فضائل آل الرسول (عليهم السلام)204.93.193.134/book/moalfat/word/160.doc ·...

636
ن م مدن ت ل ا ي م لا س لا ا( 1 ) ة ی ا لة ل ا ي م ظ ع ل اام م لا ا د ي س ل ا مد ح م ي) ن ي س ح ل ا ي) راز ي3 ش ل ا) ) ف ي ر3 ش ل ره ا س دس ق( دمة ق م) ف ل@ ؤ م ل ا م ي ح ر ل ا ن م ح ر ل لة ا ل م ا سL ب ن ي ر هلطا لة ا مد وا ح م ي عل لام س ل وا لاه ص ل وا ن مي ل عا ل اL لة زب ل مد ح ل ا م ه) من اده ي ق ل م اَ ّ سل ب ا) ، ولدً ؤكا ل س وً را كk ق لام س لا ا ن ع ؤن م ل س م ل عد ا تL ب د ا ق ل ن@ ا) د ، ا رق3 qqqqqqqq ش لل اqqqqqqqq ه@ واL رب) qqqqqqqq لغل اqqqqqqqq ه@ ا ن م م هL ب ي) نqqqqqqqq ع@ وا( ؤن qqqqqqqq يw ب ر) لغ ا.) نz ي يw ب ر) لغ ا ن م ري) خ@ ا ة) خ س) ب نz ي ي ق ر3 ش ل ا) لاف) خ ي عل م، و ه) خ ي از وتq م ه) ن ب دL ت هالةL خ ل ي ا عل ن ي ر م ت س م ؤن م ل س م ل دام ا وما ن ك لاز،qq ده) لاز دم وا qq ق ت ل م ا ه ل يL ج رqq ُ ي لا) قلامqq س لا م ا ه) من ةL qq ب ل ط ي ي) دqq اللqq م ع ل ا1 ( ? ا) ت) د) : ا@خ ة لاحظ م) ص) ي ا) هدL اب ي لك ا ن م ت ي) ب ر يk یلا ا ع ق و مام م لا ا ي) راز ي3 ش ل ا دس ق ره، س دL ولات ن م ة ب قL ب مطا ع م ل ص@ لا ا ؤعL ي مط ل ا ا@ كد يل ل ن م ة ب م لا س وعدم ر يz ي) ع ت ل ا) ف) حد ل وا ل ي دL ي لي وا ة. ب) ق

Upload: others

Post on 05-Jan-2020

28 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

(1)اإلسالمي التمدن من

العظمى الله آیةالشيرازي الحسيني محمد السيد اإلمام

)قدس سره الشريف(

المؤلف مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصالة والس��الم على محم��د

وآله الطاهرين لقد ابتعد المسلمون عن اإلسالم فك��را وس�لوكا، ول��ذا تسلم القيادة منهم الغربيون )وأعني بهم من أه�ل الغ�رب وأه���ل الش���رق، إذ أن الش���رقيين نس���خة أخ���رى من

الغربيين(. وم��ا دام المس��لمون مس��تمرين على الجهال��ة ب��دينهم وتاريخهم، وعلى خالف العمل الذي يطلب��ه منهم اإلس��الم،��رجى لهم التق��دم واالزده��ار، لكن المظن��ون أن ن��وم فال ي المسلمين أوش��ك على التم��ام، وب��وادر النهض��ة تل��وح في

األفق من بعد، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. إن الغالب من شبابنا ال يعلمون أن اإلس��الم ك��انت ل��ه حض��ارة، أو ق��امت ل��ه مدني��ة، ومؤل��ف )ت��اريخ التم��دن اإلسالمي( أراد أن يتناول هذا الجانب � في كتاب��ه ��� فكتب ما وصل إليه نظ��ره.. وحيث إن الكت��اب بطول��ه وتفاص��يله يفتقر إلى السرعة التي يتوخاه��ا غالبي��ة الش��باب في درك الحقائق، رأيت أن أوجز الكت��اب، مس��ميا ل��ه )من التم��دن��ا غيرن��ا بعض الكلم��ات، حيثم��ا اإلس��المي(. وال يخفى أن

رأيناها غير الئقة. ثم أن من الض��روري التنبي��ه على أن )ت��اريخ التم��دن(

بنفسه، ناقص � حتى في هيكله العام � نقصا ذريعا، إذ:

مطابقته من والبد سره، قدس الشيرازي اإلمام موقع االنترنيت من الكتاب هذا نص ( مالحظة: أخذنا ?)1فيه. والتبديل والحذف التغيير وعدم سالمته من للتأكد المطبوع األصل مع

� لم يهتم الكتاب بن��واحي ال��روح في اإلس��الم، ومن1 المعل��وم أن ذل��ك ل��ه دخ��ل كب��ير في التم��دن والحض��ارة،

فكأن الكاتب أسقط من حساب الواقع، نصف )التمدن(. � إن الغالب � الذي يندر خالفه � أن المؤلف يذكر ما2

وجده من كتب السنة فقط، ومن المعلوم أن م��ا في تل��ك الكتب ال يساوي حتى نصف التم��دن اإلس��المي، ف��إن كتب الشيعة التي احتوت على زهاء نص��ف التم��دن، ق��د أهملت

معلوماتها في )تاريخ التمدن(. إذن.. فأصل كتاب )زيدان( لم يحو إال على ربع الهيكل

العام � أو أقل � من تاريخ التمدن اإلسالمي. ول��و قيض الل�ه س��بحانه لجن��ة من الكت��اب الناض��جين، لكتاب��ة ت��اريخ التم��دن، ل��رأيت التف��اوت الكب��ير بين كت��اب

)زيدان( وبين الواقع. والله أسأل أن يوفقنا جميعا للعلم والعم��ل، وأن يأخ��ذ

بأيدينا إلقامة اإلسالم ونشر األحكام، وهو المستعان.

كربالء المقدسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

األول الفصل

اإلسالم قبل والحضارة التمدن

البحث في تمدن األمة يتناول النظر في ما بلغت إلي��ه من سعة الملك والعظمة والثروة ووصف ما وافق تم��دنها من أسباب الحضارة وثمارها. ويدخل في ذلك تاريخ العلم واألدب والص����ناعة ولوازمه����ا كالم����دارس والمك����اتب والجمعيات، وبسط حال الدولة ومناص��بها وم��ا انتهت إلي��ه من الرخاء. وما هو مقدار تأثير ذلك في هيئتها االجتماعية، وذل��ك يس��تلزم وص��ف ع��ادات األم��ة وآدابه��ا االجتماعي��ة

ونواحيها السياسية وإسناد ذلك إلى أسبابه وبواعثه. غ�ير أن النظ�ر في ه�ذا التم�دن على ه�ذه الص�ورة ال يكون واضحا وافيا إال إذا تقدمه البحث عن حال تلك األمة في بداوتها وكيف تدرجت إلى الحضارة وم��ا هي العوام��ل ال�تي س�اعدتها على ذل�ك. والبحث المش�ار إلي�ه ض�روري خصوصا في تاريخ التمدن اإلسالمي ألن فيه عوامل خاصة

به، ال وجود لها في تمدن األمم األخرى. وبن��اء على ذل��ك لم ن��ر ب��دا من تص��دير ه��ذا الكت��اب بمقدمات تمهيدية نبسط فيه��ا ح��ال الع��رب قب��ل اإلس��الم ونس��بتهم إلى التم��دن وم��ا تق��دم ال��دعوة اإلس��المية من أحوال تلك األمة. وكيف كانت جزي��رة الع��رب عن��د ظه��ور الدعوة وكيف كان حال الروم والفرس يومئ��ذ. وم��ا ال��ذي س��اعد ه��ؤالء الع��رب على فتح تين��ك المملك��تين م��ع قل��ة عددهم وضعف معداتهم. فإذا فرغن��ا من ذل��ك عم��دنا إلى الكالم في سعة المملكة وت��اريخ دوائره��ا ومناص��بها وغ��ير

ذلك. فنبدأ بوصف حال العرب قبل اإلسالم:قدماء العرب

المش��هور عن��د الم��ؤرخين أن الع��رب يقس��مون إلى قس��مين كب��يرين: الع��رب البائ��دة كع��اد وثم��ود، والع��رب

الباقية، وأن العرب الباقية يقسمون إلى القحطانية سكان بالد اليمن وم���ا جاوره���ا وهم ينتس���بون إلى قحط���ان أو يقطان بن عابر وينتهي بأدفخشاد إلى سام، واإلس��ماعيلية أو العدناني��ة وهم س��كان الحج��از ونج��د وم��ا جاورهم��ا من أواس���ط جزي���رة الع���رب، وينتس���بون إلى إس���ماعيل بن إبراهيم الخليل من امرأته ه��اجر، ويس��مون أيض��ا مض��رية

ومعدية لمثل ذلك السبب. أما اإلسماعيلية وهم أهل الحجاز ونجد ف��أكثرهم أه��ل بادية وقد ظه��رت منهم دول قب��ل الميالد وبع��ده، أش��هرها دول القبائ��ل أص��حاب الوق��ائع ال��تي ج��رت بينهم قبي��ل

اإلسالم وتعرف بأيام العرب.عرب اليمن

أما عرب اليمن القحطانية فق��د تم��دنوا تم��دنا ال ت��زال آث���اره مطم���ورة تحت الرم���ال في حض���رموت ومه���رة واليمن، وأشهرهم عند العرب حمير وسبأ وكهالن، وت��اريخ ه��ذه ال��دول أق��رب عه��دا من ع��اد وثم��ود. وق��د اكتش��ف الس��واح بعض آث��ارهم وأك��ثر م��ا اكتش��فوه أنق��اض بعض األبني��ة في ص��نعاء وع��دن وحض��رموت. فاس��تخرجوا منه��ا ألواحا مكتوبة بالقلم الحميري )المسند( أكثرها دعاء ديني أو نحوه. ولم يتمكنوا من التنقيب عن الدفائن المهم��ة في داخل البالد لمشقة الوصول إليها، وقد ذكر مؤرخو الع��رب شيئا عن أبهة تلك الدول وكانت ق��د انحلت قب��ل اإلس��الم، لكن أخبارها كانت إلى ذلك العهد ال تزال مألوفة وفيها م��ا ي���دل على تم���دن ق���ديم ال يق���ل عن تم���دن اآلش���وريين والمصريين والفينيقيين فقد أنشأوا المدن وعمروا القصور وغرسوا الحدائق ونحتوا التماثيل وحفروا المناجم ونظم��وا

الجند وفتحوا البالد ووسعوا التجارة وأتقنوا الزراعة. وقد ذكرهم ه��يرودوتس الرحال��ة اليون��اني في الق��رن

الخامس قبل الميالد فقال: )إن في جن���وبي بالد الع���رب وح���دها البخ���ور والم���ر والقرف��ة والدارس��يني والالذن( وع��دها من أغ��نى ممال��ك

العالم في زمانه.

ومن آث��ار الع��رب في اليمن م��ا ال ي��زال الت��اريخ يلهج بذكره، ويعد من عجائب األبنية، نع�ني ب��ه الس�د المش�هور بسد مأرب، بنوه نحو القرن الث��اني قب��ل الميالد كم��ا ب��نى محمد علي باشا القن��اطر الخيري��ة في رأس ال��دلتا. وكم��ا بنت الحكوم��ة المص��رية من��ذ بض��ع عش��رة س��نة خ��زان

أسوان.سد مأرب

وسد م��أرب ه��ذا عب��ارة عن حائ��ط موص��ل بين جبلين يحجز الماء الذي يس��يل بينهم��ا ف��يرتفع وي��روي الس��فحين إلى أعالهما، وقد جعلوا في��ه ش��عبا وقن��وات وس��اقوا إلي��ه سبعين واديا تصب مياهه��ا في��ه. فمث��ل ه��ذا الس��د العظيم يحت��اج إلى مه��ارة في الهندس��ة وهم��ة عالي��ة وه��و أق��دم خزان للماء ذكره الت��اريخ، وع��رب اليمن أس��بق األمم إلى هذه الهندسة. كان بناؤه متين��ا حيث ق��اوم ص��دمات الم��اء وت��أثيرات اله��واء بض��عة ق��رون ولم��ا ض��عفت الدول��ة عن تجديده وأحسوا بقرب تهدمه أخذوا بالمهاجرة من ج��واره في أواس���ط الق���رن الث���اني للميالد وتفرق���وا في البالد، )والمشهور عند العرب أن الغساسنة في الشام والمناذرة في العراق واألوس في المدين��ة واألزد في م��نى وخزاع��ة بجوار مكة منهم(، ثم انفجر السد وط��افت المي��اه فه��اجر

من بقي، وذلك ما يعبرون عنه بسيل العرم. وذكر استرابون الرحالة اليوناني في القرن األول قبل الميالد أن م��أرب ك��انت في زمان��ه مدين��ة عجيب��ة س��قوف أبنيتها مصفحة بالذهب والع��اج والحج��ارة الكريم��ة، وفيه��ا اآلنية الثمينة المزخرفة بما يبهر العقول، وذلك يهون علينا

سماع ما ذكره العرب عن إرم ذات العماد.التمدن اليوناني والفارسي

على أننا ال ننكر أن التمدن اإلسالمي قام على أنق��اض التمدن اليون��اني والفارس��ي. لكن ش��أن الع��رب في ذل��ك مث��ل ش��أن اليون��ان والروم��ان والف��رس وس��ائر ال��دول العظمى، ألن اليون��ان اقتبس��وا أك��ثر عوام��ل تم��دنهم من

عوها على مقتض��ى م��ؤثرات المص��ريين وزادوا فيه��ا ووس�� الطبيع��ة ح��تى ص��ار تم��دنا معروف��ا بهم، فأخ��ذه عنهم الرومان وعدلوا في��ه تع��ديال طفيف��ا ج��دا، وك��ذلك الف��رس فإن تمدنهم قام على أنقاض تم��دن اآلش��وريين والب��ابليين

والكلدانيين قبلهم وأخذوا أيضا عن اليونان. على أن تل���ك األمم لم تس���تطع الظه���ور في ع���الم الحضارة إال بعد أجيال متوالية. أما الع��رب فلم يمض على نش��وء دولتهم ق��رن، ح��تى ظه��ر تم��دنهم وب��انت ثم��ار عقولهم، وفي الق��رنين الث��اني والث��الث مألوا األرض علم��ا

وأدبا ومدنية وحضارة.اآلداب الدينية والجاهلية

وكان لليهود تأثير على ع��رب الحج��از ب��أمور كالكهان��ة واالحتف��ال باألعي��اد ونحوه��ا. وعلم��وهم بعض أقاص��يص الت���وراة وفص���وال من التلم���ود ونش���روا بينهم كث���يرا من تقالي���دهم وع���اداتهم. وق���د يك���ون بعض تل���ك اآلداب أو الطق��وس متسلس��ال إليهم مم��ا ك��ان عن��د أس��الفهم في الجاهلي��ة األولى، فض��ال عمن ه��اجر إلى الحج��از من أه��ل اليمن وغيرهم من األمم التي كانت تحيط بجزي��رة الع��رب كالكلدانيين والمصريين واألحب��اش وغ��يرهم، فأص��بح أه��ل الحجاز بعد ذلك االختالط فئتين هما: أه��ل البادي��ة الب��اقين على الفطرة وهم العرب الرح��ل، وأه��ل الم��دن المقيمين في مك��ة والط��ائف والمدين��ة وهم الحض��ر، وك��انت مك��ة أشهر مدن الحجاز التخاذها حجا يؤم��ه الن��اس من أقاص��ي البالد لزي��ارة الكعب��ة، فأص��بحت بت��والي األجي��ال مرك��زا للتجارة لما يتوافد إليها من الحجاج في المواسم كل عام. فطمحت إليه��ا أنظ��ار أه��ل الس��لطة من القبائ��ل القوي��ة، وك��انت في أوائ��ل أزمانه��ا في ح��وزة الحج��ازيين ب��ني إسماعيل وهم سدنة الكعبة )أي حجابها(، ثم نزح إليها بن��و خزاعة من اليمن بعد سيل العرم نحو القرن الثاني للميالد وتسلطوا عليها، وغلبوا الحج��ازيين عليه��ا بم��ا تع��ودوه من الس���يادة في عه���د دولتهم ب���اليمن، واإلس���ماعيليون )أو العدنانيون( يومئ��ذ ض��عاف ال يق��وون عليهم ولكن ن��اموس

االجتم��اع قض��ى عليهم كم��ا قض��ى على س��واهم ف��دارت الدائرة بعد عدة أجي�ال على ب��ني خزاع��ة وض�عف أم�رهم

وقوي أمر العدنانيين فتفرع منهم كنانة قريش.الكعبة والتجارة وقريش

كانت قريش كما قدمنا حض��را أه��ل تج��ارة وتج��ارتهم قائمة أكثرها بالحجاج ال��ذين ي��زورون مك��ة في المواس��م، فك��ان من مقتض��يات مص��لحتهم تس��هيل ط��رق الق��دوم وترغيب الناس في الحج. ومن جملة ما بعث القبائل على زيارة الكعبة أنه كان لكل قبيلة منها صنم خ��اص به��ا ت��أتي في الموسم لزيارته والذبح له ح�تى زاد ع��دد األص�نام في الكعبة على ثالثمائة صنم وفيها الكبير والصغير، ومنه��ا م��اهو على هيئة اآلدميين أو هيئة بعض الحيوانات أو النباتات. وكان رجال قريش يرحلون للتجارة رحلتين في الع��ام رحل��ة الش��تاء إلى اليمن ورحل��ة الص��يف إلى بص��رى في حوران بضواحي الشام، فكانت مكة واسطة عقد التج��ارة بين اليمن والشام، وكانت طرق التجارة خط��رة إال عليهم العتقاد العرب حرمتهم ألنهم والة الكعبة، وكانوا كث��يرا م��ا يس���افرون إلى بالد ف���ارس أو إلى الحبش���ة في���أتون من الشام باألنس��جة واألطعم��ة ويحمل��ون من ف��ارس الس��كر

والشمع وغيرهما. فالكعب��ة ك��انت مص��در ارت��زاق أه��ل مك��ة ولواله��ا لم يستطيعوا المقام في ذلك الوادي وهو غ��ير ذي زرع، على أن أس��فارهم ومخ��الطتهم الع��الم المتم��دن في أط��راف العراق والشام جعلتهم أوسع العرب علما وأك��ثرهم خ��برة ودراي��ة. ونظ��را لعالق��ة الكعب��ة بأس��باب معايش��هم ب��ذلوا العناي��ة في إدارة ش��ؤونها، وس��هلوا على الن��اس الق��دوم إليها. فأنشأوا فيها أماكن للسقاية وأخرى لإلطعام وجعلوا م��ا يجاوره��ا حرم��ا ال يج��وز في��ه القت��ال وت��ولى بعض��هم السقاية وبعضهم اإلطعام وبعضهم غير ذلك، ومازالت تلك المناصب تتعدد حتى أص�بحت قبي��ل اإلس�الم بض�عة عش�ر منص��با وهي عب��ارة عن مناص��ب الدول��ة في ذل��ك العه��د

اقتس��متها ق��ريش في بطونه��ا وأش��هرها عش��رة أبطن: هاشم، وأمية، ونوفل، وعبد الدار، وأس��د، وتيم، ومخ��زوم،

وعدي، وجمح، وسهم.

اإلسالمية الدعوة

وآله( األولى عليه الله )صلى النبي نشأة

تلك ك��انت حال��ة الع��رب في الحج��از لم��ا ظه��ر الن��بي )صلى الله عليه وآل��ه( ص��احب الش��ريعة اإلس��المية ودع��ا

للميالد609الن��اس إلى التوحي��د، ف��أظهر دعوت��ه س��نة وعمره أربعين سنة، وال يسع المقام تفصيل س��يرته وإنم��ا نذكر هنا م��ا يتعل�ق منه��ا بالموض�وع لبي��ان األس�باب ال�تي

رافقت ظهور الدعوة وساعدت على انتشارها. ولد صاحب ال��دعوة اإلس��المية وق��د م��ات أب��وه، وبع��د ست سنوات ماتت أمه فكفله ج��ده عب��د المطلب وك��انت له السقاية والرفادة من مناصب الكعب��ة ول��ه مق��ام رفي��ع في قريش، لكنه توفي بعد سنتين فكفله عمه أب��و ط��الب وكان وجيها محترما فشب محمد )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( في بيته كأحد أوالده، وكان أبو طالب ص��احب تج��ارة مث��ل س��ائر ق��ريش فك��ان إذا خ��رج في تج��ارة اص��طحبه في أس��فاره فاش��تهر من��ذ حداثت��ه بالحص��افة وال��ذكاء وص��دق السريرة حتى لقبوه ب�)الص��ادق األمين( واش��تهر في مك��ة به��ذا اللقب، فع��رفت ب��ه خديج��ة بنت خويل��د وك��انت ذات ث��روة وتج��ارة فعه��دت إلي��ه االتج��ار بماله��ا ف��اتجر وربح ف��ازدادت إعجاب��ا ب��ه فعرض��ت علي��ه ال��زواج به��ا فتزوجه��ا��ع بماله��ا، فوس��عت حال��ه وأص��بح من أه��ل الرخ��اء وتمت

واليسار والكل يحبونه ويحترمونه.الدعوة

ولما بلغ األربعين من عمره مال إلى الخلوة واالعتزالاك، عن الناس فأوى إلى الجبال والشعب كما يفع��ل النس�� وأول ما ابتدأ ب��ه الرؤي��ا الص��الحة، وفي رمض��ان من تل��ك الس��نة ك��ان في جب��ل ح��راء على ثالث��ة أمي��ال من مك��ة وخديجة معه، وأسرع يوما إليها وأخبرها أن جبرائيل ظه��ر

ذي خل��ق() ك ال م رب (1ل��ه وأم��ره أن يق��ول: )اق��رأ باس�� فقرأه��ا، وأن��ه خ��رج إلى وس��ط الجب��ل فس��مع ص��وتا من السماء ينادي��ه: )ي��ا محم��د أنت رس��ول الل��ه وأن��ا جبري��ل( فذعر وأسرع إلى خديجة فأخبرها، وكان لها ابن عم اسمه ورقة بن نوفل كان قد قرأ الكتب ونظر فيها وخال��ط أه��ل التوراة واإلنجيل وسمع أقوالهم، وك��ان مش��هورا في مك��ة بسعة العلم في الدين والنبوات، فذهبت إليه وأخبرت��ه بم��ا كان فقال: )والذي نفس ورقة بيده ألن صدقتني يا خديجة لقد جاء الناموس األكبر الذي كان يأتي موس��ى وإن��ه ن��بي

هذه األمة(. فرجعت خديجة إلي��ه وأخبرت��ه بق��ول ورق��ة ورج��ع إلى مكة وهو ال يجسر على إظهار دعوت��ه لعلم��ه بم��ا س��يكون لها من ثقل الوطأة على قريش لما فيها من تعييب آلهتهم وتحقير أصنامهم، وفي ذهاب تلك األصنام ذه��اب تج��ارتهم وأموالهم وكل آمالهم، ومن جهة أخ��رى لم يكن يتوق��ع إذا أنبأهم برسالته أنهم يصدقونه فعم��د إلى بث دعوت��ه س��را بين أقرب الناس إليه. قضى في ذلك ثالث سنين ف��اجتمع حوله نفر قليل في جملتهم ابن عم��ه علي بن أبي ط��الب )عليه السالم( وكان ال يزال غالما، وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم، فهم بدعوة الن��اس جه��ارا وب��دأ بعش��يرته األقربين فكلف ابن عمه علي��ا أن يص��نع لهم طعام��ا ي��دعو أهله إليه وفيهم عمومت��ه بن��و عب��د المطلب وأوالدهم وهم نحو أربعين رجال، فدعاهم إلى بيت أبي��ه أبي ط��الب، فلم��ا فرغوا من الطعام هم محمد بالكالم وكان أهله قد سمعوا بدعوته سرا واس��تخفوا به��ا، فلم��ا هم ب��الكالم علم��وا أن��ه سيدعوهم إلى ترك األصنام وعبادة الله، فابتدره عمه أب��و لهب وكان أشدهم وطأة علي��ه فأس��كته فس��كت وتفرق��وا

ولم يقل شيئا. لكنه لم يفشل وال ضعفت عزيمته فأعاد الوليمة ثاني��ة وقد صمم على التصريح بما في ض��ميره فلم��ا فرغ��وا من الطعام ق��ال: )م��ا أعلم أن إنس��انا من الع��رب ج��اء قوم��ه بأفضل مما جئتكم به فقد جئتكم بخير الدنيا واآلخرة، وق��د أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم ي��ؤازرني في ه��ذا

األمر على أن يكون أخي ووص�يي وخليف�تي فيكم( فظل�وا ساكتين وج��ل س��كوتهم اس��تخفافا، فتق��دم علي ابن عم��ه وقال: )أنا يا ن��بي الل��ه أك��ون وزي��رك عليهم( فأخ��ذ الن��بي برقبته وقال: )هذا أخي ووصيي وخليف��تي فيكم فاس��معوا له وأطيعوا( فقام القوم يض��حكون ويقول��ون ألبي ط��الب:

)قد أمرك أن تسمع البنك وتطيعه( ثم انصرفوا.النبي وقريش

على أن استخفافهم هذا لم يقعده عن عزمه وال أبعده عن قومه، وبدال من وقوف��ه عن��د ذل��ك الح��د تهيب��ا وح��ذرا ج��اهر بس��ب األص��نام ونس��ب أهل��ه وآب��اءهم إلى الكف��ر والض��الل، فلم��ا علم��وا بمجاهرت��ه بس�ب األص��نام أجمع��وا على عداوته ومقاومته وتعمدوا أذيته لكنهم لم يروا س��بيال إلى ذل��ك وه��و في كفال��ة عم��ه أبي ط��الب. فج��اءوا عم��ه وفيهم أبو سفيان فقالوا ل��ه: )ي��ا أب��ا ط��الب إن ابن أخي��ك عاب ديننا وسفه أحالمنا وضلل آباءنا فانهه عنا أو خل بيننا وبينه( فردهم أبو طالب ردا حسنا ووعدهم خ��يرا، ثم رأوه ال يزال عامال على سب آلهتهم فعادوا إلى أبي طالب وقد اش��تد بهم الغي��ظ وق��الوا ل��ه: )إن لم تن��ه ابن أخي��ك وإال نازلناك وإياه حتى يهلك أح��د الف��ريقين( فعظم ذل��ك على أبي طالب وأدرك عاقبة األمر فلم��ا ع��ادوا من عن��ده ق��ال

البن أخيه: )يا بن أخي إن قومك قالوا كذا وكذا(. فظن الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( أن عم��ه يخذل��ه فشق عليه ذل��ك وق��ال: )ي��ا عم ل��و وض��عوا الش��مس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا األم��ر( وبكى وهم باالنصراف فناداه عمه وقال له: )ق�ل م�ا أحببت فوالل�ه ال

أسلمك أبدا(. وكانت دعوته في أثناء ذلك تذيع على مهل وقد أس��لم جماعة كان لهم شأن في التاريخ اإلسالمي منهم أب��و بك��ر وعثم��ان بن عف��ان والزب��ير بن الع��وام وعب��د ال��رحمن بن عوف وحمزة بن عبد المطلب )عمه( وعمر بن الخط��اب. أما سائر أعمامه وأهله فلما يئسوا من وس��اطة عم��ه أبي طالب رأوا أن يحتالوا في استرضائه بالحسنى فبعثوا إلي��ه

وقد اجتمع كب��ارهم في ن��دوة فج��اء فاس��تقبلوه بالترح��اب وقالوا له: )يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإن��ا والل��ه ال نعلم رجال من الع��رب أدخ��ل على قوم��ه مث��ل م��ا أدخلت على قومك، لقد شتمت اآلباء وعبت الدين وشتمت اآلله��ة وسفهت األحالم وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إال قد جئته فيما بيننا وبين��ك، ف��إن كنت إنم��ا جئت به��ذا الح��ديث تطلب به ماال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا ماال، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نس��ودك علين��ا وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علين��ا، وإن ك��ان ه��ذا ال��ذي يأتيك رئيا تراه قد غلب علي��ك ب��ذلنا ل��ك أموالن��ا في طلب

الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك(. فقال لهم: )ما بي ما تقولون وما جئت بم��ا جئتكم ب��ه أطلب أم��والكم وال الش��رف فيكم وال المل��ك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسوال وأنزل علي كتابا وأمرني أن أك��ون لكم بش��يرا ون��ذيرا، فبلغتكم رس��االت ربي ونص��حت لكم، ف��إن تقبل��وا م��ني م��ا جئتكم ب��ه فه��و حظكم في ال��دنيا واآلخرة وإن تردوه علي أصبر ألم��ر الل��ه ح��تى يحكم الل��ه بيني وبينكم( فلما لم يروا سبيال إليه جعلوا يع��ذبون ال��ذين أسلموا وص��دقوا دعوت��ه والمس��لمون ص��ابرون على ذل��ك الع��ذاب، ح��تى إذا اش��تد أذى ق��ريش وض��اقوا ذرع��ا عن تحمل ما كانوا يسومونهم من سوء العذاب واإلهان��ة أش��ار النبي )صلى الله عليه وآله( على الذين ليس لهم عش��يرة تحميهم أن يخرجوا من مك��ة إلى أرض الحبش��ة، فه��اجروا

( رجال م��ا ع��دا النس��اء83إليها تباعا فبلغ عدد المهاجرين ) واألوالد وهي الهجرة األولى، وال يخفى ما تقتضيه األس��فار من مكة إلى الحبشة من المشقة لما في ذلك من رك��وب البحر وخصوصا في تلك األزمان م��ع م��ا حمل��وه معهم من النساء واألطفال، فيدل ذلك على ما كان علي��ه ه��ؤالء من االعتقاد المتين باإلسالم، أما النبي )صلى الله علي��ه وآل��ه( فقد ناله ما ناله من االضطهاد وضروب العذاب، وقد رأيت أنه كان قبل إعالنه للدعوة موضع احترام أه��ل مك��ة كاف��ة وأهله يحبونه ويكرمونه وهو في عيش ه��نيء لم��ا اكتس��به من اليسار بزواجه بخديجة واتج��اره بأمواله��ا، فأص�بح بع��د

إظهاره للدعوة وقد ناصبه أهل مكة العداء وساموه أن��واع العذاب وأهانوه، حتى نقم��وا على ب��ني هاش��م ألنهم أهل��ه فتعاقدوا عليهم أن ال ينكحوهم وال يب��ايعوهم وكتب��وا ب��ذلك صحيفة أودعوها في جوف الكعبة، فاضطر بن��و هاش��م أن ينف��ردوا إلى الجب��ال فأق��اموا في الش��عب ثالث س��نين ال ينزلون مكة إال خفي��ة ��� إال من ج��اهر منهم بعداوت��ه ك��أبي

لهب ونحوه. وال يق��ال أن��ه )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( لم يثبت إال الحتمائه بعمه أبي طالب. ألننا رأيناه بعد وف��اة عم��ه أك��ثر ثباتا منه في حياته، مع أن الناس أصبحوا أكثر اضطهادا له مما كانوا قبل وفاته، وخصوصا بعد وفاة خديجة وق��د مات��ا قبل الهجرة بثالث سنين، فتتابعت بموتهما المصائب علي��ه واس��تبدت ب��ه ق��ريش والس��يما عم��ه أب��و لهب والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معي��ط ألنهم ك�انوا جيران��ه في مك��ة بمنزله، فكانوا يلقون األقذار في طعامه ويرمونه بها وقت صالته، حتى إذا لم يعد يستطيع صبرا على هذا الض��يم ف��ر إلى الطائف لعل��ه يلقى فيه��ا من ينص��ره وي��ؤمن بدعوت��ه، فلم يلق إال اإلعراض واإلهانة، فعاد وقد يئس منهم ولكن��ه لم يرجع عن ح��رف من دعوت��ه، ولم يكت��ف أه��ل الط��ائف بإعراض��هم عن��ه ب��ل أغ��روا بعض س��فهائهم وعبي��دهم أن يس��بوه ويص��يحوا ب��ه ففعل��وا ح��تى اجتم��ع علي��ه الن��اس وألجأوه إلى الحائ��ط وأخ��يرا ردوا الس��فهاء عن��ه فرجع��وا، فأحس عندئذ بما هو فيه من الضيق فشكا أم��ره إلى الل��هر ذل��ك ش��يئا من عزيمت��ه، فلقي��ه وع��اد إلى مك��ة ولم يغي

قومه هناك وهم أشد وطأة عليه مما كانوا من قبل. فاعتبر حاله بعد ذلك الرجوع وقد نبذه الن��اس ق��ريبهم وبعيدهم مع علمه أنه إذا رجع عن دعوته لقي منهم ترحابا وإكراما كما صرحوا له جهارا لكن��ه لم يك��ترث بش��يء من

ذلك وال همه أمر الدنيا.أهل المدينة والدعوة

ولما يئس من أهله ومواطنيه جعل يعرض نفس��ه على القبائ��ل في أي��ام الحج لعل��ه يلقى فيهم من يص��غي إلي��ه،

وأهله يعترضونه ويقف��ون في س��بيله، وخصوص��ا عم��ه أب��و لهب فإن��ه ك��ان إذا رآه في جماع��ة يخ��اطبهم في ش��أن اإلسالم اعترضه وقال للن��اس: )إنم��ا ي��دعوكم أن تس��لخوا الالت والع���زى من أعن���اقكم إلى م���ا ج���اء من البدع���ة والض��الل فال تطيع��وه( ولكن ذل��ك لم يقع��ده عن دعوت��ه للناس وم��ا زال يع��رض نفس��ه عليهم في المواس��م ح��تى بايعه نفر من أهل ي��ثرب ك�انوا وس��يلة لنش�ر اإلس�الم في

(622تلك المدينة في بره��ة قص��يرة، فه��اجر إليهم س��نة ) للميالد، وهاجر معه من بايعه من قبيلته وهم )المهاجرون( تمييزا لهم عن الفئة األخ��رى من الص��حابة وهم )األنص��ار( أهل المدينة، سموا بذلك ألنهم نصروا الن��بي في م��دينتهم

وبهذه الهجرة يؤرخ المسلمون وقائعهم إلى اآلن. ولقي المس��لمون في المدين��ة ترحاب��ا عظيم��ا فاش��تد أزرهم وتحولوا إلى محاربة أهل مكة فجعلوا يناوئونهم في أثناء مرورهم بتجارتهم بين الشام ومكة وفي أماكن أخرى وهي الغ��زوات المش��هورة، أعظمه��ا ب��در الك��برى ال��تي انتص��روا فيه��ا وك��انت فاتح��ة انتص��اراتهم في الغ��زوات األخرى ح��تى أخض��عوا جزي��رة الع��رب كله��ا وفتح��وا مك��ة وأسلم القرشيون كاف��ة، فوج��ه الن��بي التفات��ه إلى الع��الم الخ��ارجي وخ��اطب المل��وك ي��دعوهم إلى اإلس��الم كم��ا

سيأتي..�1 سورة العلق: 1

اإلسالم ظهور عند والفرس الروم

الروم

قب��ل الميالد وتأسس��ت معه��ا753تأسست روما سنة الدولة الرومانية وظلت روما كرس��ي تل��ك الدول��ة عش��رة

م( نقل كرسي الملك321قرون ونصف قرن، ففي سنة ) إلى بيزان��تيوم وانتق��ل إليه��ا قس��طنطين الكب��ير وس��ماهاالقسطنطينية وهو اس��مها إلى الي��وم. وبع��د وفات��ه س��نة )

م( اقتسم المملكة أوالده الثالثة ثم أفضت إلى واح��د337م( فخلفه يوليان ثم جوفيان سنة )360منهم توفي سنة )

م( ثم توفي هذا بع��د بض��عة أش��هر ف��انتخب الروم��ان364 إمبراطورا اسمه فالنتيان. وبعد قليل نصب فالنتي��ان أخ��اه ف���النس إم���براطورا على روم���ا، وتم انفص���ال المملك���ة الروماني��ة على أث��ر ذل��ك إلى مملك��تين إح��داهما ش��رقية عاصمتها القس��طنطينية واألخ��رى غربي��ة عاص��متها روم��ا، وك��انت األولى أس��عدهما حظ��ا وأط��ول عم��را فأص��بحت القسطنطينية مبعث العلم ومركز السلطنة ومرجع الدين، وك��انت ح��دود المملك��ة الروماني��ة الش��رقية في الق��رن الخامس للميالد تنتهي في الغرب بالبحر األدري��اتيكي وفي الشرق بضفاف دجلة، وتمتد حدودها الشمالية إلى أع��الي بالد الت��تر، وتنتهي في الجن��وب إلى بالد الحبش��ة، وأرقى عصور هذه المملكة بعد قسطنطين الكبير عصر يوستنيان

( سنة قض��ى الخمس37م( توالها )565 � 527)من سنة األولى بمحارب���ة الف���رس الساس���انيين وانتهت الح���رب بمعاهدة س��موها )معاه��دة الص��لح ال��دائم( لكنه��ا لم ت��دم، ومن حسن حظ هذا اإلمبراطور أنه م�ني بقائ��د من أش�هر ق��ادة الع��الم اس��مه )بل��يزاريوس( فتح ل��ه إيطالي��ا ورف��ع أعالمه ف��وق أس��وار روم��ا وفتح ش��مالي أفريقي��ا وغيره��ا، وكان عونا له في سائر فتوحه وساعده األقوى في توسيع

نطاق مملكته.الفرس

والع�داوة بين الف��رس وال��روم )اليون��ان( قديم��ة ربم��ا تجاوزت القرن الخامس قبل الميالد، وس��ببها ن��زاع بينهم��ا على السيادة في العالم ألنهما كانتا أعظم دول األرض في تلك العصور، فأرادت ك��ل منهم��ا االس��تئثار بالس��لطة دون األخرى، واستمرت تلك العداوة إلى زمن اإلسكندر الكب��ير

ثم رومان إلى أيام اإلسالم. وأفضى عرش الفرس في أيام يوستنيان المذكور إلى كسرى أنوشروان المش��هور بالع��ادل فلم تعجب��ه مص��الحة ال��روم فحم��ل عليهم بخيل��ه ورجل��ه، ففتح س��وريا وأح��رق أنطاكي���ة ونهب آس���يا الص���غرى، فبعث يوس���تنيان إلي���ه )بل��يزاريوس( فحارب��ه ورده على أعقاب��ه، ثم ع��اد وع��ادوا وتوالت الح��روب بين ال��دولتين نح��و عش��رين س��نة )س��نة

م( وقد مل الملكان وشاخا فتوافقا على صلح561 � 541 30.000قضي فيه على يوستنيان بجزية س��نوية مق��دارها

دينار، وظلت حدود المملكتين كما كانت قبل الحرب. ولإلمبراطور يوستنيان ذك��ر مجي��د في ت��اريخ المملك��ة الشرقية لما اكتسب في عص��ره من النف��وذ وم��ا أت��اه من األعم��ال ال��تي أحيت ذك��ره م��دى ال��دهور بم��ا س��نه من القوانين والشرائع التي كانت أساسا لما وض��ع بع��دها إلى اليوم، وقد أدخل صناعة الحرير إلى أورب��ا وب��نى الكن��ائس والمعاقل والقصور، وأشهر ما يذكر به كنيسة )أيا ص��وفيا( ال��تي جعله��ا العثم��انيون عن��د فتح القس��طنطينية جامع��ا ال يزال معروفا بهذا االسم إلى اليوم. ولكن الدول المطلق��ة إنما يكون حظها من السعادة أو الشقاء كما يكون ملكه��ا،

فإن كان عظيما عظمت وإن كان حقيرا حقرت. فلما توفي يوستنيان خلفه أناس ال يليقون بالملك فلم تع��د الس��عادة بع��ده، وخلف��ه ابن أخي��ه يوس��تين الث��اني ثم طيب��اريوس ثم اإلم��براطور م��وريس )موريق��وس( وق��د ضعف أمر الدولة، ف��أراد ه��ذا اإلم��براطور أن يقويه��ا بفتح الشرق فناصب الفرس وح��اربهم س��بع س��نين وق��د ت��وفي

م( وخلفه ابن��ه هرم��ز الراب��ع579كسرى انوشروان سنة ) وك��ان عاتي��ا فث��ار علي��ه رعاي��اه فاش��تغل بإخم��اد ث��ورتهم

والروم يوغلون في بالده من العراق، والتركمان يس��طون عليه��ا من الش��مال والش��رق ح��تى ك��ادت ت��ذهب طعم��ة للف��اتحين ل��و لم يقيض الل��ه قائ��دا ش��هيرا يع��رف ببه��رام فحارب الع��دوين وأنق��ذ البالد منهم��ا، فم��ال الف��رس إلي��ه فأنزلوا هرم��ز وس�ملوا عيني��ه وملك��وا عليهم ابن��ه كس�رى بروي���ز، فلم يقب���ل به���رام ب���ه وأذل���ه فف���ر بروي���ز إلى القسطنطينية واستنجد اإلمبراطور موريس فأنجده بجيش تغلب به على بهرام وأعاد الملك لنفسه فعرف برويز ذلك الفض���ل لم���وريس وم���ازال على والء ال���روم إلى وف���اة

موريس. م( وخلف��ه602أم��ا ه��ذا فق��د م��ات مقت��وال س��نة )

اإلمبراطور فوقاس وكان فوقاس ج��اهال فأبغض��ته الرعي��ة والتمس��وا من ينق��ذهم من��ه. وك��ان من جمل��ة والة ال��روم يومئ���ذ وال على أفريقي���ة اس���مه هراكلي���وس )هرق���ل( فاستنجده أهل قس��طنطينية، فأنف��ذ إليهم عم��ارة بحري��ة،��ع ه��و في دس��ت اإلمبراطوري��ة مكان��ه فقتل فوقاس وترب

م( وفي أيامه ظهر اإلسالم.610سنة ) فرأى برويز بابا لمناوأة الروم فادعى أنه يريد االنتق��ام من قتلة صديقه موريس فزحف بجن��ده على س��وريا س��نة

م واليهود أنصاره فيها، ففتحها وفتح مص��ر واس��تولى614 على أنطاكي��ة ودمش��ق وبيت المق��دس وم��دن أخ��رى من سوريا وفلسطين، ثم أب��اح لجن��ده نهب أورش��ليم فنهبوه��ا وأحرقوا القبر المقدس وكنيس��ة القيام��ة وس��لبوا خزائنه��ا وحملوا بطريركها والصليب الحقيقي إلى بالدهم وواص��لوا

م فكان عدد الذين616القتل والنهب في سوريا إلى سنة ( نفس وأرسلوا جندا آخ��ر90.000قتلوا من المسيحيين )

إلى آسيا الص��غرى ففتحوه��ا والنص��ر رفيقهم حيثم��ا حل��واحتى كادوا يطئون شواطئ البوسفور.

كل ذلك واإلم��براطور هرق��ل مع��تزل في قص��ره وق��د انغمس في اللهو والترف ال يبالي بما يهدد مملكته، وكأن��ه لما تحقق من وقوع الخطر نفض غبار الخمول عن عاتق��ه وخ��رج لل��دفاع، ولم يكن عن��ده م��ال ينفق��ه في التجني��د فاقترض أموال الكنائس على أن يعي��دها بع��د الح��رب م��ع

د جن��ده وركب البح��ر إلى كليكي��ا في آس��يا رباه��ا، وحش�� الصغرى واحت��ل أيس��وس فلقي��ه الف��رس هن��اك فح��اربهم

م � وفي ه��ذه الس��نة ه��اجر المس��لمون622وغلبهم سنة من مكة إلى المدينة � .

قضى هرقل في محاربة الف��رس ثالث س��نين متوالي��ة ح��تى أوغ��ل في بالدهم واض��طر بروي��ز أن يس��حب جن��ده للدفاع عن قلب مملكته، أما هرقل فإنه حاربه مرة أخرى

627سنة م فأجهز على قوات��ه وانكس��ر الف��رس انكس��ارا عظيما، وبلغت جنود الروم إلى نينوى عاص��مة اآلش��وريين القديم��ة وهي أول م��رة تط��أ ال��روم تل��ك المدين��ة، وك��ان برويز قد أص�بح ش��يخا طاعن��ا في الس�ن فأوص��ى بالمل��ك البنه مردز، وكان له ابن آخ��ر اس��مه ش��يرويه حس��د أخ��اه وعم��د إلى الكي��د ب��ه وبأبي��ه فاس��تعان ببعض الن��اس ح��تى قبض على من بقي من أوالد برويز وهم ثمانية عشر ول��دا فقتلهم جميع��ا بين ي��دي أبي��ه وزج أب��اه في الس��جن ح��تى مات. وبموت كسرى برويز انقضى مجد الدولة الساسانية ولم يعش ابن��ه ش��يرويه بع��ده إال ثماني��ة أش��هر فأص��بحت حكوم��ة الف��رس فوض��ى وادعى المل��ك تس��عة مل��وك في أثن��اء أرب��ع س��نوات، فس��اد الفس��اد وتمكن االختالل فيه��ا

فجاءها المسلمون وهي في تلك الحال.االنقسامات الدينية

ولم يكن االختالل قاص���را في ال���روم والف���رس على الوجه��ة السياس��ية واإلداري��ة ولكن��ه ك��ان يتن��اول األح��وال االجتماعي��ة والديني��ة بم��ا تف��اقم فيه��ا من االنقس��امات المذهبية مما هو مشهور، فقد ك��ان ال��روم ح��والي الق��رن الس���ادس للميالد في منتهى التضعض���ع لتع���دد الف���رق وتش��عب الم��ذاهب وخصوص��ا في م��ا يتعل��ق بالطبيع��ة والطبيعتين والمشيئة والمش��يئتين ��� وأك��ثر اختالفهم على

األلفاظ والجوهر واحد � . وك��ان له��ذه االنقس��امات ت��أثير ش��ديد في السياس��ة الختالط السياسة عندهم بالدين، حتى آل ذل��ك أحيان��ا إلى خ��روج أمم بأس��رها من ح��وزة ال��روم إلى الف��رس، كم��ا

حصل باألرمن فإنهم لما حرم المجمع القسطنطيني بدع��ة الطبيع��ة الواح��دة جع��ل اإلم��براطور يش��دد النك��ير على متبعيه���ا واألرمن منهم فأفض���ت بهم الح���ال إلى تس���ليم بالدهم إلى الفرس، وكذلك فعل القبط بمصر يوم ج��اءهم عمرو بن الع��اص فق��د ك��انوا عون��ا ل��ه في فتحه��ا للس��بب

عينه.التباغض بين الروم واليهود

ه��ذا باإلض��افة إلى م��ا ك��ان من التب��اغض الق��وي بينب تل��ك األي��ام، اليهود والروم بنوع خاص لما اقتض��اه تعص�� وقد بلغ هذا التباغض حده في أيام هرقل فث��ار اليه��ود في أنطاكي��ة فقتل��وا بطريركه��ا ومثل��وا بجثت��ه تم��ثيال قبيح��ا، فأرسل إليهم هرقل فقت��ل منهم جمع��ا غف��يرا، وث��اروا في )صور( عاص��مة فينيقي��ة وقتل��وا واليه��ا، وت��آمر يه��ود ص��ور ويهود فينيقية وفلسطين على أن ي��دخلوا مدين��ة ص��ور ليال ويقتلوا النصارى، فاطلع مطران صور على المكيدة فأخبر��ه ال��والي الحامي��ة والب��وابين والح��راس أن الوالي به��ا فنب

يكونوا تلك الليلة على حذر. ولما جن الليل هجم اليه��ود من خ��ارج الس��ور ف��ردهم الجند على أعق��ابهم فرج��ع اليه��ود إلى األدي��رة والكن��ائس بجوار المدينة فهدموها وسلبوا آنيتها، وفعلوا مثل ذلك في ما جاورها من القرى، فعاقبتهم الحكومة فقتلت كل يه��ود

صور. ولم يكن التب��اغض محص��ورا بين اليه��ود وال��روم لكن��ه كان بينهم وبين النصارى على اإلجم��ال، وك��انت حكوم��ات النصارى إذا سنت قانونا خصصت بنودا من��ه بش�أن اليه�ود

لمعاملتهم باالحتقار. فهل نستغرب بع��د ذل��ك إذا ك��ان اليه��ود عون��ا للع��رب

المسلمين على حكامهم المسيحيين..؟حالة الفرس الداخلية

أم��ا الف��رس فق��د ك��انت ه��يئتهم االجتماعي��ة في غاي��ة االنحط��اط قب��ل اإلس��الم بم��دة طويل��ة النش��قاق جمعهم

بتشعب الم��ذاهب عن م��اني وم��زدك، ومن غ��ريب دع��وى هذا األخير أن إلهه بعثه ليأمر بشيوع النساء واألم��وال بين الناس على السواء ألنهم أخ��وة أوالد أب واح��د، وتب��ع ه��ذا المذهب قباذ أحد ملوكهم فجاء بعده من نقضه وقام غيره

وتشعبت اآلراء هناك وفسدت األخالق.

الثالثة ودوله اإلسالم انتشار

يبدأ تاريخ اإلسالم بالهجرة فق��د ه��اجر المس��لمون من مكة إلى المدينة فرارا مما كان القرشيون يسومونهم إياه من التعذيب واإلهان��ة وهم قليل��ون ال يق��وون على دفعهم، ورأوا من أه��ل المدين��ة م��ؤازرة ونص��رة بم��ا أظه��روه من البيعة المعروفة ب�)بيعة العقبة(، فأمرهم النبي )صلى الل��ه علي��ه وآل��ه( ب��الهجرة إلى المدين��ة فالق��اه أص��حابه هن��اك بالترحاب وأنزلوه وأنزلوا الذين هاجروا مع��ه على ال��رحب

والسعة.التعاهد بين األنصار والمهاجرين

وأول عمل باشره النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( بع��د نزوله هناك المعاهدة بين أصحابه المس��لمين )المه��اجرين واألنص���ار( وبين اليه���ود من أه���ل ي���ثرب على االتح���اد

والتكاتف في الدفاع عن المصالح العامة.الغزوات

��روا في م��ا بينهم وبين أه��ل فلم��ا فرغ��وا من ذل��ك فك ( لنص��رة اإلس��الم1مكة من العداء، فعمدوا إلى مقاتلتهم)

فحدثت الغزوات المشهورة وهي أول الحروب اإلسالمية. ثم أرس�ل الرس�ول )ص�لى الل�ه علي��ه وآل�ه( كتب��ا بي��د رسله إلى ملوك األرض يدعوهم إلى اإلسالم ومنه��ا كتاب��ه إلى المقوقس والي مصر، وبعث جندا لمحاربة ال��روم في الش��ام فح��اربوهم في قري��ة من ق��رى البلق��اء في ح��دود الشام بما يلي حوران اس��مها )مؤت��ة( وتل��ك أول ح��روبهم

مع الروم.محاولة فتح الشام

فلما اعتز المسلمون ودانت لهم جزي��رة الع��رب كله��ا تقريبا عادوا إلى توسيع دائرة الفتح فأمر النبي )صلى الله

ه��� ب��التجهز إلع��ادة الك��رة على ال��روم،9عليه وآله( س��نة

فجهزوا جندا عدده ثالثون ألفا فيهم عش��رة آالف ف��ارس، وتل��ك أك��بر حمل��ة اس��تطاعها المس��لمون إلى ذل��ك الحين بذلوا فيها كل ما في وسعهم من الم��ال والرج��ال، ولكنهم لقوا في الطريق شدة عظيم��ة من العطش ف��نزلوا قري��ة��ون أن ال��روم بين المدينة والشام اسمها )تبوك( وهم يظن يجتمعون إليها ومعهم عرب لخم وجذام، فج��اءهم ص��احب أيلة )وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مم��ا يلي الش��ام

في رأس خليج العقبة( فصالحهم على الجزية. وفي الس��نة الحادي��ة عش��رة للهج��رة ت��وفي ص��احب الشريعة اإلسالمية واإلسالم ال ي��زال ح��ديثا فس��عى ال��ذين ح��ط اإلس��الم من نف��وذهم أو وق��ف في س��بيل أغراض��هم للني��ل من��ه فارت��دت معظم قبائ��ل الع��رب عن��ه، إال أه��ل

المدينة ومكة والطائف وأصبح اإلسالم في خطر شديد. أما وجه مبايعتهم أبا بكر دون سائر المه��اجرين وفيهم العباس عم النبي وعلي بن أبي طالب ابن عم��ه وغيرهم��ا من بني هاشم أهل بيت��ه ففي��ه نظ��ر، والظ��اهر من أق��وال عم��ر وغ��يره في مواق��ف مختلف��ة أن الس��بب في ه��ذه المبايعة أنهم رأوا بني هاشم قد اعتزوا ب��النبوة ألن الن��بي

منهم فلم يستحسنوا أن يضيفوا إليها الخالفة. وتوفي أبو بكر وقد أوصى بالخالفة لعم��ر بن الخط�اب وليس ه��و أك��بر س��ائر المه��اجرين س��نا لكن الص��حابة لم

رين في خالفته ألن أبا بكر أوصى له بها. يكونوا مخي وفي أيامه فتح بيت المقدس واشترط أهله��ا أن ي��أتي عمر بنفسه لعقد الصلح على يده وفتحت المدائن عاصمة

ه� ثم أوغلت جنود المس��لمين في ف��ارس16الفرس سنة ه� وفتحوا مصر على ي��د17وفتحت الجزيرة وأرمينيا سنة

عمرو بن العاص، ثم فتحوا طرابلس الغ��رب، وقت��ل عم��ر ه� وخلفه عثمان بن عف��ان ونظ��را لك��ثرة الفت��وح23سنة

في أيامه نذكر األسباب التي ساعدت عليها.الفتوحات اإلسالمية في صدر اإلسالم

��اب وأه��ل النق��د بحث طوي��ل وج��دال ع��نيف في للكت األس���باب ال���تي س���اعدت الع���رب على فتح بالد ال���روم

والفرس وقهر القياص��رة واألكاس��رة برج��ال يك��اد ال يزي��د عددهم على عدد حامية مدينة من مدن أولئك، مع ما كان عليه العرب يومئذ من سذاجة المعيشة وقلة الت��دريب في فن��ون الح��رب وض��يق ذات الي��د وض��عف الع��دة، وال��روم والفرس أعظم دول األرض يومئذ وعندهما العدة والرجال

والحصون والمعاقل. ولنبحث أوال في األس��باب ال��تي ج��رأت الع��رب على مهاجم��ة تين��ك المملك��تين وهم أه��ل بادي��ة م��ا برح��وا من أجيال متطاولة ينظرون إلى الروم والفرس نظر االح��ترام والتهيب. والج��واب على ذل��ك أن الع��رب ��� أص��بحوا بع��د اإلس��الم غ��ير م��ا ك��انوا علي��ه قبل��ه ��� ك��انوا قبائ��ل مش��تتة متباغضة فأصبحوا أم��ة واح��دة متح��دة بقلب رج��ل واح��د، واعتقدوا صدق الدعوة بأن الله ينصرهم حيث توجهوا، هذا االعتقاد هو ال��ذي ج��رأ الع��رب على رك��وب ه��ذا الم��ركب الخش��ن، غ��ير م��ا ذاق��وه من حالوة النص��ر في غ��زواتهم وسراياهم في أيام النبي )صلى الله عليه وآله(، واإلنس��ان إذا خدمه التوفيق في تجارة هان عليه المخاطرة بك��ل م��ا له في سبيل تلك التجارة، باإلضافة إلى ما ألفت أنظارهم

من خصب البالد المفتوحة.ولنذكر ذلك بشيء من التفصيل:

� االتحاد باإلسالم1 أم��ا االتح��اد باإلس��الم فإن��ه ظ��اهر في ك��ل أعم��الهم ويؤيده أن اإلسالم عنوان التوحيد كم��ا يتض��ح من مراجع��ة القرآن والحديث وال تكاد تخلو خطبة من خطب الخلفاء أو األم��راء في ص��در اإلس��الم من اإلش��ارة إلى تل��ك الوح��دة وتذكير المسلمين بما كان علي��ه آب��اؤهم في الجاهلي��ة من التف��رق والتش��تت وم��ا ي��دعوهم إلي��ه اإلس��الم من ن��زع العص��بية وتوحي��د الكلم��ة، وق��د زاد متان��ة تل��ك الوح��دة اجتماعهم خمس مرات في اليوم للص��الة خل��ف اإلم��ام أو

من يقوم مقامه. � اعتقادهم صدق الدعوة2

وأما اعتقاد العرب صدق الدعوة وأنهم ك��انوا يعمل��ون آلخرتهم ال لدنياهم فظاهر من أقوالهم وأعمالهم في أثن��اء

الفتح، كقول المغيرة � لما قال له رستم القائ��د الفارس��ي في أثناء واقعة القادسية: )إنكم تموتون فيما تطلبون( ��� : )يدخل من قتل منا الجنة ومن قتل منكم النار ويظه��ر من

بقي منا على من بقي منكم(. � خصب البالد المفتوحة3

وقد زاد العرب رغبة في حرب الشام والعراق ومص��ر م��ا علم��وه من خص��ب تل��ك األرض��ين، وك��ثرة خيراتهم��ا

وبالدهم قاحلة ال تفي بحاجاتهم بعد تلك النهضة الدينية. ذلك ما جرأ العرب على الفتح، أما م��ا س��اعدهم علي��ه

فهاك تفصيله: � نشاطهم وخفة أحمالهم1

ألنهم أه��ل بادي��ة تع��ودوا خش��ونة العيش فأص��بحوا ال يبالون بالجوع وال العطش، إذا سافر أح��دهم إلى ح��رب ال يحم��ل مع��ه ش��يئا يثق��ل كاهل��ه أو يش��غل بع��يره، وق��د ال يحملون طعاما وإنما يقتاتون بما يكسبونه بالغزو في أثن��اء

الطريق. وأم��ا ال��رومي أو الفارس��ي فال يس��تطيع االنتق��ال إلى الحرب إال باألحمال واألثقال من المؤونة وال��ذخيرة مم��ا الها يقوى على حمله إال المركبات، والمركبات تحتاج في جر

إلى دواب والدواب تحتاج إلى طعام ومياه. � اعتقادهم بالقضاء والقدر2

وإن اإلنسان ال يموت إال إذا جاء أجله فإذا أتت ساعته مات ولو كان على فراشه وإذا تأخر فال يصاب بس��وء ول��و

كان تحت حد السيوف. � مهارتهم في ركوب الخيل ورمي النبال3

فق��د ك��انوا أمه��ر من ال��روم والف��رس فيهم��ا، وخي��ل الع��رب أنجب من خي��ول أولئ��ك وك��انت أك��ثر وق��ائعهم

بالمبارزة بين األفراد على جري العادة في تلك العصور. � رجال صدر اإلسالم4

وقد اختص صدر اإلسالم برجال ت��وفرت فيهم ش��روط النصر وقد امتاز ذلك العصر بنبوغ الرجال العظ��ام. فنب��وغ الرج��ال في أوائ��ل اإلس��الم ك��ان من أك��بر العوام��ل في

سرعة نجاحه، وكان المسلمون يعلمون ذلك.

� الصبر والمطاولة5 أصبح العرب بعد فشلهم في واقعة مؤتة، وقد عرف��وا قوة الروم وخ��بروا ك��ثرتهم وعلم��وا أن قت��الهم غ��ير قت��ال أهل البادية الذين كانوا يغزونهم ببالد العرب، فلما تحقق��وا ذلك جعلوا عدتهم في حروبهم الصبر والمطاول��ة، والص��بر هين عليهم الكتفائهم بالشيء اليسير من الطعام واللب��اس

كما تقدم. � نجدة العرب6

كان اإلسالم في أول أمره نهض��ة عربي��ة والمس��لمون هم الع�رب ح��تى أص��بح اللفظ��ان م��ترادفين في كث��ير من األحوال، وك�ان الع�رب أق�رب األمم لل�دخول في اإلس�المهم ب��ه دون غ��يرهم من االفتخ��ار. فك��ان الع��رب لما اختص�� الموجودون في مختلف البالد أقرب سائر األمم إلى نج��دة اإلسالم لما قدمناه، وألسباب أخرى تختص بكل قبيلة على حدة، كحقد ع��رب اليمن على الف��رس من��ذ فتح��وا بالدهم وحكموهم قبل اإلس��الم، وك��انت ربيع��ة تقيم في الجزي��رة ببالد الفرس وكانوا عونا للع��رب المس��لمين على الف��رس

نكاية في هؤالء. وكثيرا ما كان هؤالء الع��رب وغ��يرهم من أه��ل الش��ام األصليين يساندون المس��لمين على ال��روم ف��رارا من أداء

الجزية. � خط الرجعة7

ثم إن الع���رب ك���انت قاع���دتهم في ح���روبهم هن���اك المحافظة على خط الرجوع فال يقاتلون الفرس أو ال��روم إال وهم في حيط��ة، وك��ان حف��ظ ذل��ك الخ��ط هين��ا عليهم ألنهم كانوا يجعلون الص��حراء وراءهم وهي ملج��أهم، ف��إذا اندحروا ال يستطيع الروم أو الفرس اللحاق بهم وال يهمهم ذلك اللحاق، ومتى عاد ال��روم إلى مس��اكنهم ع��اد الع��رب

عليهم. � واقعة اليرموك وواقعة القادسية8

تلك كانت القاعدة في حروب العرب بالشام والع��راق الشهيرة فقاتلوا قتاال ش��ديدا ح��تى أن النس��اء كن يق��اتلن بالعصي، فانتصر المسلمون وكان هذا النصر مقدمة سائر

ما نالوه في الشام، وك��ذلك واقع��ة القادس��ية في الع��راق فقد كانت فاتح��ة نص��رهم على الف��رس، وق��د ص��بروا في

هذه الواقعة صبرا جميال وطال أمرها كثيرا. � نقمة الرعايا على حكامهم9

كما أن من أسباب نصر المسلمين ما كان من انقسام ال��روم والف��رس فيم��ا بينهم وانحط��اط الهيئ��ة االجتماعي��ة فيهم، فضال عما كان من الش��حناء بين الرعي��ة أه��ل البالد

األصليين وحكامهم وخصوصا في مصر والشام � اليهود10

وكان الروم م��ع انقس��امهم إلى طوائ��ف وأح��زاب ق��د أجمع���وا على اض���طهاد اليه���ود كم���ا تق���دم، ولم���ا ج���اء المسلمون لفتح الشام كانت البغضاء قد بلغت أوجها ويود اليهود أن يخسروا أموالهم � مع رغبتهم في األموال ��� في سبيل االنتقام من الروم، وفي الواقع كثيرا ما ك��انوا عون��ا للع���رب عليهم وك���انوا ي���دلونهم على ع���ورات الم���دن

ويدخلونهم إليها. � عدل المسلمين ورفقهم وزهدهم11

وك���ان له���ذه المن���اقب ت���أثير عظيم في من ي���دخل سلطان المسلمين من رعايا الروم أو الفرس، وتلك كانت

الوصية األولى التي يتزودون بها إذا خرجوا للفتح. � التسوية بين الناس12

ومن هذا القبيل التس��وية بين طبق��ات الن��اس رفيعهمووضيعهم.

� استبقاء الناس على أحوالهم13 وكان العرب إذا فتحوا بلدا أق��روا أهل��ه على م��ا ك��انوا علي��ه من قب��ل ال يتعرض��ون لهم في ش��يء من دينهم أو مع���امالتهم أو أحك���امهم المدني���ة أو القض���ائية أو س���ائر

أحوالهم. فلم يكن استيالء المسلمين ثقيال على الناس ب��ل ك��ان��امهم األص��ليين، لونهم على حك األه��الي كث��يرا م��ا يفض�� والجزية التي ك��انوا يتكلف��ون ب��دفعها إلى المس��لمين أق��ل بكثير من مجموع الضرائب التي كانوا يؤدونه��ا إلى ال��روم

أو الفرس.

الخالصة

وجمل��ة الق��ول أن المس��لمين لم يج��رئهم على الفتح ويساعدهم عليه إال الدين وشدة االعتق��اد بالنص��ر، م��ع م��ا كان من مهارتهم في الفروسية ورمي النبال وقوة أبدانهم ونش��اطهم من عيش��ة الب��داوة م��ع المطاول��ة في الح��رب ونبوغ أفراد منهم في الرأي والشجاعة، فض��ال عن ع��دلهم

ورفقهم واختالل أحوال الروم والفرس.الفتنة

وفي زمن عثمان حدثت الفتن��ة، حيث أدت إلى مقتل��ةه� فتغير طور التاريخ اإلسالمي.35سنة

علي )عليه السالم( وطلحة والزبير فلم��ا قت��ل عثم��ان اختلف��وا في من يخلف��ه من كب��ار الصحابة، وكان غرض أه��ل مص��ر في علي بن أبي ط��الب )عليه السالم(، وغرض أه��ل البص��رة في طلح��ة بن عبي��د الله، وغرض أهل الكوفة في الزبير بن العوام، وكان أك��ثر مسلمي الشام من بني أمية وهم يري��دونها لعثم��ان أو من يخلفه منهم، وأما أه��ل المدين��ة فك��انوا يري��دونها لعلي بن أبي طالب )علي��ه الس��الم( جري��ا على ع��ادتهم في نص��رة أهل بيت النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل�ه( من��ذ ه��اجر الن��بي

)صلى الله عليه وآله( إليهم. فلما قتل عثمان رأى معاوي��ة س��بيال اللتم��اس الخالف��ة فعرض قميص عثم��ان الملطخ بال��دم في مس��جد دمش��ق ودع��ا الن��اس للمطالب��ة بث��أره ألن��ه من رهط��ه واتهم علي��ا وأص��حابه بقتل��ه وق��د وقعت بين علي )علي��ه الس��الم( من جانب وبين طلحة والزبير وقعة الجمل، وبينه وبين معاوية وقعة صفين وانتهى األم��ر ب��أن قت��ل علي )علي��ه الس��الم(

على يد الخارجي ابن ملجم.بنو أمية

وانتقلت الخالفة إلى بني أمي��ة وأولهم معاوي��ة بن أبي سفيان، والخالفة في عهد بني أمي��ة س��لطنة دنيوي��ة يحكم

فيها الخليفة بالدهاء والسياسة، ويستدني الناس باإلره��ابويؤيد سلطانه ببذل األموال.

واقتبس معاوي���ة من ال���روم أس���باب الب���ذخ ودواعي الترف وقلدهم في أبه��ة المل��ك، فأق��ام الح��رس يحمل��ون الحراب بين يديه إذا مش�ى أو ق�ام للص�الة، وب�نى لنفس�ه قص��را نص��ب في��ه الس��رير وأوق��ف الح��اجب بباب��ه وب��نى

مقصورة في المسجد إذا جاء للصالة صلى فيها. واألسباب التي أعانت معاوية على إخراج الخالف��ة من أهل بيت النبي )صلى الله عليه وآله( وحصرها في قبيلت��ه � وهو وكل الذين بايعوه يعتقدون أن أهل ال��بيت أح��ق به��ا

منه � عديدة: منها: أن معاوية استخدم في شد أزره رجاال هم أشهر دهاة اإلسالم، استدناهم إليه باألطم��اع كعم��رو بن الع��اص وغ�يره، ومم��ا س�اعد معاوي��ة على الف��وز أن علي�ا لم يكن ي��رى االحتي��ال في المل��ك، وهن��اك عام��ل ذو ت��أثير عظيم استخدمه معاوية وسائر بني أمية في تأيي��د س��لطانهم ه��و )المال( فقد كانوا يص��طنعون ب��ه األح��زاب ويس��تدنون ب��ه

األعداء. وكثيرا ما كان عبد الملك يرد أذى األحزاب عنه بالمال

ينثره على الناس فيشتغلون به عنه. ومن األسباب التي أيدت سلطان بني أمية أنهم ك��انوا يعولون في تأييده على الدهاء والسياسة والحزم ولو ك��ان فيها خرق لحرمة ال��دين أو إهان��ة ألهل��ه، ف��إنهم قتل��وا ابن بنت النبي )صلى الله عليه وآله( وضربوا الكعبة بالمنجنيق ولعنوا ابن عم النبي )صلى الله علي��ه وآل��ه( وص��هره على

المنابر وقتلوا من لم يلعنه.خلفاء بني أمية

ومعاوية جعل الخالفة وراثية في نس��له لكنه��ا لم تتع��د أوالده ولم يخلف��ه منهم إال يزي��د ال��ذي بوي��ع بوالي��ة العه��د بحياته، ولم يحكم إال بضع س��نين ارتكب في أثنائه��ا أم��ورا كبارا في جملتها مقتل الحس��ين بن علي )علي��ه الس��الم(، ولما م�ات يزي�د اختل�ف الن��اس على البيع�ة وك�ان ل�ه ابن

اسمه معاوية )الثاني( ولوه وهو ال يرى الخالف��ة حق��ا لهم، ومات بعد قليل فبايع بن��و أمي��ة ش��يخا أموي��ا من غ��ير بيت

ه��� ت��ولى الخالف��ة65معاوية اسمه مروان بن الحكم سنة بضعة أشهر وم��ات ثم انحص��رت الخالف��ة في نس��له وك��ل خلفاء بني أمية بع��ده من ول��ده، أش��هرهم عب��د المل��ك بن م��روان، وك��ان عامل��ه على الع��راق الحج��اج بن يوس��ف المشهور بدهائه وغلظته، وكان نصيرا له على تأيي��د دولت��ه فحارب عب��د الل��ه بن الزب��ير وك��ان ه��ذا ي��دعو الن��اس إلى بيعت��ه دون ب��ني أمي��ة فحص��ره الحج��اج في مك��ة وض��رب

الكعبة بالمنجنيق ثم قتله واستخلص الخالفة لعبد الملك. قال ابن األثير: )وهو � أي: عبد المل��ك ��� أول من غ��در باإلسالم وأول من نهى عن األمر بالمعروف فإنه ق��ال في خطبته بعد قتل ابن الزبير: وال يأمرني أحد بتقوى الله بعد

مقامي هذا إال ضربت عنقه(. ه���(. ومن96 � 86ومنهم الوليد بن عبد المل��ك )س��نة

أشهر خلف��اء ب��ني أمي��ة عم��ر بن عب��د العزي��ز بن م��روان، وخلفه ابن عمه يزيد بن عبد المل��ك وك��ان من أه��ل الله��و والطرب فشغل عن مصالح الدولة بجاريتين اسم إحداهما سالمة واألخرى حبابة، وتسلطت حباب��ة على عقل��ه وقلب��ه فأصبحت المملكة طوع إرادته��ا ت��ولي من ش��اءت وتع��زل

من شاءت وهو ال يعرف من أمور الدنيا شيئا. �105وت��ولى الخالف��ة بع��ده أخ��وه هش��ام )من س��نة

ه�(.125 وخلفه الوليد بن يزيد وك�ان قب�ل الخالف�ة منهمك�ا في اللهو والشرب والغن��اء مث��ل أبي��ه ول��ه أش��عار فيه��ا، فلم��ا أفض��ت الخالف��ة إلي��ه زاد انهماك��ا في الل��ذات واس��تهتارا بالمعاصي، وزاد على ذلك أن��ه أغض��ب أهل��ه وأس��اء إليهم فهجم��وا علي��ه م��ع أعي��ان رعيت�ه فقتل�وه وب��ايعوا يزي��د بن الوليد بن عبد الملك، وقد استفحل األمر واض��طرب حب��ل

بني أمية وبدأت الدعوة العباسية. وفي أيام خالفة م��روان بن محم�د بن م��روان خ��رجت

ه���. فلم��ا ظه��ر ض��عف ب��ني132الخالفة من أيديهم س��نة أمية واض��طرابهم ه�ان على الن��اس الخ��روج من ط��اعتهم

وذل���ك ألنهم لم يخض���عوا لألم���ويين إال طمع���ا أو خوف���اوأكثرهم يعتقدون أن بني هاشم أولى بالخالفة.

العباسيون

ووفق العباس��يون يومئ��ذ إلى رج��ل فارس��ي من أه��ل خراسان ذي بطش وبسالة اسمه أب��و مس��لم الخراس��اني فأنف��ذوه في طلب البيع��ة لهم في خراس��ان لبع��دها عن

مركز الخالفة األموية فوفق إلى ذلك توفيقا عجيبا. وأول خلفائهم أبو العباس السفاح وكان له عدة أخ��وة وأعمام استخدمهم في تأييد سلطانه، وكان مق��ر الس��فاح في األنبار على الف��رات غ��ربي بغ��داد وم��ا زال فيه�ا ح��تى

مات ولم يحكم إال بضع سنين. ه���.157 � 136فخلفه أخوه أبو جعفر المنص��ور س��نة

وكان يخاف أهل الكوفة ألنهم قتلوا عليا والحسين، فخ��رجمنها وبنى مدينة بغداد.

ثم رأى أن بق��اء أبي مس��لم يجع��ل مرك��زه في خط��ر ألنه أقدر الن��اس على إخ��راج المل��ك من أي��دي العباس��يين

كما سلمه إليهم، فقتله غيلة. وخلف��ه ابن��ه محم��د اله��ادي فه��ارون الرش��يد ثم ابن��ا الرش���يد األمين فالم���أمون، قت���ل المنص���ور أب���ا مس���لم الخراساني خوفا من طمعه بالسلطة وه��و فارس��ي. لكن��ه استخدم في بالطه رجاال من الفرس، وفعل خلف��اؤه مثل��ه وقدموهم في مصالحهم ومنها الوزارة وهي أرفع مناص��ب الدولة عندهم، ف��آل ذل��ك إلى اس��تفحال أم��رهم في أي��ام الرش���يد وهم البرامك���ة. فلم���ا رآهم الرش���يد يس���تبدون

بمصالح الدولة دونه نكب بهم كما هو مشهور.المعتصم واألتراك

ه� ف��أكثر من218وخلف المأمون المعتصم بالله سنة استخدام األتراك فآل ذل��ك إلى ض��عف الخلف��اء واس��تبداد العمال في الواليات واس��تقاللهم وأخ��ذت س��لطة الخلف��اء تتقلص حتى وسعها السواد بين الفرات ودجل��ة.. ولم يك��د

يدخل القرن الرابع للهج��رة ح��تى انحص��رت س��لطتهم فيمدينة بغداد.

فما زالت الخالفة العباسية في بغداد حتى جاءها الت��تر ه�656من مفازة الصين فافتتحوه��ا وقتل��وا خليفته��ا س��نة

ففر من بقي من أهلها إلى مص��ر والتج��أوا إلى س��الطينها الممالي���ك ف���أنزلوهم على ال���رحب والس���عة إلى أن فتح

ه� فأخذ الخالف��ة923السلطان سليم العثماني مصر سنة منهم، وبلغ عدد الخلفاء العباس��يين جميع��ا نيف��ا وخمس��ين

في الع���راق أولهم الس���فاح وآخ���رهم37خليف���ة منهم المعتصم والباقون في مصر.

� كان االبتداء في ذلك من الكفار � كما في الت��واريخ1 �3.

المملكة وسعة سالميةإال الدولة

أول من دخل بالد األن��دلس من المس��لمين ط��ارق بن ه� في عهد الدول��ة األموي��ة92زياد وموسى بن نصير سنة

بالشام، فافتتحها وتوالها األمراء باس��م الخلف��اء األم��ويين، فلما أفضت الخالفة إلى بني العباس وأعم��ل أب��و الس��فاح الس��يف في ب��ني أمي��ة قتلهم جميع��ا إال ش��ابا اس��مه عب��د الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك نج��ا وف��ر إلى بالد المغرب واجتاز البحر إلى األندلس، وك��ان عليه��ا أم��ير اس��مه عب��د ال��رحمن بن يوس��ف الفه��ري فامتلكه��ا من��ه وخطب فيه��ا للس��فاح زمن��ا قص��يرا ثم عزل��ه العباس��يون

ه�� وأق��ام في138فقطع الدعوة عنهم ودعا لنفس�ه س�نة ��ام قرطب��ة عاص��مة األن��دلس في ذل��ك الحين، وخلف��ه حك كث��يرون ك��انوا يلقب��ون أنفس��هم ب��األمراء إلى آخ��ر الق��رن الث��الث، فتواله��ا عب��د ال��رحمن الث��الث المع��روف بالناص�ر

وهو أعظم خلفاء بني أمية317فسمى نفسه خليفة سنة في األندلس، حارب اإلف��رنج م��رارا وردهم على أعق��ابهم،

فلما مات خلفه بضعة عشر خليفة ليس فيهم عادال. وفي أوائ��ل الق��رن الخ��امس انقس��مت األن��دلس إلى ممال��ك يتواله��ا رؤس��اء أو أم��راء أش��هرهم الحمودي��ة في

ه��� والعبادي��ة في أش��بيلية من499 � 407مالقة من س��نة �403ه�. والزيدية في غرناطة من سنة 484 � 414سنة ه� وذو461 � 422ه� والجهودية في قرطبة من سنة 483

ه� والعامري��ة في478 � 427النونية في طليطلة من سنة ه��� والهودي��ة في سراقوس��ة478 � 412بلنسية من س��نة

�408ه��� ومل��وك داني��ة من س��نة 536 � 410من س��نة ه� ويعرف هؤالء الرؤساء بملوك الطوائ��ف، وتن��ازعوا468

فيما بينهم وحاربهم اإلفرنج حيث طمعوا بهم على أثر ذلكاالنقسام.

