repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · web viewوالتي...

57
صد ق م ة ي ن سا ن الإ ة اث غ الإ ا عة ي ر ش لصد ا ا ق م ن م ار ت% ن م ل مد ا ح م د. ة ي- ن ر مغ ل ا كة ل م م ل ا6 ماء ل ع ل ل 6 ة مدث ح م ل ا راب?طة ل ا? ب 6 ة ي نE را لق ا سات الدرا ر ك ر م س يO ئ ر1

Upload: others

Post on 31-Dec-2019

6 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

من مقاصدااإلغاثة اإلنسانية مقصدالشريعة

د. محمد المنتاررئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء ـ المملكة المغربية

1

Page 2: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

الن��اظر في نص��وص كت��اب الل��ه العزي��ز، وس��نة رس��وله الك��ريم، يج��دها تتع��اقب على تأكي��د ارتب��اط أحك��ام الش��ريعة

، ال��تي1اإلس��المية، الكلي منه��ا والج��زئي ب��الحكم والمع��اني تكفل مصالح اإلنس��ان في عاجل��ه وآجل��ه، وس��عادته فى دني��اه

وأخراه.ة هي أرقى ص��فة يتحلى به��ا اإلنس��ان، ولما كانت اإلنس��اني��ا زا لقيمها مثبت وبها ينبل في مجتمعه ومحيطه، جاء اإلسالم معز ألصولها، وبانيا لها، ومؤصال لمبادئها، وض��ابطا لتعامله��ا، فك��انت

ة من أساسيات هذا الدين ومن مبادئه التي يدعو لها. اإلنساني وقد تناولت سور القرآن الكريم جوانب ش��تى مم��ا يرتب��ط باإلنس��ان والمجتم��ع اإلنس��اني كاف��ة في إط��ار عقائ��دي ت��ارة واجتماعي وتاريخي وأخالقي ت��ارة أخ��رى. وه��و تن��اول واهتم��ام ين��بئ على مكان��ة ه��ذا اإلنس��ان في منظوم��ة أرحم ال��راحمين،

وقدرته على إعمار الكون. ولقد حفل التراث اإلس��المي ابت��داء بتأص��يل عم��ل اإلغاث��ة عقائديا بما ورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ش��ريفة ش��واهد

تعزز من قيمة العمل الخيري ومنها وتع��د اإلغاث��ة اإلنس��انية من أب��رز ص��ور ال��بر ال��ذي أمرن��ا

ليس ال��بر أن تول��وا﴿الباري سبحانه بفعله وإتيانه، ق��ال تع��الى: وج��وهكم قب��ل المش��رق والمغ��رب ولكن ال��بر من آمن بالل��ه واليوم اآلخر والمالئكة والكتاب والنب��يين وآتى الم��ال على حب��ه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والس��ائلين وفي

األحكام � 1 هذه من حكم كل في روعي منإماوقد ضرورة ومراعاة حفظ الض��روريات الخمس المعه��ودة: )ال��دين والنفس والعق��ل والنس��ل والم��ال(، أو غيره��ا من الض��روريات المس��تحدثة، تبع��ا لتط��ور الحي��اة االجتماعي��ة وتركيبه��ا، وتع��دد مس��تلزماتها؛ وهي الضروريات التي تمثل األساس الذي ينب��ني علي��ه االجتم��اع والعم��ران البش��ري في ك��ل زم��ان

مراعاة وحفظ المصالح الحاجية، التي لوال ورودها على الضروريات للحق بالن��اسإماومكان؛ و مراعاة وحفظ المصالح التحسينية، التي ج��رىإماقدر غير يسير من الضيق والعنت والحرج؛ و

ربطها بمكارم األخالق ومحاسن العادات. وه��و الرب��ط ال��ذي وس��عه ب��احثون معاص��رون ارتق��واباألخالق إلى مستوى المبدأ المرجعي الحاكم لكل المصالح.

2

Page 3: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

الرقاب وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والص��ابرين في البأس��اء والض��راء وحين الب��أس أولئ��ك ال��ذين

(، وفي هذه اآلية تأكيد177البقرة:﴾)صدقوا وأولئك هم المتقونعلى اقتران فعل البر بالعبادة ورضى الله سبحانه وتعالى.

وفي حديث الزهري عن سالم بن عب��د الل��ه بن عم��ر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وس��لم ق��ال: "المس��لم أخ��و المسلم ال يظلمه وال يسلمه، من كان في حاجة أخيه ك��ان الل��ه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الل�ه عن��ه به�ا كرب��ة من ك��رب ي��وم القيام��ة، ومن س��تر مس��لما س��تره الل��ه ي��وم

.2القيامة" وفي ح��ديث آخ��ر: "أحب الن��اس إلى الل��ه تع��الى، أنفعهم للناس، وأحب األعمال إلى الله تعالى فرح تدخل��ه على مس��لم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عن��ه دين��ا، أو تط��رد عن��ه جوع��ا. وألن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في ه��ذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرا. ومن كف غض��به، س��تر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو ش��اء أن يمض��يه أمض��اه، مأل الله قلبه رجاء يوم القيامة. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى

. 3يتهيأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول األقدام" وفي األث��ر"إن لل��ه عب��ادا اختص��هم بقض��اء ح��وائج الن��اس حببهم إلى الخير وحبب الخ��ير اليهم أولئ��ك اآلمن��ون من ع��ذاب

النار يوم القيامة". وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الك��رام رض��ي الله عنهم، والتابعين الذين تأسو بهم حافلة بأفعال اإلقدام على الخ��ير؛ ال��تي تع��ددت وتن��وعت س��بلها من العناي��ة بالمحت��اجين

(6743 رقم 18 : 8رواه اإلمام مسلم في صحيحه ) � 2 (، وقد حسن الشيخ35: 2( وفي الصغير ) 13646: رقم 12أخرجه الطبراني في الكبير ) � 3

( وحسنه لغيره في صحيح906 رقم 547: 2األلباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة)(.359: 2الترغيب والترهيب)

3

Page 4: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

واأليتام وطالب العلم وغيرهم، إلى تقديم العون لطالبي الزواج والمدينين وشق الطرق وإقامة االستراحات للمس��افرين، ح��تى امتد خيرها ليصل الطير وكافة أن��واع الحيوان��ات، وفق��ه الوق��ف

في كسب أمتنا العلمي خير دليل على ما نقول. من هنا كانت اإلغاثة اإلنسانية مقصدا أساس��يا من مقاص��د التشريع اإلسالمي؛ إذ إن مقصد اإلغاثة اإلنسانية يعد من أعظم

أج��ل المقاص��د ال��تي بموجبه��ا تس��تمر الحض��ارةالمص��الح و ؛ وذلك الرتكازه على مبادئ كلي��ة من قبي��ل: التك��ريم،اإلنسانية

واالس��تخالف، والتعم��ير، وحف��ظ الكلي��ات الخمس ومكمالته��ا، والمس��اواة، والع��دل، والحري��ة، والكرام��ة له��ذا اإلنس��ان ال��ذي

خلقه الله في أحسن تقويم. وهو الش��ك عم��ل ينبغي ت��أطيره ب��رؤى اجتهادي��ة واض��حة، واستراتيجيات تنزيلية ناهجة، وهندسات استشرافية ناجعة، مما يس��تلزم تض��افر الجه��ود بين الحكوم��ات ومؤسس��ات المجتم��ع المدني المحلية، واإلقليمية، والدولية، وكذا مؤسس��ات العلم��اء، والمثقفين، والمربين، والمبدعين، والمشرعين، وك��ل المكلفين

بالتنزيل تصميما وتنفيذا.

4

Page 5: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

أوال ـ األسس والمقومات المعرفية األس���س والمقوم���ات ي���روم ه���ذا المبحث األول إب���راز

المعرفي��ة ال��تي يتأس��س عليه��ا مقص��د اإلغاث��ة اإلنس��انية فياإلسالم.

أ ـ التوحيد واإليمان لعل أبرز خاصية يذكر بها اإلسالم عندما يق��ارن بغ��يره من األديان هي التوحيد، ولئن كان التوحيد عنوانا عاما تش��ترك في��ه مختلف األديان، ال سيما ذات األصل السماوي، فإن للتوحيد في اإلس��الم خاص��ية تم��يزه من غ��يره، وذل��ك بم��ا ل��ه من بس��اطة وش��مولية تؤس��س للرؤي��ة الكلي��ة القرآني��ة للحي��اة واألحي��اء والكون. ويمكن ألي متأمل في آيات التوحيد في القرآن الكريم أن يالح��ظ ه��ذه المع��اني لوحداني��ة الل��ه وحض��ورها في حي��اة المسلم، ويمكن أن يلحظ هذا الحضور من خالل تواتر ذكر الل��ه

وصفاته في القرآن الكريم. وال يخفى أن مقتضى اإلق��رار بالتوحي��د، ه��و اإليم��ان بالل��ه سبحانه وتعالى خالق��ا ومالك��ا وحاكم��ا للوج��ود كل��ه بال ش��ريك. ويترتب على ه��ذه الش��هادة اإلق��رار ب��أن اإلنس��ان خل��ق لغاي��ة؛ تتمثل في تحقيق اإلرادة اإللهية المتعلقة بهذا العالم الذي تتخ��ذ

وه��ذامن��ه الحي��اة البش��رية مس��رحا لفعله��ا الح��ر المس��ؤول. االرتباط الوثي��ق بين التوحي�د والعم�ل ه�و ال�ذي يعطي التوحي��د باعتب��اره واس��طة العق��د في منظوم��ة القيم العلي��ا الحاكم��ة القرآني��ة الق��درة الهائل��ة والمرون��ة التام��ة في تق��ييم الفع��ل اإلنساني أيا كان، إلى جانب باقي القيم العليا األخرى؛ وه��و م��ا تكون ل��ه انعكاس��ات إيجابي��ة على المجتم��ع؛ فمثال ال��دعوة إلى إماط��ة األذى عن الطري��ق، وه��و الش��عبة األخ��يرة من ش��عب اإليم��ان، وثم��رة من ثم��اره. ق��د يب��دو أم��را بس��يطا، ولكن��ه في الواقع يعبر عن مستوى حضاري ألمة اإليمان، حيث يس��هم ك��ل

5

Page 6: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

فرد من أفراد الجماعة المؤمنة بدافع اإليمان في الحف��اظ علىطهارة العمران البشري.

