوصاف والتشبيهات جنده يقيم مقابلة بني صنفني من البشر ، أوهلا من ميلك العقل والدين ، وثانيهما صاحب الطيش واهلوى ، وقد

: ثل يف التوازن بني الكلمات من حيث أتت املقابلة يف تقسيم لغوي وإيقاعي مجيل يتم ملن به = ملن له عقل = طيش عيش = دين

باهلوى معمور = باهلدى مغموروقد أزال هذا التناغم اإليقاعي شيئا مما نلحظه من الوعظ املباشر أو اخلطابية الفجة ،

بداع الفين فنأى به ذلك التقسيم والتناغم عن مزلق اخلطاب الديين املفتوح إىل رحابة اإل . املمتع

عمر بري فهي عند الغزاوي غرور واملىن انت الدنيا دنية وشبيهة بالرحى عندوإن ك : فيها سفه

)٢( وكل فان سيلقى ربه سلما إن احلياة غرور واملىن سفه

للتأكيد على ) حي ( عادال عن ) فان ( ومن تكنيكات الغزاوي هنا اختياره كلمة . جلميع املخلوقني صفة الفناء وإدراكها

صف الدنيا بالومض الذي يلوح مث خيتفي سريعا كما يرى فيأما عبد اهللا بن إدريس واملن واالسترجاع ملا تعطيه ، فيقول يف رثاء ركاب الطائرة الذين احترقوا فيها فيها الغدر

: هـ مبدينة الرياض ١٤٠٠عام ار هذي احلياة وطبعها الغد ومض يلوح وختتفي اآلثــار

كالناقمني حتوطنا األكدار هاـبصرخة يف مسعما إن ل

النادي األديب جبدة ( ، ١عبد الرمحن السبت ، ط) : حياته وشعره ( شاعر العهود الثالثة عمر بن إبراهيم الربي ) ١(

٤٦١ص) هـ ١٤٢٤والنادي األديب باملدينة ، ٥٥٠، ص ١٣٧٦ذو القعدة ) ٩( أمحد الغزاوي ، العدد : جملة املنهل ) ٢(

Page 65: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

)١( فيظل وجه عابس وشفار هنـاءهاحىت نراها تسـترد فريكز على إضفاء الشمولية يف صورته البالغية القائمة على التشخيص ألنه يتحدث

وقد ) وطنا ل ، الناقمني ، نراها ، حت( ولذا يربز ضمري اجلماعة يف النصمأساة مجاعية عن أبرز هذا الصوت اجلماعي متعددا ومتناوبا فيما بني الفعل واالسم والضمري ، ويقابله صوت

ويربز مجال ... ) يطل ، وجه ، عابس ، طبعها ، ( مفرد متعدد األشكال يف خروجه أيضا ة املفارقة يف كثرة وأثرة الصوت املفرد مقابل قلة الصوت اجلماعي ، ليوحي أخريا على سيطر

: الدنيا وغلبتها للبشر ، مث يصرخ بعد ذلك يف تلك اجلماعة قائال )٢( فاملوت يفجأ والردى دوار فتأهبوا بالزاد قبل رحيلكم

ثر فجأة املوت عن جميئه أو حدوثه أو قدومه ، ويف هذا تناسق معنوي مع ما آوقد كة السريعة يعكس حال صوره سابقا من حال الدنيا وشبهها بالومضة السريعة ، فعنصر احلر

. الدنيا ومآهلا املباغت بعد ذلك وعند عبد اهللا بن سليم الرشيد تربز صورة الدنيا بأضغاث األحالم ، فيقول يف رثاء

: الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ مـم ، وميقاا حطيم رمـائ الـيا هلذي احلياة أضغاث أح

)٤(وآمالنا هوى وسخائم ) ٣(ـق نعـب من الرنـوأرانا فيها : اىل ــلك من قوله تعذخذا آفلم يصفها باحللم أو األحالم ولكنها أضغاث أحالم

� R ,�[(%& �5 ;b�* @X5_S;$�* R % ��� e. M�

�T3�Nv j�? �5_S;$��% ,-D☺DS58�? � )وهي الرؤيا اليت ال يصح تأويلها )٥ ،

. ١٩١ص) هـ ١٤٠٤الرياض ، دار العبيكان للنشر والطباعة ، ( ، ١يف زورقي ، عبد اهللا بن إدريس ، ط) ١( .املصدر السابق ) ٢( ) ١١٤٦القاموس احمليط ص( املاء الكدر : الرنق ) ٣( ٦٢هـ ، ص٢٢:٥:١٤٢٠، ) ١٧٠٧(جملة الدعوة ، عبد اهللا الرشيد ، العدد ) ٤( ٤٤سورة يوسف آية ) ٥(

Page 66: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

ا حيمل عددا من اإلحياءات والدالالت غري احملدودة ، اليت الختالطها ، وتشبيه احلياة ا هن . إخل .... تعكس عدم ثبات حال الدنيا وسرعة تغريها وعدم وضوحها

وهكذا فإننا جند أن ذم الدنيا أو احلياة وما فيها من التغري ، وتصوير عدم ثباا قد ومقاصد الدين اإلسالمي ، مأل قصائد الرثاء ، وما دفع الشعراء السعوديني إليه هي مبادئ

سبوا الدهر يوهنا تربز مالحظة مهمة وجديرة بالوقوف ، حيث مل يذم الشعراء الزمان أو حلرمة ذلك والنهي عنه يف الشرع ؛ بينما اجتهوا إىل الدنيا فشتموها وشخصوا تنكرها وتغري

دنيا ويذموا أحواهلا ولورود ذلك يف الشرع املطهر ، وقد تناول الشعراء وهم يصفون العقد املوازنة بينها وبني الدار اآلخرة ، أو الدار الربزخية حماولني إجالء الفارق اجلوهري بني

عكس تلك املوازنة على توحيد املفهوم األساس القائم على ذم نتاخللود ، ل دار الفناء ودار، ومعلوم أن هذه الدنيا والتزهيد فيها مضافا إليه الندب إىل اآلخرة واحلث على الفوز ا

: اىل ـاآليات ومن ذلك قوله تع مناملوازنة من مضامني القرآن الوعظية اليت ترد يف العديد � p} =T ? ��V�D ��

&v& g<%8.(% ���� ���`�&)�� _G�:�o�%

��b�وطرق هذه املضامني أثناء الرثاء يسمو به ويعلي من تأثره وجيعل )١( � وروحيا ، كما أنه يكسب القصيدة الرثائية صدق التجربة ، مليا أتفاعال تاملتلقي يتفاعل معه

ومعاناة العاطفة ، ومن النماذج الرثائية يف ذلك ما قاله صاحل بن سليمان بن سحمان يف رثاء : الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ

من وثبة ذات أنيـاب وأظـفـار يا عامرا بيت هذي الدار كن حذرا )٢(بيت اخلراب وبيت الدود يا داري ـال لـه بيتا يقال لـه واعمر بدي

وال شك أن التذكري بالقرب وما فيه من الوحشة والدود من أعظم املواعظ ، ومن ومل يفصح ،امللفت للنظر حث الشاعر على عمارة البيت البديل ، حيث رغب يف عمارته

٢١، ٢٠سورة القيامة آية ) ١(دمشق ، دار الفكر ، ( ، ١، ط) إبراهيم الفوزان ( حتقيق وتقدمي : ديوان الشيخ صاحل بن سليمان بن سحمان ) ٢(

١/١٩٧، ) هـ ١٤٠١

Page 67: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

توحا أما املتعظني ، ليكون هناك جمال عن كيفية العمارة أو أسلوا ، بل جعل األمر مفواالرعواء عن الذنوب واملبادرة إىل فعل اخلري ، للتأمل واملراجعة ، وحماسبة النفس

. واإلحسان فإنه جيعل املوازنة بني الدنيا واآلخرة ، حيث يعاف املرثي عبد احملسن حليت أما

النيب صلى اهللا عليه وسلم ومع الدنيا ويزهد فيها راغبا إىل نعيم اآلخرة ليعيش هناك مع : صحاتبه وسائر املؤمنني الصادقني يف نعيم خالد فيقول يف رثاء صديق له

املختار مشمولا داراوزار قد عاف دارا من األوزار قد حبلت ليلللروح به روضأكناف ىـعل املؤمـنونفيها الصحابة فيها

تكحيل الرمحنيها من بيض عل يف جنة أهلهـا ال شك أوجــههم والذنب مغتفر والصفح مأمول راضيـة والعيـنفالنـار نائيـة

)١(تنـويل اهللايناهلـم من ثـناء سواسـية التقوىوالناس فيها على وقد ترددت هذه املعاين ـ إضافة ملا سبق ـ يف ثنايا كثري من قصائد الرثاء

، وحممد السنوسي )٣(، وحممد حسن فقي )٢(السعودي ومن أولئك الشعراء زاهر األملعي .، وغريهم )٥(، وعبد السالم هاشم حافظ )٤(

مث بعد هذا التصوير حلال الدنيا وما ا من الفتنة والغرور ، وايتها املؤملة املفاجئة جند الشعراء بعد وعيهم بذلك كله يتجهون إىل التذكري والنصح ، فيعظون ويرشدون

يحام عرب وسائل إبداعية متعددة ، فتارة يكون املوت والفقد واعظا ويوجهون دعوام وصومذكرا للشاعر ، ليصبح الشاعر مفعوال به ، وتارة يكون فاعال فيتوجه بالتذكري والوعظ

: إىل غريه ، ومن األول قول عبد اهللا بن إدريس يف رثاء امللك خالد ـ رمحه اهللا ـ يشعرنا أن نستعد ونلحقـاو يذكرنا موت احلبيب مصيــرنا

١٢٤، ص) م .د( ، ) هـ ١٤٠٣( ١مقاطع من الوجدان ، عبد احملسن حليت ، ط) ١( . ١٢٧األملعيات ص) ٢( ٦:٤٢٥الديوان ) ٣( ١٩٢الديوان ص) ٤( ١٣٧الديوان ص) ٥(

Page 68: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

ذئاب فيهتاج القطيع متزقـا وما حنن إال كالقطيع يجـــه )١(يعود جفول يف النبات حمدقا وما هي إال برهة أو هنيهـــة

فاملوت هنا ورد واعظا ومذكرا ومشعرا بأسلوب التشخيص ، وال يقتصر هذا من ) يذكرنا ، يشعرنا ( احليوي األسلوب البالغي على مجاله التركييب وتضاعف دوره

خالل تكرر الفعل املضارع ؛ ولكنه يأخذ بعدا إشاريا أو رمزيا ليومئ إىل حتول ذلك من الفرد إىل جمموعة من الذئاب املفترسة ، اليت تزداد يوما بعد يوم ، ) املوت ( املشخص

مع كل فقد أو موت ، ومعيار زيادا موت وفقد األحباب واألصدقاء ، لتظل العالقة طردية فتزداد الذئاب وباملقابل يقل القطيع ، وهكذا يوما بعد يوم حىت تكتمل الصورة البالغية اليت حذف فيها الشاعر وجه الشبه ليعطي التشبيه قوة خيالية أكرب حيث حتول من تشبيه مقيد

يتيح للقارئ إىل تشبيه يطلق العنان خليال القارئ ليخمن وجه الشبه الذي تركه معلقا حىت . فرصة املشاركة يف إكمال الصورة املوحية بفناء وزوال البشر

وإذا كان االدكار والوجل مهيمنا على النفس عند فقد من حتبه أو جتله ، فإا تلجأ مصرعها مبصرع عزيزها وترى موا مبوته ئفة متضرعة ، وكأن هذه النفس حتسإىل اهللا خا

كما يقول عثمان بن سيار يف رثاء شهداء الطائرة .. م خالقها ، فتلهج بالدعاء والبكاء أما : حيث خيتم رثاءه ببيتني جيعلهما مقطعا مستقال

يف قضــاء شئتــه يل وقــدر يا إهلي الطف بعــبد مـؤمن )٢(الوزرأنت يل نعم ) صربا ( ـموت املوت أو الـ وامحين من فجأة

ر وما تعانيه ذاته من القلق ، وهو يتضرع وحنس يف مضمون البيتني مدى خوف الشاعإىل ربه متوسال إليه بإميانه بالقضاء والقدر ، ويسأله اللطف وأن حيميه من فجأة املوت أو املوت صربا ، وما دفعه إىل التعوذ من هذا املوت ، وهو املوقف الذي تفاعلت به عاطفته

اخلها ، وما يف ذلك من الفجأة وأهاج ضرامها حينما مات مجيع ركاب الطائرة حمترقني بد

٢٠٦عبد اهللا بن إدريس ،ص: يف زورقي ) ١( ١١٨ص) ت .د( ، دار العلوم للطباعة والنشر ١بني فجر وغسق ، عثمان بن سيار احملارب ، ط) ٢(

Page 69: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

، وقد استعاذ النيب صلى اهللا عليه وسلم من موت الفجأة ملا حيمله من ترويع لذوي امليت .ومفاجأم باملصاب

أما الصورة الثانية فهي اليت يكون فيها الشاعر واعظا مذكرا ، فكأنه بعد وعيه وعظ غريه حامال تلك الرسالة املتلقاة فيعظ وتذكري املوت يتحول إىل ناقل متفاعل ، فيتجه إىل

وينصح اآلخرين ، وقد يكون هذا الوعظ خاصا كما فعل حممد بن سعد بن حسني يف رثاء صاحب السمو امللكي األمري فهد بن سلمان حينما اجته إىل تذكري ووعظ والده األمري

: سلمان بن عبد العزيز قني سليماليفتذكري أصحاب نذكر سلمان وإن كان ذاكـرا

بذارية فيها الكالم حكيــم حمـمــدا النيب اهللا أمر به مقيم إن شاء اإللهلدى اخللد إذا رحل الفهد الكريـم فإنـه

اخللق يففما تعز فقد األكرمني عظيمعلى أن مـخلد حي )١( رحيم وهو اهللا عليه وصلى هداية كانإذا استرجع اإلنسان

من األمري سلمان ليناجيه ويذكره تذكريا أخويا صادقا ، حيث حياول الشاعر االقترابينأى فيه عما حيمله شخص مسوه من صفات السيادة واإلمارة ، ولذا جنده يناديه بـ

إخل ؛ من الصفات املتمثلة فيه ، .. دون األمري أو سيدي أو صاحب السمو أو ) سلمان ( الرئيسة فريكز على أمهية التذكري ومن النص جند اهتمام الشاعر يف بلورة وصياغة فكرته

وجدواه وأنه غاية دينية سامية ، وهنا يربز التناص القرآين بأسلوب إشاري ، حيث يشري إىل ات ، واآلية األوىل اآليات القرآنية باملعىن ، وال يكتفي بذلك ولكنه يشري يف اهلامش إىل اآلي

�: ت سورا هي قوله تعاىل يف سورة الذاريا اليت أشار إىل=:D�}&x�� ����&N

�t�:.}DEQ% ~nw&) ,-DwD�&☺.(% ����وهذه اآلية )٢( �

تتحدد من خالهلا االنطالقة األوىل لرؤية الشاعر واملتضمنة ضرورة التذكري والقيام به ، أما

) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ١( ٥٥سورة الذاريات آية ) ٢(

Page 70: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

اآلية الثانية فتأيت بعد التذكري واالحتساب يف املصاب وتتضمن اجلزاء والثواب وقد أشار �: اىل ــا يف البيت األخري وهي قوله تعإليه,KDPQ%

Q &x�� �^��i5B��* �u �\g7� R ,�[(%& %����

�Q Q%������ D$.�&(�� ��28g<��` �b�D�

���5&(v��* =���=4_S r �����_SB� eDm� =��^�_?�` �u☺;$�`�� R ���5&(v��*��

2�89 ��] j;^☺.(% �b�/� ري هنا قد أعطى النص جماال واسعا من التخيل والتأمل مع ما جنده فالتناص اإلشا )١( �

من سهولة األلفاظ ، ألنه يدعونا إىل استحضار تلك النصوص الغائبة واليت هي مكونات . لشفرة خاصة ميكننا وجودها من فهم النص وفض مغاليق نظامه اإلشاري

حسني سابقا ؛ فإنه قد كما ورد التذكري خاصا وموجها إىل فرد معني كما عند بنويرد عاما يتوجه فيه إىل اجلماعة بدل الفرد ، بل إنه قد ينطلق انطالقا غري حمدود ليشمل

يف رثاء مجيع البشر فيكون صيحة إنذار تعم اآلفاق كما فعلال عبد اهللا بن سليم الرشيد هووجد فاستغل الشاعر ذلك ،م ١٩٨٩أرمينيا من زلزال وقع ا فحصد آالف البشر عام

مناسبة للتذكري والتخويف باهللا ، ومما جيعلنا نطمئن إىل القول بأن ذلك كان هدف القصيدة ) غضبة اهللا ( وحمورها األساسي أمور كثرية فعالوة على ما يتضمنه النص ، جند العنوان

وكأن يف ذلك حتذير من غضبه وعقابه ، كما أن الشاعر وضع مقدمة نثرية موجزة بني يدي يف حلظات ، زلزلت األرض ، فمات آالف من الضحايا ، وشرد : ( ه جاء فيها قصيدت

�D(�&x ,�1 ���� �) املئات �t�:��D&Q e☺D( �} ��$&(

SNS& ��* 1&�.(�*

١٥٧، ١٥٦سورة البقرة آية ) ١(

Page 71: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

~;☺CC(% ��89�� !]��^P ��/� : فيقول يف آخر تلك القصيدة )١( � الدينـالذ ، فاملـ اهللا إىل ساكين األرضالنجاء يا فالنجاء

زواال يقـول كن فيـكون اءـشقدر اهللا حمكم الكون إن )٢(حصـون تردوال سدـع نــحني ترتل ال ميغضبة اهللا

أتى إىل البيت األول يف حىت املعروف نوقد كتب مجيع قصيدته بالنظام ذي الشطريدة ، وما ذلك إال النص اتزأ أعاله ، فكتبه بشكل نثري ينفرد به عن مجيع أبيات القصي

لالحتفاء ذا البيت واالهتمام به ليأخذ صفة احملورية والتميز ، وقد وجه فيه الدعوة إىل أو متييز ، ويتجلى يف النص إبراز قدرة اهللا ومشيئته النافذة مجيع سكان األرض دون ختصيص

. وغضبه الذي ال يرده شيء رثاء السعودي مبعان عامة تشري إىل وهكذا فإننا جند أغلب الوعظ والنصح يأيت يف ال

التأهب للموت ، واحلذر من الدنيا واالفتتان ا ، والتذكري باآلخرة ، وما طرق تلك املعين العامة إال دليل على مسو التجربة الشاعرية ، اليت ال تدخل يف التفاصيل الدقيقة لكي جتعل

ودقائق تلك املعاين ، فمن النادر أن املتلقي يتفاعل معها ويسترسل متأمال ومنقبا عن تفاصيل جند من يعظ يف الرثاء بأمور حمددة كاحلفاظ على الصالة ، أو أداء الزكاة ، أوترك اخلمر

إخل ، وال جند شيئا من التفصيل الوعظي والنصح احملدد إال يف بعض الرثاء الذي ... والزنا وتذكري الناس ، وقد يرجع ذلك إىل ينظمه العلماء أو طلبة العلم املعروفون بالدعوة إىل اهللا

إحساس منهم بضرورة وجود ذلك لديهم أكثر من أن يكون خلال أو نقصا يف مواهبهم من القضايا النقدية اخلالدة ، اليت ال تزال ) شعر العلماء نية ف( وإبداعهم ، وهذه القضية

راسة علمية جادة ، األحكام فيها متداخلة والرأي فيها ناقص موبؤ ، ولكنها حباجة إىل دتقوم بتتبع النتاج وفحصه فحصا شامال حىت تستطيع إصدار أحكام ومقاييس جديرة بالنظر واالهتمام ، إذ أن شعر العلماء ينبع من مواهب تتحكم فيها خصائص نفسيه حمددة ،

٣٧ق آية سورة) ١( ١٧٢، ص) هـ ١٤١٣الرياض ، النادي األديب بالرياض ، ( ، ١عبد اهللا الرشيد ، ط: خامتة الربوق ) ٢(

Page 72: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا�����: ا���� ا�ول

وأهداف علمية خالصة ، وهذه األمور قد حتد من مجاح املوهبة ؛ وعطاء الفن ، وما يهمنا وجود شيء من املواعظ التفصيلية يف شعر العلماء كما فعل الشيخ إبراهيم بن حممد بن هو

: حممد بن إبراهيم ـ رمحه اهللا ـ : إبراهيم يف رثاء والده مساحة الشيخ م ــمن اهللا وهو العزيز احلكي نا به ـوهذا قضاء رضي

دومـــوال أحد غري ريب ي ناـوليس بباق سوى رب مــوز كريـوفجناة وأمن ى اإلله العزيز أال إن تقو

وم ــيزيل الغموم وجيلو اهلم وذكر اإلله ربيع القلوب )١(ذكر يــدومفخري لنفسك فداوم عليه وال تنـسه

فهذه األبيات ال نكاد جند فيها ما نتوقعه من عاطفة االبن احلزينة املضطربة ، وهي الشيخ الشاعر وإميانه العظيم قد أبعد لوعات احلزن تعاجل فقد والدها العظيم ، ولكن يقني

وخلجات الفراق وأحل مكاا مواعظ الناصح املشفق والداعية املخلص ، فأخذ حيذر من . إخل .. املوت وحيث على التقوى ومالزمة ذكر اهللا

: أما الشيخ سعود الشرمي فيقول يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز عدنان أو مضر من موا لنجا على حذر لو كان من أحد ينجو

حمتقراألسباب فاالعتماد على معتمدا األسبابإىل تال تر كن ذائقة للمـوت يا بشروالنفس ريــتأيت املنون على أرواحنا غ

)٢( وزرعما يراد لنــا كال وال لنـا هرب ونكري مامن منكر ث التحذير من الدنيا ومفاجأة والنص يتجه اجتاها خالصا إىل الوعظ واإلرشاد حي

املوت لكل إنسان وحتمية جميئه ، مث يسترسل الشاعر إىل احلديث عن ما بعد املوت فيتطرق إىل سؤال منكر ونكري وعظمة ذلك السؤال وعدم إمكانية اهلروب منه أو تالفيه ، وقد جاء

.جل القصيدة سائرا يف هذا االجتاه الوعظي

مجع وترتيب إمساعيل بن سعد العتيق ، : ديوان الرثاء يف فقيد األمة وحرب اجليل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ) ١( ٧٨، ص) هـ ١٤٢١الرياض ، مكتبة دار اهلداية ، ( ١٦٣سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٢(

Page 73: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

البعد التارخيي : الفصل الثاين ـ التعزي باملاضي ١ ازات ـــ اإلجن٢

Page 74: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

يتجلى البعد التارخيي يف الرثاء السعودي يف مقايضة بينه وبني الشعراء ليكون خادما وخمدوما ، أو آخذا ومعطيا ، حيث يربز خادما من خالل استلهام وقائع وأحداث املاضـي

سائل متعددة وأساليب متنوعة ، كما يربز التاريخ للتعزي ا أو إسقاطها على الواقع عرب وخمدوما ملا تسجله وترصده جتارب الشعراء يف مراثيهم من إجنازات املـرثيني ، ومالبسـات موم ، والتأريخ لذلك ، لتصبح تلك املراثي مصادر تارخيية يرجع إليها عند التوثيق والكتابة

. التارخيية اجتاهكما أن أول )و تنوير احلاضر بضوء املاضي ه (والتاريخ كما يعرفه هربارت

عن دور التاريخ يف إمداد وإغناء املعرفـة يقولـه ) دافيد هيوم ( ويعرب الفيلسوف الربيطاين إذا تأملنا قصر حياة اإلنسان ، ومعرفتنا احملدودة حىت مبا يقع يف زماننا ـ فال شك يف أننا ((

كنا لو مل يقيض لنا هذا االختراع الذي يرجع خبربتنا إىل نشعر بأننا كنا نبقى أطفاال يف إدرامجيع العصور املاضية ، وإىل أقدم األمم اخلالية ، إن الرجل املطلع على التاريخ ميكن أن يقال

أما جنتليه فيقرر يف موقع آخر )١( )).. ) إنه يعيش منذ بداية العامل ( عنه يف بعض الوجوه ، كما أن اإلنسان املطلع على التاريخ يعيش منذ )٢( ))خ صفر اإلنسان خارج التاري ((بأن

. بداية العامل ويضيف دائما إىل خمزونه العلمي والفكري وعند النظر إىل احلضور التارخيي يف الرثاء السعودي فإنه سيلحظ جميء أغلبه منصـبا

: يف حقلني بارزين مها .التعزي باملاضي _ ١ .اهلم إجنازات املرثيني وأعم_ ٢

.وسيتم دراسة كل من هذين احلقلني يف مبحث مستقل

) م ١٩٨٢مصر ، مكتبة األجنلو ، ( ١شوقي اجلمل ، ط: علم التاريخ نشأته وتطوره ووضعه بني العلوم األخرى ) ١(

٧٩ص ١٤ص) م ٢٠٠١بريوت ، دار النهضة العربية ، ( ، ١فاطمة قدورة الشامي ، ط: علم التاريخ ) ٢(

Page 75: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

: ـ التعزي باملاضي ١يف تذكر وفاة الـنيب لتعزي به والسكون حياله يكون لإىل التاريخ املاضي وأول اجتاه

ذلك احلدث العظيم واملصاب اجللل الذي لن تصاب األمة بأعظم _ صلى اهللا عليه وسلم _ ديث النبوي مبا معناه أن ما عظمت عليه مصيبته فليذكر مصيبة األمة منه ، وهلذا جاء يف احل

يف وليتعز ا ، وقد أكثر الشعراء من ذكر ذلك يف مراثيهم ، فعندما تويف امللك عبد العزيز ـ رمحه اهللا ـ كان لوفاته أثر كبري يف نفوس شعب اململكة العربية السعودية ، فهو املؤسس

، والفاجعـة اهللا به هذا الكيان العظيم ، وإزاء هذا احلادث املؤمل الباين ، وهو الذي وحدالكبرية جند الشاعر عبد اهللا بن مخيس ينظم قصيدة يف رثائه ويسترجع املاضي متعزيا بوفـاة

وجاعال من ذلك احلدث عزاء جلميع الشعب املسلم _ صلى اهللا عليه وسلم _ سيد البشرية : ، فيقول

وإىل سبيل واحد يغدونـا راحـل لوال اليقني بأن كال )١( يهدي ا املاضون والباقونا واملصطفى للناس أكرب قدوة

: وهذا عبد الرمحن العشماوي يقول يف رثاء الشيخ ابن عثيمني ـ رمحه اهللا ـ ني ــــبقضاء اهللا فينا موقن زل ــمل ن اإن بكيناك فإن

الصاحلـيـن وعزاء عن وفاة يف وفاة املصطفى سوىل لنا عمر الفاروق والعقل الرزيـن ذلك الرزء الذي اهتـز له ترك الناس حيارى تائهــني مات خري الناس هذا خـرب ما تال الصديق من قول مبـني طاشت األلباب حىت مسعوا )٢(شدة اهلول سوى موت األمني ال يعزينا عن األحبـاب يف

مل اجلليل ، ولكن القلوب مليئة بـاليقني واإلميـان فالبكاء موجود لوفاة الشيخ العابقضاء اهللا والرضى به ، وهنا ينطلق خيال الشاعر إىل تاريخ األمة متأمال متعزيا ، عسى أن

صلى اهللا عليه وسلم _ جيد ما يسكن آالمه وأحزانه ، فيعثر على بغيته النفيسة يف وفاة النيب

٧٥ص ،) م .د( هـ ، ١٤١٣، ١ط عبد اهللا بن مخيس ،: الديوان الثاين ) ١( ٨٦٥ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ٢(

Page 76: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

عند رثاء العلماء أنسب وأكثر أثرا ألن _ يه وسلم صلى اهللا عل_ ، والتعزي بوفاة النيب _ العلماء ورثة األنبياء ، ووجودهم بعلمهم وفضلهم رمز وشعار للنبوة والرسالة ، مث ميضـي الشاعر يستقرئ أثر ذلك احلدث التارخيي ، وكيف أن الفاروق ـ رضي اهللا عنه ـ بإميانه

يقـول منسيفه يريد أن يضرب عنق وعقله الرزين قد اهتز واضطرب وأنكر وفاته ممتشقا ذلك ، ليقوم بعد ذلك الصديق ـ رضي اهللا عنه ـ ويعلن احلقيقة التارخيية العظيمة ، ويتلو

الصحابة اليقني ، كما هو معـروف على الناس قول اهللا تعاىل فيهدأ الروع ويرتل يف قلوب ار ذلك التـاريخ يف من تفاصيل احلادث يف سياقها التارخيي املعروف ، وال شك أن استحض

الرثاء يبعث االطمئنان وميأل النفس باليقني والثبات وكثري من الشعراء إمنا يشريون إىل حادثة إشارة عابرة ال تتجاوز حدود البيت أو البيتني ، مثـل _ صلى اهللا عليه وسلم _ وفاة النيب

: قول إبراهيم بن الشيخ حممد بن إبراهيم يف رثاء والده وفيه عزى للمصاب عظيم به سلوة وموت الرسول

)١( من اهللا وهو العزيز احلكيم وهذا قضاء رضينـا به : ومثل قول إبراهيم املشاري يف رثاء الشيخ ـ حممد بن عثيمني ـ

)٢( اـباحلق وافاه الذي وافاك وعزاؤنا فيك النيب حممد فاصيله ناتج مـن ولعل اإلشارة إىل هذا امللمح التارخيي بعجالة وعدم الدخول يف ت

إحساس الشعراء بأنه من األمور املسلمة لدى اجلميع ، كما أنه مـن املعـاين املسـتهلكة .واملتكررة يف الشعر العريب

ومن األحداث التارخيية اليت خدمت واقع مراثي الشعراء استشهاد اخلليفة عمر بـن استشهاد امللك فيصل اخلطاب ـ رضي اهللا عنه ـ فقد كان مبفاجأته وعظيم أثره متمثال يف

: بن عبدالعزيز ـ رمحه اهللا ـ يقول حسني سراج يف ذلك وقلوب تفجرت بالزفيــر ذهل املسلمون واعتراهم وجوم

وهليب من األسى يف الصدور وهو مسجى) الفارق ( وتراءى

٧٩إمساعيل بن عتيق ، ص: ديوان الرثاء يف فقيد األمة وحرب اجليل الشيخ حممد بن إبراهيم ) ١( ٧٨٤ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ٢(

Page 77: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

)١(ويتامى لدى املصاب الكبيـر فإذا املسلمون فيه ثكـالــىبدل الشعب أو الناس أو غري ذلك ، حيث ) املسلمون ( كلمة ومجيل اختيار الشاعر

إن الكلمة تنقلنا قسرا إىل احلادثة التارخيية ، للتأكيد عليها ، وهلذا تتكرر اللفظة بعد ذكـر ويأخذ النص واقعه التارخيي كامال ، دون أن يدخل فيه ما يشري إىل احلاضـر ) ق والفار(

من زمنه وصاحبه وأسبابه لقلنا بأن األبيات ترصد التاريخ بواقعه املعايش ، فلو جردنا النص لذاته ، السيما واألبيات قد أتت يف مقدمة مرثية الشاعر ، واجلمالية تكمن يف أن الشاعر قد أراد تناسي واقعه واالستغراق يف تأمل املاضي واملكث فيه لتمتلئ نفسه باليقني ، ويتعـزى

، ولذا جنده بعد ذلك يشيد بالفيصل وما قام بـه مـن باملاضي ، فيواجه احلاضر صلبا قوياأعمال عظيمة لوطنه وشعبه ، بل سائر الشعوب اإلسالمية وقضاياها املصريية ، فلم يتداخل

والشاعر يقف بينهما موقـف ا مستقال متحدا معنده احلاضر باملاضي ، ولكن أتى كل منه .الصابر املتعزي

احلاضر واملاضي عند علي زين العابدين ، والذي ولكننا جند التداخل واالندماج بني : خيرج لديه استدعاء احلادثة التارخيية بصورة أخرى ، حيث يقول يف رثاء الفيصل أيضا

فهل يهون الذي هللا ينتصــر لإلســالم دعـوتهلحق لهللا ) عمر ( إنه مبيتوما الشهيد عقيدته عنمات العظيم شهيدا اجلامعة ، اليت استطاع الشاعر من خالهلا مزج احلاضر باملاضي ولعلنا نالحظ القرينة

، وإحداث التداخل بينهما ، وهي قضية الشهادة ، وهلذا ترد متكررة يف بيت الشاعر منكرة .) شهيدا ، الشهيد ( مث معرفة

أما عند علي النعمي فإننا جند استدعاء استشهاد الفاروق يف رثاء امللك فيصل ، يربز أكثر تركيزا ، حيث خترج بصورة قصصية درامية ، وتتعدد فيهـا الشخصـيات ، بصورة

ولكن إحدى تلك الشخصيات كان مسيطرا يف احلاضر واملاضي ، ومتسـلحا بـاإلغواء : واإلضالل حيث يقول

ر تائه ـة من كف غــجمنون بضربةسقط احلبيب إىل القلوب

٣٧عبد العزيز األحيدب ، ص: آالم وآمال ) ١(

Page 78: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

شيطان من ندمائه ويعيش ، وال يـــاـحييا حياة اآلمثني األشق إمــالئهفيظل مشدودا إىل وضـاللـهميلي له من كيده ،

أحشائهعن طاعن الفاروق يف ومضى يلقنه وحيشو رأســـه يلقي بكل بالئـه كي سملبا وعن ابن ملجم كيف روى سيفه )١( رائـهغعلى ط يضربه وانقض يف رأس حيدرة الشجاع فسلـه

الشاعر هنا هي إبليس ، الذي أملى كيده وضالله توظيفوالشخصية اجلديدة يفعلى القاتل وأغراه جبرميته الشنيعة ، وتربز هذه الشخصية منفردة يف مسرح احلدث الكبري يف

: مث تأتيهما الثالثة ) طاعن الفاروق ( بداية األمر ، وما تلبث أن تدخل معها شخصية ثانية ـ رضي اهللا عنه ـ ، مث تأيت الشخصية الرابعة قاتل علي بن أيب طالب) ابن ملجم ( ويستمر الشاعر يف بيان مأساة القتل وتفاصيلها ، وما خروج إبليس متفردا ) قاتل الفيصل (

قبل تكاثر الشخصيات ارمة حوله إال للداللة على أنه وراء كل بالء ومصيبة ، وأنه حاضر نائها ، وال ريب يف ذلك ، فقد وسوس يف كل حدث إجرامي منذ ابتداء اإلنسانية وحىت ف

���V��&N  �إىل آدم من قبل كما بني ذلك القرآن D$.\&(�� e5&¡.��F(% � )وهلذا خترج )٢

شخصية إبليس بارزة يف النص ومتكررة األفعال ، أما غريها فيخرج بالصفة أو الكنية اجلرائم املاضية ليصبح إبليس حمور وبؤرة مجيع تلك) طاعن الفاروق ـ ابن ملجم (

واحلاضرة ، والنص جيسد ذلك ويؤكد على اهتمام الشاعر ذا املعىن ، حىت إننا جنده بعد : أبياته السابقة يقول

إبليس فاستعدى به لعمائــه حىت استوى وأفاد من أستاذه عن أعني الرقباء من رقبــائه واسطاع أن خيفى حقيقة أمره

)٣( وعدا لدى الشيطان يف إمضائه به لينفذ العهد الذي أعطـى

١٠٩علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١( ١٢٠سورة طه آية ) ٢( ١١١علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ٣(

Page 79: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

ن استدعاء شخصية إبليس ، وتوظيفها مبالحمها الكائدة إقول نوهنا نستطيع أن املغوية حيمل بعدا تارخييا ، وقد استقاه الشاعر من قصص القرآن وحوادث املاضي معا ،

ى حادثة ة علزوهكذا نشاهد كيف التقت مراثي الشعراء يف الفيصل ـ رمحه اهللا ـ مركاستشهاد الفاروق ـ رضي اهللا عنه ـ ومدركة ما حيمله هذا البعد التارخيي من عطاء معاصر ، وقد تفاوت وتنوع هذا اإلدراك مما يدل على ثراء التجربة الشعرية وتعدد أساليبها

. اإلبداعية مل يكن الرجوع إىل التاريخ جمرد إملاحات عاجلة ، تربز يف الرثاء السعودي هنا

هناك ، ولكنه أصبح حمورا أساسا وهدفا مقصودا يف العديد من الرثائيات ، حىت إننا جنده ويستقل استقالال تاما ببعضها ، وما ذلك إال ألن الشعراء وجدوا فيه مصدرا غنيا يشبع

ب حيمله من أمل املأساة وحزن املصاويستوعب سبحات جتارم اليت قد يضيق ا واقعهم مبا ريخ معادال موضوعيا ، ختتلف طرق االستفادة منه والنهل من أحداثه ووقائعه ، ، فيصبح التا

ومن القصائد الرثائية اليت ركزت على البعد التارخيي ، ودارت مجيع أبياا يف فلكه ، ما قاله وقد وضع مقدمة ) نصر خالد جرار ( عبد الرمحن العشماوي يف رثاء الشهيد الفلسطيين

نصر خالد إبراهيم جرار ، ترك الدنيا على ظهر حصان البطولة ((: فيها نثرية لقصيدته جاء ، منطلقا إىل ربه بعد بتر قدميه ويده اليمين ، حيث وجدوا رأسه مفصولة عن جسده حتت

البطولة يف فلسطني ، رمبا يقدر اهللا سبحانه وتعاىل ـ ونسأله أن يقدر ـ ))جنني ((ركام بنصر جرار صاحب القدمني ))مؤتة ((ليدين املبتورتني يف أن يلتقي جعفر الطيار صاحب ا

واملقدمات النثرية )١( ))، يلتقيان هناك حيث يطري جعفر جبناحيه ))جنني ((املبتورتني يف غالبا ما تكشف مقاصد وأهداف الشعراء ، وحنن إزاء مقدمة الشاعر السابقة جنده يشري إىل

هو استدعاء صدر عن وعي ومنطقية ، حيث إن واقع أنه سيذهب إىل استدعاء التاريخ ، واملرثي هنا ال يناسبه شيء من أحداث التاريخ كما تناسبه قصة جعفر الطيار ـ رضي اهللا عنه ـ ، وتبدأ القصيدة بتساؤل يطول عرب استفهامات كثرية حشدها الشاعر ، حيث يرد

رى مل تتكون من أدوات اسم االستفهام ست عشرة مرة عالوة على أساليب استفهامية أخ

٦٨، ص) هـ ١٤٢٤الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ١عبد الرمحن العشماوي ، ط: القدس أنت ) ١(

Page 80: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

االستفهام ، وهذا األسلوب هو متهيد لتلك اللوحة الدرامية اليت ستسيطر على القصيدة ) : جعفر الطيار ونصر جرار ( احلدث القدمي واجلديد ، أو يتحيث احلوار ينب شخصي

! ما هذا النور الساطع ، ما هذا النور ؟ .ما هذا النور الساطع يا عني الزمن اآليت

. كيف تألق حىت أصبح يسرق نظرايت .. من أين تدفق . وحيرك ساكن نبضايت .....................

.. وملاذا أشعر أن التاريخ تلملم حىت )١(أصبح كلمات يف بضع سطور

ومجيع هذا التساؤل ينبعث من جعفر الطيار ، وهو حيمل مضامني اإلعجاب ع ، وكأن يف ذلك إشارة إىل إعجاب العامل العلوي مبا واإلجالل والتقدير لذلك النور الساط

ذلك يدخل جعفر الطيار يف التفاصيل وكيف فعله الشهيد املعاصر يف جنني ، مث بعد استشهد يف مؤتة دون أي شعور باالنتقال من تساؤله السابق ، حبيث يتداخل التساؤل مع

: سرد احلدث ، فيقول من أنت ؟

. كؤوس املوت تدار تشهد أن ))مؤتة ((و .الراية عندي اآلن فال عاش الكفار . . . . . . . . . . . . . . . . . . تف بامسي ليل ار ))مؤتة ((و فلديها من جسدي آثار )٢( وأنا جعفرها الطيار

٦٨، ص) هـ ١٤٢٤الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ١عبد الرمحن العشماوي ، ط: القدس أنت ) ١( ٧١املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 81: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

يعلو والذي يتحرك يف إطاره املرسوم ، و) جعفر الطيار ( حيث تتجلى صورة البطل صوته ثائرا مفتخرا ، يتردد هتافه مملوءا بالنشوة واالعتزاز ، وهذا الفخر يعكس إحساس الشهيد املناضل بعظم الشهادة وعلو مرتلتها ، حىت تصبح لديه غاية عظيمة وأمنية ملحة ، ويواصل النص مسريته متواصلة معه هتافات البطل وصيحاته االفتخارية فتقطع يده اليمىن ،

ليوحي هذا التكرار بإصراره ) الراية عندي ـ اآلن ـ فال عاش الكفار ( هتافه بـ ويتكرراملستمر على محل الراية ، مث حتملها يده اليسرى ، ولكنها تنبتر أيضا فيظل مصرا على

: محلها .سيحملها صدري فأنا املغوار . . ال بأس

)١( وضممت الراية ضم املشتــــاق مته ، ولكن السيوف ختترق صدره ، ويظل مصرا على عدم سقوط وهنا يبلغ اإلصرار ق

مهمة يف النص ، وهي وهنا تبدأ نقطة حتول ) من حيمل عين الراية ( الراية ، فيبحث صارخا : شبيهة بلحظة التنوير حيث خيرج صوت جديد وبطل جديد

أبشر يا جعفر ، هات الراية هذا ابن رواحة حيتضن الراية

)٢( غايــة ويفتش عن أمسىيتداخل فيها املاضي واحلاضر ، واحلقيقة ) ابن رواحة ( وشخصة البطل اجلديد

والرمز ، فهي يف املاضي واحلقيقة شخصية البطل الصحايب املعروفة يف سياقها التارخيي الثابت، وهي يف احلاضر والرمز شخصية كل جماهد أو شهيد يرفع راية اجلهاد ويناضل دوا

لتداخل بني املاضي واحلاضر إال لالنطالق إىل احلاضر وحتديده حيث تتغري فيه ، وما هذا ا : صر الشخصية واملكان والزمان واألحداث ، فتتحول مؤتة إىل اعن

))النور الساطع يا جعفر يف أرض اإلسراء (( )١( فهناك مالحم جتري وإبـــــاء

٧١عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ١( ٧١املرجع السابق ص) ٢(

Page 82: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

: شخصية البطل املعاصر وتتحدد ))! جيش يهود ؟ ؟ ((ويتحول جيش الروم إىل . النور تدفق من أشالء فىت مغوار

.ال خيشى األخطار قطعوا ميناه فثار . . دميه فطار بتروا ق

أنبت يف موضع قدميه اإلصــرار .دفنوه بأنقاض الدار . . . رمجوه بألف قذيفة نار .لكن الصرح ثابت ال ينهار ))جرار نصر ((يا جعفر الطيار ))نصر (( )٢( هذا اسم فىت األخطــــــــار

وحياول الشاعر إضفاء الكثري من صفات البطولة على شخصية الشهيد ، ويلجأ إىل إال ) تروا قدميه فطار ب( كثري من التقنيات الفنية ، وما استخدامه للفعل املاضي يف مجلة

ليكتسب صفة ) جعفر الطيار ) ( طار ( حماولة فنية يف التقريب بينه وبني الشخصية التارخيية يف آخر السطر الشعري لكان أمجل ) ثار ( الطريان ، ولو جعل الشاعر ذلك الفعل بديال لـ

وأعظم ، حىت تكون صفة طريانه يف آخر مناورته بعد الثورة ، كما أنه يستغل اسم الشهيد ر مع جعفر الطيار ، ليكون صادقا على فعله ومتحققا فيه ، ويستمر احلوا) نصر جرار (

فاق صوت ، إىل أن يترد يف اآل) نصر جرار ( ويواصل النص سرد املشاهد البطولية للشهيد ) جنني ( حييي فيه اجلهاد يف ) جعفر الطيار ( شعري جديد بشكل جديد ينبعث على لسان

: وينقل إكباره وإعظامه للشهيد هناك تحية يا نصر بن جرار لك ال من عزمي وإصراري ))مؤتة ((من أرض

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وار ـوأرسلتها إلينا فيض أن مالمحــهااليت صاغت ))جنني ((إىل

صمود حمتسب لألجر صبار صمــــدواإىل املغاوير من أبنائها

٧٢املرجع السابق ص) ١( ٧٤عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٢(

Page 83: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

)١( برارأ أكتاف علىإليك إال األجماد ما محــلتيا نصر يا وارث حبر ( وخروجه على الشكل اخلليلي ا الصوت اجلديدومن مجاليات القصيدة حتول هذ

تاركا وزن التفعيلة وكأن يف ذلك إحياء إىل أصالة وقدم الصوت التراثي التارخيي ) البسيط . العظيم

وهكذا نشاهد كيف دارت مجيع مضامني قصيدة الشاعر يف فلك املوروث التارخيي من عطاءات ذلك املوروث ، وحماوال إسقاطها على واقعه ، بلغة شاعرية تقـوم ، مستفيدا

على الفن الدرامي املتمثل يف احلوار عرب تداخل زماين رائع بني املاضي واحلاضر ، وما جلوء الشاعر إىل التاريخ إال ملا وجده فيه من إشباع رغباته الفنية واستيعاب جتربته الشعرية ، ومع

دة من سهولة األلفاظ وسريورا إال أن القصيدة قد حتولت حتوال كليـا مـن ما يف القصيأسلوب الرثاء ومضامينه التقليدية املتداولة حاملة مضامني الفخر واالعتزاز والقوة والنفاذ ،

.متخلصة من البكاء والندب وتشخيص األحزان من اجلنـوب ) ر علي منيف مش( كما جند الشاعر جاسم الصحيح يف رثائه للشهيد

اللبناين ؛ ينتقل ويهجر واقعه إىل معطيات التاريخ فريى أن البطل الشهيد مل يكن من عصره : احلاضر ، فيقول مبتدئا قصيدته

. . من بعيد جاء ال أعلم من أين . .ولكن من بعيد رمبا من طعنة يف جسد التاريخ )خيرب ( يوم التحم اجليشان يف فجوة الطعنة فانسل الفىت من )٢(كي خيتصر التاريخ يف جرح

٧٦، ص) هـ ١٤٢٤الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ١عبد الرمحن العشماوي ، ط: نت القدس أ) ١( ١١٧جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ٢(

Page 84: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

وتترك أمام املتلقي فضاء واسعا .. ) من بعيد جاء ( هكذا تبدأ القصيدة جبملةخربية من التخيالت والتأمالت ، فالفاعل جمهول ، والبعد جمهول ، ويتكرر التأكيد على بعد اآليت

، ويسبق هذه العبارة سيل من ) د ولكن من بعي( من خالل عبارة حمورية تتكرر يف القصيدة االستفهامات واالقتراحات ، وال يزال النص يقلق السامع ويستثري تطلعاته إىل معرفة اآليت ،

، ولكن البعد الذي يركـز عليـه ) خيرب ( وحتديد هويته ، ويتحدد املكان الذي أتى منه للمفارقة الشـعرية لسـببني مكانيا ، إذ أن البعد املكاين ليس جماال رحبا الشاعر ليس بعدا

زوال تأثري البعد املكاين يف عصر ثورة التكنولوجيا : موقع املبدع وبيئته ، وثانيهما : أوهلما والتقنية اليت قد اختصرت متاعب وعناء املسافات ، ولكن البعد زماين اهليئة وهلـذا جنـد

: الشاعر يربزه بعد ذلك فيقول .. المس القعر ومضى يسبح يف كينونة األشياء حىت وحىت القعر ال يعلــم من أين الفتــــى جاء ان خارج العصــــــر ـولكن من زمـــ ذا الوهـــج الروحــــــــــي ـفه )١( ..والذ ـال ميكن أن ينجبـــــه عصر من الف

إنه بعد زماين ، ومفارقة بني احلاضر واملاضي ، دفعت الشـاعر إىل أن يـذهب إىل املاضي فيسقطه على واقعه ، وال يكتفي بتالحم اجليش اإلسالمي واليهودي يف خيرب التاريخ

، ولكنه ينتقل من خالل التاريخ أيضا ـ عن احلروب واملعارك إىل ميدان آخر إنه ميـدان : توظيفا آخر ، فيقول ) جمنون ليلى ( الوجد والعشق وأشواق احملبني ، فيجد يف قصة

ــارا بدت فتنته أعنــف نــ من قتيل امرأة دهرية خامرها الشوق ..استدرجته امرأة من خارج الدهر ) العامري(فهذا على الدرب ) كذبة نيسان(جتلى فرأى وتال من جنود حيرس الكذبــــة

١١٩جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١(

Page 85: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

..خلف التـــل ) لياله(فيما أشرقت نادته )١( ..وقد كان على بعد جحيم واحد من جنة الوصل

شاعر متلقيه فيما سبق حائرا قلقا إزاء حتديد املتلقي اآليت من بعيد ، فإنه وكما ترك الهنا يضعه يف حرية من نوع آخر ، فيصبح املتلقي مندهشا مذهوال أمام هـذا االسـتدعاء التارخيي للعشق وأسبابه ، ولكن الذهول يزول بعد ذلك وتتجلى قيمة اسـتدعاء التـاريخ

واملعشوقة الشهادة يف سبيل اهللا أو اجلنة عرب تناوب جـائز فيصبح العاشق العامري شهيدا ، يف الداللة واإلحياء ، وقد برز العامري قبل ذلك فىت قد اجتمعت فيه مجيع دواعي العشـق واالفتتان ، وأصبح كل ما حوله عاشقا مفتونا به ، ولكنه أعرض عن عشقهم مجيعا ، مؤثرا

: ق يف القلب ويربز استدعاء تارخيي جديد ، ويزداد الشو) اجلنة أو الشهادة ( ليلى .فشب الوجد يف ترسانة القلب وثار املخزن النـاري يف التل : فما نسمع إال )أرين أنظر إليــك ( )أرين أنظر إليــك ( غرق املشهد يف النشوة حني اختلطت رائحة الليمون بالبارود باألشالء باجلرأة )٢( الذي حلقبالوجد اإلهلي

١٢٣جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١( ١٢٤جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ٢(

Page 86: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

عليه السالم حني ) موسى ( إىل ) العامري ( فيتحول ذلك الوجد والعشق من Qe]� ��)&☺¢% �: اشتاق إىل رؤية ربه كما قال تعاىل

Y!£�2� %�wD�5&�\D☺D( ��$☺�S}�� ��$I?�` ¤%&

��A�` ¥1D¦`�* =:�l��* ية هنا ، حيث تتكرر ، ونلمح تكرار وإحلاح البطل على الرؤ )١( � ��)&�.�

، ويستمر تنقيب الشاعر يف التاريخ الفرق يف النشوة ويعقب هذا اإلحلاح واإلصرار ) أرين أنظر إليك ( : وحبثه عما خيدم جتربته فيصف الوجد اإلهلي السابق بأنه

) احلالج ( هذه صوفية غابت عن )٢(يف تأويله الناري للعشــــق

استدعاء التاريخ والبحث فيه ، توظيفه توظيفا متعددا ، جعل إنه إصرار من الشاعر على تستدعي املاضي وتستحضره ، وهنا تبدو االختالفات بني استدعاء القصيدة يف مجيع أفكارها

التاريخ عند العشماوي وجاسم الصحيح ، حيث نظر العشماوي إىل زاوية تارخيية واحدة قد نظر إىل العديد من زوايا التاريخ وتعددت أما جاسم الصحيح ف) جعفر الطيار يف مؤتة (

لديه التناوالت ، فمن خيرب إىل جمنون ليلى مث قصة موسى فاحلالج أخريا ، وإذا كان صوت البطل الشهيد مسيطرا على نص العشماوي ، فاألمر خبالفه عند الصحيح حيث سيطر

ية وإكبار البطل اليت أتت صوت البطل املعاصر ، وتربز ثورته عرب العديد من الصور ، أما حتعند العشماوي من البطل التارخيي القدمي فإا عند الصحيح تأيت من املبدع مكربة من شأن

: ذلك الدم التارخيي ومؤملة يف احلاضر الكئيب ) القدس ( أيها الزاحف حنو . .را من دم خيترق التاريخ الزلت والزلت والزلـت )٣( رفىت تنجبه كل احلرائــ

١٤٣األعراف آية سورة) ١( ١٢٥جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ٢( ١٢٩جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ٣(

Page 87: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

ومجيل أن جيسد الشاعر رؤيته يف آخر قصيدته بصورة فنية ، حيث الشهيد ر من دم خيترق التاريخ ، واختراق التاريخ هنا للداللة على أصالة الشهادة واجلهاد وأا حتتفل برصيد تارخيي عظيم برز يف صورة ر متدفق من ماء الشهداء ، والشعراء قد أعطاهم

استدعاء التاريخ ختليصا من والول املصاب وتشخيص األحزان وبكاء التعزي باملاضي واملوتى ، وإذا بنا جند رثاء جديدا يتحول فيه املضمون وتتغري العاطفة ، فيصبح أشبه ما يكون بشعر احلماسة ، وتعلو فيه نربة الفخر واالعتزاز وتسيطر عليه رؤى األنفة واإلباء ، ومتلؤه

.نشوة النصر والغلبة رثائية مطولة أخرى للشاعر جنده أيضا يوظف التاريخ فريى املرثية الفلسطينية ويف

: مهرة قادمة من معركة الريموك ) األخرس آيات( .حدق الدهر

: تبعث لألجيال من حفرا إحدى الرسائل ) خولة ( ى ففأل ) الريموك ( مهرة قادمة من ساحــة

ظلت تعرب األصالب من فحل إىل فحل ومتتص الفحوالت إىل قعر املفاصــل كلــما شدت خطــــــاها

)١( كسرت ظهر املسافات وأضالع املراحلاليت ) خولة بنت األزور ( فاالستشهادية الفلسطينية مهرة قد أجنبتها الفرس األصيلة

لت قادمة ، ظ( قد أبلت بالء عظيما يف حركة هذه املهرة السريعة واليت متثلها ألفاظ النص ، وهذا القدوم السريع يشتد حىت يتكسر ظهر ) تعرب ، من فحل ، متتص ، شدت خطاها

جاوز تلك القرون الطويلة ، حىت تصل إىل الزمن تاملسافات وأضالع املراحل الزمنية ، فتاحلاضر خولة جديدة ، وفارسا ملثما جديدا ، فقد وجد الشاعر أن التراث التارخيي

أن األحداث ((شفافة يطالع من خالهلا الواقع ، وقد وعى بشخصياته ومواقفه مرآةوالشخصيات التارخيية ليست جمرد مظاهر كونية عابرة تنتهي بانتهاء وجودها الواقعي ، فإن

١٣٦جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١(

Page 88: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

، )١( ))هلا إىل جانب ذلك داللتها الشمولية الباقية والقابلة للتجدد على امتداد التاريخ مة يف أن التاريخ يكرر نفسه مبا تشتمل عليه من تأويالت وهذه الرؤية لطبيعة التاريخ والقائ

هي اليت يستغلها الشاعر املعاصر يف التعبري عن بعض جوانب جتربته ليكسب ((وإحياءات هذه التجربة نوعا من الكلية والشمول ، وليضفي عليه بعد ذلك البعد التارخيي احلضاري ،

وهلذا فإن التاريخ يصبح خارجا يف قراءة ثانية أو )٢( ))والذي مينحها لونا من جالل العراقة جديدة على يد الشاعر املعاصر وليس التعامل مع التاريخ وبناء التجربة الشعرية يف سياقه أمرا سهال ولكنه حيتاج إىل شاعرية مدركة ذكية ، تعرف كيف توظف التاريخ ومىت وأين ،

يف النص السابق مل يأخذ ) ليلى جمنون( وهلذا فإننا جند الشاعر حينما وظف شخصية الشخصية جبميع مالمحها وعناصرها التراثية ؛ ولو فعل ذلك لفشل توظيفه التارخيي وتراجع تأثري شاعريته ، ألن انون التراثي قد أصيب باملرض واعتزل اتمع وتعطلت فيه نزعات

ئي الشهيد ، ولكن إنسانية كثرية ، وبالتايل فهو ال يصلح أن يسقط على شخصية الفداالشاعر أخذ ملمحا يف تلك الشخصية وهو اإلصرار على عشق ليلى العامرية وعدم قبول أي بديل هلا ، وهذا ما جنده يف عشق الفدائي للجنة والشهادة وإيثارها على كل شيء وعلى ضوء ذلك فإن التعامل مع التاريخ يف التجربة الشعرية ينبغي أن يكون حبذر تام ووعي

راك ، وهلذا فإننا قد جند استدعاء تارخييا ينفذ من خالله النقاد ويوقع صاحبه بني فكي وإدالراصدين واحملللني ، ولعلنا نلمس شيئا من هذا يف مرثية للشاعر جاسم الصحيح أيضا ، وقد قاهلا يف رثاء سبعني ضحية من األطفال والنساء الذين قد التهمهم حريق هائل يف خميم

مليكة القديح ((هـ ، وكان عنوان قصيدته ١٤٢٠األحسائية عام ) القديح ( ة للزواج بقري : ومما جاء فيها ، ))الشهداء

!!ما أرشد األحساء لألحزان . . املآسي ) سبأ ( يا

١٥١علي عشري زايد ، ص: استدعاء الشخصيات التراثية يف الشعر العريب املعاصر ) ١(القاهرة ، دار الفكـر العـريب ، ( علي عشري زايد ، : اء الشخصيات التراثية يف الشعر العريب املعاصر استدع) ٢(

٢٨ص) هـ ١٤١٧

Page 89: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

)١( العريق) هدهدها ( إن لألحساء يف األحزان ملا بينهما من ) القديح ( حيث نظر الشاعر إىل سبأ وما محل ا فأسقطه على قرية

عمق املأساة ، ولكن سبأ كفرت بأنعم اهللا فأرسل اهللا عليها سيل العرم عذابا وجزاء ، أما ما حل يف قرية القديح فإننا نثق بأن الشاعر ال ميكن أن يرى فيه عذابا لكفرها وجزاء ألهلها ،

يته البديعة ولو ختلص الشاعر من هذا االستدعاء التارخيي لكان يف ذلك تألق إضايف ملرث .الرائعة

وليس كل نظرة إىل التاريخ وذهاب إليه يثلج الرؤية الشاعرية ويشبع رغبتها العصرية الفاقدة ، فترجع منه مثلجة الصدر فرحة ريانة بالعزة والشموخ ، ولكن هذه النظرة قد

ني قد فقدته ، وأحست ببعده عنها ، وهنا يربز الفارق ب اتبكي ذلك املاضي البعيد ألتني ، من رأت مشوخ ونضارة التاريخ فأسقطته على واقعها مث عاشت النشوة يالنظرتني التارخي

حيال هذا اإلسقاط وخامرها التاريخ فعكس واقعها وبدل آالمها ، أما األخرى فقد نظرت جعت منه باكية عاجزة ، ألا مل تستطع أن تسقطه على واقعها ، فشغلها رإىل التاريخ وذلك املاضي البعيد عن بكاء واقعها املؤسف ، ومن مناذج ذلك ما قاله أمحد بن البكاء على

سليمان اللهيب يف رثاء بغداد وما تعانيه من جور وظلم النظام احلكام فيها ، حيث ذهب إىل التاريخ املاضي ، حينما كانت بغداد دار اخلالفة وعاصمة املسلمني ، وصاحبة رالشاع

: ار فبكى ذلك الزمن ، ومات التاريخ اهليبة والقدر واالعتب حبك فهو كاخلرس أضناه ى ؟ـتـبغداد مالك مل جتييب ف

مأسورة بشفاهك اللمس ة ــأنا لست إال صوت قافي مقطوعة األوتار واجلرس ـــذبةأنا حلن أحشاء مع

إين أراك كأختك القدس يا ويح أغنييت اليت صدحت صاغت حكاية عامل خبس ا ـفـأوراقها مزق ، فوا أس

)٢(ما كان أقبح ليلة العرس ـاأمل وافخ ـهو مأمت التاري

. ٤٦١ص) هـ ١٤٢٥بريوت ، دار اهلادي ، ( ١جاسم الصحيح ، ط: أعشاش املالئكة ) ١( ٥٧ص) هـ ١٤٢٤األديب بالقصيم ، بريدة ، النادي ( ، ١أمحد بن سليمان اللهيب ، ط: النبع احلزين ) ٢(

Page 90: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

هكذا يطالعنا نص الشاعر ذه اللغة املليئة مبصطلح احلزن واألسر والعذاب ، فقافيته مأسورة ، وأحشاؤه معذبة مقطوعة ، وأحرفه ضاعت يف خارطة مبيعة ، مث متزقت أوراقها ،

، مما قلل ) األنا ( ملا ، ونلمح يف النص بروز ذاتية الشاعر وخروج فامتأل قلبه أسفا وأالتفاعل معه النفراده يف رثاء املدينة العربية العريقة بصوته املتوحد ، مث يعلن بعد ذلك موت التاريخ متأملا هلذا املأمت العظيم ، واملوت هنا يصور مدى الصلة القوية الوثيقة بني الشاعر

القصيدة بلغتها وأسلوا إىل مؤامرة حتاك وأبالسة يعملون ، ولكن ذلك وماضيه ، وتومئ ، يبقى يف حالة من االضطراب املعنوي والفين ، وقد يكون انعكاسا ملا تعانيه نفس الشاعر

واليت قاهلا يف رثاء السوق الشعبية باهلفوف ) القيصرية ( فإنه يف قصيدته أما جاسم الصحيح لى التاريخ انتهاءه وتوقفه عن االستمرار يف تلك السوق احملترقة بعد بعد احتراقها ؛ ينكر ع

: امتداده فيها أكثر من قرن كنت عروس األرض

وكان التاريخ على جسمك فستان خيطبك احلاضر من ماضيك

. . فترفضه الباعة . . . . . . . . .

والتاريخ املعطــوب تساقط من أعلى صهوته فوق متون اجلدران

)١(كيف تعذر أن حيرسك التاريـــــخ

وهنا يربز التفاوت بني استدعاءات التاريخ والنظر إليه ، حيث ترجع بعض النظرات فرحة مسرورة ، ومتفائلة أبية ، وهذا األعم الغالب ، على حني يرجع بعضها باكيا حزينا ،

. باألسف واآلالم ، وهذا من القليل النادر اومملوءم يستدعون التاريخ ويستلهمون أحداثه ووقائعه ، ويوظفون إن الشعراء وه

شخصياته ورموزه قد فعلوا ذلك قاصدين حترير القصيدة الرثائية املعاصرة من طغيان النربة

١٢٢جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١(

Page 91: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

الغنائية اليت الزمت القصيدة العربية احلديثة قرونا طويلة ، كما أم أضافوا إضافة إىل درامية على الشكل الفين لقصيدة الرثاء املعاصرة ، قصدهم السابق ـ نوعا من املوضوعية وال

ووجدوا يف التاريخ بأحداثه وشخوصه معادال موضوعيا للشعور املسيطر يف التجربة الشعرية الطريقة الوحيدة ((، فعرفوا أن .. الرثائية ، ذلك الشعور املتمثل بالفقد واملوت واملصاب

اد معادل موضوعي هلا ، وبعبارة أخرى جمموعة للتعبري عن العاطفة يف قالب فين تكون بإجيمن املوضوعات ، أو مواقف ، أو سلسلة من األحداث تشكل وعاء هلذه العاطفة اخلاصة ،

ث اخلارجية موضوعة يف جتربة حبيث تنفجر هذه العاطفة يف احلال عندما تقدم األحدا )١( ))حسية

العناية ، ما يتعلق بازدواج ومن أهم جتليات ظاهرة االستدعاء التارخيي وأحراها بالرؤية الشعرية وكثافة العامل الفين الذي يتحرك فيه املبدع ، إىل درجة جتعل من هذا العامل

.نسيجا مشتبك اخليوط ، متعدد الطبقات ، متماوج األلوان

٩٥ص) م ١٩٦٨مصر ، دار املعارف ، ( ، ١حممود الربيعي ، ط: يف نقد الشعر ) ١(

Page 92: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

ـ اإلجنازات ٢دي من بروزالتاريخ خمدوما يف الرثاء السعو لعله من اجلدير باالهتمام حيال البحث يف

صد املنجزات وتسجيل أعمال املرثيني أن نبني حقيقة علمية طاملا أشغلت الباحثني رخالل يف مناهج التاريخ وسبل دراسته ، وهذه احلقيقة قد اشتغل ا علماء التاريخ أنفسهم واهتموا

ائل ا ، ومفادها وفحواها التنازع يف التاريخ ذاته من حيث تصنيفه بني العلم والفن ، فمن قبأنه علم ال فن أو العكس ، ومن قائل بأنه علم وفن يف آن واحد ، ومن املهم هنا أن نؤكد

سواء أكان علما أم مل يكن فهو فن من ((على ما يراه بعض رجال األدب ؛ من أن التاريخ الفنون ، ألن احلادثة التارخيية حتتاج إىل براعة الكاتب حىت يربزها يف الثوب الالئق ا ،

احلدث التارخيي يبقى جمرد حدث إن مل يتناوله قلم املؤرخ أو األديب فيشرح ويفسر ف )١( ))بأسلوب جذاب أسباب احلدث والظروف املختلفة اليت أدت إليه

واألدب عموما يعد من مصادر التاريخ املهمة ، والنقد احلديث يشري إىل أن كل نص جربة واملوضوع والظروف اإلبداعية األخرى أديب حيمل قيمة تارخيية متتد وتنحسر حسب الت

، لقد مت تشغيل فعل التاريخ يف النص الرثائي العريب منذ اجلاهلية ، لكن الشعرية العربية القدمية مل جتعل هذا املكون النوعي هو املهيمن يف النص ، كما أن فعل التاريخ فيها كان

صخرا يربز فعل التاريخ لديها يف يأخذ منحى عموميا ، فاخلنساء مثال حينما ترثي أخاهاكرمه وشجاعته ، ولكن هذا التاريخ خيرج عاما يصدق يف كل كرمي وشجاع فمثال

ا إال أا قد يوإن أخذت هذه اجلمل بعدا وإحياء تارخي) للجيش جرار ، إذا نشتو لنحار ( والترمجة ، افتقدت صفة الدقة والتحديد ، اليت لو توافرت فيها ألكسبتها طابع التارخيية

ي ذلك لو أوردت اخلنساء فعال حقيقيا أو حدثا حمددا جتسدت فيه صفة وكان باإلمكان تأتمن شأن القيمة نغضيد أن نر، ولكننا مع ذلك كله ال يالكرم أو الشجاعة ألخيها املرث

التارخيية لرثائها ، حيث إن للشعر اجلاهلي خصوصية ترتبط بزمنه وبيئته وجتعل له قيمة ولكن الرثاء راكم نتاجا . رخيية عظيمة ، السيما وزمنه مل يسانده فيه مصدر تارخيي آخر تا

من التاريخ يف فترات متأخرة ، وظل هذا النتاج ينمو منوا نوعيا ، ولكن منوه يتداخل مع منو

) ت .د( ٧١ص) مصر ، دار املعارف ( ، ١حسن عنان ، ط: منهج البحث التارخيي ) ١(

Page 93: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

أبنية ورؤى أخرى حبيث ال نستطيع يف أحسن األحوال سوى االقتراب من بعضها ، فالتاريخ يكون سياقا خارجيا ميثل : الرثاء املعاصر له أكثر من صيغة وحضور التاريخ يف

باعثا للقول الرثائي ، وهذا الباعث قد يتولد منذ حلظة اإلحساس مبوت املرثى أو خالهلا أو داخل النص الرثائي يصبح بنية ، مث بالتايل موضوعا جزئيا يف وحينما ينتظم التاريخ . بعدها

النادر من خروجه ؛ تبعا لتعدد املقاصد واختالف التجارب ، مما يعين الغالب أو مركزيا يف حيضر الرثاء يف التاريخ ، وحيضر التاريخ يف الرثاء ، فيكون التاريخ : أننا أمام تقاطع الطرفني

. يف سياقه اخلارجي فضاء واقعيا أو متخيال لتكوين املرثية اعثا للرثاء ؛ وللجواب على وهنا قد خيرج تساؤل طريف عن سبب كون التاريخ ب

!! ذلك ينبغي لنا استحضار واقع الرثاء ، حيث ينشأ يف حلظة ينتهي ويقف عندها التاريخ فاملرثيون مبوم ينتهي تارخيهم وتقف أعماهلم ويصبحون كتال قد أخذت حيزا حمددا يف

يف الرثاء فضاء بانيا ذاكرة األشياء ، والرثاء بالتايل ميثل فجرا ألدب التراجم ، والتاريخ ميثل . ومؤطرا ، وحضوره ليس خارجيا بل حضورا فاعال ومؤثرا

ويف الرثاء السعودي يربز إحساس متكرر لدى الشعراء بأمهية التاريخ ، فيحاولون إجياده وخدمته ويربز حضور دوال التاريخ من خالل ذكر الدوال املعربة عنه أو لغة األرقام

ون التاريخ لذاته فحسب ، ففي رثاء امللك عبد العزيز ـ رمحه اهللا املوحية به ، وكأم يكتب : ـ ينظم ضياء الدين رجب مقطوعة يف رثائه تتكون من مخسة أبيات فقط ومنها

عظائما إن تغب واهللا مل تغـب صنعتها أمل التاريخ ناطــقة )١( ضاقت ا سري التاريخ يف الكتب ست وسبعون قد أودعتها حقبا

مبا تسعه هذه ) األمل ( صفة ) املرثى ( يضفي الشاعر على القائد العظيم ((حيث اللفظة املوحية من إشراق ونتاج إنساين هائل ، وهو ال يكتفي بذلك بل يربط ذلك

يف شخص امللك عبد العزيز ))خلودا إنسانيا بعيد املدي ((بالتاريخ مكسبا إياه ) األمل ( تلك املآثر اخلالدة اليت تركها الراحل العظيم ماثلة حية تدل ـ رمحه اهللا ـ لتصبح بالتايل

٤٠٧ء الدين رجب ، صضيا: ديوان ضياء الدين رجب ) ١(

Page 94: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

مث يف اليبيت الثاين جنده قد خلص الزمن وكثفه ، )١( ))على العظمة واخللود بعد غيابه كاشفا األثر الزمين اهلائل الذي جسدته الست والسبعون من السنوات ، وهي عمر ((

من عظيم ، وآحاد تصل على احلقب ، فالست الراحل العظيم ، اليت أصبحت رمزا عظيما لز .)٢( ))والسبعون عمر مديد ملئ باجلالئل من األعمال العظيمة

أما عبد اهللا بن إدريس فإنه جيسد الزمن يف فترة حكمه ال عمره ، حيث يقول يف : رثائه للملك عبد العزيز أيضا

)٣( أمضيت غرسا فاجنها أمثارا مخسون عاما بل تزيد ثالثة

ا يف رصد الزمن وتتضح باستخدامه هليعاليت تستوقفنا هنا الدقة اليت حرص الشاعر ووهو يكتب أو الذي يفيد االضطراب ، وحرصه هنا يعكس دوره) بل ( العطفحرف

يقول هذا البيت ، إنه دور املؤرخ احلذر الدقيق والذي خيشى أدىن زلل أو تقصري ، أما دور بيت دون استدراك حلمله على ااز أو الغلبة ، ولكن الشاعرالشاعر فال مانع من ورود ال

. شعور املؤرخ الراصد الدقيق هنا حيمل واحلقيقة أن القيمة التارخيية يف النوذجني السابقني وإن كانت جلية بارزة ، ومقصودة اء باهتمام إال أنه قد داخلتها قيم أخرى تتعلق بالوطنية والفخر ؛ ولكننا قد جند لدى شعر

جا تستقل ببعدها التارخيي ، وال تقدم لنا إال تارخيا خالصا ، فتقترب هذه ذآخرين مناقول ومن ذلكالنماذج من النظم التارخيي ، وتغيب فيها العاطفة ، ويهدأ بريق الشعور ،

: صاحل بن سليمان بن سحمان راثيا الشيخ عمر بن إبراهيم آل الشيخ يف صومنا روحه اشتاقت ألار يف ثالث بعد عشرين بطائفــنا

جرى املقدر واهلفي ملختــار مخس وتسعني عاما بعد هجرتنـا )٤( يف طاعة اهللا يف أمر وإنكــار ست وسبعون عمر منه قد عمرت

٢٨عبد اهللا باقازي ، ص: شعر ضياء الدين رجب بني املوقف والصياغة ) ١( ٢٩املصدر السابق ، ص) ٢( ١٧٣عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ٣( ١٩٦إبراهيم الفوزان ، ص: حتقيق د: ديوان الشيخ صاحل بن سليمان بن سحمان ) ٤(

Page 95: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

هنا سوف تبقى وثيقة تارخيية دقيقة ترصد تاريخ وفاة املرثى باليوم والشهر فاألبيات ت إشارة إىل تاريخ ميالده ، ألنه قد ذكر عمر املرثى حني والعام اهلجري ، كما تعطي األبيا

بعدا وفاته ، ومع ما فيها من التكلف والنظم الصرف إال أن أواخر األبيات حتمل شطورهانظم ، فكأن الشاعر حياول املزاوجة بني القيمتني التارخيية والفنية فنيا ينأى ا عن ركاكة ال

: دبيا كما يوضح املخطط اآليت يف كل بيت ، لتأخذ قصيدته طابعا أ روحه اشتاقت ألار ثالث بعد عشرين يف صومنا

جرى املقدر واهلفي ملختار . .مخس وتسعني عاما بعد يف طاعة اهللا يف أمر وإنكار . . ست وسبعون عمر منه

تقسيم ففي البيت األول صورة ، إما البيت الثاين ففيه لوعة وحتسر ، مث يف الثالث وطباق ، وكل ملمح من هذه املالمح يأيت بعد نظم تارخيي حبت تتجاور فيه لغة األرقام

صومنا ، ( وجبانبها لغة زمانية أخرى ) ثالث ، عشرين ، ست ، تسعون ، مخس ، سبعون ( فما فعله الشاعر من هذه املزاوجة واملداخلة كان حماولة يف إخراج قصيدته ) عاما ، عمر . ، مع احلرص التام على رصد التاريخ بدقة وثبات بأسلوب أديب

: وكذلك يقول علي النعمي يف رثاء الفيصل أهدى الوجود السود من أبنائه يوم الثالثا أي يوم مظلـم

احلادي وبعد ضحائـه بربيع عاشر يف ثالث من بعد يوم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

)١( زائهرم من أــزلزاهلا بالضخ وم كأن األرض فيه زلزلت يحيث حياول تصوير هذا اليوم ، وبيان ما حدث فيه من شدة اهلول ، تصويرا بيانيا ، وكما جند هذا الرصد التارخيي املشبع باألرقام املعربة عند شعرائنا املتقدمني إىل حد ما فإننا

فهذا عبد العزيز اليحىي يقول يف رثاء الشيخ حممد بن جنده كذلك لدى شعرائنا املتأخرين ، : عثيمني ـ رمحه اهللا ـ

١١٤النعمي ، ص علي: النغم احلزين ) ١(

Page 96: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

من القرون وعقد العمر ينفصم أللف عام مضى تتلوه أربعـة )١( يف نصف شوال واأليام تنصرم لعام إحدى وعشرين مضني لنا

كلفة ونالحظ أن االهتمام برصد التاريخ هنا قد حول األداء إىل صناعة لفظية متومستهجنة ، تنم عن إسراف يف التعمل ، وقد افتقدنا تلك الومضات واإلملاحات الفنية اليت كنا نشاهدها يف مناذجنا السابقة ، حيث كانت تستر شيئا من هذا اإلسراف ، وقد جند

: رصدا تارخييا لوفاة الشيخ بن عثيمني يكون أكثر دقة مما سبق ، حيث يقول مد اهللا املديد من الليايل قضى الرمحن باحلني ر شوال بعد العشر سادسة يف شه

)٢( والناس يف شغلهم بني العشاءين يف ليلة وضياء البدر مؤتلـــقفهنا جتاوز الرصد السنة والشهر واليوم ليتناول حتديدا زمنيا لوقت الوفاة يف يومها ،

ساعة أو الساعة والنصف ، فهو بني العشاءين ، ومعلوم أن ما بني العشاءين ال يتجاوز الرون من حتديد الوفاة صوهنا يقترب الشاعر يف تأرخيه لوقت الوفاة مما يفعله األطباء املعا

، وقريب من لغة األرقام يف دقتها وتارخييتها البحتة تسلسل األحداث بالساعة والدقيقة : رن والوقائع ومتابعة هذا التسلسل ورصده رصدا متدرجا كما يقول مشاعل آل مق

وقد كان الشعاع املستبــينا قبل عام بابــن باز فجعنا ناــيالدعاة الصاحلـ تفغيب ترض املنون بكـل هذاومل

واضعينا عن املصطفى ودرع وغيبت الصدوق بأرض شام )٣(قرينــا له عرفت هل حممد األثــايفوهذا احلرب ثالثة

طار املوضوع الشعري ، ولكنه رثاء وليس هذا التسلسل متكلفا أو خارجا عن إمتعدد ، وباعثه اإلحساس بسري الزمن ، وتذكر املاضي املبكي إزاء الواقع املبكي أيضا ، وهكذا نلمح اهتماما يف التأريخ واستشعارا لقيمته وضرورة رصده ، وقد يكون هذا التاريخ

اس الزمين ول املصيبة عالوة على قيمته التوثيقية الصرفة حيمل بعدا شعوريا يعكس اإلحس

٨٨١ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ١( ٩٦٨املصدر السابق ،ص) ٢( . املصدر السابق ) ٣(

Page 97: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

ووطأة الزمن وتسارع األيام وانقضاء اآلجال ، وليكون بالتايل من قبيل الذكريات املؤرقة . اليت تبعث على التأمل واإلحساس لدى املتلقي كلما وجدها أو مسع ا

ونتيجة هلذا االهتمام بضرورة الرصد التارخيي وتوثيق شيئا عن حياة املرثيني فإننا جند الهتمام األكرب والنصيب األوفر من البعد التارخيي يربز يف رصد منجزات املرثيني وتسجيل ا

مآثرهم وأعماهلم املهمة ليكون يف ذلك تربير للرثاء وإقناع بأمهيته ، وهنا يتجه الشعراء أوال .إىل خماطبة التاريخ حىت يشعر بقيمة املرثيني ومدى قيمة وجودهم فيه

: هري يقول يف رثاء امللك فيصل ـ رمحه اهللا ـ فهذا أبو تراب الظا بدد الظلـــماءمبداد نور فاكتب أيا تاريخ صفحة جمده من رمحة املوىل الكـرمي جزاء واذكر صنائع عاهل سقى احليا

)١( أضحت ا هذي البقاع مالءا را وانثر على مر الزمان مآثــاكتب ، ( ي يربز يف أفعال األمر فتشخيص التاريخ من خالل اإلحلاح والتكرار الذ

حيمل تقنية فنية تقوم على التحول ، حتول حياة املرثي إىل التاريخ ، فهو حي ) اذكر ، انثر بتارخيه ، وصنائعه ومآثره ، وهلذا يتجه الشاعر إىل خماطبة احلي والتحدث إليه ، فالتناوب

م معادلة رياضية متوازنة بني موت وغياب جسد الفقيد ، وبني كتابة ونثر التاريخ يقي . يتساوى طرفاها يف رؤية وجتربة الرثاء

ومثل أيب تراب جند عبد اهللا بن سليم الرشيد يقول يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز : ـ رمحه اهللا ـ

أجل املالحــم سفرهـخ ويف يا متون التاريخ قد جاءك الشيـ زمان خري التراجــمالملء مسع ترمجيه بالنور والتبــر واروي )٢( كيف يغدو اإلنسان حشد منا جم وأبيين لكل تال حمــــبولكنها يف هذا النص تأيت ) ترمجيه ، اروي ، أبيين ( حيث تتكرر لديه أفعال األمر جالء وأثرة ، وما هذا احلشد الطليب جتاه التاريخ إال مسبوقة بالنداء ليزداد التشخيص

١/٤٤آمال وآالم ، عبد العزيز األحيدب ، ) ١( .٦٢هـ ، ص١٤٢٠، ٢٢٢:٥) ١٧٠٧( جملة الدعوة ، العدد ) ٢(

Page 98: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

لراثية ، واليت ترى عظمة التاريخ وأمهيته كتابته ، فهو معادل موضوعي انعكاسا حلالة الشعر الفقد املرثيني وهو حياة أبدية تعوض غياب األرواح ، وهلذا جند يف النصني عبارتني

: ا يعكس إحساسا شاعريا متساويا مممتساويتني يف داللتيهما اروي ملء مسع الزمان = انثر على مر الزمان

الزمان المتالكه حاسة السمع ؛ وهو األخرية يتعني فيها تشخيص غري أن اجلملة امتداد لتشخيص التاريخ قبال ، وتعكس اجلملتان نظرة مستقبلية طويلة ال حيدها شيء ، مما جيعل الرثاء ال يقف على باعثه الظاهري أو يتقوقع حوله ، ولكنه ينطلق من أسر ذلك يف

. الزمين اجلدوى من كتابة التاريخ فضاء الالحدود ، ويعكس هذا االنطالق حياة التاريخ إن خماطبة التاريخ وما تعكسه من بدء حياة جديدة للمرثيني ؛ تتمثل يف

ه اخلافق ، ذلك اإلحساس الذي يصور ويعكس احلياة ؛ ويلغي بضنوحيويته املستمرة واريخ وإسباغ املوت والغياب ويستبدله باحلضور والعطاء ، ويبدأ هذا الشعور بتشخيص الت

ب األول صفة الثاين ويصبح وت املرثي وحياة التاريخ فيكسصفة احلياتية عليه ، مث يتداخل مممدودا ا بعد ذلك التداخل ، فتعود احلياة إىل املرثيني بعد اكتساا من التاريخ ، وهنا خترج

لسابقة ، رؤية وجتربة جديدة تصورها مناذج رثائية أخرى كانت صدى للنماذج والنصوص ا :ن ذلك قول عمر الربي يف رثاء امللك عبد العزيز ـ رمحه اهللا ـ مو

ولقسمة الباقي الطويل خلود بـعمران لإلنسان عمر ذاه د ــأثارهم قد ضمها التأيي انظر إىل العظماء كيف تدونت

١( وا بذوق ما له ترديــدمل م ــقد زينوا التأريخ حىت إ( عمر ذاهب وعمر باق ، ولكن الذاهب خيتفي وينهزم تأثريه فهنا يبدأ التداخل بني

فهذه املصطلحات قد أعطت العمر ) الباقي ، الطويل ، خلود ( أمام الباقي ملا يتصف به املتبقي قوة ورسوخا يعكس جتدد احلياة وإلغاء املوت ، كما أن اخلطاب الشعري السابق

ه بنشر وكتابة أثار وتراجم املفقودين والذي كان بأسلوب طليب يتوجه إىل التاريخ يأمر

٣٧٣عبد الرمحن السبت ، ص: شاعر العهود الثالثة عمر الربي ) ١(

Page 99: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

يتحول ، فيصبح التاريخ متفضال عليه ، ويصبح مكسبا له دخول تلك املآثر والتراجم فيه . ألا ستكون فيه عقود زينة وإضاءة ومجال

وهنا يبدأ التاريخ بالتواضع واالنكماش أمام عطاءات املرثيني وأجمادهم ومآثرهم ، نة وفضل ، فيملون عليه األسفار اخلالدة ، كما يقول عبد اهللا بن ويظهرون أمامه أصحاب م

: إدريس يف رثاء الشيخ حممد بن إبراهيم ني واإلرجاف بالصدق ال بامل أملى على التاريخ سفرا خالدا

تسمو على هام الزمان الغايف دا ــفأقام للعلم الرفيع معاه )١( افالشغثرا كشالل الضيا أضحت ألبناء اجلزيرة موردا

لقد حتول اخلطاب الشعري فأصبح املرثي فاعال ، ويتميز ما ميليه بالصدق واخللود بعيدا عن الكذب واإلرجاف ، ولعل هذا من أسرار التفوق األخري الذي تضاءل فيه التاريخ أمام املرثي ، حيث إن أسفار التاريخ قد يدخل فيها شيء من التهويل واملبالغات أو حىت

ب واملستحيالت ، وهنا يربز دور إملاح الشاعر السابق إىل صدق ما أماله املرثي األكاذيوانتفاء املني واإلرجاف عن سفره اخلالد ، وتستمر نظرة الشاعر حماولة خفض جناح التاريخ ذليال منقادا أمام إمالء املرثي ومنجزاته ، حيث تنقل لنا الصورة البالغية التاريخ مبدلول

إنه الزمان الذي يربز غافيا هادئا فتعلو على هامه أعمال املرثي ، وقد يكون تعبريي آخر ، الزمان الغايف هنا يرد للداللة على اجلهل السائد قبل انتشار التعليم وإنشاء تلك املعاهد ، وهنا أيضا يصبح الفقيد قد انتصر على حقيقة من حقائق التاريخ اليت ستبقى ممثلة له يف

.دد إطارها الزمين احملوأمام هذه الرؤى والتصورات اليت سادت اإلبداع الرثائي يف منحاه التارخيي يتشكل باعث جديد من املفترض أن تقترحه اجلدلية العقلية املفكرة ، إنه حاجة التاريخ إىل منجزات وأعمال املرثيني وتسجيل وقائعهم وجودهم التارخيية ، واليت سوف يزدان ا التاريخ ويصبح

نريا ، إا إضافات عظيمة إىل الثقافة اإلنسانية التارخيية ، كما أا إضافات إىل األدب ثريا

١٧٨عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ١(

Page 100: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

ب سواإلبداع ، ومن هنا هرع الشعراء إىل رصد ذلك يف رثائهم بأسلوب فين مشرق ، فاكت . التاريخ صفة العطائية الفنية املمتعة

لرثاء كما يقول طاهر وقد جعل الشعراء من اإلجناز يف السياق التارخيي مربرا ل : زخمشري يف رثاء امللك عبد العزيز ـ رمحه اهللا ـ

اـوختلفه األعمال توحي املراثي فكل سيسعى صاغرا حنو حتفه اـوما زال باقيسعيدا مبا أبقى الــفتجلوه لألنظار حيا ممث

وأمضى ليايل العمر سهران بانيا ـدا فكيف مبن أفىن احلياة جماه ا ـالرواسي بالدين حتكيمؤزرة ت على األرض قوة بىن أمة قام

اـنيفغنت ا األجماد تزهو روا ثـهاكما شاء اإلله انبعابناها )١(ا ـفقامت وعاد اخلري يدفق راوي بناها وكان العدم ينخر عودها

فيبدأ النص جمسدا نظرة كلية إىل موت كل البشر ، وأن كل إنسان ستخلفه أعماله ، وهذا الشعور مهم جدا ألنه يدخل يف فلسفة الرثاء الكلية ، واليت مل تعد موحية مبراثيه

قاصرة على أسلوا التقليدي املتمثل يف الندب والبكاء ، وبيان لوعة احلزن والفراق ، بل أصبحت أعمال ومنجزات الفقيد موحية وباعثا يف رثائه ، مث تأيت بعد ذلك املراثي لتأخذ

قع فتجلوه حيا ال ميتا ، مث يصفه بالسعادة لتتأصل نظرته ، فكيف منحى متباينا مع الواحاملة أقصى طاقة التعبري باحلياة والنمو ) وما زال باقيا ( مث تأيت مجلة !! يكون امليت سعيدا

، وامللفت للنظر هنا أن الشاعر يسوق هذه النظرية الفلسفية لتكون مقدمة للرصد والتأريخ على قصد وإرادة ومما يؤكد على عدم خروج مرثيته برصدها وعرض اإلجناز ، مما يدل

التارخيي من قبيل العفوية اإلبداعية ، إن هذه النظرة الكلية لكل مرثي ، واملوحية بكون فكيف مبن ( املرثية منبعثة من أعماله وإجنازه ، يأيت بعدها ختصيص وإفراد يبدأ باالستفهام

باملتابعة والكتابة ، إنه تاريخ فريد لشخصية فريدة ، ، ليبدأ رصد تارخيي جدير... ) أفىن يف البيت الثالث ، حيث مل يقل ) احلياة ، ليايل العمر ( ومن األلفاظ املشعة هنا جميء لفظيت

ليكون يف اللفظتني تقابل مع املوت والزمن ، فاحلياة وليايل العمر ال ) حياته أو عمره (

٧٥طاهر زخمشري ، ص: على الضفاف ) ١(

Page 101: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

رة بل تنطلق إىل الصراع األبدي إىل أن يرث اهللا األرض تقتصر على داللتها القريبة املباشا ويؤكده ، فالفقيد الراحل ولعلنا ندرك فيما يلي البيت املقصود ما يعضد هذومن عليها ،

أمة متصفة بالقوة والدين ، ومشبهة اجلبال الرواسي ، حيث حتمل هذه الصورة قد بىناهللا ثابتة على األرض إىل أن تقوم الساعة التشبيهية الثبات والبقاء ، فاجلبال قد أرساها

وتنتهي احلياة ، مث تتدفق لغة التأكيد بعد ذلك لتثبت عظيم األثر التارخيي الذي تركه يف بيتني متتاليني ، وتغين ) بناها ( اين ـ رمحه اهللا ـ حيث يتكرر الفعل املاضي باملؤسس ال

نشهد هذا الرصد وده البانية العظيمة وكمامث جبه األجماد وتقوم البالد مبشيئة اهللا وإرادتهلإلجناز التارخيي عند زخمشري فإننا نالحظه يربز عند أمحد الصاحل يف رثائه للشيخ محد

:عنها ااجلاسر ولكنه بصورة أخرى حيث مل تربز شخصية املرثي غائبة معرب ب ــك ثاقــمتحص أخبارا ورأي سهرت على التاريخ أرضا وأمة

بك الذكريات البيض حتدى النجائب يف اجلزيرة تلتقيويف كل شرب ب ــها مالعـــمرابع لآلثار في هاـتعهدت من آياا ورسوم

وكـــاتب أسفار وراو: نداماك ـها بأنت حبيـهذه اآلثار أبا مناهل ، يستقى نديـــك شارب العقول ومل تزلسقيت وألت

ك الترائــب واستبطنتـبأحداقنا أقمت بنا عمرا حفرت سنينـه يف حمتــواه العجائبوال تنقضي سفر ال يفيض معيـنةحياتك

فهنا تربز شخصية املرثي حاضرة وماثلة أمام الشاعر فيقيم معها حواره وحديثه ، سهرت ، متحص ، تعهدت ، سقيت ، ألت ، ( ويتجه إىل خماطبتها مستخدما األفعال

الفعل بنوعيه املاضي واملضارع ، ويرتبط يف مجيعها وهو حشد هائل من )أقمت ، حفرت تاء املخاطب عدا فعال واحدا ناب فيه الضمري املستتر عن تلك التاء ، لنجد املرثي بالتايل خماطبا يف مجيع هذه اإلجنازات ، لتكون هذه املخاطبة موحية ببقائه وحياته فتخرج الرؤية

حياة املرثي متمثال ذلك يف اإلجناز التارخيي املرصود الشعرية الكلية بالتايل مؤكدة على بقاء وبلغة احلوار بني املبدع والفقيد ، كما جند أن حمور العلم وما يف فلكه مسيطرا على مفردات املعجم اللغوي للنص ، ليعكس ذلك املعجم وبالتايل املنجز التارخيي ، ومن مفرداته هنا

Page 102: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

األخبار ، رأيك ، أسفار ، سفر ، األثار ، راو سهرت ، التاريخ ، أرضا ، أمة ، متحص ، ( ، ومن مجاليات البيت األخري ، تصوير حياة املرثي بالسفر ، وهو سفر ... ) ، كاتب ،

متصف بعدم غيض معينه وعدم انقضاء عجائبه ، لتكون حياته مستمرة باقية وقد مثلها ذلك ثي توحي حبياته وبقائه كمعادل السفر املوصوف ، وإذا كانت لغة احلوار والتخاطب مع املر

موضوعي للموت والفناء من خالل إجنازاته وأعماله ، فإن هذه التقنية قد تتطور وينمو ، فيذكر ) األنا ( إحياؤها بصورة أكرب ، وذلك حينما يصبح املرثي متحدثا ومفتخرا بلغة

: ويسجل بعض إجنازاته ، كما يقول أمحد باعطب يف رثاء امللك فيصل هأعمال انا ـأنا مؤمن ال أنكث اإلمي قالوا السياسة أن تنافق قلت ال

كاين حجا ولسـاناقليب وز ورهـدستوري القرآن طهر ن )١( يف الوحل تلفظه احلياة مهانا فمن ميرغ خـدهأنا ال أخون

عند الزخمشري والصاحل واملتمثل يف نظرة تارخيية كما الرصد للمنجز التارخيي وذلك فتظهر فيه لعطاء وأعمال املرثي ؛ يتلوه رصد آخر يكون أكثر دقة وجزئية من سابقه مشولية

، ومن الشعراء الذين كثر يف رثائهم رصد إجنازات وأعمال أعمال جمتزأة وحمددة للمرثيني أو من يرثيهماملرثيني حممود عارف ، حيث جند أن أغلب مراثيه ال ختلو من ذكر مؤلفات

لشاعر املذيع مطلق بن خملد الذيايب ، والذي كانت له ئرثاكا يقومون ا ، أعماهلم اليت كانو : تربطه به عالقة صداقة ومودة

واملزمارا ))املذياع ((واستثار ا رافق الفن ريشـة ويراعــ وأذاع الفنون واألخبــارا طاملا خط للورى صفحـات

)٢( هي حيارىو ))الذيايب((لغياب تبكي عليه ))مثرات األوراق (( : إىل أن يقول معزيا فيه اإلعالم

ن مذيعا جملجــال هدار ونعزي اإلعــالم فيه فقـد كا

١/٩٩عبد العزيز األحيدب ، : آالم وآمال ) ١( ٥٤٨/ ٢حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ٢(

Page 103: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

)١(يف الدجى تارة وحينا ارا عشرين عاما ))املكرفون ((صاحب فهو يروي سرية وترمجة حلياة صديقه املرثي تتمثل يف أعماله كشاعر وفنان ومذيع ،

ف مبدلوهلا العامي العائم ، ولكنه يرصد أعماال دقيقة تتمثل تلك وال يطلق هذه األوصاهي ) مثرات األوراق ( الصفات لدى املرثي ، على حني يوفرها يف غريه أعمال أخرى ، فـ

عنوان تلك املقاالت الصحفية اليت كان يكتبها املرثي ، ولكنها ليست مدلوال ألي كاتب دة خدمته يف اإلذاعة ، مما جعله يعزي فيه اإلعالم ، آخر غري املرثي ، مث يؤرخ بعد ذلك مل

فهذا الرصد التأرخيي ملنجزات الشاعر ال ميكن أن يصلح يف رثاء غريه ، مما جيعلنا نقول يف . النهاية بأا ترمجة خاصة ودقيقة ، دقيقة يف رصدها ، وخاصة بصاحبها

؛ فإنه ابتدأ ) سام دموع وابت( وحينما رثى صديقه أمني سامل روحيي مؤلف قصة : مرثيته بقوله

)٢( واآلالم ))للدموع ((عربة ))االبتسام ((كيف خلفت قصة وابتداؤه باالستفهام يوحي بكثري من املعاناة اإلنسانية لديه ، ونلمح هنا تقدميا

دم االبتسام خالفا لعنوان ق، حيث ) دموع وابتسام ( وتأخريا يف عنوان القصة األساس يف األصل ، ليكون يف ذلك انعكاس إحساس الشاعر بتغري ومفاجأة ،ويعكس هذا القصة

صاحبه عن التغيري مع االستفهام حالة الشاعر النفسية املتهالكة والتواقة إىل معرفة اجلديد ستشعرها من يالراحل بعد رحيله ، مث يعود يف آخر مرثيته ليستوحي بعض اإلجيابيات و

:عنوان القصة أيضا فيقول !! ))االبتسـام ((ـر وفيه نضارة ويلف الضياء وجهك بالطــهـ

)٣( !!بعد أن رصعت بتاج الوسـام ))دموع ((سوف حتيا األخرى بغري

٢/٥٥٠حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ١( ٥٨٥املصدر السابق ، ص) ٢( ٥٨٨املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 104: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا���ر��� : ا���� ا�����

وعندما استخدم امللك فيصل ـ رمحه اهللا ـ النفط سالحا هدد الغرب بقطعه عنهم اإلجناز التارخيي يف ، بسبب موقفهم السليب من قضية فلسطني ، فقد رصد الشعراء هذا

: مراثيهم له ، فهذا حممد علي املغريب يقول أن تصلي بالقدس واألركان يا محى القدس روح فيصل وى

ف وحيي من منرب اإلميـان يـفأعدي احملراب للقادم الضـ )١( أو يرى فيه أميا خســران قاطع النفط ال يبايل وعيــدا

ل ذلك املوقف البطويل للملك الراحل إمنا أراد والشاعر هنا عندما يرصد ويسجكذلك تسجيال دقيقا وتأرخيا خاصا ، فالتهديد بقطع النفط ال ميكن أن يكون موقف أي زعيم آخر سوى امللك فيصل ، وقد كان بإمكان الشاعر ذكر مناصرة امللك فيصل للقضية

عامة ، ولكنه أراد منح نصه الفلسطينية والثناء عليه بذلك الشعور النبيل من خالل عبارات . خصوصية دقيقة يف بعدها التارخيي اخلاص

٢٣٤ص) هـ ١٣٩٥جدة ، دار األصفهاين ، ( عبد العزيز أمحد شكري ، : الثالثاء احلزين ، مجعه ) ١(

Page 105: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

الفصل الثالث البعد اإلنساين

ـ املواساة يف أحداث إسالمية ١ ـ املواساة يف أحداث عاملـية٢

Page 106: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

إن استجالء البعد اإلنساين يف األدب أو الثقافة عموما أمر يأخذ من الصعوبة قـدرا ، ومع ذلك فالبد من االهتمام به وعدم إمهاله ملا له من قيمة عاملية مؤثرة ، إنه ليس باليسري

قد تكبله أو تقلل من تأثريه يصبغ األدب بصبغة االنطالق والشمول ، وحيرره من قيود كثرية مفهوم هذا عنوقفة عاجلة تكشف الوقوفيف ذلك البعد فإنه حيسن الوجلوفعاليته ، وقبل ، مث الطريقة املناسبة ملناقشته كبعد موضوعي يف غـرض الرثـاء السـعودي املصطلح أوال

. املعاصر املعىن الكلي الدال على اخلصائص املشتركة بـني مجيـع النـاس ، ((اإلنسانية هي

إا جمموعة خصائص اجلـنس البشـري ((، )١( ))كاحلياة ، واحليوانية ، والنطق وغريها ، وبالتايل فإنه يتحـدد )٢( ))متيزه عن غريه من األنواع القريبة املقومة لفصله النوعي ، اليت

لنا اال الذي يدور يف فلكه هذا املفهوم ، إنه اإلنسان جبسده وروحه ، وال يقف املفهـوم ق ـ هدفها ، بعند هذا احلد ولكنه تطورت داللته متحددا فيها ـ إضافة على جماله كما س

إىل خري اإلنسانية وسعادا وإىل إصالح اجلنس البشـري دف يف كل أعماهلا ((لتصبح سعيا وراء الكمال واملعرفة ووصوال إىل حقيقة اإلنسـان املطلقـة البعيـدة عـن كـل

، إا نزعة البشر إىل اخلري واحلب والشفقة والرمحة واإلصـالح ، وهـذا )٣())الشوائب اوال فيه ، وأصبحنا نسمع كـثري التصور األخري هو الذي استقر عليه املفهوم ، وصار متدا

. إخل .. باملوقف اإلنساين ، والعمل اإلنساين هو ذلك اإلنتاج اللغوي الذي يهم اإلنسان من حيث كونـه ((وحيث إن األدب

إنسان ، كمخلوق بشري يضطرب على ظهر هذه األرض ، يبلو جتارب احلياة اإلنسـانية من حيث كونه متخصصا يف ناحية معينة مـن فتؤثر فيه تأثريات شىت من كونه بشرا ، ال

بـريوت ، دار اآلفـاق اجلديـدة ، ( ، ١حممد مفيد قميحة ، ط. د: االجتاه اإلنساين يف الشعر العريب املعاصر ) ١(

. ٢٧، ص) م ١٩٨١ لسابق املصدر ا) ٢( املصدر السابق ) ٣(

Page 107: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

، حيث إنه كذلك فقد تشبع باإلنسانية من ناحيتني ، األوىل )١( ))نواحي النشاط اإلنساين . ، والثانية يف طريقة تشكيله ووظيفته ) اإلنسان ( يف جماله وموضوعه

رب العاملية وقد بدت هذه الرتعة اإلنسانية تربز بصورة أكرب يف الشعر العريب بعد احلأخذ يعاين قضايا اإلنسان وقضايا الشعوب من خالل األحداث الكثرية اليت ((الثانية ، حيث

عصفت باإلنسانية وسبب الكثري من الدمار والويالت واآلفات االجتماعية الـيت خلفتـها ياتية احلروب كأثر طبيعي هلا ، مث إن بروز اجلماهري على الساحة العاملية وطرحها للقضايا احل

ونضاهلا الدائب من أجل السالم واحلرية والعدل قد أثر يف الشعر العريب املعاصر ، وجعـل يواكب تلك األحداث ويتفاعل معها وا ، أضف إىل ذلك اإلنتـاج الفكـري والثقـايف وإطالع الشاعر العريب على نتاج كثري من الشعوب إما عرب الكتب املترمجة وإما عرب اللغـة

، واليوم أصبح هذا البعد اإلنساين متأكدا يف شعرنا املعاصر أكثر )٢( ))ك النتاج األصيلة لذلاإلنسان املعاصر بالبشـر وقضـاياهم كمن غريه ، وما ذلك إال نظرا التساع دائرة واحتكا

االجتماعية واالقتصادية والفكرية ، وساعد التقدم العلمي والتكنولوجي اهلائل الذي شهده فأصبح من احملتم على اإلنسان الذي يريد أن جيد له مكانا يف هذا العصر العصر على ذلك ،

أن يكون متفاعال معه ، مهتما بأكثر األمور التصاقا بالكل اإلنساين ، ومل يعد للنظرة اجلزئية أو املعاجلات احملدودة كبري شأن إذا قيست بتلك اليت تتصل باموع اإلنساين الذي يتخطى

إال أمثلـة )٣(ة والعرقية ، وما مشروع العوملة واإلنترنت والقنوات الفضائية احلدود اجلغرافيحقق الترابط بني أطراف العامل ((بسيطة ومؤشرات توضح تعاظم ذلك االحتكاك ، حيث

نوعا من وحدة الفكر مل تكن متاحة للشاعر القدمي ، وصارت كل قضية إنسانية يعيشـها ... رض هي قضية اإلنسان ـ كل إنسان ـ حيثما كان اإلنسان يف أي مكان على وجه األ

، وإمنا الشاعر املعاصر هو الذي تترابط يف نفسه أحداث عصره ، سـواء يف بيئتـه احملليـة احملدودة أو يف البيئة العاملية ، فتنعكس األحداث بعضها على بعض ، مشكلة يف نفسه دراما

٣٤، ص) ت .د( ، ) عابدين ، مطبعة الرسالة ( ١حممد النويهي ، ط. د: وظيفة األدب ) ١( ٥٨حممد مفيد قميحة ، ص. االجتاه اإلنساين يف الشعر العريب املعاصر ، د) ٢(، ) ١٩٨٦اإلمارات ، مطبعة العـني ، ( ١طحممد إبراهيم حور ، : الرتعة اإلنسانية يف الشعر العريب ) انظر ) ( ٣(

٩١ص

Page 108: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

اتنا املعاصرة ، فنحن اآلن ال نعيش قضايانا ، وهذا بدوره معلم من معامل حياإلنسان املعاصر ، )١( )).. وحدها ، ألن قضايانا مل تعد منفصلة يف الزمان أو املكان عن قضايا كل إنسان

ومن هنا يتبني لنا ضيق النظرة اليت تقول بقصر االجتاه اإلنساين على ما يتناول فيه األديـب نساين قد فرض نفسه حىت على القضايا اجلزئية قضايا عاملية من خارج بيئته ؛ ألن االجتاه اإل

واحملدودة ببيئة معينة أو مجاعة معينة ، حيث إن العامل كله سيعيش هذه القضية ويسمع ـا . ويباشر تفاصيلها أوال بأول

وعلى ضوء ما سبق فإن البعد اإلنساين يف الرثاء السعودي سنجده يف أغلب خروجه : يربز من خالل منطني اثنني مها

الرثاء يف قضايا إسالمية ، حيث ينطلق فيها الشاعر إىل خماطبة مجيـع النـاس _ ١ .وإدخاهلم يف تلك القضايا

الرثاء يف قضايا إنسانية عامة ، وعدم التقوقع يف الذاتية أو احلس اجلماعي احملدود _ ٢مليا ومـن ، وواقع هذا التقسيم يقوم على أساس املوضوع واخلطاب ، فإذا كان املوضوع عا

خارج بيئة وجمتمع الشاعر فهذا النمط الثاين ، أما إذا كان املوضوع بيئيا أو إقليميا أو حىت الشاعر فيه خياطب العامل أمجع ويشركهم يف معاناته وقضيته ؛ فهـذا الـنمط نذاتيا ، ولك

ـ ا األول ، ومن هذين النمطني فإننا قد نستطيع ذكر بعض الصفات اليت ينبغي أن تتحلىالرمحة والشفقة ، التأمل والبكـاء ، ( العاطفة ، وهي تدور يف فلكها ، ومن تلك الصفات

، ومجيع هذه العواطف تصبح باعثا للمواساة ، وهذا ما جعلنا نسم النمطني ) الوفاء والنبل . ا

بريوت ، دار العودة ، ( ، ٥عز الدين إمساعيل ، ط. د: الشعر العريب املعاصر ، قضاياه وظواهره الفنية واملعنوية ) ١(

١٥ص) م ١٩٨٨

Page 109: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

: املواساة يف أحداث إسالمية _ ١سع للرثاء ، حيث تسقط املدن ، إن أحداث العامل اإلسالمي ونكباته القائمة ميدان وانبعث الرثاء يوتتفاقم احملن ، وهنا وميوت الشهداء ، وحيل الدمار واخلراب ، فتتعدد املآسي

متسائال عن اإلنسانية احلقة ، اليت حتترم اإلنسان وحتفظ حقوقه ، وترمحه وتشفق عليه ، كما : يقول علي زين العابدين يف رثاء اجلزائر

جتمع فيها البوس والكربحريى مأوى مدامعهم بات النساء بال وقد أفنـاهم السغب يبكون يتما وبات أطفاهلا األيتـام يف فزع يقيه شر الطوى للموت ينجـذب يا ويح طفل رضيع بات ال لنب

)١(قضى اجلميع فال عطف وال حدب ال أم ال أب ال أخت جبــانبه ورجال ، والطبقتان األوليان حباجة دائمة إىل فاتمع يتكون أفراده من أطفال ونساء

ألا حمـل القـوة ني، واليت تقوم على رعاية وكفالة تلك الطبقت) الرجال ( الطبقة الثالثة واالقتدار ، والصرب والتحمل ، على حني يكمن الضعف والعجز يف األطفال والنساء ، وهنا

تمع املرثي ، فيصبح معاناة إنسانية وكارثة يف النص تغيب الطبقة الثالثة وتنفصم عن ذلك ابشرية ، وحياول الشاعر تكثيف تلك املعاناة ، فيأيت عنصر النساء أوال بال مأوى وقد جتمع فيهن الكرب والبؤس ، ولكنه ال يطيل الوقوف عند هذا العنصر بل حياول اإلتيان بعنصـر

األطفال ويشخص مأسام ، وهنا آخر تتجلى فيه الكارثة بصورة أكرب ، فينتقل مباشرة إىل) ال ( النفي بـ يظهرويبقى الطفل وحده ، وهلذا ) . النساء ( يب ذلك العنصر السابق يغ

ل ، فتغيب األم أوال مث األب ثانيا مث األخت أخريا كمدلول بديل للمفقـود فمأساة الط تالياحتما وهلذا جند اجلملـة األول ، لقد ذهب الرجال مث النساء وبقي األطفال الذين سيموتون

مث تأيت بعدها مجلة خربية أخرى تؤكدها ) للموت ينجذب ( خربية عن واحدهم يف النهاية يف البيت األخري ، حيث يـرد مخـس مـرات ، ويتكثف النفي .. ) قضى اجلميع ( داللة

بالءات مخس ليعكس نفي الشفقة والعطف ، والرمحة واملأوى ، وهنا يصاب الشاعر حبرية

٥، ص١٧/٨/١٣٨١، يوم الثالثاء ٣، سنة ١١٣صحيفة قريش ، عدد ) ١(

Page 110: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

قلق عظيم إزاء غياب اإلنسانية وقيمها النبيلة ، وينعكس ذلك أيضا يف بيت يعقب األبيات و : السابقة

)١( ومن سيحنو عليه حني ينتحب من يرحم الطفل من يرعى طفولته وكما حدثت هذه الكارثة اإلنسانية يف اجلزائر فإن هناك كوارث يف بـالد أخـرى

آلالم ، وكما ركز النص السابق على معاناة الطفل الذي بقـي متاثلها يف املعاناة والفجيعة وايف اية اللوحة املأساوية مفردا بال أم وال أب فإننا قد جند نصوصا أخرى تبقى فيهـا األم

حال تلك األم يف فلسطني ) حسن الصرييف ( مفردة متوحدة بأملها ومأساا ، حيث يصور : فيقول يف إحدى مراثيه صغري تدثــره بالدثــار حضنها وهاتيك أم ويف

الرتع يف حالة االحتضارمن ومل تدر مسكينة أنـه )٢( ويسعى إىل الرزق بني الكبار وحتسبه سوف حييا هلا

وتبدو الصورة مضطربة غامضة ، خالفا للوضوح والكشف الذي شاهدناه يف صورة ما حدث له ، فيبقى غيابه مـثريا النص السابق ، حيث خيتفي األب ائيا فال تبني مكانه أو

الكثري من التساؤالت ، وكذلك تغيب اية صورة الرضيع وأمه ، وهنا يصبح املتلقي حائرا قلقا بشأن اية الرضيع ، ولكن هذا الغياب وما أحدثه من اضطراب يف الصورة قد كمـن

ملبـدع يف إكمـال فيه مجال فين عظيم ، فالصورة حتمل املتلقي على التنبؤ واالشتراك مع االصورة ، كما أا حتاول الترفق بذلك املتلقي وعدم صدمه بالنهاية املؤملة ، لتأخذ الصـورة يف ايتها بعدا إنسانيا يقوم على الرفق والرمحة باملتلقي والشفقة عليه ، ويكون هذا األخـذ

ح إنسانية عاطفة مفارقة مع الواقع الذي قد غابت فيه اإلنسانية ، فتعظم رسالة األدب وتصب . مشفقة ، حتاول أن تعوض وتقابل ما فقده الواقع من القيم النبيلة واملعاين املشرقة

. املصدر السابق ) ١( ٦١، ص) ت .د( ، ) القاهرة ، دار الكتاب العريب ( ، ١حسن الصرييف ، ط: موع وكربياء د) ٢(

Page 111: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ويربز تصوير املآسي بصورة أكثف وبشكل أكرب يف رثاء املدن ، ومن ذلك ما فعله ))فرح((دمعة على أنقاض مدينة ((أشالء أغنية حزينة ( عبد الرمحن العشماوي يف قصيدته

: حيث يقول ) ))فغانية بعدما حطمتها قذائف السوفيات األ كانت هنا باألمس أبنية

وكان هنا مدينة كنا هنا باألمس أهل الدار حنـيا آمنيـــــن )١( واليوم صرنا الجئيـن

ثله والعنصر الزماين يف هذه املرثية يكون حمورا ذا طرفني متباينني ، األول للماضي ومت، وإحياء الكلمتني أفضل من اإلتيان بغريمهـا ) اليوم ( ، والثاين للحاضر ومتثله ) األمس (

تشعر باملاضي القريب جدا ، كما أن اليـوم ) األمس ( كاحلاضر واملاضي مثال ، حيث إن تشعر بالوقت احلايل املعايش للتو ، إنه حتول كبري جدا ويف زمن قياسي جدا ، ليعكس أخريا

نص تلك املرثية ، ر املفاجأة يف النص ، واملفاجأة سنجدها من املدلوالت اليت يرمز إليها عنصخروج له هنا هو تفاجؤ أهـل وسيكون الرمز إليه بأساليب متعددة ومعان متفاوتة ، وأول

فرح بالغزو والدمار الذي حوهلم بسرعة زمنية من آمنني إىل الجئني ، فالتشرد مفاجأة ألهل كما أنه مفاجأة يف النص تصدم إحساس املتلقي اإلنسان ، ومع ذهول حس املتلقي املدينة ،

ذه املفاجأة واستغراقه يف آالمها ومأساا تأتيه مفاجأة أخرى لتزيد من قلقه وأمله وتعيده يف : حالة جترع األمل واحلزن ، فيأيت مقطع جديد يبدأ بـ

باألمس كان هنا نساء . . باألمس رحون هنا صغار يس كان وميرحــون . . واليوم

٨٣عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ١(

Page 112: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

)١( أشالء وأنقاض لقد كان حتول اإلنسان يف النص السابق من آمن إىل الجئ ، وكانت تلك املفاجـأة اإلنسانية مع عظمها وشدا ون مع املفاجأة التالية هلا حينما يتحول اإلنسان إىل أشالء ،

، وهنـا يـأيت !! حني يكون اإلنسان املتحول أطفاال ونساء وتتفاقم مفاجأة هذا التحول : التساؤل اإلنساين واملناشدة العاملية لإلنسان يف كل مكان

هل يفتح اإلنسان مقلته رف ما جرى ــليع )٢( إنا ندك هنا ونسحق

ومجيل جدا أن تكون هذه املناشدة اإلنسانية على ألسنة املضطهدين واملنكـوبني يف املدينة ، فلو كانت على لسان الشاعر لكان ذلك أقل تأثريا ، وهنا يكمن يف حقيقـة تلك

.األمر تألق البعد اإلنساين يف هذه املرثية : ويتواصل هذا التساؤل على ألسنتم

أوليس للغازين أطفال وليس هلم نساء أو ما تكن قلوم )٣( عطفا وحــبا

ن بني تلك األصوات صوت شـيخ مإىل اإلفراد ، فيربز مث يتحول التساؤل اجلماعي : قد قتل ولداه

ما ذنب أطفايل الصغار ؟ . . م ــــــما ذنبه ار ــــحىت يلوكهم الدم

٨٤املصدر السابق ص) ١( ٨٥عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ٢( . ٨٨املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 113: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ألمزقن خبنجري صدري وأرحل ١( أفضل فاملوت من عيش بال ولدي(

فاجأة جديدة يتحـول فيهـا إا اية مأساوية لذلك الشيخ املسكني ، وفيها تربز ماألمر إىل قتل النفس ، لقد ملوا حيام من سأم وعذاب عظيم ، وهكذا تستمر عروض تلك

: اللوحات احملزنة ، وختتتم القصيدة بعبارة قد وردت قبل ذلك ولكنه جعلها اية للمرثية )٢( وحضارة العصر احلديث دم ونار

فاحلضارة من لوازمها ومقتضـياا اإلخـاء تالزمية ،وتربز يف هذه العبارة مفارقة ن هنا خيرج بديال لذلك الدم والنار ، لتكون مفاجأة ائية خيتم فيها الـنص كوالسالم ، ول

. غياب احلسن اإلنساين واحلضاري إزاء واقع تلك املدينة املنكوبة ةصورم ) : حجو إميان( ويف مرثية أخرى جند الشاعر يقول يف رثاء الطفلة الفلسطينية

فارفعي الصوت ، وقويل للجميع ارخـالغايل بيــان ص دمك )٣( ترتضي أن يقتل الطلف الرضيع يا ضياع العدل يف األرض اليت

وخماطبة الطفلة هنا لون من ألوان البوح احلميم الذي جيعل املوقف زاخرا بالعاطفة ، ا يريدون أن يتخففوا من أعباء التأزم وهو أحد األساليب األثرية اليت يلجأ إليها الشعراء حينم

والتوتر ، كما أنه حيمل قيمة إنسانية يتجلى فيها احلب والشفقة والتواضع ، لقد طلب منها رفع صوا للجميع ، واجلميع هنا تنطلق انطالقة عاملية عامة ، لقد صرخت الطفلة باحتجاج

امللمح الذي تتميز به الرؤية إنساين معلنة ضياع العدل يف أرض ارتضت قتل طفل رضيع ، وهنا غياب فعالية الذات إزاء اآلخر ، قد شحنت به مجيع النماذج السـابقة ، ويف احلقيقـة النقدية جند أن هذا امللمح ال يربز بسبب عدم انفعال املبدع بتجربته واندماجه فيها ، ولكنه

نسانية تفعيل آكـد تقمص شخصيات أخرى تعيش يف صميم املعاناة ليكون للرؤية اإلبيأيت .واستثمار أمثل

٩٠سابق ، صاملصدر ال) ١( ٩٦املصدر السابق ، ص) ٢( ١١٦عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٣(

Page 114: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

كيف تناول الشعراء قضية اجلزائر مث أفغانستان ففلسـطني تنـاوال يالحظوهكذا إنسانيا وقد أسسوا الرثاء متضمنا موقفا إنسانيا يناشد العامل اللطف والعدل والشفقة ، وقد

ـ إـم ة ، أخرج ذلك على ألسنة شخصيات تستطيع استدرار العطف اإلنساين بقوة خارقالنساء واألطفال ، فغياب عنصر الرجال يف الرثاء الذي تضمنته هذه النماذج وتكثف النساء واألطفال واملناشدة بألسنتهم جعل تلك النماذج تتشبع بالبعد اإلنساين النبيل ، كما جعـل

.حلضورها الطاغي نكهة خاصة تربز الرؤية الشاعرية املقصودة إىل أمر من املهم التطرق إليه هنا ، وهو أن رثاء األطفال وهذه النقطة األخرية تسلم

صـية يأخذ يف موضوعه بعدا إنسانيا يترجم العديد من املواقف اإلنسانية الصـادقة ، فشخ العطف والشفقة ، وإذا كان الشعراء قد استغلوا ذلـك ىرسالطفل حمل الرباءة والضعف وم

د رثاء ألطفال آخـرين مل لكهـم احلـروب يف القضايا اإلسالمية املعاصرة ، فإنه قد وجوالنكبات العامة، ولكنه أخذهم املوت بأسباب أخرى ، ومن هذا قول عبد اهللا احلميـد يف

يف وداع الطلفة ((: واليت أوجز مناسبتها يف اهلامش بقوله ) ذبول زهرة الطفولة ( قصيدته : )١( ))يت ماتت غرقا ابنة شقيقي ذات الربيعني ال) اهلنوف محيد سامل احلميد (

ما بني غفلة أصفيائك والتفاتة والديك

!تغادرين ؟ يف شرب ماء تسبحني

ومترحني ، ورؤى الرباءة يف عيونك ،

ال ختاجلها الظنون يف نصف متر تغرقني

)٢( ! !كيف طاوهلا األنني . . يا للرباءة

٢٢ص) هـ ١٤٢٢الرياض ، مطابع جند ، ( ، ١عبد اهللا بن سامل احلميد ، ط: ما مل تقله اخلنساء ) ١( ٢٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 115: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

، ممـا ) مرثيـة ( والطفلة ) ثيا را( فيقوم احلوار املباشر واحلي يف النص بني الشاعر أعطى النص حركية مستقلة بارزة ، ولكن هذا احلوار الذي ينتظم القصيدة كلها تبقى فيـه

تساؤالته ويعلو خطابه غىالطفلة صامتة مل تنبس ببنت شفة على اإلطالق ، أما الشاعر فتطة ، وكأنه يلجـأ إىل ، ولكنه مل جيد جميبا ، ويتواصل أسلوب الشاعر وتستمر خماطبته للطفل

اخليال والطيف هاربا من احلقيقة املؤملة ، وهنا يربز اجلمال الفين للنص ، ألن اجلمال إدراك : حسي معلل ، ولكن هذا اللجوء اخليايل تفاجئه احلقيقة املرة يف آخر القصيدة

: طيف اهلنوف جنم يغادرنا إىل ذاك املدار

دون انتظار ؟ )١( !!دون انتظار

هنا مل تأت إىل النص جمردة من الرمز واإلملاع ، لقد شحنت مبعان ) طيف ( كلمة وداللية متألقة ، فهي أوال حلظة كشف جتلت فيها حالة الشاعر اليت كان يعيشـها غارقـا بأحالمه وهائما يف ختيالته اإلنسانية العظيمة ، اليت جتسدت يف مناجاة الطفلة الغارقة والتأوه

هي ثانيا نقطة حتول كربى يف النص ، إنه التحول من اخليال إىل احلقيقة ، كما لرباءا ، مث أا تشري إىل أن احلياة كلها كطيف وأحالم عابرة ، وأن نصيبنا من تلك الطفلـة خيـال

: وأحالم عابرة ، وهنا يستلهم الشاعر فكرة الشاعر األول الذي قال )٢( من خيالنصيبك يف منامك نصيبك يف حياتك من حبيب

وهو استلهام ال ميكن أن تكتشفه القراءة األولية ، وال يتجلى إال بعد قراءة واعيـة ومتأنية جلميع نص املرثية ، وإذا كان الشاعر القدمي قد أشار إىل ذلك املعىن العظيم إشـارة عابرة يف تصوير بياين موجز ، فإن حال االستلهام يف هذا النص أنه أصبح واقعـا مارسـه

لشاعر وعاش معه من أول النص إىل أن كشف عنه يف خامتة قصيدته ، وقد تضافرت مـع اتوظيف واستلهام الفكرة القدمية ظواهر فنية أخرى زادت من اإلحساس جبماهلـا والتـأثر

٢٦، ص عبد اهللا بن سامل احلميد: ما مل تقله اخلنساء ) ١( ٣/١١٧، ) ت .د) ( بريوت ، دار املعرفة ( ديوان املتنيب بشرح العكربي ، ) ٢(

Page 116: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

لتصبح القيمة األدبية إنسانية ) يغادرنا ( مبعناها ، ومن تلك الظواهر استخدام صيغة اجلمع رار يف آخر النص مع ما يفيده من تقوية املعىن وتأصيل فكرته إال أنـه عامة ، كما أن التك

أيضا يوحي بتكرر الفقد وحدوث الكثري من املآسي ، وفناء مجيع البشر ورحيلهم من هذه . احلياة

جسيد الرؤية اإلنسانية فقد شـعر الشـعراء وحيث إن الطفولة ميدان واسع جدا لت الطفولة حمورا ثانويـا يف مـراثيهم الـيت تكـون بذلك فجعلوا من شخصية الطفل ومعىن

فيها ليست طفال ، ولكنهم جيهدون أنفسهم يف جلب الطفـل ) املرثية ( الشخصية األولية ن احتـواء العواطـف موطفولته إىل ميدان الرثاء ليكون حممال بطاقة إنسانية عالية تتمكن

سن بن حممد الزهراين بعنـوان ة حلملتفاقم ، ومن أمثلة ذلك قصيدوبلورة تأزمها الوجداين ا : وهو اسم طفلة توفيت أمها بعد مولدها بشهرين فنظم والدها القصيدة ومنها ) جلني (

اين ـإن الذي أبكاك قد أبك ـــيقطعت قليب يا جلني ترفق بالدمع فوق براعم األشجان وبة ـــفأنا وأنت حكاية مكت

اين ـمعك حيتويه بندمعي ود ي ـــفأنا يتيم يا يتيمة فامسح ان ــقليب ليبقى رائع اخلفق ة ـــسلمت أمك يا جلني برق ان ـفردا يذوق مرارة احلرم قي ــلكنها رحلت لتترك خاف

)١(ميض على فجر اهلوى عامان رحلت فكل سعاديت رحلت ومل ـ اة وأول ما يلفت االنتباه يف هذا النص هو تلك العاطفة املتدفقة واملشـحونة باملعان

واآلالم ، وألا معاناة إنسانية مبا تعنيه هذه اجلملة ، جند الشاعر يلجأ إىل إخراجها ببعـد وذلك النمـوذج ) الراثي ( إنساين ، فتبدو القصيدة من أوهلا بأسلوب حواري بني الشاعر

، واليت سنجدها تتحول إىل مرثي ثانوي يف آخر ) الطفلة ذات الشهرين ( اإلنساين العظيم فإا تربز بضمري الغائب لتغيب معه يف اية النص ، وحيضر ) األم ( ص ، أما املرثي األول الن

يف آخر األبيات السابقة مـا ) رحلت ( ، ولعل يف تكرار الفعل ) الطفلة ( املرثي الثانوي يشبع معىن غياب األم ومينحه طاقة قوية من الغياب النهائي ، وهنا تربز قيمة غياا يف إبراز

٦٠، ص) هـ ١٤١٨الباحة ، النادي األديب بالباحة ، ( ، ١حسن حممد الزهراين ، ط: صدى األشجان ) ١(

Page 117: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

يعود الشاعر بعد دفن زوجته ليستقبل معانـاة ف) الطفلة ( الرؤية اإلبداعية حيث حتل حملها : أخرى

مبواجعي حبثا عن السلوان وحزمت أحزان الفؤاد مهاجرا زان ـأمال على بوابة األح فإذا بوجهك نصب عيين رامسا

)١( فوجدت يف قسمانه عنواين ــته فوقفت أقرأه وأسأل صمويبدأ باخلروج ، فتكتمـل املفارقـة بـني ) جلني ( ربز صوت املرثي اجلديد وهنا ي

الشخصيتني فاألم خرجت بضمري الغائب كما أا ميتة ذاهبة ؛ أما االبنة فتخـرج بضـمري املتكلم كما أا حية باقية ، وتبدو هنا فلسفة الرؤية اإلنسانية واستكشاف قيمتها يف رثـاء

هب سيتم نسيانه والسلو عنه مبضي األيام ، أما احلاضر فسيكون الشخصيتني ، فالغائب الذايف حضوره دوام املعاناة وجتدد احلزن ، من هنا كان استدعاء شخصية جلني ورثاؤها ذا قيمة

: معنوية وفينة عالية ، لتبدأ باحلديث عن ذاا موجه شطآينحزنا يهاجم را ــوإذا بدمعك فوق خدك ثائ

يتفقانليس حزين وحزنك ه ال يا أيب ــوتقول بعض حروف سيظل حزين دائم الثوران ا أناــسيموت حزنك يا أيب أم يل إن عمري يا أيب شهران ن ـــسأعيش يا أبيت بال أم فم

ويضمين يف رقة وحنــان من سوف يرضعين وميسح دمعيت م ، فتذهب ومتضي الطفلة تتحدث عن نفسها ، وما سوف تالقيه من معاناة فقد األ

حاهلا إذا كربت وهي تعيش بال أم وال حنان على حني ترى زميالا ورفيقاا يعشن متأملة : يف عطف األمومة الصادقة احلنان واحملتوية اآلالم ، إا معاناة ستبقى معها أبد احلياة

)٢( متعدد األشكال واأللوان سيظل حزين يا أيب من بعدها ذ أن إتطع اخلالص من حقيقة الواقع املتمثلة يف عمر الطفلة ، ويبدو أن الشاعر مل يس

ذات الشهرين لن تكون مؤهلة لإلحساس والشعور بفقد األم ، فلو جعل عمرها أكرب مـن

٦٠حسن حممد الزهراين ، ص: صدى األشجان ) ١( ٦٣هراين ، صحسن حممد الز: صدى األشجان ) ٢(

Page 118: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ذلك لكان أبلغ وأصدق فنيا ، ولكن يبدو أنه أراد تسجيل مأساته الواقعية كما هي ، أو أنه ا ، ولكنه مع ذلك قد أفاد من املرحلـة الـيت تعامل مع الشخصية باعتبار ما سيكون الحق

وهكذا جند الشاعر ) من سوف يرضعين ( برزت فيها الفتاة ويظهر ذلك يف مسألة اإلرضاع قد ترك املرثي الغائب الذي مل يتجاوز أول القصيدة ، ولكن املعاناة بدأت تتضـخم بعـد

ة درامية مع الشاعر كمقدمة االعتناء واالهتمام باملرثي احلاضر ، والذي فرض نفسه مبحاورلنمط جديد يف الرثاء املعاصر ، حيث اعتدنا على صوت واحد يف املراثي ، وهـو صـوت املبدع ، كما أننا اعتدنا عظمة الرثاء وقوة تأثريه حينما يكون يف املوتى الذاهبني ، أما منهج

الغنائية إىل فضاء تعدد األصوات ورثاء األحياء فإنه مؤشر على خروج الشعر عموما من أسر مفارقة جديرة بالوقوف والتأمل وهيالدرامية ، وهذه من مسات اجلمالية الشعرية املعاصرة ،

ـ ر مما ث، حيث جيد الشاعر يف رثاء احلي قيمة إنسانية مشحونة باحلزن واألسى أك ده يف جي . رثاء األموات

إلنسانية املليئة باإلشفاق يف رثاء الطفل جماال واسعا حلمل الرؤية ا اءوكما وجد الشعروالرمحة واملتفاعلة مع اآلخر باملواساة والتعزية فقد وجدوا يف احلوادث الكبرية األمر نفسه ، كاحلرائق واحلوادث اليت يذهب فيها العديد من الضحايا ، وما ذلك إال لسببني يكمنان وراء

حايا فيها ، ومن ذلك رثـاء تلك املصائب العامة ، األول عنصر املفاجأة والثاين كثرة الضهــ ، ٨/١٠/١٤٠٠ضحايا الطائرة السعودية اليت احترقت يف مطار الرياض مساء الثالثاء

: وقد تويف مجيع ركاا وعددهم ثالث مئة نسمة ، ويف ذلك يقول عثمان بن سيار ر ــ يشيد من حديد أو حجمل ــل يا لقرب معجز من نيك

ر ــنقر املا على سطح القبغري حشروا فيه وما من مسعف ر ــــودخان سد أفواه البش م ـمح كوم ماجواكلما )ال مفر ( طت وعلى األبواب خ هـجوف يفازدمحوا املئون

إا لوحة مليئة باحلركة والضوضاء ، وهي تصور حالة اهللع اليت مر ـا ركـاب لطائرة إىل قرب ، ويعظم تـأثري الصـورة الطائرة ، وتتجلى الصورة البيانية املتمثلة يف حتول ا

Page 119: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

، واليت أصبحت كالفتة على أبواب تلـك الطـائرة ) ال مفر ( املؤسف يف اجلملة األخرية . احملترقة

النعمي فإنه يصور هجوم املنايا على ركاب تلك الطائرة من خالل استلهام عليأما : معىن تراثي شهري ، حيث يقول

)١( واملنايا وي بظفر وناب و والصراخ املمتد يعلو ويعل : وهنا تستعيد الذاكرة بيت أيب ذؤيب اهلذيل

ألفيت كل متيمة ال تنفع وإذا املنية أنشبت أظفارها أن املنيـة يتضحالبحث عن مجالية هذا االستدعاء وقيمة التوظيف التراثي ؛ فسعند و

، أما النص املعاصـر ) أنشبت املنية ( كانت واحدة خرجت بصوت املفرد يف البيت القدمي ، لقد كان املرثي عند أيب ذؤيب أقـل ) املنايا وي ( فإا خترج فيه بصوت اجلمع الكثري

بكثري من املرثيني عند الشاعر املعاصر ، حيث إم باملئات ، وهلذا خترج املنية بصورة متعددة يدل على السباع على حـني متنوعة من اجلوارح ، فالظفر قرينة تدل على الطيور ، والناب

يف النص القدمي مشبهة بالطائر فقط ، لقد حاول الشاعر املعاصر إبراز الصورة التراثية خترجبشكل أكرب وأضخم حىت تتناسب مع موضوعه ذي البعد اإلنساين الكبري ، وقد أخرج هذه

املقابل ـوي الصورة مركزا على عنصر احلركة السريعة فالصراخ ميتد مث يعلو ويعلو ، ويفاملنايا بأظفارها وأنياا ، وعنصر احلركة السريعة هنا قد يعكس حركة سـرعة املـوت إىل

إزاء احلريق اهلائل ، وهلذا فإننـا اختطاف أرواح الضحايا وعدم استطاعة أي عمل إنقاذي مبينا مدى عجـزه إزاء ) ألفيت ( نلمح صوت الراثي يف البيت القدمي خيرج بضمري املتكلم

ميضـي حادث املوت أما البيت املعاصر فإنه خيتفي فيه صوت الراثي متاما ، مث بعد ذلـك : أوصاف وأعمار الضحايا املتفاوتة فيقول معدداالنعمي

الكتـابوطواهم باملوت طي مشلهم يف صعيـدمجع اهللا وكعــابوصبايا من معصر وكهـول من نساء حوامل

زينة للشبــابوشباب هم وا ــوصغار ورضع ما أسن

١٠٦على النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١(

Page 120: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

)١( ه بأقسى صرب وأقوى احتساب ، وتلقو عنوة املوتعانقوا حيث يتضح يف هذه اللوحة احلزينة جانب التعدد والتنوع ، ولذلك التعدد أثر إنساين بليغ ، يتضح أوال يف داللته على كثرة الضحايا ، ويتضح ثانيا يف حدوثه لطبقات خمتلفة من

فيكون عاما شامال ليعكس ذلك عمومية ومشول تأثريه على اتمع ، كمـا اتمع اإلنساينيف فينسيه فجأة املوت ، ولعل هر سنا عاما ملن قد يغره شبابه أو صغأنه حيمل وعيدا وتذكري

مـا ) نساء ، كهول ، صبايا ، شباب ، صغار ، رضع ( جميء تلك الفئات بصيغة التنكري . يف دوال العموم يوحي بالعموم ، ألن التنكري

ومع هذا اإلمجال يف عرض مشهد االحتراق وموت الضحايا ، فإننا جند أيضا مـن ذهب إىل عرض مشاهد جزئية مبكية ، ومن ذلك مشهد الطفل الذي قد تكورت عليه أمه

: حماولة إنقاذه من االحتراق ار ــيف مشهد ال حيتويه إط ـرا عطف األمومة كم جتلى باه

ار ـــحبا به أن جتتويه الن ل الصغري تكـورت أم على الطف )٢( ختتار.. تفدي اجلنني بروحها جل الفداء على األنام سوى اليت

وتشكل هذه اللوحة املبكية صدى عظيما حلق األم وما جيب جتاههـا مـن الـرب : والتأكيد عليه شاعرية الراثي إال اإلملاح إىل ذلك واإلحسان ، وهنا تأىب

)٣( فكسبه أوزار. . . نكر اجلميل ق األمومة وارتضى ويل ملن عوما يترتب ) عق األمومة ( ومع ما حيمله هذا اإلملاح والتأكيد من أثرة دينية جيسدها

نكـر ( مع ذلك فإنه ال يغفل القيمة اإلنسانية اليت تربز يف الصفة ) . . كسب أوزار ( عليه .تدين اإلنسان وضياع نبله ومبادئه وما حتمله هذه الصفة الذميمة من) اجلميل

وال يقتصر البعد اإلنساين على الرثاء يف النكبات والقضايا العامة أو املوت اجلماعي بل إنه قد يربز يف رثاء األفراد ، ومن ذلك جعل البكاء واحلزن من قبل اإلنسانية بعمومهـا

١٠٧على النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١( ١٩٥عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ٢( ١٩٦املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 121: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

فاصل نوعي أو فكـري دون على امليت أوله ، دون أن حتول اإلقليمية أو العنصرية أو أي : يف رثاء امللك فيصل يقول موسى بن حممد السليم فهذاذلك ،

وأمة الغرب واألعجام والدول فأمة العرب واإلسالم أمجعها )١( تبكي وتبتهلادته ــتبكي قي تبكي على فيصل تبكي مروءته

املسـلمني حيث بدأت تتوسع دائرة املتأثرين مبوت الفيصل لتتجاوز أمة العـرب مث مجيعا إىل الغرب واألعاجم مث مجيع الدول ، إنه قد أصبح حدثا عامليا وإنسانيا عاما ، انطلق

متكررا يف البيت الثاين أربع ) تبكي ( تأثريه من اخلاص إىل العام ، وقد أتى الفعل املضارع يـد علـى مرات ليعكس كثرة البكاء ويوحي بتعدد الفئات الباكية ومشولية تأثري موت الفق

. مجيع اإلنسانية ومن اجلوانب اإلنسانية اليت كانت أثرية باخلروج يف الرثاء الوفاء للمرثيني من خالل بقائهم يف الذاكرة وعدم نسيام ، وتتأكد إنسانية هذا األمر فيما حيمله من النبل والرقـي

) : ه إىل أيب يف ذكرا( ي ، ومن مناذج ذلك قول ثريا قابل يف قصيدا فالعاط يف حجريت

شريط طيوف على ناظري . . . . . . . . . . . .