ثم عاد المرابطون بع��د بض��ع س��نين وفتح��وا األن��دلس كله��ا وجعلوه��ا والي��ة تابع��ة لمملكتهم في المغ��رب، ولم��ا صارت المغرب إلى الموحدين صارت إليهم أيضا األن��دلس

ه�.540سنة ونش��أت في أثن��اء ذل��ك ممال��ك ص��غيرة في بلنس��ية ومرس��ية أهمه��ا الدول��ة النص��رية في غرناط��ة أص��حاب

ه���.. وزهت األن��دلس897 � 629الحمراء حكموا من سنة في أيامهم وظهر فيها الشعراء واألدباء على نحو ما ك��انت عليه في أيام عبد الرحمن الناصر، لكن األس��بان م��ا زال�وا يهاجمون المسلمين ويناوئونهم والمسلمون ي��دافعون عن أنفسهم إلى أواخر القرن التاسع للهجرة فهاجمها فردينان

ه�( ففر ملكها أبو عبد الله وهو897 )1492وايزابال سنة محمد الحادي عشر من تلك الدولة، فانقضت بفراره دولة

المسلمين في األندلس. ولألندلس شأن عظيم في التاريخ اإلس��المي فق��د نب��غ فيها العلماء والشعراء وأنشئت فيه��ا الم��دارس والمك��اتبدت األبنية والقصور وسنأتي على ذكر ك��ل ش��يء في وشي

موضعه.الدولة الفاطمية

نشأت هذه الدولة في بالد المغرب، وهي تنتس��ب إلى فاطمة )عليها السالم( بنت النبي )ص�لى الل��ه علي��ه وآل��ه( بواسطة اإلمام جعف��ر الص��ادق )علي��ه الس��الم(، وأول من ظهر بالدعوة منهم عبي��د الل��ه المه��دي في أواخ��ر الق��رن الثالث للهج��رة، ول��ذلك فهي تس��مى أيض��ا العبيدي��ة، وق��د أعانهم في نيل الخالفة رجل اسمه أبو عب��د الل��ه الش��يعي نحو ما فعل أبو مس��لم م��ع العباس��يين، فلم��ا اس��تتب لهم األم��ر قتل��وه كم��ا فع��ل المنص��ور ب��أبي مس��لم، وامت��د س��لطانهم في أواس��ط الق��رن الراب��ع إلى مص��ر على ي��د القائد جوهر، وك��انت مص��ر في ح��وزة العباس��يين ففتحه��ا

ه��� وال ت��زال360جوهر وبنى فيها مدينة القاهرة نحو سنة إلى اليوم، وسموها القاهرة المعزية نسبة إلى المعز لدين الل��ه أول من ج��اء مص��ر من الخلف��اء الف��اطميين وتناوبه��ا

خلفاؤه بعده حتى أصابهم ما أص��اب الدول��ة العباس��ية في بغ��داد من اص��طناع األع��اجم واألك��راد واألت��راك وغ��يرهم

ه��� إلى ص��الح ال��دين األي��وبي،567فأفض��ى أمره��ا س��نة وللدولة الفاطمية آثار عظيم��ة ال ت��زال ظ��اهرة في مص��ر ومنها مدينة القاهرة نفسها والج��امع األزه��ر، وتواله��ا بع��د ص��الح ال��دين أبن��اؤه وأخوت��ه، وج��اء بع��دهم الس��الطين الممالي��ك ح��تى فتحه��ا الس��لطان س��ليم العثم��اني س��نة

ه�.923سائر الدول اإلسالمية في أنحاء العالم

ولو أردنا ذكر الدول اإلسالمية التي نش��أت في الع��الم لطال بنا الكالم، وخالصة ذل��ك أن ال��دول اإلس��المية ال��تي ظهرت من أول اإلس��الم إلى اآلن ني��ف ومائ��ة دول��ة ع��دد

( رئيس فيه��ا الخلف��اء والس��الطين1.200رؤس��ائها نح��و ) والمل���وك واألم���راء واألتابك���ة واإلخش���يدية والخ���ديويون والشرفاء والبايات والدايات وغيرهم من العرب والف��رس واألت��راك والشراكس��ة واألك��راد والهن��ود والت��تر والمغ��ول واألفغ��ان وغ��يرهم، ومن عواص��مهم: المدين��ة والكوف��ة والش��ام وبغ��داد ومص��ر والق��يروان وقرطب��ة واألس��تانة

وصنعاء وعمان ودهلي وغيرها.المملكة اإلسالمية سعتها وأعمالها

تأسس��ت المملك��ة اإلس��المية في المدين��ة في الس��نة األولى للهجرة والمسلمون قليلون وكل أرض خارج أسوار المدين��ة ليس��ت أرض��هم، وح��دود تل��ك المملك��ة محص��ورة بيثرب وبعض ضواحيها، وكانت دار اإلمارة والقضاء يومئ��ذ المس��جد أو بيت الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( أو بي��وت الصحابة، ومازال ذل�ك ش�أنها إلى الس�نة الرابع�ة للهج��رة فأضافوا إليها أرض بني النض��ير، وفي الس��نة التالي��ة أرض خي��بر ثم ف��دك ف��وادي الق��رى فتيم��اء ثم فتح��وا مك��ة فالطائف فتبالة فجرش ثم شماال إلى تب��وك وأيل��ة وجنوب��ا

إلى نجران فاليمن فعمان فالبحرين فاليمامة.

(10ولما توفي الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( س��نة ) للهجرة كانت سطوة اإلسالم قد أظلت كل جزيرة العرب، وشاهد النبي )صلى الله عليه وآله( مملكته تمتد من تبوك وأيل��ة ش��ماال إلى ش��واطئ اليمن جنوب��ا ومن خليج العجم شرقا إلى بحر القلزم غربا، ولم��ا وض��ع معاوي��ة ي��ده على أزمة الخالفة كانت راي��ات المس��لمين تخف��ق على الش��ام ومص��ر والنوب��ة والع��راق وف��ارس وأرميني��ة وأذربيج��ان

وجرجان وطبرستان واألهواز وغيرها. وكان الخليفة يقيم في )المدينة( أو )الكوف��ة( ويرس��ل عمال��ه إلى األعم��ال )الوالي��ات( وأك��بر أعم��ال المملك��ة اإلس��المية يومئ��ذ الش��ام وتحته��ا أجن��اد حمص وقنس��رين واألردن وفلس��طين والثغ��ور، ثم الع��راق وأعظم أعمال��ه السواد وهو ما بين دجلة والفرات وعاص��مته الكوف��ة على الف��رات وم��ا ع��دا الس��واد البص��رة وقرقيس��ية وال��ري وأص��فهان ونهاون��د وأذربيج��ان وحل��وان وهم��دان وغيره��ا. وفي بالد العرب مكة والطائف والبحرين وعمان وص��نعاء، وفي قارة أفريقي��ا مص��ر وم��ا يتبعه��ا من أفريقي��ة في بالد

المغرب والنوبة في أعالي وادي النيل. وكان الخلفاء يرسلون عمالهم إلى هذه األعمال رأس��ا من المدينة أو الكوفة إال الشام فقد كان يقيم عامله��ا في دمشق وهو يولي عماال على ما تحتها من األجن��اد، وك��ذلك مص��ر ك��ان عامله��ا في الغ��الب يرس��ل العم��ال من تحت

إمرته إلى أفريقية والنوبة. وفي أيام بني أمي��ة زادت المملك��ة اإلس��المية اتس��اعا ففتحوا األندلس وسائر المغرب غربا، وأوغل بنو أمي��ة في أوروب��ا من وراء إس��بانيا فقطع��وا جب��ال البيريني��ه ودخل��وا

ه���، فارتع��د114فرنسا وأوغلوا فيها إلى نهر الراون س��نة اإلف��رنج ل��ذلك وخ��افوا أن يص��يبهم م��ا أص��اب إس��بانيا، فتك��اتفوا ل��دفعهم بك��ل جه��ودهم فحص��لت بين الف��ريقين وق��ائع دموي��ة في مك��ان ق��رب ث��ورس دامت بض��عة أي��ام والحرب سجال، ولم يذكر العرب من أخب��ار ه��ذه الوق��ائعلوها م��ع م��ا إال إشارات مختصرة، وأما اإلفرنج ف��إنهم فص�� يقتضيه المقام من إعجابهم بالعرب وبسالتهم، وكان ذل��ك

بقي���ادة ش���ارل مارت���ل القائ���د الفرنس���ي الش���هير ج���د اإلم��براطور ش��ارلمان، ف��ذكروا حروب��ا هائل��ة ج��رت بين

م انتهت بتقهق��ر الع��رب732شارل هذا وبين العرب سنة إلى إسبانيا وقتل قائدهم عبد الرحمن.

ومما يستدعي االعتبار والتأمل أن العرب لو فازوا في هذه الواقعة النتشر اإلسالم في فرنسا ثم في سائر أورب��ا ��� ألن الفرنس��يين ك��انوا أق��وى أمم اإلف��رنج على مدافع��ة العرب يومئذ � والنتش��رت اللغ��ة العربي��ة في تل��ك الق��ارة كم��ا انتش��رت في ق��ارتي آس��يا وأفريقي��ا وس��ائر الع��الم

اإلسالمي. واتسع نطاق المملكة اإلس��المية على عه��د العباس��يين ح��تى ص��ارت إلى أوس��ع م��ا بلغت إلي��ه في زمن اإلس��الم

حتى اآلن. ومهم��ا اختلفت ال��دول فالمملك��ة إس��المية وحكامه��ا مسلمون، وقد بلغت حدود هذه المملكة من الش��مال إلى أع��الي تركس��تان في آس��يا، وجب��ال البيريني��ه في ش��مالي إسبانيا، ومن الجن��وب إلى بح��ر الع��رب والمحي��ط الهن��دي وصحراء أفريقيا ومن الشرق إلى بالد السند والبنجاب من بالد الهند، ومن الغرب المحيط األطلسي. وتزيد مس��احتها

على ضعفي مساحة أوروبا. وكان لكل عمل من أعمال دولتهم وال أو عامل يوليه الخليف��ة أو وزي��ره أو نائب��ه كم��ا س��ترى فبل��غ ع��دد ه��ذه

والي��ة44األعمال � أو الواليات في اصطالح ه��ذه األي��ام � لكل منها بيت مال وديوان خراج وقاض أو أكثر، وس�كانهم معظم أمم العالم المتمدن في ذل��ك الحين وفيهم الع��رب والف��رس واألت��راك واألك��راد والمغ��ول والت��تر واألفغ��ان والهن��ود واألرمن والس��ريان والكل��دان وال��روم والق��وط والقبط والنوبة والبربر وغ�يرهم، وك�انوا يتكلم�ون العربي�ة والفارس���ية والبهلوي���ة والهندي���ة والرومي���ة والس���ريانية والتركية والكردية واألرمني��ة والقبطي��ة والبربري��ة وغيره��ا. فمنهم من أصبحت اللغ��ة العربي��ة لغتهم وض��اعت لغ��اتهم األصلية كأهل الشام ومصر والمغرب والعراق، ومنهم من اختلطت العربية بلغاتهم األصلية كأهل ف��ارس وتركس��تان

والهن��د واألفغ��ان وغيره��ا، وال ي��زال كث��ير من أمم آس��يا وأفريقيا تكتب لغاتها بالحروف العربية إلى اآلن أثرا ل��ذلك

التمدن العظيم. فكثير من المدن اإلسالمية أصبحت اآلن خرابا ب��النظر لما كانت عليه في عهد الدولة اإلسالمية وخصوصا العراق أو السواد، وعلى األخص بغ��داد والبص��رة والكوف��ة وس��ائر مدن العراق فقد وصف اإلصطخري مدينة البص��رة وص��فا يمثل م��ا ك��انت علي��ه أرض الع��راق من العم��ارة في ذل��ك

العصر قال:البصرة

)البصرة مدينة عظيم��ة لم تكن في أي��ام العجم وإنم��ا مص��رها الع��رب.. وليس فيه��ا مي��اه إال أنه��ارا، وذك��ر بعض أهل األخبار أن أنهار البصرة عدت أي��ام بالل بن أبي ب��ردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نه��ر تج��ري فيه��ا الزوارق وقد كنت أنكر ما ذك��ر من ع��دد ه��ذه األنه��ار في أيام بالل حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع فربم��ا رأيت في مقدار رمية سهم عددا من األنهار ص��غارا تج��ري في كله��ا زوارق صغار ولكل نهر اسم ينس��ب ب��ه إلى ص��احبه ال��ذي حفره أو إلى الناحية التي يص��ب فيه��ا، فج��وزت أن يك��ون

ذلك في طول هذه المسافة وعرضها(. ( نه��ر أو120.000فاعتبر المسافة التي يحف��ر فيه��ا )

ترعة كم يمكن أن يكون عدد سكانها؟ وهذا مستغرب عند أهل هذا الزمان لكنه يدل في كل ح��ال على عم��ران تل��ك

األرض.بغداد

وناهيك عن بغداد مدينة الخليفة ودار السالم فقد ذك��ر اإلصطخري أيض�ا في وص�فها كم�ا ش�اهدها في أيام��ه في الق��رن الراب��ع للهج��رة ق��ال: )وتف��ترش قص��ور الخالف��ة وبساتينها من بغداد إلى نهر بين فرسخين على جدار واحد حتى تتص��ل من نه�ر بين إلى ش�ط دجل�ة ثم يتص��ل البن��اء بدار الخالفة مرتفعا على دجلة إلى الشماسية نحو خمسة

أمي��ال وتح��اذي الشماس��ية في الج��انب الغ��ربي الحربي��ةفيمتد نازال على دجلة إلى آخر الكرخ.. إلخ(.

ثم قال: )وبين بغداد والكوفة )أو بين دجل��ة والف��رات(ز تخترق إليه أنه��ار من الف��رات( ثم سواد مشتبك غير ممي

عدد األنهر التي تمتد من الفرات إلى دجلة. فأين هذه العمارة مما عليه بغداد اليوم؟ ف��إن إحص��اء

نفس، وتع�داد نف��وس200.000والي��ة البص�رة كله�ا اآلن 850.000والية بغ��داد ونظن أن إحص��اء الوالي��تين جميع��ا

أقل كثيرا مما كانت تحويه مدينة بغداد وحدها، وقس على ذلك مدينة دمشق وغيرها من الم��دن ال��تي ض��عف أمره��ا الي��وم. وهن��اك م��دن أخ��رى ك��انت يومئ��ذ إب��ان مج��دها فأصبحت اآلن اسما بال مسمى مثل الفس��طاط في مص��ر والكوف��ة في الع��راق والق��يروان في أفريقي��ا وبص��رى في

حوران وغيرها مما ال محل للكالم فيه هنا.مصر

وأما مص��ر فيؤخ��ذ من كالم م��ؤرخي الع��رب أنه��ا لم��ا فتحها المسلمون ك��ان ع��دد ال��ذكور فيه��ا ممن بل��غ الحلم إلى ما ف��وق ذل��ك )ليس فيهم ص��بي وال ام��رأة وال ش��يخ( ثمانية ماليين( منهم في اإلسكندرية وح��دها ثالثمائ��ة أل��ف فإذا أضفنا إلى ذلك عدد اإلناث واألطفال والش��يوخ أص��بح عدد سكانها أكثر من ثالثين مليون نس��مة وه��و نح��و ثالث��ة

أضعاف عدد سكانها اليوم. وقد يطعن في ص��حة ه��ذه الرواي��ة ولكن يس��تدل من مجمل أقوالهم في مصر أنها كانت في رغ��د ورخ��اء وك��ان

عمرانها بالغا حد النهاية. وذك��ر ي��اقوت في معجم البل��دان: )إن المق��وقس ق��د تضمن مصر من هرقل بتسعة عشر ألف ألف دين��ار وك�ان يجبيها عشرين ألف أل��ف دين��ار وجعله��ا عم��رو بن الع��اص عشرة آالف ألف دينار أول ع��ام، وفي الع��ام الث��اني اث��ني عشر ألف ألف ولم��ا وليه�ا في أي�ام معاوي�ة جباه��ا تس�عة آالف ألف دين��ار وجباه��ا عب��د الل��ه بن س��عد بن أبي س��رح أربع��ة عش��ر أل��ف أل��ف دين��ار( وق��د أجم��ع المؤرخ��ون

المحدثون تقريبا على تقدير س��كانها في تل��ك األي��ام بنح��وعشرين مليون نفس.

ق��ال المقري��زي: )إن هش��ام بن عب��د المل��ك )س��نة ه�( أمر عبد الله بن الحجاب عامله على خ��راج مص�ر107

أن يمس��حها، فمس��حها بنفس��ه فوج��د مس��احة أرض��ها الزراعي��ة مم��ا يركب��ه الني��ل ثالثين ملي��ون ف��دان، م��ع أن مساحة األرض الزراعية في وادي النيل اليوم مع ما تبذل��ه الحكومة من العناية في إخصابها وتعميرها لم تتجاوز س��تة ماليين فدان كث��يرا، ومس��احة وادي الني��ل كله��ا أي الوج��ه البحري والصعيد على جانبي النيل ال تزيد على ه��ذا الق��در إال قليال، فيستحيل أن تك��ون مس�احتها في أوائ��ل اإلس�الم خمس��ة أض��عاف ذل��ك ولكن يظه��ر أن الع��رب زرع��وا م��ا يج��اور ه��ذا ال��وادي من الش��رق نح��و البح��ر األحم��ر ومن الغ��رب إلى وادي النط��رون، ألن مس��احة مص��ر بم��ا فيه��ا الواحات في صحراء ليبيا واألرض بين النيل والبحر األحمر

400.000وبينه وبين بحر ال��روم إلى الع��ريش تزي��د على مليون فدان، فال غراب��ة187ميل مربع وذلك يساوي نحو مليون ف��دان، وأن يك��ون30إذ ذاك أن يكون العامر منها

مليون نفس.20سكانها ويؤيد ذلك أن مؤرخي الع��رب ك��انوا يق��درون مس��احة

مصر نحو ما تقدم تقريبا. قال المقريزي: )وآخر ما اعتبر حال أرض مصر فوج��د

180.000.000مدة حرثها س��تين يوم��ا ومس��احة أرض��ها ف��دان ي��زرع منه��ا في مباش��رة ابن الم��دبر )في أواس��ط

ف��دان، وأن��ه ال يتم24.000.000القرن الث��الث للهج��رة( حراث يلزم��ون العم��ل480.000خراجها حتى يكون فيها

بها دائما.. إلخ(. واعت��بر نح��و ه��ذا العم��ران أيض��ا في م��دن اإلس��الم الكبرى في األندلس مثل قرطبة وغرناطة وطليطلة، وفي العراق والشام بالد ال تحص��ى ك��انت في تل��ك األي��ام م��دنا

كبرى وأصبحت اآلن قرى حقيرة.

اإلسالمية الدولة مناصب

انتهينا من الكالم في نشوء الدول��ة اإلس��المية وتكونه��ا فنتق���دم إلى الكالم في مناص���بها أو دواوينه���ا أو دوائ���ر حكومتها وتاريخ كل منه��ا، ونق��دم الكالم في كيفي��ة نموه��ا

وتفرعها إلى تلك المناصب.نمو الدولة اإلسالمية

نشأت الدولة اإلسالمية في المدينة في الس��نة األولى للهجرة والمسلمون يومئذ الصحابة الذين ال يزي��د ع��ددهم على بضع عش��رات بعض��هم من المه��اجرين وبعض��هم من األنصار، فجعلوا أساس��ها المس��اواة والمؤاخ��اة والتع��اون، فق��د ذكرن��ا أن الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( آخى بين المسلمين )المهاجرين واألنصار( بأن جعل أموالهم واح��دة ومص��الحهم واح��دة كم��ا يس��تدل من قول��ه: )من ت��رك كال

( وقد كان ذل��ك االش��تراك1فإلينا ومن ترك ماال فلورثته() في المصالح داعيا إلى زيادة االتحاد، وأعمال الدولة يومئذ محص��ورة في الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( وتش��مل السياس���ة واإلدارة وال���دين، ففرض���ت الص���الة والزك���اة وغيرهما من الفروض التي تعد من قبيل ال��دين، وال نبحث فيها إال من حيث دخلها في تأسيس الدولة. أما الصالة في الجماعة ففائدتها في الدنيا االتحاد والطاع��ة لإلم��ام، وأم��ا الزكاة فإنه�ا ق�وام الدول�ة وأس�اس مص�الحها، فهي أص�ل

بيت المال الذي نعبر عنه بوزارة المالية. وال يخفى أن لل���دول أنظم��ة مختلف��ة وفيه���ا الملكي والجمهوري والمطلق والمقيد ولكل دول��ة ق��وانين تختل��ف عما لألخرى مما ال يحصره وص��ف ولكنه��ا ترج��ع كله��ا إلى أم��رين أساس��يين تش��ترك فيهم��ا جميع��ا وهم��ا )الم��ال والجند(. وم��ا من دول��ة مهم��ا ك��ان ن��وع نظامه��ا إال وفيه��ا الجندية والمالية إذ ال قوام لها بدونهما وربما كانت الحاجة إليهما في أوائل الدولة أشد مم��ا بع��دها. والمس��لمون هم

الجن��د واتح��ادهم بالص��الة والرك��وع والمؤاخ��اة ه��و نظ��امالجند.

والزكاة عبارة عن المال الالزم لبق��اء الجن��د، فأس��اس��اة ك ��وا الز الدولة اإلسالمية هذه اآلية: ) وأقيموا الصالة وآت

اكعين() (.2واركعوا مع الرالزكاة

والزكاة توطد عرى االتحاد وهو أس��اس اإلس��الم، ب��أن يؤخذ من أغنياء المس��لمين م��ا يزي��د من أم��والهم ويعطى للفقراء منهم فيؤخذ زكاة ويعطى صدقة، ويمثل ذلك جليا قول الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( لمع��اذ لم��ا بعث��ه إلى اليمن إذ قال له: )إنك تأتي قوما أه��ل كت��اب ف��ادعهم إلى شهادة أن ال إله إال الله وأن محمدا رس��ول الل��ه، ف��إن هم أط��اعوا ل��ذلك ف��أعلمهم أن الل��ه ق��د ف��رض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك ف��أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخ��ذ من أغني��ائهم ف�ترد على فقرائهم، ف��إن هم أط��اعوا ل��ذلك فإي��اك وك��رائم أم��والهم

(.3واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب() وك��انت األم��وال ال��تي ت��رد عليهم وتف��رق فيهم على السواء الصغير والكبير، الحر والعب��د، ال��ذكر واألن��ثى. وإذا كانت من الغنائم أخ��ذوا نص��يبهم منه��ا على م��ا ي��أتي، وإذا ج��اء المدين��ة م��ال من بعض البالد أحض��ر إلى المس��جد وفرق على ما يراه النبي )صلى الله عليه وآله( أو الخليفة

بال قيد وال شرط وال يبقى منه باق.الديوان

ولما فتحت البالد في زمن عمر بن الخط��اب واختل��ط العرب بالروم والفرس واتسع سلطان المسلمين وك��ثرت وارداتهم وتعددت مصادر الفيء اض��طروا إلى ض��بط ذل��ك وتقييده وتعيين ما يدخل وم��ا يخ��رج من��ه، ف��رأى عم��ر أن يض��بط ال��وارد في ال��دفاتر في��دفع من��ه رواتب معين��ة في العام إلى كل منهم على قدر استحقاقه، وال��ذي يبقى من األموال يحفظ لالنتفاع به عن��د الحاج��ة، فش��رع ب��ذلك في

السنة العشرين للهجرة )وقيل: في الخامسة عشرة( وهوما يعبر عنه بالديوان اقتداء بما كان عند الفرس والروم.

فلما أفضت الخالفة إلى بني أمية وأص��بح األم��ر ملك��ا سياسيا وكثرت مخالطة المسلمين لألعاجم أص��بحت تل��كع عمال بن��اموس االرتق��اء الع��ام ال��دوائر تتف��رع وتتوس�� وأض��افوا إليه��ا مناص��ب اقتبس��وها من ال��روم والف��رس، وقض��ى عليهم ال��ترف وأبه��ة المل��ك أن يتخ��ذوا الخ��دم والحشم والحاشية والحج��اب والح��راس فح��دث في عه��د

بني أمية الحرس وديوان الخاتم والبريد وديوان الخراج. ولما آل األمر إلى بني العباس زادت عوام��ل االختالط وزاد ميل الخلفاء إلى الترف والرخاء فاس��تنابوا من يق��وم مقامهم في مباشرة األعمال فاس��تحدثوا منص��ب ال��وزارة والحس��بة وغيرهم��ا وتف��رعت المناص��ب األولى وتش��عبت على مقتض��يات األح��وال. ثم أح��دثت ك��ل دول��ة من دول اإلسالم مناصب اقتضتها أحوالها ف��اختلفت في بغ��داد عم��ا

في قرطبة وفيهما عما في القاهرة. كان الخليفة في عهد بساطة الدولة ه��و ال��ذي ي��راقب أعم��ال ال��دواوين بنفس��ه، فلم��ا اتس��ع س��لطانهم وتب��دلت وجهة الخالفة من الدين إلى السياسة، وم��ال الخلف��اء إلى التقاعد وتقليد القياصرة واألكاس��رة اس��تخدموا من يق��وم بتلك األعمال، فأقاموا من يباش��ر أم��ور الدول��ة عنهم وهم ال��وزراء، ومن ي��راقب تص��رف العم��ال في األمص��ار وه��و صاحب ديوان البريد، ومن يت��ولى ختم الرس��ائل وتقيي��دها وهم أصحاب ديوان التوقيع أو الخ��اتم، ومن يت��ولى النظ��ر في ض��ياعهم وأمالكهم وهم عم��ال دي��وان الض��ياع، ومن ينظر في حسابات حاشيتهم وخ��دامهم وهم عم��ال دي��وان الخ��اص، واقتض��ت حض��ارتهم أن يض��ربوا النق��ود ويتخ��ذوا الط��راز فأنش��أوا دار الض��رب ودي��وان الط��راز، ودواوين أخرى بعضها لعرض الرسائل وبعضها لغير ذلك مثل ديوان الترتيب وديوان العزيز � وه��ذا ك�ان يش�به الب��اب الع��الي � وكان الكاتب في عهد الخلفاء الراشدين ه��و ال��ذي يت��ولى ال�ديوان على م��ا وض��عه عم�ر في��دون م�ا ي�رد من أم�وال الخراج والجزية وغيرهما، وم��ا ينف��ق على الجن��د والعم��ال

والقضاة وغ��يرهم ويت��ولى مكاتب��ة العم��ال، فلم��ا اتس��عت أعمال الدولة تشعب ذلك الديوان إلى ما يختص بحسابات الخراج والجزية وهو ديوان الخراج، وإلى ما يختص بالنفقة على الجند وغيرهم وهو دي��وان الزم��ام والنفق��ة، وإلى م��ا يتعلق بغير ذلك مثل ديوان اإلقطاع وديوان المعادن، وإلى ما يختص بت��دوين أس��ماء الجن��د وطبق��اتهم ورواتبهم وه��و الجند، وتفرع من دي��وان الجن��د دي��وان األس��طول ودي��وان الثغور وغيرهما، وأفردوا لمراسالت العمال وغيرهم ديوان��ا

خاصا هو ديوان الرسائل أو اإلنشاء. وكان بيت المال مخزن��ا عام��ا لك��ل أم��وال المس��لمين فتفرع في أيام األمويين والعباسيين إلى عدة فروع بعضها ألموال الصدقات وبعضها ألموال المظالم وبعض�ها ألم�وال الورث��ة وبعض��ها لغ��ير ذل��ك، وعلى ه��ذا النم��ط تش��عبت المناص��ب األخ��رى فتف��رع من القض��اء دي��وان المظ��الم

والحسبة والشرطة ونحو ذلك مما ال يمكن حصره.الخالفة

ماهيتها وشروطها وحقوقها

الخالفة ضرب من المل��ك خ��اص باإلس��الم لم يكن في سواه من قبل. وهي من قبيل السلطة الملكي��ة المطلق��ة ولكنه���ا تمت���از عن س���لطة القياص���رة واإلم���براطوريين واألكاسرة أن الخالفة تشمل السلطتين الديني��ة والدنيوي��ة فتحم���ل الجمي���ع على مقتض���ى النظ���ر الش���رعي في مص��الحهم األخروي��ة والدنيوي��ة الراجع��ة إليه��ا. وأم��ا تل��ك فتختصر في حمل الجميع على مقتضى النظ��ر العقلي في

جلب المصالح الدنيوية.وقد يظهر الفرق بين السلطتين كبيرا.

البيعة البيعة هي العهد على الطاعة، فإذا ب��ايع الرج��ل أم��يرا كأنه عاهده وسلم إليه النظر في أمر نفسه ال ينازع��ه في شيء من ذل��ك وأن يطيع�ه في م��ا يكلف��ه ب��ه من األم��ور،

وكان العرب إذا بايعوا أميرا جعلوا أي��ديهم في ي��ده تأكي��دا للعهد بم��ا يش��به فع��ل الب��ائع والمش��تري فس�ميت )بيع��ة( مصدر باع، وصارت البيعة مص��افحة األي��دي وه��و م��دلولها

بعرف اللغة أيضا، وأقدم بيعة في اإلسالم بيعة العقبة.يمين البيعة

يختلف نص يمين البيعة باختالف ال��دول واألح��وال وإن كان مرجعه واح��دا. فلم�ا ب��ايع األنص�ار الن��بي )ص�لى الل�ه��ا ب��راء من علي��ه وآل��ه( بالعقب��ة ق��الوا: )ي��ا رس��ول الل��ه إن ذمامك حتى تصير إلى دارنا، فإذا وصلت فإنك في ذمامن��ا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونس��اءنا(. وهن��اك نص آخر للبيعة في العقبة يعرف ببيعة النساء وهو: )بايعنا ب��أن ال نشرك بالله شيئا وال نسرق وال نزني وال نقتل أوالدنا وال نأتي ببهت��ان نفتري�ه من بين أي�دينا وأرجلن�ا وال نعص�يه في

معروف(. وبعد أن صارت وراثية ك��ان الخلف��اء يب��ايعون ألوالدهم بوالية العهد أو لغيرهم من ذوي قرابتهم. وك��انوا يحتفل��ون

بذلك مثل احتفالهم بمبايعة الخلفاء. والعهد كت��اب يكتب��ه الخليف��ة أو من يكتب ل��ه ويختم��ه بخاتم��ه وخ��واتم أه��ل بيت��ه ويدفع��ه إلى ولي العه��د أو من يتولى أمره فيحفظه إلى حين الحاجة ويدعى ل��ولي العه��د على المن��ابر بع��د ال��دعاء للخليف��ة فيقول��ون بع��د ال��دعاء للخليفة: )اللهم وبلغه األمل في ولده فالن ولي عهده في المسلمين، اللهم وال من وااله من العباد وعاد من ع��اداه في األقط��ار والبالد وانص��ر من نص��ره ب��الحق والس��داد واخذل من خذله بالغي والعناد، اللهم ثبت دولت��ه وش��عاره

وانبذ إلى من نابذ الحق وأنصاره(.عالمات الخالفة وشاراتها

وعالمات الخالفة ثالث: البردة والخاتم والقضيب. أما البردة فهي بردة النبي وم�ازال الن�بي )ص�لى الل�ه عليه وآله( يلبسها حتى أعطاها إلى كعب بن زه��ير بن أبي

سلمى الشاعر المشهور.

وأما الخاتم فقد اتخ��ذه الخلف��اء تش��بها ب��النبي )ص��لى الله عليه وآله(، ألنه لما أراد أن يكتب إلى قيصر وكس��رى يدعوهما إلى اإلسالم قيل له: إن العجم ال يقبلون كتاب��ا إال أن يك��ون مختوم��ا. فاتخ��ذ خاتم��ا من فض��ة ونقش علي��ه: )محمد رسول الل��ه( وانتق��ل ه��ذا الخ��اتم إلى أبي بك��ر ثم إلى عمر ثم إلى عثمان ووقع من يد عثمان في بئر أريس ولم يعثروا علي��ه بع��د ذل��ك، فاص��طنع عثم��ان خاتم��ا مثل��ه وكان كل من ولي الخالفة بعده يصطنع له خاتم��ا يختم��ون ب��ه الكتب في أس��فل الكتاب��ة أو في أعاله��ا ب��الطين أو

المداد. أم��ا القض��يب فه��و ث��الث عالم��ات الخالف��ة وإذا ت��ولى الخليفة جاءوه بالبردة والخاتم والقضيب، وظل األمر على

ذلك في بني أمية وبني العباس.وشارات الخالفة أيضا ثالث: الخطبة والسكة والطراز. أم��ا الخطب��ة فهي ال��دعاء للخلف��اء على المن��ابر في الص��الة وأص��لها أن الخلف��اء ك��انوا يتول��ون إقام��ة الص��الة بأنفس��هم فك��انوا يختم��ون ف��روض الص��الة بال��دعاء للن��بي

)صلى الله عليه وآله( والرضى عن الصحابة. ومن ش��ارات الخالف��ة ��� أو هي ش��ارات المل��ك على اإلطالق �� الختم على النق��ود بط��ابع من حدي��د ينقش في��ه اسم الخليفة أو السلطان ويق��ال له��ا الس��كة، وهي الزم��ة

للدولة. ومازال العرب يتع��املون ب��النقود الرومي��ة والفارس��ية ح���تى ظه���ر اإلس���الم وافتتح���وا البالد وأسس���وا الدول���ة اإلس��المية فعم��دوا إلى إنش��اء تم��دنهم، فك��ان في جمل��ة

عوامله السكة، فضربوا الدراهم والدنانير. على أن ه��ذه المس��كوكات لم تكن تعت��بر رس��مية في الدول اإلسالمية بل كانت أكثر معامالتهم ب��النقود الرومي��ة والفارسية، فاتفق في أي��ام عب��د المل��ك بن م��روان )س��نة

ه�( أن هذا الخليفة أراد تغيير الطراز من الرومية86 � 65 إلى العربية فشق ذلك على ملك الروم فبعث إلي��ه يه��دده بأن ينقش على دنانيره شتم النبي )صلى الله علي��ه وآل��ه( فعظم ه���ذا األم���ر على عب���د المل��ك فجم���ع إلي���ه كب���ار

المسلمين واستشارهم فأشار عليه أحدهم بمحم��د الب��اقر )عليه السالم( أحد األئمة االث��ني عش��ر من الش��يعة وك��ان يقيم في المدين��ة، فلم يش��أ عب��د المل��ك أن يس��تنجد أح��د أئمة بني هاشم وهم مناظروه في الملك لكن��ه لم ي��ر ب��دا من استقدامه فكتب إلى عامل��ه في المدين��ة أن )أش��خص إلي محم��د بن علي بن الحس��ين )عليهم الس��الم( مكرم��ا

لنفقته وأرح عليه30.000ومتعه بمائة ألف درهم لجهازه في جهازه وجهاز من يخرج مع��ه من أص��حابه( فلم��ا ق��دم محمد إلى دمشق استشاره عبد الملك في ما ينوي��ه مل��ك الروم من اإلساءة باإلسالم فق��ال محم��د )علي��ه الس��الم(: )ال يعظم هذا عليك. ادع في هذه الساعة صناعا فيضربون بين يديك س��ككا لل��دراهم وال��دنانير وتجع��ل النقش عليه��ا سورة التوحيد وذكر رس�ول الل�ه )ص�لى الل�ه علي�ه وآل�ه( أح��دهما في وج��ه ال��درهم أو ال��دينار واآلخ��ر في الوج��ه الثاني، وتجعل في مدار الدرهم وال��دينار ذك��ر البل��د ال��ذي يض��رب في��ه والس��نة ال��تي تض��رب فيه��ا تل��ك ال��دراهم والدنانير، وتعمد إلى وزن ثالثين درهما عددا من األص��ناف الثالثة التي العش��رة منه��ا وزن عش��رة مثاقي��ل وعش��رون منها وزن ستة مثاقيل وعش��رة منه��ا وزن خمس��ة مثاقي��ل فتكون أوزانها جميعا واحدا وعشرين مثق��اال، فتجزئه��ا من الثالثين فتعير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل وتص��ب ص��نجات من ق��وارير ال تس��تحيل إلى زي��ادة وال نقص��ان فتضرب الدراهم على وزن عش��رة مثاقي��ل وال��دنانير على

وزن سبعة مثاقيل(. ففعل ذلك عبد المل��ك وبعث نق��وده إلى جمي��ع بل��دان اإلسالم وتقدم إلى الناس في التعامل بها وه��دد بقت��ل من يتعام��ل بغ��ير ه��ذه الس��كة من ال��دراهم وال��دنانير. ونقش نقود بني أمية على أح��د ال��وجهين في الوس��ط: )ال إل��ه إال الله وحده ال شريك له(، وحول ذلك: )بسم الله ضرب هذا الدرهم في بلد كذا سنة كذا( وفي الوجه اآلخ��ر بالوس��ط: )قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يول��د ولم يكن ل��ه كفوا أحد( وحولها: )محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الح��ق ليظه��ره على ال��دين كل��ه ول��و ك��ره المش��ركون(.

وك��انت ه��ذه الكتاب��ة تنقش على ال��دينار وال��درهم علىالسواء.

وأما مقدار ما كانت الدولة تضربه من النقود فيختل��فكثيرا.

فق��د ورد في )نفح الطيب( أن دخ��ل دار الض��رب في األندلس بلغ من ضرب ال��دراهم وال��دنانير على عه��د ب��ني

دين��ار في200.000م��روان في الق��رن الراب��ع للهج��رة درهما، فإذا اعتبرن��ا ه��ذا ال��دخل17السنة وصرف الدينار

باعتبار واحد في المائة عن المال المضروب بلغ مقدار ما 20كان يضرب في األن��دلس وح��دها من ممال��ك اإلس��الم

مليون دينار أو نحو عشرة ماليين جنيه، وذلك نحو ض��عفي ما تض��ربه بريطاني��ا الي��وم وهي في عظم��ة مج��دها، ف��إذا أضيف إليها م��ا ك��ان يض��رب في الق��اهرة عاص��مة الدول��ة الفاطمية وفي بغداد عاصمة الدولة العباس��ية وفي غيره��ا

من المدن اإلسالمية يومئذ كان مبلغ ذلك شيئا كثيرا.الطراز

ومن ش��ارات الخالف��ة أيض��ا الط��راز وه��و ق��ديم في الدول من عهد الفرس والروم وذلك أن يرسم المل��وك أو الس��الطين أس��ماءهم أو عالم��ات تختص بهم في ط��راز أثوابهم المعدة للباسهم من الحرير أو الديباج أو اإلبريس��م كأنها كتابة خطت في نسيج الثوب، وأول من نقل الط��راز إلى العربية من مل��وك المس��لمين عب��د المل��ك بن م��روان

األموي. وأنشأ الخلفاء للط��راز دورا في قص��ورهم تس��مى دور الطراز لنسج أث��وابهم وعليه��ا تل��ك الش��ارة، وك��ان الق��ائم على النظر فيه��ا يس��مى )ص��احب الط��راز( وم��ازالت دور الطراز في الدول اإلسالمية على نحو ما تقدم حتى ض��اق نطاق تلك الدولة وضعف أمرها وتعددت فروعه��ا فتعطلت

هذه الوظيفة من أكثرها.والية األعمال

الواليات قبل اإلسالم وبعده

ي��راد بالوالي��ة اإلم��ارة على البالد في��ولي الس��لطان أو الملك من يقوم مقامه في حكومة الواليات وهي األعم��ال في اصطالحهم، وه��ذا الن��وع من الحكوم��ة ق��ديم، وك��انت الشام لما فتحها المسلمون والية واحدة من واليات الروم

( إقليم��ا تحت ك��ل11يسمونها والية الشرق وتقسم إلى ) إقليم عدة بالد، وكان لكل إقليم ح��اكم أو عام��ل والغ��الب أن يكون بطريق��ا، فلم��ا ظه��ر اإلس��الم ونهض المس��لمون للفتح كانوا إذا أرسلوا قائدا إلى فتح بل��د ول��وه علي��ه قب��ل خروجه لفتحه أو شرطوا عليه إذا فتح��ه فه��و أم��ير علي��ه، وكان ذلك شأنهم من أيام الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( فإنه أرسل في الس��نة الثامن��ة للهج��رة أب��ا زي��د األنص��اري وعم��رو بن الع��اص ومعهم��ا كت��اب من��ه ي��دعو الن��اس إلى اإلسالم وق��ال لهم��ا: )إن أج��اب الق��وم إلى ش��هادة الح��ق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو األمير وأبو زي��د على الص��الة وأخذ اإلسالم على الناس وتعليمهم القرآن والسنن( وكان ك��ذلك. وك��انت والي��ة األعم��ال في ب��ادئ ال��رأي أش��به باالحتالل العسكري منه بالتمل��ك، وك��ان العم��ال أو ال��والة عبارة عن قواد الجند المقيم بضواحي البالد المفتوحة بم��ا يعبرون عنه بالرابطة أو الحامية، وكانت الجنود اإلس��المية منقس��مة إلى ق��وات تقيم في محط��ات عس��كرية بأم��اكن

أقرب إلى طريق الصحراء منها إلى السواحل. فك��ان العم��ال في عه��د الخلف��اء ق��واد الجن��د ال��ذين افتتحوا تل��ك األعم��ال وواجب��اتهم على األك��ثر هي مراقب��ة س��ير األحك��ام في البالد ال��تي افتتحوه��ا وإقام��ة الص��الة واقتضاء الخراج، وأما أعمال الحكومة في البالد المفتوح��ة في مصر والشام والعراق فقد ظلت سائرة على ما كانت

عليه قبل الفتح إلى أواسط أيام بني أمية.اإلمارة العامة

� إمارة االستكفاء1

فإم��ارة االس��تكفاء أو إم��ارة التف��ويض هي ال��تي ك��ان يعقدها الخليفة لمن يختاره من رجاله األكفاء فيفوض إليه إمارة اإلقليم على جميع أهله ويجعله ع��ام النظ��ر في ك��ل

أموره ويشتمل نظره فيه على سبعة أمور: ��� ت��دريب الجي��وش وت��رتيبهم في الن��واحي وتق��دير1

أرزاقهم )إال إذا كان الخليفة قدرها(. � النظر في األحكام وتقليد القضاة والحكام.2 ��� جباي��ة الخ��راج وقبض الص��دقات وتقلي��د العم��ال3

فيهما وتفريق ما استحق منهما. � حماية الدين والدفاع عن الحريم.4 � إقامة حدود الشرع.5 � اإلمامة في الصالة.6 � تسيير الحج.7

وإذا كان اإلقليم المشار إليه متاخما لع��دو ت��رتب على العامل أمر ثامن هو جهاد ذلك الع�دو وقس�مة الغن�ائم فيل في المقاتلة وأخذ خمسها أله��ل الخمس كم��ا ه��و مفص��

باب الجند والمال. وكثيرا م��ا ك��ان الخلف��اء يفوض��ون إلى بعض خاص��تهم عمال من األعمال فيرسل ه��ذا من يق��وم مقام��ه في ذل��ك العمل ويبقى هو في بالد الخليفة، وأكثر ما كان يق��ع ذل��ك

في الدولة العباسية. � إمارة االستيالء2

ويراد بإم��ارة االس��تيالء أن يعق��د الخليف��ة لألم��ير على اإلقليم اضطرارا بعد أن يستولي األم��ير على ذل��ك اإلقليم بالقوة، وكان الخليفة يثبته في إمارته ويف��وض إلي��ه ت��دبير سياسته فيكون األمير باستيالئه مستبدا بالسياسة والتدبير والخليفة بإذنه منفذا ألحكام الدين. ولهذه اإلمارة ش��روط

تفرض على األمير في مقابل ذلك وهي: � حفظ منصب اإلمامة في خالفة النبوة وتدبير أمور1الملة. � ظهور الطاعة الدينية.2

��� اجتم��اع الكلم��ة على األلف��ة والتناص��ر ليك��ون3للمسلمين يد على من سواهم.

� أن تكون عق�ود الوالي�ات الديني�ة ج�ائزة واألحك��ام4فيها نافذة.

� أن يكون استيفاء األموال الش��رعية بح��ق ت��برأ ب��ه5ذمة مؤديها.

��� أن تك��ون الح��دود مس��توفاة بح��ق وقائم��ة على6المستحق.

� أن يهتم األمير في حفظ ال��دين. وألم��ير االس��تيالء7أن يستخدم الوزراء وغيرهم.

اإلمارة الخاصة

وأم��ا اإلم��ارة الخاص��ة فهي أن يك��ون األم��ير فيه��ا مقصورا على تدبير الجيش وسياسة الرعية وحماية بيض��ة اإلسالم والدفاع عن الحريم ضمن حدود معين��ة، وليس ل��ه أن يتعرض للقضاء أو األحكام ولجباية الخراج أو الصدقات في شيء ح��تى اإلمام��ة في الص��الة فربم��ا ك��ان القاض��ي أولى بها منه، والخليفة يعين لهذه اإلمارة قضاة وجباة من عن��ده، فالجب��اة يجمع��ون الخ��راج لحس��اب بيت الم��ال المركزي وهم يؤدون أعطيات الجند وغيرها مما يجمعونه،

واإلمارات الخاصة كانت قليلة إبان الدولة العباسية.الوزارة وما يتبعها

� الوزارة1

الوزارة أسمى الرتب السلطانية وليست من محدثات اإلسالم بل هي فارسية األصل اتخذها المسلمون في عهد الدولة العباسية، أما إذا أريد بالوزارة استعانة الخليفة بمن يشد أزره أو يعاونه في الحكم فهي تتص��ل بعه��د اإلس��الم، ألن النبي )صلى الله عليه وآله( نفسه كان يشاور أصحابه ويفاوضهم في مهماته العامة والخاصة. وأخذ نفوذ الوزارة في بني العباس يتقلص بتقلص نفوذ الخلف��اء ح��تى اس��تبد العمال في األعمال وتفرعت المملكة العباس��ية فأص��بحت

ال�وزارة كالخالف�ة اس�ما بال مس�مى فأس�قطوها وأب�دلوهابإمرة األمراء.

� أمير األمراء2

هو لقب منحه الخلفاء العباسيون ألم��راء بعض ال��دول اإلسالمية الصغرى التي ظهرت في القرن الراب��ع للهج��رة وما بع��ده من ب��ني حم��دان وب��ني بوي��ه، وق��د يك��ون أم��ير األمراء ملكا أو مث��ل المل��ك، وأول من لقب ب��ه ابن رائ��ق من ب��ني حم��دان وك��ان أم��ير البص��رة وواس��ط، فجعل��ه

ه��� وف��وض إلي��ه ت��دبير324الراض��ي أم��ير األم��راء س��نة المملك��ة وأم��ر أن يخطب ل��ه على المن��ابر، وخل��ع علي��ه وأعطاه اللواء وكانوا يسمونه أيضا ملك بغ��داد أو س��لطان

ه�.449بغداد، وما زال هذا اللقب في بني بويه إلى سنة � وزارة التفويض3

كانت الوزارة وزارتين وزارة تفويض ووزارة تنفيذ مثل إمارة األعمال، فوزارة التفويض أن يس��توزر الخليف��ة رجال يف��وض إلي��ه ت��دبير األم��ور برأي��ه وإمض��ائها على اجته��اده، فيت��ولى ال��وزير ك��ل ش��يء يمض��يه عن الخليف��ة إال ثالث��ة

أشياء: � والية العهد ف��إن الخليف��ة ه��و ال��ذي يعه��د إلى من1

يرى وليس ذلك للوزير. � للخليفة أن يع��زل من قل��ده ال��وزير وليس لل��وزير2

أن يعزل من قلده الخليفة. � للخليفة أن يستعفي األمة من اإلمامة وليس ذل��ك3

لل��وزير، وكث��يرا م��ا ك��ان الخلف��اء يقل��دون وزراءهم م��ع الوزارة منصبا آخر مهما كما تقلد الفضل بن سهل رئاس��ة

السيف مع الوزارة فسموه ذا الرئاستين. � وزارة التنفيذ4

أما وزارة التنفيذ فالنظر فيه��ا مقص��ور على تنفي��ذ م��ا ي��راه الخليف��ة فيك��ون ال��وزير واس��طة بين الخليف��ة وبين الرعي��ة فيمض��ي م��ا ي��أمره الخليف��ة ب��ه من تقلي��د ال��والة وتجهيز الجيوش ويعرض عليه ما ورد من مهم وتج��دد من

حدث ملم، خالفا لوزير التف��ويض فإن��ه ي��ولي ويع��زل كم��ا يشاء ويقضي ويمضي بال حد وال قياس، ويجوز للخليفة أن يستوزر وزيرين للتنفيذ أحدهما للحرب مثال واآلخر للخراج

ولكنه ال يستوزر إال وزيرا واحدا تفويضيا.السلطان

كان هذا المنصب في أوائل أمره لقب��ا ل��وزراء الدول��ة العباس��ية يلقب��ون ب��ه على س��بيل التفخيم ب��أمر الخلف��اء، وذكر ابن خلدون أن جعفر بن يحيى دعي سلطانا. ويظه��ر من مجم���ل م���ا نق���رأه في كتبهم أنهم يطلق���ون لف���ظ الس��لطان على والي بغ��داد أو والي الش��ام ولعل��ه رئيس الش��رطة أو م��ا يش��به المحاف��ظ الي��وم. وق��د يري��دون بالسلطان الخليفة نفسه، وك��ل ذل��ك على س��بيل المج��از، ولم تص��بح الس��لطنة رتب��ة رس��مية إال في أي��ام محم��ود الغزن��وي بن س��بكتكين وه��و أول س��لطان في اإلس��الم،

سمي به في أواخر القرن الرابع للهجرة. وكانوا يلقب��ون الس��الطين ��� ي��وم االحتف��ال بت��وليتهم � ألقابا تشير إلى تأييد الخالفة لهم مثل ناصر الدولة وسيف

الدولة وعضد الدولة ونحو ذلك. ،27 مثله. بحار األنوار: ج13، ص11- كنز العمال: ج1

مثله.243ص.43- سورة البقرة: 2.295، ص6- كنز العمال: ج3

وتوابعه الجند

ك��ان الن��اس في أوائ��ل أدوار تم��دنهم قبائ��ل جن��دها رجالها، إذا احتاجت إلى قتال اجتمع الرجال من كل قبيل��ة

بال نظام وال ترتيب. وأول دولة نظمت الجند الدول��ة المص��رية الفرعوني��ة.��دت جيش��ا من الزن��وج واألحب��اش ح��والي الق��رن فق��د جن العشرين قبل الميالد أخضعت بهم س��واحل البح��ر األحم��ر

لسيطرتها. أما العرب قبل اإلسالم فقد كانوا أه��ل ب��داوة ال نظ��ام للجند عن��دهم، وإنم��ا ك��انوا قبائ��ل إذا أرادت إح��داها حرب��ا جردت رجالها وفيهم الفرس��ان والمش��اة ومعهم األس��لحة

المعروفة في الجاهلية كالقوس والرمح والسيف. فلم��ا ظه��ر اإلس��الم انف��رد المس��لمون من الع��رب وغ��يرهم واتح��دوا بج��امع ال��دين ي��دا واح��دة في محارب��ة أعدائهم فكانوا كلهم جن��دا كب��يرهم وص��غيرهم، وك��ان أول جنود المسلمين المهاجرين فلما جاءوا المدينة اتح��دوا م��ع األنصار وصاروا جميعا جندا واحدا قائدهم النبي )صلى الله عليه وآله( بنفسه ورابطتهم المعاهدة والمؤاخاة وع��ددهم

يومئذ قليل جدا.تنظيم جند المسلمين في أيام بني أمية

أم���ا تنظيم الجن���د فئ���ة خاص���ة دون س���ائر فئ���ات المسلمين، فقد بدأ في أيام عمر عند تدوين الدواوين وتم في أي�ام ب�ني أمي�ة، ويظه�ر أن التجني��د اإلل�زامي ب�دأ في أواسط ه��ذه الدول��ة، وك��ان الن��اس من قب��ل ي��ذهبون إلى الحرب جهادا في س��بيل ال��دين فيص��يبون الغن��ائم والفيء

ه���( اش��تغلوا35فلما قامت الفتنة بعد مقتل عثمان )سنة بالحرب فيما بينهم مدة وكل طائفة تندفع إلى ذلك دفاع��ا عن رأيها واعتقادها بأنها تدرأ عن الحق. فلما أفضى األم��ر إلى بني أمية وصار المسلمون دولة واحدة وض��عفت ق��وة

األحزاب بتغلب العنص��ر األم��وي لم يع��د الن��اس ي��رون م��ا ي��دفعهم إلى الح��رب طوع��ا فأخ��ذوا يتقاع��دون فاض��طر

الخلفاء إلى التجنيد باإللزام. ولعل أول من فعل ذلك الحجاج بن يوس��ف على عه��د

عبد الملك بن مروان.جند األعاجم في اإلسالم

� في الدولة العباسية1

لما تولى بن��و العب��اس واحت��اجوا إلى م��ؤازرة األع��اجم في تأييد سلطانهم دخل في جن��د الع��رب جماع��ات منهم، وأول من دخ��ل في الجن��د اإلس��المي منهم آل خراس��ان ألنهم هم ال��ذين نص��روا العباس��يين في دع��وتهم وس��لموا إليهم أزمة الخالفة بقيادة أبي مسلم الخراس��اني، فك��انت ف��رق الجن��د في أي��ام المنص��ور ثالث��ا: اليمني��ة والمص��رية والخراس��انية. ثم أض��يف إليه��ا فرق��ة رابع��ة هي فرق��ة الحرس الخاص اتخذها الخلفاء خوف��ا مم��ا ك��انوا ينص��بونه لهم من الحبائ���ل أو يقيمون���ه عليهم من الث���ورات، ومن غريب هذه األعمال أن األمر الذي أراد الخلفاء أن يحفظوا

سلطانهم به كان علة خروج ذلك السلطان من أيديهم. � جند السالطين المماليك بمصر2

ك��ان جن��د الممالي��ك أخالط��ا من األت��راك والج��ركس وال��روم واألك��راد، وأك��ثرهم من الممالي��ك المبت��اعين وهم طبق��ات أعاله��ا األم��راء ومن يليهم إلى الجن��دي البس��يط، وأما األمراء فهم كالض��باط في ه��ذه األي��ام ومنهم من ل��ه

إمرة مائة فارس أو أكثر إلى ألف فارس. � الجند العثماني � االنكشارية3

وللجند العثماني تأريخ طويل يبدأ منذ تأس��يس الدول��ة العثمانية وقد بني على نظام جند السالجقة. ثم نش��أ جن��د االنكشارية المشهور أنشأه )قرة خلي��ل( أح��د كب��ار رج��ال الدولة العثمانية في زمن السلطان أورخان، وقد نظ��ر في

تنظيم��ه إلى خل��وه من عص��بية تبعث��ه على التم��رد وك��ان العثم��انيون يومئ��ذ يفتح��ون البالد وأك��ثر أهله��ا مس��يحيون فيدخل في حوزتهم جماعة من غلمان النصارى الذين قتل آباؤهم وأصبحوا ال نصير لهم وال مرجع آلمالهم فارت��أى أن يربي أولئك الغلمان تربية إس��المية وي��دربهم على الفن��ون الحربية ويجعلهم دائما جندا ال يخشى من��ه التم��رد، ألن��ه ال يعرف عصبية غير الدولة وال عمال غير الجندية وال دينا غ��ير��دهم وس��ار بهم إلى الح��اج بكط��اش ش��يخ اإلس��الم، فجن طريقة البكطاشية بأماسية ليدعو لهم فدعا لهم وس��ماهم

)يكي جري( أي الجند الجديد.أعطيات الجند

ويراد بأعطيات الجند رواتبهم التي يستولون عليها في أوقات معينة من الع��ام، وك��انت تل��ك األعطي��ات في أي��ام النبي )صلى الله عليه وآله( غير محدودة فتتبع ما يق��ع في أي��ديهم من الغن��ائم أو الفيء، فك��ان يف��رد خمس��ه للن��بي )صلى الله عليه وآله( ويفرق األربع�ة أخم��اس الباقي�ة في الص��حابة على الس��واء بال تمي��يز في الس��ابقة أو النس��ب، وجرى على ذلك أبو بكر، فلما تولى عم��ر ووض��ع ال��ديوان ميز الناس في العطاء باعتب��ار النس��ب والس��ابقة ف��رتبهم

طبقات. فلما طمع بنو أمية بالملك واحتاج معاوية إلى استنجاد العرب كان في جملة ما استخدمه في س��بيل اس��تنجادهم المال. ف��زاد في أعطي��ات الجن��د وك��ان جن��ده س��تين ألف��ا ينفق عليه ستين مليون درهم في العام. فيلحق كل رج��ل أل���ف درهم، ولم يكن معاوي���ة يعتم���د على الم���ال في استرض��اء الجن��د فق��ط ب��ل ك��ان يس��تخدمه في اص��طناع األحزاب وتخفيف ويالت المتعصبين عليه، فك��ان كث��يرا م��ا يأمر عماله بزيادة أعطيات أناس لتأليبهم على اإلمام علي

)عليه السالم(. وظل هذا شأن العطاء أيام يزيد ومروان وعبد المل��ك، وك��ان عب��د المل��ك يب��الغ في اإلنف��اق تأيي��دا ألحزاب��ه في

مقاومة دعاة الخالفة في أيامه.

وفي أواخر دولة بني أمية قلت الرواتب ح��تى ص��ارتفي آخرها خمسمائة درهم.

أعطيات الجند في الدولة العباسية

فلما آلت الخالفة إلى بني العباس جع��ل الس��فاح رزق درهم��ا في960الجن��دي ثم��انين درهم��ا في الش��هر أي )

السنة( فكأنه أرجعه إلى ما كان عليه في أوائل بني أمي��ة،وكان للفارس ضعفا هذا الراتب لينفق نصفه على فرسه.

عطاء الجند في الدولة التركية

ومازال العطاء يدفع نقدا إلى أيام الدول��ة الس��لجوقية فص��ار يعطى إقطاع��ا. وأول من فع��ل ذل��ك نظ��ام المل��ك

ه���( وزاد485الطوس��ي وزي��ر آل س��لجوق )ت��وفي س��نة للدولة السلجوقية وأدخل فيه��ا إص��الحات جم��ة، وه��و أول من أنش��أ الم��دارس في بغ��داد ول��ه فيه��ا المدرس��ة ال��تي تع��رف باس��مه )المدرس��ة النظامي��ة( وك��ان وزي��را أللب أرسالن ثم البنه ملك شاه المشهور، فصار أمر الدولة كله لنظ�ام المل�ك وليس للس�لطان إال التخت والص�يد، فأق�ام

على ذلك عشرين سنة. واختلفت غالت األمراء من إقطاعاتهم، فقد بلغت غلة إقط���اع بعض أك���ابر األم���راء في دول���ة الممالي���ك نح���و

دينار ويليهم من غلتهم نصف ذلك أو ربعه.200.000 وأما أمراء العشرات فنهايتها سبعة آالف دينار إلى م��ا

1500دون ذلك أما جند الخليفة فمنهم من يبل��غ إقطاع��ه دينارا.250دينار وما دون ذلك إلى

عدد الجند قلنا إن المسلمين كانوا في ص��در اإلس��الم كلهم جن��دا فعددهم يومئذ هو عدد الجن��د اإلس��المي، فالجن��د ك��ان في السنة األولى للهجرة ال يزيد على بض��ع عش��رات يقيم��ون في المدين���ة ثم ازدادوا بمن اعتن���ق اإلس���الم من قبائ���ل العرب، وفي حديث أخرجه البخاري أن الن�بي )ص�لى الل�ه

عليه وآله( قال )اكتب��وا لي من تلف��ظ باإلس��الم فكتبن��ا ل��هألف وخمسمائة(.

وفي غزوة تب��وك في الس��نة التاس��عة للهج��رة ��� وهي آخ��ر الغ��زوات ��� بل��غ ع��دد المس��لمين ثالثين ألف��ا ومعهم عشرة آالف فرس، فذلك عدد الجند في أواخر أيام الن��بي )صلى الله عليه وآله( ثم تزايد ع��ددهم في أي��ام أبي بك��ر وعمر حتى زادوا على مائة وخمسين ألفا، وتض��اعف ذل��ك

العدد في أواخر أيامهم. وفي أوائل بني أمية بلغ عدد من في البصرة والكوف��ة

ألف��ا في البص��رة و80 منهم 140.000من الرجال فقط بين200.000 ألف���ا في الكوف���ة، ومعهم من العي���ال 60

نساء وأوالد، وكان في مصر أربعون ألف��ا م��ا ع��دا العي��ال،وكان جند الشام نحو ذلك، غير من في فارس وغيرها.

روى ابن خلدون أن المعتص��م ن��ازل عموري�ة في جن�د وال غراب���ة في ذل���ك إذا اعتبرن���ا ع���دد900.000ع���دده

الحامية في الثغور الداني��ة والقاص��ية ش��رقا وغرب��ا، فض��ال عن المصطنعين والموالي والخاصة، فق��د أحص��يت خاص��ة

( ألفا.33المأمون من بني العباس وحدهم فبلغوا )مساكن الجند

ك��ان المس��لمون في ص��در اإلس��الم )وهم الجن��د( إذا فتحوا بلدا جعل��وا مس��اكنهم في بعض ض��واحيه، وك��انوا ال

يقيمون في مكان بينه وبين المدينة بحر أو نهر. ه� تولى مص��ر257وبعد ذلك بقرن وبعض القرن سنة

أحم���د بن طول���ون وأك���ثر من الجن���د والحاش���ية واآلالت فض��اقت الفس��طاط دون��ه فأنش��أ معس��كرا بج��وار جب��ل المقطم وب��نى لنفس��ه في��ه قص��را ومي��دانا وأم��ر غلمان��ه وأتباعه أن يبنوا فبنوا حتى اتصل البناء بالفس��طاط وص��ار المكان مدينة سميت القطائع. وفعل مثل ذلك جوهر قائ��د

ه�365الفاطميين لما جاء لفتح مصر بعد قرن وبضع سنة فإنه أنزل جنده بفسح المقطع خارج القطائع والفسطاط، ولم��ا فتح البالد أنش��أ في ذل��ك المعس��كر مدين��ة الق��اهرة

الباقية إلى اآلن.

اللواء أو الراية

اللواء والراية شيء واحد وربما كان الل��واء أص��غر من الراية، أو أن الراية تس��مى ل��واء إذا عق��دت للح��رب وهي

األعالم أو البنود أو البيارق في اصطالح هذه األيام. وفي الس��يرة الحلبي��ة أن المس��لمين في غ��زوة ب��در الكبرى كانت لهم ثالث رايات إح��داها بيض��اء دفعه��ا الن��بي )صلى الل�ه علي��ه وآل�ه( إلى مص�عب بن عم�ير واألخري�ان س���وداوان إح���داهما حمله���ا علي بن أبي ط���الب )علي���هالسالم( ويقال لها العقاب، واألخرى مع رجل من األنصار.

ولم��ا ج��اء اإلس��الم وانتش��ر الع��رب في أنح��اء الش��ام وف��ارس ومص��ر وتع��ددت دولهم وقب��ائلهم ك��ثرت ض��روب األلوية عندهم وتنوعت أشكالها وتعددت ألوانه��ا وأطالوه��ا

وسموها بأسماء مختلفة. عق��د أب��و مس��لم الخراس��اني عن��د قيام��ه بال��دعوة العباسية لواء بعث به إليه إب��راهيم اإلم��ام ي��دعى )الظ��ل( على رمح طوله أربعة عش��ر ذراع��ا. وعق��د راي��ة ك��ان ق��د بعث بها إليه اسمها )السحاب( على رمح طوله ثالثة عشر

ذراعا إرهابا للناس.ألوان الرايات

ال نعرف ما هي ألوان الرايات في الجاهلية سوى راية العقاب فقد تق��دم أنه��ا ك��انت س��وداء وك��ذلك ك��انت راي��ة النبي )صلى الله عليه وآله(. وذكر صاحب )آثار األول( أنه كانت له أيض��ا ألوي��ة بيض��اء، أم��ا الراي��ات اإلس��المية فق��د كانت ألوانها تختلف باختالف الدول فكانت أعالم بني أمية حم��راء، وك��ل من دع��ا إلى الدول��ة العلوي��ة فعلم��ه أبيض، ومن دعا إلى ب��ني العب��اس فعلم��ه أس��ود والس��واد ش��عار العباسيين على اإلطالق اتخ��ذوه حزن��ا على ش��هدائهم من بني هاش��م ونعي��ا على ب��ني أمي��ة في قتلهم وله��ذا س��موا

المسودة.عقد اللواء

كان الخلف��اء في ص��در اإلس��الم إذا وجه��وا جيش��ا إلى حرب عقدوا ل�ه األلوي�ة وس�لموها إلى األم��راء لك�ل أم�ير

راية قبيلته ويدعو لهم بالنصر ويوصيهم بالصبر والتجلد.الموسيقى

واتخاذ الموسيقى في الجند قديم واألصل في اتخاذه��ا تشجيع الجند أثن��اء الح��رب أو ش��غل أذه��انهم عن التفك��ير باألخطار. وكان المسلمون في صدر اإلسالم يتجافون عن اتخ��اذ األب��واق والطب��ول تنزه��ا عن غلظ��ة المل��ك ورفض��ا

ألحواله.السالح

أش��هر أس��لحة الع��رب في الجاهل��ة الس��يف وال��رمحوالقوس والترس.

وك��ان لهم ب��القوس مه��ارة عظمى لح��دة أبص��ارهم بس��بب س��كناهم للبادي��ة وألنهم أح��وج إليه��ا من س��ائر األسلحة، فقد كانوا يس��تخدمونها في ص��يد الغ��زالن فض��ال عن الحرب والطعان، وبلغ من مهارتهم في النزع بالقوس ما يكاد يفوق حد التصديق حتى ل��و أراد أح��دهم أن ي��رمي

إحدى عيني الغزال دون العين األخرى لرماها. وك��ان الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( يق��ول: )اركب��وا

(، ومن أقوال��ه )ص��لى1وارم��وا أحب إلي من أن تركب��وا() الله عليه وآله(: )كل لهو المؤمن في ثالث: تأديبه فرس��ه، ورميه عن كبد قوسه، ومالعبته امرأته فإن��ه ح�ق، إن الل�ه ليدخل الجنة بالسهم الواح��د عامل��ه المحتس��ب، وال��رامي

(، ومن أقواله )صلى الل��ه علي��ه وآل��ه( �2في سبيل الله() وهو قائم على المنبر �: )أعدوا م��ا اس�تطعتم من ق�وة، أالإن القوة الرمي، أال إن القوة الرمي، أال إن القوة الرمي(

(3.) وكان العرب يعدون السيوف أشرف األس��لحة، وك��انوا يستجلبونها من الخارج وأشهرها السيوف اليمانية والهندية والسليمانية والشامية والخراسانية وتعرف كلها بالس��يوف العتيقة. غير أن هذه السيوف أك��ثر قطعه��ا في اللين ف��إذا

صادفت الحديد أو اليابس تقصفت، وكانت أس��ياف ال��روم أمتن منها ألنهم كانوا يجيدون ص��نعها ح��تى ت��بري الحدي��د، ولذلك كان العرب إذا أص��ابوا س��يفا قاطع��ا تن��اقلوا خ��بره وأطروه، وقد اشتهر في أوائل اإلس��الم س��يف ذي الفق��ار

لعلي بن أبي طالب )عليه السالم(. وأكثر ما يكون استخدام الرمح على الخيل، ولكنهم لم

يكونوا يأمنون له، خوف انكساره. وكان الترس عند العرب على أصناف كل منه��ا يص��لح لش��يء، فمنه��ا المس��طح، والمس��تطيل المحف��ر الوس��ط، والمقبب، فالمقبب منحني األطراف، ولك��ل ت��رس فائ��دة. وتفنن المس��لمون في اص��طناع ال��تروس ونقش��وا عليه��ا

اآليات والحكم واألشعار. وال��دروع كث��يرة عن��د الع��رب ومنه��ا الحدي��د والف��والذ والكت��ان، ويس��مون درع الكت��ان )دالص( ولم يكن يقت��ني الدروع من العرب غالبا إال الفرسان، وهي من صنع الروم

أو الفرس على الغالب. تلك كانت أسلحة العرب في أوائل اإلسالم ثم أض��افوا إليها شيئا من أسلحة األع��اجم ك��الخنجر والط��بر والف��أس

وغيرها، وتفننوا في صنعها تبعا للزمان والمكان.آالت الحصار

ولم يكن للع�����رب آالت للحص�����ار ألنهم لم يكون�����وا يحاصرون، وإنم��ا ك��انت من��ازلهم الخي��ام طلق��ة ال يحميه��ا سور وال خندق، وأول خندق بناه العرب خندق المدينة يوم

ه�( أشار به سلمان الفارسي.5حرب األحزاب )سنة المنجنيق

هي آل��ة قذاف��ة اس��تخدمها الفي��نيقيون ق��ديما وأخ��ذها عنهم اليونان، وقد رأينا في السيرة الحلبية أن المس��لمين اس��تخدموها في حص��ار الط��ائف أرش��دهم إليه��ا س��لمان الفارسي في جمل��ة م��ا أرش��دهم إلي��ه من فن��ون الح��رب الفارسية ويقال أن��ه ص�نعه لهم بي��ده، وذك�ر ص�احب ه��ذه

السيرة أيضا أن المسلمين لما فتحوا الحصن الص��عب فيخيبر وجدوا فيه مناجيق ودبابات.

فكانوا يستخدمون المنجنيق لهدم الحص��ون بالحج��ارة الضخمة، أو لرمي األعداء بالنبال، أو إلحراق أماكن الع��دو بالنفط ونح��وه فيرس�لون ب��ه نفط�ا مولع��ا بالن�ار يقذفون��ه بواس��طة كف��ة من ال��زرد يجعل��ون به��ا األوعي��ة الممل��وءة بالنف���ط كالق���دور ونحوه���ا أو يرس���لونها بمنج���نيق رمي

الحجارة أو غيرها.الدبابة

هي آل��ة س��ائرة تتخ��ذ من الخش��ب الثخين المتل��زز وتغل��ف ب��اللبود أو الجل�ود المنقع�ة في الخ��ل ل��دفع الن��ار. وهي أق��دم من المنج��نيق اس��تخدمها المص��ريون الق��دماء واآلش��وريون فاليون��ان فالروم��ان والف��رس فالمس��لمون، وهي عبارة عن قلعة سائرة على العجل يهجمون بها على

األسوار لمحاربة المحاصرين من أعلى السور.الكبش

هو كالدبابة لكن رأس��ه في مقدم��ه مث��ل رأس الكبشن الرج��ال في داخل��ه ويس��تخدمون الكبش له��دم ويتحص��

األسوار. واس��تخدم المس��لمون الدباب��ة والكبش في كث��ير من حروبهم لتسلق األسوار وهدمها أو خرقها، وكانوا يجعل��ون في الجيش عدة دبابات أكثرها صغير الحجم تسع الواح��دة بض��عة رج��ال تتف��رق ح��ول األس��وار، واس��تخدم الخليف��ة المعتص��م بالل��ه ال��دبابات في فتح عموري��ة فعم��ل منه��ا

دبابات تسع كل واحدة عشرة رجال.النار اليونانية

ومما اقتبسه العرب من الروم النار اليونانية وهي في األصل من اختراع المشارقة، فقد كان ه��ؤالء يس��تخدمون في حروبهم مزيجا سريع االشتعال لم يعرفه أهل أورب��ا إال

في القرن السابع عشر للميالد.

وفي المكتب��ة األهلي��ة بب��اريس مس��ودة خطي��ة قديم��ة عليها صور رجال من العرب بعضهم على الخي��ول والبعض مشاة وفي أيديهم خرق مشتغلة بالنار اليونانية يرمون بها

األعداء وكانوا يسمون النار اليونانية )النفط القاذف(.اختراع البارود

وهناك اختراع ذو بال ينس��ب فض��له إلى اإلف��رنج وه��و للعرب، والصحيح أن الع��رب أس��بق الن��اس إلى اس��تخدام البارود، وفي مكتبة بطر سبورج مسودة عربية فيها صورة رجلين من العرب يش��تغالن في األس��لحة الناري��ة أح��دهما يحمل ما يش��به البندقي��ة والب��ارود داخله��ا وق��د أدناه��ا من

لهيب أمامه حتى يولع البارود ويقذف القنبلة.المدافع

هي أن���ابيب ترس���ل به���ا المق���ذوفات كم���ا ترس���ل ب��المنجنيق، لكنه��ا في ه��ذا ترس��ل بحرك��ات ميكانيكي��ة كالمقاليع واألوتار ونحوها، وأم��ا في الم��دافع فإنه��ا تق��ذف

بالبارود. وأول من أتقن استخدام المدافع في الدول اإلس��المية الدول��ة العثماني��ة، وبه��ا اس��تعانوا على فتح القس��طنطينية

وفي كثير من الفتوح والحروب.1453سنة تعبئة الجيوش

إن نظ��ام الجن��د ك��ان عن��د األمم المتمدن��ة الص��فوف والكتائب وأما الع��رب في ج��اهليتهم فق��د ك��انوا على غ��ير

نظام. فلما ظهر اإلسالم كان في جملة أوامره ترتيب الناسذين ص���فوفا في الح���رب عمال باآلي���ة: ) إن الل���ه يحب ال

وص() ��ان مرص�� هم بني ��أن (، وفي4يقاتلون في سبيله صفا ك الحديث: )المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه

(. وبن��اء على ذل��ك ك��انت ح��روب المس��لمين في5بعضا() أيام النبي )صلى الله عليه وآله( ص��فوفا وه��و م��ا يع��برون

عنه بالزحف، فكانوا يسوون كما تسوى الص��فوف للص��الةويمشون بصفوفهم إلى العدو قدما واحدة.

وك��ان الجن��د في أي��ام الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( ي��ترتب ص��فا أو ص��فين تبع��ا للك��ثرة والقل��ة، فلم��ا تك��اثر المس��لمون في أي��ام الخلف��اء ص��اروا يجعلون��ه ص��فوفا يرتبونها باعتب��ار أس��لحتها واألح��وال المحيط��ة به��ا، وإلي��ك وصية علي بن أبي طالب )عليه السالم( لجنده يوم واقعة

ه�( فإنها تنطوي على خالصة نظ��ام الجن��د37صفين )سنة في الحرب قال:

)فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وق��دموا ال��دارع وأخروا الحاسر وعضوا على األضراس فإنه أنبى للس��يوفنة عن الهام، والتووا على أطراف الرماح فإنه أصون لألس��وا األبص��ار فإن��ه أرب��ط للج��أش وأس��كن للقل��وب، وغض�� وأخفت��وا األص��وات فإن��ه أط��رد للفش��ل وأولى بالوق��ار، وأقيم���وا راي���اتكم فال تميلوه���ا وال تجعلوه���ا إال بأي���دي ش��جعانكم واس��تعينوا بالص��دق والص��بر فإن��ه بق��در الص��بر

(.6ينزل النصر() وبعد رس��وخ المس��لمين في المدين��ة تفنن��وا في تعبئ��ة الجيوش بما اقتبسوه من فنون الحرب عن��د الق��دماء بع��د ترجمة كتبهم أو دراستها، وتعددت ضروب التعبئ��ة عن��دهم حتى ص��ارت س��بع تعبئ��ات وإن ك��انوا ال يس��تعملونها كله��ا

ولكنهم أدخلوها في فنونهم الحربية.المعسكر

أما تنظيم المعسكر فلم يكن له علم خاص في أوائ��ل اإلسالم بل كان العرب يجرون في نصب خيامهم وترتيبه��ا على ما كانوا في ج��اهليتهم، فيك��ون فس��طاط األم��ير في الوس��ط وحول��ه فس��اطيط األم��راء والخاص��ة، وإذا ك��انت النساء واألوالد معهم جعلوهم وراء المعسكر ولم��ا أبطل��وا حم��ل العي��ال معهم جعل��وا يقل��دون ال��روم والف��رس في مضاربهم وتفننوا في ذلك على ما اقتض��ته األح��وال، فلم��ا تعددت فرق الجند وك��ثرت الحاش��ية والممالي��ك والخدم��ة��اب والفقه��اء واألطب��اء صار المعسكر أشبه ببل��د في��ه الكت

والكحالون وأصحاب الطب��ول واألتب��اع وغ��يرهم فض��ال عنأصناف الجند.

مناداة الجند

��أ الجيش للقت��ال ن��ادى كانوا في أوائل اإلس��الم إذا تهي ق��واده: )النف��ير النف��ير( ولم��ا تم��دن المس��لمون وتع��ددت أجزاء جندهم وتن��وعت حرك��اتهم جعل��وا لك��ل حرك��ة ن��داء

�1خاص��ا ي��دل لفظ��ه على الم��راد ب��ه وه��ذه أس��ماؤها: �5 � تسوية االنفت��ال. 4 � االنفتال. 3 � االنقالب. 2الميل.

�8 ��� تق��اطر. 7 ��� اس��تدارة ك��برى. 6اس��تدارة ص��غرى. � اس��تدارة مطلق��ة.10 � رجوع إلى االستقبال. 9اقتران.

�� أتب�اع الميس�رة.13 � أتب��اع الميمن��ة. 12 � أضعاف. 11 ��� جيش16 ��� جيش مس��تقيم. 15 ��� جيش مخ��وف. 14

��� رادف��ة.20 � حشو. 19 � تقدم. 18 � أرض. 17مؤرب. � ترتيب بعد ترتيب.21

شعار الجند

كان للعرب في جاهليتهم ألفاظ يتعارفون بها في أثناء الحرب يسمونها الش�عار، وجع��ل الن��بي )ص�لى الل��ه علي��ه وآله( لك��ل من المه��اجرين واألنص��ار ش��عارا فك��ان ش��عار المهاجرين )يا بني عبد ال��رحمن(، وش��عار األوس )ي��ا ب��ني عبيد الله(، وشعار الخزرج )يا بني عبد الله( وس��مى خيل��ه )خيل الله( وك��ان المس��لمون بع��د ذاك يجعل��ون لجن��ودهم

شعارا يتعارفون به على نحو ما تقدم.الثغور والعواصم

الثغور يراد به�ا ح��دود المملك��ة اإلس�المية ب��را وبح��را، وكان المسلمون يخرجون منها كل س��نة للغ��زو في البح��ر والبر جهادا في سبيل اإلس��الم، وك��ان الجه��اد فرض��ا على

المسلمين يحرضهم الخلفاء عليه. ف��إن الخلف��اء لم يقتص��روا على حف��ظ مملكتهم ب��ل جعلوا غزو الممالك المالصقة لها فرضا واجب��ا عليهم وه��و من قبيل الجهاد في سبيل الله كما قدمنا، وك��ان من أك��ثر

الخلفاء رغبة في ذلك بنو العباس، فإنهم لم��ا اس��تتب لهم األم��ر ودانت لهم المملك��ة اإلس��المية تحول��وا إلى الغ��زو فكانوا في أوائل دولتهم يرسلون بعض القواد لغزو ال��روم كل سنة كما يرس��لون من يحج بالن��اس ثم ص��اروا يغ��زون

بأنفسهم.ركوب البحر

لم يركب الع��رب البح��ر قب��ل اإلس��الم إال م��ا ك��ان من سفن حمير وسبأ في أيام التبابعة ألنهم ك��انوا أه��ل تج��ارة في البر والبحر، وأما ع��رب الحج��از ف��إنهم ك��انوا يخ��افون البحر وال يجسرون على ركوبه، وذلك شأن البدو إلى ه��ذا اليوم، فلما ظه��ر اإلس��الم وخفقت أعالم المس��لمين على سواحل الشام ومصر رأوا سفن الروم وش��اهدوا ح��روبهم فيه��ا فت��اقت أنفس��هم للغ��زو في البح��ر، وأول من ركبالبحر منهم العالء بن الحضرمي وكان عامال على البحرين.

األساطيل في اإلسالم

ولم يكن للعرب معرف��ة في المالح��ة فاس��تخدموا أوال من ك��ان في ح��وزتهم من ال��روم وفيهم أه��ل الص��ناعة والنواتية فأنشأوا لهم السفن وشحنوها بالرج��ال والس��الح ومألوها بالعساكر والمقاتلة لغزو م��ا وراء البح��ار، وس��موا

(Stolosمجم��وع الس��فن أس��طوال وه��و لف��ظ يون��اني ) عربوه، وجعلوا مقر أساطيلهم بحر الروم خاصة، واشترك في مالح��ة البح��ر منهم أه��ل الش��ام وأفريقي��ة واألن��دلس وأنش��أوا دور الص��ناعة )الترس��انة( في تل��ك البالد لبن��اء

السفن وإعداد معداتها.الفداء

وأول من افت��دى أس��رى المس��لمين بالم��ال ه��ارون ه��� وك��ان الف��داء قبل��ه يق��ع189الرش��يد العباس��ي س��نة

وكله��ا في أي��ام13بالمبادلة النفر بالنفر. وأش��هر األفدي��ة ه�335بني العباس آخرها جرى في أيام المطيع لله س��نة

50وبلغ عدد الذين افتداهم الخلف��اء في ه�ذه الم��دة نح�و ألف نفس.