وفي لغة القرآن الكريم قل أن ي��ذكر اإليم��ان منفص��ال عن العمل؛ حيث نجد هذا المفهوم القرآني مقرونا بالعمل الص��الح،��وا وعمل��وا ذين آمن ﴿واآليات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: والة هم فيه��ا خال��دون )البق��رة: حاب الجن الحات أولئك أص�� ﴾الص��

الحات82 ���وا وعمل���وا الص��� ذين آمن ﴿(، وقول���ه ع���ز وج���ل: والهم ��دا ل ات تجري من تحتها األنه��ار خال��دين فيه��ا أب سندخلهم جن

ظليال )النس��اء: ��دخلهم ظال ، وقول��ه(57﴾فيها أزواج مطهرة ون��وفيهم أج��ورهمسبحانه: الحات في ذين آمنوا وعملوا الص�� ﴿فأما ال

من اآليات ال��تي4وغيرها(،�� 173﴾ويزيدهم من فضله )النساء: حفل بها الذكر الحكيم.

والناظر في اآليات القرآنية واألحاديث النبوي��ة ال��واردة في موضوع اإليمان، والسيما ما يتص��ل ب��االلتزام األخالقي ومراقب��ة النفس، يستيقن بدور اإليمان البين في تفعيل الق�يم اإلسالمية،ة في حي�اة المسلم. كم��ا أن اإليم��ان في وجعله�ا ممارسة إرادي المنظومة اإلس�المية يع�د الم�دخل الط�بيعي لخط��اب المكلفين باألمر، ألنه تصديق يتضمن القبول واإلذع��ان لحكم المخ��ير ب��ه، تص��ديقا ناش��ئا عن اليقين، بم��ا علم بالض��رورة أن��ه من رس��الة النبي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم، وح��ديث النفس بتل��ك المعرف��ة القلبي��ة، بحيث تحم��ل الج��وارح على االنقي��اد ألحكامه��ا والرض��ا

إنم��ا المؤمن��ون ال��ذين آمن��وا بالل��ه﴿، ق��ال تع��الى: 5بالتبعي��ة لها ورسوله ثم لم يرت�ابوا وجاه��دوا ب��أموالهم وأنفس�هم في س�بيل

(.15الحجرات: )﴾الله، أولئك هم الصادقونذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم )المائدة: � 4 ه ال وعد الل ﴾ومنها قوله: ﴿9،)

ن م�آب )الرع�د: ذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحس� ﴾وقوله تعالى: ال (، وقول�ه:29﴿هم �إذن رب ات تجري من تحته�ا األنه��ار خال�دين فيه��ا ب ذين آمنوا وعملوا الصالحات جن ﴿ وأدخل ال

تهم فيها سالم )إبراهيم: يع أج��ر23﴾تحي ا ال نض�� الحات إن ذين آمنوا وعملوا الص�� ﴿(، وقوله: إن الن عمال )الكه��ف: يجعل لهم30﴾من أحس�� الحات س�� ��وا الص�� ��وا وعمل ذين آمن ﴿(، وقول��ه: إن ال

ا )مريم: حمن ود (96﴾الر78-61منظومة القيم المرجعية في اإلسالم، د. محمد الكتاني ص: � 5

6

Page 7: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

إن أهم م��ا نستخلص��ه من الفق��رات الس��ابقة أن اإليم��ان بالله عز وجل، وإحقاق التوحيد،، يولد في الذات المؤمنة طاق��ة ك��برى لتفعي��ل ك��ل قيم اإلس��الم وفض��ائله المثلى، ابت��داء من االمتثال ألوامر الله ونواهي��ه، واتب��اع الش��ريعة إجم��اال وتفص��يال،لم وانتهاء باإلنصاف من النفس، ومساعدة المحت��اج وب��ذل الس�� السالم للعالم. إنه تحرير الذات اإلنسانية من كل خوف أو تبعية أو ظلم، أو أي مش���اعر تجثم على النفس فتعيقه���ا عن الثق���ة

بالله، وعن اقتحام المصاعب في سبيل رضاه تعالى.

ب ـ التكريم يشكل مبدأ التكريم اإللهي للبشر األس القويم الذي ب��نيت عليه رؤي��ة اإلس��الم لحق��وق اإلنس��ان بك��ل أقس��امها وأص��نافها، واإلنسان في اإلسالم خلق مكرما، خلقه الل��ه ع��ز وج��ل بيدي��ه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد ل��ه مالئكت��ه، وس��خر ل��ه الس��موات واألرض، وجعله خليفته الذي أوك��ل إلي��ه مهم��ة عم��ارة الك��ون،ولق��د ﴿وفق منهجه وشرعته، وأعلن تكريمه وأعال قدره، فق��ال: منا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات كر ﴾وفض�لناهم على كث�ير ممن خلقن��ا تفض�يال )اإلس�راء: من اآلي�ة

(؛ فاإلنسان في نظر القرآن مكرم، بصرف النظر عن أصله70 وفصله، ودينه، وعقيدته، ومركزه، وقيمته في الهيئة االجتماعية، فقد خلقه الله مكرما، وال يملك أحد أن يجرده من كرامته ال��تي أودعها في جبلته وجعلها من فطرته وطبيعته، يستوي في ذل��ك

المسلم وغير المسلم من أهل األديان األخرى. والتكريم ههنا، هو تكريم وتفضيل، يشمل البشر كاف��ة في الماضي والحاضر والمستقبل، ويمت��د إلى أن ي��رث الل��ه األرض

لق��د خلقن��ا﴿ وه��و المش��ار إلي��ه في اآلي��ة الكريم��ة: ومن عليها؛وركم﴿(، وك�ذا اآلي�ة: 4 )ال��تين ﴾اإلنسان في أحس�ن تق��ويم وص�

(.3 )التغابن: ﴾فأحسن صوركم

7

Page 8: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

وهو تكريم يظهر من خالل التكليف بإعمار األرض كم��ا فيتعمركم فيها﴿ قوله تعالى: أكم من األرض واس�� )ه��ود:﴾ه��و أنش��

اكم في األرض وجعلنا لكم فيها مع��ايش﴿ (، واآلية:61 ن ولقد مكذي جع��ل لكم﴿(، وكذا اآلي��ة: 10 )األعراف﴾قليال ما تشكرون ال

(.53 )طه ﴾األرض مهدا وسلك لكم فيها سبال وجاءت سنة الحبيب المصطفى ناهية لكل تمييز عنص��ري وناب��ذة للفك��ر اإلقص��ائي "ي��ا أيه��ا الن��اس! إن ربكم واح��د، وإن أب��اكم واح��د، أال ال فض��ل لع��ربي على عجمي، وال لعجمي على ع���ربي، وال ألحم���ر على أس���ود، وال ألس���ود على أحم���ر، إال

، فال فضل لع��ربي على أعجمي وال ألبيض على أس��ود6بالتقوى"إن أكرمكم عند الله أتقاكم )األنعام ﴾إال بالتقوى ﴿165.)

ب ـ منظومــة القيم العليــا )اللطــف ـــ التعــارف ـ الحرية ـ الوفــاء بـالعهود ــ تحقيــق الســلم والســالم ـ

البر واإلحسان ـ الخيرـ التكامل ـ التعاون..( جاء اإلسالم بمنظومة متكاملة من المبادئ والقيم، تش��كل في مجموعها، منهج حياة مالئم لطبيعة اإلنسان، ومنس��جما م��ع فطرته السوية، ومغذ لروحه، وملب لمتطلبات الحياة اإلنس��انية الكريم��ة. وهي منظوم��ة محكم��ة النس��يج، مترابط��ة الحلق��ات، تقوم على أرك��ان ثابت��ة من الق��رآن الك��ريم والس��نة النبوي��ة، ال��رات من تتغير بتغير صروف ال��دهر، ولكنه��ا تتج��اوب م��ع المتغي

دون أن تفقد جوهرها وأصالتها ومشروعيتها. والرؤي��ة الكلي��ة القرآني��ة تكش��ف عن وج��ود قيم س��امية

إال أن الجه��د الكب��ير من الناحي��ةناظم��ة للتعام��ل م��ع اإلنس��ان، المنهجية ينبغي أن ينصب على ما يم��يز النظري��ة اإلس��المية عن غيرها، والتمايز حاصل بالذات في أن نظرة اإلسالم إلى حماي��ة الحقوق ال تنحصر في حقوق اإلنسان، وإنما تجعل ه��ذا الج��انب من الحق مندرجا ضمن منظور متكامل، فنحن حين نتحدث عن حق��وق اإلنس��ان انطالق��ا من المرجعي��ة المس��تندة إلى أحك��ام

2964صحيح الترغيب - رقم: � 68

Page 9: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

اإلسالم، وما ينسجم مع مقاص��ده من اجته��ادات عالمي��ة، فإنم��ا نفعل ذلك من منظور يبدأ أوال بالتربية على احترام حقوق الله، ألن من ال يحترم حقوق الله ال يمكن أن يحترم حقوق غيره، ثم التربية على اح��ترام حق��وق اإلنس��ان، وم��ا اإلغاث��ة اإلنس��انية إال

تجلية وتصريف لهذه الحقوق في أبهى صورها. وبعد ذلك ت��أتي حق��وق المحي��ط على اإلنس��ان من حي��وان ونبات باعتباره��ا كائن��ات مس��خرة ال تقب��ل العبث وال اإلس��راف، وإنما تس��تغل بالع��دل والقس��ط واإلحس��ان، وب��ذلك ك��ان تنظيم

القيم اإلسالمية لمجال الحقوق أوسع وأشمل وأكمل.. وانطالق��ا من ه��ذا المنظ��ور ج��اءت الش��ريعة اإلس��الميةفس ��وا الن وال تقتل ﴿لتحمي حق اإلنسان في الحياة، قال تع��الى:

)األنع��ام: ��الحق ب م الل��ه إال تي ح��ر (، ودعت إلى سياس��ة151﴾ال��ات ��ؤدوا األمان ��أمركم أن ت إن الله ي ﴿الناس بالعدل، قال تعالى: )النس��اء: اس أن تحكم��وا بالع��دل ﴾إلى أهله��ا وإذا حكمتم بين الن

58.) إن ه��ذه القيم الرئيس��ة الحامي��ة للحق��وق بنظ��رة اإلس��الم الش��املة، ال تنظ��ر إلى اإلنس��ان نظ��رة اعتب��ار وتق��دير إال بق��در اعتباره وتقديره لحقوق اآلخرين في عالقته م��ع خالق��ة ونفس��ه