وفوق السرير تسجى أب راحل

وجبهته كاجلليد وشل ابتسام

على ثغره أيب يف فؤادي اليتيم . . . . . . . . . .

اجين الذكريات

١/٦٠عبد العزيز األحيدب ، : آالم وآمال ) ١(

Page 122: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

اوتفتح جرحقدمي

)١( كاد يطيبمؤثرا وضيفا قد فرض نفسه ، وهلذا ختـرج الشاعرة هنا تربز الذكرى لديها فاعال

حاملة صفة السيطرة والغلبة اليت يكـون ) تسجى أب ، امجين الذكريات ( اجلمل الفعلية يوحي بعنف الذكرى وما تبعثه ) امجين ( الفاعل واملهيمن فيها ذكرى األب احملزنة كما أن

وقريبة أمامها ولكننا قـد جنـد من اآلالم واألحزان ؛ على حني تربز الشاعرة فريسة سهلةد هنا ، فتتحول من صـفة موقفا آخر وجتربة شعرية أخرى تتباين فيها الذكرى مع ما وج

، كما يف قـول غاية نبيلة منشودة ، معىن إنساين عظيمالفرض والقوة واهلجوم العنيف إىل : غازي القصييب معزيا ابن من يرثيه

:يا بين . . سوف نبكي وحدنا

انصراف الزائرين بعد . . . . . . . . . .

ولكنا . حنن مل نتركه يف القرب محلناه إىل مملكة الذكرى اليت )٢( تقهر غيالن املنيـــــة

وهذا النموذج تتكشف فيه الرؤية اإلنسانية العظيمة لتصبح حمورا تدور حوله مجيـع ) العنوان ( ، ويتكرر هذا النداء ) يا بين ( القصيدة ، وأول ما يشري إىل ذلك عنوان القصيدة

يف القصيدة وخيرج كثريا يف ثناياها ، وقيمته تبين الشاعر البن املرثي ، وحماولة تعويضه بأب بديل صنعته شفقة ونبل الشاعر املبدع يف رؤية إنسانية متألقة ، مث بعد ذلك إصرار الراثـي

اية ونسيانا للمفقود ألن الـذكرى لذكرى وإعالء شأا يف قهر املنية ، فاملوت ليساعلى

٥٤ص) هـ ١٣٨٣دار الكتب ، بريوت ، ( ، ١ثريا قابل ، ط: األوزان الباكية ) ١( ١٠٧، ص) هـ ١٤٢٣الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ١غازي القصييب ،ط: يا فدى ناظريك ) ٢(

Page 123: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ستحتفظ به وتبقيه حيا مل ميت ، ويتجلى دور الشاعر يف بروزه فاعال مؤثرا ، ومل يصـبح ذا يصبح النموذجان الرثائيان عند ثريا قابـل كفريسة عاجزة أمام الذكريات املهامجة ، وه

نهما إزاء ذكرى املرثي ، والقصييب جماال رحبا للموازنة النقدية اليت تتشكل يف موقف كل موقد يكون لسيكولوجية الشخصية املبدعة دور يف ذلك ، فاملرأة بطبيعتها أكثـر رقـة يف

لمة أمامها ، على حني سعواطفها من الرجل ، وهذا ما جعلها فريسة للذكرى احملزنة ومست . يربز الرجل باحثا عن تلك الذكرى ومصرا على جلبها بسيطرة وانعتاق

نب اإلنسانية يف الرثاء تأبني املرثي بصفاته اإلنسانية ، مثل حب األطفـال ومن اجلوا ) : يا بين ( قول القصييب يف رثائيته السابقة كوغريها ، .. ومواساة املعوزين ، والتواضع

.. وال جاه .. عاش بال تاج .. ملكا غريبا مثل باقي الغرباء

ميشي على األرض اهلويىن .. ملكا البسطاء مثل باقي

عاش فقريا .. ملكا )١( مثل كل الفقراء.. وقنوعا

فالقصيدة كانت يف رثاء أحد أقاربه ، ولكن الشاعر يكرب من شأن قريبـه املرثـي إكبارا إنسانيا مذهال ، فهو ملك يف عني الشاعر وتتأكد هذه الصفة وتتكرر ثالث مـرات

ج وال جاه ، بل غريبا كباقي الغرباء ، للتأكيد والتحقيق ، ولكن ذلك امللك قد عاش بال تاوواقع حياته املخالف لتلك الصفة ، ) امللك ( وهنا حدث شيء من التنافر بني وصف املرثي

فيحس الشاعر بذلك مث يظل مصرا ومؤكدا عليها فيعيدها ثانية ، ويتكرر الواقع املخـالف مرة ثالثة وامللك يربز يف هذه ، ويعود األسلوب ) ميشي اهلويىن ، مثل باقي البسطاء ( نفسه

لقد رأى املرثي يف صفاته اإلنسانية ملكا عظيما ، !! الصورة فقريا وقنوعا كغريه من الفقراء الفقرية ، رآه ملكا ألنه قد ختلص تهعيشه البسيط وإنسانيبملكا ببساطته وتواضعه ، وملكا

التواضع يف حياة املرثي قد من زخرف احلياة وضوضائها الصاخبة ، ويبدو أن هذه البساطة و

١٠٦غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ١(

Page 124: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

كانت إرادة منه وفلسفة بىن عليها عيشه يف احلياة مع استطاعته الربوز يف الوجاهة والثـراء والترف والنعيم ولعل هذا سر إعجاب الشاعر بتلك الشخصية اإلنسانية العظيمـة الـيت مل

: دعها ملذات احلياة الفانية ختيبهرها زخرف األيام ، ومل راءـل الفقثوبه رث كك

راء ـبيته رث ككل الفق ..حظه من زخرف األيام

وإخــــاء . . حب ووفـاء .. وعنـــاء

فدوافع احلب واإلخاء والوفاء هي اليت قد جعلته يعيش عيش الفقراء وحيبهم ويقترب منهم حىت يف ملبسه ومسكنه ، ويف هذا ما يصور اإلنسانية العظيمة اليت تتصف ـا تلـك

. الراحلة الشخصية

Page 125: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

: ـ املواساة يف أحداث عاملية ٢أليس الرثاء يف األحداث اإلسالمية .. قد يربز بني يدي هذا املوضوع تساؤل مفاده

؛ مث أمل يأخذ صفة العاملية واحلضور اإلنساين العام بعد هذا التداخل والتقارب ذا طابع عاملي ر بتطوراتـه التكنولوجيـة والتقنيـة الشديد بني قارات وشعوب اإلنسانية يف الزمن احلاض

املذهلة؟ وأخريا فلماذا هذه التفرقة والتقسيم بني األحداث اإلسالمية والعاملية ؟ وهذا التساؤل املتشعب حيمل وجاهة ومنطقية كبرية ، ولعل اإلجابة عليه ستكون ذا

بة مبـا يعنيـه وجيته اليت انبثق منها أكثر من أن تكون ردا أو إجامعاضدة ومؤازرة أليديولمفهوم السؤال واجلواب ، فالرثاء يف تكوينه وفلسفته املوضوعية قائم على عالقة طردية بني

كلما كانت العالقة بينـهما أكثـر ) الراثي واملرثي ( الراثي واملرثي ، وقطبا هذه العالقة فأصبح إخراجـه أسـهل ) الرثاء ( خرج هذه العالقة والترابط أقوى انعكس ذلك على م

السعودي جمـاال رحبـا ومباشرته أقرب ، والرثاء يف األحداث اإلسالمية جيد فيه الشاعر غـري ( لإلبداع وآفاقا غري حمدودة من املعاين والتناوالت ، أمـا يف األحـداث العامليـة

فإا ستضيق تلك األفاق وسيخسر ذلك اـال لظـروف فكريـة وثقافيـة ) اإلسالمية تستحضر الذاكرة ما تردد يف تراثنا النقدي من صعوبة رثاء املرأة واجتماعية متعددة ، وهنا : الشاعر العريب القدمي يردد على استحياء كانوهلذا )١(وضيق أفق ذلك املوضوع

)٢( ولزرت قربك واحلبيب يزار لوال احلياء هلاجين استعبار لقصـيدة حيث استنكر على زوجه أن يرثيها بقصيدة مستقلة ، فجعل رثاءه مطلعا

لقد فرضت فاعلية الزمان وتطوره جتاوز تلك الصعوبة !طويلة هجا فيها الفرزدق والبعيث إىل حد ما مبعىن حيث وجدت الصعوبة يف رثاء األحداث العاملية واملواساة فيها ، ذلك األمر الذي أصبح من املستجدات والظروف الطارئة على تراثنا النقدي واإلبداعي ، ومع ذلـك

ملوضوع ال يزال بكرا ، ومل حيظ حبقه من الدروس واالستقصاء والتفصـيل ، وجـدة فإن ا، كما تشري إىل ذلك أطروحـات املوضوع تشكل حبد ذاا دعما قويا جلانب اإلنسانية فيه

٢:١٥٤ابن رشيق ، : انظر العمدة يف حماسن الشعر ونقده ) ١( ٢:٨٦٢: ديوان جرير ) ٢(

Page 126: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

اإلنسانية يف الشعر تتمثل يف خالصة من التقليد وضـيق ((بعض النقاد احملدثني ،حيث إن اإلنسان بغشاوة من اجلهل واجلمود ، ومن هنا كانت كل حركة األفق الذي يرين على طبع

من حركات التجديد يف الشعر العريب منذ أواسط القرن التاسع عشر فهي حركة يف طريـق الرتعة اإلنسانية ، وكل شعر عريب فنصيبه من الرتعة علـى قـدر خلـوه مـن التقليـد

إن هناك مالحظة أخـرى ، وهـي أن وإضافة إىل ما أشرنا إليه سابقا ف )١( )).. واجلمود املواساة يف األحداث العاملية مع صعوبة ممارستها وإشكاليتها أمام املبدع ومـا تكنـه مـن حواجز تكبح مجاح االنفعال والشعور ، مع ذلك كله فإن اجلانب اإلنساين يكون فيها آكد

تتضاءل األبعـاد وأصدق ، بل إنه قد يصبح متفردا ومستأثرا بالتجربة على حني تنعدم أو . مثال .. األخرى كالديين واالجتماعي

والعصر احلديث مل يعد يقنع بالشاعر الذايت أو اإلقليمي احملدود ، وشـاعر النظـرة النقدي الدعوات إىل املشاركة اإلنسانية املشهدالقريبة اليت ال متتد إىل األفاق ولذا ترددت يف يد أصحاب هذه التوجهات ، حىت أطلق علـى واحلضور العاملي ، كما زخر املشهد بتمج

يكسر ناستطاع أ ((ألنه قد ) سندباد الشعر السعودي احلديث ( بعض شعرائنا املعاصرين يتعداه إىل وحاجز اإلقليمية الضيقة وينطلق شعره إىل آفاق رحبة عرب وطننا العريب الكبري بل

مـن ((ولذا فقد عدوه )٢( )) ..مناطق أخرى فترجم بعض من شعره إىل اللغة اإلجنليزية )٣( ))أكثر شعرائنا ميال إىل الرتعة اإلنسانية

سا ملحا لدى جوأصبحت الترمجة لإلنتاج اإلبداعي مهما كان غرضه ومضمونه هاع كثري من املبدعني ورمزا لعظمة ذلك اإلنتاج وتألقه ، وإذا كانت الترمجة مطلبا لدى املبد

سريورة وقبوال عندما يكون موضـوعها يف قضـايا تلـك حبد ذاا فال شك أا ستزداد . الشعوب واألمم املترجم إليها ذلك اإلبداع

١م ، ص١٩٦٨، ١عبد احلي دياب ، ط: يف شعر الديوان الرتعة اإلنسانية ) ١( ١:١١سعود الفرج ، : شعراء مبدعون من اجلزيرة واخلليج ) ٢( ٤٠عبد اهللا احلامد ، ص: اجتاهات الشعر املعاصر يف اململكة العربية السعودية ) ٣(

Page 127: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

فاإلنسانية مطلقة تدعو إىل املساواة ، فال تعترب لونا دون لون ، وال طبقة دون أخرى احلياة هي قلب ينبض باحلب العـام ((، وهي عاملية ال تعترف بالقومية ، بل بالناس مجيعا و

إن اإلنسانية ال ... نسانية كلها ، من غري اعتبار لطبقة ، وال لون ، وال حسب ونسب ، لإل، وهي عاطفة سامية تربطنا بكل أفـراد )١( ))تعترف بالقومية ولكن تعترف بالناس مجيعا

وال فرق فيها باجلنسيات واألديان .. النوع اإلنساين ، وتغرس يف قلوبنا احلنان على اجلميع جامعة اجلامعات ، وأقرب اجلامعات إىل قلب اإلنسان وأعلقها بفؤاده ، وألصقها ((، وهي

ولوعي الشعراء مببدأ تلك اإلنسانية وماهيتها )٢( ))بنفسه ، ألنه يبكي ملصاب من ال يعرف السابقة كانت املشاركة يف رثاء أحداث ونكبات عالية كان جلها مما جرتـه احلـروب أو

فاألمل اإلنساين املشـترك الـذي ال ((زالزل والرباكني والفيضانات الكوارث الطبيعية كاليعرف وطنا وال قومية وال حدودا ، قد كان وما يزال مطمع كل شاعر يف العصر احلديث ، فهو يدرك أنه لن حيقق شيئا من طموحاته ما مل تتجاوز اهتماماته اإلنسانية القطر الذي نشأ

فباشروا ذلك الرثاء مع صعوبته السابق بياا واليت يكمن )٣( )).. فيه إىل بقية أقطار األرض : استفحاهلا يف أمرين مها

وجود حماذير دينية واجتماعية ونفسية حتد من االنطالق يف ذلك الرثاء وتضـيق ) أ . التنفسات املعنوية فيه

تصل الندرة الشديدة يف املوروث التارخيي ، وما تقوم به تلك الندرة ـ اليت قد ) ب .يف بعض جماالا إىل االنعدام ـ من قلة الرفد واإلمداد

من السمات اليت اتسم ا ذلك الرثاء ، يوجد بعض وعلى ضوء هذين األمرين فإنه .تلك السمات بعض استعراض وفحص مناذج ذلك الرثاء وستتضح

) ت .د) ( ريوت ، دار الكتاب اللبنـاين ب( ، ١ثريا ملحس ، ط: القيم الروحية يف الشعر العريب قدميه وحديثه ) ١(

٣٠٤ص ٣٠٥املصدر السابق ، ص) ٢( ٦٢ص) م١٩٧٤بريوت ، دار القلم ، ( ١عز الدين إمساعيل ،ط: الشعر يف إطار العصر الثوري ) ٣(

Page 128: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ف من مأساة إنسانية عظيمة راح ضحيتها عشرات اآلالكانت قنبلة هريوشيما فمثال، وقد أذهلت مجيع الناس واستثارت عواطفهم ، وهي حمك صادق لإلخاء اإلنسـاين البشر

والتفاعل البشري املتسم بالرمحة واملواساة جلميع املنكوبني ، وقد مثل الـدور السـعودي ) القنبلة الذرية واإلنسان ( ومشاركته يف املواساة الشاعر صاحل بن أمحد العثيمني يف قصيدته

وان القصيدة يتكون من قطبني متجاورين يربط بينهما واو العطف ، وهذه اـاورة ، وعنرمز للفتك والدمار واإلبادة ؛ أما ) القنبلة الذرية ( تقوم على مفارقة مثرية ، فالقطب األول

فإنه رمز للضعف والعجز وعدم التحمل ، فهو جوار غري مـأمون ) اإلنسان ( ثاين القطبني : اخلطر ، وتبدأ القصيدة بضمري الغائب بل حيمل إشارة

طغى واستبد فقاسى الندم هو ابن احلياة سليل العـدم ليدعم من أسها ما اـدم جيوس على ظهر تلك احلياة

العـــدممومسة بوسام حيوك احلبائل يف ظلــها ك األملوذابتلك املآسـي ليبطش يف نفسه ساخـرا

)١( هلـممدأمل ويسعى إىل ىيفكر يف الشـر أىن سريف أول بيت ، ودون أي مقـدمات ، فـال ) هو ( حيث خيرج ضمري الغائب بارزا

جد سابق يعود إليه ، وهنا ينبعث إشكال أسلويب وداليل مركـب ، وال خمـرج هلـذا ويين اإلشكال إال عند جعله يعود إىل أحد قطيب العنوان ، وهنا ال جيوز رده إال إىل القطب الثا

جلامع صفة التذكري بينهما ، وعند الولوج واالستمرار يف استقراء القصيدة جند ) اإلنسان ( ذلك احلدس يتحول إىل حقيقة مفروغ منها ، مث يتكثف ضمري الغائب مستترا بعـد ذلـك

طغى ، استبد ، جيوس ، يدعم ، حيوك ، يبطش ، يفكر ، سرى ، ( فيخرج عشر مرات يف ل بروزه مرة واحدة يف أول بيت ، ويف مجيع بروزه يكون فـاعال ، مقاب) قاسى ، يسعى

، فمـا ) ضمري غائب مستتر فاعل ( وهنا يكتمل تصور داللة اخلطاب الشعري املكثف يف إنه يعكس ويصور غياب اإلنسانية ، وإضمار الشر الرهيب ، الذي يوحي به هذا التكثيف

، واالستتار صدى الكيد واملكـر خبفـاء ، باستتار وخفاء ، فالغيبة صدى غياب اإلنسانية

١٣٠م ، ص١٩٧٨، ١صاحل بن أمحد العثيمني ، ط: شعاع األمل ) ١(

Page 129: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

والفاعلية صدى عمل اإلنسان لذلك كله ، ليكون ذلك يف ايته داال على اجلرمية العظيمـة ، وأمام اجلرمية واـرم . . ) جيوس ، حيوك ، يبطش ، ( املتمثلة يف حركية الفعل املضارع

النـدم ـ ( ة متمثلة يف مدلوالا االمسيـة خترج النتيجة املريرة والنهاية القامتة ، فتربز املأساالرامزة إىل ثباا وقوة تأثريها ، فتتشكل يف األبيـات .. ) العدم ، املآسي ، األمل ، الشر ،

: ثالثة قواميس هي .. ) طغى ، استبد ، حيوك ، جيوس ، يبطش ، ( ـ قاموس اجلرمية ١ ) مجيع األبيات وميثله الضمري الغائب يف( ـ قاموس ارم الفاعل ٢ .. ) العدم ، ادم ، الندم ، املآسي ، الشر ، مدهلم ، ( ـ قاموس املأساة ٣

، والواقـع أن ) اجلرمية ، ارم ، املأسـاة والنتيجـة ( وخمرجات هذه القواميس ا شيء من الغموض وعـدم مال زال يشو) اجلرمية ، واملأساة ( املخرجني األول واألخري

بيات كشفت أن هناك إجرام وبطش وطغيان ولكن مل تتضح ماهية وكنـه الوضوح ، فاألذلك ، كما أن املأساة والنتيجة كشفت وجود آالم وهدم وندم ولكنه مل يتضح املصـاب

أما املخرج الثالث بذلك ومل تتبني تفاصيل املأساة بقدر ما أوحت األبيات بعظمها وهوهلا ، ذي انسلخ من نبله وإنسانيته ، فهو واضح مكشوف ، وهو ارم الفاعل ، ذلك اإلنسان ال

ال جدوى حاليـا مـن ) اجلرمية واملآسي ( ويستشعر الشاعر أن املخرجني غري الواضحني احلديث إليهما أو عنهما ، فاجلرمية وقعت واملأساة حلت وال شيء جيدي أو يفيد يف رد أو

حس بضرورة خماطبة اـرم منع ما قد حدث ، ولكنه تنفعل مشاعره ويضطرب وجدانه فياإلنسان والتوجه إليه مباشرة فغيابه يف النص غري جمد ، وإنسانية الشاعر تفرض عليه تـرك العزوف عن خماطبته وتغييبه ، من مبدأ اإلخاء اإلنساين وحب اخلري للناس والبحـث عـن

:السالم ، فيختفي ضمري الغائب ويربز أسلوب اخلطابية واملواجهة فما أنت باملغـتنم تبصر ياة وصـب األذىاحلأيا ابن

بلهيــب ودم وتفعمها بأفيــائــهاأتبين املآسي فوحيك من كائن منهـزم دين بالساعــ رمسكوحتفر

زناد اجلوى وثقاب النقم وتوري على روضها املستنـري

Page 130: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

)١( تدوس برجلك شىت الرمم على صفحات الرموس ومتشي ) أيـا ( مل اخلربية إىل مجل طلبيـة تتمثـل يف النـداء لقد حتول األسلوب من اجل

وما عطف على هذا االستفهام ،كما حتول الفاعل من ضمري الغيبة إىل ) أتبين ( واالستفهام املخاطب ، فقد بدأت املواجهة وهنا ال تغيب عن الشاعر إنسانيته وال ينفعل يف خطابه مع

أو نقدا ثائرا ، أو هجوما عنيفا ، ولكننا جنـد فال جند هجاء سافرا) ارم ( هذا اإلنسان لوما ومعاتبة ، وتوبيخا بتأدب ، ألنه يهدف من ورائه إىل الوعظ والنبل اإلنساين وبعـث روح اإلخاء واملودة والسالم بني مجيع أهل األرض ، ونلمس هذه املعاتبة والتقريع اللطيف

حيـث ) حتفر رمسك ( كل أكرب يف قوله ونلمسها بش) تبصر فما أنت باملغتنم : ( يف قوله !!! . جعل الفاعل واملفعول يعودان إىل ذات واحدة

) أيا ابن احلياة ( فإن هذا املقطع بدأ بـ ) هو ابن احلياة ( وكما بدأت القصيدة بـ ونسبة اإلنسان إىل احلياة وأمومتها حيمل مفارقة مع املوت وإحياء بضرورة احملافظة على احلياة

. تها وصيانعند املقارنة أنه حينما كان ارم ضمريا غائبـا يف يربزوعند تتبع أسلوبه يف التقريع

، .. ) يبطش ، طغى ، اسـتبد ، ( أول القصيدة خترج األلفاظ خبشونة أكثر وتقريع أعنف أما عندما واجه ذلك الغائب وأخذ يف خماطبته فقد بدأ بالرفق واللني وجمادلته بـاليت هـي

ـ إلوذلك لبث روح ا أحسن ، وح والفكـر رنسانية بني الناس مجيعا ، عن طريق تربيـة الوالقلب ، وهذا أسلوب تربوي ناجح يقوم على إثارة حب اإلخاء واملساواة والعدل ، ويهتم جبانب العفو والتوجيه وكسب اجلميع ، دون اللجوء إىل خسران أي عنصر بشري مهمـا

، فكسب ذلك العنصر واستئصال ما حتتويه ذاته مـن محلت ذاته من نوازع الشر والطغيانتنظر بشيء من املثالية ((اهلنات والسلبيات مطلب أساس يف ذلك التوجه البناء ، فاإلنسانية

)٢( ))، وتصرف النظر عن سيئاته إىل اإلنسان

١٣١صاحل العثمني ، ص: شعاع األمل ) ١( ١٠٦ص) م ١٩٩٢بريوت ، دار العلم للماليني ، ( ٣وليم اخلازن ، ط: الشعر والوطنية يف لبنان والبالد العربية ) ٢(

Page 131: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

مث بعد ذلك يعود الشاعر إىل بيان اجلرمية واملأساة فيكشف ذلك الغموض الذي كان رم اثار املأساة مستمرآا وبيني تفاصيل اجلرمية ويشويف عتباه وتعنيفه لإلنسان ا :

تدك السفوح وتفري القمم التـــين) ذرة( فأوجدا سفح العـدموتلوي ا حنو تصب العذاب على الكائنات

)١( ودمدم فيها اللظى احملتـدم األذى والبــلىمتثل فيها

واليت سبق أن حتدث عنها غائبة مث خاطبها ) اإلنسان ( رم حيث ختتفي شخصية ا، وتبـدأ ) أوجـدا ( وعاتبها مشافهة بعد ذلك ؛ ليكون آخر ضمري هلا تاء املخاطب يف

، وال يشخصها الشاعر تشخيصا بالغيا واضحا ) القنبلة الذرية ( باخلروج شخصية أخرى ، ويتكثف شرهان احلي لعظم أثرها وتفاقم ، وذلك لينأى ا عن مشاة اإلنسان أو الكائ

االضطراب يف تصويرها من خالل األفعال املضارعة الـيت تتتـابع تتابعـا وعنصر احلركة مث تظهر صورة الفعل .. ) تدك ، تغزي ، تصب ، تلوي ، ( استرساليا أو تناسليا ؛ يف حنو

: مية وثار القنبلة ونتائجها اللزآاملاضي حيث تكون األفعال فيه من ذخري السقموزودها يف يف غورها ) عزريل ( وخيم ا القدر احملتكم ى ودو ـاا بأحضـ املنون ترامى

)٢( ب النقماوقهقه فيها سح دبور األسـى وزجمر فيهاقترب بالذرة مـن مشـاة قد ت) خيم ، زودها ، ترامى ، زجمر ، قهقه ( فاألفعال

األخريين حيث إن الزجمرة والقهقهة من خصـائص ذلـك الكائن احلي وخصوصا الفعلنيخيتص باإلنسان دون سواه ، ألن الشاعر كما بينا سلفا حياول عـدم بل إن األخري الكائن

تشخيص الذرة تشخيصا يقترب ا من صفات البشر فقد أتى بأفعال أخرى غـري الـذرة ن صياغة اجلمل الفعلية قـد ومع أ... ) عزريل ، املنون ، دبور األسى ، سحاب النقم ، (

تغريت يف زمنها وفاعلها إال أن الصورة ال زالت تعج بالضوضاء واالضطراب الصـاخب ، ويعكس ذلك عكسا دقيقا البيت األخري حيث زجمرة األسى وقهقهـة سـحاب الـنقم ،

١٣٢صاحل العثيمني ، ص: شعاع األمل ) ١( . املصدر السابق ) ٢(

Page 132: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

دوى ( واستخدام الفعل قهقه هنا والعدول عن أفعال أخرى قد تكون أنسب للسحاب كـ ليعكس داللة الطغيان والسخرية باإلنسـانية ومبادئهـا ألن جاءإمنا ... ) أرعد ، دندن ،

القهقهة من دوال الكرب والطغيان ومن مؤشرات عدم الرمحة واإلشفاق ، وال يستمر طويال هذا االعتراض باألفعال املاضية وأفعاهلا املساعدة حيث يعود املضارع وتربز الذرة فاعال مرة

: أخرى وتفتك يف راقصات األجم ادل يف بأســهااجلنتدك السماء بداجي األمي وتغشى املنايا بإعصارهـــاتقل

وتذري القصور بقلب غلم هوتوتعبث يف األرض أىن وتكشف ما خبأته الرجـم تريك املآسي بأنواعــها

)١( وتضفي عليه غطاء الظلـم العاملــون شاده تدمر ما وتكثيفها يصور كثافة أثرها وتعاظم خطرها حيث مـوت البشـر األفعال وتزاحم

والكائنات وسقوط املباين واشتعال احلرائق ، ويف أول كل شطر خيرج الفعـل املضـارع ليحدث إيقاعا حركيا متتابعا يتناسب مع تتابع الدمار واإلحراق والفتك والتخريب الـذي

. شيما كان متتابعا ومتراسال إبان سقوط القنبلة على هريووتتواصل صورة القنبلة باستخدام ضمري الغائب العائد إليها ؛ ومل يسـتخدم معهـا ضمري املخاطب إطالقا ، وهنا تربز مجالية توظيف الضمري حيث مل خياطب الذرة كما فعل

ألنه يؤمل يف اإلنسان خريا وال يؤمل ذلك يف الذرة ، وهذا ملمـح ) اإلنسان ( مع ارم ى الشاعر السعودي املدرك قبل عشرات السنني ، وقبل أن تتواىل صـيحات إنساين جنده لد

العامل اليوم بالقضاء على أسلحة الدمار الشامل ونزعها من مجيع الدول ، ملا يف ذلك مـن . خطورة عظيمة أصبحت تدركها مجيع دول العامل

حدث هلـا مث يعود الشاعر يف آخر قصيدته إىل املأساة ، فيصف واقع هريوشيما وما : مستخدما هذه املرة فعل املضي

سحقتها أكف العدمفقد سل أرضها ) هورشيما ( فها هي

١٣٣صاحل العثيمني ، ص: شعاع األمل ) ١(

Page 133: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

وتبكي على عهدها املنهزم تناجـي الذرىفأضحت طلوال )١( وفرق من مشلها ما التـأم دهاها النـــوىفستون ألفا

الذين أزهقت أنفسهم يف فتبلغ املأساة قمتها يف بيان ذلك العدد اهلائل من الضحايا و . حلظة زمنية ؛ وذلك ما مل يكن يف ضحايا بعض احلروب اليت استمرت عددا من السنوات

وتنتهي قصيدة العثيمني مزاوجة بني ضمري الغائب واملخاطب على حني خيتفي ضمري رثاء املتكلم متاما فال نلمح يف القصيدة أثرا لعاطفة الشاعر أو هواجس نفسه ، بل إن نكهة ال

املتسمة باحلزن والبكاء ال نكاد جند شيئا منها يف مجيع تناوالت القصيدة ، فهل غياب البكاء واختفاء احلزن راجع إىل ما ذكرناه آنفا من إشكالية الرثاء ، واملواساة يف األحـداث غـري

د أن نقول بأنه قد يكـون واإلسالمية ؟ قد يكون ذلك تعليال مقبوال إىل حد ما ، ولكننا نهناك أيضا إرادة شاعرية يف كسر النمطية املألوفة وتغييب عناصر الذاتية يف مأساة إنسـانية كربى ؛ يكون وصف األثار وتشخيص املآسي أوىل ا من البكاء والندب ، حىت تتفاعـل الذات املستقبلة دون تأثر بالذات املرسلة ، ولكن انفعاهلا يكون نتيجة مثري خارجي ملـح،

. طفة وتستلهمه من اقتناع ذايت وفرضية وجدانية خالصة تترمجه العاوقوفنا الطويل جدا عند هذه القصيدة اإلنسانية فإننا نـود أن ننتظـر وأخريا وبعد

العامة ؛ إا رؤية إنسانية تقوم على حب السالم واإلخاء واحترام العنصر تهاتها أو رؤيففلسهالك وإزهاق أرواح البشر ، وهـذه األمـور البشري وباملقابل تقوم على كره التدمري واإل

مجيعها من مقاصد الدين اإلسالمي وشرائعه السمحة ، وهذا ما صدر عنه الشاعر واستلهمه قبال ، ولكنه عندما أراد إخراجه فقد أخرجه بأسلوب إنساين عام حىت يصبح رسالة عامـة

النبيلة لكي ال يكـون إىل مجيع البشر ، ومل يكشف عن أسلحة هذه الرؤية وتلك األهداف ذلك عائقا هلا عن انطالقها أو بلوغها إىل بعض أصحاب الديانات األخرى من املتعصـبني

. هلا وعندما نترك هذه التجربة مبا احتوته من اختفاء عنصر الذاتية وتسجيل مشاعرها فإننا

وقد ) ومبيا ولبركان أرمريو يف ك( عطاس بعنوان جند قصيدة أخرى للشاعر أمحد عبد اهللا ال

١٣٣صاحل العثيمني ، ص: شعاع األمل ) ١(

Page 134: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

عالم عامليا وحمليا نبأ بركان أرمريو الذي تناقلت وسائل اإل ((صدرها مبقدمة نثرية جاء فيها جعل ماليني األطنان من الطني واحلجارة واللهب واملعادن املصهورة واحلديد املشتعل تنهال

مقـربة ل عشرات اآلالف من البشر دفنوا مجيعهم يف تعلى مدينة فتسحقها من الوجود وتقعظيمة من الطني واحلجارة ، هذه املأساة الكربى اليت جتلت فيها قدرة اهللا العظيم أوحت يل

: ، مث تبدأ القصيدة بـ )١( ))بالقصيدة التالية وفيم ترى يسري التبصر والفكر ؟ ؟ ما األمر األحبةيسائلين بعض

؟ وأي خيال قد تسامى به الدهـر وأي مساء كنت فيها حملــقا ؟ وأي جمال يستمد به الصـــرب ؟ وأي فضاء فيه قد تسبح النهى ؟

وأنات نفسي يستبد ا العمــر وما علموا أين حبيس خواطري )٢( احلصــرمظاهر فيه ال حيددها ددت أفكر يف كون عظيم تعـ

وكثرة التساؤل تعكس قلق التجربة وصعوبة خوضها ، حيث اجتمع أمام الشـاعر هلما ما سبق مناقشته واإلفاضة فيه وهو رثاء غري املسلمني ، وثانيهما أن مـا عنصران ، أو

كما يف قنبلة هريوشيما ، ولذا جنـد قلقـا ئيسحدث ليس من فعل اإلنسان أو تدخله الواضطرابا يف الولوج إىل الرثاء ، وال نكاد جند ما يتناسب مع الرثاء أو الكارثة اإلنسـانية

لك املقدمة النثرية سوى ما يذكره الشاعر يف البيت قبل األخري من أنات الكبرية اليت أبانتها تنفسه املتعاظمة وسيطرة أحزانه على خواطره ، ومل جيد خمرجا هلا سوى الذهاب إىل التفكر يف الكون وما فيه من اآليات ، حيث يبدأ بالشمس فيتحدث عن دوراا وإضاءا للكـون

، مث يتركها وينطلق إىل التفكر باألراضني فالسماوات مث ت ودورها يف حياة اإلنسان والنبااملاء والسحاب ، وجيعله حمطته األخرية يف هذا التفكر اإلنساين فيفرده يف سبعة أبيات مبينـا

: ضعفه وتقلب حاله يف مرضه وصحته ويف غناه وفقره فيها وطورا يباهي أن يكون له الفخر له )٣(وطورا يناجي ربه خمتبتا

٥٣، ص) ت .د) ( م .د(أمحد عبد اهللا باهارون العطاس ، : من وحي التأمالت ) ١( . املصدر السابق ) ٢( . وقد يكون هذا اخلطأ مطبعيا يف الديوان ) خمبتا ( الصحيح ) ٣(

Page 135: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

)١( وسلك دربا يف جماهله الوعــر يعربد أحيانا ويصلح تــارة وتستهلك تلك املقدمة املفعمة بالتساؤالت مث التفكر يف الكون ما يزيد على نصـف القصيدة ليدخل الشاعر بعد ذلك إىل التحدث عن املأساة دخوال مباشرا دون حسن ختلص

: أو ربط ، فيقول بعد البيتني السابقني مباشرة وتوحي بأهوال جيسدها احلشر ـة وثورة بركان تدمر أمـــ

ويفتك باألقوام من ويلها اجلمر ن ــويعجز عنها كل علم متق ر ـليكرب ربا شأنه النهي واألم فيا ليت شعري هل يفكر فاطن

)٢( رـبأن إله الكون من حقه القه ه ــويعلم علما ال تريب دونرة اهللا وقوته القاهرة ، وبيان العجز البشري أمام قضاء وتستمر القصيدة يف إعالء قد

اهللا وقدره ، وقد أطال الشاعر يف هذا املعىن إطالة قد فصمت وحدة املوضوع وأحدثت فيها استطرادا كان بإمكان الشاعر أن يتخلص منه ؛ وأن ينطلق إىل وصف املأساة وآثارها النامجة

: ثة أبيات قبل ختام القصيدة قد جاء فيها عنها ولكننا مل جند من ذلك شيئا سوى ثال تواكبه الويالت والنحس والذعر الذي كان مهلكا ) أرمريوا ( ان وبرك

وختتفي اآلثار فهي هلم قبـــر م يدمر أقواما ويسحق دورهــــ )٣( م ذكـرومل يعمروا أرضا تكون هل حلظة يف حياــمكأن مل يكونوا

إىل ما ابتدأه سلفا من تعظيم قدرة اهللا ، ونفاذ قضائه على مث يعود بعد هذه األبيات . مجيع املخلوقات ليكون ذلك ختام قصيدته

والواقع أن الشاعر هنا قد أخرج رؤيته اإلسالمية املتمثلة يف فكرتني أساسيتني مهـا ي قد أخرج ذلك بثوب إسالم) .. التفكر يف خملوقات اهللا ، تعظيم قدرة اهللا ونفاذ قضائه (

خالص ، وهذا اإلخراج قد صبغ الرؤية باإلقليمية واحملدودية وحال دون عامليتها إىل حد ما السابقة ، حيث برز فيها عنصـر العثيمني ، وهذا على خالف ما وجدناه يف قصيدة صاحل

٥٣أمحد عبد اهللا باهارون العطاس ، ص: من وحي التأمالت ) ١( .املصدر السابق ) ٢( .لسابق املصدر ا) ٣(

Page 136: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

قد اسـتأثرتا ) التفكر وتعظيم قدرة اهللا ( األسلمة العاملية املنطلقة ، كما أن هاتني الفكرتني اء مجيع جوانبه الضرورية وهنا فحالتا أخريا دون إشباع غرضها األساس واستيفالقصيدة جبلالتنبيه على قيمة املقدمة النثرية اليت أتت بني يدي النص ، حيث إا قد عوضت شـيئا جيدر

من ذلك النقص ملا تضمنته من بيان هول املأساة ومدى تأثر الشاعر بآثارها املؤملة ، وقـد بإحساس وقصد من الشاعر لتكتمل رسالة قصـيدته وتـزول منـها مجيـع يكون ذلك

. االضطرابات والعقبات للشاعر عبد اهللا بن سليم ) غضبة اهللا ( أما النموذج الثالث فهو قصيدة بعنوان

الرشيد وقد أنشأها مبناسبة زلزال أرمينيا الذي حصد آالف البشر يف أوائل العام امليالدي عر قد جعل هدف قصيدته التذكري واالعتبار ، ويوحي ذا العنوان االش ويبدو أنم ، ١٩٨٩

يف حلظات ، زلزلت األرض ، ((كما أنه قد صدرها مبقدمة نثرية جاء فيها ) غضبة اهللا ( ����DDDD((((����&&&&xxxx ,,,,����1111 ���������������� ����فمات آالف من الضحايا ، وشرد املئات

����tttt����::::��������DDDD&&&&QQQQ eeee☺☺☺☺DDDD(((( ����}}}} ��������$$$$&&&&(((( SSSSNNNNSSSS&&&& ��������**** 1111&&&&����....((((����**** ~~~~;;;;☺☺☺☺CCCCCCCC((((%%%% ��������88889999�������� !!!!]]]]��������^PPPP ��������////���� ���� )١(

: وقد ابتدأ الشاعر قصيدته مبباشرة موضوعه وتصوير املأساة وهو الزلزال وعلت شهقة ، وفاضت عيون زلزلت ، فاستهل ليــــل مآس

واستفز قلب ركنيحادث ، زلزلت ، فاستجاش خطب ، ودوى ن وهو للثرى هناء طعيـــ زلزلت ، فامتطى العبوس حصــانا واعتلى نائح ، وفر السكـون صرخ الصمت ، فالديار خــراب )٢( أوردته الظنـونـرب ناع ما زلزت ، وارتقى إىل األفق املـغـ

عبارة حمورية تتكرر متصدرة عددا من أبيات القصـيدة ، ) زلزلت ( وتصبح لفظة تها اللفظية قد أتت فعال والواقع أن اللفظة حتمل تقنية مجالية متكاثفة ، فهي عالوة على دالل

مبنيا للمجهول ، ونائب الفاعل فيها ضمري غائب مل تكشف القصيدة صاحبه ، لـيعكس

٣٧سورة ق آية ) ١( ١٧٠عبد اهللا بن سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 137: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

مـؤمل ذلك غياب معامل املدينة وآثارها بل وأناسها الذاهبني ، فغياب ذلك وذهابه إيقـاع يـة يتكرر بتكرر الفعل املبين للمجهول ، وتسيطر على األبيات اجلمل الفعلية عاكسـة فعل

وحركة الزلزال املروع ، وما فيه من التغري والتحول على حني تغيب اجلمل االمسية ، فـال مقابل سبع عشرة مجلة فعلية وال تقـف مجاليـات ) الديار خراب ( خترج إال مرة واحدة

أسلوب القصيدة عند هذا بل إننا جند تشخيصا يقوم على مفارقة لغوية مجلية تعكس احلركة ويفر السـكون ، مث تتواصـل !! ي أحدثه الزلزال حيث يصرخ الصمت واالضطراب الذ

صورة احلركة املتتابعة واالضطراب يف مجيع مكونات الطبيعة لتصل هذه الصورة قمتـها يف )١(: وصف اجلبال

)٢( ثقل القيد ، واعتراها جنون نفشت شعرها اجلبال ، وألقت ارثة الطبيعية ليأيت املقطـع الثـاين وهكذا ينتهي املقطع األول وقد ركز فيه على الك

مركزا فيه على املأساة البشرية ومبينا شيئا من تفصيالا الدقيقة ، حيث خترج صورة الشيخ .وهكذا .. ، مث الطفل واألم مث العذراء

دغدغته من الشباب فتون رب شيخ يف خطوه يتهــادى مقلتيها حننيـر ، وأم يف يف ثغره بسمة الطهـرب طفل

وألحالمها العذارى رنيـن ت رب عذراء يف الفراش متطـ للهوى ؛ والغمام مسح هنون رب فتيان صبوة قد تنــادوا

من الرثاء العريب الذي قيل يف كوارث طبيعية طالت بالدا عاملية ما قاله حافظ إبراهيم مبناسبة الزلزال الذي ضرب ) ١(

من سكان املدينة ، ومـن أبيـات تلـك م ، وقد أودى الزلزال حبياة األلوف١٩٠٨اإليطالية عام ) مسني (مدينة .القصيدة طغيـــان أميا البحر وطغى بغت األرض واجلبال عليــها كثرة الغليــانـق انشاقا من عليها فتنشـتلك تغلي حقدا ودخــانمن مارج بشواظ فتجيب اجلبال رمجا وقذفــا داين جيش موج نائي اجلناحـني البحار ردا عليــها وتسوق

بـريوت ، دار اجليـل ، ( ضبط وترتيب أمحد أمني ، أمحد الزين ، إبـراهيم األبيـاري ، : ديوان حافظ إبراهيم ( ) ١/٢١٧) هـ ١٤٠٨

١٧١عبد اهللا بن سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 138: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

)١( واشرأبت إىل اللقاء املنـون أجلبت حوهلم خيول املنــايا إا صورة املوت اجلماعي الذي يكتسح العناصر البشرية مضيفا إىل مجاعيته عنصـر

يـتم اسـتثمارها ) مفاجأة املوت ( إنذار أو مقدمات ، وهذه الفكرة املفاجأة دون سابقلتكون مقدمة ويئة إىل فكرة أخرية أو ختامية ، وهي نصح مجيع سكان األرض وتذكريهم

.باملوت وبقدر اهللا املفاجئ ن ــإىل اهللا ، فاملالذ الدي فالنجاء النجاء يا ساكين األرض

كن فيكونزواال يقول .. . .قدر اهللا حمكم الكون إن شاء )٢(ع سد ، وال ترد حصون ـن ـــغضبة اهللا حني ترتل ال مي

وعند النظر إىل عنوان القصيدة ومقدمتها النثرية وما تضمنته خامتتها كما يف هـذه ستكشف أن التذكري كان هدفا أساسا وإرادة ذاتية عند إنشاء القصيدة ، ولكـن ياألبيات

هذا األمنوذج ولنص عن تصوير املأساة ونقل تفاصيل أهواهلا وآثارها ، هذا اهلدف مل يقعد باينسبك يف سياق ما سبقه من غياب العواطف الذاتية ، حيث تغيب صورة الذات ومشاعرها من مجيع النص ، لينطبق عليه أخريا ما حاولنا به تعليل غياب ذلـك يف تلـك النمـاذج ،

ومـع .. أ فرديا كما جند ذلك يف اجلاهلية عند اخلنساء والواقع أن الرثاء يف شعرنا العريب بدالتطور والتغري يف احلياة بدأ ينمو هذا الفن ، حىت جنده يتعدى التعبري عن الوجدان الفـردي إىل اجلماعي ، لنجد رثاء املدن واملمالك ، ورثاء املعاين ، والرثاء يف النكبـات اإلنسـانية

الزلـزال والـرباكني ومـا ( صوصا يف النكبات العامة بل إنه قد تطور وخ. إخل .. العامة وحيـل بـدال منـها ) مفردة أو مجاعية ( تطورا جذريا لتغيب العاطفة الوجدانية ) شاها

الوصف والتصوير وتشخيص األهوال ، وهذا من التحوالت املستجدة يف الشعر املعاصـر ، ، وما نلمحه هنا مـن اآلخرحيث أصبحت بعض الفنون تستعري خصائص وعناصر بعضها

حتول الرثاء وتلبسه بعنصر الوصفية البحتة من أبرز تلك التحوالت ، وهو من عناصر النمو . والثراء يف الرثاء املعاصر

. املصدر السابق ) ١( ١٧٢عبد اهللا بن سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 139: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا���� ا���� :� �����ا���� ا

ومل تكن املواساة يف األحداث العاملية مقتصرة على قصائد النكبات العامة واليت تنشأ ء الذايت أو رثاء األشخاص ، حيث ينطلق مبناسبة تلك النكبات ، ولكنها قد توجد يف الرثا

) مرثيـة جـدي يف حياتـه ( الشعراء إىل قضايا ومآسي العامل كما جند يف قصيدة بعنوان : للشاعر جاسم الصحيح

تذكرت جدي يطل على آلة العصر .. ترفع فوالذها فوق صوت اإلله

كأن السماوات حمروسة بالرصاص إىل آخر االزرقاق رض ويرنو إىل األ

.. تبتر أعضاءها واحدا واحدا )١( !!!سأما من قيود العناق

ومع ما حيمله النص من معطيات داللية متعددة إال أنه حيمل انتقادا إنسانيا للحروب تنم عنه من تنكـر اإلخـاء ابني الشعوب يف مجيع األرض ، وذلك ملا ختلفه من املآسي ومل

.. آلة العصر ترفع فوالذها ( فعال إىل غري اإلنسان اإلنساين ، ومن مجاليات النص إسناد األحيث أسند البتر والرفع إىل اآللة واألرض عادال عن إسـناده إىل ) ، األرض تبتر أعضاءها

انسـلخ اإلنسان ملا حيمله الفاعالن من عدم اإلحساس واإلدراك ، فكأن من يفعل ذلك قد . س ، والرمحة واإلشفاق صفة اإلنسانية وما تتميز به من الرفق واإلحسامن

٩٢جاسم الصحيح ، ص: ب األجبدية حني) ١(

Page 140: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

البعد السياسي: الفصل الرابع يةقضايا الوطنالـ ١

قضايا األمــةـ ٢

Page 141: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

: ـ قضايا الوطن ١ وطن اإلنسان جزء منه ، وعامل مهم من عوامل تكوينه النفسـي واالجتمـاعي ،

ا وهلا شيء فطـري واإلحساس بالوطن واالهتمام به والشعور بأفراحه وأتراحه واالنفعاليف النفس اإلنسانية ودليل على الوفاء واالنتماء وأكثر ما يتجلى البعد الوطين يف رثاء امللوك والقادة ، ألم هم الذين يوجهون ضة الوطن ، وهم الذين يقومون حبقوق شعوم وقيادة

.مسريم ثا عن واقـع اململكـة فهذا عبد اهللا بن مخيس يقول يف رثاء امللك عبد العزيز متحد

: العربية السعودية وما شهدته من حضارة وتوحد كان السبب فيه بعد توفيق اهللا تبىن وتنشئ قوة وفنونـا وسرى ا نور احلضارة واغتدت اخلمسينـاملا جياوز عدها من ذا يظن بأا يف فتـــرة

)١( أمم سرى فيها الرقي قرونا ـاتغدو بأى حلة عرفـت فهو يقيس ضة الوطن وحضارته قياسا زمانيا يقوم على املقارنة بينما حتقق للـوطن

. يف فترة وجيزة وما حتقق ألمم أخرى يف عدد من القرون جعل موت املرثي وغيابه قضية وطنية تأسيس املرثية تأسيسا وطنيا وأول ما نلمحه يف

إلحساس يف الشـعب واألرض واملعـامل ، حيس ا ويتأمل هلا الوطن مجيعا ، ويتمثل هذا ا : يف رثاء امللك فيصل حممد هاشيم رشيدالوطنية املختلفة ، ومن مناذجه قول

ـر ورزء البالد فوق العزاء فاملصاب األليم أقوى من الصبـ ما أصاب البـالد من أرزاء وصدى نعيك املروع أقســى

شـقاء وتطويه ، يف برود ال ونإنه صعقة الردى تغمر الكـ )٢( يتسامى ، يف عزة واعتـالء وايار أللف ألف بنــــاء

وتكرار البالد يف البيتني األولني ترسيخ قوي للقضية الوطنية العظيمة ، حيث وردت ويف كال املوضعني تقـع الـبالد ) أصاب ( رزء ومرة مفعوال به للفعل للمرة مضافة اللفظة

٧٥، صعبد اهللا بن مخيس : وان الثاين الدي) ١( ٢٢٩حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ٢(

Page 142: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

تأخذ بعدها الوطين غري احملدود متجاوزة حدود الذاتية حتت التأثر واإلصابة ، وألن املصيبة وهي .. ) أقوى وفوق وأقسى وتغمر ( واحلصر فإا خترج متعاظمة مستفحلة يف النص فهي

املصاب األليم وصعقة الردى ، وقد جعل الصفة األوىل عنوان قصيدته ، ولتعظيم املصـيبة عظيم ، إنه ايار البنـاء الـوطين الكـبري وويلها جند نتيجة منطقية تتمثل يف ايار مشويلبشري واملادي وغري ذلك من معامل تقدم ومناء واملتكون من أشياء كثرية ال حصر هلا منها ال

الوطن ، وهنا تفرض الوطنية التغين بأجماد الوطن ومنجزاته احلضارية املتعـددة ، فيجعـل يث اختار املضارع ملا يوحي به مـن ح) يتسامى يف عزة واعتالء ( االنطالقة لذلك يف قوله

: استمرار العطاء وتقدم النهضة الوطنية ، مث يدلف إىل ذلك اء وة ورخـروينابيـع ثــ ارا ال نضـــمات من حول الرم

ب ، ورق الشذا بكل اجلواء اجلدومشى يف القفار ، فاخضوضر )١( راءمفرق الصحمشرق فوق ــاج وغدت كل تلعة وهـي ت

نتقل ويتحول برثائه إىل رصد ما شهدته اململكة العربية السعودية من تطـور حيث يوحتول جذري متثله النهضة الباهرة اليت شهدها الوطن يف ظل قيادته احلكيمة املوفقة ، وهنا يتحول قاموس املصيبة يف األبيات األوىل إىل قاموس أكثر اء وإشراقا ، إنه قـاموس اـد

و أردنا استعراض هذين القاموسني فسنجد أوال املصاب والرزء والصعقة الوطين املبهج ، ول . إخل .. والثروة والرخاء والتاج والعزاء وااليار ، مث سنجد بعد ذلك النضار والينابيع

إنه حتول يف الفكرة واللغة كما أنه حتول يف العاطفـة ، ولكنـه حـدث دون أدىن فتصـبح شوة حب الوطن والتغين مبجده وضته إحساس بأي نفور أو اغتراب ، وتتضخم ن

مبثابة املخلص للشاعر من مصابه األليم ، ويبدو أن هذه النشوة تأخذ انطالقا متناميا وطيفا متوسعا يف عاطفة الشاعر فيتواصل انفعاهلا بذلك ، لتتحول تلك النشوة من كوا مالذا يف

ح هناك حتول يف الرؤية ، مما جعل القصيدة البدء إىل أن تصبح غاية لذاا يف النهاية ، فيصبينتظمها البعد الوطين وينمو فيها ليصل إىل خامتة متثلت يف متجيد القيادة اجلديـدة وعقـد اآلمال عليها يف مواصلة مسرية البناء والعطاء الوطين الذي ابتدأه وأسسه امللـك الراحـل ،

٢٣٢حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ١(

Page 143: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

لك ، ألن رحيله يصـبح رحـيال وهنا ختف وطأة املصيبة ويضمر أثر غياب وفقد ذلك امل : جسديا خالصا على حني تبقى آثاره وخططه وتتواصل جهوده التنموية فيمن خلفه

بني إخوانه ، ويف األبنــــاء مات ؟ ال مل ميت فما زال حييا مضاءيف ) خالد( ومشت خلف ودعتــــه أمة بأعماقو

)١( عـــاءالدوحة الفربشذاه يف سر عبد العزيز ما زال يسريويتصدر األبيات استفهام قد حذفت أداته ، ليقل أثره ويتأكد جوابه بالنفي ، ويأيت

حامال االستمرار والدوام فيما تركه من ضة وجمد مستمر ، وحتدث ) حييا ( الفعل املضارع األول فالتركيب) حييا بني إخوانه ، حييا يف األبناء ( هنا ازدواجية يف التركيب اللغوي ميثلها

والذي تتوسط الثاين يأخذ داللة احلياة احلقيقية ، أما التركيب ) بني ( والذي تتوسط طرفيه فإنه يأخذ داللة جمازية على احلياة ، وهنا تتقاطع احلياتان يف معـىن الشـاعر ) يف ( طرفيه

واملشي ويتداخل الواقع واحللم ، مث يصحو الشاعر وهو فرد يف األمة اليت رأت توديع الراحل خلف ويل عهده واجبا وطنيا لتلك األسرة الكرمية اليت قد حبت الوطن والشعب وبادالهـا ذلك احلب ، متآزرين مجيعا يف سبيل ضة ومنو الوطن العظيم من خالل مبادئـه الدينيـة والثقافية العظيمة ، كما تظهر يف األبيات مجالية معنوية أخرى ميثلها ذكر امللك املؤسـس

هلذا الكيان الوطين العظيم ، حيث إنه قد رحل وخلفه من أبنائه من واصل املسرية واملوحد .وحافظ على القيادة ، فيكون يف هذا تأسيا واطمئنانا مضاعفا

ومل يفتـه ((أما حممد السنوسي فإنه يرى أن موت امللك فيصل مأساة شعبية كربى : )٢( ))أن يعرب عن مدى احلزن الذي أصاب الناس يف اململكة

)وا فيصاله ( كل فرد ـ صائح ـ أصبح الشعب حزينا باكيا يده التاريخ فينا وبنــــــاه مل يغب عنا مليك صنعت )٣( ميأل الدنيا سنــــاه وــاه هو يف كل مكان شاخص

٢٣٣حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ١( ٢٥٨طلعت صبح السيد ، ص. د: ي احلديث التيارات الفنية يف الشعر السعود) ٢( ٥٩٥حممد السنوسي ، ص: األعمال الكاملة ) ٣(

Page 144: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

لتعكس هذه األلفـاظ ) حزينا ، باكيا ، صائح ( وتتضخم دوال احلزن يف الشعب شه من اآلالم جراء هذا الفقد الكبري ، وهنا ترفض عاطفـة الشـاعر حالة الشعب وما يعي

االستسالم لواقعها املرير فترفضه بإصرار وقوة إرادة ، وخترج دوال جديدة مبثابـة املعـادل : حل وإثبات بقائه ووجوده ااملوضوعي متضمنة نفي غياب الر

نفي الغياب = .. ك ــمل يغب عنا ملي إثبات بقائه ووجوده = هو يف كل مكان شخاص

.البقاء اإلجيايب والعطاء املستمر = .. اه ـــميأل الدنيا سنفيتضافر النفي واإلثبات على تفعيل املعادل املوضوعي حلقيقة املوت وما تعكسه من الفقد والغياب ، وواقع هذا االنفعال العاطفي ومبعثه األساس كامن يف حب الشعب لقيادته

هذا من مالمح الوطنية ومقوماا لدى مجيع الشعوب ، وقد يتحول البكـاء ووالئه هلا ، وإىل بكاء معنوي متثله معطيات وطنية غري بشرية ، فيصري البكـاء ) بكاء الشعب ( احلسي

الوطين حسيا ومعنويا ، ويقوم ذلك البكاء املعنوي على أسلوب التشخيص ، فتبكي األقاليم ودية واألار والنخيل واألشجار ، ويربز أمنوذج هذا البكاء واملدن ، وحتس مبوت الفقيد األ

املعنوي مركزا عند علي النعمي ، حيث أفرد يف رثائه للملك فيصل مقطعا كامال حبـدود : وقد ابتدأه ببكاء الشعب .. ثالثني بيتا

أحشـــائهوجمامع اآلمال يف به ـــيبكيك شعب أنت خفقة قل )١( وخطاك قد نقشت على صحرائه دهـــباين جميبكيك شعب أنت

: مث انطلق مباشرة إىل البكاء املعنوي بادئا بقامات النخيل يف جند ما اعتنق الضحى مبسائه.. يف جند املـدىالنخيل على قاماتتبكيك

شقــرائهأبكى عيون الرمل يف تبكي القصيم على بكا الوشم الذي وجبزرها والرمي يف دهنــــائه كيك شطآن اخلليج مبــــدها بت

)٢( جبــدائهمعىن احلياة فطاولت أعطـى هلا من النفطتبكي حقول

١١٩علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١( ١١٩املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 145: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

: مث بعد ذلك ينتقل من وسط البالد وشرقها إىل أجزاء أخرى سلمائه رىبيف حائلوبكاك ة ـوعــيبكي الشمال حبرقة وبل

رائه نظ علىتبكي زعيما فاق اـــوبكتك طيبة وهي تعلم أ )١( بقالعه واملوج من دأمــائه الد ـــيبكي احلجاز بطارف وتب

: ومن الشمال واحلجاز ينتقل إىل جنوب اململكة )٢( وبغيلها اجلاري بكل صفـائه لهاــتبكيك أودية اجلنوب بسي

ويستمر النص يف تتبع مجيع أجزاء الوطن فال يكاد يترك شيئا منها ، وتتكرر فيهـا وهو الغالب األكثـر ، ) تبكيك ، تبكي ، يبكي ( البكاء مرةيف هيئة املضارع مجيعا لفظة

وهو األقل، وجميء البكاء فعال يدل علـى ) بكتك ، بكت ، بكى ( ومرة يف هيئة املاضي كثرته وتفعيله ، وغلبة املضارع توحي باستمرار ودوام البكاء ، وما سرد جل أقاليم اململكة

الذي يعيشه الوطن عاكسا هذه احلياة األسلوب البالغـي ة والنمو ومدا إال إليضاح احلياحيويـة ومنـو ( الذي ينتظم يف مجيع أبيات هذا املقطع ، وهذا املضـمون ) التشخيص (

يوازيه مضمون آخر يعكسه أيضا أسلوب األبيات وتتابع أجزاء الوطن فيها ، وهذا ) الوطن ة بني مشال البالد وجنوا ، وبني شرقها وغرا والوحدة الوطني املضمون هو التالحم الوطين

، والوحدة الوطنية هنا نابعة من فكرتني متوازيتني ، أوالمها التجاور والتتابع بني مدن الوطن . ، وثانيهما الشعور املتوحد إزاء فقد امللك الراحل

نتقال ويبدو أن الشعور الوطين ظل مسيطرا على مرثية الشاعر ومل تستطع عاطفته االإىل غريه أو اإلفالت منه ، ولذا جنده يتدفق عرب مضامني متنوعة ؛ حىت يأيت آخـر مقـاطع القصيدة مستشرفا املستقبل بتفاؤل وأمل كبري وثقة يف خلفاء املرثـي ، فيجتمـع العـزاء

: والدعاء فاجعل عزاء الشرق يف خلفائه رباه إن أفضى لبابك فيصــل

واألسرة الباقني من خلصـائه هـيف خالد والفهد من إخوانـ

١٢٠علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١( املصدر السابق ) ٢(

Page 146: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

طريق بنائـهنعم املعني على وامجع م صف البناء وكن هلم )١( واجعلهم يف األرض من أمنائه شرعـهوانصر م دين اإلله و

فالباعث الوطين واضح يف هذا املقطع ، وحب الوطن عاطفة صـادقة يف املرثيـة ، يئا من ذلك احلب الوطين ، وهذا املعىن الـذي واآلمال اليت يبلورها هذا املقطع تكشف ش

يتجه إىل مستقبل الوطن مؤمال ومتفائال يف القيادة اجلديدة قد كثر خروجه يف أغلب مراثي امللوك يف الشعر السعودي مثل رثاء امللك عبد العزيز عند طاهر زخمشري وعبـد اهللا بـن

وعبد الرمحن بن عثمـان )٢( ومثل رثاء امللك فيصل عند عبد اهللا بن إدريــس.. مخيس ، وعبد اهللا بن إدريـس ، )٤(، ومثل رثاء امللك خالد عند عبد اهللا بن مخيس .. )٣(املال

.وغريهم )٦(، وحممود عارف )٥(وحممد بن سعد الدبل ولعلنا ندرك ـ وحنن بصدد هذا املضمون ـ القيمة اليت حيملها عنـوان اموعـة

اليت ضمت عددا كبريا من املراثي اليت قيلت يف امللك فيصل ، حيث )آالم وآمال ( الرثائية إن العنوان يتكون من جزئني متقابلني ، أوهلما يصور حالة املصيبة وعظمة املوت وغيـاب الفقيد ، وثانيهما قد يكون نابعا مما وجده املؤلف يف القصائد من أمل وطين قد عقدوه على

.خلف الفقيد يف القيادة واحلكم ومل يكن جعل املرثي قضية وطنية مبضامينها السابقة مقصورا علـى رثـاء امللـوك واألمراء ، وإن كان ذلك هو الغالب املطرد ، إال أنه قد يوجد يف رثاء العلماء ملا هلم مـن قيمة وطنية كبرية ، ولكن هذه القيمة الوطنية قد يغمط ظهورها قيم أخرى دينية واجتماعية

هنا كانت يف رثاء العلماء أقل أثرة وبروزا منها يف رثاء امللوك ملا هلم مـن وتارخيية ، ومنحضور وطين تقتضيه طبيعة احلياة ونظام الكون ، ومع هذا فقيمة العلماء يف وطن كاململكة

١٢٢علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١( ) ١٨٧عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ( انظر ) ٢( ) ١/٩١عبد العزيز األحيدب ، : آالم وآمال ( انظر ) ٣( ) ٨٦عبد اهللا بن مخيس ، ص: الديوان الثاين ( انظر ) ٤( ) ٤١حممدح الدبل ، ص: معاناة شاعر ( انظر ) ٥( ) ٢/٥٥١حممود عارف ، : ترانيم الليل ( انظر ) ٦(

Page 147: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

العربية السعودية قام على الدين وتطبيق الشريعة ستكون وطنية حتما النسدال الوطنية حتت مي وانبثاقها منه ، وهذا أمر مسلم به ومعلوم لدى مجيـع املـؤرخني شعارات الدين اإلسال

واملفكرين ، وهلذا فقد برزت القيم الوطنية يف رثاء العلماء كقول زاهر األملعي يف رثاء الشيخ : حافظ احلكمي

نعى النحرير عاملها اهلماما الف صوتـاملخلقد دوى على ر على بد وساكنـــوها اجلنوبعت تفجا حمى الظالما

فهزت من فجائعها األناما وذاعت يف الورى صيحات خطب

به املفقود فهو يتحل افاملخالف واجلنوب دوال وطن الفقيد ، ومصاب الوطن هنا ملالنحرير وعاملها اهلمام ، كما أنه بدر يزيل الظالم ، وحياول الشاعر إعالء قيمـة املفقـود

.. )وذاعت يف الورى صيحات ( العامل املفقود إىل مجيع الورى واالنتقال بأثرها من موطن والورى واألنام هنا ملطلق العنصر البشري ، وهذا البيت وإن كان فيه شيء من املبالغة إال أنه يكشف القيمة االجتماعية والوطنية للعامل املفقود ، ولعل استشعار الشاعر لتلـك املرتلـة

ما دفعه إىل التعميم واإلطالق السابق ، ولذا فإننـا جنـد وحماولة تضخيمها وتأكيدها هو : القصيدة تكشف شيئا من هذا ، كقوله

ولإلسالم طودا ال يسامى با ـأحافظ كنت للعلياء قط . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

)١( مطالبها املراماونالت يف علم فانتعشت بالد لنشرت ا

ه البيت األخري من اإلشارة إىل انتعاش البالد وتطورها ورقيها ، كمـا ومجيل ما حيوي . أنه مجيل عزو ذلك إىل العلم ومن قاموا بنشره يف هذه البالد

ويصور حممد بن سعد بن حسني عظم مصيبة اجلزيرة العربية يف فقد الشيخ حممد بن : إبراهيم فيقول مبتدئا مرثيته بـ

األركـان مهزوزةمبصاا ـا اليوم فلتبك اجلزيرة إـ )١( ال كاجلهابذ حكمة ببيان فلتبك اجلزيرة جهبذام اليو

١٣٥زاهر األملعي ، ص: ألملعيات ا) ١(

Page 148: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

) اليوم ، اجلزيـرة ( ويف هذا التكرار يتم بلورة وتأكيد عنصري الزمان واملكان يف ويعكس هذا التأكيد الشعور الوطين إزاء احلادث املفجع ، واستخدام الم األمر مع الفعـل

وة على صورته البالغية يوحي بعظم املصاب على الشاعر ، وقد جعله هـو عال) فلتبك ( املصيبة وعظمتها يلجأ إىل استبكاء كل ما حوله ، ومل يطلب ذلك من البشر ألنه مقبـول

مبا حيويه ويضمه معىن الوطنيـة ) اجلزيرة ( ومنطقي حدوثه منهم ؛ ولكنه ذهب إىل الوطن إخل ، وبالتايل فإن ذلك يوسع دائـرة .. قل وغري العاقل من األرض والشعب واملعامل ، والعا

. البكاء ويضخم أثر موت العامل الراحل ـ رمحه ) عبد العزيز بن باز ( أما عبد الرمحن العشماوي فإنه يقول يف رثاء الشيخ

: اهللا ـ األجفانحزن القلوب ، وأدمع للقصائد أن ترى ))ابن باز ((مات

دموع الطائف الوهلـانتلقى فيــــاضـة يف عني طيبة أدمع مشهورة العنــوانعن قصة والريــاض ومكةواخلرج تسأل

)٢( مشاعر اطمـئنانكل القلوب الرجل الذي منحـت لهعن قصة فبكاء أجزاء الوطن عليه حيمل إشارة إىل ما قام به من جهود يف الـدعوة والعلـم

.والتعليم يف شىت أحناء البالد ـ ة وقد تتجلى قضية الوطنية يف رثاء غري امللوك والعلماء ، واملعول عليه يف ذلك قيم

و مستقبله كما يقول عبد اهللا بن إدريس يف رثـاء أحـد شخصية املرثي يف بناء الوطن ومن : الشباب ، حيث يفتتح قصيدته بـ

)٣( ناء دها والباينبفهو ال فقد الشباب خسارة األوطان ارة الوطن بالسبق والتقدمي على ما خسره ذاتيا من فقد أحد أصدقائه ثر خسآحيث

األوفياء ، وقد عرب متأخرا عن تلك الصداقة والروابط بينه وبني الفقيد ، ومطلق القصيدة مل

١٣٠حممد بن سعد حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ١( ١٨٣سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٢( ٢٢١عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ٣(

Page 149: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

يكتف ببيان خسارة الوطن بل إنه ذهب إىل تعليل ذلك تعليال يصور آمال الوطن يف أبنائـه . الشباب

مت متثل الرؤية الوطنية وتناوالا املتعددة يف رثاء الشخصيات ،كيف يشاهدوهكذا ل باختالف الشخصية املرثية حسب حضورها الوطين ، ومهما تقلـص أو خمتلفا ذلك التمث

امتد حجم هذا التمثل يف القصيدة الرثائية فإنه سيتجلى بصورة أكرب وحبجـم متضـخم يف ي هذا احلضور قد يتبادر إىل الذهن تساؤل يف غاية مراثي املكان من املدن واملعامل ، وبني يد

األمهية ، وهو كيف يوجد رثاء املكان يف بلد قد حفظه اهللا من النكبات واحلـروب وأدام عليه نعمة األمن واألمان يف ظل قيادته احلكيمة املوفقة ، حيث ال تزال اململكـة العربيـة

يتضح ، واجلواب على ذلك ! ت احلياة ؟السعودية تشهد منوا وتطورا متزايدا يف مجيع جماالمن مادة ذلك الرثاء املذكور ؛ حيث إنه حيدث عند حدوث احلرائق العامة ، وعندما يفقـد املكان مجال طبيعته أو شيئا من آثاره السابقة اليت تبعث الذكريات املؤرقة وجتتذب بكـاء

والذي وقـع ) حريق مكة ( اخلواطر حياهلا ، ومن ذلك ما قاله حسن الصرييف يف قصيدته : هـ ١٣٧٧عام

ا ؟ ـورماها بسهمه من رماه من دهاها يف غفلة من دهاها !ها وجالت جيوشه يف رباها ناــقدر يف العشاء بيت فع

!ر فكم مزق الظالم سناهـا راعها منه أا بلد النـــو )١( ى على أرضها ترعرع طـه راعها منه أا مولد اهلــد

وال استغرابا من وقوعه بقدر مـا الشاعر وتعجبه ليس احتجاجا على القدر وتساؤل هو حماولة يف إعالء شأن البلد األمني وبيان مكانته وقدسيته ، تلك املكانة اليت جتعل البكـاء

يف رقاب اجلميع فهي بلد النور ومولد اهلدى وقبلة املسلمني ، وهي أفضل وأطهر اعليه حقان التعجب والتساؤل ، الذي جنده يتواصل بعد ذلك إلجالء املزيد بقاع األرض ، وهلذا ك

: من عظمة وقداسة املكان املرثي ها س على أرضها وحتت مسا جيتاحها وقد أمن النـاكيف

٦٤ص) ت .د( ، ) دار الكتاب العريب ، القاهرة( ، ١حسن الصرييف ، ط: دموع وكربياء ) ١(

Page 150: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

)١( ـه كثريين أصبحوا من هداها كيف جيتاحها مبا أنقذت منـث املؤمل ، وينطلق وتكرر االستفهام هنا يعكس قلق الشاعر وعميق حزنه جراء احلاد

: بعد ذلك إىل تشخيص املكان حيث خيرج صراخ ونداء مكة واستجارت وأمسعت يف نداها صرخت صرخة الثكول ونادت )٢( بكاهــاـم أمساعنا عويل فأذابت قلوبنا عنــدما حطـ

وهنا يربز الندب فتذوب قلوب اجلميع وهم يسمعون بكاء مكة الشـريفة ، لقـد صرخت ( ل الطلبية السابقة ليحل حملها مجل خربية تستأثر األفعال بأغلبها اختفت تلك اجلم

وتعكس هذه األفعال مجيعها معاين السرعة ... ) ، نادت ، استجارت ، أمسعت ، أذابت ، واحلزن واهللع ، حيث االضطراب والضوضاء املخيفة ، ومل ينسب الشاعر ذلك الصـراخ

إىل قداستها ومكانتها الدينية ، ألنه لو فعـل ذلـك وتلك االستجارة إىل أهايل مكة ، واللكان يف أول األمرين صاحب رؤية اجتماعية ويف ثانيهما صاحب رؤية دينية ، وإن كـان

، وهو ال يرصد وال يستقصي ، كما أنه ال يضع ) رثاء مكة ( املوضوع واحدا يف كل ذلك على منظور معـني يف هـذا موضوعه يف واجهة القصيدة ، لكنه يقوم بعملية وقوع خاص

املوضوع ، والوقوع اخلاص والرؤية املنبعثة كامنة يف الوجود الوطين ، ولذا كان الصـراخ والنداء واالستجارة من الوطن ذاته ، وحيث إن هذه الرؤية تستأثر بتجربة الشاعر الرثائيـة

ريق وما أحدثه مـن فإننا جندها تتوسع يف إطارها الوطين وتكرب دائرة الوطنية لنجد أثر احل : الروع واهللع حائال يف املدينة املنورة

ـح فخارت لوقعه ركبتاها نبأ روع املدينة يف الصبـ )٣( دفقته العيون من جمراهــا بأغزر دمعوبكت أختها

وكما تأصل التشخيص ملكة املكرمة فإنه يتأكـد ويتضـاعف يف املدينـة املنـورة هل هذا التشخيص يعكـس إحسـاس وشـعور ف، ) عيون ركبتاها ، بكت ، دمع ، ال(

٦٤حسن الصرييف ، ص: دموع وكربياء ) ١( ٦٥املصدر السابق ، ص) ٢( ٦٥حسني الصرييف ، ص: دموع وكربياء ) ٣(

Page 151: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

والدمع والبكاء واهللع احلادث له حياول الشـاعر لشـدته ؟ ) املواطن ( الشخصية احلقيقية وتعاظمه إسقاطه على الوطن ونقله إليه ، حيث إن اإلنسان ملا أصابه قد فقد الشعور وأصابه

شاعر اليت افتقدها اإلنسان ، فحدث تغري املكان قد انتقلت إليه امل نالذهول والروع ، كما أجذري يف تكوين الوطن واملواطن ، وهذا التغري والتناوب إمنا حدث لشدة احلـب وقـوة الروابط بني املواطن ووطنه ليسلب كل منهما شخصية اآلخر ويتمثلها فناء ا ، وهذا يؤيده

شعرية خاصة ، ويتقاطع ما ذكرنا سابقا من أن الشاعر قد انطلق يف موضوعه هنا من رؤيةبكاء الوطن على ذاته مع بكائه على مواطنيه وذلك كما الحظناه مسبقا يف بكـاء مـدن ومناطق اململكة عند وفاة امللك فيصل أو عند وفاة الشيخ عبد العزيز بن باز ، ليعطي صورة

. عن واقع الوطن يف الرثاء السعودي املعاصر كيا مواطنيه فإنه قد برز مبكيا عليه بصورة أكـرب ، وكما برز الوطن باكيا ذاته أو با

والبكاء عليه نابع من إحساس وشعور املواطن احملب الويف ، ومن مناذج ذلـك مـا قالـه واليت قاهلا حينما رأى أن معظم بسـاتني املدينـة ) أطالل ( ليت يف قصيدته حعنداحملسن

مقاطع ، األول وهـو أطوهلـا ومزارعها غدت أثرا بعد عني ، وتتكون القصيدة من ثالثة : يصور املاضي بنضارته وائه حيث سحر تلك البساتني ومثارها

فاقطف ورود اهلوى من كل بستان ) قربان ( وهذا سحر ) قباء ( هذي ر يف عامل ثانـيـوانس اهلموم وس واشرب من املاء واغرف من جداوله

زان ـــمن هم وأح جتلو املشاعر مة ـــأحلانا منغ الطري من عوامس . . .. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سر وإعــالنوقلب الطرف يف إبان غلتــهيف النخلإىل وانظر )١( سلطـــانكأن جوار عند ما هلا يف احلسن من مثـلعرائس

اته اجلميلة ، ويطول هذا املقطع فاملقطع األول يصور املاضي ويعود بالشاعر إىل ذكريويستأثر بأكثر أبيات القصيدة ، ألن العاطفة الشعرية تعيش فيه مطمئنة مبهجـة مباضـيها البهيج ، وليست تلك اللحظات من قبيل األحالم أو اآلمال ولكنها ذكريات حقيقية كـان

١٢٦عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ١(

Page 152: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

، فهي مباضيها يعيشها الشاعر واقعا ملموسا يف حياته ، والذكرى مؤرقة بطبعها كما يقالايد ختتلف مع احلاضر املؤمل ، وهنا ينتقل النص يف املقطع الثاين إىل احلاضر فيصف الـتغري

: والتحول الذي طرأ على تلك البساتني وعلى ذلك النخل وتلك املزارع الغناء اين ــقد حرك الوجد يف قليب فأشج ذاك البهاء الذي غابت مفاتنه

ان ـــأعجاز خنل شكت ظلم إنس زمان سوى مل يبق منه على مر ال )١( جتري على األرض إال جري كسالن واملاء شح وما عادت جداوله

اشرب ، امسع ، انظـر ( ويبدو أن التجريد الذي استخدمه الشاعر يف املقطع األول كان بينه وبني قلبه ، ومل يكشف عن ذلك املخاطب إال يف آخر بيت من قصيدته ، .. ) ،

أتى املقطع الثالث بعد تأمل املاضي واحلاضر فنشأ من التباين بينهما احلزن والبكـاء حيث : الذي أصبح باعث التجربة الرثائية

أحلـــــاين ترديدوكم تفننت يف فكم تغزلت يف أحيائها طربا )٢( ))قربان ((وأبكي حظ ))قباء ((أرثي تغير احلال يا قليب فها أنذا

) ! قلب الشاعر ( ري كما قلنا إنه أبان املخاطب املقصود يف أول النص والبيت األخفإنه أيضا قد كشف عن وعي الشاعر بتجربته الشعرية القائمة على الرثاء والبكاء ملوطنـه العزيز ملا حدث فيه من التحول والتغريات ، وتربز قوة التأثر لذلك يف سيطرة الذاتية علـى

تغزلـت ، ( لنص ، فجميع الضمائر تربز بصورة املتكلم املفـرد القصيدة واستغراقها مجيع ا، والذاتية واالستغراق فيها معلوم أا مـن لـوازم ... ) تفننت ، أحلاين ، أرثي ، أبكي ،

األحزان املتفاقمة ، وبالتايل فهي مؤشر على صدق الرثاء وقيمته الوطنية العظيمة يف الـنص . املنظور

ا وما حتمله من قيم وطنية ميكن أن يدرج حتت ما يسمى بــ إن رثاء املدن ومعاملهوهو ذلك الرثاء الذي يتجاوز حدود وأطر الزمان واملكـان واجلـنس ، ) رثاء الفكرة (

بفكرة هفالوطن حبضوره املتباين ـ يف قصيدة الرثاء السعودية ـ راثيا ومرثيا البد من صبغ

١٢٦عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ١( ١٣٠، صاملصدر السابق ) ٢(

Page 153: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

اة اإلنسان أمهية خاصة ، فاإلنسان يـرتبط احلياة والشعور واإلحساس ، واملكان له يف حين ارتباطا وثيقا ، ويتفاعل معه حياتيا فيؤثر فيه ويتأثر به يف عالقة تبادلية بينهما وهلذا اباملك

تنطوي عالقته باملكان على جوانب شىت ومعقدة جتعل من معايشته له عملية تتجاوز قدرته نسان حيتفظ بذكرياته وأزمانه املاضية الـيت الواعية لتتوغل إىل قدرته الالواعية ، ووطن اإل

حوهلا إىل شيء مادي حمسوس جمسدة يف هذا احليز املكاين األثري لديه ، فاملكان عالمـة ـ بالنسبة للشاعر ـ مشحونة بالزمن ميكن من خالهلا التعبري عن مكنوناته جتاه املكان والزمان

ق الذكريات املتباينة ـ جبماهلا وائها ويفجر من خالهلا ذكريات طواها النسيان ، وعن طريـ مع الواقع لوطن اإلنسان حيدث الرثاء وتتولد فكرة بكاء املاضـي والتحسـر عليـه ؛ وتشخيصه بإخراجه من ظروفه الزمانية واملكانية واجلنسية ليصبح شخصية إنسانية تتـوافر

ومن هنا كـان صـراخ فيها مجيع اجلوانب اليت جتعل فقدها سببا منطقيا للبكاء والندب ،واستنجاد مكة املكرمة يف مرثية الصرييف السابقة ، كما أن منه ما شاهدناه يف بكاء مـدن

اململكة عند موت امللك فيصل يف قصيدة علي النعمي ، ففي كل هذا جند املدينـة ومناطق شخصـية قد جتاوزت جنسها ، وهذا التجاوز إمنا يأيت بدافع إجياد املقاربة بـني ) املرثي (

، حيث تربز صفات ) اإلنسان ( وشخصية املرثي األولية ) اجلماد واملكان ( املرثي الطارئة اإلنسان ومالحمه يف املدينة عن طريق التشخيص ،هذا هو امللمح األول يف رثاء املدن ، أمـا

يف امللمح الثاين فهو اإلحساس بوطأة الزمن ، وكما ظهر هذان امللمحان يف النماذج السابقة وهـي ) القصار ( تفاوت وافتراق فإما خيرجان متجاورين عند إبراهيم مفتاح يف قصيدته

: حدى قرى النخيل يف جزيرة فرسان واليت أصبحت مبرور الزمن خرائب وأطالال إ عندما جئتك أشكو تعــيب يا قصار األمس حلم طاف يب

جمـــدب انـزموجتاعيد دما جئتك عمرا ضائعــاعن )١( وحمت خطوي وذكرى لعيب مست من حرقيت أفيــاءها و

فتـربز اإلحسـاس ) األمس ( ، أما ) التحول اجلنسي ( حيث يربز أسلوب النداء أول دفقات الرثاء ) يا قصار األمس ( بالزمن والشعور بالتحول املؤمل ، وعندما تكون عبارة

٩٠،ص) هـ ١٤١٦جازان ، نادي جازان األديب ، ( ، ١إبراهيم عبد اهللا مفتاح ، ط: التراب رائحة ) ١(

Page 154: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

دة حول أجواء تلك العبارة مبـا ومفتتح القصيدة الباكية فإن هذا مؤشر على دوران القصيحتمله من شاعرية معربة ، ولذا فقد وردت أكثر من مرة يف القصيدة ، أما املعاين املنسـدلة

ومنها دوال .. ) عندما جئتك ، سيديت ، ( من موحيات تلك العبارة فمنها خماطبة القصار بـدو أن باعـث وي... ) األمس ، حلم ، عمرا ضائعا ، زمان جمدب ، ذكرى ، ( الزمن

إضفاء صفة احلياة على املدن يف الرثاء إمنا هو بسبب فقد بعض األحياء يف تلك املدن مـن : األهل واألصدقاء ، قد خيرج هذا املعىن يف ثنايا مرثية الشاعر

بييت عروس القصب .. عشيت ولكم فتشت عن مملكيت وأمي وأيب .. جدي .. جديت عن جدار حيتمي يف ظله

هي أشهى من بنات العنـب مى قهوة الصبح اليتوندا )١( نقطع الود ألوهي سبـب عن رفاقي عندما كنا هنا

حيث تتأكد إحدى أهم القيم املوضوعية يف رثاء الوطن ؛ وهي رثاء األهل املفقودين ، فالوطن تتجلى قيمته ومكانته بأهله وساكنيه ، وقد وعى هذا املعىن وأدركه الشاعر العريب

ـ لقدمي يف كثري من مناذجه جتاه الوطن ، والذي كـان يصـوره دالليـا ـ يف التـراث ا : تلك النماذج التراثية الشهرية ومن، ) الديار (

ل ذا اجلدار وذا اجلــدار قبأ أمر على الديار ديار ليـلى )٢( اراـولكن حب من سكن الدي وما حب الديار شغفن قليب

وإن كان يف غرض الغزل إال أنه ينحو منحى جيعلنا نشبهه إىل فهذا املضمون التراثي حد ما بالرثاء ملا يتحقق فيه من معىن الفقد والغياب وما أنتجه هذا املعىن من البكاء واحلزن

التجسيد الزماين من خالل املكان هو الذي حدا بالشـاعر اجلـاهلي إىل ((، وعموما فإن أن حيتفظ ديده يف قصائده ألنه كان بذلك الفعل حياولالتأكيد على املكان واإلكثار من تر

بذلك الزمن اجلميل الذي يتفلت منه رغما عنه متجها إىل زاوية النسيان فهو من خالل هذا

٩١هـ ص١٤١٦، ) جازان ، نادي جازان األديب ( ، ١إبراهيم عبد اهللا مفتاح ، ط: رائحة التراب ) ١( ١١٣، ص) هـ١٤٢٣بريوت ، دار الكتاب العريب ، ( شرح يوسف فرحيات ، : ديوان جمنون ليلى )٢(

Page 155: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

)١( ))أمامه يستطيع أن يفجر كل ذكرياته وأحداث حياته املرتبطة ذا املكان املكان املاثل أو الـدار ( من رحـم ) الوطن ( تج لنا يف حاضرنا ، والتطور الداليل بفاعلية الزمن قد أن

الشاعر العريب القدمي بقيمة الديار فـإن الشـاعر العـريب يف التراث ، وكما أحس) الربع : ، فهذا أمحد شوقي يقول احلديث قد تنامى لديه هذا اإلحساس ووعى أمهية الوطن وقيمته

يذكر املنة منه واليــدا وطن املرء محاه املفتدى )٢( مادتذرف الدمع لذكراه ودفني لك فيه كرمـا

ونالحظ يف بيت شوقي األخري إشارته إىل الدفني ، وكيف أصبح ذلك الدفني جزءا . من مكونات الوطن ، وذكرى آسرة على مر الزمن

وهنا يف رثاء إبراهيم مفتاح للقصار جنده يفتش عن مفتقداته مستخدما ياء املـتكلم مث يفصح عن مكونات اململكة والبيت وتلك املكونات تنقسم إىل ) يت ، بييت مملكيت ، عش(

، وثانيهما أصدقاؤه وجلساء وده ) دته وأمه وأبوه جده وج( بشريني ، أوهلما أقاربه قسمني ، ويف تصوري أن هذا امللمح ـ فقد األهل واألصدقاء ـ يف رثاء املدن واألوطان ينبغـي

ا ، حيث إنه من آكد بواعث ذلك الرثاء ، فاإلنسـان مهمـا مراعاته واإلحساس به دائمعظمت املفقودات املادية لديه فلن تكون حبال من األحوال أعظم من املفقـود البشـري ، وينطبق هذا الباعث على مجيع رثاء املدن يف التاريخ اإلبداعي ، وهنا تربز شدة االنتماء بني

. اجلذر األول واألساس يف ذلك الغرض الكبري رثاء املدن ورثاء األشخاص بصفة األخري هووكما أن التطرق إىل األشخاص ـ يف رثاء الوطن ـ يصبح باعثا ويشغل حيزا كبريا

كما حيدث ذلك فإن التطـرق إىل .. يف ذلك الرثاء ملا ينطوي خلفه من الذكريات املؤملة قد نال نصيبه هو اآلخـر ، معامل الوطن التراثية والتأكيد على ما يبعثه فقدها من األشجان

التأكيد على معىن التراثية يف تلك املعامل ، حيث أصبح العامل اليوم ينادي مبـآثره ينبغيوهنا وتراثه ، وكل وطن أو شعب يفتخر بتراثه وميجده ويدعو أجياله املعاصـرة والقادمـة إىل

امى هذا الشعور فأصـبح احملافظة على ذلك ورعاية التراث وتعهده بالعناية الدائمة ، وقد تن

٤٨، ص) م .د( م ،١٩٩٥، ١عبد السالم حسن سالم ، ط: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ١( ١١٣، ص) ت .د( ، ) القاهرة ، دار املعارف ( أمحد شوقي ، : ديوان أمحد شوقي ) ٢(

Page 156: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

يف نفوس أفراد الشـعوب ذلـك ، كما ترسخ )١(جزءا من التكوين الوطين لدى األوطان اإلحساس ، ولعل هلذا اإلحساس أسبابا تبدو من املنطقية مبكان ، حيث إن ظروف الـزمن

ما املعاصر ونقلته احلضارية اهلائلة قد تسببت يف فصم عالئق احلاضر باملاضي وذلك ملا بينـه من البون الشاسع يف مجيع ااالت ، وتبدو هذه الظروف ماثلة يف مجيع مكونات التـراث

تبـدو ألصـق .. املادية واملعنوية ، غري أن املادية والسيما املعامل األثرية كاملباين واألسواق بغرض الرثاء وذلك ملا يستكن فيها من دواعي الذكرى واحلنني ، فما أن يسقط معلم مـن

من الذكريات املؤرقة لدى الشعراء ، ويبعث األحزان ويصبح الكثري ملعامل إال ويستثري تلك ارثـاء ( جماال واسعا للرثاء الوطين ، ومن مناذج هذا الرثاء قصيدة حممد بن سعد بن حسني

يف رثاء مئذنة املسجد اجلامع بعودة سدير واليت يشري الشاعر يف هامش قصيدته إىل ) مئذنة ، )٢() ت أعجوبة فنية يف ارتفاعها الشاهق ولوا األبيض الناصع وشرفاا اجلميلة كان( أا

: وتبدأ القصيدة بـ فأين الرؤى يا أيهـــا الدار قد كنت بني احلقول اخلضر زينتها

)٣(اخلري أخيار وأخيار ) عودة ( يف ورفقتــــناأيامنا فيك أعياد وتشخيصها لتصبح جنيا ورفيقا قريبا من النفس ، ويف حيث ابتدأ مبخاطبة تلك املئذنة

احلقول ، اخلضـر ، ( هذه اجلملة القائمة على املناجاة تبدو نضارة األلفاظ ومجاهلا الزاهي ـ أيضا ـ زمانا ، حيث وهذا البهاء كما حتدد مكانا وسببا فإنه يتحدد يف اجلملة) زينتها

ليتجدد املخاطب واملخاطب واملكان والزمـان ، ، ) قد كنت ( الفعل املاضي املسبوق بقد وهنا يربز عنصر املفارقة بني ذلك املاضي البهيج وهذا احلاضر احملزن يف الشطر الثاين ، حيث خيرج االستفهام املتكرر عاكسا قلق وحزن الشاعر إزاء حاضره املؤسف مقابل ماضيه املبهج

بعد ذلك يف هذين املسارين املتفـارقني زمنـا ، وإزاء هذا املطلع للمرثية فإننا جندها تسري

التراث ، ويتبلور هذا االهتمام عالوة على لعل من املناسب هنا اإلشارة إىل اهتمام دولة اململكة العربية السعودية ب) ١(تأصيله يف املناهج وإقامة املتاحف واملعارض الدائمة والعارضة يف مهرجان اجلنادرية للتراث والثقافة والذي تقيمه الدولة

. واعية بذلك القيمة العظيمة للتراث جبميع نواحيه .. كل عام ٣٨ص حممد بن سعد بن حسني ،: أصداء وأنداء ) ٢( . املصدر السابق ) ٣(

Page 157: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

وحدثا ، فتنسدل حتت املاضي أسراب ذكريات الطفولة وأيامها اجلميلة بني أولئك القـوم : الكرام الذين قد متيزوا بتآلفهم وصفاء قلوم

مقدما أي درب سرته ســـاروا قد كنت فيهم وسين دون قدروهم . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . .

الدار بناري ز، أو ت الدربأو نزرع فرقة أبـداال نشتكي وحشة من )١(وصحبنا يف بيوت اهللا مســـار يف جناب اهللا وأملــهاأشواقنا

وتستمر ذكريات املاضي واسترجاع شيئا من أحداث وعادات أهل بلدتـه ، إىل أن : حملزن بعد فقد أولئك الصحب يقف على واقعه وحاضره ا

، فدمع العني ثرار أبكتذكراه صحيب مهو يف زمان كلما خطرت )٢(ا الدارـواستبدلت وحشة من بعده ان اــوجدا على صحبة ضن الزم

لينتقل ما إىل احلاضر ، ) حسن التخلص ( حيث يكون هذان البيتان مبثابة ما يدعى نكشف غرية الشاعر الوطنية ووفاؤه لبلدته وما أودعه األجـداد وهنا تربز القيمة الوطنية فت

فيها من املآثر العظيمة ، ويبدو أنه ناقم وساخط على من أزالوا تلك املئذنة ، حيث يرى أن األوىل اإلبقاء عليها وحماولة ترميمها وإصالح شأا لتبقى معلما مجيال يف تلك البلدة ، أمـا

: ري إزالتها فجور وعقوق وطين كب ار ــهدت منارات جمد دونه الغ دة ــــربع ترامته أهواء معرب

ارــذوق ومعميزهى بصنعهم مـــآباؤنا أودعوا فيها مهار ار ـبيضاء من حسنها األبصار ختت ةـشيدوا يف سبيل اهللا مئذنهم

لكن عليها رجال العصر قد جاروا ملفوفة مثل غصن البان سامقـة كأمنا حثهم يف هدمها ثـــار انوا يف صنيعهموكباتت ركاما

)٣(ـار الفخار ومنه الذكر يشت فيه ما ضر لو أم أبقوا على علـم

٣٨حممد بن سعد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ١( ٣٩حممد بن سعد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ٢( ٣٩املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 158: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

ونشاهد التبادل بني املئذنة والدار عموما كمرثي قد تكرر يف أكثر من موضع ، ومن .. ) الدار واستبدلت وحشة من بعدها الدار ، ربع ترامته أهواء ، أين الرؤى يا أيها( ذلك

فهل وراء هذا التبادل منطلقات رثائية أوسع مما يشري إليه عنوان القصيدة ومناسبتها ؟ وهل كان املراد رثاء البلدة عموما ملا افتقدته من األشياء الكثرية اليت كان من أعظمها أهل البلدة

ون ذلك واقعـا ؟ وهنا قد تكون املئذنة رمزا لتلك املفقودات أو جزءا عزيزا منها ، قد يكصادقا نتبينه عند حتليل النص واستقرائه بتفصيل أعمق وأدق ، ولعل الشاعر قد أحس مبـا افتقدته بلدته وموطن طفولته وصباه ولكن مرتلتها العظيمة يف نفسه مل جتز له أن يكتب فيها

كومتنا رثاء وهو ال يزال يرى فيها منوا وتطورا كسائر بالد الوطن اليت تنعم بذلك من قبل حالرشيدة ـ أعزها اهللا ـ ، وعليه فإن سقوط مئذنة البلدة مل يكن إال إحساسا واحدا قـد حرك وجتاذب معه الكثري من األحاسيس واالنطباعات ، ولعل هذا القول يعضده كثريا جلوء الشاعر إىل معارضة واحدة من عيون مراثي الشعر العريب وأشهرها وهي مرثية اخلنسـاء يف

: أخيها صخرار قذى بعينك أم بالعني عو ١( فت إذ خلت من أهلها الدارأم ذر(

وكما رثى حممد بن حسني مئذنة بلدته فإن الشاعر جاسم الصـحيح يف قصـيدته قد رثى سوق بلدته ؛ والقيصرية سوق شعبية يف مدينة اهلفوف ميتد عمرها إىل ) القيصرية (

يها من القواعد إىل السقف ، ويبدو أن عمقها أكثر من قرن وقد أصاا حريق هائل أتى عل : التارخيي قد احتفظ بكثري من الذكريات اليت توارثها أجيال املدينة

. . أين أنا يف عتمة هذي األنقاض وكيف أرى خطوايت املنثورة بني دهاليزك

. . منذ الطفل األول يف عمري !! والعتمة ليس هلا عينان ؟ . . كيف أراين

حني جيتك أتذكر . . جالسة فوق بساط األرض

٢٨، ص) هـ ١٤٢٣بريوت ، دار الكتاب العريب ، ( شرح يوسف فرحيات ، : ديوان اخلنساء ) ١(

Page 159: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

جيت كتابا حجريا . . تتألق فيه مرايا األسالف

طرقت على حجر )١( فتفتح سطر وانبثقت سرية إنسان

حيث بدأ النص بعنصر املفاجأة وقد أثار وأنتج املفاجأة واقع السـوق وحتولـه إىل ، وهنـا ) أين أنا ، كيف أرى ( فهام فة ، وتتركز املفاجأة بأسلوب االستيأنقاض هامدة خم

تبدأ ذكريات الطفولة املبكية حيال هذا الواقع املأساوي لذلك السوق املألوف ، وال يقـف إىل تاريخ القيصـرية ! التذكر عند مرحلة الطفولة ؛ ولكنه ينطلق منها إىل ما قبل الطفولة

مرايا األسالف ( اث يف مدلول الطويل ، وحني االنطالق إىل ذلك يتم التأكيد على قيمة الترجالسة فوق بساط ( ، وتبدو قيمة التراث كذلك يف البساطة ، ولعل مجلة ) ، سرية إنسان

يشـري ) واقفة ( بدال من ) جالسة( حتمل اإلشارة إىل ذلك ، السيما وأن اختيار ) األرض س علـى إىل قمة البساطة والتواضع ، كما أن هذا اجللوس على بساط أرضي خالص ولـي

البساط املادي حبقيقته وداللته األولية الكامنة يف الترفع والعلو ، مث بعد هذا الوقوف علـى الواقع والنظر إىل التاريخ املاضي تربز املفارقة يف أشياء من خصائص ومتعلقات السـوق ؛

: فتخرج دوال التسوق ، وبضائع وحمتويات السوق وهنالك

. .سجاد يغري باهليبة أكتايف . . . . . . . . . . .

كنت إذا جئتك . . يستقبلين العطر بكامل نشوته

)٢(وتأخذين رائحة القهوة من أقصى الروح

١٣٥سم الصحيح ، صجا: حنيب األجبدية ) ١( ١٣٦املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 160: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

األشياء املتداولة يف ذلك السوق ، كمـا فاملشاحل والسجاد والعطور والقهوة كانت ل يف كان اإلنسان ـ ويصوره الشاعر هنا ـ هو املتسوق ، وكل ذلك ميثـل الوجـه األو

: املفارقة ، أما الوجه الثاين فيمثله قوله بعد ذلك !!من رشفة فنجان ما خلت لعمرك أن ميضي أسرع

..ما خلت أرى أنقاض السنوات مكومة )١( تتسوق يف غمرا النريان

وهو بـديل ، ) النريان ( نه إفاملتسوق أصبح شخصية جديدة يف احلاضر املؤسف ، وهي أيضا بديل ) أنقاض مكومة ( ا بضائع وحمتويات السوق فهي اإلنسان يف املاضي ، أم

ام هذا احلاضر املبكي يتجلى رثاء وطين وأسف شعيب يشمل مإخل ، وأ.. للمشاحل والسجاد : مجيع األحساء

ويعذبين أكثر أن تركض نار احلسرة يف كل زقاق أحسائي

)٢( واآلهات تطري على هيئة غربـــــانت بالغربان من الصور الرمزية املتألقة يف مثل هذا املوقف الرثائي ، ألن وتشبيه اآلها

غراب ( الغراب قد التصق مبعىن الشؤم ـ تراثيا ـ ، ولذلك فقد كان العرب يرددون عبارة ، ويرجع هذا إىل كثري من املداخالت النفسية والطبيعية حيث طبيعة الغراب ووقوعه ) البني

القامت ، وآهات الشاعر هنا تطري من صدره مليئة باحلزن وحمملـة على اجليف ولونه األسود .. بذكريات الفراق

١٣٧جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١( ١٣٨املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 161: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

: ـ قضايا األمة ٢األمة اإلسالمية قد تفاقمت أدواؤها ، وتضخمت مآسيها ، وأصبح جسدها يف هذا العصر مثخنا باجلراح ، ففي كل جزء من أجزائها مأساة مبكية وجرح دام ، ومـا أن يضـمد أو

لم جرح إال وينبثق ما هو أنكى منه ، ولعل الوقوف على أسباب هذا الواقع املؤسـف يتلممن التداعيات الكثرية والتشعبات املتومهة ، فمريـد هـذا هأمر صعب جدا ملا يكمن خلف

اإلدراك سريجع خبفي حنني وسريتد حاسر الطرف مكسوف الفؤاد ، وليس هذا ألن وراء ولكنها منظومة كاملة من التشخيص واإلصالح جيب التطبيـق األمر ألغازا أو غيبا حماال ؛

والسري يف مجيع مفرداا ، وهذه املنظومة متعددة التناوالت واالجتاهـات فمنـها الـديين إخل ، ولكن هذه احلروب والنكبات اليت يعيشها العامل .. والسياسي واالجتماعي والفكري

ء اإلسالمي فما زال املسلمون ويف مجيـع اإلسالمي قد أهلبت جذوة التضامن وروح اإلخالمنذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان ، ومل تنسـهم أحناء املعمورة يبكون أرض فلسطني

هذه العقود الزمانية ذلك اجلرح أو جتعلهم يتغافلون عنه ، وكذلك احلال يف مجيع قضـايا وغريها ، والواقـع .. واهلرسك األمة املاضية والباقية كقضية اجلزائر وأفغانستان ، والبوسنة

أن هذه القضايا مبآسيها وآالمها قد كونت مها إسالميا متوحدا وإخاء إميانيا ملحا فاستأثرت بكم هائل من إبداع األدب العريب املعاصر كما برز صوت الشعر السعودي واضحا ومتميزا

اال رحبا لغرض الرثاء ، واملالحظ أن هذه املآسي والقضايا كانت جم ، )١(يف ذلك اإلبداع

وقصائد شعراء : (( من الذين أشاروا إىل التضامن اإلسالمي يف الشعر السعودي الدكتور طلعت صبح حيث قال ) ١(

غاية ، وقد اعتاد كثري من بينهم أن ينشروا مثل هذه القصائد يف ذكرى األعياد هذا التيار يف التضامن اإلسالمي كثرية للاإلسالمية ، مثل عيد رأس السنة اهلجرية ، ومناسبة املولد النبوي الشريف ، ويف االحتفاالت ذات الطابع اإلسالمي ،

حيص ، فالشعراء السعوديون نشأوا يف ، واحلقيقة أن هذه اإلشارة حتتاج إىل وقفة تدقيق ومزيد حتر ومت)) وما إىل ذلك جمتمع له شيء من اخلصوصية يف جمال العقيدة والتوحيد ، كما أنه ال توجد فيه أعياد رأس السنة ومناسبة املولد النبوي ، بل إنه ينكر ذلك وحياربه ، ولكن القول السابق قد ينطبق على بعض اتمعات اإلسالمية يف غري هذه البالد أما يف

ر السعودي فإن التضامن اإلسالمي ليس له مناسبات حمددة ولكنه قد يكون يف احلديث عن قضـايا املسـلمني الشع .ومآسيهم أكثر حضورا وأبرز وجها منه يف غري ذلك

)٢٢٣طلعت صبح ، ص: التيارات الفنية يف الشعر السعودي احلديث (

Page 162: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

فكل قضية تشكل واقعا يرثى له ، ويكتسب هذا الواقع الشمولية والكلية يف القضية واملأساة . ككل متكامل ؛ أو يأخذ طابع اجلزئية يف تفصيالت وجزئيات كل مأساة

وحضور قضايا األمة والتحدث عنها يف ثنايا الرثاء السعودي مل يكن مقصورا علـى كـل جمـاالت ثاء البالد اإلسالمية املنكوبة ؛ بل إنه سار يف مجيع الرثاء وختلل ما أتى يف ر

وأقسام املراثي حىت ما كان يف رثاء األشخاص ، وهنا ينبغي الوقوف على مثل هذا الرثـاء من أيديولوجية موحدة وفلسفة واحدة ميكن اوتربز ضرورة التقعيد والتقنني له ، ليصبح نابع

ضرة حىت يف رثاء األقارب أحيانا ، اها ، حيث إننا قد جند قضايا األمة حرد ذلك الرثاء إليولعلنا جند شيئا من االرتياح واالطمئنان حينما نقول بأن واقع األمة املبكي جبميع أجزائـه وتفاصيله حيضر عند كل جرح ويربز يف كل مرثية ملا جيمع بني ذلك الواقع املبكي وهـذا

زن وموجبات البكاء ، واألشياء دائما جيمع بينـها ويوجـد احلدث الطارئ من دواعي احل . إطارها الشبه والتماثل

وأول قضايا األمة املعاصرة وأكثرها دورانا يف مجيع الشعر قضية فلسطني ، وقـل أن جند شاعرا سعوديا مل يتحدث يف تلك القضية ، بل إا قد استأثرت جبل إنتاج بعض شعرائنا

صورا على الرثاء ، بل إن هناك الكثري من الشعر السعودي قد أنشئ ، فلم يكن حضورها مقلذات القضية ، غري أننا نالحظ يف السنوات األخرية أن حضور القضية أصبح يربز بشـكل ملفت يف غرض الرثاء ، حيث كانت القضية من منتصف القرن الرابع عشر وحىت بداية هذا

سرائيلي العريب ، وتركز على طغيـان اليهـود القرن تدور يف قصائد تتحدث عن العداء اإلوتشخص مآسي شعب فلسطني األعزل ، أما فيما بعد ذلك فإننا جندها تربز عنـد الرثـاء

ح مـن قبـل وغالبه يف شهداء فلسطني ، فيبدو أن التحدث يف القضية دون مناسبة قد أصبتهم ومندوحتهم عن املبدعون بذلك ووعوه فوجدوا يف الرثاء ضال املكرر واملعاد وقد أحس

التكرار وإعادة الرؤى ، كما أن هذا األمر قد انتقل بغرض الرثاء نقلة حترره من الكالسيكية املنحوتة والتقليد اململ ، فربز يف تلك املراثي الكثري من املضامني السياسية القائمـة علـى

الشعراء يف رثـاء التنديد والسخرية ، وهنا جتدر اإلشارة إىل ذلك الكم اهلائل الذي أنتجه

Page 163: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

، حيث وجدوا يف هذه املناسبة جماال واسعا للتحـدث )١() حممد الدرة ( الطفل الفلسطيين عن القضية الفلسطينية جبميع حمتوياا ومستجداا املعاصرة ، ومن هذا ما قاله غازي القصيب

) : يا فدى ناظريك ( يف قصيدته متدد يب ــالص كرــهدرا عم مد يا صغريي حم... هدرا مت

)٢( وندد.. ))أدان ((حظه يف الوغى كل زعيم.. يا فدى ناظريك حيث جلأ إىل خماطبة الطفل الشهيد ، وقد قدم بني يدي القصيدة إهداء جـاء فيـه

فمخاطبة الطفل تعكس معىن عظيما قد تـردد )).. إىل روح الطفل الشهيد حممد الدرة ((، ولـذا يغيـب ذلـك ) احلي ( و خيبة اآلمال يف اإلنسان يف القصيدة بعدة أساليب ، وه

، ولكن األسـلوب الرثـائي ) !! امليت ( على حني حيضر خماطبا الطفل ) احلي ( اإلنسان املعهود يف قصيدة الرثاء والقائم على احلزن والبكاء يغيب يف القصيدة ، فتتحول من البيـت

بية وموقفها املزري جتاه قضية فلسـطني ، مث الثاين مباشرة إىل التحدث عن واقع األمة العرمجلة حمورية تتصدر أغلب أبيات القصيدة ، ويصبح إزاءها ) يا فدى ناظريك ( تصبح عبارة

واألول شخصية ثابتة متوحدة وهي الطفل الشـهيد ، أمـا الثـاين ) املفدي ـ الفداء ( لشخصيات من البيانـات فهو عدد كبري من الشخصيات احلية أو ما ميثل تلك ا) الفداء (

: واخلطابات راح من ألف فرسخ يتوعـد جبان كل يا فدى ناظريك

يتـوقـد مبعاين هوانـــنا بيان كلفدى ناظريك يا . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . .. .