األساطيل المصرية

ولم��ا دخلت مص��ر في ح��وزة العبي��ديين )الف��اطميين( مل��وك أفريقي��ة ب��ذلوا عن��ايتهم في إنش��اء األس��اطيل في اإلس��كندرية ودمي��اط ومص��ر وبلغت الجن��ود البحري��ة في

أيامهم خمسة آالف لهم الرواتب المعينة. وكانوا يحتفلون في إخراج األسطول إلى الغزو احتفاال شائقا يحضره الخليفة فيجلس في منظرة مع��دة ل��ه على س��احل الني��ل ب��المقس خ��ارج الق��اهرة ل��وداع األس��طول، فيجيء القواد بالمراكب إلى هن��اك وهي مزين��ة بأس��لحتها وبنودها وفيها المناجيق فيرمي بها فتخدر الم��راكب وتقل��ع وتفعل ما تفعله لو كانت في ح��رب وه��و م��ا يع��برون عن��ه

اليوم بالمناورة.فتوح المسلمين البحرية

وك��ان لألس��اطيل ت��أثير كب��ير في توس��عة المملك��ة اإلسالمية ألنهم فتح��وا به��ا أش�هر ج��زر بح��ر ال�روم ومنه��ا سردانية )سردينيا( وصقلية )سيسيليا( ومالطة واقريطش )كريد( وقبرص وغيره��ا، وفتح��وا كث��يرا من ش��واطئ ه��ذا البحر مما يلي أوربا وسارت أس��اطيلهم في��ه جائي��ة ذاهب��ة وعليها العساكر اإلسالمية تجوز البح��ر من ص��قلية إلى ب��ر إيطالي��ة في الش��مال فتوق��ع بمل��وك اإلف��رنج وتثخن في ممالكهم، وخصوصا في أي��ام ب��ني الحس��ن مل��وك ص��قلية

القائمين فيها بدعوى الفاطميين..50، ص�5 الكافي: ج1� المصدر السابق.2.349، ص�4 كنز العمال: ج3.�4 سورة الصف: 4.150، ص�54 بحار األنوار: ج5 مثله.3، ص�2 نهج البالغة: ج6

المالية الموارد

الصناعة دار

يراد بدار الصناعة عندهم ما نعبر عنه اليوم بالترس��انة أو الترسخانة وهما منقولت��ان عن تل��ك، وك��انت تص��نع في هذه الدور المراكب على أنواعها ومنه��ا النيلي��ة والحربي��ة، فالنيلية كانوا ينش��ئونها لتم��ر في الني��ل من أعلى الص��عيد إلى مص��اب الني��ل تحم��ل الغالل وغيره��ا، والحربي��ة هي م�راكب الح�رب لحم�ل المقاتل�ة للجه�اد وهي ال�تي يق�ال

لمجموعها األسطول.الصدقة

الص��دقة والزك��اة لفظ��ان مترادف��ان، وهي تؤخ��ذ من أغنياء المسلمين وتفرق في فقرائهم وقد ذكرنا أصلها في ما تقدم، وللصدقة ديوان في مركز الخالفة ل��ه ف��روع في سائر الواليات والبلدان، ويستقل ولي الصدقة في كل بل��د باالس��تيالء على أم��وال الص��دقة من أغني��اء ذل��ك البل��د

وتفريقها على فقرائه.الجهات التي تصرف فيها الزكاة

وأما الجهات التي تصرف فيها أموال الزكاة فق��د ج��اءدقات للفق��راء م��ا الص�� ذكرها ص��ريحا في الق��رآن وه��و )إنقاب فة قلوبهم وفي الر والمساكين والعاملين عليها والمؤل

بيل() (.1والغارمين وفي سبيل الله وابن السالغنيمة

الغنيمة ما يكس��به المس��لمون بالقت��ال وتش��تمل على أربعة أقسام: أس��رى وس��بي وأرض��ين وأم��وال. فاألس��رى هم الرجال المقاتلون ال��ذين يقع��ون في األس��ر، ولهم في

الشريعة اإلسالمية شروط وأحكام.

وأما السبي فهم النس��اء واألطف��ال ال��ذين يقع��ون في أي���دي المس���لمين فال يج���وز قتلهم وإنم���ا هم من جمل���ة

الغنائم ويجوز قبول الفدية عنهم. أم��ا األم��وال المنقول��ة فهي م��ا يمكن نقل��ه كالماش��ية والم��ال وهي تف��رق في المقاتل��ة، وك��انت تف��رق في أول

اإلسالم بال قاعدة فكان النبي يقسمها على ما يراه. وأول غن��ائمهم غن��ائم ب��در في الس��نة الثاني��ة للهج��رة فتنازع المه�اجرون واألنص�ار في اقتس�امها ففرقه�ا الن�بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( فيهم على الس��واء وه��و كواح��دم��ا منهم. ثم ج��اء األم��ر ب��التخميس في اآلي��ة: )واعلم��وا أن��ذي الق��ربى سول ول غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللر

بيل() (.2ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن الس وأول غنيمة خمست على ه��ذه الص��ورة غنيم��ة غ��زوةمت أمواله��ا إلى خمس��ة ب��ني قينق��اع بتل��ك الس��نة فقس�� أقسام تفرقت أربعة منها في المقاتلة، والخمس الخامس

كان للنبي )صلى الله عليه وآله(. ويع��د من قبي��ل األم��وال أيض��ا األس��الب وهي ثي��اب القتلى أو أس��لحتهم فه��ذه ك��انوا يفرقونه��ا بين المق��اتلين

فيأخذ كل رجل أسالب الذي قتله. وأما األراضي التي كانت تقع في أيديهم عنوة أو صلحا

فلها أحكام خاصة مذكورة في كتب الفقه.الفيء

هو سائر ما بقي من أموال بيت الم��ال، وفي الش��رع: )الفيء كل مال وصل من المشركين عفوا من غ��ير قت��ال وال بإيجاف خيل وال رك��اب( وق��د بين في الق��رآن أن��ه لل��ه

والرسول.الجزية

الجزي��ة والخ��راج متش��ابهان بأنهم��ا يؤخ��ذان من غ��ير المسلمين وهما من جملة أم��وال الفيء ويجبي��ان بأوق��ات معينة كل س��نة، ولكنهم��ا يختلف��ان ب��أن الجزي��ة موض��وعة

على الرؤوس وتسقط باإلسالم وأما الخراج فه��و موض��وععلى األراضي فال يسقط.

والجزية ليس��ت من مح��دثات اإلس��الم ب��ل هي قديم��ة من أول عهد التمدن القديم، وقد وضعها يون��ان أثين��ا على سكان سواحل آسيا الصغرى حوالي القرن الخ��امس قب��ل

الميالد مقابل حمايتهم. أما مقدار الجزية في اإلسالم فق��د ك��ان الن��بي )ص��لى الله علي��ه وآل��ه( يق��درها بحس��ب األح��وال وعلى مقتض��ى

التراضي الذي كان يقع بين المسلمين وأعدائهم. وتقبل الجزية من غير المسلمين أيا ك��انوا إال إذا ك��انوا من العرب عبدة األوثان أو من المرت��دين، فه��ؤالء ال يقب��ل منهم إال اإلس���الم أو الس���يف. أم���ا النص���ارى واليه���ود والمجوس وعبدة األوثان من العجم فيقب��ل منهم اإلس��الم

أو الجزية أو السيف، له تفصيل مذكور في الفقه.الخراج

والخ���راج م���ا يوض���ع من الض���رائب على األرض أو محصوالتها وهو أقدم أنواع الضرائب، واألص��ل في وض��عه أن الناس كانوا يعتبرون األرض ملك��ا للس��لطان أو المل��ك

وهذا االعتقاد قديم جدا. وعلى هذا المبدأ كان الرومان يضعون الض��رائب على أراضي مملكتهم، وفي جملتها مصر والشام وغيرهما مم��ا

فتحه المسلمون من بالدهم. فلما ظهر المسلمون وفتح��وا الش�ام ومص��ر والع��راق وغيرها أقروا الدواوين على م��ا ك��انت علي��ه من قب��ل ولم��اب ال��دواوين من أه��ل البالد ��روا فيه��ا ش��يئا، وظ��ل كت يغي أنفسهم من النصارى والمجوس كما كانوا في عهد ال��دول

السابقة. وينقل مما ذكره المقري��زي أن جباي��ة خ��راجهم ك��انت بالتعديل وهو ما يعبرون عنه بالمقاسمة، إذا عمرت القرى

وكثر أهلها زيد خراجهم وإن قل أهلها وخربت نقصوه. أم��ا ملكي��ة األرض فظلت كم��ا ك��انت علي��ه في أول اإلسالم أي أن األرض ملك لإلم�ام، وأن الن�اس يس�تغلونها

وللحكوم��ة ح��ق من غلتهم. ه��ذا في المفت��وح عن��وة وهيملك المسلمين أما سائر األراضي فألربابها.

ارتفاع الخراج

ويراد به مقدار ما يجتمع من خراج البالد في كل عام.وهو أمر يعسر تعيينه الختالفه باختالف الزمان والمكان.

فالسواد بلغ ارتفاع خراجه في أيام عم��ر بن الخط��اب ملي��ون درهم. وفي أي��ام عبي��د الل��ه بن120ه�( 20)سنة

ملي��ون درهم. وفي أي��ام135ه���( 62زي��اد )نح��و س��نة مليون درهم. وجب��اه188ه�( 85الحجاج بن يوسف )سنة

ملي��ون درهم.120ه���( 100عم��ر بن عب��د العزي��ز )س��نة مليون درهم سوى طعام100وكان ابن هبيرة بعده يجبيه

الجند وأرزاق المقاتلة. ثم كان يوسف بن عمر يحمل من��ه ملي��ون درهم70 ملي��ون درهم إلى 60إلى دار الخالف��ة

ملي��ون وعلى160وينف��ق على من مع��ه من جن��د الش��ام البريد: أربعة ماليين وعلى الط��وارق ملي��وني درهم ويبقى عنده للنفقة على بيوت األح��داث والعوات��ق عش��رة ماليين فكان مجموع جباية الس��واد على أيام��ه نح��و مائ��ة ملي��ون

درهم.ضرائب أخرى

وك��ان من م��وارد األم��وال في الدول��ة اإلس��المية غ��ير خ��راج األراض��ي وعش��ورها والص��دقات والجزي��ة أعش��ار والسفن وأخماس المع��ادن والم��راعي وغل��ة دار الض��رب والمراص��د والض��ياع وأثم��ان الم��اء وض��رائب المالح��ات

واآلجام وغيرها مما يعد من قبيل الخراج. ومن الضرائب التي كانت تؤخذ )المكوس(، فلما ظهر اإلسالم أق��ره عم��ر بن الخط��اب وك��انت ه��ذه الض��ريبة ال تؤخذ من التاجر إال إذا انتقل من بالده إلى بالد أخرى، ولم

يرج المكس في اإلسالم ألن أهل الورع كانوا يكرهونه.اإلقطاع

ومما يلحق بالخراج أيضا مال القطائع، واإلقطاع قديم في الدول، وأصله أن المل��ك إذا فتح بالدا وأراد اس��تبقاءها واستغاللها فرقها على قواده في مقاب��ل ح��ربهم وأتع��ابهم كأنها أج��رة لهم، ويؤي��د ذل��ك أن أص��ل لف��ظ اإلقط��اع في اإلفرنجية معناه األجرة، والق��واد يفرق��ون تل��ك األرض في ض���باطهم وه���ؤالء يفرقونه���ا في العس���اكر أو من يق���وم

مقامهم. أم��ا في اإلس��الم فاإلقط��اع ك��ان على كيفي��ة أخ��رى، وينقل مما كتبه أبو يوسف أن األرض ال��تي تق��ع في أي��دي المسلمين وليس لها مالك يطالب بها، كاألرض التي تكون لحاكم البالد قبل فتحها أو تكون لرجل قتل في الح��رب أو أن تكون من مغيض ماء أو نحو ذل��ك، فه��ذه األص��ناف من األرض كان الخلفاء يجيزون إقطاعه��ا لمن ش��اءوا على أن ي��ؤدي عش��ر ماله��ا ل��بيت الم��ال أو أك��ثر أو أق��ل على م��ا

يتراءى للخليفة..�60 سورة التوبة: 1.�41 سورة األنفال: 2

ووسائله البريد

يراد بالبريد في الدول اإلسالمية غير ما ي��راد ب��ه اآلن، فقد ك��ان ص��احب البري��د أو ص��احب الخ��بر أش��به ب��رئيس البوليس السري أو رقيب أصحاب األعم��ال، أو ه��و عب��ارة عن جاس��وس الخليف��ة أو األم��ير أو عين��ه الباص��رة وأذن��ه السامعة ينقل إليه أخبار عماله أو مساعي أعدائه، فالبريد

من هذا القبيل أشبه بقلم المخابرات في وزارة الحربية. وكان الخلفاء ال يولون البريد إال ثقتهم من أهل التعقل والدراية ألن على ما ينقلون��ه من األخب��ار تتوق��ف عالق��ات الخلف��اء بعم��الهم أو بمعاص��ريهم، وك��ان كس��رى ال ي��ولي

البريد إال أوالده.مصلحة البريد

وأول من اتخذها من المسلمين معاوية بن أبي سفيان اقتداء بمن كان قبله في الشام أو ما أشار عليه به عمال��ه في الع��راق، وك��ان الغ��رض من��ه في أول وض��عه س��رعة إيصال األخب��ار بين الخليف��ة في الش��ام وعمال��ه في مص��ر والعراق وفارس. ثم توسعوا فيه حتى جعلوه عينا للخليفة على عمال��ه وس��ائر رج��ال دولت��ه، فأص��حاب األخب��ار هن��ا بمعنى جواسيس هذه األيام، ولم يكن صاحب البريد يطلع أحدا على أي خبر قبل إنهائه إلى الخليفة ليكون هو ال��ذي يشيعه أو يكتم��ه على م��ا ي��راه، وك��ان من جمل��ة واجب��ات صاحب البريد حفظ الطرق وصيانتها من القطاع والسراق وطرق األعداء وانسالل الجواسيس في البر والبحر، وإلي��ه كانت ترد كتب أصحاب الثغور ووالة األطراف وهو يوصلهافي أسرع ما يمكن من اختصار الطرق واختيار المراكب.

طرق البريد

وك��ان للبري��د ط��رق تتش��عب من مرك��ز الخالف��ة إلى أط��راف المملك��ة ح��تى تتص��ل بط��رق الممال��ك األخ��رى،

وينقسم كل طريق إلى محطات أو مواقف فيها أفراس أو 930هجن، وبلغ عدد سكك البري��د إب��ان الدول��ة العباس��ية

159100سكة ونفق��ات ال��دواب وأثمانه��ا وأرزاق رجاله��ا دينار في السنة. وفي أيام بني أمية كان ينفق على البري��د أربعة ماليين درهم أي نحو ض��عفي ذل��ك. وتختل��ف س��رعة

البريد باختالف الطرق وأنواع المراكب. ومن طرق المخابرة بالبريد إرسالها مع السعاة. وأول من أنشأ السعاة في الدولة العباسية معز الدول��ة أنش��أهم في بغداد إلعالم أخيه ركن الدول��ة ب��األحوال س��ريعا، ونب��غ في أيامه ساعيان اسم أحدهما فضل واآلخر مرعوش فاقا سائر السعاة، وكان كل واحد منهما يس��ير في الي��وم نيف��ا

ميل.140وأربعين فرسخا أي نحو حمام الزاجل

ومن وسائل المخابرة بالبريد حمام الزاج��ل فق��د ك��ان له شأن عظيم عندهم والمخابرة به قديمة جدا عن��د األمم القديمة، ولكن المسلمين كانوا أكثر عناية فيه من سواهم فإنهم بذلوا في ذلك عناية كبرى وال سيما في مص��ر. فق��د كان للمخابرة بالحمام أبراج في قلع��ة الق��اهرة على عه��د األيوبيين في القرن السابع للهجرة، وقد بل��غ ع��دد الحم��ام المستخرج لهذه الغاية فيها ألف وتسعمائة طائر لها عمال يناط بهم أمر العناية بها، وكانت الطيور المذكورة ال ت��برح األبراج بالقلعة، وكان بكل مرك��ز حم��ام في س��ائر ن��واحي المملكة بمصر والشام والعراق من أس��وان إلى الف��رات، فال يحص��ى ع��دد م��ا ك��ان منه��ا في الثغ��ور والطرق��ات الشامية والمصرية وجميعه��ا ت��درج وتنق��ل من القلع��ة إلى

سائر الجهات.طرق أخرى للمخابرة

ومن ط��رق المراس��لة عن��دهم أن تكتب ورق��ة تعل��ق بقصبة وتغرس القصبة في باقة حشيش وتلقى في الم��اء فيعوم الحشيش وال يزال جاريا بمج��رى النه��ر ح��تى ي��راه المرسل إليه، ومنها أن تكتب األخبار على السهام وت��رمى

إلى المكان المراد إرسال الخبر إليه وغالبا يكون ذلك فيأيام الحصاد وانقطاع السبل.

ومن طرق المخابرة بناء المن��اظر أو المن��ائر ك��األبراج العالية على المرتفعات ونقل اإلشارات عليها بإشعال النار أو نحوه فينتقل الخبر بها من منظرة إلى منظرة حتى تبلغ

المكان المطلوب.القضاء

القض��اء ��� وي��راد ب��ه منص��ب الفص��ل بين الن��اس في الخصومات � ق��ديم، ألن اإلنس��ان لم يس��تغن عمن يفص��ل في قضاياه من أول زمان وجوده، وأما في اإلس��الم ف�أول من تولى القض��اء الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( ص��احب الشريعة اإلسالمية نفسه ثم تواله خلفاؤه، ألن القضاء من المناصب الداخلية تحت الخالفة، فك��ان الخلف��اء في ص��در اإلسالم يباشرونه بأنفسهم وال يجعلون�ه إلى س�واهم ح�تى إذا اتسع س��لطانهم وك��ثرت مه��ام منص��بهم اض��طروا إلى استنابة من يق��وم عنهم بالقض��اء في مرك��ز الخالف��ة وفي

األعمال. وكان القضاة في أول األمر يولون على األق��اليم، على ك��ل إقليم ق��اض، فلم��ا عم��رت المملك��ة واتس��عت تع��دد القضاة حتى صاروا يولون في المدن الكبرى ع��دة قض��اة، كل قاض في جانب من جوانبها والخليف��ة ه��و ال�ذي ي��ولي كال منهم بنفسه إلى زمن الرشيد وق��د اتس��عت بغ��داد في أيامه، ونبغ يومئذ القاضي أبو يوسف الشهير وكان الرشيد يكرمه ويجله ف�دعاه )قاض�ي القض�اة( وه�و أول من دعي

بذلك.عمل القاضي

وكانت وظيفة القاضي في صدر اإلسالم محصورة في الفص���ل بين الخص���وم ثم أض���يف إلى أعم���ال القاض���ي اس��تيفاء بعض الحق��وق العام��ة للمس��لمين ك��النظر في أموال المحجور عليهم من المجانين واليتامى والمفلس��ين وأه��ل الس��فه، وفي وص��ايا المس��لمين وأوق��افهم وت��زويج

األيامى عند فقد األولياء، ثم امت��دت س��لطتهم إلى النظ��ر في مص��الح الطرق��ات واألبني��ة وتص��فح الش��هود واألمن��اء

والنواب واستيفاء العلم والخبرة فيهم بالعدالة والجرح. وك���ان القض���اة يجلس���ون في المس���اجد للحكم بين الناس، فإذا ج��اءهم الخص��وم حكم��وا بينهم هن��اك، وك��انوا يعدون القضاء من األعم��ال الش��اقة الخط��رة ب��النظر إلى الدين لما فيه من تحمل التبعة فيما قد يخطئ به القاض��ي فيحكم على ص��احب الح��ق فيظلم��ه وه��و مس��ؤول عن��ه،

فكثيرا ما كان العلماء ورجال التقوى يأبون واليته.

الثاني الفصل

واإلنشاد المظالم ديوان

وهو من توابع القضاء ويشبه ما نسميه الي��وم )مجلس االستئناف( بعض الش�به، والغ�رض من�ه اس��تماع ظالم��ات الناس من القضاة أو غيرهم. وك��ان الع��رب في ج��اهليتهم يلتفتون إلى ه��ذا األم��ر فيتح��الفون على رد المظ�الم كم��ا

فعلت قريش قبيل اإلسالم. ولم يجلس للمظ���الم أح���د من الخلف���اء األربع���ة ألن الناس في الصدر األول كانوا بين من يقوده التناص��ف إلى الحق أو يزجره الوعظ عن الظلم، إال عليا )عليه الس��الم( فإنه احتاج إلى النظر في المظ��الم ولم تكن في الحقيق��ة كما صارت إليه بعدئذ. على أنه لم يفرد لسماع الظالم��ات يوم��ا معين��ا أو س��اعة معين��ة وإنم��ا ك��ان إذا ج��اءه متظلم أنصفه، ثم أفردوا يوما خاصا للنظر في أق��وال المتظلمين وتص���فح قصص���هم، وك���انوا يس���معون ظالم���ات الن���اس وينصفونهم وفيهم من يتظلم من ال��والة أو من العم��ال أو من جب��اة األم��وال أو من كت��اب ال��دواوين في تقص��يرهم بشيء من رواتبهم أو من أحد أبن��اء الخلف��اء أو األم��راء أو نح���وهم من أه���ل الوجاه���ة ممن يغتص���بون األم���وال أو الضياع، أو من القضاة ألنهم لم ينصفوهم في أحك��امهم أو من أي إنسان كبيرا كان أو صغيرا، فه��و أوس��ع دائ��رة من

مجلس االستئناف وأطول باعا وأشد وقعا وأسرع نفوذا.دار العدل

ولم���ا أفض���ت الحكوم���ة في مص���ر إلى الس���الطين األيوبيين بنوا دارا للنظر في المظالم سموها )دار الع��دل( وك��ان ق��د س��بقهم إلى بن��اء مث��ل ه��ذه ال��دار في دمش��ق الملك العادل نور ال��دين زنكي. وك��ان األيوبي��ون يجلس��ون في دار الع���دل للنظ���ر في المظ���الم، وج���رى س���الطين

المماليك بع��دهم على ذل��ك، وك��انت لهم عناي��ة ك��برى في إنص��اف الن��اس وك��انوا يح��ترمون مجلس��هم للمظ��الم فال يقعدون فيه على تخت الملك. وكان لسالطين المس��لمين وأمرائهم عناية كبرى في النظر في مظالم الرعية، وكانوا يب��ذلون الجه��د في رفعه��ا، ول��و ك��ان التظلم منهم أو من أوالدهم، وأمثلة هذه الح��وادث كث��يرة في ت��اريخ اإلس��الم، فتعود الناس أن يرفعوا شكواهم إلى خلفائهم وسالطينهم

في أيام معينة وصاروا يحسبون ذلك فرضا واجبا.الحسبة

هي منصب ديني من قبيل القض��اء، وص��احب الحس��بة )المحتس���ب( يبحث عن المنك���رات ويع���زر وي���ؤدب على ق��درها، ويحم��ل الن��اس على المص��الح العام��ة في الم��دن مث��ل المن��ع من المض��ايقة في الطرق��ات ومن��ع الحم��الين ومن��ع أه��ل الس��فن من اإلكث��ار في الحم��ل، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط به��دمها وإزال��ة م��ا يتوق��ع من ض�ررها على الس�ابلة، والض�رب على أي�دي المعلمين في المكاتب إذا بالغوا في ضربهم للتالمذة، وله النظر في الغش والت���دليس في المع���ايش وغيره���ا وفي المكايي���ل والموازيين مما يعد من واجبات مص��لحة البلدي��ة في ه��ذه األي��ام، واألص��ل في األم��ور ال��تي ذكرناه��ا أن تك��ون من واجب���ات القاض���ي لكنهم جعلوه���ا عمال مس���تقال تنزيه���ا للقاضي عن استقصاء هذه األمور بنفسه، على أنه��ا كث��يرا م��ا ك��انت تجع��ل في جمل��ة أعم��ال القض��اة في عه��د

الفاطميين بمصر واألمويين في األندلس.الشرطة

والشرطة في األصل من توابع القضاء ألن الم��راد به��ا تنفيذ أحكام القضاة أو فرض العقوب��ات الزاج��رة للج��رائم وإقامة التعزير والتأديب في حق من لم ينته عن الجريمة، فكانت الشرطة خادمة للقضاء تساعد القاض�ي في إثب��ات الذنب على مرتكبه وتس��اعد الحكوم��ة على تنفي��ذ الحكم، ويت��ولى ص��احبها أيض��ا إقام��ة الح��دود على الزن��ا وش��رب

المس��كر وكث��ير من األم��ور الش��رعية ال��تي يجل��ون مق��امالقاضي عنها.

ثم صار النظر في الجرائم وإقامة الح��دود في الدول��ة العباسية واألموي��ة في األن��دلس والفاطمي��ة بمص��ر راجع��ا

إلى صاحب الشرطة وأفردوها من نظر القاضي.ديوان اإلنشاء

الكتابة لم يكن العرب في جاهليتهم يعرف��ون الكتاب��ة إال نف��را قليلين، ولما ظهر اإلسالم لم يكن يكتب بالعربية إال بضعة عشر إنسانا كلهم من الصحابة، فكتبوا للن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( سور القرآن والكتب التي خ��اطب به��ا المل��وك يدعوهم إلى اإلسالم، وكان بعض��هم يكتب ل��ه في حوائج��ه والبعض اآلخ��ر يكتب��ون بين الن��اس في المدين��ة والبعض اآلخ��ر يكتب��ون بين الق��وم في مي��اههم وقب��ائلهم وفي دور

األنصار بين الرجال والنساء. ولم��ا انتقلت الخالف��ة إلى ب��ني أمي��ة وتع��ددت مص��الح الدولة تعدد الكتاب فصارت الكتابة خمسة أص��ناف، ك��اتب الرس��ائل لمخاطب��ة العم��ال واألم��راء والمل��وك وغ��يرهم، وكاتب الخراج يدون حساب الخراج داخله وخارجه. وكاتب الجند يقيد أسماء األجناد وص��فاتهم وطبق��اتهم وأعطي��اتهم ونفق��ات األس��لحة وغ��ير ذل��ك، وك��اتب الش��رطة يكتب التق��ارير عم��ا يق��ع من أح��وال العق��ود وال��ديات وغيرهم��ا،

وكاتب قاض يكتب الشروط واألحكام. وأهم أصناف الكتاب كاتب الرسائل وه��و أق��دمها وق��د يس��مى ك��اتب الس��ر وه��و ي��د الخليف��ة وكاتب��ه ومس��تودع

أسراره.التوقيع

يريدون بالتوقيع في دوائ��ر الحكوم��ة الي��وم )اإلمض��اء( أما في أيام الخلفاء فكان يراد به م��ا يعلق��ه الخليف��ة على القصص أو الرقاع )العرضحاالت( المعروض��ة علي��ه لطلب أو شكوى أو نحو ذلك فيكتب عليها بما يجب إجراؤه أو م��ا

يفيد الجواب على فحواها بما يشبه التأش��ير أو التعليم فيدوائر حكوماتنا.

وكان الخلفاء في صدر اإلسالم هم الذين يوقع��ون في��ابهم بت��دوينها، القص��ص والرق��اع بأنفس��هم أو ي��أمرون كت والغالب في توقيعهم أن يكون اقتباسا من آية أو حديث أو

حكمة مشهورة أو شعر حكمي. وك���ان لهم ول���ع غ���ريب في اختص���ار الكتاب���ة في

المراسالت اختصارا يصح أن يتخذ مثاال للبالغة.مكاتبة الخلفاء

وك��ان من القواع��د المرعي��ة في مكاتب��ة الخلف��اء أن يبدأوا بأسمائهم قبل اسم مخاطبهم ويكلف��وا مك��اتبيهم أن

يراعوا ذلك. ومن تفننهم في المكاتبات اإلش��ارة بح��رف واح��د إلى مقال��ة طويل��ة كم��ا وق��ع للس��لطان محم��ود الغزن��وي بن

سبكتكين بعد أن استقل بالسلطنة.أدوات الكتابة

ومنها القلم الذي كانوا يص��نعونه من القص��ب نح��و م��ا نفعل اليوم، وأما الح��بر وه��و الم��داد فالظ��اهر أنهم ك��انوا يصنعونه من مسحوق الفحم أو من الهباب م��دوفا بس��ائل

لزج كالصمغ أو نحوه. وأما القرط��اس فأق��دم م��ا كتب في��ه الع��رب من أول اإلس��الم ال��رق وهي الجل��ود، وكتب��وا أيض��ا على األقمش��ة وأش��هرها نس��يج مص��ري ك��انوا يس��مونه القب��اطي وعلي��ه كتبت المعلقات السبع قبل اإلسالم، وإذا تع��ذر ذل��ك كتب��وا على الخش��ب أو العظ��ام أو على قط��ع الخ��زف أو على األحج��ار أو نح��و ذل��ك. فلم��ا ك��انت أي��ام الدول��ة العباس��ية اتخ��ذوا ال��ورق )الكاغ��د( وق��د أش��ار ب��ه الفض��ل بن يح��يى ال��برمكي فاص��طنعوه، وأنش��أوا ل��ه المعام��ل في بغ��داد والشام وغيرهما من عواصم اإلس��الم، وك��انوا هم أول من

نشر صناعة الورق في العالم.الحجابة

ي��راد بالح��اجب في دول اإلس��الم م��ا ي��راد موظ��ف التش��ريفات في ه��ذه األي��ام، وه��و ال��ذي يت��ولى طلب االستئذان للناس في الدخول على المل��ك أو الس��لطان أو األم��ير والب�د من�ه في الدول�ة حفظ�ا لهيب�ة المل�ك، وكلم��ا أغرقت الدولة في المدنية واستغرقت في ال��ترف تك��اثف الحجاب بين ملكها ورعاياه، فكان الخلفاء األربعة يفتح��ون أب��واب مجالس��هم ألي ك��ان ويخ��اطبون الفق��ير والغ��ني

والصعلوك والقوي بال حجاب وال كلفة. فلم��ا تح��ولت الخالف��ة إلى المل��ك ك��ان في جمل��ة م��ا أدخلوه على الدولة الت��دقيق في الحج��اب وت��رتيب الن��اس

في الدخول على الخلفاء بحسب طبقاتهم وأنسابهم. فلم��ا ج��اءت دول��ة ب��ني العب��اس وص��ارت إلى م��ا ه��و معروف من العز والترف زادوا في منع الناس عن مالق��اة الخليفة إال في األمور الهامة وهذا م��ا يس��ميه ابن خل��دون بالحج��اب الث��اني، وص��ار بين الن��اس والخليف��ة داران دار الخاصة ودار العامة يقابل كل فئة في مكان على ما ي��راه الحجاب، وتطرقوا عند انحطاط الدول��ة إلى حج��اب ث��الث

أحصن من األولين.النقابة

النقابة ونعني نقابة األشراف سموها بذلك إش��ارة إلى أنها تتعلق بأشراف المسلمين وهم أهل بيت النبي )ص��لى الله عليه وآله(، وذل��ك أن عائل��ة الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآله( ك��انت في أوائ��ل اإلس��الم محفوظ��ة الحرم��ة لق��رب عه��دهم من النب��وة فك��انوا يجعل��ون على أه��ل بيت الن��بي )صلى الله عليه وآله( رئيسا منهم يتولى أمورهم ويض��بط أنس���ابهم وي���دون موالي���دهم ووفي���اتهم وي���نزههم عن المكاس��ب الدنيئ��ة ويمنعهم من ارتك��اب الم��آثم ويط��الب بحق��وقهم وي��دعوهم إلى أداء الحق��وق وين��وب عنهم في المطالب���ة بحق���وقهم في س���هم ذوي الق���ربى من الفيء والغنيمة ويقسمه بينهم ويمنع أيام��اهم أن ي��تزوجن إال من

األكفاء وغير ذلك مما يشبه الوص��اية العام��ة، وك��ان نقيباألشراف وصيهم.

وك��انت نقاب��ة األش��راف من المناص��ب الس��امية وله��االشأن األول من الشرف بعد الخالفة.

وكان الخلفاء يكتبون لنقب��اء األش��راف عه��ودا وتقالي��د تدل على جاللة قدرهم ورفع��ة م��نزلتهم، وك��انوا كث��يرا م��ا يعهدون إليهم بسقاية الحج ودي��وان المظ��الم من الخط��ط الس��امية، فنقيب األش��راف فيه��ا يق��دم في التش��ريفات الرس��مية على س��ائر رج��ال الدول��ة العلي��ة ح��تى الص��در

األعظم وشيخ اإلسالم.مشيخة الطرق الصوفية

مشيخة الط��رق الص��وفية من المناص��ب الديني��ة ال��تي ح��دثت بع��د ح��دوث الص��وفية ولص��احبها التكلم نياب��ة عن جميع الطرق الصوفية، والشأن في ه��ذه الط��رق أن لك��ل طريقة شيخا ولكل شيخ خلفاء في القرى واألمصار ولك��ل خليفة مريدين، فالشيخ ي��دير أم��ر الخلف��اء والخليف��ة ي��دير أم��ر المري��دين من حيث إرش��ادهم وم��راقبتهم وأم��رهم

بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتربيتهم ونحو ذلك.

اإلسالمية الدولة ثروة

إذا كان المراد بثروة الدول��ة م��ا يزي��د من دخله��ا على نفقاته��ا أو م��ا تختزن��ه بع��د نفقاته��ا من األم��وال ونحوه��ا فالدولة اإلسالمية في عصر النبي )صلى الل��ه علي��ه وآل��ه( لم يكن عندها ثروة حقيقية ألنهم لم يكونوا يخ��تزنون م��اال وال كان عندهم بيت مال بل كانوا إذا أصابوا غنيمة فرقوها فيما بينهم، وكذلك الصدقات فإنها ك��انت تف��رق في أهله��ا وإذا ظ��ل منه��ا ش�يء اس�تبقوه لحين الحاج��ة إلي��ه، وك�ان النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( يت��ولى ذل��ك بنفس��ه وأك��ثر الصدقات من الماشية واإلبل والخيل فكان يسمها بميسم

خاص بها تمتاز به عن سواها.بيت المال

توفي النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( والمس��لمون هم رجال الحكومة والجند ولم يكن عندهم بيت مال لألس��باب ال���تي ق���دمناها ولم يكون���وا يتطلب���ون الم���ال إال لقض���اء الحاج��ات وك��ان أك��ثر م��ا ي��رد عليهم من��ه ماش��ية وحنط��ة وخيل ونحو ذلك من أموال الصدقة والغنيمة وكانت النقود قليلة بين أيديهم، فلما فتحوا الشام وفارس ومص��ر وردت

عليهم األموال ذهبا وفضة فأدهشتهم كثرتها وتنبهوا لها. يق��ال أن أب��ا هري��رة ق��دم على عم��ر بن الخط�اب من البح���رين بم���ال فق���ال ل���ه عم���ر: )بم���ا جئت؟( ق���ال: )بخمسمائة ألف درهم( فاستكثره عمر وقال: )أت��دري م��ا تقول؟( قال: )نعم مائة أل��ف خمس م��رات( فص��عد عم��ر المنبر وقال: )أيها الناس قد جاءن��ا م��ال كث��ير ف��إن ش��ئتم كلنا لكم كيال وإن ش��ئتم ع��ددنا لكم ع��دا( وك��ان ذل��ك من جملة ما دعاه إلى وضع الديوان وفرض العطاء لكل واح��د من المسلمين باعتبار السابقة والقراب��ة من الن��بي )ص��لى

الله عليه وآله( ولكنه نهى عن اختزان المال.

�23وقد باشر الناس في أيام عثمان بن عفان )س��نة ه�( جم��ع األم�وال ألن��ه لم يكن ش�ديدا وك�ان م��ع ذل��ك35

أموي��ا ف��اعتز األموي��ون ب��ه وأرادوا أن يعي��دوا ألنفس��هم السلطة التي كانت لهم في الجاهلية وكان بن��و هاش��م ق��د سلبوهم إياها بعد اإلسالم ألن النبي )صلى الله عليه وآله( منهم، فأخذ عثمان يولي األعمال رجاال من أقربائ��ه وفيهم من لم يعتنق اإلسالم إال يأسا من ف��وزه على المس��لمين، وكثرت في أيامه الفتوح وفاضت الغنائم فكان يخص أهل��ه منها بأكثر من س��ائر الص��حابة، كم��ا فع��ل بغن��ائم أفريقي��ة

ه�( فإن المسلمين حاربوها وعليهم عب��د الل��ه بن27سنة ) س��عد )أخ��و عثم��ان من الرض��اع( فبلغت غن��ائمهم منه��ا

دين��ار أعطى خمس��ها إلى م��روان بن الحكم2.500.000 وزوج��ه ابنت��ه وك��ان ه��ذا الخمس من حق��وق بيت الم��ال، وأبط�ل عثم�ان محاس�بة العم�ال ألنهم من أهل�ه ف�ازدادوا طمعا في حشد األموال ألنفسهم وخصوصا معاوية بن أبيسفيان عامله على الشام وهو أكثر دهاء وأبعدهم مطمعا. واقت��دى بمعاوي��ة غ��يره من العم��ال وس��ائر الص��حابة فاقتنوا الض��ياع والعق��ار وفيهم جماع��ة من كب��ار الص��حابة مثل طلحة والزبير وسعد ويعلى وغ��يرهم وزادت أم��والهم وظهر الغنى فيهم حتى عثمان نفس��ه فإن��ه اقت��نى الض��ياع الكث��يرة واخ��تزن األم��وال فوج��دوا عن��د خازن��ه بع��د موت��ه

درهم وقيمة ضياعه بوادي1.000.000 دينار و150.000100.000القرى وحنين وغيرهم��ا دين��ار وخل��ف خيال وإبال

والظ���اهر أن عثم���ان ان���دفع إلى تس���هيل ال���ثروة على المسلمين بما زاد عنده من األموال وإغراء أهله على ذلك وخصوصا معاوية ��� ثم ص��ار امتالك العق��ار مألوف��ا ش��ائعا.

ه��� وق��امت الفتن��ة في الخالف��ة35فلما قتل عثم��ان س��نة وأرادها معاوية لنفس��ه فق��د رأى بين دعاته��ا من هم أح��ق بها منه نسبا وسابقة فاحتال إليها بالم��ال ف��ازدادت رغبت��ه

في االستكثار منه لبذله في إنشاء األحزاب. وال غرو فإن المال قوة تتحول إلى ما يراد من الق��وى وهو منذ القدم مرجع المشروعات العظمى وال يزال ح��تى اليوم المحور الذي تدور عليه سياسة العالم المتمدن، فما

من ح��رب أو س��لم، محالف��ة أو معاه��دة، وم��ا من فتح أوحصار إال والمحرك عليه أو الداعي )المال(.

وكذلك فعل معاوية فاستخدم بالمال جماعة من ده��اة العرب نصروه بالدهاء والسيف حتى أفض��ت الخالف��ة إلي��هف ل��ه إال بع��د مقت��ل علي بعد واقعة صفين ولكنه��ا لم تص��

ه�( وتنازل الحسن )عليه الس��الم(40)عليه السالم( سنة ) له عنها والناس مع ذلك يعلمون أن معاوية إنما ف��از بب��ذل المال حتى قال زين العابدين )عليه السالم( حفي��د اإلم��ام

علي )عليه السالم(: )إن عليا كان يقاتله معاوية بذهبه(. وسار بنو أمية على خطوات معاوي��ة في ذل��ك فجعل��وا المال أكبر نص��ير لهم على دع��اة الخالف�ة من ب�ني هاش�م وعلى الخوارج وغيرهم فج��رهم ذل��ك على االس��تكثار من��ه

بأي وسيلة كانت. والس��لطة تح��ولت في دول��ة ب��ني أمي��ة من الخالف��ة الدينية إلى الملك السياسي. وتمت��از عن الدول��ة العباس��يةب للع�رب كث��يرة االحتق��ار بأنها عربية بحتة ش�ديدة التعص�� لسواهم، ولذلك فإن أهل الذمة وغ��يرهم من س��كان البالد األصليين قاسوا من خلفاء بني أمي��ة ومن عم��الهم األم��ور الص��عاب ح��تى ال��ذين أس��لموا منهم ف��إن الع��رب ك��انوا يع��املونهم معامل��ة العبي��د وك��انوا يس��مونهم )الم��والي( ويع��دون أنفس��هم ذوي إحس��ان عليهم ألنهم أنق��ذوهم من الكفر وإذا صلوا خلفهم في المسجد حسبوا ذل��ك تواض��عا لله، وكان بعض العرب إذا مرت ب��ه جن��ازة مس��لمة ق��ال: )من ه��ذا؟( ف��إذا ق��الوا: )قرش��ي( ق��ال: )واقوم��اه( وإذا قالوا: )عربي( قال: )وابلدتاه( وإذا ق��الوا: )م��ولى(، ق��ال: )هو مال الله يأخذ ما شاء ويدع ما شاء(. وك��انوا يحرم��ون الموالي من الكنى وال يدعونهم إال باألسماء واأللق��اب، وال

يمشون في الصف معهم، وكانوا يسمونهم العلوج. وفي كتاب )الم��والي( للجاح��ظ أن الحج��اج لم��ا قبض على الم���والي ال���ذين ح���اربوا م���ع ابن األش���عث أراد أن يفرقهم ح��تى ال يجتمع��وا فنقش على ي��د ك��ل واح��د منهمب اسم البلدة التي وجهه إليها. وكان من جملة نت��ائج تعص�� بني أمية للعرب واحتقارهم سائر األمم أنهم اعت��بروا أه��ل

البالد التي فتحوها وما يملك��ون رزق��ا حالال لهم، ي��دل على ذلك قول سعيد بن العاص عامل الع��راق: )م��ا الس��واد إال بستان قريش ما شئنا أخذنا منه وم��ا ش��ئنا تركن��ا(. وق��ول عمرو بن الع��اص لص��احب اخن��ا لم��ا س��أله عن مق��دار م��ا عليهم من الجزية فقال عمرو: )إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خف��ف عن��ا خففن��ا عنكم(. فاتخ��ذوا ذل��ك ونح��وه ذريع��ة لالس��تيالء على م��ا ش��اءوا من أم��وال الناس وقد جرأهم على ذلك معاوية إذ جعل بعض األعمال

طعمة لبعض عماله والبعض اآلخر ضمنه بمال زهيد.أجور العمال

وكان عمال بني أمية يجورون على أص��حاب األرض��ين من أهل الذمة في التحصيل ونحوه ال يهمهم بقي لهم من المحصول شيء أم ال. وكان الخراج يومئذ على المس��احة فيؤخ��ذ على األرض م��ال معين زرعت أم لم ت��زرع. وك��ان من ش��روط الخ��راج أن يس��تبقى ألص��حاب األرض��ين م��ا

يجبرون به من النوائب والجوارح. ومما يحكى أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يس��تأذنه في أخ��ذ تل��ك البقي��ة منهم فأجاب��ه: )ال تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك الم��تروك واب��ق

لهم لحوما يعقدون بها شحوما(. والظ���اهر أن الض���غط على أه���ل الق���رى وأص���حاب األرضين حمل بعض��هم على اإلس��الم احتم��اء ب��ه فأص��بحوا من الموالي فلم يمنع ذلك تحصيل الخ��راج والجزي��ة منهم فألزمهم الحج��اج الخ��راج م��ع أنهم تن��ازلوا عن مغارس��هم ألهلهم وغ��ادروا الق��رى وس��كنوا األمص��ار ف��رارا من تل��ك الضرائب، فأمر الحج��اج ب��ردهم وط��البهم ب��الخراج. وكتب الحج��اج إلى األمص��ار: )إن من ك��ان ل��ه أص��ل في قري��ة فليرجع إليها لتؤخذ من��ه الجزي��ة والخ��راج( فع��ل ذل��ك في أيام ابن األشعث فخ�رج الن�اس وهم يبك��ون وين��ادون: )ي�ا محمداه يا محمداه( وال يدرون إلى أين يذهبون فاض��طروا

إلى االنضمام لألشعث على الحجاج.

ولم تكن تل��ك المعامل��ة خاص��ة بالحج��اج من عم��الهم فقد فعل مثله أيض��ا يزي��د ابن أبي مس��لم عام��ل يزي��د بن عبد الملك على أفريقية، وكذلك فعل الجراح في خراسان وغيره في ما وراء النهر، وكان أهل س��مرقند ق��د أس��لموا على أن ترفع الجزي��ة عنهم فظل�وا يأخ��ذونها منهم فع��ادوا

إلى دينهم. أما النصارى وغيرهم من أهل الذمة ال��ذين ظل��وا على دينهم فيكفي في تمثيل حالهم اعتبار ما تقدم من معامل��ة الذين أسلموا منهم، فكانوا يسومونهم العذاب في تحصيل الجزية، ورأى هؤالء أن اعتناق اإلس��الم ال ينجيهم من ذل��ك فعم��د بعض��هم إلى التلبس بث��وب الرهبن��ة ألن الرهب��ان ال جزي��ة عليهم، ف��أدرك العم��ال غرض��هم من ذل��ك فوض��عوا الجزية على الرهبان، وأول من فعل ذلك منهم عبد العزيز بن مروان عامل مصر فأمر بإحصاء الرهبان وف��رض على ك��ل راهب دين��ارا وهي أول جزي��ة أخ��ذت من الرهب��ان.

وأمثال هذه الحوادث كثيرة في تاريخ بني أمية. ومن أمثل��ة م��ا اقترف��ه بن��و أمي��ة من زي��ادة الخ��راج والجزي��ة أن أه��ل الجزي��رة ب��العراق ك��انت ج��زيتهم دين��ارا ومدين قمحا وقسطين زيتا وقس��طين خال في الع��ام فلم��ا تولى عبد الملك بن مروان استقل ذل��ك فبعث إلى عامل��ه فأحص��ى الجم��اجم وجع��ل الن��اس كلهم عم��اال بأي��ديهم وحسب ما يكسب العام��ل س��نته كله��ا ثم ط��رح من ذل��ك نفقته في طعامه وأدامه وكسوته وط��رح أي��ام األعي��اد في السنة كلها فوجد الذي يحص��ل بع��د ذل��ك في الس��نة لك��ل واح��د أربع��ة دن��انير ف��ألزمهم ذل��ك جميع��ا وجعله��ا طبق��ة

واحدة. ولم تكن ضرائبهم مقتصرة على أهل الذمة والم��والي ولكنها شملت العرب المسلمين أنفسهم وذلك أن محم��دا أخا الحجاج بن يوسف لما تولى اليمن أساء السيرة وظلم الرعية وأخذ أراضي الناس بغ��ير حقه��ا وض��رب على أه��ل

اليمن خراجا سماه )الوظيفة(. وكان من أساليبهم في االس��تكثار من األم��وال ض��رب

الضرائب على األرض الخراب.

وكانوا يفرض��ون على األه��الي هدي��ة في عي��د الن��يروز10.000.000بلغت في أيام معاوي��ة درهم وفرض��وا م��اال

على من يتزوج وعلى من يكتب عرضا. وك��انت مش��اطرة عمر عماله حجة اتخ��ذها معاوي��ة بع��د ذل��ك في مش��اطرة العم��ال فلم يكن يم��وت ل��ه عام��ل إال ش��اطر ورثت��ه وه��و يقول إنها سنة سنها عم��ر ثم ت��درج إلى استص��فاء أم��وال

الرعية وهو أول من فعل ذلك. وفي كالم القاض���ي أبي يوس���ف في ع���رض وص���يته للرشيد بشأن عم��ال الخ��راج م��ا ي��بين الط��رق ال��تي ك��ان أولئك الصغار يجمعون األموال بها ق��ال: )بلغ��ني.. ثم إنهم يأخذون ذلك كله فيما بلغ��ني بالعس��ف والظلم والتع��دي.. ويقيمون أه��ل الخ��راج في الش��مس ويض��ربونهم الض��رب��دونهم بم��ا يمنعهم من الشديد ويعلقون عليهم الجرار ويقي الصالة.. وهذا عظيم عند الل��ه ش��نيع في اإلس��الم(. وك��ان بنو أمية قد انغمسوا في الترف واللهو والخمر وأصبحوا ال ينظ��رون إلى م��ا يؤي��د س��لطانهم وال يب��الون في انتق��اء عمالهم وربما ولوا العامل عمال بإش��ارة جاري��ة أو مكاف��أة على هدية كما فعل هشام بن عبد المل��ك بالجني��د بن عب��د الرحمن. وك��ان الجني��د ق��د أه��دى ام��رأة هش��ام قالدة من جوهر فأعجبت هشاما فأه��دى هش��اما قالدة أخ��رى ف��واله

ه��� وبل��غ ثمن الجاري��ة في111هشام على خراسان س��نة درهم وهي الزلف��اء وأص��بح1.000.000أي��ام ب��ني أمي��ة

العمال ال هم لهم إال حشد األموال واالستكثار من الصنائع والم��والي. وك��ان العم��ال يب��ذلون جه��دهم في اخ��تزان األموال ألنفسهم لعلمهم أن الوالية غير ثابتة لهم، فكثرت أموالهم واتسعت ثروتهم فبلغت غلة خال��د القس��ري أم��ير

درهم أي نح���و13.000.000الع���راق في أي���ام هش���ام مليون دينار.

واختلفت جباية العراق والشام ومصر باختالف السنين والعمال وقد فصلنا ذلك في الجزء األول من ه��ذا الكت��اب وخالص��ته أن متوس��ط جباي��ة الع��راق في أي��امهم نح��و

دين��ار3.000.000 درهم، وجباي��ة مص��ر 130.000.000 دينار أو )1.700.000(، وجباية الشام 36.000.000)أو

( درهم فيك���ون ارتف���اع ه���ذه البالد نح���و20.000.000 درهم يض��اف إلي��ه أم��وال البالد األخ��رى186.000.000

مما ال نعرف مقداره. وخالصة ما تقدم أن األموال ك��انت تس��تخرج في أي��ام بني أمية بكثرة ولكنها ال تسمى ثروة ألنه��ا ك��انت تص��رف

في الحروب ولتأييد شوكتهم.

ونفقاتها وثروتها العباسية الدولة حدود

للدول��ة العباس��ية عص��ران يختل��ف أح��دهما عن اآلخ��راختالفا عظيما:

العصر األول: وفيه بلغت الدولة العباسية قم��ة مج��دها وأنشأت التمدن الذي نحن في ص��دره وفي��ه أدركت ث��روة الدول���ة اإلس���المية أعظم م���ا بلغت إلي���ه في عص���ر من

العصور وعليها مدار الكالم في هذا الكتاب.��رون عن��ه بعص��ر التقهق��ر أو والعص��ر الث��اني: ويعب

ه�� وينقض�ي218االنحطاط يبتدئ بخالف��ة المعتص��م س�نة بانقضاء الدولة العباسية من بغداد.

ه�218 إلى سنة 132العصر العباسي األول من سنة سبب قيام هذه الدولة

ب أهل��ه رأيت فيما تقدم أن العصر األموي يمتاز بتعص�� للعرب واحتق��ارهم س��ائر األمم وخصوص��ا الش��عوب ال��تي كانت تحت س��لطانهم في البالد ال��تي دانت لهم في مص��ر والشام والعراق وفارس وخراس��ان وغيره��ا وفيهم القب��ط والنب��ط وال��روم والس��ريان والكل��دان والف��رس وال��ترك والسودان وغ��يرهم ح��تى ال��ذين أس��لموا منهم، فأص��بحت تلك األمم تئن من معاملتهم وزادها نفورا ما كانوا يتخذونه من العنف في تحص��يل الخ��راج وأص��بحوا ي��ودون الخ��روج من حوزتهم وينصرون ك��ل من دع��ا إلى خلعهم وخصوص��ا الم��والي ف��إنهم باعتن��اقهم اإلس��الم خس��روا أراض��يهم ومنازلهم، وأصبحوا مطالبين بالذهاب إلى الح��رب لحماي��ة الدولة، فك��ان بن��و أمي��ة يخرج��ونهم إلى القت��ال مش��اة بال رزق وال فيء، فقام الدعاة ضدهم وأك��ثرهم من أه��ل بيت النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( وفيهم العلوي��ون من نس��ل اإلمام علي )عليه السالم( ابن عم النبي )صلى الل��ه علي��ه

وآل���ه( والعباس���يون من نس���ل العب���اس عم���ه، وك���ان الخراسانيون من أكثر الناس نقمة على بني أمية لألسباب التي قدمناها، فأخذوا بيد العباس��يين وقائ��دهم أب��و مس��لم الخراساني، ولما نهض��وا نهض معهم ك��ل المس��لمين غ��ير العرب في ك�ل أنح��اء المملك��ة اإلس��المية فض��ال عن أه��ل��د البالد غير المسلمين، فدارت الدائرة على بني أمي��ة وتأي العباس��يون فجعل��وا عاص��متهم في الع��راق ب��القرب من نصرائهم. وعرف العباسيون علة سقوط بني أمية فتجنبوا الوق��وع في مثله��ا، فاتخ��ذوا الجن��د واألع��وان من الف��رس واستبقوا الجند الع��ربي أيض��ا من ربيع��ة ومض��ر رغب��ة في المحافظة على العصبية العربية ألنه��ا عم��اد اإلس��الم، ولم يكون��وا يس��تطيعون التوفي��ق بين العنص��رين ألنهم س��يقوا بطبيعة األمور إلى االختالط بالفرس والتزيي بألبستهم من القالنس ونحوها جعلوا ذلك فرض��ا واجب��ا عليهم، وأول من

ف��أمرهم بلبس153أخ��ذ الن��اس بلبس��ه المنص��ور س��نة القالنس الطوال المفرطة الطول فقال أبو دالمه:

وكن���ا نرج���و من إم�����ام زي�������ادة***ف���زاد اإلم���امالمصطفى في القالنس

نراه��ا على ه��ام الرج����ال كأنه��ا***دن��ان يه�������ودجلل����ت بالبران���س

على أن غضب العرب لم يغير شيئا من مجاري األمور فاتخ��ذ الخلف��اء أمه��ات أوالد من الف��رس أول��دوهن أوالدا تولوا الخالفة وفيهم مي��ل فط��ري إلى العنص��ر الفارس��ي، وازداد هذا العنصر تغلبا في بالط الخلفاء بم��ا اتخ��ذوه من الوزراء ورجال الش��ورى منهم كالبرامك��ة وغ��يرهم، وك��ان الفرس يبذلون جهدهم في خدمة الدول��ة العباس��ية بنص��ح وصدق نية ألن في قيامه��ا ص��الح بالدهم لكن ه��ؤالء أيض��ا انجرف��وا عن اإلس��الم ح��تى أن المنص��ور أراد أن يس��تبدل الكعبة بما يق��وم مقامه��ا في الع��راق وتك��ون حج��ا للن��اس فب��نى بن��اء س��ماه القب��ة الخض��راء تص��غيرا للكعب��ة وقط��ع الميرة في البحر عن المدينة فاتخذ العرب ذلك حجة على العباسيين وأظهروا البيعة لمحمد بن عبد الله من آل علي )عليه السالم( وخلعوا بيعة المنصور وق��د أف��تى لهم ب��ذلك

مالك بن أنس اإلمام الشهير، وكان بنو أمي��ة في األن��دلس قد قطعوا دعوة بني العباس بعد أن دعوا لهم مدة قصيرة عند دخول عبد الرحمن بن معاوية. واستقل عب��د ال��رحمن باألن��دلس لبع��دها عن دار الخالف��ة. ثم اس��تولى محم��د بن عبد الله على المدينة فخافه المنصور وبذل قص��ارى هم��ه

في قتله ولم يستطع ذلك إال بعد العناء الشديد. فك���ان مم���ا قاس���اه المنص���ور من ع���واقب إهمال���ه الحرمين عبرة لخلفائه فلما تولى ابنه المهدي أك��رم أه��ل الح�رمين وكس�ا الكعب��ة كس�وة جدي�دة وف�رق هن��اك م��اال

30.000.000عظيم��ا ج��اء ب��ه مع��ه من الع��راق مق��داره دينار من مص��ر و300.000درهم وجاءه وهو في المدينة

150.000 دينار من اليمن ففرقها كله��ا وف��رق 200.000 ث��وب ووس��ع المس��جد واتخ��ذ حرس��ا من األنص��ار ع��ددهم

رجل حملهم معه إلى بغداد وأقطعهم األرضين وأم��ر500 بحفر نهر الصلة بواسط وأحيا ما عليه من األرضين وجع�ل غلته لصالت أهل الحرمين والنفق�ات هن�اك وأص�بح إك�رام الحرمين على هذه الصورة سنة في بني العباس في أثناء حجهم أو عند طلب البيعة ألوالدهم فإن الرش��يد حج س��نة

ه� ومعه أبناؤه األمين والمأمون فلم��ا وص��ل المدين��ة186 أعطى فيها ثالثة أعطية عنه وعن ولديه. وفع��ل نح��و ذل��ك

دينار، وكتب هن��اك1.05.000في أهل مكة وبلغ ما فرقه كتابا بوالية العهد لألمين وآخر للمأمون ووضع الكتابين في الكعبة وأصبحت النفق��ة على الح��رمين من جمل��ة نفق��ات

الدولة الضرورية. وعاد ش��أن الع��رب إلى الظه��ور والخلف��اء ي��رون ذل��ك ضروريا لتثبيت أقدامهم في الملك، ولم��ا ت��ولى المعتص��م

ه��� واص��طنع األت��راك والفراعن��ة ازداد الع��رب218س��نة احتق��ارا في عي��ون أه��ل الدول��ة وتقاص��رت أي��ديهم عن أعمالها حتى في مصر فإن آخ��ر ع��ربي تواله��ا عنبس��ة بن

ه�� وأراد المعتص��م أن يس�تغني238إسحاق الض��بي س��نة عن بالد العرب جميعا وكان قد بنى س��امراء بق��رب بغ��داد وأقام فيه�ا جن�ده فأنش��أ فيه��ا كعب��ة وجع�ل حوله�ا طواف�ا واتخذ منى وعرفات، غر ب��ه أم��راء ك��انوا مع��ه لم��ا طلب��وا

الحج خش��ية أن يف��ارقوه فأص��بح لف��ظ )ع��ربي( مرادف��ا ألحقر األوص��اف عن��دهم. ومن أق��والهم: )الع��ربي بمنزل��ة الكلب اطرح له كسرة واض��رب رأس��ه( وق��ولهم: )ال يفلح أح��د من الع��رب إال أن يك��ون مع��ه ن��بي ينص��ره الل��ه ب��ه( وأصبح األمراء والوزراء وسائر رج��ال الدول��ة من الف��رس والترك والديلم وغيرهم وص��ار الخلف��اء يؤي��دون مناص��بهم

باألجناد وبذل المال وقلت العناية بالعرب وأحزابهم. وفي عص���ر العباس���يين اس���تبدلوا العص���بية العربي���ة باألع��اجم واحت��اجوا في اص��طناعهم أو اس��تخدامهم إلى الم��ال وانخرط��وا هم في س��لكهم بواس��طة األمه��ات. ثم أص��بح األع��اجم من الف��رس وال��ترك وال��ديلم والص��غد والفراعن���ة وغ���يرهم يتس���ابقون إلى االس���تئثار ب���النفوذ

بواسطة المال كما سترى.ثروة الدولة العباسية

في العصر العباسي األول

الثروة اإلس��المية لم تنض��ج إال في ه��ذا العص��ر وعلي��ه سيكون مدار كالمنا. وتقاس ثروة الدولة المالية بم��ا يبقى

في بيت مالها من دخلها بعد النفقات.الثروة في أوائل الدولة

فالخليفة األول أبو العب��اس الس��فاح لم يحكم إال أرب��ع ه�( قضاها في الحروب ولم136 � 132سنوات )من سنة

يجمع م��اال، ولم�ا م��ات لم يج�دوا في بيت��ه إال تس��ع جب��اب وأربعة أقمص��ة وخمس�ة س�راويل وأربع�ة طيالس�ة وثالث�ة

�136 س��نة )22مطارف خ��ز، وأم��ا المنص��ور فإن��ه حكم ه�( وكان رجال ش��ديد الح��رص على الم��ال واختزان��ه،158

درهم و600.000.000فلم��ا م��ات خل��ف في بيت مال��ه دين��ار وبتحوي��ل ه��ذه ال��دنانير إلى دراهم14.000.000

درهم��ا وهي قيمت��ه في ذل��ك العص��ر15باعتب��ار ال��دينار 810.000.000تقريب��ا ك��ان مجم��وع م��ا خلف��ه المنص��ور

درهم.

وقد كان يصرف المال في مصالح نفس��ه وأهل��ه فإن��ه درهم،10.000.000ب��ذل لجماع��ة منهم في ي��وم واح��د

وثروة المنصور قد تعد قليلة بالنظر إلى ثروة الرشيد فقد ه����(193خل���ف في بيت الم���ال عن���د وفات���ه )س���نة

درهم ونيفا وم��دة حكم��ه نح��و م��دة حكم900.000.000المنصور غير ما أنفقه الرشيد وما بذله وأسرف فيه.

وجاء الهادي ولم يحكم إال س��نة وبعض الس��نة وي��روى من فرط سخائه أن��ه أعطى عب��د الل��ه بن مال��ك أربعمائ��ة

193بغل موقرة دراهم وغيرها. ولم�ا م�ات الرش�يد س�نة تنازع ولداه األمين والمأمون على الخالف��ة وتحارب��ا، وك��ان األمين في بغداد وقد أتته أمه زبيدة بخزائن الرش��يد أبي��ه، والمأمون في خراسان ودامت الحرب بينهما بضع سنوات أنفق األمين في أثنائها كل ما كان في بيت الم��ال م��ع م��ا أنفقه في خاصته، ألنه انقط��ع في أثن��اء خالفت��ه إلى الله��و والخم��ر وب��ذل األم��وال في طلب الملهين وض��مهم إلي��ه وأج���رى عليهم األرزاق واحتجب عن أخوت���ه وأه���ل بيت���ه وقس���م األم���وال والج���واهر في خواص���ه من الخص���يان

والنساء. على أن ادخار المال أصبح بعد الخلفاء الراش��دين من األم��ور المألوف��ة عن��د مل��وك المس��لمين في الممال��ك والعصور. قي��ل إن عب��د ال��رحمن الناص��ر خليف��ة األن��دلس

ه�( جمع في بيت ماله إلى350 � 300الشهير )تولى سنة دين��ار وك��انت جباي��ة20.000.000ه��� نح��و 340س��نة

دين���ار ومن الس���وق5.480.000األن���دلس في أيام���ه دين��ار6.245.000 دين��ارا لجمل��ة 765.000والمستخلص

ما عدا أخماس الغن��ائم فإنه�ا ك�انت كث�يرة، وك�ان الناص�ر ينفق على جنده ثلث هذا المال فقط وقد بالغ ابن خلدون في مق���دار م���ا خلف���ه الناص���ر في بيت الم���ال فجعل���ه

دين��ار ولم ي��ذكر ذل��ك جزاف��ا وال خ��امر5.000.000.000 كالمه شك بل هو حوله��ا إلى ال��وزن فك��انت على تق��ديره

قنطار.500.000جغرافية مملكة اإلسالم في عصر المأمون

حدودها

يح��دها من الش��رق أرض الهن��د وبعض الص��ين وبح��ر فارس، ومن الغرب مملكة الروم، ويعبر عن تل��ك الح��دود اآلن بالبحر األسود وآسيا الص��غرى وبح��ر ال��روم وال��روس والبلغار، ومن الشمال بالد السرير والخزر والالن في آسيا وجبال البيريني��ه في أوروب��ا، وفي خارط��ة ه��ذه األي��ام بالد س��يبيريا وبح��ر ق��زوين وبح��ر ال��روم، ومن الجن��وب بح��ر فارس وما يلي مصر من بالد النوبة وتقسم ه��ذه المملك��ة إلى عدة أعمال تختلف مساحتها ونسبتها بعضها إلى بعض باختالف ال�دول واألزمن�ة وس�نبين م�ا ك�انت علي�ه ح�والي عصر الم��أمون نقال عن جغراف��يي الع��رب في تل��ك األي��ام وخصوصا االصطخري وابن حوقل وابن الفقيه. تقسم إلى سبعة وعشرين إقليما منها س��بعة في المغ��رب وعش��رون

في المشرق وهي:أقاليم المغرب

ديار العرببحر فارس

ديار المغربالشام

بحر الرومالجزيرة

أقاليم المشرقالعراق

خوزستان )األحواز(فارسكرمانمكرانطورانالسند

أرمينيةآذربيجانبالد الران

الجبالالديلم

طبرستانجرجانقومس

مغارة خراسانسجستانخراسان

ما وراء النهرخوارزم

وإلي��ك وص��ف ك��ل من ه��ذه األق��اليم بم��ا يمكن مناإليجاز:

ديار العرب

وهي جزيرة العرب يحيط بها بحر فارس من عبادان � وهو مصب ماء دجلة في البحر � فيمتد على البحرين حتى ينتهي إلى عم����ان ثم ينعط����ف على س����واحل مه����رة وحضرموت وعدن حتى ينتهي إلى سواحل اليمن إلى جدة ثم يمتد إلى مدين حتى ينتهي إلى أيلة، فهم يريدون ببح��ر فارس كل ما يحيط ببالد العرب من المياه ولكنهم يعبرون عن الجزء الممتد من باب المندب إلى أيل��ة ببح��ر القل��زم

وهو البحر األحمر. ويحدها من الغرب الشمالي برا بالد الشام وفلسطين بخ��ط منحن يمت��د من أيل�ة إلى البح��يرة المنتن��ة فالش�راة فالبلق��اء فأذرع��ات وس��لمية فالخناص��رة إلى الف��رات إلى الرقة وقرقيس��يا والرحب��ة فالكوف��ة إلى البط��ائح فواس��ط

إلى عبادان. وتقسم ديار العرب إلى الحجاز، وفيه: مك��ة والط��ائف والمدينة واليمامة وضواحيها. ونجد الحجاز المتصل ب��أرض البحرين، وبادية الع��راق، وبادي��ة الجزي��رة، وبادي��ة الش��ام، واليمن المشتملة على تهامة ونج��د اليمن وعم��ان ومه��رة

وحضرموت وبالد صنعاء وعدن وسائر ضواحي اليمن.بحر فارس

ويراد به عندهم كل البح��ار المحيط��ة ببالد الع��رب من مصب ماء دجلة في العراق إلى أيلة فيدخل في��ه م��ا نع��بر عنه اليوم بخليج فارس وبحر الع��رب وخليج ع��دن والبح��ر

األحمر وخليج العقبة وال يهمنا وصفه في هذا المقام.ديار المغرب

يراد بها في اصطالحهم كل سواحل أفريقي��ا الش��مالية (2( برق��ة )1وراء ح��دود مص��ر غرب��ا وي��دخل في ذل��ك )

( طنج��ة4( ت��اهرت في الجزائ��ر )3أفريقي��ة وهي ت��ونس )والسوس وزويلة في مراكش.

أم��ا برق��ة فهي مدين��ة وس��ط واقع��ة في مس��توى من األرض خصبة يطيف بها البادية يسكنها طوائف من ال��بربر وبينها وبين أفريقية مدينة طرابلس الغرب وهي من عم��ل أفريقية مبنية من الص��خر ويليه��ا المهدي��ة ثم ت��ونس وهي كب��يرة خص��بة ثم الق��يروان وهي عاص��مة أفريقي��ة وأك��بر مدينة فيها واقعة في البر. وك��ذلك ت��اهرت ف��إن عاص��متها ت���اهرت، ومن م���دنها أيض���ا سجلماس���ة وهي بعي���دة في الصحراء، ويجعلون األن��دلس ج��زء من بالد المغ��رب ألنه��ا كانت تابعة لها عند فتحها واألندلس )اسبانيا( مملكة كبيرة عاصمتها قرطبة وحدودها معروفة، ومن أشهر مدنها جيان وطليطل��ة وسرقص��طة والردة ووادي الحج��ارة وترجال��ة وقوري��ة وم��اردة وباج��ة وغ��افق ولبل��ة وقرمون��ة واس��تجة ورية، وعلى سواحلها شنترين ومالقة وجب��ل ط��ارق وغ��ير

ذلك.مصر

وحدود مصر في تلك األيام مثل ح��دودها الي��وم تقريب��ا ويلحق��ون به��ا البج��ة والنوب��ة إلى ح��دود البح��ر األحم��ر

فالعقبة.الشام

وي��راد به��ا س��وريا على العم��وم وتقس��م إلى س��بعة � جند حمص.3 � جند األردن. �2 جند فلسطين. 1أقسام:

�7 �� العواص��م. 6 �� جن��د قنس�رين. 5 �� جن��د دمش�ق. 4الثغور.

فجند فلسطين أول أجناد الشام غرب��ا يح��ده من جه��ة مصر رفح ومن الش��مال اللج��ون وفي��ه ياف��ا وأريح��ا وبيت لحم وغزة وللش��راة والبح��يرة المنتن��ة وغوربي��ان ون��ابلس وك��انت قص��بة فلس��طين الوص��لة ويليه��ا في الك��بر بيت

المقدس.وجند األردن قصبته مدينة طبرية.

وأما جند دمش��ق فقص��بته مدين��ة دمش��ق وهي أعظممدن الشام على اإلطالق وهي معروفة.

وأما جند حمص فقص��بته مدين��ة حمص وهي مش��هورة ويتبعها انطرطوس وسلمية بطرف البادية وش��يزر وحم��اه

وكانتا صغيرتين. وجند قنسرين قص��بته حلب وهي مش��هورة إلى الي��وم وكان لها شأن كبير لوقوعها في طريق العراق إلى الثغور والعواصم، ومن مدنها مدينة قنسرين وهي صغيرة ومعرة

النعمان. وأما العواصم فيراد به��ا أع��الي الش��ام وراء حلب إلى اإلسكندرونة وقصبتها أنطاكية وهي تلي دمش��ق بالنزاه��ة، وكانت عاصمة الشام على عهد ال��روم وك��ان عليه��ا س��ور ض��خم للغاي��ة قي��ل إن دوره لل��راكب يوم��ان، ومن م��دن

العواصم بالش على ضفة الفرات ومنبج في البرية. أم��ا الثغ��ور فهي م��ا وراء العواص��م إلى ح��دود جب��ل طورس في آسيا الصغرى ومن مدنها الشهيرة سميس��اط على الف��رات وملطي��ة وهي أك��بر الثغ��ور وحص��ن منص��ور ومنه��ا الح��دث وم��رعش وزبط��رة والهاروني��ة والمصيص��ة وأذن��ة وطرس��وس، وق��د ي��دخلون الثغ��ور في العواص��م ويطبق��ون عليه��ا جميع��ا اس��م العواص��م، والم��راد ب��الثغور عن��دهم الم��دن الواقع��ة على الح��دود بينهم وبين ال��روم ولذلك كان عندهم ثغور شامية أي الحدود مما يلي الش��ام

وحدود جزرية أي الحدود مما يلي الجزيرة.

والجزيرة بالد خصبة جدا مثل بالد العراق، ومن أش��هر مدنها الموص��ل على دجل��ة من جه��ة الغ��رب وس��نجار في وسط البرية بديار ربيعة ليس في الجزي��رة بل��د في��ه نخ��ل مثلها، ونصيبين وكانت أن��زه بل��د في الجزي��رة، ودارا وهي صغيرة، ورأس عين مدين��ة مس��توية األرض في دار مض��ر وآمد في أعالي دجلة وجزي��رة ابن عم��ر على دجل��ة أيض��ا ومن مدنها على الفرات الرقة وقرقيسيا والحديث��ة وهيت، وفي أواسطها أيض��ا ح��ران وهي مدين��ة الص��ابئين، والره��ا وهي قديمة مشهورة بالم��دارس والعل��وم أي��ام الس��ريان،

وسروج مدينة خصبة كثيرة األعناب. وفي الجزيرة مفاوز يس��كنها قبائ��ل من ربيع��ة ومض��ر تقيم ربيع��ة في الش��مال الش��رقي ومض��ر في الجن��وب الغربي وقد كانوا هناك قبل اإلسالم، وهم أهل خي��ل وغنم وإب���ل على أنهم متص���لون ب���القرى والم���دن فهم بادي���ة حاضرة، وتكريت آخر حدود الجزيرة على دجلة وكان أكثر

أهلها نصارى.العراق

وه��و القس��م الجن��وبي من بين النه��رين وم��ا يج��اوره، طوله من تكريت على دجلة من الشمال إلى عبادان على بحر فارس في الجنوب وعرض��ه من قادس��ية الكوف��ة في الغ��رب إلى حل��وان في الش��رق، ومحيط��ه إذا ب��دأنا من تك��ريت نس��ير ش��رقا إلى ش��هرزور ثم جنوب��ا ش��رقيا إلى حلوان فالسيران والصيمرة فح��دود الس��وس إلى عب��ادان ثم ينعطف إلى البصرة ومنها صعدا نحو الش��مال والغ��رب في البادي��ة على س��واد البص��رة وبطائحه��ا إلى الكوف��ة ثم على الف��رات إلى األنب��ار ومن األنب��ار ش��ماال إلى تك��ريت، ويسمى ما بين دجلة والفرات السواد. هذه ح��دود الع��راق إب��ان التم��دن اإلس��المي وهي تختل��ف عن ح���دوده اآلن وخصوصا أن مجاري األنهر تغ��يرت، وأش��هر م��دن الع��راق بغداد وهي قصبته وعاصمة المملكة اإلسالمية إبان مجدها بناه���ا المنص���ور. والبص���رة وهي مدين���ة عربي���ة بناه���ا المس��لمون في أي��ام عم��ر بن الخط��اب وللبص��رة بط��ائح

سيأتي تاريخها في موضع آخر. وواسط مدينة عربية أيض��ا بناها الحجاج في وس��ط الس��واد، والكوف��ة غ��ربي الف��رات وهي من بناء العرب، ومن مدن العراق النه��روان ش��رقي دجلة على نهر اسمه النهروان جف اآلن، وحلوان في آخ��ر حدود الع��راق ش��رقا وك��انت مدين��ة كب��يرة بق��رب الجب��ل،

والحيرة قرب الكوفة واإلبلة قرب البصرة.خوزستان

هي ش���رقي الع���راق بينه���ا وبين ف���ارس يح���دها من الشمال ك�ور الجب��ال ومن الش�رق ف�ارس وأص�بهان ومن الغرب العراق ومن الجنوب خليج ف��ارس عاص��متها مدين��ة األحواز )األهواز(وإليها تنسب خوزستان فيقال لها األح��واز )األهواز( وتقسم إلى كور أوله��ا ك��ورة األح��واز، ثم جن��دي سابور والسوس وتستر ورامهرمز وسرق وعسكر مك��رم،

وقصبة كل كورة المدينة المسماة باسمها.بالد فارس

وهي واقع��ة بين خوزس��تان في الغ��رب وكرم��ان في الش��رق ويح��دها ش��ماال أص��فهان وبادي��ة خراس��ان ومن الجن��وب والغ��رب بح��ر ف��ارس. وتقس��م بالد ف��ارس إلى خمس كور أكبرها كورة اصطخر قصبتها اصطخر ثم كورة اردشير خرة وقصبتها جور وفيها أيض��ا مدين��ة ش��يراز وهي عاصمة بالد فارس وبها دواوينها ودار اإلمارة، ثم كورة دار أبجرد وكورة ارجان قصبتها مدينة ارجان ثم ك��ورة س��ابور وهي أص��غر ك��ور ف��ارس وفيه��ا مدين��ة ك��ازرون، ومن بالد فارس بقاع يقيم فيها قبائل من األكراد يزيدون على مائ��ة حي يتعيشون بالمرعى والحرث في بقاع يقال لها رم��وم، ويقدر عدد بيوت تلك القبائل في بالد فارس وح��دها بنح��و

بيت ينتجعون المراعي في المشتى والمص��يف500.000 على م��ذاهب الح��رب، وق��د يك��ون في ال��بيت الواح��د من األرباب واألجراء والرعاء نح��و عش��رة رج��ال ف��إذا اعتبرن��ا مع��دل الرج��ال في ك��ل بيت خمس��ة ك��ان ع��دد الرج��ال

رجل وباعتبار م��ا يلحقهم من النس��اء2.500.000األكراد واألوالد يزيد عددهم على عشرة ماليين.

)كرمان( هي أك��بر من ف��ارس واقع��ة بين ف��ارس في الغ���رب ومك���ران وسجس���تان في الش���رق ويح���دها من الشمال مفازة خراسان ومن الجنوب بحر ف��ارس وأش��هر

مدنها الشيرجان وبم وجيرفت وهرموز. )مك��ران( هي ش��رق كرم��ان وإلى ش��رقيها ط��وران وبعض بالد السند وفي الشمال سجستان وبالد الهن��د وفي الجنوب بحر فارس وهي أكبر من كرمان ومن مدنها الت��يز

وكيز ودرك ورسك. )طوران( هي أصغر من فارس واقعة بين مك��ران في الغرب وبالد السند في الشرق والشمال وبحر ف��ارس في

الجنوب وأشهر بالدها محالي وكيز كانان وقصدار. )السند( والسند آخر حدود مملكة اإلسالم في الش��رق وأشهر مدنها المنصورة وهي بلسان الهن��ود )برهمان��ا ب��اذ( ومنه��ا ال��ديبل على ش��اطئ البح��ر والملت��ان وغيره��ا، أم��ا المنصورة فإنها واقعة على خليج من نهر مهران يحيط بها

في شبه الجزيرة وأهلها مسلمون. ويطلق االصطخري على مكران وطوران والسند اسم

السند. )أرمينية( هي في أعالي مملكة اإلسالم فوق الجزي��رة تحدها من الشرق آذربيجان والران ومن الغرب بالد الروم )في آسيا الصغرى( ومن الشمال جبال القبق )القوق��اس( ومن الجن��وب الجزي��رة قص��بتها دبي��ل وفيه��ا دار اإلم��ارة والنصارى به��ا كث��يرون، ومن م��دنها خالط وأرزن وق��اليقال

وميافارقين ويعدها بعضهم من الجزيرة وهكذا فعلنا. )آذربيج��ان( هي ش��رقي الجزي��رة يح��دها من الغ��رب الجزي��رة وأرميني��ة ومن الش��رق بح��ر الخ��زر وبالد ال��ديلم ومن الش���مال بالد ال���ران ومن الجن���وب ك���ور الجب���ال، عاصمتها مدينة أردبيل وفيها العس�كر ودار اإلم��ارة طوله�ا ميالن في ميلين ويلي أردبيل بالكبر مراغة وكانت قبال دار اإلمارة وتليه��ا أرومي��ة على ش��اطئ بح��يرة الش��راة، ومن

مدنها سلماس ومرند وشيز.

)بالد الران( هي شمالي آذربيج��ان يح��دها من الش��رق بحر الخزر ومن الغ��رب أرميني��ة ومن الش��مال جب��ل قب��ق ومن الجنوب آذربيجان أكبر مدنها مدينة برذع��ة ثم تفليس

والهاب ومنها بيلقان والشاوران وغيرها. )الجبال( يراد بالجبال بالد فارس وهي تقسم إلى ك��ور أشهرها ماه الكوف��ة وهي ال��دينور وم��اه البص��رة وتس��مى نهاوند، ويحد الجبال من الشرق مف��ازة خراس��ان وف��ارس ومن الغ��رب الع��راق والجزي��رة ومن الش��مال آذربيج��ان والديلم والري وقزوين ومن الجنوب خوزس��تان والع��راق، وهي تشتمل على مدن مشهورة أعظمها همدان وال��دينور وماسبذان وأصبهان وقم وقاشان ونهاون��د والل��ور والك��رج وقزوين وشهر زور وحلوان، مساحة همدان فرس��خ وك��ان لها سور أبوابه من حديد، والدينور ماه الكوفة نح��و ثلثيه��ا، وأصبهان مدينتها بينهم��ا ميالن، وم��اه البص��رة واقع��ة على جب��ل بناؤه��ا من طين، وحل��وان مدين��ة في س��فح الجب��ل المط���ل على الع���راق، وش���هر زور قريب���ة من الع���راق، وقزوين في أعالي فارس وهي ثغر بالد الديلم، وقم مدينة

عليها سور وهي خصبة، وقاشان مدينة صغيرة. )ال��ديلم( هي جب��ال مطل��ة على بح��ر الخ��زر )بح��ر قزوين( يحدها من الجن��وب ق��زوين وبعض آذربيج��ان ومن الش��مال بح��ر الخ��زر ومن الش��رق ق��رمس ومن الغ��رب آذربيج��ان. وأه��ل ال��ديلم ص��نفان س��كان الجب��ال وس��كان الس��هول ومن توابعه��ا ال��ري وأبه��ر وزبخ��ان والطالق��ان

وقزوين والدويان. )طبرستان( وهي تلي ال��ديلم ش��رقا واقع��ة على بح��ر الخزر أيضا يحدها من الشرق جرجان ومن الغرب ال�ديلم، أكبر مدنها آمل وهي مركز الوالية وسارية وهي بالد كثيرة

المياه ودماوند. )جرج��ان( هي ش�رق طبرس�تان وش��ماليها يح��دها من الش��مال تركس��تان ومن الجن��وب ق��ومس ومن الش��رق خراسان ومن الغرب بحر الخزر، أكبر مدنها مدينة جرجان وهي أك��بر من آم��ل، ثم اس��تراباد في الجن��وب ودهس��تان

على شاطئ البحر.