والناس والبيئة من حوله.ج ـ التكليف

يبرز اإلنسان في منظومة اإلسالم االعتقادي��ة والتص��ورية، باعتب���اره الجس���ر الك���وني المؤهل، ال���ذي تع���بر من���ه القيم، واألخالق، والتشريعات الحاملة لمراد الله التكليفي من اإلنسان تجاه نفسه ومحيطه الك��وني، إلى البع��دين الزم��اني والمك��اني، لتصبح ج��زءا من الت��اريخ والحي��اة، وي�برز التكلي��ف الملقى على

إنا عرضنا األمان��ة على الس��موات﴿عاتق هذا المخلوق )األمانة( واألرض والجب��ال ف��أبين أن يحملنه��ا وأش��فقن منه��ا وحمله��ا

( باعتباره تكليف��ا ال72 )األحزاب ﴾اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال يع��رف حص��را وال ح��دودا، إذ الك��ون كل��ه في ه��ذه المنظوم��ة

9

Page 10: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

مسرح لفعل اإلنسان وعتاد له، ف��النوع اإلنس��اني كل��ه موض��وع.7فعله األخالقي، كما الكون كله

قد أفلح من زكاها وقد﴿ويعتبر تكليف اإلنسان بتزكية نفسه ( إف��ادة بالتأس��ي ممن تم10-9 )الش��مس﴾خ��اب من دس��اها

ين﴿تكليف��ه بري��ادة ه��ذا الفع��ل عمرانيا ذي بعث في األمي ه��و المهم الكتاب والحكمة يهم ويعل رسوال منهم يتلو عليهم آياته ويزك

(2)الجمعة  ﴾وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبينه﴿ وتزوي��د اإلنس��ان بالعق��ل، وجعل��ه مناط��ا للتكليف والل

مع أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا وجع��ل لكم الس��كم تشكرون واألبصار واألفئدة. ( إنما ه��و تيس��ير78﴾)النحل:لعل

لقيام��ه به��ذا التكلي��ف خ��ير قي��ام، تحقيق��ا من��ه لقص��دية الخل��قوم��ا خلقت الجن واالنس إال ﴿المنصوص عليه في قوله عز وجل ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعم��ون. إن الل��ه

)الذاريات (58-56﴾هو الرزاق ذو القوة المتين وقد نص اإلمام لش��اطبي في كت��اب الموافق��ات، ض��من القسم الثاني من قسمي المقاص��د، على أن "قص��د الش��ارع من المكل��ف أن يك��ون قص��ده في العم��ل موافق��ا لقص��د

، وقال في تفصيل ذلك: "... فإذا ك��انت الش��ريعة..8الشارع" موضوعة لمصالح العباد، ف��المطلوب من المكل��ف أن يج��ريا فق��د م��ر أن قص��د الش��ارع: على ذل��ك من أفعال��ه، "وأيض�� المحافظ��ة على الض��روريات وم��ا رج��ع إليه��ا من الحاجي��ات والتحسينات، وه��و عين م��ا كل��ف ب��ه العب��د. فال ب��د أن يك��ون مطلوبا بالقصد إلى ذلك، ألن األعمال بالني��ات" ثم، لم��ا ك��ان اإلنسان مستخلفا عن الله -في نفسه وأهل��ه ومال��ه وك��ل م��ا

259-258الوحي واإلنسان، أ.د. أحمد عبادي ص � 73/23الموافقات � 8

10

Page 11: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

وضع تحت يده- "كان المطلوب منه أن يكون قائما مقام من.9استخلفه: يجري أحكامه ومقاصده مجاريها"

وقد وضع في المسألة الثامنة أمام المكلف بهذا الصدد ثالث��ةخيارات، مشروعة كلها:

- أن يقصد بعمله ما فهمه من قصد الشارع فيه، غير أنه1 ال ينبغي أن يخلي عمله هذا عن قصد التعبد، ح��تى ال يغف��ل عن الله، وحتى ال يخرج عن قصده ما ق��د يك��ون جهل��ه من مقاص��د

ذلك التكليف. - أن يقص��د م��ا عس��ى أن يك��ون الش��ارع قص��ده، من غ��ير2

تحديد وهذا أشمل وأكمل من سابقه. - أن يقصد مجرد امتث��ال أم��ر الش��ارع، والخض��وع لحكم��ه.3

.10وهذا أكمل وأسلم وهو في هذه الحاالت كلها، موافق لقصد الشارع، وفي مأمن

من مناقضته.

د ـ االستخالف ي جاع��ل في األرض﴿قال تع��الى: ��ة إن ك للمالئك وإذ ق��ال رب

فك ال��دماء ونحن د فيه��ا ويس�� خليفة قالوا أتجعل فيه��ا من يفس��ي أعلم ما ال تعلمون ح بحمدك ونقدس لك قال إن )البقرة:﴾نسب

إنا عرض��نا األمان��ة على الس��ماوات واألرض(، وقال تعالى:30 ﴿ والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. وحمله��ا اإلنس��ان. إن��ه

)األحزاب: (72﴾كان ظلوما جهوال

3/25الموافقات� 999-3/98الموافقات � 10

11

Page 12: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

بهاتين اآلي��تين وغيرهم��ا يعلن الق��رآن الك��ريم أن لإلنس��ان وضعا مختلفا عن ب��اقي المخلوق��ات، وأن ه��ذا اإلنس��ان مكل��ف بأمان��ة االس��تخالف، وهي ال��تي اقتض��ت منح��ه إرادة تمكن��ه من تحقي��ق ه��ذا االس��تخالف. وه��و تص��ور رب��اني ال يح��ط من ق��در

اإلنسان بل يؤكد كرامته، وشرفه على باقي المخلوقات. وللنهوض بهذه األمانة خير قيام فإن القرآن الك��ريم يرش��د اإلنس��ان المس��تخلف إلى ض��رورة تحقي��ق مقص��د التع��ارفيا أيها الناس إنا خلقناكم ﴿والتكامل بين بني البشر، قال تعالى: من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند

)الحجرات: (، "وألنها سنة إلهية تدركها العق��ول،13﴾الله أتقاكم والفط��ر الس��ليمة، فق��د اكتفى الق��رآن الك��ريم ب��إيراد المقص��د تاركا لتفاصيل التنفيذ المرون��ة الالزم��ة لتغطي��ة الواق��ع الك��وني المترامي األطراف، الممتد عبر الزمان، ولكنه أكد على ض��ابط هام في جانب المومنين ليكونوا نماذج للتجرد اإلنس��اني الرفي��ع ﴿ي��ا أيه��ا ال��ذين آمن��وا كون��وا ق��وامين لل��ه ش��هداء بالقس��ط وال﴾يجرمنكم شنآن قوم على أال تعدلوا اعدلوا ه��و أق��رب للتق��وى

(.8)المائدة:آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مم��ا جعلكم ﴿وفي قوله تعالى: ﴾مس��تخلفين في��ه. فال��ذين آمن��وا منكم وأنفق��وا لهم أج��ر كب��ير

( بيان ألهمية العمل اإلنساني، فه��و المح��دد ال��رئيس7)الحديد: لعالقات اإلنسان بربه، وبمحيطه الكوني، وفيه إعان��ة للموم��نين

وتمكينهم في األرض، في إطار العالقات اإلنسانية.

الرحمةـ ه من بين ك��ل القيم ال��تى تش��تمل عليه��ا منظوم��ة القيم األخالقية اإلسالمية قيمة رفيعة القدر بالغة األهمية تتص��در ه��ذه

12

Page 13: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

المنظومة وترتفع فوق قمتها، أال وهى قيمة الرحم��ة. والرحم��ة ليست مجرد عاطفة عارضة أو ش��فقة وقتي��ة مرتبط��ة بموق��ف معين ، وإنما هى بطبيعته��ا ينبغى أن تك��ون خلق��ا ثابت��ا ومتأص��ال فى النفس اإلنس��انية، وش��امال لك��ل قيم الس��لوك الفاض��ل فى

التعامل مع البشر ومع كل الكائنات األخرى فى هذا الوجود. إن ديننا هو دين الرحمة الشاملة، فالله تعالى هو ال��رحمنبس��م الل��ه ال��رحمن ﴿الرحيم، افتتح كل سورة من كتابه بقول��ه: ، ونبينا صلى الله عليه وسلم ه��و ن��بي الرحم��ة، وص��فه ﴾الرحيم

رحم��ة للع��المين )األنبي��اء: وما أرسلناك إال ﴾ربه بقوله: ﴿107،) ��ه م��ا كم عزي��ز علي ول من أنفس�� لقد ج��اءكم رس�� ﴿وقال تعالى:

حيم )التوب��ة: ��المؤمنين رؤوف ر م ح��ريص عليكم ب (،128﴾عنت ﴾)آل عم��ران: فبم��ا رحم��ة من الل��ه لنت لهم ﴿وق��ال تع��الى:

159.)اس اس بالن وق��د ك��ان ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم أرحم الن وأرأفهم بهم؛ المؤمنين ومن لم يكن يدين ب��دين اإلس��الم أص��ال، بل إن رحمته صلى الله عليه وس��لم تع��دت ذل��ك إلى الحي��وان،��رحم ال والجم��اد. وه��و القائ��ل علي��ه الص��الة والس��الم "من ال ي

، وقال عليه الص�الة والس�الم: "ارحم�وا من فى األرض11يرحم" ، وق��ال ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم:12ي��رحمكم من فى الس��ماء" 13"الراحون يرحمهم الرحمن"

وقد امتدت رحمت��ه لتش�مل ط��ير الس�ماء وبه�ائم األرض، فقد رق رسولنا صلى الله عليه وسلم لطائر أخذوا منه فرخي��ه،

، ورأى ص��لى14فقال: "من فجع هذه بوليدها؟ ردوا ولديها إليها" متفق عليه، وفي رواية المستدرك عن عائشة رضي الله عنها: "أرأيت إن كان الله نزع� 11

الرحمة من قلبك فما ذنبي؟" .رواه الترمذى فى كتاب البر والصلة. � 12� رواه اإلمام أحمد فى مسنده من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص 13 رواه أبو داود بإسناد صحيح، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله� 14

صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأين��ا حم��رة معه��ا فرخ��ان، فأخ��ذنا فرخيه��ا، فجاءت الحمرة تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وس��لم: من فج��ع ه��ذه بول��دها ؟ ردوا ول��دها

إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه ؟ قلنا: نحن.13

Page 14: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

ق ه��ذه؟ الله عليه وسلم قرية نمل قد حرقناها، فقال: "من حرار" ار إال رب الن ه ال ينبغي أن يعذب بالن 15قلنا: نحن، قال: إن

، وأخبرن�ا علي�ه16ونهى عن التحريش بين البهائم رحم�ة بها الصالة والسالم أن "امرأة دخلت الن��ار في ه��رة حبس��تها ح��تى م���اتت، فال هي أطعمته���ا، وال هي تركته���ا تأك���ل من خش���اش

، وقصة التي رواه��ا البخ��اري في كت��اب المس��اقاة أن17األرض" "رجال رأى كلب��ا يلهث من العطش ، ف��نزل ب��ئرا ومأل خف��ه م��اء

فسقى الكلب فشكر الله له وغفر له". وكان ذلك دأب صحبه الكرام؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو عثرت بغل��ة في الع��راق لخش��يت أن يس��أل الل��ه

عنها عمر: لم لم تمهد لها الطريق؟!".و ـ عالمية الخطاب القرآني:

كان البعد الع��المي الش��امل واإلنس��اني الع��ام من األم��ور التي صحبت القرآن الكريم، منذ بدء نزوله ح��تى اكتم��ال ذل��ك النزول، وبمقتضى خاتمي��ة النب��وة، وعالمي��ة الرس��الة، بقي ه��ذارعة، الكتاب الكريم مصدر الن��ور والهداي��ة، ومنب��ع الح��ق والش�� والمنهج الق��ويم، والمرجعي��ة العلي��ا للبش��رية إلى ي��وم ال��دين؛ فمقاصده العليا، وكلياته الحاكم��ة، وس��ننه الكوني��ة واالجتماعي��ة كافي��ة للبش��رية جمع��اء في ك��ل زم��ان ومك��ان)أولم يكفهم أن��ا أنزلن��ا علي��ك الكت��اب يتلى عليهم. إن في ذل��ك لرحم��ة وذك��رى

(51لقوم يومنون()العنكبوت: من هنا كان القرآن الكريم هو الش��افي والك��افي للبش��رية مهما اختلفت أنساقها الحض��ارية، والثقافي��ة، والفكري��ة، ومهم��ا تنوعت نظمها الحياتية، ومهم��ا تع��ددت ألوانه��ا، وألس��نتها، في

مختلف األزمنة واألمكنة.رواه أبو داود بإسناد صحيح.� 15 لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن� 16

؛التحريش بين البهائم، رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح رواه البخارى فى كتاب بدء الخلق ، ومسلم فى كتاب التوبة ، وأحمد فى مسنده من حديث� 17

عمر بن عبدالله بن عمرو بن العاص.14

Page 15: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

ثانيا ـ المقتضيات التشريعية إن جوهر االستخالف واألمانة هو القدرة على أداء الواجبات،

��ة ظ��المي﴿وان��تزاع التمت��ع ب��الحقوق ذين توفاهم المالئك إن العفين في األرض ق��الوا ا مستض�� أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كن

ه واسعة فته��اجروا فيها (. وق��ال97 )النس��اء ﴾ألم تكن أرض اللعفين من﴿سبحانه: وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستض��

��ا من ه��ذه ��ا أخرجن ن ذين يقول��ون رب ��دان ال ساء والول جال والن الر��ا من ا واجع��ل لن ��ا من ل��دنك ولي القرية الظالم أهله��ا واجع��ل لن

(. 75 )النساء ﴾لدنك نصيرا وق��د اس��تنبط اإلم��ام مال��ك من ه��ذه اآلي��ة أن ب��راءة الذم��ة بخصوص المستضعفبن، معقودة بالنصر بالب��دن، إن ك��ان الع��دد

.18يحتمل، وإال فال سبيل إال ببذل جميع األموال وعلي��ه، ف��إن إعط��اء األولوي��ة المنهجي��ة واألس��بقية العملي��ة للخطاب المقاصدي المصلحي في التواصل اإلنساني العام، من آكد مقاصد الشارع ابتداء، وهو ما يقتضي تفعيل ه��ذا الن��وع من

الخطاب، وتصريفه عبر مختلف الوسائل. وبعب��ارة أخ��رى فال س��بيل إلى اقتح��ام م��واطن الت��أثير في النفس البشرية، وإقامة الحجة البالغة، إال باالستناد إلى منط��ق النفع للعالمين، والترك��يز على جلب المص��الح لإلنس��انية، ودف��ع المفاسد عنها، واالجتهاد والكدح ما أمكن على تحقيق المص��الح

الشاملة.

لة لص��رح ك ويمكن رصد عدد من المركبات التش��ريعية المش��مقصد اإلغاثة اإلنسانية:

460-1/409ابن العربي، أحكام القرآن، � 1815

Page 16: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

19أ ـ الحفظ

ونقصد ب��ه حف��ظ الحق��وق والمص��الح الض��رورية ال��تي به��ا تتحصل السعادة في العاجل واآلجل، وه��ذا الحف��ظ يك��ون بأح��د أمرين: األول: من جانب الوجود؛ وذلك بم��ا يقيم أركانه��ا ويثبت قواعدها. واآلخر: من جانب العدم؛ وذلك بما يدرأ الخلل الواق��ع أو المتوقع فيها. ومنهج التشريع اإلسالمي لرعاية هذه المص��الح يس��لك ط��ريقين أساس��ين: األول: تش��ريع األحك��ام ال��تي ت��ؤمن تكوين هذه المص��الح وت��وفر وجوده��ا.. الث��اني: تش��ريع األحك��ام التي تحف��ظ ه��ذه المص��الح وترعاه��ا وتص��ونها، وتمن��ع االعت��داء عليها أو اإلخالل بها، وتؤمن الضمان والتعويض عنها عند إتالفه��ا أو االعتداء عليها، وب��ذلك تص��ان حق��وق اإلنس��ان، وتحف��ظ، عن

. 20طريق إقرارها بما يلزم والحفظ كعملي��ة تتض��من عناص��ر حف��ظ متوازي��ة ومتتالي��ة ومتفاعلة، والحفظ إما حفظ سلبي)دف��ه المض��ار(، وإم��ا حف��ظ جلبي إيجابي )جلب المنافع والمصالح(، والحف��ظ كمقص��د ع��ام هو في حقيقته عملية تحت��اج إلى ك��دح، وك��د، وس��عاية، وس��عي دؤوب، م����ع م����ا أمكن من األدوات والوس����ائل، واإلمكان����ات

والقدرات، حسب اختالف المجاالت واألزمنة واألمكنة.وذلك من خالل:حفظ الدين :

حماية أماكن العبادةحماية القيم الكلية للدين

بمهمة� 19 للقيام اإلنسان يتفرغ حتى األسمى مقصده الحقوق حماية من اإلسالم جعل االستخالف بعد أن كرمه الله بنعمة التسخير. وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: "إن مقص��ود الش��رع من الخل��ق خمس��ة: وه��و أن يحف��ظ عليهم دينهم ونفس��هم وعقلهم ونس��لهم ومالهم. فكل ما يتضمن حفظ هذه األصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يف��وت ه��ذه األص��ول فهو مفسدة ودفعها مصلحة، وتحريم تفويت ه��ذه األص��ول الخمس��ة والزج��ر عنه��ا يس��تحيل أال تشتمل عليه ملة من الملل وش��ريعة من الش��رائع ال��تي أري��د به��ا إص��الح الخل��ق" المستص��فى

1/284.2/5الموافقات � 20

16

Page 17: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

.إقامة العدل بين الناسالقيام بواجب التربية والتعليم والتوعية والتحصين.توسيع دائرة الفهم السليم ألحكام اإلسالم ومقاصده،حفظ الدين من تأوي��ل الج��اهلين، وانتح��ال المبطلين

وتحريف الغالين.

وذلك عبر::21حفظ النفسضمان الحق في الحياة؛ضمان كل ما هو خادم لضرورة الحياة؛ضمان حق التغذية، واللباس، والس��كان، ح��ق العالج، ح��ق

الشغل؛مة للقتل واألذى؛ احترام التشريعات المحرالحماية من العدوان؛ ؛22 الحماية من التعذيب، والحماية من اإلخافة والترويع حماية البيئة)مناخيا ونباتيا وحيوانيا(؛ ض��مان ح��ق العيش، والص��حة، والحرك��ة، والتنق��ل م��ع

الحماية من االتجار بالبشر؛االس����تثمار في األمن الع����ام وال����دفاع الوط����ني، وأمن

؛ 23الدولة

وذلك من خالل حفظ قسميه:: 24حفظ العرض عبر:الكرامة، � 1

المسلمون وحقوق اإلنسان، أ.د. أحمد عبادي بتصرف� 21 � قال صلى الله عليه وسلم "ليس منا من روع مسلما"أخرجه البيهقي22 � وهنا يشار إلى مفهوم اإلعداد المستفاد من قوله تعالى )وأعدوا لهم م�ا اس�تطعتم من ق�وة23

ه يعلمهم( ه وع��دوكم وآخ��رين من دونهم ال تعلم��ونهم الل ��ه ع��دو الل ��ون ب ومن رباط الخيل ترهب [، فالسلم في اإلسالم ليس مقصده األصل هو القتال، وإنم��ا اإلره��اب للع��دو قص��د60]األنفال

ثنيه عن االنخ��راط فيم��ا ي��وجب مواجهت��ه، مم��ا ق��د ي��ؤدي إلى إه��راق ال��دماء وإزه��اق األرواح. واالستطاعة، المراد بها تلك المنض��بطة بالموازن��ة بين الحاج��ات وع��دم تجاوزه��ا باإلنف��اق على

السالح وتجويع الناس مثال. المسلمون وحقوق اإلنسان، أ.د. أحمد عبادي، فقد اهتدى حفظه الله إلى تقسم فريد راجع� 24

في نوعي حفظ هذا الضروري من الضروريات الخمس.17

Page 18: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

،تحريم القذف والرمي،رعاية وحماي��ة كرام��ة وس��معة اإلنس��ان الف��رد والمجتم��ع

بالتنشئة على الكرامة، وزرع قيم عدم االعتداء عليها،حماي��ة الح��ق في الخصوص��ية وع��دم االج��تراء عليه��ا وإن

قامت حولها شكوك)مثال عم��ر حين اقتحم على من بلغ��ه،25أنه يشرب الخمر فزجر وقبل الزجر وانصرف

الحيلولة دون االستعمال غير المشروع للسلطة، للمساس بكرامة الفرد أو األسرة أو الجماعة أو المنظمة،

عبر:النسل واألسرة، � 2ض����مان أن يك����ون التناس����ل في إط����ار ال����زواج، حيث

المسؤولية، وحفظ األنساب، وإمكان تلقي الرعاية والدعم المنظمين والمنض���بطين من الدول���ة، وكاف���ة الجه���ات

المختصة؛،حماية األسرة ورعايتها وتوفير حاجياتها األساس��ية، غ��ذائيا

وإيوائيا، وصحيا، وتربويا، وقيميا،،)رعاية الطفولة والنشء)أيتام، ذوي االحتياجات الخاصة،رعاية الشيخوخةالحرص على توطين المساواة بين الرجال والنس��اء، ح��تى

يضطلع كل بمسؤوليته لحفظ األسرة وتنميتها.