يف سكون األثري أرغى وأزبـد يا فدى ناظريك كل مذيع )٣( بثاقب الرأي أجند.. فيلسوف م يا فدى ناظريك كل حكي

عود ؛ مما يدل على وفرة هذا اإلنتاج وقيمتـه املعنويـة مت تسجيل رسالة علمية ذا املوضوع يف جامعة امللك س) ١(

.والفنية ٩غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ٢( ١٠املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 164: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

: ويستمر الشاعر حىت جيعل من نفسه فداء لذلك الطفل )١( قول شعر املناسبات املقددـ الـيا فدى ناظريك ناظم هذا

فتهدف القصيدة إىل بيان موقف العامل اإلسالمي املتخاذل جتاه قضية فلسطني العادلة ذلك املوقف ، ويقوم أسلوبه علـى السـخرية ، ومتضي يف تصوير وحتديد بعض تفاصيل

قف ، كموقف الزعيم واجلبان واملذيع واحلكيم ، إنه موقف مجيع اوالتهكم ببعض تلك املو : أفراد األمة ، ولذا يأيت التعميم بعد هذه اجلزئيات

مل يدم بناء مشـــيد ... كلنا لونفخـنا ... ألف مليون مسلم زجمر الفضــاء وأرعد... كلنا الو صرخن... ألف مليون مسلم )٢( ماجت السيول على اللد... كلنا لو بكيـنا ... ألف مليون مسلم

)٣()ألف مليون مسلم ( بـ ) يا فدى ناظريك ( حيث تتبدل اجلملة احملورية السابقة يف ، ولو حرف امتناع المتناع ، وهنا تربز إشكالية) كلنا + الفعل املاضي + لو ( يعقبها

ظاهرها تناقض أفكار الشاعر ، حيث أثبت عند التفصيل السابق ـ البكاء والنفخ والصراخ إخل ؛ ولكنه عاد إىل نفي ذلـك بعـد .. الشجب والتنديد والكتابات اإلعالمية من خالل

يكون ) نفخنا ، صرخنا ، بكينا ( عند التمحيص وإعادة النظر جند الفعل املاضي و!! إثباته ، فاالمتناع مقيد بالكلية ، وهنا يتضح قصد الشاعر وهو توحد كلمة األمة )كلنا ( فاعله

واجتماعها ، ولكن واقعها املرير ملئ بالفرقة واالختالف ، وبالتايل جند براعة وحتـوال يف ما تعيشه من أزمة التناحر واالختالف والتجربة الرثائية ، حيث نقلها الشاعر إىل قضية األمة

حماسبة الذات قبل حماسبة اآلخر ، فلم يهاجم املعتدي القاتل أو يهجوه ، وكان توجهه إىلولكن ركز مجيع قصيدته إىل تشخيص حال أمته بأسلوب الساخر املتهكم حمـاوال إيقـاظ

. األمة وانتشاهلا ذا األسلوب

١٠غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ١( . املصدر السابق ) ٢( . اليوم قد جتاوز هذا الرقم هذه اإلحصائية منذ ما يزيد على عشر سنوات ، فيبدو أن عدد املسلمني) ٣(

Page 165: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

وقد تزداد احلدة واجلرأة يف إبراز موقف األمة السليب ، الذي قد يتحول بـدال مـن لسابق إىل ما هو أسوأ من ذلك كما يقول جاسم الصحيح يف رثاء إحدى الفدائيات اتبلده

: الفلسطينيات أراين قامة من خجل يف حضرة الصمت

..اعذريين يف انتماء مسه العقم كالنا يأكل احلنظل من فاكهة القـرىب

وزقوم العروبات علينا يتناسـل ..طاش يب لـــبــــــي

تلة من عدم أخرس ؟؟ أهذي أمة أم ك !ما أكرب هذا العدم األخـــرس

!خرس األعــــدم الما أكرب هذا )١( ح احلزن به نبع دمامــلرقصار القلب مما

ونتيجة هلذا الشعور مبوقف األمة املخزي من قضاياها إضافة إىل السلبيات والسيئات نتيجة لذلك كله فإن بعـض ..اليت قد تصدر من بعض األمة على مستوى الفرد واجلماعة

الشعراء قد يتضاعف انفعاله أمام بعض املواقف الرثائية تضاعفا خطريا يرتلف باملضمون إىل كما نلحظ ذلك لدى حفيظ الدوسري يف مرثية .. هجاء صاخب تتخلله بعض التجاوزات

مـات كانت هذه القصيدة وليدة حلظة مشاهدة طفل فلسطيين ((: له أبان مناسبتها بقوله : وقد جاء فيها .. )٢( ))برصاص أوباش اليهود

أيدي اليهود علىيا حبيبا مات ال تنادينا فإنا كاليهود

لبسنا لبس اليهود نومنا نوم اليهود

١٤٣جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١( ٨٥، ص) ت .د(، ) األسكندرية ، دار الوفاء للنشر ( ، ٣حفيظ الدوسري ، ط: ليل الغربة ) ٢(

Page 166: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

سيفنا سيف اليهود )١( وادعاء النصر للحق إذا ما ندعي مثل اليهود

د شعراء آخرين قد اجتهوا وكما وجه التأنيب والسخرية إىل األمة اإلسالمية فإننا جن، فرصدوا بشاعة اإلجرام يف قتل األنفس والتـدمري ، ) اليهود املعتدين ( إىل الصف اآلخر

) : حممد الدرة ( حيث يقول عبد الرمحن العشماوي يف رثاء ذلك الطفل : صورة املأساة تشهد

.. أن إرهاب بين صهيون يف صورته الكربى جتسد

كون بالوهم تبلدأن حس العامل املس .. أن شيئا امسه العطف على األطفال

)٢( يف القدس جتمدفما تفعله إسرائيل يف فلسطني إرهاب يستدعي حس العامل واإلنسانية بأمجعها ، ولذا ينطلق النص من هجاء بين صهيون والتنديد بأفعاهلم املشينة إىل رصد املوقف السليب للعـامل

األطفال األبرياء الذي تربز صورة الطفل الشهيد أمنوذجا واحدا بأكمله ، حيث مل يأبه بقتللذلك اإلجرام البشع ، مث بعد ذلك تتدفق عاطفة الشاعر املليئة بالغضب واإلنكار لتصـب

: جام سخطها وغيظها على الصهاينة ارمني : صورة املأساة تشهد

.. أن ما أدىل به التاريخ من أخبار صهيون مؤكد

نعرف من أحقاد صهيون جتدد أن ما .. ما بنو صهيون إال احلقد

يف صورة إنسان جيسد

٨٥حفيظ الدوسري ، ص: ليل الغربة ) ١( ١٤١عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٢(

Page 167: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

أمرهم يف نسق الناس معقد يا أعاصري البطوالت امحليهم

ووراء البحر يف مستنقع الذل اقذفيهم وعن القدس وطهر القبلة األوىل خذيهم

)١( قربيهم من خمازيهم وعنا أبعديهم قتـل يفقد لليهود ، وال يكتفي بالواقع املأساوي املتمثل فريكز على إثبات صفة احل

الطفل الربيء كشاهد على ذلك ؛ ولكنه يستعني بالشواهد التارخيية اليت قد رصدت شـيئا ، وتتآزر إلثبات هذه الصـفة الذميمـة عليها، فتتكثف املؤشرات الدالة تلك املخازيمن

من عامل اإلنسانية القائم على احلب والتآزر لليهود ، والين ينبغي ـ على ضوئها ـ إبعادهم واحترام خصوصيات الغري وتقدير النفس اإلنسانية كنفس بغض النظر عن تكوينها الفكري

يبدأ النص بالتحول من هجاء اليهـود إىل إخل ، ولشرعية هذا اإلبعاد وحتميته .. واجلغرايف أعاصري ( ربرات السابقة ، فتصبح املناداة بقتاهلم وإخراجهم من القدس ، وذلك بعد سوق امل

رمزا للجهاد الواجب القيام به ، وهذا الرمز له مناذجه التارخيية اليت قد حررت ) البطوالت كر يف الـنص هـو ذمن أدناس املعتدين ، ومستنقع الذل الذي القدس فيما سبق وطهرا

و شعرية دينية هلا ضوابطها هوام وهزميتهم ، واجلهاد من قضايا األمة اإلسالمية املهمة ، فه . وظروفها الزمانية واملكانية اخلاصة

وكما أشار العشماوي إىل موقف العامل املتخاذل من قضية فلسطني فـإن عبـد اهللا احلميد يربزه بصورة أكرب وأكثر توضيحا فيتحدث عن مشروع السالم الذي أصبح ينـادى

بقاء القتل والدمار يف أرض فلسطني ، به وتوضع له الشعارات وتقام حوله االقتراحات معومع بقاء االضطهاد اإلسرائيلي للشعب الفلسطيين األعزل ، فيقول يف رثاء الطفلة الفلسطينية

) : قانا ( حزن قانا يسأل اإلنسان فينا

عن خرافات السالم

١٤٤عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ١(

Page 168: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

!عن أكاذيب احلياة ؟ ترسم اللقطة ألف معىن للهوان

دان ) املفجوع ( والصدى ؟!القرارات تدين / لبينات وا

)١( ان) قانا ( وذرى فينطلق بأسلوبه إىل مبدأ اإلنسانية عامة ، دون أن جيعلها قضية إسالمية أو عربيـة ،

مسؤوال ، والتركيب يوحي بأن اإلنسان هنا لـيس الشخصـية ) اإلنسان ( ولذا ورد لفظ لفظ اإلسالمية أو العروبة بديال لـه ، وحدها ولكنه معىن اإلنسانية بنبله ومثاليته ، ومل يرد

فيبدو أن هذا النص قد حتول من النماذج السابقة واليت كانت تنظر بعني الغيظ والفزع إىل موقف األمة املتقاعس جتاه قضية فلسطني ، فنتيجة لذلك التبلد يف اإلحساس ومـا تعيشـه

يجة لذلك جنـد التجربـة نت.. األمة من وضع متأزم جدا قد امتأل باملشاحنات واخلالفات الشعرية تزهد يف وجود أي جدوى أو فائدة عند استنهاض األمة ، وهلذا تنطلـق تناشـد اإلنسانية بعمومها من مبدأ إنساين خالص ، ولكن هذه التجربـة اإلنسـانية يف رؤيتـها ومناشدا ترجع خبفي حنني ، فترى وضع العامل املتشدق مببادئ احلضارة والرقـي مليئـا

، وحيث يصبح صدى ما ) أكاذيب ( و ) خرافات ( عورات واملساوئ حيث تواجهها بال.. تتناقله وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة عن لقطات مليئة باإلذالل والتشـريد واإلهانـة

يصبح صدى ذلك بيانات اإلدانة اليت ال تقدم وال تؤخر يف واقع القضية وجمريات أحـداثها ة الفلسطينية يف الرثاء السعودي فإن قضية أفغانسـتان وحرـا وكما تضخم حضور القضي

املأساوية مع االحتاد السوفييت قد شغلت كثريا من املراثي ، وكما أبرزت املراثي موقف األمة ورؤى مماثلة وموقف العامل من قضية فلسطني فقد طرقت املضامني نفسها بأساليب مشاة

رمحن العشماوي يف إحدى مراثيه ألفغانسـتان والـيت يف قضية أفغانستان كما يقول عبد ال : أنشأها على لسان طفل أفغاين مشرد حياور أباه

٣٨، ص) هـ ١٤٢٣الرياض ، النادي األديب بالرياض ، ( ، ١عبد اهللا بن سامل احلميد ، ط: انتفاضة القصائد ) ١(

Page 169: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

!أنا إىل ساح الفناء نقـــاد ؟ أين األحبة يا أيب أومـا دروا !تعلو ، وكم يزري بنا استعباد ؟ أوما دروا كم دمية يف أرضنا

)١( املميـت سداد ؟ فيهم من العوز لنا يف املسلمني أحبـة أوما وتستمر يف القصيدة تساؤالت ذلك الطفل وتتكثف تكثفا متراسال ؛ على حني تغيب إجابات األب على تلك التساؤالت ، ليصبح النص مليئـا بـاحلرية والقلـق والتعجـب واالندهاش من واقع األمة اإلسالمية جتاه الشعب األفغاين املشرد ، وحيمل النص دعـوة إىل

والتصدق على أولئك املشردين البائسني ، وجميء هذا التساؤل واالندهاش علـى بذل املاللسان الطفل ال األب يوحي بقوة ما يكتنـزه وحيتويه املوقف من الدهشة حىت إن ذلك قد أثار وحرك عقلية الطفل الصغرية بوعيها ومالحظاا املستفهمة ، ويواصل النص تشـخيص

بـع تكثري من ااالت ، فينطلق من عموميات املنطلـق إىل الت واقع األمة املزري املدرك يف حـوج مـا والتفصيل يف بعض اجلزئيات لتتضح مالمح نقص وقصور األمة يف وقت هي أ

: الثغرات ، فيصور جوانب اخللل يف بعض الدعاة تكون فيه إىل اإلصالح وسد أن تكثر األموال واألوالد همـــهمف أما دعاة املسلمني

)٢( وإذا حتدث درهـم رواد اخلوالف حني ينطق مدفع هم يف

قد اقتحم وحدة املرثية وموضوعها ؛ اأمرـ هنا ـ وليس سوق حال دعاة املسلمني ولكنه يقع على مفارقة مع دعاة النصرانية الذين قد استغلوا حال األفغان املشـردين ومـا

: يعانونه من اجلوع والبؤس يف الدعوة إىل التنصري صنما يزيد غروره العبـاد ترى من فوق كل ثنــية أوما

)٣( عزفوا لنا أوهامهم فأجادوا نصحو على أصوات ألف منصر وهذه املفارقة بني دعاة املسلمني ودعاة النصارى تعد من أخطر القضـايا وأشـدها إيالما ، فيصبح الرثاء متوسع االجتاهات وال يقتصر على مشردي أفغانستان ومأسام ومـا

٦٢عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ١( ٦٢ص: املصدر السابق ) ٢( ٦٤املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 170: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

يعانونه من اجلوع والعري ؛ ولكنه ينطلق إىل قضايا أخرى متس عقيدة األمـة وكياـا يف . الوجود واحنسار دعوة اهللا الصادقة ، وكل ذلك يستدعي الرثاء وجيدر عليه الندب والبكاء

وقد وعى الشعراء ضرورة الرثاء يف تلك القضايا اإلسالمية مهما كانت مناسباته ودواعيه ، ك الوعي وتتضح تلك الضرورة يف واجب اإلخاء وحتمية التضامن ، فهذا حسني ويتركز ذل

وقد قاهلا يف سراييفو حينما تعرضت للتدمري ) اغتيال مدينة ( سهيل يقول يف مرثية له بعنوان : والقصف الصريب

إن تناسيت أمـيت يف اليبــاب أنت من أين يا فؤادي فدعين )١( ضجيجه كالعباب.. ء نفسي مل أنت يا قلب عامل من ضجيج

حيث أقام حوارا بينه وبني ضمريه مؤنبا ذلك الضمري لو تناسى مهوم أمته أو مل يأبه ا ويتفاعل معها ، وما صدر ذلك إال من إحساس صادق يف نفس الشاعر ولكنه ذا احلوار

ه األمة ، وإمنا يريد تأكيد وترسيخ ذلك اإلحساس ، كما أنه يريده يف كل فرد ينتمي إىل هذجعله يف بيتيه السابقني ذاتيا من باب البدء بالنفس قبل اآلخرين عالوة على كـون ذاتيتـه

: أمنوذجا للجماعة املسلمة ، ولذا حتدث انتقالة يف املضمون نفسه إىل اجلماعة العنا والعــــذاب ؟يتلوى من صغـريهل قرأمت دموع طفل

وفوق احلراب ؟.. مجر األسى فوق هل قرأمت دموع أم تلظــت )٢( أم حشومت آذانكم بالتــــراب ؟ هل عرفتم ماذا تقول العذارى

واملخاطب يف النص مجاعة غري حمددة والضمري ال يوجد ما يعـود عليـه يف قولـه قد تكشف هذا اللبس ولكن واقع القصيدة ومناسبتها ) عرفتم ، قرأمت ، حشومت ، آذانكم (

ن ذلك يعود على مجاعة املسـلمني ، إالقصيدة أن يقول ـ باطمئنان ـ ، فيستطيع قارئوهذا ما سيدركه كل من ينتمي إىل تلك اجلماعة ، غري أن هذا اإلام يف ضمري اجلماعـة حيمل تقنية مجالية أخرى ، فاجلماعة هنا اإلنسانية بعمومها وعلى األخص العامل املتحضر ،

املي يف وقت أحوج ما يكون إليه خطاب األمة ، وهي مسة وهنا يأخذ النص مسة اخلطاب الع

٤٣، ص) هـ ١٤١٩جازان ، نادي جازان األديب ،( ، ١حسني سهيل ، ط: ولألقمار باب ) ١( ٤٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 171: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

ال تتناقض مع مبدأ ومنهج األمة اإلسالمية ؛ فاخلطاب الشرعي يف القرآن الكرمي أو السنة قد ، وال تنـاقض أو ) يا أيها الذين آمنوا ( و ) يا أيها الناس ( ترددت يف ثناياه املزاوجة بني

يعلم مباشرة أنه املراد سلم يقرأ هذا النص أو يستمع إليه تباين يف مراد النص هنا ، فكل مسبذلك كما أن اإلنسان غري املسلم البد أن يدرك بأنه معين بذلك ، السيما وحمتوى الـنص يقوم على تشخيص مآسي األطفال والنساء ، ومعلوم ما حيمله هذان العنصران من الضعف

ق يف قضايا األمـة ومآسـيها ، ـذا وما جيب جتاههما من الرمحة واإلشفاق ، واالنطالاألسلوب العمومي املتحضر سيجعل لتلك القضايا حضورا عامليا وسيعطيها جماال أرحب من

األمر فأصبح من العدالة واألحقية والتقدير ، وقد وعى العامل اإلسالمي اليوم حاجته إىل هذا ينبغي أن يتبلور فيـه وما) اخلطاب اإلسالمي املعاصر ( طروحات مفكري ومثقفي األمة

متشيا مع ما يفرضه الزمن احلاضر ، وحنن إذ نقف مشيدين خبطاب النص املطروق فإننا ننبه ما كان يف الرثاء أو غريه من األغراض ؛ ولكنه حينمـا ، إىل توافر ذلك يف شعرنا املعاصر

اإلنسانية غـري طبيعة هذا الغرض من يكون يف الرثاء يكون ذلك مما مييزه ويقويه ملا حتمله احملدودة ، فهو غرض يثري يف اإلنسان الشفقة والرمحة كما أنه ينبعث من أسى الفقد والغياب وجور املصاب واألحداث ، ولذا فإن أغلب حضور قضايا األمة املعاصرة يكون يف الرثـاء

وعي يف اخلطاب الشـعري شرملراثي جبميع مضامينها ، وهذا مؤوتكون مناسباته املفضلة ااملعاصر لدى شعراء األمة ، حيث تتحقق هلم بذلك عاملية اخلطـاب ـ املبينـة سـابقا ـ

. بأسلوب مؤثر ومناسبة مقنعة وأمام هوان وتبلد األمة جتاه قضاياها العادلة إضافة إىل جتاهل وتعامي العامل الغـريب

لسـعودي بوعيـه أمام هذين املوقفني السلبيني فإن الشاعر ا.. املدعي احلضارة واإلنسانية وإدراكه املمتلئ باليقني واإلميان مل يقف حائرا أو عاجزا بل إنه يعلم املالذ احلقيقي ويـؤمن

ل يقول يف مرثية له بعنوان ببنصر اهللا وابتالئه ويثق بقدرته وإحاطته ، فهذا حممد بن سعد الد ) : شهداء صربا وشاتيال (

اغيت جاروا غوثك اهللا فالطو كيف بالطفل الئذا مستغيثا ميهل املارقني أىن أغــاروا ..سألوين أيف الشريعة حكم

Page 172: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

)١( يغار احلقوقشرع ريب على كياين جتوبقلت والكربيا ة بالذات اإلهليـة قومن اجلميل امتالء نفس الشاعر بالكربياء املتمخضة من الثقة املطل

اجتهادات بشرية ناقصة ، ولكنه املستقبل هنا مل ينبين على فواإلميان مبوعودها ، فاستشراينبين على شريعة إهلية مرتهة ، وكما أن هذا اإلميان وتلك الثقة الكبرية يف وعد اهللا تكون يف شخصية املبدع الراثي فإا تتجلى أيضا بشخصية املرثي ، وهنا يكون اإلميان أكثر عمقـا

املأساة ، وجند ذلـك يف يصطلى بلهب األحداث ويعايش مرارة ومصداقية ألنه واقع يف من وهي طفلة أفغانية قـد ) وسام العز يف وجه عائشة ( مرثية لعبد الرمحن العشماوي بعنوان

ومن ) .. أنف ( وبدون ) ثغر ( اخترمت وجهها إحدى شظايا القنابل الروسية فصارت بال : أبيات القصيدة

تصبر ـ يا أيب الغايل وسام العز يف وجهي

لورى زهوا أزيد به على كل ا . . . . . . . .. . . . . .

سأمحل راية اإلسالم . . . . . . . . .

... جماهدة ومؤمنة بأن إهلنا أكرب

)٢( وأن احلق ال يقهرحيث تشعر باالفتخار وتتباهى مبا حدث هلا التصافها بصفيت ااهدة واملؤمنة ، وهلذا

كثف من الطفلة العزالء غري مبالية بالتوحـد أو اإلميان جند الشعور الذايت املفرد يتفخم ويت .. ) وجهي ، أزيد به ، سأمحل ، جماهدة ، مؤمنة .. ( خائفة من عدم املعاضدة واإلسناد

١٨حممد الدبل ، ص: معاناة شاعر ) ١( ٥٥عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ٢(

Page 173: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

وبعد هذا فإنه قد يقال ملاذا مت تأخري اإلميان بالنصر وقدرة اهللا بعد تقدمي موقف العامل ـ ؟ ومبعث هذا التساؤل .. وموقف األمة اإلسالمية ر وهو ما لإلميان بنصر اهللا واليقني بظه

احلق من أمهية وجدارة سبق على كل األشياء ، ولإلجابة على هذا نقول إنه عنـد زيـادة التمعن يتبني كون ذلك من األمور البدهية يف خلد املؤمن واحلاضرة دائما فال جمال إلثارا

واستنهاضها أو مناشدة الغـرب أو مناقشتها ولذا جندها أيضا أقل حضورا من النداء باألمةوبالتايل فإن تأخريها يف دراستنا هنا له من التربير أحقية ومن املنطقية نصـيب .. ومعاتبتهم

وافر تفرضه أساليب الدراسة احلديثة الناظرة إىل الكم كمقياس مهـم يف مجيـع تناوالـا . وطروحاا

يا األمة يف مجيع الرثاء السعودي من قبل يف جتلي قضا متت اإلشارة إليهوعودا إىل ما فإننا نقول بأن وجود ذلك يف رثاء البالد احملاربة أو الشهداء والفدائيني كمـا يف النمـاذج السابقة جبميع أبعاده السياسية أمر يأخذ حيزا كبريا من االفتراض والواقـع ، واالفتـراض

لتلك القضايا وهـو املناسـبة والواقع فيه سواء ، وما ذلك إال ألن الرثاء هو اال األولوالباب املفتوح جتاه الشعراء ليعربوا عن رؤاهم السياسية وواقعهم وآماهلم يف ذلك االجتاه ، ولذا فإن هذه القضايا قد أصبحت من عوامل ازدهار رثائنا املعاصر ومن معطيات التحوالت

اذج األبعاد املوضـوعية فيه ، وما تبلور البعد السياسي وتطوره فيه إال أمنوذج واحد من منوغري ذلك ، ولكننا مع هذا جند حضور تلـك القضـايا .. األخرى كاإلنسانية والتارخيية

اإلسالمية حىت يف رثاء األشخاص ويأخذ ذلك احلضور عددا من األمناط واألساليب ، فمنها ع مجيع أفراد مصيبة كبرية تقروقضية إسالمية .. ما جيعل موت املرثي ملكا أو عاملا أو قائدا

األمة وتؤثر يف جمريات أمورها ، فموته خسارة على األمة ال تستطيع تعويضـها وال سـد الفراغ الذي ستتركه ، ومن هذا قول عبد اهللا بن إدريس يف رثاء امللك فيصل ـ رمحه اهللا

: ـ

Page 174: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

من هول فاجعة تبكي هلا األمـم ضاقت بنا األرض واشتدت بنا الظلم دوـا األمل مناليت املآسيمن ت بالعرب قاصمــة يا هول ما نزل

من الفجيعة ال خيبو هلا ضــرم واملسلمون بكل األرض يف أجــج )١(إذ علموا املشؤوم النبأمن صدمة ظلت حلومهمو حريى وقد ومجـت

قضية إسالمية عامة ، ولذا عرب أوال يث حياول يف مجيع أبياته جعل موت الفيصلحمث ثانيا جعل الفاجعة يبكي هلا كثري من األمم فكأن ذا .. ) ضاقت بنا ( ماعة بصوت اجل

إملاح إىل االنعتاق من حيز الوطن الضيق إىل مجيع األوطان العربية واإلسالمية ، ولذا جندها ، .) واملسـلمون بكـل األرض ( ثالثا خترج تلك اإلملاحات السابقة بصورة التقرير املباشر

فكرة جعل موت الفيصل قضية إسالمية عامة وكبرية يف الوقت نفسـه يظـل والواقع أن : حىت إننا جنده بعد ذلك يقول مسيطرا على مجيع القصيدة ،

تلتحم ) شارو باكستان ب( حىت أطلسها ) تطوان ( بكاك قومك من )٢( فيك الزعيم الذي تعنو له اهلمم وا ـبكاك يا فيصل اإلسالم من عرف

فها هو هنا جيعل اإلسالم وفيصل يف مجلة ) املسلمون بكل األرض ( هناك وكما قال وج بني بلدين غري سعوديني ، بل إن أحدمها لـيس ا، كما أنه ز) فيصل اإلسالم ( مركبة كل هـذا ) بكاك قومك ( وجعل أهل تلك البالد قومه يف قوله ) شاور بتطوان ، ( عربيا

ميع األمة اإلسالمية ، ولتأكد هذه الفكرة ومصداقية ليجعله قضية كبرية ومصيبة قد حلت جبما تتضمنه جند شاعرا آخر يبعث عزاءه يف موت الفيصل إىل عدد من الـبالد اإلسـالمية

: فيقول ـة والقدس تسطر الدمع سطرا زاء إىل مكــحرت هل أبعث الع

ل واد يا إهلي عبـــرىيـ والرباءات هل أعزي ؟ وعني النـ وعيون الفرات بالدمع سكـرى ـــيل باك ي الشام والنهل أعز

أو منازل بصـرى .. ربع عمان مسمــعي منويضج البكاء يف

١٨٣عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ١( ١٨٥املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 175: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

)١(أصبحت جتلل وقـــرا.. ينأذ ـــــها لووعت آهة ولصنعاءفيكمل هذا النص ما ابتدأه النص السابق حينما جعل احلادثة قضية إسـالمية فـأتى

اإلسالمية ويواسيها وقد جتلى األول يف تعزيته بكاء ونوح تلك الـبالد األخري ليعزي البالد .. ) . النيل باك ، لصنعاء آهة ، عيون الفرات ( بأسلوب التشخيص

وكما يكون موت امللوك والقادة من قضايا ومصائب األمة فاحلال يكون أيضا عند باء األجيال ويشتركون مع امللوك يف فقد العلماء ملا هلم من املرتلة العالية فهم مصادر النور وآ

قيادة األمة وبناء مسريا ، فهذا أمحد الصاحل يقول يف رثاء الشيخ عبد العزيز بـن بـاز ـ : رمحه اهللا ـ

عذاباا حججـ عتناتم لقد كبري أن تكون لنا املصــابا وكنت الزاد والشهد املذابا وعلما.. حبا .. لقد أشبعتنا

)٢(ترد ضالل من يف الغي شابا ـنا أميـناضمري أمتألست فريى من كونه مصابا لألمة أمرا كبريا هلا ، حيث إن غريه من املصائب يصغر شأنه

ضـمري ( نسبة إليه ، وكما عرب بصوت اجلماعة فإنه ينعت العامل الراحل بــ ويهون أمره ون ضمري األمة وأن تكرب ويكشف شيئا من أفعاله اليت استحق ا أن يك، وباألمانة ) أمتنا

املصيبة بفقده حيث إنه كان يرد ضالل أهل الغي وذلك بنصحه وإرشاده وفتاواه اليت يستنري ، ويف هذه القصيدة نلمح ظهور منط آخر مـن أمنـاط ..ا الناس وتقبلها األمة دون تردد

نكبات والذل حضور قضايا األمة يف رثاء األشخاص ، وهو التطرق ملا تتعرض له األمة من ال : حيث يقول الشاعر .. وما تعانيه من الفرقة واالختالف ، واإلشارة إىل ذلك

عذابا .. أنكاها .. من األحداث و وأمة اإلسالم تشكـ.. رحلت وقد هابوا الصعابـا .. عزائمهم لو وتبـــ.. متور م مآسيهم

بـاالركا.. جهادهم أمالوا عن وبئس قوم .. خبت روح اجلهاد )١( ))غالىب ((وأيتـام .. ومصلوب د شريـــ..هلم يف كل ناحية

٧٧أمحد كلي ، ص: ان على نقطة الصفر طيف) ١( ٧٥سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٢(

Page 176: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

فرحيل الشيخ وغيابه قد حدث يف وقت قد استفحلت آالمه ومآسيه ، فاألمة أحوج ما تكون يف هذا الوقت إىل ذلك العامل الرباين املخلص ، حيث تستنري بآرائـه وتسترشـد

ـ روح اجلهـاد جبميـع أسـاليبه املاديـة بإفتائه ، كما يلهب فيها ـ بدعوته ونصائحه ويوقظ فيها محية الدين ، وهنا نقول بأن الشاعر قد داخله عدد من األحاسـيس .. والبدنية

املتراسلة واملنسدلة من بعضها البعض ، فموت ذلك العامل الكبري واإلمام املصلح ميثل موت : أمة كاملة ، فكأنه قد صدق عليه قول الشاعر

إنه أعمـار .. عمرا فيزهق ك يف جليل عطائه ما كان عمر )٢( وأديل كون وانطوت أسفار ة فكأمنا انفقدت بفقدك أمــ

ومن أجل هذا الشعور القائم على التساوي بني فقد العامل وفقد األمة متخض رثـاء األمة وبيان مآسيها وآالمها والتعرض ملا يعانيه بعض مستضعفيها مـن القتـل والتشـريد

فإن مضامني القصيدة الرثائية هنا تنتظمها وحدة شعورية متواصـلة ، ، وبالتايل .. واهلوانفمهما اختلفت فيها شخصية املرثي إال أا تقوم على شعور واحد نابع من حزن كـبري ،

ما يثري االستغراب والدهشة أو يشعر بالتكلف والتنافر حيث إن هذا الطرح وتبنيهوليس يف ري على منهج يكرب شأن العلماء ويعرف مرتلتهم وقيمتهم العظيمة فهـم األمة اإلسالمية تس

تربتها املتأصلة بـذلك املنـهج ونتاجمصابيح الدجى وسرج الطريق ، والشعراء أبناء األمة القومي ، وهكذا نشاهد كيف انتظمت قضايا األمة مجيع الرثاء السعودي ؛ حىت ما كان يف

ح ما مل يكن يف رثائها املباشر ، وما هذا إال دليل علـى غري تلك القضايا أصال ، أو باألصحضور مهوم األمة وجتسدها يف قلوب الشعراء ، فهم ال ينفكون من خوضها واحلديث عنها ، مىت سنحت هلم الفرصة ومىت وجدوا لذلك سبيال ، وقد شاهدنا يف النماذج السابقة كيف

ء من حدوده القبليـة وكالسـيكيته كان تأثري حضور تلك القضايا وكيف انطلقت بالرثااملتقوقعة يف حدودها املوضوعية الضيقة إىل آفاق أبعد وجماالت أرحب يف املوضوع املرثي ، والذي ال يعدو يف صورته التراثية الشخصية اإلنسانية بتكوينها النفسي املعروف ، وإن جتاوز

٧٦املصدر السابق ، ص) ١( ٣٠٣جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ٢(

Page 177: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

��#�ا���� ا�: ا�"ا! ا����

لة ، على حني جند الصـورة ذلك فهو ـ مع قلته ـ يكون يف املدن الساقطة واملمالك الزائ املعاصرة تعايش مجيع قضايا األمة وترصد زفرات تأوهها يف كل بقعة من بقـاع املعمـورة

أو بعدت تلك البقعة ، وبالتايل فإا ذا التناول والتغطية قد أحدثت صدى مجاعيـا دنت، وجتدر وبلورت شعور اإلخاء والتوحد اإلمياين فهي حمك صادق لوحدة القضية اإلسالمية

شـعرنا والذي يرد إليه كثري من كتابنا كل) التضامن اإلسالمي ( هنا اإلشارة إىل مصطلح الذي يتناول قضايا األمة ويتحدث عنها مهما كانت مضامينه وأساليبه ، وواقع احلـال أن هذا املصطلح مع شيوعه وكثرة دورانه حيتاج إىل وقفة فحص وتدقيق فالتضامن ينبعث مـن

طف وااملة ، فهو بالتايل انفعال جتاه واقع غريي وليس بواقع ذايت ، غري أن ما نلحظه التعاـ عند التتبع واالستقراء ـ يف الشعر الذي يتناول قضايا األمة ويتحدث عنها أنه نابع مـن الذات وأن الشعراء قد جعلوا تلك القضايا قضايا ذاتية ومليئة بالعاطفة الصادقة واإلحساس

ين كما يف مناذجنا السابقة فإنه سـيثبته التحليـل وإذا أثبت هذا األمر التحليل الف ل ،املنفعالنفسي واالجتماعي ، حيث إن املبدع ينطلق دائما من أيديولوجيات تـتحكم يف إبداعـه وتسيطر على مشاعره إىل حد كبري ، والشاعر املسلم هو أوىل وأصدق من ينطبق عليه ذلك

.مي الذي قد فرض اإلخاء ووحد اهلم والشأن يف أمة اإلسالم حبكم االنتماء اإلسال

Page 178: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

البعد االجتماعي : الفصل اخلامس

قضايا اتمــــع_ ١ قضايا األمــــة_ ٢

Page 179: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

ـ البعد االجتماعي ـيف العصر احلديث بدأت تطرح عالقة الفن باتمع طرحا أثـريا ومتميـزا باحلـدة

النقدي ا ، وقد تكونـت إثر تبلور املذاهب األدبية واالهتمام والوضوح وقد حدث ذلك ، والواقع أن هذه املذاهب وإن كان هلا بلورة وتقـنني وتة متفاتلك املذاهب يف أطر فلسفية

ففي ظـل ((: حديث ينطلق من مبادئ فكرية فإا متعرقة يف التاريخ البعيد ومتجذرة فيه كلمة الفن اهلادف مل تولد مع املاركسية وأن كلمة االلتزام تتبعنا للتاريخ نستطيع القول بأن

مل تولد مع سارتر ، وأن التاريخ معرض شامل للصراع بني الفن واألبنية االجتماعية والدينية وهو صراع حياول فيه الفن أن يثبت وجوده األصيل وحتاول فيه هـذه األبنيـة أن تثبـت

هبنا إىل تارخينا البعيد فسنجد الصعاليك يف الشعر ، وحنن لو ذ )١( )).. الفن ى سيطرا علاجلاهلي قد حتددت يف شعرهم مالمح شرحية اجتماعية ذات منط حيايت غريب ونادر بـني بقية شرائح ذلك اتمع ، كما كان لذلك الشعر خصوصيته املوضوعية والفنية الـيت قـد

ا األدبية اليت تلت ذلك جنـد الحظها الدارسون وبينوها فيما بعد ، وهكذا يف مجيع عصورنللمجتمع حضورا وبروزا غري عادي ، ولكننا حينما نصل إىل العصـر احلاضـر فسـنجد تضاعف هذا احلضور ومالحظته ، وما ذلك إال لطبيعة العصر اليت قد ترسخ فيهـا نظـام اتمعات وأصبح غاية فيه مناقشة مهوم وقضايا تلك اتمعات ، ويف الشـعر السـعودي

تناول الشعر االجتماعي شؤون اإلنسان ، ((ريه من شعر اتمعات العربية األخرى قد وكغقضية املرأة ، والدعوة إىل العلم : وما يشكو وما يرجو ، وأبرز القضايا اليت جاء فيها الشعر

والعمل يف حياة ال بقاء فيها جلاهل ، وقضية املادة ، وما يتصل ا من فقر وغىن ، واجلانب ، أما يف الرثاء فلعل أبرز مالمح البعد )٢( ))خالقي للقيم ، وما اعتورها من تغري وتطور األ

االجتماعي تتجلى يف قضايا اتمع والروابط االجتماعية ، وقد أفردنا لكل منـهما مبحثـا : مستقال فيما يلي

، ) م ١٩٩٦للكتـاب ، بريوت ، الدار العامليـة ( ، ١حممد العبد محود ، ط: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر )١(

٢٣١ص ٤١عبد اهللا احلامد ، ص: اجتاهات الشعر املعاصر يف اململكة العربية السعودية ) ٢(

Page 180: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

: ـ قضايا اتمع ١ي قضية العلم ، والواقع أن االهتمـام من أبرز قضايا اتمع اليت تتردد يف ثنايا املراث

ذه القضية يف جمتمع كاململكة العربية السعودية له صلة كبرية بالواقعية االجتماعية ، حيث إن اململكة يف الستينات والسبعينات من القرن املاضي كانت تعاين من أميـة سـاحقة وال

، وقد كان من يان عجب يف ذلك فهي بلد ـ يف ذلك الوقت ـ حديث عهد بتوحيد الك جل اهتمامات الدولة التعليم وفتح املعاهد واملدارس وإرسال البعثات ونشـر دور العلـم وتكرمي العلماء ، وكل ذلك قد أتى من دوافع حثيثة تريد استئصال اجلهل ونشر العلـم ، وحيث إن جل الرثاء كان رثاء شخصيا فقد قل أن ختلو مراثي امللوك والعلماء من التأكيـد على قضية العلم ومناقشة دورهم الفعال يف ذلك إعجابا وتقديرا ، بل إن ذلك قد برز أيضا

يف دفع عجلة التعلـيم يف فاعلةيف رثاء األدباء والشعراء واملؤرخني الذين كانت هلم جهود : فيصل يف رثاء امللك موسى بن حممد السليمالوطن ، ومن مناذج ذلك قول

وقد وفيت فبات اجلهل يعتزل ـنا عاهدت ربك أن تبين لصاحل )١( جعلته جبالل العلم حيتفــل أنقذت شعبك من أخطار غفلته

فالنص يصور حال اتمع وما طرأ عليه من التحول ، فقد كان جمتمعا يعـاين مـن اجلهل ولكن حاضره حيتفل جبالل العلم ، ويسوق الشاعر هذه الصورة يف معرض اإلشـادة

ني ، أوهلما إشادة بذلك امللك الباين واملصلح ، وثانيهما إشادة باتمع واإلعجاب من ناحيتاملتعلم وإعالء شأن العلم ودوره يف اتمعات ، ولذا جنده يصف العلم باجلالل كما يـذم أخطار الغفلة ، والغفلة هنا معادل داليل للجهل ، وحينما مات مؤسس مدرسة الفالح مبكة

ينشئ يف رثائه قصيدة قد ضمنها دوره يف العلم وما قام به مـن املكرمة جند حممود عارف : جهود يف سبيل تعليم اتمع وحماولة انتشال األمية منه

بل كنت تطلب حمو اجلهل والكسل مفخرةأنشأت ملا تبغيما كنت )٢(يف الناس هديا ألمسى النهج والسبل حاربت امية بالعلم تنشـــره

١/٦٠عبد العزيز األحيدب ، : آالم وآمال ) ١( ٢:٥٦٥حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ٢(

Page 181: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

ولذا جند هنا نابعة من اإلحساس بأمهية القضية وجاللة قدرها فاإلشادة بعمل املرثي : القصيدة بعد ذلك تستمر يف حماولة رصد نتاج ذلك التعليم وحتميته االجتماعية والوطنية

على سنابل آتت أفضل األكل وضعت غرسك واإلنتاج مشتمل تزدان بالعلم ال باملال واحللـل تلك السنابل أجيال بال عــدد )١( خلـل بالأساسا ادلتنشئ تعد للوطن الغايل عزائمـــها

تنشئة وتأسيس ( قيمة اجتماعية ) التعليم ( حيث ترتب على تلك القضية االجتماعية . وذلك بعزائم ومهم املتعلمني ) جمد الوطن الغايل

ات اليد أو ومن قضايا اتمع الفقر والعوز الذي يعتور بعض فئات اتمع إما لقلة ذلظروف اجتماعية أخرى ، وهنا يتأكد على مجيع أفراد اتمـع االهتمـام بتلـك الفئـة واملسارعة يف عوا ومساعدا يف ختطي عقبة احلاجة ، وغالب تلك الشخصيات يف هـذه الطبقة هم اليتامى واألرامل والفقراء ، فيربز التكافل االجتماعي بصورة إسالمية وإنسـانية

قوم على العطف والرمحة واإلشفاق ، واحلديث عن هذه الطبقة وتشخيص آالمهـا مشرقة تواحلق أن األوضاع االجتماعية قد احتلت ((وآماهلا له حضوره الزاهي يف الشعر السعودي ،

يف إنتاج شعراء اململكة ، على أم يف تناوهلم هلذه القضايا إمنا يهدفون إىل بنـاء حيزا كبرياك متحاب ، تنتهي فيه إىل األبد مظاهر التخلف واألمراض االجتماعيـة جمتمع قوي متماس

وما إىل ذلك ، حتثهم يف ذلك تعاليم الدين اإلسالمي ، هذا فضال عن الشـعور بالواجـب اإلنساين واألديب حنو بين البشر ، ناهيك بالشعور بالواجـب واملسـؤولية جتـاه الـوطن

)٢())وأبنائه ا مع غـرض ما حيدد اآلالم ويبني احلاجة والعوز متماسوقد يكون ذلك الشعر حين

األخ ( الرثاء وقريبا منه ألنه يرثي حالة أولئك املنكوبني وحياول نقلها إىل اإلنسان اآلخـر بغية التأثري فيه وإدراك مساعدته هلم ، ولكن هذا الشعر ومهما بدا لنا ما به مـن ) املشفق

ثاء فإننا ال نستطيع إدخاله يف غرض الرثاء النعـدام التماس واالقتراب السابق من غرض الر

٢/٥٦٥حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ١( ٣٥٦طلعت صبح ، ص: ر السعودي احلديث التيارات الفنية يف الشع) ٢(

Page 182: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

ولكننا وإن وجدنا أن هذا األمـر عنصر املوت فيه أو دوال هذا العنصر يف الفقد والغياب ،قد مت إشباعه بشعر اجتماعي مستقل فإنه مل يكن غائبا يف املراثي ، وأبرز حضور له يكمـن

يلة جتاه الفقراء واحملتاجني ، وقد تعددت أمناط هذا يف تأبني املرثيني مبواقفهم االجتماعية النبغياب املرثي ملا كـان دالتأبني ومن أكثرها ورودا بيان حالة الفقد اليت حيس ا الفقراء عن

. يتعهدهم به من العطف واملواساة : كما يقول أمحد التوجيري يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ

الرب بك فطاب براوواسيتهم كفكفت دمعهم سيذكرك األيتام )١(ويذكرك املضطر ما مسه الضر سيذكرك املستضعفون مجيعهـم

عدة مرات ، والتكرار يضع أيـدينا ) يذكرك ( قد تكرر الفعل املضارع ويلحظ أنه مبعىن اإلشادة واإلخبـار ) يذكر ( على الفكرة املتسلطة على الشاعر ، ويبدو أن الفعل هنا

ن ذكر يذكر وليس مبعىن الذكرى ، ألنه لو كان مبعىن الذكرى ألصبح يف ذلك تقليل من موال يعـين هـذا ) سيذكرك ( بدال من ) سيفقدك ( معىن النص ، ولكان األوىل أن يقول

يف الفعل ولكن األول أنسب يف هذا املقام ، ومن مجاليـات هـذا استحالة أي من املعنيني إشارة إىل املستقبل مـن خـالل ) سيذكرك ( ستقبل إىل اآلن ، فـ التكرار أنه سار من امل

غري مسبوق بالسني ، ) يذكرك ( التسويف ، ولكنه بعد ذلك يصبح آنيا وحاليا فريد الفعل ويف هذا داللة أكيدة على حتقيق هذا الذكر وحدوثه ، وانتقال كونه من األمور املتوقعة إىل

. األمور احلادثة املتأكدة بد الرمحن العشماوي فإنه جيد يف شخصية الشيخ حممد بن عثيمـني ـ رمحـه أما ع

: أمنوذجا مثاليا يف قضاء حوائج املستضعفني وإجابة صرخات الثكلى فيقول : _ اهللا كيف نرعى حرمة املستضعفني أيها الشيخ لقد علمتـنا )٢(صرخة الثكلى ودمع الالجئني كيف نستشعر من أمتنا

٥١هـ ، ص١٤٢٠، العدد السابع والعشرون ، ربيع األول ) ٢٧( كتيب الة العربية رقم : ( الة العربية )١( ٨٦٥ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ٢(

Page 183: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

نص إشارة إىل القيمة االجتماعية للعلماء الربانيني ومدى تأثر اتمع ـم وحيتضن الالتعليم هنا قوال وعمال ف) لقد علمتنا ( حيث يربز اتمع متأثرا ومنقادا بأدب وتأس عظيم

، إذ ال جند ما خيصص ذلك بأي من األمرين دون اآلخر ، ولكننا قد منيل إىل كونه تعليمـا ذلك حينما نعلم بأن التعليم القويل شيء مفروغ منه ومعلـوم صـدوره عمليا ونطمئن إىل

ووجوده لدى كل مسلم يدين اهللا ربا واإلسالم دينا فضال عن كونه عامل رباين تواطـأت األمة على معرفة فضله وسبق زهده وتقاه ؛ وهلذا فإن التعليم هنا عندما يكون عمليا سيصبح

قناع ، وإذا أردنا أن نستطرد يف تأكيد هذه النقطة فسنجد أكثر تأثريا وأبلغ يف التوجيه واإلأن النماذج الرثائية قد يفسر بعضها بعضا أو تتعاضد وتتناوب والسيما حينما يتشابه البعد

وهذا ما نلمسه يف األمنوذجني السابقني ؛ فأمحد التوجيري يف .. والشخصية املرثية املوضوعي فهـذا .. ) ويذكرك املضطر .. كفكفت .. رك األيتام سيذك: ( رثائه للشيخ بن باز قال

، وهنا نستطيع محل قـول عبـد الـرمحن تصريح مبا يفعله الشيخ جتاه أولئك املستضعفني على ..) لقد علمتنا كيف نرعى حرمة املستضعفني ( العشماوي يف رثاء الشيخ ابن عثيمني

. قارنة السابقة هذا فيزداد ترسيخ التعليم العملي وترجح كفته كما يف املوجانب الشخصية املرثية مهم جدا يف قضية العطف على الضعفاء ومواساة الفقراء ، فعندما تكون شخصية عامل فاضل كما يف النماذج السابقة فإن ذلك يكون دعوة إىل إصالح اجتماعي شامل يتركز يف الترغيب واحلث على التخلق بـذلك اخللـق العظـيم ، ودور

ا املقام هو ما حتمله من املثالية املطلقة فهي األسوة احلسنة والقدوة الرائـدة الشخصية يف هذواملثال األول ، وعندما تكون شخصية ملك أو أمري قد تقدم يف جاهه وسلطانه فإا تصبح

وغري ذلك من اجلوانب األخالقية املماثلة .. دعوة إىل التواضع وتعريض بذم التكرب والغرور ازي القصييب يف رثاء الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفـة أمـري دولـة ، ومن هذا قول غ :البحرين السابق

وتوافد الزعماء واألمــراء اء سن احلداد القادة الرؤســ ممن عشقت رفاقك البسطاء د أما أنا بني اجلموع فواحــ

أو السـراء .. واهلم يطرقها بيوـم تزورميعاد غري من

Page 184: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

فقــراء هوتزور عرسا أهل ا تدري ال ادأعراس أهل )١( ولديك كل امليتني ســواء ومآمت األعيان تزخر باملــال

فيربز شخصية األمري املرثي يف جانب من البساطة والتواضع ، حيث تعشق البسطاء وتزور البائسني وحتضر أعراس الفقراء ، مث يف البيت األخري تربز مجالية معنويـة تكمـن يف

واإلملاح ؛ حيث يتساوى لدى املرثي كل امليتني بينما ينتفي هذا التساوي يف األحيـاء الرمزحيث مال إىل عشق الفقراء والبسطاء كما يف األبيات األوىل ، وهنا يصبح جمال البحـث

مجيع البشـر ا ومقلقا فيما وراء ذلك ، وعند مزيد متعن وفحص نلحظ أن املوت اية حلممبا أنه اية كل من الطبقتني فهذا دليل على تساوي الكل وعدم وجود قويهم وضعيفهم ، و

متيز حقيقي يف النهاية ، وبالتايل فإن إدراك األمري هلذا األمر هو ما جعله مييـل إىل الفقـراء والبسطاء موقنا بأن املوت يف النهاية سيزيل كل الفوارق وسيأيت على اجلميع وهنا فال جمال

مث يتآزر هذا مع مضمون النص الكلي القائم علـى ) كل امليتني سواء ( للتميز والتكرب فـ نبذ التكرب والدعوة إىل معاشرة الفقراء ومواسام ومشاركتهم األفراح واألتراح يف إخـاء

. إنساين ونبل أخالقي كرمي وهكذا فإن تصوير مواقف املرثيني من الطبقات االجتماعية البائسة ليس رد اإلشادة

التأبني الرثائي الصرف ولكنه حيمل بعدا آخر يتبلور يف دعوة اتمع إىل التآزر والتكاتف أو والرمحة والتعاطف ، يتأكد هذا يف الشخصيات املرثية العامة كامللوك والعلماء ، وذلك ملـا هلم من صدى اجتماعي عام يشعر به كل اتمع ، أما الشخصيات اخلاصة فقـد يكـون

الصرف فيها أبرز وآكد وال يعين ذلك انعدام توجيه اتمـع ودعوتـه إىل جانب التأبني التخلق بالفضائل ولكن هذا اجلانب يكون أقل بريقا ملا حتمله الشخصـيات املرثيـة مـن

، ومن .. خصوصية بالراثي تفقدها ذلك الصدى االجتماعي الشامل يف الشخصيات العامة : أحد جريانه مناذج هذا قول ضياء الدين رجب يف رثاء بود عجيب والنوى منه أعجب وحىت صغار الدار كان حيوطهم

٦٩غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ١(

Page 185: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

)١( تنادوا لقد جاء الشريف ورحبوا إذا طرقت يف الباب طرقة طارق حيث إن حب األطفال والتودد إليهم من عوامل التآلف والتقارب يف اتمع ، ومن

هذا األمر من نبل أخالقي رفيـع ، أسباب حصول املودة بني اجلريان عالوة على ما حيملهجار املرثي معجبا مبا يقوم به جاره الراحل جتاه أطفالـه مـن ) الراثي ( ولذا جند الشاعر

العطف والود ؛ وإن كان قد ساق األبيات من أجل اإلشادة جباره وذكر صفاته املميـزة ؛ . ة ولكن األمر تكمن وراءه دوافع عاطفية أخرى تغمرها أبوة رقيقة حاني

ومن الرثاء االجتماعي ما كتبه الشعراء يف رثاء أشيائهم اخلاصـة ، وبعـض تلـك األشياء قد ال تبدو لآلخرين ذات قيمة أو مكانة تستحق الرثاء ولكنها لدى أصحاا قـد أخذت قيمة معنوية وحسية خاصة وإن مل تكن ماديا ملفتة لالنتباه ، ومن ذلـك قصـيدة

عد بن حسني ، والغريب يف تلك القصائد أن الشعراء غالبـا مـا حملمد بن س) رثاء خامت ( ها مقدمة نثرية تؤكد على أمهيتها ومكانتها ، فمحمد بن حسني يقول بني ييكتبون بني أيدصنع يل صائغ خامتا من الفضة واجتهد يف صوغه حـىت أثقلـه بالفضـة ((يدي القصيدة

. اخلالصة والفص اجلميل الذي كتب عليه امسي بيتنا الطيين القدمي ضاع ذلك اخلامت فاجتهدت يف طلبه فلم أعثر عليه ، فقلت يف ويف

: ومن أبيات القصيدة )٢( )).. ذلك حيليه بعد الصوغ من فضــة فص ويل خامت مل ميلك الناس مثلـه

إذا نظرته العني قالت هو النــص منسـقوقد زانه رسم إلمسي ألن به ما ال يلمــلمه القــص لبكيتـه خامت يبكىفلو كان

. . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . )٣( وإن كان يأسي منه أفضى به الوص خويتمي مجالفال أبعد املوىل

٤٤٤ضياء الدين رجب ، ص: لدين رجب ديوان ضياء ا) ١( ) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ٢( . املصدر السابق ) ٣(

Page 186: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

والواقع أن النص يصور تولعا قويا لدى الشاعر بذلك اخلامت ، كما يصور ما يعانيـه ك راجع إىل عوامل نفسية تكمن يف الذات املبدعة ، حيث يرى من فقد له ، وقد يكون ذل

نا بفناء ورحيل املبدع يف يوم من األيام ، ذأن فقد وغياب اخلامت الذي قد نقش امسه عليه مؤزانـه رسـم ( ولذا يربز حاضرا يف النص التأكيد على وجود امسه منقوشا يف ذلك اخلامت

ل خويتمه مع أنه قد غاب وأصبح يائسا منه ، وهذه كما يدعو اهللا بأن ال يبعد مجا) إلمسي يستنتج منه ذلك البعد النفسي املشار إليه من استحضـار النقطة األخرية قد تعكس تداخال

. فناء الذات حيال فقد أشيائها اخلاصة ) قصـيدة (ومثل قصيدة رثاء اخلامت حملمد بن حسني توجد قصيدة أخرى يف رثـاء

ـ بني يديها مقدمة نثر وكتب) الربكان ( ، وقد جعل عنواا للشاعر عبد احملسن حليت ة يذات يوم قد غدت قطعـا ))املدينة ((رأى إحدى قصائده املنشورة يف جريدة ((جاء فيها

يطوحها اهلواء يف كل مكان وكم متىن أن ال يرى ذلك املشهد الذي أثار يف نفسه األسى ، يرضيه ما ناهلا ويف نفس الوقت طفق ينظم قصيدة فتلك القصيدة يف رأيه إمنا هي جزء منه ال

أخرى يرثي ا قصيدته اجلرحية ويثأر هلا ، وهو يعلم أن مصري القصيدة اجلديدة سـيكون ، وقد جعل الشاعر قصيدته يف فكرة أساسية تقوم على رثاء شـعره )١( ))كمصري سابقتها

: القصيدة عموما ، حيث جعل الشعر ابنا له ومن ذريته ، ومن أبيات ام ـومىت ستعرف قدرك األي ام ـــهلفي عليك إالم أنت تض امـالفكر واإلهلأبواك فيها عةـــهلفي عليك وأنت مين قط

ام ــكل الذي تعتاده األيت ماذا وجدت وقد لقيت من األذى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فهل عليك أالموإذا بكيت معي من ذوب أحشائي خلقت وأد )٢( طفال له ما حان بعد فطام ماذا أخرب واهلواء مطــــوح

٢٢٣عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ١( ٢٢٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 187: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

ولعل يف ذكر اليتم الذي نال الشعر وتشبيه القصيدة بالطفل يف البيت األخري ما يربز إحساس الشاعر مبوته الذايت ، فكأنه يرثي نفسه ، وهنا تعلو القيمة الكبرية لقصائد الشـاعر

نفسه ومرتلتها الرفيعة العالية ، كما يربز الشعور بأن ذلك نذير مبوت اإلنسان وفنائـه ، يف وهنا يصبح النص قد قام على ختيل وتأمل عميق انطلق فيه الشاعر مهوما يف فضاء اخليـال

. الرحب ليستحضر يف رثاء القصيدة رثاء شخصيته وانات األليفة اليت قد اعتدى عليها وكما رثى الشعراء أشياءهم املفقودة فقد رثوا احلياالجتماعي يف كون البشر سـببا يف البشر بضالهلم وخطلهم فحرموها احلياة ، ويربز الدور

فناء تلك احليوانات ، حيث يهدف الشعراء من هذا التوجه الرثائي إىل انتقاد هذا السـلوك محد الغزاوي يكتب قصيدة االجتماعي املشني وحماولة تقوميه بأسلوب إنساين عميق ، فهذا أ

ذلـك ويشاء القدر أن يرى الغزاوي مصرع سخلة من قطيع ما عز ((يف رثاء سخلة حيث على يد شاب طائش يقود سيارته بسرعة جنونية يف شوارع البلد يدهس السـخلة ويـتم طريقه وكأن شيئا مل يكن ، فيصور الغزاوي هذا احلدث يف مرثية للسخلة يدعو من خالهلا

ضع حد هلذا الطيش ومثل هذا األمر ال جند له مثيال يف شعرنا قدميه وحديثه فيما قبـل إىل والغزاوي وهو هنا يبدع يف التصوير واستغالل احلدث ملا فيه خري للمجتمع ، فهـو يعـاجل مشكلتني يف آن واحد أحدمها وجود األغنام السائبة يف الشوارع والطرقات وثانيهما طيش

:ت القصيدة اومن أبي، )١( ))املزدمحة وليس هناك من رادع القيادة يف الشوارع الذنب على منهاورأسها ينطوي قةزــممالء ـــرأيتها وهي أش

لبــمنقإىل الفناء وباءت شر ومضت ) كال(مل تكن إال ) ةطرف(يف بـسب غريمايف سقطتضحية رون ا ــوأقبل الناس شىت ، ينظ

ربــبالتومل يرعه امتزاج الدم ته يـــــ لطوطار باملوتر اجلاين الصخبيكاد يف صمته يعلو على حزنها ـــيف أم اــأملوزادين بـالله منجمنونة كبدها تشوى طرةمفرى ـــحس كالثتأوهت

١/٣٣٥، ) هـ ١٤٠٦( ، ١مسعد العطوي ، ط. د: أمحد الغزاوي وآثاره األدبية ) ١(

Page 188: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

)١( حبـمن دون ذنب ومل يعبأ مبنت ذا ـــأصاا الرعن القاسي بفلملمتلئ بالرمحة واحلنان جتاه هذه السلخة وأمهـا ويستمر الشاعر يف وصف شعوره ا

الثاكلة بأسلوب إنساين رائع ، يستحوذ من خالله على التأثري يف املتلقي واملستمع من مجيع أفراد اتمع ، مث يتوجه بعد ذلك إىل تشخيص املسؤولية ونقد إمهال أصـحاب األغنـام

: السائبة لبــعصرها بالدر واحلراع وي فأين من حفظها املسؤول وهوهلا

اإلمهال واهلربباألمر والنهي يف ق يدركه وأين منه اجلزاء احلــ )٢( عرب الشوارع بني القشر والقصب وكيف تنطلق األغنام سائــبة

حيث جعل احلادثة املؤملة وما يتبعها مسؤولية اجتماعية عامة يشترك فيهـا اجلـاين تقع عليه مسؤولية تتبـع اجلنـاة ومعاقبـة إذ وصاحب السخلة بل والنظام اإلداري عامة

.أصحاب األخطاء ليكون يف ذلك ردع هلم واتعاظ لغريهم أما علي النعمي فله جتربة رثائية تصطبغ ببعد إنساين آخر حيث تعرض حلادث صدام بني سيارته اليت يقودها وبني إحدى احلمري السائبة يف الطرقات ، وكانت نتيجـة احلـادث

وتعطيل السيارة ، ودفعه ذلك إىل كتابة قصيدة أبرز فيها تأثره ذا املوقـف موت احلماروإشفاقه على ذلك احلمار املسكني ، ومل يبك سيارته احملترقة أو يأسف عليها بل كان أسفه

: على ذلك احلمار حمنة شارفت ا للحــريق إن سياريت تلقت مســـاء

الغوث حاضرا بالنهيق ترجتي عليـها الزمان جار أتانمن لظى التزهيــقومعاناا من رحيم يشيلها من أساها

. . . . . . . . . . . .. . ..... .. . . . . . .. . )٣( ريقـي منابععربة جففت ومتاسكت ذاهال واعترتين

١:٣٣٦، ) هـ ١٤٠٦( ، ١مسعد العطوي ، ط. د: أمحد الغزاوي وآثاره األدبية ) ١( ١:٣٣٧املصدر السابق ، ) ٢( ٣٤علي النعمي ، ص: جراح قلب ) ٣(

Page 189: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

مث ميضي بعد ذلك مفصال ما تلقاه تلك احلمري السائبة من جور السائقني ، وما ينبغي يستطرد يف انتقاد من يقسو عليها أو يقلل من شأا حبجة تطور واهها من احلنو والرمحة ، جت

وسائل املواصالت وانعدام فائدا يف الزمن املعاصر ، فريى فيها إرثا عريقا ويرى يف رمحتها : فيقول .. والوفاء هلا ردا جلميلها السابق على اآلباء واألجداد

ذات الوفاء العريقمن بالدي ر ـأيها القاطنون يف كل شب احلديد عبء الطريقوكفانا تولى احلمريال تقولوا عهد

عقوق يف أجدادكمما جفاها يوم ذاتما رماها آباؤكم رفيـــقوجد راحمألب ـاءـوففلماذا مل ترمحوها

)١( نام عن خملـوقما عند رب جزيـال أجراإن للرامحني لشاعر من خطابه توجيها وطنيا عاما ، كما يلمس يف األبيات ويلحظ كيف جعل ا

نزعة الوفاء والعرفان اليت جتسد املثل والقيم اإلنسانية العظيمة لدى أفراد اتمع السعودي ، الذي حيترم ويقدر حقوق حىت احليوانات السائبة منطلقـا بـذلك مـن تكوينـه الـديين

. واالجتماعي العريق

٣٨علي النعمي ، ص: جراح قلب ) ١(

Page 190: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

: تماعية ـ الروابط االج ٢ : روابط القريب _أ

، )١()) يقال على السـجية (( يصف الدكتور مصطفى الرافعي رثاء األقارب بأنه كما ينفي عنه أن يقال على الرغبة ، ولكنه بعد ذلك ميضي ويترك هذا الوصف دون مزيد

لوصـف تعليق أو إيضاح ؛ فيفتح بذلك جماال رحبا أمام الدارسني والباحثني ليتأملوا هذا اويكشفوا ما يكمن وراءه من عطاء عاطفي وفكري كبري ، فالقريب ال تسـتطيع الـنفس البشرية عند فقده املواجهة مهما كانت عظمة قواها وشدة حتملها ، وهذه فطرة اهللا الـيت فطر الناس عليها ، وعاطفة القرىب ال يستطيع االنفالت من قيودها أي إنسان حىت من جعل

صلى اهللا عليه وسلم _ من األنبياء واملرسلني ، فهذا سيد املرسلني نبينا حممد اهللا هلم العصمة وإنا على فراقك يـا ((تذرف دمعته عندما فقد ابنه إبراهيم وتنبس شفتاه الشريفتان بـ _

، ومن قبل هذا نيب اهللا نوح عليه السالم خياطب ربه يف شأن ابنه رجاء ))إبراهيم حملزونون وغري .. املغرقني ، وكذا حال إبراهيم ـ عليه السالم ـ يف استغفاره ألبيه أن ال يكون من

ذلك ، وهذه العاطفة املستفحلة الشك أنه سيتضاعف أثرها وتعظم وطأا عند فقد القريب القلة لغالب عن غريه من الرثاء وما تلك، ولذا فإننا نشاهد رثاء األقارب يقل فيه التأبني يف ا

لوعة الفراق ومرارة الغياب فيربز الندب والبكاء وتستفحل عواطف احلزن إال ألنه تكتسحهومتتلئ مببالغات يغفرها القارئ املدرك مهما اشتد أوارها وذلك النبعاثها من عاطفة هائجة

عليها ظروفها الطارئة وزعزت ثباا ومنطقيتـها ، ولعـل ونفس غري منضبطة قد سيطرت ء السعوديني الذين تضخمت وتكاثفت عندهم روابـط ضياء الدين رجب من أبرز الشعرا

، وظل ينظم ) محزة ( القرىب ، حيث أنشأ ما يقترب من الديوان الكامل يف رثاء ابنه الوحيد ه عندما أتى العيد ويرثيه يف احلج األول بعد فقده وكذلك يفيه املراثي مع كل مناسبة متر فريث

املعاين اليت ترددت يف مراثيه بر ذلـك االبـن إخل ، ومن أبرز.. رمضان األول بدون محزة : البار

واه احلبيب روحا وجسما يا حفيا بوالديه تسامى

٣:١٠٦، ) م ١٩٧٤بريوت ، ( مصطفى الرافعي ، : تاريخ آداب العرب ) ١(

Page 191: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

)١( احلياة صحوا ونوما ه بسر يا لرب مقطر أمتــال إىل ( ويف مقطوعة أخرى نراه يهتف برب ذلك االبن املفقود واضعا عنوان املقطوعـة

) : روحه الغايل يوم عرفة البـاقي برك ولكن أعز منك زة الرب ما أبقى الزمان هوى يا مح

)٢( جديدة نسجت من دمع آماقي حبا كحبك ال تبلى مطــارفه فيضيف اسم ابنه املفقود إىل الرب ، وهنا يصبح هذا الرب منقبة عظيمة يف حق االبـن

فقد الشـاعر ((الراحل كما أنه يف الوقت نفسه مفقود عظيم يف حق األب الشيخ السيما وومهومها ، فجـاء ))الشيخوخة ((البنه قد جاء يف فترة متأخرة من عمر الشاعر ، حيث

مها مؤرقـا ) الشيخ الشاعر ( موت محزة فتضافر مع عوامل الشيخوخة وأضاف إىل مهوم ولذا مل يفتأ يذكره يف كل مناسبة متر ، ففي احلج الثـاين ، )٣( ))حادا بفقد االبن الوحيد

: وفاته ينشئ فيه مرثية أخرى كان مطلعها بعد أحشائنـا دانـيوأنت ناء ويف الثـاينيا قرة العني هذا حجنا

)٤( عامانالقلب حبيبوما مضى يا كأمنا الدهر قد عشناه يف حرق ونالحظ ارتباط مجيع هذه املراثي بالعنصر الزماين وانطالقها منه فرمضـان واحلـج

قد حتدد زماا حتددا ال اخـتالط فيـه وال تـداخل ، فيبـدو أن والعيد مجيعها مناسباتاإلحساس بالزمان يعكس شعورا عميقا داخل نفس األب الفاقد ومبعثه وطأة الزمن وسـري عجلته يف اقتناص الناس حىت تنتهي إىل أن يصبح الفاقد مفقودا يف يوم من األيام ، كما أن

) حنني وأهداب ( أن ابنه قد خلف ابنتني بعده مها من األمور اليت تثري أحزان الشيخ الشاعرفبقيتا أمام جدمها الكئيب ذكرى حزينة على املدى ، وكلما رآمها تراءت له صورة االبـن

: املفقود ، ويعظم حب الطفلتني يف نفسه فيقول بعد مضي عام على رحيل ابنه

٤١٧ضياء الدين رجب ، ص: لدين رجب ديوان ضياء ا) ١( . املصدر السابق ) ٢( ١٣٨عبد اهللا باقازي ، ص: شعر ضياء الدين رجب بني املوقف والصياغة ) ٣( ٤٢٩، صضياء الدين رجب : ديوان ضياء الدين رجب ) ٤(

Page 192: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

يل ويا تاركي حلرقة بعـدك احللوتني يا محزيت الغايا أبا يا حبييب وأنت تسكن حلدك قد أهل العام اجلديد عليـنا

)١( ب وأخواتك الوحائد بعدك كيف أحيا لوال حنني وأهداويبدو أن الشاعر الشيخ قد أصبح حيس مبعاناة توحده يف ذرية قد خلت من الذكور

قد أملى عليه حيث كرمياته األربع وابنتا ولده الفقيد وليس هلما بعد اهللا سواه ، وهذا األمر إحساسا بالعجز والوحدة كما أنه يف الوقت نفسه قد ضاعف اهتمامه بتلك األسرة األنثوية

كيف أحيـا ( حماوال تعويضها وعدم إشعارها بعجزه ومعاناته ، فتتفخم عاطفة ذلك احلب ة وجنده يقدم كرميات ابنه هنا على كرمياته ، ويف هذا إملاح إىل رمح.. ) لوال حنني وأهداب

اجلد وحبه البنه السيما وكرميات ابنه أصغر من كرمياته فهن حباجة إىل هذا احلب واحلنان ، تعمق ذلك الشعور بالوحدة واالنكسار إضـافة إىل الضـعف ) الوحائد ( ويبدو أن لفظة

يف مجيع النماذج السابقة يلحظ، ومما )السند / االبن (واخلوف من املستقبل يف ظل غياب رار النداء والتركيز عليه يف مطالع مراثية ، وأول ما جند ذلك يف النموذج السابق للشاعر تك

يا أبا احللوتني ، يا محـزيت ، يـا ( حيث ورد نداء ابنه الفقيد ثالث مرات يف البيت األول ـ ان يف معىن النداء املتكرر هنا إحساسأ ويبدو) تاركي ) الوالـد ( مـن الشـاعر اعميق

. وإلغاء مسافة البعد بينهما ، تقريبا له ) الغائب / االبن ( من ذلك الفقيد باالقتراب والدنو ونالحظ أن مراثي ضياء الدين رجب يف ابنه ظاهرة فريـدة ومتميـزة يف الشـعر السعودي ، وذلك لكثرا وتعددها املوضوعي والشكلي ، حيث أنشأ يف رثاء ذلك االبـن

، وبالتايل فإن هذا الكم الكـبري )٢(من السنوات الوحيد العديد من املراثي على مدى عدد إذ أن الغالـب )٣(والصادر من شاعر واحد يف مرثى واحد قل أن جند له ندا يف هذا اال

األعم اقتصار الراثي على قصيدة واحدة أو اثنتني أو ثالث يف أقل األحوال ، وهنا تستحضر العطاء الشعري وتعددت مضـامينة الذاكرة مراثي اخلنساء يف أخيها صخر وكيف تكثف

٤٣١ضياء الدين رجب ، ص: ديوان ضياء الدين رجب ) ١( . ٤٣٤حىت ص ٤١٧من ص: انظر ) ٢( ) .ريشة من جناح الذل ( للشاعر حسن الزهراين ديون كامل يف رثاء والدته وعنوانه )٣(

Page 193: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

وأساليبه ، فقد يكون هذا بسبب أن املرثي كان سندا قويا للراثي الفاقد ، وبفقده قد حتولت حال الراثي إىل الضعف والعجز مع اإلحساس بفراغ كبري كان يسده ذلك الفقيد ، ومـن

جماال رحبا لدراسة فإن مراثي اخلنساء يف أخيها ومراثي ضياء الدين رجب يف ابنه تفتح هنا تقوم على املوازنة يف تتبع جاد وفحص دقيق ، حيث نتوقع أن يثمر ذلك جمليا الكثري مـن

. النتائج السيما يف دوافع الشاعرية واملؤثرات النفسية بني ذينك املوقفني القدمي واجلديد ، وقد هذا وقد لفت رثاء ضياء الدين رجب البنه أنظار الكثري من األدباء والشعراء

: يف رثائه لضياء الدين رجب بعد وفاته حيث قال حممد هاشم رشيدأشار إىل ذلك متــها احلزينـــة آهلفي عليك ، على األبـوة يف م

))املدينة ((أنستك حىت احلب ، والصبوات ، يف حضن . . . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ضاحكــا مستبشـرا ومحلت قلبك ، وهو يرتف ، ) أم القــرى ( لتعانق األمل املوســد ، يف ثرى

وتضم أغلى أمنياتك يف محى البلد األميـــــن )١( يا بلسم القلب اجلريح ومزحة الروح احلزيــــن

حيث يتأسى الشاعر ألبوة زميله الفقيد ، وكأن يف هذا إملاح إىل ما كان يعانيه مـن أنسته تلك املصيبة مجيع ملذاته ومباهج أنسه ، مث حيمل ذلك األب احينمآالم فقده البنه ،

قلبه النازف اجلريح ويرحل ليعانق ابنه الدفني يف ثرى أم القرى ، وهنا قد يستوقفنا التركيز التالزم الثنائي ف،) حضن املدينة ، ثرى أم القرى ( على العنصر املكاين يف هذا النص حيث

ديهي جلامع القداسة والشرف املكاين فيهما ، ومعلـوم أن األبـوة واملدينة شيء ببني مكة والبنوة عاطفتان ورابطتان ختتلفان عن مجيع العالئق والروابط األخرى ، فيهما يكمن الصفاء الروحي والصدق العاطفي مما مينحهما بالتايل نزاهة مطلقة تنأى ما عن املني واملخادعة أو

ما الرتاهة ويتصفان بالشرف األخالقي وقدسية العاطفة ، وهنـا تحقق هلتااملة املصطنعة فكتشف مجالية إبراز العنصر املكاين ليصبح رمزا لألبوة والبنـوة أو األب واالبـن جبـامع ت

١٨٧حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ١(

Page 194: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

الشرف والرتاهة ، وحنن وإن كان هذا التحليل والتأويل بعيدا عن النظرة األوىل أو مل يقصده أمل سندرك إمكانية صدق ذلك على النص كتقنية فنيـة يف الشاعر إال أننا عند مزيد من الت

قد تأرجح ) حضن املدينة ( خطاب الشاعر حتمل إمياء رمزيا إىل حد ما ، السيما واملركب بعد التركيب بني احلقيقة وااز ، فقد يكون احلضن إملاعا إىل حضن األبوة واحتضاا االبن

. بعاطفة حمبة وحانية بوة تز أمام فقد االبن فإنه ال يقل تأثري ذلك عند فقد البنـت ؛ وكما أن عاطفة األ

فهي الند والوجه اآلخر يف عني األب املصاب ، وكما تكثف رثاء االبن عند ضياء الـدين رجب فقد تكثف رثاء البنت بصورة قريبة من ذلك عند شاعرين آخرين مها حسني سرحان

د حسني سرحان يف رثائه البنته مزنة ، جتلت موجات احلزن عن حيثوحممد حسن فقي ، وظهر التمازج بني الفتاة املتوفاة واألب املتأمل ، وقد أنشا يف رثائها ثالث قصائد ومقطوعة

وقد صور فيها عظم املصـيبة ) دمية القصر ( واحدة ، وكانت أوىل تلك القصائد بعنوان : وعدم سلوه عن مفقودته

كراك نار تذيب القلب محراء ذ أريد أسلو فهل ذكراك مسعفيت ؟ )١( ى وال تنفع احملزون تأسـاءدس لكم تأسيت والتأساء ذاهبــة

ويركز علـى ) مزنة ( مث بعد ثالث سنوات من فقدها يكتب قصيدته الثانية بعنوان ) أراك ( تصوير رؤيته لتلك االبنة يف كل شيء وعدم مفارقتها ذاكرتـه ، فيكـرر لفظـة

: من قصيدته ومنها متصدرة عشرة أبيات قريـب قربويف بعد ويف أراك أراك يف نومي وصحوي

أراك علي آخذة دروبــي النمارق واحلشاياأراك على . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . . . .. .

إذا استبطأت أويب يف ذهويب ارتقايب يفالنوافذ علىأراك وغرب يف مشال أو جنوب بشرق.. أراك بكل متجه

٥٨حسني سرحان ، ص: أجنحة بال ريش ) ١(

Page 195: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

أخذت عليـه فهو يراها يف مجيع األوقات واالجتاهات ومهما كانت حالته حيث قدكتب قصيدته الثالثة بعد عشر سنوات فقدذلك األب فتاته الفقيدة ، مجيع دروبه ، ومل ينس

من رحيلها مما يدل على مكانة خاصة لتلك االبنة وجرح عميق قد حفرته يف قلـب األب . الثاكل

واملقطعات ، غري أن املالحظ رثـاؤه أما حممد فقي فقد رثى ابنته بعشر من القصائد لنفسه يف الكثري من مقاطع تلك القصائد ، كما أن كثافة هذا الرثاء جتعله يقترب مما وجدناه

. لدى ضياء الدين رجب يف رثاء ابنه اء الفاقدين ـ كما يف النمـاذج وما وجدناه يف كثافة رثاء األبناء وتضخمه عند اآلب

السابقة ـ يعكس حرارة عاطفة األبوة وما تعانيه من احلزن واألشجان عند فقد الولـد ، ، .. ولذا مل ينس اآلباء من فقدوا من أوالدهم وظلوا يبكوم على مدى سـنوات طويلـة

مهات ؛ وقل أن ويتقاطع مع هذه احلالة حالة عكسية أخرى تكمن يف رثاء األبناء لآلباء واألجند شاعرا يفقد أحد والديه ومل يرثه ، ولعل أبرز مضامني هذا الرثاء الندب الشديد ، وما

أن توجد يف غري الوالدين اليت ال ميكن ئهاذاك إال ملا خيتص به املرثي من صدق املودة وصفاشارة إىل دور ، ومن املضامني البارزة أيضا إيضاح العالقة األبوية واإل )١(ا عندمها كوجوده

األب أو األم يف الرعاية وتعهد االبن وتربيته تربية حسنة والعطف عليه ، ويشـري حسـني : سرحان إىل ضعفه بعد وفاة والده فيقول

)٢( بــه والزغـــعاطل من ريش لوال أنين ) الفرخ ( جئت مثل منذ صـغره ويشري يف مرثيته جلده ألمه إىل فضل ذلك اجلد عليه حيث رعاه ونشأه

: وعوضه ما افتقده بغياب والده فيقول الكفــن ذلكيف معه أدرجاقد أينهما العطفأين احلنو وأين

وحل مين حمل الروح يف البـدن حىن علي وأوالين رعايتــه

: يقول أمري الشعراء أمحد شوقي يف رثاء والده ) ١(

وده الصدق وود الناس مني ه ما أيب إال أخ فارقت ٤٤حسني سرحان ، ص: أجنحة بال ريش ) ٢(

Page 196: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

ن ـمشرد اجلسم عن أهل وعن سك أيام كان أيب يف جند منتزحـا )١( نـبذكر بعده حســمضى وفاز وعلمين فضال آدىن إذاحىت ات ـ وما يات والسبعينياألبيات ما كان يعانيه كثري من األبناء ـ يف الستين وتصور

قبل ذلك من القرن املاضي ـ من ترحل آبائهم وغيام غيابا طويال مـن أجـل العمـل والبحث عن لقمة العيش يف وقت مل يتوافر فيه هلذه البالد ما تعيشه اآلن من نعمة الرخـاء

رفاهية العيش وتيسر كثري من األمور ، ولكن هذه الظروف مجيعها مل تفصم عرى الروابط واألسرية اليت ظلت باقية وصلبة قوية مع قساوة تلك الظروف ، فهذا حسني سرحان كمثال ألهل ذلك الوقت الذين عايشوا ظروفه القاسية جيد يف جده ألمه أبا آخر يعوضه وينسـيه

. آالم فقد األب الغائب، وقد ركز يف رثائه على مـا كانـا وحملمد بن حسني جتربة خاصة يف رثاء والديه

يقومان به جتاهه وما جيده فيهما من احلنان واملودة ، ولعل لظروفه الشخصية أثر يف هـذا ، فاالبن قد فقد بصره صغريا ، فأصبح حباجة إىل قائد يهديه عند السري ويعطف عليه ويقـدر

يم مشفق ، ومهما وجد من الناس اآلخرين ـ ومهما كانت صلته م ـ إعاقته بقلب رح : فإنه لن جيد مثل والديه ، وهو يشري إىل ذلك يف رثاء والده فيقول

بنـان ويداي صفر من أعز ال وكيفذهبت ملذات احلياة )٢( شدت على كفي بكل حنان ميينك سلوة الدنيـا إذا تكان

ني ، وقد أتى من واقع معايشـة سند غري حممد بن حإنه شعور خاص قد ال جنده عصادقة ، حيث أحست يداه بالفارق الكبري بني من ميسك ما أو بعبارة أدق بني يد الوالد الراحل ويد غريه من الناس ، ولعل هذا الشعور هو ما جعله يزهد باحلياة وملذاا بعد فقد

: يقول يف آخر املرثية لبعد والده األب فال يستدرك من ذلك سوى وجود األم وبقائها )٣( إال بأمي وهي ذات حنان ما يف احلياة لذاذة ومسرة

٧٢املصدر السابق ، ص) ١( . حممد بن حسني ) : هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ٢( . املصدر السابق ) ٣(

Page 197: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

: حممد بن حسني والدته فيقول يف رثائها مث بعد ذلك بزمن يفقد إذا اهلم أضناين دعوتك يا أمي هاــرحلت عن الدنيا وكنت نعيم

. . . . . . . . .. . ... . . . . . ... . . . . . . . . . . . .. . ولكن أكل الناس مثلك يا أمي رحلت وكل الناس يف الدرب سائر

)١( أيب من إذا نادوه ،نادوه بالشهم وارهــرحلت ملن وين صدقا جوكما أنه بعد وفاة أبيه التفت يف مرثيته إىل أمه واجدا فيها مالذا زاخـرا باحلنـان

ذلك فإنه بعد وفاا يتذكر ذلك األب ، فلم يشرك يف الصادق واملودة الوارفة ، كما وجدمرثيته غريمها من األقارب أو اخلاصة ، وما ذاك إال ليجعل الوالدين يف مرتبة خاصة وعاليـة ال ميكن أن يدنو منها أحد من سائر املخلوقني ، ونشاهد كيف سيطر التكرار على مفتـتح

عل بني اللفظتني شيء من التناسب القائم على ول) رحلت ، يا أمي ( وخمتتم أبياته السابقة تتضـمن الـذهاب ) رحلت ( رفض الواقع احملزن والتمرد عليه بعفوية الفاقد املتأمل ، فـ

مبا حيمله النداء من قرب ) يا أمي ( ولكن تأيت بعدها .. والرحيل النهائي وتتصدر األبيات . والتغلب عليه املنادى واستجابته مناقضة ذلك الواقع وحماولة نفيه

ومع أن للوالدين القدح املعلى يف رثاء األقارب من حيث الكم واملضمون إال أن هذا ال يعين استئثاره اخلالص بذلك الرثاء ، ولكننا جند الكثري من املراثـي يف سـائر األقـارب

إخل ، ومن هذا ما قالـه .. كاإلخوان واألخوات واألعمام واألخوال واألزواج والزوجات : وفيها يقول ) اخلميس احلزين ( عبد الرمحن السماعيل يف مرثية ألخته بعنوان

كأنك حني رحلت تسللت يف كل ركن فلم ترحلي

وكل النساء رحلن كأن مجيع النساء توفني يوم اخلميس

وأثرت أنت البقاء لبسمة أمحد ولثغة ماجد

. حممد بن حسني ) : هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ١(

Page 198: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

)١(وعيين مليس اعر وأخته الراحلة ، حيث مل يستطع االنفـالت وتصور األبيات قوة الرابطة بني الش

من ذكرياا ، بل إن مماا قد جعلها تتسلل لتثبت يف كل ركن مؤثرة البقاء أمام خميلة ذلك األخ الثاكل ، وتربز الرابطة االجتماعية يف النص آخذة مسارين متوازيني ، أوهلما ما بـني

املرثية واألطفال املذكورين يف النص ، ولعلنا ال األخ الشاعر وأخته املرثية ، وثانيهما ما بني أبناء أخيها الشـاعر أم نستطيع حتديد هوية هؤالء األطفال بالنسبة للمرثية ، أهم أبناؤها أم

أبناء غري ذلك من األقارب ، ولكننا يف الوقت نفسه نستطيع إدراك قوة االرتباط وسـدى بالنسبة هلا ، وبالتايل فإن هذا يعكس وشيجة اللحمة بني املرثية وهؤالء األطفال وما كانوا

اجتماعية عظيمة تتمثل يف قيمة الطفل ودوره يف اتمع ومدى ما جيده من عطف ورمحـة . وإشفاق

وهكذا فإننا جند الكثري من رثاء األقارب يقوم على بلورة صلة القرابة وبيان عظـم مناذج ذلك يف الرثاء السـعودي ا من عواطف ونزعات ، وقد كثرت ها وما يتعلق جوشائ

. وتعددت مناهجها يف املضمون والصياغة : روابط الصداقة والزمالة _ ب

فقد األصدقاء واألصفياء من أكثر حمركات األشجان ، وكل إنسان يف هذه احليـاة البد أن يكون له أناس قد خلصوا يف املودة واحلب فارتبط معهم بعالقات شىت ، فال يأنس

ورهم وال جيد املتعة إال مبرافقتهم وال يستلذ التحدث إال معهم ، واألرواح كما قد إال حبضجاء يف األثر جنود جمندة ما توافق منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ، والصـداقة رابطـة

فيه داجتماعية عليا ، بل إا من ضرورات احلياة ، فكل إنسان البد أن يكون له صديق جيوقد تتضخم عالقة هذه الصداقة فتكتسح غريها من العالقات ؛ كعالقـة األنس والعون ،

القرىب مثال ، إذ أن هناك من تكون ألفته ومودته مع أصدقائه أكثر وأبلغ منها مع أقربائه أو بعضهم على أقل األحوال ، وهذا أمر مشاهد ومعلوم يف حياتنا املعاصـرة ، والشـك أن

بالغ يف حياته ، فهو أوال قد فقـد يز سيكون لذلك تأثري اإلنسان عندما يفقد الصديق العز

٣/١٠٩) م ١٩٩٥كويت ، ال( ، ١معجم البابطني ، ط) ١(

Page 199: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

جزءا مهما من تكوينه النفسي واالجتماعي ، مث هو ثانيا يرى مصرعه وقرب رحيله برحيل ، السيما والصداقة يف غالب أحواهلا إمنا تقع بني أناس متقاربني يف تكوينـهم الصديق ذلك

أصدقاءهم الشاعر أمحد قنديل ؛ فقد رثى النفسي والفكري واالجتماعي ، ومن الذين رثوابقصيدة استعرض فيها ذكريات شباما ، واحتوت القصـيدة ) محزة شحاتة ( رفيق دربه

: على الكثري من املعاين اليت تظهر قوة عالقة صداقتهما ، ومن أبياا الشعر والفكر واحلبودنيا فنون أخي يا رفيق الدرب والعمر واملىن

ا عشنا احلياة على الدرب حياة طبعا فأنت جبانــيب أتسمعين ؟ عن جنــيب جنبك تباعا وملا ينأ أهلــهاغريبني يف الدنيا تباعد

ساحر الشد واجلذبونأوي لركن العوامل حــرةنطوف بأكوان )١( موصولة البعد والقــربأمانينا جنتلي للصبح الليل سواد نقضي

مناجاة صديقه الراحل ، وتبدو عاطفة الشـاعر املفعمـة فيقوم النص على أسلوبوهاربة من واقعها املزري ، حيث خياطب ذلـك الصـديق الشقية باحلزن غارقة بأحالمها

فهو هنا حياول إزالـة عائقـة البعـد ) أخي ، يا رفيق ( وكأنه قد وجد منه إصغاء ووعيا ، مث بعد النداء يكرر عليه بأسلوب والفراق األبدي بينهما وحياول اخلروج على هذا الواقع

ـ االستفهام ـ مواصال حماولته السابقة واملتمثلة يف التمرد علـى ) أتسمعين ( طليب آخر يف أحالم اللقاء واحملادثة ، ولذا جنده جييب على االستفهام السابق ، خارجـا قواقعه والغر

ؤول ال السائل ، ولكنـه على قاعدة اخلطاب ونسقه القائم على أن يكون اجلواب من املس، فصاحبه معه ويستمع إليه وهو ) طبعا فأنت جبانيب ( سرعان ما جييب بعد سؤاله مباشرة

جبانبه ومل يفارقه ، فهذا انعكاس للصداقة العظيمة ومؤشر على صدقها ومتكنها من قلـب حياول فلسفة الشاعر ، ويستوقفنا البيت الثالث مبا حيتويه من معىن جدير بالنظر الدقيق ألنه

مث بعد ذلك يؤكد ) غريبني يف الدنيا : ( رابطة الصداقة ويلمح إليها ، حيث يقول الشاعر ، فالغربة هنا مـن روابـط .. تباعد أهلها تباعا بينما مها مل يبتعد جنب أحدمها عن اآلخر

سـي الصداقة ، إن مل تكن عروا األساس وبنياا الثابت ، حيث إن الغربة هلا مرجـع نف

٦٢أمحد قنديل ، ص: األصداف ) ١(

Page 200: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا'&���%� ا����: ا����$ ا����

خاص يقودنا إىل القول بأن كل صديق وصديقه يعيشان غربة اجتماعية من نوع خاص ما ، وهذه الغربة جتعلهما يرتبطان بينهما من بني سائر أفراد اتمع ، فالصـداقة تقتضـي أن يكون بني أفرادها توافق دقيق جدا يف شىت جماالت احلياة يف الرغبة والعزوف ويف السـلب

إخل ، وهذه العواطف والرغبات وإن كانت دقيقة جدا .. امليول واالجتاهات واإلجياب ويفإال أا بالتايل ستحدث شيئا من التوافق بني األصدقاء وجتعلهما ذا التوافق غريبني إىل حد ما عن اتمع يف حني يكونان قريبني من بعضهما ، وقد مضى الشاعر يف تفصيل شيء من

إخل ، وما ذلك إال ألن كال منهما . حبه وقضائهما سواد الليايل معا ذلك فيبني طوافه مع صاجيد يف صاحبه ما ال يستطيع أن جيده لدى أي إنسان سواه ، ولعلنا نذكر مقولـة بعـض

) . من تفكر عنده بصوت مرتفع صديقك ( احلكماء د مـات يرى أن حلمه ق) عبد اهللا آل داود ( أما عبد اهللا الرشيد ففي رثائه لصديقه

: مع ذلك الصديق ، ويلح على هذا املعىن ويكرره فيقول مات حلمي معك مات حلمي معك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يا أخي يف ضمريي حروف ولكنين

متخم بالسكوت وباليأس يف زمن صنيعك ف إذ ودعـك ــج ال تلم مدمــعا

صدعك مل أكن مستعدا هلذا النفري الذي )١(وقد مات حلمي معك ؟ أي جدوى هلذا الرثاء

ويلحظ سيطرة اخلطاب الذايت على هذا النص ، مما يعكس عالقة محيمة وصـداقة . قوية قد أحس بفقداا الشاعر الراثي

٤١، ص) هـ ١٤٢١الرياض ، دار املعراج ، ( ، ١عبد اهللا الرشيد ، ط: حروف من لغة الشمس )١(

Page 201: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

البعد التأملي: الفصل السادس

فلسفة املوت واحلياة _ ١ رثــــاء الذات_ ٢

Page 202: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

الشعرية بطبيعتها تقوم على التأمل ، والنظر العميق ، وحتاول أن تتخلص من التجربةاملباشرة والتقرير الذي ال يتجاوز يف عطائه شيئا معلوما وظاهرا لدى الغـري ، ولكنـها ـ التجربة الشعرية ـ حتاول أن تأيت جبديد ، ولن يتأتى هلا ذلك إال بالتأمل اخلاص والتفكـر

االهتمام بالشعر على هذا النحو القائم على الفلسفة والتأمل مل حيظ يف العميق ، والواقع أنكبرية كما حيظى ا اليوم، وما ذلك إال القدمي ـ وعلى األخص يف شعرنا العريب ـ مبكانة

للتطور الذي تنمو من خالله الفنون وتتغري بفاعلية الزمن بعض مكوناا ، فالعرب ومع بداية ن الثالث اهلجري تقريبا قد ترمجوا كتب الفلسفة من الثقافة األجنبية مث عصر التدوين يف القر

بعد ذلك تعلموها فتمثلوها حىت دخلت بقوة مذهلة على مجيع الفنون والعلوم حىت ما كان يف اال الديين منها ، وما وجود املذاهب والنحل اإلسالمية املتخالفة إال بتأثري فلسفي حبت

ع تلك املذاهب عند فحص مكوناا وجذورها األولية ، وقد وجد ذلك ، وهذا ما أثبته واقالزخم الفلسفي من األدب وخصوصا الشعر جماال رحبا الستيعابه وتقبله ، حىت إن الشـعر الفلسفي قد أصبح اجتاها بارزا له مضامينه اخلاصة وأعالمه املعروفون ، وقد نلمـس هـذا

دى أحد شعراء العربية الكبار يف ذلـك العصـر ، اإلحساس بنمو ظاهرة التأمل يف الشعر ل : حينما صرخ بقوله الشهري

والشعر يغين عن صدقه كذبه كلفتمونا حدود منطقكم نوعه وما سببـه باملنطق ما ومل يكن ذو القروح يلهج خطبـه طولت وليس باهلذر والشعر ملح تكفي إشارته

ي وجدت فيه املدارس األدبية اليت يقـوم وهكذا حىت أتينا إىل العصر احلديث والذأغلبها على مرتكزات فلسفية وتأملية ، والواقع أن االجتاه التأملي قد برز أكثر من ذي قبـل فتعددت أدواته وتشعبت جماالته ، حىت أصبح حريا باإلفراد والتمييز يف مجيع الشعر العـريب

، كما أصبح )١( ))زي عامل الفلسفة عامل الشعر يوا ((بأن وصار هناك من ينادياملعاصر ،

، ) ت .د( ، ) املنصورة ، دار وايل اإلسالمية للنشر والتوزيـع ( حممد أمحد العزب ، : أصول األنواع األدبية ) ١(

٧٧ص

Page 203: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

)١( ))هناك اجتاه يرى اإلبداع األديب ـ والشعر واحد منه ـ شكال من أشكال الفلسفة ((دعوة جارفة إىل اهلدوء املفكر ، اهلدوء الالمتناهي الذي تنشط فيه كل ((، ومن هنا فالشعر دفعنا إىل تأمل اجلذور يف كل فيمكن أن نفهم الشعر على أنه شيء ي.. الطاقات والعالقات

)٢( ))شيء ، وإىل إعادة صوغ موقفنا من املسلمات القدمية بضربة واحدة والرتعة أو العادة التأملية يف الذهن هي اليت ينشأ عنها الدافع اإلبداعي ـ ذلـك ((

أملي الدافع الذي خيلق أثناء حتقيقه لذاته موضوعات جديدة للتأمل ؛ والعالقة بني املوقف التوالطاقة اإلبداعية عالقة وثيقة كالعالقة بني النبات والتربة ، وإذا كان التأمل كسوال فإننا ال

))التأمل مسة أكثر منه موضوعا ((وعلى هذا يصبح )٣( )).. نتوقع منه أي إبداع حيوي ، ، ليتخذ بالتايل عمومية الدخول إىل مجيع الشعر ووجوده يف شىت التجارب الشـعرية )٤(

ولكن هذا الوجود سيكون بالطبع متفاوت الظهور بني التركيز الشديد واللمـح الباهـت متأثرا بظروف عديدة منها ما يتعلق باملبدع ومنها ما يتعلق باملوضوع ومنـها مـا يتعلـق

إخل ، وقد جند مثاال صادقا على األخري منها ما خرج يف القرن الثالث اهلجري .. كان بالزما ، حيث كان بروز علم الفلسفة وتوهج جذوا أثر زمكاين عارض قـد كما أشرنا سالف

غشي كل الفنون ، وحنن هنا عند مناقشة التأمل يف الرثاء السعودي ال نستطيع أن ننطلق يف أحكامنا العامة من واقع النظر إىل الذات املبدعة ؛ ألن هذه الذات لن تتخللها منطية واحدة

ولكن هذا األمر لن يقف عائقا دون اسـتجالء التأمـل ، جتمع صفاا وتوحد ظروفها ،وسنجد أمرين آخرين قد يسدان ما فاتنا هنا ، أوهلما املوضوع وثانيهما الزمان ، فاملوضوع وهو الرثاء ال يأيت عفويا ولكنه يف الغالب الكثري إمنا يأيت مع صدمة املوت وبعـد غيـاب

، وهنا تصبح الصدمة والفقد جماال واسعا للتأمل األحباب أو فقد الديار وخراا واحتراقها

٧٣املصدر السابق ، ص) ١( ٨٠حممد أمحد العزب ، ص: أصول األنواع األدبية ) ٢(، املؤسسة املصرية العامة للتأليف والترمجة والطباعـة ) حممد بدوي ( روسترها ملتون ، ترمجة : الشعر والتأمل ) ٣(

١٠٨، ص) ت .د( والنشر عبد اهللا احلامد ، ) : هـ ١٣٩٥هـ ـ ١٣٤٥( سعودية خالل نصف قرن الشعر احلديث يف اململكة العربية ال) ٤( ٢٧٤، ص) الرياض ، دار الكتاب السعودي ( ، ١ط

Page 204: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

واملراجعة ، وتتحول فيها الذات من حال إىل حال ، ومن فرح إىل جزع ومن ضـحك إىل بكاء ، وبالتايل فالرثاء بطبيعته من أنسب موضوعات الشعر للتأمل اجلاد والتفكـر احلـائر

ن ـ فالعامل اليوم قد أصبح ينظر إىل ، أما األمر الثاين ـ الزما والقلق إزاء احلاضر واملستقبلأدب يقوم على التأملية مبتعدا عن اخلطابية املباشرة والتقريرية الفجة ، وصـارت الـدعوة االجتماعية تف على املناداة بأن يكون للمبدع رؤية فلسفية عامة يرتع عنها يف مواجهتـه

ض واملـذاهب احلديثـة يف لقضايا الكون واإلنسان والطبيعة ، وما وجود الرمزية والغمواإلبداع إال بتأثر وتأييد من تلك الدعوة ، والشعر السعودي ليس مبعزل عن واقع اإلبـداع العاملي ، وإدراكا هلذا األمر فقد مت تسجيل أطروحة للدكتوراه يف إحدى اجلامعات السعودية

يف املوضـوعني وعندما ننظر إىل البعد التأملي يف الرثاء السعودي فسنجده متركـزا )١(، : اآلتيني

.ـ فلسفة املوت واحلياة ١ .ـ رثاء الذات ٢

الرتعة التأملية ( مت تسجيل رسالة دكتوراه يف قسم األدب بكلية اللغة العربية يف جامعة اإلمام بالرياض ، وعنواا ) ١(

) صاحل احملمود ( لطالب للباحث ا) يف الشعر السعودي املعاصر

Page 205: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

.ـ فلسفة املوت واحلياة ١املوت واحلياة من املتالزم الثنائي ، ومها ضدان متباينان ، ومها ـ أيضا ـ من أوسع و جماالت التأمل والتفكر ، وقد وقف الشاعر العريب القدمي حائرا يف استكناه حقيقة املوت أ

: معرفة أسباا ، فهو يرى املنايا خبط عشواء كما يقول زهري يف معلقته )١( لم يعمر فيهرمــمتته ومن يس رأيت املنايا خبط عشواء من تصب

ولكنه مع عدم معرفة أساب وقوع املوت يقر حبقيقته وحتميته وأنه أمر ال فرار منـه : لقة أخرى وال جناء ، كما قال الشاعر اجلاهلي اآلخر يف مع

)٢( لكا لطول املرخى وثنياه باليد لعمرك إن املوت ما أخطأ الفىت وهكذا كان املوت قد حظي بوقفة جاهلية تقوم على احلرية والتفكر وتنتهي إىل اليأس من تعليل حقيقة املوت ، مما جيعلنا نقول بأا بداية لتأمل عميق وفلسفة مقبلة كانت

ولكن جميء اإلسالم قد أتى لينهي هذه احلرية ويكبح .. هلي هذه بذورها يف الشعر اجلالق ـمجاح ومضات الفلسفة حياهلا ، فاملوت قدر البد منه وأجل قد كتبه اهللا على مجيع اخل

� % ��� �%L� §�.n�wD( ��* B��☺&) pM�� ��.x���? WQ%

%'�5 �D} ¨�<&� � )٣( � ����� ��� � ��������� �������� ����، وهنا توقف ذلك االبتداء السابق يف العصر اجلاهلي والقائم على )٤( �

فلسفة وامتزاج الثقافة العربية بغريها كما أشرنا مسبقا ، بعد هذا مت استئناف فلسفة املوت واحلياة وبدأ احلديث عن حقيقتهما وحماولة معرفة كنههما يربز يف الشعر العريب ، حىت نرى

ويف العصر احلديث أصبحت قضية )٥( ))فيلسوف املوت ((ء يطلق عليه املعري أبا العال

٨٦، ص) ت .د( ، ) بريوت ، دار صادر ( زهري بن أيب سلمى ،: ديوان زهري بن أيب سلمى ) ١( ٣٢، ص) ت .د( ، ) بريوت ، دار صادر ( طرفة بن العبد ، : ديوان طرفة بن العبد ) ٢( ١٤٥سورة آل عمران آية ) ٣( ٣٠سورة الزمر آية ) ٤(، ) م ١٩٩١بريوت ، الشركة العاملية للكتـاب ، ( ، ١حممد العبد محود ، ط: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر )٥(

٢٩٢ص

Page 206: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

املوت متالزما لالنفعال والتأمل يف الشعر املعاصر ((املوت واحلياة أكثر ظهورا وأثرة فأصبح ، ألنه مالزم لإلحساس بالزمن فرديا وحضاريا ، حيث العذاب اجلسدي يتضامن مع الغياب

شاعر املعاصر من املوت ملتقى الرغبات وتعارض احلضاري ، باملالزمة جعل ال، وإذا كان فضاء املوت قد أصبح أثري اخلروج يف مجيع األغراض )١( ))االختبارات

واملضامني بل قد يكون غرضا لذاته فإنه سيجد جماال أفسح عند الرثاء ، ألن السبب األول وإذا كان الوجود اإلنساين انطالقا ((يف الرثاء هو املوت بدهشته املذهلة ومفاجأته املروعة ،

كيف تتم هذه املقاومة ؟ : إىل املوت ومقاومة هذا االنطالق يف آن واحد يكون السؤال طريقة أساسية ملقاومة حقيقة املوت هي األمل ، طريقة ثانية أساسية ملقاومة حقيقة

ة هي الكلمة املوت هي احلب ، وطريقة ثالثة أكثر أساسية من كليهما يف هذه املقاومالشعرية ، ملاذا ؟ ألن هذه الكلمة منبعها األساسي ، أما ملاذا تعترب الكلمة الشعرية طريقة

فذلك ألن الوجود الشعري ال يتحرك بني األشياء على أساس إرادي ممتازة يف مقاومة املوت برؤية وألنه كذلك فهو ال يقتحم األشياء ، ال يلبسها مبا ليس عندها ، بل ينفتح صوا

وعندما ننظر إىل فلسفة )٢( ))خالصة كما تسلم ذاا لرؤية الطفل الفرح باللعب ال غري املوت واحلياة يف الرثاء السعودي فسنجد أن أول ما نلمحه تلك احلرية العظيمة والقلق

حمري يقف أمامه الشعراء يف املؤرق حيال حقيقة املوت واحلياة ومعرفة سرمها ، فهما لغز صمت ، مما حيدو م إىل التساؤل امللح والبحث عن اجلواب الشايف ، ونلمح هذا ذهول و

: ومنها .. التأمل يف إحدى مراثي عبد السالم هاشم حافظ واليت قاهلا يف أحد أصدقائه ويف جاحنيه أمان كبيــرة فىت كله فورة وانطــالق حيب الوجود ويرجو سروره فىت ماؤه الوعي جم الذكاء

ويف غفلة ضمه الصمت بني احلفر . . . . . . . . . . . . . . . . .