)قومس( هي جنوبي جرجان وطبرستان وهما يح��دانها من الشمال، وأما من الجن��وب والش��رق فح��دودها مف��ازة خراس��ان ومن الغ��رب تح��دها بالد ال��ري قص��بتها مدين��ة

الدامغان. )مف��ازة خراس��ان( هي بادي��ة واقع��ة في أواس��ط بالد المش��رق يح��دها من الش��مال ق��ومس ومن الجن��وب بالد فارس وسجستان ومن الشرق سجس��تان وخراس��ان ومن

الغرب الجبال وهي أقل من بادية العرب سكانا. وبعض هذه المفازة تابع لخراسان والبعض اآلخ��ر ت��ابع لفارس وكرمان وهي وعرة ويصعب سلوكها بالخي��ل لقل��ة

الماء فيها. )سجستان( هي واقعة في شمالي مك��ران يح��دها من الشرق مفازة بينها وبين السند، ومن الجنوب مكران ومن

الشمال أرض الهند ومن الغرب مفازة خراسان.أكبر مدنها زربخ وبست والطاق وغيرها.

)خراس��ان( هي من أخص��ب بالد المش��رق وأوس��عها يحدها من الش��رق الش��مالي م��ا وراء النه��ر ومن الش��رق الجن��وبي بالد الس��ند وسجس��تان ومن الش��مالي خ��وارزم وبالد الغ��ز في تركس��تان، ومن الجن��وب مف��ازة خراس��ان وفارس، ومن الغرب قومس، وتقس��م خراس��ان إلى ك��ور أعظمها نيس��ابور وم��رو وه��رات وبلخ يليه��ا كورقوهس��تان وطوس ونساوابيورد وسوخس واسفزار وبوشج وبازغيسوكبخ دستاق ومروروذ وجوزجان وطخارستان وزم وآمل.

عاص��مة خراس��ان مدين��ة نيس��ابور وهي أعظم م��دنها جميعا وتسمى أيضا أبوشهر واقعة في أرض س��هلة أبنيته��ا

من طين سعتها فرسخ في فرسخ. ومدين��ة م��رو وتع��رف بم��رو الش��اهجان وهي قديم��ة البناء، ومدن خراسان كث��يرة وبالده��ا آمل��ة وتربته��ا خص��بة

وقد كان للمسلمين فيها ارتفاع عظيم. )م��ا وراء النه��ر( هي آخ��ر بالد اإلس��الم ش��ماال ش��رقيا يحدها من الشمال بالد تركس��تان وبالد الهن��د ومن الغ��رب الجنوبي خراسان يفصل بينهما نهر جيح��ون ومن الش��مال الغربي خوارزم ومن الجنوب طخارستان، وهو من أخصب

أق��اليم اإلس��الم وأنزهه��ا وأكثره��ا خ��يرا، وأش��هر نواحيه��ا بخ��ارى وس��مرقند وكش ونخش��اب وبيكن��د والس��اغانيان

وفرغانة والسفد والشاش واشروسنة وخوجند. )خ��وارزم( ويع��دها االص��طخري تابع��ة لم��ا وراء النه��ر فإنها مستطيلة الشكل تمتد على ضفاف نه��ر جيح��ون في الشمال، يح��دها من الش��مال بح��ر خ��وارزم ومن الجن��وب خراس��ان وبالد الص��فد وتح��دق به��ذا اإلقليم المف��اوز من

الشرق والغرب، قصبته مدينة خوارزم. ومجموع جباية الدولة العباسية في أيام الم��أمون نح��و

ملي��ون درهم م��ا ع��دا األم��وال والغالت مم��ا ال نعلم400 حقيق��ة قيمت��ه وإذا أع��دت النظ��ر في��ه رأيت��ه ش��يئا كث��يرا، والعادة في تقدير الجباية أن تقدر هذه الغالت بما تس��اويه من النقد ويضاف مبلغها إلى مبالغ النقد كما فعل ص��احب جراب الدولة في غالت الس��واد ومعظمه��ا في األص��ل من الحنطة وكما سترى في تفصيل خ��راج طساس��يج الس��واد

بقائمتي قدامة وابن خرداذبه. وقد تقدم أن الجباية ال��تي ك��انت ت��رد إلى بيت الم��ال في بغداد إنما هي م��ا تحص��ل منه��ا في األق��اليم بع��د دف��ع أموال الجند ونفقات الجباية وإصالح ال��ري ونح��و ذل��ك من نفق���ات األق���اليم ولم يب���ق على ه���ذا الم���ال إال نفق���اتالدواوين في بغداد للخليفة ووزرائه وكتابه ورجال بطانته.

وهذا مما لم نسمع بمثله في الدول ق��ديما وال ح��ديثا � إال إذا اعتبرنا ما أورده بعضهم إجماال بطري��ق الع��رض عن دولتي ال��روم والف��رس ��� فق��د ق��ال )جبن( م��ؤرخ الدول��ة الروماني��ة: إن جباي��ة ه��ذه الدول��ة إب��ان س��طوتها ومعظم

درهم منه�����ا400.000.000س�����عتها تس�����اوي نح�����و درهم من آس���يا )الص���غرى( وذك���ر ابن135.000.000

خروازبه أن جباية مملكة الف��رس في أي��ام كس��رى بروي��ز ملي��ون درهم،720 مثق��ال أو نح��و 420.000.000بلغت

فإذا سلمنا بصحة هذه األرقام أعوزنا االطالع على طريق��ة اإلنفاق عندهم إذ ربما كانت تستغرق معظم ه��ذه الجباي��ة بخالف الدولة العباسية، أما ما خال هاتين الدولتين ف��الفرق بين جبايته��ا وجباي��ة ه��ذه الدول��ة عظيم ج��دا، فالدول��ة

العثمانية بلغت معظم سعتها في أي��ام الس��لطان س��ليمان الق��انوني في أواس��ط الق��رن العاش��ر للهج��رة ولم ي��زد

دوكات أو نح��و8.000.000ارتفاع جبايتها في أيامه على فرن���ك. ف���أين ذل���ك من جباي���ة الدول���ة650.000.000

العباس�ية فإنه��ا تزي��د على أض�عافه، وقس على ذل�ك دول ه��ذه األي��ام باعتب��ار م��ا يبقى في ص��ندوقها كم��ا س��يأتي ولنتقدم إلى الكالم في الجهات التي كانت تنفق فيها ه��ذه

األموال.نفقات الدولة العباسية

لم نر في ما كتبه المؤرخون القدماء في العربي��ة نص��ا يتعلق به��ذا الش��أن، على أنن��ا توفقن��ا بهم��ة الب��ارون ف��ون كريم��ر إلى قائم��ة تش��مل م��ا اش��ترطه أحم��د بن محم��د الطائي على نفسه أن يقدمه من ض��مانه إلى بيت الم��ال، وفي��ه م��ا ك��ان ينفق��ه بيت الم��ال في بغ��داد في الس��نين

ه���( وق��د279األولى من خالفة المعتض��د العباس��ي )س��نة عين فيه مقدار المال الالزم لكل فئة من فئات الموظفين ال����ذين ت����دفع رواتبهم من بيت الم����ال وجمل����ة ذل����ك

دينار في السنة تدفع باعتبار كل ي��وم س��بعة2.500.000 آالف دين�ار تف��رق في الجن�د وم��وظفي ال�دواوين والخ��دم وغ��يرهم، وال يخفى أن النق��ود في أي��ام العباس��يين ك��انت تساوي ثالثة أضعاف ما تساويه الي��وم على األق��ل وك��انت توض��ع في بيت الم��ال تحت تص��رف الخليف��ة واجته��اده يستخدمها في الجهات التي يريدها أو ي��تراءى ل��ه أن فيه��ا

مصلحة للدولة. ومن القضايا البديهية أن مثل ه��ذه ال��ثروة ال تت��أتى إال

إذا كان الدخل كثيرا وكانت النفقة قليلة.

الجباية مصادر

كانت الجباية في أوائل الهجرة قاصرة على الزكاة ثم حدثت الغنائم بعد واقعة بدر الكبرى ثم الجزية لمن ص��الح النبي )صلى الل��ه علي��ه وآل��ه( من نص��ارى جزي��رة الع��رب ويهوده��ا وت��وفي الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( ومص��ادر

الجباية الزكاة والغنائم والجزية. وما زالت مصادر الجباية ترتقي وتتفرع ح��تى أص��بحت

في أيام العباسيين عديدة ترجع إلى أحد عشر وهي: � الصدقة أو الزكاة.1 � الجزية.2 � الخراج.3 � المكوس )العزرة(.4 � المالحات واألسماك.5 � أعشار السفن.6 � أخماس المعادن.7 � المراصد )الكمارك(.8 � غلة دار الضرب.9

� المستغالت.10 � ضرائب الصناعة وغيرها.11

أسباب كثرة الخراج

الخ����راج م����ا يوض����ع من الض����رائب على األرض أو محص��والتها ولكثرت��ه في الدول��ة العباس��ية أس��باب أهمه��ا

أربعة وهي: � سعة المملكة العباسية1

لما كان المعول في مقدار الجباية على الخراج فجباية المملك��ة تتع��اظم بزي��ادة مس��احة أرض��ها وخص��ب تربته��ا، والمملك��ة اإلس��المية في العص��ر العباس��ي األول ك��انت

عظيمة االتساع جدا بل هي أوسع ممال��ك التم��دن الق��ديم )وخصوصا إذا اعتبرن��ا إس��بانيا منه��ا( إال مملك��ة االس��كندر فربم����ا قاربته����ا. فمجم����وع مس����احة ه����ذه المملك����ة

ميال مربع��ا وذل��ك نح��و مس��احة أورب��ا كله��ا.3.328.014 فخ��راج أوروب��ا ل��و جب��اه المس��لمون لم ي��زد على خ��راج مملكتهم ف��اعتبر ع��دد تل��ك الممال��ك وفيه��ا أعظم دول األرض اليوم، فلو كان اعتماد تلك الدول في جبايته��ا على الخ��راج لم��ا اس��تقام أمره��ا وإنم��ا عم��دتها على ض��رائب

المشروبات الروحية والجمارك. � اشتغال الناس في الزراعة2

قلنا في كالمنا عن بيت الم��ال في عص��ر األم��ويين أن عمالهم كانوا يسيئون إلى أصحاب الخراج من الرعايا بم��ا يس��تعملونه من العن��ف والتعس��ف في تحص��يلها فتش��اغل الن��اس عن ال��زرع ف��أهملت األرض وزاده��ا إهم��اال انتش��ار الفتن والحروب في العراق وفارس وسائر أنحاء المملك��ة اإلس��المية ونقم الن��اس على حك��ومتهم وأبطل��وا الزراع��ة نكاية فيها ولقلة انتف��اعهم به��ا فأص��بح معظم البالد خراب��ا من اإلهمال وفيها الضياع والمزارع، فلما تولى العباس��يون

عاد الناس إلى االشتغال بالزرع وغيره. ومما ساعد على عمران المملكة العباسية أن الخلفاء كانوا يبذلون جهدهم في تعم��ير م��ا ترك��ه األموي��ون خراب��ا من الضياع والمزارع بتس��ليمها إلى من يص��لحها ويعمره��ا فضال عما كانوا يبذلونه من العناية في حفر األنه�ر وإنش�اء

السدود وغيرها من مسهالت الري. )السواد( فعمرت بذلك البالد وك��ثرت غلته�ا وخصوص�ا السواد )العراق( فإنه من أخصب بقاع األرض وإذا راجعت

درهم.120.000.000ما ذكرناه من جبابته رأيت خراج��ه والسواد كثير الجباية من أيام الف��رس فق��د جب��اه قب��از بن

درهم وجب���اه كس���رى بن قب���از150.000.000ف���يروز درهم وجب��اه غ��يرهم من مل��وك الف��رس287.000.000 من الوض���ائع3.000.000 درهم س���وى 120.000.000

لم��واد الكس��ائرة، ك��انوا يجب��ون ذل��ك على غ��ير ظلم وال

عسف ولكنهم كانوا يعتنون بالري فيحفرون الترع ويبن��ون السدود والجس��ور، وق��د جعل��وا همهم إحي��اء أرض��ه بحف��ر األنه��ر وإنش��اء الجس��ور ح��تى تش��بكت ال��ترع في الس�واد وأصبح ما بين دجل��ة والف��رات س��وادا مش��تبكا غ��ير مم��يز تخترق إليه أنهار من الفرات وقس على ذلك س��ائر أنح��اء العراق، وهو لم يصر إلى هذا الخصب والرخاء إال في أيام العباسيين الرتي��اح الن��اس إلى العم��ل ورغب��ة الخلف��اء في تعمير البالد مع قابلية األرض لذلك، وخ��راج خراس��ان نح��و

درهم وهكذا سائر البالد.40.000.000 � ثقل الخراج المضروب3

ك���ان الخ���راج المض���روب على األرض في المملك���ة العباسية يختلف نوعه باختالف البالد فبعضها بالمساحة أي أن يضربوا على المساحة المعلومة من األرض م��اال معين��ا في العام س��واء زرعت تل��ك األرض أم لم ت��زرع، والبعض اآلخ��ر بالمقاس��مة أي أن يك��ون الخ��راج ج��زء من حاص��ل األرض بع��د زرعه��ا واس��تغاللها، وم��ا لم ي��زرع ال يط��الب ب��الخراج وك��ل من خ��راج المس��احة والمقاس��مة درج��ات وفئات. فبينما أخذ عمر من خراج العراق أق��ل من الس��بع

أخذ المهدي العباسي نصف غلته تقريبا وهو خراج ثقيل. ويظه��ر أن اله��ادي أو الرش��يد زاد على ذل��ك الخ��راج العشر فصار خراج العراق نص�ف غلت��ه وعش�رها أي س�تة

ه��� فأس��قط192أعش��ارها وظ��ل ذل��ك ش��أنها إلى س��نة الرشيد العشر وأبقى النصف فقط وم��ا زال أه��ل الس��واد

ه��� فجعله��ا204ي��دفعون نص��ف غلتهم خراج��ا إلى س��نة الم�أمون خمس�ين فكأن��ه أس�قط عش��رين في المائ��ة من

مقدار الخراج. وخفض خراج بعض البالد األخرى غ��ير الس��واد ك��الري

ه�� فأق��ام فيه��ا م��دة وأم��ر بتخفي��ف210فإنه جاءها س��نة الخراج عنها، فلما انصرف وبلغ أه��ل قم ذل��ك طلب��وا إلي��ه أن يحط خراجهم كما فعل بالري ف��أبى فتم��ردوا وامتنع��وا

درهم2.000.000عن أداء الخ�����راج وك�����ان مق�����داره

7.000.000فح��اربهم الم��أمون وجب��اه في ذل��ك الع��ام درهم تأديبا لهم، وقس على ذلك سائر البالد.

وجمل��ة الق��ول أن الخ��راج ك��ان في العص��ر العباس��ي األول ثقيال ومع ذل�ك لم يكن يعس�ر اقتض�اؤه وقلم�ا ش�كا الناس ثقله وربما اس��تطاع العام��ل أن يجم��ع الماليين من الدراهم بسهولة في بضعة أيام كما اتفق للمأمون لما م��ر بدمشق وك��ان أخ��وه المعتص��م ع��امال ل��ه عليه��ا وق��د ق��ل المال مع الم��أمون فش��كا ذل��ك إلى المعتص��م فق��ال: )ي��ا أمير المؤمنين كأنك بالمال وقد وافاك بعد جمع��ه( فج��اءه

( من خ��راج م��ا30.000.000بثالثين أل��ف أل��ف درهم )يتواله له ففرق معظمه وهو واقف.

سائر مصادر الجباية

على أنن��ا ال ن��رى بأس��ا من اإلش��ارة إلى م��ا بقي من مصادر الجباية في العصر العباس��ي األول تتم��ة للموض��وع

منها: � )أعشار السفن( هي ضريبة ذات بال كان يرد منها1

إلى بيت الم��ال مب��الغ واف��رة لم نع��ثر على تفص��يلها وال وقفنا على مقدار ما كان يجبى في العصر العباس��ي ولكن يؤخذ مم��ا نعلم��ه من اتس��اع التج��ارة في تل��ك األي��ام بين العراق وسائر أقطار الدنيا حتى الهند والص��ين أن الس��فن كانت كثيرة وأحمالها ثمين��ة. وق�د ذك��روا ت��اجرا واح��دا من تجار البصرة في القرن السادس للهجرة اسمه حس��ن بن العباس له مراكب تس��افر إلى أقص��ى بالد الهن��د والص��ين

دين��ار في100.000بل��غ مق��دار م��ا يتحص��ل من ض��رائبها العام فاعتبر ذلك وقس عليه غيره.

� )أخماس المعادن( كانت المعادن عندهم ض��ربين:2 ظ��اهرة وباطن��ة فالمع��ادن الظ��اهرة م��ا ك��ان جوهره��ا المستودع فيها بارزا كمعادن الكحل والملح والقار والنفط فهذه ال يجوز إقطاعها ألنها كالماء، الناس فيه سواء يأخذه من ورد إليه، وأما المعادن الباطنية فهي ما ك��ان جوهره��ا مستكنا فيها فهذه كانت الحكومة تقطعها لمن يس��تخرجها وله��ا الخمس مم��ا يخ��رج منه��ا ونظ��را لس��عة المملك��ة

العباسية فق��د ك��انت المن��اجم فيه��ا عدي��دة ومنه��ا ال��ذهبوالفضة والنحاس والزئبق والفيروز والزبرجد وغيرها.

� )الجزية والزكاة( كانت الجزي��ة في ص��در اإلس��الم3 كثيرة ثم تناقصت بدخول الناس في اإلسالم. والزكاة كان

لها شأن كبير في أول اإلسالم ثم قلت أهميتها. ��� )المك��وس والمراص��د( وهم��ا تق��ابالن الكم��ارك4

والعوائ��د في ه��ذه األي��ام وك��انوا يأخ��ذون ض��ريبة من ك��ل تج���ارة واردة في البح���ر أو ال���بر مهم���ا يكن نوعه���ا من األنس���جة أو المحص���والت أو المص���نوعات أو الرقي���ق أو

غيره. وكان يحصل لهم من ذلك مال كبير. فمثال ذكر ابن حوقل أنه ك��ان يتحص��ل مم��ا يخ��رج من آذربيجان إلى نواحي الري ول��وازم على الرقي��ق وال��دواب

درهم1.000.000وأس��باب التج��ارات واألبق��ار واألغن��ام في السنة.

� )المستغالت وغلة دار الض��رب( ي��راد بالمس��تغالت5 م��ا يج��بى ل��بيت الم��ال من أس��واق أو من��ازل أو ط��واحين ابتناه��ا الن��اس في أرض تربته��ا للس��لطان في��ؤدون عنه��ا أج��رة، وذك��ر ابن خرداذب��ه مبل��غ غالت األس��واق واألرج��اء

درهم1.500.000ودور الضرب في مدينة الس��الم بغ��داد في الس��نة وبلغت غالت ومس��تغالت س��امراء وأس��واقها

درهم في السنة.10.000.000 فالدول��ة العباس��ية إب��ان زهوه��ا ك��انت تج��بي من ه�ذه الضرائب شيئا كثيرا ولكن العمدة كانت على الخ��راج كم��ا

تقدم.� صدق العمال في إرسال المال المجموع4

ك��ان من ج��ور عم��ال ب��ني أمي��ة أنهم كث��يرا م��ا ك��انوا يستأثرون بالخراج ألنفس��هم إم��ا ب��إذن الخلف��اء كم��ا فع��ل عم�رو بن الع�اص بمص�ر إذ جعله�ا معاوي��ة طعم�ة ل�ه في مقاب��ل نص��رته إي��اه على علي )علي��ه الس��الم( أو بحج��ة الحاج��ة إلى الم��ال في الح��روب كم��ا حص��ل في أي��ام الحجاج، أو استرضاء لعامل متمرد التماس��ا لقع��وده أو أن يعصي العامل بالخراج لغ��ير س��بب كم��ا فع��ل مس��لمة بن

عبد الملك في واليته على العراق في أيام أخيه يزيد ف��إن يزي��دا اس��تحى أن يطالب��ه ب��الخراج ولعل��ه خ��اف عص��يانه، ناهي��ك بم��ا ك��ان يكتم��ه العم��ال عن خلف��ائهم من أم��وال الفيء والغن��ائم وه��و من ح��ق بيت الم��ال وق��د يذكرون��ه ويطمعون فيه كما فعل يزيد بن المهلب بعد فتحه جرجان

ه� فإن��ه أص��اب م��اال كث��يرا بقي من��ه ل��بيت الم��ال98سنة درهم كتب عنه���ا للخليف���ة لكن���ه اس���تبقاها6.000.000

لنفسه ��� ذل��ك ونح��وه دع��ا الخلف��اء في بعض األح��وال أنيستخرجوا المال من عمالهم بالقوة � .

أم�ا بن��و العب�اس فق�د ك�ان معظم عم�الهم في أوائ�ل الدولة من أهلهم األقربين ثم استعملوا أنص��ارهم الف��رس وهم أكثر الناس رغبة في قيام دولتهم، وكان الخلف��اء من الجهة األخ��رى ال يقص��رون في زي��ادة رواتبهم ح��تى بلغت في أيام الم��أمون ثالث��ة ماليين درهم وهي عمال��ة الفض��ل بن السهل على المش��رق، ومم��ا س��اعد ب��ني العب��اس في أوائل دولتهم على حف��ظ نظ��ام أعم��الهم وإجم��اع العم��ال على والئهم سداد رأي وزرائهم وخصوصا البرامك��ة ف��إنهم كانوا واسطة عقد تلك الدولة وزهرة تمدنها، وك��ذلك ك��ان الف��رس على اإلجم��ال ألنهم ك��انوا يع��دون اس��تيالء ب��ني العباس عليهم رحمة من الله ك��انوا يتوقعونه��ا من��ذ أع��وام

للتخلص من بني أمية واحتقارهم إياهم. � قلة الموظفين5

يختلف عدد الموظفين في مص��الح الحكوم��ة ب��اختالف نم���ط تنظيمه���ا ويق���ال باإلجم���ال أنهم أق���ل ع���ددا في الحكوم���ات االس���تبدادية منهم في الحكوم���ات المقي���دة الس��تغناء الحكم المطل��ق عن ت��دوين ك��ل ش��يء وض��بطه لمراجعة النظر فيه. ويكفي لبيان هذا الف��رق مقابل��ة ع��دد موظفي الحكومة المصرية قب��ل نظامه��ا الح��الي بع��ددهم

اليوم. كانت حكومة مصر قبل دخ��ول الفرنس��يين إليه��ا )في أواخر القرن الثامن عشر( ال تزال على نحو ما رتبها علي��ه السلطان سليم الفاتح وابنه الس��لطان س��ليمان. وال ت��رى

عدد الموظفين فيه يزي��د على خمس��ين )م��ا ع��دا الجيش( فإذا اعتبرنا ما يلحقه من الكتاب والنواب وغيرهم ربما بلغ

وهو يقاب��ل في ه��ذه األي��ام400 أو 300 أو قل 200إلى نظ��ارات الحكوم��ة ومجلس النظ��ار والمعي��ة ومص��لحة الصحة والبوليس والسجون وسائر المصالح مما يربو عدد

17.771موظفيها على ألفين كما يأتي، أما اليوم فعددهم وهو عدد موظفي الحكومة في نظاراتها ومصالحها ما عدا الجيش، فاعتبر الفرق العظيم بين هذا العدد وبين ما ك��ان عليه في أيام المماليك وقس عليه عدد موظفي الحكوم��ة

(.1في الدولة العباسية) � عدم وجود الدين على الحكومة6

من أدران التم���دن الح���ديث انغم���اس الحكوم���ات األوروبية في الديون وم��ا من دول��ة إال وهي مديون��ة بم��ال البد لها من تأدية فوائ��ده أو تس��ديد بعض��ه من دخله��ا ك��ل عام، فهو عبء ثقيل على ماليتها وسبب كبير في قل��ة م��ا يفضل من دخلها مع كثرة أبواب الدخل عندها مما فرضته من الضرائب المختلفة ال��تي لم تكن معروف��ة في الدول��ة العباس��ية أو أنه��ا ك��انت خفيف��ة ج��دا. فمثال دخ��ل انكل��ترا

جني��ه يجتم��ع نح��و أربع��ة أخماس��ها من120.000.000 ضرائب أكثرها حديثة العهد وأن نفق��ات الدول��ة تس��تغرقها كلها، فمن أسباب ذلك أن رب��ع ه��ذا ال��دخل تقريب��ا ي��ذهب

في وفاء فائدة ما على هذه الدولة من الديون. � اقتصاد الخلفاء األولين وتدبيرهم7

من األمور المقررة في التاريخ السياسي أن مؤسسي ال����دول ومن يتل����وهم من األم����راء األولين يغلب فيهم االقتصاد والتدبير ولوال ذلك لم يت��أت لهم إنش��اء ال��دول أو تث��بيت دعائمه��ا ويع��بر فالس��فة الت��اريخ عن ذل��ك بص��بوة الدول��ة. والص��بوة ت��دعو إلى النم��و باالدخ��ار، ف��إذا بلغت الدولة شبابها وتم نموه��ا ع��ادت ناكص��ة على عقبيه��ا كم��ا يتقهقر المرء إلى الكهولة فالشيخوخة. فالدول��ة العباس��ية نشأت في حج��ر الس��فاح طفل��ة فتناوله��ا المنص��ور ص��بية

فغ��ذاها وأنماه��ا ح��تى أدركت ش��بابها في أي��ام الرش��يد والم��أمون ثم تقهق��رت إلى الكهول��ة فالش��يخوخة ف��الهرم

في أيام الخلفاء التابعين. � النظام اإلسالمي حيث إنه بسيط للغاية، يوجب قلة1

(.3الموظفين )

االنحطاط عصر في العباسية الدولة ثروة

لكل دولة أدوار شبيهة بأدوار الحياة من الطفول��ة إلى الش���يخوخة. فالدول���ة العباس���ية بلغت ش���بابها في أي���ام الرشيد والمأمون وهو العص�ر العباس�ي الزاه�ر ثم أخ�ذت بعدهما في االنحدار نح��و الكهول��ة فالش��يخوخة كم��ا بلغت الدولة األموية في الشام ش��بابها في أي��ام عب��د المل��ك بن مروان وابنه الوليد والدولة األموية باألندلس بلغت ش��بابها في أيام الخليف��ة الناص��ر وابن��ه الحكم، والدول��ة العثماني��ةبلغت ذلك الدور في أيام السلطان سليمان، وقس عليه.

)الع��رب والف��رس( وق��د علمت مم��ا تق��دم أن الدول��ة العباس��ية إنم��ا ق��امت بنص��رة الف��رس وخصوص��ا أه��ل خراسان، وهؤالء لم ينصروها إال انتقاما ألنفس��هم من ب��ني أمية لما كان من تعصبهم للع��رب واحتق��ارهم س��ائر األمم الخاض��عة لهم ول��و ك��انوا مس��لمين. فالعباس��يون عرف��وا للف��رس فض��لهم في ذل��ك فقرب��وهم واس��تخدموهم في مص��الح الدول��ة واتخ��ذوا منهم ال��وزراء والعم��ال والكت��اب وغيرهم، فضعف شأن العرب وصاروا ينظرون إلى الدولة نظر المحاذر الم��راقب وال حيل��ة لهم في إرج��اع نف��وذهم، فلم���ا نكب البرامك���ة ظن الع���رب أنهم س���يرجعون إلى شوكتهم وسلطاتهم، ثم مات الرشيد واختلف ابن��اه األمين والم��أمون على الخالف��ة واألمين ع��ربي األب��وين ألن أم��ه زبيدة حفيدة المنصور، فأخذ أهل بغداد بنصرته وفيهم جند الع��رب )الحربي��ة(. وأم��ا الم��أمون فأم��ه فادي��ه فارس��ية األص��ل، وك��ان في خراس��ان بين أخوال��ه وش��يعته فنص��ره الخراس��انيون كم��ا نص��روا أج��داده وانتهى الخالف بمقت��ل األمين وفوز المأمون فعاد النفوذ إلى الفرس وع��ادوا إلى

امتهان العرب. ه��� أفض��ت218)األت��راك( فلم��ا م��ات الم��أمون س��نة

الخالفة إلى أخيه المعتصم بالله وكانت أمه تركي��ة األص��ل من بالد السغد في تركستان فشب محبا لألتراك وكان ق�د

أص��بح ال ي��أتمن الف��رس على نفس��ه بع��د أن قتل��وا أخ��اه األمين وهي أول مظاهر جرأتهم على الخلفاء، ولم يكن له من الجه��ة األخ��رى ثق��ة في جن��د الع��رب لم��ا يعلم��ه من ضعفهم بعد ما سامهم العباسيون من الذل، وزد على ذلك أن أخاه المأمون أوصاه عند دنو أجله بمح��اربتهم، فلم ي��ر له غنى عن اقتناء من ينصره غير الفرس والع��رب، وك��ان مع ذلك على رأي أخي��ه الم��أمون من قبي��ل الق��ول بخل��ق القرآن فاستخدم العنف والشدة في تأييده حتى أنه أحضر أحمد بن حنبل اإلمام الشهير وسأله عن رأي��ه في الق��رآن فلم يجب إلى القول بخلقه، ف�أمر ب��ه فجل�د جل�دا عظيم�ا حتى غاب عقله وقطع جلده وحبس مقيدا فزاد نفور عامة المسلمين منه وخصوصا العرب وهو ال يكترث بذلك وإنم��ا ك��ان معتم��ده على جن��د األت��راك. فق��د فس��دت الني��ات واض��طربت األم��وال وابت��دأت الدول��ة ب��التقهقر من ذل��ك الحين، فأص��بح الم��ال مح��ور الق��وة لحف��ظ كي��ان الدول��ة وعليه معول الخلف��اء في تث��بيت بيعتهم ومحارب��ة أع��دائهم والدفاع عن حياتهم حتى في داخل قصورهم. ثم إن ث��روة الدولة تتبع ح��ال الدول��ة من العس��ر واليس��ر، فلم��ا ك��انت الدولة العباسية إبان عمرانها على عهد الرشيد والم��أمون كانت الثروة على معظمها فيه��ا ثم أخ��ذت ب��التقهقر بغت��ة

في أيام المعتصم.مقدار الجباية في عصر االنحطاط

وإذا نظرنا إلى م��ا ك��ان يجتم��ع ب��بيت الم��ال من بقاي��ا الجباية على توالي األعوام رأيناه ال يق��اس بم��ا ك��ان يبقى فيه على عه��د الخلف��اء األولين، على أنهم ك��انوا إذا توف��ق لهم خليف��ة حكيم يقتص��د فيجم��ع ش��يئا خلف��ه من يس��رف فيض��يعه، ومن أمث��الهم الم��أثورة أن م��ا جمع��ه الس��فاح والمنصور والمهدي والهادي والرش��يد أنفق��ه األمين )س��نة

ه���( وم��ا جمع��ه الم��أمون والمعتص��م والواث��ق198 � 193 ه�( وم��ا جمع��ه المنتص��ر247 � 232أنفقه المتوكل )سنة

والمس���تعين والمع���تز والمهت���دي والمعتم���د والمعتض���ده�(.320 � 295والمكتفي أنفقه المقتدر )سنة

وباإلجم��ال إن ال��ثروة تقهق��رت بع��د الم��أمون بتقهق��ر الدولة وانحطت بانحطاطها. والثروة كما ق��دمنا م��ا يفيض من الدخل على النفقات ول��ذلك قلم��ا ك��ان يبقى في بيت الم��ال بقي��ة إال في أح��وال خصوص��ية وبمب��الغ ص��غيرة

درهم8.000.000فالمعتص�����م ت�����رك في بيت مال�����ه 500.000ه�( خلف في بيت المال 251والمستعين )سنة

دين��ار15.000.000ه�( خل��ف 295دينار والمكتفي )سنة والظاهر أنها اجتمعت بتوالي الخلفاء فلم��ا ت��ولى المقت��در أنفقها كلها وأنفق ما جمعه في أيامه من أم��وال المص��ادر فضال عن الخراج حتى قدروا ما أنفقه ضياعا وتبذيرا ب��نيف

دينار ما عدا نفق��ات الدول��ة واض��طر م��ع70.000.000و ذلك السترض��اء الجن��د والغلم��ان للخالف��ة أن ي��بيع ض��ياعه وفرشه وآنية ال��ذهب، وبل��غ من فق��ر بيت الم��ال في أي��ام

ه� أنه باع ثياب��ه وأنق��اض داره لي��دفع361المطيع لله سنة درهم طلبت منه للجند في أثناء الفتن��ة ببغ�داد.400.000

وكانت أحوال الخلفاء ق��د تغ��يرت في أي��ام الراض��ي بالل��ه ه� وخرجت قيادة األمور من أيديهم ولم يبق لهم322سنة

غير الخطبة والسكة. ( قل���ة1وأس���باب انحط���اط ال���ثروة العباس���ية هي: )

( كثرة النفقة.2الجباية و)

أما أسباب قلة الجباية، فهي: � ضيق المملكة العباسية1

بلغت المملكة العباسية أكبر س��عتها في أي��ام الرش��يد والمأمون ثم أخذت بعض الوالي��ات تنفص��ل عنه��ا ألس��باب يط��ول ش��رحها. وأول م��ا اس��تقل من الوالي��ات العباس��ية أفريقية بدأت باالستقالل في أي��ام الرش��يد كم��ا تق��دم، ثم خراسان في أيام المأمون ثم مصر في أي��ام المعتم��د في أواسط القرن الث��الث للهج��رة ثم ف��ارس وم��ا وراء النه��ر وغيره��ا، ولم يمض الرب��ع األول من الق��رن الراب��ع ح��تى انقسمت تلك المملكة الواسعة إلى بضعة عشر قسما كل منها في حوزة دول��ة من دول المس��لمين، على أن معظم

هذه ال��دول ك��انت تع��د الخليف��ة العباس��ي رئيس��ها ال��ديني وتؤدي األم��وال ل��ه بعض��ها باس��م الض��مان والبعض اآلخ��ر باسم المصالحة واآلخر باس��م الهدي��ة أو غ��ير ذل��ك، وك��ان أكثرهم ال يؤدي ما عليه إال مرة كل بضعة أعوام، وطبيعي أن تش��تت المملك��ة على ه��ذه الص��ورة يقل��ل من مق��دار

الجباية. � تخفيض الخراج المضروب2

ذكرن��ا من أس��باب زي��ادة ال��ثروة العباس��ية في أي��ام زهوه��ا ثق��ل الض��رائب وخصوص��ا في الع��راق إذ ك��انت المقاس��مة على النص��ف إلى أي��ام الم��أمون، ف��أدرك ه��ذا الخليفة ثقل هذا الخراج ورأى الثروة فائضة في بيت ماله واألموال مت��وفرة فعم��د إلى التخفي��ف عن الن��اس فجع��ل خراج العراق خمسين أي أن��ه أنقص��ه عش��رين في المائ��ة وقد ظهر فرق ذلك في ارتفاع جباية الع��راق ح��اال إذ ك��ان

درهما فص��ار في قائم��ة114.457.650في قائمة قدامة درهما ألن األول قدره على ما78.319.340ابن خرداذبة

يظهر باعتب�ار النص�ف والث�اني باعتب�ار الخمس�ين واقت��دى بالمأمون في تخفيض الضرائب من جاء بعده من الخلف��اء

ه� أعشار الس�فن وق�د رأيت أنه�ا232فأبطل الواثق سنة ضريبة ذات بال كان يرد منها إلى بيت المال ش��يء كث��ير، واقتدى بالواثق خلفه المتوكل فأرفق بأهل الخراج بت��أخير

ميقات اقتضائه شهرين.الجزية والزكاة

ومن هذا القبيل ما أص��اب الجزي��ة من النقص ب��دخول الناس في اإلسالم بتوالي األع��وام ح��تى انح��ط مق��دار م��ا يج��بى منه��ا بمدين��ة الس��الم في أواس��ط الق��رن الث��الث

درهم وفي قائم��ة علي بن عيس��ى130.000للهجرة إلى دينار أي نحو ضعفي ذلك.16.000أنهم جبوها

ويقال نحو ذلك أيضا في الزكاة فق��د تناقص��ت بت��والي األعوام حتى كادت تتالشى وأص��بحت المطالب��ة به��ا ت��دعو

إلى التذمر.

� استئثار العمال بالجباية3

فلما ضعف ش��أن الخلف��اء ع��اد العم��ال إلى م��ا تطمح إلي��ه أنظ��ارهم من طلب االس��تقالل ب��الحكم أو االس��تئثار بالجباي��ة واض��طر الخلف��اء إلى التراض��ي معهم على م��ال مض��مون وأن يك��ون أق��ل مم��ا يج��بى وه��و الض��مان أو المقاطعة، كما قاطع الم��أمون بش��ير بن داود على الس��ند

درهم في1.000.000ه��� على أن ي��دفع ل��ه 205س��نة درهم11.500.000العام مع أن ارتفاع جبايته��ا الحقيقي

وض��من البري��دي األه��واز على أي��ام الراض��ي ك��ل س��نة دين����ار على أن ي����دفعها أقس����اطا وخراجه����ا360.000

الحقيقي يزيد على أربعة أض��عاف ه��ذا المبل��غ. وم��ع ذل��كفالضامنون لم يكونوا يدفعون إال قليال مما تعهدوا به.

� انشغال الناس بالفتن والظلم عن العمل4

لما نشأت الفتن ونشبت الح��روب بين طوائ��ف الجن��د أو بينهم وبين العم����ال انش����غل الن����اس عن تج����ارتهم وزراعتهم وتوقف العمال وغلت األسعار وتعطلت الزراعة لض��ياع األمن فقلت الجباي��ة واحت��اج العم��ال والق��واد إلى الم��ال فظلم��وا الن��اس من أج��ل تحص��يلها منهم ف��زاد الخراب، وما من هادم للعمران كالظلم فإن��ه يغ��ل األي��دي ويقعد الناس عن السعي فينشغل ب��ه ال��زارع عن زراعت��ه والتاجر عن تجارته والصانع عن صناعته ووب��ال ذل��ك عائ��د

على الدولة إذ ال قوام لها إال بالرعية. � تحويل أكثر البالد إلى ضياع5

يراد بالض��ياع عن��دهم الم��زارع. ويغلب في الض��ياع أن تكون أله��ل الدول��ة من الخلف��اء أو أق��اربهم أو عم��الهم أو وزرائهم أو كتابهم أو من يل��وذ بهم من أه��ل النف��وذ. فلم��ا انتقلت الدول��ة اإلس��المية من الخالف��ة الديني��ة إلى المل��ك العض��وض في أي��ام ب��ني أمي��ة اخ��تزن الص��حابة األم��وال واتخذوا المصانع والضياع واقتدى بهم من جاء بع��دهم من التابعين وتابعي التابعين وكان أق��دمهم على ذل��ك الخلف��اء

من بني أمية فقد أكثروا من المصانع والض��ياع ح��تى ك��ان بعض أهلهم يقبض����ها اغتص����ابا من أص����حابها وليس من ينص��فهم من غض��ب ب��ني أمي��ة للع��رب واحتق��ارهم س��ائر األمم والعتبارهم ما فتحوه من األرض ملكا حالال لهم فم��ا

أرادوا أخذه أخذوه وما أرادوا تركه تركوه. ه�132فلم��ا أفض��ت الخالف��ة إلى ب��ني العب��اس س��نة

أعمل��وا الس��يف في ب��ني أمي��ة فف��روا وترك��وا أم��والهم وض��ياعهم فاس��تولى عليه��ا العباس��يون، فاس��تكثر العم��ال والوزراء وغيرهم من اقتناء الضياع واألبنية بحق أو بال حق والخلفاء يمنعونهم جاهدين وعن��دما ال يتمكن��ون من منعهم بالحسنى كانوا يصادرونها أو يقبض��وا أم��والهم بع��د م��وتهم كما فعل الرش��يد ب��أموال محم��د بن س��ليمان عامل��ه على

درهم س��وى الض��ياع500.000.000البصرة وكان مبلغها درهم في100.000وال��دور والمس��تغالت وك��انت غلت��ه

اليوم، ولذلك كثرت الضياع عند رجال الدولة ح��تى ص��اروا يتهادونها أو ينعمون بها على الناس جائزة على قص��يدة أو خطاب أو نكتة أو غير ذلك، وكان من أبواب اقتناء الض��ياع عندهم � حتى في صدر الدولة العباسية � كثرة ما كان من األرضين المهملة في عهد بني أمي��ة، في��أمر الخليف��ة بعض أهله أو خاصته بتعميرها وغرسها ثم تصير ل��ه ��� كم��ا فع��ل المنصور بابنه صالح إذ أمره بعمارة بعض المزارع العاطلة

في األهواز � ومن أحيى أرضا مواتا فهي له. )اإللجاء( ومن أسباب كثرة الضياع عن��د أه��ل الخلف��اء ورجال الدولة إلجاء األهالي ضياعهم ومغارسهم إلى بعض أق��ارب الخلف��اء أو العم��ال تع��ززا بهم من جب��اة الخ��راج، فك���ان ص���احب األرض يلتجئ إلى بعض أولئ���ك الك���براء فيس��تأذنه أن يكتب ض��يعته أو ض��ياعه باس��مه فال يتج��رأ الجباة على العنف أو الظلم في اقتضاء خراجها بل هم قد يكتفون منهم بنصف الخراج أو ربعه مراعاة لذلك الكب��ير، ويجعل صاحب الضيعة نفسه مزارعا ل��ه وي��دون ذل��ك في دفاتر الحكومة، فتصبح تلك الض��يعة بت��والي األع��وام ملك��ا للملجأ إليه ويصبح صاحبها األصلي شريكا في غلتها، ومثل

هذا اإللجاء يحدث في ك��ل العص��ور في البالد ال��تي يخ��افأهلها سطوة الحكام واستبدادهم.

فالضياع على إجمالها قليل��ة الخ��راج م��ع أنه��ا أخص��ب األرضين ألن الخلفاء وعمالهم كانوا يغض��ون عن كث��ير من

األموال المطلوبة منهم. )اإليغ��ار( وك��ان عن��دهم ض��رب من اس��تهالك الخ��راج اس��مه )إيغ��ار( ومعن��اه في األص��ل )اس��تيفاء( فيقول��ون: )أوغر العامل الخراج أي استوفاه( ثم اس��تخدموها بمع��نى اإلعفاء من الخراج بمال معين يدفعه ص��احب األرض م��رة واحدة ولذلك قالوا: )أوغر الملك الرجل األرض: جعلها ل��ه

من غير خراج(وأما أسباب كثرة النفقات فهي:

� إسراف الخلفاء ونسائهم1

من األم��ور الطبيعي��ة في العم��ران إذا ك��ثرت األم��وال في الدول��ة أن يس��خو المل��وك في ب��ذلها وخصوص��ا في الدول���ة المطلق���ة وعلى األخص في الدول���ة العباس���ية والخليفة مطلق التص��رف في بيت الم��ال ودع��اة الخالف��ة كثيرون ال يقعد فتنتهم غ��ير استرض��اء األح��زاب بالم��ال أو كسر شوكتهم بالحرب، واألول أسلم عاقب��ة وأق��رب من��اال إذا توفرت األموال وقد رأيناها متوفرة خصوصا في عص��ر الرشيد والمأمون، فال غرو إذا رأيناهما يبذالن األم��وال في استكفاف األذى عن الدولة أو سد أفواه أهل الفتن، لكنهم تجاوزوا ذلك إلى صنوف الب��ذخ وض��روب التب��ذير وال��ترف ف��اقتنوا الج��واري واتخ��ذوا الف��رش من الخ��ز وال��ديباج والحرير والمسامير من الفضة وابتنوا المنتزهات والقصور والمدن واقتنوا الن��دماء وأنش��أوا مج��الس الغن��اء وارتكب��وا سائر ضروب الترف والتأنق بالطع��ام واللب��اس والري��اش، وقد سهل عليهم ذلك لقرب عهد العراق وفارس من ب��ذخ الف��رس قبي��ل الفتح اإلس��المي وأطلق��وا أي��دي نس��ائهم

وأمهاتهم وخاصتهم في األموال.ثروة نساء الخلفاء

لم يتزوج الس��فاح إال ام��رأة واح��دة، وقب��ل أن يت��وفى المنصور أوصى ابنه المهدي أن ال يشرك النساء في أمره ومع ذلك فإن الخيزران أم الرشيد كانت هي صاحبة األم��ر والنهي في أيام اله��ادي وأيام��ه، وك��ان وزي��ره يح��يى تحت أمره��ا فأفض��ى نفوذه��ا إلى حش��د األم��وال لنفس��ها ح��تى

درهم وذل��ك نح��و160.000.000بلغت غلته��ا في الع��ام نصف خراج المملك��ة العباس��ية ل��ذلك العه��د، وغل��ة أعظم متمولي العالم اليوم ال تزي��د على ثل��ثي ه��ذا الم��ال، فق��د ذك���روا أن إي���راد روكفل���ر الغ���ني األم���ريكي الش���هير

جنيه في الس��نة وغل��ة الخ��يزران أك��ثر من10.500.000 دينار. وقد بينا في غير هذا المكان أن قيمة10.500.000

النقود كانت تس��اوي ثالث��ة أض��عاف الي��وم وال��دينار نص��فجنيه فتكون دخل روكفلر نحو ثلثي غلة الخيزران.

وكانت الخيزران مع ذل��ك ش��ديدة الوط��أة، رغاب��ة في االستئثار فلم��ا آنس��ت في ابنه��ا اله��ادي معارض��ة إلرادته��اع الرش��يد بأمواله��ا دست إلي��ه من قتل��ه ولم��ا م��اتت توس��

وأقطع الناس ضياعها. وقبيحة أم المعتز وجدوا له��ا من مخب��آت في ال��دهاليز

دينار نقدا وما ال تقدر قيمت��ه من2.000.000ونحوها نحو التحف والجواهر مما نأتي بذكره على س��بيل المث��ال: من ذلك مقدار مكوك من الزمرد الثمين ونص��ف مك��وك لؤل��ؤ كب���ير ونح���و كيل���ة ي���اقوت أحم���ر مم���ا ق���دروا قيمت���ه

دينار وكانت مع ذلك قد عرضت ابنه��ا للقت��ل2.000.000 دينار، وأغرب من ذل��ك ش��أن أم محم��د50.000من أجل

دين��ار في الع��ام10.000.000بن الواثق فقد كانت غلتها تنفقها في جواريها وهي نحو غلة الخ��يزران، وأخرج��وا من

دينار كانت مخبأة هناك ولم600.000تربة والدة المقتدر يعلم بها أح��د م��ع ض��يق الخليف��ة وف��راغ بيت مال��ه، وقس على ذلك أمهات الخلفاء اآلخ��رين في الع��راق وغ��يره من بالد اإلسالم، فال عجب والحالة ه��ذه إذا تح��ول الغ��نى إلى النساء والخدم والقواد، وهل تستغرب بعد ذل��ك إذا علمت أنه كان بين رياش أم المستعين بساط أنفقت على ص��نعه

دينار فيه نقوش على أش��كال الحيوان��ات130.000.000

والطيور أجسامها من الذهب وعيونها من الج��واهر؟ أو إذا قي��ل ل��ك إن فالن��ة حش��ت فم الش��اعر الفالني درا فباع��ه بعشرين ألف دينار أو إذا سمعت بهدايا قطر الندى وغيرها

من نساء الخلفاء؟الجواري والغلمان

قالوا إنه كان في قصر الرشيد ثالثمائ��ة جاري��ة م��ا بين ض��اربة على آل��ة موس��يقية إلى مغني��ة إلى راقص��ة فض��ال عمن ك��ان في قص��ره من الن��دماء والمض��احكين كالش��يخ أبي الحس��ن الخلي��ع الدمش��قي وابن أبي م��ريم الم��دني وغيرهم، وم��ا من جاري��ة إال وثمنه��ا أل��ف دين��ار أو عش��رة آالف دينار إلى مائة ألف دين��ار غ��ير م��ا يقتض��يه اقتن��اؤهن من النفقات األخ��رى كاأللبس��ة والحلي وهي ش��يء كث��ير، فقد اشترى الرش��يد خاتم��ا بمائ��ة أل��ف دين��ار، وقس على

ذلك. ناهيك عما كانوا يقتنون��ه من الممالي��ك والغلم��ان مم��ا يع��دون بالمئ��ات واألل��وف فق��د بل��غ ع��دد خ��دم المقت��در

خصي من الروم والسودان غير ما يقتض��يه ذل��ك11.000 من األبني��ة والقص��ور والري��اش، فق��د ب��نى المع��ز دارا في

13.000.000بغداد أنفق عليها درهم وبنى األمير قص��ورا واص��طنع في20.000.000في الخيزراني��ة أنف��ق عليه��ا

دجلة خمس حراقات )سفن( إح��داهما على ص��ورة األس��د والثاني��ة بص��ورة الفي��ل والثالث��ة بص��ورة العق��اب والرابع��ة بصورة الحية والخامسة بصورة الف��رس أنف��ق عليه��ا م��اال

عظيما.السخاء

على أن اإلس��راف ك��ان أك��ثره فيم��ا يبذلون��ه كرم��ا وسخاء ومنه ما ينفق يوميا فرضا واجبا، فقد ك��ان الرش��يد يتصدق من ص��لب مال��ه ك��ل ي��وم ب��ألف درهم بع��د زكات��ه

درهم6.000وكان المأمون ينف��ق على خاص��ته ك��ل ي��وم 2.000.000ف��اعتبر مق��دار ذل��ك في الس��نة فيزي��د على

درهم، وليس ه��ذا بالش��يء ال��ذي ي��ذكر بج��انب م��ا ك��انوا

يهبونه من الجوائز ونحوه��ا، فق��د ف��رق المنص��ور في ي��وم درهم على أهل بيته، وفرق الم��أمون10.000.000واحد

درهم على ثالثة أشخاص، وقد1.500.000في يوم واحد درهم ورجل��ه في الرك��اب، وأوص��ى24.000.000ف��رق

درهم، وتص��دق100.000.000الرش��يد للم��أمون بمبل��غ 100.000.000المعتصم في أثن��اء خالفت��ه بم��ا مجموع��ه

درهم وبل���غ م���ا أنفق���ه المقت���در ض���ياعا م���ا خال األرزاق دين��ار فض��ال عن ج��وائزهم للواف��دين من70.000.000

الشعراء وغ��يرهم وربم��ا بلغت ج��ائزة الش��اعر مائ��ة أل��ف درهم، وذك��روا ج��وائز كث��يرة بنح��و ه��ذه القيم��ة أو أك��ثر. وروى ابن خلكان عن سالم الشاعر المعروف بالخاسر أنه نظم قصيدة مدح فيها المهدي وحلف أنه ال يأخذ قيمتها إال

مائة ألف ألف درهم )مائة مليون( فأعطاه إياها. ومن ه��ذا القبي��ل م��ا اتف��ق ليح��يى بن خال��د إذ أم��ره

دين��ار واس��تكثر100.000الرش��يد أن ي��دفع ثمن جاري��ة يحيى المال واعتذر عن دفعه فغضب الرشيد ف��أراد يح��يى أن يبين له مقدار ما يتحمله بيت المال من ه��ذا اإلس��راف في م��ا ال مص��لحة للدول��ة في��ه فجع��ل ذل��ك الم��ال دراهم

درهم فوضعها في ال��رواق ال��ذي1.500.000فبلغت نحو يمر ب��ه الرش��يد إذا أراد الوض��وء، فلم��ا رأى الرش��يد ذل��ك المال استكثره ولما أخبروه أنه ثمن الجارية أدرك إسرافه ولكنه شعر بم��ا في ذل��ك من الج��رأة علي��ه ومحاول��ة غ��ل يديه فأض��مر ذل��ك في نفس��ه. ويق��ال أن��ه ك��ان من جمل��ة

األسباب التي حملته على نكبة البرامكة. واتفق نحو ذلك للواثق بالله مع وزيره ابن الزيات في ثمن جاري��ة فلم��ا ماط��ل ال��وزير بال��دفع أم��ره أن ي��دفع

ضعفين ففعل. � تكاثر أبواب النفقة في الدولة2

تدرجت الدولة اإلسالمية في مصالحها منذ ك��ان الن��بي )صلى الله عليه وآله( هو األمير والوزير والقاضي والقائ��د حتى أصبح موظفو الحكومة في أيام الخلفاء األربعة س��تة ثم تزايدوا بتزايد الحضارة واتساع المملك��ة في أي��ام ب��ني

أمية فبني العب��اس، وك��انت تل��ك المص��الح تتك��اثر عن��دهم بتك��اثر ال��ثروة ومي��ل الخلف��اء ورج��ال دولتهم إلى ال��ترف والرخ��اء فأص��بحت في أي��ام الرش��يد أك��ثر منه��ا في أي��ام المنصور وفي أيام الم��أمون أك��ثر منه��ا في أي��ام الرش��يد، وقس على ذل��ك تكاثره��ا في أي��ام من ج��اء بع��دهم من

الخلفاء. � زيادة الرواتب3

ولم تقتصر زيادة النفقات على تجدي��د المص��الح ال��تي لم تكن من قبل ولكن المصالح القديمة زادت نفقاتها عما ك��انت علي��ه في أوائ��ل الدول��ة، وط��بيعي إذا ك��ثرت ث��روةع على رجاله��ا فتزي��د رواتبهم وج��وائزهم، الدول��ة أن توس�� فإذا كانت تلك الدول��ة مبني��ة على أس��اس ض��عيف ال تلبث أن تنفذ ثروتها وتبقى الرواتب كما هي فيقصر بيت الم��ال في تأديته���ا فيض���طرون إلى ض���رب الض���رائب الفادح���ة واستخدام العنف في تحص��يلها فتض��عف هم��ة الن��اس عن

العمل وتزداد البالد فقرا.رواتب العمال

درهم في الشهر600كان راتب العامل في أيام عمر ثم اختل��ف ب��اختالف العم��ال واألعم��ال فق��د جع��ل عم��ر لمعاوية على الشام أل��ف دين��ار في الس��نة، وربم��ا جعل��وا الوالية كله�ا طعم�ة ال ي�دفع عنه�ا العام��ل ش�يئا ب�ل يناله�ا مكاف��أة على خدم��ة ق��ام به��ا، على أن ذل��ك ك��ان خاص��ا بالعمال الكبار كعامل العراقين أو مصر أو خراس��ان، وق��د بلغ راتب يزيد بن عمرو بن هبيرة أمير العراق في أي��امهم

درهم في الس��نة وبلغت غل��ة خال��د القس��ري600.000 درهم.13.000.000

وقد عقد المأمون للفضل بن سهل على المش�رق من جب��ل هم��دان إلى التبت ط��وال ومن بح��ر ف��ارس إلى بح��ر الديلم )قزوين( وجرجان عرض��ا وي��دخل في ذل��ك ك��ل م��ا

3.000.000وراء العراق شرقا إلى الهند وجعل له عمالة درهم في الس��نة وعق��د ل��ه ل��واء على س��نان ذي ش��عبتين

وأعط��اه علم��ا وس��ماه ذا الرئاس��تين )الس��يف والقلم( ونقش على سيفه بالفضة من جانب )رئاسة الحرب( ومن

الجانب اآلخر )رئاسة التدبير(.رواتب الكتاب

��اب إلى أي��ام الم��أمون مث��ل رواتب وكانت رواتب الكت 300العم��ال الص��غار ال يزي��د مق��دارها في الش��هر على

درهم فزادها الفضل بن سهل.رواتب الوزراء

ألف دينار في الشهر، فإذا اعتبرنا تقدير النقود بالنظر إلى قيمة الفضة والذهب في ه�ذه األي�ام زاد ه�ذا ال�راتب

جني��ه، وم��ا من وزي��ر يبل��غ راتب��ه إلى ه��ذا1.500على المقدار اليوم.

على أن رواتب الوزراء كانت تختلف باختالف العص��ور وال��دول، ك��ان راتب ال��وزير على أي��ام الناص��ر األندلس��ي

دين��ار في الس��نة وه��دايا، وك��ان راتب يح��يى بن80.000 هبيرة وزير المقتفي في أواسط القرن الس��ادس للهج��رة

دين��ار في الس��نة، وك��ان لل��وزراء فض��ال عن100.000 رواتبهم المش��ار إليه��ا رواتب ألوالدهم وأخ��وتهم وخ��دمهم وأتباعهم وأرزاق ووظائف كثيرة وخصوصا في مصر، فق��د

دين��ار في5.000كان راتب ال��وزير في الدول��ة الفاطمي��ة دين��ار200 إلى 300الشهر ولمن يلي�ه من ول�د أو أخ من

دين��ار500 � 300ثم حواشيهم على مقتض��ى ع��دتهم من ما ع��دا اإلقطاع��ات غ��ير م��ا يج��ري علي��ه وعلى أهل��ه من المأكوالت وس��ائر حاجي��ات الحي��اة، فق��د ك��ان لل��وزير ابن عم��ار أي��ام العزي��ز بالل��ه الف��اطمي بمص��ر من الجراي��ات

500لنفس��ه وأه��ل حرم��ه من اللحم والتواب��ل م��ا قيمت��ه دينار في الشهر، ومن الفاكهة سلة بدينار وعشرة أرط��ال

شمع بدينار ونصف جمل بلح.رواتب القضاة

كان راتب القاضي في أيام الخلفاء األربعة مائ��ة درهم في الش��هر ومؤونت��ه من الحنط��ة ثم ارتقى في أي��ام ب��ني أمية مثل س��ائر ال��رواتب فص��ار راتب قاض��ي مص��ر س��نة

ه� ألف دين��ار في الس��نة، ح��تى بل��غ في أي��ام الم��أمون88 270 درهم في الش��هر أي نح��و 4.000ه���( 213س��نة )دينارا.

رواتب الخلفاء وأهلهم

ق��د رأيت أن الخلف��اء ك��انوا يفرض��ون ال��رواتب أله��ل الوزراء والكتاب فباألولى أن يفرضوها ألنفسهم وأوالدهم، والخليفة هو القابض بي��ده على بيت الم��ال، لكنن��ا لم نج��د قوال صريحا بهذا الشأن غير ما كان يأمر به الخلفاء ألهلهم من الضياع أو األموال وأكثر ما كانوا يفعلون ذلك في أول الدول����ة إذا خ����افوا أهلهم من من����اظرتهم على المل����ك فيبتاعون البيعة بمال يرضون به أهلهم كما فعل المنص��ور مع عيسى بن موسى إذ اشترى منه البيع��ة البن��ه المه��دي

درهم له وألوالده، أو للتوس��عة عليهم11.000.000بمبلغ واستنصارهم كما فع�ل م��ع أعمام��ه فإن�ه أم��ر لك�ل واح�د منهم بملي��ون درهم ت��دفع إليهم من بيت الم��ال وه��و أول من فعل ذلك ويظهر أنها كانت ت��دفع إليهم في ك��ل ع��ام،

6.000ولما توفي ابنه المهدي فرض ألهل بيته ك��ل واح��د درهم في السنة. والظاهر أن الرشيد زاد في رواتب أهله، وكذلك المأمون بالقياس على ما كان من زي��ادة ال��رواتب في خالفته، وكان أفراد العائلة قد زاد ع��ددهم ح��تى بلغ��وا

نفس.33.000في أيامه رواتب حاشية الخليفة

ونريد بحاشية الخليف��ة الم��وظفين المتعلق��ة أعم��الهم بشخص الخليفة وليس بأعمال الدولة كاألطب��اء والحج��اب والحرس الخاص. وإلي�ك راتب جبري�ل كم�ا وج��دوه م�دونا

س��نة23بخ��ط كاتب��ه وخاص��ته في م��دة خدمت��ه وهي درهم وهو جملة ما اكتسبه من بيت الم��ال88.700.000

غير الص��الت الجس��ام، وقس رواتب س��ائر الحاش��ية على

هذه النسبة في تلك األيام، فقد كانت غلة ص��احب ح��رس درهم في السنة، وغلة صاحب شرطته300.000الرشيد

درهم في1.000.000 درهم وغل����ة حاجب����ه 500.000السنة.

رواتب الجند

ه��� وك��ان218ولما أفضت الخالفة إلى المعتصم سنة ما كان من اقتنائه األتراك والفراعنة والمغارب��ة وتجني��دهم وضعف الخلفاء لألسباب التي قدمناها أصبح مرج��ع الق��وة في ك��ل ش��يء إلى الجن��د، وك��انت فاتح��ة ذل��ك النف��وذ استفحال أمر بابك الخ��رمي في أرميني��ا وآذربيج��ان وك��ان بابك قد ظهر في أيام المأمون يدعو الناس إلى دين جديد أساسه التقمص فبعث إلي��ه الم��أمون جن��ودا ه��زمهم غ��ير مرة، فلما تولى المعتصم جعل همه قمع باب��ك ألن��ه أص��بح في خطر منه على ملك��ه فبعث إلي��ه أتراك��ه بقي��ادة رج��ل

ه�� ثم220منهم اس�مه االفش��ين حي��در بن ك�اووس س��نة أردفه بآخر اسمه بغا الكبير ومعه المال وآخر اسمه جعفر

درهم30.000.000الخي��اط ثم أنف��ذ إلي��ه ايت��اخ ومع��ه لنفقات الجند، وبع��د ح��روب س��نتين ف��از االفش��ين وقبض على بابك بحيلة بذل فيها المال، وجاء بباب��ك إلى س��امراء فخرج الواثق بن المعتصم وسائر أهل المعتصم الس��تقباله باحتفال وهم ال يصدقون أنهم نجوا من بابك على يده ألن��ه كان قد أمعن في البالد نهبا وقتال فقتل في عش��رين س��نة

نفس وغلب على معظم ق������واد الم������أمون255.500 والمعتص��م، فلم��ا قبض االفش��ين علي��ه أم��ر المعتص��م أن يركبوه على الفيل فأركبوه واستشرفه الناس وك��ان باب��ك عظيم الجث��ة، ثم أدخل��وه على المعتص��م في داره ف��أمر سياف بابك نفسه أن يقطع يديه ورجليه فقطعه��ا فس��قط بابك ف��أمره بذبح��ه ففع��ل وش��ق بطن��ه وأنف��ذ رأس��ه إلى خراسان وصلب بدنه في سامراء، وكان ذل��ك الي��وم يوم��ا مشهودا أمن فيه المعتصم على ملكه وعرف ذلك الفض��ل لالفش��ين ورجال��ه، وك��ان ال ينف��ك وه��و يواص��ل االفش��ين بالعطايا والخلع من يوم خروج��ه إلى ي��وم رجوع��ه. فك��ان

يرسل إلي��ه ك��ل ي��وم خلع��ة وفرس��ا وي��دفع إلي��ه في أثن��اء إقامت��ه ب��إزاء باب��ك )س��وى األرزاق وغيره��ا( عن ك��ل ي��وم يركب فيه عشرة آالف درهم وعن كل ي��وم ال ي��ركب في��ه خمس��ة آالف درهم. ولم��ا ع��اد االفش��ين تق��دم المعتص��م بنفسه وألبسه وسامين مرصعين بالجوهر ووصله بعشرين مليون درهم عش��رة ماليين منه��ا لنفس��ه وعش��رة يفرقه��ا في عسكره وعقد ل�ه على الس��ند وأدخ��ل علي��ه الش�عراء

يمدحونه. فاالفشين لم يثبت في محاربة بابك إال طمع��ا بالم��ال، ف��إذا اعت��برت ه��ذه النفق��ات م��ع أرزاق الرج��ال وم��ا ق��د يحتاجون إليه من المؤونة واألخرجة كان المجموع عظيم��ا

ه��: )وذك�ر أن252ج�دا. ق�ال الط�بري في ح�وادث س�نة أرزاق األتراك والمغاربة والشاكرية قدرت في هذه الس��نة

200.000.000فكان مبلغ م��ا يحت��اجون إلي��ه في الس��نة دينار وذلك خراج المملكة كلها لس��نتين(. على أن الخلف��اء كانوا إذا احتدم القتال وخاف الخليفة أو األمير ضعفا ص��اح في جنده: )من ج��اء بأس��ير فل��ه عش��رة دن��انير ومن ج��اء

برأس فله خمسة دنانير(.رواتب أخرى

كانت سياسة الملك في تلك العصور تقتضي استرضاء بعض الن��اس ممن يخ��اف الخلف��اء أقالمهم أو ألس��نتهم أو أح��زابهم، ألن المملك��ة لم تكن تخل��و من دع��اة يطلب��ون الخالف��ة ألنفس��هم من العل��ويين أو الخ��وارج أو غ��يرهم، والملك ال يخلو من حساد يترقبون الفرصة لالنتقام، وك��ان للخطابة والحماسة يومئذ تأثير على الرأي العام أكثر مم��ا للصحافة في ه�ذه األي�ام. فالخلف��اء العقالء ك�انوا ي�ؤثرون تالفي ش��رور المق��اومين باإلحس��ان إليهم أو الرف��ق بهم

فيقطعون ألسنتهم بالجوائز الوقتية أو بالرواتب الجارية.عدد أيام الشهور

شرعت الدولة العباسية في زيادة الرواتب إبان ثروتها ولم تكن تشعر بثقل تلك الزي��ادة ل��وفرة األم��وال ال��واردة

على بيت المال. ثم ما لبثت أن رأت الجباي��ة تتن��اقص ولم يع��د في إمكانه��ا تنقيص ال��رواتب بع��د أن تع��ود أص��حابها اإلسراف والبذخ واقتناء الخدم والمماليك اقتداء بخلف��ائهم وال في اإلمكان إق��التهم خوف��ا من غض��بهم فعم��د ال��وزراء إلى حيلة حسنة اقتصدوا بها شيئا كثيرا من الم��ال، وذل��ك أنهم جعلوا ال��رواتب بإض��افة ع��دد من األي��ام على الش��هر فإذا أرادوا تخفيض بعضها وكان مقدار الرواتب ألف دين��ار

دين��ار يبقون��ه800في الشهر � مثال � فبدال من أن يجعلوه على ما كان ويزيدون أيام ذل��ك الش��هر فيجعلونه��ا أربعين يوما أو خمسين. فأص��بح لك��ل فئ��ة من الم��وظفين تقريب��ا

شهر خاص يختلف عن عدد أيام الشهر عند اآلخرين. � النفقة على البيعة4

رأيت في م���ا تق���دم أن الخلف���اء في أوائ���ل الدول���ة العباس��ية ك��انوا يحت��اجون في تأيي��د بيعتهم إلى استرض��اء أهل الحرمين وكانوا يحمل��ون إليهم األم��وال ويب��ذلون لهم األعطية ويفرقون فيهم الهدايا. فلما ض��عف ش��أن الع��رب بع��د المعتص��م وق��وي جن��د األت��راك أهم��ل أم��ر الح��رمين وص�ارت الق�وة إليهم أو ب�األحرى إلى الم�ال، ألن األت�راك

إنما يحاربون مع صاحب المال . وأما بعد أيام المعتص��م فأص�بحت البيع��ة تج��ارة يناله��ا صاحب المال أو صاحب الجند والمعنى واحد، وكان الجن��د يسرون بخلع الخلفاء طمعا بالمال ألنهم كلما تولى خليف��ة طالبوه بحق البيع��ة ورزق س��تة أش��هر أو س��نة أو أك��ثر أو أق��ل على ق��در مط��امعهم، وانش��غل الن��اس عن الزراع��ة

والتجارة وأهملت األعمال بوجه اإلجمال. وزاد أهل البالد شقاء أن قواد الجند ك��انوا إذا أع��وزهم الم��ال ولم يكن في بيت الم��ال م��ا يكفي اس��تخرجوه من األهالي، وكثيرا ما كان يحدث ذلك في أثن��اء الح��روب بين فرق الجند في تنازعهم على تولية أحد الخلفاء، فق��د نهب جند الديلم أموال الناس في بغ��داد في أثن��اء الخص��ام بين

ه��� بش��أن الخليف��ة334ناص��ر الدول��ة ومع��ز الدول��ة س��نة المطيع لله وكان مق�دار م�ا نهب�وه من أم��وال المع�روفين

دينار. فلم يبق في الدولة العباس��ية100.000.000فقط والحال��ة ه��ذه مص��در للم��ال للقي��ام بنفق��ات مص��الحها واس��تبقاء جن��دها ألن الفتن أقع��دت الن��اس عن العم��ل

فخربت البالد. � استئثار رجال الدولة باألموال ألنفسهم5

إذا بلغت الدولة إلى قم��ة ثروته��ا وانغمس المل��ك في الترف واللهو وتقاعد عن مباشرة األحك��ام بنفس��ه، تح��ول النف���وذ إلى المحيطين ب���ه أو ال���ذين ينوب���ون عن���ه أو يتوس��طون بين��ه وبين الن��اس ك��الوزير والعام��ل والك��اتب والح���اجب والقائ���د وأص���بح األم���ر والنهي في أي���ديهم، فيستأثرون باألموال ألنفسهم يجمعون منها م��ا اس��تطاعوا ويسرفون ويبذخون على ما تقتض��يه أح��والهم وأط��وارهم، فاعتبر ما كان من نفوذ البرامكة في أيام الرشيد وما كان من إحرازهم األموال ألنفس��هم ح��تى ك��ان يحت��اج الرش��يد إلى اليسير من المال فال يقدر عليه فلم��ا غل��وا يدي��ه عم��ا كانت تتطلبه نفسه من ال��ترف واالس��تبداد نكبهم على م��ا هو مشهور كما نكب المهدي قبله وزي��ره يعق��وب بن داود وكان قد استوزره وسلم إليه األمور. وكما اتف��ق للم��أمون م��ع يح��يى بن أكثم القاض��ي إذ عه��د إلي��ه بت��دبير مملكت��ه وأكرمه نحو إكرام الرشيد للبرامكة ثم لم يكن راضيا عن��ه ولذلك فلما دنت وفاة المأمون وصى أخاه المعتصم قائال: )ال تتخذن وزيرا تلقي إليه شيئا فق��د علمت م��ا نكب��ني ب��ه

يحيى بن أكثم في معاملة الناس وخبث سريرته(.الوزراء

بلغ من ثروة ال��وزراء م��ا يش��به ث��روة الخلف��اء أو بيت الم��ال في أي��ام االزده��ار ك��أن األم��وال تح��ولت من بيت الم��ال إلى بي��وت ه��ؤالء الن��اس وص��ارت ال��وزارة مطمح أنظار أه��ل المط��امع يب��ذلون الرش��اوى ويق��دمون اله��دايا

دين��ار500.000رغبة فيه��ا، كم��ا فع��ل ابن مقل��ة إذ ب��ذل حتى استوزره الراضي. ومن غريب م��ا يحكى عن ارتش��اء الوزراء أن الخاقاني وزير المقتدر بلغ من سوء سيرته في

قبول الرشوة أنه ولى في يوم واح��د تس��عة عش��ر ن��اظرا للكوفة وأخذ من كل واحد رش��وة فانح��دروا واح��دا واح��دا حتى اجتمعوا جميعا في بعض الطريق فقالوا: كيف نصنع؟ فق���ال أح���دهم: ينبغي إن أردتم النص���فة أن ينح���در إلى الكوفة آخرنا عهدا بالوزير فهو الذي واليته صحيحة ألنه لم يأت بعده أحد. فاتفقوا على ذلك فتوجه الرجل ال��ذي ج��اء في األخير نحو الكوفة وعاد الب��اقون إلى ال��وزير فف��رقهم

في عدة أعمال. وباإلجمال إن الوزراء في عصر التقهقر العباسي قلم��ا كانوا يتولون الوزارة إال طمع��ا ب��اختزان األم��وال، ف��إن أب��ا الحسن ابن الفرات وزر للمقتدر ثالث دفعات األولى س��نة

ه� بقي فيها ثالث سنين فكان مقدار ما اجتم��ع عن��ده296 دينار أخذت كله��ا مص��ادرة7.000.000من المال يساوي

ثم ع��اد306 وخل��ع س��نة 304ثم ع��اد إلى ال��وزارة س��نة فمجم��وع الم��دة ال��تي312 وخل��ع س��نة 311ثالث��ة س��نة

مكث به��ا في ال��وزارة في ال��دفعتين األخ��يرتين نح��و ثالث س���نوات فك���ان عن���ده لم���ا خل���ع أخ���يرا م���ا يزي���د على

دين���ار وض���ياع يس���تغل منه���ا ك���ل س���نة10.000.0002.000.000 وهن��اك كث��يرون من ال��وزراء جمع��وا أم��واال

طائلة وانغمسوا في أنواع الترف والبذخ وذلك طبيعي في الدول المنتظمة على الطرق القديم��ة، ألن ال��وزراء ك��انوا يجمعون األم��وال الكث��يرة حيثم��ا ك��انوا في الع��راق أو في مصر أو األندلس، فقد خلف المارداني وزي��ر ب��ني طول��ون بمصر من الضياع الكبار ما قلما ملكه أحد قبله وارتفاعه��ا

دينار كل سنة سوى الخراج وق��د وهب وأعطى400.000 دينار،150.000 حجة أنفق في كل منها 27وأفضل وحج

ويعق��وب بن كلس أول وزراء الف��اطميين ك��ان في جمل��ة دينار في الس��نة300.000أمالكه إقطاع في الشام دخله

وخلف أمالك��ا وض��ياعا وقياس��ا ورباع��ا وخيال وبغ��اال ونوق��ا دين��ار غ��ير م��ا أنفق��ه في4.000.000وغيره��ا م��ا قيمت��ه

حظية س��وى800 دينار وخلف 200.000تجهيز ابنته وهو ج���واري الخدم���ة وأربع���ة آالف غالم عرف���وا بالطائف���ة الوزيرية. وخلف األفضل أم��ير الجي��وش وزي��ر المستنص��ر

دين��ار60.000.000الفاطمي م��ا لم يس��مع بمثل��ه وذل��ك ث��وب ديب��اج75.000 أردب دراهم نقد مص��ر و250عينا و

راحلة أحق��اق ذهب ع��راقي ودواة ذهب فيه��ا30أطلس و دين��ار ومائ��ة مس��مار من ذهب وزن12.000جوهر قيمته

ك��ل مس��مار مائ��ة مثق��ال في عش��رة مج��الس في ك��ل مجلس عشرة مسامير على ك��ل مس��مار من��ديل مش��دود

ص��ندوق500مذهب بل��ون من األل��وان أيه��ا أحب لبس��ه و كسوة ما عدا الخيل والبغال والماش��ية والج��واري والعبي��د م��ا ال يحص��يه ع��د، أم��ا األب��واب ال��تي ك��ان وزراء الدول��ة العباسية يكتس��بون تل��ك األم��وال به��ا فكث��يرة من جملته��ا قبول الرشوة في التوظيف كما تقدم وم��ا ي��رد عليهم من هدايا العمال للسبب نفسه، ومنها اغتصاب الضياع بما لهم من النفوذ فيستولون على ما ش��اءوا بغ��ير حس��اب ناهي��ك بما كانوا يمدون إليه أيديهم من أموال الخراج الواردة إلى ال��ديوان ف��إن طريق��ة دف��اتر تل��ك األي��ام لم تكن تمن��ع

االختالس أو تظهره. ومن أب��واب الكس��ب أيض��ا أن بعض الم��وظفين ك��انوا يحت��اجون إلى رواتبهم وهم مش��غولون بم��ا هم في��ه من الخدمة وال سبيل لهم إلى المال فكان بعض ال��وزراء يقيم من قبله أناسا يشترون توقيعات أرزاق أولئ��ك الم��وظفين

بنصف قيمتها ثم يقبضها هو كاملة.المصادرة

ك��ذلك فع��ل عم��ر بن الخط��اب بعمال��ه على الكوف��ة والبص��رة والبح��رين وك��انوا يس��مون ذل��ك مقاس��مة أو مشاطرة. فلما أفضت األمور إلى بني أمية وكان م��ا ك��ان من اس��تبداد عم��الهم وطمعهم في أم��وال الجباي��ة أص��بح الخلفاء في أواخ��ر الدول��ة ال يعزل��ون ع��امال عن عمل��ه إال حاسبوه على ما عنده من المال واستخرجوا ما تصل إلي��ه

أيديهم من أمواله وكانوا يسمون ذلك )استخراجا(. والمنصور كان ال يعزل عامال إال قبض ماله وترك��ه في بيت مس��تقل س��ماه )بيت م��ال المظ��الم( وتك��اثر تع��دي

ه���( فاض��طر169ه��� � 158العمال في أيام المهدي )سنة

هذا الخليفة إلى النظر في المظالم ��� وم��ا هي إال مظ��الم العمال � ثم نظر فيها بعده الهادي فالرشيد فالمأمون إلى

المهتدي في أواسط القرن الثالث.العمال

وغ��نى العم��ال ميس��ور في تل��ك العص��ور ب��النظر إلى استقاللهم في إدارتهم وشؤونهم وخصوصا عمال االستيالء المفوضين في كل شيء، وأبواب الكسب عن��دهم كث��يرة: منها أن العامل إذا جاء عمله فأول شيء يتوقعه أن يحمل إلي��ه الن��اس اله��دايا وفيه��ا ال��دواب والج��واري واألم��وال والثي��اب م��ا يبل��غ مق��داره ش��يئا كث��يرا، ناهي��ك بم��ا ك��انوا يخترعونه من صنوف الضرائب وتحصيل بعض��ها م��رتين أو ثالث مرات تبعا لما تقتضيه حاجتهم إلى المال في إرض��اء الوزراء أو الدخاره واالنتفاع به عند االعتزال من المنصب. ومن أبواب الكسب للمال أن ينفق العام��ل على بن��اء بيت أو جسر أو على حفر ترعة أو نهر ألف دينار مثال ويط��الب بعشرة آالف أو مائ��ة أل��ف وربم��ا ق��دروا م��ا ينفق��ون في��ه عشرة دنانير بستين ألف دينار فضال عن اغتص��اب الض��ياع وغيرها، فهل من عجب بعد ذلك إذا بلغت أموال محمد بن

درهم50.000.000سليمان عامل الرش��يد على البص��رة سوى الضياع والدور والمستغالت؟ وكان محم��د ه��ذا يغ��ل

درهم وبلغت أم��وال علي بن عيس��ى100.000ك��ل ي��وم درهم فلم ير الرش��يد إال الجن��وح80.000.000بن ماهان

إلى االس��تخراج وه��و المص��ادرة، وك��ان الغ��الب في ب��ادئ ال��رأي أن يقبض��وا أم��وال العم��ال بع��د م��وتهم كم��ا فعل��وا بمحمد بن سليمان المذكور ثم صاروا يستخرجون أموالهم وهم أحياء كما فع��ل الرش��يد بعلي بن عيس��ى فإن��ه عزل��ه واستصفى أمواله المذكورة وحملها مع خزائنه وأثاثه على

درهم كان ابنه عيسى بن30.000.000 جمل غير 1500علي قد دفنها في بستان بداره في بلخ.