:حفظ العقلمن خالل:

رفع ضرر الجهل واألمية؛القيام بواجب التعليم؛

ه حرس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ليلة بالمدينة ,� 25 حمن بن عوف، أن عن عبد الرى إذا دنوا منه إذا باب مج��اف فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت , فانطلقوا يؤمونه حتحمن، ��د ال��ر ��د عب ��ه وأخ��ذ بي على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الل��ه عنب , ر ة بن خلف , وهم اآلن ش�� فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: ال، قال: هذا بيت ربيعة بن أمي

سوا(]الحجرات: حمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه: )وال تجس [ , فق��د12فما ترى؟ قال عبد الرسنا , فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم" الس��نن الك��برى لل��بيهقي ) )579/�� 8تجس �)

17625)

18

Page 19: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

وقاية العقل من اإلصابات العقلية؛إكساب العقل المناعة العلمية والفكرية؛مكافحة السلوكيات الخطرة بدءا من إدمان الت��دخين

وصوال إلى إدمان األنترنت؛إخراج العقل من آفة التقليد واالستالب؛.تحفيز العقل باالبتكار واالجتهاد

:وذلك من خالل:حفظ المالتحريم السرقة، والنصب، والتعدي؛حماية الملكي��ة العام��ة والملكي��ة الخاص��ة)مادي��ة ك��انت أم

فكرية أم اختراعية أم تجارية أم صناعية، أم مهنية(؛حماية المصادر الطبيعية لإلنتاج؛.العناية بواجب الزكاة، تحصيال وتوزيعا على المحتاجين

هذه هي المصالح الكلي�ة ال�تي ج��اءت الش�ريعة اإلس�المية لتأمينها بأن نصت على كل منه��ا، وبينت أهميته��ا، وخطورته��ا ومكانتها، في تحقي��ق الس��عادة لإلنس��ان، ثم كلفت باألحك��ام الوظيفية لضمان تحقيقها. ويدل االستقراء والبحث والدراسة والتأمل على أن الشرع الحنيف جاء لتحقي��ق مص��الح الن��اس الضرورية والحاجية والتحسينية، وأن األحك��ام الش��رعية كله��ا

إنما شرعت لتحقيق هذه المصالح. وقد استحضرنا مقصد الحفظ بم��ا يش��ير إلي��ه من الحماي��ة والرعاية والمعرفة والممارسة، وبما يعني تالزم الحق��وق م��ع الواجبات، مع التنبيه طبعا إلى أن الحفظ ليس مقتص��را على األفراد بل يتعداهم إلى الجماعات والدول، كم��ا أن��ه ال يختص بالمس��لم دون غ��يره، بم��ا يمكن البش��رية من حف��ظ كيانه��ا،

ووجودها، وضمان استمراريتها.

19

Page 20: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

ب ـ العدالة جاءت الرساالت السماوية بقيمة الع��دل وأن��اطت تحقيقه��النا لنا رس�� لقد أرس�� ﴿بالرسل واألنبياء عليه السالم، فقال تعالى: ط اس بالقس�� نات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليق��وم الن ﴾بالبي

(، ويقول تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله25)الحديد:)الش��ورى: وأم��رت ألع��دل بينكم ﴾علي��ه وس��لم: (، وق��ال15﴿

ه يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم إن الل ﴿تعالى: ه ��ه إن الل ه نعما يعظكم ب اس أن تحكم��وا بالع��دل إن الل بين الن

)النس��اء: يرا ميعا بص�� ��أمر58﴾كان س�� ه ي إن الل ﴿(، وق��ال تع��الى: اء ���اء ذي الق���ربى وينهى عن الفحش��� ان وإيت بالع���دل واألحس���

)النحل: رون كم تذك ( ، كم��ا ق��ال90﴾والمنكر والبغي يعظكم لعلن تي هي أحس�� ��ال ئة ادف��ع ب ي وال تستوي الحسنة وال الس ﴿تعالى :

ه ولي حميم )فص��لت: ��ه ع��داوة كأن ذي بينك وبين ( أي34﴾فإذا ال وقد جعل الله تع��الى الع��دل دليال على .26ادفع السيئة باألحسن

ه إن ق��وا الل ق��وى وات اعدلوا ه��و أق��رب للت ﴿التقوى فقال تعالى: )المائدة: ه خبير بما تعملون (.8﴾الل

ولم��ا ك��ان الع��دل ه��و الغاي��ة في إرس��ال الرس��ل وإن��زال الكتب ���كما س��بق ��� لم يكن لالس��تثناء في��ه مح��ل، وال يخض��ع للضرورات، فإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فإن الع��دلكم وال يج��رمن ﴿يجب تطبيقه مع األعداء واألصدقاء فقال تع��الى: ه ق��وا الل ق��وى وات شنآن قوم على أال تعدلوا اعدلوا هو أق��رب للت

ه خبير بما تعملون )المائدة: (.8﴾إن الل

قال الراغب األصفهاني: "العدل هو: المساواة في المكافأة إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر،� 26.325واإلحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشر بأقل منه" المفردات ص

20

Page 21: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

،27 مؤسســة الحســبة العامــة والخاصةوهن��ا ي��أتي دور��ير من﴿والتي نج��د له��ا أص��ال في اآلي��ة الكريم��ة: ��ر فى كث ال خي

اس لن دقة أو مع��روف أو إصل���ح بين من أم��ر بص�� ﴾ٱنج��واهم إاللم��ؤمنين﴿(، وفي قوله تع��الى: 114)النساء: ��ان من ٱوإن طائفت

(، ويؤيد ذلك: قوله تع��الى:9 )الحجرات:﴾ٱقتتلوا فأصلحوا بينهمالوة وأنفق��وا مما﴿ لص�� بتغ��اء وج��ه ربهم وأق��اموا بروا ذين ص�� ٱوال ٱ

يئة أول���ئك لهم لس�� نة لحس�� ��درءون ب ��ة وي را وعالني ��اهم س�� ٱرزقن ٱلدار (22 )الرعد:﴾ٱعقبى

وال تقتص��ر ه��ذه الفعالي��ة على الف��رد، وإنم��ا تتع��دى إلى الجماعة والدولة، فإذا كان فعل اإلغاثة باعتباره أمرا بالمعروف واجب على الف��رد المس��لم، فإن��ه واجب على الجماع��ة، حيث يتع��اون علي��ه األف��راد في الجماع��ات ويتش��اورون في��ه لقول���ه

لمعروف﴿تعالى: ��أمرون ب ��ر وي لخي ٱولتكن منكم أمة يدعون إلى ٱلمفلح��ون لمنكر وأول���ئك هم ٱوينهون عن (،104 )آل عم��ران:﴾ٱ

﴿وقال تعالى: إلثم ق��وى وال تع��اونوا على لت ل��بر و ٱوتعاونوا على ٱ ٱلعدوان (.2 )المائدة:﴾ٱو

وقال ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمع��اد، وهي ع��دل كله��ا، ورحم��ة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خ��رجت عن الع��دل إلى الج��ور، وعن الرحم��ة إلى ض��دها، وعن المص��لحة إلى المفس��دة، وعن الحكم��ة إلى العبث، فليس��ت من الش��ريعة، وإن أدخلت فيه��ا بالتأويل، فالشريعة ع��دل الل��ه بين عب��اده، ورحمت��ه بين خلق��ه،

� والية الحسبة من الواليات الشرعية العامة الخاضعة لسلطة الدولة، حيث تجب على اإلم��ام27 بحكم وظيفته في حفظ الدين على أص��وله المس��تقرة وتنفي��ذ أحكام��ه، ورعاي��ة حق��وق الن��اس ومصالحهم. ولذلك ك�ان الخلف��اء في العص��ور األولى لإلس�الم يباش�رونها بأنفس�هم، ثم أس�ندوا أمرها إلى وال خاص يعرف بالمحتسب، وأعطي من الصالحيات و األعوان بحيث يقوم بها خ��ير قيام، فيمشي في األسواق والشوارع ويقتحم أب��واب المؤسس��ات العام��ة وال��دوائر الحكومي��ة، ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سواء تعلق ذلك بقيمة من قيم اإلسالم معطلة أو بح��ق من

حقوق الناس مهدر.21

Page 22: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

وظل��ه في أرض��ه، وحكمت��ه الدال��ة علي��ه، وعلى ص��دق رس��وله 28"صلى الله عليه وسلم أتم داللة وأصدقها

29ال ضرر وال ضرارج ـ

نفي الض���رر ورفع��ه مقص��د علي من مقاص���د الش��ريعة اإلسالمية، فال يقبل كل فعل فيه ض��رر على الف��رد أو المجتم��ع في الحال والمآل، وهو ما يتساوق تماما مع مبدأ التيسير ورف��ع المشقة الذي يعد ب��دوره مقص��دا أس��اس من مقاص��د التش��ريع

)البق��رة﴾يريد الله بكم اليسر وال يري��د بكم العسر﴿في اإلسالم والضرورة تقدر بقدرها، والحاجة تنزل منزل��ة الض��رورة(.�� 185

سواء بس�واء في أحكامه��ا وقواع��دها، ودف��ع المض��رة أولى منجلب المنفعة، بل إنه في خد ذاته منفعة.