يساقيهم الشاي قبل الظهرية وثالث بني بنيه وزوجــه

٢١٢ص، ) م ١٩٨٩الدار البيضاء ، دار توبقال للنشر ، ( حممد بنيس ، : الشعر العريب احلديث ) ١( ٢٩٠حممد العبد محود ، ص: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر ) ٢(

Page 207: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

وخامس يسعى ويبين قصوره ورابع يف غبطة بالطفـولة فجاء هلم طائف املوت خيفي األثر

رة وأعجوبة املوت تأيت مثيـ ومن خمربي سر هذه احلياة ويبغت ناسا بلقيا أخـيـره جياوز عمن يؤمــل فيه

جمرى القدر.. فسبحان ريب له الغيب )١( يأيت وميضي البشر.. بتصريفه الروح

وملا يف النص من نزعة تأملية خالصة فقد حدا هذا أحد الدارسني عند دراستها إىل وما يهمنا هنا هو اإلشارة )٢( ))أقرب مقطوعة يف الرثاء هي إىل باب التأمل ((القول بأا

إىل ما فيها من تأمل مع أن ذلك الكاتب قد جعل التأمل موضوعا موازيا للرثاء ، بينما مسة ال موضوع أو غرض ، وعلى هذا فهو يدخل يف شىت املوضوعات ، الصحيح أن التأمل

ت ، وتركز ومقطوعة عبد السالم حافظ هذه تعكس صدى السؤال العاجز عن تفسري املوعلى عنصر املفاجأة فيه ، حيث يأيت السقيم والصحيح ، والكبري والصغري دون أدىن تفريق ،

واملوت .. احلقيقة اإلنسانية ناضجة للموت حلظة والدا ، ((وهذا ايء هو الذي جيعل أي ) وت وجود للم( ، وهذا يعين أن احلقيقة اإلنسانية )النهاية ( وجود احلقيقة اإلنسانية يف

أن املوت اية طريق وجودها لذا هي متوت كل حلظة ألا كل حلظة تتجه يف سريها صوب آخر ، ثالث ، رابع ، ( ، ولعل تعدد املوتى يف املقطوعة )٣( ))اية طريقها يف الوجود

يدل على طول التأمل يف موت العديد من الناس ، وهؤالء الناس مجيعا قد تفاوتت ) خامس م واختلفت أسباب موم ، ولكن النتيجة رجوع الشاعر حاسر الطرف حائر اإلجابة أحواهل

، وأخريا ) أعجوبة املوت ( ، بل إن احلال يثري الدهشة فيصف املوقف بـ ) من خمربي ( وبعد طول التأمل يعود الشاعر إىل رشده وإميانه فريجع األمر إىل قضاء اهللا النافذ وقدرته

، وهذا مؤشر على سالمة ..) يأيت وميضي البشر ( .. اضية يف هذا الكون التامة ، وسنته امل

٦١٣، ٦١٢عبد السالم حافظ ، ص: األعمال الشعرية الكاملة ) ١( ١٧٤رمحة مهدي الرميي ، ص) : دراسة وحتليل ( شعر عبد السالم هاشم حافظ ) ٢( ٢٨٩حممد العبد محود ، ص: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر ) ٣(

Page 208: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

معتقد الشاعر وخلوه من االحنرافات الفكرية واألوهام املضللة ولكن تساؤله وتأمله السابق الدنيا ليس إال من قبيل صريح اإلميان ، ولذا فإنه قد يتنامى هذا النوع من التساؤل ليتجاوز

واملوت إىل ما بعدمها كما جند ذلك يف إحدى مراثي الشاعر جاسم إىل اآلخرة واحلياة : الصحيح حيث يقول

!يف اجلنان اخلالـدات ؟نعيم أسائل هل هناك حبجم مهي !كرت احلياة ؟على اإلنسان من وماذا يف كنوز الغيب أغلى إذا انكفأت علي تســاؤاليت أسائل مث أسقط فوق بعضي

)١(حصــاة من بأصغرلريمجين ـوت حىت يبالغ يف أذاي املفتتراكم وتتكاثر تساؤالته حيال املوت وما بعده ، ولكنها تظل أسئلة حائرة ، ويعكس النص حالة الشاعر يف اضطراا وقلقها ، فال نستطيع أن خنرج من النص مبضمون

ري أننا ندرك د ، حيث حيتمل النص الكثري من التأويالت والقراءة ، غالقصد واملرا واضححقيقتني اثنتني ال ميكن أن خنتلف عليهما ، األوىل عدم وجود إجابة شافية كافية لتساؤل

يبالغ يف أذاي ( ، وثانيهما تأذي الشاعر باملوت .. الشاعر حىت إنه يسقط حائرا فوق بعضه أو قد وقد تكون هذه األذية ملا خيترمه من أحباب وأصفياء الشاعر يوما بعد يوم ؛) املوت

تكون خلوفه وترقبه املوت يف أي حلظة ، مع عدم امتناع ورود االحتمالني معا ، ولعل من اجلميل توجيه مراد الشاعر يف تساؤله عن نعيم اجلنان هل سيكون حبجم مهه إىل رجاء أن جيد نعيما وثوابا يف اجلنة جزاء ما يواجهه من هم املوت سواء أكان ذلك مبا يفتقده من

واألعزاء أو كان خلوفه الذايت من حدوث املوت له وإزهاق حياته يف أي حلظة فهو األقارب، ولعل ما يدفعنا إىل هذا التوجيه وجود تساؤل آخر يف مرثية .. يترقبه ويتحني تربصه به

: نظمها الشاعر يف أحد القضاة ومن أبياا أخرى

٤٥٥جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ١(

Page 209: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

ولــدان احلور وال: ودعايتاه الغيب أغرى باخللود شهيـــيت . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

؟ القضـــبان أبدية وسنينا هل حنن يف سجن الزمان رهائـن )١( ـعينني ما انفتحت له أجفان ؟ هل موتنا باب احلقيقة مغمض الـ

، حيث يستشرف ما بعد املوت فريى احلقيقة يف اخللود ، واخللود هي الدار األخرى وقد مساها اهللا بدار اخللود لتميزها على الدنيا بذلك اخللود والبقاء على حني تكون الدنيا دار

ناء وتغري وزوال ، وتصبح اللغة مستغرقة الرؤية الشعرية هنا ومستلهمة هلا يف املفارقة بني في يبدو واختيار هاتني اللفظتني يعرب تعبريا دقيقا عن املوت الذ) اخللود ـ سجن الزمان (

وانفتاح هذا الباب هو اية مدة السجن يف هذه احلياة مومها ) باب احلقيقة ( بصورة . وأكدارها وبداية االنتقال إىل اآلخرة بنعيمها وملذاا اخلالدة

أمامها .. وأمام هذه الشرحية اليت تتصدر رؤيتها التساؤالت وتتسم باحلرية والقلق يقني متأكد وإميان عميق حبقيقة املوت واحلياة ، فهذا جند شرحية أخرى قد انطلقت من

: حسني سرحان يف رثائه حلافظ إبراهيم يقول أصل الفنــاءوما كان غري عللوا املوت أنه راحة النفس وصفـــاء نعمة بنيناعما يرغب املرء أن يعيش طويال صنوف الرجاء يفأحلف املرء وحمال عليه ذلك مهــما

)٢( ق املرء للفناء وإن طالت ليايل سروره واهلناءخل

يوحي بتمعن الشاعر يف بعض اآلراء والفلسفات اليت حاولت ) عللوا ( والضمري يف تشخيص حقيقة املوت فانتهت إىل أنه راحة للنفس البشرية واية لكدحها ومتاعبها ،

ة وما فيها من الألواء واملتاعب والواقع أن هذا الرأي مل يصدره أصحابه إال لتربمهم من احليا، وهذه النظرة إىل املوت برزت يف الشعر العريب احلديث كعدوى من األدب الغريب احلديث

بعض الشعراء حني يلجون أنفسهم يف عامل املوت ال ((، يف األدب الغريب جند أن

٣٥٨جاسم الصحيح ، ص: املالئكة أعشاش ) ١( . هـ ١٩/٤/١٣٥١)) أنت يف النابغني (( صوت احلجاز ، بعنوان ) ٢(

Page 210: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

املهم املتهالك راحة من عناء األعباء اليت يرزحون حبملها من جراء عبل يصورونه .. خيشونه : شاعر أملانية الكبري ينتظر الراحة يف عامله اهلادئ حيث يقول ) فغوته .. ( واملتشابك

كل شيء مستريح هادئ وقريبا أنت أيضا تستريح

: وبيتس شاعر اجنلترا املعروف مل يكن خيشى املوت ألنه كان مؤمنا أن املوت ) عللوا ( ، فهل حسني سرحان هنا يقصد يف )١( ))ليس إال انتقالة من غرفة إىل أخرى ((

تلك اآلراء الغربية وما سار يف جادا من الشعر العريب احلديث ؟ ال نستطيع أن جنيب على هذا التساؤل بإجابة ائية حامسة ، ولكننا يف الوقت نفسه نستطيع حتديد تلك اآلراء

، وهذا التعليل يتوافق مع اآلراء اليت ) أنه راحة النفس ( والتعليالت ألن الشاعر قد بينها يف نابع من ) عللوا ( بيناها آنفا ، وقد يكون جعل الضمري جمهوال من يعود إليه يف النص

وانطالقة من رؤية ذاتية : إحساس فين يعكس جتاهل الشاعر لتلك اآلراء وعدم إميانه ا تلك اآلراء ، وقضية الفناء تفيد بأن املوت أصل الفناء وليس راحة النفس كما تزعمه ةخالص

T[} ;e` �: قد قررها اهللا يف كتابه الكرمي فقال � %u�=4_S r @�%&N ��D�، والشاعر املسلم املؤمن )٢( �

. بكتاب اهللا ال شك أنه فيما يقوله هنا قد استلهم ذلك فآمن به وأعرض عما سواه عند حسني سرحان فإننا جند وكما أن املوت أصل الفناء واية ال جناء منها وال فرار

لدى حممد عواد وحممد السنوسي نظرة االحتقار هلذه احلياة والتقليل من شأا ، فمحمد : حسن عواد حينما ماتت أمه قال يف رثائها

احلـيــاة ؟ن عظيم تأثريه يف بإنســاأهكذا تنتهي احلياة والظلمــات ؟بالتراب الندي يغطـى اجلميل سحرهاأهنا

النهى واألنـــاة ؟أهنا موئد أهنا مهجع اهلدى والتسامـي

. ١٣٨، ص) ت .د( مكي حممد سرحان ، مكتبة فخراوي ، . د) : ٤(سلسلة أعالم الفكر البحريين ) ١( ٢٦سورة الرمحن آية ) ٢(

Page 211: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

)١( احلشرات ؟ـر ويفىن التقى لدى احلصافة والطهـ تتلهفأهنا فأم العواد يف القصيدة ليست امرأة عادية ، إمنا هي املثال الرائع الذي يطلبه العواد ((

حظ أن خيال العواد قد رسم فنحن نال.. يف كل أم ، بل هي منبع السحر واهلدى والتسامي فيسخر من هذه )٢( ))ألمه صورة مثالية ، تصطدم بالواقع وينهار هذا املثال ، حينما متوت

احلياة وحيتقرها ألا قد أت هذا الطهر واغتالت ذلك املثال الرائع ، فلم تشفع له مثاليته ، تساؤالت العواد الدائمة ((ومن هنا استحقت احلياة االحتقار والبساطة ، ومن هنا كانت

تعرب عن إحساسه باحلرية والقلق والشكوى من سر احلياة ، ومن اللغز الكبري .. وتأمالته الذي حييط بالكون ، وليست صادرة عن الشاعر رد التقليد والتأثر بالشعر املهجري ، بل

ال واحلقيقة أو هي صورة من نفسية الشاعر ومتزقها أمام التناقض الذي يشعر به بني اخلي، وتساؤالت العواد واالستفهام املتكرر يف هذا النص ليست من الشرحية )٣( ))املثال والواقع

.. األوىل اليت ذكرناها مسبقا ، واليت كان تساؤهلا حقيقيا يعكس قلقها وحريا يف احلياة حممد السنوسي ة ، أما النهاية املؤملة هلذه احلياولكنه استفهام إنكاري ، ينكر فيه الشاعر تلك

فإنه أيضا قد سخر من احلياة واحتقرها ولكن بعاطفة مليئة باهلدوء والتسليم على خالف ما الحظناه لدى العواد من الغضب والغيظ على احلياة ، حيث يقول السنوسي يف رثاء أحد

: أصدقائه ـيا وماذا شقاؤه وارتيـاحه هذه الدنيـما حياة اإلنسان يف

)٤( ـصر تساوي إخفاقه وجناحه ـقتطل متــل وإن ت رحلة إنفاحلياة رحلة البد من انتهائها وقد حاول السنوسي املساواة ببني طول وقصر تلك الرحلة ، واملساواة هنا تفيد وتعضد املعىن األساس والفكرة الرئيسة وهي احتقار احلياة

تور هذه الرحلة من إخفاق وجناح ووين شأا ، فطوهلا وقصرها ال فائدة من ورائه ملا يع . ومتاعب وشقاء

١٢٢حممد حسن عواد ، ص: حنو كيان جديد ) ١( ٢٦، ص ١ط) ت .د) ( جدة ، مطابع دار املدين ( أمنة عبد احلميد عقاد ، : مد حسن عواد شاعرا حم) ٢( ٢٦املصدر السابق ، ص) ٣( ٢٣٨حممد السنوسي ، ص: األعمال الشعرية الكاملة ) ٤(

Page 212: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

وقد جند بعض النظرات إىل قضية احلياة واملوت قد أتت منفردة يف فلسفتها أو غري منبعثة من استقراء وتأثر مبا لدى السابقني من الفالسفة واملفكرين أو الشعراء أو غريهم ،

بعد ( رثاء نفسه وكان عنواا ومن هذا ما قال حممد سعيد املسلم يف قصيدة قاهلا يف : ، فقد جاء فيها ) املوت

كأا مكدودة .. مثقالت هكذا متر الليايل .. هكذا )١( احملـدودة آجالناتتحدى تلدناوملا بنا حبلى فهي

حيث أنشأ صورة تقوم على اجتاه معاكس للواقع املشهود ، فوجود اإلنسان يف احلياة ، ووالدة ذلك اجلنني ال تكون إال بعد ) احلياة ( نا يف أحشاء أمه جيعله جني) األيام (

، فرحيله منها أو موته هو والدته ، وهنا تتضح ) الدنيا ( انفصاله وابتعاده عن تلك األم عكسية الصورة اليت أشرنا إليها مسبقا ، فيصبح املوت والدة والوالدة موت ، ولعل هذا

حلقيقة منبعث من اإلحساس برتابة احلياة وامللل من متاعبها التعاكس املتقاطع مع الواقع واوأكدارها ، فرفض واقع احلياة هو الذي جعله يرفض حقيقتها ويعكس منطيتها املألوفة ، ومن التقنيات الفنية يف النص وحيث إننا بصدد فلسفة املوت واحلياة تستوقفنا صورة الليايل

الكونية على جعله حمددا بفترة زمنية معلومة ، ،فاحلمل قد جرت سنن اهللا) فهي حبلى ( فهي يف اإلنسان تسعة أشهر مثال ، كما أا يف كل فصيلة من احليوانات هلا وقت حمدد معلوم ، وهذا األمر مل يغفل عنه الشاعر حىت تكتمل فكرته وال يوجد عليها مدخل نقدي ،

ة هذا احلمل ووقت الوضع وهنا فالدنيا حبلى واإلنسان جنني يف أحشائها وما بقي هو مدفاآلجال حمدودة معلومة وكل جنني ) تتحدى آجالنا احملدودة ( يأيت الشطر األخري يف النص

فمدة ميوت ، ألن الناس ال يستأخرون عن موم ساعة وال يستقدمون / معلوم مىت سيولد لكل نفس ، وهو احلمل يف فكرة الشاعر اليت طرقها األجل ، واألجل قد كتبه اهللا وحدده

ووصف ) احملدودة ( وإن اختلف من إنسان آلخر إال أنه حمدد معلوم مسبقا ، فاختيار اآلجال بذلك قد أتى مناسبا الكتمال الفكرة وتبلورها كما أرادها الشاعر ، وألن هذه

: الفكرة هي املنطلق األساس لتجربة الشاعر يف قصيدته فقد كان مطلعها

٣٠، ص) ت .د( ، ) بريوت ، مطبعة دار الكتب ( ، ١حممد سعيد املسلم ، ط: شفق األحالم ) ١(

Page 213: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

من جديد على حياة جديـدة حيا أبعـثأنا إن مت سوف )١( ـر وتنجاب عن حياة رغيدة وستنشق ظلمة الليل عن فجـ

جديدة ( فاملوت بداية حلياة جديدة ، وهي حياة من نوع آخر ولذا كان وصفها بـ ، ويف هذين الوصفني تظهر املفارقة بني هاتني احلياتني ، ومن الواضح استلهام ) ، رغيدة

وقف اإلسالم ونظرته إىل احلياة الدنيا وما بعدها من احلياة واخللود هذا املضمون من موالنعيم يف الدار اآلخرة كما تضافرت على إيراد ذلك وبيانه الكثري من نصوص القرآن أو الكرمي والسنة النبوية املطهرة ، وهذا املعىن القائم على النظر إىل احلياة باحتقار وازدراء

ها من املتاعب والكدر وكذلك ملا بعدها من احلياة اجلديدة واملتصفة عدم األسف عليها ملا فيبالنعيم والرفاهية ومفارقة الشوائب واملنغصات ، هذا املعىن كما برز عند املسلم يف رثاء نفسه وعدم األسف على احلياة فإنه قد وجد عند غريه يف رثاء أقاربه ، فهذا حممد عمر

أن رحيله من الدنيا راحة له وخالص من عذاب عظيم ، توفيق حينما رثى ابنه قد ارتأىفاحلياة سلسلة من املهالك ، ال غذاء فيها وال ماء ، إذن فالرحيل عنها يصبح شيئا حمبوبا ،

: ويريح األعصاب ، ولذا فوفاة ابنه شيء ال يثري األمل سيسعد النف فارقتـــها موارة باألمل أحسنت يا بين ، فاحلياة اليت

والليل واهلم وبرح النـقم شر واجلور وعصف األسى ال )٢( مر ا كالطيف أو كالنغم ما أسعد السامل منهـا ، إذا

ولسيطرة النظرة التأملية واستحواذها على جتربة القصيدة فقد خلى النص من الرؤية لرؤية هنا قد التقليدية املتكررة يف رثاء األبناء والقائمة على الندب والبكاء والصراخ ، فا

حكمت العقل املتأمل وأبعدت العاطفة بآالمها وأسفها احملزن ، وقد سادها شيء من اهلدوء م د ركز البيت األخري على تصوير عظالقائم على التقصي يف وصف احلياة وذم حاهلا ، وق

. سعادة من مير سريعا يف هذه احلياة وال يطيل فيها اإلقامة واملكث

٣٠حممد سعيد املسلم ، ص: شفق األحالم ) ١( ٢٣٨عبد الرحيم أبو بكر ، ص: شعراء احلجاز ) ٢(

Page 214: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

:ـ رثاء الذات ٢ )١(رثاء الذات وإن كان متعرقا يف جذور التراث منذ أن أنشأ مالك بن الريب

قصيدته الشهرية يف رثاء نفسه إال أنه ال يزال موضوعا غامضا كمصطلح أديب مقنن حمدود ، ، أم أنه شامل كل شكوى )٢( ))حني حتني ساعة املوت ((فهل هو مقصور على ما يقال ت ا اآلالم واألمراض وأكتها املتاعب واهلموم ، مث بعد ذاتية تصدر عن ذات قد عصف

هذه اإلشكالية املتعلقة بالبعد الزماين لرثاء الذات تربز إشكالية أخرى تتمحور يف الناحية املوضوعية ، فهل ينبغي قصر الرثاء الذايت على ذكر املوت ووصف القرب وتصوير بكاء

وتأمل وينطلق إىل آفاق موضوعية أرحب ، كل إخل ؛ أم أنه يشمل كل شكوى .. األقارب هذه األمور وغريها جتعل رثاء الذات ال يزال حيتاج إىل حتديده وبلورته كمصطلح أديب له حدوده املوضوعية والفنية اليت متيزه عن غريه وتنأى به عن االضطراب والضبابية العائمة ،

علها جند اخلوض فيه هنا فإننا لن ومهما كانت اإلشكالية االصطالحية مترسخة أمام ما نريأمامنا عائقا حيول دون استثمار ودراسة جزء كبري من املادة الرثائية اليت أمامنا ، كما أننا ال نستطيع إطالة الوقوف أمام قضية املصطلح والبحث فيها فنحن ال نكتب نظرية النقد ، ولو

نجعل املبدأ الذي ننطلق منه هو أن فعلنا ذاك لطال بنا املقام وتشعب االستطراد ، ولكننا سرثاء الذات ما كان يف تفصيل حقيقة املوت وبكاء النفس والتحرق على إسرافها يف املعاصي وذكر القرب والوفاة وتأمل ذلك وختيله يف واقع الذات الراثية ، كما أننا سنقصر ذلك على

ا تتمحور حوله كل القصائد اليت انفردت ذا املوضوع ومل يأت ا عارضا بل أساسمضامني تلك القصائد ، وجيدر بنا هنا أن نشري إىل أن ما ذكره بكري أمني يف كتابه

من أن حممد فقي هو الوحيد الذي رثى نفسه ) احلركة األدبية يف اململكة العربية السعودية ( ليس صحيحا فقد وجد يف عدد من الدواوين الشعرية اليت سبقت )٣(من شعراء اململكة

تذكر املصادر األدبية أن أول من رثى نفسه يزيد بن خذاق يف العصر اجلاهلي ، ولكن قصيدة مالك بن الريب قد ) ١(

. كسبت الريادة يف هذا الباب لشهرا وسريورا ٣٠يف ضيف ، صشو: الرثاء ) ٢( ٢٦٤بكري أمني ، ص: احلركة األدبية : انظر ) ٣(

Page 215: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

، يتراء السعوديني ألنفسهم ومنهم القسمن مراثي الشع طبع وإصدار هذا الكتاب عدد . وغريهم .. وحممد العيسى ، وعبد السالم حافظ ، وحممد اخلنيزي

وقد تعددت مضامني رثاء الذات يف الشعر السعودي ، وبرز أكثرها بنربة رومانتيكية فيضمنها ما حيل ) تداعي اجلسم (عالية ، فهذا حسني سرحان يكتب قصيدة بعنوان

: باجلسم من الضعف والتداعي عند اقتراب املوت عمري مداهوضاق اليوم من تداعى اجلسم واحنلت قـواه

يــداه يدا للموت ، الشلت ف أبصر عن قريبكأين سو )١( من دعـاهحثيث اخلطو لبى للفناء فخـف روحدعاين

ث يتداعى جسمه وتنحل قواه ، وتداعي اجلسم هنا فيتراءى للشاعر قرب موته حيقد يكون ملا رأى فيه الشاعر من مؤشر على قرب املوت ودليل يئه ألن اإلنسان كلما كرب عمره وتقدمت به السنون كلما أخذ جسمه بالتضاعف والتداعي ، فرأى فيه نذيرا لذلك

لساعة االحتضار ودنو املوت حيث املصري احملتوم ، وقد يكون تداعي اجلسم هنا صورة ماثلة تنال اجلسم تلك األمور ، وتصور األبيات مدى استجابة روح اإلنسان لداعي املوت ويتركز

فخف روح ، حثيث اخلطو ، ( هذا األمر يف خفة روح الشاعر حينما دعاه املوت للفناء : ، وهنا يتجه الشاعر إىل ذلك الروح املستجيب فيخاطبه قائال) لىب من دعاه

عتت أحجاره وقسى ثراه تذكر جسمك امللقى برمس طالت نواهكعودة غائب قد انشعبت عناصره وعادت )٢(تذكر غافـال ما قد ساله جتد منه بقايــا ذات شأن

خياطبه ويتحدث إليه ، وقد يكون يف ذلك حيث جيرد الشاعر من روحه شخصاس حبقيقة املوت إذ يعدل عن التحدث عن ذاته إىل حماولة من الشاعر لالنعتاق من أمل اإلحسا

) جسمي ( بدال لـ ) جسمك ( التحدث عن الروح مشخصة فتظهر ـ مثال ـ كلمة وهكذا ، مث تتكشف بعد ) .. انشعبت عناصري ( بديال لـ ) انشعبت عناصره ( وتظهر

١٠٣حسني سرحان ، ص: الطائر الغريب ) ١( ١٠٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 216: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

التفوه بلغة ذلك لغة التجريد والتحدث عن الغائب وكأن الشاعر حياول جاهدا التهرب من .األنا فال يربز لديه ضمري املتكلم

رداه عاجله احلولضعيف هزيل جسم منبقايا احلطم ليمنحها النبات وما غـذاه وحيتويهــا التراب حيللها

)١( بكــاهقد حبيب وأمهله رثــاهوأنسيه صديق قد أمهلين ، أنسيين ، رثاين ، ( قل ومل ي) أنسيه ، أمهله ، رثاه ، بكاه ( فيربز املرثي غائبا

، وتصور هذه األبيات األخرية نسيان الناس للموتى وسلوهم عند أمل فراقهم وحزن ) بكاين غيام بعد مدة قصرية ، وهذا مما يعذب النفس اإلنسانية ويكشف هلا شيئا من هواا

سيا منسيا أو شيئا وضعفها ، ألا مهما كان أثرها واعتلت قيمتها فسوف تكون مع األيام نإال عند السؤال والبحث ، وعند احتضاره فلن يكون هناك ختتزنه الذاكرة وال حتتضره

إحساس ميتلئ باحلزن واألمل على غيابه كما قد كان إبان وفاته ، وهذا األمر قد يعذب كل نفس متأملة تستكشف وجودها وحضورها بعد رحيلها األخري ، وهنا جند حسني سرحان

: يف هذا األمر وجيعله خامتة حزينة لقصيدته يتعمق وزال الغيم من جو غشاه ابانتح بعد منوطاب الضحك

فيما قد عنـاه وكل دب وبدلت التعـازي بالتهـــاينساعة وفاته والبيتان يقومان على املفارقة التصويرية املؤملة بني اإلحساس بالفقيد

.ونسيانه والسلو عنه بعد ذلك وجد شعراء آخرون من الذين رثوا أنفسهم يصرحون برثاء الذات ويربز ضمري وقد ي

األنا لديهم متضخما ، وهنا ينكشف تعدد التجربة الشعرية يف رثاء الذات لدى الشعراء السعوديني ، فإذا وجد من حياول إبعاد ذاتيته واحلديث عنها بلغة جتريدية فقد وجد من ركز

دافع أصحاب القسم األول أن تأخذ جتارم طابع العمومية على االجتاه الذايت ، ولعل فتنسبك يف جمال التذكري والوعظ لكي حيس القارئ فيها تأمل املبدع ومعاناته ، على حني

واقعا خاصا تكون دوافع أصحاب االجتاه الذايت تعميق جتربة رثاء الذات واإلحساس ا

١٠٥حسني سرحان ، ص: الطائر الغريب ) ١(

Page 217: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

ا ، فهذا عبد السالم هاشم حافظ يرثي نفسه يباشر النفس فيهذا وحيد من نزواا وتغافله : بقوله

لو مل أمت باألمس أو يومي الذي ألقاه باجلهد املرير )١(فغدا سأمضي لولبا صدئا براه القيد والنظر احلـرور

وتتكون القصيدة من ثالثة وثالثني بيتا مليئة بأحاسيس اليقني الذي مأل قلبه وغمـر ني هـذه القصـيدة حثخوف أو عناء ، وقد درس أحد البا نفسه فجعلها تنتظر موا دون

يرثي نفسه حقيقة ، وختـتلط ]الشاعر [بدا ((وخصها مبزيد رصد وحتليل فوصفها بـ مشاعره حنو املوت فهو يتمناه ويعتقد يقينا أنه مالقيه ، ومن مث يرثي نفسه متخيال أنه مات

: ه قولـه طفي شديد ، وهو ما يدل عليحقا ، وتنساب ألفاظه وتعبرياته بسيولة وتدفق عا، ويبـدو أن )٢( ))فغدا سأمضي ، املوت يصحبين رفيقا .. يومي لو مل أمت باألمس أو (

قلق الشاعر واضطرابه النفسي إزاء هذا املوضوع الذي يتحدث فيه قد نال تأثريه شيئا مـن لـو مل أمـت : ( تكوين الرؤية وتأسيسها يف النص ، ويلحظ هذا يف أول النص حني قال

حيث إنه يتحدث يف يومه ذاك فلماذا قال لو مل أمت باألمس ، واألمس ) باألمس أو يومي قد مضى وانتهى ومل ميت فيه وها هو يعيش اليوم ، فكان األصح أن تكون اجلملة مقتصرة

مه على الزمنني احلاضر واملستقبل وحتمية موته يف أحدمها ، أما أن يكون احتمال موته يف أيااملاضية داخال كعنصر ثالث مع هذين االحتمالني فشيء ال يقبله املنطق وال يقـره العقـل السليم ، ولكن ذلك قد يكون نتيجة اضطراب وقلق نفس الشاعر كما سبق ، أو أن يكون الشاعر يهدف إىل تأكيد وتثبيت حتمية املوت بقوة شديدة فأدخل مجيع عناصـر الـزمن

، ولكن التأكيد مبثل هذا األسلوب قد يكون مستفزا وغـري ) تقبل املاضي واحلاضر واملس( مستساغ ملا حيدث من ارتباك املضمون وضبابيته ، ومع ذلك فاملالحظ يف هذا النص حضور

على خالف ما كان لـدى ) أمت ، أمضي ( ضمري املفرد وتضخم الرتعة الذاتية يف النص

٧٩عبد السالم هاشم حافظ ، ص: أنوار ذهبية ) ١( ١٧٧رمحة الرميي ، ص: اسة وحتليل شعر عبد السالم هاشم حافظ ، در) ٢(

Page 218: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

د عبد السالم هاشم فقد تكثفت األنا ، ومن حسني سرحان يف األمنوذج السابق ، أما هنا عن : ذلك قوله

ها قد رحلت بعنصري ، ومبسمعي ندب الصغار األثري ط هلا املصري ـــوتركت قربيت وخلوة مكتيب ويدا خت

لي أطري ــولسوف أمضي ساعيا كالعاديات إىل قنادي )١( للرب مينعين اهلـجري.. واملوت يصحبين رفيقا واعيا

الذاتية وكثافتها إال أن الشاعر كان أكثر متاسكا وثباتا أمام املوت فهو ومع حضور يستقبله بنفس راضية وغري آة بغيلته أو خائفة من مفاجأته ، فالشاعر يرحل طائعا ويتـرك

، وهنا تربز قيمة الذاتية حيث ) قد رحلت ، تركت ، سويف أمضي ( خمتارا وميضي قاصدا ، وليقينه أن املوت سيواجهه مفردا ولن جيد أي معني بشري أو تكثفت العتداد الشاعر ا

مادي ، وكما قامت داللة األلفاظ بإبراز هذا الشعور فإن الصورة الشعرية قد لعبت دورها يف هذا اال فالشاعر سوف ميضي ساعيا كالعاديات ، وهي صورة تعكس ما لدى الشاعر

ضا ، وذا يصبح النص قد أخذ ريه بسرعة ومن عزم وإصرار على مواجهة املوت والسعي إلحتوال من ذلك االضطراب والقلق الداليل يف مطلعه إىل اليقني والثبات واإلصـرار ، وقـد

دون سابق دربة ومران ) رثاء نفسه ( يكون هذا ألن الشاعر قد خاض هذه التجربة الشعرية .اعر اإلبداعي ، وقد وجد هذا النص متوحدا يف موضوعه وقصده داخل إنتاج الش

وكما استسلم عبد السالم هاشم لفناء ذاته وقابله بنفس مطمئنة راضية فإن حممـد حسن فقي يتعمق يف نزعة تأملية وفلسفة تفصيلية يف إثبات ذلك الرضا ويتجـه إىل قـربه

: متحدثا إليه فيقول فيحاء أم أنت كهذا اجلحيم روضـة يل أنت هل، مقربيت

ـم ـمحيـ ويل ألف وفيك يل ر اجلوى ال لست أشكو فيك ح يم ـهلم ، وأفيائي ، وحلو النس النفح والنضرة يف صحبتــي

٧٩عبد السالم هاشم حافظ ، ص: أنوار ذهبية ) ١(

Page 219: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

)١( مـأنين من بعدهم كالرمي أم هم رميم يف الثرى هامد هلحيث يناجي مقربته مناجاة الصديق احملب واخلليل املتشوق ، فيقيم بنية تقابلية بـني

يصف األخرية باجلحيم ، على حني يرجو أن تكـون األوىل املقربة والدنيا أو احلياة ولكنهروضة فيحاء ، ويف هذا ما يشعر بسخطه وتربمه من الدنيا مبتاعبها ونكدها املضين ) املقربة (

، مث ميضي يف تعداد مميزات مقربته ، ويتنقل من التصور الديين الذي أماله الشرع املطهـر ينتقل إىل من تضمه تلـك املقـربة مـن .. جلنة وذلك بكون قرب املؤمن روضة من رياض ا

أصدقائه وأقربائه ، وأن ذهابه إليها سوف جيمعه م ، ويصور ما يعانيه بعـد فـراقهم ، فالشاعر هنا قد عمق وأصل تفضيل املقربة وما ينتظره فيها من دواعي السعادة والسرور ، مث

ونفرم من املوت وبكائهم على بعد ذلك ينتقل إىل مناقشة قضية أخرى تتعلق بضيق الناس : من ميوت

اء ـموتامهو ـ مثلي ـ فيا للغب لة ــمقربيت يبكي الورى غف من ناله ؟ كيف استحق البكاء ؟ وكيف يبكي من عداه الردى

اء ــينصب يف الدمع وهذا الرث ى ـــأيهما أوىل ذا األس )٢(اء ــن البقأم هو هذا احلي ره ، رهن البلى هل هو هذا امليت

وهنا يلحظ أن هذه األبيات قد ناهلا شيء من الركاكة األسلوبية ولعل ذلك راجـع إىل نزعتها الفلسفية البحتة والقائمة على التقسيم والتفصيل يف حال الناس جتاه املوت ، وكل هذا التأمل والتقسيم إمنا يسوقه الشاعر إلثبات ما أشار إليه مبتدئا وهـو قبـول املـوت

: االئتناس به هروبا من تعب احلياة ، ولذا يقرر الشاعر يف مقطع يلي املقطع السابق قائال و الناس لصدر حنونلو يعلم إن الثرى .. أيتها األصداء

)٣( كل هذي الشجونترقد فيه د ـمرق إىل أهفو ما لشد

٣:٥١٢: األعمال الكاملة للشاعر حممد حسن فقي ) ١( .املصدر السابق ) ٢( .املصدر السابق ) ٣(

Page 220: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

والتشاؤم يف والواقع أن حممد حسن فقي وإن كان معروفا برتعته التأملية تكثيفه األملجتربته الشعرية إال أنه يف هذه القصيدة قد سيطر عليه الفكر وشغله التساؤل والتأمـل عـن الرثاء احلقيقي للذات ، فغاب االنفعال الوجداين وغرق النص يف تلك التساؤالت احلائرة ، وليست هذه التجربة منفردة يف إبداع حممد فقي ، ولكن له قصائد أخرى قد رسخ فيهـا

: ضامني أخرى ، ومن تلك النماذج قصيدة له كان مطلعها م )١(ة دود ــوأنا فوقه وليم يوم أن يصبح التراب وطائي

ويف هذه القصيدة يركز الشاعر على قضيتني أساسيتني ويؤصلهما يف النص بني الفينة ق تتعلق واألخرى وحياول أن يرد جل أفكار قصيدته إليهما ، األوىل كما يوضح املطلع الساب

: الدود وما يفعله جبسد اإلنسان بعد موته ، وقد عمق الشاعر ذلك يف قوله ب ي ــا فذدا بذراعـــفرأيت الديدان جتري حوايل جياع

أطعن الدواعي .. فقالت روحي .. فتجمعن حوله وتراكضن اع ــدا للجيــفدع اجلسم هام.. ال تذدهن إن جياع

)٢(فقد عدت كالثرى يف البقاع .ست تشعر بالنهش ال ختفهن لويف هذه األبيات يسترسل الشاعر يف تصوير ما يفعله الدود يف جسد البشـر ، ويف البيت األخري يتكشف مراد الشاعر من هذا األمر وهو بيان الضعف البشري وعجزه عـن أدىن مقاومة ، حيث ختاطبه روحه وتشعره بأن جسده ال يشعر بالنهش وأنه قـد أصـبح

البقعة يف عدم إحساسه وشعوره والواقع أن النص قـد تضـمن تأصـيال للفكـرة كثرىالصحيحة اليت بينها اإلسالم ، وهي حياة الروح ، وهذه هي القضية الثانية يف النص فالروح هنا تتكلم وختاطب اجلسد على حني يبدو اجلسد كالثرى دون إحساس أو حياة ، ويؤصل

ده املؤمن من نور ونعيم يف قربه مستلهما بذلك ما ورد من بعد ذلك هذه الفكرة مبينا ما جي : أن القرب روضة من رياض اجلنة

والدود رفقا .. فرأيت اللحد نورا يشع .. عدت للصمت فترة

٥/٤٢٠حممد حسن فقي ، : األعمال الكاملة ) ١( . املصدر السابق ) ٢(

Page 221: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

ى ــرى فما أرق وأنقــة سكــوالثرى باردا ترف به النسم )١(كيف من أين لست أدري فلحدي مصمت اهلول ما أرى فيه خرقا

ال حرية الشاعر وتساؤله قائما لعجزه عن حتليل ذلك النـور وتلـك احليـاة وال تزالربزخية ولكن هذه احلرية ال تستمر مع الشاعر املؤمن واملمتلئ قلبه بأدلة الـدين وسـنن

:الشريعة املطهرة فإذا به يقول وطـــريفإمنا النور والظالم وما يف الكـون هذا من تالد

التصريفامحد صاحب القول صاحب رهن لفظ فرد وقد قيل ف ملسـت الدليــال قديا حميل الظالم نورا إذا شاء ملــا شاء

يف حفريي يف غيهيب يف دىن الدود تنــورت بينـها املستحيال )٢( يغــدو مجيـالعدت حيا بعد املمات حلني فإذا باحلفــري

راحةتهاج وما حيس به من واب ةمث يستمر النص مبينا ما جيده الشاعر يف قربه من فرحوسرور ، فيقيم مناجاة طويلة بينه وبني روحه معمقا من خالهلا تصوير النعيم الذي يلقـاه

والتعبري الفرديةاملؤمن يف قربه ، وعند النظر يف هذا النص يلحظ أنه قد سيطرت عليه الرتعة طريق االلتجـاء إىل الذايت ، كما أن الشاعر قد ختلص فيه من تساؤله وحريته وأوهامه عن

اإلميان بعامل الغيب وما فيه من نعيم وعذاب يبدأ مع اإلنسان منذ مفارقته الدنيا حيث يكون القرب احملطة األوىل لذلك األمر ، والواقع أن حممد فقي مع كثرة تعمقـه التـأملي ونزعتـه

نص قد تغلب على التشاؤمية اليت يشوا ـ غالبا ـ شيء من احلرية والقلق إال أنه يف هذا ال . ذلك كله وانتهى من مجيع أوهامه بأسلوب إمياين ويقني إسالمي صحيح

وكما تأصلت فكرة حياة الروح لدى حمد فقي فإا برزت عند حممد املسلم بصورة بعـد ( أكرب وآكد دون أن تتقدمها التساؤالت أو ينتاا االضطراب ، وذلك يف قصـيدته

نشأته األوىل ، اليت كان فيها ـ كما يتخيل ـ زهرة يف متخيال ((حيث يتحدث ) املوت روض يج ، يباكره الندى ويراوحه النسيم ، مث يتصور روحه بعد املوت قد عادت سريا

٥/٤٢٠حممد حسن فقي ، : مال الكاملة األع) ١( . املصدر السابق ) ٢(

Page 222: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

األوىل ، كائنا لطيفا ، وهو منهج خيايل حملق ، يذكر بآراء قدماء الفالسفة حـول نشـأة بعد موته ، إىل جسد حيوان أو إنسان ، الكون ، وبآراء اهلنود حول تفاسخ روح اإلنسان

موضوعه منذ ، وقد باشر املسلم )١( ))يف األساطري الفارسية ) ميالد زرادشت ( وأسطورة : ابتداء القصيدة

من جديد على حياة جـديده حيـاأنا إن مت سوف أبعث )٢( حياة رغيدهـر وتنجاب عن وستنشق ظلمة الليل عن فجـ

قد رأى يف موته انعتاقا من قيود احلياة وما يعانيه فيها من تعـب وواضح أن الشاعروآالم ، وقد أكد بعد ذلك على هذا األمر حني يرى احلياة سجنا واملوت خروج من ذلك

: السجن وأغالله املثقلة ور حراـكالن اءــالفضساحبا يف طليقاسوف أمضي حنو السماء

راـأس دــأكاب بهعشت عمري ـناوسجتاركا خلفي التراب )٣(سجين وأغدو يف الكون روحا وفكرا ت من ـسوف ألقي غلي وأفل

غري أن هذه القصيدة قد استغرقها مضمون السأم من احلياة واالستبشـار بـاملوت . ورؤية السعادة واالبتهاد فيه

ويف احلقيقة أن هذه النماذج اليت تستبشر باملوت وتصوره ابتـداء حليـاة سـعيدة ةال تعدو أن تكون تأصيال إلميان مترسخ ومعان يقينية يف قلوب املؤمنني ، أما شـبح وجديد

املوت وما جيده اإلنسان من فزع جتاهه وما خيافه من طارقه فهو أمر فطري لـن تسـتطيع الفكاك منه نفوس اإلنسانية ، واهللا سبحانه وتعاىل قد فطر الناس على هذا الشيء كـابتالء

يصبح احلديث عن شبح املوت وخوف النفس من قدومه وتصوير ذلكوهنا وامتحان هلم ،بأسلوب فين أمرا منشودا ألنه ينقل واقعا نفسيا ، ومن النماذج اليت قيلت يف رثاء الـذات

: لعبد اهللا بن سليم الرشيد وفيها يقول ) احتضار ( فركزت على هذا األمر قصيدة بعنوان

٢٧٥عبد اهللا احلامد ، ص: الشعر احلديث يف اململكة العربية السعودية خالل نصف قرن ) ١( ٣٠ص) ت .بريوت ، مطبعة دار الكتب ، د( ، ١حممد سعيد املسلم ، ط: شفق األحالم ) ٢( ٣٠املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 223: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

وياله ، وآه من حدق ف الباب ترقبين من خل

.. ) املوت ( .. راء ـوندت زعقات صف

املوت .. املوت .. املوت : وتطل شفاه وعيون

ـ من هذا ؟ ما هذا الصوت . ـ ال شيء فعودوا

)١(مسكني تأكله األوهام ويلحظ كثافة احلركة الصاخبة يف النص ، حيث الزعقات والشفاه والصوت املتساءل

ميكث متوحدا يف غرفته ، وبعد هذه األصوات والتخيالت يأتيـه عنه ، كل ذلك والشاعر العواد فال جيدون شيئا يستدعي ما حدث منه فريجعون مقتنعني بأا جمرد أوهام وختـيالت تنتاب الشاعر يف عزلته ، مما جيعل النص يصور ساعة االحتضار ، تلك الساعة اليت يعاين فيها

يعيش معاناة الرتع دون شعور من حوله أو إحساسهم احملتضر السكرات ويشاهد األهوال ومبا يعانيه ، مث بعد ما يأتيه العواد وخيرجون من عنده تعود إليه إطاللة املوت مرة أخـرى ،

: وهنا يربز دور الوحدة كإطار مكاين هلذه التجربة الرثائية الذاتية وإذا باملوت

قد دخل على أطراف أصابعه يفتح دواليب

)٢( اجايت وثيايبينثر حاملوت وما بعد الرحيل ، حيث يشخص وهنا يأخذ تأمل الشاعر تعمقا بعيدا يف قضية

، ..املوت وقد دخل فجأة وبتسلل واحتراف ليفتح دوالب غرفته وينثر حاجاتـه وثيابـه

١٠٦عبد اهللا ين سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ١( ١٠٧املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 224: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

واملوت هنا إمنا فعل ذلك لعالقة السببية ال غري ، حيث إن اإلنسان بسبب موته وابتعاده عن وأحبابه فإن ذلك ما يفعلونه بأشيائه من بعده ، ومل يرد الشاعر إسناد الفعل إليهم ألم أهله

إمنا فعلوا ذلك مكرهني القاصدين ، ولكن السبب األساسي يف حدوث هذا الشـيء هـو . املوت مبفاجأته املذهلة

ينسـه ومع استمرار الرتعة التأملية وذهاا بعيدا يف هذه القصيدة إال أن الشـاعر مل : ذلك االستغراق اإلميان باهللا واليقني برمحته وقدختم قصيدته بقوله

فإيل ة مغفرة الرمحن حيا نف )١( . .إيل . . إيل

إحلاح اشاعر وطلبه املستحث لرمحة ربه وعفوه ذلك ) إيل .. إيل ( ويعكس التكرار به وإعراض عما سوى ذلـك الشعور املنبثق من إميان راسخ بقدرة اهللا ووحدته وعفوه وعقا

من ضالل وترهات ، وقد احتوى النص على كثري من األسطر الشعرية اليت قـد تضـمنت . ذلك الشعور

أما أمحد إبراهيم احلريب فقد كتب قصيدة يف رثاء ذاته تكونت من مخسة مقـاطع ، :ومن أسطر النص قوله ) رحم اهللا الفقيد ( وكان خيتم كل مقطع بعبارة حموريةهي

غرق الصمت حبلقومي وسالت يف هلايت

.. سكرات الغرغرة مسرحت صدري

. . غدوا ورواحا )٢( حشرجات وقفت يف احلنجرة

١٠٩عبد اهللا بن سليم الرشيد ،ص: خامتة الربوق ) ١() هــ ١٤١٩جازان ، نادي جازان األديب ، ( ، ١أمحد إبراهيم احلريب ، ط: تقاسيم على جذع خنلة الوادي ) ٢(

١٧ص

Page 225: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

حيث يصور سكرات املوت وما تعانيه نفسه من منازعة الروح ، مث يستمر يف تصوير غري ذلك الرتع وتفصيل ما حيدث فيه لإلنسان إىل أن يصل على آخر قصيدته وهنـاك تـت

: إىل ) رحم اهللا الفقيد ( العبارة احملورية هكذا العمر احترق

أحسن اهللا عزائي )١( !!أحسن اهللا عزائي يف الفقيد

) الفقيـد ( حيث توجه بالعزاء إىل نفسه يف نفسه ، ولكنه جعل املعزى به غائبـا . لإلحياء بغيابه ومفارقته احلياة

ب بن عبد اهللا بن حنيت حيث يقول يف قصيدة ومن الذين رثوا أنفسهم الشاعر حجا : خمطوطة

أن ينثنـيإذا رفض اجلسم ضعوين على جنيب األميــن )٢( وإن كنت باألمس عبد الغين وخطوا على القرب عبد الغفور

ترميز إىل ما كان يريده اإلنسان يف ) عبد الغفور ، عبد الغين ( ويف استخدامه لـ فس بفطرا من الغىن ومتطلبات احلياة ، على حني تتحول هـذه اإلرادة حياته وما تطلبه الن

والطلب بعد موت اإلنسان فتصبح تطلب املغفرة والرمحة ، ولذا طلب الشاعر أن خيط على . وهو إملاع فين مجيل ) .. عبد الغين ( بعد أن كان قبل موته ) عبد الغفور ( قربه

عدد ) غروب زمن الشروق ( اء يف ديوانه أما الشاعر الشاب سعود اليوسف فقد جمن قصائد رثاء الذات اليت كتبها عند إدخاله إىل غرفة العمليات يف املستشفى ، وقد تنوعت

: ومن أبياا ) وصية عاشق عليل ( رؤيته الشعرية يف تلك القصائد ، ومنها قصيدة بعنوان

) هــ ١٤١٩جازان ، نادي جازان األديب ، ( ، ١أمحد إبراهيم احلريب ، ط: على جذع خنلة الوادي تقاسيم) ١(

١٧ص . قصيدة خمطوطة ) ٢(

Page 226: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا���� ا��+�*�: ��دس ا�ا����

ومن ندب فال تكثروا من لطم خد ت إىل ريبـوفاضإذا قبضت روحي يب ـكأن األسى ما حل إال على قل ) قضى العمر يائسا(وخطوا على قربي

خطبمن اشتدكفاين بعد اهللا ما هــالم ، فإنــالس مين يبوبلغ أ ت حيب ـحفظ فهلقبضت على الذكرى ي ـإنن: بة ــــوقولوا بلني للحبي

)١(ربي قريبـقفمويت كما قدمت كي ت وى ــإذا كنت يا حسناء حافظة اهلمث ينطلق الشاعر بعد ذلك مستطردا استطرادا طويال يف ذكرياته مع حمبوبته وما كان يقوم به من الوفاء للحب والعشق ، مث هام متخيال عدم وفائها له بعد موته وأخذ يعاتبـها

: على ذلك التنكر ، مث ختم قصيدته بقوله اضت إىل ريب إذا قبضت روحي وف فيا طري بلغها بلحـن حمبتــي )٢( ا حنـيب قضيت حىتبنار اهلوى فهذي حيايت عشتها موقد احلشا

والواقع أن قصيدته تعد جتربة فريدة يف رثاء الذات ومع ما تتمتع به من صدق فين إال أا قد أسهبت يف مضمون التشبيب فنأى ا ذلك عن رثاء الذات ، وقد يكون مرجع ذلك

ي اإلنسان يف هذا العمر من نزوة الصبا ووله العشـاق ، وقـد إىل عمر الشاعر وما يستهويكون الشاعر قد خاض غمار هذه التجربة دون قصد حقيقي ، ويلحظ عدم التوافق بـني مطلع القصيدة وخامتتها ، ولكنها مع ذلك قد نالت تألقا فنيا رغم ما اعتورها من تفاوت يف

. املضمون

، ) هـ ١٤٢٢الرياض ، النادي األديب بالرياض ، ( ، ١سعود بن سليمان اليوسف ، ط: غروب زمن الشروق ) ١(

١٠٤ص ١٠٦املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 227: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

) األبعاد الفنية ( :الباب الثاين

بناء القصيدة : الفصل األول .ـ العنوان ١ .ـ املطلع ٢ . ـ التخلص ٣ . ـ الترابط ٤ . ـ اخلامتة ٥ . ـ شكل الكتابة ٦

Page 228: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: ـ العنوان ١و يقيموا عند النظر إىل التاريخ األديب فإننا جند أن العرب مل يكونوا يعتنون بالعنونة أ

االسم للقصيدة ، وخري / هلا باال ، ولكنه قد وجدت إرهاصات متفرقة تؤكد وجود العنوان ، حيث إن العرب قد مسوا تلك القصائد السبع أو العشر املعلقات ) املعلقات ( ما ميثل هذا

الفاضـحة ، ( ، مث بعد ذلك تطور جمال التسمية أو العنونة ، وبرز بصورة وصفية فوجدت ، كما وجدت تسميات لبعض القصائد تقوم على اشتقاق ذلك من قافيتها ... ) امغة ، الد

إخل ، واملالحظ أن هذه العنونة مل تكن بقصد من الشعراء ، .. فيقال ميمية أو نونية أو بائية ومل تربز عنونة النص الشعري إال يف القرن اخلامس ـ على األغلب ـ حني عمد أبـو ((

، وإذا كان هـذا ) لزوم ما ال يلزم ( أو ) الزوميات ( تسمية ديوانه بـ العالء املعري إىلحيقـق ) سقط الزنـد (العنوان أقرب إىل الوصف أو بيان اجلنس القويل فإن ديوانه اآلخر

، )١( )).. مفهوم العنوان كما نريده اليوم ، وهو ذا رائد يف جمال عنونة األثر الشـعري عنوان يف الشعر العريب ينمو وتزيد العناية به حـىت وصـلنا العصـر وهكذا بدأ االهتمام بال

احلديث وفيه صار للعنوان مقام أويل وأصبح عنصرا مهما يف رسم التجربة اإلبداعية ، حيث فالعناوين وعنـاوين ((العتبات اإلبداعية للدخول يف التجربة الشعرية ، ليصبح العنوان أو

ناوين الفرعية متثل كلها إشارات تدل القارئ على النسق الفصول والتقسيمات الفرعية والع، ويشري الدكتور عبد اهللا الرشيد إىل أبرز األسباب )٢( ))الذي يريده الكاتب لعرض فكرته

التأثر بنماذج األدب ((اليت أعانت على ظهور العنوان يف الشعر العريب احلديث فيذكر منها ، وتالقح الثقافات بني الشرق والغرب ، وحتول املتلقـي الغريب اليت يعد العنوان أساسا فيها

مث إن آلية النشر يف الصحافة حتمت على ما ينشر .. من مستمع يف حمفل إىل قارئ يف مكتبة فيها أن يكون معنونا ،حىت لو كان خربا عابرا ، ومع ذلك يالحظ أن عنونة القصـائد مل

احملرم : هـ ١٤٢٤ذو القعدة ـ ذو احلجة ( ، ٤-٣، ع ٢٥مج :عبد اهللا بن سليم الرشيد :لة عامل الكتب جم) ١(

. ٢٧٤دار ثقيف للنشر والتأليف ، ص) هـ ١٤٢٥ـ صفر الرياض ، جامعـة ) ( منري التريكي . حممد الزليطي ، د. د( يول ، ترمجة . براون ، ج. ب.ج: حتليل اخلطاب ) ٢( . ٨، ص) هـ ١٤١٨لك سعود ، امل

Page 229: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

حلرب العاملية األوىل ، وجاء ذلك بعد جنوح تظهر يف الصحافة ظهورا فنيا ناضجا إال بعد ا، )١( ))القصيدة احلديثة إىل الوحدة العضوية دافعا لعنونتها ، وتيسري وضع العنـوان هلـا

والواقع أن اازفة بالقول إن العنونة ازدهرت يف أدبنا نتيجة التأثر باألدب الغريب وتالقـح بدايـة منـو العنـوان وجدنا يف تارخينا ال يكون صحيحا مطلقا حيث إننا قد الثقافات قد

واالهتمام به منذ عدة قرون كما حملنا ذلك يف دواوين أيب العالء املعري ، ولكن األقرب أنه من قبيل منو الظاهرة األدبية وازدهارها وما يطرأ عليها من التحوالت بفاعلية الزمن املنطلق ،

خينا األديب بارزة يف جل األغراض األدبيـة ولذا فإننا قد شهدنا الكثري من التطورات يف تارومالحمها الفنية املتعددة ، ويف الشعر السعودي بدأ االهتمام يف العنونة كما هو يف غريه من اآلداب العربية األخرى ، وقد تابع هذا املوضوع يف البحث والدراسة أحد الباحثني فأصدر

، )٢(وع وبداياته وتياراته اإلبداعيـة حبثا مستقال يف ذلك رصد فيه مجيع جوانب هذا املوضولكننا هنا حنتاج إىل دراسة أدق من ناحية املوضوع ، القتصارها على الرثاء ، وما يهمنا هو

هلا قوة خاصة حبيث يفتـرض مدى التالؤم بني عنوان املرثية وموضوعها أو كوا أداة إبراز ، وهنا يسـتلزم )٣(والداليل للعنوان يف اجلمل واملضامني أن تأيت متناسبة من احلقل اللغوي

األمر دارسته يف قسمني مستقلني ، أوهلما عناوين اموعات الشعرية يف الرثاء ، وثانيهمـا : عناوين القصائد الرثائية كما يلي

: أ ـ عناوين اموعات الرثائية ـ ل غـري من املهم هنا أن نعي بأن أغلب اموعات الرثائية توضع عناوينها من قب

الشعراء ، فهي يف أغلب أحواهلا جتمع مراثي العديد من الشعراء ، والـذي يقـوم جبمـع غري ذلك ، .. وتصنيف هذه املراثي ليس الشاعر املبدع ولكنه قد يكون كاتبا أو مؤرخا أو

وقد تكون مؤسسة صحفية أو دار نشر معينة ، وعلى هذا فإن النظر إىل هذه العناوين على ين أو عنصر مهم يف التجربة اإلبداعية ال ميكن أن يصدق يف تلك اموعـات ، أا ملمح ف

. ٢٧٤، ص ٤-٣، ع ٢٥مج :عبد اهللا بن سليم الرشيد :جملة عامل الكتب ) ١( . املصدر السابق : انظر ) ٢( ٦٠ص ،) م ١٩٨٧بريوت ، املركز الثقايف العريب ، ( ، ١ط: حممد مفتاح : دينامية النص ) ٣(

Page 230: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بات النقد احلديث كما أشرنا آنفا ضرورة الوقوف على العنوان فإنه ولكن ومبا أن من متطلال بأس من املرور على ذلك مرورا عابرا ، فالعنوان عنصر مهم من عناصر تكوين التجربـة

:اموعات إىل قسمني مها اإلبداعية ، وتنقسم هذه عناوين اموعات والدواوين الرثائية وتنقسم إىل نـوعني كمـا :أوال

:يلي : جمموعات تضم العديد من الشعراء _ أ

ويتميز هذا القسم بأن عناوينه يف الغالب تكون مما أشرنا إليه مسبقا ، حيث تضعها أو الشعراء باألصح ، ومن عناوين هـذه دور النشر أو بعض املؤرخني أو الكتاب املبدعني

وقد مجع فيه مؤلفه شيئا مما قيل يف رثاء امللك فيصـل ـ )١() الثالثاء احلزين ( اموعات رمحه اهللا ـ والواقع أن هذا العنوان وإن كان متقدما يف تاريخ نشره بل قد يكون سـابقا

ـ إال أنه قد محل حملة إبداعيـة ، ورائدا يف جماله ـ اموعات الرثائية يف الشعر السعودي فأبرز العنصر الزماين حمددا بالتاريخ والوصف ، كما أن ذلك العنوان يصلح أن يكون صادقا

قام مؤلف آخر جبمع عدد من تلك املراثي وكذلكعلى كل قصيدة احتوا تلك اموعة ، ما أن عنـوان اموعـة ، وك)٢( )آالم وآمال ( ية يف كتاب أمساه مع بعض املقاالت التأبين

السابقة قد برز فيه عامل اإلبداع فإن هذا العنوان قد حظي بتلك السمة ، وقد كان رائـدا يف صدقه على ما طرأ من تطور يف فن الرثاء ، ونعين بذلك حتول مضـامني هـذا الفـن

، . .والفخر وما إىل ذلك وانطالقها إىل ما كان منحسرا يف فنون أخرى غري الرثاء كاملدح ) آالم وآمـال ( ونستطيع أن ندرك هذا التطور يف العنونة حينما نوازن بني هذه اموعة

دمـوع ( وجمموعة أخرى قد احتوت على بعض من مراثي امللك فيصل أيضا وكان عنواا للمؤلف علي بن أمحد الصفراين ، حيث إن هذا العنوان األخري ال يزال متقوقعـا يف ) وآالم

حتمـالن ) قطيب العنوان ( ليدي للرثاء والقائم على البكاء واحلزن ، والكلمتان املفهوم التققطـيب ( فالكلمتان ) آالم وآمال ( معىن واحدا ومن دوال مفهوم متوحد وهو احلزن ، أما

.أمحد شكري عبد العزيز: الثالثاء احلزين )١( .عبد العزيز األحيدب : آالم وآمال )٢(

Page 231: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

فيه تقومان على أساس من التضاد وحتققان شيئا من التطابق يف مفهومه البالغـي ) العنوان ذا التضاد والتجانس بني الكلمتني مينح العنوان إيقاعا موسيقيا وفنيـا املشهور ، وإذا كان ه

خاصا ؛ فإن األجدر من ذلك باملالحظة والوقوف هو مضمون العنوان وما حيمله من إبداعية شيء طبعي ومطرد يف الرثاء ، ولكن اجلـزء األخـري ) آالم ( جديدة ، فاجلزء األول منه

التطور املقصود ، فكيف يتحول الرثاء إىل آمال وكيـف هو مكمن السر اجلديد و) آمال ( ، نعم لقد اهتم العنوان جبانب مهم يف تلك ! تتم بلورة مضامني بكاء امللك الفقيد إىل أمل ؟

املراثي طاملا مت إغفاله أو تناسيه إما عفوا أو لطغيان غريه عليه ، ونعين به جانـب األمـل ، األمل برمحة اهللا وما سيعوضـه للمـؤمنني الصـابرين والنظرة املشرقة املتفائلة يف الرثاء

.. احملتسبني ، واألمل مبن سيخلف ذلك امللك من إخوانه إلكمال مسرية العطـاء والنمـاء . وغري ذلك من اآلمال الفرعية األخرى يف غري هذين االني

عنونـة ومع ما محلته العناوين السابقة من ومضات إبداعية قد تكون بدائية يف جمالاموعات إال أنه قد وجد بعدها ما افتقد هذه السمة من جمموعـات متـأخرة عنـها ،

املباشرة على ما حتتويه ، فافتقدت العنصر اإلبداعي بومضته الفنية املؤثرة ، واكتفت بالداللة أو السري على التقليدية القدمية ومنطها املعروف يف العنونة والقائم على السـجع والزخرفـة

: للفظية ، ومن تلك العناوين ما يلي اعبد ايد بـن حممـد / ـ الرثاء اخلالد فيما قيل عن امللك خالد ؛ مجع وإعداد ١ . العمري إمساعيل بن سعد العتيق / مجع وترتيب : ـ نظم العقيق يف مراثي مشايخ آل عتيق ٢ . هـ ١٤٠٦، تاريخ النشر ألمة يرثون فقيد األمة مساحة اإلمام عبد العزيز بن شعراء ا: ـ عيون املراثي البازية ٣اجلوعي ، تاريخ دسليمان بن حممد العثيم وفه/ مجع وترتيب : باز ـ رمحه اهللا ـ ). هـ١٤٢٠(النشر مجع : ـ ديوان الرثاء يف فقيد األمة وحرب اجليل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ٤ ) هـ١٤٢١(اريخ النشر إمساعيل بن سعد العتيق ، ت/ وترتيب

Page 232: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

مجع الدكتور ناصر الزهـراين ، تـاريخ النشـر : ـ ابن عثيمني اإلمام الزاهد ٥ ) .هـ ١٤٢٢(

: جمموعات رثائية لشاعر واحد ب ـ لتولده من الذات املبدعـة يف وهذا القسم خيتلف عن سابقه اختالفا جذريا ، وذلك

اوينه وتأطريها ، فالشاعر املبدع قد عايش الغالب وعدم تدخل العناصر اخلارجية يف وضع عنهذه اموعة وتابع تكوا حرفا حرفا ، وتعهدها برعايته وترتيبه القـائم علـى الزيـادة

وقبل ذلك املعاناة الصادقة حملتويات جمموعته ، ولكن ومع كل ،واإلضافة والتعديل والتنقيح موعات الرثائية إال أننا جند شحا يف تفرد د العنوان اإلبداعي يف اووجبهذا التفاؤل املنطقي

تلك اموعات واستقالليتها ، فمن النادر أن جند شاعرا قد أفرد رثاءه يف جمموعة شـعرية مستقلة ، ولكننا جند من يقسم ديوانه إىل جمموعات أو أجزاء داخلية ، حبيث يضـع لكـل

ه قائما على أساس الفرض أو جمموعة عنوانا مييزها عن غريها ، وأغلب هؤالء يكون تقسيماملناسبة اليت كتبت فيها تلك القصائد ، وقد كان متحتما يف مثل تلك الدواوين إفراد قصائد الرثاء ووضعها مفردة حتت عنوان يستقل ا ، ولكن وكما أشرنا سابقا أن أغلـب تلـك

ق اإلبداعي فقد كان حظه من التألدف بيان غرض أو مناسبة اموعة العناوين يقع حتت هتـرانيم ( والرقي الفين باهتا يف أغلب األحوال ، ومن ذلك ما فعله حممود عارف يف ديوانه

حيث وضع قصائد الرثاءوعددها ست عشرة قصيدة حتت عنوان مستقل ومسه بــ ) الليل فقد وضع ) يف زورقي ( ، وباملثل متاما ما فعله عبد اهللا بن إدريس يف ديوانه )١() مراثي ( ، وغريهم الكثري ممن أطلق على قصـائده )٢() املراثي ( قسم الثالث للرثاء وجعل عنوانه ال

، وواقع احلـال ) رثائياتبكائيات ، الرثاء ، املراثي ، ( الرثائية حنوا من تلك العناوين مثل أن أصحاب تلك العناوين من الشعراء املتميزين ومن ذوي اإلبداع املتفرد مثل عبد اهللا بـن

يس وحممود عارف ، وحممد السنوسي ، وحممد بن سعد بن حسـني ، وعبـداهللا ابـن مخ، ولكن منطية إخراج تلك الدواوين قد اضطرم إىل وضع هـذه العنـاوين ، ...إدريس

. حممود عارف : ترانيم الليل : انظر ) ١( ٨٩عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ٢(

Page 233: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

فدواوينهم جتمع يف غالب أحواهلا جل ما لدى املؤلف الشاعر من قصائد متعددة األغـراض لو ماصنيفها هو جتزئتها حبسب املوضوع أو املناسبة ، أواالجتاهات ، وأوىل وأقرب الطرق لت

على حق يف مطالبة الشاعر بعنوان إبداعي كانت تلك املراثي قد مت تأليفها مستقلة ألصبحنا أو إحيائي متميز ، ويعضد قولنا هذا أن عناوين تلك الدواوين كما ذكرناه سابقا قد خرجت

، ويف )١(عارف ، وأصداء وأنداء حملمد بن حسـني ترانيم الليل حملمود: ( بتعبري فين مثل . زورقي لعبد اهللا بن إدريس ، وغريهم

أما الذين قد مجعوا مراثيهم من الشعراء يف دواوين مستقلة فلعل من أبرز ذلك مـا ، وجاسم الصحيح وحسن الزهـراين فعله كل من غازي القصييب وعبد اهللا بن سامل احلميد

وهو عنوان إحدى قصائد الـديوان ) يا فدى ناظريك ( وعة بعنوان فقد أصدر القصييب جمم، والواقع أن هذا األمر قد أصبح ديدن ) حممد الدرة ( وقد كانت يف رثاء الطفل الفلسطيين

، وما ذلك إال ألمهية القصيدة املعنون ا أو قرا مـن نفـس )٢(أكثر الشعراء املعاصرين ، أما عبد اهللا بـن سـامل )٣(االجتاه وحبه له هذا ميله حنوالشاعر ، والقصييب قد أشار إىل

، وهذه اموعة من آخر ما ) مامل تقله اخلنساء ( احلميد فقد وضع عنوان جمموعته الرثائية ومستحضرا ما مستلهما، وقد ركز فيها الشاعر على اجلانب التارخيي ) هـ١٤٢٣(نشر

امل الرثاء ، وهو هنا رمز لكل مراثـي السـابقني ، كتبته اخلنساء ، ذلك االسم الالمع يف عفالشاعر يؤكد على إتيانه برثاء جديد مل تأت به األوائل ، والشاعر يؤكد على جتدد الرثـاء وحدوث البكاء يف كل حني وعدم انقضاء ذلك بانقضـاء أعالمـه وكتابـه السـابقني

ها الكثري من العوامل النفسـية واملعاصرين ، ألن لكل راث جتربته اخلاصة اليت تفردها ومتيز إخل ... واالجتماعية والفكرية

، وهو عنوان ) أعشاش املالئكة ( أما جاسم الصحيح فقد كان عنوان ديوانه الرثائي تأملي غريب ، ومناخ الغربة فيه ما حيمله هذا العنوان املركب من حتفيز العقلية املتلقيـة إىل

. حممد بن سعد بن حسني :: أصداء وأنداء : انظر ) ١( . ٢٨٥، ص ٤-٣ع ٢٥الرشيد مج جملة عامل الكتب ،عبد اهللا: العنوان يف الشعر السعودي : انظر ) ٢( . ١/٧١غازي القصييب ، : مسرية شعرية : انظر ) ٣(

Page 234: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

ريشة ( املعنون بـ ) حسن الزهراين ( ، وجييء ديوان العديد من االفتراضات واالحتماالتمنفردا يف بابه ، ألنه قد أتى مجيعه يف رثاء والدته ، وواضح مـا حيملـه ) من جناح الذل

.العنوان من خاصية التناص مع القرآن الكرمي وهكذا فإننا نشاهد أن االحتفاء بعناوين اموعات الرثائية يف الشعر السـعودي مل

يف حدود ما نؤمله من تألق إبداعي ومل يرتبط بالتجربة الشعرية إال فيما ندر ، ولكـن يكن الذي يغفر هذا القصور هو قلة تلك اموعات بل ندرا حىت اآلن ، وكذلك وضع أغلب هذه العناوين من قبل أناس آخرين غري الشعراء املبدعني ، ولكن املتوقع بل واملفترض تغـري

غازي القصيب وعبد اهللا احلميـد ( يف دواوينما سيأيت وليس ما وجدناه احلال يف ذلك فيإال إرهاصا لعناوين متألقة يف جمموعات رثائية ستحفل ) وجاسم الصحيح وحسن الزهراين

. ا مكتبة الشعر السعودي قريبا إن شاء اهللا

Page 235: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: عناوين القصائد الرثائية :ثانيا عية وجتدر مالحظتها ورصدها يف العنوان يئه من ويف هذا القسم تربز السمة اإلبدا

الشاعر املبدع ، الذي قد قاسى التجربة الشعرية وعاميتها يف مجيع مراحلها ، منـذ كوـا فكرة وحىت استوت على سوقها ، مث بعد ذلك قد ومسنها بعنوان يرى أنه األنسب لتلـك

ع عنوانا للقصيدة أنسب مما يضعه القصيدة ، والذي يفرضه املنطق أنه ال ميكن ألحد أن يضقائلها ملعايشته هلا وسريه يف ركب تكوا حرفا حرفا ، ولكن الذي حيد من إطالق القـول السابق هو عدم احتفاء بعض الشعراء بعنوان قصيدته ، بل إن هناك من يرسلها بال عنـوان

ولة فيما مضى فإن اعة وإن كانت مقبنأصال ؛ لقناعته بعدم جدوى العنونة ، ولكن هذه الققبلها يف أغلب األحوال ، والناقد أو الدارس عند تعرضه ألي عمـل يالواقع األديب اليوم ال

أديب بدراسة أو حتليل البد أن يقف بتمعن عند عنوان ذلك العمل ويتعمق فيه تعمقا تفصيليا فإننا نود مناقشة من متطلبات النظرية النقدية املعاصرة، وهنا، على حنو ما أشرنا إليه مسبقا

تألقا يف مالسمات اليت ينبغي توفرها يف العنوان لكي يصبح مناسبا للقصيدة وصادقا عليها وإبداعيته وفنيته ، وأول هذه السمات الداللة على املضمون ، حبيث تكون مجيع أفكار ومعاين

سـمات أن القصيدة مندرجة حتت هذا العنوان ومتناسلة من حقله الداليل ، وثاين هـذه ال يكون متناسقا ومتوافقا مع الشعور واالنفعاالت يف التجربة الشعرية ، ومن مسات العنـاوين اجليدة الوضوح ، والتصوير املشرق الصادق ، والتناغم اإلبداعي أو اإليقاعي ، ملـا حيدثـه ذلك من متعة مجالية لدى املتلقي ، وسوف ندرس فيما أمناط العناوين املتكررة أو األثـرية

. يف شعر الرثاء السعودي باخلروج وهذا العنوان يكون مشريا إىل مضمون القصيدة بصراحة :املناسبة / العنوان _ أ

ووضوح ، والقارئ فيه يكاد يعرف املضمون قبل قراءة القصيدة والـدخول إىل عاملهـا ، أو مدينة أو وغالب أشكاله اليت يرد ا أن يتضمن اسم الشخصية املرثية سواء كانت إنسانا

: معلما أو غري ذلك ، ومن هذه العناوين ما يلي ) من ديوان يف زورقي ، لعبد اهللا بن إدريس : ( مأساة الطائرة _ ١ ) من ديوان مطلع الفجر ، إلبراهيم فودة : ( إىل روح ولدي _ ٢

Page 236: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

) من ديوان ترانيم الليل حملمود عارف : ( إىل جنة اخللد يا خالد _ ٣ ) من ديوان على رىب اليمامة لعبد اهللا بن مخيس : ( جالجل مأساة _ ٤ ) من ديوان صدى األشجان حلسن الزهراين : ( جلني _ ٥

ويف مثل هذه العناوين قد مت حتديد املناسبة والتصريح باملرثي ،غري أنه قـد يوجـد عنـاوين عناوين أخرى تكون أكثر توسعا فال يتحدد املرثي وال يصرح بامسه ، بل إن هذه ال

: تصبح صادقة على كل قصيدة رثائية ، ومن ذلك ) من ديوان من نبع احلياة لعلي بن حسني الشهراين : ( رثاء _ ١ ) من ديوان ترانيم الليل حملود عارف :( رثاء رجل _ ٢ ) من ديوان عيناي فداك لسلطانة السديري : ( إىل العزيز الراحل _ ٣ ) قلب حلمزة إبراهيم فودة من ديوان حلن : ( دموع وأسى _ ٤

املناسبة تكون فضفاضة وغري صادقة على مضامني / وهذه األنواع األخرية من عنوان قصائدها ملا يعتورها من توسع غري حمدود ، أما القسم األول فهو أكثر دقـة وحتديـدا وإن

ـ غفت بريق فنيتهما املباشرة والوضوح فألخكان كال األمنوذجني قد أ ي نزعـة يا لدى املتلق . التأمل والبحث والتفكر

: الوصف أو العنوان الوصفي / العنوان _ بوهذا النمط يكون أقرب إىل اإلبداع من سابقه لوجود عنصر التصوير واخليال فيه ، ويكون هذا الوصف صادقا على جتربة الرثاء يف تلك القصيدة ومعربا عنها ، وغالبا ما يكون

راثي ، وقد يكون وصفا هلول املصيبة أو فاجعة املوت أو إحاطة الوصف فيه إما للمرثي أو لل : القضاء والقدر ، ومن مناذج هذه العناوين ما يلي

، فهذا العنوان قـد ) من ديوان جراح األمس ملطلق الثبييت : ( الرحيل املفاجأة _ ١ . أتى وصفا أو صورة للموت بفجأته املروعة

ة خلالد بن عبد العزيز اخلرعان ، والقصـيدة يف قصيدة خمطوط: ( فقيد املفاخر _ ٢ . رثاء األمري فيصل بن فهد ، وعنواا وصف لألمري املرثي ـ رمحه اهللا ـ

Page 237: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

قصيدتان من ديوان األملعيـات للشـاعر زاهـر : ( فقيد العلم ، فقيد اإلسالم _ ٣ية يف رثاء الشـيخ األوىل يف رثاء الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ ، والثان) األملعي

. حافظ احلكمي ، ويف كال القصيدتني قد أتى العنوان وصفا للعامل املرثي والعنـوان ) من ديوان بني فجر وغسق لعثمان بن سيار احملارب !! : ( ال مفر _ ٤

يصف حال اإلنسان أمام جميء املوت ، وينفي قدرته على الفرار ، والقصيدة يف رثاء ضحايا . هـ ، ومات مجيع ركاا ١٤٠٠ترقت يف مطار الرياض عام الطائرة اليت اح

: العنوان املقتبس _ ج وهو من أكثر العناوين رواجا يف الشعر احلديث ، وينقسم إىل نوعني ، أوهلما مقتبس

يكون العنوان بيتا أو شطرا أو جزء شطر من القصيدة داخلي أو من ذات القصيدة ، حيث، وقد يكون كلمة حمورية أو مهمة يف بناء القصيدة ، والنـوع أو مطلعا أو خامتة للقصيدة

الثاين املقتبس اخلارجي ، حبيث يكون العنوان مقتبسا من القرآن الكرمي أو احلديث الشريف : أو الشعر العريب أو غري ذلك ، ومن أمثلة هذه العناوين ما يلي

، ) بد اهللا بن إدريس من ديوان يف زورقي لع: ( من ذا يقيس الدر باألصداف _ ١ : حيث جاء العنوان شطر بيت يف القصيدة وهو

)١( من ذا يقيس الدر باألصداف هو نادر يف عصرنا هو درة وقد جـاء ) من ديوان يا فدى ناظريك لغازي القصييب : ( يا فدى ناظريك _ ٢

: العنوان عبارة تصدرت متكررة ستة أبيات يف القصيدة ومطلعها )٢( راح من ألف فرسخ يتوعد ظريك كل جبان يا فدى نا

والعنوان هو العبـارة ) من ديوان قحط احملبة حلفيظ الدوسري : ( نا للحفر كل_ ٣ . اليت ختمت ا القصيدة

ويفتقد هذا النوع اإلبداعية املنشودة إال أنه قد يلتمس له ما فيه من تأكيد على أمهية ة مهمة يف البناء الشعري ، وقد محله بعض الدارسني على ما مت اقتباسه واالحتفاء به كجزئي

١٧٨عبد اهللا بن إدريس ، ص: يف زورقي ) ١( ٩غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ٢(

Page 238: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

وأظن أن أكثر ما يندرج حتته إمنـا وضـع ((: النقص الفين يف الشخصية اإلبداعية ، فقال )١( ))عجزا عن إجياد العنوان املالئم

أما النوع الثاين وهو املقتبس اخلارجي فهو أقل ورودا من النوع السـابق ، ولكنـه املقتـبس / من اإلبداعية أكرب ، ألنه يدل على مبدأ االنتقاء واملوازنة ، فالعنوان مؤشر حليز

اخلارجي ال يتم إال بعد فحص واستقراء مث انتقاء ، كما أنه حيمل عنصر املوازنة بني مـا مت اقتباسه يف منظومته األساس وبني ما يعضده أو يوازيه يف القصيدة اتلب إليها ذلك العنوان

: أمثلة هذا العنوان ، ومن ) من ديوان النغم احلزين للشاعر علي النعمي : ( طوىب هلم وحسن مآب _ ١وقد ) للشاعر جاسم الصحيح من ديوان أعشاش املالئكة) : ( جزء عم ( مرثية _ ٢

.قاهلا يف رثاء عدد من الشباب الذين قد توفوا بعد عودم من العمرة يف حادث مروع من ديوان القـدس أنـت لعبـد الـرمحن ( يار إىل نصر جرار من جعفر الط_ ٣

ويكمن االقتباس يف هذا العنوان من استدعاء الرمز التارخيي ذلـك الصـحايب ) العشماوي وقد برزت يف هذا العنوان ويف ما تضـمنته ـ رضي اهللا عنه ـ ) جعفر الطيار ( الشهيد

ا وأا عنصر إبداعي متوافر يف مثـل هـذه القصيدة مجاليات املوازنة اليت أشرنا إليها سابق . العناوين

: العنوان التأملي أو الرمزي _ د ويأيت غالبا نتيجة القلق والتأزم الذي يعيشه الشاعر عند مواجهة املوت وفقـد مـن حيب ، فيذهب إىل التأمل يف احلياة واملوت ، واسترجاع الذكريات ، فيضع عنوانا يعكـس

العنوان التأملي منبعثا من رؤية فلسفية تقوم على اإلحياء والرمز وهذا ذلك كله ، وقد يكون ما جيعل هذا النوع أكثر إشراقا يف إبداعيته من األمناط السابقة ، ولكنه أحيانا قد يأيت مبالغا فيه فيلفه شيء من الضبابية والغموض ، وإذا وصل العنوان إىل هذه املرحلة فإنـه سـيفقد

: تتالشى داللته وفاعليته ، ومن مناذج العناوين التأملية جته وتأثريه ، وس

٢٨٠ص ، ٤-٣، عدد ٢٥عبد اهللا بن سليم الرشيد ، مج : العنوان يف الشعر السعودي : جملة عامل الكتب ) ١(

Page 239: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

لغة الشمس لعبـد اهللا بـن سـليم منمن ديوان حروف : ( رعشة الذكرى _ ١ ) . الرشيد

من ديوان من غربة الشكوى : ( عندما يكتفي الساحل األبدي بصمت العباب _ ٢ ) بن عبد الرمحن الزيد يتلو سراج الروح ، للشاعر عبد اهللا.. ، يسري كتاب الوجد

) من ديوان رقصة عرفانية للشاعر جاسم الصحيح : ( على قوس قزح دمعة_ ٣من ديوان الوادي املهجور لعبد الرزاق بن محود ( اجلبل الذي عاش بني اجلبال _ ٤ ) . الزهراين

تمع وأحيانا قد يوجد شيء من التداخل بني أمناط هذه العناوين ، فنجد عنوانا قد اج : فيه أكثر من منط ، ومن أمثلة ذلك ما يلي

من ديوان األعمال الكاملة حملمد : ( دمعة من القلب ) علي محود أيب طالب ( _ ١ ) . السنوسي من ديوان عندما يعزف الرصاص لعبد الـرمحن : ( وسام العز يف وجه عائشة _ ٢

) . العشماوي من ديوان ظلي خلـيفيت علـيكم ( : غربان على نعش هابيل ) .. كوسوفا ( _ ٣

) . جلاسم الصحيح هذا التداخل إضافة .. وهذا التداخل بني العنوان االمسي والعنوان الوصفي أو التأملي

يسـجل سـريورة تطوريـة يف شـعرية ) العنوان التأملي الرمزي ( إىل النمط السابق له ومن .. ان االمسي إىل العنوان النصي من العنوتنحو إىل االجتاه بشعرية العنونة ((.. العناوين

وما ) االمسية ( الشعراء من حاولوا يف جتارم األخرية املواءمة بني الطريقة العتيقة يف العنونة )١( ))حتملهم عليه اخلربة الشعرية من شحن هذا النمط القدمي مبعوضاته اإلحيائية

، ١٣، م ٥٢هــ ، ج ١٤٢٥حداثة النص الشعري يف السعودية ، عبد اهللا فيفي ، ربيع اآلخر : جملة عالمات ) ١(

٢٠٨ص

Page 240: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: املطلع _ ٢طلع من أهم أجزاء القصيدة ، وقد اتفقوا على مل خيتلف القدماء واحملدثون على أن امل

هذه األمهية بدرجات متفاوتة ، فمنهم من يؤكد على ضرورة االحتفاء باملطلع تأكيدا بالغا ويرى أنه أهم أجزاء القصيدة وأنه مبقدار جودته تكون جودة القصيدة ومدى تأثريهـا يف

برز االهتمام بـاملطلع بـروزا النفوس ، ومنهم من يتنازل عن بعض ذلك ، وعند القدماء واضحا وتردد احلديث حوله يف جل كتابات النقاد القدماء ، فابن رشيق يتحدث عن املطلع

الشعر قفل أوله مفتاحه ، وينبغي للشاعر أن جيود ابتداء شعره ، فإنه أول مـا ((: فيقول مقـام آخـر ويصفه يف .. )١( ))يقرع السمع ، وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة

، وقد تداولت كتـب )٢( ))حسن االفتتاح داعية االنشراح ، ومطية النجاح ((: فيقول منها االبتداء ، واالفتتاح ، واالستهالل ، واملطلع ، ((النقد العريب القدمي املطلع بعدة أمساء ،

والبسط ، ومن الواضح أيضا أا ليست اصطالحات أو أمساء ذات دالالت علميـة متفـق عليها كاملصطلحات اليت اتفقوا عليها يف خمتلف العلوم ، وإمنا هي تعبريات فردية تنبئ مـن

ما اختلفوا يف التسمية فقد اختلفـوا يف ، وك )٣( ))خالل مادا واشتقاقها عن املقصود ا أهل املعرفة بالشعر ونقده خمتلفون يف داللة املطلع ، (( ومعلوم أنالتحديد الدقيق للمطلع ،

، )٤( ))فبعضهم يرى أنه ليس البيت األول وال البيت الكامل ، وإمنا هو أول البيت فقـط ولكن الراجح واملشهور عندهم أن املطلع هو أول بيت من القصيدة ، ولذا فإننا جند كتب

حينما تذكر بعض القصائد كاملعلقات مثال تشري إىل مطلع املعلقة ذاكرة البيت تاريخ األدب ) املقدمة ( ند القدماء وهو ما يف النقد احلديث فقد نشأ مصطلح مل يكن معهودا عاألول ، أ

و ) املطلع ( به بداية القصيدة أو الفكرة األوىل فيها ، وعند بعضهم ال يتم التفريق بني ويعىن

بـريوت ، ( ، ٥حتقيق حمي الدين عبد احلميد ، طابن رشيق القريواين ، : ونقده وآدابه العمدة يف حماسن الشعر ) ١(

. ١/٢١٨ ،) هـ ١٤٠١دار اجليل للطباعة والنشر ١/٢١٧: املصدر السابق ) ٢(القاهرة ، مطابع اهليئة املصـرية العامـة ( ، ١عبد احلليم حنفي ، ط: د: مطلع القصيدة العربية وداللته النفسية ) ٣(

١٣ص) م ١٩٨٧للكتاب ، ١:٢١٥ابن رشيق القريواين ، : العمدة يف حماسن الشعر وفقده ) ٤(

Page 241: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بل يستخدمان يف التناوب للداللة على شيء واحد ، ومن أولئك صاحب كتاب ) املقدمة ( فلم يفرق فيه املؤلف بوضوح بن املطلـع (() دة العربية يف الشعر اجلاهلي مقدمة القصي(

واملقدمة ، وكأنه يعدمها شيئا واحدا ، ولذلك كأنه جتاهل املطلع ، وصب حديثه كله ضمنا على أن كل ما يسبق موضوع القصيدة من العناصر واملعاين فهو مقدمة ، ولـذلك كـان

، وقد يفرق بعضهم بني املطلع واملقدمـة )١( ))املفهوم حديثه كله يدر حول املقدمة ذا فقد سارت دراسته على أساس أن ) بناء القصيدة العربية ( كما فعل يوسف بكار يف كتابه

املطلع هو البيت األول من القصيدة ، وأن املقدمة هي كل التمهيد الذي يسوقه الشاعر قبل استخدام سات النقدية احلديثة قد غلب عليها من الدرا االدخول يف موضوعه ، كما أن كثري

ا تداوهلا النقاد القدماء ، ولكنها قد مالت يف غالبـها إىل ثلمممصطلحات افتتاح القصيدة املطلع هو الفكرة أو العنصر األول يف القصيدة سواء أكان بيتا أم عدة أبيات ، وهذا اعتبار

الواقع وأمام املنتج اإلبداعي املعاصـر فإنـه ما منيل إليه وسنسري عليه يف دراستنا هنا ، ويف األقرب إىل الصواب ، ألن القصيدة املعاصرة قد أصبحت تأخذ مببدأ وحدة املوضع ، وقـد ختلت عن أمنوذج القصيدة التراثية القائم على تعدد املوضوعات بدءا بالوقوف على األطالل

هو يف الغالب األعم املدح ، فوصف الرحلة مث الغزل وحىت الوصول إىل غرض القصيدة ، وووحدة موضوع القصيدة احلديثة هو الذي حيتم زيادة االهتمام مبطلعها أو مقدمتها حيـث ينبغي أن تكون متسقة مع موضوع القصيدة ومنسجمة معه ، ويف هذا ما يزيد مـن عنـاء

التراثية ، ألن عند بناء قصيدته الشاعر احلديث يف جتربته الشعرية إذا ما قيس بالشاعر التراثي املطلع عند األخري أمنوذج متعارف عليه وواضحة معامله فهو ال حيتاج إىل عنصر االبتكاريـة

. والتأمل املتعمق ، على خالف ما يواجهه الشاعر املعاصر وعند النظر يف القصيدة املعاصرة مبا يف ذلك شعر الرثاء السعودي فإننا سـنلمح يف

فيه بني مد واحنسـار مـن هلما تقليدي تتفاوت نسبة التقليدية مطلعها منطني متوازيني ، أوشاعر إىل شاعر ومن قصيدة إىل أخرى ، وثانيهما جتديدي حياول إثبات ذاته والتخلص من الكالسيكية املنحوتة وقد ساعد على انتشاره الشكل اجلديد للقصيدة املعاصرة ونعين به شعر

١٤عبد احلليم حفين ، ص: د: العربية وداللته النفسية مطلع القصيدة ) ١(

Page 242: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

كما هـو التقليدية وخري مثال لذلك التصريعاملطلع التفعيلة ، ألنه ال تتأتى فيه جل عناصردارج مألوف يف القصيدة التراثية ، وحنن هنا سندرس املطلع على أساس هذا التقسيم كمـا

: يلي : املطلع التقليدي _ أ

قبل الولوج إىل هذا املوضوع ومناقشة مناذجه ومساته املوضوعية والفنية فإنه ينبغي لنا املطلع ؛ مث حجم وجوده قياسا إىل غريه ، وحماولة تفسري هذا الوجـود، ذاه مناقشة وجود

فاملطلع التقليدي قد ورد كثريا يف قصائد الرثاء السعودي ، ولعل هذا يرجع إلىجانب املدح واهلجاء والفخر والغزل ، وليس من األغراض أو الفنون اليت وجدت متأخرة أو تفرعت عن

الال حمددا نتيجة لعوامل فكرية واجتماعية وزمانية متعددة أغراض أخرى فأخذت متيزا واستق، وسبب عنصر التعمق واألصالة يف فن الرثاء فقد بقي يف أغلب أحواله متمسكا مبقوماتـه التراثية يف الشكل واملضمون ، ومن هذه املقومات املطلع التقليدي ، غري أننا هنا نود إضافة

ية يف التراث يتميز عن غريه من مطـالع األغـراض شيء مهم وهو أن مطلع القصيدة الرثائمن مناسبته والتصاقه ا ، ولذا فقد كان املألوف عندهم أال يكون املطلـع هاألخرى ، بقرب

مقدمة طللية أو غزلية كما هو مشهور يف القصيدة التراثية ، وقد نقل ابن رشـيق عنـهم مرثية أوهلا نسيب إال قصيدة دريد وقال ابن الكليب ـ وكان عالمة ـ ال أعلم ((: قوهلم

: بن الصمة ، ولكن )١( )) بعاقبة أم أخلفت كل موعد أرث جديد احلبل من أم معبد

ومع كرههم هلذا األمر منطلقني من عدم وجود التالؤم بني املطلع التراثي والرثاء إال أنه قد . )٢(وجد مناذج رثائية احتوت على مقدمات طللية أو غزلية

أن هـذه عند النظر يف املقدمات التقليدية يف شعر الرثاء السعودي فإننـا سـنجد وتقليدي يف هـذه املطـالع هـو املقدمات تتفاوت يف درجة تقليديتها ، غري أن أبرز ملمح

٢/١٥١ابن رشيق القريواين ، : العمدة ) ١(، ) م ١٩٩٨دمشـق ، دار الـنمري للنشـر ( ١ط حسني مجعة ،: قصيدة الرثاء ـ جذور وأطوار ـ : انظر ) ٢(

١٢٨ - ١٢٣ص

Page 243: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

دة ، فاهتم به الشعراء مـن ناحيـة ، يوإذا كان القدماء قد عنوا مبطلع القص ((.. التصريعية أخرى ، فذلك لعلمهم بأنه أول ما يقرع السمع ، فشرطوا فيه ووقف عنده النقاد من ناح

ما شرطوه ، من ناحية املعىن وناحية اللفظ ، وزادوا من كمال مجاله أن يكون تام املوسيقى ، ومهما حدث من تطور وتغري يف بناء الشعر العريب إال أن األذن العربية )١(.. ) بالتصريع

دى الشعراء الذين يكتبون الشعر األصيل بصورته الكالسيكية ال تزال تعشق إيقاع التصريع لومنطيته التراثية مثل حسني سرحان وعبد اهللا بن مخيس وزاهر األملعي وحممد بن سعد بـن

وغريهم ، ومن مناذج التصريع يف املطلع قول حممد بن حسني يف رثاء األسـتاذ ... حسني : الدكتور حممد حممد حسني

)٢( وطوت صحائف عمرك األيام األقالم صمت الصرير وجفت له علي بن أمحد النعمي يف رثاء شهداء حريق اومن أمثلة التصريع يف املطلع أيضا ما ق

: هـ مبطار الرياض ١٤٠٠الطائرة عام )٣( ر خايبـكوكب آفل ، وآخ ما لوجه الرياض كالليل كايب

وبني موضوع القصيدة ، وال وما نلحظه يف هذه املطالع هو التناسب والتناسق بينها جند فيها من مالمح التقليدية سوى االلتزام بالعروض اخلليلي والتصريع ، ولكنها يف الوقت

املطلـع ( مباشرة ، مما جيعلنا ندرجها حتت ما يسمى بــ إىل موضوعها نفسه قد وجلت ي مطلع وهو الذي يتناول موضوع القصيدة مباشرة ويلج فيه دون مباشرة ، فف) املوضوع

يف الشطر األول وهي ) صمت الصرير ، جفت األقالم ( مرثية حممد بن حسني جند اجلمل عبارات تفيد وقوع املصيبة وحدوث خطب جلل ، مث تأيت بعد ذلك اجلمل يف الشطر الثاين أكثر إفصاحا وبيانا وكأا تفسري وتعليل لصمت الصرير وجفاف األقالم حيث تطوي األيام

وليس هناك ما يعود ) صحائف عمرك ( رثي ، وهنا خيرج ضمري املخاطب صحائف عمر املعليه ، وكأن يف هذا استثارة لذهن املخاطب لكي يتأهب ويترقب اإلبانة واإلفصاح عن هذا

. ٣٠٧ص) ١٩٨٣القاهرة ، دار ضة مصر ، ( ١طأمحد أمحد بدوي ، : أسس النقد األديب عند العرب ) ١( ١٢٤حممد بن سعد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ٢( ١٠٣علي أمحد النعمي ، ص: النغم احلزين ) ٣(

Page 244: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

املخاطب ، كما أنه حيمل مجالية أخرى هلا ارتباط بنفس الشاعر الراثي ، فاملخاطب حاضر التمكن وامتالء النفس به وفاء وحبا جاء البيـت األول متمكن فيها ، ولعظم هذا احلضور و

حممال بكاف املخاطب ، الذي يعود على شخصية حاضرة وماثلة أمام الشاعر ، ولقوة هذا احلضور والتمثل فال داعي لذكر املخاطب علما بارزا ، ألنه حاضر أصيل ، إضـافة إىل أن

الرتباط واالقتراب النفسي من ذلك املفقود يف خماطبة املرثي من قبل الراثي ما يشري إىل قوة اوحماولة تعويض فقده مبخاطبته والتحدث إليه ، وقريب منه مطلع النعمي يف مناسبة موضوع ـ دالقصيدة ، غري أنه أكثر عمومية من مطلع بن حسني ، ولكن هذه العمومية تتالشى عن

: تفصيل أو الشرح له وهي قراءة األبيات التالية للبيت األول ، واليت قد أتت مبثابة ال بوحشة واكتئـاب .. ـراق فيه ما الذي أبدل الصباحة ، واإلشـ

كيف يل أن أجيب من هول ما يب جاوبتين ، والدمع ملء املآقــي )١( عود ثقــــابوهليب بفعل املطار دخـانيف ))الترسيتار ((

القصيدة ببيـت واحـد ، وهذا يوضح لنا عدم اختزال املقدمة أو الفكرة األوىل يفوهذه الفكرة قد قامت على تساؤل وإحلاح من الشاعر نالحظ تكرره يف صدري البيـتني

، مث يأيت جواب هذا التسـاؤل يف .. ) ما الذي أبدل .. ما لوجه الرياض ( األول والثاين الدقيق ، وهنا لنا وقفة جديرة بالتمعن والتحليل ) بتين وجا( البيت الثالث على لسان مؤنث

، وهو جنوح الشاعر إىل إجياد مؤنث يتخاطب معه ، وكأن يف هذا إملاح إىل التأثر باملطالع الصباحة ـ اإلشراق ( الغزلية يف القصيدة التراثية ، ويبدو هذا التأثر يف ألفاظ ومجل األبيات

وهي من قاموس الصـبابة والوجـد يف ) ـ وجه الرياض ـ الدمع ملء املآقي ، الوحشة قصيدة الغزلية أو باألصح املطالع الغزلية ، ولكن الشاعر هنا مل يقع حتت السيطرة الشكلية ال

للمطلع التراثي كما هو يف صورته الكالسيكية املنحوتة ولكنه استغل ذلك استغالال مجاليـا يتوافق مع واقع جتربته الشعرية ، فهو من الذين يستلهمون التراث استلهاما عصريا أو متوافقا

ع واقعهم اإلبداعي ، فيعربون بالتراث وال يعربون عنه ، وقد تكون هذه النمطية الشكلية م

١٠٤علي بن أمحد النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١(

Page 245: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

يف مقدمة الشاعر قد وقعت دون وعي مقصود أو إرادة مبيتة ، ولكنها قد أتت عفوية نتيجة . واالستقراءالتفاعل مع التراث األديب قراءة وحفظا أو إطالعا بأي وجه من وجوه املعرفة

ت املقدمة الغزلية عند علي النعمي قد أتت غري واضحة املعامل أو قد تكلفتها وإذا كانالقراءة التحليلية للنص األديب ـ عندما نتواطؤ مع من يقول ذلك ـ إذا كان األمر هكـذا فإننا قد جند شعراء آخرين قد برزت لديهم املقدمة الغزلية بصورة أكثر جالء وإفصـاحا ،

ائد الرثائية لزاهر األملعي ، وقد قاهلا يف رثـاء الشـيخ حـافظ ونلمح هذا يف إحدى القص : احلكمي ـ رمحه اهللا ـ وكان مطلع القصيدة

ا ــفأيقظ من عواطفها املنام اـطيفي وهامسرى يف حبها اــواللثام الستائروكشفت راب ـــفلما خلتها ودنا اقت

اــضراميهز القلب يشعله بـحنيدنت مين وهاجت يف ؟ اـعالمأخطب يف دنانا أم اذا ؟ ـت أيا ابنة األحرار مفقل

)١( مافجاف النوم واجتنب الغرا رهيبفقالت قد دهى خطب حبها ـ طيفي ـ هاما ( ويف هذا املطلع قد برزت بكثافة شديدة لغة املطالع الغزلية

كر واملؤنـث إضافة إىل األسلوب احلواري بني املذ) ـ املنام ـ اللثام ـ النجيب ـ الغرام ومل يستطع الشاهر هنا ختليص مطلعه من سيطرة النسيب ، بـل ظـل ) قلت وقالت ( بـ

يف ) الرثـاء ( املطلع حمافظا على أسلوبه الغزيل اخلالص إىل أن انتقل إىل موضوعه األساس البيت اخلامس تقريبا ، أما األبيات األربعة األوىل فال جند فيها ما يتصل مباشرة مبوضـوع

ألن الشاعر بعـد ، صيدة أو يكشف عنه ، وال يعين هذا عدم صالح املطلع أو مناسبته القذلك قد أحسن التخلص مما أحدث وئاما بني املقدمة وموضوع القصيدة ، ولكنه يعين أيضا

جند شاعرا آخر قد حاول إجياد شيء وهناوقوع الشاعر حىت أسر املطلع التقليدي الصرف املطلع الغزيل وموضوع الرثاء يف إحدى مراثيه وهو عبد الرمحن بن من املزاوجة والدمج بني

: ومطلع قصيدته .. ماجد بن ربيعان الترب صريها ترابــا نوبط ابا نأت سلمى وأبقتين مصــ

١٣٤زاهر األملعي ، ص: األملعيات ) ١(

Page 246: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

أسائلها املآب وال مآبـــا نأت عين وأبقتين وحيـــدا )١(ودمع العني ينسكب انسكابا املزار بركب سلمى شط لقدلكن الشاعر مل ينجح على املستوى الفين يف هذه املزاوجة ، وقد تركز عدم جناحه و

.. ) وبطن التـرب صـريها .. نأت سلمى ( يف التنافر املوجود بني شطري البيت األول فاألول غزل صريح واألخري رثاء صريح ، أما بقية أبيات املطلع فهي تتوافق وتتماشى مـع

سيطرت عليها لغة تلك املطالع كما هي يف وضعيتها التراثية حنو ، وقدمسات املطالع الغزلية وقد أكسبها ذلك جانب األصالة واجلزالة ، ومع أننا ) نأت ، شط املزار ـ ركب سلمى (

قد أشرنا إىل ما أحدثته املزاوجة املوضوعية من تنافر بني شطري البيت األول إال أننـا قـد أراد إشعار املتلقي مبوضوعه من أول بيت يسمعه ، نلتمس للشاعر خمرجا من ذلك وهو أنه

كي ال يتفاجأ املتلقي بنغمة احلزن ولغة الندب والتأبني بعد االسترسال مع النسيب ، ويعضد ما نذهب إليه هنا أنه بعد هذا اللفت السريع إىل موضوعه يكتفـي باإلشـارة دون مزيـد

عد ذلك على حنو ما جنـده يف الـنص تفصيل أو استطراد مث ميضي يف النسيب لعدة أبيات ب .أعاله

وكما وجدت املقدمة الغزلية كأمنوذج كثري الورود يف القصيدة التراثية ؛ فقد كـان ومن املوضوعات اليت تتصـل اتصـاال ((املطلع احلماسي كثري الورود يف القصيدة الرثائية

سية يريدون ا أن يـثريوا واضحا باحلماسة الرثاء ، فقد كانوا يرثون أبطاهلم يف قصائد محا، وهذا ما دفع بعض النقاد والباحثني إىل رد شعر احلماسة يف )٢( ))قبائلهم لتأخذ بثأرهم

فاألشعار احلماسية أو املوثبـات ((نشأته وتكونه األوىل إىل غرض الرثاء وأنه قد تفرع منه .. بقصائد خاصة ـا واملنذرات خرجت من عباءة قصيدة الرثاء ، مث استقلت مناذج منها

وأضحت تقال قبل الوقائع احلربية لتحميس املقاتلني ، كما تقال بعدها ، وقد تضـخمت وكثرت لكثرة االصطراع بني القبائل ونشوء األحالف فيما بينها ، وقد يكون هذا التضخم

.ن صاحبها قصيدة خمطوطة حصلت عليها م) ١( ٧شوقي ضيف ، ص: الرثاء ) ٢(

Page 247: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

لعامل حروب وقضايا ا، ويف الزمن املعاصر قد أوجدت )١( )).. وراء الوهم القائل بأسبقيتها اإلسالمي شعرا محاسيا وافرا ، كما زخرت مراثي الشهداء أو املدن اإلسالمية املنكوبـة يف تلك احلروب مبطالع محاسية متنوعة االجتاهات واألساليب ففيها التهديد والوعيد ، وفيهـا

رمحن إخل ، ومن مناذج هذه املطالع ما قاله عبد ال.. التنديد والتحدي ، وفيها اللوم واملعاتبة اليت اقتطف روحها الربيئـة رصـاص ) إميان حجو ( العشماوي يف رثاء الطفلة الفلسطينية

: العدو اإلسرائيلي أي غدر يف روابيها يشيع ؟ أي ذنب خائن أي قطيع مأساة هلا وجه مريع ؟ أي أي جرح يف محاها نازف )٢(مينح العاري ثوبا من صقيع أي عصر مل يزل قانـونه

أن هذا املطلع قد أتى مشحونا بلهجة التنديد والغضب الشديد إال أن الشاعر مل ومعيندفع وراء عاطفته فيأيت بلغة الشتم والتحدي املتهور الذي قد ال جيدي كثريا أمام االنتشار اإلعالمي والتواصل اإلخباري املعاصر ؛ ولكنه قد ساق تساؤالته يف جمال النقد اإلنسـاين ،

.ضحا ـ هذا النقد يف البيت األخري ويتركز ـ وا

١٤٠حسني مجعة ، ص: د: قصيدة الرثاء ـ جذور وأطوار ـ ) ١( ٥٧عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٢(

Page 248: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: املطلع التجديدي _ ب، وما هي ماهيته قبل الولوج إىل هذا املوضوع البد من الوقوف على قضية التجديد

ومساته ، وهي قضية شائكة وبعيدة املنال التساع آفاقها وتعدد مضاا ، وأمام هذا االتساع طة الحتياج ذلك إىل دراسات متخصصة تتبـع والتعدد لن ننكر العجز عن وقفة شاملة حمي

ذلك املوضوع وحتدد معامله وترصد اجتاهاته فكيف يتأتى ذلك لدراسة مل يكن ذلك هدفها األساس ، ولكننا ـ ومع ذلك كله ـ ملزمون بتحديد مسات التجديـد حتديـدا إمجاليـا

ن مسات اإلبـداع به إصدار أحكام تقوم على القياس والتقومي ، فالتجديد عموما منستطيع ومن خصائصه املالزمة له على مر العصور ، ألن الفنون تتأثر مبتغريات احلياة وما يطرأ عليها

ـ ات الظـاهرة األدبيـة يف مجيع ااالت فيكون نتاج ذلك التحول والنمو ، وهذه من مسبعمومها ، واألدب العريب يف كل عصر من عصوره يلمح املتتبع لتارخيه جتديدا وتغريا طارئا يف كل عصر ، ولكن مجيع مسات التجديد يف العصور السابقة مل يكن هلا ثقل ما حدث يف

رديـا بـتغري العصر احلديث ، وهذا يؤيد ما أشرنا إليه سابقا من أن الظاهرة األدبية تتغري طاحلياة يف جماالا املختلفة ، فالعصر احلديث يعد نقطة حتول جذرية يف سلوك احلياة اإلنسانية وما ذلك إال بسبب ما أحدثته الثورة التكنولوجية والتقنية يف إنسان العصر احلديث ومجيـع

منا حاليا شؤون حياته ، وحينما خنتزل هذا التطور والنمو يف اإلبداع الشعري بصفته ما يهفإننا سنجد أن الشعر العريب احلديث قد حاول يف البداية مواكبة التحول والتغري العصري مبا سنجده يف مدرسة الديوان وأبولو واملدرسة املهجرية ولكن تلك احملاوالت التجديدية ظلت

حلياة شديدة االرتباط والتعلق مع ما قبلها ومل تشبع الرغبة التجديدية واإلحساس بتحوالت ا، .. اجلذرية ، فكان البد من مواكبة ذلك التحول احليايت اجلذري بتحول إبداعي جذري

ولكن هذه الرغبة العارمة واملتأججة حبياة مضطربة متغرية قد وجدت مناهلا يف الشعر احلـر لكونه حدثا طارئا يف الشعر العريب ، وقد أوجد هذا الشكل اجلديد جماال رحبـا ـ أمـام

من تكوينات التغيري والتجديد ، ألن البقاء يف منطية الشكل األصـيل أو األوزان املبدع ـ اخلليلية سيظل ـ ومهما حاول املبدع ـ حيمل شيئا من العوائق أمام االنطالق وذلك ملـا

وصا الوزن ن ودار ا الذوق ولعل أبرزها شخيكتنـزه هذا الشكل من مسات قد ألفتها األذ

Page 249: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

يس مبن املستغرب أن جند شاعرا يكتب دون وعي أو إدراك أحد أبيات والقافية ، ومن هنا فلالسابقني أو شطرا أو حنو ذلك ، وهنا ننتهي إىل أن احملطة األوىل يف التجديد احلـديث يف الشعر العريب هي الوزن اجلديد لذلك الشعر وقد تبع ذلك عدد من السمات واملالمـح يف

. الفكر واللغة واخليال رز النقاد الذين حاولوا رصد التغري والتجديد يف القصيدة العربية احلديثـة ولعل من أب

مل يعد الشـاعر احلـديث ((: الدكتور علي عشري زايد ، فوصف الشاعر احلديث بقوله طريق تلخيص نتائج مغامراته له ، ووضعها بني يديه يف يهدف إىل إمتاع القارئ وإطرابه عن

دغها ، وإمنا أصبح هدفه األول أن يهز قارئه ويقلقه ، وأن أوزان مطربة دهد حواسه وتدغيدعوه إىل رؤية الوجود من زاوية أخرى غري تلك اليت ألف أن يراه منها باسـتمرار ، وأن يقوده إىل مشاركته لذة االرتياد والكشف واملغامرة ، هذه اللذة اليت تتضـاعف وتتعمـق

ذا فإن من أبرز مسات القصيدة احلديثة التفـرد ، ول )١( ))مبقدار ما فيها من جهد ومعاناة والشاعر احلديث يهدف إىل أن ((واخلصوصية حبيث تصبح الرؤية فيها جديدة اإلخراج ،

تكون قصيدته إبداعا بكرا ، ورؤية شديدة التفرد واخلصوصية للوجود ، ومن مث فهو شديد أن نظر إليه منها ، وأن يعاجل احلرص على أن ينظر إىل الوجود من زاوية مل يسبق ألحد قبله

مل تكـن هذه الرؤية اخلاصة بطريقة فنية متفردة ، تفتح أعيننا على جوانب وأبعاد خفيـة لندركها لو مل يفتح الشاعر أعيننا عليها ، وجتعلنا حنسن أن هذا العامل الغريب الذي تقدمـه

مسات القصيدة احلديثـة ، وكذلك من )٢( ))..لنا القصيدة هو من إبداع الشاعر وابتكاره فالرؤية الشعرية احلديثة مل تعد خيطا شعوريا بسيطا وواضحا ، وإمنا أصبحت ((التركيب ،

نسيجا شعوريا متشابك اخليوط ، سداه وحلمته مزيج غريب من املشـاعر واألحاسـيس لثة مـن ، وإضافة إىل مسيت التفرد والتركيب فهناك مسة ثا )٣())..والرؤى واملتشابكة املعقدة

أهم مالمح القصيدة احلديثة وهي اإلحياء وعدم املباشرة ، وقد أصبح النقد احلـديث مليئـا

١٦ص) هـ ١٤٢٣القاهرة ، مكتبة ابن سيناء ، ( ، ٤علي عشري زايد ، ط: عن بناء القصيدة العربية احلديثة ) ١( ٢١ر السابق ، صاملصد) ٢( ٢٥املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 250: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

فالنص الشعري احلداثي كثريا ما يـأيت ( بصرخات مدوية تناهض اللغة التقريرية املباشرة ، حافال بذلك الضعف اللغوي واألسلويب ، املتدرج من اللغـة التقريريـة ، فـالتكرار ، إىل

وعلى ضوء هذه السـمات فإننـا نسـتطيع رصـد التجديـد )١( )). .طاء اللغوية األخوعلى أساسه أيضا سنستعرض املطالع التجديدية يف شعر الرثاء السـعودي ، .. ومالحظته

ولعل من أوىل حماوالت التجديد يف املطلع الرثائي ما فعله أمحد قنديل يف رثاء والده فقد كن : مطلع قصيدته

.. ا اليوم يف صدر هذ ..والقائله .. بني الضحى ..ثاكــله تبكيواألم ..جتري ذاهله واألخت

.. وأخي الصغري .. وأخي الكبري ..وكل العائله .. وأنا

. . أو يصرخ .. أو يهمهم .. كل حيوقل )٢( ..أو عويل .. يف حنيب

كما تريده النظريـة النقديـة وهذا املطلع مل حيفل بسمات التجديد اجلوهرية املعاصرة ، من التفرد والتركيب على ضوء ما أشرنا إليه آنفا ؛ ولكنه يف وقتـه قـد أحدث جتديدا يف املطلع الرثائي ، ويربز ذلك يف عدم التقيـد بالكتابـة الشـعرية املعهودة والقائمة على نظام الشطرين ، إضافة إىل عدم التقيد بقافية حمددة ، ولكـن

نالحظه هو لغة التكثيف ، وهذا التكثيف يربز يف ثـالث دوال هـي احلركـة ما واإلنسان ) اليوم ـ الضحى ـ القائله ( والزمان واإلنسان فالزمان يتأكد تكثيفه يف

األم ـ األخت ـ أخي الكبري ـ أخي الصغري ـ العائلـة ـ ( يتكثف من خالل ـ ( مث تتكثف أخريا احلركة يف ) أنا حيوقل ـ يهمهم ـ يصـرخ تبكي ـ جتري

٢١٣هـ ، ص١٤٢٥، ربيع اآلخر ١٣، م ٥٢ج، عبد اهللا الفيفي : دورية عالمات ) ١( ٦٨أمحد قنديل ، ص: األصداف ) ٢(

Page 251: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

، وبالتايل فإن هذا املطلع عالوة على ما فيه من جتديد شـكلي ) ـ حنيب ـ عويل فإنه حيمل تقنية فنية لغوية قد تؤهله ليصبح مطلعا جتديدا ونعين ا مسـة التكثيـف

هذا اإلحسـاس الداليل واليت حتمل إحياء مؤداه إحساس اإلنسان بالزمان ، وقد ولد... جديدا وهو احلركة الصاخبة وميثلها البكاء واجلري والصـراخ والعويـل نا جتا ) .إخل

وإذا كان املطلع السابق عند أمحد قنديل قد برز فيه عنصر الوضوح والتقريـر فأفقده هذا كمالية التجديد فإننا قد جند لدى من أتى بعده مطالع رثائية قد اتسمت

ثرت اإلحيائية والترميـز ، ومـن آاملباشرة ومبلمحي التفرد والتركيب وابتعدت عن إىل روحي ميخائيـل نعيمـة وخليـل ( ذلك مطلع قصيدة لسعد احلميدين بعنوان

) : حاوي ؤال ــاقرأ بكل متعن من حتت إبط احلرف فاحتة الس

طر من ــاملؤطر يف جتاويف املسواسأل عن املاضي أقاويل الذين مضوا بركب الوقت خلف حادي الوهم

)١( ادا بعيدةآمفهذا املطلع ال يستطيع متلقيه إدراك ماهيته أو معرفة حمتواه ، بل إنه يستدعي مزيدا من القراءة ومضاعفة اجلهد يف سبيل الوصول إىل مغزى القصيدة وال يكتشف املطلع شيئا من الرثاء أومعاينة املطروقة عادة يف الندب والتأبني أو العزاء واملواساة ،

ن هذا اإلصرار لدى الشعراء املعاصرين على ابتداء قصائدهم مبثـل هـذه والواقع أاملطالع املركبة حيمل شيئا من التميز الذي يتناسب مع واقع املتلقي املعاصر ، فاملتلقي املعاصر قد أصبح أمام زخم هائل من العطاء اإلرسايل املتعدد وذلك نتيجـة تـوافر

ددة ، وقد أوجد عنده هذا التضخم شيئا من وتضخم وسائل اإلعالم واالتصال املتع، وقد ال يكون عزوفـا عينيه أتيه أو يقع أماميالعزوف عن قراءة أو مطالعة كل ما

بقدر ما يكون عجزا يف أحايني أخرى ، فهل الشاعر املعاصر قد وعى وأدرك هـذا

٤٨١، ص) م ٢٠٠٣دمشق ، دار الثقافة للنشر ، ( ، ١طسعد احلميدين ، : األعمال الكاملة ) ١(

Page 252: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

ق قـد الواقع املؤسف يف املتلقي املعاصر ؟؟ هل هو بعد ذلك الوعي واإلدراك السابحاول كتابة قصيدته بأسلوب مركب ومليء بالتعقيد والترميز والسيما يف مقدمـة القصيدة لكي جيرب القارئ على مواصلة التتبع واالستكشـاف والبحـث ، ولكـي يقضي على إمكانية عزوف القارئ عن متابعة واستكمال النص ، نقول هذا وحنـن

مث تـأيت يف السـطر ) اقرأ ( نقف على أول كلمة يف مطلع احلميدين السابق وهي، ففعلي األمر هنا قد توجه ما الشاعر إىل املتلقـي طالبـا منـه ) اسأل : ( الثاين

وكأنه يستحثه يف مواصلة تتبع النص ومعرفة ماهيتـه وأهدافـه .. القراءة والتساؤل . اليت قصدها

مرثيته ألمه الـيت أما عبد اهللا الزيد فإننا جند لديه مطلعا رثائيا جتديديا برز يف ، ) يسرف الغائب اآلخر من عزائي ، جيزع احلاضر األول من بكائي ( كان عنواا

ومع ما حيمله املطلع من مسات التجديد الكامنة يف التركيب والتفرد واإلحياء إال أنـه قد اهتم جبانب القافية وحرص عليه يف قصيدته التفعيلية ، وقد يكون ذلك راجعـا

شاعر بسلبية االنفصـام الكلـي عـن التـراث أو عـن القصـيدة إىل إحساس ال : حيث يقول .. الكالسيكية

.. وتلمست عيناي يف لون الندى .. ما قد بدا

.. ما ال حيل به الردى ذا الح الصدى حىت إ

.. وازور من حد املدى )١( ..هامت

االنفصام عن ولعلنا حينما نرجع حرص الشاعر على القافية إىل رغبته يف عدمالتراث نكون قد وضعنا أيدينا على حقيقة يثبتها تتبع النص ومواصـلة اسـتقرائه ، فهذه القصيدة من املراثي الطويلة جدا وقد تداخلت فيهـا األشـكال الشـعرية ،

٧عبد اهللا الزيد ، ص: أغين وحيدا .. الرفاق بقي اجلمر يف قبضيت انبسطت أكف) ١(

Page 253: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

فوجدنا األسطر التفعيلية ، كما وجدنا فيها مقاطع قد بناها الشاعر على العـروض ومقاطع أخرى قد بناهـا كالسيكية وهي من حبر البسيط اخلليلي وكتبها بالصورة ال

صفة الطول من مالمـح الشـعر نعلى الشعر العامي بلغته البيئية أو الشعبية ، ومبا أفـإن هـذه داخل البناء الشعري )١(املعاصر وذلك يف حماولة إجياد الرتعة الدرامية

ينبغي أن يكشف عـن القصيدة قد توافر فيها ذلك امللمح ، وحيث إن املطلع اجليدالقيم املوضوعية والفنية للقصيدة فإننا جند أن فكرة املطلع تطول وال تنتهي إال بعـد عدد من األسطر الشعرية ، وكأن يف ذلك إمياء إىل صفة الطول يف هذه القصـيدة ، واالهتمام باملطلع على أنه يكشف حمتوى القصيدة أمر قد الكته ألسـن املتقـدمني

براعـة ( ن النقاد ، ومن هنا كنا نرى يف تراثنا النقدي ما وصفوه بـ واملتأخرين م، ولكن جل هذا االهتمام النقدي لدى املتقدمني واملتأخرين قد كـان ) االستهالل

يف أغلب أحواله مقتصرا على املوضوع ومتغافال أو غري آبه بالنواحي الفنية ، ولعـل اسة نقدية تتناول مطلع القصيدة ومـا هذا يستوقفنا بوضع إشارة إىل ضرورة قيام در

فنحن قد شاهدنا ـ مـثال ـ .. يكترته من إملاح وإشارة إىل أسلوا ومساا الفنية ن حممال بأبرز السمات الفنية يف القصيدة ومنـها ايف هذا املطلع الذي أمامنا كيف ك

عد عـدة الطول واالهتمام بالتراث حيث طالت فكرة املطلع ومل يتم استيفاؤها إال بأسطر ، كما برز حضور القافية كتمهيد إىل إدخال الوزن اخلليلي يف القصيدة بعـد

.. ذلك ومع ما أحملنا إليه من جتديد يف مطلعي احلميدين والزيد فإن هناك مسة أخـرى

هذين املطلعني وهي التفرد واخلصوصية ، فاملبدع هنا حيـاول أن يـأيت بفكـرة يفل الناس ، ولعل هذا ما جعل املطلعني يشوما شيء من خاصة به ، ينفرد ا عن ك

الغموض وشح الشفافية واملباشرة ، والواقع أن هذا األمر وإن كان مطلبا ملحـا يف بناء القصيدة املعاصرة حسبما تقرر ذلك نظرية النقد اجلديدة إال أن هـذا اإلحيـاء

نه ينـأى بالقصـيدة املركب والترميز الغامض ال يتناسب مع موقف الرثاء ، كما أ

. وما بعدها ٧٥ص، ) م ١٩٨٢بغداد ، وزارة الثقافة واإلعالم ، ( حمسن أطيمش ، : دير املالك : انظر ) ١(

Page 254: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

الرثائية عن التأثري املباشر يف مجوع املتلقني ، ولعل هذا يرجع إىل منهجيـة إبداعيـة يتبناها املبدع ويؤمن ا ؛ ونعين ا هنا احلرص على تكثيف مسـات التجديـد يف

، ولذا فإننا قد جنـد مطـالع ..مطلع القصيدة بغض النظر عن موضوعها ومتلقيها د رثائية أخرى لدى شعراء آخرين ومل تثقـل بـذلك التركيـب يف قصائة يجتديد

: املتضاعف كقول عبد اهللا اخلشرمي يف رثاء أمه نلتقي

كيف ال وأنا مثخن باحلنني أنا مثقل بالذهول

دوار يقطع أرسان خطوك حنوي دوار يفتق حنجرة الليل ات احلييات يكريشعل يف طيك الذ أنتذا .. ها اب والتر سواء )١( سواء

فالفكرة واضحة متجلية يف هذا املطلع كما أا مل تنفرد خبصوصـية أو متيـز كبري جيعل منها جتربة فريدة يف باا ، ولكننا ال ينبغي أن نقصر مالحظتنـا علـى املضمون وما حيمله من طاقة تعبريية بل جيب علينا هنا مالحظة التجديد الكـامن يف

املطلع يف الشكل ةاحلواري بني الشاعر وأمه الراحلة عالوة على كتاب ذلك األسلوبالتفعيلي ، واحلوار هنا قد أكسب النص نزعة درامية ، وهذه الرتعـة وإن كانـت موجودة يف التراث إال أا يف القصيدة املعاصرة قد مت تطويرها حىت اكتست حبلـة

من عناصر تلـك األجنـاس أجناس أدبية أخرى كاملسرحية والقصة وأخذت الكثري

٧٩عبد اهللا اخلشرمي ، ص: ذاكرة ألسئلة النورس ) ١(

Page 255: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

نقلة كبرية عن أمنوذجها البدائي يف القصـيدة التراثيـة ، فـالتفكري ومساا فانتقلتهو ذلك اللون من التفكري الذي ال يسـري يف اجتـاه ((الدرامي يف القصيدة احلديثة

واحد ، وإمنا يأخذ دائما يف االعتبار أن كل فكرة تقابلها فكرة ، وأن كـل ظـاهر ي وراءه باطن ، وأن التناقضات وإن كانت سلبية يف ذاـا ، فـإن تبـادل يستخف

احلركة بينها خيلق الشيء املوجب ومن مث كانت احلياة نفسها إجيابا يستفيد من هذه احلركة املتبادلة بني املتناقضات ، فإذا كانت الدراما تعين الصراع فإـا يف الوقـت

ىل موقف مقابل ومن عاطفة أو شـعور إىل نفسه تعين احلركة ؟ احلركة من موقف إ، وهنا وحنـن أمـام )١( ))عاطفة أو شعور مقابلني من فكرة إىل وجه آخر للفكرة

ذلك بلورة فكرة الصـراع بـني مطلع يقوم على حوار بني احلي وامليت فهل يعين احلياة واملوت ؟ ال شك أن ذلك قد يكون هدفا أساسا للشاعر أو قد يكون متولدا

. ق واضطراب التجربة الشعرية إزاء فراق وموت األم احلنون من قل

٢٧٩إمساعيل ، ص عز الدين: الشعر العريب املعاصر ) ١(

Page 256: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: ـ حسن التخلص ٣وهو من آكد القضايا النقدية يف تراثنا األديب ، ومعناه اخلروج من غرض إىل

أن خترج من نسيب إىل مدح إىل غريه بلطف حتيل مث تتمـادى فيمـا ((آخر مبعىن تربز تفوق الشاعر وتؤكد مهارتـه ، والتخلص من األمور اليت )١( ))خرجت إليه

مثله يف ذلك مثل العناوين واملطالع واخلواتيم ، ومرد ذلك إىل اإلحسان يف االنتقـال وعدم املفاجأة فيه ، حيث إن االنتقال من موضوع إىل آخر دون إجياد شـيء مـن الترابط يصيب النص بالتفكك وهلهلة البناء ويفسد الذوق العاطفي وحيدث لـدى

وقـد كـانوا ) االقتضاب ( قي شيئا من اإلرباك ، وهذا ما كان يسميه القدماء املتليعدونه عيبا يف الشاعر أو القصيدة ، ومع اهتمام النقد القـدمي بقضـية الـتخلص واإلحسان فيه واإلساءة فإن النقد اجلديد مل يهمل هذا األمر كما يتصـور الـبعض

الشـيء نفسـه يف ثوتغريات قد أحد ولكن اإلبداع املعاصر مبا طرأ عليه من جتددالنظرية النقدية كعامل تناسيب أو استجابة طردية يفرضها املنطق يف مجيع جماالتـه ، وأبرز تلك التغريات هو السمات اليت اتصفت ا القصيدة احلديثة من وحدة وترابط

النقد يف بدايات) الوحدة العضوية ( وإحياء ، ومن هنا برز االهتمام الكبري مبصطلح العريب احلديث ، واليوم وعلى موائد النقد املعاصر برز عنصر التـرابط واالنسـجام

إخل ، ولكن قصيدة الرثاء ختتلف عن قصائد األغراض أو املوضوعات األخرى .. و ، وما ذلك إال لكوا صدى لواقع اجتماعي واحد أو متشابه باألصح ، وهذا األمر

ء واإلشكال أمام املبدع والسيما مـن ينشـد التميـز جيعل تشكيل املرثية قمة العناهلذا كله تتركز املرثية يف احلس األصيل السـتلهام املوقـف املأسـوي ((واالنفراد

وصهره يف إطاره الذايت واالجتماعي ، بوحدة فكرية فاعلة ومنفعلة بقـيم اتمـع عن الواقـع النفسـي وثقافته ، فاملرثية كانت خملصة على الدوام هلذا االجتاه ، وتعرب

، )٢( ))والفكري واالجتماعي يف كل موضوعاا ندبا وبكاء وتأبينا وعزاء وخلودا

٢/٢٢٠ابن رشيق ، : العمدة يف حماسن الشعر ونقده ) ١( ٧٦حسني مجعة ، ص/ د: قصيدة الرثاء ـ جذور وأطور ـ ) ٢(

Page 257: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

ونتيجة اختالف القصيدة الرثائية هو كوا يف الغالب األعم تباشـر موضـوعها أو تبتدأ مبا ينسجم ويتماشى مع ذلك املوضوع ، ومن هنا فحسن التخلص لن يكـون

يف املدح مثال أو الوصف أو غريمها من األغراض األخرى ، حظه يف الرثاء كما هوومع هذا فقد توافر التخلص يف القصائد ذوات املطالع التقليدية ، أو القصائد الـيت تبتدأ مبطالع رمزية أو بعيدة عن مباشرة الرثاء ، ومن مناذج حسن التخلص ما جنـده

صـيدته باحلـديث عـن لدى أمحد قنديل يف رثاء ضياء الدين رجب حيث ابتدأ قكر لتلـك لوب حواري يستحث املرثي على التـذ الصداقة وذكرياا ، ومضى بأس

: يقول فاأليام ذائبا..من فؤادك..من الفن سحرا نرتوي).. اليمامة(فعشنا بصالون

مداعبا قوال.. وكنت جميد القول مسعا متابعا.. السمع مصيخفكنت )١( كاذبا.. يف خيايل .. سألقاك نعيا أدري أو أصدق أنـينوما كنت

ففي البت األخري جند الشاعر ينطلق من أسر ذكرياتـه وحبثهـا يف خمـازن ويصر خيالـه علـى .. الذاكرة ، ليباشر احلقيقة املرة وهي لقاء ذلك الصديق نعيا

التكذيب بذلك النعي ، وقد مثل هذا البيت فاحتة االنطالق إىل الرثـاء ، بعـد أن ول أبيات القصيدة يف مراجعة الذكريات واالنسجام معها ، وقد مثل حسن سارت أ

إضافة إىل تصدر ) سألقاك ( التخلص وعرب عنه أدق تعبري استمرار أسلوب املخاطبة وكأن هذا النفي عالوة على املدلول اللغـوي الـذي ) ما كنت ( النفي هلذا البيت يوحي بنفي الشاعر لذلك التحـول ) نفي الدراية وعدم التصديق( ميثله معىن البيت

من احلياة إىل املوت ومن اللقاء إىل الفراق ، فالنفي وخماطبة املرثي قد أوجدا شـيئا من الترابط واالتصال بني حياة املرثي وموته وبني لقائه وفراقه ، وحلـرص الشـاعر

وإن ـ على عدم غياب تلك الذكريات وحماولة تواجدها معه يف كل وقـت فإنـه عرنا مبوت صديقه ـ حياول تأكيد بقاء الذكريات وتواجد ذلك الصديق صـورة أش

: حية أمام ناظره صباح مساء ، حيث يعقب األبيات السابقة مباشرة قوله

٦٢أمحد قنديل ، ص: األصداف ) ١(

Page 258: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

أظل أنا جيه وإن كنت غائبا ا ـفال زلت بني العني طيفا مالزم )١( صدى عبقريا للحالوة ناهبا وال زلت بني األذن صوتا أحسه

طيفا مالزما ، ( على تأكيد ذلك القرب د كيف تكاثفت الدوال اللغوية وجنوقريب جدا من هذا التخلص لدى القنديل ما جنده عند الشاعر ...) صوتا أحسه ،

حيـث ابتـدأها ) عتيق اجلعيد ( مطلق الثبييت ، يف مرثية أنشأها بعد ممات صديقه ومراجعة الـذكريات معـه بأسلوب قريب من أسلوب القنديل يف حمادثة الصديق

مث بعد ذلك حيـاول الـتخلص إىل غرضـه .. بأسلوب حواري يقوم على املناجاة : وبيان موت ذلك الصديق فيقول حمسنا التخلص ) الرثاء (

نزرع الرمح يف الفؤاد الرفيق هل كرهت البقاء فينا ألنا )٢( يسكن القرب بعد ذلك الربيق إىل حمياك حىت أسأناهل د ذكر ما كان بينه وبني صديقه الراحل من مودة وإخـاء ومـن لقـاء فبع

لة ذلك الصديق عن سبب مفارقته هلـم ، ويسـتخدم اءوتقارب جنده يتجه إىل مسأسلوب االستفهام املتكرر ومع أن املسألة امللحة كانت متجهة إىل الفقيـد الراحـل

ة ليضع األسباب واملربرات وطالبة اجلواب منه إال أن الشاعر حياول إبعاده عن اإلجابوهي تكمن يف سوء الواقع واحمليط االجتماعي الذي كان يعيشه الراحـل ، وميثـل الشاعر إحدى لبنات ذلك الواقع أو تلك اجلماعة باألصح ، فيربز ضمري اجلماعـة

، فيتضمن حسن التخلص هنا إضافة إىل معناه املباشر ) نزرع ، أسأنا ، فينا ، ألنا ( ميثل قيمة مجالية تقوم علـى أسـلوب التقابـل ) .. الصديق وفقده موت ذلك(

التصويري فالصديق الغائب ميثل الوفاء والصدق والنبل واإلخالص وكافة األخـالق العالية املثل السامية ، أما اتمع احلاضر أو الباقي فيمثل اجلانب اآلخر أو املقابل من

شيئا من النقـد االجتمـاعي املتعلـق السلبيات واملساوئ ، فيصبح النص متضمنا . بالصداقة وما تستلزمه من الوفاء والصدق

٦٢أمحد قنديل ، ص: األصداف ) ١( ١٠٤مطلق الثبييت ، ص: جراح األمس ) ٢(

Page 259: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

والواقع أن هذين األمنوذجني عند القنديل والثبييت وإن بـرز فيهمـا حسـن التخلص وجنحا فيه إال أننا جيب أال نغفل عن شيء مهم قد سهل عليهمـا عمليـة

يث عن شـيء قريـب مـن التخلص وهو أن مقدمة املرثيتني كانت تدور يف احلدوهو احلديث عن الصداقة ورصد شيء من ذكرياا ) رثاء الفقيد ( الغرض األساس

وقد كان اخلطاب قائما ، ويكفي أنه قد برز ضمري املخاطب يف مقدميت القصيدتني بني املرثي والشاعر مما سهل بالتايل االنطالق إىل الرثاء ، ولكننا قـد جنـد حسـن

رى أتت مقدماا يف موضوعات بعيدة عن املرثي إىل حد مـا التخلص يف مناذج أخوال يوجد ما يربطها بالرثاء املقصود كغرض أساس بعد تلك املقدمات ، ويربز هذا

فاألملعي يف رثائه للشيخ حـافظ .. األمر كثريا يف القصائد ذوات املقدمات التقليدية : احلكمي جنده بعد النسيب يقول

فجاف النوم واجتنب الغراما يـبدهى خطب ره قدفقالت ١( عاملها اهلمامانعى النحرير ى على املخالف صوتلقد دو(