بدأت مصادرة الوزراء في الدول��ة العباس��ية من أوله��ا ولكنه��ا ك��انت في أول األم��ر على س��بيل النكب��ة والغ��رض منها االنتقام من الوزير لجريم��ة سياس��ية أو التخلص من��ه

لغرض آخر. ومن هذا القبيل مقتل أبي س��لمة الخالل أول وزراء بني العباس فبعد أن أيد دعوتهم بأمواله كم��ا أي��دها أبو مسلم الخراساني بسيفه وشي إلى السفاح أن��ه ين��وي إخراج الدولة من أيديهم ف��أوعز إلى أبي مس�لم فقتل��ه ثم أصاب أبو مسلم من المنصور مثل تلك النكبة، ويقال نح��و ذل��ك في نكب��ة البرامك��ة في أي��ام الرش��يد والفض��ل بن مروان في أيام المعتصم وفي نكبة الفضل ه��ذا رغب��ة في

ه��� وأخ��ذ من221قبض أموال��ه ألن المعتص��م نكب��ه س��نة 1.000.000 دين��ار وأثاث��ا وآني��ة قيمته��ا 1.000.000داره

دينار، ولما تمكن االنحط��اط من الدول��ة ص��ار الغ��رض من مص��ادرة ال��وزراء مج��رد االس��تحواذ على أم��والهم وبلغت

ه�(.320 � 295المصادرة معظمها في أيام المقتدر )سنة وكثرت المصادرات في أيام المقتدر لغير الوزراء حتى القضاة والنساء والخدام، وربما زاد مجموع م��ا قبض��ه من

دينار على أنهم قدروا جملة40.000.000المصادرة على ما أنفقه من األموال تبذيرا وتض��ييعا في غ��ير وج��ه نيف��ا و

دينار.70.000.000الكتاب

وهن���اك فئ���ات أخ���رى من م���وظفي الدول���ة ك���انوا يستأثرون بأموالها ومنهم كتاب الخراج ويهون ذل��ك عليهم ألنهم يباشرون مصادر الجباية رأسا، وكانت أك��ثر أم��والهم تؤخذ بالرشوة واالختالس حتى اشتهروا بالظلم كما اشتهر

الوزراء. وك��ان من أب��واب الكس��ب عن��د الكت��اب ارتش��اؤهم للتوسط في تولية العمال أو س��واهم كم��ا فع��ل أحم��د بن أبي خالد األحول كاتب المأمون في توسطه لدى المأمون بتولية طاهر بن الحسين على خراسان وقد شرط له على

درهم.3.000.000نجاحه في ذلك الحجاب

وكانت ثروة المملكة عرضة لمطامع كل من كانت ل��ه دالة أو وساطة لدى والة األم��ر وخصوص��ا الحج��اب ال��ذين

يقفون بأبواب الخلفاء فإنهم من أك��ثر الن��اس دال��ة عليهم فكانوا كثيرا ما يستخدمون تلك الدال��ة الكتس�اب األم��وال. وكان ذلك شأنهم حتى في العصر األول � قال المغ�يرة بن��رى ليس��هل شعبة: )ربما عرق ال��درهم في ي��دي أرفع�ه لي إذني على عمر( � . وقد عرفت أنه أي )الظلم( ي��دعو إلى خراب الممالك فإنه يقوض أركان الدول بما يدعو إليه من تقييد األيدي عن العمل فيقعد الزارع عن زراعت��ه والت��اجر عن تجارت��ه والص��انع عن ص��ناعته، وال م��ال إال إذا اش��تغل

هؤالء ولذلك قالوا: )العدل أساس الملك(.

وأهلها البالد أي العباسية المملكة ثروة

فرغن��ا من الكالم في ث��روة الدول��ة العباس��ية ورجاله��ا وبقي علينا النظر في ث��روة المملك��ة وهي البالد بم��ا فيه��ا من الن����اس على اختالف طبق����اتهم من أه����ل التج����ارة والزراعة والصناعة، وغيرهم. وكانت البالد قسمين الم��دن

والقرى:المدن

ك��انت ال��ثروة محص��ورة في الم��دن دون الق��رى عمال بقاع��دة التم��دن في تل��ك األي��ام وهي أن تك��ون ال��ثروة واألبهة حيثما يكون والة األمر أو من يلوذ بهم من الخليف��ة

إلى أهله فأهل بالطه فعماله ووزرائه. ففي هذه المدن فاضت ينابيع الثروة اإلسالمية وعاش الن��اس في الرخ��اء والرغ��د بج��وار الخليف��ة ورج��ال دولت��ه ين��الون ج��وائزهم وه��داياهم وخلعهم وي��بيعونهم الس��لع والمج��وهرات واألقمش��ة. وفي ه��ذه الم��دن ك��ان يجتم��ع العلماء والشعراء والمغنون والندماء يتعيشون بما يجود به الخليفة أو أمراؤه أو رجال دولته، فالثروة في المدن تابعة لثروة الحكومة أو رجاله��ا. فلم��ا ك��ان بالط الرش��يد غاص��ا بالوفود وبيت ماله حافال بالنقود والبرامكة يبذلون المئ��ات واأللوف كان تجار بغداد في نعم��ة وث��روة وخصوص��ا باع��ة المجوهرات والرياش ألنهما مما تتطلب��ه المدني��ة في عه��د الترف والبذخ فمثال أن بائع للمجوهرات بالكرخ في بغ��داد س��اومه يح��يى ال��برمكي على س��فط من الج��وهر بمبل��غ

درهم فلم يبعه وهو جزء مما في حانوته فما7.000.000 قولك بسائر ما فيه؟ وهن��اك ج��واهري آخ��ر يق��ال ل��ه )ابن

ه��� فك��ان م��ا302الجصاص( صادره الخليفة المقتدر سنة أخ��ذوه من بيت��ه من ص��نوف األم��وال تزي��د قيمت��ه على

دينار، وكان في بغداد شريف يسمى محمد20.000.000 درهم في الس��نة.2.500.000بن عمر بلغ خ��راج أمالك��ه

وقس على ذلك س��ائر التج��ارات في بغ��داد وغيره��ا، فق��د كان في اصطخر بيت ينتسب إلى آل حنظلة أحدهم عمرو بن عيينة بلغ من يساره أنه ابت��اع بملي��ون درهم مص��احف فرقها في مدن اإلسالم وكان مبل��غ خ��راج ه��ذا ال��بيت من

درهم. ومنهم م���رداس بن10.000.000ض���ياعهم نح���و وابن عم��ه محم��د بن3.000.000عمر ك��ان خ��راج مال��ه

واصل ملكه مثل ملك��ه. وك��ان في س��يراف تج��ار واس��عو درهم اكتس��بوها60.000.000الثروة يتجاوز مال أح��دهم

من تج��ارة البح��ر من الع��ود والك��افور والعن��بر والج��واهر والخيزران والعاج واألبن��وس والفلف��ل وغيره��ا. ومنهم من

دينار وأوصى أح��دهم30.000يبني دارا فينفق على بنائها دينار بين م��ركب ق��ائم1.000.000بثلث ماله لعمل فبلغ

بنفسه وآلته وأمثال ذلك كث��ير في معظم م��دن المش��رق، وقس عليه ثروة كل من خالط الخلفاء ون��ال ج��وائزهم أو خ��دمهم في بالطهم إب��ان ث��روتهم غ��ير ال��وزراء والكت��اب والعم���ال ف���إنهم جمع���وا أم���واال طائل���ة ح���تى المغ���نين والشعراء. فقد توفي إبراهيم الموصلي مغني الرش��يد عن

درهم وت��وفي جبري��ل بن24.000.000ث��روة مق��دارها 90.000.000بختيشوع طبيب الرشيد وخلف م��ا يس��اوي

درهم من ضياع وجواهر ونقود.القرى

أم��ا الق��رى فق��د ك��ان س��كانها من الفالحين من أه��ل البالد األص��ليين ويم��ونهم )أه��ل الخ��راج( فه��ؤالء يعمل��ون باألجرة أو شركاء ألصحاب األمالك من الخلف�اء أو األم��راء أو من ينتمي إليهم وخصوصا الدهاقين في العراق وفارس وهم أصحاب اإلقطاع��ات الك��برى قب��ل اإلس��الم. فس��كان القرى هم الفالحون ومن يجري مج��راهم وك��انوا يقتنع��ون بالحصول على م��ا يق��وم ب��أود حي��اتهم ويغلب فيهم الفق��ر المدقع وربم��ا ك��ان بينهم من لم ي��ر ال��دينار ط��ول عم��ره فك��ان أه��ل الدول��ة في الم��دن يب��ذلون ال��دنانير جزاف��ا

ويهبونها مئات وآالفا وأهل الق��رى في فق��ر م��دقع ل��و رأى أحدهم الدينار لسجد له وقبله مثنى وثالثا، ولو دفعت إلي��ه عشرة دنانير أو عشرين ألصابه خب��ل أو م��ات من س��اعته

كما اتفق للصياد بين يدي ابن طولون.

اإلسالمية المدن

نريد بالمدن اإلسالمية ما بن��اه المس��لمون من الم��دن ألنفسهم، وهي غير ما افتتحوه من مدائن الروم والفرس. والم��دن اإلس��المية عدي��دة في الع��راق والش��ام ومص��ر وأفريقية واألندلس وغيره��ا ومنه��ا م��ا لم ي��زل ع��امرا إلى اليوم كالبصرة وبغداد والق��اهرة ومنه��ا م��ا انق��رض وعفت

آثاره كالفسطاط والزهراء. فلما تأيد اإلسالم واجتمع العرب على فتح األمصار في العراق والشام ومصر كانوا في بادئ األمر إذا س��اروا إلى غزو أو فتح اصطحبوا نس��اءهم وعي��الهم ف��إذا فتح��وا بل��دا أقاموا في ض��واحيه بخي��امهم وأخ��بيتهم وه��و معس��كرهم، فلما اتسع مل��ك الع��رب وتع��ددت دول المس��لمين ص��اروا يختطون المدن تذكارا لفتوحهم أو تحصنا بها من أع��دائهم � كما فعل المنصور ببغداد فإنه بناها حصنا له وكذلك فع�ل الفاطميون بالقاهرة � وكثيرا ما كان الخلفاء يبنون الم��دن للتنزه بها وابتع��ادا عن الغوغ��اء مث��ل س��امراء والمتوكلي��ة والزهراء وغيرها. وإليك وص��ف أش��هر الم��دائن اإلس��المية

مرتبة باعتبار قدمها.البصرة

هي من أقدم الم�دن ال�تي بناه�ا المس�لمون وال ت�زالباقية إلى اآلن.

رها عتب��ة بن غ��زوان س��نة للهج��رة، فعم��رت16مص�� البصرة واتسعت عمارتها ح��تى بلغت مس��احتها في إم��ارة خالد بن عبد الل��ه )القس��ري( فرس��خين في فرس��خين أي

ميال مربعا في أرض منبسطة ال جبال فيها.16 وك���انت مي���اه البص���رة مرس���ى مئ���ات من الس���فن التجاري��ة، وق��د ذكرن��ا في مك��ان آخ��ر مق��دار م��ا ك��انت الحكوم��ة تجبي��ه من ت��اجر واح��د من تجاره��ا وه��و نح��و

دين��ار في الع��ام، فقس علي��ه التج��ار اآلخ��رين100.000وفيهم الكبير والصغير.

قال ابن حوقل واالصطخري: )وله��ا نخي��ل متص��لة من عبدسي إلى عبادان نيفا وخمسين فرسخا متصلة ال يك��ون اإلنسان منها بمكان إال وهو في نهر ونخيل أو يك��ون بحيث يراها( � فاعتبر هذه المسافة طوال في مثل نص��فها عرض��ا

11.250 وذل�����ك 75 ميال في 150على األق�����ل أي ميال مربعا فيعقل أن يكون في الميل الواحد عشر ترع صغيرة

. �الكوفة

بنيت الكوفة بعد البصرة ببضعة أش��هر بناه��ا س��عد بن أبي وق��اص، وك��ان للكوف��ة ش��أن كب��ير عن��د الش��يعة ألن اإلم��ام علي )علي��ه الس�الم( جعله��ا عاص��مة ملك��ه إلى أن

قتل.الفسطاط

هي أول م��دن المس��لمين في القط��ر المص��ري بناه��ا ه��� في م��ا بين الق��اهرة الي��وم18عم��رو بن الع��اص س��نة

ومصر العتيقة. وبلغ طولها على ضفة النيل ثالثة أميال. وذكر مؤرخو العرب من مقدار عمارتها أن��ه ك��ان فيه��ا

حماما.1.170 شارع مسلوك و8.000 مسجد و 36.000 وبلغ من تزاحم الناس في الفسطاط حتى جعلوا المن��ازل طبقات عديدة بلغ بعض�ها خمس طبق�ات إلى س�بع وربم�ا

فرد من الن��اس وبلغت نفق��ة200سكن في البيت الواحد دين��ار. ونق��ل بعض��هم أن700.000البن��اء على بعض��ها

6.000األساطيل التي كانت مطلة على النيل بل��غ ع��ددها أسطول مزودة ببكر ولها أطناب ترخى وتمأل.

بغداد

ه��� وال145هي عاصمة العباسيين بناها المنصور س��نة ت��زال باقي��ة إلى الي��وم وق��د تغ��ير موض��عها م��رارا، وبلغت بغداد معظم عمارتها في أيام المأمون حتى امتدت أبنيته��ا

53.750وبس��اتينها على بقع��ة ق��الوا إن مس��احتها جريب��ا في27.000 جريب��ا في الج��انب الش��رقي و26.750منها

ذراع مرب��ع، فتك��ون3.600الج��انب الغ��ربي والج��ريب ف��دان وه��و ش��يء كث��ير �16.000مساحة بغداد كلها نحو

ولكن يظهر أنها عبارة عن مدن متالصقة ��� ق��ال الخطيب البغدادي في تاريخه أنها أربعون مدينة وأن الحمامات بل��غ

حمام وق��د أراد ص��احب65.000عددها في أيام المأمون )سير الملوك( بيان مقدار عمارة بغداد فقال: )وكان ع��دد الحمامات في ذلك الوقت ببغداد ستين أل��ف حم��ام وأق��ل ما يكون في كل حمام خمس��ة نف��ر: حم��امي وقيم وزب��ال ووقاد وسقاء، يكون ذلك ثالثمائة ألف رج��ل وذك��ر أن إزاء كل حمام خمسة مساجد يكون ذلك ثالثمائ��ة أل��ف مس��جد وتقدير ذلك أن أقل ما يكون في كل مس��جد خمس��ة نف��ر يكون ذلك ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان(، ناهي��ك عم��ا كان من العمارة حول بغداد وفي س��ائر بالد الس��واد، ق��ال ابن حوقل وقد رآها في أثناء القرن الرابع للهج��رة: )وبين بغداد والكوفة سواد مشتبك غير متميز تخ��ترق إلي��ه أنه��ار

من الفرات.. إلخ(. وهن��اك م��دائن أخ��رى من بن��اء المس��لمين ذات ش��أن كالقيروان في بالد المغرب وواسط في الع��راق وغيرهم��ا في مصر والشام وفارس، ناهيك عما بالمدائن التي ك�انت ع��امرة قب��ل اإلس��الم وق��د ن��زل فيه��ا المس��لمون وزادوا عمارتها مثل دمشق الش��ام وقرطب��ة وغرناط��ة وطليطل��ة

واإلسكندرية.

الثالث الفصل

اإلسالم قبل العرب علوم

جزيرة العرب شحيحة المياه كثيرة الصحاري والجب��ال فلم يشتغل أهلها بالزراعة لجدب األرض. واإلنسان صنيعة اإلقليم، فنشأ الع��رب على م��ا تقتض��يه البالد المجدب��ة من االرت��زاق بالس��ائمة والترح��ال في طلب الم��رعى، فغلبت البداوة على الحضارة فيهم وانصرف أكثر همهم إلى تربية الماش��ية وهي قليل��ة ب��النظر إلى احتياج��اتهم فنش��أ بينهم التنازع عليها وجرهم التنازع إلى الغ��زو واض��طرهم الغ��زو إلى االنتق��ال بخي��امهم وأنع��امهم من نج��ع إلى نج��ع ومن ص��قع إلى ص��قع ليال ونه��ارا. وج��وهم ص��اف وس��ماؤهم واض��حة فعول��وا في االهت��داء إلى الس��بل على النج��وم ومواقعه��ا. واحت��اجوا في مط��اردة أع��دائهم إلى اس��تنباط األدل��ة للكش��ف عن مخ��ابئهم فاس��تنبطوا قيام��ة األث��ر وألج��أهم ذل��ك أيض��ا إلى ت��وقي ح��وادث الج��و من المط��ر واألعاصير ونحوها فعن��وا ب��التنبؤ بح��دوث األمط��ار وهب��وب الرياح قبل حدوثها وه��و م��ا يع��برون عن��ه ب��األنواء ومه��اب الري��اح. ودع��اهم الغ��زو من الجه��ة األخ��رى إلى العص��بية لتأليف األحزاب فعمدوا إلى األنساب يترابطون بها، وحيث أق��اموا في بادي��ة ص��فا جوه��ا وأش��رقت س��ماؤها ص��فت أذهانهم وانصرفت قرائحهم إلى قرض الشعر يص��فون ب��ه وق���ائعهم أو ي���بينون ب���ه أنس���ابهم أو يع���برون ب���ه عن عواطفهم، وق��ويت فيهم ملك��ة البالغ��ة ف��برعوا في إلق��اء الخطب على أن الع���رب لم يس���لموا مم���ا وق���ع في���ه معاص�����روهم من األمم العظمى من اعتق�����اد الكهان�����ة والعرافة وزج��ر الط��ير وخ��ط الرم��ل وتعب��ير الرؤي��ا، وق��د سميناها علوما بالقياس على ما يماثلها عند األمم األخ��رى في عصر العلم وإال فالعرب لم يتعلموها في المدارس وال قرأوها في الصحف وال ألفوا فيها الكتب ألنهم كانوا أميين

ال يق��رأون وال يكتب��ون وإنم��ا هي معلوم��ات تجمعت في ذاك��رتهم بت��والي األجي��ال باالقتب��اس أو االس��تنباط وتنقلت

في األعقاب، أما علومهم فهي: � علم النجوم عند العرب1

إن الع����رب م����دينون بعلم النج����وم للكل����دان وهم يس��مونهم الص��ابئة ��� والص��ابئة إن لم يكون��وا الكل��دان أنفسهم فهم خلفاؤهم أو تالمذتهم � وكان الصابئة كث��يرين في بالد العرب ولهم مثل منزلة النصارى أو اليه��ود، فأخ��ذ الع�رب عنهم علم النج��وم، وال غراب��ة في إتق��انهم معرف��ة النجوم ومواقعها فإنه��ا ك��انت دليلهم في أس��فارهم وأك��ثر أحوالهم فكانوا إذا سألهم سائل عن الطريق الم��ؤدي إلى البل��د الفالني ق��الوا: )علي��ك بنجم ك��ذا وك��ذا( فيس��ير في جهته حتى يجد المكان وربما استعانوا على ذلك أيضا بذكر

مهاب الرياح يعبرون بها عن الجهات. � األنواء ومهاب الرياح2

ويراد باألنواء عن��دهم م��ا يقاب��ل علم الظ��واهر الجوي��ة عن��دنا مم��ا يتعل��ق ب��المطر والري��اح. وك��انوا إذا مط��رت السماء نسبوا المطر إلى ت��أثير النجم المتس��لط في ذل��ك ال��وقت فيقول��ون مثال مطرن��ا بن��وء المج��رة أو ه��ذا ن��وء الخريف مطرنا بالش��عري، وق��الوا: إن الن��وء س��قوط نجم ينزل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه في الشرق م��ع

ن��وء أو نجم��ا ك��انوا28أنجم المنازل ولذلك ك��انت األن��واء يعتقدون أنها هي علة األمطار والرياح والحر والبرد.

وك��ان الع��رب في حاج��ة إلى معرف��ة مه��اب الري��احلالهتداء بها في أسفارهم ولذلك فقد وضعوا لها األسماء:

( مهب الش��مال من2( مهب الص��با من الش��مال )1) ( مهب الجن��وب4( مهب ال��دبور من الجن��وب )3المغرب )

من المشرق. � الميثولوجيا3

ومما يلح��ق بعلم النج��وم أيض��ا م��ا يع��بر عن��ه اإلف��رنج بالميثولوجيا وهي عب��ارة عم��ا ك��انوا يزعم��ون وقوع��ه بين الكواكب أو هي اآلله��ة عن��دهم من الح��روب أو ال��زواج أو نحو ذلك من حوادث البشر على نحو م��ا ذك��روه عن آله��ة اليون��ان. ومن ه��ذا القبي��ل ت��أليههم بعض المش��اهير من الملوك أو القواد أو األسالف واعتبار البعض اآلخر من نتاج المالئكة أو الجان، فعندهم مثال أن بلقيس كانت أمها جنية وأن جدها كان من نتاج المالئك�ة وبن�ات آدم، وك�ذلك ك�ان

ذو القرنين عندهم أمه آدمية وأبوه من المالئكة. � الكهانة والعرافة4

هما لفظان لمعنى واحد وف�رق بعض�هم بينهم��ا فق�ال: الكهان��ة مختص��ة ب��األمور المس��تقبلة، والعراف��ة ب��األمور الماضية، وعلى ك�ل ح��ال ف��المراد بهم��ا التنب��ؤ واس��تطالع الغيب، على أن العرب كانوا يعتقدون في الك��اهن الق��درة على كل شيء، وأن ذلك يأتيهم بواسطة األرواح فمن كان منهم يعتقد التوحي��د نس��ب ذل��ك إلى اس��تطالع الغيب عن أفواه المالئكة، وإذا كان من عب��دة األص��نام اعتق��د احتالل األرواح في األص���نام وإباحته���ا أس���رار الطبيع���ة للكه���ان والس��دنة فيق��ول الع��رب إن األص��نام ت��دخلها الجن )أي األرواح( وتخاطب الكه��ان وإن الك��اهن يأتي��ه الج��ني بخ��بر من السماء وربما عبروا عنه باله��اتف، وك��ان للكه��ان عن��د العرب لغة خاصة تمتاز بتس��جيع خصوص��ي يع��رف بس��جع الكه��ان م��ع تعقي��د وغم��وض، ولعلهم ك��انوا يتوخ��ون ذل��ك للتمويه على الناس بعبارات تحتم��ل غ��ير وج��ه كم��ا يفع��ل بعض مش��ايخ التنجيم في ه��ذه األي��ام ح��تى إذا لم يص��دق تكهنهم جعل��وا الس��بب أن��ه قص��ور الن��اس في فهم ق��ول

الكاهن.القيافة

ومن قبيل الكهانة أيضا القيافة لكنها تختص بتتبع اآلثار واالستدالل منها على األعيان وهي قس��مان: قياف��ة األث��ر، وقيافة البشر: فهي االس��تدالل بهيئ��ات أعض��اء الشخص��ين

على المشاركة واالتحاد بينهما في النسب والوالدة وس��ائر أحوالهما وهي من قبيل الفراس��ة، ومن ه��ذا القبي��ل زج��ر

الطير وخط الرمل وقد أغضينا عنهما لضيق المقام. � الطب في الجاهلية5

الطب من جملة العلوم ال��تي وض��ع أساس��ها الكل��دان كهن��ة باب��ل وهم أول من بحث في عالج األم��راض فك��انوا يضعون مرضاهم في األزقة ومع��ابر الط��رق ح��تى إذا م��ر بهم أحد أصيب بذلك الداء فيعلمهم بسبب شفائه فيكتبون ذلك على ألواح يعلقونها في الهياكل ولذلك كان التط��بيب عندهم من جملة أعم��ال الكه��ان، وك��ان للتط��بيب عن��دهم طريقت��ان: األولى طريق��ة الكه��ان والع��رافين، والثاني��ة طريقة العالج الحقيقي��ة، فالكه��ان ك��انوا يع��الجون ب��الرقي والس��حر أو ب��ذبح ال��ذبائح في الكعب��ة وال��دعاء فيه��ا أو بالتغريم أو نحو ذلك، وأما معالجاتهم العقارية فشبيهة بم��ا كان عند المصريين وغيرهم من األمم القديم��ة فق��د ك��انوا يعالجون بالعقاقير البسيطة أو األشربة وخصوص��ا العس��ل فإن��ه ك��ان قاع��دة العالج في أم��راض البطن ��� على أن اعتم�ادهم في معالج�ة األم��راض ك�ان معظم�ه عائ�دا إلى

الجراحة كالحجامة والكي � .األطباء

وأما األطب��اء فق��د ك��انوا في أول األم��ر من الكهن��ة ثم تع��اطى الطب جماع��ة من الع��رب ممن خ��الطوا ال��روم والف��رس وأخ��ذوا الطب عنهم فاش��تهروا به��ذه الص��ناعة، والظاهر أن بعضهم كان يخصص نفسه لألعمال الجراحي��ة فيغلب عليه لقب الجراح وأشهر جراحي الجاهلية ابن أبي

رومية التميمي فقد كان جراحا مزاوال ألعمال اليد. ونظرا لعناية العرب بخيولهم وإبلهم كان بعض األطباء يخصص نفسه لمعالجتها مما يعبرون عنه اليوم ب��البيطرة،

ومن بياطرة الجاهلية العاص بن وائل. � الشعر في الجاهلية6

الش����عر عن����د الع����رب الكالم المقفى الم����وزون، والتصورات الشعرية فطرية في العرب أما النظم فحادث عندهم، وربما صاغوا الش��عر أوال بعب��ارات قص��يرة تحف��ظ وتتناق��ل على س��بيل األمث��ال، ومنه��ا األمث��ال الحكمي��ة

ونحوها. وظلوا دهرا طويال يقول شاعرهم من الرجز البيتين أو الثالثة إذا هاجت فيه قريحة الشعر لمفاخرة أو مشاتمة أو من��افرة وك��انوا كلم��ا نب��غ فيهم نابغ��ة أدخ��ل في النظم تحس��ينا، والمهله��ل يقول��ون أن��ه أول من قص��د القص��ائد وام���رؤ القيس أول من أطاله���ا وتفنن في نظمه���ا وفتح الشعر وبكى ووص��ف، وهم يع��دون منظوم��اتهم بالقص��ائد وليس باألبي��ات، فق��د ذك��روا أن أب��ا تم��ام ص��احب كت��اب الحماس���ة ك���ان يحف���ظ من أش���عار الع���رب )الجاهلي���ة(

أرج��وزة غ��ير القص��ائد والمق��اطيع وك��ان حم��اد14.000 قصيدة على كل حرف من حروف27.000الراوية يحفظ

16.000الهج��اء أل��ف قص��يدة، وك��ان األص��معي يحف��ظ أرجوزة وكان أبو ضمضم يروي أش��عارا لمائ��ة ش��اعر ك��ل

منهم اسمه عمرو.منزلة الشعر

فكانوا يثيرون بذلك غ��يرة أبن��ائهم على إتق��ان الش��عر ويحرض���ونهم على نظم���ه، ألن الش���عراء ك���انوا حم���اة األعراض وحفظة اآلثار ونقل��ة األخب��ار وربم��ا فض��لوا نب��وغ الشاعر فيهم على نبوغ الفارس ولذلك كانوا إذا نب��غ فيهم شاعر من قبيلة أتت القبائل األخ��رى فهنأته��ا ب��ه وص��نعت األطعمة واجتمعت النسوة يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في األعراس وتتباشر الرجال والول��دان. وق��د بل��غ من اح��ترام الع��رب للش��عر والش��عراء أنهم عم��دوا إلى س��بع قص��ائد اختاروه��ا من الش��عر الق��ديم وكتبوه��ا بم��اء ال��ذهب في القباطي )التيل المصري( بشكل ال��درج الملت��ف وعلقوه��ا في أس���تار الكعب���ة وهي المعلق���ات ول���ذلك يق���ال له���ا

المذهبات أيضا كمذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير. � الخطابة في الجاهلية7

الخطابة تحتاج إلى خي��ال وبالغ��ة ول��ذلك ع��ددناها من قبيل الشعر أو هي شعر منثور وهو شعر منظوم وإن كان لكل منهما موقف. فالخطابة تحت��اج إلى الحماس��ة ويغلب تأثيرها في أبناء عصر الفروسية وأص��حاب النف��وس األبي��ة طالب االستقالل والحرية مما ال يش��ترط في الش��عر، أم��ا العرب فقد قض��ى عليهم اإلقليم بالحري��ة والحماس��ة وهم ذووا نف��وس حساس��ة مث��ل س��ائر أه��ل الخي��ال الش��عري فأصبح للبالغة وقع شديد في نفوسهم فالعبارة البليغة ق��د

تقعدهم أو تقيمهم بما تثيره في خواطرهم من النخوة.مواضيع الخطب

وكان العرب يخطبون بعبارة بليغة فصيحة وهم أميون ال يق��رأون وال يكتب��ون وإنم��ا ك��انت الخطاب��ة فيهم قريح��ة مث��ل الش��عر وك��انوا ي��دربون فتي��انهم عليه��ا من ح��داثتهم الحتياجهم إلى الخطباء في إيفاد الوفود مثل ح��اجتهم إلى

الشعراء في حفظ األنساب والدفاع عن األعراض. ومن هذا القبيل وفود القبائل على الن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( بعد أن استتب له األمر فقد جاءه من كل قبيلة وجهاؤها وخ��يرة بلغائه��ا العتن��اق اإلس��الم أو لالس��تفهام أو غ��ير ذل��ك ومن ه��ذا القبي��ل وف��ود الع��رب على الخلف��اء

للتسليم والتهنئة.الخطباء

وجملة القول أن الخطب��اء ك��انوا عدي��دين في النهض��ة الجاهلية كالشعراء والغالب فيهم أن يكونوا أمراء القبائ��ل أو وجهاءها أو حكماءها، وك��ان لك��ل قبيل��ة خطيب أو غ��ير

خطيب كما كان لها شاعر أو غير شاعر. � مجالس األدب وسوق عكاظ8

ك��ان الع��رب يعق��دون المج��الس لمناش��دة األش��عار ومبادلة األخب��ار والمس��امرة أو البحث في بعض الش��ؤون

العامة وكانوا يسمون تلك المجالس األندية.

األسواق

والمراد بالسوق مكان يجتمع فيه أهل البالد أو الق��رى في أوقات معين��ة يتب��ايعون ويت��داولون ويتقايض��ون، وك��ان للع��رب في الجاهلي��ة أس��واق يقيمونه��ا في أش��هر الس��نة وينتقلون من إحداها إلى األخرى يحضرها العرب من قرب منهم ومن بعد، فإذا فرغوا من س��وق انتقل��وا إلى س��واها، وأش��هر أس��واق الع��رب في الجاهلي��ة س��وق عك��اظ وهي مكان بين الطائف ونخلة، فكانت الع��رب إذا قص��دت الحج أقامت بهذا السوق من أول ذي القعدة ي��بيعون ويش��ترون إلى عشرين منه ثم يتوجهون إلى مك��ة فيقض��ون مناس��ك الحج ثم يعودون إلى أوط��انهم ومن ك��ان ل��ه أس��ير س��عى في فدائ�ه هن��اك ومن ك�انت ل�ه حكوم��ة ارتف��ع إلى ال�ذي يق��وم ب��أمر الحكوم��ة في أي��ام المواس��م وهم أن��اس من تميم، ومن كان له ثأر على أح��د ولم يع��رف مكان��ه طلب��ه في الموسم أو أراد أح��د أن يعم��ل عمال تعرف��ه الع��رب أو يستش�هدها في��ه عمل�ه في عك��اظ أو أراد أن يف��اخر أح��دا على مشهد من الناس فاخره هناك. وكانوا يتفاخرون حتى

في كبر المصائب. � األنساب في الجاهلية9

كان لألنساب في عصور الجاهلي��ة عن��د األمم القديم��ة شأن كبير وكان للن��اس عناي��ة عظمى في حف�ظ أنس�ابهم للتناصر على األعداء أو للتفاخر باآلب��اء. والع��رب من حيث أنس��ابهم ف��رع من الع��بران ألن الع��دنانيين منهم يرجع��ون في أصل آبائهم األولين إلى إس��ماعيل بن إب��راهيم، وك��ان النسابون يحفظون أسماء القبائل وما يتف��رع منه��ا حفظ��ا دقيقا فإذا عرض لهم رجل فقال: أنا من بني تميم مثال م��ا نسبي؟ فإنه يبدأ من قبيلة تميم وما تفرع منها من العمائر والبطون واألفخاذ حتى ينتهي إلى الفصيلة ومنها إلى وال��د

السائل أو إليه هو نفسه. � التاريخ10

لم يكن عند عرب الجاهلية تاريخ من قبي��ل م��ا نفهم��ه من ه��ذه اللفظ��ة الي��وم ولكنهم ك��انوا يتن��اقلون أخب��ارا متفرقة بعضها حدث في بالدهم والبعض اآلخر نقل��ه إليهم الذين عاشروهم من األمم األخ��رى، فمن أمث��ال أخب��ارهم حروب القبائل المعروفة ب�)أيام العرب( وقصة سد م��أرب واستيالء أبي كرب تبان أسعد على اليمن وبعض من خلفه ومل��ك ذي ن��واس وقص��ة أص��حاب األخ��دود وفتح الحبش��ة

لليمن وقصة أصحاب الفيل وقدومهم للكعبة.الخالصة

وجملة القول أن ما أسميناه علوم العرب قبل اإلسالم يبلغ إلى بضعة عشر علما فلما جاء اإلسالم أهم��ل بعض��ها كالكهانة والعرافة والقيافة وبقي بعضها عند أهله ونشأ م��ا يقوم مقامه في عصر الحضارة ك��النجوم واألن��واء ومه��اب الرياح والطب والخيل وارتقى الباقي واتسع عما ك��ان في الجاهلية كالشعر والخطابة والبالغة وكان اإلسالم مساعدا

على ارتقائها بالقرآن.

اإلسالم بعد العرب علوم

نريد بها العلوم ال��تي اش��تغل به��ا المس��لمون من أول اإلس��الم إلى إب��ان التم��دن اإلس��المي وهي كث��يرة يمكن

حصرها في ثالثة مجاميع: � العلوم التي اقتض��اها اإلس��الم وهي عل��وم الق��رآن1

والحديث والفقه واللغة والتاريخ ونسميها العلوم اإلسالميةأو اآلداب اإلسالمية.

��� العل��وم ال��تي ك��انت في الجاهلي��ة وارتقت في2 اإلسالم وهي الشعر والخطابة ونسميها اآلداب الجاهلية أو

اآلداب العربية. � العلوم التي نقلت إلى العربية من اللغات األخ��رى3

ك��الطب والهندس��ة والفلس��فة والفل��ك وس��ائر العل��وم الطبيعية والرياضية ونسميها العل��وم الدخيل��ة أو األجنبي��ة..

ولنتقدم على ذكر العلوم الثالثة منها:مقدمات تمهيدية

� اإلسالم والعلوم اإلسالمية1

ك��ان الع��رب في م��ا ذكرن��اه من عل��ومهم وأخب��ارهم وأط��وارهم إذ ج��اءهم الق��رآن فبهت��وا لم��ا رأوه من بالغ��ة أسلوبه على غير المألوف عندهم، ألنه ليس من قبي��ل م��ا كانوا يعرفونه من ن��ثر الكه��ان المس�جع وال نظم الش��عراء المقفى الم��وزون وق��د خ��الف كليهم��ا، وه��و منث��ور مقفى على مخ��ارج األش��عار واألس��جاع فال ه��و ش��عر وال ن��ثر وال سجع وفيه من البالغة وأساليب التعبير ما لم يكن له شبيه في لس��انهم فبص��روا بأس��لوبه وبم��ا ح��واه من الش��رائع واألحكام واألخبار، فلما دانوا باإلس��الم أص�بح همهم تالوت��ه وتفهم أحكامه ألنه قاعدة الدين والدنيا وبه تتأي��د الس��لطة والخالف��ة، ثم أش��كل عليهم بعض م��ا في��ه واختلف��وا في تفسيره فعم��دوا إلى األق��وال الم��أثورة عن الن��بي )ص��لى

الله عليه وآله( )األحاديث( يستوضحون بها ذل��ك اإلش��كال فأص��بح همهم جم��ع األح��اديث ممن س��معها أو رواه��ا عن س��امعها باإلس��ناد المتسلس��ل ف��رأوا تباين��ا في الرواي��ات فاشتغلوا في التفريق بين صحيحها وفاس��دها فرجع��وا إلى درس األسانيد واستطالع أخبار أص��حاب الح��ديث فج��رهم ذلك إلى درس طبق��ات المح��دثين واألح��وال ال��تي تن��اولوا

تلك األحاديث فيها. ولم��ا ق��امت دولتهم أخ��ذوا في ض��رب األم��وال على البالد ال��تي فتحوه��ا أو غنموه��ا، وض��رائبها تختل��ف ش��كال ومقدارا باختالف طريق الفتح بين أن يكون عنوة أو صلحا أو أمانا أو قوة فبحثوا في تحقيق أخبار الفت��وح والمغ��ازي وتدوينها، ولم��ا فس��دت األحك��ام في أي��ام ب��ني أمي��ة أك��ثر العلم��اء من ذك��ر المواع��ظ وإي��راد أخب��ار الس��لف من الصحابة وخصوصا الخلفاء األولين فاجتمع من ذل��ك ت��اريخ

النبي )صلى الله عليه وآله( والصحابة والتابعين. والنظر في أحك��ام الق��رآن والس��نة الب��د في��ه من فهم العبارة وتدبرها فنشأ من ذلك علم التفسير وبإس��ناد نقل��ه وروايت��ه واختالف الق��راء بقراءت��ه تول��د علم الق��راءات، وبإسناد السنة إلى صاحبها والتفريق بين طبق��ات الح��ديث والمح��دثين تول��دت عل��وم الح��ديث، ثم الب��د من اس��تنباط ه��ذه األحك��ام من أص��ولها على وج��ه ق��انوني يفي��د العلم بكيفي��ة ه��ذا االس��تنباط وه��و علم أص��ول الفق��ه ثم الفق��ه

فالعقائد اإليمانية ثم علم الكالم. ولم��ا عم��دوا إلى تالوة الق��رآن والح��ديث وتفس��يرهما أش��كل على غ��ير الع��رب إعرابهم��ا ألن ملك��ة اللغ��ة غ��ير راسخة فيهم فاضطروا إلى تدوين اللغة وت��رتيب قواع��دها وتعيين معاني ألفاظها � ولذلك كان أكثر المشتغلين بعلوم اللغة من األعاجم � وتعيين معاني األلفاظ وض��بط التلف��ظ به��ا دع��اهم إلى البحث عن لغ��ة ق��ريش ال��تي كتب به��ا الق��رآن حيث إن مرج��ع التحقي��ق في ذل��ك إلى األش��عار واألمثال فاشتغلوا في األسفار إلى بادية الع��رب وخ��الطوا األع��راب ونقل��وا أش��عارهم وأق��والهم وأمث��الهم لي��دونوها ويرجعوا إليها في التحقيق، ف��رأوا مش��قة في فهم مع��اني

أش��عارهم وأمث��الهم إال ب��االطالع على أنس��ابهم وأخب��ارهم وآدابهم فلم يكن لهم ب���د من درس ذل���ك كل���ه وه���و م���ا يع���برون عن���ه بعلم األدب، واختلف���وا في فهم األش���عار ووجدوا في روايتها اختالفا وفي بالغتها تفاوتا فعم��دوا إلى البحث في طبقات الش��عراء وأم��اكنهم وأش��عارهم وأخب��ار قب��ائلهم وك��ان الراحل��ون في التق��اط اللغ��ة والش��عر من أف��واه الع��رب يقف��ون في مض��اربهم على س��ائر عل��ومهم ك��النجوم واألن��واء والخي��ل واألنس��اب وغيره��ا فلم��ا ع��ادوا لتدوين اللغة دونوا أيضا كثيرا من تلك العلوم ول��ذلك ك��ان أصحاب هذه العل�وم غالب�ا من علم�اء اللغ�ة وع�ثروا أيض�ا

على ألفاظ وأشعار يندر ورودها فألفوا النوادر. وجملة القول أن ما اش��تغل ب��ه المس��لمون في ص��در اإلسالم من العلوم مرجعه إلى القرآن فهو المح��ور ال��ذي تدور عليه العلوم األدبية واللسانية فضال عن الدينية ولذلك

سميناها العلوم اإلسالمية. � العرب والقرآن واإلسالم2

وأساس اإلسالم وقوامه هو القرآن، ففي تأيي��ده تأيي��د اإلسالم أو العرب. وتمكن ه��ذا االعتق��اد في الص��حابة لم��ا ف��ازوا في فت��وحهم وتغلب��وا على دول��تي ال��روم والف��رس فنشأ في اعتقادهم أنه ال ينبغي أن يس��ود غ��ير الع��رب وال يتلى غير القرآن، وشاع هذا االعتقاد خصوصا في أيام بني أمية وقد ب�الغوا في�ه ح�تى آل ذل�ك فيهم إلى نقم�ة س�ائر

األمم عليهم. أم��ا في الص��در األول فق��د ك��ان االعتق��اد الع��ام )أن

اإلسالم يهدم ما كان قبله(. � إحراق مكتبة اإلسكندرية وغيرها3

أنشأ البطالسة في الق��رن الث��الث قب��ل الميالد مكتب��ة في اإلسكندرية جمعوا فيها كتب العلوم من أقطار الع��الم

المتمدن في ذلك الحين. جاء في تاريخ مختصر الدول ألبي الفرج المالطي عند كالمه عن فتح مص��ر على ي��د عم��رو بن الع��اص م��ا نص��ه:

وعاش )يحيى الغراماطيقي( إلى أن فتح عمرو بن العاص مدين��ة اإلس��كندرية ودخ��ل على عم��رو وق��د ع��رف عم��رو موضع يحيى من العلوم فأكرمه عمرو وس��مع من ألفاظ��ه الفلسفية � التي لم يكن للعرب بها أنس ��� م��ا هال��ه ففتن به، وكان عمرو عاقال حسن االستماع صحيح الفكر فالزمه وكان ال يفارقه ثم ق��ال ل��ه يح��يى يوم��ا: )إن��ك ق��د أحطت بحواصل اإلسكندرية وختمت على كل األصناف الموج��ودة بها فما لك به انتفاع فال نعارضك فيه وما ال انتف�اع ل�ك ب��ه فنحن أولى به( فقال له عمرو: ما الذي تحتاج إليه؟ ق��ال: )كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية( فقال له عمرو: )ه��ذا م��ا ال يمكن��ني أن آم��ر في��ه إال بع��د اس��تئذان أم��ير المؤمنين عمر بن الخطاب(. فكتب إلى عمر: عرفه ق��ول يحيى، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: )وأم��ا الكتب ال�تي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كت��اب الل��ه عنه غنى وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فال حاجة إلي��ه فتقدم بإعدامها( فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات اإلسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أش��هر، فاس�مع م��ا ج�رى وأعجب. وق�د ورد في أماكن كث��يرة من ت��واريخ المس��لمين خ��بر إح��راق مك��اتب فارس وغيرها على اإلجم��ال وق��د لخص��ها ص��احب كش��ف الظنون في عرض كالمه عن عل��وم األق��دمين بقول��ه: )إن المسلمين لما فتح��وا بالد ف��ارس وأص��ابوا من كتبهم كتب س��عد بن أبي وق��اص إلى عم��ر بن الخط��اب يس��تأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين فكتب إليه عم��ر: )أن اطرحوه��ا في الماء فإن يكن م��ا فيه��ا ه��دى فق��د ه��دانا الل��ه تع��الى بأهدى منه وإن يكن ضالال فقد كفانا الله تعالى( فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت عل��وم الف��رس فيه��ا(، وج��اء في أثناء كالمه عن أهل اإلس��الم وعل��ومهم: )إنهم أحرق��وا م��ا وج��دوا من الكتب في فتوح��ات البالد( وإح��راق الكتب كان شائعا في تلك العصور تش��فيا من ع��دو أو نكاي��ة في��ه فكان أهل كل شيعة أو ملة تح��رق كتب غيره��ا كم��ا فع��ل عبد الله بن طاهر بكتب فارسية ك��انت ال ت��زال باقي��ة إلى

ه�( من مؤلفات المج��وس، وق��د عرض��ت213أيامه )سنة

عليه فلما تبين حقيقتها أم��ر بإلقائه��ا في الم��اء وبعث إلىاألطراف أن من وجد شيئا من كتب المجوس فليعدمه.

ه� أم��ر بإلق��اء656ولما فتح هوالكو التتري بغداد سنة كتب العلم ال��تي ك��انت في خزائنه��ا بدجل��ة ��� وعلى ح��د زعمهم ف��إن ه��ذا التص��رف ال يع��بر عن مقابل��ة م��ا فعل��ه المس��لمون ألول الفتح بكتب الف��رس وعل��ومهم ��� وق��ال آخرون: إنه بنى بتلك الكتب إس��طبالت الخي��ول وط��واالت

المعالف عوضا عن اللبن. ولما فتح اإلفرنج ط��رابلس الش��ام في أثن��اء الح��روب الصليبية أحرقوا مكتبتها بأمر الك��ونت برت��رام س��نت جي��ل وكان قد دخل غرف��ة فيه��ا نس��خ كث��يرة من الق��رآن ف��أمر بإحراق المكتبة كلها وفيها على زعمهم ثالثة ماليين مجلد، وفعل األسبان نحو ذلك بمكاتب األندلس لم��ا اس��تخرجوها من أي��دي المس��لمين في أواخ��ر الق��رن الخ��امس عش��ر، وأص��حاب األدي��ان في تل��ك العص��ور ك��انوا يع��دون ه��دم المعابد القديمة وإح��راق كتب أص��حابها من قبي��ل الس��عي في تأييد األديان الجدي��دة. فأب��اطرة ال��روم حالم��ا تنص��روا أمروا بهدم هياكل األوثان في مصر وإحراقها بما فيه��ا من الكتب وغيرها وكان خلف��اء المس��لمين إذا أرادوا اض��طهاد المعتزلة وأهل الفلسفة أحرقوا كتبهم، والمعتزلة كثيرا م��ا كانوا يتجنبون ذلك تحت خطر القتل فيستترون ويجتمعون سرا والخلفاء يتعقبون آثارهم ويحرقون كتبهم، ومن أشهر الح��وادث من ه��ذا القبي��ل م��ا فعل��ه الس��لطان محم��ود

ه��� فإن��ه قت��ل420الغزن��وي لم��ا فتح ال��ري وغيره��ا س��نة الباطنية ونفى المعتزلة وأح��رق كتب الفلس��فة واالع��تزال

والنجامة. � اإلسالم والعلم4

والمس��لمون أنش��أوا دول��ة بعي��دة األط��راف ووض��عوا الش��رائع واألنظم��ة )الفق��ه( ولم يكتف��وا بنق��ل العلم عن اليونان واستبقائه على حاله بل هم درسوه وزادوا فيه من نت��ائج ق��رائحهم وعق��ولهم وبم��ا نقل��وه من عل��وم الف��رس والهند والكلدان وغيرهم فض��ال عم��ا وض��عوه هم أنفس��هم

من العلوم اإلسالمية واللسانية وما تفردوا فيه من قريح��ةالشعر. � حملة العلم في اإلسالم أكثرهم العجم5

قد تقدم أن العلوم التي حدثت في التم��دن اإلس��المي صنفان العلوم اإلس��المية والعل��وم الدخيل��ة فتغلب العل��وم اإلسالمية في غير العرب من المسلمين س��ببه أن الع��رب ق��اموا باإلس��الم وفتح��وا الفت��وح وهم أه��ل بادي��ة أمي��ون فانص�رف همهم في ب��دء ال�دعوة إلى نش�ر دينهم وإنش�اء دولتهم مم��ا ال يحت��اج إلى علم، وإنم��ا ك��انت ح��اجتهم من العلم إلى الق��رآن ي��دعون الن��اس ب��ه إلى اإلس��الم وك��انوا يس��تظهرونه ويتناقلون��ه ب��التلقين، ولم يمض على ظه��ور الدعوة بضع وعشرون س��نة ح��تى فتح��وا الش��ام والع��راق ومص��ر وف��ارس وأفريقي��ة وغيره��ا والمس��لمون )الع��رب( يومئ��ذ هم الجن��د الف��اتح وك��انوا قليلين ب��النظر إلى ذل��ك الملك الواسع فضال عمن قت��ل منهم في الح��روب والفتن، ومع ذلك فقد كانوا مطالبين بحفظ تل��ك المملك��ة وحماي��ة أهلها وتدبير شؤونها، فأصبح همهم االشتغال بالرئاس��ة فيرت اللغ��ة واختلفت الق��راءات الجند والحكومة، ولم��ا فس�� وأزم��ع الخلف��اء على جم��ع الق��رآن وتدوين��ه ك��ان أك��ثر المته��افتين على حفظ��ه المس��لمين من غ��ير الع��رب وهم الم��والي وأك��ثرهم من الف��رس وك��انوا يومئ��ذ أه��ل تم��دن وعلم وك��ان الع��رب يعرف��ون ذل��ك عنهم، ومن األح��اديث النبوية: )لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أه��ل ف��ارس( وك��ان الف��رس من الجه��ة األخ��رى ي��رون للع��رب مزية عليهم بالسيادة والنبوة وهيبة الفتح فجعلوا يتقرب��ون إليهم بالعلم على ما يتطلبه ح��ال اإلس��الم وه��و في أوائ��ل عهده عبارة عن ق��راءة الق��رآن وحفظ��ه وتفس��يره وجم��ع الح��ديث وإس��ناده وحفظ��ه، ل��ذلك فك��ان أك��ثر الحف��اظ والقراء والمحدثين والفقه��اء والمفس��رين من العجم، وإذا ك��ان فيهم أح��د من الع��رب ف��األغلب في��ه أن يك��ون من القبائ��ل الص��غرى ال��تي ال ش��أن له��ا في الفتح. ولم��ا دع��ا فساد اللغة إلى ضبط قواعدها وجمع ألفاظه��ا ك��ان العجم

أح��وج إلى ذل��ك من الع��رب الس��تغناء الع��ربي بملكت��ه الفطري���ة عن تعلم القواع���د وحف���ظ األلف���اظ فاش���تغل األعاجم بعلوم اللغة وكان أكثر علم��اء األدب واللغ��ة منهم كحم��اد الراوي��ة وه��و ديلمي والخلي��ل وس��يبويه واألخفش والفارس���ي والزج���اج وغ���يرهم من الف���رس أو من في

معناهم. أما العلوم الدخيلة مثل الفلسفة، فالمشتغلون به��ا هم غير العرب وغير المسلمين ألن العباسيين لما أرادوا نق��ل كتب اليون���ان والف���رس والهن���د إلى العربي���ة اس��تخدموا مترجمين من الكلدان والسريان والفرس وغ��يرهم لنقله��ا

وأكثرهم من النصارى. � تدوين العلم في اإلسالم6

قض��ى الع��رب عص��ر ب��ني أمي��ة وهم يش��تاقون إلى الب��داوة ألن دولتهم ك��انت عربي��ة بدوي��ة فانقض��ى الق��رن األول وبعض القرن الث��اني للهج��رة والمس��لمون يتن��اقلون العلم ب��التلقين ويعتم��دون على الحف��ظ ولم ي��دونوا غ��ير القرآن ألسباب، وكان أبو بكر قد توقف عن جمعه وتدوينه

وقال: )كيف أفعل أمرا لم يفعله رسول الله(. أم��ا م��ا خال ذل��ك من التفس��ير والح��ديث واألش��عار واألخب��ار واألمث��ال فق��د ك��انوا يحفظونه��ا في ص��دورهم وأك��ثرهم يق��رأون ولكنهم ال يكتب��ون، وق��د يك��ون بعض��هم حافظا ومفسرا وهو ال يقرأ كما كان ش��أنهم في الجاهلي��ة

يشعرون ويخطبون وال يقرأون. فلم��ا انتش��ر اإلس��الم واتس��عت األمص��ار وتف��رقت الصحابة في األقطار وحدثت الفتن واختلفت اآلراء وكثرت الفتاوى والرجوع إلى الكبراء اضطروا إلى تدوين الح��ديث والفق��ه وعل��وم الق��رآن واش��تغلوا في النظ��ر واالس��تدالل واالجته��اد واالس��تنباط وتمهي��د القواع��د واألص��ول وت��رتيب األبواب والفصول فرأوا ذلك مستحبا فعمدوا إلى الت��دوين )يراج��ع في ه��ذا الش��أن كت��اب )تأس��يس الش��يعة لعل��وم

اإلسالم( )م((.

وأقدم م��ا علمن��ا ب��ه من التفاس��ير تفس��ير مجاه��د بن ه� ، ثم اشتغلوا في تدوين التاريخ104جبير المتوفي سنة

وخصوصا المغازي وأقدم م��ا وص��ل إلين��ا خ��بره من كتبهم في هذا الموضوع كتاب ألفه وهب بن منبه صاحب األخبار

ه��� وه��و من أبن��اء الف��رس116والقص��ص المت��وفي س��نة المولودين ب��اليمن، ف��ألف كتاب��ا في المل��وك المتوج��ة من حمير وأخبارهم وأشعارهم وقصصهم، قال ابن خلكان: إنه شاهده بنفسه وأث��نى علي��ه ثم كت��اب المغ��ازي لمحم��د بن

ه��� ثم أل��ف المس��لمون141مسلم الزهري المتوفي سنة في الحديث والفقه في أواسط القرن الثاني للهجرة.

� الخط العربي7

تاريخه

ليس في آثار العرب بالحجاز م��ا ي��دل على أنهم ك��انوا يعرف��ون الكتاب��ة قبي��ل اإلس��الم م��ع أنهم ك��انوا مح��اطين شماال وجنوبا بأمم من العرب الذين خلف��وا نقوش��ا كتابي��ة كث��يرة، على أن بعض ال��ذين رحل��وا منهم إلى الع��راق أو الش��ام قبي��ل اإلس��الم تخلق��وا ب��أخالق الحض��ر واقتبس��وا الكتابة منهم على سبيل االستعادة فع��ادوا وبعض��هم يكتب العربية بالحرف النبطي والسرياني اللذين بقيا عندهم إلى ما بعد الفتوح اإلسالمية فتخلف عن األول الخط النس��خي )ال��دارج( وعن الث��اني الخ��ط الك��وفي نس��بة إلى مدين��ة الكوفة. وكان الخط الكوفي يسمى قبل اإلس��الم الح��يري نسبة إلى الحيرة وهي مدينة ع��رب الع��راق قب��ل اإلس��الم

وابتنى المسلمون الكوفة بجوارها. والخالصة أن العرب تعلموا الخ��ط النبطي من ح��وران في أثناء تجاراتهم إلى الشام وتعلم��وا الخ��ط الك��وفي من العراق قبل الهجرة بقليل وظل الخطان معروفين عن��دهم بعد اإلسالم، واألرجح أنهم ك��انوا يس��تخدمون القلمين مع��ا الك���وفي لكتاب���ة الق���رآن ونح���وه من النص���وص الديني���ة والنبطي لكتابة المراس��الت والمكاتب��ات االعتيادي��ة، وحين جاء اإلسالم كانت الكتابة معروفة في الحجاز ولكنه��ا غ��ير

ش��ائعة فلم يكن يع��رف الكتاب��ة إال بض��عة عش��ر إنس��انا أكثرهم من كبار الصحابة، وقد بلغ عدد األقالم العربية إلى

(2( قلم الجلي��ل )1 قلم��ا وهي )12أوائل الدولة العباسية ( قلم اسطور مار الكبير4( قلم الديباج )3قلم السجالت )

( قلم8( قلم المفتح )7( قلم الزنبور )6( قلم الثالثين )5) ( قلم11( قلم العه��ود )10( قلم الم��دامرات )9الح��رم )( قلم الحرفاج.12القصص )

��اب في تجوي��د الخ��ط وفي أيام الم��أمون تن��افس الكت فحدث القلم المرصع وقلم النس��اخ وقلم الرياس��ي نس��بة إلى مخترعه ذي الرئاستين الفض��ل بن س��هل وقلم الق��اع

وقلم غبار الحلية. فزادت الخط��وط على عش��رين ش��كال وكله��ا تع��د من الكوفي وأما الخط النسخي أو النبطي فقد كان شائعا بين الناس لغير المخطوطات الرسمية حتى إذا نب��غ ابن مقل��ة

328المتوفي سنة ه� فأدخ��ل في الخ��ط الم�ذكور تحس�ينا جعل��ه على نح��و م��ا ه��و علي��ه اآلن وأدخل��ه في كتاب��ة

الدواوين.الحركات

وك��ان الق��رآن في أول اإلس��الم محفوظ��ا في ص��دور القراء وليس هناك خوف من االختالف في قراءت��ه لك��ثرة عنايتهم في تناقله وضبط ألفاظه ح��تى دون��وه وك��ثر أه��ل اإلس��الم، فمض��ى نص��ف الق��رن األول للهج��رة والن��اس يقرأون القرآن بال حركات وال إعجام، وأول ما افتقروا إليه الحركات وأول من رسمها أبو األسود الدؤلي واضع النح��و

ه�.69العربي المتوفي سنة اإلعجام

كان الخط لما اقتبس��ه الع��رب من الس��ريان واألنب��اط خاليا من النقط � وال تزال الخطوط السريانية بال نقط إلى اليوم � فاإلعجام حادث في العربية وهو قديم فيها. فيؤخذ من ذل��ك أن الع��رب اس��تخدموا الحرك��ات واإلعج��ام من أواسط القرن األول ولكنهم ظلوا م��ع ذل��ك يكرهونهم��ا إال

حيث يريدون التدقيق بنوع خاص كالمصاحف ونحوها، أم��ا في ما خال ذلك فكانوا يفضلون ترك النقط السيما إذا كان المكتوب إليه عالما، وقد حكي أن��ه ع��رض على عب��د الل��ه بن طاهر خط بعض الكتاب فقال: )م��ا أحس��نه ل��وال ك��ثرة شوينزه � أي نقطه ��� ( ويق��ال: )ك��ثرة النق��ط في الكت��اب سوء ظن في المكتوب إليه( وق��د يق��ع بالنق��ط ض��رر كم��ا حكي عن جعف��ر المتوك�ل أن�ه كتب إلى بعض عمال�ه: )أنفنا بمبلغ عددهم( فوق��ع أحصي من قبلك من الذميين وعر على الحاء نقطة فصارت )أخصي(، فجمع العامل من كان

في عمله منهم وخصاهم فماتوا غير رجلين.

اإلسالمية العلوم

هي العلوم التي اقتض�اها اإلس�الم والتم�دن اإلس�الميعلى ما تقدم وتقسم إلى ثالثة أقسام:

( العلوم الشرعية وهي العلوم الدينية اإلسالمية.1)(2 ( العلوم اللسانية وهي التي اقتضاها اإلسالم ض��منا

فاحت��اجوا إليه��ا في ض��بط ق��راءة الق��رآن أو تفس��يره أوتفهمه وتفهم الحديث.

( التاريخ والجغرافيا.3) � العلوم الشرعية اإلسالمية1

القرآن.. جمعه وتدوينه

ال غرو إذا اهتم المسلمون بجم��ع الق��رآن وحفظ��ه ألن عليه يتوق��ف دينهم ودني��اهم وأول أس��باب حفظ�ه تدوين��ه. والقرآن لم يظهر مرة واحدة وإنما ظهر ت��دريجا في أثن��اء عشرين سنة على مقتضى األحوال من أول ظهور الدعوة إلى وفاة الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( بعض��ه في مك��ة وبعضه في المدينة فكان كلما تال آية أو سورة كتبوها على ص��حف الكتاب��ة في تل��ك األي��ام وهي الرق��اع من الجل��ود والعريض من العظ��ام كاألكت��اف واألض��الع وعلى العس��ب وهي قحوف جريد النخيل واللخاف وهي الحجارة العريضة

ه�11البيضاء، فتوفي النبي )صلى الل��ه علي��ه وآل��ه( س��نة والقرآن إما م��دون على أمث��ال ه��ذه الص��حف أو محف��وظ في صدور الرجال، وكانوا يسمون حفظته )الق��راء( وك��ان أكثر الناس عناية في تدوينه على عه��د الن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( علي بن أبي ط��الب )علي��ه الس��الم( وس��عد بن عبيد بن النعمان وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وثابت بن زيد وأبي بن كعب وغيرهم. فلما قام أبو بكر باألمر وارتد أهل جزيرة العرب عن اإلسالم بعث جندا لمحاربتهم فقت��ل من

الص��حابة في تل��ك الح��روب جماع��ة كب��يرة وخصوص��ا في من المس��لمين1.200غزوة اليمام��ة فقت��ل فيه��ا وح��دها

من الق��راء. فلم��ا بل��غ ذل��ك إلى أه��ل المدين��ة700فيهم فزعوا فزعا شديدا مما أدى إلى أن يجمع أبو بكر القرآن. وفي أيام عثم��ان اتس��عت الفت��وح وتف��رق المس��لمون في مصر والشام والعراق وفارس وأفريقي��ا وفيهم الق��راء وعند بعضهم نسخ من القرآن وق��د رتبه��ا ك��ل منهم ترتيب��ا خاصا فعول أهل كل مصر على من قام بينهم من الق��راء. فأهل دمش��ق وحمص مثال أخ��ذوا عن المق��داد بن األس��ود وأهل الكوفة أخذوا عن ابن مسعود وأهل البصرة عن أبي موسى األش��عري وك��انوا يس��مون مص��حفه لب��اب القل��وب ومع شدة عناية القراء في حفظ القرآن وض��بطه لم يخ��ل

من االختالف في قراءة بعض سوره. واتف��ق في أثن��اء ذل��ك أن حذيف��ة بن اليم��ان ك��ان في جملة من حضر غ��زوة أرميني��ا وآذربيج��ان ف��رأى في أثن��اء س��فره اختالف��ا بين المس��لمين في ق��راءة بعض اآلي��ات وسمع بعض��هم يق��ول لبعض: )ق��راءتي خ��ير من قراءت��ك( فلم��ا رج��ع إلى المدين��ة أنب��أ عثم��ان ب��ذلك وأن��ذره بس��وء العقبى إن لم يتالف األمر إلى أن ق�ال: )أدرك ه�ذه األم��ة قب��ل أن يختلف��وا في الكت��اب اختالف اليه��ود والنص��ارى( فبعث عثم���ان إلى حفص���ة أن )أرس���لي إلين���ا بالص���حف ننس��خها في المص��احف ثم نرده��ا إلي��ك( فأرس��لتها، ف��دعا عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن الع��اص وعبد الرحمن بن الح��ارث بن هش��ام وأم��رهم أن ينس��خوا القرآن ويستعينوا على الق��راءة بم��ا حفظ��ه الق��راء وق��ال لهم: )إذا اختلفتم أنتم وزي��د بن ث��ابت في ش��يء ف��اكتبوه

ه�30بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم( ففعلوا ذلك سنة وكتبوا أربعة مص��احف بعثه��ا عثم��ان إلى األمص��ار األربع��ة مكة والبص��رة والش��ام واث��نين أبقاهم��ا في المدين��ة واح��د ألهلها وواحد لنفسه وه��و ال��ذي يس��مونه )اإلم��ام( ثم أم��ر بجمع كل ما كان قبل ذلك من المصاحف والص��حف وأم��ر

(.2بإحراقه )يراجع بهذا الشأن )البيان لإلمام الخوئي( )م

على أن الخلف��اء واألم��راء ك��انوا يب��ذلون جه��دهم في جمع الكلمة على مصحف عثمان والتشديد في إع��دام م��ا سواه وفي جملة مساعيهم أن األمراء كانوا يكتبون نس��خا من ذلك المصحف يض��عونها في المس��اجد ليتلوه��ا الن��اس ويرجعوا إليه��ا في تص��حيح م��ا بين أي��ديهم من المص��احف الخصوصية، وربما كتب األمير ع��دة مص��احف وفرقه��ا في

األمصار.قراءة القرآن

كان للقراءة شأن عظيم في أول اإلسالم لقل��ة ال��ذين يقرأون يومئذ فسموا الذين كانوا يحفظون القرآن )ق��راء( تمييزا لهم عن س��ائر المس��لمين ألنهم ك��انوا أم��يين. على أن��ه لم يمض على إرس��ال عثم��ان مص��احفه إلى األمص��ار زمن قصير حتى أصبح ألهل كل مصر قراءة خاصة يتبعون فيها قارئا يثقون بصحة قراءت��ه وتنوق��ل ذل��ك واش��تهر. ثم اس��تقر منه��ا س��بع ق��راءات معين��ة ت��واتر نقله��ا بأدائه��ا واختصت باالنتساب إلى من اشتهر بروايتها فص��ارت ه��ذه الق��راءات الس��بع أص��وال للق��راءة ويع��دها بعض��هم عش�را، وك��انوا يرجع��ون في إثب��ات ص��حة الق��راءة إلى اإلس��ناد المتسلسل كق��ولهم: ق��رأ يعق��وب بن إس��حاق على س��الم وقرأ سالم على عاصم وقرأ عاصم على أبي عبد ال��رحمن وق��رأ أب��و عب��د ال��رحمن على علي بن أبي ط��الب )علي��ه

السالم( وقرأ علي على النبي )صلى الله عليه وآله(.تأثير القرآن

إن قراءة القرآن وحفظه من أول واجب��ات المس��لمين وخصوصا في أوائل اإلسالم فانطبعت أوامره ونواهي��ه في أفئدتهم وارتسمت عباراته على ألسنة أدبائهم وأص��بح ه��و المرج��ع في الش��رع وال��دين واللغ��ة واإلنش��اء وفي ك��ل شيء، فاقتبسوا أساليبه في خطبهم وكتبهم وتمثلوا بآيات��ه في مؤلف����اتهم وظه����رت آداب����ه وتعاليم����ه في أخالقهم وأط��وارهم م��ع تباع��د األمم ال��تي اعتنقت اإلس��الم في أصولها ولغاتها وبالدها. واستشهدوا بأقوال��ه ونصوص��ه في

علومهم اللسانية فضال عن العلوم الشرعية، فقد كان في آي��ة من الق��رآن وأص��بح أه��ل300كت��اب س��يبويه وح��ده

عوها البالغ��ة ال ت��روق لهم الكتاب��ة أو الخطاب��ة إال إذا رص�� بشيء من آيات القرآن كما سترى في ب��اب الخطاب��ة في اإلسالم وفي باب البالغة من اقتباس اآلي��ات وإدخاله��ا في

عبارات الخطب والرسائل والتوقيعات. على أنهم ك���انوا لف���رط اش���تغالهم بحف���ظ الق���رآن وقراءته وتفهمه لو ذكر الرجل حرفا أو كلمة انتبه الس��امع لآلية كلها، ولذلك كثيرا ما كانوا يرمزون بالكلم��ة الواح��دةإلى آية يفهمها العارف ويعمل بها وقد تخفى على كثيرين. وقد عني المسلمون في كتابة الق��رآن وحفظ��ه عناي��ة ليس بع��دها عناي��ة فكتب��وه على ص��فائح ال��ذهب والفض��ة وعلى صفائح الع��اج وط��رزوا آيات��ه بال��ذهب والفض��ة على الحرير والديباج وزين��وا به��ا مح��افلهم ومن��ازلهم ونقش��وها على الج����دران في المس����اجد والمك����اتب والمج����الس ورسموه بكل الخطوط وأجملها على كل أص��ناف الرق��وق والجل��ود وال��ورق ب��األدراج والك��راريس والرق��اع بأص��ناف المداد وألوانها وكتبوا بعض الكالم بالذهب، وك��ان الخلف��اء واألمراء والس��الطين يت��بركون بكتاب��ة المص��احف بأي��ديهم ويختزنونها في المساجد أو نحوها. وقد ضبطوا ع��دد س��ور القرآن وآياته وكلماته وحروفه وعدوا ما في��ه من األلف��ات

والباءات إلى الياءات.تفسير القرآن

كان العرب عند ظهور الدعوة كلما تليت عليهم سورة أو آية فهموه��ا وأدرك��وا معانيه��ا بمفرداته��ا وتراكيبه��ا ألنه��ا بلس���انهم وعلى أس���اليب بالغتهم وألن أكثره���ا تليت في أح��وال ك��انت ك��القرائن يس��هل فهمه��ا وإذا أش��كل عليهم شيء منها سألوا النبي )صلى الله عليه وآل��ه( فك��ان ي��بين لهم المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ، فحف��ظ أص��حابه عنه ذلك وتناقلوه فيم��ا بينهم وعنهم أخ��ذ من ج��اء بع��دهم من الت��ابعين وت��ابعي الت��ابعين. ولم��ا ص��ار اإلس��الم دول��ة واحت��اجوا إلى األحك��ام والق��وانين ك��ان الق��رآن مص��در

اس��تنباطها ف��زادت العناي��ة في تفس��يره وأص��بح الق��راء والمفسرون مراجع المسلمين في استخراج تلك األحك��ام أو هم الفقه��اء في أول عه��د اإلس��الم، وك��انوا يتن��اقلون التفسير شفاها إلى أواخر القرن األول ثم كتبت التفاس��ير وكتب التفس��ير كث��يرة ج��دا )ذك��ر منه��ا ص��احب كش��ف الظن��ون نيف��ا وثالث مائ��ة تفس��ير وق��ال إن��ه ذك��ر بعض��ها وكانت أكثر من ذلك كث��يرا( )العالم��ة المجلس��ي ذك��ر أن��ه وجد من التفاسير ونحوها � إلى زمانه � أربع��ة عش��ر أل��ف

كتاب )م((.الحديث

لما اشتغل المس��لمون في تفهم مع��اني الق��رآن ك��ان في جملة ما افتقروا إليه في تفهمها أق��وال الن��بي )ص��لى الله عليه وآله( وهو ما عبروا عنه باألحاديث النبوية وأق��دم من س��معها الص��حابة وحفظوه��ا فك��انوا إذا أش��كل عليهم فهم آي���ة واختلف���وا في تفس���يرها أو حكم من أحكامه���ا اس��تعانوا بتل��ك األح��اديث على استيض��احها، فلم��ا ك��انت الفت��وح تف��رق الص��حابة في األرض وعن��د ك��ل منهم بعض األحاديث وقد يتف��رد بعض��هم بأح��اديث لم يس��معها س��واه فأص��بح ط��الب الح��ديث إذا ك��ان من أه��ل دمش��ق مثال ال يستوفيه إال إذا رحل في طلبه إلى مكة والمدينة والبص�رة والكوفة والري ومصر وغيرها وكذلك المقيم في أحد هذه البالد فإنه ال يس��تطيع اس��تيفاء الح��ديث م��ا لم يطلب��ه من البالد األخ��رى وه��ذا م��ا يع��برون عن��ه بالرحل��ة في طلب

العلم.وضع األحاديث

نشأت الفتنة بعد مقتل عثمان واختلف المسلمون في الخالفة وادعاها غير واحد فانصرفت عناي��ة ك�ل ح�زب من أحزابهم إلى استنباط األدلة واستخراج األح��اديث المؤي��دة لدعواهم فكان بعضهم إذا أعوزهم حديث يؤيدون ب��ه ق��وال أو يقيمون به حجة اختلقوا حديثا من عند أنفسهم، وتك��اثر ذلك في أثناء تلك الفوض��ى فك��ان المهلب بن أبي ص��غرة

مثال يضع األحاديث ليشد بها أمر المس��لمين ويض��عف أم��ر الخ��وارج وه��و م��ع ذل��ك مع��دود من األتقي��اء والنبالء م��ع علمهم بما كان يضعه من األحاديث ألنهم كانوا يعدون ذلك خدعة في الحرب وأمث��ال المهلب كث��يرون ك��انوا يض��عون الح��ديث ألغ��راض مختلف��ة. وتس��ابق الن��اس خصوص��ا إلى وضع األحاديث في أثناء البحث في شروط الخالف��ة نظ��را لم��ا رأوه من ت��أثير الح��ديث فيه��ا من أول عه��دها، فلم��ا هدأت الفتن��ة وعم��د المس��لمون إلى التحقي��ق ك��انت تل��ك الموضوعات قد تكاثرت فاشتغلوا في التفري��ق بينه��ا وبين الصحيح فألفوا كتبا كثيرة في الحديث وميزوا ص��حيحه من فاسده وجعلوه م��راتب، ولهم في ذل��ك ألف��اظ اص��طلحوا

عليها لهذه المراتب.إسناد الحديث

وترتب على أهمية الحديث في ال��دين وال��دنيا تعرض��ه للوضع والتحريف كما رأيت فاحتاج إلى العناية في تحقيقه ولم يكن ذل��ك ميس���ورا في العص���ور األولى إال بالحف���ظ والرجوع بالمحفوظ إلى المصدر األص��لي ال��ذي أخ��ذ عن��ه بالتسلسل وهو )اإلسناد( كأن يقال: )حدثنا فالن أو أخبرن��ا فالن أو أملى علي فالن م��ا ه��و ك��ذا وك��ذا( فلم��ا بع��دت الرواية جعلوه��ا متسلس��لة فق��الوا: )ح��دثنا فالن عن فالن عن فالن أن���ه س���مع فالن���ا يق���ول ك���ذا وك���ذا( وتط���رق المسلمون في طريقة اإلسناد من الح��ديث إلى غ��يره من العلوم النقلي��ة كالت��اريخ واألدب كم��ا ه��و مش��هور وتتبع��وا طريقة اإلسناد المتسلسل في كثير من العل��وم اإلس��الميةمما لم يسبق له مثيل في البالد األخرى أو األمم األخرى.

الفقه

لما صار اإلسالم دولة احتاج أمراؤه إلى ما يقضون ب��ه بين رعاياهم في أح��والهم الشخص��ية ومع��امالتهم المدني��ة فرجعوا إلى القرآن والحديث، فاس��تخرجوا منهم��ا ش��ريعة نظم��وا به��ا حك��ومتهم وحكم��وا به��ا بين رعاي��اهم وذل��ك

طبيعي في الدول الكبرى ومن هنا كان نشوء الفقهاء.