د ـ التيسير ودفع المشقة: من أعظم مقاصد الشريعة: اليسر، والتيسير على الن��اس، ورفع اآلصار واألغالل عنهم، وه��ذا من حكم بعثت��ه علي��ه الص��الةذي بي األمي ال ول الن س�� بع��ون الر ذين يت ال ﴿والسالم قال تع��الى: ��المعروف ��أمرهم ب وراة واإلنجي��ل ي يجدونه مكتوبا عندهم في الت��ائث م عليهم الخب بات ويح��ر وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطي

تي كانت عليهم. ��ه ويضع عنهم إصرهم واألغالل ال ذين آمنوا ب فال��زل مع��ه ذي أن ور ال بع��وا الن روه وات روه ونص�� أولئك هم .وع��ز

(157)األعراف: ﴾المفلحون��ه ليجع��ل عليكم من ح��رج ولكن)وقال تبارك وتعالى: ما يري��د الل

كم تشكرون (، وق��ال6)المائ��دة:( يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلر)عز وجل: )البق��رة من اآلي�ة(يريد الله بكم اليسر وال يريد بكم العس�

��ه أن يخفف عنكم)(، وقال جل شأنه: 185 )النس��اء من اآلي��ة(يريد الل��اكم وم��ا جع��ل)(. وقال تعالى: 28 ه حق جهاده هو اجتب وجاهدوا في الل

.3/5 � انظر أعالم الموقعين، 28 � واألصل في هذه القاعدة وغيرها من قواعد رفع الضرر قوله صلى الله عليه وسلم"ال ض��رر29

وال ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطني، 22

Page 23: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

ة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من عليكم في الدين من حرج ملاس هداء على الن سول شهيدا عليكم وتكونوا ش�� قبل وفي هذا ليكون الره ه��و م��والكم فنعم الم��ولى موا بالل ��اة واعتص�� ك فأقيموا الصالة وآتوا الز

صير را إن م��ع78 )الحج:(ونعم الن ر يس�� ف��إن م��ع العس�� ﴿(، وقال تعالى: )الشرح: (6-5﴾العسر يسرا

وهذا سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وه��و المع��روف من هدي��ه عليه الصالة والسالم، ووصيته المتكررة ألصحابه؛ فقد وصى معاذا وأب��ارا وال تنف��را" را وبش� را وال تعس� موس��ى لم�ا بعثهم�ا لليمن فق��ال: "يس��

، وقال صلى الل��ه علي��ه وس��لم: "إن خ��ير دينكمأخرجه البخاري ومسلم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيس��ره" وفي لف��ظ: "إنكم

أمة أريد بكم اليسر" أخرجه اإلمام أحمد بسند صحيح. قال العز بن عبد السالم: "اعلم أن الله سبحانه لم يش��رع حكما من أحكامه إال لمصلحة عاجلة أو آجلة، أو عاجل��ة وآجل��ة، تفض��ال من��ه على عب��اده... وليس من آث��ار اللط��ف والرحم��ة واليسر والحكمة أن يكلف عباده المشاق بغي�ر فائدة عاجلة وال آج�لة، لكنه دعاهم إلى كل م��ا يق��ربهم إلي��ه... ومص��الح الن��اس في الدنيا هي كل ما فيه نفعهم وفائدتهم وص��الحهم وس��عادتهم وراحتهم، وكل م��ا يس��اعدهم على تجنب األذى والض��رر، ودف��ع

30الفساد، إن عاجال أو آجال"

ه ـ تحريم الظلم إن النص��وص ال��تي تحث المس��لمين، على تح��ريم الظلم، والسعي إلى ض��مان حق��وقهم، وت��رغب في ذل��ك، أك��ثر من أن

، في ه��ذا المق��ام.. والمتعام��ل معه��ا، يالح��ظ، أن في31تحصى(.401شجرة المعارف واألحوار )ص:� 30الظالمين(]الشورى � 31 إنه ال يحب الله تعالى )فمن عفا وأصلح فأجره على [،40منها قوله

)وال تركنوا إلى الذين ظلموا فتمس��كم الن��ار وم��ا لكم من دون الل��ه من أولي��اء ثم ال تنص��رون( [، وغيره��ا من اآلي��ات227[، )وسيعلم ال��ذين ظلم��وا أي منقلب ينقلب��ون(]الش��عراء 114]هود

المحذرة من الظلم، والمذكرة بجزاء الظالمين. وفي الحديث عن ابن عمر رض��ي الل��ه عنهم��ا، ، وال يسلمه" رواهال يظلمهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم،

��راء بن2442البخاري في كناب المظالم، باب ال يظام الميلم الميلم وال يس��لمه رقم . وعن الببع، بع، ونهان��ا عن س�� عازب رضي الله عنه، قال: "أمرنا رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم بس��

باع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السالم، ، وإجابةونصر المظلومفذكر عيادة المريض، وات23

Page 24: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

اإلسالم نظاما كامال، إلقام��ة العالق��ات االجتماعي��ة، بين الن��اس،��ان المجتمع��ات، عن على وجه يبع��د ك��ل األدواء، ال��تي تنخ��ر كيح المجتمع اإلسالمي... وهو نظام حري، ب��أن يبحث في��ه، وتوض��

معالمه، في دراسة جادة موضوعية مستقلة.. وبذلك فإن هذا المقصد، تحريم الظلم، يمكن أن يعتبر من المقاصد المركزية في الش��ريعة اإلس��المية. ومن ش��واهد ذل��ك

وال يظلم ربك أحدا )الكهف ﴾قوله تعالى: (، وقوله عز وجل:49﴿﴾والل���ه ال يحب الظ���المين )آل عم���ران (، وفي الح���ديث57﴿

القدسي"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلت��ه بينكم.32محرما فال تظالموا"

وهو ما تجلى في سنة رسول الله صلى الل��ه علي��ه وس��لم التي تزخر بحرصه عليه الصالة والسالم على إيفاء أهل الحقوق

.33أفرادا وجماعات حقوقهمان )النح��ل: من ��أمر بالع��دل واإلحس�� ه ي إن الل ﴾قال تعالى: ﴿

دوكم عن90اآلي��ة نآن ق��وم أن ص�� كم ش�� وال يج��رمن ﴿(، وق��ال: ق���وى ���ر والت ���دوا وتع���اونوا على الب جد الح���رام أن تعت ﴾المس���

م على نفس��ه الظلم،2)المائ��دة: من اآلي��ة (، والل��ه تع��الى ح��رة ه ال يظلم مثق��ال ذر إن الل ما بين عب��اده، فق��ال: ﴾وجعله محر ﴿

(، ورسوله- صلى الله عليه وسلم- يعرض40)النساء: من اآلية ه للقص��اص ممن يظن أن ل��ه عن��ده في م��رض وفات��ه نفس��ت��ه من مظلمة، وخليفته عمر- رضي الله عن��ه- يقتص ألح��د رعي غ��ير المس��لمين حين يض��ربه ابن والي مص��ر، ويق��ول: "م��تى

استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!".

م" رواه البخ��اري في كت��اب المظ��الم، ب��اب نص��ر المظل��وم، ح��ديث رقم الداعي، وإبرار القس��2445

(.2577أخرجه مسلم كتاب: البر والصلة واآلداب، باب: تحريم الظلم، )� 32 � قال ابن حجر العسقالني في شرحه لحديث"المومن للمومن كالبني�ان يش�د بعض�ه بعض�ا": 33

"نصر المظلوم فرض على الكفاية، وهو عام في المظلومين، وكذا في الناصرين، بن��اء على أن.5/99فرض الكفاية مخاطب به الجميع وهو الراجح" فتح الباري

24

Page 25: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

و ـ التالزم بين الحق والواجب يعت��بر التكلي��ف الرب��اني )األمان��ة( لب��ني آدم رافع��ة عملي��ة تستند على الواجب إزاء الحق، لتمكين اإلنسان ف��ردا واجتماع��ا من ض��مان الحق��وق واالس��ترواح في ظله��ا؛ ألن التزكي��ة به��ذا المق���ترب الق���رآني ذات حمول���ة وظيفي���ة وليس���ت فق���ط

يقدر على﴿قال تعالىاستيطيقية، ه مثال عبدا مملوكا ال لل ٱضرب ا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل زقناه من شيء ومن ر ه مثال لل رب ��رهم ال يعلم��ون * وض�� ��ل أكث ه ب لحم��د لل توون ٱيس�� ٱ��ل على م��واله يء وه��و ك جلين أح��دهمآ أبكم ال يق��در على ش�� رلع��دل وه��و ��أمر ب ٱأينما يوجهه ال يأت بخير هل يستوي هو ومن ي

(67-75﴾ )النحل: على صراط مستقيم وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية، ويص��ير ف��رض عين على الق��ادر ال��ذي لم يقم ب��ه غ��يره. وفيا األوائ��ل- له��ا، ب��الفروض تس��مية علم��اء األص��ول - خصوص�� الكفائية، إيح��اء، ب��أن القي��ام به��ا، من ل��دن الق��ادرين، ينبغي أن يكون كافيا لألمة، وإال فإنها ال تسقط، ويبقى اإلثم عالقا بعم��وم

األمة، إال أن غير القادرين، ال يبقون - بخصوص الفروض الكفائيةب عليهم مس��ؤولية الس��عي، ��رت - ب��دون مس��ؤولية، فالش��رع ي

قال الشاطبي: "القي��ام به��ذا الف��رض - يقص��د إلقامة القادرين، الفرض الكفائي - قيام بمص��لحة عام��ة، فهم مطلوب��ون بس��دها على الجملة، فبعضهم هو قادر عليه��ا مباش��رة، وذل��ك من ك��ان أهال لها، والب��اقون، وإن لم يق��دروا عليه��ا، ق��ادرون على إقام��ة القادرين، فمن كان قادرا على الوالي��ة، فه��و مطل��وب بإقامته��ا، ومن ال يقدر عليها، مطلوب بأمر آخر، وهو إقام��ة ذل��ك الق��ادر، وإجباره على القيام بها.. فالقادر إذن، مطلوب بإقامة الف��رض، وغير القادر، مطلوب بتقديم ذلك القادر، إذ ال يتوصل إلى قي��ام

25

Page 26: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

الق��ادر، إال باإلقام��ة، من ب��اب، م��ا ال يتم ال��واجب إال ب��ه، فه��و.34واجب"