يعود على من كان حيادثها الشاعر بأحاديث الغـرام ، ) قالت ( والضمري يف ولكنها فاجأته بالنحيب والبكاء ، وقد أثار ذلك استغرابه وبعث تسـاؤله ، فـأتى

موت العامل الفقيـد ( ا لتكشف له حقيقة األمر جواب ذلك التساؤل على لسا ( ،، ومل ) واجتنب الغراما ( ولعلنا جند مجالية حسن التخلص متركزة يف اجلملة الفعلية

تأت هذه اجلملة مقحمة يف سياقها أو متكلفة يف نسيج القصيدة ، ولكن قد سـبقها غرام قـد ابتـدأه ، كما أن ال) خطب رهيب ( ما يعلل وجود هذه اجلملة الطلبية

. وهنا حيسن التخلص منه لينتقل إىل ندب وتأبني ذلك الفقيد .. الشاعر يف قصيدته وكما أشرنا إىل أن التخلص تزداد صعوبته ويبتعد مناله كلما كـان املطلـع بعيدا عن غرض القصيدة ، فإن هذه الصعوبة قد تتضاعف عنـدما يكـون املطلـع

طالت مقدمة القصيدة وتشـعبت أفكارهـا ، لما متباينا مع الغرض األساس ، أو كونستجلي هذا األمر يف مرثية للشاعر عبد احملسن حليت وقد أنشـأها يف بسـاتني

١٣٤األملعي ، صزاهر : األملعيات ) ١(

Page 260: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

ومزارع املدينة بعدما اعتراها املوت واالندثار ، وقد ابتدأ الشاعر قصـيدته مبقدمـة طويلة جدا جتاوزت اخلمسة عشر بيتا ، وكان موضوعها أشبه ما يكـون بوصـف

لطبيعة ، وقد فصل فيه ذكر حماسن ومفاتن تلك البساتني وما حتتويه مـن مجـال اوخضرة ، وما جيري خالهلا من جداول املياه العذبة ، وتناول بالوصـف طيورهـا

: إخل ، فكان من ذلك املقطع .. وعناقيدها وظالهلا فاقطف ورود اهلوى من كل بستان هذي قباء وهذا سحر قربـــان

)١( ثـان وانس اهلموم وسر يف عامل من جداوله واغرفاملاء واشرب منمث ميضي يف مجيع مقدمته واصفا ذلك اجلمال ومتغنيا مبعطياته وتصوير مناذجه ، وال جند يف مجيع املقدمة ما ميت إىل الرثاء بأي صلة إىل أن ينتهي املقطع ، مث يبـدأ

: املقطع الثاين بالتخلص أو االنتقال فيقول فأشجاين قليبقد حرك الوجد يف ذاك البهاء الذي غابت مفاتنـه

)٢( أعجاز خنل شكت من ظلم إنسان مل يبق منه على مر الزمان سوىلحظ أن التخلص هنا مل حيسن فيه الشاعر كما ينبغي بل أتى مفاجئـا دون يو

ـ سبق متهيد أو يئة ، ولكن املفارقة ل الـزمين بـني التصويرية والقائمة على التقابذاك البهاء الـذي ( املاضي واحلاضر قد سترت جبماهلا شيئا من هذه املفاجأة املؤملة

، والفن قد يعوض ما خيترم املوضوع من نقص أو خلل ، ويبـدو أن ) غابت مفاتنه الشاعر قد أحس ذا األمر ووعى عنصر املفاجأة يف االنتقال من الوصف واجلمـال

ون وجود متهيد أو يئة ولذا جعل رثـاءه يف مقطـع مسـتقل إىل البكاء والرثاء دوفصله عن تلك املقدمة اليت ال متت إىل موضوع القصيدة بصلة ، أو ال تتناسب معه ، فنقول إن الشاعر قد وضع املتلقي يف حالة تتفق مع واقع الشاعر ، فجعله يعـيش

كان يألفه ويأنس به تلك الذكريات اليت عاشها ويتمتع بذلك اجلمال الطبيعي الذي

١٢٦عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ١( ١٢٩املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 261: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

، ليجد نفسه ـ كما وجد الشاعر نفسه ـ فجأة أمام أطالل خاوية وآثار خربـة . قد كانت مثاال رائعا للحياة والنضارة والبهاء

وأحيانا قد حيتاج الشاعر يف ختلصه إىل بعض الوسـائل الفنيـة كاملفارقـة ، ومن ذلك ما فعله أمحـد إخل .. التصويرية أو التقنيات البالغية أو توظيف التراث

حيث استغرق مجيع القصيدة تأبني املرثـي ) فيصل مل ميت ( سامل باعطب يف مرثيته من خالل تعداد مآثره ومناقبه ورصد إجنازاته التارخييـة ؛ ولكنـه يف اخلامتـة أراد االنتقال إىل ذكر امللك اجلديد وما يؤمله الشعب فيه من كرمي الرعاية وجل العطـاء

لسياسة والقيادة ليكون خري خلف خلري سلف ، ومثل هذا االنتقال حيتـاج وحسن اإىل وسيلة عالية اإلتقان سواء يف املعىن أو الفن ، ألن الشاعر فيه حيتـاج إىل تغـيري

: وهنا جند أمحد باعطب يقول .. العاطفة وإبدال التجربة الشعرية الوالءمييــن قد قطعنا له لن تغينب خالد أنت فيـــنا فهو مهد الرضى ونبع الرجاء فيه آمالنــــا ترف جالال )١( حامل لواء البنــاءصنوه سوف منضي على الطريق وفهد

) التورية ( حيث اعتمد يف انتقاله على تقنية فنية تكمن يف األسلوب البالغي حل ولـيس معىن بعيدا وهو صفة اخللود للملك الرا حاملة) خالد ( يف لفظة املتمثل

اخللود لشخصه ، ولكن ملنجزاته ومآثره وما بناه يف شعبه من احملبة والوداد ، كمـا ، ولكي تكمل مجاليـة ) اسم امللك اجلديد ( أن الكلمة حتمل معىن قريبا وهو املراد

هذا التخلص وحسنه فإننا جند الشاعر يسوق ما يثبت املعنيني معا ، فيؤكـد صـفة خالـد ( مري املخاطب واملتكلم يف أسلوب حواري متناغم اخللود للملك الراحل بض

نافيا عنه الغيـاب ) لن تغينب ( ، كما يسبق ذلك حبرف التوكيد والنفي ) أنت فينا فيؤكـد ) اسم امللك اجلديـد ( له ، أما املعىن الثاين امعنوي اليصبح ما بعده تأكيد

، وهنـا ) قد قطعنا له ( ب ئالشاعر إرادة هذا املعىن عن طريق ضمريي املتكلم والغا

٢٤٠أمحد سامل باعطب ، ص: الروض امللتهب ) ١(

Page 262: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

تتجلى إضافة إىل التورية السابقة مجالية فنية أخرى يربزها استخدام الضمري بأنواعـه : الثالثة كما يوضحه الرسم البياين التايل

) فيصل ( امللك الراحل أنت ضمري املخاطب _ ١ الشعب قطعنا _ فينا ضمري املتكلم _ ٢ ) خالد ( امللك اجلديد هــل ضمري الغائب _ ٣

حيث استخدم للملك املرثي ضمري املخاطب وكأنه ال زال حيا باقيا تتـأتى فقد استخدم له الضمري الغائـب ) خالد ( خماطبته والتحدث إليه ، أما امللك اخللف

وكأنه هو الراحل أو املرثي ، لتتداخل الصورة يف امللك الراحـل وامللـك اجلديـد شيئا من التبادل الداليل ، ألن اهلدف اإلشادة بكليهما وبيان عظـيم فيحدث ذلك

. قدرمها

Page 263: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: الترابط _ ٤أو تعـدد األفكـار ) التركيـب ( إذا كان من مسات الشعر املعاصر الفنية

واجتماع العديد من العناصر واملكونات املتنوعة ، أو املتنافرة يف بعـض األحيـان ، ابط واالنسجام بني تلك العناصر املتعـددة ، ويتطلـب فإن هذا يستدعي إجياد التر

تكون وحدة عميقة تؤلف بني تلك العناصر وتنصهر فيها اجلزئيات املتنافرة لتصـبح كيانا واحدا ال تنافر فيه وال انفصام ، وهذا األمر جيعل الشاعر املعاصر أمام مزيـد

ة متميزة ، وحنن نعلـم أن بات اليت البد من تذليلها واقتحامها برياضة إبداعيقمن العوحدة القصيدة من أكثر األمور اليت استقطبت املزيد من اهتمامات رواد التجديـد يف األدب العريب احلديث ، ولعل ملخص تلك االهتمامات ما كتبه حممـد غنيمـي

الوحدة العضوية هي وحدة املوضوع ووحدة املشاعر اليت ((: حيث يقول .. هالل يستلزم ذلك من ترتيب الصور واألفكار على أن تكون أجـزاء يثريها املوضوع وما

القصيدة كالبنية احلية لكل جزء وظيفة فيها ويؤدي بعضها إىل بعض عـن طريـق . التسلسل يف التفكري واملشاعر

تفكريا طويال يف منهج قصـيدته ، ويف وتستلزم هذه الوحدة أن يفكر الشاعر ، ويف األجزاء اليت تتدرج يف إحداث هذا األثـر األثر الذي يريد أن حيدثه يف سامعه

الصـور الـيت وحبيث تتمشى مع بنية القصيدة بوصفها وحدة حية ، مث يف األفكار يشتمل عليها كل جزء ، حبيث تتحرك به القصيدة إىل األمام إلحداث األثر املفقـود منها عن طريق التتابع املنطقـي ، وتسلسـل األحـداث واألفكـار ، ووحـدة

، ومع كثرة االهتمام بوحدة القصيدة أو ترابطها إال أن أغلـب هـذا )١())ابع الطاالهتمام كان منصبا على الناحية املوضوعية ، حبيث تكون أفكار النص يف موضوع واحد أو متماشية ومنسجمة مع بعضها إىل تكوين فكرة واحدة تتفرع عنها تلـك

غوي يقوم علـى وسـائل فنيـة اجلزيئات ، غري أن هناك وحدة أسلوبية وترابط لوأسلوبية متعددة كأدوات الربط والتكرار وغري ذلك ، وهذا ما جعلنا نـؤثر هنـا

٢٠٩حممد غنيمي هالل ، ص: النقد األديب احلديث ) ١(

Page 264: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بصورته املسـتهلكة والناقصـة أو ) الوحدة ( كبديل ملصطلح ) الترابط ( مصطلح بطبيعتها لتحقيق عنصر التـرابط ، مهيأةاملبتورة يف أغلب تناوالا ، وقصيدة الرثاء

تها وما حتمله تلك املناسبة من اهليبة وما توقعه من األثر ينـأى ـا عـن ألن مناسبمعنوية بعيدة عن تلك املناسبة أو غري متصلة ا ، ومياتاالنفالت أو االنطالق يف

ب يقولونـه وهـم ولذا جاء يف وصف الرثاء بأنه أصدق أغراض الشعر ألن العـر ) موضوعا ( شعر يستهدف ( وهو ،) شعر املوضوع ( ف من يبكون ، فالرثاء يصنبقصد حتديده أو جتسيده أو حىت اإلشارة إليه ، وإذن فهو شعر .. خارجيا أو داخليا

يعين باستغراق موضوع معني ، رمبا ليصفه ، ورمبا ليعرب عنه ، ورمبا ليخرج به مـن جمال الواقع إىل جمال الفن ، ولكنه يف النهاية يظل حائما حوله ، ويظـل املوضـوع

، ولـذا فـإن )١( )).. وجودا ناتئا يف واجهة القصيدة ، أي وجودا قبليا وأوليـا الترابط يف القصيدة الرثائية ليس مبستغرب أو حمل إثارة ألنه من لوازمها وخصائصها ، وحيث إننا أشرنا إىل تقسيم الترابط إىل معنوي ولغوي فإننا سنستعرض ذلك دون

لغوي بوسائله املتعددة إمنا يهدف أو ينشد يف بـروزه تفريق بينهما ، ألن الترابط الإجياد وتشكيل الترابط املعنوي، ومن النماذج اليت قد برز فيها الترابط قصيدة للشاعر

، حيث ترابطت مجيـع أبيـات القصـيدة ) فيصل مل ميت ( أمحد باعطب بعنوان جنازاتـه وتولدت كل فكرة من سابقتها على إثبات وتأكيد بقاء ذلـك الراحـل بإ

: ومآثره العظيمة ، فبعد املطلع جند قوله يف البيت الثالث من القصيدة ما جزتك الدموع حق اجلزاء يا شهيدا وإن بكى الشرق طرا )٢( البكـاء سبيلـر وحذرتنا أنت علمتنا التجلد والصـبـ

حيث نلمس يف البيتني أسلوب خماطبة املرثي والذي يتكثـف عـرب وسـائل أبرزها النداء والضمري بنوعيه املتصل واملنفصل ، وبغض النظر عن املعـىن متعددة من

واضحا ال غموض فيه وال إام وهو اإلشـادة بعظمـة يظهراألويل للبيتني والذي

١٧٨حممد أمحد العزب ، ص: أصول األنواع األدبية ) ١( ٢٣٧أمحد سامل باعطب ، ص: ض امللتهب الرو) ٢(

Page 265: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بغض النظر عن ذلك فإن أسـلوب خماطبتـه يعكـس .. املرثي وقوة إرادته وجتلده يزال حيا ماثال يأخذ ويعطي مـن حماولة االقتراب منه وتناسي فاجعة موته وكأنه ال

خالل ذلك التخاطب ، مث تستمر األبيات يف هذا املنوال مشيدة بالراحل ومآثره وما بناه من أجماد ومفاخر لشعبه ووطنه ، وبعد عدة أبيات جيد الشاعر يف نفسه حاجـة

: إىل الترابط يف النص بعد أن طال النفس الشعري ، فيقول بعظيم أجاد محل اللـواء يا عظيما وليس كل مليك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

)١( حن بثها العدى يف خفاءإ مزقتها أمة وحدت أنتيـا ( لتعيد اإليقاع السابق يف ) يا عظيما ( ونشاهد كيف تصدرت األبيات

يتـوافر فيهـا هنا) شهيدا ( مستمرة يف خماطبة املرثي والتحدث إليه ، و ) شهيدا فكل شهيد عظيم ، وكما تقابل نداء الشهيد بنـداء ) عظيما ( التبادل الداليل إزاء

، ) أنت علمتنـا ( مع ) أنت وحدت ( العظيم فقد تقابل الضمري املخاطب املنفصل العديد من األبيات وكأن يف ذلك ولكن ويف هذه املرة جند الضمري يتواصل متصدرا

وتعميقه ، وبغض النظر عن هذه املالمح األسلوبية فإن املعـىن خلق مزيد من الترابط يف مجيع أبيات القصيدة يتركز يف فكرة تأبني امليت من خالل إبراز إجنازاته وبيـان

: عظمته وعلو مرتلته عانقت هامها قباب السماء تداىن ال ضة خلدت أنت

أنت أوردتنا معني الرخـاء أنت حققت معجزات كبارا )٢( ا رائعا قوي العطــاءقداف اخلري فينا منبع فجرت أنت

بتصدره لألبيات أداة فاعلة يف ضم جزئيـات ) أنت ( حيث يصبح الضمري املعىن وتوحيدها ، ويف الوقت نفسه يصبح خالقا ومعمقا لدالالت املعـىن ، عـرب ري سرده هلذه اجلزيئات املشكلة بدورها جلوهر املعىن املراد ، كمـا يشـكل الضـم

٢٣٨أمحد سامل باعطب ، ص: الروض امللتهب ) ١( املصدر السابق ) ٢(

Page 266: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

الرابطة اللغوية بني أبيات القصيدة ، وهذه الرابطة اليت تتحول بـدورها ، مـن أداة لغوية حمضة إىل أداة تعبريية وعاطفية مشحونة باإلحياء واإلشعاع بتفاصـيل رؤيـة الشاعر للمرثي الراحل ، وهكذا نشاهد كيف أوجد توحد املعىن يف القصيدة ترابطا

جعلها تسري يف خط واحد حىت النهاية ؛ دون وجود موضوعيا قد ضم مجيع أبياا وأي تفكك أو انفصام ، وال يعين هذا عدم وجود أفكار فرعيـة أو اسـتطرادية يف

ثل هذه األفكار فإنه ال يسترسل فيها استرسـاال النص ، ولكن الشاعر عندما مير مبينأى بالنص عن موضوعه األساس أو فكرته األصل بل سرعان مـا يعـود إلىمـا انطلق منه ولذا فإننا جند األبيات السابقة وما قبلها قد جاء بينها بعض تلك األفكار

: مثل قوله خطبنا فيك صدمة يف احلشاء مل ترعنا اخلطوب يوما ولكن )١( ثقة النفس يف خضـم البالء أفجعت كل مهجة أفقدـا

ومآثره إىل الندب فهنا جند الشاعر عند انطالقه من تأبني املرثي وبيان منجزاته وبيان هول الفاجعة وعظمة وقعها على الشعب الذي قد أحب ذلك امللك ودان لـه بالفضل واد ، فهذا املعىن وإن نأى عن املباشرة والتقرير يف التأبني والثنـاء علـى الراحل إال أنه يف النهاية سيتفق مع ذلك املعىن ويسايره ، ألن مكانة املرثي وما لـه

هـذا مـن واد هو الذي جعل فقده مصيبة عظيمة وفاجعة مروعة ، من الفضل ) خطبنا فيـك ( الناحية املعنوية ، أما اجلانب الفين فإننا نلمح وجود كاف اخلطاب

ليكون يف ذلك استمرارية ملخاطبة املرثي وعدم غياب شخصيته عن هـذه الفكـرة .اجلديدة

إجياد الترابط واالنسجام بـني ومع أن املعىن أو الفكرة دائما هي األساس يفرب جداول متفرعـة عأجزاء النص وذلك بتوافق تلك األجزاء ـ معنويا ـ وسريها

ومع ذلك كلـه .. إىل ملتقى أساس ، تصب فيه مجيع تلك اجلداول وتلتقي هناك ، إال أن وسائل الترابط األسلوبية تزيد من وشائج االلتقاء ومتنع وجود أي ارختـاء أو

٢٣٧أمحد سامل باعطب ، ص: الروض امللتهب ) ١(

Page 267: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

، وأبرز تلك الوسائل أدوات الربط والتكرار واملفارقة التصويرية وتعـدد تقلص فيه : من مناذج هذا الترابط قول عبد الرمحن العشماوي و.. وغري ذلك .. الدوال

كانت هنا باألمس أبنية وكان هنا مدينة كنا هنا باألمس أهل الدار حنـيا آمنيـــــن ـنواليوم صرنا الجئي

رجال يكدحون باألمس كان هنا باألمس كان هنا نســــاء . . باألمـــــس كان هنا صغار يسرحون وميرحون

ة ـكانت هنا باألمس مئذن وكان هنـــا صالة . . واليــــوم )١( أشالء وأنقاض

أوجدت ترابطا يقـوم فاملفارقة التصويرية بني األمس ببهجته واليوم بآالمه قدعلى اإلحساس بالعنصر الزماين ، وتطول املفارقة وينبسط الدفق املوضوعي لالمتداد

املادية والبشرية الزماين الكبري ، ولطول هذا االمتداد فإا تتعدد عناصر هذا الوجود ، وتربز أكثـر دوال هـذه ) األبنية ، الدار ، املئذنة ، الرجال ، النساء ، األطفال (

املوجودات بصورة اجلمع ، وذلك ليتناسب هذا اجلمع بكثافته وكثرته مع الطـول الزماين املمتد الذي قد مشل احلاضر واملاضي ؛ فنجد إضافة إىل املفـردات اجلمعيـة

، وبالتايل فـإن املفارقـة ) آمنني ، الجئني ، يسرحون ، أشالء ، أنقاض ( السابقة

٨٣عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ١(

Page 268: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

اختيار صيغة اجلمع والتكرار والتضاد تتضـافر إضافة إىل السمات الفنية األخرى كلتعكس التواشج املعنوي الذي يسود مجيع النص موجدا ترابطا وتوحـدا بنائيـا ال

. يعتريه أي انفصام أو اختالل ويلفت انتباهنا النص السابق وما أحدثه فيه عنصر اإلحساس بـالزمن مـن

وترتيبها يف واقعها امللمـوس ترابط وتوحد إىل أن تتابع األحداث يف سياقها الزمينيفضي إىل إجياد ترابط قوي بني هذه األحداث ، ومن أمثلة هذا قول حسن الزهراين

: يف رثاء صديقه الشاب فهد الزهراين ينفلــق وقليب كادأسفي وكيف ينفعينأسفي عليك

يف النعش قامت حولك الفرق هم ملا رأيتك بني أيديـــ ولصربه من حولنا عبـــق ـاأبوك حمتسبصلى عليك

بدموعهم شرقـواوكثريهم خلفه أسفـاوالناس تبكي يتربع القــلـقأرواحهم األخري ويف محلوك للمأوى

)١( وهم باهللا قد وثقـواودعوا مغفـرة الرمحن سألوا لكفهنا جند أن دينامية األحداث داخل النص قد أوجدت تالمحا وتتابعا منطقيا ، وهذا التتابع بصورته املرسومة وتسلسل أحداثه مل يفرضه النص بإبداعيته وفنيته ، كما مل تفرضه

بل فرضه الواقع ووجد كحدث بيئي أو اجتماعي بل وقبل ذلك شـعرية .. عبقرية الشاعر دينية ـ وهذه نقطة ال جيب إغفاهلا ـ جيب أن تسري وفق هذا التتابع املرسوم كما يف النص

النعش ومن حوله اجلماهري والفرق مث صلوا عليه صابرين حمتسـبني على محل، فاملرثي قد وباكني مذعنني ، مث محلوه إىل قربه ، وبعد دفنه وقفوا يسألون اهللا له املغفرة ويـدعون لـه

. إخل .. بالرمحة والثواب ومن وسائل الترابط أدوات الربط ألا تدفع النص إىل التواصل واالنطالق وتعطيـه

إىل ما بعدها ، ونلمح هذا الترابط بفعل أدوات الربط يف فا برزت فيه باعث االستشراكلم

١٢٠حسن الزهراين ، ص: صدى األشجان ) ١(

Page 269: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

مرثية للشاعر جاسم الصحيح قاهلا عندما شب حريق يف إحدى خميمات الـزواج فكـان : ضحيته العشرات من الرجال والنساء واألطفال

ل العتبات حمرابا بـقأ وأعرج يف مدار الغيب

ي حنو السرمد األبد حيث تبتل الشهداء للغز العتيق

كلي جتمع يف فمي فخرجت من شفيت

تقذفين تناهيدي مع األمل الطليق وأتيت منتحال بنفسجة الكآبة

أستدر العطر جهشته )١( وأستجدي الدموع من الرحيق

بني كل سطرين أو ثالثة ، وكأن يف ذلـك ) الواو والفاء ( حيث ترد أدوات الربط أجزاء النص وعدم تشتتها ؛ والذي قد تدفع إليه حالة التمزق النفسي والتشـتت حماولة للم

العاطفي الذي يعيشه الشاعر إزاء هذا احلادث املؤمل ، فهنا أتت أدوات الربط حماولة تعويض لك التمـزق يف اجلمـل ذالقلق الذي يبدو وقد انتاب عاطفة الشاعر وأحاسيسه ، ونلمح

أو ) أنا ( ، ويف مجيعها يكون الفاعل الـ .. ) تقذفين ، أستدر أعرج ، خرجت ،( الفعلية الذات املبدعة ، وعندما نتتبع هذا النص فإننا سنجد املزيد من أدوات الترابط ، اليت تقابلنـا

ث ذلك مع الطول امللفت للنظر يف بناء القصـيدة ،حيـث بني الفينة واألخرى ، وقد حدمن املقاطع ، وال يعين انتشار أدوات الـربط د عداقتربت من مئيت سطر شعري وجاءت يف

يف هذا النص الطويل وجود شعور من املبدع بقلق ترابط جزئيات النص على مستوى املعىن أو أنه جلأ إىل تعويض ذلك الشعور بتركيزه على الترابط اللغوي ، ولكنه يعين حالة التمزق

ء الواو اليت وردت ثالث مرات أو الفاء الذايت اليت يعيشها الشاعر ، وحرف العطف هنا سوا

٤٦١جاسم الصحيح ، ص: املالئكة أعشاش ) ١(

Page 270: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

يستحيل إىل بؤرة تشيع منها إحياءات احلـرية والقلـق والفقـد .. اليت وردت مرة واحدة والضياع ، كما يوحي حرف العطف بتمدد حياة احلزن والعذاب وانتشارها على فتـرات

والعـذاب وكأن حالة التمـزق .. ) ، وأتيت .. فخرجت ( متراخية ومتطاولة من الزمن الذايت قد أصبحت مسة احلياة الدائمة للشاعر بعد موت أولئك الضحايا يف ذلك احلريق اهلائل واملأساة املروعة ، ولكي نكون أكثر اطمئنانا إىل توجيهنا السابق إزاء وجود أدوات الـربط يف نص الشاعر فإننا جند هنا األسلوب يتواجد يف قصائد أخرى للشـاعر ويف موضـوعات

ة ، ومن أمثلة ذلك ما قاله يف ختام رثاء شيخ قريته مشا : عدنا إليك لكي ترانا شاخصني

فقد كربنا آهتني وقد كثرنا دمعتني

وصار برد األرض أكرب من مدافئنا وحجم احلزن أوسع من حناجرنا

)١( وطالت قصة املأساة فابتلعت قواميس اللغاتسطر النص ، بل إننا جند السطر األخري حيث تركزت أدوات الربط وتصدرت مجيع أ

حينما جاء أكثر طوال من بقية األسطر تتوافر فيه أكثر من أداة ، وهنا جند أن هذا األسلوب يأيت ـ أيضا ـ لدرء ما حيدثه واقع املأساة من التمزق واخللل النفسي نتيجة احلزن العميق

ت الواحدة ـ كما يف النص السابق والتأثر الكبري ، وألن احلزن هنا قد حتول من حزن الذاـ إىل حزن اجلماعة فهو جمموعة من األحزان املتفاقمة واآلالم املمزقة ولذا أصبحت احلاجة

) .. الشاعر ( إىل أدوات الربط أكثر منها إزاء حزن الذات الواحدة وأحيانا قد تغيب أدوات الربط أو قد يلجأ الشاعر إىل تغييبها إلشعار املتلقي بـأن مفردات اللغة مبا تشتمل عليه من املعىن تتدفق تدفقا تلقائيا ، ويفضي بعضـها إىل بعـض

غـازي ( كنتائج حتمية أو تعاليل منطقية بني الالحق والسابق ، ومن أمثلة هـذا قـول ) : القصييب

٣٥٩جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ١(

Page 271: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

أزف إليك اخلـــرب ! نزار وما من أحد . . ميوت الصغار

من أحـدوما . . د الديار )١( وما من أحد. . مار ذاليداس

اجلمل فاجلمل الفعلية هنا تصور واقعا مأسويا تظل صورته ناقصة ما مل تكتمل هذه وتوجد مجيعها ، ألن كل مجلة تصور جزءا من ذلك الواقع ومبجيء ما بعدها تزداد وضوحا

طاوي وهكذا ، وهنا قد أغفل الشاعر أدوات الربط حماوال استغوار م.. وجالء تلك الصورة شعوره ، وجتسيدها عرب الدوال اللغوية واجلمل الشعرية املتتالية ، وبالتايل يصبح شكل املقطع

صورة عامة لرؤية الشاعر لواقعه أو باألصح وحتديدا واقع بعض البالد ) بدواله ومجله ( كله تشتت اإلسالمية اليت تعاين من االضطهاد واحلروب والقتل ، وهو واقع ميوج بالتناقضات وال

والدمار واخلراب ، فال ترتيب فيه وال ترابط ، بل تشتت ومتزق ، وتبعثر وضياع ، إنه يقف ، وبذلك تكون هذه اجلمل الشعرية املتتالية ، دون روابط لغوية .. أمام بلد مشتت األوصال

، موحية ذا اجلو النفسي للشاعر ، والذي بدوره ليس أكثر من انعكاس للواقع املرير الذي يشاهده يف األرض اإلسالمية املضطهدة ، فاألسلوب انعكاس تلقائي ألعمـاق الشـاعر ، وبالتايل فإن القصيدة ال تأخذ وحدا من العوامل اللغوية فحسب بل إا قد تأخذ ذلك من

. جتانس التجربة النفسية والفكرية للشاعر عري فـإن هنـاك وحيث إننا نبحث هنا يف مسألة الترابط والتماسك يف النص الش

مسألة جيب أن تنال قسطا كبريا من الشرح واالستعراض ، ونعين ا الرتعـة الدراميـة يف التجربة الشعرية ، حيث إن هذه الرتعة تقوم على الصراع وكثرة احلركة وتتابع األحداث ،

هو ذلك اللون من التفكري الذي ال يسري يف اجتاه واحد ، وإمنـا يأخـذ ((فالفكر الدرامي دائما يف االعتبار أن كل فكرة تقابلها فكرة ، وأن كل ظاهر يستخفي وراءه بـاطن ، وأن التناقضات ، وإن كانت سلبية يف ذاا ، فإن تبادل احلركة بعينها خيلق الشيء املوجـب ، ومن مث كانت احلياة نفسها إجيابا يستفيد من هذه احلركة املتبادلة بني املتناقضـات ، فـإذا

٥٩غازي القصييب ، ص: للشهداء ) ١(

Page 272: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

راما تعين الصراع ، فإا يف الوقت نفسه تعين احلركة ، احلركة مـن موقـف إىل كانت الدقابلني من فكرة إىل وجه آخـر موقف مقابل ، ومن عاطفة أو شعور إىل عاطفة أو شعور م

، ومن هنا فاألسلوب الدرامي بطبيعته ومنهجه املعروف هو أقوى األساليب )١( ))للفكرة و التوحد داخل بناء القصيدة ، وحيث إن الرثاء يقوم يف غالبـه وأظهرها يف حتقيق الترابط أ

على أساس الصراع مع املوت بسطوته اجلارحة وسلطته املهيمنة ، أو الصراع مع األحـزان ، حيث إنه كذلك فإن قصـيدة .. واآلالم املترتبة على الفراق وابتعاد األحباب واألصفياء

من هذا األسلوب ، السيما ما جاء منها يف اجتاه الرثاء ستقوم يف غالب أحواهلا على أساسفلسفي أو تأملي ، وكذلك ما جاء يف االجتاه التارخيي العتماده علـى القصـص وتتبـع األحداث املاضية أو احلاضرة ، ومناذج هذا األسلوب الدرامي اليت حتقق ا عنصر التـرابط

عبد اهللا الرشـيد يف قصـيدته كثرية جدا ، ومتعددة املوضوعات واألهداف ومنها ما قاله ) : احتضار (

خرج العواد أطفأ أنوار الدهليز . . . فجاء احلارس

ومل يبق سوى مصباح يتأرجح بني الصحوة والغفوة .. . ومضى احلارس

أمسع وقع خطاه نشيجا . . ومضى

حىت ابتلع الصمت الصوت . . وإذا باملوت

قد دخل على أطراف أصابعه دواليب يفتح

ينثر حاجايت وثيايب

٢٧٩عز الدين إمساعيل ، ص: الشعر العريب املعاصر ) ١(

Page 273: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

فهذه القصيدة قد أحدث أسلوا الدرامي ترابطا قويا بني مجيع أجزائها ، وقد متثـل هذا الترابط يف احلركة واألحداث اليت قد تتابعت تتابعا منطقيا ، وقد أفضت كل حركة إىل

الومهية هنا ـ ما بعدها ، وتعددت الشخصيات احلقيقية والومهية ، والواقع أن الشخصيات كاملوت مثال وقد صوره الشاعر باإلنسان الذي يسري حبيطة واختالس ـ قد تكون ومهيـة بالنسبة لنا أو نتصورها من ضرب اخليال ، ولكن ساعة االحتضار قد جتعل هذا األمر واقعا

. وتلك الشخصيات اخليالية حقيقة ماثلة أمام عني احملتضر

Page 274: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: اخلامتة _ ٥القصيدة أو مقدمتها قيمة فنية عظيمة ألا وجه النص وفاحتته فكذلك كما أن ملطلع

وسبيل القول فيها أن يكون حمكما ((الشأن يف خامتتها ألا آخر ما يبقى منه يف األمساع ، ال متكن الزيادة عليه ، وال يأيت بعده أحسن منه ، وإذا كان أول الشعر مفتاحا له ، وجب

، وإذا كان النقد التراثي قد أدرك هذه األمهية وتابعها فإن )١( ))ه أن يكون اآلخر قفال عليواقع القصيدة العربية احلديثة يستلزم احتفاء أكثر ومتابعة أدق ملوضوع اخلامتة ، وما ذلك إال للتجديد يف أسلوب بناء القصيدة احلديثة ، حيث إا قد ترتع نزعة رمزيـة أو جتـنح إىل

ضي ذلك أن تكون خامتتها كشفا وبيانا أو أن تتمحور فيهـا الرؤيـة اإلحياء واإلمياء فيقتوبصورة مماثلة يف تركز أمهية اخلامتة ـ حيدث األمر يف بناء ـ األساسية للقصيدة ، وكذلك

القصيدة بناء دراميا ، حيث تربز اخلامتة كلحظة التنوير أو الكشف بعد تسلسل األحـداث جند وعيا إبداعيا لدى كثري من شعرائنا بأمهية اخلامتة حيث وتتابع الصراعات ، ومن هنا فإننا

ها أن تكـون خلامتتيعريوا اهتماما شكليا وفنيا خاصا ، وقصيدة الرثاء قد يكون األنسب دعائية أو وعظية أو حكمية ، لكوا قد تغلغلت إىل أعماق حدث إنساين مليء بتحريـك

خلواتيم بتنوعها السابق قد غلبت على الرثـاء العواطف اإلنسانية وزعزعتها ، ومع أن هذه االسعودي املعاصر إال أننا سنجد أنواعا أخرى من اخلامتة يف مادة ذلك الرثاء ، ولعـل مـن املناسب هنا أن نشري إىل دور الترابط واالنسجام بني هذه اخلامتة وما يتقدمها مـن أفكـار

لشاعر بعد أن يفرغ مجيع انفعاالته جتاه أساسية يف تأبني امليت أو الندب والعزاء ، حيث إن اموضوعه الرثائي وبعد أن يتملئ الناس جبميع ما تكتنـزه النفس جتاه ذلك املوضوع فـإن األنسب بعد هدوء العاطفة وإمكانية السيطرة عليها ومسك جلامهـا االجتـاه إىل فكـرة

د التسليم وقبول هـذا موضوعية يربز فيها العقل واملنطق أكثر من العاطفة واالنفعال ، وعنالتوجيه النقدي يف بناء املرثية سنجد األنسب يف ذلك ليكون خامتة ونتيجة ائية هو احلكمة والعزاء أو الدعاء وااللتجاء ، ونلمح منوذج اخلامتة الدعائية يف مرثية حممد سراج اليت أنشأها

ا من مطلع آلخر وجاء بعد موت والده ، وقد وضعها يف سبعة مقاطع ختتلف يف أعداد أبيا

١:٢٣٩ابن رشيق القريواين ، : العمدة ) ١(

Page 275: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

املطلع األخري خامتة القصيدة يف بيتني موضوعهما الدعاء لوالده وطلب الرمحة لـه حيـث : يقول

وعفوا فأنت املنعم الواسع الندى منك رمحة فاحبهحنانيك ريب )١( النعيم املخلـدا فيهاحياة يرى وأبدله من تلك احلياة وبؤسها

إدراك الشاعر ألمهية اخلامتة ؛ وأن األنسب فيها أن تكون وما ينبغي مالحظته هنا هو دعائية ، ولذا فقد أفرد اخلامتة يف مقطع مستقل مع أا بيتان فقط ويقومان على فكرة بسيطة وهي الدعاء وطلب الرمحة لوالده ، فكان املقطع أقصر مقاطع القصـيدة وأكثـر شـفافية

وهذا الوعي بأمهية اخلامتـة كمـا ، ني بيتا ووضوحا حيث بلغت املرثية ما يزيد على أربعسده أيضا مناسبة املضمون ، ألن واقـع جتجسده الشكل البنائي القائم على تعدد املقاطع ،

األمر ومقتضى احلال أن تكون اخلامتة يف رثاء الوالدين الدعاء هلما ، فذلك واجب يف رقاب ه يعد ثغرة فكرية كـبرية ، وعنـد األبناء وال عذر يف تركه وال مناص ، وخلو القصيدة من

وإذا كانت هذه اخلامتة الدعائيـة قـد ، اإلميان بأمهيته فإن األنسب له أن يكون يف اخلامتة جاءت تقريرية مباشرة فإن هناك من يأيت بالدعاء معلال فيحدث معه شيء من التمازج بني

: الدعاء والتأبني كقول علي النعمي يف رثاء أحد أصدقائه لتحظى باجلزيل من الثواب ظل رب ذي هبات فنم يف

)٢( جبودك يف احلياة بال حساب فكم سعد األرامل واليتاميفالبيت األخري يأيت مبثابة التعليل للدعاء ورجاء الرمحة والثواب يف البيت السابق ألن

انع أو ذلك الدعاء قد أتى بأسلوب الواثق املطمئن ومل يأت بأسلوب الراجي املتبتل ، وال متتعارض يف األسلوبني ، فكما أن األول تغمره عاطفة الرجاء واخلشية ، فإن الثـاين تغمـره عاطفة الثقة واليقني وهذا منهج قد أرشد إليه الشرع كما جاء يف صريح احلديث عن النيب

، وجند هنـا أن فكـرة ))ادعوا اهللا وأنتم موقنون باإلجابة ((_ صلى اهللا عليه وسلم _ ان تعزية النفس مبآل ذلك الصديق وما نء قد تداخلت معها فكرة العزاء ، فالبيتان يتضمالدعا

١٢٣حممد سراج ، ص: غناء وشجن ) ١( ١٧٣علي النعمي ، ص: لبجراح ق) ٢(

Page 276: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

سيجده من النعيم والثواب ومل تأت هذه التعزية عارضة أو دون مسوغ مقبـول ولكنـها ترتكز على حقائق كانت ماثلة يف شخصية املرثي تتبلور يف حبه للخري ومساعدة احملتـاجني

.وهذه األعمال من دعواي حتقيق رضا اهللا ونيل ثوابه ومغفرته من األرامل واليتامى وأحيانا قد جند اخلامتة الدعائية القائمة على أسلوب الثقة برمحة اهللا وثوابه تـرد دون

ي السابقة وذلك العتمادها يف التعليل موجود ما يعللها على خالف ما شاهدنا يف خامتة النعا أحيانا مناسبة املوضوع الرثائي يف سياقه العام كأن على أشياء من خارج النص قد تقتضيه

ومن مناذج هذا قول علي النعمي أيضا يف رثاء ركـاب .. يكون املرثي شهيدا أو شبه ذلك : حيث جاءت اخلامتة مستقلة كما يلي . . الطائرة الذين احترقوا ا الثــوابوهلم عنده جزيل صلــــــوات فعليهم من رم

مهاب جليلـهار يف موكب املالئـــــــكة األطـتتلقاهم وعلى رفرف عزيز اجلنــاب من إله كريــــــم بالبشارات

ختمه املسك من ألذ الشـراب يتساقون من رحيق شــــــرابا )١( مآب وحسنطويب هلم .. حق يف رحاب الفردوس ، حيث النعيم الـ

ك املرثيني وما ينتظـرهم مـن النعـيم أتت اخلامتة بلغة وصفية تصور مآل أولئ فقدت هذه اللغة بأسلوب يقيين واثق دون أن يصحبه ما يعلله أو يفسره ، قواخللود ، وقد انطل

ولكن عند النظر يف املناسبة واملوضوع فإننا سندرك أن الشاعر قد انطلق يف ذلك من واقـع ـ ث جـاء يف فهم مسبق ملوضوع الشهادة كما حددت ذلك نصوص الشرع املطهر ، حي

_ صلى اهللا عليه وسلم _ احلديث الذي رواه جابر بن عتيك ـ رضي اهللا عنه ـ عن النيب املطعون شـهيد ، والغـرق شـهيد : الشهداء سبعة ، سوى القتل يف سبيل اهللا ((: قال

وصاحب ذات اجلنب شهيد ، واملبطون شهيد ، واحلرق شهيد ، والذي ميوت حتت اهلـدم فاحلريق شهيد يف اإلسالم ، ومـن هـذا الفهـم )٢( ))مع شهيد ت جب، واملرأة متوشهيد

١٠٨صعلي النعمي ، : النغم احلزين ) ١( )١٨٤٧(رقم : ، سنن النسائي ) ٣١١١(رقم : سنن أيب داوود ) ٢(

Page 277: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

، ولكنها مل تلتفت إىل تعليل جزمها السـابق واإلدراك كانت انطالقة رؤية الشاعر السابقة . إميانا منها بعدم احلاجة إىل ذلك ألنه لديها من املسلمات قبال ليس مقصورا على امليت ولكنه وقد تتوسع دائرة اخلامتة الدعائية فيصبح الدعاء فيها

قد ينتقل إىل األحياء أو إىل الشاعر ذاته ، وحيصل هذا حينما يكون املرثي ملكا عـادال أو إماما مصلحا أو عاملا ربانيا ، ألن مثل هذا املرثي سيكون أثر فقده فيمن بعده أبلـغ وأثـر

صلح أحواهلم وجيمع كلمتهم فيصبح الناس بعده يف حاجة إىل الدعاء وااللتجاء إىل اهللا بأن يويؤلف بينهم حيث إن موت القادة والعلماء املؤثرين يف الناس غالبا ما تنخرم بعده كثري من

وال غرو وال عجب يف ذلك فقد حدث هذا يف باكورة .. األمور وتطرأ مجلة من املتغريات د وفاته كثري من دولة اإلسالم حني وفاة نبيها ومؤسسها عليه الصالة والسالم حيث ارتد بع

الناس ونشأت الفنت وتزعزعت األمور مع وجود الصحابة ـ رضي اهللا عنهم ـ فقد يكون هلذا األمر تأثري يف حياة األمة ال تزال ختشاه وختافه مع رحيل كل قائـد مصـلح أو عـامل

إخل ، ويربز هذا يف خامتة مرثية الشاعر أمحد الغزاوي اليت قاهلا يف رثـاء امللـك .. خملص : فيصل

بك آمنت وزكت ا األسرار يا خالق األكوان إنا أمـــة الصرب يا غفـار عليناوأسبغ أو هبنا رمحـةهيئ لنا رشدا

لدثـــار هوإن خري الدروع لنا من ديننا ويقينـناواجعل ما استهل قطار) فهدا(وأخاه ) خالدا(بالشريعة وانصر وأيد

)١( واإلبكـــار يلجوبه العثاء ا لدعائنـ فاستجبعبادك إنا هيئ ، هبنا ، أسبغ ، ( وجند يف هذه اخلامتة إحلاحا شديدا يف الدعاء بصوت اجلماعة

، وهذا الدعاء واإلحلاح فيه يعكس ما خياجل نفس الشاعر ) اجعل ، انصر ، أيد ، استجب . قائد املصلح أو الشعب ـ باألصح ـ من القلق واالضطراب الوجداين إزاء رحيل ذلك ال

أما اخلامتة احلكمية فغالبا ما تكون يف املرثية اليت تتعمق يف تأمل املوت واحلياة وحماولة سرب أغوار هذه القضية القائمة على التقابل بني قطبيها ، وختتلف درجة هـذه اخلامتـة يف

١/٣٥عبد العزيز األحيدب ، : آالم وآمال ) ١(

Page 278: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بـة مضموا بني حكمة ناضجة متفردة يف معناها وشكلها وبني حكمة سهلة املأخذ وقرياملعىن ، والغالب يف النوع األخري أنه يأيت مقتبسا من األقوال املأثورة مسبقا ولكنه قد حيدث

من التغيري والتجديد ، ومناذج احلكمة يف خواتيم الرثاء كثرية جدا ومنها قول عبد فيها شيئا : اهللا بن سليم الرشيد

الكفــاحوفيما بني ذين رحى ميالد فمـوت : هي األيام )١( اغما ـ عند الرواحرسيمشي ـ املنايا ركب يف يغدومن مل

وقد قامت هذه اخلامتة على ،وقد جاء هذان البيتان يف مقطع مستقل آخر القصيدة مث ) مـيالد ـ مـوت ( بنية تقابلية أتت يف أول أمرها قائمة على الطباق بني املتجاورين

جزئي البيت ، وهذا األسلوب القائم علـى توسعت يف البيت الثاين من خالل املفارقة بني التكنيك البالغي ينعكس على مراد احلكمة وهـدفها املقصـود وقيمتـها املوضـوعية ، ألن الطباق واملقابلة فنان بالغيان يقومان على طرفني متقابلني وبينهما وفيهما ينحصر املعىن

ك الرابطة يف هـذا الفـن خالله فصم تل من، وليس هناك من جهة ثالثة أو طريق آخر يتم البالغي ، وكذلك حياة اإلنسان تنتهي به إىل موت حمقق ال مفر منه وال حميص ، وهذا هو مضمون اخلامتة السابقة ، وهي بنمطيتها القائمة على ثنائية حمدودة تنسجم فنيا وتنسكب مع

ذا االنعكـاس أو قالب الفن البالغي السابق يف قيامه على ثنائية حمدودة أيضا ، وقد أسبغ هالتقارب بني املعىن والفن مجالية متألقة على هذه اخلامتة احلكمية ، وأحيانا قد تأيت اخلامتـة

ية جمتزأة أو عابرة ال يتعمق الشاعر فيها مبزيد تفصيل أو إيضاح كما ال يعريها اهتماما ماحلكة حكمية تتوج مرثيتـه فنيا كبريا ، ويوحي هذا النوع بأن مراد الشاعر وهدفه أن يأيت خبامت

مثل انفعاالته وأحاسيسه ، ولذا فإن هلا بعد أن أفرغ يف القصيدة كاملوتكون مبثابة التوقيع هذه اخلامتة تأيت فيما ال يتجاوز البيت الواحد وكثريا ما يكون هذا البيت خمتلفا عن اخلـط

نا بقـدر مـا يهمنـا الشعوري الذي قد انتظم األبيات السابقة له ، وال يهمنا هذا األمر هولعل من مناذج ذلك قول .. إحساس الشاعر بأمهية اخلامتة احلكمية ودورها يف اية املرثية

: أمحد حيىي كلي

٣٢عبد اهللا الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ١(

Page 279: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

)١( خيلد احلق فهو أعمق جذرا قد متوت األشياء تفىن ولكن من فهذا البيت ال يأبه باملوت والفناء ألن احلق واإلجناز سيبقى خالدا يف حق املؤثرين

. بين اإلنسان والذين إذا ما عاشوا احلياة نقشوا أمساءهم يف مساء اخلالدين _ ويقترب من مضمون اخلامتة الدعائية واحلكمية مضمون اخلامتة بالصالة على النيب

أو اخلامتة بالتسليم على امليت ، وختم القصيدة بالصالة من األمـور _ صلى اهللا عليه وسلم رية يف إبداعنا التراثي وخصوصا يف الشعر ذي االجتاه الديين أو القـائم املتعارف عليها والكث

على أسلوب الوعظ والتوجيه أو حىت التعليم ، وهنا نود الدخول إىل قضية دور هذا النوع من اخلامتة واإلشارة إىل أنه مل يأت يف قصائد الرثاء السعودي رد التقليد والتبعية ملن مضوا

نية أو قيمة موضوعية تتناسب واملقام الذي يرد فيه ، ولكنه ـ أوال ـ دون شعور بأمهية فقد ورد قليال جدا يف هذا الرثاء ومل يكن له ذلك احلضور امللفت لالنتباه ويف هذا إملاح إىل حماولة ختلص شعر الرثاء السعودي املعاصر من النمطية املنحوتة واالرمتاء يف أحضان املاضي

والتميز الذي مييز اإلبداع ويكسبه رونق التأثري واإلمتاع ، مث هـو ـ دون إشعار باملعاصرةثانيا ـ قد ورد مع قلته يف مواضع تناسبه وتزدهي به كأن يأيت مسبوقا بأسـلوب الـوعظ

ولذا فإن أكثر ورود ، )٢(والنصح والتذكري باملوت والتحذير من تناسيه وعدم االستعداد له ، ومن هذا قول الشيخ صاحل األطـرم يف رثـاء .. نشؤها العلماء هلذا يأيت يف املراثي اليت ي

: الشيخ حممد بن إبراهيم ـ رمحه اهللا ـ بأشرف ذكر ما له من حمارب ولكن خيار القوم من مات يذكر )٣( وداع إىل اهللا العزيز وتائـب على املصطفى صلى اإلله وسلما

غم يف مضموا مع ما سبقها من ذكـر ومع ركاكة هذه اخلامتة إال أا تنسجم وتتنااملوت والتحذير من الدنيا ووعظ الناس ونصحهم ، ومن مناذج هذه اخلامتة ـ أيضا ـ مـا

: جاء عند صاحل املالك يف رثائه للشيخ حممد بن عثيمني ـ رمحه اهللا ـ حيث يقول

١١٨ص أمحد كلي ،: طيفان على نقطة الصفر ) ١(_ ال شك أن هلذا األمر مؤثراته ودواعيه الشرعية ، حيث إنه من أسباب إجابة الدعاء ختمه بالصالة على الـنيب ) ٢(

_ صلى اهللا عليه وسلم ٢٦١عبد اهللا العمار ، ص: صاحل األطرم ، د: د: حياة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ وآثاره ) ٣(

Page 280: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

وآزر املسكينانصر الفقري وختامها صلى اإلله على الذي )١( ورعى األمانة صادقا وأمينا شريعة خري ماإلسالودعا إىل

) وختامهـا ( وجند هنا إملاحا من الشاعر إىل قصد اخلامتة يف هذين البيتني بقولـه _ والضمري عائد على القصيدة هنا ، وإن كان تتابع الصفات وكثرا هنا يف شخصية النيب

قـد ) رعى ، صادقا ، أمينا نصر الفقري ، آزر املسكني ، دعا ، ( _ صلى اهللا عليه وسلم حيـث ) الشيخ ابن عثيمني ـ رمحـه اهللا ـ ( يكون متضمنا الرمزية إىل شخصية املرثي

صلى اهللا _ تواجدت فيه هذه الصفات ، وبتواجدها فيه يكون مقتديا ومتبعا ج املصطفى تصـريح ، وعند الركون إىل هذا القول فإنه حيسن اإلشارة إىل مجالية عدم ال_ عليه وسلم . ليكون هنا تداخل وتناوب بني الشخصيتني .. ) صلى اإلله على الذي نصر ( باسم النيب

وحيث إن القصيدة العربية احلديثة قد حاولت يف مساعيها التجديدية املتنوعة أن ينال اخلامتة شيء من تلك املساعي ، فوجدت اخلامتة االبتداء ، ويعد تكرار مقدمات القصائد يف

ا مسة بارزة يف الشعر احلر ، ولعل أدىن وظائفه أن يعمل علـى تـرابط القصـيدة خواتيمهاجلديدة ، ومتاسك بنائها من الناحية الشكلية ، على األقل ؛ فهو تعريض ـ إىل حد ما ـ

، ولكـن )٢(وحدة الوزن والقافية اليت متثل عنصر ربط مادي بني أبيات القصيدة التقليدية باخلامتة ، وقد أنكرت نازك املالئكة هذا األسلوب يف ختام القصيدة من يعيب مثل هذههناك

وجعلته من النهايات الضعيفة يف الشعر احلر ، وأرجعت وجود هذه اخلامتة ـ غالبا ـ إىل ، أمـا عـز .. )٣(عجز الشعراء عن إيقاف تدفق الشكل احلر أو إىل مخود التوقد العاطفي

يف بعض القصائد يتمثل إطار بنائي ((ع بالدوائر املغلقة ، الدين إمساعيل فإنه يسمي هذا النو، ولكن هذا االنتهاء عنده )٤( ))حمكم ، جيعل القصيدة كأا دائرة مغلقة تنتهي حيث تبدأ

وال ميكننا أن نستخلص من هذا قاعدة ((.. ينبغي أن يكون له مربره الفين ودوره اإلبداعي يدته تطبيقا حرفيا أعمى حىت يضمن بذلك التحام طـريف عامة يطبقها الشاعر يف بنائه لقص

٨٣٦ناصر الزهراين ، ص: د: مام الزاهد ابن عثيمني اإل) ١( ٢١٢ص) م ١٩٩٦القاهرة ، دار الفكر العريب ، ( ، ٢شفيع السيد ، ط: البحث البالغي عند العرب : انظر ) ٢( ٣١، ٣٠نازك املالئكة ، ص: قضايا الشعر املعاصر : انظر ) ٣( ٢٥٢لدين إمساعيل ، صعز ا: قضاياه وظواهره الفنية : الشعر العريب املعاصر ) ٤(

Page 281: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

يكرر الشاعر يف اية القصيدة املقطع الذي بدأ به ، لكن ذلك التكرار نالدائرة ، فما أيسر أالبد أن يكون له مربره الفين ، أعين أنه البد أن يكون كذلك اية طبيعية للدورة اليت دارها

دادا للرؤية الشعورية واخلط الشعوري املمتد يف القصيدة ، أن يكون امتالشاعر يف القصيدة ، ولذا وكي تتحقق تلك القيمـة )١( )).. أن يكون ـ يف عبارة موجزة ـ ضرورة شعورية

الفنية يف مثل هذه اخلامتة فإن الكثري من الشعراء ال جيعل هذا التشابه بني اخلامتة واالبتـداء بعض التغريات اليت تصبح مبثابة التطور والتجديد ملا تشاا نصيا كامال ولكنه حياول إحداث

ابتدأه ، وكان ذلك من قبيل التناص ـ إن صح إطالق هذه التسمية على هذا ـ الـذايت ، ، وبالتايل .. والذاتية هنا قد وضعناها قصدا حلدوثه يف نص واحد ومن ذات مبدعة واحدة

البتداء تصبح تقنيـات مجاليـة هلـا / ة فإن هذه التغريات والتطورات اليت تطرأ على اخلامتأدوارها الداللية والصوتية اجلديدة أو اإلضافية ، ومن هذا خامتة قصيدة الشـاعرة بديعـة

: كشغري واليت قد قالتها يف رثاء والدها تبقى بعينك دمعة

أنقى من الترب النفيس )٢( لكنها ذكر أنيس

ت بعينة دمعة برزت ساعة االحتضار ؛ وقد ذكرت أن والدها حينما فارق احلياة كانوألن ابنته كانت غائبة عنه تلك الساعة فقد استشعرت حينما أبلغها احلاضـرون أن هـذه الدمعة كانت تعرب عن حزن والدها لغياا ، وقد بنت مرثيتها على هذا األساس ، وكـان

: مطلعها وتركت خلفك دمعة

علقت بأهداب اجلفون أبقيتها ذكرى لنا

٢٥٦عز الدين إمساعيل ، ص: قضاياه وظواهره الفنية : الشعر العريب املعاصر ) ١( ٢٩، ص) م ٢٠٠١بريوت ، دار الكنوز األدبية ، ( ، ١بديعة كشغري ، ط: شيء من طقوسي ) ٢(

Page 282: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

)١( تبقى على مر السننيوعند املقارنة بني املطلع واخلامتة جند تشاا كبريا ، فذكر الدمعة وأا ذكرى مجيلـة وباقية موجود يف كليهما ، ولكننا عند البحث يف مجاليات هذا التشابه سنجد أن املطلع مل

كون الدمعة لالبنة يفصح عن صاحب الدمعة حتديدا أهو الراثي أم املرثي ، بل إنه حيتمل أن ت، وهذه الدمعة خترج مع كل ذكرى وعلى مـر وقد بقيت لديها وبعينها بعد رحيل والدها

السنني ، وهنا يصبح املطلع حمتمال معنيني بعيد وقريب على حنو ما تقرر ذلـك الصـياغة لـة البالغية املعروفة ، أما اخلامتة فإننا سنجدها تقرر هذه الدمعة وتكشف صاحبها بلغة مجي

: وأسلوب تبايين يقوم على املقابلة بني اجلملتني الفعليتني اآلتيتني تبقى بقليب حسرة = تبقى بعينك دمعة

وهنا وعند التمعن الدقيق يتبني لنا الدور اجلمايل هلذه اخلامتة اليت قد أتت مسـتوحاة . ود ومستمدة من املطلع ، وفيها قد انكشفت حقيقة الدمعة املرادة وصاحبها املقص

ومثل هذا ما ختم به عبد اهللا الرشيد مرثيته يف الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا : ـ حيث يقول

)٢(سنبكيك نورا ونبكيك جمدا سالم عليك فقد كنت فردا : وقد كان مطلع القصيدة

)٣( ويف كل قلب متهدت مهدا بكاؤك حتم ، فقد كنت فردا، وهذه اجلملة حتمل تأبينـا ) فقد كنت فردا ( ة مجلة حيث تكرر يف املطلع واخلامت

منفردا يقوم على إفراد الشيخ بالتقدير واإلجالل ، وكما ابتدأ املطلـع باجلملـة االمسيـة وتكرار الفعل املضارع يشري ) ونبكيك .. سنبكيك ( فقد اختتم النص بـ ) بكاؤك حتم (

ذلك من خالل داللة املضارع ، كما يعطي على مر الزمان وإىل استمرار وجتدد هذا البكاء ، فيصبح النص بعد أن قرر أن .. التكرار تأكيدا هلذه الداللة ودعما هلا ألنه جتدد واستمرار

٣٠بديعة كشغري ، ص: شيء من طقوسي ) ١( ٦٢هـ ، ص١٢:٥:١٤٢٠، ) ١٧٠٧(العدد : جملة الدعوة ) ٢( . املصدر السابق ) ٣(

Page 283: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

بكاءه حتم سيبكيه ويبكيه اجلميع ألنه نور وجمد ـ رمحه اهللا ـ ، وخامتة هذه القصيدة قد خلامتة ؛ إضافة إىل التشابه والتكرار بـني توافر فيها السالم على املرثي وهذه مسة تراثية يف ا

) الدوائر املغلقة ( املطلع واخلامتة وهذه من مسات القصيدة احلديثة املتصفة مبا أشرنا إليه بـ . ، وذا فقد اكتسبت هذه اخلامتة صفيت األصالة والتجديد

أن خيتم وأحيانا قد ال تكون اخلامتة منتزعة من املطلع فحسب ولكن من ثنايا النص كالشاعر ببيت أو مقطع قد ورد يف النص ، وكذلك قد يكون التشابه نصيبا وقد يكون جزئيا : ، وإن كان األول أكثر وأعم ، ومن هذا خامتة الشاعر عبد اهللا الزيد يف رثاء أحد أصدقائه

. . خالد . . خالد مات : ال تقل

. . وكتاب . . موقف . . عاش يف : قل . . راح: ال تقل

)١( . .وخطاب . . ظل يف سرية : قل فهذه اخلامتة قد وردت نصا يف أثناء القصيدة دون أن حيدث فيها أدىن إضافة أوتطوير

كنها تريد التركيز على أمهية هذا التكرار وأن ترتد بذهن املتلقي وجتعله يتأمل ما قد مر ل، وصفة اخللود والبقـاء يف ذاكـرة وتوظف ) خالد ( معه ، حيث إا تركز على اسم املرثي

، حيث تصر نفس الشاعر الغارقة يف حزا ومعاناا على ترديد ذلـك .. أصدقائه وحمبيه االسم للذات الراحلة ؛ يستشعر ) خالد ( االسم ، وهذا التكرار أو الترديد بقدر ما يستشعر

متمـثال يف اجلمـل مدلول اخللود يف هذه اللفظة ، وهذا ما يشري إليه ويؤكده بقية النص ) . النهي واألمر ( الطلبية

وأحيانا وبعد أن يكمل املبدع جتربته الشعرية ويكون قد أفرغ فيها مجيع انفعاالتـه قصيدته يصلح أن يكون خامتة هلا ملناسبة ما حيتويه من املعاين وما يشـع جيد أن أحد أبيات

ن السعيد اليت أنشـأا يف رثـاء فيه من اجلماليات ، ومن هذا خامتة شروق بنت عبد الرمح : أخيها

٥٠عبد اهللا الزيد ، ص: يتلو سراج الروح .. من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد ) ١(

Page 284: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

)١( حسيب وريب ناصر لقراري واألمر هللا العظيم مسلم

هذا البيت يف وسط القصيدة ، وملا يتضمنه من معىن التسليم هللا واحتساب وقد ورد . األجر والثواب على املصيبة فقد وجدته الشاعرة مناسبا أن يكون خامتة لقصيدا

عا آخر من اخلامتة يتقاطع مع النوع السابق ، وفيه ال يتم الشاعر دورته وأخريا جند نوكما هو احلال يف النمـاذج .. الشعورية إىل حيث بدأ أو إىل تكرار شيء قد سبق يف النص

إا اية تـرتبط بالبدايـة ) . غري ائية ( ينتهي يف القصيدة إىل اية ((ابقة ؛ ولكنه سالنها ليست هي البداية ، إا اية مفتوحة ـ إذا صح التعبري ـ ورمبـا ارتباطا عضويا ، ولك

ورمبـا .. كان السر اجلمايل وراء هذا اإلطار املفتوح هو إحساس الشاعر بال ائية التجربة ، وهذا النوع مـن )٢( )).. كان من االفتئات على التجربة الشعورية وضع اية حامسة هلا

الشعر بل إن أغلب القصائد تسري يف هذا اإلطار ، ومن مناذج هـذه اخلامتة كثري الورود يف اخلامتة ما جنده عند عبد اهللا احلميد يف رثاء صاحب السمو امللكي األمري مشاري بن عبـد

: العزيز ـ رمحه اهللا ـ انكسارات احملالتطوقه فراغ بعد فقدك حيتـــــويين )٣( ، ويشطح باخليال حيريين ويزرعين ـ على الذكرى ـ سؤاال

حيث تستمر عاطفة الشاعر مسترسلة مع الذكرى وشاطحا ا اخليـال، ويعكـس ) حيتويين ، تطوقه ، يزرعين ، حيريين ، يشطح ( تكرر الفعل املضارع استمرار ذلك وتواصله

حيث يسيطر عليـه الفـراغ ) مفعوال به ( ، ويف مجيع هذه األفعال تربز شخصية الشاعر واخليال ويستسلم هلا دون مواجهة أو صمود ، وكأنه ذا االستسالم ينطلق طائعا والذكرى

. منقادا مع تلك األشياء وهناك أنواع أخرى من اخلامتة ـ غري ما سبق ـ ولكنها قليلة الورود ومنها اخلامتة

اقتباس القائمة على التناص ، أو االقتباس ، وختتلف درجة هذا املقياس يف تلك اخلامتة ، بني

١٣هـ ، ص٦/٣/١٤٢١، اجلمعة ) ١٠٢٠٠(العدد : جريدة اجلزيرة ) ١( ٢٥٩ن إمساعيل ، صعز الدي: الشعر العريب املعاصر قضاياه وظواهره الفنية واملعنوية ) ٢( ٥٩عبد اهللا احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء ) ٣(

Page 285: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

جزئي أو رمزي واقتباس تام أو كامل ، ومن هذا النوع خامتة حممود عـارف يف قصـيدته : اليت قد أنشأها يف رثاء أمحد قنديل ) وانطفأ القنديل (

)١( يا منصف املوتى من األحياء قد كنت أوثر أن تقول رثائي اء حافظ إبـراهيم ، فهذا البيت هو مطلع قصيدة الشاعر أمحد شوقي اليت قاهلا يف رث

.وقصيدة حممود عارف قد جاءت معارضة ملرثية شوقي

٢/٤٤٣حممود عارف ، : ديوان حممود عارف ) ١(

Page 286: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

: الشكل الكتايب _ 6برز االهتمام بالشكل الكتايب واالعتناء به مع بزوغ نواحي التجديد والتطوير املتعددة

ات يف القصيدة العربية احلديثة ، وهلذا االهتمام دواعيه ومربراته املنطقية اليت قد فرضتها التغريوالتحوالت الطارئة يف مجيع جماالت احلياة املعاصرة ، ومن ذلك انتشار الكتابة والكتـاب وازدهار الطباعة ، حيث إن هذه األمور قد جعلت اخلطاب الشعري املعاصر خطابا بصريا أكثر من كونه خطابا مساعيا أو إلقائيا ، وال عجب أن جند من يتناول بالدراسة والتحليـل

مل يقابله أو يسمع منه ، ولكنه قرأ شعره ورصد مجيع مساته عن طريق اإلبصار ال شعر شاعربأنه يقدم للمتلقي خطابا كتابيـا ((وبالتايل فإننا جند الشاعر احلديث وقد وعى السماع ،

ا وحدا به هذا إىل أن يتوسل مبجموعة من الوسائل والتقنيات اجلمالية البصـرية الـيت يبصرعلى البعد املكاين أكثر من اعتمادها على البعد الزمـاين ، وذلـك ألن تعتمد يف وجودها

اخلطاب املكتوب يفقد بالضرورة الكثري من اخلصائص الصوتية واملقامية اليت يشتمل عليهـا النرب والتنغيم واحلركات املصاحبة للكالم مثل احلركـات ك) املنطوق ( اخلطاب املسموع

وغريها ، وكذلك بقية عناصر املقام األخرى مثل غيـاب ..اجلسمية لليد والعني والشفاة ، وهنا نقول بأن )١( ))صاحب اخلطاب الذي يكون حلضوره شأن كبري يف عملية التوصيل

سيادة اخلطاب الكتايب رمبا تكون وراء سيادة وظهور النظرية النقدية احلديثة القائمة علـى قد انتفى مع اخلطاب املكتوب الذي منهج موت املؤلف ، حيث إن حضور املؤلف احلقيقي

بأن الشكل ((يفتقد إىل عناصر املقام والصوت ، وهذا ما جعل علماء اللغة احملدثون يقولون ، وألن )٢( ))الكتايب ليس لغة ولكنه طريقة لتسجيل اللغة بواسطة إشارات ورموز مرئيـة

لقي رواجا وازدهارا لعنصر الشكل الكتايب يف القصيدة ليس له أي جذور تراثية واضحة فقد اجلدة فيه ـ والنفس جمبولة على عشق كل جديد ـ وملا له من دور داليل بـارز قـد ال تستطيع القيام به لغة السماع أو اإللقاء وحدها ، وقد أصبح رصد النظام اخلطي للقصـيدة

ين ضرورة نقدية ملحة يفرضها واقع العطاء اإلبداعي اجلديد ، وكيفيـة التشـكيل املكـا

١٩٢عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ١( ١٦ص) م ١٩٩٠ر ، القاهرة ، دار الفك( ، ١حممد العبد ، ط: اللغة املكتوبة واللغة املنطوقة ) ٢(

Page 287: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

للصفحة الشعرية ، وتشمل طريقة توزيع الكلمات ، واألسطر ، والفقـرات ، وعالمـات الترقيم ، والفراغات الطباعية ، وسائر التقنيات الطباعية األخرى كاعتماد تقنية احلاسوب يف

. إخل .. توظيف اخلطوط ذات اإلحياء كل التراثي أو اخلليلي والواقع أن أغلب قصائد الرثاء السعودي قد مت بناؤها على الش

وهذا النوع والسيما املتقدم منه ال يستخدم تقنية الشكل الكتايب مع إمكانية تأيت ذلك فيـه ـ أحيانا ـ ، ولكن القسم الثاين أو الشكل التفعيلي هو الذي تكثر فيه االسـتفادة مـن

لرمحن السماعيل يف التقنية الكتابية ، ومن مالمح هذه التقنية ما جنده يف قصيدة للشاعر عبد ا : رثاء أخته

سيشهد عام من احلزن أن الزمان توقف يوم اخلميس

وأن الليايل غدت كلها ليلة للخميس وكانت بقربك كل الليايل قصرية

)١( ))منرية ((وكانت بوجهك كل الليايل يعطي داللة أخرى غـري ) عالمة التنصيص ( داخل القوسني ) منرية ( فوضع لفظة

لة األولية املسموعة ، وهي اسم املرثية يف القصيدة ، وال يكفي الصوت وحده هنا لنقل الدال) الليـايل ( داللة االسم ، بل إنه قد يكون بعيدا جدا وذلك بسبب التالؤم الكبري بني جميء

فإنه سيزيد من تعمق داللتـه وصفا ، وكما أن هذا التالؤم كبري جدا ) منرية ( موصوفا وسابق ، فالتكرار يف السطرين األخريين يفرض توازيا تركيبيا ومعنويا ، وهنا وأمام التكرار ال

هذه السيطرة اجلارفة للداللة املسموعة فإن الشاعر مل جيد بدا من اللجوء إىل استغالل داللة الشكل الكتايب مستخدما عالمة التنصيص ، ليصبح النص أخريا قد محل تكثيفا دالليا متألقا

، وقريب من هذه اإلفادة الداللية املتأنية عن )٢(ملتلقي والدارس توثيقا قد حيتاج إليه ، وأفاد ا

. عبد الرمحن السماعيل ) : اخلميس احلزين ( الديوان املخطوط ) ١(إىل أن اسم أخت الشاعر عبد الـرمحن ) الشعر يف القصيم ( أشار الدكتور إبراهيم املطوع يف رسالته للدكتوراه ) ٢(

الشعر . ( اليت رثاها الشاعر فهي والدة زوجته ، أما عائشة) منرية ( ، والصحيح أا ) عائشة ( السماعيل اليت رثاها ) ١٣٦، إبراهيم املطوع ، ص:يف القصيم

Page 288: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

، حيث استخدم ) حسن ظاظا ( طريق الشكل الكتايب ما جنده عند عبد اهللا احلميد يف رثاء : عالمة التنصيص ـ أيضا ـ يف قوله

.. ستون ألف تساؤل : حبزا ) الرياض ( تصل

)١(ول ـ بعدك ـ يا حسن ؟ كمن يكتب الكش

الشاعر بـني وليست الرياض املدينة ، وقد وضعها ) جريدة الرياض ( فالرياض هنا قوسني وأشار إىل داللته املرادة يف اهلامش ، ووضع القوسني هنا للتأكيد على داللة خاصـة

ليه وبقاء املضاف إ) جريدة أو صحيفة ( وأن اجلملة فيها حذف مراد ، وهو حذف املضاف إذا قبلنا ذلك بوجـود ، وال ميكن أن يكون املراد مدينة الرياض ألننا سنتفاجأ ) الرياض (

، وبني اجلريدة والكتابة حيدث التوازي الداليل ، وهنـا ) من يكتب ( االستفهام بعد ذلك يصبح القوسان يف النص مبثابة االحتراس املقصود الذي أتى به الشاعر كي جيعل املتلقي يقف

. أمال وباحثا عن املراد بالرياض يف النص حىت ال يتفاجأ بعد ذلك وترتبك ذائقته متاليت كثر استخدامها يف الشعر املعاصر النقط علـى اخـتالف ومن عالمات الترقيم

تعددها ودورها ، فالنقطة إذا كانت واحدة مفردة فداللتها دائما اإلشارة إىل أن الكالم قد سكوت علها أو ألا هي النهاية الطبيعية للجملة ، أما إذا كانـت توقف عند اية حيسن ال

أكثر من واحدة فإا تتخذ الكثري من الدالالت ، ومن هذا جميء النقـاط داخـل الـنص الشعري ، فهنا يوحي تتابع النقاط ـ عادة ـ بأن هناك فصال حادا بينهما أو قد تكـون

ري ذلك ، ومن أمثلة استخدام النقـاط ، قـول أو غ. . معربة عن الطول واالمتداد الداليل : حممد اخلنيزي يف إحدى مراثيه

كتبت من اآلالم واألشجان أنا دمعة خرساء يف األجفــان مسفوحة يف املدمع اهلتـان ال تنطق السر الرهيب وال ترى

)٢( وتلوح خامدة إىل الوجدان . . . .تتوقد النريان يف آفاقها

٣٨عبد اهللا احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء )١( ١٠٣حممد اخلنيزي ، ص: مشس بال أفق ) ٢(

Page 289: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

تلك النريان واستمرار توقـدها وعظمـة عد آفاقها تدل على كثافة فالنقاط الثالث ب، فتصبح دواال للكثرة واالستمرار والعظمة واالستفحال ، واملتلقي ـ بـدوره ـ تأثريها

سيدرك هذه التعددية والكثرة من واقع تعدد النقاط ، ومثل هذه الداللة للنقاط ـ على حنو جدا يف الشعر املعاصر ، وأحيانا قد تكون متكلفة أو األمنوذج النصي الذي أمامنا ـ كثرية

موضوعة يف غري مكاا املناسب ، ولكن املعول عليه يف هذا اجلانب أن يكون ذلك موضوعا يف الديوان األساس أو ما كتبه الشاعر بيده ، وأن يكون جميئها يف النص حمدودا ويف مواضع

جد قصائد ينتظم النظام النقطي توقد ، ولذا فإنهكل الكتايب ينطبق عليها املقياس الداليل للش . ودون أن يكون لذلك قياسية حمددة أو منطية معينة )١(جل أبياا أو مجعيها

يعود إىل استخدامها داللة النقاط يف أثناء النص فإنهوكما استفاد حممد اخلنيزي من : حيث يقول .. بصورة أوسع يف خامتة قصيدته

)٢( ... !وافجعتاه ملوتة الشبان ... يف حرية مات حممد! رباه حيث تقع هذه النقاط يف آخر شطري البيت لتكون اية القصيدة ويف آخر بيـت

هذه النقاط عظمة املصيبة وثقل الفاجعة ، وأا ال تنتهي عنـد لتصورمنها اية مفتوحة ، هو الوحيد مـن بـني ) ة اخلامت( حد معني بل هي مستمرة ومتصلة ، وقد كان هذا البيت

أبيات القصيدة الذي قد انتهى ذه النقاط ، فجاء شكله الكتايب خمتلفا عن مجيـع أبيـات القصيدة حيمل داللة خاصة تعطي مجاال أسلوبيا يزداد تألقه بكونه آخر ما يف تلك املرثيـة

. ليعرب عن عدم انتهاء أمل الفاجعة وهول الفراق متعدد الدالالت ي اليت قد وظف فيها نظام النقط توظيفا ومن قصائد الرثاء السعود

للشاعر غازي القصييب ، وقد أنشأها يف رثاء أحد أصـدقاء ) حكاية حزينة ( مرثية بعنوان : ومنها .. الطفولة

. . بني العواصف . . ويف جلة البحر . . . بني املدائن . . بني السفائن . . بني اجلزائر

١٤١أسامة عبد الرمحن ، ص: واستوت على اجلودي : انظر ) ١( ١٠٣خليرتي ، صحممد ا: مشس بال أفق ) ٢(

Page 290: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

)١(عا وضا. . ضل السبيل ومها مجيعا يتوازيـان مـع ) بني ( فالتعدد النقطي هنا يتقاطع مع التكرار املتمثل يف

العواصف ، اجلزائـر ، ( اللفظ اجلمعي الذي متثله صيغة منتهى اجلموع متكررة عدة مرات ، وهنا تتآزر داللة الشكل الكتايب مع داللة الشكل السمعي أو األسلويب ) السفائن ، املدائن

ولد منهما معىن الكثرة والتعدد وضياع احلدود ، فقد مات ذلك الصديق غريقا يف جلـة ليتالبحر وضاع إىل األبد ، وتتقاطع هذه الكثرة والتعددية يف داللتها املتوازية مع كثـرة هـم الشاعر واستفحال حزنه على فقد صديقه العزيز ، وعند االستمرار يف تتبع النص فإننا جنـد

قطع ما قبل اخلامتة يواصل تكثيف داللة الشكل الكتـايب مسـتخدما الـنقط الشاعر يف امل : بأسلوب آخر ، حيث يقول

. . درسنا معا . . وكربنا معا . . وهلونا معا وبكينا معا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .)٢(

مث ) نا الفاعلني ( اعله يستقل كل سطر جبملة شعرية تتكون من الفعل املاضي وف فهنالتؤكد عنصر التثنية ( . . ) معا تأيت مؤكدة االجتماع والسوية ، مث تأيت النقطتان بعد ذلك

، وهذه الداللة األوليـة ) املرثي ( وصديقه الراحل ) الراثي ( ، فكأا متثل بدورها الشاعر منهما العديد مـن للنقطتني ، مث بعد ذلك يأيت سطران ـ إن صحت التسمية ـ حيمل كل

يف كل سطر ، ليعرب هذا الفضاء الشعري عن أمور غري حمدودة ) اثنيت عشرة نقطة ( النقاط من الصداقة واالجتماع بني الصديقني يف طفولتهما ، فبعد أن أبان الشاعر بأنه هو وصديقه

يصـعب ، بعد ذلك يشري إىل أمـور .. قد درسا معا ، وكربا معا ، وهلوا معا ، وبكيا معا

٢١غازي القصييب ، ص: للشهداء ) ١( ٢٣املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 291: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

أكلنا معا وجلسنا ( حصرها قد عمالها وأتياها معا ، وكأنه يريد أن يستمر يف خطابه قائال لذينك السطرين من النقاط ا نعرف القيمة اإلحيائية الكبرية، وهن) إخل ... معا ولعبنا معا و

. املتعددة اهللا فإن عبـد ) السطر النقطي ( وكما استخدم غازي القصييب الفضاء الشعري أو

: اخلشرمي يف مرثيته ألمه خيتم إحدى مقاطعه بعدد من تلك األسطر الشعرية فيقول مل نشأ أن جنيء

وأن نلتقي ليكون الغياب املؤبد خامتة احللم ما بينـنا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١(

ملتتابعة واليت قد وردت يف ثالثة أسطر متتالية تعطي فهذه املساحة الكبرية من النقط اإحياء مبضمون النص العام وهو الغياب املؤبد ألم الشاعر ، فالنقط متثل أو ترمـز إىل شـيء غائب مفقود ، وتعدد أسطر النقط مبثابة التكرار والتأكيد هلذا املدلول ليتناغم ـ دالليا ـ

اللة تتوازى معها داللة أخرى تتعلق بعاطفة املبـدع ، وجبانب هذه الد) الغياب املؤبد ( مع وشعوره ، فهذه النقط تصور الفراغ الكبري الذي تركه رحيل األم يف حياة االبن احلـزين ، وهنا جند أنه من املناسب الوقوف عند البيت الفراغ أو البيت الصامت ومدى التالؤم بينـه

ملشاعر اليت قد ال تستطيع اللغة املسـموعة وبني الرثاء ، حيث إنه بدروه يعكس الكثري من اإن ساعة املوت وفقد املرثيني أمر ملا فيه من قوة الفاجعة وذلكاإلدالل عليها أو اإلتيان ا ،

. وهول املصاب جيعل النفس اإلنسانية تقف أمامه صامتة وعاجزة عن إخراج باطنها اجلريح

١٢٢عبد اهللا اخلشرمي ، ص: ذاكرة ألسئلة النورس ) ١(

Page 292: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

النص الرثائي طريقة كتابة الكلمات ومن دوال الشكل الكتايب أو مالحمه املوظفة يفحبيث تكتب مبعثرة احلروف ومتفرقة األجزاء ، ومن أمثلة هذا ما جنـده عنـد عبـد اهللا

: اخلشرمي يف رثاء أمه حيث يقول فقل يل من أنا

أنا من . . أنا )١(. . . . م ن أ ن ا اأن

فسي واالضطراب الوجداين الـذي تعيشـه ذات فهذا املقطع يصور مدى القلق النالشاعر إزاء فقد والدته ، حيث يسيطر عليه االستفهام ، وأسلوب االستفهام هنا ال ينتـهي

مث يستمر التواصل إىل ما ال اية له ) من ، أنا ( عند حد بل إنه يتواصل متكررا من لفظيت السطر ترد أحرف اللفظـتني يف آخر سطر شعري ، ويف هذا وال حدود من خالل النقاط

، ليعكس هذا القلق والتنافر بني احلروف ذلك القلق ) كل حرف على حدة ( متفرقة خمتلفة .. الذي تعيشه نفس الشاعر ، وتبعثر هذه احلروف واتصال هذا التبعثر غري احملدود

زهراين ومبثل هذا االستخدام لداللة احلروف املبعثرة أو املفترقة جند صاحل بن سعيد ال : يكتب يف إحدى مراثيه اليت أنشأها يف شهداء فلسطني

أبيت يرسم بائعة احللوى ، يرسم قرطا ، وردا جوريا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يرسم أ

ن ا

ت

١٢٢عبد اهللا اخلشرمي ، ص: ذاكرة ألسئلة النورس ) ١(

Page 293: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

!��ء ا����ة: ا���� ا�ول

جريح يرسم شيخا ، فوق ذبيح

يرسم أمه ، خترج من عمق ض ر ي )١( ح

وقد مشل هذا اجلزء من النص صفحة كاملة يف الديوان ، شغل أغلب أسطرها حبرف . هجائي واحد فقط

٦٥صاحل الزهراين ، ص: فصول من الرماد) ١(

Page 294: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ة ــغـالل: الفصل الثاين

املستوى الصويت _ ١ املستوى التركييب _ ٢

املستوى الداليل _ ٣

Page 295: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

متاما مثلمـا ميثـل اللغة هي املادة األوىل لألدب ، أو بعبارة أدق هي القوام املادي ،بيد ((اللون بالنسبة للرسم ، واحلجر بالنسبة إىل النحت ، والصوت بالنسبة إىل املوسيقى ،

يف اللغة ختتلف عما سواها من الفنون األخرى فاللون أو احلجر أو مـا ) املادية ( أن طبيعة هذه اللحظة ال يظل خامال من الناحية االجتماعية حىت يقع يف يد الفنان وهو حىتأشبههما

شأن له بعملية معرفة الواقع ، صحيح أن كال من هذه املواد يتمتع ببنيته اخلاصة ولكنه منح هذه البنية من قبل الطبيعة ، وال عالقة ملا منحه بأية عمليات أيديولوجية أو اجتماعية ، أما

لية حىت من قبل أن اللغة يف هذا املقام فتمثل مادة من نوع خاص وتتميز بفاعلية اجتماعية عا )١( ))تطوهلا يد الفنان

وهذه الفاعلية للغة قبل وجودها يف األب أو النص هي اللغة مبسـتواها الطبيعـي أو فيه مجيع من يتكلم تلك املستوى الداليل دور معجمي يتحد االصطالحي ، ودورها يف هذا

وهو ذو بنية ) الثانوي ( جي املستوى النموذ) املعجمي ( اللغة ، ويلي هذا املستوى الطبيعي أشد تعقيدا من سابقه ويدخل حتته عدد من األنظمة من أبرزها نظام الفنون مبـا يف ذلـك الشعر ، ومن هنا فإنه يصبح للشعر لغته اخلاصة ، تلك اللغة اليت يتم إبداعها على أساس من

ح الشعر فنا ، ولذا فإا ، ولكنها غري مساوية هلا متاما لكي يصب) املعجمية ( اللغة الطبيعية يف تطور ومنو مستمر مع كل مبدع ويف كل إبداع ، ولكن هذا اجلدل اإلبداعي بوجهيـه

ال ينبغي أن يرتح أو ينحرف بقوة جارفـة إىل أي مـن ذينـك ) املعجمي والنموذجي ( ال الوجهني ، فهو عند انزياحه إىل املستوى األول سيفقد فنيته وتألقه وسيصبح كالما عاديا

بب يف عقم احملاولة مجال فيه وال إبداع ، كما أنه عند انزياحه الكامل إىل املستوى الثاين يتسوعجزها عن حتقيق التالقي بني مـن ((أساسها وبقائها رهنا بفردية صاحبها اإلبداعية منذ

وهو التالقي الذي البد منه يف كل عمليـة أدبيـة تبلـغ يرسل العمل األديب ومن يستقبله )٢( )) يتهاغا

،) هـ ١٤٢٠جدة ، النادي األديب جبدة ، ( ، ١ط حممد فتوح ،.مهاد نقدي ، ترمجة د: حتليل النص الشعري) ١(

٤٨ص ٣٢، ص) م ١٩٨٨القاهرة ، دار املعارف ، ( ، ٢حممد فتوح أمحد ، ط. د: شعر املتنيب قراءة أخرى ) ٢(

Page 296: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

وهنا نقول بأن اإلبداع األديب والشعري خصوصا ال ميكن أن خيلو خلوا متاما مـن الداللة املعجمية الوضعية مهما كانت درجة احنرافه وتألقه الفين ، ومىت حـاول الفنـان أن يعمل هذا أو يبالغ يف حتقيقه فإنه سينتهي بتجربة إبداعية فاشلة ، يسيطر عليهـا الغمـوض

ا التوحد واالنفراد وتتضاءل أمام املتلقي مجاليتها وتأثريها وعليه فإن املعجم الشـعري ويقتلهاملتمثل يف ما أشرنا إليه باملستوى األول ينبغي أن توليه الدراسة األدبية أمهية أوىل وتنطلق منه

ديب إىل ما بعده من مستويات أو احنرافات ، فهو املدخل األول واللبنة األساسية يف النص األوذه الصورة فإن معجم أي نص شعري ميثل ـ يف املقام األول ـ عامل ذلك النص ، ((،

أما الكلمات اليت يتكون منها فهي اليت متأل فراغ ذلك العامل ، ومن العالقة بني كال اجلانبني )١( ))تتخلق بنية الوجود الشعري

الت ، فالكلمات حبد ذاـا بنية اللغة حتمل يف طياا طاقة خاصة وشبكة من الدالوأهم خصائص اللغة ((رموز صوتية أو كتابة ملواضيع من اخلارج ، أي ملوجودات معينة ، و

الذي هو املوجود اخلـارجي ، و ) املدلول ( التوصيلية أا لغة داللية حبتة ، أي يتميز فيها مـن صورة الذهنية املركبة اليت هي ال) الداللة ( اللفظ الرامز إىل هذا املدلول ، و) الدال (

وذا تصبح اللغة إشارية رامزة ، أي جمرد رموز إىل أشياء تتخطاهـا .. متثل املدلول والدال هذا احلد من املفهومية واالصطالح تصـبح ، وإىل )٢( ))إذا حنن وعينا مرموزها اخلارجي

عند مزيد متعن وفحـص اللغة متساوية الوجود يف الكتابة النثرية والكتابة الشعرية ، ولكن ويف املادة اللغوية حني وجودها يف الكتابتني يتبني أن هناك فرقا كبريا بني وجـود اللغـة يف

اللغة ( ، ومع هذا اإلميان مبصطلح )٣( ))ألن للشعر لغة خاصة داخل اللغة ((الشعر والنثر لغة يف هذا املفهوم ، ومدى أمهيته وجالء مفهومه إال أن هناك من يندفع وراء املبا) الشعرية

فتدفعه تلك املبالغة إىل جتاهل ونسيان أو احتقار الدور الداليل للفظة متفـردة يف الصـياغة وهي ما ينبغي أن نقبل التفرقة بني وحدات اللغة األدبية ((: الشعرية ، حىت وجد من يقول

١٧٤حممد فتوح ، ص.مهاد نقدي ، ترمجة د: حتليل النص الشعري ) ١( ١٠١حممد العزب ، ص: صول األنواع األدبية أ) ٢( ٤١علي عشري زايد ، ص: عن بناء القصيدة العربية احلديثة ) ٣(

Page 297: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ت والتراكيـب تزال بعد مادة صماء ، وهذه الوحدات بعد أن تتخلق نسقا حيا من العالقاواألنظمة ، فهي يف الوضع األول يف حالة غياب مجايل مطلق ، على حني هي يف الوضـع

فاهتموا جبوانب لغوية على حساب جوانب أخرى )١( ))الثاين رهينة حضور مجايل حمتمل وما علم أولئك أن اللغة الشعرية لغة شديدة اخلصوصية وهي تتميز بالتقطري الدقيق يف انتقاء

جمرد عالمة جربية تتحدد حقيقتها كاملة تفالكلمة بالنسبة للشاعر ليس ((اد وتنظيمها املويف معناها ، بل هي حتوي عدا معناها وعدا كوا كلمة يف ذاا حتوي مجاال وقيمة خاصـة

صفات ملموسـة خاصـة ـا .. ا كاألحجار الكرمية اليت مل تصقل بعد ، ولكن منها واللون والطعم ، وموهبة الشاعر تتضح من طريقته يف تذوق معىن كالشكل والذوق والنغم

الكلمات وتقدير كلماا فهو ينتقيها ويقرا من بعضها بعضا ، أو يصوغها متعارضة فيمـا )٢( ))بينها ال لسد حاجات فكرية يريد التعبري عنها فحسب ، بل كذلك رد لذة إظهارها

والعدول ، فاألسلوب الذي مييز بني شاعر وشاعر آخر هو ويربز يف هذا اال مبدأ االختياراالختيار واالنتقاء ، ومن خالل هذه االختيارات اللفظية يستطيع الشاعر أن يعرب عما يدور

يريد أن يوصلها من خالل قصيدته ، ومن أجل أن يكون ـ بداخل نفسه من رؤى وأفكار أن يكون مطلعا وعلى أكرب قدر ممكن من الشاعر ـ قادرا على االختيار املناسب جيب عليه

. خصائص لغته اليت يتعامل معها وأن يقيم عالقات محيمة مع كلماته

١٢عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ١( ١٢عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ٢(

Page 298: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: املستوى الصويت _ ١اللغة بوجه عام هي أصوات يعرب ا كل قوم عن أغراضهم ، وهذا هو التعريف ((

إلنصـات إىل األصـوات ، واألذن وهي تستقبل العمل األديب جتد متعة با )١( ))العام للغة الشائقة مثل الذي جتده العني من متعة النظر يف املشاهد الفاتنة أو جيده الـذوق يف الطعـوم املمتازة وهنا وعند الوصول إىل هذه الدرجة يتم إدراج القيمة الصوتية للغة وأا أولية سابقة

اللغة وتذوقها هـي احلواس اخلمس اليت ميكن من خالهلا تلمس ، فاحلاسة الوحيدة من بني حاسة السمع حيث إن لكل حاسة من حواس اإلنسان لذة تصل إىل أعماق النفس وتؤثر يف

ومن تلك النغمات واألصوات ما حيرك النفوس حنو األعمال الشاقة والصـنائع ((القلب ، هج املتعبة ، وينشطها ويقوي عزائمها على األعمال الصعبة املتعبة لألبدان واليت تبذل فيها م

، ومما ال شك )٢( ))النفوس وذخائر األموال وهي األحلان املشجعة اليت تستعمل يف احلروب فيه أن عامل الصوت له القدرة على التنوع الذي ال اية له كما أن عامل السمع لـه أيضـا القدرة على االمتداد الذي ال اية له ، وال أدل على ذلك من معرفة اإلنسان بصـوته دون

ما يف العربية من مناسبة حروفها ملعانيهـا ، كمـا ((أو العلم به وقد الحظ القدماء رؤيتهالحظوا ما يف احلرف العريب من القيمة التعبريية املوحية ، حبيث يعرب كل حرف عن غرض ، وإذن فالكلمة جمموعة من األصوات الدالة املعربة من حيث هي حروف يستقل كل حرف

وهذا )٣( ))وينسحب هذا على احلرف كقيمة صوتية مستقلة .. منها بإحداث صوت معني هو السبب يف اختالف طبقات األلفاظ حىت كان منها ما وصفوه باجلزالة وما وصفوه بالرقة والسالسة كما كان منها ما هو شديد الوقع على األمساع ، وما وصـفوه بالوحشـية أو

دراسته وتتبعه يف كتب اللغة مل تستطع أن غري أن هذا التصنيف وتلك اإلفاضة يف . الغرابة تضع حدودا فاصلة دقيقة بني تلك األوصاف ، والسبب يف ذلك هو موسيقى األلفاظ الـيت

احلكم للذوق وأهلـه ليصـبح ايصعب حتديد حقائقها بالكلمات أو احلدود ، ليبقى أخري

١٣٥حممد العزب ، ص: ة أصول األنواع األدبي) ١( ١٣٦املصدر السابق ، ص) ٢( ٤٣حممد أمحد العزب ، ص. د: عن اللغة واألدب والنقد ) ٣(

Page 299: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

استقصـاء مـن فيصال أصيال بني تلك األلفاظ فيكتشف الناقد احلديث بعد مزيد تتبـع و اإليقاع الداخلي للكلمات ، أي إيقاع احلركات والسكنات مبا ((املتقدمني واملتأخرين أن

فيها من قوة أو لني ، ومن طول أو قصر ، ومن مهس أو جهر ، فشيء قلمـا يـدخل يف . )١( ))، وهو على كل حال ال ضابط له وال قاعدة حتكمه التقدير

وتية ودورها الشعري أمر يكون له حضور أويل عند ويبدو أن اإلحساس بالقيمة الصبناء النص واالنفعال بالتجربة الشعرية ويربز هذا جليا عندما جند لكل شاعر ميال معينا حنو أصوات معينة أو حروف أو مقاطع أو كلمات تتردد كثريا يف شعره وبتكرارها يتكون مـا

من خالل التكرار بكل درجاته وأشكاله فالشعر ال يتحقق إال ((.. نسميه اإليقاع الداخلي وخاصة التكرار الصويت ، والشاعر اجلديد رغم وعيه بأن قصيدته قصيدة كتابيـة إال أنـه حاول احملافظة يف شعره على تلك التكرارات الصوتية والداللية اليت تبدت يف أشكال متعددة

وظيفة الصوتية اإليقاعية مث وللتكرار يف الشعر جمموعة من الوظائف من أمهها ال.. ومتدرجة الوظيفة الداللية حيث يسهم التكرار يف إنتاج الداللة وتأكيدها ، مث الوظيفـة االنفعاليـة والنفسية حيث يدل التكرار على تصاعد جمموعة من االنفعاالت النفسية عند الشاعر حياول

، )٢( ))خاصـة أن يترمجها من خالل هذا التكرار الصويت الذي يتحول بدوره إىل داللـة ولعل هذا الوعي بقيمة التكرار وضرورا املتعددة االجتاهات يف التجربة اإلبداعية إضافة إىل إحساس الذات املبدعة وتطور فهمها النقدي يف العصر احلديث هو ما دفع إىل كثرة وبروز

قد تكون متأنية التكرار يف القصيدة احلديثة أو ما نسميه الشعر احلر ، والواقع أن هذه الكثرةمن باب حماولة تعويض ما افتقدته هذه القصيدة من التكرار النمطي الذي يـربز يف الـوزن والقافية وبالتايل فإن التكرار يف هذه القصيدة قد يكون له تعالق تراثي ولكنه بأسلوب مغاير

. ومنطية متجددة ثاء ، فابن رشيق يـرى والذي يهمنا كثريا يف هذا الباب هو عالقة التكرار بغرض الر

أوىل ما تكرر فيه الكالم باب الرثاء ؛ ملكان الفجيعة ، وشدة القرحة الـيت جيـدها ((أن

٥٣عز الدين إمساعيل ، ص: الشعر العريب املعاصر قضاياه وظواهره الفنية واملعنوية ) ١( ١٢٦عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ٢(

Page 300: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

قـل أن ((: ، وابن عبد ربه يقول )١())املتفجع ، وهو كثري حيث التمس من الشعر وجد ما ومن جهة أخرى يسهم التكـرار إسـها (( )٢())رثاء ال تظهر فيه خصيصة التكرار نقرأ

واضحا يف إضفاء كثافة موسيقية على النص ، وهنا يلتقي مع الرثاء الذي ميكن أن يعد من ، وتتعـدد أمنـاط التكـرار )٣( ))أظهر أغراض الشعر لرنني اللفظ وقوة جرسه يف التأثري

وأساليبه يف التعبري عرب تشكيالت متعددة منها تكرار الصوت املفرد وتكرار الكلمة وتكرار تكرار الالزمة ، وتكرار املقطع الشعري ، ولعل من أكثرها تكرار احلـرف وهـذا اجلملة و

قيمته الفنية ، ومزيته الداللية ، ولعل من يقلل النوع وإن كان كثري الورود إال أن هناك من أن احلكم باحلسن وعدمه يف تكرار احلرف ينبغـي أن ((أوسط األقوال يف هذا الشأن هو

ة بالبحث والدراسة ، ومن خالل توظيف هذا احلرف املكـرر ، ياملعنيكون مرافقا للنماذج ومدى ارتباطه باملعىن واإليقاع ، يكون احلكم على تكراره ، فهناك حروف تكرر ، ويكون لتكرارها مزية ، وقيمة إيقاعية ، وموضوعية ، أو إحدامها ، وقد تكرر هذه احلروف نفسها

، ويف الغالب أن تكرار )٤( ))فسدت جرسا وإيقاعا يف مواضع ، فال تضيف معىن ، ورمبا أللحالـة احلرف إمنا ينبع من ضرورة التكوين اللغوي أو الداليل البحـت دون أن يكـون

اإلبداعية أو النفسية تدخل يف ذلك ، وقد يكون تكرار احلرف بدون فاصل آخـر وهـذا وصفة ، فيحسن وروده يف التكرار يكون فيه صعوبة نطق لتوايل ما تشابه خمرجا منالنوع

حاالت الشدة والضيق والتعبري عن تلك احلاالت ، ومن هذا قول ضياء الدين رجب يف رثاء ) : محزة ( ابنه

العذب مجا حبرصكـو تواىل يا لذاك اللقاء يف قربك احللـ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

٢/٧٦ابن رشيق ، : العمدة يف حماسن الشعر ونقده ) ١( ٣/٢٢٨بن عبد ربه ، : العقد الفريد ) ٢(الرياض ، دار املؤيـد للنشـر والتوزيـع ، ( ، ١طعبد الرمحن اهلليل ، : التكرار يف شعر اخلنساء دراسة فنية ) ٣(

٤٤ص، ) هـ ١٤١٩ ٧٠املصدر السابق ، ص) ٤(

Page 301: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

)١( ـفى لقاء وكنت لصقك دوما ـلو حتسسته لكنت بك األحيفيد إىل جانبه اإليقاعي جانبا دالليـا حيـث ) حتسسته ( فتكرار حرف السني يف

يسهم يف رسم صورة ملدى استحكام حب ولده وشدته يف قلبه وأنه حياول جاهدا تلمـس . ذلك اللقاء الصعب واإلحساس به

يكون قد أتى مـن دوافـع أما تكرار الكلمة فعلى العكس من ذلك حيث البد أن إبداعية ونفسية تكونت وتشكلت يف الذات املبدعة قبل وجودها يف النص الناتج ، ومنـاذج التكرار وتنوعها يف الرثاء السعودي املعاصر كثرية جدا ومتعددة القيم الفنية والتعبريية ، ومن

: قول غازي القصييبكذلك وتكرار الكلمة التكرار املتجاور دون فاصل لغوي )٢( طويال.. ضحكنا زمانا طويال

:وكذلك قول علي النعمي )٣( أرى أن الرحيل بال إياب أذوب أذوب ال جزعا ولكن

فتكرار طويال يف بيت القصييب يوحي بشدة طول الزمان الذي ضحك فيه مع صاحبه الشـاعر يف بيت النعمي تشري إىل قوة الذوبان يف نفس ) أذوب ( الراحل ، كما أن تكرار

عاكسة بالتايل ما يعانيه من أمل الفراق ومرارة الفقد ، فالتكرار يف املثالني يؤكد على اتساع . مساحة طول الزمان والذوبان ، وكل ذلك ناجته التحسر والتفجع الشديد

وقد يزداد هذا النموذج من التكرار ألكثر من مرتني وذلـك مثـل قـول سـعد : احلميدين

)٤(يف خدر خيب يف الصمت املعلب ب ختب لكنما نعم ختب خت

وعلى الرغم من أن هذا النص لسعد احلميدين قد كان فيه خارجا عـن موضـوعه إىل قضايا اجتماعية وفكريـة تتعلـق ) إىل روحي ميخائيل نعيمه وخليل حاوي ( األساس

ة فيه قيمة على الرغم من ذلك إال أن هذا التكرار ما زالت بارز.. بواقعه االجتماعي احلاضر

٤١٧ضياء الدين رجب ، ص: ضياء الدين رجب ديوان ) ١( ٣١غازي القصييب ، ص: الشهداء ) ٢( ١٧٠علي النعمي ، ص: جراح قلب ) ٣( ٤٨٩سعد احلميدين ، ص: األعمال الكاملة) ٤(

Page 302: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

التكرار يف موضوع الرثاء حيث التفجع والتحسر ، فهو هنا يتحسر ويتأمل من خالل التكرار . على الواقع العريب العام الذي قد أصبح أكثر انقيادا واستجابة للمؤثر اخلارجي

وقد يكون التكرار املتجاور بفاصل لغوي ، والغالب يف هذا الفاصل أن يكون حرف عن سابقه يف أن الغالب فيه أو ظرف ، وخيتلف هذا النوع من التكرار جر أو حرف عطف

أن تكون له قيمة داللية قد ال تتأتى إال به ، على حني يكون التكرار بدون فاصل يف أغلب حاالته حملض التأكيد والتقوية ، ومن أمثلة هذا التكرار قول عبد العزيز العجالن ، وقريـب

: الرشيد يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ من هذا التكرار قول عبد اهللا )١( أن خري األنام يف الترب نائم إن غصصنا مبوته فعزانا

يشعر مبعىن الغصة فعال ويكون لدى اإلنسان إحساس ) غصصنا ( فتكرار الصاد يف . بذلك املعىن عند النطق ذه الكلمة

صل لغوي ، وأكثر ما حيدث هذا عند العطف وقد يكون التكرار للحرف بوجود فاأو يف حروف اجلر حبيث يكون الفاصل املعطوف أو ارور ، ومن أمثلة ذلك قول جاسـم

: الصحيح يف رثاء أحد الفدائيني الفلسطينيني غرق املشد يف النشوة

حني اختلطت رائحة الليمون بالبارود باألشالء

باجلرأة )٢( قبالوجد اإلهلي الذي حل

كل معاين القوة واإلقدام من ذلك بؤرة تتكثف فيها ) الباء ( حيث اختذ من حرف اجلر الفدائي الشهيد متقابلة مع هول املوقف وفداحة املأساة يف مشهد متكامل ، ويصبح حرف اجلر أداة فاعلة يف ضم جزيئات ذلك املشهد املثري ، حيث إن ضم وتوحيد تلك اجلزيئات

٦٢هـ ، ص١٢:٥:١٤٢٠، ) ١٧٠٧(العدد : جملة الدعوة ) ١( ١٢٥جاسم الصحيح ، ص:حنيب األجبدية ) ٢(

Page 303: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

مل يكن ليتأتى بإحياء ) بارود ، الليمون ، األشالء ، اجلرأة ، الوجد اإلهلي ال( املتباعدة وإشعاع يفصل تلك الرؤية لوال ذلك التكرار الذي ربط هذه األجزاء وجعلها تشكل جمتمعة

:يف رثاء معني بسيسو جوهر املعىن املراد ب ــحضن الغيمة واخليمة من قلب إىل قل

ومن دار لدار ومن غربة الصمت إىل الضوء تعتعته طرقات املوسم املغرب فارتد بصيــرا

)١( وانطوى ، واهتز كاجلرح املثـــــار قد منح سطري الشعر إيقاعا صوتيا ينبع من ) دار ( وكذلك ) قلب ( فتكرار كلمة

جيعل اإليقاع أكثر ألفة وقبـوال ) إىل ، الالم ( نغمة التردد ، ووجود ذلك الفاصل القصري ن النفس تتهيأ الستقباله واالنسجام مع تردده ، وتربز يف هذا التكرار تلك األمهية اليت كما أ

تعين مجيع القلـوب ، ) من قلب إىل قلب ( أشرنا إليها سابقا وهي القيمة الداللية حيث إن تعين مجيع الديار ليتأكد يف كال اجلملـتني معـىن الشـمولية ) من دار إىل دار ( كما أن

. ملنطلق واالتساع اوأغلب ما يكون تكرار الكلمة يف اسم املرثي سواء وجد الفاصل يف هذا التكرار أم

نالحظ أن ظاهرة التكرار ) عندما يكون اسم املرثي ( مل يوجد ، ويف هذه احلالة من التكرار ملفتة لالنتباه ، فتكرار تلك الكلمة يدل على أا متارس ضغوطا كبرية على الشاعر وتشكل

ر اهتمامه لذلك يلجأ يف كل مناسبة إىل تكرارها وذلك لقصد التنفيس من الضغط الذي حمويعاين منه من جهة ولفت انتباه القارئ من جهة أخرى ، وهلذا التكـرار حقيقـة نفسـية وإنسانية مهمة تتمحور يف معاناة الفقد والغياب فذلك االسم أو الصـفة للمرثـي قـد ال

فيما بعد السيما حينما يكون املفقود أبا أو أما أو حـىت صـديقا يستطيع الراثي التفوه ا واإلصرار على ترديدها كأنه يصر على رفض الواقع املنتظر بـل عزيزا ، فهو هنا بتكرارها

ويتحداه ويثور عليه بنفس مليئة باحلزن واآلالم ، والنفس البشرية من طبيعتها فقـد بعـض روعة النازلة ، وهنا نالحظ كيف حتـول التكـرار يف صواا وواقعيتها عند فجأة املصيبة و

٥١، ص) م .د( ، ) هـ١٤٢١( ١عبد العزيز العجالن ، ط: اء من ذات الليل أشي) ١(

Page 304: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

خاصية لغوية ـ عرب النسق العالئقي الذي يوفره السياق الشعري ـ إىل عاطفة مشـحونة باإلحياء والتوتر ، والشحنة العاطفية هي الشرارة األوىل اليت تقود املتلقي لعبور النص عبورا

ما ، يوحي بشكل أويل بسيطرة هذا العنصـر فتكرار لفظة ما ، أو عبارة ((مجاليا موفقا ، املكرر وإحلاحه على فكرة الشاعر أو شعوره أو ال شعوره ، ومن مث فهو ال يفتأ ينبثق يف أفق

، ومن مناذج هذا التكرار قول حممد حسن عـواد يف رثـاء )١( ))رؤياه من حلظة ألخرى : الزهاوي

دعاتـهوأقوى ر ومستنه ، الزهاوي رائد األدب احلـر يف التفــاته عونهالشرق ، الزهاوي طائل اليد يف حرية )٢( ـفا يفيض الشعور من نرياته الزهاوي وليكن ذاك تعريـ

ذهب إليه الشاعر عادال عن امسه األول وذلك ملا جيده ) الزهاوي ( فاسم املرثي هنا تضعيف املوجود يف حرف يف االسم األخري أو اسم العائلة من إيقاع صويت خاص يتمثل يف ال

يف الكلمة وتلو الواو هلا ، وقـد ) األلف ( الزاي وياء النسب إضافة إىل توسط حرف املد منح ذلك كله الكلمة ثقال وقوة ، وهذا الثقل يشعر مبكانة املرثي العظيمة وجاللـة قـدره

رارها وذلك ما يريده الشاعر ويبحث عنه ، وعندما وجده يف هذه الكلمة فقد وجد يف تكمبتدئة األبيات إيقاعا قويا يعرب عن حاجة نفسية قد كمنت يف ذات الشاعر عند بناء تلـك

. املرثية وكما جند العواد قد ذهب إىل تكرار االسم األخري للمرثي ملا وجده فيه من قيمـة صوتية فقد جند بعضا من الشعراء ، قد جيدون تلك القيمة يف االسـم األول فيسـتثمروا

: ون ذلك االسم ، ومن هذا قول عبد اهللا الزيد يف رثاء أحد أصدقائه ويكرر . . خالد . . خالد . . خالد . . وامسه

. . وهو يف كونه خالد

٥٨علي عشري زايد ، ص: عن بناء القصيدة العربية احلديثة ) ١( ١١٢حممد حسن عواد ، ص: حنو كيان جديد ) ٢(

Page 305: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

. . مثلما كان يف عمره شاهدا هو يف ذكره شاهد

خالد . . ١( . .خالد( ـ ) خالد ( فلفظة ارة يكـون هنا قد كررها الشاعر ست مرات وبتنوع وتغاير ، فت

تكرارا متجاورا وتارة بفاصل لغوي ، ولكن امللفت لالنتباه يف هذا التكرار هو استخدامه يف العديد من املدلوالت ، فالتكرار األول لكلمة خالد يف السطر األول يعين اخللـود كصـفة

رثـي تعين االسم العلم لذلك امل) خالد ( للشيء العظيم أو القدير ، أما يف السطر الثاين فـ امسـه ( وقد حرص الشاعر على متييز هذه املعاين وبيان اختالفها ، ففي السطر الثاين يقول

حلصـر ) وهو يف كونه خالـد ( لبيان العلمية فقط ، ويف السطر الذي بعده يقول ) خالد فإن السطر اللفظة على صفة اخللود ، وحينما يبقى هذان السطران حمصوران يف داللة حمددة

يف هذا النص يبقيان متأرجحني دالليا بني ذينك ) اخلامتة ( والسطر األخري ) البتداء ا( األول ، وهنا تتبني قيمة التكرار الصوتية والداللية ، حيث ) خالد االسم ، وخالد الصفة ( املعنيني

، فكأن )٢(إنه لكي يكون للتكرار وظيفة جيب أن يكون وثيق الصلة باملعىن العام للقصيدة راك يف اللفظ يوجب االشتراك يف الصفة ، بكل ما يترتب على هذا االشتراك من آثار ، االشت

وعلى الرغم من أن هذا التالزم بني االشتراك يف اللفظ واالشتراك يف الصفة ليس إال افتراضا فنيا ؛ فإن الشاعر هنا يلح عليه إحلاحا شديدا ، ولو رجعنا إىل القصيدة لوجدناه يذهب يف

وتدويره ، حيث يرد هذا التكرار يف مقطع آخر من القصيدة ذاـا ، وهـذا تعقب ذلكالتعقب والتأكيد يذهب إىل حد يوهم بأنه أصبح أحد املسلمات اليت ال تقبل الرفض أو حىت جمرد اجلدال ، وهنا وعند الوصول إىل هذا الفهم تتجلى قيمة التكرار يف إفادتـه األوليـة

. يد املعاين وتقويتها واملباشرة املتمثلة يف تأكويلي تكرار احلرف والكلمة تكرار اجلملة أو السطر الشعري يف التوايل املستمر وهو

: ما يسمى بالتوازي ، ومن مناذج هذا قول عبد الرمحن العشماوي

٤٩عبد اهللا الزيد ، ص: من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد يتلو سراج الروح ) ١( ١٦٣نازك املالئكة ، ص: قضايا الشعر املعاصر : انظر ) ٢(

Page 306: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

! ؟ أوزانوال ثغربال صارت ماذا تقول قصائد الشعر الــيت عن التبيــانظل عاجزة ست إـا ))ابن باز(( عن تقول ماذا ؟ باإلميانوعن الشموخ حياط تقول عن التواضع شاخمـاماذا )١(ي ؟عن فقه هذا العامل الربانـ تقول عن الشماخة والنهىماذا

املتوازي ليعرب من خالل التكرار الصويت والـداليل ) ماذا تقول ( فهنا جييء التكرار ، ولذا حتول هذا التكرار إىل ما يشبه الندب الشعيب عن حزن الشاعر على ذلك العامل الكبري

الذي يفعله الناس عند البكاء على امليت من خالل تعديد صفاته ومجيل مناقبه ، ومن مناذج : هذا التكرار ـ أيضا ـ قول عبد اهللا الزيد يف رثاء والدته

. .قلب ارنا واريت معىن أن تريح الشمس . . شكل مبيتنا واريت معىن أن يعيد الليل

)٢( . .واريت معىن أن أكون ) الليل ـ الشمس ( فالتكرار املتوازي هنا يقوم على اجلمع بني عدد من املتناقضات

، وهذا التكرار الثالثي خيلق نوعا من اإليقاع الذايت الـذي يسـهم يف ) ارنا ، مبيتنا ( ، اقضات يف خري هذه املواراة دليـل تأكيد فكرة الشاعر وهي مواراة كل شيء ، وجميء املتن

على مشوليتها واتساعها الالحمدود ، مث جتيء اجلملة األخرية مؤكدة يف مدلوهلا علـى هـذه الفكرة ومتسايرة مع التكرار املتوازي يف دوره الصويت والداليل حيث يواري الشاعر كينونته

) . أن أكون ( ووجوده حساسا صوتيا ملحا بتتابعه وإيقاعه املتوحد ، فالتكرار املتوازي يكون لدى املتلقي إ

ومن خالل هذا اإلحلاح الصويت والترديد النغمي يتكون التفات إىل اجلانب الداليل الـذي . يطرحه اجلانب الصويت املتكرر

١٧٤سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ١(الرياض ، دار املفردات ، ( ، ١طعبد اهللا الزيد ، : أغين وحيدا .. انبسطت أكف الرفاق بقي اجلمر يف قبضيت ) ٢(

١١ص، ) هـ ١٤٢٠

Page 307: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ويلي التكرار املتوازي تكرار الالزمة وهو ترديد مجلة أو سطر شعري على فتـرات لفترات مقياس حمدد أو نطاق كمي حمدد ، ومنـاذج هـذا متباعدة ، دون أن يكون هلذه ا

التكرار كثرية جدا ، ويف أغلب أحواهلا تأيت يف القصائد الطولية أو متعددة املقاطع ، وذلك حيث يوجد تكرار الالزمة يف كل مقطع من تلك القصيدة ، ومن مناذج ذلك التكرار قول

قصيدته يف سبعة مقاطع يتصدر كل أمحد قنديل يف رثاء صديقه محزة شحاتة ، حيث جعل : مقطع منها البيت التايل

)١( ودنيا فنون الشعر والفكر واحلب أخي يا رفيق الدرب والعمر واملىن وكون هذا املطلع يتردد على مسع القارئ وبصره سبع مرات سيوجد لديـه وقفـة

ما جعل الشاعر يلتـزم خاصة وتأمال كثريا كما أنه قد ينفرد بالبقاء يف ذهن املتلقي ، وهذاتكراره يف مطالع كل املقاطع ، واملالحظ أن تكرار الالزمة هنا قد اجتمع فيه العديد مـن املتعاطفات اليت تعكس مدى االرتباط الوثيق بني الصديقني وتكون عالقتهما يف العديد من

) ب والعمـر الـدر ( األشياء ، فهي عالقة قوية ، وقد تربز من بني هذه املتعاطفات لفظيت ، ويف ذلك إملاع إىل انتهاء درب وعمر الراثي بوفاة صـديقه ) رفيق ( مضافتني إىل كلمة

. املرثي واران ذلك به وبقائه للشـاعر ) أشـالء أغنيـة حزينـة ( ومن مناذج تكرار الالزمة ما جنده يف قصيدة

بعدما حطمتـها قـذائف ) فرح( عبدالرمحن العشماوي واليت قاهلا يف رثاء املدينة األفغانية وهم اسم املدينة مكررا ، ) فرح فرح ( القوات السوفيتية ، حيث جعل الالزمة فيها عبارة

: وقد ورد بلفظه إحدى عشرة مرة ، ومن أسطر القصيدة ما يلي فرح فرح

والفجر يطرد من مساء احلي آثار الظالم

. . . . . . . . . . . . . فرح فرح

٦٩محد قنديل ، صأ: األصداف ) ١(

Page 308: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ديهما لعب طفالن بني ي. . . . . . . . . . . .