الرأي والقياس

وكانت علوم القرآن قد انتشرت في الع��راق وف��ارس ونبغ من أبنائهم��ا من درس الفق��ه والفتي��ا ولكنهم م��ازالوا عياال فيهم��ا على أه��ل المدين��ة ألنهم أوث��ق الن��اس بحف��ظ الحديث وقراءة الق��رآن. وك��ان الح��ديث قليال في الع��راق على الخصوص، وكان المسلمون غير العرب هناك أكثرهم الف��رس وهم أه��ل تم��دن وعلم فعم��دوا إلى اس��تخدام القي��اس العقلي في اس��تخراج أحك��ام الفق��ه من الق��رآن والحديث فخالفوا بذلك أه��ل المدين��ة ألنهم ك��انوا ش��ديدي التمسك بالتقلي��د فك��ان من جمل��ة مس��اعي المنص��ور في تصغير أمر المدينة وفقهائها وخصوصا مالك بع��د أن أف��تى بخلع بيعته أنه نصر فقهاء العراق الق��ائلين بالقي��اس وك��ان كبيرهم يومئذ أب��و حنيف��ة النعم��ان في الكوف��ة فاس��تقدمه المنصور إلى بغداد وأكرمه وعزز مذهبه، وكان أب��و حنيف��ة ال يحب الع���رب وال العربي���ة ح���تى أن���ه لم يكن يحس���ن اإلعراب وال يبالي به ولذلك ك��ان الربي��ع ح��اجب المنص��ور يقاومه ألن الربيع ينتسب إلى العرب وكان يك��ره الف��رس وابنه الفضل هو الذي سعى في قتل البرامكة، فلم��ا نص��ر المنصور أبا حنيفة وأصحابه وهم المعروف�ون بأه�ل ال�رأي أو القياس ازداد مالك تمس�كا برأي�ه وتبع�ه فقه�اء الحج�از وهم أه��ل الح��ديث، وانقس��م الفقه��اء إلى قس��مين أه��ل

الحديث وأهل الرأي.منزلة العلماء عند الخلفاء

يراد بالعلماء في ع��رض الكالم عن العل��وم اإلس��المية علماء الح��ديث والق��رآن والفق��ه وق��د علمت م��ا ك��ان من منزلة هذه العلوم في الخالفة فال عجب بعد ذلك إذا رأيت الخلف��اء يكرم��ون الفقه��اء وأص��حاب الح��ديث والزه��اد والعلماء، وكان اإلكرام في أول األمر للفقه��اء والمح��دثين خاصة ثم شمل أصحاب س��ائر العل��وم اإلس��المية كالنح��اة واللغويين فق��د ك��ان الرش��يد يجلس الكس��ائي ومحم��د بن الحسن على كرس��يين في مجلس��ه ولم��ا م��ات ه��ذان في

الري في يوم واحد ق��ال الرش��يد: )دفنت الفق��ه والعربي��ة في الري(. وقد تنازع األمين والمأمون � ولدا الرشيد � في حمل نعال أستاذهما الفراء وتق��ديمها إلي��ه ح��تى اص��طلحا

على أن يقدم كل منهما واحدة. � العلوم اللسانية2

النحو

النحو بمعناه الحقيقي ط��بيعي على لس��ان ك��ل متكلم يتلقن��ه من مرض��عه، ألن اإلنس��ان يتعلم النح��و وه��و يتعلم النطق إذ بدونه ال يحس��ن التعب��ير عن أفك��اره أم��ا إذا أراد أن يتعلم لسانا غير لسانه ف��درس )قواع��د النح��و( يس��هل عليه تناوله، ولذلك فاألمة قد تقضي قرون��ا متطاول��ة وهي تتكلم وتخطب وتنظم الشعر قبل أن ت��دون قواع��د النح��و

وتجعله علما.وضع النحو العربي وواضعه

وهك��ذا الع��رب فق��د نظم��وا الش��عر وألف��وا الخطب وتناشدوا وتراسلوا قبل تدوين النحو ألن ملكة اللغة ك��انت طبيعية فيهم، على أنهم اضطروا إلى ض��بط تل��ك القواع��د وتدوينها بأسرع مما اضطر إليه اليونان والرومان التماس��ا للدق��ة في ض��بط مع��اني الق��رآن، فلم يمض على دولتهم نصف قرن حتى ش��عروا بالحاج��ة إلى النح��و، والمؤرخ��ون مجمعون على أن أبا األس��ود وض��ع النح��و وه��و يق��ول إن��ه تلقى ذلك عن علي بن أبي طالب )عليه السالم( والع��رب كانوا يعرفون اإلعراب قبل علم النحو كما ك��انوا يحس��نون النظم قبل علم الع��روض وك��ان ذل��ك ملك��ة طبيعي��ة فيهم حتى اختلط��وا باألع��اجم وأس��لم ه��ؤالء وليس فيهم ملك��ة اللغ���ة ليفهم���وا الق���رآن فاض���طروا إلى ض���بطها وك���ان المس��لمون أك��ثر اش��تغاال في ذل��ك، ب��دأ بعلم النح��و أب��و

األسود وأتمه من جاء بعده من أهل البصرة والكوفة.األدب واللغة

لما أخ��ذ المس��لمون في تفس��ير الق��رآن احت��اجوا إلى ضبط معاني ألفاظه وتفهم أساليب عبارات��ه فج��رهم ذل��ك إلى البحث في أس���اليب الع���رب وأق���والهم وأش���عارهم وأمثالهم وال يكون ذلك سالما من العجمة أو الفساد إال إذا أخذ عن ع��رب البادي��ة ال��ذين ك��انت ق��ريش في الجاهلي��ة تتخير من ألف��اظهم وأس��اليبهم، فع��ني جماع��ة كب��يرة من المسلمين في الرحلة إلى بادية الع��رب والتق��اط األش��عار واألمثال والس��ؤال من أف��واه الع��رب عن مع��اني األلف��اظ وأساليب التعبير وسموا االشتغال ب��ذلك م��ع م��ا يتبع��ه من

صرف ونحو وبالغة بعلم األدب. وكان أك��ثر المش��تغلين في جم��ع اللغ��ة وآدابه��ا العجم

لحاجتهم إلى ذلك أكثر من العرب.علماء األدب بالبصرة والكوفة

وك��ان الحف��اظ وال��رواة ي��دققون في م��ا يأخذون��ه عن الع��رب من ش��عر أو مث��ل أو ق��ول أو غ��ير ذل��ك أو م��ا يس��معونه من معانيه��ا ألن عليه��ا يتوق��ف تفس��ير الق��رآن ول��ذلك ف��إنهم اتخ��ذوا في نق��ل اللغ��ة طريق��ة اإلس��ناد المتسلسل � كما كانوا يفعلون في رواية الحديث ��� وع��ني الناس بحفظها مث��ل عن��ايتهم بحفظ��ه العتب��ارهم أن ناق��ل اللغة يجب أن يكون عدال كما يش��ترط في ناق��ل الح��ديث ألنها واسطة تفسيره وتأويله، على أنهم لم يستطيعوا ذلك

تماما. وزها القرن الثاني وبعض الثالث في البصرة والكوف��ة

ونبغ فيهما النحاة والرواة والحفاظ واألدباء والشعراءعلماء األدب في بغداد

ومازال ه��ذان المص��ران )البص��رة والكوف��ة( مص��دري العلوم اإلسالمية حتى بنيت بغداد وانتقل العلم إليها وغلب ورود أهل الكوفة إلى بغداد لقربهم منها. وكان العباسيون يكرم���ونهم ألنهم نص���روهم لم���ا ق���اموا لطلب الخالف���ة، فق��دمهم الخلف��اء على أه��ل البص��رة واس��تقدموهم إليهم ووسعوا لهم ورغب الناس في الروايات الشاذة وتف��اخروا

ب��النوادر وتب��اهوا بالترخيص��ات وترك��وا األص��ول واعتم��دوا على الفروع. واش��تهر منهم في ذل��ك العص��ر الف��راء عب��د الله بن سعيد األموي وأبو الحس��ن األخفش الك��وفي وأب��و عكرمة الضبي وأبو عمرو الشيباني وغيرهم وك�انت عل�وم اللغة في أول أمرها مشتركة مختلطة ثم تميزت وتشعبت فصارت علوما عديدة كل منها مس��تقل عن اآلخ��ر ك��النحو والصرف واللغ�ة والمع�اني والبي�ان واالش�تقاق والع�روض والقوافي وأخب��ار الع��رب وأمث��الهم والج��دل وغيره��ا وق��د يطلقون عليه�ا علم األدب ولك��ل منه��ا ت�اريخ وش��روح هي

من شأن تاريخ آداب اللغة.بالغة اإلنشاء

البالغ��ة في اإلنش��اء مم��ا اقتض��اه الق��رآن ألن��ه مث��ال البالغة والفصاحة عن��دهم يتخذون��ه في خطبهم ورس��ائلهم وإنش��ائهم وإذا لم يتخ��ذوه عم��دا فش��يوع حفظ��ه فيهم أكسبهم ملكة البالغة مع ما كانوا فيه من أسباب الحماسة واألنفة إبان دولتهم، فدخلت لغة الع��رب بع��د اإلس��الم في

طور جديد من البالغة والفصاحة.إنشاء الرسائل

فالرسائل كانت عبارتها عن��دهم مث��ل عب��ارة الخطاب��ة من حيث التفنن في أساليب الخيال بالتهدي��د أو الوعي��د أو النص��ح أو االس��تنهاض أو االس��تعطاف أو نح��و ذل��ك من المع��اني الش��عرية، وك��انوا في أوائ��ل اإلس��الم يتوخ��ون االختص��ار فيه��ا على ق��در اإلمك��ان عمال بالح��ديث القائ��ل: )أوتيت جوامع الكلم واختص��ر لي الكالم اختص��ارا( فك��انوا يجمعون المعنى الكبير في اللفظ القليل ح��تى تك��اد ت��رى المعنى مجردا من اللفظ، وكان لتلك الرس��ائل ت��أثير مث��ل ت��أثير الخطب البليغ��ة ك��أنهم استعاض��وا بع��د زمن الفتح

ببلغاء الكتاب عن بلغاء الخطباء.التوقيعات

ويع��د من ه��ذا القبي��ل أيض��ا التوقيع��ات وهي م��ا ك��ان يوقعه الخلفاء على ما يرفع إليهم من القص��ص بم��ا يش��به )التأش���ير( في دواوين ه���ذه األي���ام وك���انوا يتفنن���ون في التوقيع تفنن��ا ب��ديعا، ويغلب أن يجعل��وا أج��وبتهم آي��ات من الق��رآن أو جمال من الح��ديث أو أش��عارا مش��هورة وك��ان األمراء والوزراء أيضا يوقعون مث��ل توقيع��ات الخلف��اء في ما يرفع إليهم من القصص، ومازال االختصار عمدة البالغة في رسائلهم ومكاتباتهم حتى تحضروا واختلط��وا ب��الفرس بالمصاهرة والمعاشرة فاقتبس��وا منهم التفخيم والمبالغ��ةوالتوسع، وقد بدأوا بذلك من أوائل القرن الثاني للهجرة.

إنشاء الكتب

وي��راد به��ا الكتب المؤلف��ة في المواض��يع األدبي��ة أو العلمية أو التاريخية أو نحوها وهي تختلف بالغ��ة وفص��احة ب��اختالف مواض��يعها، وكتب األدب أح��وج إلى البالغ��ة لم��ا تقتضيه المواضيع األدبية من التخيالت الش�عرية والكناي��ات ونحوها، والغالب في كتاب األدب أن يطالعوا آداب العرب ويخ��الطوهم ويحفظ��وا أس��اليبهم في أش��عارهم وخطبهم وأقوالهم فتحصل فيهم ملك��ة البالغ�ة العالي��ة ول�ذلك ك�ان الفقه��اء وأه��ل العل��وم الطبيعي��ة قاص��رين في البالغ��ة الستغناء هذه العل�وم عن الخي�ال، ولم�ا أق�دم المس�لمون على ت��أليف الكتب وك��ان معظم الم��ؤلفين من الف��رس اصطبغت البالغة العربية بشيء من أسلوب الفرس فنش��أ عنها الكالم المرسل المتناسق، وأحسن أمثلت��ه عب��ارة ابن المقفع في كتاب كليلة ودمنة فإنها ال تزال عن��وان البالغ��ة

والسهولة إلى هذا اليوم.السجع

ولما نضج التمدن اإلسالمي وكثر فيه األدباء والشعراء وأص��بح الش��عر ش��ائعا على ألس��نة الن��اس على اختالف طبقاتهم وكثر تمثلهم به وتناشدهم إياه ألف الناس التل��ذذ برنة القافية فاستحسنوا إدخالها أوال في المراس��الت وه��و التسجيع وقد كان في أول أمره مقبوال لقلته وحسن وقعه

ح��تى أدخل��وه في الكتب وكتب��وا ب��ه المقام��ات في أواخ��ر القرن الرابع وأول من فع��ل ذل��ك ب��ديع الزم��ان الهم��ذاني

ه��� ولعل��ه اقتبس نس��قها من أحم��د بن398المتوفي سنة ه�� وعلى منوال�ه نس�ج390فارس الرازي المت�وفى س�نة

الحريري ولكنه تباعد عن السهولة والطالوة. � التاريخ والجغرافية3

التاريخ

بقي اإلنسان أحقابا لم يدون فيها الت��اريخ ألن��ه لم يكن يعرف الكتابة وألن أحواله لم تستدع التدوين مع انص��راف همه في تلك العص��ور إلى ض��روريات الحي��اة على أن��ه م��ا لبث أن أصيب بطوارق الحدثان فحف��ظ أكثره��ا ت��أثيرا في أح��وال معايش��ه كالطوف��ان والقح��ط والح��رب ونحوه��ا وتن��وقلت تل��ك األخب��ار في أعقاب��ه ده��ورا وهي تتع��اظم وتتكيف على ما تطلبه طبيعة اإلنسان من التلذذ باس��تماع الغريب والمنافسة في التأثير على السامع بم��ا يلقي��ه من األخب��ار المنمق��ة المس��تغربة، فوص��لت أخب��ار األوائ��ل إلى زمن التاريخ والعرب قبل اإلسالم كانوا يعدون من أض��عف األمم المتمدن�ة في الت��اريخ، فلم��ا ظه��ر اإلس�الم اش��تغلوا بالفتوح والحروب حتى إذا اس��تتب لهم األم��ر وفرغ��وا من الفتح ت��درجوا في وض��ع الت��اريخ مث��ل ت��درجهم في س��ائر العلوم اإلسالمية، وقد عددنا التاريخ من هذه العل��وم ليس ألنه خاصا باإلسالم بل ألن اإلسالم دعا إلى وضعه، وسماع أخب��ار العظم��اء يس��تنهض الهمم إلى االقت��داء بهم ول��ذلك ك��ان أك��ثر الق��واد العظ��ام الراغ��بين في العال من الع��رب وغير العرب يتتبعون أخبار من سبقهم من مشاهير الق��واد وإذا وقع أحدهم في مش��كلة سياس��ية ت��دبر م��ا ح��دث من أمثالها قبله تسهيال إلبراء حكمه فيها، وكان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إذا دخل شهر رمض��ان أحض��رت ل��ه كتب الت��واريخ والس��ير وجلس��وا يق��رأون علي��ه أح��وال الع��الم فأصبح علم التاريخ من عل��وم المل��وك وأص��حاب الس��يادة وكان من األمثال الشائعة في أوائل اإلسالم ق��ولهم: )علم

الملوك النسب والخبر وعلم أصحاب الح��روب درس كتب األيام والسير وعلم التجار الكتاب والحساب( فلم��ا ض��عف شأن الخالفة العباس��ية واس��تبد ال��وزراء في أم��ور الدول��ة أص��بح همهم من��ع الخلف��اء من مطالع��ة الت��اريخ أو الس��ير خوف���ا من أن يتفطن���وا إلى أش���ياء ال يحب ال���وزراء أن

يتفطنوا لها.مصادر التاريخ اإلسالمي

للت��اريخ اإلس��المي مص��ادر كث��يرة ت��درج فيه��ا على مقتضى األحوال وإليك تمثيل ذلك: لما اشتغل المس��لمون بجمع القرآن وتفسيره وجمع األحاديث احتاجوا إلى تحقيق األم��اكن واألح��وال ال��تي كتبت به��ا اآلي��ات أو قيلت به��ا األحاديث فعم��دوا إلى جم��ع الس��يرة النبوي��ة ألنه��ا ش��املة لكل ذلك فتناقلوها مدة ثم دونوها ولما اشتغل المسلمون في ضرب الخراج على البالد اختلف��وا في بعض��ها ه��ل فتحلحا أو أمان��ا أو ق��وة وفي ش��روط الص��لح أو عن��وة أو ص�� األم��ان، فاض��طروا إلى ت��دوين أخب��ار الفتح باعتب��ار البالد

فألفوا كتبا في فتح كل بلد على حدة.الطبقات والمغازي

وقد رأيت في ما تقدم من كالمنا عن القرآن والحديث والنحو واألدب أن العلماء اض��طروا لتحقي��ق مس��ائل ه��ذه العل��وم إلى البحث في أس��انيدها والتفري��ق بين ض��عيفها ومتينه��ا فج��رهم ذل��ك إلى النظ��ر في رواة تل��ك األس��انيد وتراجمهم وسائر أحوالهم حتى أصبح من شروط االجته��اد في الفق��ه معرف��ة األخب��ار بمتونه��ا وأس��انيدها واإلحاط��ة بأحوال النقلة والرواة عدولها وثقاتها ومطعونها ومردوده��ا واإلحاطة بالوقائع الخاصة به��ا فقس��موا رواة ك��ل فن إلى طبقات فتألف من ذلك ت��راجم العلم��اء واألدب��اء والفقه��اء والنحاة وغيرهم مما يعبرون عنه بالطبقات. ومنها طبقات الشعراء وطبقات األدباء وطبقات النحاة وطبقات الفقه��اء وطبق��ات الفرس��ان والمح��دثين واللغ��ويين والمفس��رين والحف��اظ والمتكلمين والنس��ابين واألطب��اء ح��تى الن��دماء

والمغنيين وغيرهم وألفوا في كل باب غ��ير كت��اب، ول��ذلك كان المسلمون أك�ثر أمم األرض كتب�ا في ال�تراجم ألف�راد

الرجال.التواريخ العامة

فانقضى الق�رن الث�اني للهج�رة ونص�ف الث��الث وكتب التاريخ عند المسلمين الطبقات والمغازي والسير والفتوح على ما تق��دم، أم��ا الت��واريخ العام��ة مث��ل ت��واريخ األمم أو البالد قديما أو حديثا فلم يشتغلوا به��ا إال بع��د ذل��ك وأق��دم من كتب في الت����اريخ الع����ام ابن الواض����ح المع����روف ب��اليعقوبي وكتاب��ه مطب��وع في ج��زءين ج��زء في الت��اريخ القديم كاليهود والهنود واليونان والروم والف��رس وغ��يرهم والثاني في ت��اريخ اإلس��الم من ظه��وره إلى أي��ام المعتم��د

ه���، وظ��ل الن��اس256العباسي الذي تولى الخالف��ة س��نة على هذه التواريخ وقليل غيرها إلى القرن السابع للهج��رة إذ انقضت الدولة اإلسالمية العربية � العباسية في الع��راق والفاطمية في مصر واألموية في األندلس ��� وق��امت دول األتراك واألك��راد وال��بربر فانتق��ل الن��اس إلى عص��ر جدي��د فعم��دوا إلى ت��دوين ت��اريخ العص��ر المنقض��ي فاس��تعانوا ب��الكتب ال��تي تق��دم ذكره��ا فاختص��روا مطوله��ا وبوب��وا مشوش��ها وجمع��وا بين مواض��يعها وأض��افوا م��ا لم يدرك��ه أصحابها، وألفوا عدة تواريخ مطولة أشهرها كتاب الكام��ل

ه�.630البن األثير المتوفى سنة ونهج بعض المؤرخين في تآليفهم منهج��ا آخ��ر فجعل��وا مؤلفاتهم بأسماء المدن فضمنوا كتبهم وصف تل��ك الم��دن وت��راجم ال��ذين عاش��وا فيه��ا، وأط��ول المؤلف��ات من ه��ذا الص��نف ت��اريخ بغ��داد للخطيب البغ��دادي المت��وفى س��نة

ه�571ه� وتاريخ دمشق البن عساكر المت��وفى س��نة 463في ثمانين مجلدا.

التراجم والمعاجم

وأم��ا ال��تراجم فك��انت في الق��رون األولى ت��دون في الطبق��ات باعتب��ار المهن أو العلم ال��ذي يجم��ع ك��ل طبق��ة

فلما نضج العلم وأخ��ذ العلم��اء في ال�ترتيب والتب��ويب نب��غ جماع��ة من الم��ؤرخين اس��تخرجوا من الطبق��ات وغيره��ا كتب ال��تراجم ورتبوه��ا على ح��روف المعجم وأش��هر تل��ك

ه�681الكتب )وفيات األعيان( البن خلكان المتوفي س��نة ثم )فوات الوفيات( لص��الح ال��دين الكت��بي المت��وفي س��نة

ه� استدرك في��ه م��ا ف��ات ابن خلك��ان ذك��ره وكالهم��ا764 مطبوع��ان ومش��هوران، ويمت��از الت��اريخ عن��د الع��رب على سواه عند سائر األمم التي تحضرت قبلهم بكثرة ما كتبوه من التراجم وأكثره بشكل الق��واميس وهم الس��ابقون في ذل��ك وعنهم أخ��ذ أه��ل الع��الم ت��أليف المع��اجم التاريخي��ة، فعندهم من قواميس التراجم بضعة ص��الحة هي كن��وز في التاريخ والجغرافية واألدب والعلم، فوفيات األعي��ان معجم

ترجم��ة مرتب��ة على820يزي��د ع��دد الترجم��ات في��ه على أح��رف الهج��اء غ��ير م��ا ج��اء عرض��ا في أثن��اء الكالم على اآلخرين، ومن مزاياه أنه يضبط األعالم من أسماء الرجالني الوف��اة وال��والدة ويض��من ال��تراجم واألماكن وي��ذكر س��

كثيرا من الفوائد األدبية والعلمية مما يندر في سواه.عدد كتب التاريخ

فالمسلمون ألفوا في الت��اريخ كتب��ا ال تحص��ى وم��ا من أمة قبل العصر الحديث بلغت في ه��ذا العلم م��ا بل��غ إلي��ه المسلمون، فإن كتب التاريخ الواردة أس�ماؤها في كش�ف

كت��اب غ��ير الش��روح1.300الظن��ون فق��ط تزي��د على واالختصارات وغير ما ض�اع من تل�ك الكتب وأهم��ل ذك�ره وهو كثير جدا ومن كتب التاريخ العام ما هو مرتب أحس��ن ترتيب باعتبار السنين كالطبري وابن األثير وأبي الف��داء أو باعتبار األمم والدول كالمس��عودي والفخ��ري وابن خل��دون أو بحسب المدن أو الملوك مما ال يحصى. وأكثرها حس��ن العبارة بليغها مع إسهاب ربما زاد في بعض األح��وال ح��تى يخ��رج عن موض��وع الكت��اب. ويغلب الص��دق في رواي��ات كتاب المسلمين لما تعودوه من اإلسناد في تناقل األخب��ار إال ما دخل تواريخهم في العصر األول ألغ��راض بعض ذوي

المطامع أو األهواء والعرب ال يزالون على سذاجتهم.

انتقاد المؤرخين المسلمين

وإنم��ا يع��اب المؤرخ��ون المس��لمون القتص��ارهم في التواريخ أو التراجم على إيراد الحوادث على عواهنه�ا كم�ا بلغت إليهم وقد يس��ندونها إلى راو أو ع��دة رواة بال انتق��اد وال تمحيص وال قياس اكتف��اء باإلس��ناد، ومم��ا ينتق��د عليهم أيضا أنهم يصرفون عنايتهم في التواريخ إلى ت��دوين أخب��ار الحرب والفتح والع��زل والوالي��ة وال��والدة والوف��اة، وقلم��ا ي��ذكرون ت��اريخ اآلداب أو العل��وم أو أح��وال الدول��ة من الحضارة وأسبابها وتعليل الحوادث وما نجم عنه��ا وقي��اس بعضها على بعض إال م��ا يجيء عرض��ا، وين��در أن ت��رى من بعض المؤرخين تصريحا بمساوئ أح��د الخلف��اء أو األم��راء أو غيرهم من أولي األمر، وأكثر ما عثرن��ا علي��ه من أمث��ال ذل��ك في كت��اب اآلداب الس��لطانية للفخ��ري وت��اريخ ابن خلدون، أم��ا الفخ��ري فق��د ص��رح ب��ذلك انتص��ارا آلل علي كقوله على أثر حكاي��ة وقعت للرش��يد م��ع أبي ن��ؤاس في

الرشيد: ق��د كنت خفت��ك ثم آمن��ني***من أن أخ����افك خوف��ك

الله ثم قال: )ولم يكن الرشيد يخاف الله وأفعال��ه بأعي��ان آل علي )علي��ه الس��الم( أوالد بنت نبي��ه بغ��ير ج��رم.. إلخ( ومما يؤاخذ به مؤرخ��و المس��لمين أيض��ا ب��النظر إلى آداب ه��ذه األي��ام أنهم إذا ع��رض لهم في بعض األخب��ار ألف��اظ بذيئ��ة أو واقع��ة يخج��ل س��ماعها األديب ف��إنهم ي��ذكرونها

بألفاظها كما يذكرون سائر الحوادث.الجغرافيا أو تقويم البلدان

لفظ الجغرافية وحده كاف للدالل��ة على أن ه��ذا الفن ليس من موضوعات الع��رب ولكنن��ا ذكرن��اه هن��ا الرتباط��ه بالت��اريخ وألن الع���رب كتب���وا في وص��ف الط��رق والبالد والمدن قبل نق��ل الجغرافي��ة إلى العربي��ة ألس��باب خاص��ة باإلس��الم. وأول من وض��ع أس��اس ه��ذا العلم الفي��نيقيون ألنهم أق��دم تج��ار الع��الم وأك��ثرهم أس��فارا فق��د ارت��ادوا

ش��واطئ البح��ر األبيض واس��تعمروا بعض��ها من��ذ بض��عة وثالثين قرن��ا ف��اطلع الفي��نيقيون في أثن��اء أس��فارهم على أحوال كثير من البالد وعرفوا المسافات بينها وأخبار أهلها إلى زمن بطليم��وس القل��وذي في أواس��ط الق��رن الث��اني للميالد فألف كتابا وافي��ا في الجغرافي��ة عين في��ه األم��اكن بالحس���ابات الفلكي���ة ورس���م الخرائ���ط على الحس���ابات الرياضية وضبط األقسام الجغرافية وحقق أماكنها على ما بلغ إليه العلم في عصره وذكر فيه ع��دد الم��دن في أيام��ه

جب��ل ذك��ر200 وسماها مدينة مدينة وعدد الجبال 4.350 م��ا في بطونه��ا من المع��ادن وذك��ر م��ا على األرض من

الخالئق وغير ذلك.الجغرافية عند المسلمين

ولكن المسلمين بدأوا بوضع الجغرافي��ة قب��ل اطالعهم على كتاب بطليموس لثالثة أس��باب غ��ير الس��ببين الل��ذين دعوا اليونان أو غ��يرهم إلى وض��عها، ألن الع��رب من أك��ثر األمم فتح��ا وغ��زوا وق��د تفرق��وا بع��د اإلس��الم في األربع��ة أقطار المسكونة، وخصوصا أه��ل الحج��از ك��انوا تج��ارا من زمن الجاهلي��ة ثم اتس��عت تج��ارتهم في اإلس��الم باتس��اع مملكتهم، أما األسباب الثالثة التي يمت��از به��ا الع��رب على س��واهم فأوله��ا: الحج ألن المس��لمين على اختالف بالدهم وأقاليمهم يحج��ون إلى مك��ة والحج فريض��ة على المس��لم ولو كان في الهند أو الصين أو غيرهما والق��دوم إلى مك��ة يستلزم معرفة الطرق والمنازل، وثانيها الرحل��ة في طلب العلم فقد رأيت في ما تقدم أن المسلمين ك��انوا يرحل��ون في طلب العلم إلى س��ائر األمص��ار اإلس��المية والرحل��ة تستلزم معرف��ة األم��اكن والمن��اطق، ول��ذلك ك��ان أول م��ا ألفه العرب في الجغرافية من عند أنفس��هم ذك��ر األم��اكن العربي��ة والمن��ازل البدوي��ة، وأول من أل��ف في ذل��ك رواة األدب والش��عر كاألص��معي والس��كوني ثم ألف��وا في بالد العرب كلها كم��ا فع��ل الهم��ذاني في جزي��رة الع��رب وأب��و األشعث الكندي في جبال تهام�ة وغ�يره. والس�بب الث��الث أن العرب فتحوا العالم واختلفوا في طرق الفتح ب��اختالف

البالد بين أن تك��ون ق��د فتحت ص��لحا أو عن��وة أو أمان��ا أو قوة ولكل من ذل��ك حكم في قس��مة الفيء وأخ��ذ الجزي��ة وتن��اول الخ��راج واقتن��اء المقاطع��ات والمص��الحات وإنال��ة التسويفات واإلقطاعات ال يس�ع الفقه��اء جهله�ا فض��ال عن األم��راء، فأص��بح علم ذل��ك عن��دهم من قبي��ل ال��دين وال يتوصل إليه إال بالتاريخ والجغرافية ولما ترجمت الجغرافية إلى العربية واطلع الع��رب عليه��ا أخ��ذوا في ت��أليف الكتب على مثالها وتوسعوا في ذلك وزادوا علي��ه م��ا عرف��وه من

قبل.

العربية اآلداب

اإلسالم بعد الخطابة الخطاب��ة والش��عر من الفن��ون الجاهلي��ة ال��تي زاده��ا اإلسالم رونقا وبالغة وارتقاء ولكن الخطابة سبقت الشعر في االرتقاء لحاجة المسلمين إليه��ا في الفت��وح والغ��زوات والعرب يومئذ ال يزالون على ب��داوتهم تت��أثر نفوس��هم من التصورات الش��عرية س�واء س�بكت في ق��الب الخطاب��ة أو الشعر. والخطابة أقرب تناوال ولم يرد في القرآن ما ينف��ر الناس منها كما ورد في الشعر والشعراء. وزادت الخطابة بع��د اإلس��الم ق��وة ووقع��ا في النف��وس بنهض��ة الع��رب للح��روب وانتص��ارهم في أك��ثر مواقعه��ا ف��ازدادوا أنف��ة وسمت نفوس��هم فس��مى به��ا ذوقهم في البالغ��ة وتفتحت قرائحهم بما شاهدوه من البالد الجديدة واأللسنة الجدي��دة فبلغت الخطابة عندهم مبلغ��ا قلم��ا س��بقهم في��ه أح��د من األمم ال��تي تق��دمتهم بالغ��ة وإيقاع��ا وت��أثيرا ح��تى اليون��ان والرومان، فقد ذكروا لديموستنيس أخطب خطباء اليونان

خطبة نصفها منسوب إلي��ه خط��أ وه��ذه خطب اإلم��ام61 علي )عليه السالم( تعد بالمئات. وأم��ا في ك��ثرة الخطب��اء فالعرب كانوا في صدر اإلسالم من أكثر األمم خطب��اء ألن خلفاءهم وأمراءهم وق��وادهم ك��ان معظمهم من الخطب��اء حتى النساك والزهاد، وفي كت��اب )نهج البالغ��ة( المنش��ور بين ظهرانين��ا أك��بر ش��اهد على ذل��ك وفي��ه أمثل��ة من ك��ل ضروب الخطب ومنها الدينية واألدبية والعلمية والحماسية والفخري��ة ناهي��ك عن ش��يوع الخطاب��ة في القبائ��ل على اختالف أصقاعها كما كانت في الجاهلية وكانت ترد الوفود إلى المدين��ة أو دمش��ق أو بغ��داد أو غيره��ا من عواص��م المس��لمين لتهنئ��ة الخليف��ة أو اس��تنفاره أو اس��تنجاده أو اس��تجدائه. وك��ان ش��باب الكت��اب إذا ق��دم الوف��د حض��روا الس���تماع بالغ���ة خطب���ائهم لش���يوع حب الخطاب���ة فيهم

والقتباس أساليب البالغة منهم.

الشعر بعد اإلسالم

الشعر وبنو أمية

لم��ا ظه��ر اإلس��الم ودهش الع��رب بأس��اليب الق��رآن وبالنبوة وال��وحي واش��تغلوا ب��الغزو والفتح ونش��ر اإلس��الم انصرفت ق��رائحهم الش��عرية إلى الخطاب��ة لح��اجتهم إليه��ا في استنهاض الهمم وتحريك الخواطر للجه��اد واس��تحثاث القل��وب على العب��ادة، فانقض��ى عص��ر الخلف��اء األربع��ة والعرب في شاغل عن الشعر حتى إذا طمع بنو أمي��ة في الخالفة مع كثرة المطالبين بها من أهل بيت الن��بي )ص��لى الله عليه وآله( واحتاجوا إلى من يؤيدهم استنفروا الن��اس لنصرتهم وابتاعوا األحزاب باألموال واستخدموهم بال��دهاء فكان الشعر في جملة ما تساعدوا به، فك��ان الخلف��اء من ب��ني أمي��ة يرغب��ون الن��اس في الش��عر ويج��زونهم ب��أعظم الج��وائز على نس��بة الج��ودة في أش��عارهم ومك��انتهم في أقوالهم وك��انوا يط��البون أوالدهم بحف��ظ األش��عار واآلث��ار، واألغلب أنهم ك���انوا يس���تمدون االس���تعانة لهم بألس���نة الشعراء على مقاومة أهل ال��بيت )علي��ه الس��الم( لعلمهم أن الجمهور يعتقدون الحق في الخالفة لهؤالء. وكث��يرا م��ا كان الشعراء المغمورون بنعم ب��ني أمي��ة ال يتم��الكون عن التص��ريح ب��ذلك في بعض األح��وال. ف��الفرزدق مثال امت��دح بني أمية ونال ج��وائزهم وك��ان متش��يعا في الب��اطن لب��ني هاشم واألموي��ون يعلم��ون ذل��ك ويسترض��ونه. ومن جمل��ة أخب��اره أن م��روان بن الحكم وك��ان ع��امال لمعاوي��ة على المدينة بلغه عن الف��رزدق ق��ول أوجب ح��ده فطلب��ه فف��ر الفرزدق إلى البصرة فقال الن��اس لم��روان: )أخط��أت في ما فعلت فإنك عرضت عرضك لشاعر مضر( فوج��ه وراءه رسوال ومعه مائة دينار وراحلة خوفا من هجائه. وم��ع ذل��ك اتف��ق أن الخليف��ة هش��ام بن عب��د المل��ك ذهب إلى الحج وبينم��ا ه��و في الط��واف ش��اهد علي بن الحس��ين )علي��ه السالم( وأنكره فسأل عنه وك��ان الف��رزدق حاض��را فنظم

قصيدته المشهورة في مدح أهل البيت ومطلعها:

هذا الذي تعرف البطح��اء وطأت��ه***والبي���ت يعرف���هوالح��ل والحرم

الشعر وبنو العباس

فلما انقضت دولة بني أمي��ة وق��امت دول��ة العباس��يين عدل المنصور عن إكرام الشعراء وكانوا قد تعودوا الوفود على الخلفاء أو نيل ج��وائزهم فأص��بحوا إذا أت��وا المنص��ور منعهم من الدخول عليه أياما حتى تنف��د نفق��اتهم ويمل��ون االنتظار وحاجبه يرفع أمرهم إليه وهو يؤخرهم. ثم إذا أذن لهم بع��د ذل��ك اش��ترط عليهم أن ال يم��دحوه كم��ا ك��انوا يم��دحون ب��ني أمي��ة وك��ان بخيال عليهم فتغ��يرت قل��وب الشعراء عليه فساعد ذلك على تباعد قل��وب الع��رب عن��ه وميلهم إلى العلويين فاس��تفحل أم��ر محم��د بن عب��د الل��ه بالمدينة وقاسى المنصور أم��ر الع��ذاب في إخم��اد ثورت��ه، فأصبح الخلف��اء بع��د المنص��ور يتجنب��ون إغض��اب الش��عراء

ويبالغون في إكرامهم.الشعر ودول العرب

والش��عر كم��ا ق��دمنا من العل��وم العربي��ة فلم��ا تغلب العنصر األعجمي في دول��ة ب��ني العب��اس وص��ارت األم��ور إلى أيدي األتراك ضعف أمر الشعراء، حتى إذا قامت دولة ب��ني حم��دان وهم ع��رب ع��اد الش��عر إلى رونق��ه وت��زاحم الشعراء بباب سيف الدولة حتى قيل إن��ه لم يجتم��ع بب��اب خليفة من ش��يوخ الش��عر ونج��وم ال��دهر م��ا اجتم��ع بباب��ه. وك��ان ه��و أديب��ا ش��اعرا فاش��تهر في عص��ره أب��و ف��راس والمتن��بي والس��ري والرف��اء والن��امي والببغ��اء وال��واواء

وغيرهم.جمع الشعر ورواته

لما أخذ المسلمون في تفس��ير الق��رآن واحت��اجوا إلى تحقيق معاني األلفاظ كان الشعر في جملة ما رجعوا إليه في تحقيقه���ا فاض���طروا إلى جمع���ه باألخ���ذ عن روات���ه، وشرعوا في ذلك من القرن األول للهج��رة، وأك��ثر الن��اس

اشتغاال في جمع الشعر أهل الع��راق مم��ا يلي بالد الع��رب أي في البصرة والكوفة وكان أه��ل الكوف��ة أجم��ع للش��عر من أهل البصرة، ومن عادة العرب في رواية الش��عر أنهمحبه رج��ل ي��روي كانوا من أيام الجاهلية إذا نبغ الشاعر ص�� أشعاره ويتلوها أو يروي له أشعار غيره للش��اهد أو نح��وه، ويغلب في الرواية أن يكون مرشحا للشاعرية كأن�ه تلمي�ذ يت��درب على ي��د أس��تاذه يأخ��ذ عن��ه، وك��انت عم��دتهم في الجاهلي���ة على الحف���ظ ألنهم لم يكون���وا يكتب���ون فك���ان )كثيرعزة( راوية جميل بثينة وجميل راوية هدبة بن خشرم وهدبة كان راوي��ة الحطيئ��ة والحطيئ��ة راوي��ة زه��ير وابن��ه، وكانت لهم في الحفظ نوادر غريب��ة لتعوي��د ذاك��رتهم على ذلك مذ أخذ الناس في ذلك العصر بتعويد ح��وافظهم على حف��ظ الق��رآن والح��ديث لتجنب الكتاب��ة فك��ان فيهم من يحف��ظ بض��عة وعش��رين أل��ف قص��يدة يرويه��ا بأس��انيدها

ومعاني ألفاظها.طبقات الشعراء

العرب مطبوعون على الشعر فلما جاء القرآن وش��اع حفظ��ه وحف���ظ األح��اديث وع���ني الن��اس بجم��ع اآلداب واألمث��ال واس��تظهار محاس��نها ومحاس��ن الش��عر نهض��ت طب���اع الن���اس وارتقت أذواقهم في البالغ���ة ورس���خت ملكاتهم واتسعت تصوراتهم في الش��عر والخطاب��ة، وك��ان كالمهم في نظمهم ون��ثرهم أس��مى رتب��ة وأص��فى رونق��ا واقتبس��وا من الف��رس أس��اليب اإلطن��اب، ول��ذلك ك��ان الشعراء اإلسالميون أعلى طبقة في البالغ��ة وأذواقه��ا من ش��عراء الجاهلي��ة. فالج��اهليون طبق��ة أولى تليهم طبق��ة اإلسالميين إلى أواخر دولة بني أمية وهم المخضرمون ثم طبقة ثالثة في الدولة العباسية هي طبقة المول��دين تليه��ا

طبقة المحدثين.الشعراء في اإلسالم وأشعارهم

تكاثر الشعراء في العصر اإلسالمي فوق تك��اثرهم في العصر الجاهلي ل��رواج س��وق الش��عر في الق��رون األولى،

على أن إحص��اءهم بالض��بط غ��ير متيس��ر لض��ياع أك��ثر أخبارهم لكننا نستدل من بعض النصوص أن ع��ددهم ك��ان عظيم��ا ج��دا، فق��د ذك��ر ابن خلك��ان: )أن ه��ارون بن علي المنجم البغدادي ص��نف كت��اب الب��ارع في أخب��ار الش��عراء

ش��اعرا وافتتح��ه ب��ذكر بش��ار161المول��دين وجم��ع في��ه العقيلي وختمه بمحمد بن عبد المل��ك بن ص��الح( والف��ترة بينهم��ا قص��يرة، وذك��ر المؤل��ف أن��ه اقتص��ر على خ��يرة الشعراء ونخبهم، أما مقدار ما نظمه أولئ��ك الش��عراء من القص��ائد وال��دواوين مم��ا ال يحص��يه ع��د. ف��ديوان بش��ار

40.000العقيلي مثال أل���ف ورق���ة في ألفي ص���فحة أي بيت20.000 ورق��ة في 500س��طر أو بيت، وابن هرم��ة

وشعر أبي نؤاس في نح��و أل��ف ورق��ة ومس��لم بن الولي��د ورقة، وقس على ذلك.200

وإذا اعت��برت ال��دواوين ال��تي ض��اعت وف��ات ص��احب كشف الظنون ذكرها والشعراء الذين لم تجم��ع أش��عارهم ولم يكن لهم دواوين زاد اس��تغرابك ك��ثرة الش��عر الع��ربي وتع��داد ش��عرائه مم��ا ال تج��د ل��ه م��ثيال في لغ��ة من لغ��ات

العالم القديم أو الحديث.عروض الشعر

ه�170المشهور أن الخلي��ل بن أحم��د المت��وفى س��نة أول من وضع عروض الشعر العربي أي استنبطه وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر استخرج منها خمسة عشر بحر ثم زاد في��ه األخفش بح��را واح��دا س��ماه الخبب وال مشاحة في أن عروض الش��عر ارتقت وارتفعت وتفرعت بتوالي القرون شأن كل ما هو من قبي��ل األحي��اء فتولد في النظم ضروب من القصائد كاألصمعيات والشعر

البدوي والحوراني وغيرها. أما األندلس فقد كان للشعر فيها تاريخ خ��اص لرواج�ه عندهم � بمستوى رواج غيره عن��د األمم األخ��رى ��� ف��إنهم ه��ذبوا مناحي��ه وفنون��ه ح��تى بل��غ التنمي��ق في��ه الغاي��ة واس��تحدثوا الموش��ح ونظم��وا ب��ه الموش��حات األندلس��ية

المشهورة.

الشعر والدولة

بينا في كالمنا عن الشعر في الجاهلية ما ك��ان ل��ه من الت��أثير في نف��وس الع��رب لش��دة إحساس��اتهم وس��رعة ت��أثرهم. فلم��ا ص��ار الع��رب دول��ة وارتقت عق��ولهم زاد شعورهم رق��ة ف��ازدادوا إحساس��ا وتض��اعف ت��أثير الش��عر فيهم. فإذا وفد الشاعر على الخليفة أو األمير استأذن في الدخول علي��ه ف��إذا دخ��ل أنش��د قص��يدته جه��ارا والخليف��ة وأرب��اب مجلس��ه يس��معون وي��ترنمون في��أمر الخليف��ة أو األمير بالجائزة وقد تتجاوز مائة ألف درهم إلى أل��ف أل��ف وقد يرتب له الرواتب الشهرية ويخلع علي��ه الخل��ع ويقل��ده الوظائف ومن أكثر الخلفاء س��خاء على الش��عراء المه��دي والرشيد العباس�يان والناص��ر والمنص��ور األندلس�يان. ومن أس��خى األم��راء خال��د القس��ري أم��ير العراق��يين في زمن

األمويين وسيف الدولة بن حمدان.الشعر والخلفاء واألمراء

ومن أسباب رواج صناعة الشعر في الدول العربية أن الخلف��اء أنفس��هم ك��انوا ينظم��ون الش��عر ويبحث��ون في��ه، ولبعضهم القص��ائد والمق��اطع الحس��نة وك��ان الغ��رض من تقريب الشعراء في أول دولة ب��ني أمي��ة سياس��يا ثم ص��ار أدبي��ا ين��دفع الخلف��اء واألم��راء إلي��ه تل��ذذا بالش��عر وآداب��ه. ول��ذلك ك��انوا يجالس��ون الش��عراء ويق��ترحون عليهم نظم القصائد أو األبيات أو يستقدمونهم للسؤال عن بيت تعسر عليهم فهمه أو نسوا بعضه وقد يك��ون بينهم وبين الش�اعر بعد شاسع، فقد بعث هش��ام بن عب��د المل��ك بدمش��ق إلى أميره على العراق يوسف بن عم��ر الثقفي أن يوج��ه إلي��ه

دين��ار وجمال مهري��ا فس��ار500حم��ادا الراوي��ة وي��دفع ل��ه ليلة ولما وصلها وسأل عن سبب12حماد إلى الشام في

استقدامه فقال له هشام: خطر ببالي بيت ال أعرف قائل��هوهو:

ودعوا بالصبوح يوما فجاءت***قين���ة ف�����ي يمين�����هاإبري���ق

فقال حماد: )يقول له عدي بن زي��د العب��ادي( وأنش��دهباقي القصيدة.

تأثير الشعر في الدولة

ويقال باإلجمال أن الشعر كان عند الع��رب ك��ل آدابهم يتناشدونه ويتس��امرون ب��ه ويت��ذاكرون في��ه ولم يكن ذل��ك مقتصرا على الخلفاء أو األمراء أو األدباء ولكنه ك�ان عام��ا في الرج��ال والنس��اء، وك��انوا لك��ثرة م��ا يحفظون��ه من��ه يرمزون باسم الشاعر إلى بيت من أبياته مش��هور بمع��نى

ويزيدون ذلك المعنى.

الدخيلة العلوم

فرغنا من الكالم في ما اقتضاه التمدن اإلس��المي من العل��وم اإلس��المية وفي األس��باب ال��تي دعت إلى نش��وئها وفي اآلداب العربية الجاهلية وم��ا بلغت إلي��ه في اإلس��الم. ونحن متقدمون في ما يلي إلى الكالم في العلوم الدخيل�ة ال��تي نقله��ا المس��لمون إلى العربي��ة ونري��د به��ا العل��وم القديمة التي كانت شائعة عند ظهور اإلسالم في الممالك ال�تي عرفه�ا المس�لمون، وهي عب��ارة عن خالص�ة أبح�اث رجال العلم والفلسفة واألدب في ممالك التم��دن الق��ديم، وكان العراق على الخصوص حافال بالعلماء وفيهم األطب��اءاب وغ��يرهم ممن تجمع��وا والفالس�فة والمنجم�ون والحس�� من بالد فارس وما بين النهرين وفيهم الس��ريان والف��رس والروم والهن��ود، فلم�ا أراد الخلف�اء نق�ل تل�ك العل�وم إلى لس���انهم وج���دوا بين ظه���رانيهم من يل���بي الطلب ويفي

بالغرض.العرب والعلوم الدخيلة

ما الذي حملهم على طلبها؟ قد رأيت في ما كتبناه عن )العرب والقرآن واإلس��الم( أن المس���لمين ك���انوا يعتق���دون في الص���در األول: )أن اإلسالم يه��دم م��ا ك��ان قبل��ه( وأن��ه )ال ينبغي أن يتلى غ��ير القرآن( وبناء على ذلك هان عليهم إحراق ما ع��ثروا علي��ه من كتب اليون��ان والف��رس في اإلس��كندرية وف��ارس، ثم اشتغلوا عن طلب تلك العلوم بما احت��اجوا إلي��ه في ص��در اإلسالم من أسباب إنشاء الدولة فأصبحوا ال عناي��ة لهم إال بالقرآن وأحكامه وما ترتب عليه من العلوم اإلس�المية في الفقه واللغة والمغازي وسير الفتح ونحو ذلك، وك��ان أه��ل البالد األصليون من ال��روم والف��رس يحبب��ون إلى الخلف��اء االشتغال بعلوم األوائل وخصوصا الطب والفلس��فة وهم ال

يصغون وال يقبلون، ولما اتسع سلطان المسلمين وفرغ��وا من إنش��اء العل��وم اإلس��المية وق��د تأي��دت دولتهم وذهبت عنهم الس��ذاجة والغفل��ة عن الص��نائع أخ��ذوا في أس��باب الحضارة بالحظ الوافر وتفننوا بالصنائع والعل�وم وتش�وقوا إلى االطالع على العل���وم الفلس���فية بم���ا س���معوه من األس��اقفة والقساوس��ة وه��ان عليهم ذل��ك باإلس��ناد إلى الح��ديث النب��وي القائ��ل: )الحكم��ة ض��الة الم��ؤمن يأخ��ذها

(، وقول��ه:1ممن سمعها وال يبالي من أي وع��اء خ��رجت() (، و)طلب2)خ��ذوا الحكم��ة ول��و من ألس��نة المش��ركين()

(، و)اطلب��وا3العلم فريض��ة على ك��ل مس��لم ومس��لمة()العلم من المهد إلى اللحد(، و)اطلبوا العلم ولو بالص��ين()

(. على أنهم لم يق��دموا على طلبه��ا دفع��ة واح��دة وإنم��ا4طلبوها تدريجا تبعا لمقتضيات األحوال.

نقل العلوم في العصر العباسي

أول الخلفاء العباس��يين الس��فاح ولم يعتن بش��يء من العلم لقص��ر م��دة حكم��ه، ثم أفض��ت الخالف��ة إلى أخي��ه

ه�( وكان شديدا حازم��ا ك��ثرت158 � 136المنصور )سنة في أيامه الفتوق فاضطر إلى ح��روب كث��يرة، وق��د ط��الت مدة حكمه لكن��ه قض��ى معظمه��ا في تث��بيت دع��ائم دولت��ه

وبناء مدينته )بغداد(.النجوم

وكان المنصور مياال إلى التنجيم ال يكاد يعم��ل عمال إال استشار المنجمين في��ه، وه��و أول خليف��ة ق��رب المنجمين وعمل بأحكام النجوم واقتدى به أكثر الذين خلفوه، وكانت صناعة النجوم رائجة عند الفرس ونبغ فيها جماع��ة تقرب��وا بها إليه أشهرهم ن��وبخت المنجم الفارس��ي ك��ان مجوس��يا وأس��لم على ي��ده وك��ان بارع��ا في اقتران��ات الك��واكب وحوادثها وكان يصحب المنصور حيثما توج��ه، ولم��ا ض��عف عن خدمته قال له المنصور: )احضر ولدك ليقوم مقام��ك( فأحضره وهو أبو سهل بن نوبخت وت��والى آل ن��وبخت في خدمة العباسيين وترجموا لهم كتبا في الكواكب وأحكامه��ا

وكانوا فضالء ولهم رأي ومشاركة في علوم األوائل ف��اهتم الناس من ذلك الحين في علم النجوم ومتعلقاته، وج��رهم النظر في األفالك إلى الهندسة فكتب المنص��ور إلى مل��ك ال��روم أن يبعث إلي��ه بكتب التع��اليم مترجم��ة، فبعث إلي��ه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبيعي��ات ولع��ل المجس��طي

من جملتها ألنه في النجوم.الطب

ومم��ا اهتم��وا بنقل��ه من العل��وم الطبيعي��ة في أي��ام المنصور الطب، والسبب في ذلك أن المنصور أص��ابه في

ه���( م��رض في معدت��ه ف��انقطعت148أواخر أيامه )س��نة شهوته، وك�ان األطب��اء الق�ائمون في خدمت��ه يعالجون�ه وال يجدي عالجهم نفعا، فجمعهم يوما وقال لهم: )هل تعرفون من األطباء في سائر المدن طبيبا م��اهرا؟( فق��الوا: )ليس في وقتن���ا ه���ذا أح���د يش���به ج���ورجيس رئيس أطب���اء جنديس��ابور( فاس��تقدمه وع��رض علي��ه مرض��ه فق��ال ل��ه جورجيس: )أنا أدب��رك كم��ا تحب( فخل��ع علي��ه وأنزل��ه في قص��ر خ��اص وأم��ر بإكرام��ه، ورج��ع في الغ��د ونظ��ر في قارورة الماء )زجاجة البول( ودب��ره ت��دبيرا لطيف��ا فش��في ورجع إلى مزاجه فازداد فرحه به ومنع��ه من الرج��وع إلى بلده، ومما زاده رغبة فيه أنه رآه عفيفا ص��ادقا في تدين��ه، وكان جورجيس محبا للتأليف وكان يع��رف اللغ��ة اليوناني��ة فضال عن السريانية والفارسية والعربي��ة، فلم��ا رأى وث��وق المنصور به نقل له كتبا طبية من اليونانية إلى العربية غير م��ا ألف��ه في الس��ريانية، فالمنص��ور أول من ع��ني بنق��ل الكتب القديمة ولكنه اقتصر منه��ا على النج��وم والهندس��ة والطب، وفي أيامه ترجم ابن المقف��ع كليل��ة ودمن��ة. وأم��ا الفلسفة والمنط��ق وس��ائر العل��وم العقلي��ة ف��ترجمت في أيام المأمون، وقد ذكر صاحب الفهرس��ت أن ابن المقف��ع نقل كتب��ا في المنط��ق والطب من الفارس��ية إلى العربي��ة

كان الفرس قد نقلوها عن اليونانية. ه���(193 � 170فلم��ا أفض��ت الخالف��ة إلى الرش��يد )

كانت األفكار قد نضجت واألذهان قد زادت تنبها إلى علوم

األقدمين بما كان يتقاطر إلى بغ��داد من األطب��اء والعلم��اء من السريان والف��رس والهن��ود، وك��انوا أه��ل تم��دن وعلم كما رأيت وكانوا يتعلم��ون العربي��ة ويعاش��رون المس��لمين ويباحثونهم في تلك العلوم والمسلمون يتهيب��ون من ذل��ك لما س��بق إلى أذه��انهم من مخالفت��ه لل��دين، وأص��بحوا إذا فتحوا بلدا ووجدوا فيه كتبا ال يأمرون بإحراقها أو إع��دامها بل يأمرون بحملها إلى عاصمتهم واالحتفاظ بها لنقلها إلى لس��انهم كم��ا اتف��ق للرش��يد في أثن��اء حرب��ه في أنق��رة وعمودية وغيرهما من بالد الروم فإنه عثر هناك على كتب كث��يرة حمله��ا إلى بغ��داد وأم��ر طبيب��ه يوحن��ا بن ماس��ويه

بترجمتها.المأمون والفلسفة والمنطق

فالكتب الفلسفية لم يق��دم المس��لمون على ترجمته��ا إال في أيام المأمون لسبب متصل بالمأمون نفسه، وذل��ك أن المسلمين تعودوا من أول اإلسالم حرية الفكر والق��ول والمس��اواة فيم��ا بينهم فك��ان إذا خط��ر ألح��دهم رأي في خليفة أو أمير ال تمنعه هيبة المل��ك من إب��داء رأي��ه، وك��ان ذلك شأنهم أيضا في الدين ف��إذا فهم أح��دهم من اآلي��ة أو الحديث غير ما فهمه اآلخر صرح برأي��ه وجادل��ه في��ه، فلم ينقض عصر الصحابة ح��تى أخ��ذ المس��لمون يف��ترقون في المذاهب، ولم ي��دخل الق��رن الث��اني ح��تى تع��ددت الف��رق وتفرعت وفي جملتها المعتزلة. والمعتزلة طوائ��ف كث��يرة أس��اس م��ذهبهم تط��بيق النص��وص الديني��ة على األحك��ام العقلية، ولو طالعت مذاهبهم لرأيت بعضها يواف��ق أح��دث اآلراء االنتقادية في الدين مع مرور األجيال على تمحيصها. ولذلك فهم يسمون أصحاب العدل والتوحيد. فلما أفض��ت

ه�( تغير وج��ه المس��ألة218 � 198الخالفة إلى المأمون ) ألنه كان مع فطنته وسعة علمه شديد المي��ل إلى القي��اس العقلي. وق��د تعلم وتفق��ه وط��الع م��ا نق��ل إلى عه��ده من كتب القدماء فازداد رغبة في القياس والرجوع إلى أحكام العق��ل فتمس��ك بم��ذهب االع��تزال وق��رب إلي��ه أش��ياخه، وتأييدا لصحة الجدل أمر بنقل كتب الفلسفة والمنطق من

اليونانية إلى العربية واطلع هو عليها فقويت حجت��ه وازداد تمسكا باالعتزال. ثم جع��ل الترجم��ة عام��ة لك��ل مؤلف��ات أرس��طو في الفلس��فة وغيره��ا. وق��د ابت��دأ بترجم��ة تل��ك الكتب، واقتدى بالمأمون كثيرون من أهل دولت��ه وجماع��ة من أه���ل الوجاه���ة وال���ثروة في بغ���داد فتق���اطر إليه���ا الم��ترجمون من أنح��اء جزي��رة الع��راق والش��ام وف��ارس وفيهم النس��اطرة واليعاقب��ة والص��ابئة والمج��وس وال��روم والبراهمة ي��ترجمون من اليوناني��ة والفارس��ية والس��ريانية والسنسكريتية والنبطية والالتينية وغيرها. وك��ثر في بغ��داد الوراقون وباعة الكتب وتعددت مجالس األدب والمن��اظرة وأصبح هم الن��اس البحث والمطالع��ة وظلت تل��ك النهض��ة مستمرة بعد المأمون إلى عدة من خلفائه حتى نقلت أهم

كتب القدماء إلى العربية.نقلة العلم في العصر العباسي

( آل بختيشوع: وهم من السريان النس��اطرة أولهم1) جورجيس بن بختيشوع طبيب المنص��ور وق��د تق��دم ذك��ره وخلف��ه عن��دهم ابن��ه بختيش��وع بن ج��ورجيس اس��تقدمه

الرشيد من جنديسابور كما استقدم المنصور أباه قبله. ( آل ح��نين: أولهم ح��نين بن إس��حاق العب��ادي ش��يخ2)

ه�.194المترجمين وهو من نصارى الحيرة ولد سنة ( حبيش األعسم الدمشقي: هو ح��بيش بن الحس��ن3)

الدمش��قي بن أخت ح��نين بن إس��حاق وق��د تعلم ص��ناعةالطب منه وكان قد سلك مسلكه في الترجمة.

( قسطا بن لوقا البعلبكي: وهو من نص��ارى الش��ام4) وكان طبيبا حاذقا وفيلسوفا نبيال رح��ل إلى بالد ال��روم في طلب العلم وك��ان عالم��ا باللغ��ات اليوناني��ة والس��ريانية

والعربية ونقل كتبا كثيرة من اليونانية إلى العربية. ( آل ماسرجويه: أولهم ماسرجويه متطبب البص��رة5)

وه��و يه��ودي الم��ذهب س��رياني اللغ��ة وك��ان ينق��ل من السرياني إلى العربي. ثم ابنه عيسى بن ماسرجويه وكان

يلحق بأبيه ولهما مؤلفات في الطب.

( آل الك���رخي: أولهم ش���هدي الك���رخي من أه���ل6) الكرخ وكان قريب الحال في الترجمة، ثم ابنه وك��ان مث��ل أبي��ه في النق��ل ثم ف��اق أب��اه في آخ��ر عم��ره ولم ي��زل

متوسطا وكان ينقل من السرياني إلى العربي. ( آل ثابت: أولهم ث��ابت بن ق��رة الح��راني وه��و من7)

الصابئة المقيمين في حران وك��ان ص��يرفيا ثم تعلم الطب والفلسفة والنجوم وكان مع ذل��ك يع��رف اللغ��ة الس��ريانية

جيدا وكان جيد النقل إلى العربية. ( الحج���اج بن مط���ر: ك���ان في جمل���ة من ت���رجم8)

للمأمون وقد نقل كتاب المجسطي وإقليدس إلى العربي��ةثم أصلح نقله فيما بعد ثابت بن قرة الحراني.

( ابن ناعمة الحمصي: هو عبد المسيح بن عبد الل��ه9) الحمصي الناعمي، كان متوس��ط النق��ل وه��و إلى الج��ودة أميل، ومن بيت الناعمة الحمصي أيض��ا زروب��ا بن م��انحوه

وكان أضعف من سابقه. ( اص��طفان بن باس��يل: ك��ان يق��ارب ح��نين بن10)

إسحاق في جودة النق�ل إال أن عب��ارة ح�نين ك�انت افص�حوأجلى.

(11 ( موسى بن خال��د: ويع��رف بالترجم��ان نق��ل كتب��اكثيرة من الستة عشر لجالينوس وهو دون حنين.

( س��رجيس الرأس��ي: ه��و من مدين��ة رأس العين12) في جزيرة الع��راق، نق��ل كتب��ا كث��يرة وك��ان متوس��طا في

النقل وحنين كان يصلح نقله. ( يوحن��ا بن بختيش��وع: ه��و من غ��ير آل بختيش��وع13)

المتق���دم ذك���رهم وك���ان ينق���ل الكتب من اليوناني���ة إلىالسريانية وليس إلى العربية.

( البطريق: كان في أيام المنصور وقد أمره بنق��ل14) أشياء من الكتب القديمة وله نق��ل كث��ير جي��د إال أن��ه دون

نقل حنين. ( يحيى بن البطري��ق: ك��ان في جمل��ة الحس��ن بن15)

س��هل وك��ان ال يع��رف العربي��ة ح��ق معرفته��ا وال اليوناني��ةوإنما كان يعرف الالتينية.

( أبو عثمان الدمشقي: كان من النقل��ة المجي��دين16)إلى العربية.

( أبو بشر متى بن يونس: من أهل ديرق��ني تفق��ه17) في مدرس��ة م��ار م��اري على أس��اتذة عظ��ام وإلي��ه انتهت

رئاسة المنطقيين في عصره. ( يحيى بن عدي: هو من أهل المنطق في الق��رن18)

الرابع للهجرة ق��رأ على م��تى ابن ي��ونس وعلى أبي نص��ر الف��ارابي وه��و يعق��وبي الم��ذهب خالف��ا ألك��ثر الم��ترجمين السريان وكان سريع الخط يكتب في الي��وم والليل��ة مائ��ة

ورقة. هؤالء أشهر نقلة العلم من اليون��اني أو الس��رياني إلى العربي. وقد اكتفين��ا بم��ا تق��دم لالختص��ار وأم��ا النقل��ة من

األلسنة األخرى فهم أيضا جماعة.السوريون ونقل العلم

إذا تدبرت ما تقدم من أخبار النقلة ومواطنهم ومللهم رأيت معظمهم من السوريين من سكان الشام والجزي��رة والعراق. وللسوريين شأن كبير في نشر العلوم بين األمم أو نقلها من أم��ة إلى أخ��رى أو من لس��ان إلى لس��ان من أق��دم أزمن��ة الت��اريخ ��� يس��اعدهم على ذل��ك نش��اطهم وذكاؤهم وإقدامهم وتوس��ط بالدهم بين الش��رق والغ��رب، فلما ظهر اإلسالم وأراد الخلفاء نق��ل العل��وم إلى العربي��ة ك��ان الس��وريون س��اعدهم األق��وى في نقله��ا من اللغ��ات

المعروفة في ذلك العهد.نقل العلم لغير الخلفاء

قد رأيت في ما تقدم أن الخلفاء هم ال��ذين س��عوا في نق��ل كتب العلم على ي��د التراجم��ة، فلم��ا نق��ل بعض تل��ك الكتب واطلع عليها أه��ل بغ��داد نهض جماع��ة من ك��برائهم واقت��دوا بالخلف��اء في نقله��ا واس��تخدموا التراجم��ة وب��ذلوا األم��وال في البحث عنه��ا وترجمته��ا، وأش��هر ه��ؤالء ثالث��ة يعرفون ببني شاكر أو ب�ني موس�ى ألنهم أوالد موس�ى بن

شاكر وهو محمد وأحمد والحسن ويع��رف أوالدهم بع��دهمببني المنجم.

وتفانى أوالد ش��اكر في طلب العل��وم القديم��ة وب��ذلوا فيها الرغائب وأتعبوا أنفسهم في جمعه��ا وأنف��ذوا إلى بالد ال��روم من أخرجه��ا إليهم وأحض��روا النقل��ة من األص��قاع واألم��اكن بالب��ذل الس��ني، وك��ان في جمل��ة من أنف��ذوه للبحث عن الكتب ح���نين بن إس���حاق وغ���يره، وأق���اموا التراجمة وفي جملتهم حنين وحبيش وثابت بن قرة وكانوا

دين��ار في الش��هر للنق��ل والمالزم��ة. ولب��ني500ينفق��ون موسى مؤلفات كثيرة في الفل�ك والحي�ل والهندس�ة ولهم اس��تنباطات في ه��ذا العلم لم يس��بقهم إليه��ا أح��د. وق��د

24.000برهن��وا للم��أمون أن محي��ط األرض مي��ل برهان��امحسوسا فضال عن مهارتهم في الرصد وغيره.

وممن بذلوا المال في نقل العلوم غير الخلف��اء محم��د بن عبد الملك الزيات كان يقارب عطاؤه للنقل��ة والنس��اخ

دينار في الشهر ونقل باسمه كتب عدي��دة، ومنهم2.000 علي بن يح��يى المع��روف ب��ابن المنجم ك��ان أح��د كت��اب المأمون ونقل له كث��ير من كتب الطب وك��ذلك محم��د بن موسى بن عبد الملك. وفي الجملة فإن المس��لمين نقل��وا إلى لسانهم معظم م��ا ك��ان معروف��ا من العلم والفلس��فة والطب والنج��وم والرياض��يات واألدبي��ات عن��د س��ائر األمم المتمدنة في ذلك العهد ولم يتركوا لسانا من ألس��ن األمم المعروفة آنذاك لم ينقلوا من��ه ش�يئا وإن ك��ان أك�ثر نقلهم عن اليوناني��ة والفارس��ية والهندي��ة. فأخ��ذوا من ك��ل أم��ة أحس��ن م��ا عن��دها فك��ان اعتم��ادهم في الفلس��فة والطب والهندس��ة والموس��يقى والمنط��ق والنج��وم على اليون��ان. وفي النجوم والسير واآلداب والحكم والتاريخ والموسيقى على الفرس، وفي الطب )الهن��دي( والعق��اقير والحس��اب والنج���وم والموس���يقى واألقاص���يص على الهن���ود، وفي الفالح���ة والزراع���ة والتنجيم والس���حر والطالس���م على األنباط والكلدان، وفي الكيمياء والتشريح على المص��ريين فكأنهم ورثوا أهم علوم اآلشوريين والب��ابليين والمص��ريين والفرس والهنود واليونان وق��د مزج��وا ذل��ك كل��ه وعجن��وه

واس��تخرجوا من��ه عل��وم التم��دن اإلس��المي )الدخيل��ة(، ويالح��ظ أيض��ا أن الع��رب نقل��وا من عل��وم تل��ك األمم في قرن وبعض القرن ما لم يستطع الرومان نقل بعض��ها في عدة قرون وذلك شأن المسلمين في أكثر أسباب تم��دنهم

العجيب.حسن معاملة الخلفاء للعلماء غير المسلمين

ومن العوام���ل الفعال���ة في س���رعة نض���ج العلم في النهضة العباسية وكثرة ما ترجم في تلك الم��دة القص��يرة أن الخلفاء أصحاب تلك النهضة ك��انوا يب��ذلون ك��ل رخيص وغ��ال في س��بيل نق��ل الكتب ويرغب��ون النقل��ة وغ��يرهم بالب���ذل واإلك���رام واإلحس���ان بغض النظ���ر عن مللهم أو نحلهم أو أنس��ابهم وق��د ك��ان فيهم النص��راني واليه��ودي والصابئ والسامري والمجوسي، فكان الخلفاء يع��املونهم كافة بالرفق واإلكرام مما يص��ح أن يك��ون مث��اال لالعت��دال

والحرية وقدوة لوالة األمور في كل العصور. وكث��يرا م��ا ك��ان الخلف��اء يطلق��ون أي��دي أطب��ائهم في دورهم ويستش����يرونهم في مه����ام أم����ورهم اإلداري����ة والسياسية وربما كلف�وهم التوقي��ع عنهم، فك��ان المعتص�م قد استطب سلمويه بن بن��ان النص��راني وبل��غ من إكرام��ه إي��اه أن��ه ك��ان إذا ورد إلى الخليف��ة كت��اب يقتض��ي توقيع��ا وكان سلمويه حاضرا أمره أن يوقع عن��ه بخط��ه، وك��ل م��ا كان يرد على األمراء والقواد من خروج أم��ر أو توقي��ع من الخليفة فبخط سلمويه، وكذلك كان شأن داود بن ديلم مع المعتض��د، وك��ذلك ك��ان المتوك��ل والمهت��دي وغ��يرهم في إكرام األطباء وتقديمهم واإلحسان إليهم وكانوا إذا حضروا مجلس الخليف��ة جلس��وا مع��ه على الس��دة وربم��ا جلس الطبيب، والوزراء واألمراء وقوف كما كان ش��أن ث��ابت بن قرة الصابي مع المعتضد بالله، وكانت م��واكبهم إذا ركب��وا مثل مواكب األم��راء وال�وزراء، وك�ان الخلف��اء يم��ازحونهم وهم أول من يدخل عليهم للنظر في ما يحتاجون إليه مما يصلح أبدانهم أو يختارون لهم األطعمة المناسبة، ولم يكن الخليفة يتناول دواء إال بإذن طبيبه وإذا فع��ل ولم يس��تأذنه

جر علي��ه غض��ب الط�بيب واض��طر السترض��ائه، ذك��روا أن المتوك���ل احتجم م���رة بغ���ير إذن طبيب���ه إس���رائيل بن الطيفوري فغضب إسرائيل فافتدى الخليف��ة غض��به بثالث��ة

درهم، وك��ان50.000آالف دينار وضيعة تغ��ل في الس��نة جبرائيل الكحال أول من يدخل على المأمون بع��د الص��الة فيغسل أجفانه ويكح��ل عيني��ه ف��إذا انتب��ه من قائلت��ه فع��ل مثل ذلك، وكثيرا ما كانوا يمتحنون أمانتهم وس��المة ذمتهم قبل التسليم لهم كما فعل المتوكل بحنين بن إسحاق لم��ا أراد أن يس��تطبه وق��د خاف��ه على نفس��ه فبعث إلي��ه فلم��ا حضر أقطعه إقطاعا سنيا وق��رر ل��ه جاري��ا وخل��ع علي��ه ثم قال ل��ه: )أري��د أن تص��ف لي دواء يقت��ل ع��دوا نري��د قتل��ه س��را( فق��ال ح��نين: )م��ا تعلمت غ��ير األدوي��ة النافع��ة وال علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيره��ا ف��إن أحب أن أمض��ي وأتعلم فعلت( فق��ال: )ه��ذا ش��يء يط��ول بن��ا( ثم رغب��ه وه��دده وحبس��ه في بعض القالع س��نة ثم أحض��ره وأع��اد علي��ه الق��ول وأحض��ر س��يفا ونطع��ا وه��دده بالقت��ل فقال: )لي رب يأخ��ذ لي حقي غ��دا في الموق��ف العظيم(

فتبسم المتوكل وأخبره أنه أراد امتحانه. ولنفس هذا السبب كان الخلفاء يوجبون على أطبائهم النصارى أو غيرهم التمس��ك بطق��وس ديان��اتهم ويكرم��ون أهل تلك األديان من أجلهم. فقد كان ثابت بن ق��رة ص��ابئا فلما نال حظوة عند المعتضد تجددت الرئاسة للصابئة في مدينة السالم. وقلما كانوا يري��دونهم على دين اإلس��الم إال نادرا كما أراد القاهر بالله سنان بن ثابت الم��ذكور فه��رب ثم أس��لم خوف��ا من��ه، على أن الص��ابئة كث��يرا م��ا ك��انوا يصومون شهر رمضان مع المسلمين كم��ا ك��ان يفع��ل أب��و إسحاق الصابئ الكاتب المشهور في أيام عز الدول��ة وم��ع ذلك فلما أراده عز الدولة أن يعتنق اإلسالم لم يفعل ألن��ه

كان متمسكا بدينه. ولم تكن تل���ك المعامل���ة الحس���نة خاص���ة بالنهض���ة العباسية بل كانت تتناول كل دولة نهض��ت للعلم، فالدول��ة الفاطمية بمصر ك��ان أك��ثر أطبائه��ا من النص��ارى واليه��ود والسامريين وكانت لهم عندهم منزل��ة األطب��اء في الدول��ة

العباسية فكانوا يغدقون عليهم األموال ويولونهم الوظائف والمناصب ويستش��يرونهم ويكرم��ونهم ويلقب��ونهم بألق��اب الشرف كسلطان الحكماء وأمين الدول��ة ومعتم��د المل��ك. ويق��ال نح��و ذل��ك في دول��ة األن��دلس فق��د ك��ان لألطب��اء والعلماء في أيام الحكم بن الناص��ر م��ا ك��ان لهم في أي��ام الم��أمون لمش��ابهة بين الخليف��تين فق��د ك��ان الحكم محب��ا

للعلم والعلماء جماعا للكتب.انتشار العلوم الدخيلة في المملكة اإلسالمية

لم تك�د العل�وم الدخيل�ة تنق�ل إلى العربي��ة ح��تى أخ��ذ المسلمون في درسها واالشتغال بها. وكان اش��تغالهم في بادئ الرأي على سبيل التلخيص أو الشرح أو التعليق حتى إذا نض����ج تم����دنهم وانتش���رت العل���وم في البالد أخ����ذ المسلمون في التأليف من عن��د أنفس��هم، وبع��د أن ك��انت العل�وم في الق�رنين األولين نقلي�ة تحت�اج إلى االدخ�ار في الذاكرة أصبحت في القرنين الت��اليين وم��ا بع��دهما عقلي��ة عمدتها النظر والقياس والتحليل وال��تركيب وك��انت بغ��داد كعبة العلم وحج العلم��اء ومنبت أه��ل الفض��ل ومق��ر نقل��ة العلم في أثن���اء النهض���ة العباس���ية وخصوص���ا في أي���ام المأمون، ح��تى إذا ت��ولى المعتص��م واس��تكثر من األت��راك وظهرت منهم اإلساءة أله��ل بغ��داد نف��ر الن��اس وتباع��دت القلوب ولكن المعتص��م ك��ان على م��ذهب أخي��ه الم��أمون في االع��تزال وإك�رام الش��يعة فظلت بغ��داد على نح��و م��ا كانت عليه في أيام المأمون. وكان الواثق يتشبه بالمأمون في حركاته وسكناته وكان يعقد المج��الس مثل��ه للمباحث��ة بين الفقه����اء والمتكلمين في أن����واع العل����وم العقلي����ة والس��معية في جمي��ع الف��روع. فلم��ا ت��وفي الواث��ق س��نة

ه� خلفه أخوه جعفر المتوكل وك��ان ش��ديد االنح��راف233 عن الشيعة والمعتزل��ة ح��تى أم��ر به��دم ق��بر الحس��ين بن علي )عليه السالم( وما حوله من المنازل ومنع الناس من إتيان��ه وك��ان كث��ير االس��تهزاء بعلي )علي��ه الس��الم( وك��ان يجالس من اشتهر ببغضه، وخالف ما ك��ان علي��ه الم��أمون والمعتص��م والواث��ق من االعتق��اد فأبط��ل الق��ول بخل��ق

الق��رآن ونهى عن الج��دل والمن��اظرة في اآلراء وع��اقب عليه وأمر بالرجوع إلى التقليد. وأخ��ذ من��ذ ت��ولى الخالف��ة في من��اوأتهم فأهل��ك جماع��ة من العلم��اء وح��ط م��راتبهم وعادى العلم وأهله والقى أهل الذمة من��ه الش��دائد بتغي��ير زيهم وإذاللهم وإه��انتهم، ومن أش��هر ح��وادث نقمت��ه على خدمة العلم أنه غضب على بختيشوع الطبيب وقبض مال��ه ونفاه إلى البحرين وقتل أبا يوسف يعقوب المعروف ب��ابن السكيت وسخط على عمر بن مصرح الراجحي وك��ان من علية الكتاب وأخذ منه ماال وجوهرا وأمر أن يصفع في كل يوم فأحصي ما صفع ب��ه فك��ان س��تة آالف ص��فعة. وم��ات

ه��� قتل��ه رجال��ه بتح��ريض ابن��ه247المتوكل مقت��وال س��نة فاضطربت أحوال الخالفة واستفحل شأن األتراك فنف��رت قلوب طلبة العلم وأكثرهم من الف��رس والع��رب فتفرق��وا من بغداد رويدا رويدا إلى أنحاء المملكة اإلس��المية ش��رقا وغربا ولذلك كان أكثر من ظه��ر من العلم��اء ��� بع��د نض��ج العلم في القرن الرابع للهجرة فما بعده � إنما نبغوا خ��ارج بغداد وفيهم األطباء والفالس��فة والمنجم�ون والمهندس��ون والمتكلم���ون وأص���حاب المنط���ق والفقه���اء واللغوي���ون

وغيرهم. وأكثر العلماء هم من غير المسلمين الذين نبغ��وا فيه��ا بعد تلك النهضة وكانوا يتق��اطرون إليه��ا من أنح��اء جزي��رة العراق وغيرها لخدمة الخلفاء أما المس��لمون فالغ��الب أن يكون ظهورهم خارج العراق السيما وأن أكثر ملوك الدول الجديدة التي تفرعت من الدول��ة العباس��ية اقت��دوا بخلف��اء النهضة العباسية في ت��رغيب أه��ل العلم واس��تقدامهم إلى عواصمهم في القاهرة وغزنة ودمشق ونيسابور واصطخر وغيره��ا. ف��الرازي من ال��ري وابن س��ينا من بخ��ارى في تركستان والبيروني من بيرون في بالد السند وابن جلج��ل النباتي من أهل األندلس وكذلك ابن باجة الفيلسوف وابن زه��ر الط��بيب وأقارب��ه آل زه��ر وابن رش��د وابن الرومي��ة

النباتي وكلهم من األندلس. أما مصر فأكثر أطبائها المشاهير من النصارى واليهود والسامريين، ويقال نحو ذلك في علماء العل��وم اإلس��المية

كالفقهاء والمحدثين واللغويين والش��عراء ف��إنهم م��ع بق��اء بغداد آهلة بهم فقد ظهر جماع��ة كب��يرة منهم في خارجه��ا وألق���ابهم ت���دل على أم���اكنهم كالبخ���اري والش���يرازي والنيس������ابوري والسجس������تاني والفرغ������اني والبلخي والخ����وارزمي والفيروزآب����ادي والحم����وي والدمش����قي

والفيومي والسيوطي والقرطبي واألشبيلي وغيرهم.الخلفاء واألمراء والعلم

فال غ���رو إذا احتفى الخلف���اء واألم���راء بأه���ل العلم وأحسنوا إليهم وهم أنفسهم كانوا من طلبة العلم ومريديه وإذا ك��ان المل��ك أو األم��ير عالم��ا زهى في أيام��ه العلم وسعد خدمته. ومن شروط الخالفة في اإلس��الم أن يك��ون الخليفة عالما ب��األمور الش��رعية ول��ذلك ك��ان الخلف��اء في الغالب عالمين بها يعقدون المجالس للنظر فيها ويقرب��ون الفقه��اء والمح��دثين وتطرق��وا من ذل��ك إلى الرغب��ة في النحو واللغة والت��اريخ الرتب��اط تل�ك العل�وم بعض�ها ببعض، وأعلم خلفاء بني العباس المأمون فقد كان عالما بالش��رع واللغ��ة والنج��وم والفلس��فة والمنط��ق ويقابل��ه في ال��دول اإلسالمية األخرى الحكم بن الناص��ر األم��وي في األن��دلس

ه�( والحاكم بأمر الله الفاطمي في مصر366)توفي سنة ه���( أم��ا الحكم فق��د ك��ان م��ع رغبت��ه في411)توفي سنة

العلم جماع���ا للكتب يب���ذل األم���وال في اس���تجالبها من األقطار. وأما الحاكم فقد كان عالما بالنجوم وبنى مرصدا وأنش��أ مكتب��ة، وك��ذلك ك��ان عب��د ال��رحمن األوس��ط أم��ير

ه�.238األندلس المتوفى سنة وما من أم��ير وال مل��ك محب للعلم إال اجتم��ع العلم��اء حوله وألفوا له الكتب في م��ا يحب��ه من ف��روع العلم وه��و يجزيهم عليه��ا. فمحم��د بن إس��حاق الراوي��ة الش��هير أل��ف كتاب المغازي للمنصور وه��و في الح��يرة وابن بك��ار أل��ف كتاب األخبار المعروف بالموفقيات للموفق بالله وال��رازي ألف كتاب��ه المنص��وري باس��م المنص��ور بن إس��حاق، ولم��ا ت��ولى عض��د الدول��ة بن بوي��ه دار الس��الم ق��رب إلي��ه أه��ل العلم فقصدوه من كل بلد وصنفوا ل��ه كت��اب اإليض��اح في

النح��و وكت��اب الحج��ة في الق��راءات وكت��اب الملكي في الطب والتاجي في تاريخ ال��ديلم وغيره��ا، وس��عيد بن هب��ة الله الطبيب ألف كتاب المغ��ني في الطب للمقت��دي ب��أمر الل��ه وق��د يؤلف��ون الكتب لل��وزراء واألم��راء فق��د أل��ف الحري��ري مقامات��ه ألنوش��روان وزي��ر المسترش��د وأل��ف جبري��ل بن عبي��د الل��ه ابن بختيش��وع كت��اب الك��افي بلقب

الصاحب بن عباد لمحبته له، وقس على ذلك كثيرين. وجملة القول أن التم��دن اإلس��المي ك��ان ح��افال بأه��ل العلم من قص��ور الخلف��اء إلى المس��اجد ومن��ازل األم��راء والعام��ة إلى مس��ارح الغن��اء. وك��انوا يعق��دون المج��الس للمناظرة في العلوم على اختالفها وفي اآلداب على تن��وع وجهاتها وفي الش��عر وغ��يره. وك��انوا يفرض��ون العلم على أوالدهم وإخوانهم ومماليكهم وجواريهم وسراريهم. وكانوا يعلم���ون الج���واري ويثقف���ونهن ويحفظ���ونهن الق���رآن ويروونهن األش��عار واألخب��ار ويعلم��ونهن النح��و والع��روض والغناء ثم يتهادونهن. وقد كان عن��د زبي��دة أم األمين مائ��ة جارية يحفظن القرآن وكان يسمع من قصرها دوي ك��دوي النحل من القراءة حتى المخنثين فقد كانوا يؤدبونهم وكان في قرطبة في أوائل الق��رن الخ��امس للهج��رة جمل��ة من الفتيان المخنثين ممن أخ��ذ من األدب ب��أوفر نص��يب ولهم

فيه مؤلفات. وأغرب من ذلك بذلهم األم��وال للمط��العين فض��ال عن المؤلفين فالمل��ك المعظم ش��رف ال��دين عيس��ى األي��وبي صاحب دمش�ق ك�ان من رغ�اب األدب فاش��ترط لك��ل منل للزمخش��ري مائ��ة دين��ار وخلع��ة يحف��ظ كت��اب المفص��

فحفظه جماعة كبيرة.المؤلفون والمؤلفات

فال عجب والحال��ة ه��ذه إذا ك��ثر المؤلف��ون وتع��ددت مؤلفاتهم واتسعت مب��احثهم وق��د ح��وت مؤلف��اتهم البحث في كل م��ا انتجت��ه قريح��ة اإلنس��ان إلى ذل��ك الزم��ان من الطبيعي��ات واإللهي��ات والعقلي��ات والرياض��يات واألدبي��ات والنقلي��ات، ودعت أبح��اثهم الواس��عة إلى تش��عب العل��وم

وتفرعها حتى زادت على خمسمائة علم ذكرها طاشكبري زاده في مفاتيح العلوم، ومنه��ا م��ا لم يكن ل��ه وج��ود قب��ل اإلس����الم كاالقتص����اد السياس����ي وفلس����فة الت����اريخ والموسوعات التاريخية والجغرافية، غير العلوم اإلس��المية

الخاصة بلغة العرب وآداب المسلمين. وق��د تع��ددت مؤلف��اتهم ح��تى أص��بحت تع��د بعش��رات األل��وف ويس��تدل على كثرته��ا مم��ا بقي من خبره��ا إلى القرن الحادي عشر للهجرة على م��ا في كش��ف الظن��ون،

غ��ير14.501فق��د بل��غ ع��دد المؤلف��ات الم��ذكورة هن��اك الشروح والتعاليق، وغير ما ضاع خ��بره منه��ا من النكب��ات المتوالي��ة في أثن��اء الفتن الداخلي��ة بين الف��رق اإلس��المية وغيره��ا، وم��ا ك��ان يحرق��ه والة األم��ر من كتب الفلس��فة ومتعلقاته���ا اض���طهادا ألص���حابها ح���تى ذهب معظم م���ا ترجم��وه أو ألف��وه ولم يب��ق منه��ا إال ال��نزر اليس��ير، ومن الم��ؤلفين المس��لمين من بلغت مؤلفات��ه بض��ع مئ��ات إلى

مؤلف في علوم مختلف��ة200األلف فمؤلفات أبي عبيدة مجل��د400 ومؤلف��ات بن ح��زم 400ومؤلفات ابن سريج

ومؤلف��ات القاض��ي الفاض��ل مائ��ة231ومؤلفات الكن��دي كتاب ومؤلفات العالمة الحلي ألف كتاب. وقس على ذلك مؤلفات كثير من العلماء في المواضيع المختلفة كمؤلفات الرازي والسيوطي وابن سينا. وقد بلغت مؤلفات بعض��هم ألف كتاب كعبد الملك بن حبيب عالم األندلس وقد ع��دت مؤلفات جمال الدين الحاف��ظ وقس��مت على عم��ره فبل��غ

كل يوم تسع كراريس.تأثير التمدن اإلسالمي في العلوم الدخيلة

لما نضج التمدن اإلسالمي وانتش��رت العل��وم الدخيل��ة في بالد اإلس��الم ع��ني المس��لمون في درس��ها ونب��غ منهم جماعة فاقوا أصحابها وأدخل��وا فيه��ا آراء جدي��دة فتن��وعت وارتقت على م��ا اقتض��اه اإلس��الم واآلداب اإلس��المية وم��ا مازجها من علوم األمم األخرى فأصبحت على شكل خاص بالتمدن اإلسالمي. فلما نهض أهل أورب��ا الس��ترجاع عل��وم اليونان أخ��ذوا معظمه��ا عن اللغ��ة العربي��ة وفيه��ا الص��بغة

��ره التم��دن اإلس��المي في اإلس��المية، فلنبحث في م��ا أثعلوم التمدن القديم.