وال يخفى أن موضوع الواجب يحظى اليوم باهتم��ام واس��ع في حلب���ات النقاش���ات النظمي���ة والحقوقي���ة واالجتماعي���ة والسياسية وحتى االقتصادية، لكون مبحث ال�واجب يتموق�ع من هذه المجاالت جميعا في المنطلق والمبتدأ والبؤب��ؤ والس��ويداء؛ ففي مجال حقوق اإلنسان مثال يجري النقاش على أشده ح��ول كيفي��ة زرع مفه��وم ال��واجب ض��من البني��ة الحقوقي��ة، والس��يما حق��وق الجي��ل الث��الث )الحق��وق التض��امنية( ك��الحق في البيئ��ة الس��ليمة، والح��ق في اإلغاث��ة اإلنس��انية، والح��ق في الس��الم والحق في التنمية. وهي حقوق يحضر فيها بجالء ����� إلى ج��انب المكون الحقوقي ��� مكون الواجب ومسؤولية الفرد. فض��مان التنمية واالسترواح بالسالم، وضمان حياة الكرامة لإلنس��انية...؛ فكل ذلك يحتاج إلى أن يقوم األفراد بواجباتهم إزاءه، مم��ا أدى إلى انبعاث مفهوم الواجب من جديد في النقاشات الحقوقي��ة.. ف���الواجب لحم���ة وس���دى النس���يج العالئقي في المجتمع���ات والمؤسسات، وه��و المح��ور ال��ذي يتمح��ور حول��ه إنج��از ال��دول

35والحضارات

ز ـ التالزم بين حقــوق الــذات اإلنســانية وحقــوقالغير

تتفرع حقوق اإلنس��ان في اإلس��الم م��ا بين حق��وق مجتم��ع على الفرد، وحقوق أفراد على المجتمع، وحقوق للمجتم��ع على المجتمع، ويضاف إليها قسم رابع مستقل وه��و حق��وق الل��ه من حيث هي ضمانات لتنفيذ هذه الحق��وق بأقس��امها األربع��ة، وفي

ضوء هذه الضوابط تتوزع أنواع حقوق اإلنسان في اإلسالم.

8/353 � الموافقات 34مفهوم الواجب في اإلسالم، مقتضياته التشريعية وتطلباته الحكمية، أ. د. أحمد عبادي.� 35

26

Page 27: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

هنا صورة هذا التقسيم من كتاب الفروق لإلمامونستحضر شهاب الدين القرافي حيث يقول: تنقسم التكاليف باعتبار ح��ق

تكلي��فالقســم األول:الله وحقوق العباد إلى أربعة أقس��ام: بحق الله تعالى المحض فال يتأتى إسقاطه أصال، كاإليمان وترك

تكليف بحق العب��اد المحض، بعض��هموالقسم الثاني:الكفر. على البعض؛ أي أمره تعالى بإيصال ذل��ك الح��ق إلى مس��تحقه، والمراد بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط، فما من ح��ق للعبد إال وفي��ه ح��ق لل�ه تع��الى، وه��و أم��ره باإليص��ال الم��ذكور. فيوجد حق الله تع��الى دون ح��ق العب��د وال يوج��د ح��ق العب��د إال

: تكلي��ف ب��الحقينوالقســم الثــالثوفي��ه ح��ق الل��ه تع��الى. المذكورين معا.

تكلي��ف بح��ق الل��ه تع��الى على العب��د،والقسم الرابــع: وحق العبد في الجملة مم��ا يس��تقيم ب��ه ف���ي أواله وأخ��راه من مصالح���ه، فال يت��أتى في��ه للعب��د إس��قاط، ول��و لحقه، ألن الل��ه تعالى قد حجر فيه على العبد، حتى في ح��ق نفس��ه، لطف��ا ب��ه ورحمة له. وأكثر الشريعة من هذا القسم، فمن ذلك أنه تعالى حجر على اإلنس��ان في تض��ييع مال��ه ال��ذي ه��و عون��ه على أم��ر دنياه وآخرته، فحرم عليه عقود الربا، صونا لماله علي��ه، وعق��ود الغرر والجهاالت، صونا لمال��ه عن الض��ياع، فال يحص��ل المعق��ود عليه أو يحصل دنيا ون��زرا حق��يرا، فيض��يع الم��ال، وح��رم علي��ه إلق��اء مال��ه في البح��ر، وتض��ييعه في غ��ير مص��لحة، كم��ا ح��رم الس��رقة. ومن ذل��ك أن��ه تع��الى حجر على اإلنس��ان في تض��ييع عقله الذي هو عون��ه على أم��ر دني��اه، فح��رم علي��ه المس��كرات والمخدرات، ص��ونا لمص��لحة عق��ل العب��د علي��ه. ومن ذل��ك أن��ه��ه على أم��ر تعالى حجر على عب��ده تض��ييع نس��به ال��ذي ب��ه عون��ؤثر رض��ا العب��د دني��اه، فح��رم علي��ه الزن��ا ص��ونا لنس��به. فال ي

27

Page 28: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

قة بإسقاطه حقه في ذلك كله، كما ال ي��ؤثر رض��اه بوالي��ة الفس��36وشهادة األرذال"

هك��ذا تص��بح حق��وق اإلنس��ان في اإلس��الم حقوق��ا لل��ه من حيث هو اآلمر بها من جهة، وتصبح هذه الحقوق منه��ا م��ا يقب��ل اإلس��قاط والتن��ازل، إذا ك��انت خاص��ة بالش���خص وخ���الصة في انت�فاعه ب�ها وح�ده، ومنها ما ال يقبل اإلسقاط، من حيث أن��ه ال تستقيم حياته إال بها، على الوجه الالئق ب��ه كإنس�ان كرم�ه الل�ه

بالعقل والمسؤولية عن صالح دنياه وأخراه. وتندرج في هذا القسم كل حقوق اإلنسان التي ينظر إليه��ا اإلس��الم باعتباره��ا ض��رورات للحي��اة الكريم��ة، ال مج��رد حق��وق

، وفي مقدم�ة ه�ذه الحق�وق37فقط تقبل المس�اومة والمزاي�دةحقوق اإلغاثة لهذا اإلنسان فردا كان أو جماعة.

ثالثا ـ آليات التنزيل والتفعيل حيث إن ج��ل المص��الح ال��تي تق��وم عليه��ا حي��اة األمم وارتفاقاتها، وفي لب ذلك ضمان حق��وق الخل��ق، تحت��اج إلىنه��ا، ومق��درتها، اجته��ادات مس��تأنفة في ك��ل حين قص��د تبيزن له��ا على أرض وتقعي��دها، وتقنينه��ا، من أج��ل تنزي��ل مت الواقع، كان ال ب��د من آلي��ات تمكن من جلب ه��ذه المص��الح، ودرء ما يهددها من مفاسد في سياقاتها المختلفة، نظرا في المعت��بر من ه��ذه المص��الح، واعتب��ارا للم��آالت، وتحقيق��ا للمناطات، وتنقيحا لها، وأخذا بمبدأ سد الذرائع وفتحه��ا على الس�واء،، والموازن�ة الدقيق�ة بين المص�الح والمفاس�د، جلب��ا لألولى إن رجحت، ودفع��ا للثاني��ة إن غلبت، تس��ديدا وتقريب��ا

.38وتغليباومن آكد هذه اآلليات:

.1/157الفروق للقرافي، � 36منظومة القيم المرجعية في اإلسالم، د. محمد الكتاني� 37.272اإلنسان والوحي، أ. د. أحمد عبادي ص � 38

28

Page 29: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

أ ـ إعمال المصــالح )المصـلحة العامــة تقـدم على المصــلحة الخاصــة، درء المفاســد مقــدم على جلب

المصالح( على اختالف أقس�امها ووس�ائل إثباته�ا39مقاص�د الش�ريعة

ومستوياتها، تتركز في مقصد كلي جامع جرى التعبير عن��ه ت��ارة ب�«جلب المصالح ودرء المفاسد«، وتارة ب��� »تحص��يل المص��الح

.40وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها« وقد ح��دد العلم��اء مقاص��د الش��ريعة بأنه��ا تحقي��ق مص��الح الناس في الدنيا واآلخرة، أو في العاجل واآلج��ل، ق��ال الع��ز بن عبد السالم رحمه الله تعالى: »اعلم أن الله سبحانه لم يش��رع حكما من أحكامه إال لمصلحة عاجلة أو آجلة، أو عاجل��ة وآجل��ة،

تفضال منه على عباده«، ومصالح الناس في الدنيا هي كل م��ا في��ه نفعهم وفائ��دتهم وصالحهم وس��عادتهم وراحتهم، وك��ل م��ا يس��اعدهم على تجنب

األذى والضرر، ودفع الفساد، إن عاجال أو آجال. من هنا كانت اإلغاثة اإلنسانية مقصدا أساس��يا من مقاص��د التشريع اإلسالمي، الرتكازه��ا على مب��ادئ كلي��ة من قبي��ل جلب المصالح ودرء المفاسد، وحفظ الض��روريات الخمس، وتوابعه��ا، ولقيامها على قيم التكريم، واالس��تخالف، والمس��اواة، والع��دل، والحرية، والكرامة له��ذا اإلنس��ان ال��ذي خلق��ه الل��ه في أحس��ن

� مقاصد الشريعة في اصطالح العلماء هي: الغايات واألهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها39 الشريعة، وأثبتته�ا في األحك�ام، وس�عت إلى تحقيقه�ا وإيجاده�ا والوص�ول إليه�ا في ك�ل زم�ان

؛13ومكان. انظر مقاصد الشريعة اإلسالمية، الطاهر بن عاشور، ص - حدد العلماء مقاصد الشريعة بأنها تحقيق مصالح الناس في ال��دنيا واآلخ��رة، أو في العاج��ل40

واآلجل، يقول العز بن عبد السالم رحمه الله تعالى: "اعلم أن الله سبحانه لم يشرع حكم��ا من أحكامه إال لمصلحة عاجلة أو آجلة، أو عاجلة وآجلة، تفضال منه على عب��اده"، ث���م ق��ال: "وليس من آثار اللطف والرحمة واليسر والحكمة أن يكلف عباده المشاق بغي�ر فائدة عاجلة وال آج�لة، لكن��ه دع��اهم إلى ك��ل م��ا يق��ربهم إلي��ه" .. ومص��الح الن��اس في ال��دنيا هي ك��ل م��ا في��ه نفعهم وفائدتهم وصالحهم وس��عادتهم وراحتهم، وك��ل م��ا يس��اعدهم على تجنب األذى والض��رر، ودف��ع

.401الفساد، إن عاجال أو آجال". انظر شجرة المعارف واألحوار ص وقال اإلمام الشاطبي:"إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل واآلج��ل" إم��ا بجلب

.2/9النفع لهم، أو لدفع الضرر والفساد عنهم.الموافقات

29

Page 30: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

تقويم، مع االلتزام بالسبل والوسائل التي تحقق هذه المقاص��د،وتحافظ عليها وتمنع من إهدارها أو ضياعها.