فرح فرح والشيخ يلقي نظرة عجلى

)١(على أنقاض داره ومل تتغري هذه الالزمة ألن القصيدة جاءت على صورة مشاهد أو لقطات منفصـلة ومتوازية ترصد الواقع املأساوي لتلك املدينة وما حل ا من اخلراب والدمار وما حلق أهلها

وكثرة تلك املآسي ، إخل ، وتكرار الالزمة هنا يوحي بتعدد . . رد واجلوع من القتل والتشومع كل مشهد حزين أو صورة قامتة مبكية ـ ينتقل إليها الشاعر ـ جنده يكرر قبلها اسم املدينة ، فكأن املتلقي بدأ يترقب مع كل ترديد هلذه الالزمة صورة مأساوية جديدة ، فتصبح

والت املأساة وتطورها ومنوها ومسهمة يف فهمها ، وهـي كمـا الالزمة مؤشرا مهما لتحتؤدي دورا صوتيا أو إيقاعيا حمزنا فإا تؤدي باملقابل دورا دالليا ودورا ترابطيا يسـهم يف

. متاسك املرثية وترابط أجزائها ويلي التكرار يف قيمته الصوتية اجلهر واهلمس ، ويقصد باجلهر قوة اعتماد الصـوت

خروجه فيمتنع جريان النفس معه ، ويقصد باهلمس ضد ذلـك ، أي ضـعف على مكاناعتماد الصوت على مكان خروجه فيجري معه النفس ، واألصوات املهموسة عشرة جيمعها

واألصوات اهورة ما عداها ، وهي تسعة عشر صـوتا ، ) فحثه شخص سكت ( قولك أو ال يرى هلـا كثري من الدارسني ومع أن مسات الكالم أو صفات احلروف ال يلتفت إليها

مهمة نستطيع االتكاء عليها قيمة يف النقد والتحليل إال أا يف واقع احلال متدنا بنتائج داللية أو فقه اللغة ) علم الصوتيات ( واالستفادة منها عند مراجعة ذلك العلم املهم واالستفادة منه

اخلطاب وتشكيله ، سواء خضعت هذه عموما ، وخارطة اجلهر واهلمس اليت تتوغل داخل اخلارطة ملنطقة الوعي أو كانت خارجة عنه ؛ هلا عالقة بنوعية الدالالت واملضـامني الـيت

واألصوات املهموسة تنتج جبهد مضاعف ((يسعى الكاتب إىل إبرازها ، وتتجسد يف نصه ،

٦٩عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ١(

Page 309: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ل ، لـذا يكشـف وحتتاج إىل وقت أكثر من األصوات اهورة ، اليت تنتج جبهد ووقت أقجتمع األصوات اهورة واملهموسة يف أسطر القصيدة ، اخلارطة الداللية املرتبطـة باحلالـة

، )١( ))النفسية اليت يتولد يف ظلها اخلطاب ، وفقا ملبدأ اجلهد والوقت املتـاحني للشـاعر ـ بة ولألصوات اهورة مواقع تتناسب معها يف الداللة والشعور ، وكـذلك احلـال بالنس

لألصوات املهموسة ، وبالتايل فإن تتبع الصوت ودراسته على هذا األساس قد يكون معينـا على فهم احلالة النفسية للذات املبدعة أو باألصح استخراج حكم صـادق عـن العاطفـة الشعرية ، نلمح مناذج هذه القيمة الصوتية يف قصيدة الرثاء السعودي تتشكل متناسبة مـع

قد يتراوح بني صراخ صادح وأنني هامس ، وهنا يكون فبكاء امليت وندبه املوقف الرثائي ، األنسب يف احلالة األوىل األصوات اهورة ، أما احلالة الثانية فقد يكون األنسب هلا حروف اهلمس ، وكذلك عند تأبني امليت وتعداد مآثره ومناقبه فقد تتنوع مواقف هذا التأبني بـني

إخل ، ومن النصوص اليت برز فيها اهلمس وجتلت قيمتـه .. وحتسر متجيد وثناء وبني تأسف ) : حممد الدرة ( قول عبد الرمحن العشماوي يف رثاء الطفل الفلسطيين

اسكت ـ يا ولدي ـ يا رامي يا أبيت .. طلقات رصاص اسكت ـ يا ولدي ـ يا رامي يا أبـيت ..أفديك بروحي )٢( هو احلاميـ فاهللاـ اسكت أبـيتيا أمحيك جبسمي

ووالده حلظة املوقف ) حممد الدرة ( وهذا النص يقوم على مناجاة بني االبن الشهيد طلقات الرصاص تصوب جتاههما ، والعصيب وحينما كان االبن الصغري يتترس خلف والده

ويف هذه الكلمة جتتمع ) طلقات ( وقد كانت حلظة عصيبة وموقفا عظيما ، فيبدأ النص بـ ربعة أحرف جمهورة هي الطاء والالم والقاف واأللف ، وبالتايل فهي كلمـة جمهـورة ، أ

واجلهر يتناسب مع الطلقات وما فيها من قوة الصوت ودوي االنفجار ، وحينما خيرب االبن ر األب بصوت اهلامس املناجي ختوفا من ذلـك ووالده بتساؤل تشوبه براءة الطفولة يأيت د

وهل كلمة مهموسة اجتمع فيهـا ) اسكت ( العدو فينطق األب بـ الرصاص أو من إثارة

٤٩قاسم الربسيم ، ص. د: منهج النقد الصويت يف حتليل اخلطاب الشعري ) ١( ١٨٦عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٢(

Page 310: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

السني والكاف والتاء وكأنه يقول ذلك مهسا ومناجاة لالبن ، مث بعد ذلك يعـود صـوت االبن مرة أخرى ، ولكنه هذه املرة يعود هامسا مناجيا ـ أيضا ـ وكأنه قد تأثر بصـوت

) أفديك بروحـي ( ر ، فيقول االبن األب أو تفهم موقفه فحاكاه وجاراه يف ذلك الشعوونشاهد كيف طغت على العبارتني صفة اهلمـس ، ) أمحيك جبسمي ( ويف البيت الثالث

وباملقابل يستمر صوت األب هامسا ملا خيتلج يف نفسه من اخلوف واحلزن الشديد ، فيستمر ة اهلمـس فيه قيمتضاعف ت، بل إن الشطر األخري .. ) اسكت ( يف كل مرة مكررا عبارة

ويزداد عدد حروفه ، واخلوف حينما جيتمع مع احلزن يولد شيئا من الذهول والعجز عـن النطق واإلفصاح أو رفع الصوت واإلباحة ، وهذه احلالة هي اليت كانت تتناسب مع هـذا املوقف املأساوي احلزين ، ولذلك سيطر صوت اهلمس على لغة األب وابنـه يف حوارمهـا

. البئيس هدنا التحول يف املوقف الرثائي السابق من اجلهر الذي ابتدأ به الـنص إىل وكما شا

؛ كما شاهدنا ذلك فإننا جند موقفـا .. اهلمس الذي أصبح مسيطرا ومناسبا لذلك املوقف وج فيه اجلهر واهلمس بنسب متساوية ـ تقريبا ـ حيث يقول علي الشهراين يف اآخر قد تز

: رثاء الشاعر السعودي محد احلجي . . وداعا وهل من لقاء . . وداعا . . وداعا . . وداعا

وينتبه األصدقاء . . . إىل النعش حيمله األوفياء

)١( . .إىل قسمات الرجال جللها احلزن واالنكسار حيث تتشكل األسطر الثالثة األوىل يف هذا النص من أصوات جمهورة يشكل أغلبها

ت ، وال جند يف هذه األسطر من أحرف اهلمس سوى حرفا املتكرر عدة مرا) وداعا ( لفظ ، وسيطرة اجلهر على هذه األسطر ألن الشاعر ينطقهـا ) هل ( واحدا فقط ؛ وهو اهلاء يف

١٣٧علي بن حسن الشهراين ، ص: من نبع احلياة ) ١(

Page 311: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

بصوت املتفجع الباكي ، ويرفع صوته جاهرا ببكائه وأحزانه ليخرج من نفسه بعض آالمها ، وقد زاد من قيمة اجلهر يف هذه وينفس عنها جزءا من كروا من خالل اجلهر والنحيب

األسطر مؤثر صويت آخر وهو التكرار مباله من قوة التأكيد وشدة االرتفاع ، ولكـن هـذا اجلهر والصوت املرتفع ال يلبث أن يعود إىل شيء من الرشد واألنني البائس ، فتأيت عبـارة

والباكني على ذلك وكأن يف هذا حتول شعوري قد وعته أنفس املودعني) وينتبه األصدقاء ( الراحل وهو حتول إىل شيء من العقالنية واهلدوء ، وهنا يربز النعش حمموال على أكتـاف األوفياء ، وتربز قسمات وجوه الرجال وقد غشاها احلزن واالنكسار ، ويف هذا التحـول

روز تتحول السمة الصوتية من اجلهر السابق إىل اهلمس ، فنالحظ ابتداء من السطر الرابع بويزداد هذا احلضور حىت يبلغ التشبع يف آخـر املقطـع أحرف اهلمس وحضورها املتكثف

، وكما نشاهد كيف كانت العبـارة ) قسمات ، احلزن ، االنكسار ( وحتديدا يف األلفاظ اليت تركزت فيها نقطة التحول متزاوجا فيها اجلهر واهلمس ، إذ مل حيدث التحول الصـويت

. وواقعية مقبولة ولكنه بتدرج ئامفاجمن فراق املرثي ، وبيان الراثي عظمة ومن املواضع اليت تتناسب مع اهلمس الشكوى

ما افتقده بعد غيابه ، ويكثر هذا عند رثاء األقارب أو من هلم قيمة فاعلة يف حياة الراثـي ، : راز يف رثاء والده خومن أمثلة هذا قول حممد سراج

متنيت فيها أن أموت فأحلــدا خطوبا قبل فقدك مجـةشكوت ؟ مرقداختذت مع املوتى لنفسك عسى أن أصنع اليوم بعدما فماذا

)١( فها أنذا ألقى احلوادث مفـردا لقد كنت يل عونا علىكل حادث فلو تتبعنا أحرف هذه األبيات لوجدنا شيوع املهموسات فيها ، السيما يف األلفاظ

، وهي تتناسب مع حـال ...) ، كنت ، احلوادث ، شكوت ، متنيت ، فأحلدا ، ختذت ( الشاعر وموقفه املتمثل يف الضعف والعجز بعد فقده ذلك السند الكبري واملعني الصـادق ،

. واهلمس هنا يصدر من حالة نفسية مليئة بالتأوه واحلزن العميق

١١٩مد سراج فراز ، صحم: غناء وشجن ) ١(

Page 312: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

امـه ولعظمة أثر املوت وقوة سطوته على القلوب فإنه جيعل النفس اإلنسانية تقف أممندهشة مذهولة تغشاها السكينة واخلشوع ، ويف هذه احلالة اهلادئة املندهشة يكون ما تتفوه به مهسا ورقيقا حيث ال يستطيع الصدع أو رفع الصوت ، جند مثل هذا املوقف يف قصيدة

اليت قاهلا يف رثاء امللك خالد بن عبد العزيز ـ رمحه اهللا) سالما يا أبا بندر ( غازي القصييب : ـ ومنها

. . وحيدا يف رحاب اهللا ال عرش وال عسكر

يلفك بشتك األصفر فسبحان الذي أحيا وسبحان الذي أقرب

وسبحان الذي جيمع كل الناس )١( يف احملشـــر

حيث يتخيل حال امللك الراحل أمام قدرة اهللا املاضية بعاطفة إنسانية ملتهبة ، وقـد لق العظيم ، فوقف أمامها وجال خاشعا وقد مأل قلبه اإلميان امتألت نفسه بعظمة قدرة اخلا

يف ثنايا هذه األسطر ، ويرد بعضها مكـررا واليقني ، ونشاهد كيف تتردد حروف اهلمس ) يلفك بشتك األصـفر ( ، وتتكثف حروف اهلمس يف بعضها اآلخر مثل ) سبحان ( مثل

. نكسار أمام فقد امللك الراحل لتعرب بالنهاية عن عاطفة الشاعر املليئة باحلزن واالوقد تأيت األصوات املهموسة لتعرب عن حالة اإلطراق والوجوم اليت تنتـاب الـنفس اإلنسانية عند مراجعة الذكريات املبكية مع أولئك املرثيني ، وقد يكون هذا الوجوم مشموال

: ومن مناذجه قول عبد الرمحن السماعيل .. بشيء من احلرية والقلق ويف قلبه من ذكرياتك متحف سؤال وحريةى شفيت شادي عل

يتأســفوحينا أراه باكيا فحينا يغين هذه ريح جدتــي

٧٩٥ص) هـ ١٤٠٨جدة ، مطابع امة ، ( ، ٢طغازي القصييب ، : اموعة الشعرية الكاملة ) ١(

Page 313: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

)١( وكل ابتسام مظهر وتكلـف فكل حديث بعد فقدك أنــة الشني ، الكاف ، السـني ، احلـاء ، ( حيث جند تكثيفا ألحرف اهلمس والسيما

ن حالة ابن الشاعر وهو يسأل عن جدته ويبحث عن أسباب ، وما ذلك إال للتعبري ع) الفاء غياا ، ألن سؤاله كان مليئا باحلرية والقلق اليت تنطلق به إىل مراجعة الذاكرة واسـتعراض شيء من صورها ، وهذه املراجعة تستدعي شيئا من اهلدوء والصمت إزاء التأمل والتذكر ،

. ااهرة وارتفاع الصوت وهنا يصبح األنسب للمقام اهلمس واللني بدلومن أمجل مواضع اهلمس أن يكون صادقا على معناه الداليل وحماكيا إياه ، وذلـك

:قول عبد اهللا الرشيد ك حديثا دونه خطب الفصاح فحدثين ومل ينبـــس حبــرف )٢( يهون إزاءه جلب التالحـي وأفصح ـ صامتا ـ والصمت بوح

، وقد ختيل ) املرثي ( قفه وقد وقف على قرب ابن عمه حيث إن الشاعر هنا يصور موواقفا أنه حيدثه ويتكلم معه ، وهي حلظة مليئة بالتأمل الصامت ، واخلشوع احلزين ، ولكن الشاعر قد استغل األصوات املهموسة للتعبري عن هذا املوقف وتصويره بأسلوب مجايل متألق

ن بأحرف اهلمس للتعبري عن مناجـاة خياليـة ال قد اتكأ على العامل الصويت ، فامتأل البيتاوالصمت ( أو ) وأفصح صامتا ( ميكن تأتيها يف الواقع ، ولنشاهد شدة هذا اهلمس يف حنو

إخل ، وكيف عرب هذا اهلمس عن ذلك الصمت الشديد ، أما اجلهر فإنه يكثر يف ) .. بوح مبآثر امليت أو التفجع مـن حادثـة املواقع اليت تتطلب نربة عالية أو صوتا مرتفعا كاإلشادة : املوت وفجأة املصيبة ، ومن ذلك قول طاهر زخمشري

يرم عاد بالرزء داجيابصحوة ا ـمقادير أرست يف محانا املراسي تبايل العواديا ال صدق عزائم مقادير فلت بالعوادي ودكدكت

)٣( باكيانياط فؤاد سال يف الدمع رمتها فأصمت كل مسع ومزقت

٢/٢٨٧جمموعة مؤلفني ، : موسوعة األدب العريب السعودي احلديث ) ١( ١٠٣عبد اهللا الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢( ٩٦زخمشري ، صطاهر ال: األعمال الكاملة ) ٣(

Page 314: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

والنص وإن وجد فيه شيء من أحرف اهلمس وذلك ما يستدعيه الوضع اللغوي إال فه ومينحه صفة اجلهورية ، اليت يطلقها الشـاعر بصـوت وأن اجلهر يسيطر على أغلب حر

مرتفع مبنيا فيها قوة املصاب وفداحة احلادث األليم ، ويتكثف اجلهر يف أغلب ألفاظ النص وادي ، عزائم ، داجيا ، املراسيا ، نياط ، الدمع ، مزقت ، عـاد مقادير ، بالع( وذلك مثل ونشاهد كيف تضافر اجلهر هنا مع صيغ منتهى اجلموع ، مما أكسب اجلهـر .. ) بالرزء ،

. تضى الداليل املقصود واملتمثل يف إكبار احلادثة وبيان قوا ققوة إضافية يتشكل منها املاليت تنظم يف مآسي وقضايا األمة اإلسالمية الرثاء ويكثر اجلهر وتعلو نربته يف نصوص

وذلك حينما يربز صوت الشعر ساخطا على موقف العامل املتحضر من تلك القضايا العادلة وعدم نصرته للمضطهدين أو إدانة االعتداء الواقع عليهم ، ونلمح شيئا من هذا لدى عبـد

إميـان ( اهلا يف رثاء الطفلة الفلسـطينية اليت ق) آه يا إميان ( الرمحن العشماوي يف قصيدته ) : حجو

؟ روابيها يشيع غدر يف أي أي ذئب خائن أي قطيع مينح العادي ثوبا من صقيع ؟ عصر مل يزل قانونهأي

)١( وإذا حاول أسقاه النجـيع العطشان من منبعهمينع األداة كيف يسيطر على النص أسلوب االستفهام اإلنكاري مـن خـالل ويلحظ

، واالستنكار ال يناسبه إال اجلهر ورفع الصوت بالتنديد واالستغراب مـن ذلـك ) أي ( لتكوا من أحرف ) أي ( املوقف املتخاذل ، وقد وفق الشاعر يف اختيار أداته االستفهامية

كمـا أن اختتـام ، جهورية قوية مستعلية ، ولوجود التضعيف فيها مما زادها قوة وصالبة بالعني الساكنة وهي أحد األحرف احللقية املستعلية ـ وهذه الصفة جتعله من أقوى األبيات

أحرف اجلهر ـ يتناسب مع الداللة املقصودة وهي اخلرق والقطع املتمثل يف موقف العـامل املتبلد إزاء قضية ذلك الشعب املضطهد ومن مالمح اإلبداع على املستوى الصويت ظـاهرة

من حيث إن الشاعر ينتخب من بني األبنية اللفظية ((ة موقعية ؛ توازن الصيغ ، وهي ظاهراملرشحة للموقع أكثرها مالءمة له وانسجاما معه ، ولكن هذه الظاهرة ال ختلو ـ يف الوقت

١٠٩عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ١(

Page 315: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

وكثريا ما يكون العدول عن صيغة .. ذاته ـ من رعاية للمستويني اإليقاعي والتركييب معا ة أكثر دقة يف نقل املعىن فحسب ، بل ألا كـذلك لغوية أخرى ال بسبب أن هذه األخري

، وهذا )١( ))تستجيب لنمط اإليقاع ودواعي املوسيقى الداخلية مبا ال يستجيب به سواها التوازن يعطي قيمة صوتية شبيهة بالتكرار ، ولكنه تكرار إيقاعي فحسب وليس لفظيـا ،

التكرار اللفظي ، حيـث إن التكـرار كما أن فائدته أو قيمته اللغوية هنا ختتلف عن قيمة اللفظي تتجلى فيه فائدة داللية كبرية تتمحور يف التأكيد وتقوية املعىن وتثبيته ، أما التـوازن فالقيمة اجللى فيه صوتية فحسب ، ولذا فإنه مينح توافقا إيقاعيا قد ختتلـف فيـه الـدوال

) : أمل دنقل ( يف رثاء املدلوالت ، ومن مناذج هذا التوازن قول غازي القصييبو قل لنا كلمتني

. . اجلديد . . القدمي . . عن رفيق احلروف . الصديق . . العدو . . الرفيق . . فالعني

املسمى الفناء .. . . . . .. . . . . . . . . .

قل لنا كيف جاء بامسا ؟ وامجا ؟

صامتا ؟ )٢( شامتا ؟

مسـبوقة بــ ) فعيل ( ابلني ، األول متثله صيغة حيث تتوازن الصيغ يف منطني متق، ) القدمي ، اجلديد ، العنيف ، الرفيق ، الصديق ( وذلك يف أول النص من خالل )الـ (

يف آخر النص خمتومة بالتنوين املتوحد وذلك يف الكلمـات ) فاعل ( أما الثاين فتمثله صيغة

٥٦حممد فتوح أمحد ، ص: شعر املتنيب قراءة أخرى ) ١( ٥٣٠غازي القصييب ، ص: الكاملة اموعة الشعرية) ٢(

Page 316: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

يغ املتوازنة جند جتانسا ناقصا ممـا زاد مـن ويف هذه الص) بامسا ، وامجا ، صامتا ، شامتا ( . التوهج الصويت عملية

يف الصيغ ال يقتصر على مستوى الصيغة فحسب ولكنه قد يتجـاوز وهذا التوازن ذلك إىل التوازن يف التراكيب الشعرية جبملتها ، ونشاهد مثل هذا لـدى عبـد الـرمحن

مة اإلسالمية ، حيث يصف موقف األمـة العشماوي يف إحدى مراثيه اليت قاهلا يف قضايا األ : الضعيف وتبعيتها الذليلة لألمم األخرى

عندنا الطلـبيلىب ملاذا كلمــا طلبوا شربواونشرب كلما فنأكل كلما أكلـوا

ونغضب كلما غضبوا كلما فرحوا ونفرح )١( كلما ركبواونركب نزلـواونرتل كلما

جزائها توافقا وتوازنا قد أتت فيه بقالب تركييب متوحد ، فهذه األبيات جند يف مجيع أويف كل شطر منها يزداد التوافق ملا يف ذلك الشطر من التجانس بني حروفـه ، وإن كـان طغيان القيمة الصوتية وأثارا يف هذه األبيات قد أحدثت ركاكة أسلوبية تكمن يف القيمـة

ة النغم التوافقي املطرد ، واسـتواء التـردادت الداللية والتركيبية ، وقد يعوض هذه الركاكالصوتية ومجالية إيقاعها قد يؤدي عند علو نربته وطغيان جهارته إىل عدم تـدفق الصـورة واندياح النفس الشعري ، األمر الذي قد يوقع بعض املبدعني وإن كان من ذوي القامـات

أو التراكمات التعبريية اليت جيف فيهـا املتألقة يف أسر اازات املطروقة والتقريرات املباشرة .ماء الشعر أو يكاد

ومن األمور املهمة يف تأثريها الصويت التضعيف ، ذلك امللمح اللغوي الذي ال تعريه كثري من الدراسات ما يستحقه من األمهية واملكانة ، فهذه الظاهرة األسلوبية هلا قيمة صوتية

اإلصرار والتأكيد فتعطي قيمة انفعالية واضـحة جـدا تتركز يف قوة إيقاعها وما حيمله من للكلمة والسيما حني ورودها يف األفعال ، حيث تفيد الشدة يف الفعل عن طريق تأكيده ، فيعطي الضعيف تأثريا صوتيا وإيقاعيا للحرف املضعف جتعله يـوازي ويسـاوي احلـرف

١٤ص، ) هـ١٤٢٣الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ، ١طعبد الرمحن العشماوي ، : جولة يف عربات احلزن ) ١(

Page 317: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

أو التضعيف يضغط أثنـاء يف مداه الصويت ، حيث إننا يف التشديد) حرف املد ( الصائت النطق على احلرف املضعف مما يساعد على بروزه يف اال الصويت ووضوحه يف السـمع ، فنصبح أمام زيادة بنائية يف تكوين الكلمة ، ومعلوم أن كل زيادة يف البناء يتبعها زيـادة يف

للتعبري عن طاقـة املعىن ، ويف الرثاء رمبا تكون التجربة الشعرية حباجة ملحة إىل التضعيفاليت تنبع من عاطفة شعرية متوقدة بـاحلرارة احلزن املتراكمة يف الذات املبدعة ، تلك الطاقة

: والقوة ، وقد نلمح هذا التأثري الصويت يف قول عبد اهللا الرشيد )١( اصطبار عند اهتزاز الدعائم هز أركاننا املصاب وأيان

قد اشتملت على تضعيف يعرب عـن املوقـف ) هز ، أيان ، الدعائم( فالكلمات الشديد واملأساة الكبرية إزاء موت الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ والتضعيف مبـا يشتمل عليه من زيادة بنائية يتبعه زيادة معنوية تكشف قوة املوقف ، وقد تناغمـت هـذه

؛ تناغمـت مـع .. سابقا الزيادة بتكوينها حروفا توازي الصوائت على حنو ما أوضحناهملمحني صوتيني آخرين ، أوهلما وجود الزيادة يف كلمات أخـرى مـن البيـت مثـل

ذلك الصوت الصائت القـوي ، ) األلف ( وثانيهما تكثف ورود حرف املد ) اصطبار ( فأعطت هذه األمور جمتمعة البيت إحياء خاصا مبعناه املقصود ، وهي يف أغلبـها إحيـاءات

. ، ولكن تتبعها آثار داللية خاصة صوتية خالصة : ويربز التضعيف كذلك لدى حسن الزهراين يف رثاء أمه فيقول

إليك يؤز صربي عنك أزا فشوقـي أمي يا سأراكمىت . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رزايرز رماحه يف الروح أعزى يف مصاب فوق صربي فزاتفز له خاليا اهلــم ب فوق صربي أعزى يف مصا

)٢( جزاترى اآلمال وهي جتز يا أمي وعيـين فيك أعزى

٦٢هـ ، ص٢٢/٥/١٤٢٠، ) ١٧٠٧(جملة الدعوة ، عبد اهللا الرشيد ، العدد ) ١( ٦١، ٦٠ص، ) ت .د( ، ) الباحة ، دار املنار للطباعة ( حسن الزهراين ، : ريشة من جناح الذل ) ٢(

Page 318: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

على ما ال يقل عن ثالث مفردات مضعفة ، وتتنـوع هـذه حيث حيتوي كل بيت الكلمات بني األفعال واألمساء ، والتضعيف هنا قد أسهم بدوره الصويت يف تشكيل املعـىن

املنال ، ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا بأن التضعيف قد أتـى مـن وعـي وإدراك العزائي الصعب حيث اختارمها الشاعر ) الروح ، اهلم ( مقصود ، ونلمح شيئا من هذا عند النظر يف كلميت

مع أن هذه األلفاظ قد تكون أنسب مما اختاره ) القلب ، اجلسم ( وعدل عما سوامها حنو ) خاليا اجلسم ( ، فالتركيب اللغوي املعروف هو ) اجلسم ( ها الشاعر والسيما األخرية من

، وهنا نالحظ كيف أثر الشاعر اجلانب الصويت على اجلانب الـداليل ) خاليا اهلم ( وليس أو التركييب ، وسيطر عليه هذا اجلانب واجدا يف إيقاعه وتنغيمه شيئا نفسيا يدغدغ شعوره

. النفسي احلزين

Page 319: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: ييب املستوى الترك_ ٢يف هذا اجلانب سنكون قد دخلنا إىل عامل الشعرية والتمايز اإلبـداعي يف اخلطـاب

قد ال تتجاوز وظيفتهما يف غالـب األحـوال األديب ، حيث إن املستويني الداليل والصويتمستوى اإلفراد القائم على انتقاء اللفظ واالحتفاء به ، أما ما يلي ذلك من التركيب وتآلف

بينهما من تواشج وتنافر فهو ما يتركز يف هذا اجلانب ، ويعد هـذا مـا حيدث اجلمل وما املعاين مطروحة يف ((تومئ إليه املقولة النقدية املشتهرة يف تراثنا األديب ، حني قال اجلاحظ

الطريق يعرفها العجمي والعريب والبدوي والقروي واملدين ، وإمنا الشأن يف إقامة الـوزن ، وسهولة املخرج ، وكثرة املاء ويف صحة الطبع وجودة السبك ، فإمنا الشـعر وختري اللفظ ،

، فهذا القول يدل على وعـي مبكـر )١( )) صناعة وضرب من النسج وجنس من التصويربقيمة التركيب اللغوي ، وحتليل مثل هذا النص التراثي سيكشف لنا كـثريا مـن التطـور

يس هذا النص متوحدا يف مذهبه هذا بل إننا سـنجد والريادة املتقدمة يف نقدنا األديب ، ول . الكثري من اآلراء املتعددة يف هذا اال

والواقع أن عبقرية الشاعر وتألقه اإلبداعي كامنة يف وصوله إىل التركيب املناسـب الذي ساعد على إنتاج ما يريد من دالالت ، فيتحول هذا الوصول إىل مجاليـة يالحظهـا

والناقد املتخصص فيتذوقان فنيتها واإلجادة فيها ، ويف هذا التركيب والتأليف املتلقي الواعي ال تقتصر اإلمكانية املتاحة والعطاء الزاخر على تألق املبدع ومقدرته وعبقريته ولكن للغـة

يف هذا اال وذلك بإمكاناا وقواعدها اليت متتد من خالهلا عمليـة كبري املبدع فيها دورركيب أو تنحسر وتضيق ، وهنا جند أن لغتنا العربية تتميز يف هذا اال حيـث التأليف والت

تكون أمام املبدع مساحة كبرية من احلرية يف تعامله مع التراكيب ، فليس فيها ما يسـمى بالترتيب الثابت احلتمي وإمنا هناك مرونة كبرية يف التقدمي والتأخري واحلـذف واالعتـراض

.واألساليب العديدة أ ـ اجلملة الشعرية

٣/١٣١، ) م ١٩٣٨القاهرة ، ( اجلاحظ ، حتقيق عبد السالم هارون ، : احليوان ) ١(

Page 320: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

دراسته يف املستوى التركييب هو اجلملة الشعرية ، وأول ما يستوقفنا فيها رأول ما جتدمسألة الطول والقصر ، حيث إن املبدع جيب عليه عدم إغفال هذه املسألة عند بناء جتربتـه

وقد خيل بقيمتها الشعرية ، ألن قصر اجلملة الشديد قد يقلل من مجاليتها ويزيل اءها الفين قرائيا قاـي وقلــالفنية املتعددة ؛ كما أن الطول املفرط قد حيدث فيها تشتيتا لذهن املتلق

وميكن القول إن معيار طول اجلملة يف العربية مييل إىل اجلملة املتوسطة الـيت تتـألف يف ((لـة الشـعرية ، ولكن هذا املقياس يف طول اجلم )١( )).. الغالب ـ من لفظني إىل أربعة

وقصرها ليس معيارا ثابتا ، كما أن األحكام النقدية يف ذلك قد يصبح اخلروج عليها مجالية إبداعية وتقنية فنية يوظفها الشاعر بوعي وقصد وأكثر ما يربز هذا التوظيف يف إطالة اجلملة

: ، وذلك مثل قول حممد بن سليمان الشبل واألرزاءبات ـالنكوطغت على إن اخلطوب وإن تعاظم رزؤها

سـعادة وشـقاءروح بني ـوت سريعــة احلياةلتمر يف أفق ون بني جتلــد وعــزاءـو ويلفها النسيان يف هذا الورى )٢(الزعمــاء يـا سيـدال ينتهي إال مصـابك إنه متجــدد

ـ ( ومستثىن منه ) مصابك ( تثىن فهذه اجلملة االستثنائية القائمة على مس ) وباخلطجندها متتد امتدادا طويال جدا ويستطرد الشاعر يف أثنائها فال يظهر املسـتثىن ) إال ( وأداا

إال يف البيت الرابع ، والقارئ سيبقى متحفزا ومنتظرا ذلك املستثىن من ابتداء البيت األول ، الشاعر كما وهذا االمتداد والطول يعكس امتداد املصيبة بفقد املرثي وعدم انتهائها ولذا جند

ظهر عنده هذا امللمح على املستوى التركييب فإنه يربز على املستوى الداليل فيـذكر عـدم ، وتتخلل املسافة املمتدة بني املستثىن واملستثىن ) ال ينتهي .. إال مصابك إنه ( انتهاء املصاب

لد أمامه نسيانه والتجمنه العديد من الكلمات اليت تعكس ما سوف حيدث من املصائب فيتم النكبات واألرزاء ( على حني يبقى هذا املصاب املطروق غري منسي أو عابر كغريه ، فنجد

٨٩فتحي أبو مراد ، ص. د: شعر أمل دنقل ) ١( ٣٤علي الصفراين ، ص: إىل جنة اخللد يا فيصل ) ٢(

Page 321: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

إخل فامتداد اجلملة إىل أسطر عديدة كأنه يريد امتـداد ) .. ، سعادة وشقاء ، جتلد وعزاء .املصاب مع تاريخ هذه األمة الطويل

منها االمسية والفعلية ، ومنـها أما نوع اجلملة الشعرية فتتناوبه عدد من التقسيماتفإننا سنجد أن اجلملة االمسية يـأيت ـا اخلربية واإلنشائية ، وعند النظر يف التقسيم األول

املبدع يف قصيدة الرثاء عند تصويره للحقائق الثابتة واملترسخة حلقيقة املـوت والفنـاء أو : نفسه اإلميان واليقني ، ومن مناذج ذلك قول حسني سرحان يف رثاء

وقد خلت البسيطة من حداه وما للميت شيء من عزاء )١( وينفي طيفه فيما نفـــاه وأمسى كل قلب حيتويـه

فاجلملة االمسية يف أول البيتني توحي بعامل الصمت والسـكون املرافـق للمـوت ، شـاعر ، واالزام والعجز عن الفعل ، فأتت اجلملة موحية بعامل املوت الذي راح يالحق ال

كما صورت اجلملة االمسية بثباا وقوا ذلك املوت وحتمية جميئه وعجز اإلنسـانية عـن . مواجهته أو مهادنته مهما بلغت من التطور والعلم

وكذلك تربز قيمة اجلمل االمسية يف جانب تأبني املوتى وبيان فضائلهم ، حيـث إن ـ كية ، لكنه يصور جتربة وصفية مفموقف الراثي يف هذا اجلانب أنه ال يصور جتربة حر ة رغ

من الزمن واحلركية ، جل مهها أن توحي حبقيقة قادرة ومترسخة يف وعي الشاعر ، واملوت يصبح الفيصل يف ذلك الثبات والدوام ، فاإلنسان على ما مات عليه من األفعال والصفات

مثل قول غازي القصييب ومل يعد هناك جمال للتغري أو التحول يف تلك األشياء ، نلمح هذا يف : راثيا أحد أقربائه

.. وال جاه .. ملكا عاش بال تاج غريبا مثل باقي الغرباء

ملكا ميشي على األرض اهلويىن مثل باقي البسطاء

ملكا عاش فقريا

١٤٧حسني سرحان ، ص: الطائر الغريب ) ١(

Page 322: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

وقنوعا مثل كل الفقراء ككل الفقراء ثثوبه ر

بيته رث ككل الفقراء األيام حظه من زخرف

)١( إخاءو.. حب حيث تتركز وتتكاثف اجلمل االمسية اليت تعرب عن حالة املرثي السـامية بإنسـانيتها وتواضعها وببعدها عن مظاهر التكرب والغطرسة مع إمكانية حتقيقها هلا ، واستخدام اجلمـل االمسية ليثبت تلك السمات واألوصاف يف الشخصية الراحلة دون حدوث أي اضطراب أو

.النبيل تغري يف سلوكهاأما اجلملة الفعلية فعلى العكس من ذلك تأيت يف أغلب أحواهلا معربة عـن الـتغري والتحول ، وأكثر ما حيدث ذلك عند تصوير مفاجأة املوت وما حتدثه من حتول يف سـلوك احلياة االجتماعية ، حيث يتحول الفرح إىل احلزن واهلدوء إىل القلق واالضطراب ، ومثـل

: احلميد هذا قول عبد اهللا ذهب النهار ذبل الرحيق

غربت مشوس احلب )٢( غرقى باألنني

النص تصور حتوال وتغريا حيسه الشـاعر نتيجـة افاجلملة الفعلية املتصدرة أسطر هذ .فالتغري الطارئ على الطبيعة يعكس التغري الطارئ على حياته احلزن واآلالم

مل اإلنشائية يف جمـال التسـاؤل والقلـق وعلى مستوى اإلنشائية واخلربية تأيت اجلعاكسة احلرية والذهول اليت تنتاب الفاقدين واملتأملني نتيجة وقع املصائب وتفاقم املآسـي ،

: ومن ذلك قول جاسم الصحيح

١٠٦غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ١( ٢٦عبد اهللا احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء ) ٢(

Page 323: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

أبدية وسنيننا القضبـــان الزمان رهائـنهل حنن يف سجن )١( أجفانـعنني ما انفتحت له هل موتنا باب احلقيقة مغمض الـاألحداث وتعداد املآثر واملناقب للموتى وما كان أما اجلمل اخلربية فتأيت عند وصف

، ومن مناذج تلك اجلمل قول عبد اهللا بن مخيس يف رثاء امللك خالد يف فلك تلك ااالت : بن عبد العزيز ـ رمحه اهللا ـ

بلبيــمريبا ومل يزو عنه توىل قيادة الشعب سبعا فما أتى ويسبح يف مرضـاته ويؤوب ربــه خمافةيعادي ولكن يف

من تقاه رقيب عليها ولكن لريبــةوما مد ميناه احلصان )٢( تنوب النائبات خطوبوأن مبـارحويعرف أن امللك ظل

حيث تصور اجلمل اخلربية مناقب امللك وصفاته اإلنسانية النبيلة اليت كان يتمتع ا ، . وظيفتها اإلثبات والتأكيد ودور اجلمل هنا و

٣٥٧م الصحيح ، صجاس: أعشاش املالئكة ) ١( ٨٥عبد اهللا بن مخيس ، ص: الديوان الثاين ) ٢(

Page 324: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: التقدمي والتأخري _ ب يعد التقدمي والتأخري من أهم مالمح املستوى التركييب يف اإلبداع ، وتكمن أمهيته يف أنه احنراف عن قواعد ترتيب وتطابق اجلملة كما وضعها النحاة أو علماء اللغـة ، وهـذا

جلملة إذا كان مقصودا أو موظفـا إلنتـاج اخلروج أو االحنراف ال يعد عيبا أو نقصا يف االداللة الشعرية ، ومن خالل رصد هذه الظاهرة يف مادة الرثاء السعودي يلحظ أا كانت ذات تردد كبري ، وقد كان هلذا التردد دور بالغ يف إنتاج الداللة ووجود القيمـة اجلماليـة

: ألمري أمحد السديري وحتققها ، ومن مناذج ذلك قول عبد اهللا بن مخيس يف رثاء ا فروعا أبت أن تترك اجلود أو تعرى وإن لنا يف دوحة مد أصلهـا وأبقى هلا يف كل صاحلة سفــرا سديرية عاش الندى يف ظالها )١( إذا ذكرت أقوامه رمبا أغـــرى عزاء ولكن العزاء الــك

ألن العـزاء يصـور إىل البيت الثالث ،) عزاء ( وهو كلمة ) إن ( حيث أخر اسم ولذا .. رحيل الفقيد ويؤكد مماته وهذا األمر يبعث أحزان الشاعر ويوقظ إحساسه مبصيبته

أسرة الفقيد يؤخره حماوال التسلي وتعليل النفس ببقائه ووجوده ، وهذا التعليل يكون بوجود يف نفـس ألبنائه وإخوانه ، ووجود هذه األسرة بكرمها وجمدها يوحي بأشياء كثرية تبعث

. الشاعر ما يعللها وخيفف من مصاا وقد يتم تأخري الفاعل وتقدمي غريه عليه ألنه ليس مبكان أمهية لدى الشاعر أو لوجود

: ومن ذلك قول ضياء الدين رجب يف رثاء ابنه .. ما يكون أكثر اهتماما واحتفاء لديه الشباب بنيحبيب القلب ما أجده فلمأحاط يب الشباب

وخلفين أعيش على التـراب ري يف التراب هوى دفيـنا ختعن فعله ، ومعلـوم أن ) الشباب ( وتأخر الفاعل )يب ( فهنا تقدمي اجلار وارور

املعيار النحوي يفيد بتوايل الفاعل لفعله ، ولكن الشاعر ملا حيس به من أمل الفقـد ومـرارة ألم مهما أحاطوا به ومهما كثر عـددهم )الشباب ( الغياب قد خرق هذا املعيار ، فأخر

فلن يكونوا حمط تركيز دائرة الضوء ، بل إن احلضور سيكون لذلك الغائب ، أما هـؤالء

٤٧٢عبد اهللا بن مخيس ، ص: على رىب اليمامة ) ١(

Page 325: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

الشباب فليسوا يف هذه اإلحاطة سوى مثري شعوري لطاقة كامنة مـن األحـزان واآلالم ، عول ويصبح ضـمري حيث يتقدم املف) أجده ( وتتكثف قيمة هذا التركيب يف الفعل الثاين

يعود على ذلك االبن ) الضمري ( متصل بالفعل وذلك ألمهيته وعلو قيمته ، ألن هذا املفعول . املفقود

وكما يكون للتقدمي والتأخري دور يف إبراز األمهية واملكانة فقد يكـون لـه دور يف عبد اهللا بن سامل إجالء البعد الزماين والتعبري عن ذلك واإلحياء به ، ومثل هذا جنده يف قول

: ـ رمحه اهللا ـ احلميد يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز )١( تلوح ا خالئق لن تعودا ذكريات تفجعنا بفقدك

ألن هذه الذكريات قد أصبحت ) ذكريات ( حيث تقدم اجلار وارور على الفاعل حديث الساعة واملصيبة الطارقة فهو ) بفقدك ( شيئا بعيدا وخياال شاردا ، أما اجلار وارور

قد تقدمت على الذكريات مبا حتمله من جـة ) بفقدك ( املؤملة ، كما أا لشدا وقوا وأفراح ، واملوقف الرثائي يتغلب فيه دائما احلزن على الفرح ؛ كما يكـون األول أدعـى

، ومن هنا كان الفقد وأقرب يف هذا اال لوجود التناسب احلسي واملعنوي بينه وبني الرثاء ) . تفجعنا ( متقدما والذكريات متأخرة مع أا الفاعل للفعل

: وقريب من هذا قول عبد اهللا الرشيد يف رثاء ابن عمه مرور الغيم يف األفق الفساح كل حنيمير علي طيفك

)٢( زاحـمهاهم من حديثك وامل ويبسم يل فأمسع من بعيد إفصاحا دالليا عما أشرنا إليه سابقا من دور التقدمي والتـأخري جند األمنوذجويف هذا

حني ) من بعيد ( حتديد املسار الزمين ، حيث يربز هذا يف البيت الثاين ، وحتديدا يف قوله يف وذلك لبعد هذه اهلماهم ، وقد يكون بعـدا ) اهم مه( تقدم اجلار وارور على املفعول به

ة املعىن ، وتقدم اجلار وارور على املفعول به وجاء متضـمنا معنويا وهو األقرب من ناحيالداللة على البعدية لفظا ومعىن ، ويربز التأخري كذلك يف البيت األول حني يتأخر الفاعـل

١٩عبد اهللا سامل احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء ) ١( ١٠٢عبد اهللا الرشيد ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 326: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ويتقدم اجلار وارور ألن هذا الطيف لذلك الشخص البعيد ، والبعد هنا لـيس ) طيفك ( . د واستحالة احلديث معه وااللتقاء به بعدا عن النفس والشعور ولكنه ابتعا

وكما مت التصريح بلفظ البعد عند الرشيد فإنه يسيطر على املعىن بكامله عند جاسم ) : آيات األخرس ( الصحيح يف رثاء الفدائية الفلسطينية

حدق الدهر : تبعث لألجيال من حفرا إحدى الرسائل ) خولة ( فألفى

)١( ريموكمهرة قادمة من ساحة القد تقدم فيها اجلار واـرور ألن يف تقدميـه ) إحدى .. تبعث لألجيال ( فاجلملة

تكثيف باإلحياء وملا يشكله من مركز مجايل وداليل الفت يف القصيدة ، حيـث يسـتدعي إحـدى ( الشاعر حلظة تراثية بالغة اإلحياء بواقع تلك الفتاة الفدائية ، ويتأخر املفعول بـه

ملا يضربه يف عمق البعد ، حيث إن الرسالة قادمة من معركة الريموك الشهرية يف ) الرسائل زمنها املعلوم ، وبعدها يوحي بالبعد الزماين الذي ظلت تعربه هذه الرسالة حىت وصلت إىل الزمن املعاصر ، ويتضافر مع هذه اجلمالية التركيبية يف تأخري املفعول به مجالية أخرى تربز يف

وكأن يف ذلك تأكيد على قوة الشبه بـني ) خولة ( م األمنوذج القدمي أو التراثي حضور اس ) . آيات األخرس ( ذلك األمنوذج واألمنوذج املعاصر

١٣٦جاسم الصحيح ، ص: جنيب األجبدية ) ١(

Page 327: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: االعتراض _ ج تها وبينوا أمهيتها ودورها ميقلقد التفت علماء اللغة القدماء إىل اجلملة االعتراضية وأ

االعتراض حشوا يتم الكالم بدونه ، وتراوحت آراؤهم يف تركيب اجلملة ، وقد عد بعضهمفيه بني مكرب ألمهيته ومقلل هلا ، وواقع احلال أن اجلملة االعتراضية جسد غريب يدخل يف جسم اجلملة األساسية بغرض خلخلة التسلسل الطبيعي لداللة تلك اجلملة ، ومع أن هـذا

يشدد على أمهيته ودوره يف حتويل مسار واقع االعتراض يف التركيب اللغوي إال أن هناك منداللة اجلملة األصلية ، أو كشف بعض جوانب الغموض فيها بل قد يتعاظم دور االعتراض

: ، ويقول حممد مفتاح معرفا اجلملة االعتراضية .. فيصبح ذا أمهية أكرب من اجلملة األصلية م عندنا ـ أن االعتراض هي مجلة صغرى تتخلل مجلة كربى على جهة التأكيد ـ وامله ((

سواء كان متخلال مجلة كربى أم مل يتخللها أكان مجلة صغرى أم كلمة فإنه يقصـد بـه ،وعليه فإن االعتراض قد )١( ))التوكيد وتوضيح املعىن ، بل يكون املعترض هو بؤرة التعبري

ا فنيا له ال يكون زائدا أو فضلة ميكن حذفها بسهولة ، وإمنا يكون ذا حضور فعال وتكنيكومن مناذج ذلك قول أمحد الصاحل يف رثاء الشيخ ابن باز .. مجاله امللحوظ عند املبدع املتألق

: ـ رمحه اهللا ـ )٢(بفقدك نسأل اهللا الثوابا إنا _ يا حبيب الناس _ وداعا

قد أتت لبيان قيمة ذلك املودع ومرتلته ، ) يا حبيب الناس ( فهنا اجلملة االعتراضية ث إن الوداع تزداد لوعته ويعظم تأثريه حينما يكون للحبيب ، واحلبيب هنا قـد أتـى حي

مضافا إىل الناس ، فهو حبيب اجلميع ، ليكون ذلك الوداع مأساة إنسانية كبرية ولوعة قد اختلجت يف قلوب اجلميع ، وهنا يصبح لالعتراض قيمة داللية كبرية يتضاعف من خالهلـا

. عاناته الوداع ويتفاقم حجم موقد يكون لالعتراض مجالية تتعلق باملعىن العام للجملة اليت يرد فيها وذلك كقـول

: سلطانة السديري يف رثاء أخيها

٦٣، ص) م ١٩٨٢الدار البيضاء ، دار الثقافة للنشر ، ( حممد مفتاح ، : يف سيمياء الشعر القدمي ) ١( ٧٥سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٢(

Page 328: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ليتين يا نايف الغايل )١(تلقيت ـ فداء لك ـ سهمك

افتداء أخيها وذلك باعتراض سهم املوت املوجـه باألخت قيام فاملعىن هنا يقوم على وقعت بني تاء الفاعل العائدة على الشاعرة والسـهم ) فداء لك ( ة املعترضة إليه ، واجلمل

، فكأا بذلك تريد اعتراض ذلك السهم واحليلولة بينه وبني روح أخيها الغـايل ) املوت ( مفتدية ذلك األخ باعتراضها هلذا السهم ، ومن التقنيات اللغوية املميزة يف هذا النص هـو

للتأكيد علـى ) ضمري املرثي ( وتأخر كاف املخاطب ) ري األخت ضم( تقدم تاء الفاعل ) ليـتين ( معىن االفتداء وإصرار األخت على التقدم به إضافة إىل استخدام مدلول الـتمين

القتناع الشاعرة باستحالة ذلك ولكنه ـ على األقل ـ يبقى وفاء وإخالصا يف احلب والود . لذلك الشقيق الراحل االعتراض إلجياد عمق داليل مهم يف بناء النص وحتقيق رقيه الفـين وأحيانا قد يأيت

مت إبعاد ذلك االعتراض ألصاب اجلملة شيء من االضطراب أو لفقدت املعنوي ، حبيث لووشيئا من مجاهلا وشاعريتها ؛ وجند هذا متحققا يف إحدى قصائد الشاعر عبـد اهللا الرشـيد

: حيث يقول يهون إزاءه جلـب التالحــي بوح وأفصح ـ صامتا ـ والصمت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )٢( الرواح عندـ راغماـ سيمشي اومن مل يغد يف ركـب املنايـــ

ليكون بؤرة الداللة يف البيت ، حيث إن ) صامتا ( ففي البيت األول جاء االعتراض مت له دور كبري يف تكثيف معىن احلزن واإلحساس بغياب وابتعاد ذلـك حال املرثي الصا

) أفصح ( املرثي ، فالبيت كان ـ ابتداء ـ حيمل معىن اإلفصاح الذي تؤصله اجلملة الفعلية مث جاء االعتراض ليحول تلك الداللة وينتقل ا إىل ما يقابلها وهو الصمت ؛ وهنا يتحول

استئنافا قد انبثق من ذلك ) الصمت بوح ( تراض اجلملة االمسية البيت بأكمله فتأيت بعد االع

٧٩سلطانة السديري ، ص: على مشارف القلب ) ١( ١٠٤، ١٠٣عبد اهللا بن سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 329: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

االعتراض وشعر بأمهيته ولعل يف جميء هذه اجلملة متجانسة مع االعتراض ما يزيـد مـن لتعميـق معـىن ) راغما ( التأكيد على ذلك االنبثاق ، أما البيت الثاين فقد جاء االعتراض

وتأكيد فنائهم ، وقد جاء هذا التعميق من خالل البيت املتمثل يف حتمية موت مجيع البشررغمية هذا الفناء وأن اإلنسان ال حيلة له يف ذلك وال اختيار ، وهذا اإلملاح إضافة قد أتـى

. ا االعتراض لتعمق املعىن األصلي وتضيف إليه ما يؤكده ويقويه عليه فإن لـه دورا وكما أن لالعتراض قيمة يف تقوية املعىن واإلضافة إليه أو اخلروج

يف حتديد املعىن وتشكيل إطاره الزمكاين ، ومن هذا االعتراض ما جنده لدى حسني العروي : يف إحدى مراثيه

غرير التثين ، شائق املوج جمــهدا زماين ربيعي ، أكاتب شاطئا )١( ن الشعر ـ حلنا مفتقداآألقطف ـ ألون فجرا غامضا يستفـزين

كما أنه قـد ) ألقطف حلنا ( قد أبان زمن اجلملة الفعلية ) الشعر ن آ( فاالعتراض تضافر دالليا مع ذلك املقتطف املقصود ، ألن الفعل يف اجلملة جمـازي ، وهنـا سـاهم االعتراض يف تأصيل الصورة وتكثيف مجاليتها ، ويبدو أن التركيز على العامل الزمين هـم

مث أخريا ) زماين ربيعي ، ألون فجرا ( ظ هذا يف حياول السيطرة على الرؤية يف النص ، نلح ) .أن الشعر ( مجلة االعتراض

ومثل حسني العروي جند جاسم الصحيح وقد أتى عنده االعتراض يف رثاء ذاته ليربز : قائالالعامل الزمين ويركز عليه

باكتـئابمرايا مصقولة فالعــامل اآلن مدين باألمان )٢( أفلتت من جوانح السياب يوم ـ وأنا اآلهة اليت ـ ذات

حيث أبان االعتراض وقت تلك اآلهة اليت حياول الشاعر إفرادها وتوحدها يف سياقها . املضموين املطروق

١/٢٠٩حسني العروي ، : األعمال الشعرية الكاملة ) ١( ٤٠ص ،) هـ ١٤٢٣بريوت ، دار الكنوز األدبية ، ( ، ٢ط جاسم الصحيح ،: رقصة عرفانية ) ٢(

Page 330: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: احلذف _ دوالواقع أن هذه الظاهرة مع تقدم تأصيلها واحلديث عنها يف نقدنا التراثي إال أا يف

اصة وما ذلك إال ملا تذهب إليه الدراسات النقدية من العصر احلديث جيب أن تعار أمهية خالنص املركب أو احملتاج إىل مزيد تأمل واستقراء من الشغف بتكوينذم التقريرية واخلطابية

املتلقي كي يفهم حمتواه ، ويتذوق مجاليته ، واحلذف بطبيعته يكون لدى املتلقي ذلك التأمل الية حذفه يف موضعه املوجود فيه ، وهنا تصـبح والبحث عن احملذوف وحماولة استكناه مج

هذه النظرة إىل احلذف وقيمته قد أضافت مهمة آكد وشكلت احتفاء أكثر فلم تعد النظرة ، .. إىل قيمة احلذف مقتصرة على عامل اإلجياز والتكثيف وطرح ما يعوق عملية االتصال

ما يكون عند نداء امليت ، ومعلوم ويف قصيدة الرثاء تراثية أم معاصرة سنجد أن احلذف أبلغ لمن أكثر أساليب الرثاء وأغزرها ورودا يف املراثي ، بل ق) نداء امليت ( أن هذا األسلوب

أن ختلو قصيدة منه ، ولعل العلة يف هذا تعود إىل حاجة الراثي إىل استشعار القرب الشديد ح حذف أداة النـداء موحيـا بني املنادي واملنادى ، فكأن اإلنسان خياطب نفسه وهنا يصب

: على الشهراين بالود واحلميمية ، كما يقول وخدن الشجن .. جني البيان

)١(لك اهللا من راحل ما توانـى واملنادى هنا قد جاء مضافا ، وقد محل املنادى وصفا يقوم بتأبني امليت وهو الشاعر

من صديقه املرثي فقد حـذف محد احلجي ـ رمحه اهللا ـ ، ونظرا القتراب الشاعر الراثي أداة النداء ليعرب احلذف عن مدى االقتراب واملودة بينهما ، ومعلوم أن النـداء يف وضـعه اللغوي إمنا يكون يف األصل للشيء البعيد ، ومن قواعد النحو عدم جواز حذف أداة النداء

تعاد املرثي وشـدة ، ولعل يف حذفها هنا تأكيد لإلحساس بعدم اب )٢(إذا كان املنادى بعيدا اقترابه ، مع أن املفترض أن يكون املرثي بعيدا بعد موته ، فاملوت هو يف احلقيقة حلظة الفراق واالبتعاد النهائي ، وهنا يصبح هذا احلذف ـ بداللته السابقة ـ ثورة على واقـع هـذه

١٣٨على الشهراين ، ص: من نبع احلياة ) ١( ٦٣، ص) م .د( م ، ١٩٨٥، ٢، طعبد السالم هارون :األساليب اإلنشائية ) ٢(

Page 331: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

أن املنادى اللحظة ورفضا لوطأا الشديدة على نفس الفاقد حالة اإلحساس األول ا ، كماصفة حذف موصوفها وهو الفقيد ) جني البيان ( يف واقعه صفة قد حذف موصوفها ، فـ

أو الشاعر الراحل ، ومجالية هذه الصفة أا تؤصل داللة البقاء والقرب ، حيث إن الشـاعر سوف يبقى .. وإن فارق احلياة سوف يبقى بشعره وما حيمله من مضامني الشجن والبؤس

. خدنا للشجن وان جنيا للبيح باملنادى ويذكره بامسه فيقول يف أما غازي القصييب فإنه عند حذف أداة النداء يصر

: رثاء نزار قباين نزار أزف إليك اخلرب

)١( لقد أعلنوها وفاة العربوهذه القصيدة قد حتول فيها الشاعر من رثاء نزار إىل رثاء حال األمـة والتطـرق

وفـاة ( ملعاصرة ، وهنا يصبح احلذف ألداة النداء متضافرا مـع داللـة لواقعها وقضاياها اوإعالن هذه الوفاة ، فكأن هذا احلذف قد انعكس من حذف فاعلية األمة العربية ) العرب

) نزار ( وغياا الفعلي عن قضاياها وتأخرها عن حتقيق رسالتها يف الوجود ، والتصريح بـ ليكون هذا التصريح متباينا مع حـذف فاعليـة العـرب دون وضع ما يصفه أو يرمز إليه

. وميش دورهم ، فالتصريح بامليت الراحل قد كون مفارقة تصويرية مع وفاة العرب وقريب من هذا احلذف يف داللته ما جنده لدى حسني العروي يف رثاء سارة العتيبية

: اليت قتلها اجليش العراقي أثناء غزو الكويت شهامة بيد تسفح القوم سجدا غرينا _ مث _ ؟ مل يكن .. وا إذا القوم قال

ألن تلك الداللة قد أصبحت غائبة وبعيدة يف ) من فىت ( فقد حذف العبارة التراثية أدت دور الفـىت الزمن املعاصر ، كما أن تلك الفتاة بشجاعتها وببسالتها وما قامت به قد

، ولذا جند الـنص ) البديل ( حضور الفتاة رمزا لوجود و) من فىت ( املنتظر فيصبح حذف ، ) مل يكن ـ مث ـ غرينا ( يستويف هذا املعىن حيث يتبع احلذف نفي وجود غري تلك الفتاة

ألا حمل ضعف وعجز يف واقعها أمام ) الفىت ( فاملرأة هنا حتاول إثبات دورها وتغييب ندها

٢٨غازي القصييب ، ص: للشهداء ) ١(

Page 332: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

لتصور السائد أو املعمـم يف فعلـها واقع الرجال ، ولكن هذه املرأة قد أثبتت خطأ هذا ا . وقوهلا

وقد يأيت احلذف للداللة على عدم التأكد وخصوصا يف العمليات احلسابية والتارخيية اجه تلك األشياء من دقة النقل ، ويف مثل هذا النوع من احلذف ال تكمن اجلماليـة وما حتت

قـول عبـد العزيـز ، ومن ذلك .. يف احلذف وحده دون أن يكون له إملاحات أخرى : العجالن

ومغن راح يروي شجنه يسفح اآله على غري هوى : ويلوك الذكريات الواهنة

)١( ؟ ال أذكر تاهت سنة إثر سنة.. منذ فاحملذوف هنا املدلول الزمين ، وحذفه يعكس إحياء بعدم قدرة الشاعر على معرفـة

معاناته وقلقه ، اليت جعلته ذاهل احلس دقيقة لذلك الزمن وحتديده ، ويف هذا ما ينقل مدى منشغل البال ، كما أن احلذف يعطي املتلقي جماال واسعا من التفكر والتصورات يف تلـك الفترة الزمانية إضافة إىل أنه يعمق تأثري الزمن وعدم شعور اإلنسان بالزمن املاضي كشعوره

. باحلاضر

٥٥عبد العزيز العجالن ، ص: ذات الليل أشياء من ) ١(

Page 333: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: اص ــالتنالنقد احلديث ، ولكنه ومع رواجه ال يزال مـن التناص من املصطلحات الرائجة يف

املصطلحات غري املستقرة اليت ما زال اخلالف حول مفهومها وحدودها دائرا بني البـاحثني الفاعلية املتبادلة بني النصـوص ، فيؤكـد ( والنقاد ، فهو عند بعضهم مصطلح يشري إىل

النصوص ، وذلك على أساس مفهومه عدم انغالق النص على نفسه وانفتاحه على غريه من مبدأ مؤداه أن كل نص يتضمن وفرة من نصوص مغايرة يتمثلها وحيوهلا بقدر مـا يتحـول

جمرد دخول سطر غريب يف ((، وبعضهم يرى أن )١( ))ويتحدد ا على مستويات متعددة نص ما من لغة مغايرة حىت ولو مل يفهمه القارئ ـ يعد إشارة ضمن نظام إشـاري آخـر

السطر يف هذه احلالة مجل وإشارات من لغات غريبة ويقرأفيه الشاعر لنفسه استعمال أتاحال كجملة وإمنا كعالمة ، كأداة للتغريب ولكسر تدفق القصيدة وكإحياء بأن مثة عوامل مغلقة

ويف هذه احلالة تنجح القصيدة يف استيعاب هذا النص الغريب .. على القارئ والشاعر معا اهلا التناصي فحسب ولكنها تدمره أيضا كشرط لتحقيق جناحها ، وهذا اجلانب الواقع يف جم

، وعلى هذا فإن التناص حينما يقـوم )٢( ))الصراعي احلاد جزء أساسي من آليات التناص يقوم بتكوين شفرة خاصة ميكننا وجودها من فهم الـنص باستدعاء تلك النصوص الغائبة

مه الداليل ، فهو بالتايل من أهم الوسـائل التواصـلية ، الذي نتعامل معه وفض مغاليق نظاواخلطاب الذي ال يتناص مع غريه من اخلطابات السابقة يعد خطابا أحادي القيمـة أمـا اخلطاب الذي يقوم باستحضار النصوص أو اخلطابات السابقة عليه بشكل صريح نسـميه

يف عملييت التضمني واالقتبـاس ، ، وقد عرف التناص تراثنا النقدي )٣(خطابا متعدد القيم إخل ، أما النقد املعاصر فقد جتاوز هذه التسـمية .. ويف جمال آخر عرف بالسرقات األدبية

ونظر إىل التناص مبفهومه الشامل وعده أحد املصادر األساسية البالغة األمهية يف تكوين نظام ايش هذه االجتاهات النقدية الشعر احلديث، وحيث إن الرثاء يف الشعر السعودي املعاصر يع

٢٧٧ص) م ١٩٨٥بغداد ، دار آفاق عربية ، ( ، ) جابر عصفور ( أديث كيلرزويل ، تركمة : عصر البنيوية ) ١( ٢٤صربي حافظ ، ص: التناص وإشاريات العمل األديب ) ٢( ٢٣٠عبد السالم سالم ، ص: خلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ا: انظر ) ٣(

Page 334: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

فقد برز فيه التناص عرب جماالت عدة ، من أبرزها التناص القـرآين والتنـاص التـارخيي ، والتناص األديب ، والتناص الشعيب ، وقد كان أجلى هذه األنواع التناص مع القرآن الكرمي ،

ورة مباشرة ، مثـل وذلك ملا حتتويه نصوصه من املعاين اليت تتناسب مع املوقف الرثائي بصاآليات اليت تتحدث عن املوت وتبني حتميته على البشر أو آيات القضاء والقدر وما يبعث هذان النوعان من معاين اليقني والرضى ، وتقابلهما اآليات اليت تبني ما أعده اهللا للمـؤمنني

ا ونعيمهـا من النعيم واخللود وكذلك اآليات اليت ترغب يف الدار اآلخرة وتزهد يف الـدني إخل ، وقد تعددت أمناط ذلك التناص فهناك من يورد اآلية القرآنية بنصـها دون .. الزائل

حتوير وهناك من يشري إليها باملعىن أو اللفظ ، وهناك من يقلد الصياغة القرآنية وغري ذلـك : من األمناط األخرى ، ومن هذا التناص قول علي النعمي يف رثاء ركاب الطائرة احملترقة

مهاب جليلـهار يف موكب تتلقاهم املالئـــــــكة األطـ وعلى رفرف عزيز اجلنــاب من إله كريــــــم بالبشارات

ختمه املسك من ألذ الشـراب يتساقون من رحيق شــــــرابا )١( مآب وحسنطويب هلم .. حق يف رحاب الفردوس ، حيث النعيم الـ

كرمي يف هذا املقطع تكثفا أخذ السيطرة التامة علـى فقد تكثف التناص مع القرآن التتلقاهم املالئكة ، على رفرف ، ختمـه املسـك ، ( فكرة الشاعر املرادة ، نلحظ ذلك يف

حيث التناص مع العديد من اآليات القرآنية اليت تبني مآل عباد اهللا ) طوىب هلم وحسن مآب ونه من النعيم والثواب ، وقد أعطى هـذا من الشهداء والصاحلني وسائر املؤمنني ، وما جيد

التناص فكرة الشاعر صفة القوة واجلزالة وجعل املعىن أكثر إقناعا وتيقنا ، فاستحال النص يف هذه اخلامتة من بكاء وتصوير للمأساة إىل استبشار وثقة باهللا ، ليكون يف ذلك أكرب العـزاء

. ألهايل املتوفني يف هذا احلادث األليم تتلقاهم املالئكة ، طوىب هلم ( التناص نلمح نقال لبعض اآليات بنصها مثل ويف هذاولكننا قد جند نوعا آخر من التناص الذي ال ينقل اآلية بنصها ولكنه يقتبس ) وحسن مآب

: ومن ذلك قول الغزاوي يف رثاء فؤاد اخلطيب .. بعض مفرداا أو حيورها

١٠٨علي النعمي ، ص: النغم احلزين ) ١(

Page 335: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

مضطرما ؟ ) (هي مقروحة أم آه وآه وما أدري أمن كبـد )١( تضرعا وطباق األرض مرتطمــا السماء ا أسبابأكاد أبلغ

�عن فرعون _ عز وجل _ خري تناص مع قول اهللا ففي البيت األ ¤%&�� 2�=� 2=:DN %^©3�v�5 3

<B☺.(% % � l;☺DS 2 �lU&( ;eDm� A$5&(�� y�4=:q ;]D��v&N 1| e5☺5^5 3 1_) 2

�,-DE¡(% T8;<%%&N 1�| %☯$=4B« ¥1��)8P( ~DSP��* 1_|�� D$5&(�� Y!£�2� 1DG¦����

��$`wl� I¬D� ,-�?��5&�.(% ���، ويشتمل هذا التناص على مجالية معنوية تقوم على املفارقة بني )٢( �

ا الطاغية الكافر باهللا واملؤمن اخلاضع هللا حينما يطلب األول بلوغ أسباب السماوات تكرب . وعلوا على حني يفعل الثاين ذلك تضرعا هللا وخشية منه

وأحيانا قد يكون التناص باإلشارة إىل معىن اآلية القرآنية ، وعندما تستدعي هذه ومن .. اإلشارة شيئا من مزيد اإليضاح والبيان فإن الشاعر قد يلمح إىل ذلك بأي وسيلة

: كي األمري فهد بن سلمان هذا قول حممد بن حسني يف رثاء صاحب السمو املل فتذكري أصحاب اليقني سليم نذكر سلمان وإن كان ذاكرا

)٣( الكـالم حيكمبذارية فيها به أمر اهللا النيب حممـــداذلك قول اهللا تبارك ((: مث يشري الشاعر يف اهلامش إىل املقصود بذارية فيقول

D�}&x�� ����&N:= �: وتعاىل �t�:.}DEQ% ~nw&) ,-DwD�&☺.(% ����، وقد تكون )٥( )) )٤( �

٥٥٠ص ١٣٧٦ذو القعدة ) ٩(العدد ،أمحد الغزاوي :جملة املنهل )١( ٣٨سورة القصص ، آية ) ٢( ) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ، ) ٣( ٥٥ية سورة الذاريات ، آ) ٤( ) هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ٥(

Page 336: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

وهي مفرد ذاريات حينما جعلها ) ذارية ( هذه اإلشارة راجعة إىل استخدام الشاعر لفظة امسا أو وصفا لتلك اآلية ، وقد تكون هذه التسمية غري واردة يف غري قاموس الشاعر ـ أعين

ميز واضح إىل اسم السورة املرادة بسبب ثره ملا فيه من ترآإطالقها على اآلية ـ ولكنه . تشابه الصيغ بني املفرد واجلمع

وقد ال يشتمل التناص على أي إشارة لفظة أو عالمة كتابية ومثل هذا النوع ال ميكن : وضعه حتت الضوابط واحلدود وقد يتوسع فيه ، ولعل من أمثلته قول حفيظ الدوسري

.. غربوا .. أو شرقوا

ن مجيعا سوف متوتو .. هكذا

)١( قدر خالق الربية {]T` �فهذا النص حيدث تناصا يف املعــىن مع اآليتــني القرآنيتـني

|�.n � 8u&��Q &x D�=�☺.(% � )٢(،� %☺&'3�* R ����[�&)

2�®�}`;]23 ��=�☺.(% =�&(�� "[¯w[} 1�, °±�2:�? iG]�� F�

ة اليت تشاها يف التأكيد على حتمية املوت ووقوعه على وغريها من اآليات القرآني.. )٣(�مجيع البشر ، وقد يكون الذي أجلأ الشاعر إىل هذا التناص هو كثرة اآليات يف هذا املعىن ،

ثر آوهذه الكثرة أوقفته حائرا يف التناص الواضح أو املتضمن لشيء من اآلية ، ومن هنا فقد . شارة داللية أو عالمة أيقونية أن يكون تناصا معنويا ال حيمل أي إ

قول كذلك وومن مناذج التناص القرآين ـ أيضا ـ تقليد الصياغة القرآنية ، : عبدالرمحن العبد الكرمي يف رثاء والده

٦٣حفيظ الدوسري ، ص: قحط احملبة ) ١( ٥٧سورة العنكبوت ، آية ) ٢( ٧٨سورة النساء ، آية ) ٣(

Page 337: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

اجلبال يـروع هتشا موجا كيما تنال مثار سعيك راكبا )١( والليل داج والربوق تشعشع من فوقه موج عليه سحائب

�الصياغة تشابه مع الصياغة يف اآلية الكرمية ففي هذه �$( F. 3 !±=� � eDm� fD$D=�&N

!±=� � eDm� fD$D=�&N cA%� p � )٢( املوروث األديب ، ويلي التناص القرآين يف حضوره وأمهيته التناص األديب ، حيث إن ، فاألدب مبعطياته مبعناه الشامل ، يعد أحد املصادر األساسية لتكوين لغة الشاعر احلديث

ووجودها ، وهذا املوروث األديب ال ميكن جتاهله أو العديدة جزء من تكوين األمة وتارخيها التغاضي عنه إذا أراد الشاعر ألدبه ولغته النمو واالمتداد والتطور ، وال خيلو أي شعر عظيم

لشعراء ، وقصيدة يف أدب أية أمة من األمم من هذه الرابطة اليت تشد الشاعر إىل أجداده االرثاء يف الشعر السعودي املعاصر مهما حاول مبدعها التفرد ا واخلصوصية اإلبداعية ؛ فإا ستبقى مشدودة إىل جذورها التراثية السائرة يف مستويني متوازيني أوهلما شكلي وثانيهما

، ونلمح مناذج معنوي ، وأكثر ما يربز هذا التعالق املعارضات ، مث يليه االقتباس والتضمني : هذا التناص يف قول أمحد مجال يف رثاء أحد العلماء

وأخرس أنفاسا وإن كان أدمـعا أصم بك الناعي وإن كان أمسعا .. . . . . . . . . . ... . . .. . . . . . . . . . ... . .

)٣( على أن ربع الفضل قد بات بلقعا فقل يل وللقوم احلزاىن عزاؤكم د تنبه إىل عنصر املعارضة يف هذه القصيدة أحد النقاد الذين تناولوا الشعر وق

عمد الشاعر إىل مطلع قصيدة أيب متام يف رثاء حممد ((: السعودي بالرصد والدراسة فقال : بن محيد اليت يقول فيها

وأصبح مغىن اجلود بعدك بلقعا أصم بك الناعي وإن كان أمسعا

٧٠عبد الرمحن العبد الكرمي ، ص: خلجات قلب ) ١( ٤٠سورة النور ، آية ) ٢( ٣٧، ص) م ١٩٤٧القاهرة ، دار الكتاب العريب ، ( ، ١أمحد مجال ، ط: الطالئع ) ٣(

Page 338: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

قصيدة رثاء ، وكان ذا هذا البيت لينظم على منواله وأخذ الشطر األول منالتضمني يكسب مسة من مسات التقليد ، فالتضمني سلم العاجزين ووجهة املتشاعرين مهما

، )١( )).. كان تربيزه ، ألن الشاعر ذا األصالة ليس حباجة إىل النموذج يفتح له الطريق صارت املعارضة ((لبيةإىل فن املعارضات فقد وحنن قد ال نتفق مع هذا الناقد يف نظرته الس

فنا شعريا يتبارى فيه الناون ، ويتسابق فيه ميدانه الون ، ألم يرونه معرضا لقدرام ، وشاهدا على غزارة ينابيع ملكام ، وأسطع برهان على تفوقهم وسبقهم ، وهل أدل على

ح أفكارهم على شطآا ؟ ينافسون ذلك من أن يتنافس الفحول يف ميداا ؟ وغرس أدواالسابقني ، ويلقحون ا ملكات الالحقني ، ختصب ا رياض األدب ، سرائغبباسقها

وتفيض مبائها حياض الطلب ، فأبياا فرائد ، وقصائدها قالئد ، جاءت مبثل روائع شوقي . )٢( ))والبارودي وابن عثيمني وأمثال هؤالء كثري

الرائعة مرثية حملمود عارف قد أنشأها يف رثاء صديقه الشاعر ومن مناذج املعارضاتحيث عارض فيها قصيدة أمحد شوقي يف رثاء حافظ إبراهيم ، وقد ختم ) أمحد القنديل (

: حممود عارف قصيدته بيت شوقي الشهري )٣( يا منصف املوتى من األحيــاء قد كنت أوثر أن تقول رثائي

جعل هذا البيت خامتة للمرثية على حني ورد يف القصيدة وتربز تقنية املعارضة يفاملعارضة مطلعا ، لتكون هذه اخلامتة عاكسة معىن احلب الصادق والوفاء املخلص للصديق الراحل ، حيث تبقى حماولة افتداء الراحل أمنية عقيمه يف نفس الشاعر إىل األبد ، حني

ادقة وحزنا عميقا لدى ذلك الصديق أصبح وقوعها من احملال ولكنها قد تركت لوعة صرة اليت تتجاوز ما خالويف ، وكما أن حافظ إبراهيم قد حفل ديوانه بالعديد من املراثي الزا

قد شغل فيه الرثاء ) األصداف ( فكذلك جند أن ديوان أمحد قنديل يزيد على ربع الديوان ،شوقي وحممود ( ين رشاعومن هنا فقد كان مجيال التفات ال ما يزيد على نصف الديوان،

٢٢٢ص) ت .د( ، ) الرياض ، دار املريخ ( عبد الرحيم أبو بكر ، : الشعر احلديث يف احلجاز ) ١(الرياض ، دار عبد العزيز آل حسني للنشر والتوزيـع ، ( ، ٢حممد بن حسني ، ط: املعارضات يف الشعر العريب ) ٢(

٩٧ص) هـ ١٤٢١ ١٠٥أمحد شوقي ، ص: ديوان أمحد شوقي ) ٣(

Page 339: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

والذي كشفه وخلد قصيدته الشطر ) منصف املوتى من األحياء ( إىل هذا املعىن ) عارف . الثاين من بيت التناص

وقد حفل الرثاء السعودي بالكثري من هذه املعارضات اليت قد ال يتأتى حصرها هد وعبد اهللا بن ولكن لعل أبرز مناذجها يوجد عند فؤاد شاكر والغزاوي وحممد بن بلي

. وغريهم كثري .. ، وغازي القصييب ، وعبد اهللا احلميد عبد احملسن حليت مخيس ووأحيانا قد يتمثل التناص يف غري املعارضات كالتضمني واالقتباس، ومن هذا قول عبد

: الرمحن آل عبد الكرمي يف رثاء أحد أصدقائه )٢( عن مفيد )١( حائد) ـجب إال من تعب كلها احلياة فما أعـ(

: فهو مأخوذ من بيت أيب العالء املعري الشهري د ـب يف ازديامن راغـجب إال تعب كلها احلياة فما أعـ

وقد حصر الشاعر ما أخذه من بيت املعري بني قوسني لإلشارة إىل ذلك التناص ، اهلدف كما أن معىن البيت وصياغته قد أغرته بأخذه واالستفادة منه لتناسب ذلك مع

واملوضوع يف مرثية الشاعر ألبيه ، السيما وبيت املعري قد ورد أيضا يف إحدى مراثيه اليت . يدا يف نزعتها الفلسفية جتاه قضية املوت واحلياة فرقد شكلت أمنوذجا

وإذا كانت قضية املوضوع وسريورة البيت وشهرته يف ذلك املوضوع مغرية يف أخذه ن يكون ذلك األخذ أو التناص غري حمتفل بإضافة أو جتديد أو حتوير وحماكاته فإنه ال ينبغي أ

، وإذا وجد هذا األخري فإن التناص يصبح قيمة مجالية يف النص اجلديد بل إنه تتضاعف األوىل ، داللته ، ويكمن التضاعف يف وجود داللتني متوازيتني تستقبلهما ذاكرة املتلقي

وازن الداللتني واملوازنة بينهما تنبثق مجالية التذوق قدمية واألخرى جديدة طارئة ، ومن تاليقني بأن احلياة )القدمي واجلديد ( األديب واالستفادة املعرفية ، وهنا يتقرر يف كال النصني

حائد ( على حني يتعجب اجلديد من ) راغب يف ازدياد ( تعب كلها ويتعجب القدمي من يتضاد يف ) راغب ( ، واسم الفاعل غة والتركيب ، وتتوافق اجلملتان يف الصيا) عن مفيد

احلائد مبعىن املبتعد ، وحاد عن الشيء ابتعد عنه وجافاه ) ١( ٣١عبد الرمحن آل عبد الكرمي ، ص: خلجات قلب ) ٢(

Page 340: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

فالرغبة واحلياد متضادان ، فعلى حني يكون اإلنسان يف البيت القدمي ) حائد ( معناه مع فإنه يف النص اجلديد حييد ذلك اإلنسان ـ أيضا ـ ) التعب ( راغبا يف االزدياد من الدنيا

صاحل والسعي يف العبادة والطاعة ، وذا عن ما يفيده يف هذه احلياة من اإلميان والعمل التتضمن نوعا من االحتراس واالستدراك ، وأن ) حائد عن مفيد ( يتضح أن اجلملة اجلديدة

. ا على اإلطالق بل إا قد تكون ميدانا للخري والعمل الصاحل باحلياة ليست تعلعروي يف رثاء احتوى على مجالية فنية ما قاله حسني ا قدومن التناص األديب الذي

) : سارة العتيبية ( الشهيدة الكويتية )١(شهامة بيد تسفح القوم سجدا غرينا _ مث _ ؟ مل يكن .. إذا القوم قالوا

: حيث يتناص هذا البيت مع ما قاله طرفة بن العبد يف معلقته )٢(لدـدعيت فلم أكسل ومل أتب إذا القوم قالوا من فىت خلت أنين

التناص على أساس املفارقة بني املذكر واملؤنث ، فالبيت التراثي كـان وتقوم مجاليةعلى لسان الرجل املعتد بقوته وفروسيته ، أما البيت اجلديد فهو على لسان املرأة اليت قـد اقتحمت معسكر أولئك اجلنود الغازين لتقتل عددا منهم انتقاما لوطنها وأهلـها مث تـدفع

د والفدائية الرائعة ، ونالحظ تركيز الشاعر يف البيت على بنفسها ضحية يف سبيل ذلك اوكأنه قد حل مكانه ) من فىت ( واضعا النقط مكانه ، ليشري بذلك إىل حذف احلذف إبراز

، ) األمنوذج الفريد ( على حني يتم نسخ وحذف املذكر قصدا لإلشادة باملؤنث ) من فتاة ( . املعاصر الذي قد تقاعس عن بعض مهامه وواجباته وكأن يف ذلك إحياء بنقد الرجل العريب

وقد حيدث التناص مع القصص التارخيية اليت جرت على منط املثال والقول السائر يف : حياة الناس ، ومن هذا قول عبد الرمحن العشماوي

)٣( !؟ ))حذام ((تفرح مسامعنا بقول تصريح ومل أولست تسمع ألف

١:٢٠٩حسني العروي ، : األعمال الشعرية الكاملة ) ١( ١٥٣طرفة بن العبد ، ص: ديوان طرفة بن العبد ) ٢( ٩عبد الرمحن العشماوي ، ص: جولة يف عربات احلزن ) ٣(

Page 341: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ني الناس أن الصدق ما قالته حذام نسبة إىل البيت التراثي حيث قد صار مثال سائرا ب .املعروف يف هذا اال وقصته املرافقة

Page 342: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: املستوى الداليل _ ٣الذي هو املوجود ) املدلول ( اللغة بطبيعتها األوىل تتميز بأا داللية حبتة ، يتميز فيها

اليت ) الداللة ( ة إىل ذلك املدلول ، والذي هو الكلمة الرامزة واملشري) الدال ( اخلارجي ، و هي الصورة الذهنية املركبة من متثل الدال واملدلول ، واللغة ذا املفهوم ذات وظيفة إيصالية وموقف داليل جمرد ، ولكن هذا املفهوم ال ميكن أن يكون هدف الفن وغايته ، ففي الفـن

محل الشعر عبء هذا التحـول وقد (( يستحيل هذا املوقف اإليصايل إىل موقف تشكيلي اخلارق يف اللغة من الوضعية اإلشارية إىل الوضعية التشكيلية ألن الشاعر ظل يتعامل مع اللغة ال لكي ينفذ من خالهلا إىل شيء غري اللغة ، ولكن ليبحث عنها فيها ، لكي يشكل منـها

فـاملوقف .. ذاتـه عامله اجلمايل ، ولكي حييلها من بناء مسكون بغريه إىل بناء مسكون ب )١()) التشكيلي ارد خاصية اللغة الشاعرة

رمبا ..فالشعر إذن حييل مفردات اللغة إىل كائنات حية جائشة بكثري من املعطيات (( ال تدل على أبعد من جمـرد معانيهـا القاموسـية ) يف غري الشعر ( تكون هذه املفردات

لعام ، ختتلف عن الكلمة عنصرا يف القصـيدة ، والكلمة يف مفهومها اللغوي ا )٢())احملددةالشعرية ، وأمام هذا التفهم للمادة اللغوية يف البناء الشعري بدأ النقد األديب ميارس دوره يف التنظري والتقنني ، مث حصلت ـ كما هي العادة ـ قضية التدرج يف االصطالح النقـدي ،

اللغة الشاعرية أو شعرية اللغة ، إىل والتعددية واالختالف يف مسميات ذلك املصطلح ، فمن أي داللة الكلمة اليت ـ إىل جانـب ذاكرـا ـ (( الداللة املكتسبة أو األسلبة الرمزية ،

اشتملت على ذاكرة جديدة غري مألوفة ، وهذا يصري يف معناه األبعد املتطور ما يسمى بـ يل إىل موضوعها بل إىل شيء آخر فهي ال حت) اازية ( أو ) الكلمة الرمزية ( أو ) الرمز (

، مستعرية من موضوعها نفسه طاقته الداللية لتتخطاها ، وهنا ختتلف شـبكة العالقـات ألن ) الداللة العاديـة ( عنها يف مستوى ) املعىن ( واملوضوع ) اللفظة ( الداخلية بني الرمز

خرق للمألوف والسائد األشياء تتداخل وتتواتر على غري ما هو مصطلح عليه ، إا بذلك

١٠١حممد العزب ، ص: أصول األنواع األدبية ) ١( ١٠١املرجع السابق ، ص) ٢(

Page 343: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

، ويعين هذا تأسيس منظومة جديدة داللية يف بنية اللغة ، تتخطى مقدرا العادية املعروفـة )١()) هنا بشكل خاص ، يبدأ الفن وتنحل الرموز الشائعة إىل رموز جديدة بذاكرة جديدة

هذا املصـطلح ومن الداللة املكتسبة ـ أخريا ـ إىل االحنراف أو االنزياح األسلويب ، ويف بأنه (( تتشعب اآلراء وتتعدد التوجهات بني موسع ومضيق ، حىت جند من يعرف االحنراف

واألسلوب كل ما ليس شائعا وال عاديا وال مطابقا للمعيار العام املـألوف ، .. األسلوب ويبقى مع ذلك أن األسلوب كما مورس يف األدب حيمل قيمة مجالية ، إنه انزياح بالنسـبة

، ويرى شكري عياد أنه ال يوجد قانون )٢()) إىل أي معيار ، واالنزياح مفهوم واسع جدا ثابت لالحنراف ؛ مما يبيح لكل شاعر ، أو ناقد أن يضع ، أو يفترض قانونه اخلاص الذي ال

مرسـلة حتتـوى (( ، فالشعر )٣(يشترط فيه إال أن يكون الكالم فيه قادرا على التوصيل ـ ولكنها تنحرف عنها لتصري تعبريا ) مادة ( ة النثرية ـ من لغة وكالم وفكر عناصر املرسل

مرتبطا بتنظيم معقد ، ظاهر أو غري ظاهر ، يغاير تنظيم النثر املباشر ، ويتميز عنه بتخطـي املعىن الوضعي للكلمة ، وخبلق ذاكرة جديدة هلا غري ذاكرا املعهودة ، وهلذا خصصنا الشعر

ي أن املرسلة الشعرية عادة ال تكون عادية بل جديدة يف إيصـاهلا ويف نـوع باالحنراف ، أإن االحنراف الكالمي يقف ضد : توجيهها إىل املرسل إليه ، وهذا ما أشار إليه فالريي بقوله

)٤()) التطابق الكالمي وعلى هذا األساس القائم على التوسع يف مفهوم االحنراف سيكون تركيزنا ليكون ـ

، وـذا ) املعجم أو الداللة الوضعية ( راف ـ قائما على التقابل مع املبحث السابق االحنالتوسع سنستطيع إدخال الكثري من التقنيات اجلمالية واألسس الفنية يف بناء النص اإلبداعي كااز واالستعارة ، واإلحياء ، واالختيار والعدول ، والتناص أو استلهام التراث وتراسـل

. إخل ... احلواس

٣٨ص، ) م ١٩٩٣بريوت ، دار الفكر اللبناين ،( ، ١طمن الصورة إىل الفضاء الشعري ، ديزيره سقال ، ) ١( ١٢٥فتحي أبو مراد ، ص. د: لوبية شعر أمل دنقل دراسة أس) ٢( ٤٦شكري عياد ، ص: مدخل إىل علم األسلوب : انظر ) ٣( ٦٢ديزيره سقال ، ص. د: من الصورة إىل الفضاء الشعري ) ٤(

Page 344: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

)حممد شجاع ( داللة ذات ذاكرة مألوفة نثر النص ) حممد أسد ( داللة ذات ذاكرة منحرفة شعر

وقد يزيد االحنراف الشعري ويتناقص ، ويرجع ذلك إىل أمور كثرية حيكمها نـوع ت املبدعة يف درجـة االحنراف أو درجته الفنية ، وقد يشارك املتلقي والناقد وقبل ذلك الذا

.. االحنراف إضافة إىل مدى تألق التقنية اجلمالية املستخدمة فيه ودرجة توهجها وإشعاعها

Page 345: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: املعجم الرثائي _ أ إذا أردنا أن نكشف عن أي موضوع أديب وأن نتعمق فيه فإنه ينبغي البحث أوال عن

واقع واهلدف ، وهذه األمهية تلك الكلمات اليت تتردد أكثر من غريها ، فالكلمات تترجم الللكلمات يف العمل الشعري تقتضي القيام بدراسة خاصة للمعجم الشعري يف ذلك املوضوع ، يركز فيها على الكلمات املفردة وداللتها املعجمية أو احلرفية األولية ، فأول حدود تأويل

م يف حتديد هوية النص هو املعىن احلريف ، ودراسة املعجم ـ كما يرى حممد مفتاح ـ تسه فإذا ما وجدنا نصا بني أيـدينا ومل نسـتطع (( النص ، وخاصة عند دراسته دراسة داللية

حتديد هويته بادئ األمر فإن مرشدنا إىل تلك اهلوية هو املعجم بناء على التسليم بأن لكـل خطاب معجمه اخلاص به ، إذ للشعر الصويف معجمه ، وللمدحي معجمـه ، وللخمـري

فاملعجم ، هلذا وسيلة للتمييز بني أنواع اخلطاب وبني لغة الشعراء والعصـر ، .. معجمه ،ولكنه املعجم يكون منتقى من كلمات يرى الدارس أا مفاتيح النص أو حماوره اليت يـدور

)١()) عليها ولكل معجم حقول داللية أولية أو أساسية ، ومعىن أوليتها هنا هو توافرها يف هـذا

ثرة ظهورها فيه أكثر من املعاجم األخرى اليت توازيه أو تتقابل معه كاملعجم الغزيل املعجم وأإخل ، أما احلقول الثانوية فهي موجودة ـ حتما ـ وبارزة يف ثنايـا .. أو املعجم الفخري

هذا املعجم ولكنها لن يكون هلا حضور احلقول الداللية األولية ، بل إا قـد تتسـاوى يف ومن هذه احلقول ـ للتمثيل فقط ـ حقل احلواس وحقل األلـوان وحقـل مجيع املعاجم

إخل ، وعليه فإن دراسة املعجم الشـعري ينبغـي أن .. النبات وحقل الزمان وحقل املكان تصب اهتمامها على احلقول الداللية األولية وتستخلص أبرز مفردات تلك احلقول وتدرس

سألة اإلحصاء قد تكون مثمرة ومفيدة حينمـا خصائصها ومناذجها وإحصائياا ، غري أن متتميز املادة اإلبداعية باحملدودية الكمية كأن تكون الدراسة يف نص واحد أو ديوان شـاعر حمدد أو تقوم على أسلوب املوازنة واملقاربة بني عدد من النصوص ، ويف هذه احلال سكون

ك الدراسات ، أما عنـدما تكـون اإلحصاء مفيدا إىل حد كبري يف إبراز نتائج مثمرة يف تل

٥٨ص) م ١٩٨٦الدار البيضاء ، املركز الثقايف العريب ، ( حممد مفتاح ، : حتليل اخلطاب الشعري ) ١(

Page 346: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

الدراسة مسحية شاملة فإن اإلحصاء سيفقد أمهيته لصعوبة القيام به وعدم اخلروج بنتـائج دقيقة وشاملة ، وهلذا السبب فإننا سنتناول هذه احلقول األولية بدراسة أمنوذجيـة وصـفية

لية ، وهي أسبابه ونتائجه وألن الدراسة تتناول فنا حمددا فإنه ينبغي حتليل مكونات الرثاء األوأو املدخالت واملخرجات ، وما يقع بني هذين القطبني من املوصالت والوسائل ، فاملوقف الرثائي تكون املقدمة فيه ـ دائما ـ أو السبب األول له املوت ، أو ما يقوم مقامـه مـن

ء واألسى والثناء والنوازل العامة ، ونتيجة هذه املقدمة أو خمرجاا تكون يف البكاالكوارث والعزاء على تفاوت يف نسبة الوجود بني هذه األشياء ، ويرجع هذا التفاوت إىل االختالف يف املوقف الرثائي ودرجة تأثريه واالختالف يف درجة التجربة الشـعرية ومـدى تأثرهـا

: وجماالت انطالقها ، وقد يوضح هذا األمر التخطيط الداليل اآليت العزاء + الثناء احلزن املوت ) البكاء ( )الكارثة (

فموت العزيز وفقد احملبوب أو الكارثة املدمرة والنازلة العامة سبب للبكاء واحلـزن وتذراف الدموع ، ويف هذه املرحلة من املوقف الرثائي تنفعل العاطفة وتسيطر على املقـام

تغراق العاطفي تثوب النفس إىل رشدها وترجع وتتأرجح بني املبالغة واملعقول ، مث بعد االسإىل العقل واملنطق فتبدأ بذكريات املاضي وتأمله واإلشادة به ، وذكر مآثر املفقودين ورصد إجنازهم ، وكأن يف هذا الثناء ما يشبه املعادل املوضوعي للفاجعة وتبعاـا مـن البكـاء

ية والدعاء كحق إنساين وواجب أخـوي واألحزان، مث أخريا تأيت اية املوقف حمملة بالتعزهو أقل ما تقدمه الذات الباكية املتأثرة ، وعلى هذا التحليل املوضوعي ملوقـف الرثـاء يف أغلب أشكاله فإنه من املمكن حتديد احلقول الداللية األساسية يف ذلك املوقف بأربعة أمور

) . املوت ، احلزن ، الثناء والعزاء : ( هي : حقل املوت _ ١

موت ، غياب ، رحيل ، فقد ، ( حيتل هذا احلقل املرتبة األوىل ، ومن أبرز مفرداته قرب ، القتل ، الشهادة ، الكفن ، الردى ، النكبة ، ذوت ، غـار ، اخلطـب ، صـريع ، االختفاء ، القضاء ، القدر ، الصدمة ، اية ، مصري ، ثواء ، ضريح ، عظام ، احتضـار ،

Page 347: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

، أجل ، نعش ، صاعقة ، عنف ، سقوط ، حطام ، حمام ، حتف ، هدم ، خراب ، منية ، ومن النماذج اليت قد زخر تكوينها اللفظي مبفردات هذا احلقل ) مصاب ، وداع ، تشييع

: قول عبد اهللا الزيد يف رثاء والدته . . اآلن

. . يا بيتا تدار به الفجيعة .. مثلما لو مل نذق طعم الفراق

ومل نفق . ى مسامعنا نعي النار وعل

)١( زلزل منه منكفئ الشعور . فألفاظ النص تصور جمتمعة املوت ويؤكده كل لفظ من تلك األلفاظ

: حقل احلزن _ ٢بكاء ، صمت ، دموع ، ذعر ، كآبة ، خـوف ، ( وأبرز مفرداته وأكثرها ورودا

بار ، نسـيان ، عمـوم ، حنيب ، روع ، األسى ، التمزيق ، العصر ، الرمي ، الدم ، االعتأوجاع ، يأس ، ندم ، أنني ، جراح ، هلف ، سخط ، جزع ، فجأة ، كثمان ، شكوى ، حسرة ، قلق ، أرق ، ظالم ، السأم ، اخلشوع ، العذاب ، املرارة ، النوح ، التنهد ، سقم ،

: ومن مناذج هذا احلقل قول حممد بن علي السنوسي ) معاناة ، مأساة ، وجد ، حنني فاستطار الفؤاد حزنا وذعــرا قيل يل مات بامهــري فصربا

ـمع مبيت ومل أزر قط قبــرا كأين مل أسـ روعـةراعين )٢( ئي وروحي ويعصر القلب عصرا أحشا ميزق األسىواستفاض

. كلها مفردات حلقل احلزن .. فاألسى واحلزن والذعر والروعة وعصر القلب : حقل الثناء _ ٣

اض ، دار املفردات ، الري( ١عبد اهللا الزيد ، ، ط: أغين وحيدا .. فاق بقي احلجر يف قبضيت انبسطت أكف الر) ١(

١٣ص، ) هـ ١٤٢٠ . ٢٨٥ص، ) ت .د(، ) جازان ، نادي جازان األديب ( ، ١طحممد بن علي السنوسي ، : الكاملة األعمال) ٢(

Page 348: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

احلقل يتداخل يف أغلب مفرداته مع معجم املدح ألنه ثناء على املوتى وإشـادة وهذاحياة ، سيد ، شفاء ، طبيب ، حبيب ، فخر ، صديقي ، إخـاء ، ( م ، وأكثر مفرداته

منهل ، إجناز ، ماضي ، املعايل ، تاريخ ، جمد ، وفاء ، جناح ، كرم ، ابتسام ، صدق ، إميان لتقى ، اإلمام ، فداء ، مستعصم ، كنوز ، ثراء ، ينبوع ، شهد ، أمني ، ، رعاية ، البناء ، ا

: ومن مناذجه قول علي النعمي ... ) العزة ، السجايا ، الذكر ، الفريد ، الطموح ، وما خلفت من ذكر عذاب تعزينا خاللك والسجـايا وإيثار وقصد يف اخلطـاب فقول صادق ، ووفاء وعد

)١( اعتدادك للصعابفريد يف للمعايل فريد يف طموحك : حقل العزاء والدعاء _ ٤

الصرب ، اليقني ، عزاء ، اجلنة ، دعاء ، رمحة ، رجاء ، : ( وأبرز مفردات هذا احلقل صالة ، سالم ، حق ، هناء ، سلوان ، جزاء ، مثوبة ، اإلميان ، اخللود ، الثقة ، النصـر ،

شرى ، احتساب ، فداء ، نفحة ، سابغ ، خري ، مآل ، اخلف ، اجعل ، رمحاك ، موعد ، ب : ومن مناذجه قول حممد سراج خراز يف رثاء أبيه .. ) عطاء ، فرحة ، ظل ، نور ، فضل ،

وعفوا فأنت املنعم الواسع الندى منك رمحة فاحبهحنانيك ريب )٢( النعيم املخلـدا فيهاحياة يرى وأبدله من تلك احلياة وبؤسها

يزخر البيتان بألفاظ الدعاء والتعزية اليت تعكس إحساسـا قويـا بالطمأنينـة حيث . والرضا لدى الشاعر املؤمن بقضاء اهللا وقدره

١٧١على النعمي ، ص: جراح قلب ) ١( ١٢٣حممد سراج خراز ، ص: غناء وشجن ) ٢(

Page 349: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: االحنراف واالختيار _ باملبدع أو الكاتب يلجأ ـ أحيانا ـ إىل اختيار بعض املفردات والعدول عما سواها

اللة يف حقله املعجمي على املعىن املقصـود ، ، مع أن املعدول عنه قد يكون أكثر شهرة ودولكن هذا االختيار يكون له إحياء خاص يرفع من املستوى اإلبداعي ويكسبه نزعة مجاليـة خاصة ، وقد يبلغ االختيار مداه اجلمايل حينما يعمد املبدع إىل اختيار اللفظة املضادة ومن

إخل عند حدوث .. كالم أو الصياح والعدول عن النطق أو ال) الصمت ( هذا اختيار لفظة املوت ومساع نبأ النعي أو عند تذكر امليت ، فهذا املقام يف احلياة الواقعية ومقتضى املنطق أن ما يناسبه هو البكاء أو رفع الصوت بالعويل والنياحة أو ما يلي هذا من التفجـع بـالكالم

ن الصمت يف تضاده مع هذه ، ولكن الشعراء يف إبداعهم وجدوا أ.. والشكوى وحنو ذلك فهذا حممود عارف يقول يف .. املعاين يكون أكثر إحياء وإملاعا إىل هول املقام وقوة الفاجعة

: إحدى مراثيه )١( فإذا الصمت للبكاء شعار صمتا ))املوجى ((و ))رياض ((ونعاه

نه يف هذه وكما أن الصمت شعار البكاء فهو عند عبد اهللا الرشيد بوح وتكلم ، ولك : املرة بوح على لسان املرثي ، وذلك حينما وقف الشاعر على قرب ابن عمه

يراودين ، وميعن يف اجتياحي ، واحلـــزن راب حذاءه وقفت خطب الفصاح حديثا ، دونه فحدثين ومل ينبس حبـــــرف

)٢( يهون إزاءه جلب التالحــي والصمت بوح_ صامتا _ ح وأفصلتركيز على إعطاء الصمت داللة البوح والتفجع وإخراج املكنون من خـالل وجند ا

) . أفصح صامتا ، الصمت بوح ( التكرار املعنوي واللفظي ذلك ويف مقام آخر جند هيام محاد يف رثاء أبيها وقد غزا الصمت حريا وقلقها إزاء

..املوقف العصيب وأدمعي تفر من أجفاا

٢:٤٣٨حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ١( ١٠٣عبد اهللا الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 350: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

.. والصمت يغزو حرييت )١( واخلوف يدنو من خبايا أنيت. .

فالصمت يف مجيع هذه النماذج قد أخذ داللة احنرافية فأصبح يوحي مبعاين البكـاء واحلزن والتفجع الشديد ، وقد حل حمل الكالم والصياح أو العويل الشديد الذي قد ألفت

نحرفة إىل عجز الكـالم األذان مساعه يف مثل هذه املواقف ، وقد يكون مرد هذه الداللة املعن نقل األحزان والتعبري عنها ـ بل إن هذا ما تضمنته وأشارت إليه النصوص السابقة ـ كما أن الصمت حالة نفسية تصيب اإلنسان عند اهللع الشديد واملفاجأة القوية فينخـرس

االختيار لسانه ويعجز عن التكلم واإلفاضة مبا لديه ، وهذا االحنراف بصورته الشاملة ؛ أو بصورته اتزأة يعد من أعلى درجات االحنراف الداليل ، ألن املبدع فيه خيتار للمعىن مـا يتضاد مع مدلوله األساس وليس ما يوازيه أو يشاركه يف تلك الداللة ، وـذا االحنـراف

. يكتسب النص مجالية داللية متألقة حتس ا الذائقة عندما تستكمل سياق اجلملة املستقبليةأما االحنراف إىل ما يوازي اللفظ أو يشاركه داللته فهو كثري جدا ، وهو الذي قد ال يدركه املتلقي ألول وهلة ، ولكن عنصر املفاجأة فيه أحيانا قد يبعث على مزيد من التروي

: واملراجعة من قبل املستمع ، ومن مناذجه قول أمحد قنديل )٢( دار اخللد أكرم مرتعو ترد وما النفس إال يف احلياة وديعة

إخل ، ... وعدل عن التراب ، القـرب ، اللحـد ) الثرى ( حيث إنه قد اختار لفظة من داللة احلياة واالرتواء فكأن ذلك القرب أو التراب قد أصبح ) الثرى ( وذلك ملا توحي به

ش حياة هانئة رغيدة نديا باملاء واحلياة بعد جميء امليت إليه ، أو أن امليت يف هذا التراب يعيمبا أنعم اهللا عليه من الثواب واملغفرة ، وهذه املعاين أو ما يدور يف فلكها قـد تأصـلت يف النفس اإلنسانية منذ القدم ، ولذا جندهم يسألون لقبور موتاهم نزول الغيـب وأن تعلـها

فة ملا سبق ، وإضا.. ، فيشعرون بأن يف ذلك سعادة وهناء للميت ... السماء باملاء الصيب فإن هذا األمر قد يكون منبعثا من إحساس نفسي خالص مرده إىل عـدم نسـيان املـوتى

١٩، ص) هـ ١٤٠٧جدة ، مطابع املدينة ، ( ١هيام محاد ، ط: قارب بال شراع ) ١( ٢١٠أمحد قنديل ، ص: األصداف ) ٢(

Page 351: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

واستشعار حيام وكما أن االستسقاء وطلب نزول الغيب والفرح بـه مطلـب األحيـاء فكذلك احلال إزاء األموات ومن هنا فإن االحنراف إىل لفظة الثرى سيكون أكثـر إحيـاء

م التراب أو ما سواها من األلفاظ املتوازية معها ، وتزداد مجالية هذا وأمجل قصدا من استخدا : حني قال .. االختيار حينما يربز اختياره بصورة أكرب عند الغزاوي يف رثائه لفؤاد اخلطيب

)١(يروي السهل واألكما ) ماء السما ( كل غد ) لبنان ( سقى ثراك على لثرى يف أصله التراب املتشبع باملاء ، ولكنه حيث يطلب السقيا لثرى املرثي مع أن ا

. آثر اختيار اللفظة على ما سواها ليبعد صفة العطش أو اليبس عن تراب ذلك القرب للفظة يف حال إفرادها ومجعها ، حيث إن االختيار الدقة يف موضع االستخدام ومن

والعكس صحيح ـ املفرد قد يوحي مبا ال يستطيع أن يوحي به اجلمع يف موضع دون آخر : أيضا ـ ومن أمثلة هذا قول حممد بن حسني يف رثاء والده

)٢( مطوقة كانت على دوحنا تشدو وناحت على أدواحنا بعد شدوها حيث استخدم الدوح مفردا ومجعا يف شطري البيت وألن املفرد يـوحي بـالتفرد

تشدو على دوحهـم ومل والتوحد فقد استخدمه يف التعبري عن املاضي حينما كانت املطوقةيستخدم صيغة اجلمع ألن ذلك يوحي بالتوحد يف املاضي بينه وبني والده ، ولكنه حينمـا

لتدل على التعدد ) ناحت على أدواحنا ( فارقه والده ورحل عنه يستبدل ذلك بصيغة اجلمع التعدد والتفرق واالختالف ، فكأا بذلك تشعر بتفرق الشمل وابتعاد األحبة ومن هنا أتى

والكثرة يف الدوح ، كما أن هذا املعىن قد يتآزر معه يف املنطق معىن آخـر وهـو أن األب أفرادها ولكنه وبرحيله وفقدانه قد تتفرق هـذه األسـرة ععمود األسرة وويل أمرها ومجا

له ، ومثل هذا التفرق وإن مل يكن خالفا أسريا إال أنه قد تفرضه ويتحد كل فرد جبميع ماوأمام هذا اإلدراك لتلك املضـامني . ة أفرادها داحلياة املتمثلة يف منو تلك األسرة وزياطية من

فإننا سنحس جبمالية االستخدام املوضعي ملفرد ومجع اللفظة السابقة عند ابن حسـني ومـا . ميتلئ به ذلك االستخدام من إشعاع وإحياء

٢٣، ص) ٨٥٠(العدد : جملة قريش ) ١( . حممد بن حسني ) : هوامش الذات ( الديوان املخطوط ) ٢(

Page 352: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ة يف حاليت مجعها وإفرادها وكما تربز مجاليات االحنراف الشعري عند استخدام اللفظفإا قد تربز عند العدول عن اللفظ املضاد يف حالة الطباق البالغي واختيار لفظ آخر ملا يف األخري من إحياء وإشعاع ال يتحقق عند استخدام األول أو األصل ، ومن هذا قول عبد اهللا

: الرشيد )١( وفيما بني ذين رحى الكفاح ميالد فموت : هي األيام

مع أن الشائع واملشهور وقـوع ) موت ( لتتضاد مع ) ميالد ( حيث اختيار لفظة ليه ليوضح للمتلقي أن إولكن الشاعر قد قصد اختيار ما ذهب ) حياة وموت ( الطباق بني

املقابلة الشائعة بني الناس يشوا شيء من اخلطأ الداليل ، فاملوت هو ساعة انتزاع الـروح ، وهذه اللفظة ال تدل على فترة زمانية طويلة تتماثل مع احليـاة مبفهومهـا ومفارقة احلياة

الواسع ، ولكن األنسب للتقابل مع احلياة هو احلياة الربزخية أو اآلخـرة ، أمـا املـوت فاألنسب واألقرب أن يكون متقابال مع امليالد ، حيث إن األخري ميثل الساعة األوىل مـن

يا واألول ميثل ساعة اخلروج منها أو مفارقتها ، علـى أن لفظـة احلياة أو الدن الدخول إىلويتناسب هذا التقابل مع مدلول اللفظني ، ولكنه يف الوقت ميتيصح مقابلتها مع ) حي (

وقد فاجأ الشاعر املستمع ذا ) حياة ، موت ( نفسه ال يتناسب فيما بني مصدري اللفظني فأحدث هذا االختيار تقنية مجالية زاد من توهجها مـا االحنراف الداليل القائم على الطباق

وما بينهما هو احلياة مبتاعبها ) وفيما بني ذين رحى الكفاح ( جاء يف الشطر الثاين من البيت وصحته عنـد ) حياة ، موت ( عدم صحة الطباق بني بوأدوائها ، وكأن هذا الشطر يوحي

. استبدال احلياة بلفظة امليالد الحنراف الداليل استخدام اللفظة يف مقام ال يتناسب معها يف األصـل ؛ ومن مناذج ا

ولكنها يؤتى ا لترمز إىل أشياء أخرى قد ال يدركها املستمع أو املتلقي إال بعد مزيد فحص وتأمل ، وهذا النوع من االحنراف يكون أعمق يف الرمزية واإلحياء ولكنه قد يصعب أحيانا

ه مباشرة ، ومن ذلك قول حسني العروي يف مرثية لـه بعنـوان ـ إدراكه أو تذوق مجاليت

١٠٤عبد اهللا الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ١(

Page 353: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

وقد قاهلا يف إحدى النساء الكويتيات وقد قتلها أفراد من اجليش العراقـي ) سارة العتيبية ( : إبان الغزو الغاشم على دولة الكويت

)١(زف ـ الغدا وحاولت أحمو ـ خشية اآل صرخت بوجه الريح ، هم سرقوا فميهنا قد جعلت بنية االحنراف تسود مضمون البيت ، فعطلت عملية ) قوا سر( فلفظة

التوصيل العادية ، وحولت الدوال إىل عالمات مؤشرة على غياب معنوي ، جيهد املتلقـي أو ) قطعوا فمي ( خميلته يف سبيل استدعائه والبحث عنه ، فاألصل واملتوقع أن يقول الشاعر

، وهنا يستجدي التعبري ) سرقوا فمي ( ف إىل ولكنه احنرإخل .. أدموه أو رموه ضربوه أو ذهن املتلقي للبحث عن مجالية هذا االحنراف فيجد أن فم الشهيدة منبع الصدق وقول احلق وبراءة املسلم املظلوم املضطهد ، ولكونه كذلك فهو شيء مثني وعظيم القيمة ، والسـرقة

.. بالتايل إمنا تكون للثمني والنفيس من األشياءويربز مستوى آخر من اإلدراك املعنوي يشري إىل أن السرقة عمل إجرامي ، والسارق جمرم حقري ، يعتدي على حقوق الغري خلسة وظلما ، فهو حقري دينء قد حتلل من املثاليـة

فاعال متصال بذلك الفاعل ليكـون داال علـى ) واو اجلماعة ( والنبل ، ولذا ورد الضمري جرامه وظلمه ، وقد تتجاوز التصورات كل هذه األشياء لتكـون مجلـة حقارة املعتدي وإ

أو غريه من الـدوال .. كناية عن تقبيلها من قبل األعداء أو انتهاك عرضها ) سرقوا فمي ( ثيفا معنويا تتبلور مجاليته يف ما القريبة من ذلك ، وهكذا نشاهد منح االحنراف الشعري تك

. ه ذلك اخلطاب على املتلقي جبميع مستوياته ينطوي عليه من تأمل ووقوف يفرضويقترب من االحنراف عن الشائع واملعيار االحنراف من الصحيح إىل اخلطأ ، ولكـن هذا النوع من االحنراف حيتاج إىل حتقيق اجلمالية الفنية وبروزها فيه وإال عد خطأ وقصورا

ر القواعـد الصـرفية والنحويـة إبداعيا ، والغالب يف مثل هذه االحنرافات أن يكون املعياوالعروضية ، ومثل هذا االحنراف ال جنده كثريا يف الرثاء السعودي والشعر املعاصر عموما ، وقد يكون مرد ذلك إىل ما فيه من خطأ وخروج على الصحيح من قواعد وقوانني اللغـة ،

ربيـق ، كمـا أن وهذا يقتضي أن تكون مجالية االحنراف متألقة يف مستواها الفين وقوية ال

١/٢١٠ ) هـ ١٤٢٢املدينة املنورة ، نادي املدينة األديب ، ( ، ١ط حسني العروي ،: األعمال الشعرية الكاملة ) ١(

Page 354: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

اإلكثار منه سيحيل التجربة اإلبداعية إىل فضاء واسع من العبثية وعدم االنضباط مما يفضـي ا أخريا إىل السذاجة والفوضوية ، ومن هنا كان ذلك سبب قلة هذا االحنـراف ، ومـن

: مناذج هذا قول ضياء الدين رجب يف رثاء ابنه )١( ما بني الشباب حبيب القلب أحاط يب الشباب فلم أجده

اليت تسـتعمل للعاقـل ، ) من ( مع أا لغري العاقل وعدل عن ) ما ( حيث اختار ليتقابـل ) ما ( ، ولكنه استخدم ) من بني الشباب ( فالصياغة اللغوية الصحيحة أن يقول

ذلك مع إحساسه بفقد االبن وغيابه عن الوجود ، وقد أصبح بعيدا وغائبا ال يتـأتى منـه اب والسؤال واألخذ والعطاء ، ومبوته قد فقد صفة األحياء أو العقالء فأصـبح كغـري اجلو

العاقل ال إدراك لديه وال شعور ، وهنا ندرك من خالل هذا االحنراف الشعور الكبري بتفاقم مأساة األب عند فقد ابنه الوحيد وقد استبطن يف داخله إحساسا مؤملا مفاده موت االبـن

عيش فيها كغريه من الشباب املوجودين أمام وحول الوالد احلزين ، وقد زاد وفقده احلياة والفلم ( من مجال هذا االحنراف وعاضده يف تكثيف ذلك املضمون استخدامه لضمري الغائب

بدال من ضمري املتكلم ، فتحقق بذلك تضاعف إحساسه بغياب االبن وبعده عنـه ) أجده : ل أمحد باعطب يف رثاء امللك فيصل ومن االحنراف إىل اخلطأ ـ أيضا ـ قو

)٢(توج اد بالسىن والسناء فيصل مل ميت فما مات إسم من (( مهزة وصل ولكنه حوهلا إىل مهزة قطع وهذا التحويل ) اسم ( فاهلمزة يف لفظة

الظواهر اليت أقر القدماء ورودها يف الشعر على أا ضرورة من ضروراته ، إال أا يف عرف اسات احلديثة تعد من قبيل الوسائل األسلوبية اهلامة اليت يلجأ إليها الشـاعر ألغـراض الدر

وحتويـل مهـزة )٣(.. ))متعددة منها لفت النظر إىل أمهية الكلمة اليت يتم فيها ذلك القطع الوصل يعد من قبيل حتميل النطق طاقة ال يقدر عليها ، وهلذا يتوقف عند مهـزة الوصـل

دأ من جديد وكأنه يبدأ يف مجلة جديدة غري األوىل ، وهذا ما يعطي الكـالم املقطوعة مث يب

٤٣٠ضياء الدين رجب ، ص: ديوان ضياء الدين رجب ) ١( ٢٤٠أمحد سامل باعطب ، ص: الروض امللتهب ) ٢( ٩١ص) ت .مصر ، مكتبة اخلاجني ، د( ١حممد محاسة عبد اللطيف ، ط: ظواهر حنوية يف الشعر احلر ) ٣(

Page 355: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

اجلديد ميزة وعناية ، فهو يريد أن خيتص ما فيه مهزة الوصل مبزيد عناية ، فيقطـع اهلمـزة فيؤدي ذلك إىل صحة الوزن من جانب ويشري إىل موضع االهتمام من جانب آخر فكأنـه

مزا املقطوعة داللـة خاصـة ) إسم ( ون للفظة قطع ووصل يف وقت واحد ، وهنا يكذات مهزة الوصل اليت تدل على كل األمساء دون متييز أو تفريق ، أمـا ) اسم ( ختتلف عن

هنا وبوجود القطع فيصبح هناك متييز هلذا االسم وإفراد له عن غريه ليخصه مبزيـد إكبـار ة فسيولوجية تتعلق جبهاز النطق يف وإجالل ، ويبدو أن هذا التحويل قد نبع من حالة صوتي

الشاعر عند بناء قصيدته حيث جنده يف بيت آخر من القصيدة يتكرر لديه هذا االحنـراف : فيقول

قد تساوى ارها باملساء واملروءات والشهامات ثكلى )١(أقفرت فيه ساحة األوفياء بنها األبر بعصــر إفقدت يف البيت السابق ) اسم ( مثل ما حدث مع لفظة هنا قد حدث معها) إبنها ( فلفظة

من حتويل مهزة الوصل إىل قطع فاكتسبت الداللة اجلمالية نفسها يف البيت السابق واليت قد . جاءت من االحنراف إىل اخلطأ والعدول عن الصحيح يف قوانني اللغة العربية

ة حتاول إبرازه والتأكيد وأحيانا يكون االحنراف إىل اخلطأ نابع من إرادة شاعرية حبتكما فعل علي عسريي يف رثاء يد ابنته اليت التهمها املاء السـاخن .. عليه بكل ما تستطيع

: حيث يقول هذا اجلور العاصف يسكتين حىت أنطفئ

.. صفاقه و. .. وجال و.. . استحياء مشلول كبدي .. لوهين هترمقين عينا... يا كبدا ميشي

)٢( يالسترخاء صمود

٢٣٩أمحد سامل باعطب ، ص: الروض امللتهب ) ١( ١١٦حممد الفرج ، ص: شعراء من اجلزيرة واخلليج ) ٢(

Page 356: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ترمقين .. ويا كبدا متشي . مشلولة كبدي : الصواب لغة (( مث يشري يف اهلامش قائال ليؤكد بذلك أنه قد أتى باخلطأ قاصدا وليؤكد أيضا أمهية هذا اخلطأ يف تكوين )١()) عيناها

جتربته اإلبداعية ، ولكنه يف الوقت نفسه مل يفصح عن سبب هذا االحنراف أو يكشف مـا اإلتيان به ، فجعل املتلقي يقف طويال ليتأمل ويستكنه مجاليات ذلك االحنـراف ، دعاه إىل

وليحاول افتضاض أسراره دون تدخل أو إشارة من املبدع ، والواقع أن املتأمـل يف هـذا االحنراف قد يبقى أمامه حائرا قلقا ملدة طويلة ، وحنن لن نستطيع تـذوق مجاليـة هـذا

تيقن ؛ ولكننا قد حناول إجياد شيء خيمد قلقنا القرائي ولو لفتـرة االحنراف بتأويل اجلازم املجتعلنا نتجاوز هذا اجلزء من النص دون تيه أو اضطراب ؛ مقتنعني بأننا قد جند يف يوم مـن األيام تأويالت ستكون أفضل أو أكثر إبانة وأدق كشفا ، فاإلبداع يكتسب مسة وشخصية

ستجد ، والذي يبدو لنا أن الشاعر وهو يكتب هذا جديدة يف كل جيل ومع كل استقراء مفالكبد هنـا ) أكبادنا متشي على األرض .. أطفالنا ( االحنراف قد استلهم املقولة املشهورة

رمز البنته ، والشلل مرض يصيب يد اإلنسان ، وحيث إن يد ابنته قد احترقت فهو يراهـا مشـلول ، ميشـي ، ( ن التأنيث يف كبدا مشلولة متشي أمامه ، وقد آثر التذكري وعدل ع

ليتغافل عن أنه يقصد ابنته ويوري بغريها كي يغفل عن إحساسه باألمل ويبتعد عـن ) عيناه مأساته ولو ختيال ، كما أنه ال يريد إمساع ابنته ذا الوصف وإعالمها حبالتـها التحوليـة

، حتس وتسمع ما يقال ، اجلديدة ، فالبنت هنا ختتلف عن كل مرثي آخر ألا باقية مدركة . وتشعر ما أصاا وتعلم به

١١٦حممد الفرج ، ص: عراء من اجلزيرة واخلليج ش) ١(

Page 357: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: اللغة اليومية _ ج املبدع نتيجة لتكوينه الثقايف اجلديد ـ مهما كان ارتباطه بالتراث ـ ال بد أن يثري لغته باألساليب اليت انبثقت عن احلياة املعاصرة ، ويدعم هذا التوجه نزعة األدب املعاصر إىل

اتمع وااللتصاق باملشاكل اجلماعية وحماولة التخلص من بـراثن الذاتيـة االهتمام بقضايا ووصمها باألنانية واالنطفاء ، فأصبح الكثري من املبدعني املتألقني حياولون االقتـراب مـن

من األمور املؤكدة أن وعي الشاعر اجلديد ، وموقفه الواقعي ، واهتمامه (( اتمع ، وأصبح شكالت اجتماعية وسياسية ، والتصاقه الشديد بالقضايا اليت م اتمع مبا يدور حوله من م

، ويضـاف ـ يف )١()) ككل ، هيأه إىل االقتراب من لغة الناس ، وتوظيفها يف القصيدة يضـاف إىل .. هذا اال ـ إىل لغة الناس املتداولة واليت تنبثق عن حيام وشؤوم اليومية

اجلديد ، الذي اتسعت فيه املفردة ومتكنت أن تكتسب مدلوالت لغة العصر األديب(( ذلك ، وألن )٢()) معاصرة ليست بعيدة جدا عن فهم اإلنسان الذي ال ميتلك ثقافة لغوية عاليـة

قصيدة الرثاء غالبا ال ميكن أن يطغى فيها البعد االجتماعي أو اإلنساين على البعد الوجداين ن غريها بلغة احلياة اليومية أو املعاصرة ، وهلذا فإننا ال جنـد فإا لن تكون أكثر استئثارا م

هذه اللغة منطا شائعا يف القصيدة بكاملها أو جزءا كبريا منها ولكننا قد جندها يف مفردة أو عدد من املفردات أو العبارات احملدودة يف املرثية ، وغالب مناذج هذه اللغة مما شاع وكثـر

ودية الدارجة ، فصار لذلك الشيوع واالنتشار بريق داليل قوي قد استعماله يف اللهجة السعيغري املبدع به ويصرفه عما سواه ، ومن مناذج هذا قول عبد اهللا بن سامل احلميد يف رثـاء

: والده اء ـفقد الضرير املستجد ضي قد فقدنا مرشدا وموجها إذ

)٣( ءت شقاكلفنيت حزنا أو هل لوال التعشم يف اإلله وفضله

١٧٣حمسن أطيمش ، ص: دير املالك ) ١( ١٧٤املصدر السابق ، ص) ٢( ١٤عبد اهللا احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء ) ٣(

Page 358: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

والتعشم من األلفاظ اليت يكثر تداوهلا يف لغة اتمع السعودي اليومية ؛ وتدل علـى . األمل الكبري ، وتعشم يف فالن أي عقد عليه آماال عظيمة ويقصد ا االستبشـار ) مسفهل ( ومن األلفاظ األثرية يف االستخدام احمللي كلمة

بالوجه املسفهل أو الرجل املسفهل ، وقـد والفرح حينما يبدو على وجه اإلنسان فيوصف : استخدم هذه الكلمة عبد اهللا الزيد يف رثاء أحد أصدقائه

: يف أثري اإلذاعة ..أغنية مرة مشقيه

: قرب مدامعنا ))املسفهلة ((وعلى الشاشة )١(نشر مؤذية

أوهلـا وروده والالفت لالنتباه هنا ما توافر من مجاليات متعددة يف هذا االستخدام ،وصفا لإلنسان وليس لألشياء اجلامدة ، ) مسفهل ( بأسلوب التشخيص ، فاملعتاد أن يكون

وثانيهما أنه قد أتى وصفا للفظة عصرية أيضا ، وهي الشاشة ، حيث إا مـن مكونـات األجهزة واملخترعات احلديثة ، وقد أصبحت داال عصريا متحدد املراد ، ويستمر الشـاعر

املفارقة احملزنة بني ما يظهر على الشاشة ويف اإلذاعة من دواعي اللهو والطـرب برصد تلك : كالغناء وبني ما يظهر فيهما من تأبني امليت وإعالن خرب وفاته ، فيقول بعد ذلك مباشرة

.. واجلريدة إذ نشرت خرب اللحظة الفاجعة )٢( . .نشرت قربه خرب العمر والليلة الرائعـة

اشة واإلذاعة من األلفاظ العصرية فإن اجلريدة هي األخرى من حقـل وكما أن الشتلك السلسلة الطويلة من خمترعات ومستجدات احلياة املعاصرة ، وأمام هذا التكثيف أللفاظ العصر يف هذا املقطع جند أنفسنا حباجة إىل التغلغل يف فك شفرة هذا التكثيف ، وبتكريـر

الناقد االجتماعي ، فيتربم من غفلة أهل هذا العصر عـن النظر نالحظ الشاعر يربز بصورة املوت وعدم اكتراثهم واتعاظهم به ، فالشاشة تبث األغنية مث خرب الوفاة ، واجلريدة تنشـر

٥٣عبد اهللا الزيد ، ص: يتلو كتاب الروح .. يف غربة الشكوى يسري كتاب الوجد ) ١( ٥٤ر السابق ، صاملصد) ٢(

Page 359: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

خرب املوت وجبواره خرب الزفاف ، ويبقى هذا املعىن مستبطنا داخليا يف ذات الشـاعر إىل أن : يما يعقبها يفصح عنه بعد املقدمات السابقة بقوله ف

.. والذين أهالوا عليك احلصى والتراب . . عجلوا بالرجوع

. . وقد فتنوا حبديث اإلياب )١( شغلوا بلذيذ الرغاب

فأصبح املوت أمرا عاديا لدى الناس يدفنون موتاهم ويتعجلون بالرجوع ليسـتأنفوا صري احملتوم للجميع ، وهنا أعماهلم والسعي يف ملذات احلياة دون أي شعور أو تأمل بذلك امل

يصبح بإمكاننا إدراك مجالية ايء بألفاظ احلياة املعاصرة ، فانتقاد أشياء احليـاة املعاصـرة مبفارقاا السابقة إمنا هو انتقاد إلنسان هذه احلياة املعاصرة ، ) الشاشة ، اإلذاعة ، اجلريدة (

) . اإلنسان املعاصر ( وهو انتقاد املخترع وبالتايل فإن نقد املخترع يسوق إىل اهلدف املهموكما أن الزيد قد شخص شيئا من مراسيم النعي والعزاء يف احلياة املعاصرة فقد فعل ذلك القصييب بأسلوب أكثر تفصيال وبيانا ومستخدما كذلك عددا مـن ألفـاظ العصـر