� الفلسفة في اإلسالم1

قرأ المسلمون الفلسفة في كتب إفالط��ون وأرس��طو وم��ا عل��ق عليه��ا اليون��ان من الش��روح وأض��افوا إليه��ا من اآلراء، وهي تش���مل المنط���ق والطبيعي���ات واإللهي���ات واألخالق، فبدأ المسلمون أوال بدرس هذه الكتب ثم أخذوا في ش��رحها أو تلخيص��ها ثم عم��دوا إلى الكتاب��ة في تل��ك المواضيع من عند أنفسهم، ويندر أن يشتغل الواح��د منهم في الفلس�����فة دون الطب والنج�����وم أو في الطب دون الفلس��فة والنج��وم أو ب��العكس، ومن أق��وال ح��نين: )إن الط��بيب يجب أن يك��ون فيلس��وفا( لكنهم ك��انوا يلقب��ون

العالم بما غلب اشتغاله فيه.الفالسفة المسلمون في الشرق

وأكبر فالسفة المسلمين وأشهرهم وأس��بقهم يعق��وب بن إس��حاق بن الص��باح الكن��دي وه��و ع��ربي األص��ل دون سواه من الفالسفة. ويليه أبو نصر الفارابي المتوفى سنة

ه� أصله من فاراب ببالد الترك لكن��ه فارس��ي األص��ل339 وقد نشأ في الش��ام واش��تغل فيه��ا وك��ان فيلس��وفا ك��امال درس كل م��ا درس��ه الكن��دي من العل��وم وفاق��ه في كث��ير منها وخصوصا في المنطق وتعمق في الفلسفة والتحلي��ل وأنحاء التعاليم وأفاد التعليم وجوه االنتفاع به��ا وأل��ف كتب��ا في مواضيع لم يسبقه أحد إليها ككتابه )في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها( وهو أشبه بقاموس علمي على شكل موسوعات العلوم لم يذهب مذهبه فيه أح��د قبل��ه وكت��اب )السياسة المدنية( وه��و االقتص��اد السياس��ي ال��ذي ي��زعم أهل التم��دن الح��ديث أن��ه من مخترع��اتهم وق��د كتب في��ه الف��ارابي من��ذ أل��ف س��نة ثم كتب في��ه ابن خل��دون في مقدمته. وممن غلبت عليه الفلسفة من علماء المس��لمين

ه�� ول�ه من428الشيخ ال�رئيس ابن س�ينا المت�وفى س�نة منه��ا في الفلس��فة فق��ط.26المؤلفات نح��و مائ��ة كت��اب

وأهم ما كان ت��أثير الفلس��فة في اإلس��الم أنهم بن��وا عليه��ا علم الكالم وأيدوه بها لتقوى حجتهم في ما ق��ام بينهم من

المجادالت المذهبية.جمعية إخوان الصفا

ومن جمعياتهم السرية الفلسفية جمعية إخوان الص��فاتألفت في بغداد

في أواسط القرن الرابع للهج��رة ذك��روا من أعض��ائها خمسة هم: أبو سليمان محمد بن معشر البس��تي ويع��رف بالمقدس��ي وأب��و الحس��ن علي بن ه��ارون الزنج��اني وأب��و أحمد المهرجاني والعوفي وزيد بن رفاعة وكانوا يجتمعون سرا ويتباحثون في الفلسفة على أنواعه��ا ح��تى ص��ار لهم فيها مذهب خاص هو خالصة أبح��اث الفالس��فة المس��لمين بعد اطالعهم على آراء اليون��ان والف��رس والهن��د وتع��ديلها على م��ا يقتض�يه اإلس�الم. وأس��اس م��ذهبهم أن الش�ريعة اإلس���المية تدنس��ت بالجه���االت واختلطت بالض���الالت وال س��بيل إلى غس��لها وتطهيره��ا إال بالفلس��فة ألنه��ا حاوي��ة للحكمة االعتقادية والمصلحة االجتهادية وأنه متى انتظمت

الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال. وقد دونوا فلسفتهم هذه في خمس�ين رس�الة س�موها رس��ائل إخ��وان الص��فا وكتم��وا أس��ماءهم، وهي تمث��ل

الفلسفة اإلسالمية على ما كانت عليه إبان نضجها. � الطب في اإلسالم2

الطب اإلسالمي خالص��ة م��ا بل��غ إلي��ه علم الطب عن��د األمم المتمدن��ة قب��ل اإلس��الم، ألن المس��لمين نقل��وا إلى لس��انهم كتب ابق��راط وج���الينوس وغيرهم���ا من أطب���اء اليون��ان واطلع��وا على م��ا ك��ان عن��د الس��ريان من الطب اليوناني الممزوج ببقايا طب الكلدان الق��دماء ونق��ل إليهم أطباء مدرسة جنديسابور طب اليون��ان بص��يغته الفارس��ية واطلعوا على طب الهنود ممن جاءوا بغ��داد من أطب��ائهم. غ�ير م��ا ك��ان عن��د الع�رب في أي��ام الجاهلي��ة وتنوق�ل في اإلسالم. ومن تفاعل هذه العناص��ر وتمازجه��ا ت��ألف الطب

اإلسالمي الذي تمثل بع��د نض��ج العلم في الكت��اب الملكي )أبو الملوكي( ألبي بكر الرازي الملقب ج��الينوس الع��رب ألفه للملك عضد الدولة بن بويه وجمع فيه ك��ل م��ا وج��ده متفرقا من ذكر األمراض وم��داواتها في كتب الق��دماء إلى زمانه، وأطب��اء المس��لمين كث��يرون وكتبهم كث��يرة ال مح��ل لذكرها هنا. ولو أحصينا األطباء المسلمين الذين نبغوا بع��د ترجمة الكتب الطبية إلى انقضاء النهضة العباسية وابت��داء عصر التقهقر أي في أثناء ثالثة أو أربعة ق��رون ل��زاد ع��دد المؤلفين منهم ممن بلغت إلينا أسماؤهم على بضع مئ��ات وأك��ثرهم اش��تغلوا بس��ائر العل��وم الدخيل��ة وألف��وا الكتب العديدة وت��رى ذل��ك مفص��ال في طبق��ات األطب��اء البن أبي أص��يبعة وت��راجم الحكم��اء البن القفطي وكت��اب كش��ف الظن��ون وغيره��ا. وك��ان األطب��اء طبق��ات وأص��نافا وفيهم الطبيب العام والجراح والفاصد وط��بيب األس��نان وط��بيب األم��راض النس��ائية وط��بيب األم��راض العص��بية على نح��و األطباء االختصاصيين في هذه األيام. وك��ان الكح��الون في مصر أكثر منهم في سواها لتعرضها ألمراض العين وك��انوا يعالجون الماء األزرق بقدح العين على نحو عمليات العين الجاري��ة ه��ذه األي��ام. ونب��غ جماع��ة من النس��اء اش��تهرن

بصناعة الطب.ما الذي أحدثه المسلمون في الطب؟

بقي علينا النظر في م��ا أحدث��ه المس��لمون في الطب من االختراع��ات الجدي��دة أو اآلراء المبتك��رة والحكم في ذلك يستلزم درس��ا ط��ويال ال يس��عه ه��ذا المك��ان. أم��ا م��ا أحدثوه من عن��د أنفس��هم رأس��ا فاإلحاط��ة ب��ه من األم��ور الشاقة التي يعسر تحقيقه��ا فن��ذكر م��ا ثبت عن��دنا حدوث��ه على س�بيل المث�ال. من ذل��ك أنهم أح�دثوا في الطب آراء جديدة تخالف آراء الق��دماء في ت��دبير األم��راض ��� وإن لم يص��لنا خ��بر س��وى القلي��ل منه��ا ��� مث��ل نقلهم ت��دبير أك��ثر األمراض ال��تي ك��انت تع��الج ق��ديما باألدوي��ة الح��ارة )على اصطالحهم( إلى التدبير البارد كالفالج واللقوة واالسترخاء وغيرها وذلك على غير ما سطره القدماء. وأول من فطن��ه عليه��ا وأخ��ذ المرض��ى بالم��داواة به��ا لهذه الطريق��ة ونب

الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الط��بيب في بغ��داد فإن��ه أخ��ذ المرض��ى بالفص��د والتبري��د وال��ترطيب ومنعهم من الغذاء فأنجح تدبيره فعينوه رئيسا )للمارس��تان( المش��فى العضوي فرفع منه المعاجين الحادة واألدوية الحارة ونق��ل تدبير المرض إلى م��اء الش��عير ومي��اه ال��بزور ف��أظهر في

المداواة عجائب فاقتدى به سائر األطباء بعده. والمس���لمون أول من اس���تخدم المرق���د )البنج( في الطب يقال إنهم استخدموا له الزوان أو الشيلم وهم أول من اس��تخدم الخالل المع��روف عن��د األطب��اء وق��د وج��د محققو اإلفرنج أن العرب أول من اس��تخدم الكاوي��ات في الجراحة على نح��و اس��تخدامها الي��وم وأنهم أول من وج��ه الفك��ر إلى ش��كل األظ��افر في المس��لولين ووص��فوا عالج اليرقان والهواء األصفر واستعملوا األفيون بمق��ادير كب��يرة لمعالجة الجنون ووصفوا صب الم��اء الب��ارد لقط��ع ال��نزف وعالجوا خلع الكتف بالطريقة المعروفة في الجراح��ة ب��رد المقاوم��ة الفج��ائي ووص��فوا إب��رة الم��اء األزرق في ق��دح

العين وأشاروا إلى عملية تفتيت الحصاة.الصيدلة والكيمياء والنبات

ومن ف��روع الطب الص��يدلة، وللمس��لمين فض��ل كب��ير فيه��ا فق��د ب��ذلوا الجه��د في اس��تجالب العق��اقير من الهن��د وغيرها، وبدأوا بذلك من أيام يح��يى بن خال��د ال��برمكي ثم نب��غ منهم األطب��اء والص��يادلة ووجه��وا عن��ايتهم إلى درس العق��اقير وق��د نقل��وا كتب��ا فيه��ا من الهندي��ة واليوناني��ة ثم اشتغلوا هم أنفس��هم في جمعه��ا. وق��د ع��ني اإلف��رنج بع��د نهضتهم األخيرة في درس تاريخ فن الص��يدلة فتحقق��وا أن المس���لمين هم واض���عو أس���س ه���ذا الفن وهم أول من اشتغل في تحضير األدوية أو العقاقير فضال عما استنبطوه من األدوية الجدي��دة، وأنهم أول من أل��ف االقرب��اذين على الص��ورة ال��تي وص��لت إلين��ا، وهم أول من أنش��أ ح��وانيت الصيدلة على هذه الصورة، ومن أقرب الشواهد على ذلك أس��ماء العق��اقير أخ��ذها اإلف��رنج عن المس��لمين وال ت��زال

عن��دهم بأس��مائها العربي��ة أو الفارس��ية أو الهندي��ة كم��اأخذوها عن العربية.

على أن تق���دمهم في الص���يدلة ت���ابع لتق���دمهم في الكيمي��اء والنب��ات وال خالف في أن المس��لمين هم ال��ذين أسسوا الكيمياء الحديثة بتجاربهم ومستحضراتهم وقد ذكر محققو اإلفرنج أن المس��لمين هم ال��ذين استحض��روا م��اء الفضة )حامض النتريك( وزيت ال��زاج )ح��امض الكبريتي��ك( وم��اء ال��ذهب )ح��امض النيتروهي��دروكلوريك( واكتش��فوا البوتاسا وروح النشادر وملحه وحجر جهنم )نترات الفضة( والس��ليماني )كلوري��د الزئب��ق( والراس��ب األحم��ر )أكس��يد الزئبق( وملح الطرطير وملح البارود )ن��ترات البوتاس��يوم( وال���زاج األخض���ر )كبريت���ات الحدي���د( والكح���ول والقلي والزرنيخ والبورق وغير ذل��ك من المركب��ات والمكتش��فات التي لم يصل إلينا خبرها، وأما النب��ات فللمس��لمين الق��دح المعلى في درسه والت��أليف في��ه، ومن الم��برزين في علم

ه�639النب��ات رش��يد ال��دين بن الص��وري المت��وفي س��نة ص���احب كت���اب )األدوي���ة المف���ردة( وك���ان كث���ير البحث والت���دقيق حيث يخ���رج ل���درس الحش���ائش في منابته���ا ويستص��حب مص��ورا ومع��ه األص��باغ واللي��ق على اختالفه��ا وتنوعها ويتوجه إلى المواض��ع ال��تي به��ا النب��ات في لبن��ان وسوريا فيشاهد النبات ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغلفته وأصوله يحسبها بالدقة ويصور وذلك

غاية ما يفعله الباحثون في هذا العلم اليوم.المارستانات )المشافي( في اإلسالم

المارستان أو البيمارستان لفظ فارس��ي معن��اه مك��ان المرض��ى ويقابل��ه الي��وم المستش��فى ولكن المارس��تانات ك���انت في التم���دن اإلس���المي تش���مل م���دارس الطب والمستش���فيات مع���ا ألنهم ك���انوا يعلم���ون الطب فيه���ا، والمس��لمون أخ��ذوا المارس��تانات عن الف��رس وأنش��أوها

على مثال مارستان جنديسابور. وأول من أنشأ المارستانات في اإلسالم الوليد بن عبد

ه� جعل في��ه88الملك األموي أنشأ مارستانا بدمشق سنة

األطب���اء وأم���ر بحبس المج���ذومين وأج���رى لهم األرزاق فانقض��ت الدول��ة األموي��ة وليس في اإلس��الم غ��ير ه��ذا المارس��تان فلم��ا حكم العباس��يون ك��ان المنص��ور أول من اس��تقدم األطب��اء من مارس��تان جنديس��ابور ولم ينش��ئ مارستانا ولكنه أنش��أ دارا للعمي��ان واأليت��ام والقواع��د من

النساء وأنشأ هو أو من خلفه دورا لمعالجة المجانين. وأول من أنش���أ المارس���تانات في الدول���ة العباس���ية الرش��يد فإن��ه لم��ا رأى مه��ارة الق��ادمين علي��ه من أطب��اء مارستان جنديسابور أراد أن يكون لبغداد مثل ذل��ك ف��أمر طبيبه جبرائيل بن بختيشوع بإنشاء المارس��تان في بغ��داد، ولما اش��تهر مارس��تان بغ��داد وأخ��ذت الم��دن األخ��رى في تقليدها كما قلدتها في سائر أس��باب ذل��ك التم��دن، وك��ان الفتح بن خاقان وزير المتوكل قد أنشأ في مصر مارس��تانا عرف بمارستان المغافر فلما توالها ابن طولون أنشأ فيها

ه��� مارس��تانا ع��رف باس��مه وأنف��ق على بنائ��ه259س��نة دينار وشرط أن ال يعالج في��ه جن��دي وال ممل��وك60.000

ب��ل يع��الج في��ه العام��ة من المرض��ى والمج��انين وغ��يرهم وحبس ربيعا ليضمن بقاءه، وكان يتعهده بنفس��ه ك��ل ي��وم جمعة حتى ساءه أحد المجانين فقط�ع الزي�ارة إلى غيره�ا من المارس��تانات الكث��يرة، وك��انت تل��ك المارس��تانات في غاية النظ��ام يع��الج فيه��ا المرض��ى على اختالف ط��وائفهم ونحلهم وفيه��ا لك��ل م��رض قاع��ة أو قاع��ات خصوص��ية يطوفه���ا الط���بيب المختص به���ا وبين يدي���ه المش���رفون والق��وام لخدم��ة المرض��ى فيتفق��د المرض��ى ويص��ف لهم األدوي��ة ويكتب لك��ل م��ريض دواءه فمن ش��في فيه��ا زور الس��الم ومن م��ات كفن��وه ودفن��وه، وك��انت تلقى فيه��ا ال���دروس في الطب والص���يدلة وتم���ارس به���ا هات���ان

الصناعتان. وكان من ضروب المارستانات عندهم مارس��تان نق��ال يحملونه على الجم��ال أو البغ��ال على نح��و المستش��فيات النقالة في دول هذه األيام، فك��ان في معس��كر الس��لطان محمود السلجوقي مارستانا يحمله أربعون جمال يستصحبه

العسكر حيثما توجهوا.

� التنجيم والنجوم أو الفلك3

النج��وم عن��د الق��دماء علم��ان: علم ط��بيعي ينظ��ر في النجوم من حيث مواضعها وحركاتها وأحكامها ب��النظر إلى الخس��وف والكس��وف، وعلم ينظ��ر في��ه باعتب��ار عالقت��ه بحوادث العالم من حيث الحرب والسلم والوالدة والوف��اة والس��عد والنحس والمط��ر والص��حو ونح��و ذل��ك، وتس��هيال للبحث نس��مي األول علم النج��وم أو الفل��ك والث��اني علم التنجيم، وقد علمت مم��ا تق��دم أن الع��رب ك��انوا يعرف��ون هذين العلمين فلما تمدنوا ونقلوا العلم أضافوا م��ا أخ��ذوه عن الفرس واليونان والهند والكلدان إلى م��ا ك��ان عن��دهم

فتولد من ذلك كله التنجيم والنجوم عند المسلمين.التنجيم

وأول من عني بالتنجيم والنجوم في النهض��ة العباس��ية أبو جعف��ر المنص��ور ف��ترجموا ل��ه الس��ند هن��د واقت��دى ب��ه خلفاؤه وأصبح للتنجيم شأن كبير عندهم حتى إبان العص��ر العباسي، وكان المنجم��ون فئ��ة من م��وظفي الدول��ة كم��ااب ولهم ال��رواتب واألرزاق ��اب والحس�� ك��ان األطب��اء والكت وكان الخلفاء يستشيرونهم في كثير من أح��والهم اإلداري��ة والسياسية فإذا خطر لهم عمل وخافوا عاقبت��ه استش��اروا المنجمين فينظرون في ح��ال الفل��ك واقتران��ات الك��واكب

ثم يشيرون بموافقة ذلك العمل أو عدمه.علم النجوم أو الفلك

كان للمسلمين حظ وافر في علم النجوم وفضل كبير عليه يكفيك أنهم جمع��وا في��ه بين م��ذاهب اليون��ان والهن��د والف��رس والكل��دان والع��رب الجاهلي��ة ش��أنهم في أك��ثر العلوم الدخيلة. فقد رأيت أن محمود الغزنوي نقل الس��ند هند للمنصور ليكون قاعدة علم النجوم عن��د الع��رب وأن��ه ظل معولهم عليه إلى عصر الم��أمون، وأول م��ا يس��تلفت انتباهنا من هذا القبيل أن المسلمين قالوا بإبط��ال ص��ناعة التنجيم المبنية على الوهم ولعلهم أول من فعل ذل��ك وإن

كانوا لم يستطيعوا إبطالها ولكنهم مالوا بعلم النجوم نح��و الحقائق المبنية على المشاهدة واالختبار كم��ا فعل��وا بعلم

الكيمياء.المراصد

الرصد أس��اس علم الفل��ك وعلي��ه المع��ول في تع��يين أماكن النج��وم وحركاته��ا ولم��ا اش��تغل الم��أمون في نق��ل عل��وم األوائ��ل إلى العربي��ة ووق��ف العلم��اء على كت��اب المجسطي وفهموا صور آالت الرصد الموصوفة به نزعت ب��ه همت��ه إلى تحدي��ه فجم��ع علم��اء النج��وم في عص��ره وأمرهم أن يصنعوا آالت يرصدون بها الك��واكب كم��ا فع��ل بطليموس صاحب المجس��طي ففعل��وا وتول��وا الرص��د به��ا بالشماس��ية في بغ��داد وجب��ل قاس��يون في دمش��ق س��نة

ه� توقفوا عن العمل218ه� ولما توفي المأمون سنة 214 وقيدوا م��ا ك��انوا ق��د ت��بينوه من رص��دهم وس��موه الرص��د المأموني، وك�ان ال�ذين تول�وا ذل�ك يح��يى بن أبي منص�ور كبير المنجمين في عصره وخالد الم��روزي وس��ند بن علي والعباس بن سفيد الجوهري فألف كل منهم في ذلك زيجا

منسوبا إليه، وأرصاد هؤالء أول األرصاد في اإلسالم. ولما ضعف شأن الخالفة في بغداد وتش��عبت المملك��ة العباسية إلى فروع تحولت الهمم إلى تلك الفروع وأكبرها المملكة المصرية في أيام الف��اطميين فأنش��أوا رص��دا )أو مرصدا( على جبل المقطم عرف بالرصد الح��اكمي نس��بة إلى الح��اكم ب��أمر الل��ه، وم��ازال الرص��د الح��اكمي عم��دة الراص��دين ح��تى نش��أ نص��ير ال��دين الطوس��ي على عه��د هوالكو التتري فبنى مرصدا في مراغ��ة من بالد تركس��تان

ه� أعد فيه ك��ل م��ا يل��زم من اآلالت وأنف��ق في��ه657سنة مجلد.400.000األموال الطائلة وأنشأ له مكتبة فيها

علم النجوم واإلسالم

وفي ه��ذه المراص��د اش��تغل المس��لمون في رص��د الكواكب ووضع األزياج، وأطولها الزيج الح��اكمي المتق��دم ذكره كتبة بن يونس في أربعة مجلدات وكان عليه تعوي��ل

المسلمين بعد ما سبقه من األزياج البغدادية، وللمس��لمين ط���رق جدي���دة أدخلوه���ا في الرص���د من عن���د أنفس���هم واخترعوا كثيرا من آالته، فطار خبر فلكيي المس��لمين في أقطار الع�الم وأص�بح المرج�ع إليهم في تحقي�ق المس�ائل فإن ملوك اإلفرنج كانوا يرسلون إليهم في حل المشكالت الفلكي��ة فيعرض��ون عليهم المس��ائل ويطلب��ون حله��ا ليس في األندلس فقط لقربها من بالدهم ولكنهم كانوا يوفدون الوف��ود إلى ممال��ك اإلس��الم في الش��رق له��ذه الغاي��ة. ويع���ترف األس���بان أن المس���لمين علم���وهم الرق���اص )البندول( لقياس الزمان وال يخفى م��ا ب��ني على الرق��اص من اآلالت الفلكية وغيرها. على أنهم كانوا يعرف��ون عم��ل الس���اعات من قب���ل ويق���ال أن الرش���يد أه���دى المل���ك

شارلمان ساعة بديعة تناقل اإلفرنج خبرها.الحساب والجبر والهندسة

من أكبر مآثر التمدن اإلس��المي في الرياض��يات نقلهم الحس��اب الهن��دي واألرق��ام الهندي��ة من الهن��د إلى س��ائر أقطار الع��الم. فالمس��لمون يس��مونها أرقام��ا هندي��ة ألنهم نقلوها عن الهنود، واإلفرنج يسمونها عربي��ة ألنهم أخ��ذوها عن الع��رب، وأول من تن��اول تل�ك األرق�ام من الهن��ود أب��و جعف��ر محم��د بن موس��ى الخ��وارزمي ومن اس��مه اش��تق

( اإلفرنجية.Algorismاإلفرنج لفظ ) وأما الجبر فللمسلمين فضل كبير في وضعه أو تأليف��ه ومم��ا أحدث��ه المس��لمون في الهندس��ة أنهم طبقوه��ا على المنط���ق، والحس���ن بن موس���ى بن ش���اكر اش���تغل في

استخراج مسائل هندسية لم يستخرجها أحد من األولين.الفنون الجميلة

الفنون الجميلة تسمية جدي��دة لم��ا تنبس�ط ل��ه النفس من المص��نوعات لجماله��ا ورونقه��ا ال لمنفعته��ا ومتانته��ا، والفن��ون ال��تي ت��دخل في اعتب��ارهم تحت ه��ذه التس��مية قسمان: األول تظهر أشكاله محسوسة كالحفر والتص��وير والنحت والتمثيل. والثاني ما ال يحس وال يرى ب��ل ه��و من

قبيل الخيال كالشعر. ول��و دققن��ا النظ�ر لرأين��ا المس�لمين من أك��ثر األمم اس��تعدادا للفن��ون الجميل��ة واإلج��ادة فيه��ا وأنهم ال يقلون شيئا عن اليونان والرومان وربم��ا فاقوهم��ا

في بعضها. أما الجمال المحسوس فقد أجادوا في م��ا يتعل��ق من��ه بالبناء ولهم نمط خاص في��ه مش��هور ومن آث��ارهم البنائي��ة الحمراء في األن��دلس وجوام��ع الق��اهرة والش��ام وف��ارس والهند وهي تدل على تقدم عظيم في هندسة البناء مع ما فيها من زخرفة كالفسيفساء ونحوها مم��ا ي��دهش النظ��ر، ولهم نحو ذلك في الصياغة والنسج ونحوهم��ا من الص��نائع الجميلة. أما التصوير فلم يشتغلوا فيه ألنه مح��رم عن��دهم

كما هو معلوم. ، عن أبي عب��د الل��ه )علي��ه167، ص���8 الك��افي: ج1

السالم(، مثله. ، وفي��ه )ول��و من أه��ل99، ص���2 بح��ار األن��وار: ج2

النفاق(..30، ص�1 الكافي: ج3.14، ص�18 وسائل الشيعة: ج4

اإلسالم في المدارس

التعليم

ق��د رأيت في م��ا تق��دم أن الق��رآن أس��اس العل��وم اإلسالمية فتعليم��ه أس��اس التعليم اإلس��المي وأول دروس القرآن قراءت��ه وأول المعلمين في اإلس��الم الن��بي )ص��لى الله عليه وآله( علمه للصحابة وهم علموه للن��اس م��ع م��ا ترتب عليه أو تفرع عنه من العل��وم. وله��ذا الس��بب ك��انت مدارس المسلمين في جوامعهم، وكانوا يسمون التالم��ذة المجتمعين ح��ول األس��تاذ لكي يتلق��ون علم��ا من العل��وم )حلقة(. وتفرعت العلوم بتوالي األعوام واتسعت دوائره��ا حتى أصبح للعلم الواحد عدة حلق��ات والغ��الب أن تنس��ب الحلق��ة إلى أس��تاذها فيقول��ون مثال حلق��ة أبي إس��حاق الشيرازي في جامع المنصور أو نحو ذلك. وك��انوا يجعل��ون في كل جامع خزانة كتب للمطالعة أو االستنس��اخ على أن التعليم لم يكن خاصا بالمساجد فكث��يرا م��ا ك��انوا ينش��ئون حلقات التدريس في المارستانات أو الربط أو المن��ازل أو غيرها. وأشهر الجوامع في التدريس على اإلطالق الج��امع األزهري في الق��اهرة فق��د ب��ني م��ع الق��اهرة في أواس��ط الق��رن الراب��ع للهج��رة وك��انت تلقى في��ه دروس الق��رآن والفقه على جاري العادة في سائر الجوامع. وكان جماع��ة من الطلبة يقيم��ون في��ه ويس��مون المج��اورين ومنهم من ج��اء من أقاص��ي البالد اإلس��المية ح��تى تركس��تان والهن��د وزيل��ع وس��نار ولك��ل طائف��ة منهم رواق باس��مها ك��رواق الش��وام أو المغارب��ة أو العجم أو الزيالع��ة أو الس��نارية أو اليمنية أو الهندية فضال عن أروقة أهل الصعيد، وبل��غ ع��دد

750تالمذة األزهر في أوائل القرن التاسع للهج��رة طالب��ا من طوائ��ف مختلف��ة وك��انوا يقيم��ون في الج��امع ومعهم صناديقهم. وبلغ ع��دد مجاوري��ه في عه��د العائل��ة الخديوي��ة

بضعة عشر ألفا.المدارس

ومما الحظن��اه من أم��ر التعليم في التم��دن اإلس��المي أن العلم نض��ج على اختالف وجهات��ه وأثم��ر، ونب��غ العلم��اء والفقهاء واألطباء والفالس��فة وليس في اإلس��الم مدرس��ة

مستقلة نحو مدارس هذه األيام. واإلفرنج يذكرون للمسلمين مدرسة أنش��أها الم��أمون في خراس��ان وه��و وال هن��اك. وذك��ر المس��لمون ع��دة مدارس أنشئت في نيس��ابور عاص��مة خراس��ان قب��ل زمن

406نظام الملك منها مدرس�ة ابن ف�ورك المت�وفي س�نة والمدرس��ة البيهقي��ة نس��بة إلى ال��بيهقي المت��وفي س��نة

ه� والمدرسة السعيدية بناها نص��ر بن س��بكتكين أخ��و450 السلطان محمود الغزنوي الشهير ومدرسة بناها إسماعيل االسترابادي الص��وفي الواع��ظ وأخ��رى ب��نيت لألس��تاذ أبي إسحاق، وعلى كل ح��ال ف��إن أول من ب��نى الم��دارس في اإلسالم األمراء األعاجم، ولما ضعف شأن الخلفاء وأفضت الحكوم��ة إلى الس��الطين واألم��راء من الف��رس واألت��راك وال��ديلم واألك��راد وغ��يرهم أص��بح ه��ؤالء في حاج��ة إلى اكتساب قلوب العامة لتأييد سلطانهم بما يقوم مقام نفوذ

الخلفاء الديني. وأقرب السبل المؤدية إلى ذلك اإلحسان إلى الفق��راء وإكرام العلماء والفقهاء وذلك أيضا مما حمل نظام الملك على إنش��اء الم��دارس ألن��ه وزر للس��لطان الب أرس��الن عشر سنين وكان بمنزل��ة وال��ده ول��ه النف��وذ األك��بر عن��ده فلما توفي الب أرس��الن وازدحم أوالده على المل��ك وط��د المملكة لولده ملك شاه فص��ار األم��ر كل��ه لنظ��ام المل��ك وليس للس��لطان غ��ير التخت والص��يد، أق��ام على ذل��ك عشرين سنة وكانت طائف��ة الباطني��ة ق��د اس��تفحل أمره��ا في ذلك العص��ر وك��ثر الم��تزاحمون على الس��لطة، وك��ان نظام الملك عاقال حكيما فبذل جهده في استمالة األع��داء وم��واالة األولي��اء ف��أكثر من اإلحس��ان ح��تى عم ب��ه الع��دو والصديق والبغيض والح��بيب، وك��ان من أهم مس��اعيه في ذلك أنه بنى دور العلم للفقه��اء وأنش��أ الم��دارس للعلم��اء وأسس الرباطات للعباد والزهاد وأهل الصالح والفقراء ثم

أج��رى الجراي��ات والنفق��ات لطلب��ة العلم وغ��يرهم. وعم بذلك سائر أقطار مملكته في الشام وديار بكر والع��راقين وخراسان إلى سمرقند فلم يكن فيها حامل علم أو طالب��ه أو متعبد أو زاهد إال وكرامة نظام الملك شاملة له س��ابغة علي��ه وق��دروا م��ا ك��ان ينفق��ه في ه��ذا الس��بيل فبل��غ

دين��ار في الس��نة. وك��ان من أس��باب إنش��اء600.000 الم��دارس أيض��ا تأيي��د الم��ذهب ال��ذي يتبع��ه الس��لطان أو األمير فقد كانت القاهرة شيعية منذ بنيت وكانت الدروس التي تلقى في الج��امع األزه��ر على م��ذهب الش��يعة فلم��ا تواله��ا ص��الح ال��دين األي��وبي أبط��ل ه��ذا الم��ذهب وأح��يى الم��ذهبين الم��الكي والش��افعي فأنش��أ الم��دارس لتعليم

ه�566ه��ذين الم��ذهبين فب��نى المدرس��ة الناص��رية س��نة للمذهب الشافعي، وجاء في رحلة ابن جب��ير ال��ذي ط��اف الشرق اإلسالمي في القرن السادس أن��ه ش��اهد عش��رين

في بغداد، أما األندلس فقد نق��ل30مدرسة في دمشق و األم���ير علي ص���احب ت���اريخ اإلس���الم في اإلنكليزي���ة أن المسلمين أنشأوا المدارس في قرطبة واشبيلية وطليطلة وغرناطة ومالقة وغيرها وأن مملك��ة غرناط��ة وح��دها بل��غ

مدرس��ة ص��غرى.120 مدرس��ة ك��برى و17عدد مدارسها وعدد الطلبة في كل حال يختلف ب�اختالف ش�هرة األس�تاذ في فنه فكان يجتمع في حلقة الفارابي مئات من الطلب��ة، وق��د يك��ون لألس��تاذ تالم��ذة، ذك��روا أن أب��ا بك��ر ال��رازي الطبيب الش��هير ك��ان يجلس في مجلس��ه ودون��ه التالمي��ذ ودونهم تالميذهم ودونهم تالمي��ذ أخ��ر فك��ان يجيء الرج��ل فيصف ما يجد ألول من يلقاهم فإن ك��ان عن��دهم علم وإال تع��داهم إلى غ��يرهم ف��إن أص��ابوا وإال تكلم ال��رازي وك��ان األس��تاذ ي��زداد ش��هرة ونف��وذا بازدي��اد تالمذت��ه وإذا مش��ى مشوا حوله وقد يركب وهم مشاة، كان اإلمام فخر ال��دين

تلميذ من الفقهاء.300خطيب الري إذا ركب مشى حوله المكاتب اإلسالمية

لما ظهر اإلسالم ونهض المس��لمون للفتح أحرق��وا م��ا عثروا عليه من الكتب ألسباب تقدم بيانه��ا لكنهم م��ا لبث��وا

أن تحضروا وذاقوا طعم العلم حتى أصبحوا أحرص الناس على الكتب وأك��ثرهم ب��ذال في الحص��ول عليه��ا وأش��دهم

عناية في صيانتها.مكاتب بغداد

أم��ا في الدول��ة العباس��ية فك��ان إنش��اء المك��اتب من جمل��ة أس��باب نهض��تهم لنق��ل العل��وم فأنش��أوا مكتب��ة في بغداد سموها )بيت الحكمة( وجمعوا إليها ما كان ق��د نق��ل إلى العربي��ة من كتب الطب والعلم وم��ا أل��ف من العل��وم اإلسالمية مع ما سعى يحيى بن خال��د في جمع��ه من كتب الهند وما وقع للرشيد من كتب ال��روم في أنق��رة وغيره��ا. وكان بيت الحكمة عبارة عن مجلس للترجمة أو النسخ أو الدرس أو التأليف فيجلس النس��اخ في أم��اكن خاص��ة بهم ينس��خون ب��أجور معين��ة وك��ذلك الم��ترجمون والمؤلف��ونم يدير شؤونه يسمى والمطالعون، وكان للبيت المذكور قي صاحب بيت الحكمة وأشهر مديريها سهل بن ه��ارون وه��و فارسي شعوبي شديد التعصب على العرب ول��ه في ذل��ك كتب كث��يرة، ومنهم س��لم ول��ه نق��ول من الفارس��ية إلى العربي��ة، ف��ترى من ذل��ك أن ال��بيت أو الخزان��ة الم��ذكورة أنش��ئت على ي��د الف��رس وخ��دمتها والم��ترددين إليه��ا من الفرس. وفي قرطبة أنشأ الحكم مكتبة جم��ع إليه��ا الكتب من أنحاء العالم فكان يبعث في ش�رائها رج��اال من التج�ار ومعهم األموال ويحرضهم على البذل في س��بيلها لين��افس��اب. وال تظنن��ا بني العباس في اقتن��اء الكتب وتق��ريب الكت نبالغ إذا س��لمنا م��ع ابن خل��دون والمق��ري أن مجم��وع م��ا

مجلد. واقتدى بخلف��اء بغ��داد400.000حوته تلك المكتبة واألندلس الخلفاء الفاطميون بمصر بدأ بذلك منهم العزيز

ه��� وه��و ش��اب365بالله ثاني خلفائهم تولى الخالفة سنة فأنشأ مكتبة خصص لها قاعات في قصره وسماها )خزانة

كت��اب في الفق��ه والنح��و1600.000الكتب( كانت تحوي واللغة والحديث والتاريخ والنجامة والروحانيات والكيمي��اء. وقد أصاب هذه الخزائن من اإلحن بت��والي الفتن مث��ل م��ا أصاب مكتبة اإلسكندرية في عه��د الروم��ان، ف��ألقي بعض

كتبها في النار والبعض اآلخ��ر في الني��ل وت��رك بعض��ها في الصحراء فسفت عليه الرياح حتى ص��ار تالال ع��رفت بتالل الكتب، واتخذ العبيد من جلوده��ا نع��اال وغ��يره مم��ا يط��ول ش��رحه. وباإلجم��ال فق��د ط��رح م��ا بقي منه��ا عن��د دخ��ول األكراد للمبيع في أواسط القرن السادس وكان في جملة

كتاب أعطاه��ا120.000ما أخرجوه من تلك القصور نحو صالح الدين للفاضل عبد الرحيم البياني.

دار الحكمة

وتس��مى أيض��ا دار العلم وهي غ��ير خزان��ة العزي��ز أو خزائن القصور، أنشأها الحاكم بأمر الل��ه بن العزي��ز بالل��ه

ه��� بج��وار القص��ر الغ��ربي بالق��اهرة ووق��ف له��ا395سنة أماكن ينفق عليها من ريعها، ففرشوها وزخرفوها وعلق��وا الس��تور على أبوابه��ا وممراته��ا وأق��اموا عليه��ا الق��وام والمشرفين، والغ��رض من دار الحكم��ة خدم��ة الن��اس في المطالع��ة وال��درس والت��أليف، وهي طريق��ة الق��دماء في تعليم الناس إذ يتعذر على غير األغنياء اقتن�اء الكتب نظ�را لغالئها فمن أحب تعليم رعيته أنشأ مكتبة جمع فيها الكتب وفتح أبوابها للناس. وقد عد بعض��هم دار الحكم��ة مدرس��ة ألن الح��اكم أق��ام به��ا الق��راء والمنجمين وأص��حاب النح��و واللغة واألطب��اء وأج��رى لهم األرزاق وأب��اح ال��دخول إليه��ا لسائر الناس على اختالف طبق��اتهم من مح��بي المطالع��ة ليقرأوا أو ينسخوا ما شاءوا وجعل فيها م��ا يحت��اجون إلي��ه من الح���بر واألقالم وال���ورق والمح���ابر، وك���ان الح���اكم يستحض��ر بعض علم��اء ال��دار الم��ذكورة إلى م��ا بين يدي��ه وي���أمرهم بالمن���اظرة ويخل���ع عليهم الخل���ع، وق���د أب���اح المناظرة بين المترددين إلى دار الحكم��ة فك��انوا يعق��دون االجتماعات هناك وتقوم المن��اظرات. وال نظن ع��دد كتبه��ا

كتاب ولما أفضت الحكومة إلى ص��الح100.000يقل عن الدين األيوبي هدم دار العلم وبناها مدرسة للشافعية.

مكاتب الشام

لما كانت الشام مركز الخالف��ة في أي��ام ب��ني أمي��ة لم يكن للخلف��اء رغب��ة في العلم وال التفت العباس��يون إليه��ا، ولكنها اشتهرت في عه��د الدول��ة الفاطمي��ة بمكتب��ة ك��انت

ه�502في ط��رابلس الش��ام ح��تى فتحه��ا اإلف��رنج س��نة مجل��د3.000.000فنهبوه��ا وذك��ر جبن أن ع��دد كتبه��ا

أحرقها اإلفرنج إلى غيرها، وال تتضح فخامة تل��ك المك��اتب إال إذا قابلناها بمكاتب ه��ذا العص��ر م��ع اعتب��ار الف��رق بين العص��رين وم��ا ك��ان النتش��ار الطباع��ة من تس��هيل اقتن��اء الكتب مع مرور األزمنة الطويل��ة على مك��اتب ه��ذه األي��ام وكثرة الوسائل المساعدة على اقتناء الكتب لقل��ة النفق��ة

وغير ذلك.

األول العربي اإلسالمي العصرهـ132 سنة إلى اإلسالم ظهور من

نري��د به��ذا العص��ر الم��دة ال��تي ك��انت فيه��ا الدول��ة اإلسالمية في أيدي العرب وكانت سياستها عربي��ة، ونمه��د

لذلك بذكر أحوال العرب قبل اإلسالم.

والحضر البدو

البدو أهل البادية والحضر أهل المدن، والب��داوة أق��دم من الحض��ارة ألنه��ا أق��رب منه��ا إلى الفط��رة الطبيعي��ة. فاإلنس��ان ك��ان في أول أدواره ب��دويا يح��ترف الزراع��ة والفالح��ة أو تربي��ة الحيوان��ات من الغنم والبق��ر والمع�ز أو النحل والدود لنتاجها واس��تخراج فض��التها. فالب��داوة تق��وم إم��ا على الفالح��ة وال��زرع أو على تربي��ة الحي��وان. فالب��دو أهل الفالحة مضطرون لالستقرار في مواطنهم ينتظ��رون الغلة وهم سكان القرى والجب��ال وك��انوا قليلين في بادي��ة العرب. وأما أهل اإلب��ل فأش��هرهم ب��دو الع��رب وهم أك��ثر ظعنا وأبعد في القفر مجاال من أهل السائمة ألن مس��ارح التل��ون ونباته��ا وش��جرها ال تس��تغني به��ا اإلب��ل في ق��وام حياتها عن م�راعي الش�جر ب�القفر وورود مياه�ه المالح�ة، فاضطروا إلى إبعاد النجع��ة واإليغ��ال في القف��ار. فس��كان جزي��رة الع��رب معظمهم من الب��دو الرح��ل ول��ذلك ك��انت الم��دن قليل��ة في تل��ك الجزي��رة والس��يما في أواس��طها وأشهر المدن العربية قبل اإلسالم مكة والمدينة والطائف في الحجاز ومأرب وصنعاء في اليمن، وسكانها أخالط من العرب والفرس واليهود وغيرهم يرتزقون ب��البيع والش��راء على من يفد عليهم من أهل البادية. وأهل البلد الواح��د أو المصلحة الواحدة البد لهم من مجتمع يجمع بين أف��رادهم.

والمجتمع يختلف في األمم باختالف أح��والهم فبعض األمم يجمعهم الوطن وآخرون يجمعهم ال��دين وغ��يرهم يجمعهم النسب أو اللغ��ة. وق��د رأيت أن الب��دو ال وطن لهم وك��انوا قب��ل اإلس��الم ال دين لهم فلم يكن لهم م��ا يجمعهم غ��ير النسب واللغة وهما متالزمان خصوصا في الب��داوة. فع��ني العرب في حفظ أنسابهم وض��بطها وتف��اخروا به��ا وب��الغوا في استقصائها حتى ردوها إلى اآلباء األولين، وبين القبائل أو أفخاذها أو بطونها أو عمائره��ا عص��بية النس��ب تجمعه��ا بعضها إلى بعض. وك�ل من القبائ�ل أو البط�ون أو األفخ�اذ يفاخر سواه بحسنات قومه وي��ذكر مث��الب اآلخ��رين، على أن العرب يجتمعون إلى غير العرب من الفرس أو ال��ترك ويس����مونهم )العجم( ويف����اخرونهم باألنس����اب واللغ����ة ويحتقرونهم وقد شقوا من اسمهم لف��ظ )األعجم( للدالل��ة على الخ��رس أو أن العجم مش��تق من العجم��ة ف��العجمي عندهم غير العربي واألعجم األخرس، واألصل في العصبية عند العرب األبوة أو االنتس��اب إلى األب مث��ل س��ائر األمم الراقية على أن األمومة كان لها شأن كبير عن��دهم وكث��يرا ما كانت المزاوجة أو المصاهرة سببا كبيرا للعصبية. وكان للخؤول��ة ش��أن عظيم عن��د الع��رب قب��ل اإلس��الم وأق��رب الشواهد عليها نصرة أهل المدينة للنبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآله( في هجرته إليهم فإن الخؤولة كانت من أهم أس��باب نص��رتهم ألن أم الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( من ب��ني النجار من الخزرج وهي قبيلة قحطاني��ة وأب��وه من ق��ريش وهي قبيلة مضرية، فلم��ا ت��وفي وال��ده ذهبت ب��ه أم��ه إلى المدين��ة لكي تلتجئ إلى أخوال�ه ب�ني النج�ار وهم كث�يرون وكانوا من أقرب أهلها إلى التدين � وقد ترهب أحدهم في الجاهلي��ة ولبس المس��وح وف��ارق األوث��ان واغتس��ل من الجنابة وهم بالنصرانية ثم أمسك عنها واتخذ بيته مسجدا، فأق��امت عن��دهم على ال��رحب والس��عة ثم ذهبت ب��ه إلى أعمامه في مكة وم��اتت في الطري��ق، فلم��ا ق��ام بدعوت��ه وقاسى ما قاساه من اضطهاد أعمام��ه ه��اجر إلى أخوال��ه في المدين��ة، وأهله��ا يعرف��ون ذل��ك في��ه ألن خؤول��ة ب��ني النجار جعلت الخزرج كلهم أخواله فلما نزل المدين��ة رحب

به أهلها وكان أول من تبعه منهم أخواله أو من يمت إليهم بقرابة. وكانوا أشد أهل المدينة غيرة عليه ودفاعا عن��ه ثم تهافت أه��ل المدين��ة إلى مبايعت��ه، وك��ان رج��ال السياس��ة والتدبير من الملوك والقواد يق��وون أح��زابهم ب��التزوج من

القبائل المختلفة فيكتسبون عصبية قبائل نسائهم.الحلف

فعمدة العرب في العصبية ج��امع النس��ب من األب ثم األم على أنهم كانوا يجتمعون بأسباب أخ��رى ك�الحلف بين القبائل وهو يش��به المحالف��ات أو المعاه��دات الدولي��ة في هذه األيام. وأشهر أحالف الجاهلية حلف المطيبين وحل��ف

الفضول.االستلحاق

ومن توابع العص��بية العربي��ة قب��ل اإلس��الم االس��تلحاق وهو أن يدعي الرجل رجال يلحقه بنسبه وقد يكون عبدا أو أسيرا أو مولى فيسميه مواله وينسبه إليه، وكانوا يسمون المستلحق )دعيا( وقد يك��ون الرج��ل دعي أدعي��اء فيك��ون هو دعيا في رهط، ورهطه دعي في قبيلة مث��ل بن هرم��ة فقد كان دعيا في الخلج والخلج أدعياء في ق��ريش وكث��يرا م��ا ك��انوا يس��تلحقون الره��ط أو العش��يرة دفع��ة واح��دة

لنزولهم فيهم أو لنصرتهم إياهم. ومن أس��باب العص��بية عن��دهم مم��ا يش��به الحل��ف )المؤاخاة( وقد تكون بين القبائل أو بين األف��راد وال ت��زال هذه العادة ش��ائعة بين الب��دو إلى اآلن ف��إذا آخيت الع��ربي

أخذ يناصرك ويحميك ويدافع عنك كأنك أخوه.الخلع

وضد االستلحاق عندهم )الخلع( فكان الرجل إذا ساءه أمر من ابنه سواء كان صريحا أو دعيا خلع��ه أي نف��اه عن نفسه فيتخلص من تبعة ما قد يرتكب��ه الول��د من المك��روه وق��د تفع��ل ذل��ك القبيل��ة أو العش��يرة. وك��ان الخلع��اء في البادية كثيرين يجتمعون ويؤلف��ون عص��ابات من الص��عاليك

يقطعون الس�بل ويتم��ردون على القبيل�ة. وك�ان في تج��ارالرقيق من يبتاع الخلعاء ويذهب بهم إلى بالد الروم.

العبيد في الجاهلية

االسترقاق

االس��ترقاق ق��ديم مث��ل ق��دم اإلنس��ان ألن اإلنس��ان مفط��ور على االس��تبداد والق��وي يس�تعبد الض��عيف. وك��ان اإلنسان في أول عهد العمران إذا غلب عدوه وقبض علي��ه ال يس��تعبده ب��ل يقتل��ه إال النس��اء فق��د ك��انوا يس��تبقونهن لالس������تمتاع بهن ثم ص�����اروا يس������تعبدون األس������رى ويستخدمونهم. والعرب أيضا كانوا يس��تخدمون العبي��د من أس���رى الح���رب أو ممن يبت���اعونهم من األمم المج���اورة لجزيرتهم كالحبشة وما حواليها من األمم المتوحشة. ف��إذا اشترى أحدهم عبدا وضع في عنقه حبال وق��اده إلى منزل��ه كما تقاد الدابة. وإذا كان العبد أس��ير ح��رب ج��زوا ناص��يته

وجعلوها في كنانتهم حتى يفتدي نفسه. وكان من أصناف العبيد عندهم )القن( وهو العبد الذي يعم��ل ب��األرض ويب��اع معه��ا. ومن العبي��د من ي��دخل ال��رق بالمق��امرة كم��ا اتف��ق ألبي لهب م��ع العاص��ي بن هش��ام فإنهما تقامرا على أن يك�ون من قم�ر ك�ان عب��دا لص�احبه فقمره أبو لهب فاسترقه واسترعاه إبله وكانوا يس��ترقون

المديونين أيضا.الموالي في الجاهلية

المولى عند الع��رب وس��ط بين العب��د والح��ر والغ��الب فيه أن يكون عبدا معتقا فكل عبد أعتق ص��ار م��ولى وك��ل عبد أو أسير أعتقه صاحبه فهو م��ولى ل��ه وينس��ب إلي��ه أو إلى قبيلته أو رهطه. فمولى العب��اس مثال ه��و م��ولى ب��ني هاشم وهو أيضا مولى قريش وم��ولى مض��ر. وق��د ينس��ب المولى إلى بلد معتقه فيقال: فالن مولى أه��ل المدين��ة أو مولى أهل مكة. والمولى عندهم كالقريب ولكنهم يسمون قرابة األهل صريحة وقرابة المولى غير صريحة. ويقال ل��ه

أيضا: مولى حلف أو اصطناع وذل��ك أن ينتمي الرج��ل إلى رج���ل بالخدم���ة على اختالف ض���روبها أو بالمحالف���ة أو المخالطة أو المالزم��ة على أن يتع��اقب ذل��ك أجي��اال. ومن هذا القبيل أكثر موالي العرب بعد اإلسالم فقد كان العرب أهل السيادة والشركة وأه��ل البالد يالزم��ونهم بالخدم��ة أو المخالطة أو المعاشرة فينسبون إليهم ويسمون ذل��ك والء المواالة. وللموالي عند العرب أحكام عامة وأحكام خاص��ة فأحكامهم العامة أن المولى أحط منزل��ة من الح��ر وأرف��ع من العبد فهو حر ال يباع كالعبد لكنه ال يعامل معاملة الحر في الزواج والميراث فالمولى ال يتزوج حرة ودية الم��ولى

نصف دية الحر كأنه عبد.ال األجانب في الجاهلية النز

كان معظم سكان جزيرة العرب من القبائل العدناني��ة والقحطاني��ة ومن يتبعهم من العبي��د والم��والي والحلف��اء ونح��وهم وفيه��ا أيض��ا جماع��ة من ال��نزال نزح��وا إليه��ا من الحبش��ة والش��ام والع��راق ومص��ر وف��ارس والهن��د وفيهم األحب���اش واليه���ود وال���روم والكل���دان والعجم والهن���ود وغيرهم. وك��ان بعض��هم يتوال��دون فيه��ا وي��تزوجون بأهله��ا فيختلطون بهم وتضيع أنسابهم فيهم كالكل��دان والس��ريان وغ��يرهم. وفيهم من يح��الفونهم وينتم��ون إليهم ك��اليهود والنصارى ومنهم من يدخلون في جملة عبيدهم وم��واليهم كاألحباش والفرس والهنود فتض��يع أص��ولهم. ول��ذلك ك��ان سكان جزيرة العرب عن��د ظه��ور اإلس��الم عرب��ا ص��رفا إال بعض اليهود كبني قينقاع والنضير وغ��يرهم وش��رذمات مننصارى الروم وطائفة من الفرس األحرار يعرفون باألبناء.

األبناء

هم طائف��ة من الف��رس ك��انوا يقيم��ون في بالد اليمن ويعرفون بأبناء الفرس األحرار أو )األبن��اء( تمي��يزا لهم عن الفرس الم��والي. وأبن��اء الف��رس األح��رار هم أبن��اء الجن��د الفارسي الذي ج��اء بالد اليمن لنص��رة س��يف بن ذي ي��زن الحميري على األحب��اش وك��ان األحب��اش ق��د فتح��وا اليمن

واس�تولوا عليه�ا فف��زع س�يف الم�ذكور إلى كس�رى مل�ك الفرس واستنجده في ح��ديث طوي��ل فس��ير كس��رى مع��ه بضعة آالف من جند الفرس ومعهم قائد اسمه وهرز. فلما وص�����ل الجيش إلى اليمن ج�����رت الواقع�����ة بينهم وبين األحب��اش فاس��تظهر الف��رس عليهم وأخرج��وهم من البالد وملك سيف بن ذي يزن وهرز أربع سنين. وكان سيف ق��د اتخذ من األحب��اش خ��دما فخل��وا ب��ه يوم��ا وه��و في الص��يد وقتل���وه وهرب���وا في رؤوس الجب���ال فطلبهم أص���حابه فقتلوهم جميعا وتضعضع أمر اليمن ولم يولوا عليهم أح��دا من الع���رب فظلت س���يادة الف���رس عليهم ح���تى ظه���ر اإلس��الم وفيه��ا ع��امالن من ق��واد الف��رس أح��دهما اس��مه

فيروز الديلمي واآلخر راذويه فأسلما. فأفراد الجيش الفارسي لما اس��توطنوا اليمن تزوج��وا فيه��ا وتناس��لوا ورزق��وا األوالد واألحف��اد وعرف��وا باألبن��اء. واشتهر منهم في صدر اإلسالم ط��اووس بن كيس��ان أح��د

أعالم التابعين ووهب بن منبه صاحب األخبار والقصص.سياسة الدولة في الجاهلية

لم يكن للع��رب دول��ة في ج��اهليتهم إال م��ا ك��ان في اليمن من دول التبابعة مما ال يدخل في بحثنا. وإنم��ا نري��د بسياسة الدول��ة عن��دهم القواع��د ال��تي ك��انت ت��دور عليه��ا أحك��امهم ومع��امالتهم لحف��ظ عالئقهم السياس��ية وآدابهم االجتماعية مم�ا يق�وم مق�ام الق�وانين اإلداري�ة والسياس�ة الدولية في األمم المتمدنة. وكان في كل قبيل��ة بالجاهلي��ة بيوتات تشتهر بالرئاسة والشرف فتمتاز عن سائر القبيل��ة وتكون الرئاسة فيها كبيت هاشم بن عبد من��اف من قبيل��ة قريش. وقد امتازت ه��ذه البيوت��ات على قبائله��ا بالش��رف لت��والي ثالث��ة آب��اء منه��ا في الرئاس��ة على األق��ل. وأله��ل البيوتات نفوذ على سائر القبيلة. وكان أه��ل السياس��ة من رجال المسلمين يالحظون ذلك في تولية الحكام. واألم��ير الب��دوي م��ع س��لطته المطلق��ة قلم��ا يس��تبد في أحكام��ه

ويغلب أن يستشير أهل بطانته وخاصته.مناقب العرب في الجاهلية

الوفاء

على أن العرب قلما كانوا يحتاجون إلى ح��اكم يفص��ل في الخصومة بينهم لما فطروا عليه من المناقب الجميل��ة التي تقوم فيهم مقام الحاكم الصارم وتنزههم عن ارتكاب ال��دنايا مم��ا يغ��نيهم عن القض��اء. وس��يد ه��ذه المن��اقب )الوف��اء( ألن��ه إذا تأص��ل في أم��ة أغناه��ا عن القض��اء �

والحكومة إنما تقضي بين الذين ال يعرفون الوفاء � .الجوار

ومن قبيل الوفاء بالعهد وحفظ الذمام أيض��ا )الج��وار(فإن البدوي يحافظ على جاره محافظته على نفسه.

األريحية

ومن المناقب التي تغني العرب عن الوازع القه��ري أو الق��وة الحاكم��ة )األريحي��ة(. ومرج��ع ذل��ك إلى التف��اخر بالشجاعة والكرم وحسن األحدوثة. ومناقب العرب كث��يرة ك���الكرم والض���يافة وعل���و الهم���ة مم���ا ال دخ���ل ل���ه في

موضوعنا.

الرابع الفصل

من األربعة الخلفاء عصر في الدولة سياسةهـ41 ـ11 سنة

اإلسالمي المجتمع

ق��د رأيت أن الع��رب إنم��ا ك��انوا يتفاض��لون بالعص��بية ويتفاخرون باألنساب فلما جاء اإلسالم ك��ان في جمل��ة م��ا بدله من أحوالهم أنه جمع كلمتهم وصاروا يدا واح��دة على اختالف أنس��ابهم وم��واطنهم. فجمعهم تحت راي��ة واح��دة باسم واحد ه��و )اإلس��الم( فق��ال الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه

( وق��ال من خطب��ة ألقاه��ا ي��وم1وآله(: )المؤمنون أخوة() فتح مكة: )يا معشر قريش إن الله ق��د أذهب عنكم نخ��وةالجاهلية وتعظمها باآلباء فالناس من آدم وآدم من تراب()

( وقال من خطبة في حجة الوداع: )أيها الن��اس إن ربكم2 واحد وإن أباكم واحد كلكم آلدم وآدم من تراب وأك��رمكم عن���د الل���ه أتق���اكم ليس لع���ربي على أعجمي فض���ل إال

(.3بالتقوى() وعمر أول خليفة فضل الع�رب وجع�ل لهم مزي�ة على س��واهم ومن��ع من س��بيهم. وك��ان عم��ر ال ي��دع أح��دا من العجم يدخل المدينة وكان كثير العناية ب��المجتمع الع��ربي. وك��انت ديان��ة ع��رب الع��راق والش��ام النص��رانية ولكنهم فرح��وا بالمس��لمين وك��انوا ينص��رونهم للعص��بية العربي��ة وليس للدين. وخصوص��ا ع��رب الع��راق ف��إنهم ح��اربوا م��ع

المسلمين ودلوهم على عورات الفرس.السياحة في األرض

حرض عمر العرب على فتح الش��ام والع��راق توس��يعا للمجتمع العربي ولالستعانة بها على الروم والفرس ولكنه

لم يأذن لهم بفتح ما ورائهما إال في السنة السابعة عشرة أو الثامن��ة عش��رة وه��و م��ا يع��برون عن��ه بالس��ياحة في األرض. فك��انوا يطلب��ون الفتح وق��د ط��ابت لهم الغن��ائم واستلذوا النصر فإذا استأذنوه في فتح بلد مم��ا وراء ذل��ك

لم يأذن لهم. ولما فتح المسلمون األهواز قال عمر: )ليت بيننا وبين ف��ارس جبال من ن��ار ال يص��لون إلين��ا وال نص��ل إليهم( ومن هذا القبيل نهيه المسلمين عن اجتياز البح��ر. وك��ان إذا هم المس��لمون ب��النزول في بل��د أو إنش��اء معس��كر في البالد المفتوحة أوصاهم أن ال يقيموا في مكان يفصل بين��ه وبين المدينة � مركز الخالفة � ماء حتى إذا أراد أن يأتيهم أت��اهم على راحلته مما يدل على رغبته في العصبية العربية على أن يكون مركزها في بالد العرب. ومع ذلك فلما لم ير ب��دا من الس��ياحة في األرض أذن لق��واده ب��الفتح ولكن��ه ظ��ل على رأي��ه في القرش��يين على الخص��وص فحص��رهم في المدينة ومنعهم من الخروج. فالعصبية التي أقامها اإلسالم ق��امت على أس��اس الرابط��ة العربي��ة أوال ول��ذلك ك��ان اللفظ��ان م��ترادفين في ذل��ك الحين وخصوص��ا عن��د األمم التي خضعت لسلطان المسلمين فكانوا إذا قالوا )العرب( أرادوا المسلمين وبالعكس. ولفظ )طيبوتا( عن��د الس��ريان ي��دل على الع��رب والمس��لمين على الس��واء والف��رق بين ه��ذه الرابط��ة قب��ل اإلس��الم وبع��ده أن الع��رب ك��انوا في الجاهلي���ة عص���بيات عدي���دة تختل��ف ب���اختالف األنس���اب

فأصبحوا باإلسالم عصبية واحدة تجمعها كلمة العرب.الطبقات اإلسالمية

لما قام النبي )صلى الله عليه وآله( بالدعوة اإلسالمية احتاج إلى من يسمع دعوته وينصره فاجتمع حول�ه جماع��ة من قبيلته ص��دقوه ونص��روه وه��اجر بعض��هم إلى الحبش��ة وهاجر اآلخ��رون إلى المدين��ة مع��ه فعرف��وا )بالمه��اجرين( وهم أقدم الطبق��ات اإلس��المية. ولم��ا ج��اء المدين��ة وأق��ام فيها نصره أهلها وآمن��وا بدعوت��ه فس��ماهم )األنص��ار( وهم طبقة أخرى، والطبقتان معا تسميان )الصحابة( أي ال��ذين

صحبوا النبي )ص��لى الل�ه علي��ه وآل��ه( أو عرف��وه. على أن عصبية النسب لم ت��ذهب بع��د اإلس��الم ذهاب��ا تام��ا ولكنه��ا تحولت إلى وجهة دينية. وكان لك��ل من طبق��ات الص��حابة المهاجرين واألنصار شأن خاص وحزب خاص والس��يما في أيام بني أمية إذ ذهبت أبهة النبوة وعاد الناس إلى عص��بية الجاهلية فاختصم المهاجرون واألنصار وتذكروا ما كان بين العدناني��ة والقحطاني��ة من التف��اخر ��� فالمه��اجرون من العدناني����ة )مض����ر( واألنص����ار من القحطاني����ة )األوس والخ��زرج( ��� فع��ادوا إلى المنافس��ة. وك��ان األنص��ار أه��ل المدين��ة من أش��جع الن��اس وهم أه��ل الش��ورى يعق��دون اإلمامة وحكمهم جائز على األم��ة وهم ش��يعة علي وس��ائر

أهل البيت )عليهم السالم(. فلما قام معاوية يطلب الخالفة لنفسه كانوا من أقوى مقاومي��ه فك��ان رجال��ه يكره��ونهم ويس��عون في إذاللهم وكثيرا ما كانوا ينكرون عليهم ه��ذا اللقب، ي��روى أن بعض األنصار استأذنوا للدخول على معاوية إب��ان خالفت��ه ف��دخل الحاجب وقال: )هل تأذن لألنصار؟( وكان عمرو بن العاص حاض��را فق��ال: )م��ا ه��ذا اللقب ي��ا أم��ير المؤم��نين؟ أردد

الناس إلى أنسابهم(.االستكثار بالتناسل

كان العرب في الجاهلية قليلو الع�دد بالقي��اس إلى م�ا صاروا عليه بعد اإلسالم. فق��د ذك��ر أن أك��بر جيش اجتم��ع في الجاهلي��ة لم ي��زد ع��دد رجال��ه على ثماني��ة آالف رج��ل وهو جيش )يوم الصفقة( وال��ذين تجن��دوا لإلس��الم وق��اموا بنص���رته ك���انوا في ص���در اإلس���الم قليلين كم���ا رأيت ومملكتهم الواسعة تحتاج إلى رجال فعمدوا إلى االستكثار بالتناسل. فالمسلمون لما رأوا قلة عددهم وما وق��ع فيهم من السبايا الرومي��ات والفارس��يات والقبطي��ات اس��تكثروا من أمه��ات األوالد فض��ال عن الزوج��ات فك��ثر نس��لهم � وال��ترف يزي��د الدول��ة في أوله��ا ق��وة بك��ثرة النس��ل ��� . وتس��ابقوا إلى إح��راز الج��واري ح��تى أن بعض��هم أحص��ن ثمانين امرأة معا كالمغيرة بن شعبة فقد جم��ع في منزل��ه

أم��ة فال غراب��ة إذا ول��د ألح��دهم خمس��ون76أربع نسوة ولب ولدا أو مائة ولد أو أكثر. ذكروا أنه وق��ع لألرض من ص��

ولد وخل��ف عب��د ال��رحمن بن الحكم األم��وي300المهلب أنثى وخلف تميم بن المعز الفاطمي أك��ثر50 ذكرا و150

60من مائة ذكر و أنثى وكان لعمر بن الوليد تسعون ول��دا ولدا من30منهم ستون يركبون الخيل. وولد البن سيرين

بنتا.11امرأة وانتشار المسلمين بالفتح والهجرة

كان العرب في الجاهلية محصورين في جزيرة العرب وم�ا يجاوره�ا من جزي�رة الع�راق وض�واحي الش�ام. فلم�ا ظهر اإلسالم اجتمعت كلم��ة الع��رب على نص��رته ونهض��وا للفتح وأوغل��وا في البالد وفتح��وا األمص��ار ولم يكن زج��ر عم��ر ليوق��ف تي��ارهم فس��احوا في األرض ح��تى نص��بوا أعالمهم على ض����فاف الكبخ ش����رقا وش����واطئ البح����ر األطلسي غربا ومألوا األرض فتح��ا ونص��را واحتل��وا م��دائن

كسرى وقيصر وأقاموا في المدن وركنوا إلى الحضارة. على أن انتش���ارهم في األرض لم يكن ب���الفتح فق���ط ولكنهم تفرقوا أيضا بالمهاجرة بأهلهم وخي��امهم وأنع��امهم التماس���ا لس���عة العيش في البالد الع���امرة من مملكتهم الجديدة. فقد جلت بط��ون من خزاع��ة إلى مص��ر والش��ام في ص��در اإلس��الم ألن أرض��هم أج��دبت فمش��وا يطلب��ون الغيث والمرعى وكذلك ك�انت تفع�ل الع�رب كلم�ا أص�ابها جدب حتى كانت لهم أعوام خاص��ة يجل��ون به��ا إلى مص��ر والشام يس�مونها أع��وام الجالء وك�انوا يفعل�ون ذل�ك قب��ل اإلس��الم إذا أج��دبت أرض��هم يمم��وا وج��وههم إلى الع��راق وفارس فيعطيهم الفرس التم��ر والش��عير ولكنهم ك��انوا ال يقيمون هناك بل يرجعون إلى بالدهم خوف��ا من ال��ذل في سلطان دولة أعجمية. أما بعد اإلسالم فكان المقام يطيب لهم في بالد فتحها آباؤهم أو أعمامهم أو أخوالهم وغرسوا فيها أعالمهم وجعلوها فيئا لهم. فكان األمير أو الخليفة إذا تولى بلدا وخاف على س��لطانه من أم��ير آخ��ر ذي عص��بية أخ���رى اس���تقدم جماع���ة من قبيلت���ه أو من ينتمي إليه���ا

ب��الحلف ونح��وه يس��كنهم في ض��واحي بل��ده. وق��د يك��ون الب���اعث على اس���تقدامهم وتحض���يرهم رغب���ة األم���ير أو الخليف��ة في التخلص من ش��رهم كم��ا فع��ل العزي��ز بالل��ه الفاطمي بب��ني س�ليم وب�ني هالل وهم�ا بطن�ان من مض�ر كانوا إلى زمن العزيز المذكور في القرن الرابع للهجرة ال يزالون أحياء ناجعة أه��ل بادي��ة محالتهم وراء الحج��از مم��ا يلي نجد، بنو سليم من جه��ة المدين��ة وبن��و هالل من جب��ل غ��زوان عن��د الط��ائف. فك��انوا يطوف��ون رحل��ة الص��يف والشتاء أطراف العراق والشام فيغ��يرون على الض��واحي ويفسدون السابلة وربما أغار بنو سليم على الحج��اج أي��ام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدين��ة. ثم ظه��ر القرامط��ة فتحيز بنو س�ليم لهم وع�اثوا في البالد وق��د عج�ز الخلف�اء العباس��يون عن قمعهم. فلم��ا أفض��ت خالف��ة مص��ر إلى العزيز بالله الفاطمي كان القرامطة قد تغلبوا على الشام فانتزعه��ا العزي��ز منهم وردهم إلى ق��راهم في البح��رين ونقل أشياعهم من بني هالل وسليم وأنزلهم بالص��عيد في العدوة الشرقية من بح��ر الني��ل فأق��اموا هن��اك وك��ان لهم أضرار في البالد، والخلفاء ي��دارونهم ويبحث��ون عن وس��يلة يتخلصون بها منهم. فاتفق بعد سنين أن عامل الف��اطميين في أفريقية شق عصا الطاعة وبايع الدولة العباسية وقطع اس��م الخليف��ة الف��اطمي من الخطب��ة والط��راز والراي��ات فعظم األمر على الخليف��ة بالق��اهرة وه��و يومئ��ذ المنتص��ر بالله فأشار علي��ه وزي��ره الحس��ن بن علي أن يق��رب إلي��ه أحياء هالل وسليم المذكورين ويصطنع مشايخهم وي��وليهم أعمال أفريقية ويرسلهم الستالم أمورها فإذا ف��ازوا ك��انت إح���دى الحس���نيين وإال فإن���ه يتخلص من ش���رهم فبعث

ه�� وحرض�هم441الخليف�ة وزي�ره إلى ه��ذه األحي��اء س��نة على الذهاب إلى المغرب وتملكه ففرح��وا وأج��ازوا الني��ل وساروا برا إلى برقة ففتحوها. ثم تبعهم غيرهم من بطون دياب وزغب طمعا بالكسب وأص��بحت أفريقي��ة مق��ر ه��ذه

القبائل من ذلك الحين فاقتسموا البالد فيما بينهم.الرق في اإلسالم

قلن��ا إن االس��ترقاق عن��د ع��رب الجاهلي��ة ك��ان أك��ثره باألس��ر أو الش��راء وأم��ا في اإلس��الم ف��أكثر االس��ترقاق باألسر وخصوصا في أثناء الفتوح لكثرة من ك��ان يق��ع في أيديهم من األسرى. فإذا غلبوا جندا أو فتح��وا بل��دا أس��روا رجاله وسبوا نساءه وأطفاله واقتسموا األس��رى والس��بايا والغنائم وهي كثيرة وربما زاد ع��دد األس��رى في المعرك��ة الواح���دة على عش���رات األل���وف فيختم���ون أعن���اقهم ويقتسمونهم على األسهم وقد يصيب الفارس من الع��رب مائ��ة أس��ير ومائ��ة جاري��ة في وقع��ة واح��دة فيجتم��ع عن��د بعضهم بتوالي األيام أل��ف عب��د أو أك��ثر وهم عن��د األم��راء أكثر مما عند غيرهم وقد تزايدوا على الخصوص بعد عصر

الخلفاء األربعة. على أن عثمان كان عنده ألف عبد. ومن مصادر الرقيق في اإلس��الم غ��ير األس��ر أن بعض العم��ال وخصوص��ا في أفريقي��ة وتركس��تان ومص��ر ك��انوا يؤدون بعض خراج أعم��الهم من الرقي��ق وك��ان بعض أه��ل الذمة من البربر ونحوهم يقدمون ب��دل الجزي��ة رقيق��ا من أوالدهم غير ما كان يقع في أي��دي المس��لمين من الرقي��ق

األصلي في جملة الغنائم. أما أحكام األسرى في اإلسالم فالخليفة )أو من يق��وم مقامه( مخير بين أربعة أشياء إما القت��ل وإم��ا االس��ترقاق وإما الفداء بمال وإما المن عليهم بغير فداء. فإن أس��لموا س��قط القت��ل وك��ان الخليف��ة على خي��اره في أح��د الثالث��ة الباقية فكانوا يتصرفون في ذلك على ما تقتضيه األحوال. وك��انوا يعتق��ون العبي��د ترغيب��ا لهم في الجه��اد كم��ا فع��ل الجنيد بن عبد الرحمن المري صاحب خراسان بهش��ام بن عبد الملك في واقعة الشعب لما احتدم ال��وطيس وخ��اف الجنيد الفشل فصاح في العبيد: )أي عب��د قات��ل فه��و ح��ر( فقاتل العبيد قتاال أعجب منه الناس وانهزم األعداء وكث��يرا م��ا ك��انوا يرغب��ون العبي��د في نص��رة اإلس��الم وهم عن��د أعدائهم بأن يعدوهم بالعتق، كما فع��ل الن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( يوم حصار الطائف إذ قال: )كل عب��د ن��زل إلي فه��و ح��ر(. على أن اإلس��الم ج��اء رحم��ة لألرق��اء فأوص��ى النبي )صلى الله عليه وآل��ه( بهم خ��يرا بقول��ه: )ال تحمل��وا

( وقال: )ال4العبيد ما ال يطيقون وأطعموهم مما تأكلون() ( وفي5يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فت��اي وفت��اتي()

يئا ��ه ش�� ركوا ب ��دوا الل��ه وال تش�� الق��رآن الك��ريم: )واعباكين ��امى والمس�� ��ذي الق��ربى واليت انا وب وبالوال��دين إحس����الجنب وابن احب ب والجار ذي القربى والج��ار الجنب والص�� ��اال بيل وما ملكت أيمانكم إن الله ال يحب من كان مخت الس

(.6فخورا() واإلسالم من الجهة األخرى يحرض العبيد على التقوى

وحسن العبادة.الموالي في اإلسالم

والباقون في األسر إذا اعتنقوا اإلسالم نجوا من ال��رق غالب��ا إذ يغلب أن يعتق��وهم مكاف��أة لهم ومن اعتن��ق منهم صار مولى ولذلك كان الموالي من المسلمين غير الع��رب يستنكفون من استرقاق المسلم ثم أطلقه بن��و أمي��ة على ك��ل مس��لم غ��ير ع��ربي ف��إذا ق��الوا )الم��والي( أرادوا بهم المس��لمين من الف��رس وغ��يرهم ال��ذين ك��انوا مجوس��ا أو ذم��يين واعتنق��وا اإلس��الم أو ك��انوا ممن الزم الع��رب أو التجأوا إليهم ويسمونهم )الحمراء( ف��إذا ق��الوا: )الحم��راء( أرادوا الموالي، والحم��راء في الق��اموس: العجم وهم ك��ل من س��وى الع��رب. وأص��بح الم��والي في اإلس��الم طبق��ة خاصة من طبقات الهيئة االجتماعية ك��ان له��ا ش��أن عظيم في تاريخ اإلسالم. وللموالي فض��ل كب��ير في اإلس��الم ألن معظم الحف��اظ وأه��ل التفس��ير واللغ��ة والش��عر وس��ائر العلم��اء وأك��ثر الت��ابعين منهم النش��غال الع��رب عن ه��ذه العلوم بالسياسة والسيادة والتن��ازع على الس��لطة. وك��ان للخلفاء واألمراء ثقة ك��برى بم��واليهم يعه��دون إليهم بك��ل شؤونهم. على أن المولى ال يزال أحط مقام��ا من الع��ربي وكان الموالي في صدر اإلسالم يتولون كث��يرا من مص��الح الدول��ة ال��تي تفتق��ر إلى األمان��ة والثق��ة فض��ال عن العلم والدين ولهم ال��رواتب الس��نية لكنهم ك��انوا مح��رومين من المناص���ب االرفيع���ة ال���تي تحت���اج إلى ش���رف وعص���بية

كالقضاء مثال فإنهم كانوا يعدونه فوق مرتبتهم.