ب ـ اعتبار المآالت اعتبار مآل األفعال من المقاصد المهمة من الشريعة. قال

الش��اطبي: »النظ��ر في م��آالت األفع��ال معت��بر مقص��ود ش��رعا ك��انت األفع��ال موافق��ة أو مخالف��ة، وذل��ك أن المجته��د ال يحكم على فعل من األفعال الصادرة عن المكلفين باإلقدام واإلحج��ام إال بع��د نظ��ره إلى م��ا ي��ؤول إلي��ه ذل��ك الفع��ل، مش��روعا إلى مص��لحة في��ه تس��تجلب، أو لمفس��دة ت��درأ، ولكن ل��ه م��آل على خالف ما قصد فيه؛ وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عن��ه، أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل خالف ذلك، فإذا أطلق القول في األول بالمشروعية، فربما أدى استجالب المصلحة في��ه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها، فيك��ون ه��ذا مانع��ا من

إطالق القول بالمشروعية. وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربم��ا أدى استدفاع المفسدة إلى مفس�دة تس��اوي أو تزي��د؛ فال يص��ح إطالق الق��ول بع��دم المش��روعية. وه��و مج��ال للمجته��د ص��عب المورد، إال أن��ه ع��ذب الم��ذاق، محم��ود الغب ج��ار على مقص��د

.41الشريعة« والنظ�ر إلى م��آل المجتم�ع الض�امن لحق��وق إنس�انه، كم�ا النظر إلى مآل المجتمع المه��در له��ا، يف��رض تق��ديم القياس��ات الضامنة لحقوق اإلنسان، وإن خفيت، على القياسات كله��ا وإن

كانت جلية.ج ـ إعمال أصل "سد الذرائع" و"فتح الذرائع"

.3/194 الموفقات 4130

Page 31: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

يعتبر"أصل سد الذرائع"وجه آخر من وجوه رعاي��ة مقص��ود الشارع في تحقيق اإلغاث��ة اإلنس��انية ورعايته��ا، حيث يمكن من القي��ام بترجيح��ات معت��برة به��ذا الخص��وص، مم��ا يفتح ذريع��ة العدالة، ويس��د ذريع��ة الظلم. ويع��د الم��ذهب الم��الكي من أهم المذاهب القائلة به. قال الشاطبي رحمه الل��ه : "وس��د ال��ذرائع

42مطلوب مشروع وهو أصل من األصول القطعية... " واعتبار أصل ال��ذرائع بالس��د أو الفتح يع��د من وج��ه توثيق��ا لمب��دأ المص��لحة ال��ذي استمس��ك مال��ك بعروت��ه؛ فه��و اعت��برها الشارع واعتبره��ا ودع��ا إليه��ا وحث المصلحة الثمرة التي أقر عليها؛ فجلبها مطلوب، وضدها - وهو الفساد - ممنوع؛ فكل م��ا يؤدي إلى المصلحة بطريق القطع أو بغلبة الظن يكون مطلوب��ا بقدره من العلم أو الظن، وكل ما يؤدي إلى الفس��اد على وج��ه اليقين أو غلبة الظن يكون ممنوعا على حسب قدره من العلم؛ فالمصلحة بع��د النص القطعي هي: قطب ال��رحى في الم��ذهب

.43المالكي، وبها كان خصبا كثير اإلثماره ـ الوعي بالسياق

يبرز الفك�ر المقاص�دي الي�وم باعتب��اره مج�اال علمي�ا غني��ا، ، أن يفتح أمام الباحثين، في هذا الج��انب،تسييقهيمكن إذا تم

أبوابا جديدة لالشتغال واإلبداع، أبوابا يس��تطيعون، إن ولوجوه��ا بمس��ؤولية، القي��ام بق��راءة متج��ددة لنص��وص ال��وحي، وامتالك آليات جدي��دة لالجته��اد والتجدي��د، وتنزي��ل متج��دد لألحك��ام على الوق��ائع، كم��ا س��وف يمكنهم ذل��ك من تق��ريب إدراك فح��وى

الشرع والشريعة من العالمين. والسياق سياقات في مقدمتها الس��ياق الحض��اري، والس��ياق المحلي، والس���ياق اإلقليمي، والس���ياق الع���المي، والس���ياق ال��راهن.. وهي س��ياقات تتطلب فقه��ا منهاجي��ا يجع��ل فك��رة

3/61الموافقات � 42.352أبو زهرة، مالك عصره وآراؤه الفقهية ص � 43

31

Page 32: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

السياق فكرة متسعة تتعلق بأص��ول في الفهم االبت��دائي ض��من س��ياقات الفهم، والفهم المتعل��ق ب��الواقع في إط��ار س��ياقات الواقع، والقدرة على توقيع األحك��ام في الواق��ع تفعيال وتش��غيال

.بما يمكن تسميته فقه التنزيل

ويتجلى البعد ال��وظيفي للمقاص��د أك��ثر، انطالق��ا من ك��ون العلم بالمقص��د الم��راد من الحكم الش��رعي، يكتس��ي أهمي��ة قص��وى في فهم��ه الفهم الس��ليم من جه��ة، وك��ذا في تنزيل��ه التنزيل الرشيد والناجع من جهة أخرى؛ بناء على أن كل مسألة تفتقر إلى نظرين: أحدهما في دلي��ل الحكم، واآلخ��ر في من��اط الحكم؛ وض��ابط ذل��ك أن تنزي��ل الحكم الش��رعي بع��د ثبوت��ه

الوعي بســياقبمدركه يتوقف على عدة أمور في مق��دمتها؛ تحقيق��ادراســة مناطه )سياق الحال أو المقام(، ثم التنزيل

في نط��اق الن��وع )تحقي��ق المن��اط الع��ام(، وتص��ديقا في نط��اقالعين )تحقيق المناط الخاص( وهو أخص وأدق من سابقه.

و ـ فقه الوسائل التي من خاللها يمكننا ممارسة فعل اإلغاث��ة اإلنس��انية في كل مس��توياتها، وال يمكنن��ا الح��ديث عن الوس��ائل دون الح��ديث عن المقاص��د، كم��ا ال يمكن تص��ور العالق��ة بينهم��ا دون وعي

ــه الواقع ، ذل��ك أن "فق��ه الوس��ائل يرتب��ط من ناحي��ةبفق بالمقاصد المعتبرة التي تعد من مقدمات الواجب، وال��تي ال يتم الواجب إال بها، كما أن فقه الوسائل فرع مهم على فقه الواق��ع بكليته وشموله... وهذا الفقه ما يزال في حاجة إلى ب��ذل مزي��د جه��د واجته��اد ليتح��رك ص��وب فهم المقاص��د وحس��ب ربطه��ا بوسائلها في إطار واقع يتناسب م��ع الوس��يلة، تك��ون في��ه أك��ثر

.44فعالية" من هنا يظهر أن الوس��ائل هي في حقيقته��ا األفع��ال ال��تي به�ا يتوص�ل إلى تحقي��ق المقاص�د، وب�دونها �� أي الوس�ائل �� ال

نحو تفعيل النموذج المقاصدي في المجال السياسي، د. سيف الدين عبد الفتاح، ضمن� 44.392كتاب "مقاصد الشريعة اإلسالمية دراسات في قضايا المنهج ومجاالت التطبيق" ص

32

Page 33: repository.aabu.edu.jorepository.aabu.edu.jo/.../123456789/729/1/doc8.docx · Web viewوالتي نجد لها أصلا في الآية الكريمة: ﴿لا خ ي ر ف ى ك ث

يحص��ل المقص��د أو يحص��ل معرض��ا لالختالل واالنحالل وع��دمالتحقق والوقوع.

خاتمة رامت ه��ذه الدراس��ة، االنخ��راط في العك��وف على بي��انمقصد كلي يعد من أبرز مقاصد اإلسالم، وقد تبين من البحث:

� أن الشريعة اإلسالمية تكت��نز ق��وة اقتراحي��ة، من ش��أنها، إغناء هذا الحق، وتزويده بجملة من آليات التفعيل والتنزيل، وال س��يما في مج��ال الق��رن ال��وظيفي الممق��در ��� على ح��د تعب��ير

األستاذ الدكتور أحمد عبادي � للحق بالواجب. ��� وألن المص��داقية العلمي��ة والتنزيلي��ة له��ذا المقص��د ل��دى المتلقين مؤسس��ات رس��مية وغ��ير رس��مية، وهيئ��ات دولي��ة، وهيئات المجتمع المدني... محورية في عملية تملكهم لها، فإن��ه ينبغي تش��جيع الجه��ود الرامي��ة إلى تبني��ه ب��التوطين واإلفه��ام

مم��ا من ش��أنه أن يجع��ل والتفعي��ل في مختل��ف المجتمع��ات، اإلغاثة اإلنس��انية وف��ق ه��ذا المنظ��ور، كم��ا هي متع��ارف عليه��ا كوني��ا، أك��ثر جاذبي��ة، وأوف��ر قابلي��ة للتط��بيق والتب��ني في كاف��ة

المجتمعات. � تمث��ل اإلغاث��ة اإلنس��انية قيم��ة إنس��انية ك��برى تتمث��ل في العطاء والبذل بكل أشكاله، فهي سلوك حض��اري حي ال يمكن��ه النمو سوى في المجتمعات ال��تي تنعم بمس��تويات متقدم��ة من الثقاف��ة وال��وعي والمس��ؤولية، ويلعب دورا مهم��ا وإيجابي��ا في تطوير المجتمع��ات وتنميته��ا فمن خالل المؤسس��ات التطوعي��ة الخيرية يتاح لكافة األفراد الفرصة للمساهمة في عمليات البناء االجتماعي واالقتصادي الالزم��ة كم��ا يس��اعد عم��ل اإلغاث��ة على تنمي��ة اإلحس��اس بالمس��ؤولية ل��دى المش��اركين، ويش��عرهم بق��درتهم على العط��اء وتق��ديم الخ��برة والنص��يحة في المج��ال

الذي يتميزون فيه.

33