: ، حيث يقول . ) .الفاكسات ، التعازي اهلاتفية ، بيان الشكر على الصحف ( املستجدة ورجعنا يا بين

حنو دنيانا اليت كنا تركناها قليال للطقوس املومسيه

والفاكسات .. والضجة يف الس .. لزحام الدفن والرد على سيل التعازي اهلاتفيه

.. مسرح املوت الذي ننصبه حني ميوت األصدقاء

وبيان الشكر منشورا على الصحف ،

٥٤عبد اهللا الزيد ، ص: يتلو كتاب الروح .. من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد ) ١(

Page 360: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

)١( وهللا البقـــاءفهو يرى أن هذه األشياء قد أصبحت طقوسا ومسرحا ينصب عند املوت يف حيـاة اتمع املعاصر ، ومع أنه مل ينتقد هذا الواقع كما فعل الزيد سابقا إال أن لغته توحي بعـدم الرضى عن تلك املبالغات يف مراسم العزاء ، واليت قد أصبح التكلف فيهـا واالجتماعـات

ها تشبه يف بعض أحواهلا مناسبات األفراح والتهاين ، وقد نبه إىل هذه املبالغة الكبرية مسة جتعلزحام ( ، نلمح هذا الشعور لدى الشاعر يف .. وحذر من تطورها عدد من العلماء املعتربين

وكلها توحي باملبالغة والكثرة ، ومن اجلميل يف هذا ) ، ضجة ، فاكسات ، سيل التعازي نسب هذه املبالغة إىل توجيه الشرع ولكنه أشعرنا بابتداع ذلك يف قوله النص أن الشاعر مل ي

، وقد استخدم األلفاظ العصرية لتتحقق يف ) طقوس مومسيه ، مسرح املوت الذي ننصبه ( .النص مجالية التوافق بني املعاين واأللفاظ

١٠٤غازي القصييب ، ص: يا فدى ناظريك ) ١(

Page 361: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: اللغة التراثية _ د أن اللغة تراث الشاعر األول ، ومبـا أن إن مما ينبغي إدراكه واالنتباه له دائما وأبدا

اللغة من صفاا النمو والتطور املستمر فإن الباحث اللغوي حينما يلتفت إىل الوراء البعيـد ويسترجع ذاكرة اللغة اليت يتناوهلا بالبحث والدراسة فسيجد أن جزءا من هذه اللغـة قـد

اجلزء قد يصبح غريبـا علـى جتاوزه االستعمال وبقي حبيس املعجم اللغوي ، بل إن هذا االستعمال املعاصر ، ولكن هذا التجاوز ال يستطيع أن يفرض سيطرته على لغـة الفـن إذا متكن من فرضها على لغة العامة أو باألصح لغة التخاطب والتداول العصري يف ذلك العصر

ئض وفـرة ؛ ، بل إن تلك اللغة التراثية تصبح يف الفن ولدى الكاتب املبدع خمزون ثراء وفاحيتاجها املبدع املتقن للغته يف بعض األوقات ملا قد جيده فيها من طاقة مجالية قد تعـوزه يف الشائع واملتعارف أو باألصح املستهلك العصري ، وهنا وعند هذه الدرجة يصبح استعمال

اللغـة اللغة التراثية قيمة مجالية تستحق الرصد النقدي والتتبع الفين ، وعليه فاستعمال هذهستتفاوت درجة مجاله وبريق إبداعيته من شاعر إىل شاعر ومن نص إىل نص ، ليتـراوح يف

. مستواها الداليل بني درجة الصفر ودرجة التألق والكمال ويف الرثاء السعودي جند حضورا ملفتا لتلك اللغة التراثية وحماولة االستفادة منـها ،

الربع ، ( استخدامها العديد من اجلماليات ، ومن ذلك فنجد ألفاظا وتراكيبا تراثية ينتج عن ) الفسم ، الصافتات ، النسغ ، النطو ، ألف ألف ، الرمس ، أنصاب ، األثـايف ، مـدهلم

: وغريها الكثري ، فهذا حممد بن حسني يقول يف رثاء مئذنة بلدته )١( هدت منارات جمد دونه الغار ربع ترامته أهواء معربدة

ـ من األلفاظ التراثية وهي تعين موض فكلمة ربع ع ع سكن القوم ، ولكن هذا املوضيتميز بربيعه ونضارته وما يتبع ذلك من جمد وسؤدد وخري وعطاء ، فهو خيتلف عن الطلـل

إخل ، وذلك إلحيائيته اخلاصة اليت ينفرد ا عن كل ذلـك .. والدار والبلد واملكان والرسم جلوء الشاعر إىل هذه املفردة التراثية سيكون متشبعا دالليـا كما بينا أعاله ، ومن هنا فإن

وصية مدلوهلا ، وقد ال جيد يف اللغة املعاصرة ما يعوض تلـك الداللـة ، ألن صبإحيائها وخ

٣٩حممد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ١(

Page 362: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

العمق التراثي تبقى له سيطرة التأصيل والشهرة ، فلو اختار كلمة وطن أو بلد ملا كان هلـا مة التراثية احململة برمز البهاء واجلمال ، ومـن اللغـة ذلك اإلشعاع الذي يربز يف تلك الكل

كما جنده عند حممد هاشم رشيد يف رثاء امللك فيصل ) ألف ألف ( التراثية كذلك استخدام : حيث يقول

ن وتطويه يف برود الشقاء إنه صعقة الردى تغمر الكو )١(يتسامى يف عزة واعتـالء وايار أللف ألف بنــاء

، وجند هذا ) موت امللك ( ب العظيم ايف البيت األول يعود على ذلك املص والضمري : حيث يقول ) طاجكستان ( التعبري عند عبد الرمحن العشماوي يف رثاء البلد اإلسالمي

األقزام أعراضهن مبادئ سل ألف ألف عفيفة قد هتكت له من داللة تراثيـة تعـين إمنا أتى ملا حيم) ألف ألف ( فاستخدام هذا التعبري التراثي

التعظيم والتهويل من شأن احلدث ، واللفظ يرمز إىل أكرب عدد بل إنه يشري إىل آخر األرقام أو ايتها ، هكذا كانت داللته التراثية ، أما يف الزمن املعاصر ومع أنه عصر األرقام إال أنـه

التايل معـىن املبالغـة أو لس هناك مدلول رقمي يشري إىل أكرب األرقام أو آخرها ليحمل بذلك فإنه ليس مبشاع التداول السيما يف اللغة اإلبداعية مما يعين نالتكثري وإذا وجد شيء م

يء به واستخدامه لن يكون له بريق مجايل متميز بل قد حيدث قلقا دالليا ونبوا لـدى أن امثال فلن يكون ) بليون إحدى الكلمات تريليون ، مليار ، ( املتلقي ، فلو استخدم الشاعر

هلا ذلك التأثري اجلمايل يف اللفظة التراثية إضافة إىل إحيائية التـهويل والتكـثري يف الداللـة . العددية

وقد ينتقل بروز اللغة التراثية من حيز املفردة أو اجلملة إىل اخلطاب الشعري عمومـا ك قول حسني العـروي يف فيصبح مسيطرا على جل لغة النص ومتأثرا ا ، ومن مناذج ذل

: حيث يقول .. معارضته لقصيدة مالك بن الريب يف رثاء نفسه ا ـسحريا فهات الصافنات القوافي مهى البارق القبلي واستوبل السرى

اـيــصباحا مشاليا ، وأرخ املثان اخلضر وارحتـلوناغم ظنون املرة

٢٢٩حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ١(

Page 363: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

)١(تسر السواجيا، واسسجيس الليايل ـــعا وفتق صداك املكفهر مسجالبارق القبلي ، السرى ، الصافنات ، ( حيث يزخر النص بالعديد من األلفاظ التراثية

النص شيئا من الرصانة واجلزالة ، وقد منحت هذه األلفاظ) املكفهر ، سجيس ، السواجيا اليت ، وكذلك سيطرت عليه فأفقدته صفة العصرنة ، لتترجم بغرابتها وعتقها الغربة النفسية

. يعيشها الشاعر املتأزم يف هذه القصيدة

١/٢٣٠حسني العروي ، : األعمال الشعرية الكاملة )١(

Page 364: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

: داللية خذجتاوزات ومآ_ هـ اللغة الشعرية كغريها من جماالت الفنون األخرى ال ميكن أن يتحقق هلـا الكمـال املطلق والوفاء التام ، ومهما حاول مبدعها االرتقاء ا وإتقان صياغتها واختيار مـدلوالا

يف غالب أحواهلا شيء من القصور وعدم االنضباط ، ومن حبث عـن فإنه البد أن يعتورهاالعيوب واملزالق فسيجدها سهلة املنال ، السيما إذا كان ممن قد اكتملت أدوام النقديـة وطال مراسهم وتشعبت جتارم يف جمال الفن واإلبداع ، والرثاء يف الشعر السعودي يطوله

و اإلمجال السابق ، بل إن ادعاء سالمته املطلقـة مـن يف هذا اال ما يطول غريه على حنالقصور والعيوب قد يكون وصمة عار أكثر من كونه حممدة أو ثناء الستحالة ذلك يف عامل الفن واإلبداع ، غري أننا نستطيع أن نقول بأن هذا الفن قد سلم من العيوب الكبرية والـيت

بيئة قد نعمت بصـفاء العقيـدة ونقـاء الفكر وذلك لنشوء هذا الشعر يف ةترتكز يف قضيالتوحيد ، وهلذا فإنه قد سلم من املزالق الشرعية الكبرية اليت يؤسسها فكر ضال أو احنراف

، كمعارضة القضاء والقدر والسخط من حـدوث ذلـك أو .. عقدي أو خلل ديين حمدد وكن جل ما جنده ال يعداالت ، ولأو ما يسري يف هذه ا.. املبالغة املمقوتة يف حق األموات داللة ، ولذا فقد مت وضع هـذا ب غالبها يف مستوى الد يصكونه من املآخذ اللغوية اليت ق

. يف هذا املكان املطلبللداللة ) املأوى األخري ( أو ) املثوى األخري ( ومن أبرز هذه األمور استخدام عبارة

خريا ملا أعي مفاده أن القرب ليس مثوى على القرب ، وهذه العبارة يربز يف إطالقها مأخذ شريعقبه من البعث والنشور وما بعد ذلك من خلود يف اجلنة أو النار ، وألمهية هذا االستخدام وما يربز فيه من خطورة قد تطال إنكار البعث واحلساب واجلنة والنار فقد نبه إىل ذلك عدد

قد يتبع ذلك من تطـور يف مفهـوم وحذروا الناس من استخدامها درءا ملا )١(من العلماء الداللة وقصدها ، وألن هذه العبارة يكثر ترديدها على ألسنة الناس ويتداوهلا جل الكتاب ،

اللقـاء : ( ـ رمحه اهللا ـ انظر ) حممد بن عثيمني ( من الذين حذروا من استخدام هذه العبارة فضيلة الشيخ ) ١(

)فضلة الشيخ حممد بن عثيمني : الشهري

Page 365: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

فقد كان هلا حضور ملفت يف شعر الرثاء السعودي ، ومن النماذج اليت وردت فيها هـذه : العبارة قول حممود عارف قـابوالرفوق الكواهل اب ــمحلوك مربور الذه

)١(ـر وكنت فينا كالشهاب يـــاألخ مثواكللقرب : حسن الزهراين ) املأوى األخري ( ومن الذين وردت عندهم هذه العبارة بـ

وكثريهم بدموعهم شرقوا ا ـوالناس تبكي خلفه أسف )٢(لق ــأرواحهم يتربع الق محلوك للمأوى األخري ويف

: حيث تقول .. إحدى مراثيها ومثل هذا ما ورد عند رقية ناظر يف املكنون .. متد إلبريز احلمى عانقت األيدي عليك كأا ت

)٣(ني ـالتأب.. ومشيعا بلواعج تزفك للمثوى األخري معززا الشعراء قد أتى لعـدم وعـيهم ولكن يبدو أن مثل هذا االستخدام من قبل أولئك

مل يكن ـ بالتأكيد ـ قاصدا السلبية الداللية باحملذور الداليل من الناحية الشرعية ، كما أنهيف هذه العبارة ، ومل يكن كذلك بقدر تأتيه من كثرة دوران اللفظة علـى ألسـنة النـاس

. وشيوع استعماهلا وقريب من هذا اخلطأ يف االستعمال وصف القرب بأنه سلة مهمالت كمـا يقـول

) : م مرثية جزء ع( جاسم الصحيح يف مرثيته اليت بعنوان )٤( وبطن األرض سلة مهمالت فما أجسادنا إىل كنوز

فالشاعر هنا وإن مل يقصد إمهال املوتى وعدم مسآلتهم وعيشهم يف نعيم أو عـذاب وإن مل يقصد ذلك إال أن استخدام هذه العبارة سيوقعه ـ ال حمالة ـ بني فكي .. برزخي

١:٥٧٥حممود عارف ، : ترانيم الليل ) ١( ١٢٠حسن الزهراين ، ص: صدى األشجان ) ٢( ١٩رقية ناظر ، ص: لرحيل ا) ٣( ٤٥٥جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ٤(

Page 366: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ذه اللغة ،حيث إنه قد تقابل مع جناحها النقاد ، فكان من األسلم له العدول عن استخدام ه )١(التصويري إخفاقها الداليل

استناد قليل من الشعراء ) حقيقة املوت واالحتضار ( ومن التجاوزات يف هذا املقام إىل بعض األساطري الشعبية أو التأويل والطرق الصوفية أو العامية اليت تتعلق باملوت أو القرب ،

ؤمن ا مع خمالفتها للشرع والعقل ، ولكن هذه التجاوزات نـادرة حبيث يتبناها املبدع ويالوجود ، ومنها يف هذا اال ما ورد يف قصيدة بديعة كشغري اليت قد نظمـت مرثيـة يف

، وقد وضعت شرحا أو بيانا يف اهلامش يشري علـى هـذا ) دمعة داوود ( والدها بعنوان احلياة وبعينه دمعة ، وقد فسرت بأا تعبري عن فارق والدي الشيخ داوود(( العنوان بقوهلا

. حزن وأمل لغياب أحد أبنائه أو إحدى بناته ، وهو على فراش املوت وألنين كنت الوحيدة الغائبة ، فقد كانت تلك الدمعة يل تعبري والدي يرمحه اهللا عن

. حزنه وأمله لغيايب وفاء لوالدي وذكـرى )) دمعة داود: (( ومن وحي تلك الدمعة ، كانت قصيديت

)٢()) ستظل معي وقد ركزت يف قصيدا تركيزا كبريا على تلك الدمعة وشغلت ـا جـل أبيـات

: القصيدة تنبينا عن سر دفيـــن مهست بعينك مجــلة فلرمبا جتد اليقيــــن وجتول تبحث بيننــا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . وتركت يف العني السالم أسلمت روحك راضيا )٣( تبقى لداود اخلتـــام خلصته يف دمعـــة

: أمل دنقل يف قوله ) سلة مهمالت ( من الذين استخدموا هذه العبارة ) ١(القاهرة ، مكتبـة ( ، ٣األعمال الشعرية الكاملة ألمل دنقل ، ط( يف آخر العمر ، تصري األذن عادة سلة مهمالت

) ١٦٢، ص) م١٩٨٧مدبويل ، ٢٤شيء من طقوسي ، بديعة كشغري ، ص) ٢( ٢٥، ٢٤املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 367: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

ولو أن الشاعرة جعلت هذا التفسري مقتصرا على النص ومل تلجأ إىل تأكيـد ذلـك بكتابتها النثرية ألمكن أن نعد ذلك من باب شطح اخليال وألصبح هذا التصور واالعتقـاد

طق واملعقول بقدر ما يتأرجح به مور اللغـة الشـعرية إبداعا فنيا ال تنطبق عليه مقاييس املنوإحياؤها الرمزي املنطلق يف الالحدود ، وتفسري دمعة عني والدها ساعة موته بأا تعبري عن فقد أو غياب أحد أوالده ساعة االحتضار أمر ال يستند على حقائق شرعية أو علمية، ولكنه

. ري واألحاجي الشعبية الساذجة من باب اإلسراف العاطفي الذي تؤسسه األساطتبقـى ( ولعل من القصور الداليل ما نلحظه يف الشطر األخري من الـنص السـابق

أو ) أبينا ( أو ) والدنا ( حيث تنادي والدها بامسه ، وقد كان األنسب أن تقول . ) لداوود ا معه وإجالال أيب ، حيث إن األب ليس من املناسب ذكره أو نداؤه بامسه ولكن بكنيته تأدب

. لقدره ومكانته األبوية واختيار الشاعر أللفاظه ووضعها يف املكان املناسب هلا واالستفادة من داللتها أمور جيب على املبدع مراعاا والتعامل معها حبذر تام ودقة متناهية لكيال تسود إبداعه الركاكة

لغته وكثرة ممارسته ودربته األسلوبية والضعف الداليل ، وخيدم الشاعر يف هذا اال إتقانه لاإلبداعية ، والشعر السعودي قد غلبت على جل وأبرز مبدعيه مسة اإلتقان اللغوي والتميـز الثقايف والفكري مما كان له انعكاس إجيايب على ذلك الشعر ، غري أننا قد جند لدى قليل من

ر بعض األلفاظ اليت ال تتناسب مع الشعراء بعض اهلنات أو املزالق النادرة ، ومن ذلك اختيا : صياغة النص فنيا أو معنويا ، ومن هذا قول أسامةعبد الرمحن

)١( واملرء مهما دام ليس يدوم كم للمنايا هجعة وهجوم قد أحدث ركاكة أسلوبية وضبابية داللية إذ أن تركيب مجلة ) دام ( فوجود كلمة

ها الفعل املاضي واملضارع ، ولو أتـى بلفظـة ينبغي أن خيتلف في) مهما فعل ليس يفعل ( .لكان أنسب ) دام ( بديال لـ ) بقي ( أو ) عاش (

: يف قول الغزاوي ) ذباب ( ومن األلفاظ اليت مل يكن اختيارها مناسبا كلمة

١٣٠أسامة عبد الرمحن ، ص: واستوت على اجلودي ) ١(

Page 368: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

�ا�*.: �����ا���� ا

عزين فيه يا أسايت اخلطــاب صدمة دوا أرى الصرب طيفـا )١( ت كيف الذبابيصدع الراسيا غري أن اإلعصار يعصف عصفا

حيث إن ظاهرة املعىن يوحي بأنه قد شبه نفسه بالذباب ، والذي دفعه إىل ذلك أو باألصح جامع املشافهة إمنا كان إلبراز مدى ضعفه وعجزه ، تلك الصفة اليت قد أودعها اهللا

ولكن هذا اللفظ قد يوقع الشاعر بني فكـي النقـاد ) الذباب ( يف ذلك املخلوق الضعيف ا كان له من دور يف إمتام املعىن العام وإبرازه ، وما ذلك إال ألن الشاعر قد أهان نفسه مهم

وحقرها ذا التشبيه ، واهللا قد كرم بين آدم على كثري مما خلق وميزه بالعقل والقدرة ووهبه . ما مل يهبه لكثري من خملوقاته األخرى

٣/١٨٠، ) هـ ١٤٠٦مطبعة احلرمني ، ( ، ١مسعد عيد العطوي ، ط: وآثاره األدبية الغزاوي أمحد) ١(

Page 369: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

الصورة الشعرية : الفصل الثالث

اجلزئيةصورة ال_ ١ الصورة الكلية _ ٢

Page 370: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

تعد الصورة الفنية من أهم عناصر الشعر وأشدها متيزا يف حتقيق اجلمالية اإلبداعيـة ، هي مبدأ احلياة يف القصيدة ومقياس رئيس دها اإلبداعي ، ومع هذه األمهية إال أن الصورة

اد الدارس أن جيمع بـني آراء وإذا أر ((كمصطلح أديب ال تزال حمط االختالف والتضارب النقاد ليصل إىل حتديد دقيق للصورة الشعرية فإنه سيظل يضرب يف التيه ، ورمبـا أصـابته

، وليس وجود هذا االختالف داال على عدم )١( ))احلرية لكثرة التفاسري وتناقضها وغرابتها فالصورة يشـكلها توحد مفهوم الصورة بقدر داللته على سعة املصطلح وتشعبه املتعدد ،

إخل ، كما أـا تتميـز .. العديد من العناصر كاملوقع واحلركة والشكل واحلجم واأللوان تلك ىلإوغري ذلك ، ولعل نظرة النقاد .. بالعديد من اخلصائص كالوحدة واإلحياء والتطابق

اخلصائص والعناصر هي اليت كونت اختالفهم حول املصطلح وذلك لتباينـهم يف التوسـع وجند أن أغلب هذه التعريفات احلديثة ملفهوم الصـورة يف التضييق حيال تلك املكونات ، و

الشعر حتاول جاهدة التخلص من التقوقع يف حيز النظرة القدمية للصورة واليت حتصـرها يف الفنون البالغية املعروفة كالتشبيه واالستعارة وااز وغريها ، ولعل منشأ هـذا الـتخلص

فالت منه قد جاء بعد إدراك انطالق الصورة إىل أبعد من ذلـك واسـتيعاب وحماولة االنمشوليتها وسعتها غرياحملدودة ، وهذا األمر حبد ذاته شيء إجيايب جدا ألنه قد عكس إدراكـا وتفهما لواقع الصورة الفنية يف الشعر احلديث ، وما حدث فيها من تطور ومنو ، فهي عند

ئم على اإلصابة يف التنسيق الفين احلي لوسائل التعـبري الـيت التركيب القا ((بعضهم تعين لطق من عامل احملسـات ؛ ملينتقيها وجود الشاعر ـ أعين خواطره ومشاعره وعواطفه ـ ا

ليكشف عن حقيقة املشهد أو املعىن ، يف إطار قوي نام حمس مؤثر على حنو يوقظ اخلواطر ول هذا التعريف االبتعـاد عـن اختـزال ، ونشاهد كيف حا )٢( ))واملشاعر يف اآلخرين

الصورة يف جماالت البالغة ، كما أنه ركز على وسائلها وأمهية إيقاظها ملشاعر اآلخـرين ، نأية هيئة تثريها الكلمات الشعرية بالذهن شريطة أ ((وهناك من يعرف الصورة الفنية بأا

و املفهوم العام للصورة ، أمـا تكون هذه اهليئة معربة وموحية يف آن ، لكن هذا املفهوم ه

١٤٩ص،) هـ ١٤١٧بريوت ، مؤسسة الرسالة للنشر ، ( ، ١طير ، حيدر الغد: عاشق اد ) ١( ١١ص، ) ت .د( علي علي صبح ، : الصورة الفنية ) ٢(

Page 371: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

اال التفصيلي له فيجعل الصورة تركيبة عقلية حتدث بالتناسب أو باملقارنة بني عنصرين مها يف أحيان كثرية ، عنصر ظاهري وآخر باطين وأن مجال ذلك التناسب أو املقارنـة حيـدد

: بعنصرين آخرين مها ، وقد حـدد )١( ))فع وتؤدي إىل قيمة احلافز والقيمة ، ألن كل صورة فنية تنشأ بدا

هذا املفهوم عناصر الصورة مبا يف ذلك الدافع والقيمة فيها ، ولعـل املقصـود بالعنصـر الصورة هي كلشيء تقوى على ((الظاهري هنا ما يكون من العامل احملسوس ، وقد قيل بأن

حلسي هو الذي أوجد تلك ، وهذا االهتمام باجلانب ا)٢( ))مساعه أو رؤيته أو ملسه أو تذوقه إخل ، أما اجلانب الباطين فـاملعين بـه .. التقسيمات يف الصورة من بصرية ومسعية وذوقية

أفكارالشاعر ونفسيته اليت هزا جتربة عميقة وعلى هذا فإن من املهم إدراك الفارق الكـبري مشـاة ال بني الصورة يف األدب والصور يف غريه من الفنون ، فالصورة األدبية صـورة

مطابقة ونعين باملطابقة اليت متثل الشيء لتكون نسخة منه يف مجيع أجزائها ومكوناا ، أمـا فتستطيع أن متثل بدرجة متساوية ويف وقت واحد أشياء بـني بعضـها ((الصورة األدبية

. )٣( ))وبعضها بون شاسع ، وتستطيع ـ من مث ـ أن حتدث ارتباطات شعورية عجيبة طريق البناء التصويري اللغوي تتوحد مشاعر الشاعر يف معانـاة وجدانيـة وعن ((

رم الرؤيا الفنية هذاهلة تفقد فيها األشياء متاسكها القدمي حيث يتمازج احلدث والتصور يف ، كما أن )٤( ))شريطة أن حيتضن اخليال انفعال الشاعر حىت يذوب ما بينهما من فواصل

تني متباعدتني يف املكان مل تلتقيا قط إمنا تصبح خلقا جديـدا الصورة إذ توحد بني حقيق ((معربة عن عامل جديد ، وإذ تنفي شكل األشياء الظاهري وتركز على صفاا ورموزها إمنـا

، ) هـ ١٤٠٥الرياض ، دار العلوم للطباعة ، ( ، ١طعبد القادر الرباعي ، : الصورة الفنية يف النقد الشعري ) ١(

٨٥ص ٨٧املصدر السابق ، ص) ٢( ١٣٢عز الدين إمساعيل ، ص: شعر العريب املعاصر ال) ٣( ٤٠٥ص ،) ت .د( ،) األسكندرية ، منشأة املعارف ( ٢رجاء عيد ، ط: فلسفة البالغة بني التقنية والتطور ) ٤(

Page 372: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

تعيد الوحدة واالنسجام هلذا الكون املشتت املتناقض واملتباعد ، وتبقي للخيال تلك القدرة . )١( ))يصهر األشياء ويوحدها الصافية وذلك الفعل الكيميائي الذي

: اجلزئيةالصورة _ ١والصورة اجلزئية تعتمد يف أغلب أحواهلا على الوسائل البالغية املعروفـة كالتشـبيه واالستعارة والكناية ، ويتدرج مستوى هذه الصورة بني البساطة وقـرب املأخـذ وبـني

لسن وكثر استخدامه وتردده ، ومن التركيب واالبتكار ، والغالب يف األول أنه مما الكته األ : د لصورة قول يوسف أبو سعمناذج هذه ا

)٢( أتباريه قطرة األوشال هو نبع من املعارف صاف فهذا التشبيه البليغ بني املرثي والنبع املتدفق يف صفائه وعطائه ، مل حيدث فينا أثـرا

يعين هذا غيـاب اجلماليـة أو مجاليا ملحوظا ، ألن التصوير فيه من املتبذل املألوف ، والالشاعرية فيه ، فهو على أقل األحوال أفضل من أسلوب التقرير املباشر الذي قدتغيب فيـه الوسيلة الفنية مطلقا ، والشاعر قد حاول يف هذه الصورة تقليل حدة ابتـذاهلا وبسـاطتها

قد طرة األوشال وكأنهوذلك بانتقاله يف الشطر الثاين إىل إقامة أسلوب املقارنة بني النبع وق . واخلروج عليه أحس مبا يعتور صورته من بساطة ويسر تركيب فحاول درء ذلك

وقريب من أمنوذج هذه الصورة قول عبد اهللا بن مخيس يف رثاء طالبـات مدرسـة : حيث يقول .. جالجل

)٣( وقطف اخلطى إما تبارين كالدمى شوادن أمثال الزهور نضارة م على التشبيه يف تركيبه ومنطيته املألوفة حيث شبه تلك الفتيات بالزهور فالصورة تقو

، واملالحظ يف هذين األمنوذجني أن مصادرمها من الطبيعة املشرقة الفاتنة جبماهلا يف النضارة وسحرها ، فالنبع والزهور من األشياء اليت حتقق مجال الطبيعة وإشراقها ، والطبيعة أو البيئة

. الكثرية تعد مصدرا زاخرا للصورة األدبية مبحتوياا

١٠٤حممد العبد محود ، ص. د: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر بياا ومظاهرها ) ١( ١٠٩يوسف عبد اللطيف أبو سعد ، ص: الشجن تقاسيم على منور ) ٢( ٤٦٣عبد اهللا بن مخيس ، ص: على رىب اليمامة ) ٣(

Page 373: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

وكما تكون مصادر الصورة حسية ملموسة يستمدها الشاعر من الطبيعة احلية فإا قد تكون غري حسية أو طبيعية ، وهذا النوع أكثر ما يربز فيه تصوير املعاين العامـة ومـن

: أمثلته قول سلطانة السديري يف رثاء شقيقها . .كابتهاج العيد

قد كنت حبب تتبسم حتضن األخوة واألم

)١( وذا صرح دموهذه الصورة تقوم على التشبيه وقد تقدم فيها املشبه به وأداته ويف هذا ما يدعم قوة

) ابتهاج العيـد ( واملشبه به ) ابتسام املرثي ( التصوير وميكنها من التشابه احملض ، واملشبه ألخري قد قام على التشخيص حيث ورد العيد مبتهجا ويف هذا من املعاين العامة ، كما أن ا

ما يدعم فاعلية التشبيه والتشخيص ، وهذه الصورة ببهائها وإشراقها وما ينسكب فيها من ، هـذه الصـورة .. عوامل الفرح واحلبور الذي يتركز يف املشبه واملشبه به وينبثق منهما

ي الشقيق يعـيش بـني األسـرة مـن األم تعكس املاضي بأفراحه ومجاله حيث كان املرثواألخوات وحيث كانت األسرة تنعم بوجوده وحتس باألثر الكبري لذلك الوجود ، وهنا متتد الصورة وتأخذ حتوال أسلوبيا فينمو مجاهلا الفين وتصبح تلك الصورة للماضي املبهج بكماهلا

لتصويرية ، فاملاضي ببهجتـه الفين السابق طرفا جديدا يف صورة جديدة تقوم على املفارقة اه صرحا متهدما ، وال يقف مجال هذه الصورة عند منوها وانطالقهـا املتجـدد بوأنسه يش

فحسب ولكن يف انسباك املشبه واملشبه به يف الصورة األوىل وحتوهلما إىل طرف واحـد يف . يبا جدا ا يعين االحتاد واالندماج التام بينهما ، فيصبح التشابه قرممالصورة الثانية

ويقترب من هذا األسلوب يف مجاليته وتألقه الفين ونعـين بـه النمـو يف الصـورة قريب منه التعدد يف أحد أطراف التشبيه ، كأن يصـبح .. واالنطالق من صورة إىل أخرى

: املشبه أشياء متعددة أو العكس ، ومن ذلك قول فيصل أكرم فأنا املرايا

٧٩ص) هـ ١٤١٥الرياض ، مطابع الفرزدق ، ( ١طسلطانة السديري ، : على مشارف القلب ) ١(

Page 374: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

وأنا العيون وأنا املسافة

وأنا الفوارس )١( واحلواجز واخليول

أشبه ما تكون بالتكرار املؤكد فاملشبه يةدفالتشبيه البليغ هنا قد أتى متعددا ، والتعدواملشبه به متغيب باستمرار فهو تارة العيون ، وتارة املرايـا ، ) أنا ( دائما الضمري املنفصل

مع الرؤية الشعرية الـيت أراد الشـاعر أن إخل ، وقيمة الصورة هنا تتضافر .. وتارة املسافة يتبناها ويؤسس هلا وهي تعظيم نفسه وإعالء شأا حيث إن األنا قد أشبهه الكـثري مـن

من أهم مساا أا تنبض بإشارات تـدفعك ((األشياء املعنوية واحلسية ، والصورة الشعرية تستطيع أن تقبض عليها الإىل جتاوز حدودها حيث يتخلق خلف تلك احلدود عوامل جديدة

، وهذا ما ينطبق علـى هـذه )٢( ))داخل مصفوفات الذهن ، ولكنك حتس ا وتعايشها الصورة املقتضبة أمامنا ، فهي ال تقتصر على التشبيه مبعناه البياين الذي حيصره البالغيون فيما

مؤشـرات نسميه وجه الشبه ولكنها تتجاوز ذلك إىل معان أخرى قد نستطيع إدراكها منلغوية نلحظ ومضها يف مواد الصورة الشعرية كاأللفاظ والشكل والتركيب وغري ذلـك ، وميكن مالحظة هذه األمور حملاولة استكناة تلك املعاين البعيدة عن تفتيب الصورة متجاوزين بذلك التفتيت االقتصار على بيان أطراف الصورة يف وسائلها املتعددة ، ومن ذلـك قـول

: العشماوي يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ عبدالرمحن أم أنه هلب من األحــزان خفقان قلب الشعر أم خفقاين

ترمي ا األفــواه لآلذان ألفاظه كحجـارة أرى مايل على الوجدانإال كصاعقة ها الشيخ مات عبارة ما خلتـ

)٣( الربكـان يقتاد حنوي ثورة جاءنـي عنيفأو أا موج

٨٩ص) ت .د( ، ) حائل ، نادي حائل األديب ( ، ١طفصيل علي أكرم ، : مقدمة الكتاب األخري ) ١( ٤٠٦رجاء عيد ، ص: فلسفة البالغة ) ٢( ١٧٨سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٣(

Page 375: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

فهذه الصورة املتكثفة واملتعددة الوسائل من استعارة وتشبيه تعكس يف مجيع أطرافها موقفا واحدا وتسعى بكثافتها حنو بلورة املوقف الرثائي بفاجعته اهلائلة وضربته املوجعـة ،

ن ومجيعها ملشبه واحد وإ) حجارة ، صاعقة ، موج عنيف ، هلب ( فنجد مثال أن املشبه به اختلف التعبري عنه وهو اإلخبار مبوت الشيخ أو ألفاظ وعبارة ذلك اخلرب ، وأمام هذه العبارة القوية ترسخت رؤية شاعرية متأججة قد أدركت ثقل العبارة وقوة تأثريها فحاولت إبـراز ذلك بالصورة الشعرية وجعلت جزءا من الصورة يقوم على تلك األشياء السابق ذكرها ملا

. شدة الوقع والتأثري حتمله من : اد يف رثاء والدها ومن الصور اليت تدفع إىل جتاوز حدودها قول الشاعرة هيام مح

.. يا ليلة توسدت شباك غرفيت ... بوجهها الكئيب

.. وأخرجت منديلها ترد دمعيت ... يف فورة النحيب

)١( ال متسحي مدامعا بكت على احلبيبراز الليلة بصورة امرأة ذات وجه كئيب وقد توسـدت فالتشخيص هنا يتمثل يف إب

احلزن شباك غرفة الشاعرة ، ويستمر هذا التشخيص يف النظرة األوىل إليه مركزا على إبراز الشديد والبكاء الكثري لتلك الليلة ، وما نريده هو أننا سنلحظ شيئا من القلق القرائي عنـد

فياء املتكلم هنا قد صـرفت السـياق إىل ) وأخرجت منديلها ترد دمعيت( النظر يف قوهلا الشاعرة وحتول احلزن واهلم من الليلة إليها ، مما يعين أن الليلة بوجهها الكيئب رمز للشاعرة

حلاجة نفسية ملحة تترجم شـيئا مـن ) الليلة ( ، وقد أسقطت حزا ومهومها على الزمن لليل بظالمه القاتل يتلوه الصـباح التخلص واالنفالت من أسر احلزن والبكاء ، وذلك ألن ا

بنوره املشرق ، وكذلك هذا احلزن وهذا البكاء سيزول وسيصبح من مكونات الذكريات ، ولكن الشاعرة مل ترد اإلفصاح عن ذلك مع استشعارها له لكي تعطي الزمن فاعليته وجتعله

فرح ومن ظـالم ميارس حقه كامال ، فالزمن من لوازمه التغري والتحول املطرد من حزن إىل

٢١ص) هـ ١٤٠٧جدة ، مطابع املدينة املنورة ، ( ١طاد ، هيام مح: قارب بال شراع) ١(

Page 376: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

ا يعضد هذا ويؤيده بقوة شديدة تكـرار ممإخل ، ولعلنا جند .. إىل ضوء ومن عسر إىل يسر : الشاعرة له يف موضع آخر من النص حيث تقول

يا ليلة ترحنت على جدار غرفيت . .. وأطفأت سراجها . ..

تلحفت يف خطوها عباءيت )١( وأدمعي تفر من أجفاا

لليلة عباءة املرأة مما يقودنا إىل اجلزم مبا ذهبنا إليه سابقا ، وجند أن هذه وهنا تتلحف االعباءة ، فكأن هذه الليلة قد فرضت الليلة تترنح على جدار الغرفة وتطفئ السراج وتتلحف

سيطرا واختذت طابعا خيتلف عن كل الليايل األخرى ، وليس هذا فقط مبا وقع فيها ولكنه ا ، فالليلة بتغري طابعها متثل املرأة بتغري حاهلا وخروجها علـى واقعهـا بتشخيصها وأحزا

املألوف ، ذلك اخلروج الذي قد فرضه احلزن وقضى به املصاب ، وجعـل الـزمن رمـزا لإلنسان أمر يوقظ لدى املتلقي الكثري من اإلحياءات، فهو مؤشر على دور الزمن يف حيـاة

نـاء ، فوالتغريات ، وما تنتهي إليه من القضـاء وال اإلنسان وما يطرأ عليها من التحوالت.. ويقترب من مثل هذه النماذج للصورة الشعرية واليت تدفعنا إىل جتاوز حدودها األوليـة

التأمل وتثري الكثري من التسـاؤالت ، وذلـك يقترب منها مناذج أخرى تبعث فينا شيئا منأطراف الصورة قد مت اختياره بشـيء كما حيدث يف بعض الصور البيانية حينما يكون أحد

: من الدقة والتخصيص ، وذلك كقول حممد هاشم رشيد يف رثاء ضياء الدين رجب أكاد أحس يف عمق السكينة ))سلع ((وعلى ذرى

بالدمع ، باملأساة ، باألشجان ، باملهج احلزينة )٢( حبفيف أجنحة ، كأجنحة احلمائم يف احلرم

ى حامال وضوح العبارة وسهولة اللفظ، ولكنه يف البيت األخري ومن فهذا النص قد أتواملشبه ) أجنحة( ستثري فينا العديد من التساؤالت حني ورد املشبه يخالل الصورة التشبيهية

١٩اد ، صهيام مح: قارب بال شراع ) ١( ٢٤٨حممد هاشم رشيد ، ص :األعمال الكاملة ) ٢(

Page 377: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

فهذا التخصيص واحلصر الدقيق جيعلنا نتأمل ما قد تتميز به ) أجنحة احلمائم يف احلرم ( به فأجنحة احلمائم يف احلرم قد حصلت على شيء مـن التقـدير تلك األجنحة أو حفيفها ،

واحلرمة اخلاصة اليت ال تستطيع أن تدركها محائم األمكنة األخرى ، ومحائم احلرم تعيش يف ومحائم احلرم سنجدها حتمل الكثري من املميـزات الـيت ال .. أرض قد فضلها اهللا وكرمها

يد مجالية الصورة هنا أن املشبه قد جاء معطوفا ميكن أن حتظى ا احلمائم األخرى ، ومما يزولكنها مجيعها مل تـدخل طرفـا يف ) الدمع ، املأساة ، األشجان ( يف املعىن على ما سبقه

.تشبيه كما حصل لألجنحة وما نلحظه يف هذه الصورة التشبيهية جميء املشبه به مضافا إىل ما خيصصه ويف ذلك

ها وإقناعها ، وهذا العمل من عوامل ثراء الصورة وهو يقودنا ما يزيد من تألق الصورة وتأثريإىل تتبع تلك العوامل ودورها يف الثراء كمزية مجالية يف الصورة الشعرية ، وأول عوامل هذا الثراء قد تتأتى من تكثيف الصورة كتوايل التشبيهات واازات وتواليها بشـكل متالحـق

تلك املتواليات أو األمر املراد تصويره شيئا واحـدا ، ومستمر ، وغالبا ما يكون الطرف يف : ومن ذلك قول أسامة عبد الرمحن يف رثاء أحد أساتذته

جزيال .. خاء ـذال كالسوالبذل ب ديدنه الندى .. البحر وجيود مثل قدر يشاركه احلياة سبيــــال ويسري والفقر األثيم كأنـــه

رغم النائبات نبيــــالويظل األشم مناعــةفيظل كاجلبل ال تعرف التضليل والتمثيـــال ينضح كالسحاب مودة ويظل

)١( يروي وينشئ أنفسا وعقــوال ويظل مثل النهر يف جريـانهفهذا النص جند أنه قد احتوى يف كل بيت على ما ال يقل عن صورة تشبيهية واحدة

، والوسيلة واحدة يف .. السحاب ك، فاملرثي جبوده مثل البحر وهو كاجلبل مناعة وينضح مجيع هذه الصورة كما أن معىن وهدف هذه الصورة يكاد يكون واحدا إن مل يكن متقاربا

اليا خصبا يف مادة الصورة الشعرية ، وقد عـوض هـذا ي، وقد أوجد هذا التكثيف ثراء خ

١٣٢أسامة عبد الرمحن ، ص: واستودت على اجلودي ) ١(

Page 378: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

والتجديد يف التصوير الثراء يف داللته وقيمته املعنوية ما نشاهده من التقليدية وغياب االبتكار . من املستهلك املكرور ، حيث إن هذه الصور املتتالية مجيعها

وقد يأيت ثراء الصورة من جميء أحد أطرافها موصوفا جبملة تفصيلية ، وأكثـر مـا : قول حممد اخلنيزي هلاحيدث هذا يف املشبه به، ومث

يتالشى لدى هبوب الرياح لست مهما بلغت غري سحاب )١( مرهق باخلطوب واألرواح ا أنت ؟ أنت طني حقريأنت م

فالسحاب هنا قد جاء مشبها به واإلنسان بانتهائه إىل الفناء هـو املشـبه ، وثـراء الصورة يكمن يف اختيار وانتقاء املشبه به بل قد ال يناسبه أو يرفع من مجاليته شيء آخـر

اب من التالشي والزوال عنـد كما يفعل ذلك السحاب ، وما ذلك إال ملا يتصف به السحهبوب الرياح مهما كان ثقل وتعاظم ذلك السحاب ، والوصف هنا قد أثرى الصورة ألن هبوب الرياح يتناسب مع كونه رمزا للخطوب واحلوادث أو للموت حتديدا يف هذا املقام ،

بيت الثاين ومع الثراء واجلمال يف هذه الصورة إال أن الشاعر قد أهذب شيئا من ائها يف الألقد جاء شارحا وحملال للصورة الشعرية بأسلوب تقريري مباشرة ، والصورة الشعرية من األفضل هلا دائما عدم حتليلها أو بيان املقصود ا حيث إن ذلك يقضي على إبداعية الصورة

يس فل ((وفنيتها البهية ألنه يصرف الذهن عن االسترسال يف ختيل الصورة وتأمل إبداعها ، التشبيه إال دعوة دخول املتلقي إىل ما ورائيات األشياء وتوجه إليه ليحتضـن يف تعـاطف خمتلف اإلحياءات اليت تظل حتوم على آفاق الصورة التشبيهية ليحاول اقتناص ما أمكنه مـن

، وال يعين هذا أن كل شرح أو حتليل يعقب الصورة سيفسدها ولكن )٢( ))طيورها احمللقة الذي تغيب فيه اإلبداعية ويتالشى اخليال ، أما غي أن يأيت بأسلوب التقرير الفج ذلك ال ينب

إذا كان بيان الصورة قد أتى بعدها بأسلوب فىن أو بتصوير إبداعي جديد فإن ذلـك قـد جلماليتها وإغرائها ، وقد نلمح هذا يف مثل قول غـازي ايصبح ثراء للصورة األوىل وامتداد

: القصييب

١٣٤حممد اخلنيزي ، ص: اجلريح النغم ) ١( ٢٥٤رجاء عيد ، ص: فلسفة البالغة ) ٢(

Page 379: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

ن من أفراسه اجلامح الصعبا ضيرو كفــارساملنون تذللنا كف )١( صباإذا الدواءوجنفل من شرب فنرجع أطفاال خناف من الدجى

فاالستعارة والتشبيه يف البيت األول قد صورا املنون بالفارس الذي يروض اجلامح من سان بغفلته وتناسيه خيوله ليذللـه وجيعله طيعا متأدبا ، واألفراس اجلاحمة الصعبة هنا هي اإلن

به باملوت الذي يترصده كل حني ، ولكـن هـذا آ غريللمصري احملتوم ، فهو يلهو ويعبث يف األقارب واألصدقاء وسائر الناس يذهب ويزول عند الوقوف على مفاجأة املوت اجلموح

حيث يرى اإلنسان مصريه وايته يف أولئك الراحلني ، وهنا يصبح ذليال خائفا قد روضـته املنية وذللته ، وتكتمل الصورة يف هذا البيت مث يأيت البيت الثاين مفصال وشارحا تلك الذلة

فل من شرب الدواء ، ابقة إىل طفل خياف من الدجى ، وجيحيث يتحول اإلنسان بذلته السفتتالشى مواهب اإلنسان وتذهب إمكانياته ومقدراته أمام املنية ، ويتحول طفـال ذلـيال ،

تيار كلمة الدجى إحياء مبدى تلك الذلة وتعاظم شأا واليت قد وصلت باإلنسان ولعل يف اخإىل خوفه من شرب دواء أدوائه أو هيبته لذلك األمر ، وهنا يصبح هذا البيت قـد عمـق بصورة أدبية ذلك التصوير السابق وأكد عليه دون أن حيدث ذلك بأسلوب الشرح والتقرير

. وق للخيال اإلبداعي املنطلق الذي يقتل عنصر التأمل والتذوكما أن الثراء من مميزات الصورة الفنية فإن االبتكار واجلدة من أهم مميزاا أيضـا

القارئ ورؤيته شيئا جديدا وتصويرا غريبا ، واجلديد بطبعه يأخذ روذلك ملا حتدثه من انبهايف الرثاء السـعودي القلوب ويسيطر على األذهان ، ومن الصور اليت حظيت ذا التجديد

: قول غازي القصييب يف رثاء أمري البحرين )٢( متشي اليتيمة خاا اآلباء واليوم منشي يف الفجيعة مثلما

حيث شبه مسريهم يف فاجعة املرثي مبشي اليتيمة اليت خاا اآلباء ، ووجـه الشـبه تكار مبكان يستدعي الوقوف الفقد وغياب الويل ، وتشبيه الفاقد باليتيمة أمر من اجلدة واالب

أمامه وحماولة استحضار اجلماليات فيه ، فالشاعر يريد اإلشارة إىل أن شعب األمري الراحل

٢٦ص غازي القصييب ،: يا فدى ناظريك ) ١( ٧١املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 380: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

وأحباءه وأصدقاءه بعد غيابه ورحليه قد أصبحوا كاأليتام الفاقدين ألنه كان هلم مبثابة األب الضعف الشديد يف العنصر الرحيم والوالد العطوف ، واختيار لفظة اليتيمة ملا يوحي به من

األنثوي وما يستدعيه هذا من الرمحة واإلشفاق ، وخيانة اآلباء هنا إشارة إىل من يتوىل شأن اليتيمة ويقوم على رعاية ووالية أمرها بعد وفاة والدها ولكنه مبقابل األب لـن يسـتطيع

و ) خاـا (تعويض ذلك املفقود ولن يستطيع أن يسد مكانه ، ولعل يف اختيار لفظـيت . ما يذهب إىل إملاعات كثرية ترمز إىل هذه األشياء ) اآلباء (

ومن الصور اليت حتقق فيها عنصر االبتكار والتجدد فمنحها احليوية واإلحيـاء قـول : جاسم الصحيح

للتــراب موائدات أقيمت على طبق املو أجسادناتلك راببالشــ دموعناعاجلتها القبور بعظـمكلما غصت

. . . . . .. . . . . .. . . . . . . .. . . . .. . )١( األصالبيف الطهاةض ومل طال جوع التراب يا أمنا األر

فهذه األبيات قد حشد فيها الشاعر العديد من اازات واالستعارات التشخيصـية ابك اازات أو وقد احتوت على تراكيب جمازية مجيلة ، ومجال الصورة هنا ال يتأتى من تش

تعقيداا ولكن من جدا متاما ، هذه اجلدة اليت تبهر القارئ وتسيطر على تذوقه ، ومـن ت القبور ، عاجلتها دموعنا بالشراب ، غصطبق املوت ، موائد للتراب ، ( تلك التراكيب

.) جوع التراب ، الطهاة يف األصالب وينه إمنا ينبت غالبا يف أحضـان يف تكومن وسائل الصورة األلوان حيث إن الشعر

عندما تتداخل ألوان األشياء وأشكاهلا يف الصورة الشعرية تطالعنـا ((األشكال واأللوان ، ودة وإمنا تسـيطر عليهـا ة كما هي يف العلم باهتة وجمرخاحلقيقة شيئا فشيئا ال تكون صار

منا هو مثري حسي يتفاوت ، فاللون بطبيعته إ )٢()) ةمسحة حلم وغفوة إام يف أجواء غريب

٤٥لصحيح ، صجاسم ا: رقصة عرفانية ) ١(بريوت ، املؤسسة اجلامعية للنشر ، ( ، ١طساسني عساف ، . د: ومناذجها يف إبداع أيب نواس الصورة الشعرية ) ٢(

٢٩ص، ) هـ ١٤٠٢

Page 381: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

تأثريه يف الناس ، ولكنه حيدث توترا يف األعصاب وحركة يف املشاعر ، والواقع أن اللون قد يكون يف الصور الفوتوغرافية أكثر حضورا وأبرز تأثريا لوجوده ماثال ومتجسـدا يف تلـك

ياء واستحضارها الصور ، ولكنه أيضا يف الصورة الشعرية يقوم بتهيئة الشعور إىل متثل األشذهنيا ، وقد يكون التمثيل إحياء وإملاعا وهنا يصبح لعنصر اللون مجالية خاصـة يف تلـك

ة رالصو( الصورة ، ومن هنا كان من التقسيمات النقدية لدى بعض الدارسني ما يسمى بـ ، حيث إن قيمة الصورة لديهم يف كوا طاقة إحيائية منسجمة لونا وخطا وحركة ) امللونة

لأللوان واخلطوط يف التصوير معان ضمنية كـالفرح أو احلـزن ، ((، وعندهم يصبح )١(، )٢( ))العنف أو الرقة ، احلرارة أو الربودة ، االضطراب أو االتزان ، إذا هي ألوان إحيائية

قد أخذت األساسية كاألبيض واألسود واألمحر واألخضرإال أن وبالرغم من تداخل األلوان ، ويف التصوير الرثائي سيكون األسود ـ حتما ـ أكثر )٣(ا يف داللتها لدى العرباستقرار

هذه األلوان ورودا وذلك لداللته احلسية على احلزن واخلوف والكآبة النفسية ، وهذه املعاين يف رثاء شاب كان مغترباعن يقول من إفرازات ولوازم املوقف الرثائي ، فهذا حسن الزهراين

: أمه تنتظره ولكنه عاد إليها حمموال على النعش الوطن وكانت )٤( عباءته السوداء للهم جتلب فما جئتنا بل جاءنا احلزن البسا

فالصورة الشعرية هنا تقوم على التشخيص حيث يأيت احلزن إنسانا قد لبس عباءتـه ) سوداء ال( وزار أولئك املفجوعني مبوت الشاب املرثي ، ولكن الصورة بدون وجود الصفة

ممثلة اللون بداللته احلسية لن يكون هلا تأثري مجايل بل إا قد تفقد كذلك قيمتها الداللية ، فالتشخيص وحده لن يكون معربا عن دور احلزن وأثره ، أما الوسيلة التصـويرية الثانيـة

. فإا توحي باألثر السيء للحزن وما يكمن فيه من كآبة ومأساة ) اللون (

٢٨ساسني عساف ، ص. د: الصورة الشرعية ) ١( ٣٠املصدر السابق ، ص) ٢(الريـاض ، النـادي األديب بالريـاض ، ( ، ١ط هللا العفيفي ،عبد ا: الصورة البصرية يف شعر العميان : انظر ) ٣(

١٤ص ،) هـ ١٤١٧ ١٢٣حسن الزهراين ، ص: صدى األشجان ) ٤(

Page 382: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

ها كمـا أن املتلقـي عت هذه الصورة اللونية من السهل تذوقها والتفاعل موإذا كانسيترجم داللتها احلسية دون جهد أو عناء وذلك يء اللون بداللته املعروفة ولعدم وجود

إذا كانت كذلك فإنه قد توجد صورة لونية تكون أكثر تكنيكا وتركيبا .. غموض يف ذلك : وت ، وذلك مثل قول القصييب عن امل

قل لنا كلمتني اجلديد .. القدمي .. يق احلروف فعن ر

الصديق .. العدو .. الرقيق .. العنيف املسمى الفناء

! لونه ؟ أبيض قامت

كخريف الشتاء ؟ أسود مشرق

)١( كشحوب العناءة ، حياول من خالهلا حتديد هويته اءل عن الفناء تساؤالت حائرة قلقفالشاعر هنا يتس

جتسيد طبيعته ، وقد مشل التساؤل اللون ، وليس املراد من حتديد اللون تكـون صـورة أو داللية معجمية حبتة ، ولكن اللون هنا عامل حسي سيتحدد من خالله مفهوم معىن الفنـاء بواسطة الداللة املعنوية للون ، تلك الداللة الثابتة يف ذاكرة اللغة املعجمية ، حيـث يـدل

واحلزن واخلوف ، بينما يدل األبيض على الطهر والبشر والنقاوة والفرح األسود على الشر ، ولكن التساؤل عن اللون يبدو بصورة غامضة مركبة ، وذلك يء اللون موصـوفا مبـا

مع أن األصل كون القتامة مـن لـوازم ) أبيض قامت ، أسود مشرق ( يضاد داللته احلسية البياض ، وهذا الغموض يعكس الصورة الغامضـة وصفات السواد أما اإلشراق فمن لوازم

للفناء وغموض هويته ويتماثل مع حرية اإلنسان جتاهه وعجزه عن الوصول إىل حتديد دقيق وغري ذلك ، ويزاداد .. ملفهومه وما يعتوره من جوانب غامضة تكمن فيه كاملفاجأة والغيب

٤٩٣غازي القصييب ، ص: اموعة الشعرية الكاملة) ١(

Page 383: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

تكوينها عندما يأيت اللون ذا داللية تألق الصورة الشعرية املتخذة من اللون وسيلة أساسية يف غريية يف املوقف الرثائي ، ختتلف هذه الداللة عن املعىن احلسي للون بسبب موضـوعها أو جتربتها الشعرية ، ويربز هذا األمر يف اللون األبيض ، ذلك اللون املعروف كما مر سـابقا

داللة أخرى تقوم على التباين بداللته على البشر والفرح والطهر ، ولكنه يف الرثاء قد يأخذ : مع معناه احلسي ، وتبني ذلك مناذج النصوص الرثائية ومنها قول جاسم الصحيح

صار الكفن األبيض زي اخللق )١(يف صيحته الكربى على ثغر القوابل

: وكذلك قول عبد اهللا الرشيد يف رثاء نفسه وأنا أرقب

فوق سريري األبيض شبح الوحشة يذرعها

)٢( ما بني جميء وذهابدل الفرح ، فالكفن األبيض يصور بحيث تتحول داللة اللون يف الصورتني إىل احلزن

كثرة الشهداء كما يصور السرير األبيض ما يعانيه الشاعر احملتضر من املرض والعنـاء ، ويف . هذا ما يدل على احنراف تصويري يتالءم مع الرؤية الشعرية املطروقة

١٤٦جاسم الصحيح ، ص: حنيب األجبدية ) ١( ١٠٥عبد اهللا سليم الرشيد ، ص: خامتة الربوق ) ٢(

Page 384: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

: رة الكلية الصو_ ٢أكثر جماالت الصورة الكلية خروجا ما نسميه بالصورة الذهنية أو املشهدية ، وهـي

حيده زمان حمدد ومكان معني ، ومن ذلك تصوير املشاهد املأساوية اليت تنقل تصويرا واقعيا أو نقل الذكريات احملزنة ، ومناذج ذلك يف الشعر السعودي كثرية جدا كقول أمحد الصاحل

: رثاء الشيخ حممد بن عثيمني ـ رمحه اهللا ـ يف يف موكب احلب سدوا باللقا األفقا اهلدى األحباب ما برحوا إمام هذا

يف إثرهم طفقـــا وأن شيخهم كأم يف انتظار الدرس قد وقفوا بعلمه ما شكا عبأ وال رهقـــا مزدهــرا زالوأن كرسيه ال

)١(يباشر الصبح للمحراب معتنقــا سحرا كالندى يأيت سوفوأنه

فهذا الصورة توقفنا على مشهد متكامل من حياة املرثي حيـث يسـتنبط الشـاعر وقد يكون هذا االستنباط قد أتى من باب صورته من موكب حميب الشيخ كطالبه ومريديه ،

مـتألت املقارنة حينما شاهد الشاعر موكب السائرين يف جنازة الشيخ يتبعوا بقلوب قد احزنا وأملا على فراقه العظيم ، وانتقل به هذا املوكب إىل موكب الذكرى السابقة حينمـا كان يقف ينتظر الدرس بكل هلفة وشوق ، وهنا تربز املفارقة بني الشعور واإلحسـاس يف املوكبني حيث احلزن والبكاء يف املوكب احلايل والشوق والتلهف يف املوكـب السـابق أو

وجود املوكب يف املوقفني املتناقضني دليل على متكن حب الشيخ وحضـوره الذكريات ، وعظـيم يف ( يف كل حال أو زمان ومكان ، وكأنه يستلهم هذه الصورة الذهنية من مقولة

، ولكي يتم تفعيل هذه الصورة وتضاعف تأثريها وحيويتها فإن الشـاعر ) حياته ويف مماته الشيخ الذي جيلس عليه أمام طلبته فهو ال يـزال سي يستمر يف انطالقه اخليايل مشخصا كر

مزدهرا بعلمه ، ومل يشك عبأ وال رهقا ، ليوحي هذا التشخيص باستمرار عطـاء الشـيخ وتدفق علمه ، فيتآزر معىن الصورة وإحياؤها هنا مع ما سبق من أن ممات الشيخ مل ينته بـه

علمه رمزا ملؤلفاته وآثاره العلمية حبه وتأثريه أو حىت علمه وعطاؤه ، وهنا قد يصبح كرسيوفتاواه املتداولة ، ويف البيت األخري جند صورة بيانية قد تناسلت مما سبقها وهـي تشـبيه

٧٨٧ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد )١(

Page 385: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

لفظ له إحياء خاص جـدا يشـري إىل العطـاء ) الندى ( الشيخ بالندى سحرا ، واملشبه به صورة الكلية وسائرة فيه ، والتدفق املستمر لتصبح هذه الصورة التشبيهية منسكبة يف طريق اليدل علـى ) يأيت ، يباشر ( ولعلنا نلحظ أن تركيب هذه الصورة وايء بالفعل املضارع

. املستقبل السيما وقد سبقها التسويف أما املواقف املأساوية اليت حتدث غالبا يف احلروب والكوارث العامة فإنه يكثر فيهـا

ا مشهدا متكامال للمأساة القائمة أو النكبة املعاجلـة أو جميء الصورة الذهنية الكلية لتنقل لناحلريق املباغت ، ومن أمثلة ذلك قول عبد اهللا بن مخيس يف رثاء طالبات مدرسة جالجـل

: بعد احتراقها الصعيد مدمدماوتال على وجه س ـفلست ترى إال تساقط أنف ماـومعصوكفا خصيبا بالدماء ـرها ومدفونة تبدو ذوائب شع

ماــأسح املنيةووجها أحالته زقاــممه التراب يوشلوا يوار رماها من اخلطب املربح ما رمى ها ــوحمرورة مذعورة طار لب

)١( وتستنطق األنقــاض عل ورمبا تجيشة حزا الدموع املس ثبتفهذه األبيات تنقل لنا صورة حية للواقع املأساوي الذي ميثله حريق تلك املدرسـة ،

من أجزاء املأساة إال أا تنطلق إىل أثـر املأسـاة أن هذه الصورة حتاول وصف شيءومع صورة األم وهي تبحث عن ابنتها بقلب ينوتصوير عظيم فجأا حيث تربز يف البيتني األخري

حمرور مذعور بني تلك األنقاض ، فتسيل دموعها وتستنطق تلك األنقاض رجاء وجود مـا ا العظيم يطفئ حرها الشديد وحز .

واملالحظ على هذه الصورة الذهنية أن التقريرية واملباشرة مسة ظاهرة فيها ، وهي أقل يف وسائلها الفنية من الصورة السابقة لدى أمحد الصاحل ، وهذا الشيء من األمور املالحظة

ها ، ولذا فإن هناك من يطلق على الصورة الذهنية وصف التقريرية التصاف ةيف الصور الذهني . )٢(بذلك

٤٦٦عبد اهللا بن مخيس ، ص: على رىب اليمامة ) ١( . خمطوطة قال ذلك الدكتور عبد القدوس أبو صاحل يف حماضرة له موجودة يف مذكرة جامعية) ٢(

Page 386: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

، )١( ))الصورة اليت تنقل املشهد نقال جمردا ، هي الصورة الذهنيـة ((وبالتايل فإن ومن الصور الذهنية اليت تقترب من األمنوذج السابق ولكن بتكثيف أكرب وإطالة أوسع مـا جنده لدى عثمان بن سيار يف قصيدته اليت قاهلا يف حريق الطائرة ويبـدو أن الشـاعر قـد

تحضر عند كتابة القصيدة تلك الساعة املأساوية احلرجة واليت قد عجز فيهـا ركـاب اسوكأنه أراد تصوير ذلك املوقف ولذلك جنده يف مطلـع قصـيدته ويف .. الطائرة من الفرار

: البيت الثاين حتديدا يقول دوت الصيحة واملوت حضر قم ختيل ساعـة من فزع )٢( افق منهـا أن يقريوشك اخل سوف تنتابك مثلي رجفة

فاملالحظ هنا وعي الشاعر الفين وتركيز على عنصر التصوير وحماولة نقـل ذلـك ، مث بعد ذلك أثر هذه الصورة املؤمل وإحساسه ) قم ختيل ( املشهد احملزن ويربز هذا يف قوله

العظيم بلوعتها وحزا الكاوي ، ليلج بعد ذلك إىل نقل صورته مسـيطرة علـى مجيـع : فيقول .. يدة القص

مل يشيد من حديد أو حجر ) كل ين( يا لقرب معجز من غري نقر املا على سطح القرب حشروا فيه وما من مسعف

)٣( ودخان سد أفواه البــشر كلما ماجوا كوم محـم وهنا تربز صورة الطائرة وقد حتولت إىل قرب قد حشر فيه أولئك الشهداء ، وتركـز

كلما ( دى االحتراق واحلركة العشوائية الصاخبة اليت قد سببها الفزع لديهم الصورة على م، مث بعد ذلك يستمر النص مصورا جزئيات املأساة لينقل أو يشخص بعض تلـك ) ماجوا

: الشخصيات احملترقة زاع البـصر هوأب من حلظ وأم أعولتطفلة حنت ،

وحنت أم احملتضر يف فم الطفل الرضيع ت ثديـها ودس

١٧٦ص ) هـ ١٤١٦لعربية للنشر ، القاهرة ، الشركة ا( ، ١ط إبراهيم الغنيم ،: الصورة الفنية ) ١( ١١٦عثمان بن سيار ، ص: بني فجر وغسق ) ٢( ١١٦املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 387: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

من فقد حان القضاء املنتـظر وهليب النار يشوي وجهها للحــفر فزفواو لبغد ح وعروس وعريس حلمـوا

)١( عجل املوت له الكأس األمر آالمـه يشتكي ومريضطفلـة ، أم ، أب ، عـروس ، ( فيبدو يف الصورة العديد من الشخصيات حيـث

يات إال ليصور مدى تفاقم الكارثة ومشوليتـها ، املنكرة ، وما مجع هذه الشخص) عريس وتراكم هذه الشخصيات بني الكبري والصغري والصحيح والعليل يرمز بتركيبته املوجـودة يف

مل مجيع اتمع واستثار عواطـف إشـفاقه آالنص إىل ذلك الشيء ويعكسه واقعا مؤملا قد وقوف أمامه بكاء مرا وإشـفاقا وبكائه ، كما تربز الصورة مشهدا جزئيا مؤملا يستدعي ال

متراسال وهو موقف األم ورضيعها واليت حينما تأزم موقفها وتعاظم اهلول أمامها وضـعت ثديها يف فم رضيعها ، كما يربز يف اللوحة عنصر املفارقة التصويرية متمـثال يف شخصـية

كأس املوت العروسني واملريض ، حيث مت زفاف العروسني إىل احلفر ، وحيث سقي املريض والفناء بدال من كأس العالج ، مث تستمر القصيدة يف رصد املأساة ونقل مشـهدها املـؤمل

: ويأيت بيت اخلتام هلذه الصورة مؤكدا فناء اجلميع )٢( كي يقول احلق فيما قد نظر ليت منهم واحدا عاد لنا

دقيقا وأن املشهد ولعل هذا البيت يومئ إىل عدم قدرة الشاعر على نقل املأساة نقال . لن يستطيع تصويره التصوير التام سوى من عايشه وذاق مرارته احملزنة

وكما تكون الصورة الكلية مشهدا متكامال للوحة مأساوية مؤثرة يف قصيدة الرثـاء فإا قد تأيت بأسلوب متراسل متتابع يتم فيه تصوير شيء واحد تصويرا تراكميا يتغلغل إىل

اصيل ، وأكثر ما حيدث هذا األمر يف قصيدة الرثاء إمنا يكون يف األشياء ذات اجلزئيات والتفااللتصاق مبوضوع الفناء أو احلزن وذلك كاملوت أو الدنيا ، ومن مناذج هذا التصوير قـول

: عبد الرمحن العشماوي يف رثاء الشيخ حممد بن عثيمني ـ رمحه اهللا ـ

١١٧عثمان بن سيار ، ص: بني فجر وغسق ) ١( ١١٧املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 388: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

للناظـــرين ءهاإغرا بذلت اليت ا ـلكأين أبصر الدني صورا تسيب عقول الغافلــني فتنتهامن تعرضلت بأق

الزاهـــدينمل جتد إال مسو رقصت من حوله لكنها الساجدينمن عزوف الراكعني أرسل الشيخ إليها نظرة

)١( الشامتــني نظراتتتحاشى خاسرة خائبة فمضتب تصويري نام ، فتعرض مـن حيث تصور األبيات صورة الدنيا وتشخصها بأسلو

فتنتها وهي هنا شبيهة باملرأة الفاتنة ذات اجلمال األخاذ ، مث يستمر إغراؤها يف رقصها حول الشيخ ، ويف هذا العرض واإلغراء ال يزال الشيخ صامتا ولكنه بعد ذلك يبدأ موقفه بالظهور

من خشيته وتقاه ، وهنا فريسل نظرة االحتقار واإلزدراء ، وهي نظرة تترجم عزوفة املنبعث جتد نفسها يف موقـف .. جند الدنيا بعد كل ما بذلت من إغراء وما قامت به من حماوالت

فتمضي متشحة بلباس الفشل واالزام ، وهنا يصـورها الشـاعر يف هـذا اخلائب اخلاسراملوقف االزامي تصويرا كاريكاتوريا ساخرا حيث متضـي وهـي تتحاشـى نظـرات

، ومع أن هذه الصورة تقوم على أسلوب التشخيص قياما كليا ويتمثل ذلك يف !!الشامتني قد بقي حمتفظا بصفته اإلنسـانية ) الشيخ ( صورة الدنيا إال أن الطرف اآلخر من الصورة

دون أي تشبيه أو متثيل ، ولعل هذا يومئ إىل ثبات الشيخ ويرمز إىل بقائه صلدا ثابتـا دون ضد األسلوب البياين هنا يف حتقيق مجالية الصورة األسلوب التركييب أي حتول أو تغيري ، ويع

، رقصـت ، .. بذلت إغراءها ، أقبلـت تعـرض ( ، حيث إن الدنيا متثلها اجلمل الفعلية ويف هـذا ) مسو الزاهدين ، عزوف الـراكعني ( أما الشيخ فتمثله اجلملة االمسية ) مضت

الدنيا أما الشيخ فداللته الثبات والبقاء ، وهنا تتآزر التركيب ما يشري إىل التحول والثبات يف .اللغة يف مجيع مستوياا مع معىن الصورة وهدفها املقصود حمققة بذلك لوحة فنية متكاملة

ومن األشياء اليت يكثر تصويرها تصويرا كليا يف قصائد الرثاء املوت بوطأته القاسية ) القديح مليكة الشـهداء ( ما يوجد يف قصيدة ومفاجأته املروعة ، ومن مناذج تلك الصور

٨٦٤ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ١(

Page 389: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

للشاعر جاسم الصحيح واليت قاهلا يف احتراق خميم للزواج بقرية القديح األحسائية حيـث : التهم ذلك احلريق سبعني ضحية من النساء واألطفال

منارة تبكي وحمراب يشاطرها البكاء ) القديح ( هذي واملوت مصطاف جيول مبوكب من كربياء

.. ماذا سنصنع والشوارع مل تفصل باتساع املوت ؟

إن املوت جيتث املنازل كي يشق طريقه دون احنناء ما أكثر الدور اليت هربت

ج بالفناء ليعرب ذلك امللك املتو . . وجع بأضالع األزقة

)١( ..تصرخ كل زاوية وختمش وجهها كمدا .. آه مللك صاحب العزة والكربياء ، ونلحظ حيث شخص املوت تشخيصا رائعا فشبهه با

مث متضي الصورة يف استرساهلا حيث إن هـذا ) موكب من كربياء ( اجلمال يف االستعارة امللك العظيم تقابله تلك القرية البسيطة بشوارعها الضيقة ومساكنها املترهلة ، وهنا تأىب عزة

ربا وجتربا على أن يشق طريقه هذا امللك وجربوته أن يسري يف هذه الشوارع الضيقة فيصر تكدون أي احنناء ، وهذا اإلصرار البد أن جيتث العديد من تلك املنازل لكي يعرب امللك ، ولغة

على تتابع الصور الشعرية الـيت هنا ميكن أن توصف بأا أداء تصويري فين ، يقومالشاعر والعـدول عـن ) الدور ( و ) املنازل ( مد إىل االستعارة أو ااز ، ولعل اختيار لفظة تع

اإلنسان جبميع جوانبه الشخصية وأوصافه احلسية ما يدل على مشولية املأساة وتبلغها يف كل مؤشر صادق على أن املأساة هابيت قدحيي ، فالشوارع واملنازل ومنارة القرية وحمراا مجيع

ك مصورا عظمة قد مشلت القديح كلها ونالت من كل بيت نيلها ، مث يستمر النص بعد ذل : ذلك امللك

!من يهزم املوت اجلبان وقد تسلح باخلفاء ؟

٤٦١الصحيح ، صجاسم : أعشاش املالئكة ) ١(

Page 390: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

ما زال يف ملكوته يغتال كل عشية قمرا

)١( ويبعث غارة سوداء يف جند الضياءغري أن نعت املوت باجلبان قد أحدث اضطرابا يف الصورة ، فهو بعد أن كان ملكا

والشاعر يف هذا االختيار إمنا ذهب إىل اخلفاء ، متوجا بالعزة والقوة خيرج هنا جبانا يتسلح بمفاجأة املوت وجميئه غيلة دون سابق إنذار أو إعالم ، وهذا ما جعله يصفه بذلك الوصف ، ورمبا أحس الشاعر ذا االضطراب أو القلق التصويري الذي قد حيدث تناقضا فجاء بعبارة

، ومن التكنيكات الفنية اجلميلة وجـود لتكون شرحا مييز صفة اجلنب فيه ) تسلح باخلفاء ( عنصر اللون يف هذه الصورة والذي يربز ـ حتديدا ـ يف السطر األخري ، وقد تكون الغارة

. السوداء هنا رمزا للموت كما أن الضياء رمز للحياة ببهائها ومجاهلا يدة ، وقد تكون الصورة الكلية أمنوذجا متكامال ومتناسقا يستغرق بتتابعه مجيع القص

وأغلب ما حيدث هذا يف املراثي ذات الرتعة الدرامية أو القصصية ، وهذا ما جعـل بعـض ة املشهد أو القصائد املشـهدية ، القصائد بالقصيد/ سمي تلك الصور النقاد أو الدارسني ي

كما أن وجود تلك النماذج التصويرية قد جعلهم مييلون إىل تقسيم آخر يف داخل الصـورة تنفصل إىل مقطعية وهي الصورة املركبة اليت تكون يف مقطع شـعري ومـن الكلية حبيث

أمثلتها االستدارة التشبيهية ، ومطولة أو مكثفة وهي اليت يستعني فيها الشاعر حبركة الدراما وحياة القصة ليبدع قصيدته فريسم ا مشهدا طويال ولعل من مناذج تلك الصورة املشهدية

للشاعر عبد الرمحن العشماوي وقد قاهلا يف رثاء إحدى ) هرات على أنقاض مدينة( قصيدة : مدن أفغانستان اليت دمرها الروس

.. وقفت ويف أعماقها شوق إىل فجر وعصفور وزهرة

وقفت هرات ويف حماجرها دموع حائرة

٤٦١جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ١(

Page 391: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

والليل جيهل آخره . . . .. . . . . .. . . .

هذي هرات تنام خالية الفؤاد ذن الصباح نشيدها عذبا وتصب يف أ

)١( فتنتعش الوهادويركز النص على تشخيص هرات فيصورها بامرأة تقف متأملة وقد امتألت نفسها

، ويسترسل الشاعر يف تصوير ذلك حاشدا ما يناسبه من اللغة البهيجـة باآلمال واألشواق فاجأة فتمـوت املشرقة حيث الربيع والزهور والطيور ، وبعد ذلك حيدث التحول وخترج امل

.. : تلك اآلمال وتندثر األحالم ، وإذا هرات تتفاجأ مبوت وحريق ودماء وصراخ املعتدون يلقنون النار أغنية اجلنون

يا ويلهم كم يظلمون كم مزقوا أحشاء حبلى

.. كم حطموا شيخا وكم ضربوا بسيف اليتم طفال

. . . . . . . . . . . . . . . ري تبكي هرات وتستج

تدعو ولكن من جييب )٢( وتكاد ختنقها الدموع

، ويقـوم ) تبكي ، تدعو ، ختنقها الدموع ( ويلحظ سيطرة التشخيص على النص املقطعان على أسلوب املفارقة التصويرية بني املاضي البهي واحلاضر املؤمل ، ففـي املوقـف

باألرحيية والبهجة ، ويسـري األول جند انتعاشا ونشيدا وعصفورا وأحالما تعكس جوا مليئا النص حىت يصل إىل حلظة االنفجار ، فتتغري اللغة ويشتد الصوت وحتتد عاطفـة الشـاعر

١٩عبد الرمحن العشماوي ، ص: عندما يعزف الرصاص ) ١( ٢١املصدر السابق ، ص) ٢(

Page 392: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

مزقوا ، حطموا ، ( وترتفع سخونة طاقاته الشعرية ، وتأيت مجل فعلية الفاعل فيها املعتدون كي ، تدعو ، ختنقها تب( حيث ) هرات ( ويقابلها مجل فعلية فاعلها املدينة املنكوبة ) ضربوا ، فهذه القصيدة قد سارت بنمو تصويري وتتابع حدثي حىت شكلت صورة كلية ) الدموع

اجتمع فيها حتوالت الزمان واملكان ، الزمان ببعديه احلاضر واملاضي ، واملكان ببعديه هرات ويلة مأسـاة املدينة العامرة اآلهلة ، وهرات املدينة اخلربة الدامرة ، لتشكل هذه الصورة الط

. إنسانية تتمدد فيها مجيع مكوناا وأحداثها ومن الصور الكلية القريبة من هذه الصورة يف مناسبتها وتشكيلها الفين ما جاء عند

اليت ضرا زلزال مدمر أحـال تلك املدينة املغربية ) أغادير ( حممد هاشم رشيد يف قصيدته دمار ، وهي قصيدة طويلة تتألف من اثنيت عشـرة حياا اهلادئة إىل حطام ونار ، وأشالء و

مقطوعة ، والواقع أن بناءها يف أسلوب قصصي هو الذي منحها تكوين الصـورة الكليـة : وبلورا ، ومنها قوله

والليل مل ينتصف لكن على وشك كانت أغادير ما زالت مهمـــومة حللــكافو مع غعلى جوانبها ت وكانت اهلدأة الكربى خميــــمة الفلـك دورةثار القضاء فدارت وفجأة وهي يف أعماق نشـــوا

شركمن كل أقطارها واألرض يف واستيقظت فإذا الزلزال يأخـــذها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معتـــرك شر للمناياوحوهلم فكيف ميشي على األنقاض من هربوا سار تنبثـــق وحوله النار أىن حييا شريد راح يستبـــق وكيف

)١(به الطرق غصت وقدالركام حتت فإن جنا من لظاها فهو منســحق ل الذي ابتدأ منذ قول الشاعر وومن أمجل ما نقلته هذه الصورة عنصر املفاجأة والتح

مر ، ومن عيـوب حيث حتول اهلدوء والغفو إىل حركة صاخبة وزلزال مد. . ) وفجأة ( حيث أحدثت نشازا وخلال يف البناء التصويري ، فكان ) واستيقظت ( الصورة ايء بلفظة

وبسببه ليكون أكثر وأدق يف نقل حالة اهللع أن يكون استيقاظ املدينة على الزلزال املفترض

٣١٤حممد هاشم رشيد ، ص: األعمال الكاملة ) ١(

Page 393: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا��0رة ا�/�"�� : ا�����ا����

من بعد استيقاظها وشعورها مبفاجأته بعد ذلك فقد خفف هذاوالروعة ، أما جعل الزلزال حدة الروع وأوجد عنصر التهيؤ الستقبال احلادث ، فلو كان الزلزال هو الذي أيقظها لكان

هربوا ( ذلك أبلغ وأمجل ، ويلحظ يف األبيات بروز عنصر احلركة السريعة ويلمح ذلك يف لتعكس بذلك حركة الزلزال السريعة وتتماشى ) ، يستبق ، حوله النار ، منسحق ، غصت

.روع مع حادثها املوهكذا نلحظ كيف كانت الصورة الكلية واجلزئية بارزة يف الرثاء السعودي وحملاولة إجياد احلدود والفروقات بينهما فإنه ينبغي مالحظة ورصد البناء اإلبـداعي يف التصـوير ، حيث إن الصورة الكلية تعتمد على الطول والكثافة والتتابع كعناصر أساسية يف تكوينـها

حتدث هذه الكثافة بالعديد من األمناط ، وقد يكون من أبرزهـا األسـلوب وإخراجها ، والدرامي أو القصصي الذي يسري يف منو وتتابع حىت يشكل لوحة فنية ترصد كل أو جزئيات الواقع ، أو يكون ذلك بتكثيف الوسيلة التصويرية ، فعندما تكون الوسيلة بيانية كالتشـبيه

تتبلور بتكثيف التشبيهات واالستعارات للشيء الواحـد ويف واالستعارة فإن الصورة الكليةتعددها ما يشكل تصورا كليا لذلك الشيء ، وعندما تكون الوسيلة حسـية كاحلركـة أو

.اللون فتتكون الصورة الكلية بربوز عنصر احلركة وكثرته وتتابعه للشيء الواحد

Page 394: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

اإليقاع: الفصل الرابع األوزان_ ١

ليةــــاخللي_ أ ليةـــــالتعي_ ب

ج بني النوعنيزامل_ جـ املوسيقا الداخلية_ ٢

يالقوافــــــــــــــــــ_ ٣

Page 395: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

من التطور املطرد والنمو الزاهر يف الفنون األدبية والسيما يف العصر احلديث إال على الرغم أن اإليقاع ال يزال عنصرا مهيمنا يف الشعر ، وال يزال الفاصل الوحيد بني النثر والشـعر ، ومهما وجد من حماوالت جتديدية حتاول التحرر منه واالنفالت من سلطانه القوي فإن تلك احملاوالت مل تستطع مواصلة املغامرة ومل جتد ترحابا أدبيا أو متيزا إبداعيا ، والـبعض منـها

إذا خسرته قصـيدة ((ه رهينا له ، فاإليقاع حال حياول اخلروج على اإليقاع فيقع فيه وجيدحتولت إىل نثر ، خالفا لبقية العناصر األخرى من عاطفة وخيال وأسلوب ، ذلك أن معينة

غياب هذه العناصر عن قصيدة ما يزري ا ، ويقلل من شأا ويقرا من النثر ولكنـه ال ينقلها إليه ، ولذلك فاجلرس املوسيقي يف النثر غري إلزامي أما يف الشعر فهو أمر إلزامي البد

ذلك أن املوسيقى هي العنصر الضروري الالزم الذي البد منه ليكون الشـعر منه ، ومعىنوالبناء املوسيقي للقصيدة هو الصورة احلسية هلا ، هو أول مـا يصـادف ((، )١( ))شعرا

، وحنن هنا قد )٢( ))السامع أو القارئ منها ؛ ومن مث كانت خطورته ، وكانت العناية به هو ظـاهرة ((ا سواه ألنه أكثر مشولية وأوسع جماال ، فاإليقاع ثرنا مفهوم اإليقاع على مآ

، وهذه اخلاصية مـن التناوب الصحيح للعناصر املتشاة ، كما يشمل تكرار هذه العناصرت اإليقاعية ، نعين بذلك خاصية التردد ، هي بعينها ما حيدد معىن اإليقاع ، خواص العمليا

وإن يف نشاطه العملي على حد سواء ، وقد أصبح مـن إن يف احلركات الطبيعية لإلنسان ، التقاليد املستقرة يف البحث األديب التأكيد على التطابق بني اإليقـاع يف النشـاط العملـي

، ومع ميلنا إىل مصطلح اإليقاع )٣( ))والطبيعي واإليقاع يف األدب بعامة ويف الشعر خباصة والقوايف إال أننا ينبغي أن نشري على أن هـذه كاملوسيقى أو األوزان وإيثاره على ما سواه

املصطلحات قد ال حيدث بينها تفاوت كبري لدى أغلب الدارسني بل إن هناك مـن يطلـق بعضها على بعض دون قيود أو التزامات ، كما أننا جنزم بأن قيمة اإليقاع يف الشعر ترتبط

سيقى هي كيفية تعـبري عـن احلالـة باحلالة النفسية للشاعر وجتربته الواقعية املعيشة ، فاملو

٢٧٣حيدر الغدير ، ص: عاشق اد ) ١( ٦٩الدين إمساعيل ، ص عز: الشعر العريب املعاصر ) ٢( ٩٥حممد فتوح ، ص: ترمجة : حتليل النص األديب ملهاد نقدي ) ٣(

Page 396: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

شعورية والفكريـة مـن كيفية إعادة تشكيل احلالة ال ((الشعورية ، أو بأسلوب آخر هي ، والتنظيم والتنسيق هنا ال يقتصـر )١( ))حالتها املهوشبة الغامضة إىل حالة منظمة منسقة

ل تقنية مجاليـة على جوانب الترتيب والسبك فقط ولكنه حيمل إحياء ويعطي انطباعا ويشكحمددة ، فاختيار الوزن وما حيدث فيه من التدوير والتوازي والتقنية إضـافة إىل اإليقـاع

مجيع هذه األمور تستدعي من املتلقي أو الناقد القارئ وقوفا تأمليا يفحص هذا .. الداخلي لوزن ـ التشكيل اخلاص وما يعتوره من متدد وتقلص يف ظواهره املتعددة ، ولو نظرنا إىل ا

مثال ـ باعتباره ذلك العنصر اخلارجي املتمثل يف البحور والتفعيالت واليت حتولت إىل قواعد ثابتة وراسخة سار عليها الشعراء بوصفها إطارا صوتيا أو إيقاعيا حمددا وثابتا مفروضا عليهم

الوزن ، لو نظرنا إىل ذلك .. وجتارم اإلبداعية همسلفا ليحددوا من خالله حدود قصائدذه النظرة السابقة فإننا قد نغض من شأن قيمة الوزن الفنيـة ودوره يف تشـكيل العمـل اإلبداعي ، ولكن الواقع أن هذه النظرة قد يشوا شيء من القصور أو التحامل ، فـالوزن الشعري ووجوده يف العمل اإلبداعي خاضع قبل كل شيء إىل عملية االختيار والعـدول ،

ا هلا إحياؤها اخلاص ودالئلها الفنية املتعددة ، كما أن ما يدخل هذا الوزن من وهذه حبد ذا.. ممثلة يف الزحافات والعلل أو تغيري طول األسطر أو املزج بني التفعيالت أو ةليمتغريات ع

إخل من الظواهر اإليقاعية املتعددة ، فجميع هذه األمور جتعل من الوزن عنصرا فنيا ينبغـي .بع كل دقيق وجليل فيه ابعني فاحصة دقيقة تت النظر إليه

١٦٣فتحى أبو مراد ، ص: شعر أمل دنقل دراسة أسلوبية ) ١(

Page 397: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

: األوزان _ ١عند النظر إىل املعجم اإليقاعي يف الرثاء السعودي مث تصنيف هذا اإلنتـاتج طبقـا لألوزان الشعرية اليت صيغ فيها فإننا سنجد أنه ينقسم إىل ثالثة أقسام ، أوهلا ما جاء علـى

وأكثرها ورودا ، والثاين ما أتى من شعر التفعيلة وهو األوزان اخلليلية وهو أغلب هذه املادةأقل من سابقه ورودا ، أما الثالث واألخري فهو ما جاء مازجا بني النوعني وهو أقل هـذه األنواع ورودا ، وهذا ما حتكيه مادة هذا اإلنتاج متمثلة يف اموعات والدواوين الشـعرية

ة إليها سنجد هذا الشيء حقيقة ماثلة ال يعتورها املطبوعة ، حيث إننا ومن خالل نظرة أولي .أدىن ريب أو تشكيك ، وفيما يلى سنعرض بشيء من الدراسة إىل تلك األقسام

: اخلليلية _ أ من األمور اليت شاعت يف نقدنا العريب قضية امليول اإليقاعية للشعر العريب يف مجلتـه

أو الغرض ، وبرغم تعدد هذه احملاوالت ، وتقنني عالقة اإليقاع بنوع العاطفة أو املوضوعوتباين مستويات التقنني فيها إال أا ال ميكن أن تكون معيارا دقيقا وأمينا ميكن الرجوع إليه

كأمنا خلق للـتغين ((يف كل وقت ، ومن أمثلة تلك التوجهات قوهلم عن حبر الكامل بأنه ه من النوع اجلهري الواضح الذي يهجم احملض ، سواء أريد به جد أو هزل ، ودندنة تفعيالت

حىت ال ميكن فصله عنها حبال من األحوال ، وهلذا ورصعلى السامع مع املعىن والعواطف والسفني أو املتعمقني يف احلكمة وما إىل ذلك من ضرورب التأمـل ، فالسبب فإن الشعراء املتل

يشـري إىل أن جهات جنـده ، ونوع آخر من تلك التو )١( ))قل أن يصيبوا فيه أو ينجحوا مشاعر اجلزع واليأس تقتضي ـ عادة ـ وزنا طويال كثري املقاطع ، فإذا استطار اهللـع ((

بتلك املشاعر تطلبت حبرا قصريا يتالءم وسرعة التنفس وازدياد ضربات القلب ، أما احلماسة دأت احلماسـة الثائرة والفخر اجلارف فيتبعهما النظم من حبور قصرية أو متوسطة ، فإذا ه

، وألننا يف شعر الرثاء السـعودي )٢( ))واتزن الفخر جاءا يف أوزان طويلة كثرية املقاطع نقف أمام مادة جند ما يلم شعثها الزماين واملكاين والنوعي فإن من األجدر رصد اخلريطـة

١:٢٦٤) م ١٩٥٥مصر ، ( ، ١عبد اهللا اذوب ، ط. د: املرشد إىل فهم أشعار العرب وصناعتها ) ١( ١٣٥حممد فتوح أمحد ، ص: راءة أخرى شعر املتنيب ق) ٢(

Page 398: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

أمر ال التقنني القاطع فإنه ماالعروضية هلا وفق مقاييس عامة تعطي مؤشرات إحصائية عامة أأن احملاوالت اليت تبذل بصدده مل تلق جناحا على خيلص من الذاتية وال ميكن أن يتأتى فضال

. يذكر والرثاء السعودي كما أشرنا مسبقا قد جاء أغلبه على األوزان اخلليلية املعروفة ، وقد كان أغلب هذه البحور ورودا هي البحور الطويلة ، وهذا النوع من األوزان يتفـق مـع

إمكانيات للسرد والبسط القصصي والعـرض الشجن ، والتذكر واحلنني ، كما أا تعطي الدرامي ، وهذا أمر يتطبله الرثاء عند تعداد مآثر املوتى ، أو سرد القصص املأساوية املؤثرة يف املعارك والنكبات العامة ، كما أن تلك األوزان صاحلة للحـوار واجلـدل أو التعمـق

جأة املوت ومواجهـة اما يستدعيه التأمل والتفكر العميق عند االنصدام مبفالفلسفي وذلك . فاجعته وأثره املؤمل

ستوقفنا مقولة أحد النقاد الباحثني الـيت جـاء فيهـا توحنن أمام هذه املالحظة قد يكاد جيمع النقاد قدميا وحديثا ، على أن الرثاء يتناسب معه البحر املمتد والوزن الطويل ((ألن االمتداد والطويل يتفق مع شدة احلزن ، وأرى أن كل ما يتصل باحلزن من الفشـل ؛

والعجز والشعور بالضعف أمام القوة اخلالقة واملصرية للعامل ، كل ذلك يلحق بالرثاء ؛ ألن كثرة املدات تناسب اإلعياء واالسترخاء الذي حيل باجلسم نتيجة الصدمة الطاغية ، ويتالءم

لذي يهلهل النفس ، وحيطم قواها ؛ فتلهث بأنفاس خائرة ممتدة ، حـىت كأـا مع الفتور اتنقطع حثيثة يف بطء ، ألن احلزين ال ميلك القدرة ، وال يتمكن من العزمية القوية اليت تـأىب هذا االسترخاء ، فيسرع ويقطع السري احلثيث إىل السرعة واملالحقة ، ممـا يتناسـب مـع

. )١( ))ثباا املتتابعة انطالق النفس القوية ووفحص جزء من دواوين الشعر السعودي كعينة خمتارة روعـي يف اختيارهـا دوعن

: التقدم والتأخر واحملافظة والتجديد وهي عشرة دواوين كما يلي

٢٨٤حسني مجعة ، ص: قصيدة الرثاء جذور وأطوار ) ١(

Page 399: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

الشاعر الديوان

األصداف ترانيم الليل أصداء وأنداء يف زورقي

ريشة من جناح الذل يا فدى ناظريك

محائم تكنس العتمة القدس أنت

ما مل تقله اخلنساء جراح قلب

أمحد قنديل حممود عارف حممد بن حسني عبد اهللا بن إدريس حسن الزهراين غازي القصييب جاسم الصحيح

عبد الرمحن العشماوي عبد اهللا احلميد على النعمـيقد وردت يف تلـك العينـة عند النظر إىل جمموع هذه البحور الطويلة فإننا جندها

: حسب النسب اآلتية ٪ ٢٣ حبر الكامل وقد ورد بنسبة _ ١ ٪ ١٩ حبر البسيط وقد ورد بنسبة_ ٢ ٪ ١٥ حبر الوافر وقد ورد بنسبة _ ٣ ٪ ١٣ حبر الطويل وقد ورد بنسبة _ ٤ ٪ ١٣ حبر اخلفيف وقد ورد بنسبة _ ٥ ٪ ٧ حبر املتقارب وقد ورد بنسبة _ ٦ ٪ ٥ حبر الرمل وقد ورد بنسبة _٧ ٪ ٥ حبور أخرى وقد وردت بنسبة _ ٨

Page 400: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

فهذا ما تقرره املادة الرثائية يف تلك الدواوين املختارة ، كما أن املهم هنا اإلشارة إىل ما مت ذكره سابقا من طغيان الشعر اخلليلي على شعر التفعيلة ، وهذا ما تشري إليه ـ أيضـا

. ارة ـ تلك اموعة املختومن الشعراء الذين كثر استخدامهم لبحر الكامل يف مراثيهم كل من حممـد بـن حسني ،وعبد اهللا بن إدريس ، وعبد الرمحن العشماوي ، ومن تلك النماذج ما قاله حممـد

: يف رثاء عمه سلطان بن حممد آل حسني ابن حسني ؟! أيدي الرجال ، أبعد ذلك موعد وأنت اليوم حممـول على) عمي(

ومن الفجيعة ما يسوط فيـرعد تفجـعا وتوجـعانبكي عليك )١( وتفلذت من هول ذاك األكبـد عصرت دماء القلب فاجعة النوى

حيث استخدم الكامل التفاق هذا البحر مع اجلوانب العاطفية احملتدمة داخل اإلنسان متتلئ مرثيته بألفاظ التأمل ، إضافة إىل ما جيتمع فيه من جانيب الفخامة والرقة ، والشاعر هنا

أن احلركـات ((والبكاء ويعيش جتربة واقعية حتتاج إىل مثل هذا البحر الذي من خصائصه فيه تغلب على السكنات ، وهذا يؤكد جانب اجلزالة ، خاصة إذا ظهـرت فيـه ظـاهرة

ـ السكنات أو توافرها وهذا ما يسمح به وزن الكامل ـ أحيانـا ووجود ، )٢())التشديدني ، حيث يتم تسكني الثـاين املتحـرك يلتني األوليني من البيتني األولكما نالحظ يف التفع

فهذا التسكني يتضافر مع تردد حروف املد علـى ) .. متفاعلن ( إىل ) متفاعلن ( فتتحول . إبراز اجلانب العاطفي وتصوير املعاناة

الصاحل يف رثاء الشيخ حممـد بـن أما وزن البسيط فمن مناذجه ما قاله الشاعر أمحد : عثيمني ـ رمحه اهللا ـ

فأوجع القلب واألكباد واحلدقا أفئـدة احلزن ضفبأية احلب ففزع املنرب املشــتاق واحللقا إمامـته الباكيومر باملسجد

١٢١حممد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ١() هـ ١٤٠٥الرياض ، دار الرفاعي للنشر ، ( ، ٢طعبده بدوي ،) : العصر العباسي ( يف النص األديب دراسات) ٢(

٥٦ص

Page 401: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( صدقـا عاملـا وحبيباإمامها وأجهشت أعني الفيحاء باكية املوسع وحياول إجياد هذا التوسع بعدد مـن اـاالت ، فهنا مييل الشاعر إىل البكاء

، إضافة ) كباد واحلدقا القلب واأل( ، كما يستخدم املتعاطفات ) أفئدة ( فيستخدم اجلمع نتقاله بالبكاء واحلزن من إطار الكائن احلي إىل دائرة أوسع تنطلق إىل مظاهر الطبيعـة إىل ا

إخل ، وقد وجد يف حبـر .. عني بلدة الشيخ بالبكاء الصامتة فيبكي املسجد واملنرب وجتهش أالبسيط بسعته وطوله ما يتناسب مع داللة التوسع البكائي املطروقة والتعددية واالنطـالق

. اللذان يتحققان يف وزن البسيط كبحر متعدد احلركات والسكنات يله وتتابعها ويلي البسيط حبر الوافر وهو شبيه بالبحور السابقة يف طوله وجتانس تفاع

، ويف هذا ما يساعد الشعراء عند التفصيل الذي يرافق عادة الثناء على امليت وحماولة اإلتيان على أغلب مناقبه ، ومن مناذج ذلك قول أمحد الصاحل يف رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز ـ

: رمحه اهللا ـ اـعذابلقد متعتنا حججا ابا ــكبري أن تكون لنا املص

وكنت الزاد والشهد املذابا مـاـحبا وعل شبعتناأ لقد شهــابامضيئا يف تألقه تقــيا ورعاكربت جماهدا

)٢( جنـابا مسحا حجةمنريا مستنريا عمرك سننيمألت فاألبيات هنا متيل إىل االفتخار باملرثي واإلعالء من قيمته الدينيـة واالجتماعيـة ،

حججا عذابا ، الشهد املذابا ( املتشاة يف املعىن واملبىن ، وتتكاثف فيها الصفات واألحوال ، وقد ) ، جماهدا ، ورعا ، تقيا ، مضيئا ، شهابا ، مستنريا ، منريا ، حجة ، مسحا ، جنابا

. ناسب ذلك تفاعيل الوافر املتشاة يف نظامها وإيقاعها اليت نظمت القصائد صانة فمنرأما الطويل وهو ذلك البحر املعروف بصفة القوة وال

: فيه ما قاله زاهر األملعي يف رثاء األستاذ عامر األملعي مساعد مدير التعليم مبنطقة جازان

٧٨٧ناصر الزهراين ، ص: مام الزاهد ابن عثيمني اإل) ١( ٧٨سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ص: عيون املراثي البازية ) ٢(

Page 402: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

مظفـــراويندب فذا أملعيا ىهو اخلطب ينعي رائدا عامر التق ويف منهج األخالق ذكرا معطرا حوى يف ذرى التعليم جمدا مؤثال

)١(فيقطف زهرا فاح بالنشر أزهرا ه ويف روضة اآلداب ألقى برحـلولعل الوزن برصانته وقوته قد تناسب مع معىن الشاعر املتمثل يف بيان قوة الفاجعـة . وأثر خرب وفاة املرثي على مجيع أبناء منطقته ملا كان له من دور يف ضة التعليم والرقي به

معال املطريي يف رثاء الشيخ ومن مناذج القصائد اليت جاءت على حبر اخلفيف قول حبيب بن : حممد بن عثيمني ـ رمحه اهللا ـ

وتناهت من األسى آالمه جاس يف خاطر الشجي ضرامه )٢( وسرت يف عروقه أسقامه بعـد طرينكئ اجلرح وهو

ويتميز هذا البحر بأنه كثريا ما يدخله التدوير ، وهو مالحظ يف أغلب املراثي الـيت . ه القصيدة جاءت عليه ومنها هذ

كانت تلك البحور األكثر انتشارا وورودا يف شعر الرثاء السعودي ، حيث احتلت هذه األوزان املرتبة األوىل ، أما األوزان اليت قل جميئها يف ذلك الشاعر فهي البحور القصرية

تبـث واهلـزج واملضـارع ة بطبيعة تكوينها العروضي ، كاسواء كانت جمزوءة أو قصريعلى حبر اخلبب أو املتـدارك ، ، ومن ذلك جميء إحدى مراثي أسامة عبد الرمحن وغريها

وهذا البحر قد مسي باخلبب تشبيها له خببب اخليل ، وذلك لسرعته وانطالقه ، والرثاء حيتاج ض بطبيعتـه علـى رإىل نوع من التأين والتأمل ، كما أن فاجعة املوت وفقد املرثيني أمر يف

هلدوء والتفكري الطويل ، ولذا فإن مرثية أسامة عبد الرمحن واليت قاهلـا يف اإلنسان شيئا من ا : رثاء والده قد جند فيها قلقا إيقاعيا ، وحتس األذن بعد التوافق بني القصيدة إيقاعها

مل حتمل غري العرفـان يا من فجرت ينابيعا حروفا ومعاين ويضى عيونا بوكتابا ينسا

١١٣زاهر األملعي ، ص: األملعيات ) ١( ٧٥٨ناصر الزهراين ، ص: ابن عثيمني اإلمام الزاهد ) ٢(

Page 403: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( األغصانأمطارا فوق إال يكتبوربيعا ال واأللفاظ املستخدمة هنا قد ال تتناسب مع موقف الرثاء كالربيع واألمطار والينـابيع

إخل ، كما أن البيت قد سيطرت عليه الزحافات ، وأتت متتابعة بشكل يعكس .. واألغصان : قلقا إيقاعيا ولو نظرنا إىل الشطر يف البيت األول فقط سنجده كما يلي

فعلن = فعلن ، بيعا = ت ينا ، فعلن = ، فجرت فعلن = من يا ومثل هذا يندرج بقية األشطار ، بل إن هذا القلق قد ينال باضطرابه بعض مضامني

: األبيات ، وذلك كقوله )٢( كالقائد فوق امليدان يا بطال قد خر صريعا

د مبالغة وتشبيها قد ال يتأتى واقعـا ما جن رفال جند يف هذا البيت صدقا عاطفيا بقدوفنا ، مع أن الشاعر يرثي والده فكان من املفترض وجود أبيات تعكس الصدق العـاطفي والتأثر البالغ جتاه األب الراحل ، وقد يكون ذلك خلوض الشاعر غمرة هذا البحر يف حني مل

ا البحـر ، فوجـود جيد مناذج سابقة تراثية أو معاصرة شبيهة مبوضوعه قد أتت على هـذ . النماذج وتوفرها يصبح ـ غالبا ـ أحد املصادر امللهمة للشاعر عند بناء شعره

ر استخدام األوزان القصرية وازوءة فقد ندر ـ أيضا ـ وجود الرباعيات وكما ندواخلماسيات وما شاها من األوزان الشعرية ، ومن تلك الرباعيات ما فعله ضـياء الـدين

ء ابنه محزة ، وقد سارت تلك الرباعيات يف نظام إيقاعي متعدد ، حيث إا مل رجب يف رثاتندرج حتت حبر واحد ، بل إن كل رباعية قد أتت يف حبر خيتلف عن حبر الرباعية األخرى ،

.. فمنها ما جاء على البسيط ومنها ما جاء على الطويل ومنها ما جاء على الكامل والبسيط : الرباعيات قوله يف أحدها وغري ذلك ، ومن تلك

ثوانــياإليك وإن مل تنأ عين أيا محزة أحلى نداء يشــدين ندائـيابنفسي حياة تستجيب غري ما أنت إنـهفأنت حبسي

وإن كنت يف دنيا التماثيل خافيا وتف يب هتف احلياة بنبضـها

١٣٦أسامة عبد الرمحن ، ص: واستوت على اجلودي ) ١( ١٣٧السابق ، صاملصدر ) ٢(

Page 404: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( ترانــياأراك ا حسا وأنت وأمسى الرؤى يا قرة العني رؤية ويبدو أن هذه الرباعيات قد قاهلا ضياء الدين رجب يف أوقات متفاوتـة وممتـدة ،

. السيما وهو كما أشرنا مسبقا قد أكثر من رثاء ابنه الوحيد وأوقف جل رثائه عليه ومن اخلماسيات ما فعلته بديعة كشغري يف رثاء والدها ، وقد نظمت قصـيدا يف

سة أبيات تتحد فيها القافية ، أما الوزن فقد انتظم مجيـع سبعة مقاطع ، كل مقطع ميثل مخ : القصيدةحبر الكامل جمزوءا ، ومن تلك املقاطع

وصمت يعوزك الكـالم أليم صمت يف وسألت وعليك قد ورف احلمـام ليغيب يف العيـن سؤال أم جاء طيفي يف منــام أسألت عنــي يا أيب

السالم نيالعوتركت يف راضيا روحك أسلمت)٢( اخلتـــام لداودتبقى دمعـــة يف خلصته

ومع أن هذه القصيدة قد جاءت على أحد البحور القصرية إال أا قد حققت شـيئا من اهلدوء والرصانة وبعدت عن سرعة اإليقاع وتدفقه السريع ، وقد يكون ذلك راجعا إىل

رف األخري من التفعيلة ، حبيث تتحـول تسكني القافية ، والتزام إضافة الساكن فيما قبل احل ) . متفاعالن ( إىل ) متفاعلن (

وكما وجدت الرباعيات واخلماسيات بشكل غري ملفت لالنتباه وحبضور قليل جدا ، فقد كان أقل من ذلك ظهورا تداخل األوزان اخلليلية ، ومن النماذج اليت حدث فيها هذا

: التداخل قول رقية ناظر فاجتث صوت النائحات سكوين القريض اجس فلقد شغلت عن

)٣( آه لقد زار احلمام عرينـــي أتاين من األهلني يف العصر صائح . حيث تداخل حبر الكامل مع الطويل

٤٢٥ضياء الدين رجب ، ص: ديوان ضياء الدين رجب ) ١( ٢٥بديعة كشغري ، ص: شيء من طقوسي ) ٢( ١٨رقية ناظر ، ص: الرحيل ) ٣(

Page 405: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

عبـد الـرمحن كذلك من النماذج اليت برز فيها هذا التداخل قصيدة لشروق بنت يف تشكيل القصيدة ثالثة حبـور هـي وقد تداخل ) فيصل ( السعيد قالتها يف رثاء أخيها

: الكامل والرجز واملتقارب ، ومن أبياا الذي قلبـي نبضهمن يرتـوي طفالقد كنت

أخـــيأحببته هذا يرمتـــيبني احلنايا . . . . . . . . . . . . .. . . . . . ... . . ..

اخلطى شقي الصغري بأن تذكرت يف حبر ذاك املىن )١(وكم مرة منه قليب اشتكى م مرة ال مين تذكرت ك

وهذه القصيدة قد اعتورها كثري من األخطاء العروضية كالكسر واإلقواء يف بعـض أبياا وكما أن التداخل يف األوزان اخلليلية من القليل النادر فإننا قد جند ما هو أندر منـه ،

حيز الرثاء السعودي ، ونعين بذلك بل إن ذلك قد يكون جتربة إيقاعية تنفرد يف باا داخل : ما فعله حممد حسن عواد يف مرثيته اليت أنشأها بعد وفاة امللك فيصل ، حيث يقول

وسالما .. املضفي حياة ووئاما ))فيصل(( يا ردى وحيك هل نلت اهلماما ى ـواأليام.. فبكيناه كما يبكي اليتامى وكسوت األفق الصايف غماما

ومصيف.. وخريف أفق الشمس شتاء ألعلى ، والما عنيت األفق ا )٢(والضياع..دمعها الالهب يف يوم الوداع ـــت قد ذرف اليتاملاليني

هـ ١٣/٥/١٤٢٠، الثالثاء ٩٨٢٦: العدد : صحيفة اجلزيرة ) ١( ٢/١٧٣ديوان العواد ، ) ٢(

Page 406: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

التفعيلية _ بوكما كان لبعض البحور يف األوزان اخلليلية حضور مكثف فكذلك احلال يف شعر

من استخدامها على حـني ة لتفاعيل اليت أكثر شعراء التفعيلالتفعيلة ، حيث إن هناك بعض ا : غاب أو اضمحل حضور تفعيالت أخرى ، وأبرز التفاعيل حضورا هي

) مستفعلن ( تفعيلة حبر الرجز _ أ ) متفاعلن ( تفعيلة حبر الكامل _ ب ) فاعالتن ( تفعيلة حبر الرمل _ ج ) متفاعلن ( تفعيلة حبر الوافر _ د

) فعولن ( تفعيلة حبر املتقارب _ هـ ) فاعلن ( عيلة حبر اخلبب تف_ و

واملالحظ يف مجيع هذه التفعيالت أا تتغلب فيها املقاطع الطويلـة علـى املقـاطع القصرية ، سواء يف أصل التفعيلة أو بعد ما حتدث هلا بعض الزحافات مثل حتول متفـاعلن

تفعيلـة ومن مناذج) مفاعيلن ( بالعصب إىل ) مفاعلنت ( باإلضمار إىل مستفعلن ، وحتول : حبر الرجز قول أمحد السعد يف رثاء أمه

.. يداي متتدان حتمالن حيب الوحيد

أعفيه بالتراب وبيننا مسافة رهيبة

)١( مزروعة باحلزن والعذابواملالحظ أن جل التفاعيل قد دخلتها الزحافات ، فنجد أن السطرين األولني فقط قد

: أتيا كما يلي مستفعـ/ متفعلن

مـ/ متفعلن / متفعلن / لن

١٩ص، ) ت .د( ، ) الرياض ، مطابع البادية ( ، ١طد ، أمحد السع: األفق الرائع ) ١(

Page 407: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

واللجوء إىل الزحافات واإلكثار منها ظاهرة منتشرة يف الشعر التفعيلي املعاصر ، ويف تطويع مادة الرثاء السعودي سنجد هذا االنتشار باطراد وكثافة ، فبالزحاف يستطيع الشاعر

ه النفسـي يف أوزانه إىل مقاصده وأغراضه كما يستطيع ا التجاوب مع انفعاالته واضطرابإنه كلما اشتد االنفعال ((حاليت الزيادة والنقصان ، وهذا ما جعل أحد النقاد يكتب قائال

كلما بدأت األبيات بأكرب عدد من التفعيالت الزاحفة ، أما شيوع .. وتغريت احلال النفسية ه بأن شدة الزحاف بشكل عام يف املواقف املميزة أو املنفعلة يف احلالة النفسية فيمكن تفسري

االنفعال يرافقها يف األداء اللغوي أو املوسيقي نوعا من السرعة امللموسة أي سرعة يف األداء ، وللرغبة بتوصيل املعىن والتنفيس عن احلالة بشكل أسرع من الشكل العادي اهلادي وغـري

يقوم املنفعل ، وألن الزحاف ـ لتعريفه العروضي ـ هو كل تغيري يتناول ثواين األسباب و بتسكني املتحرك أو حذفه أو حذف الساكن ـ فإنه يؤدي إىل اختصار يف عدد األحـرف وتقليص عدد املتحركات أي أنه من ناحية األداء الصويت يستعمل على اختصار الـزمن ، وهلذا فهو يتفق وحالة االنفعال اليت تتطلب السرعة ، كما يتالءم مع احلالة اجلديدة املتميزة

، واملوقف الرثائي بطبيعتـه )١( ))دمه الشاعر من حاالت يف مقاطع أخرى عما سبق أن قيتولد من رحم االنفعال النفسي العاطفي فيحدث قلقا واضطرابا وجدانيا ، وعند بناء الشعر سينسحب ذلك االضطراب على إيقاعه فتتبلور القصيدة الرثائية كانعكاس لتلـك احلالـة

، وقد كان ) ١: ٦( نالحظ أن نسبة الزحاف إىل عدمه وذلك الشعور ، ويف النص السابق كما ) متفعلن ( إىل ) مستفعلن ( أغلبها وأكثرها ورودا حذف الثاين الساكن حيث حتولت

. وغريها .. ) مستعلن ، مستعلن ، ( جند على أن هذه السيطرة للزحاف على تفعيلة الرجز قد جندها خمتفية يف نصوص أخرى

: السابقة ومن ذلك قول هيام محاد يف رثاء والدها ، ولكنها أقل من ؟ ..ماذا أصاب الكون يف هذا الدجى

أمي تصلي يف سكون الليل تدعو رافعة كف الرجا

٣٠٦أطيمش ، ص حمسن: دير املالك ) ١(

Page 408: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

والناي يبكي بني أيد راجفة وقطيت البيضاء الذت خلف ظهري واجفة

)١( ؟ ؟.. ماذا جرى يف بيتنا اهلادي الوديع : يف الثالثة األسطر األوىل لوجدناها كما يلي ولو نظرنا إىل التفاعيل

.مستفعلن ، مستفعلن ، مستفعلن _ ١ .مستفعلن ، مستفعلن ، مستفعلن _ ٢ . مستفعلن _ ٣

حيث اختفت الزحافات فيها على خالف النص السابق ، وعند النظر يف املضـمون ذي انتاب الشاعر إزاء املعنوي للنصني يتضح أن النص األول قد أتى مصورا القلق واحلزن ال

وفاة والدته فناسبه وجود الزحافات ، أما النص األخري فقد أتى مصـورا حالـة اهلـدوء والسكون وما انتاب بيت الشاعرة من الذهول بسبب وفاة والدها ، فناسبه جميء التفاعيـل

عليه بعض البـاحثني يف التشـكيل وهذا ما يؤكد تامة هادئة ال قلق فيها وال اضطراب ، تظل موسيقى الشعر مشروطة مبدى حساسيتها وقدرا على نقل كل ((: املوسيقي بقوهلم

اهتزازات احلياة الباطنية الواعية ، وغري الواعية ، ورعشاا الغامضة أو الواضحة ، ولـيس مبدى موافقتها لقواعد العروض التقليدي ، فاملوسيقى صورة نفسية إلحساسنا بـالوجود ،

. )٢( ))اما من اإليقاع والنغم قبل أن تكون نظفقد برزت ـ أيضا ـ بصورة كبرية جدا ومـن ) متفاعلن ( أما تفعلية حبر الكامل

: مناذج ذلك الشعر قول عبد اهللا الزيد يف رثاء والدته وتلمست عيناي يف لون الندى

ما قد بدا ما ال حيل به الردى

حىت إذا الح الصدى

١٩هيام محاد ، ص: قارب بال شراع ) ١( ١٦٥فتحي أبو مراد ، ص: شعر أمل دنقل دراسة أسلوبية ) ٢(

Page 409: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

وازور من حد املدى )١( هامت

وكذلك يف هذا النص نقف على ظاهرة إيقاعية أخرى وهي عدم االلتزام بعدد معني من التفعيالت يف السطر الشعري الواحد ، بل إن النص بأكمله ال يوجد به أي نظام حيـدد تلك التفعيالت ، حيث تأيت يف بعض األسطر مشكلة ثالث تفعيالت ويف بعضـها اآلخـر

، بل إن بعض األسطر قد يشكله جزء من التفعيلة الواحدة كمـا تفعيلتني أو تفعيلة واحدة هو ظاهر يف السطر األخري من هذا النص ، كما أن هذا النص قد غلـب علـى تفيعالتـه زحاف واحد وهو تسكني الثاين املتحرك ، وهذا الزحاف من الكـثري وروده يف تفعيلـة

دخـل ذلـك ى عشرة تفعيلـة و الكامل ، وامللفت لالنتباه أن هذا النص قد جاء يف إحدالزحاف على تسع منها ، فكون ذلك نغما إيقاعيا شبه متوحد يف النص ، ويف هـذا مـا

.يعكس رغبة الشاعر يف خلق حالة متكاملة ومتجانسة من التدفق اإليقاعي املتشابه وقد قل يف هذا النص ظهور التدوير تلك الظاهرة املوسيقية اليت قد غلـب وكثـر

لشعر التفعيلي املعاصر ، والتدوير يعد من أنواع التحكم يف طـول األسـطر خروجها يف ااتصال أبيات القصيدة بعضها ببعض ، حىت تصبح القصيدة بيتـا ((الشعرية ، ويعرف بأنه

تـرى ، ومع أن نازك املالئكة )٢( ))واحدا أو جمموعة حمددة من األبيات املفرطة يف الطول يف القصيدة اجلديدة ((إال أن التدوير قد شاع )٣(اتا يف الشعر احلر أن التدوير ميتنع امتناعا ب

بشكل الفت للنظر حىت إنه قد حتول إىل ظاهرة أسلوبية إيقاعية مجاعية مل يسلم منها شاعر إحساس الشـاعر بإيقـاع احلركـة ((وقد عزاه بعض النقاد إىل )٤( ))من الشعراء اجلدد

ن يترجم هذا اإلحساس وينقله إىل عمله الشعري من خالل الدائرية للكون والزمن فحاول أوسيلة ((، وبعضهم يرى أنه )٥( ))القصيدة املدورة اليت تأيت تعبريا فنيا عن هذا اإلحساس

٧لزيد ، صعبد اهللا ا: أغين وحيدا .. انبسطت أكف الرفاق بقي اجلمر يف قبضيت ) ١( ١٩٢علي عشري زايد ، ص: عن بناء القصيدة العربية احلديثة ) ٢( ١١٦نازك املالئكة ، ص: قضايا الشعر املعاصر : انظر ) ٣( ١٠٣عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ٤( ١٠٣املصدر السابق ، ص) ٥(

Page 410: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

من وسائل الشاعر الفنية خللق عالقة خاصة بني املضمون الشعري وأسلوب التعـبري وبـني الشعر وأحاسيس الشاعر وحماولة واعية منـه املوسيقى ، وأنه ظاهرة ترتبط أساسا مبضامني

للتعبري عن جتاربه بشكل فين جيد ، وأنه يشبع يف القصائد ذات النفس القصصي اليت تنحو ومن النمـاذج )١( ))حنو القص والسرد واحلكاية واليت تتصف بالتسلسل والتتابع السردي

ي قصيدة جاسم الصحيح الـيت الرثائية اليت سيطرت عليها ظاهرة التدوير يف الشعر السعود : قاهلا يف رثاء ضحايا حريق قرية القديح

جاث ببابك يا قديح أقبل العتاب حمرابا

وأعرج يف مدار الغيب حنو السرمد األبدي

)٢( حيث تبتل الشهداء للغز العتيقفنجد أن التدوير قد سيطر على مجيع هذه األسطر وقد أحدث فيها ترابطا وتالزمـا

كلة هذه األسطر ما يسميه بعض النقاد بـ ، مشتشكل جمتمعة دفقة إيقاعية واحدة جعلها بنية موسيقية أكرب من السطر وإن ظلت حمتفظة كل خصائصه ((وتعين ) اجلملة الشعرية (

وهلذا االمتداد ، ، فاجلملة تشغل أكثر من سطر ، وقد متتد أحيانا إىل مخسة أسطر أو أكثراجلملة تظل ـ مع هذه االعتبارات ـ بنية موسيقية مكتفية بذاا وإن لكن ، ... اعتبارات

، ومن هذا املنطلـق )٣( ))مثلت يف الوقت نفسه جزئية من بنية عضوية أعم هي القصيدة بني السطر الشعري واجلملة الشـعرية ، حيـث حيـل األول التفريقكانت نظرة النقاد يف

إيقاعها وانفعاهلا أما الثانية فتحل مشـكلة الدفقـة إشكالية الدفقة السريعة أو القصرية يفاملمتدة أو الطويلة اليت قد ال يستطيع السطر الشعري استيعاا واستكمال انفعاهلا ، وهـذه

٣٣٠، صحمسن أطميش : دير املالك ) ١( ٤٦١جاسم الصحيح ، ص: أعشاش املالئكة ) ٢( ١٦٥فتحي أبو مراد ، ص: شعر أمل دنقل دراسة أسلوبية ) ٣(

Page 411: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

األسطر الشعرية قد تكونت من ثالث عشرة تفعلية ، وقد سيطر التدوير على أغلب أشطرها . ، وذلك ملا حتمله من دفقة شعورية متوحدة

: من مناذج التدوير قول عبد اهللا الزيد يف رثاء أمه و كان الصباح فما

يشاطرنا بقايا الذكر والترتيل

يوقد صمتنا )١( فيفر من دمنا الصقيع

وهنا مالحظة جديرة باالهتمام يف هذه اجلملة الشعرية وسابقتها ، وهي ختم اجلملة ففي ذلك تأكيد قوي علـى ني يف ايتهما احملتوية على ساكن) متفاعالن ( الشعرية بتفعيلة

إحداث وقفة قوية وحادة يف اية تلك األسطر ، لتعمل على وقف ذلك الـدفق الشـعري ايل فسـوف الفياض عند الشاعر والذي كان ميثله التدوير املستمر يف اجلملة الشعرية ، وبالت

التفعيلة املنتهية بالساكنني ، إيقاعي ميثله التدوير واختتام اجلملة ب يصبح يف هذا النص تقابلألن اإلفراط من استخدام التدوير واالستمرار فهي قد يرهق القارئ الذي البد له من وقفات موسيقية تقوم بإغناء اإليقاع وتعويض القصيدة ما فقدته من قيم موسيقية ، ولذا فإن قطـع

ر يف عدد من أسطر الـنص ، التدوير واإلتيان بالتفعيلة األخرية مل يأت إال بعد وجود التدويأما جميء التدوير يف السطر والسطرين من النص فال يعد إفراطا كما أنه لن يشكل إرهاقـا

. للقارئ أو املتلقي عموما

١٣عبد اهللا الزيد ، ص: أغين وحيدا .. انبسطت أكف الرفاق بقي اجلمر يف قبضيت ) ١(

Page 412: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

: املزج بني النوعني _ جاملزج بني الشعر اخلليلي والتفعيلي مل يكن ظاهرة بارزة يف الرثاء السعودي ، ومـا

حمدودة ، واملهم يف هذا األمر هو الوظيفة اإليقاعية اليت ميكـن أن وجد منه ليس إال مناذج يقدمها هذا العمل ، واليت قد تنسحب أحيانا لتعطي تقنيات مجاليـة ودالليـة متعـددة ،

واجلمع بني الشكلني التقليدي واجلديد يف عمليات التطيعم اإليقاعي اليت جلأ إليها كثري من ((ئم على التناقض جيمع بني النظام وخرق النظام معا ، فالشاعر الشعراء من أجل خلق إيقاع قا

يف الشكل التقليدي يكون خاضعا متاما للعروض ، بينما يف الشكل اجلديد خيضع الشـاعر الوزه إىل إرادته احلرة اليت ال ختضع للقواعد ، وهنا جييء اجلمع بني الشـكلني مجـع بـني

، أي جيب .. شكل معربا عن حالة خاصة به الضدين ، بني حالتني ، والبد أن يكون كل ، ويبدو أن اجلمع بني الشـكلني )١( ))أن يكون وجود الشكل القدمي مربرا وليس اعتباطيا

قد وجد كظاهرة فنية يف الشعر التفعيلي ، ولذا فإنه يوجد لدى من يكتبون شعر التفعيلـة فيها للشكل التفعيلـي فيـؤتى أوال ، كما أنه ثانيا يوجد يف قصائد تكون السيطرة والغلبة

بالشكل التقليدي للقيام مبهمة حمددة يف بناء القصيدة ، وقد نلحظ هذا املزج يف النماذج اليت مـن جعفـر ( مجعت بني الشكلني ، ومن ذلك ما فعله عبد الرمحن العشماوي يف قصيدته

الذي استشهد بعـد وقد قاهلا يف رثاء الشهيد الفلسطيين نصر جرار) الطيار إىل نصر جرار بتر قدميه ويده اليمىن ، حيث وجدوا رأسه مفصوال عن جسده حتـت أنقـاض املدينـة

: ، وقد بدأت القصيدة بـ ) جنني ( الفلسطينية ! ما هذا النور الساطع ، ما هذا النور ؟

. ما هذا النور الساطع يا عني الزمن اآليت . ايت كيف تألق حىت أصبح يسرق نظر.. من أين تدفق

)٢(. وحيرك ساكن نبضايت

١١٥عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ١( ٦٨عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ٢(

Page 413: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

وقد كان هذا مطلع املقطع األول يف القصيدةن وسيطر عليه التساؤل امللح ، ويستمر هذا املقطع دون كشف عن املتسائل فيه ، مث يأيت املقطع الثاين وفيه تكشف تلك الشخصية

يتضح هدف النص ، ف) جعفر بن أيب طالب ( املتسائلة عن نفسها وإذا ا الصحايب الشهيد ، ) املرثـي ( وهو عقد املقارنة بني شخصية الصحايب الشهيد وشخصية الشهيد املعاصـر

حيث تقوم القصيدة على استلهام ذلك احلدث التارخيي وتوظفه حاضرا يعيده وميثله بفدائيته : وإقدامه الشهيد نصر جرار ، حيث يستمر الصحايب الشهيد بتساؤله امللح

لقلب ورب الناس هذا خرب يدمي ا )١( !كيف تركتم أرض احملشر لألجناس ؟

وهنا يأيت الرد بالشكل التقليدي ، ليوحي بوجود مهم أبطال األمـة السـابقني يف جماهدي فلسطني املناضلني ويف وجود الشكل التقليدي ما يشري إىل التقارب والتواشج بـني

: هذا احلاضر املناضل وذلك املاضي ايد فشموس بطولتنا تسطـع عفر ال جتزع مهال يا ج

تشـرعورماح عزائمنا النور أتاك من األقصى : يا جعفر يا ابن أيب طالب

من شعب اهلمة والواجب اك من األقصى تالنور أ )٢( وجتهز زادا حملـــارب دمعتهامن أم تشرب

قـوم بـه فيأيت الشكل التقليدي معربا عن صوت يعلق على األحداث ويفصل ما يح الذي والكفا شعب فلسطني من جهاد ونضال ، وكأن هذا الصوت يعكس ذلك اإلصرار

من جذوره التارخيية البعيدة ، واملالحظ جميء الشكلني التقليدي واجلديد على يستمد مناذجه بزحافاا أو حتوالا اإليقاعيـة ، ويف ) فاعلن ( حبر املتدارك ، حبيث تصبح تفعيلة الشكلني

التوحد ما يعكس ما مت ذكره مسبقا من التواشج والتقارب بني الصورة الفدائية القدمية هذا والصورة الفدائية املعاصرة ، فتسري القصيدة بنغمة إيقاعية متحدة ، مث يف آخر القصيدة يربز

٧٣عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ١( .املصدر السابق ) ٢(

Page 414: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

الصوت التراثي مستقال فيجيء بالشكل التقليدي القدمي مستخدما وزنا له رصيده التراثي هو : بسيط حبر ال

لك التحية يا نصـر بن جرار من عزمي وإصراري ) مؤتة(من أرض بفارس من بين اإلسالم مغوار من أرض مؤتة وامليـدان حمتفــل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )١( إليك إال على أكتاف أبـرار يا نصر يا وارث األجماد ما محـلت

خيتتم النص ذا الشكل التقليدي الذي أتى يف أحد عشر بيتا معربا عن حتية وتقدير والشهيد نصر بن جرار بشيء من ةالبطل القدمي للمجاهدين يف أرض جنني الفلسطينية وخاص

. اإلكبار واإلجالل ، ومن الذين مزجوا بين التفعيلي واخلليلي عبد اهللا الزيد يف رثاء صديقه خالد البنيان

: حيث ابتدأ املرثية بالشكل التقليدي ، وجاء مطلعها يف عشرة أبيات تقليدية منها وأيقن أين بالرثـــاء سأبتــدي بكى صاحيب ملا جتلت مواجعي موقــدي القناديلفأقفر من روح وأسبل من سجارة الروح حزنه

)٢( وأعطيته شكوى املصاب إىل الصدى الذي ال أجيده البدءوأعطاين فهذا الصوت قد جاء مطلعا للمرثية ليمثل كورس مجاعي قـدمي يقـوم بالتمهيـد لألحداث أو التعليق عليها وقد جاء على حبر الطويل مبا حيتويه من القوة واألصالة وفيه تربز شخصية الشاعر وصديقه الذي يشاركه معاناة الفراق وأمل الغيـاب والفقـد إزاء رحيـل

هيد تأيت القصيدة بالشكل التفعيلي متجاوزة مائة سطر شعري ، ، مث بعد هذا التمصديقهما : ومنها

وأوثقنا خرب املصاب حينها مل نكن يف الزمان

وال يف املكان

٧٦عبد الرمحن العشماوي ، ص: القدس أنت ) ١( ٤٧عبد اهللا الزيد ، ص: يتلو سراج الروح .. من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد ) ٢(

Page 415: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

والذي بني حزن اليقني الثقيل وبني انشطار السكينة

مثل الذي بني هم اإلنابة )١( واملنتهي يف سبيل الثواب

أن املصيبة ومعاناة الفقد ، واملالحظ أنه يف مجيـع وفيها يركز الشاعر على تعظيم ش . النص التفعيلي مل يتحدث بلسان املفرد ولكن الصوت احلاضر دائما كان صوت اجلماعة

ويف موضع آخر يستخدم عبد اهللا الزيد املخرج بني الشكلني التقليـدي والتفعيلـي تقليدي هذه املرة ال يأيت مطلعا وذلك يف قصيدة طويلة قاهلا يف رثاء والدته ، ولكن الشكل ال

) : صوت( خاصا هو اللقصيدة إمنا يأيت متوسطا هلا ويف مقطع مستقل يضع الشاعر له عنوان منك الزوايا وشاب الظل واملثل إن ذهلت : فجوة يف مغيب األرض يا

يف الوجه والكف مما ظل يبتهل فأورقي بالذي قد بث بارئهــــا )٢( وأشرقي بوميض ليس ينفصـل أبـــدا ضمي فواصل حب ما خبا

:ومن أسطره ما يلي ) متفاعلن ( أما الشكل التقليدي فقد جاء على تفعيلة الكل هللا ما أشقى به

)٣( مترعا من حسريت.. ما ميسي ويصبح .. هللا للقصيدة من تنوع إيقاعي وما له بالتايل من قيمة فنية إال أنه جومع ما مينحه هذا املز

ال يكون له وظيفة داللية خاصة ، وقد يكون طول القصيدة املفرط هو الذي أوجد هذا قدوما سوف يوجده يف الـنص املزج حيث أحس الشاعر برتابة االستمرار يف النظام التفعيلي

من الركود واهلدوء ، والقصيدة قد أتت يف أربع عشرة صفحة قد امتألت مبئات األسـطر شاعر يف موضع آخر يدخل يف النص شكال جديدا وهي أبيات مـن التفعيلية ، ولذا جند ال : الفلكلور الشعيب منها

٩صعبد اهللا الزيد ، : يسري كتاب الوجد يتلو سراج الروح من غربة الشكوى ) ١( ١١املصدر السابق ، ص) ٢( ١٢املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 416: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

رار ـأرثيك من جوف جتوف باألم د ـك يا حال حتول على الضأرثي وأرثيك باحلسرة على نار األشعار د ـأرثيتك بالعربة على صايل اخل

)١( كاريف وجهيت من سابق العمر تذ شديت أنا من جنة الروح واحتد : وهذه األبيات الشعبية قد أتت على وزن الرجز ، وتفاعيلها كما يلي

مستفعلن مستفعلن فاعالتن مستفعلن مستفعلن فاعالتن وهنا يصبح النص قد امتزج من أشكال متعددة يقوم متازجها على أساس تكوين بنية

و الشـعيب ، فحقـق ـذا تقابلية بني القدمي واجلديد وبني الفصيح أو النخبوي والعامي أاالمتزاج تنوعا ومتوجا إيقاعيا متعدد الدفقات والتأثريات ليعكس ما جتيش به نفس الشـاعر من اضطرابات نفسية ومتوجات عاطفية قد بددها احلزن وشتتها األمل ، ولعل يف هـذا مـا

ية يتـيح يعكس وظيفة ذلك التمازج املتعدد إضافة إىل أن هذا التمازج يف األشكال اإليقاعللشاعر حرية أكرب يف التصرف بتشكيالته اللغوية ، حبيث يوصـلها إىل درجـة البسـاطة واالنعتاق التام من أي قيود أو شروط يقننها نظام اللغة كما قد توفر ذلك أشكال الفلكلور

اسيه وصوره واستيعاب عواطفه وتيارات بالتايل أكثر قدرة على جتسيد أح الشعيب ، فتكونشعوري لديه بتلقائية ال جتدها النماذج املعيارية ، ومع أن هذا األمر قد يضع الشاعر الدفق ال

بني فكي الناقد ويفتح عليه نافذة واسعة ليطل منها أدىن النقاد والباحثني إلدخال الشـاعر مع ذلـك كلـه إال أن .. قصيدة قد حفلت بقيم موضوعية وفنية متعددة اللغة العامية يف

. هذا اخلروج ما يليب شيئا من أحاسيسه املتضاربة وجتربته الرثائية الواسعة الشاعرقد وجد يفوقد حيدث التمازج بني الشكل التفعيلي والشكل التقليـدي يف لغتـه البسـيطة أو االجتماعية العادية ، ليكون أصدق يف التعبري عن الذين يتكلمون فيه وذلك عندما يوجد يف

، ومن مناذج هذا املزج ما فعله حسن الزهراين والدة طفلة النص شخصيات اجتماعية عادية : قد قتلها والدها ، وهي تصور قصة مأساوية كتبها الشاعر على لسان الطفلة

يديك القـاتلهأبتاه لن أنسى يف جيد أمي وهي تصرخ قائله

١٧صعبد اهللا الزيد ، : من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد يتلو سراج الروح ) ١(

Page 417: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

تريد من احلياة الزائلة خذ ما )٢( ) دعين أعيش مع رحاب )١( دعين أعيش مع رحـاب(

حيث يأيت السطر األخري بيتا تقليديا على الوزن اخلليلي ، ويتكرر هذا البيت يف عدد من مواضع القصيدة ليعكس بتقليديته وأصالته وما له من هيبة القدم وجالل السبك موقف األم املرثية ، وهي تصرخ يف وجه الزوج القاتل مكررة نداءها وتوسلها بأن يتركها تعـيش

: لصغرية ، مث بعد ذلك تأيت خامتة القصيدة بشكل تقليدي على لسان الطفلة مع ابنتها ا وليس بوسعنا دفع القضاء ي ـــهذا قضاء اهللا يا أبت

)٣( ـيانا فقد عز اللقــاء فإىل لقاء يف حياة غري دنـوهنا يصبح صوت الطفلة قد جاء بالشكل التقليدي ليعكس ـ أيضا ـ براءة الطفلة

. يتمثل يف هذا الشكل من عمق تراثي وعدم تكلف أو جتديد وذلك مبا

. املقتولة والدا اسم الطفلة رحاب هو) ١( ١٩ن الزهراين ، صحس: صدى األشجان ) ٢( ٢١املصدر السابق ، ص) ٣(

Page 418: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

: املوسيقا الداخلية _ ٢، وختتلف تعد املوسيقا الداخلية أو اإليقاع الداخلي من أقرب اإليقاعات إىل الشعرية

عن املوسيقا اخلارجية أو موسيقا األوزان يف أن األخرية تأيت مفروضة على التجربة الشعرية فيها من التواؤم بينها وبني التجربة الشعرية فيها أو ما يسمى بالتناسب بـني ،ومهما حيصل

األوزان واألغراض فإنه يبقى هلا شيء من السيطرة املفروضة والنظام الرتيب ، أما املوسيقى الداخلية فتنبع من داخل التجربة الشعرية وتسري معها يف كل تغري أو تطور جيد ، فتصحبها

وتصحبها يف هدوئها وخفوا ، وهي إذ تصحبها يف هذه احلاالت إمنـا يف شدا وعلوها تسايرها وتتماشى مع واقعها كمكون أساسي يف تلك التجربة ، والشاعر حني خيتار كلماته فإمنا خيتارها اختيارا صوتيا للتعبري عن انفعاالته وأحاسيسه ، وهذا اإليقاع الـداخلي عنـد

من خصائص ومسات اللغة وستصعب اإلحاطـة بـه ومل التوسع فيه فإنه سيأيت على كثريأطرافه ألنه سيتناول مجيع جماالت الصوت اللغوي ، ولكن النقاد رغبة يف حتديد وتقنني هذا اإليقاع قد رصدوا عددا من الظواهر الصوتية املشتركة اليت برزت يف مادة الشـعر العـريب

يف األبيات اخلليلية عوأبرزها مسة التصري وكان هلا أداء إيقاعيا ملحوظا ، ومن تلك الظواهر، وقد بقي هلذه السمة حضورها الفاعل يف الشعر العريب منذ أمد بعيد ، فظلت مـع كـل التغريات والتحوالت بارزة مشاهدة ، وظل شعراء العرب يألفوا وحيرصون عليها يف كـل

ء األذن املستمعة إىل قافية زمان ومكان ولعل ذلك راجع إىل ما هلا من قيمة إيقاعية فهي يالقصيدة وتؤكد على ذلك الصوت الترددي منذ االبتداء بالنص ، ويف الرثاء السعودي برز التصريع يف الكثري من املراثي كظاهرة إيقاعية هلا جرسها النغمي اخلاص ، فهذا عبد احملسن

: حليت يقول يف مطلع إحدى مراثيه )١( ألمر قضى الرمحن تبديلوال زار املمات وما للموت تأجيل

ومن التصريع يف املطالع أيضا قول أمحد سامل باعطب يف رثـاء الشـاعر عمـر أيب : ريشة

١٢٣عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ١(

Page 419: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( را املالحم تعتليذما زلت فوق ل ـمل ترحتل عنا ومل تترجولشغف بعض الشعراء يف التصريع وملا جيدونه فيه من تدفق إيقاعي يعكس احلالـة

ال يقصر بعضهم التصريع على املطلع بل قد يتجاوزه إىل أبيات أخـرى ، الشعورية فإنه قد وهذا التصريع احلاصل يف غري املطلع من القليل جدا وجوده وقد يكون سبب قلته والعزوف عنه راجع إىل حماولة الشاعر اإلفادة بأكرب قدر ممكن من القوايف غري املتكررة ، ومن هـذا

: ن آل عبد الكرمي التصريع املتعدد قول عبد الرمح سبحانه فهو القوي املبـدع اهللا يعطي من يشاء وميــنع

والقلب من أمل األسية جيزع والعني من حر الفجيعة تدمع )٢( كظباء غاب أسدها ال ترتع واخلالئق رتعواملوت حيصد

، ول واستماله ذلك إىل االسترسال فيه فكأنه قد أحس جبمال التصريع يف البيت األ .أو أنه أراد أن تكون هذه األبيات جمتمعة مطلعا للقصيدة فومسها ذه السمة اخلاصة

وأحيانا قد يأيت التصريع يف بعض أبيات القصيدة غري جميئـه يف مطلعهـا ودون أن تكون تلك األبيات تالية للمطلع كما يف النموذج السابق عند عبد الرمحن آل عبد الكرمي ،

جاء يف قصيدة للدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان قد كتبها يف رثـاء ومن تلك النماذج ما : أيه ، وقد استخدم التصريع يف بيتني منها غري املطلع ومها

مضى غريب األسى واألهل والوطن رمى فؤادي فأصماه وخلفــين )٣( متزقــين والذكرىولوعة احلزن واحسرتاه وهول اخلطب يعصرين

جرسا نغميا يضبط إيقاع هذه األبيات ضبطا خاصا تنفرد بـه حيث أوجد التصريععن بقية أبيات القصيدة ، وذلك ملا حتمله من معاين التحسر والتأمل الشديد ، ومن املوسيقى

لون تعبريي يتصل بالسجع ، ويعتمد ((الداخلية ما يعرف بالترصيع أو حسن التقسيم وهو وزان الصرفية أي أن حقيقتـه تـؤول إىل عمليـة على طبيعة التوازن اليت تتم من خالل األ

١٠٦أمحد سامل باعطب ، ص: أسراب الطيور املهاجرة ) ١( ٦٧عبد الرمحن آل عبد الكرمي ، ص: خلجات قلب ) ٢( هـ ٧/٢/١٤٢٢قصيدة خمطوطة حصلت عليها من صاحبها يف تاريخ ) ٣(

Page 420: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

والعملية التوفيقية بـني البنيـة العروضـية .. التوفيق بني الوزن العروضي والوزن الصريف والصرفية تؤدي إىل تناغم مدهش يدعم اإليقاع وجيعلـه متوازنـا حيـث توجـد بنيـة

ثلته قول عبـد احملسـن ، وبالتايل فالترصيع تكثيف إيقاعي متوازن ، ومن أم )١())الترصيع : حليت

)٢( والذنب مغتفر والصفح مأمول فالنار نائية والعني راضية حيث تكون البيت من أربع مجل قد تساوت يف وزا الصريف والعروضي فأحـدث ذلك فيها إيقاعا متعددا يتردد مع كل مجلة بالنغمة نفسها وإذا كان هذا الترصيع قد حدث

الشطر األول مث بني مجليت الشطر الثاين فإنه قد يوجد ترصيع يتجـاوز التوافق فيه بني مجليتاجلملتني إىل أكثر من ذلك فيحدث يف ثالث مجل أو أربع ، ويف هذه احلالة يزداد إيقـاع

: الترصيع وقيمته اجلمالية ، ومن ذلك قول الدكتور إبراهيم الفوزان يف رثاء أخيه )٣( ر مشتعل ، والصرب أعجزينوالصد فالقلب منفطر والدمع منهمر

كمـا أن ) مستفعلن فعلن ( فهنا كل مجلة من اجلمل األربع تقع يف وزن واحد هو ) فالقلب ، والدمع ، والصدر ، والصرب ( صدور هذه اجلمل قد تساوى يف تركيبه الصريف

فيه شيء من التجنيس ، وكذلك العجز يف هذه اجلمـل قـد أتـى دبل إن بعضها قد وج ) . منفطر ، منهمر ، مشتعل ، أعجزين ( يا يف تكوينه الصريف متساو

وكما حيدث الترصيع يف الشكل التقليدي فإنه قد حيدث يف شعر التفعيلة ، فيعـوض بوجوده اجلانب املوسيقي املفقود من القصيدة وذلك لغياب القافية ، وذلـك باسـتخدام

: ريف ، ومن ذلك قول عبد اهللا الزيد كلمات متشاة النهايات أو متشاة يف امليزان الص .. كل البشائر تكتوي .. كل املنافذ تستحيل

..كل املناهل مرة

٣٨٤حممد عبد املطلب ، ص: بناء األسلوب يف شعر احلداثة ) ١( ١٢٥عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ٢( هـ ٧/٢/١٤٢٢قصيدة خمطوطة حصلت عليها من صاحبها يف ) ٣(

Page 421: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( ..كالنار يف زمن اللظى يف ) البشائر ، املنافذ ، املناهـل ( مضافا إليها صيغة منتهى اجلموع ) كل ( فوجود

عا صوتيا يعـوض غيـاب أسطر هذا النص قد قام بدور ترصيعي يعطي تلك األسطر إيقا . القافية

اإليقاعي حينما حيـدث يف كلمـات قـد وتزداد مجالية هذا الترصيع ويعلو تأثريه تشات اياا إضافة إىل تشابه أوزاا ، ومن ذلك ما حيدث يف الكلمات اليت قـد طـال

: والده ميزاا الصريف لوجود حروف الزيادة فيها ، ومثال ذلك قول أمحد قنديل يف رثاء بيننا .. ما زال حيا

)٢( متنهدا ، متوعدا ، متوددا ، متوسدافهذه الكلمات قد حدث فيها توافقا وجتانسا متعددا على املستوى الصريف واإليقاعي

. ميا متحدا غفكون ذلك ترديدا أو تتابعا نو وهذا النوع من التصريع جير إىل نوع آخر من املوسيقى الداخلية وهـو اجلنـاس أ

التجنيس ، والتجنيس قريب من التصريع بل إما قد يتداخالن أحيانا كما هو ملحـوظ يف النص السابق ، ولكن اجلناس تكون قيمته الصوتية أجلى وآكد وذلك ملا فيه من تشابه بني

إيقاعية عروضية قد ال تتفـق ا ترصيع فتكون قيمته يف أغلب أحواهلأحرف الكلمات ، أما اللمات ولكنها تكون إيقاعا متجانسا ، والكلمات يف الشعر معلوم أا متيـل فيها أحرف الك

إىل االئتالف مع شبيهاا صوتيا أو تتنادى صوتيا لكي تأتلف يف تركيب أكثـر جتانسـا وانسجاما ، وقد أشار النقاد إىل أن التشابه يف جرس الكلمتني يدفع الذهن يف الغالـب إىل

. )٣( التماس التشابه بني معنييهماتفقت فيه مجيع أحرف الكلمات ، ومن ذلك قـول ا ام وقد يكون اجلناس تاما وهو

: أمحد إبراهيم احلريب

١٧عبد اهللا الزيد ، ص: من غربة الشكوى يسري كتاب الوجد يتلو سراج اللوح ) ١( ٨٠أمحد قنديل ، ص: اف األصد) ٢( ٢/٦٦٢عبد اهللا اذوب ، : املرشد إىل فهم أشعار العرب وصناعتها : انظر ) ٣(

Page 422: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

.. غري أين قبل أن تلتف ساقاي لففت الساق بالساق

)١( وأشرعت ذراعي لرفات اربة �nD �وهو معىن مقتبس من اآلية القرآنية j.(% ��

[²%CC(% �²%CC(%%�? ��c� � ، يصور فيه الشاعر ساعة االحتضار ، والساق كما هي يف اآلية القرآنية وكذلك السطر )٢(

الشعري متثل األوىل إحدى ساقي اإلنسان والكلمة الثانية متثل ساقه األخرى ، فمجيء الكلمة مفردة قد يصبح داال على أي ساق يف اإلنسان ، أما جميئها بأسلوب التجنيس هذا

منها داللة معنوية ختتلف فيها عن األخرى ، ولن تتحقق هذه الداللة فقد أكسب كل لفظة . إال باجلناس

ومن املوسيقى الداخلية ما يعرف ببنية التقابل ، وتقوم على أساس اجلمع بني ضدين واضحني ومباشرين يف التنافر على حنو يسهم يف الكشف عن التقابل املعجمي من خالل

: ومن أمثلة ذلك قول عبد احملسن حليت : يف داخل األبيات نسيج داليل ينساب ويتغلغل )٣( وقت حلول املوت جمهول لكن علمه ومولد الطفل كل الناس ت

جتمع بني بعدين زمانيني مها ) حلول املوت ( و ) مولد الطفل ( فالبنية التقابلية بني ه يدل على هوان شأنه املولد واملوت ، وعلم البشر يف األول وانتظارهم له وترقبهم حلدوث

وسهولة أمره على حني أن جهلهم باألخري وعدم معرفتهم بوقت حدوثه مع ما حيمله من . املفاجأة املؤملة يدل على عظم شأن هذا األمر وثقل وطأته

ومن املوسيقى الداخلية رد العجز على الصدر ، وهذا الفن ال يقتصر على البيت كنه قد حيدث يف شطر واحد من البيت الشعري ، التقليدي كامال كما يظن البعض ول : ومثال ذلك قول حممد هاشم رشيد

١٨أمحد إبراهيم احلريب ، ص: تقاسيم على جذع خنلة الوادي ) ١( ٢٩سورة القيامة ، آية ) ٢( ٨٤عبد احملسن حليت ، ص: مقاطع من الوجدان ) ٣(

Page 423: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( فاعذر الدمع إن جرى بالدماء رزؤنا فيك أفدح األرزاء رزؤنا ، ( فالكلمة األوىل يف الشطر األول قد جتانست مع الكلمة األخرية فيه

ا البيت ، ومن مناذج ذلك فحدث رد العجز على الصدر يف الشطر األول من هذ) األرزاء : ـ أيضا ـ قول غازي القصييب

ازدرانا البكـاءوبكينا حىت قد عجزنا حىت شكا العجز منا )٢( الرجاءاستغاث حىتورجونا وركعنا حىت امشأز ركــوع

التوافق بني أوله وآخره حيث يرد العجز على الصدر يف كل ففي كل شطر جرى هذا الفن البالغي يف الشطر التقليدي ويف هذه احلالة تكون له شطر ، وهذا يدل على وجود

مجالية إيقاعية وصوتية أقرب يف توافقها ومتوجها من حدوثها يف البيت كامال ، حيث تبعد املسافة يف هذه احلالة قليال فيحدث ذلك البعد شيئا من عدم تقارب االنسجام والتناغم ،

ي وتأثريه الصويت السيما عندما يكون يف ذلك نكتة ولكن ذلك ال يعين غياب دوره اإليقاع : داللية أو تصويرية خاصة ، ومن مناذج ذلك قول ضياء الدين رجب يف رثائه ابنه

)٣( وخلفين أعيش على التراب ختري يف التراب هوى دفينا حيث احتوى هذا البيت على مفارقة تصويرية تقوم على بنية التقابل اليت تعكس ما

. األب الثاكل من أحزان الفقد ومرارة الغياب يعانيه

٢٢٩حممد هاشم رشيد ، ص: الكاملة اموعة) ١( ٨غازي القصييب ، ص: لشهداء ل) ٢( ٤٣٠ضياء الدين رجب ، ص: ديوان ضياء الدين رجب ) ٣(

Page 424: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

: القوايف _ ٣تعد القافية شريكة الوزن يف الشعر العريب ملا تقوم به من وظيفة مجالية موسيقية عن

مسة مميزة للقصيدة العربية ، ومل د كانت القافية قطريق إجياد أجواء إيقاعية متناغمة ، ول، ورغم ما حدث للشعر العريب من تطور وما طرأ عليه من تتخلى عنها يف أية مرحلة تارخيية

تغريات جذرية يف العصر احلديث فال يزال للقافية دور وإسهام فعال يف بلورة شكل القصيدة وكل ما قيل عن ختلي الشعر احلديث عن القافية ائيا وأن القصيدة احلديثة مل تعد ((العربية

م الذي يطلق على عواهنه دون استقراء كامل يف حاجة إليها ، يعد من قبيل الكالفالقافية ما زالت موجودة وتقوم بوظيفتها خري قيام إال أن الشعر احلديث .. للنصوص

حررها من شكلها ومن رتابتها وحوهلا إىل جمموعة من األمناط بعد أن كانت منطا واحدا ، ، وهذا األمر جير إىل تقرير )١( ))كما أسند إليها أدوارا كثرية عالوة على دورها القدمي

حقيقة نقدية مهمة مفادها أن القافية قد تغري مفهومها وتطور تبعا للتغري والتطور األديب ، ألن مفهوم القافية يف املاضي كان خاصا أو مرهونا ببقاء الروي ، فالروي عالمة على القافية

لدين إمساعيل ومما الحظه يف ذلك ، ومن الذين قد أولوا هذا األمر اهتماما بالغا الناقد عز امل يكن الشعر ليستغين عن القافية ، لكنه يستيطع أن يستغين عن الروي املتكرر يف ((أنه

اية السطور ومن هنا استغىن الشاعر عن القافية بوضعها القدمي ، لكنه ألزم نفسه مقابل أو الحقاا إال ارتباط انسجام ذلك بنوع من القافية املتحررة ، تلك اليت ال ترتبط بسابقاا

وعليه فقد أصبحت اية السطر ، )٢( ))وتآلف ، دون اشتراك ملزم يف حرف الروي الشعري الذي تنتهي عنده الدفقة املوسيقية قافية السطر وقد متتد هذه القافية ألكثر من سطر

ل إىل ما شعري وذلك عندما متتد الدفقة املوسيقية فتشمل أكثر من سطر شعري وتتحويسمى باجلملة الشعرية ، وهذا األمر قد جعل شأن القافية يف الشكل اجلديد نسقا بالغ

. احلساسية والصعوبة وحيتاج إىل مزيد دربة ومران كما يستلزم األصالة واالقتدار

١٤٥عبد السالم سالم ، ص: اخلطاب الشعري عند حممد عفيفي مطر ) ١( ٦٧عز الدين إمساعيل ، ص: الشعر العريب املعاصر ) ٢(

Page 425: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

أما يف الشكل التقليدي فقد بقيت للقافية هيبتها وأصالتها يف نظامها املعروف ألن ي للشعر العريب قد سار يف نظام مباشر وظاهر للحواس كما أنه دقيق وثابت اإلطار التقليد

ال يعاين من فوضوية أو عدم انضباط ، وكان من ميزات ذلك النظام أنه معروف من قبل اآلخرين ، ولذا كان الشاعر كثريا ما ينتهي من صدر قصيدته مث يقف ليتم له املستمع اية

كأن القافية فيه شيء ثابت البد أن يكون هو تلك الكلمات ، عجزها أو باألصح قافيتها ، فوكثري من أبيات الشعر العريب ال يستطيع أحد أن يستبدل الكلمة اليت فيها قافيتها بأي كلمة أخرى ، بل البد أن تكون هي تلك الكلمة ، ومن هنا كانت القافية نظاما ثابتا وواضحا يف

. الشعر العريب اصطالحية قد جتاوزها الدرس األديب ملا اعتاده فيها من كثرة غري أن مثة مشكلة

األخذ والعطاء وهي التداخل بني مصطلحي القافية والروي ، وهي مشكلة قدمية جدا حىت ، وحاليا أصبح هذا )١(إن بعض علماء اللغة األقدمني قد كانوا يطلقون على الروي قافية

عند التغلغل فيه والدراسة املفصلة أو عند التبادل االصطالحي شائعا ومتداوال ، ولكنفإنه يبقى لكل منهما مفهومه احملدود واخلاص ، ) القافية والروي ( اجتماع املصطلحني

وأول ما ينبغي للدارس رصده وتوضيحه يف شأن القافية أمران مهمان ، وذلك عندما تكون مها حروف الروي األكثر األمران نالدراسة يف مادة تؤطرها الكثافة والتعددية ، وهذا

حضورا واألقل أوال ، مث نوع هذه احلروف من حيث التقييد واإلطالق ، ويف هذه احلال يصبح قد أعطى تصورا عاما لقوايف مادته ، مث بعد ذلك يتغلغل يف اجلوانب الفرعية األخرى

صية وانفراد ، مع مالحظة أن هذا كله يف الشكل التقليدي أما قوايف شعر التفعيلة فلها خصو . آخر

وعند النظر يف مادة الرثاء السعودي فسوف يالحظ أن نظام قافيتها قد متاشى واتسق مع ما يوجد يف الشعر العريب عامة ، دون أن يكون له خصوصية معينة أو أن تربز فيه ظواهر

الم امليم ، ال: واضحة متنحه انفرادا أو خروجا معينا ، حيث كانت أكثر احلروف رويا هي ، الراء ، الباء ، النون ، الدال ، وهي نفس احلروف اليت يراها الدكتور إبراهيم أنيس أكثر

. وغريهم .. لعلماء ثعلب وقطرب من أولئك ا) ١(

Page 426: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

هذه ، وعند حماولة اكتشاف مدى التناسب بني )١(شيوعا واستخداما يف روي الشعر العريب احلروف وموضوع الرثاء فإن أول ما جتدر مالحظته أن هذا يرجع إىل كثرة شيوع هذه

أواخر الكلمات العربية ، وهذا الشيء سيتم إدراكه مبجرد نظرة سريعة إىل احلروف يف املعاجم العربية املرتبة على حسب احلرف األخري من الكلمة كلسان العرب البن منظور الصحاح للجوهري وغريهم ، وبالتايل فسيكون اختيار هذه احلروف رويا للقصيدة قد

، وقد منح النصوص ثراء دالليا ، أما األمر اآلخر أعطى جماال واسعا يف االختيار والعدولفإنه حيلظ يف هذه احلروف ظاهرة صوتية تتعلق يف قرب خمرجها من الشفتني ، فامليم والباء من الشفتني ، والراء والدال والالم من اللسان ، والشعراء يؤثرون استخدام احلروف ذات

ن ومها اللسان والشفتان ، ألن ذلك يسهل املخارج القريبة من أدىن اجلهاز الصويت لإلنسايف هذا ما يناسب موقف الرثاء حيث تكون والنطق باحلرف ويقلل من مشقة التفوه به ،

نفس اإلنسان مليئة باحلزن ومترعة باآلالم واآلهات وعليه فقد يصبح من املمكن القول بأن باخلروج مل يكن بسبب جميء الروي يف الرثاء السعودي على األحرف املشتهرة واألثرية

التأثر أو التقليدية فحسب ولكنه تكمن فيه دواع أخرى من أبرزها ما يوجد من تناسب بني املوقف الرثائي وصفات هذه احلروف ومن مناذج مراثيهم اليت جاء الروي فيها من تلك

) : واعا أيها احلبيب ( احلروف الشهرية واألثرية قصيدة حممد بن حسني مقدامـا مهذباعف اإلزار ملوت شهما ماجدا ورمت سهام ا

نظاما الثناءفكرا يصوغ من فقـــدهاهللا أكرب مل يدع يل )٢( منح الفؤاد سعادة وسالمـا إن يعتري عقلي الذهول فطـاملا

فاأللف قبل امليم تبدو وكأا جتسم حاالت الصراخ والدعاء ، ويزيد من أثرا جميء .، وامليم تعرب عن الضيق واألحزان امليم مفتوحة بعدها

ومن القصائد اليت جاء رويها باء قول عبد اهللا بن مخيس يف رثاء امللك خالد ـ رمحه : اهللا ـ

٢٤٨ص) م ١٩٦٥القاهرة ، دار املعارف ، ( ، ٣ط إبراهيم أنيس ،: موسيقى الشعر انظر ) ١( ١٢٠حممد بن سعد بن حسني ، ص: أصداء وأنداء ) ٢(

Page 427: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

)١( وراع إىل كل القلوب قريب حبيب وما كل امللوك حبيب والباء صوت شديد جمهور ، وكما هو معلوم فإنه أحد حروف القلقلة ، وذلك ملا

قوة والشدة ، ويف ذلك ما يتناسب مع موقف شديد الوطأة وثقيل التأثري معربا عما فيه من الحبيب ، ( يف نفس الشاعر من حزن عظيم على ذلك امللك احملبوب ، ولعل يف كلميت

. ما يعكس أو ينقل شيئا من عاطفته ) قريب : أما جميء الالم رويا فمن أمثلته قصيدة عبد اهللا احلميد يف رثاء والده

املثــايلولكين أراك أيب والتمين الترقبويقلقين )٢( وتعصف بالتخاذل والتعايل تقدر كل أنات احليارى

ومثل ذلك جند مناذج كثرية للحروف األثرية األخرى كالنون والراء والدال وغريها ثر هذه الدواوين واموعات الرثائية من قصائد الرثاء السعودي ، واملالحظ يف أك حوتهمما

القوايف أا من القوايف املطلقة وهي ما جاء الروي فيها متحركا ال ساكنا أما القوايف املقيدة أو مسكنة الروي فمن القليل ورودها ولعل ذلك ملا يف السكون من هدوء وركود ال يتوافق اء مع حالة النفس املضطربة إزاء احلزن وموقف الفقد ، ومن ذلك قول عثمان بن سيار يف رث

: ركاب الطائرة احملترقة ت الصيحة واملوت حضر دو قم ختيل ساعـة من فزع )٣( يوشك اخلافق منهـا أن يقر سوف تنتابك مثلي رجفة

ما وحرف الراء عند سكونه تكمن فيه صفة التكرير والتردد فيتناغم يف ذلك مع . يتردد يف النفس من احلسرة واألمل

العريب ستعماهلا فهي أيضا تلك القليلة الورود يف الشعر أما حروف الروي اليت ندر اوقد ندر ورودها يف مادة ، أو ما تسمى بالنفر ، ومنها الكاف والصاد والزاء والذال واجليم

٨٥عبد اهللا بن مخيس ، ص: الديوان الثاين ) ١( ٥٦د ، صعبد اهللا احلمي: ما مل تقله اخلنساء ) ٢( ١١٦عثمان بن سيار احملارب ، ص: بني فجر وغسق ) ٣(

Page 428: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

الرثاء السعودي ، بل إن ما وجد من بعضها قد يكون نادرا أو واحدا يف بابه ، ومن مناذج ) : رثاء خامت ( دته تلك احلروف ، قول حممد بن حسني يف قصي

ألن به ما ال يلمــلمه القــص خامت لبكيتـه يبكى كان فلو )١( القــصدعوت عليها أن يباينها إن زان حسنك إصبعا يفيا خامت

: قول حممد هاشم رشيد هأما حرف اجليم فمن مناذج أصداؤه ورؤاه ختتلـج يا راحـال وىل وما برحت )٢( املهج نبضاتهحتيا على ال مل متت فاملوت ليس من

: ومن النماذج اليت تكاد تكون منفردة يف رويها ما قاله حسن الزهراين يف رثاء أمه ترى اآلمال وهي جتز جزا أعزى فيك يا أمي وعيين )٣( زاحنالقلب يفمبوا تحنز فال واهللا ال أنساك يا من

األثرية وال القليلة فمثل القـاف اليت كانت متوسطة احلضور فلم تكن بأما احلروف : والعني واهلاء واحلاء والتاء والفاء ، ومن مناذج ذلك إحدى مراثي عبد اهللا بن مخيس

أم أنت رغم احلادثات مسويف هل أنت يا صوت القوايف مسعفي ٤(شعرا ومقلة ناظـر مل تذرف مجدت قرحية شاعر ما أخصـبت(

مهموس ، والنطق ا يتم بوضع أطراف الثنايا والفاء كما هو معروف صوت شفوي العليا على الشفة السفلى بصورة تسمح للهواء أن ينفذ من خالهلا ومن خالل الثنايا ، مـع عدم السماح للهواء بأن مير من األنف ، كما أن األوتار الصوتية ال تتذبذب عند النطق ا ،

لك اتفاق وتناسب مع دوافـع هـذه وذا يتحقق فيه صفة الضيق واحملاصرة فيكون يف ذ .القصيدة احملزنة

. قصيدة من ديوان خمطوط حتت الطبع ) ١( ٢٣٧حممد هامشرشيد ، ص: اموعة الكاملة ) ٢( ٦١حسن الزهراين ، ص: ريشة من جناح الذل ) ٣( ٤٨٥عبد اهللا بن مخيس ، ص: على رىب اليمامة ) ٤(

Page 429: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

أما عيوب القوايف املشتهرة كاإلقواء واإليطاء وسناد التأسيس والتضمني وغريها فمن القليل النادر وجودها يف مادة الرثاء السعودي وما وجد منها ال يعدو كونه من النادر الشاذ

د شاعرا قد ألف عددا مـن الـدواوين أو املستغرب يف مكانه املوجود فيه ، حيث إنك جتفيها شيئا من ذلك ، وما وجد الشعرية اليت اشتملت على عشرات القصائد الرثائية فال جتد

من ذلك فغالبا ما يكون لدى شعراء مل تكتمل جتارم الشعرية أو تكون قصائدهم الرثائيـة الشعراء املعروفني قد أخرجت دون متحيص واستقراء السيما عندما يكون أولئك ليسوا من

ولكنهم قد مروا ببعض املواقف احملزنة فدفعتهم إىل كتابة شيء قد ال نبتعد عـن احلقيقـة حينما نقول بأنه أشبه ما يكون باخلطرات وليس القصائد ذوات البناء احملكم والنسيج القومي

: ، ومن القصائد اليت وقع فيها اإلقواء قول مزنة املبارك ففيه اهلناءة والســؤدد دعاك وأطلب أماه صدق

عرسه أمحـدلتلقني يف أما كنت يا أم يف هلفـة )١( كما البدر يف ظلمة يفقد لقد غبت يا أم يف ليلـة

مع أن حقه اإلعـرايب ) أمحد ( حيث وقع اإلقواء يف قافية البيت الثاين حينما رفعت . النصب ألنه مفعول به

: محن اليحيا يف رثاء والدته ومن اإلقواء أيضا قول عبد الر إليك يثوب الطهر واجلود والندى حىت ظننته وقد حل فيك الطهر

)٢( وميجـــداإمام مالك حيتذى يلقاك يدري بأنكوكل الذي فوقع اإلقواء يف قافية البيت الثاين ، حيث نصب الفعل املضارع مع أن حقه الرفع ،

البيتني من ركاكة وضعف تدل على أما نتاج وروي القصيدة دال مفتوحة ، ويلحظ ما يفشاعرية مل تكتمل مؤهالا بعد ، حيث جند الشاعر يف مرثية أخرى يقع يف سناد التأسيس ،

: فيقول يف رثاء والده قد حل فيه القدس إذ جئنا هلا اهللا أكرب والدي إن الثــرى

. طوطة قصيدة خم) ١( ١٧٤عبد الرمحن اليحيا ، ص: ديون األجنحة الساحبة ) ٢(

Page 430: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

امهاوالدين واألخالق أنت إم اهللا أكرب والدي إن التقــى )١( يف أفالكهاولتبكك األكوان ناحت عليك املزن يف أجوائها

ضمري قبله ) ها ( ألن ) ها ( فالروي هنا احلرف الواقع بني ألف التأسيس والضمري متحرك فال يصلح أن يكون رويا ، ويبدو أن صاحب املرثية هنا قد اعتقد صحة ذلك فجعل

.هو روي القصيدة ) ها ( الضمري وايف يف الشكل التفعيلي فقد تكون احلاجة إليها أشد من الشكل التقليدي وما أما الق

ذلك إال ألن شعر التفعيلة يفقد بعض القيم املوسيقية اليت تكون متوافرة يف الشعر اخلليلي ، حيث تعتري شعر التفعيلة العديد من الظواهر كطول األسطر والتدوير وكثرة االنزياحات ،

وجتعل املتلقي يواجه صعوبة يف التذوق املوسيقي لل من وضوح اإليقاع وهذه األمور قد تقفمجيء القافية يف آخر كل شطر ، سواء أكانت موحدة أم منوعـة ، ((واإلحساس به ،

، وقـد )٢( ))يعطي هذا الشعر احلر شعرية أعلى وميكن اجلمهور من تذوقه واالستجابة له لتفعيلية عند غياب القافية يغيب عنها مجـال الوقـع أشارت نازك املالئكة إىل أن القصيدة ا

، ومن استقراء ملادة الرثاء املكتوب بالشكل التفعيلي يف الشـعر السـعودي )٣(وعلو النربة : يلحظ حضور القافية واالهتمام ا ، ومن مناذج هذا احلضور قول غازي القصييب

طويال . . ضحكنا زمانا طويال ستحيال وكانت لنا قصص تبهر امل

)٤( وكان وفيا أبيا نبيــــالفهنا قد التزم الشاعر بقافية موحدة خيتم فيها كل سطر شعري ، ولكن هذه القافيـة ليست مستمرة وشاملة القصيدة كلها ، حيث إنه يف أجزاء أخرى من النص يستخدم قواف

: أخرى مما يدل على أن هذه القصيدة من ذوات القوايف املتعددة ، ومن ذلك

١٥٩املصدر السابق ، ص) ١( ١٩٠نازك املالئكة ، ص: قضايا الشعر املعاصر) ٢( ١٩١املصدر السابق ، ص: انظر ) ٣( ٣١غازي القصييب ، ص: للشهداء ) ٤(

Page 431: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

القريب بعيدا . . وصار القريب احلبيب غريبا. . وصار احلبيب

)١( وكان الزمان زمانا عجيبــاويف هذا النص تربز ظاهرة مهمة يف قوايف شعر التفعيلة ، وهي أن الشـاعر جيعـل

بعيدا ( تبعا ملا يستدعيه النص ، فالقوايف يف هذا النص القافية أساسا يلتزمه أما الروي فيتغري قد اختد فيها األساس على حني اختلف الروي يف بعضها ، كما أا أتت ) غريبا ، عجيبا ،

مشبعة ، والقافية املشبعة هي اليت يتم فيها إشباع حركة الروي ، واإلشباع هنا قـد قـام بوظيفة مجالية لتناسبه مع البعد والغرابة والتعجب ، وما حتمله هذه املعاين من شدة التأثري ،

اليت متثلها ) القوايف الداخلية ( أن النص قد احتوى على ظاهرة أخرى من القوايف هي كما . يف السطرين األولني من هذا النص ) احلبيب ، القريب ( كلميت

مناذج الشـعر ((ومن الظواهر البارزة يف شعر التفعيلة تسكني قوافيه حيث وجد أن يب حنوي بل هلدف موسيقي يرتبط بالتشكيل اجلديد تنحو حنو تسكني األواخر ال هلدف إعرا

)٣(، والواقع أن هناك من يرى هذا األمر عيبا يف شعر التفعيلة )٢( ))العام مبوسيقى القصيدة ، كما أن هناك من يرى أن يف تسكني قوايف شعر التفعيلة حفظا للسياق الشعري من اللبس

لبس ، فكذلك تعمل ظاهرة تسـكني فكما حتفظ احلركة اإلعرابية أواخر األبيات من ال (( : ومن مناذج التسكني قول عبد اهللا احلميد ، )٤( ))حروف الروي على ذلك

اهلنوف / القمر / الطفلة / العروس يهذ عربت تطوف عربت تطوف

٣٥غازي القصييب ، ص: للشهداء ) ١( ،) هــ ١٤٠٤الرياض ، دار األصالة للنشـر ، ( ، ١ط يوسف نوفل ،: األدب السعودي ، رؤية داخلية يف) ٢(

١٧٦صالرياض ( ، ١طي ، ريصاحل اخلض: الصورة الفنية يف الشعر اإلسالمي عند املرأة العربية يف العصر احلديث : انظر ) ٣(

. ٣٧٧ص) .هـ ١٤١٤، مكتبة التوبة ، ١٩٠فتحي أبو مراد ، ص: نقل دراسة أسلوبية شعر أمل د) ٤(

Page 432: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

ا الزهريفستنا ١( يفتحم احلتوف(

لية فنيـة أرادهـا غري أن تسكني القوايف قد يكون نابعا من إرادة وقصد ليكون مجاالشاعر وقصدها بوعي وإخالص ، وقد يكون الشاعر هنا إمنا أتى بالسكون ألنه ينقل حقيقة

ة غري قابلة للجدل والنقاش وهي مأساة الطفلة املرثية وما واجهها من غدر مياه املسـبح تثاب . الذي غرقت فيه

معنويـة بـارزة قـول ولعل من النماذج اليت حقق فيها تسكني القافية مجالية فنية و : عبدالرمحن العشماوي

كانت دموع الشيخ أقوى من جتلده وأكرب

ولسانه من جور حسرته تعثر

يف رأسه مليون خاطرة وأكثر

فتسكني القافية هنا قد تضامن مع ما يصوره النص من سكون وجتلد الشيخ وعـدم .اخلواطر احملزنة واآلالم املضنية مقدرته على التفوه بأي كلمة وذلك ملا يف نفسه من

أما قوايف اجلمل الشعرية فهي اليت حتدث يف كل مجلة شعرية قد ختلل التدوير مجيـع : أسطرها الشعرية أو جل تلك األسطر، ومن تلك القوايف قول جاسم الصحيح

يا أيها العرس املقدس يا جنينا سل من رحم السعادة يف يدي والدة عمياء

ألمومة يف خماض اليأس يا عرق ا يا فرحا على وجه القوابل راح يسرقه اخلفوت

٢٢عبد اهللا احلميد ، ص: ما مل تقله اخلنساء ) ١(

Page 433: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا����ع : ا�"ا! ا����

فهذه األسطرتشكل مجلة شعرية رويها التاء الساكنة يف آخرها ، ويف النص ترد هذه النعـوت ، السـكوت ، ال ميـوت ، البيـوت ، ( التاء قافية يف مجل شعرية أخرى منها

.) عنكبوت ية يف الشعر التفعيلي وكيف كـان تنوعهـا وهكذا نشاهد كيف كان حضور القاف

وتعدد مناذجها النابع من تطور ومنو التجربة الشعرية وحماولتها التجديد واالنعتاق من بعض القيود اليت تكبح حريتها بعض األحيان ، ويف هذا ما يدل على ما تشهده قصـيدة الرثـاء

.السعودية املعاصرة من حتوالت فنية ومنوا إبداعي متألق

Page 434: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا�����2

ـ خامتة الدراسة ـ : وبعد .. احلمد هللا وحدة ، والصالة والسالم على رسوله وآله وصحبه

فقد كان اهللا معينا وموفقا يف إمتام هذه الدراسة املتخصصة اليت قامت بالتطواف على غرض الرثاء يف الشعر السعودي املعاصر مستقرئة مادة ذلك الرثاء من مصادرها املتعـددة

ف على أبعادها املوضوعية وخصائصها الفنية لتكون ـ بالتايل ـ صورة وافية وحماولة الوقوعن هذا الفن الكبري كأمنوذج صادق يف إعطاء تصور عام عن الشعر السـعودي عامـة يف مجيع اجتاهات وفنونه ، وحيث إن الدراسة كانت حمدودة بعاملي الزمان واملكـان فقـد

من خالل النماذج املدروسة اليت تناولت بالفحص حاولت تغطية مجيع أجزاء هذين العاملنيشاعرا وشاعرة من مجيع أجـزاء اململكـة العربيـة تسعنيواالستقراء إبداع ما يزيد على

: السعودية ويف خمتلف العقود الزمنية للفترة املدروسة فكان من أبرز نتائج الدراسة ما يلي عية وخصائصه األسلوبية ، وقد أن الرثاء السعودي كان متميزا يف قيمه املوضو_ ١

كان متسما بالصفاء العقدي واإلحساس األخوي والنبل اإلنساين العام ، عاكسـا بـذلك .االتسام خصائص وأخالق اتمع السعودي عامة

أن الرثاء من أصدق العواطف اإلنسانية وأجلها تصويرا ، وهلذا فإنه غالبا مـا _ ٢وعا ؛ وبالتايل فإنه ترمجة واقعية أصيلة ، وصورة فنية يتحقق فيه الصدق اإلبداعي فنا وموض

مؤثرة ، كما أنه جتربة اجتماعية عامة ، ألنه غالبا ما يكون يف شخصيات بارزة مشهورة ، إخل ، وال .. كامللوك احملبوبني ، والعلماء املفقودين ، والشهداء ااهدين ، والشعراء املؤثرين

رب أو أصدقاء الشعراء وأصـفيائهم ، وهـذا الصـنف خيرج عن ذلك إال ما كان يف أقايكتسب اجتماعيته وتأثريه من كونه صورة واقعية جيد فيها املتلقي مثال لوعته ومرارة جتربته

.وعظيم أسفه على مفقوديه من أمثال أولئك املرثيني أن هذه املادة الرثائية تتصف بوفرة وغزارة كبرية جدا ، وال أدل على ذلك من _ ٣

ود اموعات والدواوين الشاعرية املتخصصة يف رثاء الشخصية الواحـدة أو القضـية وجاإلنسانية الواحدة ، ومن أمثلة ذلك الرثاء يف شخصية امللك فيصل بن عبد العزيز ـ رمحه

Page 435: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا�����2

.. اهللا ـ والشيخ عبد العزيز بن باز ـ رمحه اهللا ـ ، والطفل الفلسطيين حممـد الـدرة .فرة الكبرية يف املادة إال أنه يقابلها وفرة املصادر ومتيزها التصنيفي وغريهم ، ومع هذه الو

تشكلت معظم مادة الرثاء يف السنوات األخرية من مدة الدراسة ، حيث إـا _ ٤تقل يف الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن املاضي ، على حني تزداد كثافتـها

رية من القرن الرابع عشر اهلجري ، ولعل مرد ذلـك فيما بعد ذلك والسيما السنوات األخوغري ذلك مـن .. إىل ازدهار األدب وزيادة أعداد املبدعني وانتشار التعليم وتطور اإلعالم

وسائل التطور والنمو العصرية األخرى ، كما أن الدراسة قد كشفت عن ضخامة الرثـاء ي ، وأمحد قنديل وحممود مد فقهوره يف إبداعهم وذلك مثل حملدى بعض الشعراء وكثرة ظ

.. عارف ، وحممد بن حسني ، وغازي القصييب ، وجاسم الصحيح ، وعبـد اهللا الزيـد وغريهم ، على حني يقل أو يكاد يتالشى يف إبداع آخرين مثل عبد اهللا الفيصل وعبـد اهللا

.. خان العثيمني ، ومحزة شحاتة ، وإبراهيم العواجي ، وحممد الثبييت ، وعبـد اهللا الصـي .وغريهم كشفت الدراسة عن حتوالت قصيدة الرثاء املعاصرة يف الشعر السعودي وانتقاهلا _ ٥

التطوري املتميز حيث انطلقت من مستوياا التقليدية املنحسرة يف البكاء وتعـداد مـآثر املفقودين إىل آفاق غري حمدودة من جوانب الفكر واإلبداع واإلنسانية املتعـددة ، ملتقيـة

ذلك مع حركة النمو واالزدهار اليت يشهدها الواقع الثقايف واألديب يف اململكـة العربيـة ب . السعودية وعاكسة بدورها شيئا من ذلك االزدهار

كثري من هذا الرثاء وجد يف الفترة الزمانية القريبة ، ويلتقي الشعر السعودي فيه _ ٦ة يف أمور جوهرية كثرية ودراسته تعطـي مع مجاليات البناء الفين للقصيدة العربية املعاصر

تصورا ودراية عن تشكل شعرنا املعاصر ، وما يعيشه من تطور وحتول يتواكب مع متغريات . العصر

عندما وضعت الدراسة الرثاء السعودي يف سـياقه االجتمـاعي والتـارخيي _ ٧لت الشـاعر والسياسي وقفت على جمموعة كبرية من القضايا واهلموم الواقعية الـيت شـغ

. السعودي واستأثرت بعاطفته على املستويني الذايت واجلماعي

Page 436: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

ا�����2

أسهمت الدراسة يف الكشف عن اجلوانب اإلنسانية يف الشعر السعودي ، حيث _ ٨يدعو إىل تسليط األضواء على قضية املوت والفناء ، كما ينطلق إىل آفاق املعمورة يضـمد

ممتلئ بالعطف واإلشفاق ، ويف هذا ما يعكس جراح اإلنسان وحيس بآالمه ونكباته بضمري . نبل العاطفة يف ذلك الشعر

: أما أبرز املقترحات بعد هذه الدراسة فتتركز يف األمور التالية وغري .. دراسة أغراض وفنون الشعر السعودي األخرى كاملدح والغزل والفخر _ أ

ذلك لتكتمل مكتبة األدب السعودي وتتلك الثغرات سد . نظرا لكثافة مادة الرثاء وتتابع إنتاجها املتدفق فكم سـيكون جمـديا وجـود _ ب

دراسات تقوم على التصنيف والتفصيل ، حبيث تدرس كل اجتاه من اجتاهات شعر الرثـاء السعودي دراسة مستقلة ، حىت يتمكن الباحث من التعمـق واالستقصـاء واستكشـاف

هات ، أو أن تتخـذ تلـك الدراسـات مـن اخلصائص والظواهر البارزة يف تلك االجتا . إخل .. اءالشخصيات املرثية تقسيما هلا كرثاء العلماء ورثاء الشعراء ورثاء األصدق

دراسات مقارنة وموازنة تبحث أوجه الشبه واالختالف والتأثر والتأثري بالقيام _ ج لرثاء السعودي والرثاء بني الرثاء السعودي والرثاء يف البالد العربية األخرى ، وكذلك بني ا

لدى األمم والشعوب غري اإلسالمية املعاصرة ، وذلك ألن الرثاء السعودي ميثل الصـورة . الواقعية للشعر املنبثق عن التصور اإلسالمي الصحيح

ويف اخلتام أشكر اهللا سبحانه وتعاىل مث كل من ساهم وتعاون معي يف سبيل إجنـاز الوجود ، راجيا من اهللا أن أكون قد أتيت فيها على كل ما هذه الدراسة وإخراجها إىل حيز

. يتطلبه واجب الدراسة وما ينال رضا وتقدير أساتذيت األجالء . وصلى اهللا على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني

Page 437: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

) :تراجم الشعراء ( حق لم هــ ، حيمـل ١٤١٥هـ ، وتويف عام ١٣٤٢أمني فودة ، ولد يف مكة عام إبراهيم •

شهادة املعهد العلمي السعودي ، توىل عدة وظائف ، عمل رئيسا للنادي األديب مبكـة شوق وحنني ، مطلع الفجر ، حياة وقلـب ، ( املكرمة ، له أربعة دواوين مطبوعة هي

) . صور وجتاريب

إبراهيم عبد اهللا مفتاح ، من مواليد جزيرة فراسـان مبنطقـة جـازان عـام • . يم ، عضو جملس إدارة نادي جازان األديب هـ ، يعمل يف التعل١٣٥٩

) كتاب إىل البحر ، امحرار الصمت ، مقامات فرسانية ( من أعماله

)) .إبراهيم مفتاح : رائحة التراب ((

مطابع الرياض ، ( ١جمموعة مؤلفني ، ط: موسوعة األدب العريب السعودي احلديث • ٩/١٢) هـ ١٤٢٢احلميضي ،

هـ ، ليسانس لغة عربية من جامعـة ١٣٥٧زة عام يحممد الدامغ ، ولد يف عنإبراهيم •شرارة الثـأر ، ظـالل ( منها اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ، له عدد من الدواوين

) . البيادر )) ١٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

شـاعر حاز على لقـب هـ ، ١٣١٨أمحد إبراهيم الغزاوي ، ولد يف مكة املكرمةعام •جاللة امللك عبد العزيز آل سعود ، رأس جملس الشورى ، رأس حترير بعض الصـحف يف احلجاز ، من أعماله ديوان الغزاوي ، يعده املؤرخون مـن رواد األدب احلجـازي

.احلديث )) ٣/١٣٢٠إبراهيم الفوزان ، : األدب احلجازي احلديث ((

هـ ، بكالوريوس من كلية املعلمني ١٣٧٦جازان عام أمحد إبراهيم احلريب ، من مواليد •يف جازان ، يعمل مدرسا يف وزارة التربية والتعليم ، عضو نادي جازان األديب ، مـن

) رحلة األمس ـ تقاسيم على جذع خنلة الوادي ( دواوينه املطبوعة )) ٢١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

Page 438: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

.هـ توىل القضاء يف امة ١١٥٣جازان عام أمحد حسن كلي ، من مواليد •عبد اهللا أبـو داهـش ، : احلياة الفكرية واألدبية يف جنويب اجلزيرة العربية (( ))١١٩ص

هـ ، بكالوريوس جتارة ، تنقل يف عدة ١٣٥٥أمحد سامل باعطب ، ولد يف املكال عام •لرصيب ، عيـون الروض امللتهب ، قلب على ا( وظائف حكومية له عدة دواوين منها

) .تعشق السهر

هـ ، بكالوريوس لغة عربيـة مـن ١٣٩٢أمحد اللهيب ، ولد يف بريدة عام • ) .النبع احلزين ( جامعة اإلمام ، من أعماله

هـ ، تنقل يف عـدد ١٣١٦، من مواليد عنيزة عام ))مسافر ((أمحد بن صاحل الصاحل •عندما يسقط العراف ، قصائد يف ( من الوظائف احلكومية ، من أشهر دواوينه الشعرية

))زمن السفر ، انتفضي أيتها املليحة )) ٢٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، له عدد من ١٣٩٩هـ ، وتويف عام ١٣٢٩يف جدة عام أمحد صاحل قنديل ، ولد •صداف ، قاطع الطريق ، املركاز ، األ( الكتابات والدواوين الشعرية ، من أشهر أعماله

) .اخلضراء قرييت )) ٢٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، وتويف عـام ١٢٠٢أمحد بن علي بن حسني بن مشرف ، ولد يف األحساء عام •هـ ، كان من شعراء دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب واملدافعني عنـها ، مت ١٢٨٥

. مجع شعره وطبعه يف ديوان بامسه إبراهيم الفوزان ، : التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية شعراء مرحلة (( )) ١٥٩ص

هـ ، تـويل ١٤١٣هـ وتويف عام ١٣٤٣أمحد حممد مجال ، ولد يف مكة املكرمة عام •ماذا يف احلجاز ، قال ( إدارة حترير جريدة حراء ، وعني عضوا يف الشورى ، من أعماله

) .، الطالئع يل ، مكانك حتمدي

Page 439: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

)) ٢٦/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هـ ، ماجستري يف اللغة واألدب مـن ١٣٤٧، ولد يف جازان عام أمحد بن حيىي كلي •

) .األرض واحلب ، أول الغيب ، طيفان على نقطة الصفر ( أعماله )) ٢٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، دكتوراه يف اإلدارة ١٣٦٢ة املنورة عام أسامة عبد الرمحن عثمان ، ولد يف املدين •واسـتوت علـى ( من أعمالـه . العامة ، يعمل أستاذا جامعيا يف جامعة امللك سعود

) .اجلودي ، حبر جلي ، وغيض املاء ، الثقافة بني الدوار واحلصار )) ٢/١١٧عبد اهللا بن سامل احلميد ، :شعراء من جزيرة العرب ((

، من مواليد الطائف ، بكالوريوس لغة إجنليزية ، مـن أعماهلـا بديعة داود كشغري • )الرمل إذا أزهر ، مقامات خارج الزمن ، شيء من طقوسي (

)) ٣٥/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هلا ديوان ))زينة ((م ، رأست حترير جملة ١٩٤٣ثريا حممد قابل ، من مواليد جدة عام •

)وزان الباكية األ( شعري مطبوع بعنوان )) ٣٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هــ ، بكـالوريوس هندسـة ١٣٨٤جاسم حممد الصحيح ، ولد يف األحساء عام •ميكانيكية ، يعمل مهندسا يف شركة أرامكو السعودية ، حصل على جائزة البابطني عن

، وحصـل علـى أفضل قصيدة ، كما حصل على جائزة أا الثقافية عن أفضل ديوانظلي خليفيت علـيكم ، محـائم ( جائزة قصيدة بريوت ، له عدة دواوين مطبوعة منها

) . تكنس العتمة ، رقصة عرفانية ، أعشاش املالئكة )) ٣٨/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، دكتوراه يف النقد احلديث ، ١٣٨٨حبيب بن معال املطريي ، ولد يف الرياض عام •، حصـل ) جامعة اإلمام حممد بن سعود ( مل أستاذا مساعدا يف كلية اللغة العربية يع

نثيث ( هـ ، من دواوينه املطبوعة ١٤١٢على جائزة عبد العزيز البابطني يف الشعر عام ) .السقاء ، أغاريد شذا للطفلة املسلمة

Page 440: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

))/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث (( •

، من مواليد الفـوارة مبنطقـة القصـيم عـام تحني حجاب بن عبد اهللا بن •هـ ، تنقل يف عدد من الوظائف احلكومية ، يكتب الشـعر العـامي ١٣٦٠

.والفصيح

هـ ، شاعر وقاص وكاتب مسرحي ١٣٤٤حسن عبد اهللا القرشي ، ولد يف مكة عام •دبيـة ، ، غزير اإلنتاج ، له الكثري من املشاركات والعديد من الدواوين والدراسات األ

معجـم (( ) .اس ـالبسمات امللونة ، فلسطني وكربياء اجلريح ، أنا والن( من أعماله .)) ٢٣٩األدباء والكتاب ، ص

هـ ، بكالوريوس يف اجلغرافيا ١٣٨١حسن بن حممد الزهراين ، من مواليد الباحة عام • . من جامعة أم القرى ، عضو رابطة األدب اإلسالمي وعضو نادي الباحة األديب

) فيض املشاعر ، صدى األشجان ، ريشة من جناح الذل ( من اعماله ))١٦٩حسن الزهراين ، ص: صدى األشجان ((

هـ ، وتويف عـام ١٣٣٢حسني علي صويلح سرحان ، من مواليد مكة املكرمة عام •أجنحة بال ريش ، الطائر الغريب ، يف ( هـ ، كاتب وشاعر متميز من أعماله ١٤١٣

) .ب األجب واحلر )) ٤٤/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هــ ، ١٣٨٢حسني بن عجيان العروي اجلهين ، من مواليد املدينـة املنـورة عـام •لـم السـفر ، نبـوءة ( بكالوريوس التربية من جامعة امللك عبد العزيز ، من أعماله

) .اخليول ، بشائر املطر ، قصائدي ، انتظار ما ال ينتظر )) ٤٥/ ٩: وعة األدب السعودي احلديث موس ((

هـ ، أشهر شعراء الدولـة السـعودية ١٢٢٥حسني بن أيب بكر بن غنام ، تويف عام •األوىل ، شهد بداية العصر احلديث ، وأسهم يف يقظة عوامل النهضة اإلصالحية السلفية

) .العقد الثمني يف أصول الدين ، تاريخ جند ( ، ومن آثاره

Page 441: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

إبراهيم الفوزان ، : لة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية شعراء مرح (( )) ١٢٩ص

هــ ، حصـل علـى ١٣٩٢عـام حفيظ بن عجب الدوسري ، من مواليد اخلرج •يف املرحلة ، يعمل مدرسا هـ ١٤١٥البكالوريوس من جامعة اإلمام كلية الشريعة عام

رج ، أصدر عددا من الـدواوين اخلرج ، إمام وخطيب أحد جوامع مدينة اخلالثانوية ب ) . ، شوارد البيان ، حلظات ندم ، األقصى والشرف قحط احملبة( الشعرية منها

)) .حفيظ الدوسري : دليل الغربة ((

رقية بنت أمحد عارف ناظر ، كاتبة وشاعرة تكتب يف الصحف احمللية ، من أعماهلـا • ) . مشس لن تغيب ، خفايا قلب ، الريح والرماد(

)) ٥٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، دكتوراه ١٣٥٤زاهر بن عواض األملعي ، من مواليد رجال أملع مبنطقة عسري عام •يف التفسري من جامعة األزهر ، تنقل يف عدد من الوظـائف التعليميـة مـن أعمالـه

) .رآن الكرمي األملعيات ، من نفحة الصبا ، دراسات يف التفسري املوضوعي للق( )) ٦١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، يعمل يف حترير جريـدة ١٣٦٧سعد بن عبد اهللا احلميدين ، ولد يف الطائف عام •رسوم على احلائط ، ضحاها الذي ، وللرماد اراته ، أيـورق ( الرياض ، من أعماله

) .الندم )) ٦٤/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هــ ، دكتـوراه يف ١٣٦٤سعد عطية أمحد الغامدي ، من مواليد الباحة عام إىل العـرين ( احملاسبة ، عضو هيئة التدريس يف جامعة امللك سعود من أعماله

) .شاخما )) ٦٥/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

غة هـ ، بكالوريوس ل١٣٩٩ولد يف ثرمدا عام : سعود بن سليمان اليوسف • .عربية من جامعة اإلمام ، يعمل يف التعليم

Page 442: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

) غروب زمن الشروق ( دواوينه

سلطانة بنت عبد العزيز السديري ، من مواليد مدينة القريات ، كاتبة وشاعرة ، مـن • ).عيناي فداك ، عبري الصحراء ، سحابة بال مطر ، قهر ( أعماهلا

)) ٦٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، ١٣٤٩هـ ، وتويف عام ١٢٦٦سليمان بن سحمان بن مصلح ، ولد يف أا عام •من علماء وشعراء الدعوة اإلصالحية ، من آثاره ديوان شعري ودراسات دينيـة مـن

عقود اجلواهر املنضدة احلسان ، حل الوثاق يف أحكام الطالق ، رد أن الساعة ( أعماله ) . سحر وليست صناعة

إبـراهيم : تقليد املتطور يف الشعر السعودي احلديث يف منطقة جند مرحلة ال (( )) ١٣٧الفوزان ، ص

صاحل بن أمحد العثيمني ، من مواليد مدينة عنيزة ، عمل مدرسا يف التعليم العام ، تطغى • ) .شعاع األمل ( على شعره مسة التشاؤم ، له ديوان مطبوع بعنوان

)) ١٨١ بن إدريس ، صشعراء جند املعاصرون ، عبد اهللا ((يف البالغـة هـ ، دكتـوراه ١٣٨١صاحل بن سعيد الزهراين ، من مواليد الباحة عام •

.والنقد تراتيل حارس املكان املباح ، فصول من الرماد ، سـتذكرون مـا ( من أعماله ) .أقول لكم

)) ٧١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث (( هــ ، وتـويف عـام ١٣٢٢، من مواليد الرياض عام صاحل بن سليمان بن سحمان •

. هـ ، عامل وشاعر ١٤٠٠التقومي املبتكر املصفى األوىف ، ملتقى األار من منتقى األشـعار ، ( من أعماله

) .هوامش الروض املربع ، ديوان شعري إبراهيم الفوزان . حتقيق ومجع د: ديوان الشيخ صاحل بن سلميان بن سحمان ((

)) ٧، ص

Page 443: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هـ ، عضو جملس الشورى ، له العديد ١٣٨٣صاحل بن محد املالك ، ولد يف الرس عام • .من القصائد املخطوطة واملنشورة يف الصحف واالت

)) ٢٧٣عبد الكرمي احلقل ، ص: شعراء العصر احلديث يف جزيرة العرب ((يف عـام هــ ، وتـو ١٣٣٥ضياء الدين محزة رجب ، ولد يف املدينة املنورة عـام •

.هـ ، اشترك يف حترير جريدة املدينة املنورة ، له ديوان شعري مطبوع ١٣٩٦ )) ٧٣/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هــ ، وتـويف عـام ١٣٣٢طاهر عبد الرمحن زخمشري ، ولد يف مكة املكرمة عام •هـ ، خترج من مدرسة الفالح مبكة وأصدر أول جملـة سـعودية لألطفـال ١٤٠٧

. هـ ١٤٠٥، منح جائزة الدولة التقديرية عام ) روضة ال( أحالم الربيع ، أصداء الرابية ، أغاريد الصحراء ، علـى ( من دواوينه الشعرية

) .الضفاف )) ٧٤/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، دكتوراه يف األدب ١٣٧٠، ولد يف عنيزة عام السماعيل عبد الرمحن بن إمساعيل • . ريب ، أستاذ مشارك يف جامعة امللك سعود الع

) .املعارضات يف الشعر ، الغذامي الناقد ( من أعماله )) ٨٠/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، رئيس النادي األديب ١٣٥٢عبد الرمحن بن عبد الكرمي العبيد ، ولد يف اجلبيل عام • .يف املنطقة الشرقية ) . اخلليج العريب ، قبيلة العوازم ، يف موكب الفجر األدب يف( من أعماله

)) ٨٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث (( .هـ ، بكالوريوس لغة عربية ١٣٥٩عبد الرمحن بن عثمان املال ، ولد يف األحساء عام •

) .التصوير الوجداين يف شعر املكفوفني ، أغاريد من اخلليج ( من أعماله )) ٣/١٠٤ني ، معجم البابط ((

Page 444: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هـ ، خترج من جامعـة ١٣٧٥عبد الرمحن بن صاحل العشماوي ، ولد يف الباحة عام •اإلمام حممد بن سعود ، وحصل منها على درجة الدكتوراه يف األدب والنقـد شـاعر نشط ، يشارك يف خمتلف املناسبات ، له العديد من الدواوين والدراسات األدبية ، من

) .ا أمة اإلسالم ، القدس أنت ، عندما يعزف الرصاص إىل مىت ، ي( أعماله )) ٨٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، يعمل يف ١٣٨٠عبد الرمحن بن ماجد بن عمرو بن ربيعان ، من مواليد نفي عام • . احلرس الوطين ينشر يف الصحف احمللية وله ديوان شعري خمطوط

هـ وتـويف عـام ١٣٤٧عام املدينة املنورة عبد السالم هاشم حافظ ، ولد يفهـ ، تنقل يف عدد من الوظائف احلكومية ، وكـان لـه مشـاركات ١٤١٠

مذبح األشواق ، راهب الفكر ، قلـوب ( من أعماله . وإسهامات يف الصحافة ) .كليمة ، األنوار الذهبية

)) ٨٦/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث (( هـ ، بكالوريوس لغة عربية مـن ١٣٨٣سراء ، ولد يف حرميالء عبد العزيز إبراهيم ال •

. جامعة اإلمام حممد بن سعود ، يعمل معلما )) ١٢٢ص: احلقيل : شعراء جزيرة العرب ((

هــ ، وتـويف عـام ١٢٧٩عبد العزيز بن محد آل مبارك ، ولد يف األحساء عـام •ريب السالك يف فقـه اإلمـام تد( هـ ، له العديد من الرسائل املطبوعة منها ١٣٥٩ ) .مالك

)) ٧٥إبراهيم الفوزان ، ص: شعر مرحلة التقليد املتطور يف املنطقة الشرقية ((

هــ ، وتـويف عـام ١٢٠٣عبد العزيز بن محد ناصر املعمر ، ولد يف الدرعية عـام • .هـ ، فقيه وأديب ، له أشعار رائعة السيما يف أهل الدرعية ويف رثائها ١٢٤٤

)) ٤٧إبراهيم الفوزان ، ص: رحلة التقليد املتطور يف الشعر السعودي احلديث م (( •

Page 445: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هـ ، بكالوريوس لغة عربية ١٣٧٥عبد العزيز بن سعد العجالن ، ولد يف الرياض عام •أشياء مـن ( يعمل حاليا يف وكالة األنباء السعودية ، له ديوان شعري مطبوع بعنوان

) .ذات الليل )) ٩/٨٧: لسعودي احلديث موسوعة األدب ا ((

هـ ، وتويف عـام ١٣١٠عبد العزيز بن عبد اللطيف آل مبارك ، ولد يف األحساء عام •هـ ، تلقى تعليمه األويل يف األحساء وأكملها على معلميه يف الفقه واحلـديث ١٣٤٣ .شغل جل وقته بالدعوة إىل اهللا وتعليم الناس أمور الدين . واللغة

)) ١٣إبراهيم الفوزان ، ص: قليد املتطور يف املنطقة الشرقية شعراء مرحلة الت ((هـ ، توىل رئاسة هيئـة ١٣٧٤عبد العزيز بن عبد الرمحن اليحىي ، ولد يف بريدة عام •

. األمر باملعروف والنهي عن املنكر

هـ ، ليسانس كليـة الشـريعة ١٣٧١عبد اهللا بن سامل احلميد ، ولد يف الرياض عام • . حممد بن سعود ، عضو رابطة األدب احلديث يف القاهرة جامعة اإلمام

) شعراء من أرض اجلزيرة العربية ، أمل جريح ، ما مل تقله اخلنساء ( من أعماله )) ٩٢معجم األدباء والكتاب ، ص ((

هـ ، دكتوراه يف األدب ، أستاذ ١٣٨٥عبد اهللا بن سليم الرشيد ، ولد يف الغاط عام •خامتة الربوق ، حروف من لغـة ( مام حممد بن سعود ، من أعماله األدب يف جامعة اإل

) .الشمس )) ١٠١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، ليسانس كلييت الشريعة ١٣٣٩عبد اهللا بن حممد بن مخيس ، ولد يف الدرعية عام • .واللغة العربية مبكة املكرمة ، تنقل يف عدد من الوظائف احلكومية

األدب الشعيب يف جزيرة العرب ، ااز بني اليمامة واحلجاز ، على ( أعماله من ) .رىب اليمامة

)) ١٠٣/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

Page 446: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هــ ، ١٣٧٢عـام ))الوشـم ((عبد اهللا بن عبد الرمحن الزيد ، ولد يف الداهنـة •، شاعر ومذيع ، من أعمالـه بكالوريوس اللغة العربية من جامعة اإلمام حممد بن سعود

) .ما مل يقله بكاء التداعي ، ما قاله البدر قبلي ، مورق بالذي ال يكون ( )) ١٠٦/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ١٣٤٩عام ))سدير ((عبد اهللا بن عبد العزيز بن زامل بن إدريس ، ولد يف حرمة • . األديب يف الرياض ، رأس حترير جملة الدعوة كما رأس النادي

) .شعراء جند املعاصرون ، يف زورقي ، عزف أقالم ( من أعماله )) ١٠٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، بكالوريوس يف ١٣٧٦عبد اهللا بن علي بن عبد اهللا اخلشرمي ، ولد يف جدة عام •ول اإلسالمية ، من أعمالـه اإلدارة العامة ، رأس حترير جملة التجارة وجملة االقتصاد للد

) خارطة املرايا ، ذاكرة ألسئلة النورس ، عصا ميون ( ))١٠٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، وتويف عام ١٣١٢عبد اهللا بن علي بن حممد آل عبد القادر ، ولد يف األحساء عام •عارف باألحساء هـ ، تلقى علومه على أيدي علماء األحساء ، أسس جملس امل١٣٩١

) .حتفة املستفيد ( من أعماله إبـراهيم الفـوزان ، : شعراء مرحلة التقليد وشعرهم يف املنطفة الشـرقية (( )) ٥٤ص

هـ ، بكالوريوس ١٣٧٧عبد احملسن حليت عبداهللا مسلم ، ولد يف املدينة املنورة عام •ـ يف اإلدارة العامة ، رأس حترير جريدة مقـاطع مـن ( ه سعودي جازيت ، من أعمال

) .الوجدان ، إليه )) ٩/١١٥: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هــ ، وتـويف عـام ١٣٢٤عبيد عبد اهللا حممد مدين ، ولد يف املدينة املنورة عـام • ) .املدنيات ( هـ ، انتخب عضوا ورئيسا يف عدة جلان ، من أعماله ١٣٩٦

)) ١١٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

Page 447: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هـ ، عمل يف جامعة اإلمام حممد ١٣٤٨عثمان بن سيار احملارب ، ولد يف امعة عام • .بن سعود اإلسالمية بإدارة الكليات واملعاهد العلمية

) .ترانيم واله ، إنه احلب ، بني فجر وغسق ( من أعماله )) ١١٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

، بكالوريوس يف اللغـة العربيـة ))جازان ((ة املنجارة علي حممد األمري ، ولد يف قري • . يف املرحلة الثانوية يعمل مدرسا

) .بوصلة واحدة ال تكفي ( من أعماله )) ١٢٦/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، بكالوريوس يف اللغـة ١٣٥٦علي بن أمحد بن علي النعمي ، ولد يف جازان عام •اإلمام حممد بن سعود ، يعمل يف تعليم منطقة جازان ، من أعمالـه العربية من جامعة

) .الرحيل إىل األعماق ، األرض والعشق ، جراح قلب ( )) ١٢٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، وتويف عـام ١٣٠٩عمر بن إبراهيم عبد القادر بري ، ولد يف املدينة املنورة عام • . ى أيدي الشيوخ والعلماء هـ ، تلقى العلم عل١٣٧٨

، حتقيـق وتقـدمي حممـد العيـد ) ديوان عمر بن إبراهيم بري ( من أعماله .اخلطراوي

)) ١٣١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث (( ) .من نبع احلياة ( علي بن حسن الشهراين ، له ديوان مطبوع بعنوان •أديب وشاعر ، له مشاركات هـ ،١٣٥٨علي بن حممد العيسى ، ولد يف شقراء عام •

أدبية متنوعة باإلضافة إىل مشاركته يف الكثري من املقاالت يف عـدد مـن الصـحف .واالت ، له عدة مؤلفات يف التربية واتمع ، كما أنه له ديوان شعري مطبوع

)) ١٢٦معجم األدباء والكتاب ، ص ((

هـ ، دكتوراه عالقـات ١٣٥٩ غازي بن عبد الرمحن القصييب ، ولد يف األحساء عام • . دولية من جامعة لندن

Page 448: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

عمل وزيرا للصناعة والكهرباء ، مث وزيرا للصحة ، مث سفريا للملكـة العربيـة . السعودية يف عدد من الدول ، مث وزيرا للكهرباء واملياه ، مث وزيرا للعمل

، احلمـى ، يف التنمية ، حيايت يف اإلدارة ، معركة بال راية خواطر( من أعماله ) .يا فدى ناظريك

)) ٢٦١معجم األدباء والكتاب ، ص ((

فوزية القاضي ، من مواليد مدينة عنيزة ، خترجت من قسم اللغة العربية بكلية التربيـة •هـ ، عملت معيدة يف الكلية ملدة عامني ، تنقلت يف عـدد مـن ١٣٩٤بالرياض عام

.الوظائف التعليمية

)) ٣٥نوال الثنيان ، ص: القصيم شاعرات من منطقة ((

هـ ، أصـدر جريـدة العـامل ١٣٢٨فؤاد إمساعيل شاكر ، ولد يف مكة املكرمة عام •مـن ) أم القرى ، البالد ، صوت احلجاز ( اإلسالمي ، ورأس حترير عدة صحف هي

) .صور احلياة ، حي على الصالة ، رحلة الربيع ( أعماله )) ١٤١/ ٩: ث موسوعة األدب السعودي احلدي ((

هــ ، ١٣٧٦هـ ، وتويف عام ١٢٩٦فؤاد بن حسن اخلطيب ، ولد يف بريوت عام •ديوان اخلطيـب ، فـتح ( من أعماله . يف مكة املكرمة ))القبلة ((توىل حترير جريدة

) .األندلس )) ١٤٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

م ، حصـل علـى ١٩٨٠ويف عام م ، وت١٩٠٢حممد حسن عواد ، ولد يف جدة عام •شهادة الثانوية من مدرسة الفالح ، ساهم يف حترير وإدارة بعض الصحف ورأس نادي

. جدة األديب ) يف األفق امللتهب ، خواطر مصرحة ، ديوان العواد ( من أعماله

)) ١٥٣/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

Page 449: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

هـ ، تويل ١٤٢٥هـ ، وتويف عام ١٣٣٢حممد حسن فقي ، ولد يف مكة املكرمة عام •تقلد عددا من املناصب احلكوميـة مـن أعمالـه ))صوت احلجاز ((حترير جريدة

) .اموعة الشعرية الكاملة ، فيلسوف ، قدر ورجل ( )) ١٥٣/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

شهادة العاملية هـ ، حصل على ال١٣٣٩حممد سراج خراز ، ولد يف مكة املكرمة عام •غنـاء ( يف املعهد العلمي السعودي ، عمل يف عدد من الوظائف التعليمية ، من أعماله

) .وشجن )) ١٥٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

والنقد مـن هـ ، دكتوراه يف البالغة ١٣٦١حممد بن سعد الدبل ، ولد يف احلريق عام •إسـالميات ، ( مد بن سعود اإلسالمية ، من أعماله كلية اللغة العربية جبامعة اإلمام حم

) .أناشيد إسالمية ، ملحمة نور اإلسالم )) ١٥٨/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، أستاذ األدب ١٣٥٠حممد بن سعد بن حممد آل حسني ، ولد يف عودة سدير عام •األدب احلديث ( ، من أعماله والدراسات العليا جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية

يف جند ، املعارضات يف الشعر العريب ، الشعر السعودي بني احملافظة والتقليد ، أصـداء ) .وأنداء

)) ١٥٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هــ ، ١٤٢٢م ، وتـويف عـام ١٩٣٣حممد بن سعد املشعان ، ولد يف الرياض عام •

جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ، مـن أعمالـه بكالوريوس من كلية الشريعة ) .شوق احلزن ، ومضات ، إضاءات (

)) ١٥٩/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هـ ، تلقى تعليمه األويل على يـد ١٣٤٣حممد سعيد اخلنيزي ، ولد يف القطيف عام •

ح ، ورود الصباح ، مشس النغم اجلري( من أعماله . والده مث على أيدي علماء األحساء ) .بال أفق ، إليها

Page 450: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

)) ١٦٠/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هــ ١٤١٤م ، وتويف عـام ١٩٢٣حممد سعيد موسى املسلم ، ولد يف القطيف عام •

. دبلوم يف احملاسبة ) .شفق األحالم ، ساحل الذهب األسود ( من أعماله •

)) ١٦١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، خريج كلية الشريعة مبكـة ١٣٤٨حممد بن سليمان الشبل ، ولد يف عنيزة عام • .عمل بالتدريس . ١٣٧٣املكرمة عام

) .نداء السحر ( من أعماله )) ١٦٢/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

ـ ١٣٧٧حممد بن عبد اهللا بن بليهد ، ولد يف قرية ذات غسل بنجد ، وتويف عام • ـ ، ه ) .ابتسامات األيام يف انتصارات اإلمام ، صفة جزيرة العرب للهمذاين ( من أعماله )) ١٦٧/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ وتويف عام ١٢٦٠حممد بن عبد اهللا بن عثيمني ، ولد يف قرية السلمية يف اخلرج عام •، كان جـل شـعره يف هـ ١٣٧٥يف عام ) العقد الثمني ( هـ ، طبع ديوانه ١٣٦٣

املديح والرثاء والغزل ، وأكثر مدائحه يف امللك عبد العزيز ـ رمحه اهللا ـ )) ٥٧عبد اهللا بن مخيس ، ص: شعراء جند املعاصرون ((

هــ ، ١٤٠٧هـ ، وتويف عام ١٣٤٢حممد بن علي السنوسي ، ولد يف جازان عام •ية ، تنقل يف عدد مـن الوظائفـة تلقى علومه يف الكتاتيب ويف املدارس السلفية األهل

. احلكومية .له عدد من الدواوين الشعرية مت مجعها يف ديوان واحد بعنوان األعمال الكاملة

)) ١٧٠/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((هـ ، تلقى تعليمـه ١٤١٧هـ وتويف عام ١٣٣٢حممد علي مغريب ، ولد يف جدة عام •

، عمل رئيسا لتحرير صـحيفة أم القـرى باإلضـافة إىل مبدرسة الفالح مبكة املكرمة . يف الصحافة احمللية مسامهاته

) .البعث ، حبات عنقود ، احلياة االجتماعية يف احلجاز ( من أعماله

Page 451: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

2"ا&3 ا�/�"اء

)) ١٧١/ ٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((عمل هـ ، ١٤١٤هـ ، وتويف عام ١٣٣٧حممد عمر توفيق ، ولد يف مكة املكرمة عام •

. رئيسا لنادي املدينة املنورة األديب له عدة دواوين مت مجعها يف ديوان واحد بعنوان األعمال الكاملة حملمد هاشـم

.رشيد )) ٩/١٧٨: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، ١٤٢١هـ ، وتويف عام ١٣٢٧حممود عبد اخلري أمحد عارف ، ولد يف جدة عام •فالح مبكة املكرمة ، رأس حترير صحيفة عكاظ ، أصـدر حاصل على شهادة مدارس ال

) .ترانيم الليل ( عددا من الدواوين الشعرية مت مجعها يف ديوان واحد بعنوان )) ٩/١٧٩: موسوعة األدب السعودي احلديث ((

هـ ، تعمل يف التعليم ١٤١٦مزنة بنت صاحل املبارك ، بكالوريوس يف أصول الدين عام • .أدبية وجمموعة نصوص ، هلا إسهامات

)) ٤٦نوال الثنيان ، ص: شاعرات من القصيم ((هـ ، يعمل معلما يف ١٣٩٤مد اهللا بن عبد الكرمي املديد ، من مواليد مدينة الزلفي عام •

.املرحلة الثانوية هـ ، وتويف يف الواليات املتحدة ١٣٥٩مطلق محيد الثبييت ، ولد يف السيل عام •

.ـ ، عمل يف عدد من الوظائف احلكومية ه١٤١٦األمريكية عام ) أندلسيات ، جراح األمس ( من دواوينه املطبوعة

هيام محاد ، تقيم يف مدينة جدة ، هلا إسهامات أدبية متعددة ، مـن أعماهلـا • ) .قارب بال شراع ، حلن يف أعماق البحر ( املنشورة

هـ له أبرعة دواويـن ١٣٥٦يوسف بن عبد اللطيف أبو سعد ، ولد يف اهلفوف عام •أغاين السحر ، زفري الناي ، أغاربد من واحة النخيل ، شـواطئ ( شعرية مطبوعة هي

) .احلرمان وتقاسيم على غور سحيق )) ٥/٢٤٨معجــــــــــم البــــــــــابطني ، ((

Page 452: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٠

4�5 ا����در وا��"ا&

ثبت املصادر واملراجع .القرآن الكرمي _ أ

.احلديث الشريف _ ب . عة واملخطوطة الكتب والدواوين واالت املطبو_ ج ) م ١٩٨٧القاهرة ، مكتبة مدبويل ، ( ، ٣األعمال الشعرية الكاملة ألمل دنقل ، ط( •الـدمام ، دار ابـن اجلـوزي ، ( ، ١ناصر الزهراين ، ط: ابن عثيمني اإلمام الزاهد •

) هـ ١٤٢٢ت ، دار بريو( ، ١حممد مفيد قميحة ، ط. د: االجتاه اإلنساين يف الشعر العريب املعاصر •

) . م ١٩٨١اآلفاق اجلديدة ، ) الطائف ، نادي الطائف األديب ( حسني سرحان ، : أجنحة بال ريش •

) هـ ١٤٠٦مطبعة احلرمني ، ( ، ١مسعد العطوي ، ط: أمحد الغزاوي وآثاره األدبية •

القـاهرة ، ( ١إبراهيم الفوزان ، ط: األدب احلجازي احلديث بني التقليد والتجديد • ) هـ ١٤٠١كتبة اخلاجني ، م

الرياض ، مطابع الفرزدق ( ، ٥، طحممد بن حسني : األدب احلديث تاريخ ودراسات • .) هـ ١٤١١،

القاهرة ، ( علي عشري زايد ، : استدعاء الشخصيات التراثية يف الشعر العريب املعاصر • ) هـ ١٤١٧دار الفكر العريب ،

القاهرة ، دار ضة مصر ، ( ١أمحد بدوي ، طأمحد : أسس النقد األديب عند العرب •١٩٨٣ . (

) م .د( ، ) هـ١٤٢١( ١عبد العزيز العجالن ، ط: أشياء من ذات الليل •، ) املنصورة ، دار وايل للنشـر ( ، ١حممد أمحد العزب ، ط: أصول األنواع األدبية •

) .ت .د(

) . هـ ١٤٢٥ر اهلادي ، بريوت ، دا( ١جاسم الصحيح ، ط: أعشاش املالئكة •

Page 453: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥١

4�5 ا����در وا��"ا&

املدينة املنورة ، نـادي املدينـة ( ، ١حسني العروي ، ط: األعمال الشعرية الكاملة • ) .هـ ١٤٢٢األديب ،

نادي املدينة املنـورة األديب ، ( ، ٢األعمال الشعرية الكاملة ، حممد هاشم رشيد ، ط • ) هـ ١٤١٠

) م ٢٠٠٣ق ، دار الثقافة للنشر ، دمش( ، ١سعد احلميدين ، ط: األعمال الكاملة •

. حممد السنوسي : األعمال الكاملة •

) جازان ، نادي جازان األديب ( ، ١حممد علي السنوسي ، ط: األعمال الكاملة •

) ت .د( ، ) الرياض ، مطابع البادية ( ١أمحد السعد ، ط: األفق الرائع •

) ت .د) ( ، مطابع حنيفة الرياض( ، ١عبد العزيز األحيدب ، ط: آالم وآمال •الريـاض ، مطـابع الفـرزدق ، ( ، حممد بن حسـني : االلتزام اإلسالمي يف األدب •

) .هـ ١٤١٥ ) هـ ١٤٠٢جدة ، شركة امة ، ( ١زاهر األملعي ، ط: األملعيات •

) . م ١٩٥٨القاهرة ، دار املعارف ، ( طه حسني ، : ألوان • ١، طعبـد اهللا الزيـد : دا أغين وحي.. يف قبضيت رمانبسطت أكف الرفاق بقي اجل •

) هـ ١٤٢٠الرياض ، دار املفردات ، ( الرياض ، النادي األديب بالرياض ( ، ١عبد اهللا بن سامل احلميد ، ط: انتفاضة القصائد •

) هـ ١٤٢٣، ) هـ ١٣٨٣بريوت ، دار الكتب ، ( ، ١ثريا قابل ، ط: األوزان الباكية •القاهرة ، دار الفكـر العـريب ، ( ، ٢شفيع السيد ، ط: الغي عند العرب البحث الب •

) م ١٩٩٦املؤثرات الفنيـة يف الشـعر السـعودي ( حبث خمطوط للدكتور حسن اهلوميل بعنوان •

) احلديث دار العلـوم للطباعـة الرياض ، ( ، ١بني فجر وغسق ، عثمان بن سيار احملارب ، ط •

) ت .د( ، ) والنشر

Page 454: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٢

4�5 ا����در وا��"ا&

) م ١٩٧٤بريوت ، ( مصطفى الرافعي ، : ريخ آداب العرب تا •جازان ، نادي جـازان األديب ، ( ، ١حممد العقيلي ، ط: التاريخ األديب ملنطقة جازان •

) هـ ١٤١٣ .) م ١٩٧٥القاهرة ، دار املعارف ، ( ، تاريخ املشرق العريب ، عمر عبد العزيز عمر • ) هـ ١٤١٧الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ، ١حسني علي حممد ، ط: التحرير األديب •

مـنري . حممـد الزليطـي ، د . د( يول ، ترمجة . براون ، ج. ب.ج: حتليل اخلطاب • ) . هـ ١٤١٨الرياض ، جامعة امللك سعود ، ) ( التريكي

الدار البيضاء ، املركـز الثقـايف العـريب ، ( حممد مفتاح ، : حتليل اخلطاب الشعري • ٥٨ص) م ١٩٨٦

جدة ، النـادي ( ، ١، ط) حممد فتوح ( مهاد نقدي ، ترمجة : حتليل النص الشعري • ) هـ ١٤٢٠األديب الثقايف جبدة ،

جازان ، نادي جازان ( ، ١أمحد إبراهيم احلريب ، ط: تقاسيم على جذع خنلة الوادي • ) هـ ١٤١٩األديب ،

الرياض ، دار املؤيد ( ، ١، ط ليلعبد الرمحن اهل: التكرار يف شعر اخلنساء دراسة فنية • ) هـ ١٤١٩للنشر والتوزيع ،

، ) القـاهرة ، دار املعـارف ( ، صـربي حـافظ : التناص وإشاريات العمل األديب • .) ت .د(

الريـاض ، ( ، ١طلعت صبح السيد ، ط: التيارات الفنية يف الشعر السعودي احلديث • ) هـ ١٤٢٠ دار عبد العزيز آل حسني للنشر والتوزيع ،

جـدة ، دار األصـفهاين ، ( عبد العزيز أمحـد شـكري ، : الثالثاء احلزين ، مجعه • ) هـ ١٣٩٥

الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ، ١عبد الرمحن العشماوي ، ط: جولة يف عربات احلزن • ) هـ ١٤٢٣

Page 455: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٣

4�5 ا����در وا��"ا&

امليـة بريوت ، الدار الع( ، ١حممد العبد محود ، ط: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر • ، ) م ١٩٩٦للكتاب ،

بريوت ، الشركة العاملية ( ، ١حممد العبد محود ، ط: احلداثة يف الشعر العريب املعاصر • ، ) م ١٩٩١للكتاب ،

بـريوت ، ( ، ٢بكري شيخ أمـني ، ط : احلركة األدبية يف اململكة العربية السعودية • ) م.د(، ) م ١٩٧٨

) هـ ١٤٢١الرياض ، دار املعراج ، ( د ، عبد اهللا الرشي: حروف من لغة الشمس •

) .م .د) ( م ١٩٣٥دمشق، ( ، ١طه حسني ، ط: احلياة األدبية يف جزيرة العرب •صاحل األطـرم وعبـد اهللا العمـار ، : حياة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ وآثاره •

) هـ ١٤١١الرياض ، جامعة اإلمام حممد بن سعود ، (

أا ، ( ٢عبد اهللا أبو داهش ، ط. د: دبية يف جنويب البالد السعودية احلياة الفكرية واأل • ) هـ ١٤٠٦نادي أا األديب ،

) . م ١٩٣٨القاهرة ، ( اجلاحظ ، حتقيق عبد السالم هارون ، : احليوان •الريـاض ، النـادي األديب بالريـاض ، ( ، ١عبد اهللا الرشـيد ، ط : خامتة الربوق •

) هـ ١٤١٣م ١٩٩٥، ١عبد السالم حسن سـالم ، ط : الشعري عند حممد عفيفي مطر اخلطاب •

) م .د( ،الريـاض، مطبعـة العبيكـان ، ( ، ١خلجات قلب ، عبد الرمحن آل عبد الكرمي ، ط •

) . هـ ١٤١٨الرياض ، دار الرفـاعي للنشـر ، ( ، ٢عبده بدوي ، ط: دراسات يف النص األديب •

) هـ ١٤٠٥

) ت .د( ، ) القاهرة ، دار الكتاب العريب ( ، ١الصرييف ، طحسن : دموع وكربياء • ) م ١٩٨٢بغداد ، وزارة الثقافة واإلعالم ، ( حمسن أطيمش ، : دير املالك •

) م ١٩٨٧بريوت ، املركز الثقايف العريب ، ( ، ١حممد مفتاح ، ط: دينامية النص •

Page 456: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٤

4�5 ا����در وا��"ا&

املدينـة ( ١طـراوي ، ط حتقيق وتقدمي حممد اخل: ديوان إبراهيم بن حسن األسكويب • ) هـ ١٤٠٩املنورة ، دار التراث ،

) ت .د( ، ) الرياض ، دار الشبل للنشر والتوزيع ( ، ١ط: ديوان ابن مشرف • ) م .د( هـ ، ١٤١٣، ١عبد اهللا بن مخيس ، ط: الديوان الثاين • ) هـ ١٤٢٣بريوت ، دار الكتاب العريب ، ( شرح يوسف فرحيات ، : ديوان اخلنساء •

مجع وترتيب : ديوان الرثاء يف فقيد األمة وحرب اجليل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ • ) هـ ١٤٢١الرياض ، مكتبة دار اهلداية ، ( إمساعيل بن سعد العتيق ،

، ١، ط) إبراهيم الفوزان ( حتقيق وتقدمي : ديوان الشيخ صاحل بن سليمان بن سحمان • ) هـ ١٤٠١دمشق ، دار الفكر ، (

) ت .د) ( بريوت ، دار املعرفة ( ديوان املتنيب بشرح العكربي ، •أمحد أمني ، أمحد الـزين ، إبـراهيم ( ضبط وشرح وتصحيح : ديوان حافظ إبراهيم •

) هـ ١٤٠٨بريوت ، دار اجليل ، ( ، ) األبياري

) .ت .د( ، ) بريوت ، دار صادر ( ديوان زهري بن أيب سلمى ، •

جـدة ، دار األصـفهاين ، ( ضـياء الـدين رجـب ، : رجب ديوان ضياء الدين • ) هـ ١٤٠٠

) ت .د( ، ) بريوت ، دار صادر : (ديوان طرفة بن العبد •

بـريوت ، دار الكتـاب العـريب ، ( شرح يوسف فرحيـات ، : ديوان جمنون ليلى • ) هـ ١٤٢٣

ديب ، جـازان ، نـادي جـازان األ ( ، ١إبراهيم عبد اهللا مفتاح ، ط: رائحة التراب • ) هـ ١٤١٦

) ت .د) ( القاهرة ، دار املعارف ( ، ٣شوقي ضيف ، ط: الرثاء • ) هـ ١٤١٦دار مازن للطباعة ، ( ١رقية ناظر ، ط: الرحيل •

) هـ ١٤٢٣بريوت ، دار الكنوز األدبية ، ( ٢جاسم الصحيح ، ط: رقصة عرفانية •

) هـ ١٤٠٠األديب ، الرياض ، النادي ( أمحد سامل باعطب ، : الروض امللتهب •

Page 457: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٥

4�5 ا����در وا��"ا&

) ت .د( ، ) الباحة ، دار املنار للنشر ( حسن الزهراين ، : ريشة من جناح الذل •

) هـ ١٤٢١الباحة ، نادي الباحة األديب ، ( ، حسن الزهراين : ريشة من جناح الذل • .) ت .د( ، ) مصر ، دار النهضة العلمية ( أمحد أمني ، : زعماء اإلصالح •مكي حممد سـرحان ، مكتبـة فخـراوي ، . د) : ٤(كر البحريين سلسلة أعالم الف •

) ت .د( عبد الرمحن السـبت ، ) : حياته وشعره ( شاعر العهود الثالثة عمر بن إبراهيم الربي •

) هـ ١٤٢٤النادي األديب جبدة والنادي األديب باملدينة ، ( ، ١ط ) م.د( ، م ١٩٧٨، ١صاحل بن أمحد العثيمني ، ط: شعاع األمل • ) ت .د( ، ) الرياض ، دار املريخ ( عبد الرحيم أبو بكر ، : الشعر احلديث يف احلجاز • ١٣٩٥هـ ـ ١٣٤٥( الشعر احلديث يف اململكة العربية السعودية خالل نصف قرن •

) الرياض ، دار الكتاب السعودي ( ، ١عبد اهللا احلامد ، ط) : هـ بـريوت ، دار املسـرية ، ( ، ٢، ط حتقيق وشرح كـرم البسـتناين : شعر اخلنساء •

) م ١٩٨٢ ( م ١٩٨٩الدار البيضاء ، دار توبقال للنشر ، ( حممد بنيس ، : الشعر العريب احلديث •

، ٥عز الدين إمساعيل ، ط. د: الشعر العريب املعاصر ، قضاياه وظواهره الفنية واملعنوية • ) م ١٩٨٨بريوت ، دار العودة ، (

القـاهرة ، دار املعـارف ، ( ، ٢حممد فتوح أمحـد ، ط : خرى شعر املتنيب قراءة أ • ) م ١٩٨٨

األردن ، عـامل الكتـب ، ( ، ١فتحي أبو مراد ، ط: شعر أمل دنقل دراسة أسلوبية • ) هـ ١٤٢٤

املدينـة املنـورة ، ( عبد اهللا باقازي ، : شعر ضياء الدين رجب بني املوقف والصياغة • ) ت.د) (نادي املدينة املنورة األديب

بـريوت ، دار القلـم ، ( ١عز الدين إمساعيـل ،ط : الشعر يف إطار العصر الثوري • ) م١٩٧٤

Page 458: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٦

4�5 ا����در وا��"ا&

عبد اهللا احلامد ، ) : هـ ١٣٥٠_ هـ ١١٥٠( الشعر يف اجلزيرة العربية خالل قرنني • )هـ ١٤٠٢الرياض ، مطابع اإلشعاع ، ( ١ط

ملؤسسة املصـرية العامـة ، ا) حممد بدوي ( روسترها ملتون ، ترمجة : الشعر والتأمل • ) ت .د( للتأليف والترمجة والطباعة والنشر

بـريوت ، دار العلـم ( ٣وليم اخلازن ، ط: الشعر والوطنية يف لبنان والبالد العربية • ) م ١٩٩٢للماليني ،

هـ ١٤١٧، ١سعود بن عبد الكرمي الفرج ، ط: شعراء مبدعون من اجلزيرة واخلليج • ) . م .د( ،

، ١إبـراهيم الفـوزان ، ط : رحلة التقليد املتطور وشعرهم يف املنطقة الشرقية شعراء م • ) هـ ١٤١٨الرياض ، مطابع القصيم ، (

) هـ ١٤٠١دار العلوم للطباعة والنشر ، ( عبد الفتاح احللو ، : شعراء هجر • ) ت .بريوت ، مطبعة دار الكتب ، د( ، ١حممد سعيد املسلم ، ط: شفق األحالم • ) م ٢٠٠١بريوت ، دار الكنوز األدبية ، ( ، ١بديعة كشغري ، ط: من طقوسي شيء • ) هـ ١٤٠٩الرياض ، دار الريان ،( ، ٢صحيح البخاري ، ط • هـ ١٣:٥:١٤٢٠، الثالثاء ٩٨٢٦: العدد : صحيفة اجلزيرة • ١٧/٨/١٣٨١، يوم الثالثاء ٣، سنة ١١٣صحيفة قريش ، عدد •الباحة ، النـادي األديب بالباحـة ، ( ، ١الزهراين ، ط حسن حممد: صدى األشجان •

) هـ ١٤١٨ ) ن .د( علي علي صبح ، : الصورة البصرية •

بـريوت ، ( ، ١ساسني عساف ، ط: الصورة الشعرية ومناذجها يف إبداع أيب نواس • ) هـ ١٤٠٢املؤسسة اجلامعية للنشر ،

، الشـركة العربيـة للنشـر ، القـاهرة ( ، ١إبراهيم الغنـيم ، ط : الصورة الفنية • ) هـ ١٤١٦

Page 459: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٧

4�5 ا����در وا��"ا&

ريي صاحل اخلض: الصورة الفنية يف الشعر اإلسالمي عند املرأة العربية يف العصر احلديث • ) .هـ ١٤١٤الرياض ، مكتبة التوبة ، ( ، ١، ط

الرياض ، دار العلوم ، ( ، ١عبد القادر الرباعي ، ط: الصورة الفنية يف النقد الشعري • ) هـ ١٤١٧

) ت .د( ، ) الطائف، نادي الطائف األديب ( حسني سرحان ، : طائر الغريب ال • ) م ١٩٤٧القاهرة ، دار الكتاب العريب ، ( ، ١أمحد مجال ، ط: الطالئع • ) . ت .د) ( جازان ، النادي األديب ( ، ١أمحد كلي ، ط: طيفان على نقطة الصفر •مصر ، مكتبة اخلاجني ، ( ١عبد اللطيف ، طحممد محاسة : ظواهر حنوية يف الشعر احلر •

) ت .د ) هـ ١٤١٧بريوت ، مؤسسة الرسالة للنشر ، ( ، ١حيدر الغدير ، ط: عاشق اد •

بغداد ، دار آفاق عربية ( ، ) جابر عصفور ( أديث كيلرزويل ، تركمة : عصر البنيوية • ٢٧٧ص) م ١٩٨٥،

) هـ ١٤٠٠رياض ، مطابع اهلالل ، ال( ، ٣حممد بن عثيمني ، ط: العقد الثمني •الرياض ، مطـابع مؤسسـة ( سليمان بن سحمان ، : عقود اجلواهر املنضدة احلسان •

) . الدعوة اإلسالمية بـريوت ، دار النهضـة العربيـة ، ( ، ١فاطمة قدورة الشـامي ، ط : علم التاريخ •

) م ٢٠٠١مصر ، ( ١شوقي اجلمل ، ط: علم التاريخ نشأته وتطوره ووضعه بني العلوم األخرى •

) م ١٩٨٢مكتبة األجنلو ، ) هـ ١٤٠٣جدة ، مطابع امة ، ( ، ٢عبد اهللا بن مخيس ، ط: على رىب اليمامة •

بـريوت ، دار ( ، ٥العمدة يف حماسن الشعر وآدابه ونقده ، ابن رشيق القريواين ، ط • ) هـ ١٤٠١اجليل للطباعة والنشر ،

القاهرة ، مكتبة ابن سيناء ( ، ٤علي عشري زايد ، ط: ية احلديثة عن بناء القصيدة العرب • ) هـ ١٤٢٣،

Page 460: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٨

4�5 ا����در وا��"ا&

الرياض ، مطابع العبيكان ، ( ، ٢عندما يعزف الرصاص ، عبد الرمحن العشماوي ، ط • ) هـ ١٤٢٣

) هـ ١٤١٥الكويت ، مكتبة الفرزدق ، ( ، ١سلطانة السديري ، ط: عيناي فداك •

الريـاض ، ( ، ١وترتيب سليمان العثيم وفهد اجلوعي ، ط مجع: عيون املراثي البازية • ) هـ ١٤٢١دار الكتاب السعودي ،

الرياض ، النـادي األديب ( ، ١سعود بن سليمان اليوسف ، ط: غروب زمن الشروق • ) هـ ١٤٢٢بالرياض ،

) األسكندرية ، منشأة املعارف ( ٢رجاء عيد ، ط: فلسفة البالغة بني التقنية والتطور •الرياض ، دار العبيكان للنشر والطباعـة ، ( ، ١يف زورقي ، عبد اهللا بن إدريس ، ط •

). هـ ١٤٠٤ ) م ١٩٨٢الدار البيضاء ، دار الثقافة للنشر ، ( حممد مفتاح ، : يف سيمياء الشعر القدمي • ) م ١٩٦٨مصر ، دار املعارف ، ( ، ١حممود الربيعي ، ط: يف نقد الشعر • ) هـ ١٤٠٧جدة ، مطابع املدينة ، ( ١هيام محاد ، ط: قارب بال شراع • ) هـ ١٤٠٧جدة ، مطابع املدينة املنورة ، ( ، ١هيام محاد ، ط: قارب بال شراع •

) هـ ١٤١٨مصر ، الصديقان للنشر ( ، ١قحط احملبة ، حفيظ الدوسري ، ط • ) هـ ١٤٢٤، الرياض ، مكتبة العبيكان( ١عبد الرمحن العشماوي ، ط: القدس أنت •دمشق ، دار الـنمري ( ، ١، طحسني مجعة /د : قصيدة الرثاء ـ جذور وأطوار ـ •

) م ١٩٩٨للنشر ، ) م ١٩٦٢بريوت ، دار العلم للماليني ( ، ١نازك املالئكة ، ط: قضايا الشعر املعاصر •

ر بـريوت ، دا ( ، ١ثريا ملحـس ، ط : القيم الروحية يف الشعر العريب قدميه وحديثه • ) ت .د) ( الكتاب اللبناين

) م ١٩٩٠القاهرة ، دار الفكر ، ( ، ١حممد العبد ، ط: اللغة املكتوبة واللغة املنطوقة • ) م ٢٠٠٤بريوت ، املؤسسة العربية للنشر ، ( ٢غازي القصييب ، ط: للشهداء •

) ت .د(، ) األسكندرية ، دار الوفاء للنشر ( ، ٣حفيظ الدوسري ، ط: ليل الغربة •

Page 461: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٥٩

4�5 ا����در وا��"ا&

الريـاض ، مطـابع جنـد ، ( ، ١عبد اهللا بن سامل احلميد ، ط: ما مل تقله اخلنساء • ) هـ ١٤٢٢

) ١٧٠٧(بد اهللا الرشيد ، العدد جملة الدعوة ، ع • .هـ ١٤٢٠، ربيع األول ، ) ٢٧( الة العربية ، العدد •

هـ ١٣٧٦ذو القعدة ) ٩(جملة املنهل ، العدد • ـ نشر النادي األديب جبدة هـ ١٤٢٤جملة جذور ، حمرم •احملرم : هـ ١٤٢٤ذو القعدة ـ ذو احلجة ( ، ٤-٣، ع ٢٥جملة عامل الكتب ، مج •

. دار ثقيف للنشر والتأليف ) هـ ١٤٢٥ـ صفر فيفـي ، ربيـع اآلخـر الحداثة النص الشعري يف السعودية ، عبد اهللا : جملة عالمات •

. ١٣، م ٥٢هـ ، ج١٤٢٥جـدة ، مطـابع امـة ، ( ، ٢غـازي القصـييب ، ط : ية الكاملة اموعة الشعر •

) هـ ١٤٠٨

)م.د(هـ ١٤١٢، ١حممد بن حسني ، ط: حممد بن عبد اهللا بن عثيمني شعره ونثره •ـ ( أمنة عبد احلميد عقاد ، : حممد حسن عواد شاعرا • ) دة ، مطـابع دار املـدين ج

١ط)ت .د( بريوت ، دار صادر ، ( ، ١مقبول النعمة ، ط: م املراثي الشعرية يف عصر صدر اإلسال •

) م١٩٩٧إبراهيم الفـوزان ، : مرحلة التقليد املتطور يف الشعر السعودي احلديث يف منطقة جند •

) هـ ١٤١٨الرياض ، مطابع القصيم ( ، ١طمصـر ، ( ، ١عبـد اهللا اـذوب ، ط . د: املرشد إىل فهم أشعار العرب وصناعتها •

) م ١٩٥٥مصر ، ( ، ٤مروج الذهب ، أبو احلسن املسعودي ، حتقيق حمي الدين عبد احلميد ، ط •

) م ١٩٦٤مطبعة السعادة ،

Page 462: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٦٠

4�5 ا����در وا��"ا&

القاهرة ، مطابع ( ، ١عبد احلليم حنفي ، ط: د: مطلع القصيدة العربية وداللته النفسية • ) م ١٩٨٧اهليئة املصرية العامة للكتاب ،

الرياض ، دار عبد العزيـز آل ( ، ٢د بن حسني ، طحمم: املعارضات يف الشعر العريب • ) هـ ١٤٢١حسني للنشر والتوزيع ،

الريـاض ، مطـابع العبيكـان ، ( ، ١معاناة شاعر ، حممد بن سـعد الـدبل ، ط • ) هـ ١٤٠٥

. م ١٩٩٥، الكويت ، ١معجم البابطني ، ط •

) م .د( ، ) هـ ١٤٠٣( ١مقاطع من الوجدان ، عبد احملسن حليت ، ط • ) ت .د( ، ) حائل ، نادي حائل األديب ( ، ١فيصل أكرم ، ط: مقدمة الكتاب األخري •

بريوت ، دار الفكر اللبناين ، ( ، ١ديزيره سقال ، ط: من الصورة إىل الفضاء الشعري • ) .م ١٩٩٣

) ت .د) ( م .د(أمحد عبد اهللا باهارون العطاس ، : من وحي التأمالت • ) ت .د) ( مصر ، دار املعارف ( ، ١حسن عنان ، ط: منهج البحث التارخيي •الرياض ، مطـابع ( ، ١جمموعة مؤلفني ، ط: موسعة األدب العريب السعودي احلديث •

) هـ ١٤٢٢احلميضي ،

) .م ١٩٦٥القاهرة ، دار املعارف ، ( ٣ إبراهيم أنيس ، ط: موسيقى الشعر •

بريدة ، النـادي األديب بالقصـيم ، (، ١أمحد بن سليمان اللهيب ، ط: النبع احلزين • ) هـ ١٤٢٤

الطـائف ، نـادي الطـائف األديب ، ( ١جاسـم الصـحيح ، ط : حنيب األجبدية • ) هـ ١٤٢٤

اإلمارات ، مطبعة العني ، ( ١حممد إبراهيم حور ، ط: الرتعة اإلنسانية يف الشعر العريب •١٩٨٦(

م ١٩٦٨، ١، طعبد احلي دياب : الرتعة اإلنسانية يف شعر الديوان • .علي أمحد النعمي : النغم احلزين •

Page 463: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٦١

4�5 ا����در وا��"ا&

) م ١٩٩٠القاهرة ، دار املعارف ، ( ، حممد غنيمي هالل: النقد األديب احلديث •اللجنة النسائية ملهرجـان ( ، ١نوال الثنيان ، ط: مناذج لشاعرات من منطقة القصيم •

) هـ ١٤١٩) اللجنة الثقافية ( اجلنادرية بالقصيم ) ت .د( ، ) عابدين ، مطبعة الرسالة ( ١حممد النويهي ، ط. د: دب وظيفة األ • ) هـ ١٤١٩جازان ، نادي جازان األديب ،( ، ١حسني سهيل ، ط: ولألقمار باب • )هـ ١٤٢٣الرياض ، مكتبة العبيكان ، ( ١غازي القصييب ،ط: يا فدى ناظريك •

Page 464: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٦٢

ا��"س

املوضوعات فهرس رقم الصفحة العنوان

٢ دمة املق ٩ التمهيد

حملة عن الرثاء يف الشعر السعودي من دعوة الشيخ حممد بن عبد الوهاب _ ١ ٩ حىت منتصف القرن الرابع عشر اهلجري

٣٣ مصادر شعر الرثاء السعودي يف زمن الدراسة _ ٢ ٣٨ ) األبعاد املوضوعية : ( الباب األول

٣٩ البعد الديين : الفصل األول_ ٤١ التسليم والقبول _ ١ ٥٧ النصح واالدكار _ ٢

٧٢ البعد التارخيي : ـ الفصل الثاين ٧٤ التعزي باملاضي _ ١ ٩١ اإلجنازات _ ٢

١٠٤ اإلنساينالبعد : ـ الفصل الثالث ١٠٨ إسالميةاملواساة يف أحداث _ ١ ١٢٤ املواساة يف أحداث عاملية _ ٢

١٣٩ البعد السياسي : ـ الفصل الرابع ١٤٠ قضايا الوطن _ ١ ١٦٠ . قضايا األمة _ ٢

١٧٧ البعد االجتماعي : ـ الفصل اخلامس ١٧٩ قضايا اتمع _ ١ ١٨٩ الروابط االجتماعية _ ٢

٢٠٠ .البعد التأملي : الفصل السادس ـ

Page 465: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٦٣

ا��"س

٢٠٤ فلسفة املوت واحلياة_ ١ ٢١٢ .رثاء الذات _ ٢

٢٢٦ )األبعاد الفنية : ( الباب الثاين ٢٢٦ بناء القصيدة : ـ الفصل األول

٢٢٧ العنوان _ ١ ٢٣٩ املطلع _ ٢ ٢٥٥ حسن التخلص_ ٣ ٢٦٢ الترابط _ ٤ ٢٧٣ اخلامتة _ ٥ ٢٨٥ الشكل الكتايب_ ٦

٢٩٣ ) اللغة : ( ـ الفصل الثاين ٢٩٧ املستوى الصويت _ ١ ٣١٨ املستوى التركييب _ ٢ ٣٤٠ املستوى الداليل _ ٣

٣٦٧ ) الصورة الشعرية : ( ـ الفصل الثالث ٣٧٠ الصورة اجلزئية _ ١ ٣٨٢ الصورة الكلية _ ٢

٣٩٢ ) اإليقاع : ( ـ الفصل الرابع ٣٩٥ األوزان _ ١

٣٩٥ أـ اخلليلية ٤٠٤ التفعيلية _ ب ٤١٠ املزج بني النوعني _ ج ٤١٦ املوسيقا الداخلية _ ٢ ٤٢٢ القوايف_ ٣

Page 466: kau.edu.sakau.edu.sa/Files/125/Files/51577_الرثاء في الشعر السعودي.pdf · ﺔﻴﺩﻭﻌﺴﻝﺍ ﺔﻴﺒﺭﻌﻝﺍ ﺔﻜﻠﻤﻤﻝﺍ ﻲﻝﺎﻌﻝﺍ

٤٦٤

ا��"س

٤٣٢ ـ اخلامتة ٤٣٥ .ـ ملحق تراجم الشعراء ٤٥٠ ـ ثبت املصادر واملراجع

٤٦٢ ـ فهرس املوضوعات