.404، ص�1 الكافي: ج1، مثله.246، ص�8 الكافي: ج2.350، ص�69 بحار األنوار: ج3.210، ص�9 كنز العمال: ج4.656، ص�3 كنز العمال: ج5.�36 سورة النساء: 6

األمويين إلى الخالفة انتقال

لما طمع بنو أمي��ة في الخالف��ة ك��انت ق��د أفض��ت إلى اإلم��ام علي بن أبي ط��الب )علي��ه الس��الم( ص��هر الن��بي )صلى الله عليه وآله( وابن عمه والمسلمون يعتقدون أن��ه أحق الناس بها لقرابته من النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( وتقواه وشجاعته وعلمه وسابقته في اإلسالم وفض��له في تأيي��ده، فتص��دى ل��ه معاوي��ة بن أبي س��فيان وك��ان أب��وه وأخوته من أشد الناس مقاومة لإلس��الم عن��د ظه��وره ولم يسلموا إال بعد فتح مكة في الس��نة الثامن��ة للهج��رة وإنم��ا أقدموا على ذلك مضطرين لما رأوا اإلس��الم ق��د تأي��د في

جزيرة العرب ولم يبق سبيل إلى مقاومته. وكان أب��و س��فيان وال��د معاوي��ة زعيم أه��ل مك��ة وق��د حارب النبي )صلى الله عليه وآله( في عدة أماكن وج��اهر بعدوان��ه وطعن في��ه فلم��ا ظف��ر المس��لمون في غ��زواتهم واشتد أزرهم وهموا بفتح مكة ومش��وا ح��تى أقبل��وا عليه��ا ك��ان أب��و س��فيان وبعض ك��براء ق��ريش ق��د خرج��وا منه��ا يتجسسون، فلقيهم العب��اس عم الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآله( فقال له أبو سفيان وقد أسقط بيده: )لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيما( فأشار عليه العباس أن يستأمن فلم ي��ر له حيلة في غير ذلك فاستأمن ثم فتحت مكة ولم يكن له ب��د من اإلس��الم فأس��لم ه��و وأوالده وفيهم معاوي��ة وق��د تألفهم النبي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( بالعط��اء ليثبت��وا في

إسالمهم.معاوية وعلي )عليه السالم(

وكان بنو أمية ينظرون إلى ما ناله بن��و هاش��م ب��النبوة من السلطان والجاه ويتوقع�ون فرص��ة للقبض على أزم��ة الملك، فلما قتل عمر بن الخط��اب وأم��ر بالش��ورى اخت��ار الص��حابة عثم��ان بن عف��ان وه��و من ب��ني أمي��ة وال يخل��و ف�وزهم به�ذا االنتخ�اب من دسيس�ة أموي�ة. وك�ان عثم�ان

ض���عيفا ي���ؤثر ذوي قرابت���ه في مص���الح الدول���ة ف���اغتنم األمويون ضعفه وتولوا األعمال واستأثروا ب��األموال فش��ق

ذلك على سائر الصحابة فنقموا عليه وقتلوه. فاتخ��ذ األموي��ون قتل��ه ذريع��ة للقبض على الخالف��ة ورئيسهم معاوية بن أبي سفيان عامل عثمان على الش��ام ومعه رجال قريش، وكان أدهى أهل زمانه بال منازع فنظر في األمر نظر رجل يطلب الملك كما يطلبه أهل المطامع وطالب الس��يادة في ك��ل عص��ر بال عالق��ة بال��دين وق��د ساعده على ذلك أن خصمه عليا )عليه السالم( كان يعتبر الخالفة منصبا دينيا وهو زاه��د في ال��دنيا ال مطم��ع ل��ه في غير الثواب والحسنى. وإن رج��ال معاوي��ة ق��د ذهبت منهم حرمة الدين ونسوا أبهة النبوة وذاقوا لذة ال��ثروة وتع��ودوا السيادة فاتسعت مطامعهم، فأثمرت مساعي معاوي��ة في اصطناع األحزاب بقاعدة ذكره��ا في ح��ديث دار بين��ه وبين عمرو بن العاص فقال معاوي��ة: )ل��و أن بي��ني وبين الن��اس شعرة ما انقطعت( فقال عمرو: )وكيف ذلك؟( ق��ال: )إن

هم شدوا أرخيت وإذا أرخوا شددت(. فأول شيء فعله معاوي��ة أن��ه اس��تعان بثالث��ة من كب��ار الصحابة يع��دهم المؤرخ��ون أدهى رج��ال الع��رب ومعاوي��ة أده���اهم جميع���ا وهم عم���رو بن الع���اص وزي���اد بن أبي���ه والمغيرة بن شعبة ول��والهم لم يس��تتب ل��ه األم��ر ألن ابن العاص احتال في نجات��ه من واقع��ة ص��فين بع��د أن ك��ادت الدائرة تدور عليه إذ ظهرت جي��وش علي )علي��ه الس��الم( على جيوش��ه فأش��ار علي��ه عم��رو بن الع��اص أن يرف��ع المص��احف إليق��اف الح��رب ثم أش��ار ب��التحكيم وخ��دع أب��ا موس��ى األش��عري ن��ائب علي )علي��ه الس��الم( في ذل��ك التحكيم فخلع عليا وب�ايع معاوي�ة. ون�ال عم�رو في مقاب�ل ذلك والية مصر طعمة له طول العمر، وزياد بن أبيه رج��ل ال يعرف له أب فلما رأى معاوية ده��اءه قرب��ه من��ه وادعى أنه أخوه واستلحقه بنسبه وسماه زياد بن أبي س��فيان في ح��ديث طوي��ل واس��تلحاق زي��اد أول عم��ل ردت ب��ه أعالم الشريعة اإلسالمية عالنية وك�ان زي��اد عون��ا كب��يرا لمعاوي��ة في حفظ العراق وفارس. أما المغيرة بن ش��عبة فه��و أول

من ض��رب النق��ود المزيف��ة في اإلس��الم وأول من أرش��ى وه��و ال��ذي ح��رض معاوي��ة على مبايع��ة ابن��ه يزي��د وجع��ل الخالف��ة وراثي��ة في نس��له وس��اعده على ذل��ك فه��ؤالء وغيرهم من كبار القواد اكتسب معاوية مساعدتهم بالدهاء واألطماع فأطعم ابن العاص مصر وأطعم المغيرة ف��ارس وجع��ل زي��ادا أخ��اه وك��ان يتس��اهل في محاس��بة عمال��ه ويغض��ي عن س��يئاتهم ويب��الغ في إك��رامهم. ول��و رأوا من علي بعض ذل��ك لك��انوا مع��ه ولكن علي��ا ك��ان دقيق��ا في

محاسبتهم متصلبا برأيه ال يحيد عما يقتضيه ضميره.رغبة بني أمية في السيادة

إن المحور الذي ك��انت ت��دور علي��ه سياس��ة ب��ني أمي��ة والغرض الذي كانوا يرم��ون إلي��ه إنم��ا ه��و إح��راز الخالف��ة والرجوع إلى السيادة التي كانت لهم في الجاهلي��ة بقط��ع النظر عن وع��ورة المس��الك المؤدي��ة إلى ذل��ك أو وخام��ةكوا به�ا. وق�د ف�ازوا بغ�ايتهم فاتس�عت األسباب التي تمس� المملكة اإلس��المية في أي��امهم واش��تدت ش��وكتها مم��ا لم تبلغ إليه دول�ة العباس�يين بع�دها وك�انوا يطلب�ون الس�لطة على أن ال يش��اركهم فيه��ا أح��د، وك��ان أش��دهم فتك��ا عب��د الملك بن مروان يقول )ال يجتمع فحالن في أجمة( فرغب��ة بني أمية في السلطة على هذه الصورة مع وجود من ه��و أح��ق منهم به��ا ج��رهم إلى ارتك��اب أم��ور آلت إلى توجي��ه المط��اعن عليهم، وق��د ظه��رت ه��ذه الدول��ة وتغلبت على سائر طالب الخالفة في أيامهم بشيئين: العصبية القرش��ية واصطناع العصبيات أو األحزاب األخرى وهم�ا أس�اس ك�ل

ما ظهر من سياسة بني أمية كما سترى.العصبية العربية في عصر األمويين

العرب وقريش

كانت العصبية العربية في الجاهلية بين القبائل بحسب األنساب فلما ج��اء اإلس�الم تناس��وا تل�ك العص�بية واجتم��ع العرب كافة باسم اإلسالم أو الرابطة اإلسالمية، وم��ازالت

الرابط��ة اإلس��المية تش��مل الع��رب على اختالف قب��ائلهم وبطونهم حتى إذا طمع بنو أمية بالملك وقبضوا على أزمة الخالفة استبدوا وتعصبوا للعرب وحافظوا على مقتض��يات البداوة وتمسكوا بعاداتها فظلت خشونة البادية غالبة على حكومتهم وظاهرة في سياستهم م��ع ذه��اب من��اقب الب��دو التي ذكرناها. وإنما حفظوا من أح��وال ج��اهليتهم تعص��بهم لق��بيلتهم )ق��ريش( وإيث��ار أهلهم على س��واهم، فجاش��ت عوامل الحسد في نفوس القبائل التي كان له��ا ش��أن في الجاهلية وضاع فضلها في اإلسالم وخصوصا أه��ل البص��رة والكوفة والشام ألن أكثر العرب الذين نزلوا هذه األمص��ار جفاة لم يستكثروا من صحبة النبي )صلى الله عليه وآل��ه( وال هذبتهم سيرته وال روضوا بخلقه م��ع م��ا ك��ان فيهم من جفاء الجاهلي��ة وعص��بيتها، فلم��ا اس��تفحلت الدول��ة إذا هم في قبضة المهاجرين واألنصار من ق��ريش وكنان��ة وثقي��ف وهذيل وأهل الحجاز ويثرب فاستنكفوا من ذلك وغصوا به لما يرون ألنفسهم من التقدم بأنسابهم وكثرتهم ومصادمة فارس والروم مث��ل قبائ��ل بك��ر بن وائ��ل وعب��د القيس بن ربيع���ة وكن���دة واألزد من اليمن وتميم وقيس من مض���ر فص��اروا إلى الغض��ب من ق��ريش واألنف��ة عليهم فع��ادت العص��بية إلى نح��و م��ا ك��انت علي��ه في الجاهلي��ة، ف��وقعت الوحش���ة بين ق���ريش وس���ائر القبائ���ل من ذل���ك الحين وخصوصا بينهم وبين اليمنية ومنهم األنصار. وثبت األنص��ار في نصرة أهل البيت ض��د أهلهم من ق��ريش مثلم��ا فعل��وا في أول اإلسالم إذ جاءهم الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( مهاجرا فرارا من أهل��ه. وانقس��م الع��رب في س��ائر أنح��اء المملك��ة اإلس��المية بين ه��ذين الح��زبين قيس�ية وكلبي��ة أو مض��رية ويمني��ة أو نزاري��ة وقحطاني��ة وق��امت المنازع��ات بينهم��ا في الش��ام والع��راق ومص��ر وف��ارس وخراس��ان وأفريقيا واألن��دلس، وفي ك��ل بل��د من ه��ذه البالد وغيره��ا حزب��ان مض��ري ويم��ني تختل��ف ق��وة أح��دهما أو اآلخ��ر باختالف الخلفاء أو األمراء أو العم��ال، فالعام��ل المص��ري يقدم المضرية والعامل اليمني يقدم اليمنية ويختل�ف ذل�ك ب��اختالف األم��وال ول��ه ت��أثير في ك��ل ش��يء من تص��اريف

أحوالهم حتى في تولية الخلفاء واألمراء وعزلهم وكثيرا ما ك��انت الوالي��ة والع��زل موق��وفين على انحي��از أح��د ه��ذين الحزبين. على أن قريشا كانوا منقسمين فيم��ا بينهم وأهم انقس��اماتهم بين أمي��ة وهاش��م فك��ان الن��اس يتعص��بون ألحدهما على اآلخر تبعا لغرضه أو وطن��ه وكث��يرا م��ا ك��انوا يتشاجرون في هذا السبيل فيش��غلون أوق��اتهم بالمن��اظرة والمفاخرة ح��تى تحت��دم ن��ار الخص��ام وتتح��ول إلى ح��رب يطير شرارها وتسفك فيها الدماء، وكانت قوة بني هاش��م في الحجاز والعراق وق��وة ب��ني أمي��ة في الش��ام ويختل��ف

هذا التحديد باختالف العصور.عصبية العرب على العجم

وكما كان القرشيون في أيام بني أمي��ة مق��دمين على س��ائر قبائ��ل الع��رب ف��إن الع��رب على اإلجم��ال ك��انوا مقدمين على س��ائر األمم ال��ذين دان��وا للمس��لمين، فك��ان العربي يعد نفسه سيدا على غير الع��ربي وي��رى أن��ه خل��ق للسيادة وذاك للخدمة ولذلك لم يكن العرب يشتغلون في صدر اإلسالم إال بالسياسة والحكومة وتركوا سائر األعمال لس��واهم وخصوص��ا المهن والص��ناعات. ولم يكن الع��رب يعتن��ون بش��يء من العلم غ��ير الش��عر والت��اريخ ألن��ه الزم للس��يادة والفتح وأم��ا الحس��اب والكتاب��ة فق��د ك��انت من صنائع الموالي وأهل الذم��ة ول��ذلك ك��ان العم��ال في أي��ام بني أمية مع تعصبهم للعرب قلما يول��ونهم ال��دواوين ألنهم

كانوا ال يكتبون وال يحسبون. وكان األمويون في أيام معاوية يعدون الم��والي أتباع��ا وأرقاء وتكاثروا ف��أدرك معاوي��ة الخط�ر من تك��اثرهم على دولة الع��رب فهم أن ي��أمر بقتلهم كلهم أو بعض��هم، وقب��ل مباشرة ذلك استشار بعض كبار األمراء من رج��ال بطانت��ه وفيهم األحن��ف بن قيس وس��مرة بن جن��دب فق��ال لهم��ا: )إني رأيت ه��ذه الحم��راء ��� يع��ني الم��والي ��� وأراه��ا ق��د قطعت على الس��لف وك��أني أنظ��ر إلى وثب��ة منهم على الع��رب والس��لطان ف��رأيت أن أقت��ل ش��طرا وأدع ش��طرا إلقامة السوق وعمارة الطريق فما ترون؟( فقال األحنف:

)أرى أن نفسي ال تطيب.. أخي ألمي وخالي وم�والي وق�د ش��اركناهم وش��اركونا في النس��ب( وأم��ا س��مرة فأش��ار بقتلهم وطلب أن يتولى ذلك هو بنفس��ه ف��رأى معاوي��ة أن الح���زم في رأي األحن���ف فك���ف عنهم، ف���اعتبر مق���دار استخفاف العرب بسواهم وكيف يخطر للخليف��ة أن يقت��ل شطرا منهم بغير ذنب اقترفوه ك��أنهم من األغن��ام. وك��انوا يس��مون الع��ربي من أم أعجمي��ة )الهجين( وال يزوج��ون األعجمي عربي��ة ول��و ك��ان أم��يرا وك��انت هي من أحق��ر القبائل، فلما بالغ بن��و أمي��ة في االس��تخفاف بغ��ير الع��رب وقد ذهبت أبهة النبوة أخ��ذ ه��ؤالء في الت��ذمر ونص��روا آل علي )عليه السالم( والخوارج وغيرهم من أعداء األم��ويين وهان عليهم ال��رد على الع��رب في مف��اخراتهم فنش��أ من ذلك طائفة يعرفون بالشعوبية ال يع��ترفون بفض��ل الع��رب على سواهم وتص��دوا ل��دفع حجج الق��ائلين بفض��ل الع��رب على س���ائر الش���عوب. ولم يكن الش���عوبية يس���تطيعون الظهور في أيام بني أمي��ة فلم��ا أفض��ت الخالف��ة إلى ب��ني العباس وانحط ش��أن الع��رب بع��د قت��ال األمين والم��أمون ظهروا وألفوا الكتب في مث��الب الع��رب، فالدول��ة األموي��ة هي التي جعلت اإلسالم دولة عصبية وسيفا، وظ��ل الكث��ير من عادات الجاهلية شائع في أيامهم كالمفاخرة والمباهلة ومناشدة األشعار في األندية العمومية فكان أشراف أه��ل الكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون األشعار ويتحادثون ويتذاكرون أيام الناس، وكان خارج البصرة بقعة يق��ال له��ا المربد يجتمع إليها الن��اس من البص��رة وغيره��ا يتناش��دون

األشعار ويتحادثون كما كانوا يفعلون في عكاظ.العصبية الوطنية في عصر األمويين

لم يكن للعرب قبل اإلس��الم رواب��ط وطني��ة يجتمع��ون به��ا أو ي��دافعون عنه��ا ألنهم ك��انوا ال يس��تقرون في وطن لتغلب البداوة على طباعهم وتنقلهم بالغزو والرحلة. فلم��ا أس��لموا وفتح��وا البالد ومص��روا األمص��ار وابتن��وا الم��دنروا ونش��أت فيهم الغ��يرة على تل��ك وأق��اموا فيه��ا تحض��

المواطن للدفاع عنه��ا والتعص��ب له��ا وهي م��ا عبرن��ا عن��هبالعصبية الوطنية.

تحضر العرب بعد الفتح

وك���ان الع���رب )أو المس���لمون( يقيم���ون في تل���ك المعس��كرات ال��تي أنش��أوها ح��والي الم��دن المفتوح��ة بأوالدهم ونسائهم ال يختلطون بأه��ل الق��رى ح��تى إذا ج��اء الربي��ع يس��رحون خي��ولهم للم��رعى في الق��رى يس��وقها األتباع من الخدم أو العبي��د ومعهم طوائ��ف من الس��ادات، فإذا فرغوا من رعاية الخي��ل ع��ادوا إلى خي��امهم وهم إلى ذلك الحين أه��ل ب��داوة وغ��زو ومرك��ز دولتهم في المدين��ة وفيها مقر الخليف��ة ومرج��ع المس��لمين عن��د الحاج��ة فلم��ا طال مقامهم في تلك المعس��كرات وأفض��ت الخالف��ة إلى ب���ني أمي���ة ورغب���وا في الش���ام عن الحج���از ه���ان على المسلمين إغفال أمر المدين��ة وس��ائر الحج��از وط��اب لهم المقام في الشام وسائر األمصار فاقتنوا األرضين والضياع وغرسوا األشجار فتحولت تلك المعسكرات بتوالي األجيال إلى م��دن ع��امرة أش��هرها البص��رة والكوف��ة والفس��طاط والقيروان من الم��دن ال��تي بناه��ا المس�لمون غ��ير الم��دن القديم��ة ال��تي اس��توطنوها في الش��ام ومص��ر والع��راق

وفارس وغيرها.تعصب المدن اإلسالمية بعضها على بعض

ومم���ا زاد المس���لمين رغب���ة في العص���بية الوطني���ة انقس��ام األح��زاب السياس��ية يومئ��ذ باعتب��ار الم��دن، وأول خالف وق��ع بين بل��دين إس��الميين الخالف ال��ذي وق��ع بين الش��ام والكوف��ة في أي��ام عثم��ان بن عف���ان ثم ح��دث االنقسام الوطني السياسي بعد مقتله وكان أساسه الميل إلى أح��د طالب الخالف��ة يومئ��ذ وهم علي )علي��ه الس��الم( ومعاوية وطلحة والزبير فكان أهل الشام مع معاوي��ة ألن��ه أميرهم ومعظمهم من قريش وكان أهل المدينة م��ع علي )علي��ه الس��الم( وهم األنص��ار وتبعتهم مص��ر وك��ان أه��ل الكوفة مع الزبير وأهل البصرة مع طلحة، فكان لك��ل بل��د

في عص��ر ب��ني أمي��ة مجتم��ع خ��اص يجتم��ع ب��ه ويح��ارب باسمه، وهو مؤلف من قبائل تختلف نسبا وعص��بية وفيهم قبائل اليمن ومضر وربيعة وغيرها يقيم ك��ل منه��ا في حي خاص بها يع��رف باس��مها فك��انت البص��رة مثال مؤلف��ة من خمسة أقس��ام تع��رف باألخم��اس ك��ل خمس لقبيل��ة وهي األزر وتميم وبكر وعبد القيس وأهل العالية. والمراد بأه��ل العالية بطون ق��ريش وكنان��ة واألزد وبجيل��ة وخثعم وقيس غيالن كلها ومزينة، وقس على ذلك سائر البالد، ففي أي��ام علي )علي��ه الس��الم( والخ��وارج ك��انت البص��رة عثماني��ة والكوفة علوية والشام أموية والجزي��رة خارجي��ة والحج��از سنية وتقلبت هذه األحوال كثيرا واختلفت باختالف الدول، فحدث بتوالي التقلبات السياسية تع��دد االتجاه��ات، أوله��ا: االتجاه العصبي أو االتج��اه النس��بي كم��ا حص��ل بين مص��ر واليمن. والثاني: االتج��اه الوط��ني كم��ا حص��ل بين الع�راق ومصر والشام. والثالث: االتجاه الم��ذهبي كم��ا حص��ل بين الف��رق اإلس��المية كالس��نة والش��يعة والمعتزل��ة وربم��ا

اجتمعت كل هذه االتجاهات في رجلين. ومما ساعد على نشوء االتجاه الوطني أن أهل الحجاز كانوا يجتمعون ب��الحرمين ويف��اخرون المس�لمين بهم��ا ألن اإلس��الم ال يس��تغني عنهم��ا وفيه��ا ش��يعة علي والس��يما المدينة، فكان األمويون مع عداوتهم للعلويين ال يرون ب��دا من زيارة الحرمين ورعاية أهلهم��ا فيق��ف ذل��ك ع��ثرة في س��بيل س��لطانهم وخصوص��ا بع��د أن احتمى ابن الزب��ير بالكعبة وأخرج بني أمية وأحزابهم من الحجاز فلم يستطع األمويون التغلب عليه إال بضرب الكعب��ة ب��المنجنيق وله��ذا السبب خطر لألمويين أن ينقل��وا من��بر الن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( من المدينة إلى الشام ليجمع��وا عن��دهم ال��دين والسياسة. ولعل الحجاج بنى القب��ة الخض��راء في واس��ط لمثل هذه الغاية كم��ا بناه��ا المنص��ور في بغ��داد بع��د ذل��ك تصغيرا للكعبة والغرض من ذلك كل��ه تحوي��ل القل��وب عن

الحجاز وتصغير أمر العلويين فلم يجدهم ذلك نفعا.اصطناع األحزاب في عصر األمويين

ومم��ا احت��اج إلي��ه بن��و أمي��ة في س��بيل التغلب لني��ل الخالف��ة اص��طناع الرج��ال واجت��ذاب األح��زاب كم��ا فع��ل معاوية بن أبي سفيان بكل وسيلة، على أنه كان إذا خ��اف عدوا ال يقدر عليه بالسيف وال يس��تطيع اص��طناعه بالم��ال احتال على قتله غيلة بالس��م كم��ا فع��ل بعب��د ال��رحمن بن خالد بن الوليد فدس إليه شربة عسل مسمومة م��ع بعض مماليكه فشربها ومات ونجا معاوية منه. وفع��ل نح��و ذل��ك باألش��تر النخعي مال��ك بن الح��ارث وك��ان من أش��د رج��ال علي )عليه السالم( بطشا أو هو أشدهم جميع��ا وق��د أبلى مع��ه في ص��فين بالء حس��نا. فك��ان معاوي��ة وأص��حابه ال يضيعون فرصة وال يبالون في تنفيذ أغراضهم ما يرتكب��ون من القت��ل أو نح��وه. أم��ا علي )علي��ه الس��الم( وأص��حابه فك��انوا ال يحي��دون عن من��اهج ال��دين ومقتض��ى األريحي��ة. فبال��دهاء ونح��وه تمكن معاوي��ة من ني��ل الخالف��ة وتوريثه��ا البنه ثم صارت في بني مروان من أمية ولكنه لم يس��تطع قط��ع ش��أفة المق��اومين من طالب الخالف��ة وهم كث��يرون أهمهم أوالد علي )عليه الس��الم(. على أن��ه ك��ان يس��كتهم بالمسالمة والبذل وك��انوا يهابون��ه ويس�كنون إلى سياس��ته ويتوقع��ون من الجه��ة األخ��رى رج��وع الخالف��ة إليهم بع��د موت��ه، فلم��ا رأوه نقله��ا إلى ابن��ه يزي��د ث��ار المط��البون بالخالفة في الحجاز والعراق وغيرهما وكل منهم يزعم أنه

ه��� أربع��ة ألوي��ة في68صاحب الحق بها، ف��اجتمعت س��نة عرافات كل منها لزعيم يطلب الخالفة لنفسه إحداها لبني أمية واألخرى للعل��ويين باس��م محم��د بن الحنفي��ة والثالث��ة لعبد الله بن الزبير والرابعة لنجدة الح��روري من الخ��وارج ثم قام غيرهم ولم يفز بالملك إال بنو أمية للعصبية العربية واصطناع األحزاب ببذل األموال وذلك ما جر بني أمية إلى خرق كثير من القواعد فقد كانت األم��وال ال��تي ت��رد على بيت المال تعد ملكا للمس��لمين، وليس الخليف��ة أو عامل��ه إال حافظا لها ينفقه��ا في مص��الحهم وت��دبير ش��ؤونهم ول��ه

منها راتب معين يأخذه مثل سائر المسلمين.عمال بني أمية

فلم��ا اض��طر بن��و أمي��ة إلى اص��طناع الرج��ال وجم��ع األحزاب واسترضاء القبائل وبناء الم��دن أغض��وا عن كث��ير من تل��ك األحك��ام وتوفق��وا إلى عم��ال أش��داء ال يب��الون بالدين وال أحكامه في سبيل أغراض��هم مث��ل زي��اد بن أبي��ه عامل معاوية، وعبيد الله بن زياد عامل ابنه يزيد، والحجاج بن يوسف عامل عبد المل��ك بن م��روان، وخال��د القس��ري عامل هشام بن عبد الملك وغيرهم. فكان الخلفاء يكتبون إلى عم��الهم بجم��ع األم��وال وحش��دها والعم��ال ال يب��الون كيف يجمعونها فقد كتب معاوية إلى زي��اد يق��ول )اص��طف لي الص���فراء والبيض���اء( فكتب زي���اد إلى عمال���ه ب���ذلك وأوص��اهم أن يواف��وه بالم��ال وال يقس��موا بين المس��لمين ذهبا وال فضة، وكان العم��ال من الجه��ة األخ��رى يختص��ون أنفسهم بجانب من تلك األموال وليس ثم��ة من يحاس��بهم وق��د أطل��ق الخلف��اء أي��ديهم في األعم��ال ترغيب��ا لهم في البق���اء على والئهم. فك���ان العم���ال يخ���تزنون ألنفس���هم

10.000.000األم��وال الطائل��ة ح��تى بلغت غل��ة أح��دهم درهم100.000.000درهم في السنة وزادت ثروته على

وزادت نفق��اتهم زي��ادة فاحش��ة ولم يع��د عن��دهم ل��راتب العمالة قيمة حتى كتب أمية بن عبد الل��ه إلى عب��د المل��ك

بن مروان يقول: )إن خراج خراسان ال يفي بمطبخي(.أخذهم الجزية عن المسلمين

فك��ان العم��ال يب��ذلون الجه��د في جم��ع األم��وال بأي��ة وسيلة كانت ومصادرها الجزية والخراج والزكاة والص��دقة والعش��ور. وأهمه��ا في أول اإلس��الم الجزي��ة لك��ثرة أه��ل الذمة فكان عمال بني أمي��ة يش��ددون في تحص��يلها فأخ��ذ أهل الذمة يدخلون في اإلسالم فلم يكن ذلك لينجيهم منها ألن العمال عدوا إسالمهم حيلة للف��رار من الجزي��ة وليس رغبة في اإلسالم فطالبوهم بالجزي��ة بع��د إس��المهم. وأول من فع��ل ذل��ك الحج��اج بن يوس��ف واقت��دى ب��ه غ��يره من عم��ال ب��ني أمي��ة في أفريقي��ة وخراس��ان وم��ا وراء النه��ر فارتد الناس عن اإلسالم وهم يودون البقاء فيه وخصوص��ا أهل خراسان وما وراء النهر ف��إنهم ظل��وا إلى أواخ��ر أي��ام

ب��ني أمي��ة ال يمنعهم عن اإلس��الم إال ظلم العم��ال بطلب ه�110الجزية منهم بعد إسالمهم. فلما تولى أشرس سنة

على خراسان كان أهل سمرقند ق��د ارت��دوا عن إس��المهم فبعث إليهم رجال اسمه أبو الصيداء فق��ال الرج��ل: )أخ��رج إليهم على ش��ريطة أن من أس��لم ال تؤخ��ذ من��ه الجزي��ة( فقال أشرس: )نعم( فشخص إلى سمرقند ودعا أهلها إلى اإلسالم على أن توض�ع الجزي�ة عنهم. فس�ارع الن��اس إلى اإلس��الم وق��ل الخ��راج فكتب عامله��ا إلى أش��رس: )إن الخراج قد انكسر( فأجابه: )إن في الخراج قوة للمسلمين وقد بلغني أن أهل الصغد وأشباههم لم يس��لموا رغب��ة في اإلسالم وإنما أسلموا تع��وذا من الجزي��ة ف��انظر من اختتن وأقام الف��رائض وق��رأ س��ورة من الق��رآن ف��ارفع خراج��ه( ففعل الناس ذلك وبنوا المساجد وكتب العم��ال ب��ذلك إلى أش��رس فأج��ابهم: )خ��ذوا الخ��راج ممن كنتم تأخذون��ه( فأع��ادوا الجزي��ة على من أس��لم ف��امتنعوا واع��تزلوا في سبعة آالف على ع��دة فراس��خ من س��مرقند وس��بب ذل��ك فتن��ة ارت��د عن اإلس��الم بس��ببها أه��ل الص��غد وبخ��ارى واستجاش الترك. ومازالوا كذلك حتى تولى خراسان نصر

ه��� أن��ه121بن سيار وقد عرف موضع الخطأ فأعلن سنة وضع الجزية عمن أسلم وجعلها على من كان يخفف عن��ه

30.000من المش���ركين فلم يمض أس���بوع ح���تى أت���اه مسلم كانوا يؤدون الجزية. ناهيك بما كان يرتكبه بنو أمي��ة من زيادة الخراج وضرب الضرائب واالستئثار بالفيء. ولميقم من خلفائهم من نهى عن ذلك إال عمر بن عبد العزيز.

االستخفاف بالدين وأهله

لما طلب األمويون الخالفة ألنفس��هم وهم يعلم��ون أن أهل البيت أحق بها منهم وأن حجة أه��ل ال��بيت في طلبه��ا مبنية على أساس صحيح كان أكثر الفقهاء والعلماء وسائر رجال الدين يرون رأيهم ويؤي��دون دع��وتهم ولكن العص��بية كانت مع األمويين والقوة غالبة. أم��ا الفقه��اء وس��ائر أه��ل التقوى فكانوا ال ينفكون عند س��نوح الفرص��ة عن تفض��يل أه��ل ال��بيت وت��ذكير األم��ويين بم��ا يرتكبون��ه ��� في س��بيل

التغلب ����� من الظلم والقس����وة والتع����دي ويعظ����ونهم ويذكرونهم بتقوى الله. حتى إذا أفض��ت الخالف��ة إلى عب��د

ه�57الملك بن مروان عمد إلى الشدة والعنف فحج سنة بعد مقتل ابن الزبير ولما ج��اء المدين��ة وفيه��ا أنص��ار أه��ل

البيت خطب فيهم خطابا قال فيه: )أما بع��د ف��إني لس��ت بالخليف��ة المستض��عف ��� يع��ني عثمان � وال بالخليفة المداهن � يعني معاوية � وال بالخليفة الم��أفون ��� يع��ني يزي��د ��� أال وإني ال أداوي ه��ذه األم��ة إال بالسيف حتى تستقيم بي قن��اتكم وإنكم تحفظ��ون أعم��ال المه���اجرين األولين وال تعمل���ون مث���ل أعم���الهم. وإنكم تأمروننا بتقوى الل��ه وتنس��ون ذل��ك من أنفس��كم. والل��ه ال

يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إال ضربت عنقه(.االستهانة بالقرآن والحرمين

وعب��د المل��ك ه��ذا ك��ان ي��رى الش��دة ويج��اهر بطلب التغلب بالقوة والعنف ولو خالف أحكام الدين. وقد يتب��ادر إلى الذهن أن��ه فع��ل ذل��ك اقت��داء بعامل��ه ونص��يره ومؤي��د دولته الحجاج بن يوسف وال نظنه مقتديا بذلك ألن��ه ص��رح باس��تهانته بال��دين من��ذ ولي الخالف��ة وك��ان قبله��ا يتظ��اهر بالتدين فلما توالها استهوته ال�دنيا، ذك�روا أن�ه لم�ا ج��اءوه بخبر الخالف��ة ك��ان قاع��دا والمص��حف في حج��ره فأطبق��ه وقال: )هذا آخر العهد بك، أو ه��ذا ف��راق بي��ني وبين��ك( فال غرو بعد ذل��ك إذا أب��اح لعامل��ه الحج��اج أن يض��رب الكعب��ة بالمنجنيق وأن يقتل ابن الزب��ير ويح��تز رأس��ه بي��ده داخ��ل مسجد الكعبة والكعب��ة ح��رم ال يج��وز القت��ال فيه��ا وال في جوارها فأحلوه وظل��وا يقتل��ون الن��اس فيه��ا ثالث��ا وه��دموا الكعبة وهي بيت الله عندهم وأوقدوا النيران بين أحجاره��ا وأستارها مما لم يحدث مثله في اإلسالم. ودخلوا المدين��ة وهي أح��د الح��رمين وق��اتلوا أهله��ا وس��فكوا دم��اءهم ولم يغلق لها باب إال أحرق ما في��ه ح��تى أن األقب��اط واألنب��اط ك��انوا ي��دخلون على نس��اء ق��ريش في��نزعون خم��رهن من رؤوسهن وخالخلهن من أرجلهن وس��يوفهم على ع��واتقهم والق��رآن تحت أرجلهم. ناهي��ك بمن قتل��وه من الص��حابة

والتابعين وأهل التقوى صبرا وإنما أرادوا بذلك تحقير أم��ر علي )علي��ه الس��الم( وش��يعته تأيي��دا لس��لطانهم. وله��ذا السبب لعنوه على المنابر وأمروا الناس بلعن��ه وقتل��وا من لم يلعنه. وأول من قت��ل ص��برا في ه��ذا الس��بيل حج��ر بن ع��دي الكن��دي في أي��ام معاوي��ة وظل��وا يلعن��ون علي��ا على

المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز فأبطل ذلك.الخالفة والنبوة

وتوف��ق بن��و أمي��ة إلى عم��ال أش��داء زادوهم اس��تبدادا وش��دة بم��ا توخ��وه من تمليقهم ب��التعظيم والتغري��ر مم��ا يخالف أحكام الدين. وأول من تجرأ على ذلك الحج��اج بن يوسف عامل عبد الملك فإنه سمى الخليفة )خليف��ة الل��ه( وعظم أمر الخالفة حتى فضلها على النب��وة فك��ان يق��ول: )ما قامت السماوات واألرض إال بالخالفة وإن الخليفة عند الله أفضل من المالئكة المقربين واألنبياء والمرس��لين ألن الله خلق آدم بيده وأس��جد ل��ه المالئك��ة وأس��كنه جنت��ه ثم أهبطه إلى األرض وجعله خليفة وجعل المالئكة رسال( وإذا حاجه أحد في ذلك ق��ال: )أخليف��ة أح��دكم في أهل��ه أك��رم عليه أم رسوله في حاجته؟(، وك��ان عب��د المل��ك إذا س��مع ذلك أعجب به، واقتدى بالحجاج من جاء بعده من العم��ال األشداء كخالد القسري عامل هش�ام بن عب�د المل�ك فق�د ك��ان يق��ول ق��ول الحج��اج وخطب الن��اس في مك��ة م��رة فقال: )أيها الناس أيهما أعظم خليفة الرج��ل إلى أهل��ه أو رسوله إليهم؟( يع��رض أن هش��اما خ��ير من الن��بي )ص��لى

الله عليه وآله(. وذكروا أن خالدا القسري كان قليل العناي��ة في حف��ظ القرآن ف��إذا تال آي��ة أخط��أ فيه��ا وألحن في نطقه��ا فوق��ف مرة للخطاب��ة فق��ال وأخط��أ ثم ارتج علي��ه وفش��ل فنهض ص�ديق ل�ه من تغلب فق�ال: )خفض علي��ك أيه�ا األم��ير وال يهولنك فما رأيت قط ع��اقال حف��ظ الق��رآن وإنم��ا يحفظ��ه

الحمقى من الرجال(. فال غرو بعد ذلك إذا قيل لنا أن الولي�د بن يزي�د س��كير بني مروان رمى القرآن بالنشاب وهو في مجونه وس��كره

فقد ذكروا أنه ع��اد ذات ليل�ة بمص��حف فلم��ا فتح��ه واف��قار عني��د * من ورائه ��ل جب ورقة فيها: )واستفتحوا وخ��اب ك

م ويسقى من ماء صديد() ( فأمر بالمصحف فعلق��وه1جهنوأخذ القوس والنبل وجعل يرميه حتى مزقه ثم قال:

أتوعد كل جب�����ار عنيد***فه��ا أنا ذاك جبار عنيدإذا القيت ربك يوم حشر***فق���ل لله مزقن�ي الوليد فلم يكن هم بني أمية نشر اإلس��الم وإنم��ا ك��ان همهم الفتح والتغلب وحشد األموال فتوق��ف نش��ر اإلس��الم على عهدهم في األطراف البعيدة كالسند وتركستان م��ع رغب��ة أهلهما في��ه وإنم��ا نف��رهم من��ه ش��دة ب��ني أمي��ة وجش��عهم فكانوا يسلمون ثم يرت��دون تبع��ا لم��ا يرون��ه من المعامل��ة

الحسنة أو السيئة.الفتك والبطش في عصر األمويين

تولى الخالف��ة معاوي��ة وس��لم األعم��ال إلى دهات��ه في العراق وفارس ومصر وغيرها، حيث أخذوا الناس بالشدة، وأول من توخى الشدة والعنف زياد بن أبيه عامل معاوي��ة��د المل��ك على العراق وهو أول من شدد أمر الس��لطة وأك لمعاوية فج��رد س�يفه وأخ��ذ بالظن��ة وع��اقب على الش�بهة وتولى العراق بعده ابنه عبيد الله بن زياد في خالف��ة يزي��د بن معاوي��ة فك��ان ك��ذلك، ولم��ا أفض��ت والي��ة الع��راق إلى

�65الحجاج بن يوسف في خالفة عبد الملك بن م��روان ) ه�( وقد كثر المطالبون بالخالفة أراد الحجاج أن يتش��به86

بزي��اد وابن��ه بالش��دة والعن��ف فب��الغ في ذل��ك ح��تى أهل��ك ودم��ر، وق��د أعانت��ه ش��دة عب��د المل��ك على المبالغ��ة في الش��دة ف��أكبر المس��لمون ذل��ك ونقم��وا على تل��ك الدول��ة وكثر الخارجون عليها واتهموا خلفاءها بالمروق من الدين. ومن أقوال الخ�وارج فيهم: )إن ب�ني أمي�ة فرق�ة بطش�هم بطش جبارين يأخذون بالظن��ة ويقض��ون ب��الهوى ويقتل��ون على الغضب( وكان الخلفاء من بني أمية يرون في إطالق أيدي عمالهم أو ق��وادهم تش�جيعا لهم وتنفي�ذا ألغراض��هم، وربما حرضهم الخليفة على الفت��ك عن��د الحاج��ة ح��تى في أي��ام معاوي��ة فإن��ه أرس��ل بس��ر بن أرط��اة بع��د تحكيم

الحكمين وعلي بن أبي ط��الب )علي��ه الس��الم( يومئ��ذ حي وأرس��ل مع��ه جيش��ا، ويق��ال أن��ه أوص��اهم أن يس��يروا في األرض ويقتل��وا ك��ل من وج��دوه من ش��يعة علي )علي��ه السالم( وال يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان، فسار بسر على وجهه حتى انتهى إلى المدين��ة فقت��ل فيه��ا أناس��ا من أص��حاب علي )علي��ه الس��الم( وه��دم دورهم ومض��ى إلى مكة وغيرها يقتل ويهدم حتى أتى اليمن وعليها عبي��د الل��ه بن عباس عامل علي )عليه السالم( وابن عمه ك��ان غائب��ا فرارا من القتل فوجد بسر ابنين له ص��بيين اس��مهما عب��د الرحمن وقثم فأخذهما وذبحهم��ا بي��ده بمدي��ة ك��انت مع��ه، وذكروا أن الغالمين كانا عند رجل من كنان��ة بالبادي��ة فلم��ا

أراد بسر قتلهما قال الكناني: )تقتل هذين وال ذنب لهم��ا ف��إن كنت قاتلهم��ا ف��اقتلني معهما( فقتله وقتلهما معه فص��احت ام��رأة من كنان��ة: )ي��ا هذا قتلت الرجال فعالم تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية وال اإلسالم والله ي��ا بن أرط��اة إن س��لطانا ال يقوم إال بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ون�زع الرحم�ة وعقوق األرحام لسلطان سوء( وقالت أم الص��بيين ش��عرا

في رثائهما كانت تنشده في المواسم مطلعه: ي��ا من أحس ب��ابني الل��ذين هم��ا***كال��درتين تش��ظى

عنهما الصدف فهل يستغرب م��ا يق��ال عن فت��ك الحج��اج وك��ثرة من

؟ وهل يس��تبعد أن يك��ون120.000قتلهم صبرا ولو كانوا ام��رأة؟30.000 رج��ل و50.000في حبس��ه عن��د موت��ه

وكان عبد الملك أشد وطأة منه وأجرأ على الغ�در والفت��ك ب��ل ه��و أول من غ��در في اإلس��الم بع��د أن أعطى األم��ان وذلك أن عمرو بن سعيد األش�دق أح�د أم�راء عب�د المل�ك طمع بالملك لنفسه فاغتنم خروج عبد المل��ك من دمش��ق

ه� لحرب مصعب بن الزبير في العراق وج��اء إلى69سنة الشام ووضع يده عليه��ا، فبل��غ عب��د المل��ك ذل��ك وه��و في الطريق فرجع ح��اال إلى دمش��ق وقات��ل عم��روا أيام��ا فلم يقدر عليه فخ��اف على س��لطانه فاحت��ال في عق��د الص��لح فرضي عمرو وكتب بينهما كتابا فيه أمان عب��د المل��ك ل��ه.

فاطمأن خاطر عم��رو الم��ذكور وخ��رج إلى الخليف��ة ح��تى أوطأ فرس��ه أطن��اب عب��د المل��ك ثم دخ��ل علي��ه فاجتمع��ا

ودخل عبد الملك دمشق. وبعد دخوله بأربعة أيام أرس��ل إلى عم��رو فأجاب��ه أن��ه آت العش��ية وأت��اه في مائ��ة من موالي��ه ودخ��ل على عب��د المل��ك وعن��ده جماع��ة من ب��ني م��روان وق��د بقى موالي��ه خارجا فاستقبله عبد الملك حتى أجلسه معه على السرير وجعل يحادثه ثم أمر أحد الغلمان أن يأخذ سيفه وقال له: )أتطمع أن تجلس معي متقلدا س��يفك( فأعط��اه الس��يف. ثم قال عبد الملك: )يا أبا أمية )عمرو( إنك حينما خلعت��ني آليت بيمين إن أن��ا مألت عي��ني من��ك وأن��ا مال��ك ل��ك أن أجعلك في جامعة( فقال له الحضور من بني م��روان: )ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟( قال: )نعم وما عسيت أن أصنع ب��أبي أمي��ة( فق��ال بن��و م��روان لعم��رو: )أب��ر قس��م أم��ير المؤمنين( فقال: )قد أبر الله قس��مك ي��ا أم��ير المؤم��نين( فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة وقال: )ي��ا غالم قم فاجمعه فيها( فقام الغالم فجمع��ه فيه��ا فق��ال عم��رو: )أذك��رك الل��ه ي��ا أم��ير المؤم��نين أن تخرج��ني فيه��ا على رؤوس الناس( فقال: )أمك��ر ي��ا أب��ا أمي��ة عن��د الم��وت؟ ال والله ما كنا لنخرج��ك في جامع��ة على رؤوس الن��اس( ثم جذبه جذبة فوقع وأصاب فمه الس��رير فكس��ر ثني��ه فق��ال عمرو: )أذكر الله ي��ا أم��ير المؤم��نين كس��ر عظم م��ني فال تركب ما هو أعظم من ذلك( فقال عب��د المل��ك: )ال والل��ه ل��و أعلم أن��ك تبقي علي ل��و أبقيت علي��ك وتص��لح ق��ريش ألطلقتك ولكن ما اجتمع رجالن في بلدة قط على ما نحن عليه إال أخ��رج أح��دهما ص�احبه( فلم��ا رأى أن��ه يري��د قتل��ه قال: )أغدر ي��ا بن الزرق�اء؟( ثم قتل�ه عب��د المل�ك. وك�انوا يقطعون الرؤوس ويطوفون به��ا في األس��واق والبالد كم��ا فعلوا برأس عمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر ومس��لم وه��اني واإلم��ام الحس��ين )علي��ه الس��الم(. وص��ار قط��ع الرؤوس على هذه الصورة سنة في عصر ب��ني أمي��ة ومن ج��اء بع��دهم من ب��ني العب��اس وص��ار لل��رؤوس في دار الخالفة خزانة يحفظون فيه��ا ك��ل رأس في س��فط خ��اص

وجرت الع��ادة أيض��ا بص��لب الجثث أو ال��رؤوس ومن ه��ذا القبيل تشديدهم في الع��ذاب قب��ل القت��ل ولع��ل ذل��ك من مخترعات الحجاج إلرهاب أعدائه وإخضاعهم بالعنف، فمن ضروب التعذيب أنه كان يأتي بالقص��ب الفارس��ي فيش��قه ويشده على الرجل وهو عار ثم يس��له قص��بة قص��بة ح��تى

يقطع جسده ثم يصب عليه الخل والملح حتى يموت.الموالي وتكاثرهم في عصر األمويين

أفضت الخالفة إلى األمويين في أواس��ط الق��رن األول للهج��رة وع��دد الم��والي آخ��ذ في الزي��ادة بم��واالة الفتح وتكاثر الرقيق باألسر أو اإلهداء ألن العمال كثيرا ما ك��انوا يبعثون بمئ��ات أو أل��وف من الرقي��ق األبيض واألس��ود إلى بالط الخليفة هدية أو ب��دال من الخ��راج أو نح��وه والخليف��ة يفرق ذلك في أهل بطانته أو ق��واده وه��ؤالء يفرقون��ه في من ح��ولهم أو يبيعون��ه فينتق��ل إلى الن��اس على اختالف

طبقاتهم.نقمة الموالي على العرب

فلما تك��اثر الم��والي ورأوا م��ا ك��ان في��ه األموي��ون من التعصب للعرب على سواهم والسيما الموالي ح��تى ك��انوا يستخدمونهم في الح��روب مش�اة وال يعط��ونهم عط�اء وال ش���يئا من الغن���ائم أو الفيء عظم ذل���ك عليهم ورأوا في نفوسهم قوة فنفرت قلوبهم من بني أمية وأص��بحوا عون��ا لك��ل من خل��ع الطاع��ة أو طلب الخالف��ة من العل��ويين أو الخوارج. وأشهر من حاربهم بالموالي والعبي��د المخت��ار بن أبي عبيدة الذي ق��ام في الع��راق للمطالب��ة ب��دم الحس��ين

ه��� ثم طلب الخالف��ة لمحم��د بن66)علي��ه الس��الم( س��نة الحنفية، فالمختار المذكور أطمع م��والي الع��راق بالغنيم��ة وأركبهم على ال���دواب وك���انوا ن���اقمين على أس���يادهم

ومواليهم لسوء معاملتهم فجاءوا متطوعين.زواج الموالي بالعربيات

على أن الموالي في أيام بني أمية كانوا على اإلجمال أعداء الدولة يقومون عليها مع القائمين انتقام��ا لم��ا ك��انوا يقاس��ونه من االحتق��ار والج��ور من عص��بية الع��رب على العجم فازداد األموي��ون تحق��يرا لهم، فبع��د أن ق��ال الن��بي

(2)صلى الل��ه علي��ه وآل��ه(: )م��ولى الق��وم من أنفس��هم() منع��وا زواجهم بالعربي��ات، ف��إذا تج��رأ م��ولى على ال��زواج بعربية وبلغ أمره إلى الوالي طلقها منه كما حدث ألعراب بني سليم في الروحاء فإنهم جاءوا الروح��اء فخطب إليهم بعض مواليها إح��دى بن��اتهم فزوج��وه فوش��ى بعض��هم إلى والي المدين��ة ب��ذلك فف��رق ال��والي بين ال��زوجين وض��رب المولى مائتي سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبي��ه، وكث��يرا ما كانوا يفعل��ون مث��ل ذل�ك ب��الموالي ول��و ك��انوا من أه��ل المنزلة الرفيعة أو أهل العلم والتق��وى ف��إن عب��د الل��ه بن عون من كرام الت��ابعين ولكن��ه ك��ان م��ولى ف��تزوج عربي��ة

فضربه بالد بن أبي بردة بالسياط. ف��تزويج الم��ولى بالعربي��ة ب��الغ األموي��ون في تقبيح��ه تعص��با للع��رب على س��واهم وه��و عن��دهم أقبح من زواج العربي بغير العربية، ولكن ذلك لم يكن محرما في ال��دين وال اعت���بره أه���ل التق���وى. فعلي بن الحس���ين بن علي المعروف بزين العابدين )علي��ه الس��الم( وه��و أح��د األئم��ة االثني عشر ومن سادات الت�ابعين ك�انت أم��ه س�المة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، فلما توفي أب��وه زوجه��ا بثري��د مولى أبيه وأعتق جارية له وتزوجها فكتب إليه عبد المل��ك��ره ب��ذلك. فكتب إلي��ه زين العاب��دين )علي��ه بن م��روان يعي السالم(: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حس��نة وق��د أعت��ق رس��ول الل��ه ص��فية بنت حي بن أخطب وتزوجه��اوأعتق زيد بن حارثة وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش(. فاإلس��الم يرف��ع منزل��ة الم��ولى وأم��ا األموي��ون ف��رأوا تحقيره باعتبار أنه غ��ير ع��ربي. وجمل��ة الق��ول أن تعص��ب بني أمية للعرب جرهم إلى تحق��ير غ��ير الع��رب وخصوص��ا الم��والي فنقم ه��ؤالء عليهم وك��انوا أك��بر المس��اعدين في

إخراج الدولة من أيديهم.أهل الذمة وأحكامهم في عصر األمويين

عهود أهل الذمة في أول اإلسالم

الذمة في اللغة العهد واألمان والض��مان وأه��ل الذم��ة هم المستوطنون في بالد اإلسالم من غير المسلمين. قيل لهم ذل����ك ألنهم دفع����وا الجزي����ة ف����أمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأك��ثرهم من النص��ارى واليه��ود وق��د دعاهم القرآن )أهل الكت��اب( نس��بة إلى الت��وراة واإلنجي��ل وقد أثنى عليهم وأوص��ى بهم خ��يرا. وفي الح��ديث النب��وي أقوال كثيرة في اإلحسان إلى أهل الذمة وخصوص��ا قب��ط مص��ر فق��د رووا عن الن��بي )علي��ه الس��الم( أن��ه ق��ال: )إذا افتتحتم مص��ر فاستوص��وا بالقب��ط خ��يرا ف��إن لهم ذم��ة

( إشارة إلى أن أم إس��ماعيل أبي الع��رب منهم.3ورحما() وقال: )الله الله في أهل الذم��ة الم��درة الس��وداء الس��حم الجعاد ف��إن لهم نس��با وص��هرا( وفي ت��اريخ الفت��وح عه��ود كثيرة كتبت ألهل الذمة عاهدهم المسلمون فيها بحمايتهم وتسهيل أعمالهم في مقابل ما يؤدونه من الجزي��ة ككت��اب النبي )صلى الله عليه وآله( إلى صاحب أيلة )في العقب��ة( وإلى أهل أذرح في أثناء غ��زوة تب��وك في الس��نة التاس��عة للهجرة. وه��اك كت��اب الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( إلى

صاحب أيلة: )بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الل��ه ومحم��د الن��بي رس��ول الل��ه ليح��يى بن روي��ة وأه��ل أيل��ة س��فنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله وذمة محمد الن��بي ومن كان معهم من أهل الشام وأه��ل اليمن وأه��ل البح��ر فمن أحدث منهم حدثا فإنه ال يحول ماله دون نفسه وإن��هب لمن أخ��ذه من الن��اس وإن��ه ال يح��ل أن يمنع��وا م��ا طي يردونه وال طريقا يردون��ه من ب��ر أو بح��ر( واقت��دى ب��النبي )صلى الله عليه وآله( قواده في أثناء الفتح بالشام ومصر والعراق وفارس وكتبوا العه��ود أله��ل الذم��ة على نح��و م��ا تقدم في مقابل الجزية. أما شروط الصلح فكانت تختل��ف شدة ورفقا باختالف البالد واألحوال التي فتحت بها فص��لح

مص��ر يختل��ف عن ص��لح الش��ام وص��لح الش��ام غ��ير ص��لحالعراق.

األمويون وأهل الذمة

كذلك كانت أحكام الذمة لما أفضت الخالف��ة إلى ب��ني أمية وكانوا ال يخافون الروم على الشام ألن مقر خالفتهم فيه��ا وق��د احتل��وا الش��واطئ وتغلب��وا على أهله��ا وص��اروا يغزون الروم في البحر. على أنهم ضيقوا على أهل الذم��ة من جهة الجزي��ة في جمل��ة مس��اعيهم في حش��ر األم��وال الصطناع األحزاب والتمت��ع بأس��باب ال��دنيا ف��زادوا الجزي��ة والخراج وشددوا في تحصيلهما وضيقوا على الن��اس ح��تى أخذوا الجزية ممن أسلم. وأما من بقي على دينه من أهل الكتاب فكانوا يسومونهم سوء الع��ذاب ويحتق��رونهم ألنهم ليسوا عربا وال مسلمين. وال غرابة في ذلك بعد م��ا علمت من احتقار بني أمي��ة لغ��ير الع��رب من المس��لمين. وك��انوا يعدون الناس ثالث درج��ات: أوله��ا الع��رب ثم الم��والي ثم أهل الذمة، ويؤيد ذل��ك رأي معاوي��ة في أه��ل مص��ر ق��ال: )وجدت أهل مصر ثالثة أص��ناف: فثلث ن��اس، وثلث يش��به الناس، وثلث ال ناس. فأما الثلث الذين هم ن��اس ف��العرب والثلث الذين يشبهون الناس ف��الموالي والثلث ال��ذين هم

ال ناس فالمسألة( يعني القبط. ولم��ا رأى القب��ط أن اإلس��الم ال ينجيهم من الجزي��ة أو العن���ف في تحص���يلها عم���د بعض���هم إلى التلبس بث���وب الرهبنة، والرهبان ال جزية عليهم ف��أدرك عم��ال ب��ني أمي��ة غرضهم فوضعوا الجزية على الرهبان وازدادوا غيظا منهم حتى أراد بعضهم أخذها من األموات فضال عن األحياء ب��أن يجعلوا جزي��ة الم��وتى على أحي��ائهم. ونظ��را الهتم��ام ب��ني أمية بجم�ع األم��وال لألس�باب ال��تي ق��دمناها وأه�ل الذم��ة أقدر على مس��اعدتهم في جمعه��ا من س��واهم القت��دارهم في الحس��اب والكتاب��ة وأعم��ال الخ��راج اس��تخدموهم في ه��ذا الس��بيل رغم إرادتهم ولم يكن يهمهم ذل��ك من وج��ه ديني لنشر اإلسالم أو حصر النصرانية ولوال ذل��ك م��ا ول��وا خالدا القسري العراقين وأمه نصرانية رومية ك��ان ي��راعي

جانبها ويكرم النصارى من أجلها فاعتز النصارى في أيامه. وأراد خالد أمه على اإلسالم فلم تسلم فابتنى لها بيعة في ظهر القبلة بالمسجد الجامع في الكوفة فكان الم��ؤذن إذا أراد أن ي��ؤذن ض��رب له��ا بالن��اقوس وك��ان خال��د ي��ولي النص��ارى والمج��وس على المس��لمين ويطل��ق أي��ديهم في الحكوم��ة فيس��تبدون بالمس��لمين. وعم��ر بن أبي ربيع��ة الشاعر المشهور كانت أمه نص��رانية م��اتت والص��ليب في عنقها وكان النصارى في أيام بني أمية ي��دخلون المس��اجد ويمرون فيه��ا فال يعترض��هم أح��د. وك��ان األخط��ل الش��اعر النصراني يدخل على عبد الملك بن مروان بغ��ير إذن وه��و سكران وفي صدره صليب وال يعترضه أحد وال يس��تنكفون

من ذلك ألنهم كانوا يستعينون به في هجاء األنصار. على أن بعض الخلف��اء من ب��ني أمي��ة ك��انوا إذا قرب��وا نص��رانيا أو يهودي��ا طلب��وا إلي��ه أن ي��دخل في اإلس��الم فال يمنعه من الرفض م��انع إال من يغض��ب الخليف��ة علي��ه ولم يكن يحتاج إليه فينتقم منه كم��ا أص��اب ش��معلة وك��ان من رهط الفرس نصرانيا ف��دخل على بعض خلف��اء ب��ني أمي��ة فقال له: )أسلم يا شمعلة( قال: )ال والله ال أسلم أب��دا وال أسلم إال طائعا إذا شئت( فغضب وأمر فقطعت بضعة من فخذه وشويت بالنار وأطعمها. أما األخطل فإن عبد الملك قال له مرة: )أال تس��لم فنف��رض ل��ك في الفيء ونعطي��ك عشرة آالف( قال: )كيف ب��الخمر؟( ق��ال: )وم��ا نص��نع به��ا وإن أولها لم�ر وآخره��ا لس�كر( فق��ال: )أم�ا إذا قلت ذل�ك فإن بين هاتين لمنزل��ة م��ا ملك��ك فيه��ا إال كلعق��ة م��اء من

الفرات باإلصبع( فضحك. ولوال معاوية وعبد المل��ك وهش��ام ل��ذهبت الدول��ة من أيديهم عاجال لما تداول الخالفة بينهم من الخلفاء الضعفاء أه��ل ال��ترف والله��و والقص��ف. وأولهم يزي��د بن معاوي��ة

ه� فقد كان مغرم��ا بالص��يد كث��ير العناي��ة64المتوفى سنة باقتن��اء الج��وارح والكالب والق��رود والفه��ود. وك��ان يحب الطرب والمنادمة على الشراب فجرى عمال��ه على مثال��ه وأظهروا الشرب وفي أيامه ظهر الغناء في مكة والمدين��ة

واس��تعملت المالهي ولم يكن المس��لمون يعرفونه��ا قب��لذلك.

ه� ويسمونه105ومنهم يزيد بن عبد الملك توفي سنة خليع بني أمية فقد تولى الخالفة بعد عمر بن عب��د العزي��ز وس��ار في طري��ق غ��ير طريق��ه فش��غف بج��اريتين اس��م إحداهما سالمة واألخرى حبابة فقطع معهما زمان��ه. وغنت

يوما حبابة: بين التراقي واللهاة ح��رارة***م��ا تطمئ���ن وال تس��وغ

فتبرد فأهوى يزيد ليطير فقالت: )يا أمير المؤمنين لن��ا في��ك حاج��ة( فق��ال: )والل��ه ألط��يرن( فق��الت: )على من ت��دع��ل ي��دها، وخ��رج يوم��ا ليت��نزه في األمة( فقال: )عليك( وقب ناحية األردن ومعه حباب��ة وبينم��ا هم��ا في الش��راب رماه��ا بحب��ة عنب ف��دخلت حلقه��ا فش��رقت ومرض��ت وم��اتت. فتركها ثالثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبله��ا وينظ��ر إليه��ا ويبكي فكلم��وه في أمره��ا ح��تى أذن ب��دفنهاوعاد إلى قصره كئيبا حزينا وسمع جارية له تتمثل بعدها:

كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى***من��ازل من يهوىمعطلة قفرا

فبكى وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام ال يظهر للن��اس أشار عليه أخوه مس��لمة ب��ذلك مخاف��ة أن يظه��ر من��ه م��ا

يسفهه عند الناس ولم يحكم إال أربع سنوات. ومنهم الولي��د بن يزي��د بن عب��د المل��ك المت��وفى س��نة

ه� وكان خليعا سكيرا همه الصيد وشرب الخمر ح��تى126 جع�ل الخم��ر في ب��رك يغ�وص فيه�ا ويش�رب وأول ش�يء فعله لما ولي الخالفة أن��ه بعث إلى المغن��يين في المدين��ة ومكة وأشخص��هم إلي��ه واس��تقدم أه��ل المج��ون والخالع��ة ون��ادمهم وب��الغ في التهت��ك والمس��كر ولكن��ه لم يحكم إال سنة واحدة. فلما انغمس بنو أمية بالترف والقصف مع م��ا ك��ان من تعص��بهم على غ��ير الع��رب واحتق��ارهم الم��والي وإساءتهم إلى أه��ل الذم��ة وس��ائر أه��ل الق��رى بم��ا ك��انوا يسومونهم إي��اه من نهب غلتهم في أثن��اء الس��فر، إذ ك��ان جند المسلمين في أواخر أي��ام ب��ني أمي��ة إذا م��روا بقري��ة

غصبوا أموال من يمرون به فأصبح الناس يتحدثون بق��رب زوال دولتهم ولم تمض إال س����نوات قليل����ة ح����تى ذهبت

وقامت الدولة العباسية مقامها.16-�15 سورة إبراهيم: 1.193، ص�6 وسائل الشيعة: ج2.760، ص�5 كنز العمال: ج3

األول الفارسي العصر

ه��� إلى خالف��ة المتوك��ل132من خالفة الس��فاح س��نة ه� دعونا هذا العص��ر فارس��يا م��ع أن��ه داخ��ل في233سنة

عصر الدولة العباس��ية ألن تل��ك الدول��ة على كونه��ا عربي��ة من حيث خلفائه��ا ولغته��ا وديانته��ا فهي فارس��ية من حيث��دوها ثم هم سياس��تها وإدارته��ا ألن الف��رس نص��روها وأي نظموا حكومتها وأداروا ش�ؤونها ومنهم وزراؤه�ا وأمراؤه�ا وكتابها وحجابها. وقد حملهم على القيام بنصرتها ما علمته من عصبية ب��ني أمي��ة على غ��ير الع��رب واحتق��ار الم��والي وأكثرهم من الفرس فكانوا ينص��رون ك��ل ن��اقم على تل��ك

الدولة.الشيعة وبنو أمية

ظه��ر بن��و أمي��ة وتس��لطوا واس��تبدوا وآل علي )علي��ه السالم( يطالبون بالخالفة ويسعون في إدراكه��ا. وأول من طلبها بعد علي ابنه الحسن )عليه السالم( ثم تن��ازل عنه��ا

ه� فغضب أشياع العلويين في الكوفة من41لمعاوية سنة تنازله وهاجوا وأم��ير الكوف��ة يومئ��ذ زي��اد بن أبي��ه الداهي��ة الشهير فشدد في إخماد الث��ورة وقت��ل جماع��ة من أش��ياع علي فيهم حج��ر بن ع��دي وأص��حابه، ف��تربص العلوي��ون ينتظرون موت معاوية لعل انتخ��اب األم��ة يق��ع على واح��د من أبن��اء علي )علي��ه الس��الم( ف��ترجع الخالف��ة إلى أه��ل البيت ولم يخطر لهم أن يب��ايع معاوي��ة البن��ه، فلم��ا علم��وا ببيعت��ه نقم��وا علي��ه وزادهم نقم��ة م��ا علم��وه من تهتك��ه وقصفه واش��تغاله بالص��يد على أم��ور الخالف��ة، ومن ق��ول

عبد الله بن هشام السلولي في ذلك: خشينا الغيض حتى لو ش��ربنا***دم��اء بن���ي أمي���ة م��ا

روينا

لق��د ض��اعت رعيت����كم وأن�����تم***تص��يدون األرانبغافلينا

وك��ان أوج��ه العل��ويين يومئ��ذ الحس��ين بن علي )علي��ه ه� وتولى ابنه يزي��د أبى60السالم( فلما مات معاوية سنة

الحس��ين )علي��ه الس��الم( أن يبايع��ه، على أن أك��ثر ال��ذين بايعوه من أهل التقوى ع��دوا بيعتهم خرق��ا لحرم��ة ال��دين، وكان الحسين )عليه السالم( في المدينة فلما طلب��وا من��ه أن يبايع يزيد فر إلى مكة وأكثر شيعته في الكوفة فكتب��وا إليه وحرضوه على القدوم إليهم لينصروه فأط��اعهم ولم��ا اق��ترب من الكوف��ة قع��دوا عن نص��رته، وبعث إلي��ه أم��ير الكوفة يومئ��ذ عبي��د الل��ه بن زي��اد جن��دا حارب��ه ف��دافع عن نفسه وأهله ح��تى قت��ل قتلت��ه المش��هورة في ك��ربالء ي��وم

ه�.61عاشوراء من سنة ثم ندم الش��يعة على قع��ودهم عن مناص��رته فخرج��وا

ه� يط��البون64بعد وفاة يزيد وبيعة مروان بن الحكم سنة بدمه وسموا أنفسهم )التوابين( وأمير الكوفة ال يزال عبيد الله بن زياد فأخرجوه منها وول��وا عليهم رجال منهم فتغلب ابن زياد عليه، فنهض المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان المختار عالي الهم��ة فج��اء الكوف��ة يط��الب ب��دم الحس��ين )علي��ه الس��الم( وي��دعو إلى بيع��ة محم��د بن الحنفي��ة أخي الحس��ين من أبي��ه، فتبع��ه على ذل��ك جماع��ة من الش��يعة سماهم )شرطة الله( وزحف على ابن زياد فهزم��ه وقتل��ه وقت��ل أك��ثر قتل��ة الحس��ين )علي��ه الس��الم(. أم��ا الش��يعة العلوية فانقسمت بعد مقتل الحس�ين )علي�ه الس�الم( إلى فرق��تين أح��دهما تق��ول إن الح��ق بالخالف��ة لول��د علي من فاطمة بنت النبي )صلى الله علي��ه وآل��ه( واألخ��رى تق��ول بتحوله��ا بع��د الحس��ن والحس��ين إلى أخيهم��ا محم��د بن الحنفية وهي الفرقة الكيسانية. وأكثرهم��ا ظه��ورا وتص��ديا الفرقة األولى فبايعوا بعد الحسين )عليه السالم( ابنه عليا المع��روف ب��زين العاب��دين وتسلس��لت الخالف��ة بع��ده في

إمام��ا وهم: علي والحس��ن12أعقاب��ه ح��تى ص��ار األئم��ة والحسين وزين العاب��دين ومحم��د الب��اقر وجعف��ر الص��ادق وموسى الكاظم وعلي الرض��ا ومحم��د التقي وعلي النقي

والحسن العسكري ومحمد المهدي )اإلمامية إنما اعتم��دوا على نص الرسول )صلى الله عليه وآله( ب��ذلك وك��ان بن��و أمية إذا سمعوا بظهور أحد دعاة العلوية بذلوا جهدهم في قتله فقتلوا بعض��هم وس��موا البعض اآلخ��ر وص��لبوا آخ��رين فأصبح دع��اة الش��يعة يس��تترون خ��وف الفت��ك بهم، فالقى العلويون في أيام بني أمية ض��نكا ش��ديدا وك��ادوا يهلك��ون

جوعا، وأصبح هم أحدهم قوت عياله.العباسيون

وكان في جملة المطالبين بالخالف��ة من أقرب��اء الن��بي )صلى الله عليه وآله( بن��و العب��اس عم الن��بي )ص��لى الل��ه عليه وآله( لكنهم كانوا ال يتصدون لطلبها واألموي��ون إب��ان دولتهم وإنم��ا ك��انوا ي��دعون إلى أنفس��هم س��را. وك��ان العلوي���ون والعباس���يون في أي���ام ض���يقهم واض���طهادهم يتقاربون ألنهم من ب�ني هاش�م وكال ال�رهطين أع�داء ب�ني أمي��ة من قب��ل اإلس��الم، والمض��طهدون يتق��اربون في أي

حال. وظل العباسيون يتسترون في دع��وتهم وهم مقيم��ون في الحميمة من أعمال البلقاء بالشام ح��تى ض��عف ش��أن بني أمية فهموا بالنهوض، واتفق في أثناء ذلك أن الفرق��ة الكيسانية دعاة ابن الحنفية صارت دعوته��ا بع��ده إلى ابن��ه أبي هاشم وكان أبو هاشم هذا يفد على خلف��اء ب��ني أمي��ة من المدينة إلى الشام فيمر في أثناء الطري��ق بالحميم��ة. ففي بعض زياراته لهشام بن عبد الملك آنس هش��ام من��ه فصاحة وقوة ورئاسة مع علمه بطمعه في الخالفة فخاف��ه فدس إلي��ه في أثن��اء رجوع��ه إلى المدين��ة رجال س��مه في لبن، فشعر أبو هاشم بالسم وهو في بعض الطريق فعرج إلى الحميمة وصاحب ال��دعوة العباس��ية يومئ��ذ محم��د بن علي بن عبد الله بن عباس فنزل عن��ده. ولم��ا أحس ب��دنو األجل خاف ضياع البيعة وه��و بعي��د عن أهل��ه فأوص��ى إلى محم��د الم��ذكور بالخالف��ة بع��ده، وك��ان مع��ه جماع��ة من شيعته س��لمهم إلي��ه وأوص��اه بهم، فلم��ا م��ات أب��و هاش��م تهوس محمد بالخالفة وأيقن بالنج��اح ألن��ه اكتس��ب ح��زب

الكيسانية جميعا فأخذ في بث الدعاة سرا، ثم ت��وفي وق��دأوصى بالخالفة بعده إلى ابنه وعرف باإلمام.

فأخ��ذ إب��راهيم اإلم��ام في بث دعات��ه وب��دأ بخراس��ان لوثوقه بأهلها أك��ثر من س��ائر أه��ل األمص��ار وألن الش��يعة الكيس��انية أك��ثرهم في خراس��ان والع��راق وق��د نص��روا العلويين مرارا، فبعث إليهم دع��اة الكيس��انية ال��ذين ك��انوا مع أبي هاشم وأوصاهم أن يطلبوا بيعة الن��اس باس��م )آل محمد( أي أه��ل الن��بي ولم يعين العل��ويين وال العباس��يين، وكان الخراسانيون قد ملوا الدولة األموية فه��ان عليهم أن يبايعوا آلل محمد وهم يحسبون األم��ر يك��ون مش��تركا بين العباسيين والعلويين. وتوفق إبراهيم اإلمام في أثن��اء ذل��ك إلى أبي مس��لم الخراس��اني القائ��د العجيب ف��أتم أم��رهم

وسلم لهم الدولة كما هو مشهور.بيعة المنصور للعلوية ونكثه

وك��ان بن��و هاش��م )العلوي��ون والعباس��يون( لم��ا رأوا اختالل أم��ر ب��ني أمي��ة اجتمع��وا بمك��ة وفيهم أعي��ان ب��ني هاشم علويهم وعباسيهم وت��داولوا في ق��رب انحالل دول��ة األمويين وفي من يخلفهم من أهل البيت، وكان في جملة الحضور أبو العباس السفاح وأخوه عبد الله بن محم��د بن علي بن عب��د الل��ه بن عب��اس وه��و أب��و جعف��ر المنص��ور وغيرهما من آل العباس، ف��أجمع رأيهم على مبايع��ة أوج��ه العلويين يومئذ وهو محمد بن عب�د الل�ه بن حس�ن المث�نى بن الحس���ن بن علي الملقب ب���النفس الزكي���ة، فب���ايعوه لتقدم��ه فيهم ولم��ا علم��وه من الفض��ل عليهم وبايع��ه أب��و جعفر المنصور في جملتهم. ولعل هذه المبايع��ة هي ال��تي أسكتت العلويين عن طلب الخالفة في أثناء انتش��ار دع��اة العباس��يين في طلبه��ا ك��أنهم اتفق��وا أن تك��ون الخالف��ة مشتركة في أهل البيت، ألن العباسيين كانوا يطلبون بيعة الناس باس��م )آل محم��د( وليس باس��م اإلم��ام إب��راهيم أو

غيره من بني العباس. أما دعاة الشيعة العلوية الذين كانوا ي��دعون للعل��ويين في الع��راق وف��ارس وخراس��ان قب��ل انتق��ال البيع��ة إلى

العباسيين فق��د رض��وا ب��ذلك االنتق��ال غ��ير مخ��يرين، وفي جملتهم أبو سلمة الخالل المثري الفارسي الش��هير وك��ان يقيم في حم���ام أعين بض���واحي الكوف���ة وك���ان ش���ديد التمسك بدعوة العلويين وقد بذل مال��ه وجاه��ه في س��بيل نشرها. فلما سمع بانتق��ال البيع��ة إلى ب��ني العب��اس كظم وتربص ليرى ما يقول الن��اس. ثم علم أن إب��راهيم اإلم��ام عين أب��ا مس��لم وأرس��له إلى خراس��ان ومع��ه الوص��ية المشهورة )من اتهمته فاقتله( وقد أطاعه النقباء فأطاع��ه أبو سلمة في جملتهم وهو يتوقع أن تك��ون البيع��ة ش��ورى بين الشيعتين ولما بلغه أن م��روان بن محم��د آخ��ر خلف��اء بني أمية قتل إب�راهيم اإلم��ام أض�مر الرج�وع إلى ال�دعوة العلوية ثم جاءه أخوة اإلم��ام وفيهم أب��و العب��اس الس��فاح وأخوت��ه وس��ائر أه��ل بيت��ه وق��د انتقلت البيع��ة إلى أبي العب��اس الم��ذكور ف��أنزلهم أب��و س��لمة عن��ده ورأى نفس��ه عاجزا عن نقل البيعة فس��كت فبقيت آلل العب��اس، وك��ان أبو مسلم وسائر النقباء والقواد يحاربون عساكر األم��ويين في خراس��ان وف��ارس والع��راق فلم��ا غلب��وهم وملك��وا خراسان وما يليها جاءوا العراق وبايعوا أبا العباس فسكت العلويون خوفا على أنفس��هم من ذل��ك التي��ار العظيم وهم

يتوقعون مع ذلك أن تكون الخالفة شورى بين الرهطين. وعلم العباسيون بما كان يضمره أب��و س��لمة من نق��ل الخالفة إلى العلويين فشكوه إلى أبي مسلم س��را، ف��دس إليه رجال قتل��ه بالكوف��ة غيل��ة وأش��اعوا أن بعض الخ��وارج قتله وقد قتلوا كثيرين غيره ممن شكوا في إخالصهم حتى

تم األمر لهم. أما آل الحسن بن علي الذين كانوا ق��د ب��ايعوا أح��دهم وهو محمد بن عبد الله في المدينة وبايعه معهم سائر بني هاشم ومنهم أبو جعفر المنصور فلما علموا ب��ذهاب دول��ة

ج��اءوا132بني أمية ومبايع��ة أبي العب��اس الس��فاح س��نة إليه في الكوفة يطالبونه ببيعتهم فاسترضاهم أبو العب��اس باألموال وقطع لهم القطائع. وكان في جملة القادمين إليه عبد الله بن الحس��ن وال��د ص��احب البيع��ة ف��أكرم الس��فاح وفادته وعرض عليه ما يرضاه من المال وقال له: )احتكم

علي( فقال عبد الله: )بألف ألف درهم فإني لم أرها قط( ولم يكن هذا المال موج��ودا عن��د الس��فاح فاستقرض��ه ل��ه من رجل صيرفي اسمه ابن أبي مقرن ودفعه إليه. واتفق وعب��د الل��ه الم��ذكور عن��د الس��فاح أن بعض الن��اس ج��اءه بالجواهر التي ك��انت عس��اكر العباس��يين ق��د اغتنمته��ا من مروان بن محمد فجع�ل الس�فاح يقلب الج�واهر بين يدي��ه وعبد الله ينظر إليها ويبكي فسأله عن السبب فقال: )هذا عند بنات مروان وما رأت بنات عمك مثله قط( فحب��اه ب��ه ثم أمر الصيرفي أن يبتاعه منه فابتاعه بثمانين ألف دين��ار )نح��و ملي��ون درهم( وأم��ر أب��و العب��اس ب��إكرام عب��د الل��ه وإنزاله على الرحب والسعة وهو يتوجس مما في ض��ميره فبث عليه العيون فآنس عنده طمعا فزاده عطاء فعاد عبد الله إلى المدين��ة مثقال ب��األموال ففرقه��ا في أهل��ه وك��انوا

أهل فاقة فلما رأوا تلك األموال سروا. وأما عبد الله فمازال مضمرا للمطالبة بالخالف��ة البن��ه على م��ا تمت المبايع��ة علي��ه والعباس��يون يخ��افون ذل��ك والس��فاح يسترض��يه وس��ائر أهل��ه ب��األموال، فلم��ا ت��وفي

ه� خلفه أخوه أبو جعفر المنص��ور وك��ان136السفاح سنة رجال شديد البطش وال يبالي بم��ا يرتكب��ه في س��بيل تأيي��د سلطانه، فكان همه قبل كل شيء أن يتحقق ما في نفس ب��ني الحس��ن في المدين��ة ألن لهم في عنق��ه بيع��ة فبث عليهم العي��ون وأراد اختب��ارهم فبعث بعط�اء أه�ل المدين��ة على جاري العادة من قبل وكتب إلى عامل��ه فيه��ا: )أع��ط الناس في أي��ديهم وال تبعث إلى أح��د بعطائ��ه وتفق��د ب��ني هاش��م ومن تخل��ف منهم عن الحض��ور وتحف��ظ بمحم��د وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن( ففعل العامل ذلك فلم يتخلف عن العط��اء إال محم��د وإب��راهيم الم��ذكوران فكتب إليه بذلك، فتحقق المنصور أنهما ينويان القيام علي��ه وق��د س��كتا في أثن��اء خالف��ة أخي��ه ألن��ه ك��ان يكرمهم��ا ويغ��دق األموال عليهما والمنصور ال يرى ذل��ك، فلم��ا رأوا تض��ييقه عزم��وا على الخ��روج فبث��وا ال��دعاة في خراس��ان وغيره��ا يدعون ش��يعتهم إلى بيعتهم، فعلم أب��و جعف��ر ب��ذلك فبعث من يقبض على كتبهم في الطري��ق واحت��ال في اس��تطالع

أس���رارهم وأراد اس���تقدام اب���ني عب���د الل���ه وكتب إلي���ه يستقدمه بهما فأنكر عبد الله أن��ه يع��رف مقرهم��ا فأص��بح هم المنصور التخلص منهما ومن سائر طالب الخالف��ة من العلويين وخصوصا بني الحس��ن وهم يقيم��ون في المدين��ة فبعث إلى عامله فيها أن يقبض عليهم جميعا ثم أم��ره أن ينقلهم إلى الع��راق فنقلهم وهم مثقل��ون ب��القيود واألغالل في أرجلهم وأعناقهم وقد حملهم على محامل بغير وط��اء ولكن ليس فيهم محم����د وال إب����راهيم ابن����ا عب����د الل����ه الستتارهما، فجاءوا بب��ني الحس��ن وع��دتهم بض��عة عش��رة

رجال فأمر المنصور بقتلهم فقتلوا إال بضعة قليلة. أما محمد بن عبد الله صاحب البيعة فلم يقع في الفخ فبعث المنصور إلى عامله في المدينة أن يشدد في طلب��ه فلم ير محمد بدا من القي��ام فظه��ر بال��دعوة فبايع��ه أه��ل المدينة بع��د أن اس��تفتوا إم��امهم مال��ك بن أنس فأفت��اهم ب��الخروج مع��ه فق��الوا: )إن في أعناقن��ا بيع��ة ألبي جعف��ر( فقال: )إنكم ب��ايعتموه مك��رهين وان بيع��ة محم��د بن عب��د الله أصح منها ألنها انعقدت قبلها( وك��ان أب��و حنيف��ة أيض��ا على هذا الرأي يق�ول بفض�ل محم�د ه�ذا ويحتج إلى حق�ه فحف��ظ لهم��ا المنص��ور ه��ذا الق��ول ف��نزلت بهم��ا المحن��ة

ه�145بس��بب ذل��ك، فلم��ا تمكن من محم��د وقتل��ه س��نة أصبح من أكبر المضطهدين لهما فضرب مالكا على الفتي��ا في طالق المكره وحبس أبا حنيف��ة على القض��اء كم��ا ه��و

مشهور. وكان لنكث المنصور لبيع��ة محم��د بن عب��د الل��ه ت��أثير عظيم في أذهان العلويين ألنه جاءهم بغتة وك��انوا يظن��ون ذل��ك ال يص��در من أه��ل ال��بيت كم��ا ص��در من ب��ني أمي��ة

فتحسروا على أيام بني أمية وتمنوا رجوعها.سياسة العباسيين في تأييد سلطتهم

القتل على التهمة

قد رأيت في ما تق�دم أن ب�ني العب�اس ق�اموا ي�دعون إلى أنفسهم وهم بين خط��رين عظيمين األول أن يح��اربوا

بني أمية ويتغلبوا على أحزابهم، والث��اني أن ي��أمنوا ج��انب العلويين في مسابقتهم إلى الخالفة، فكان أبو مس��لم في سبيل الدعوة يقتل كل من اتهم��ه أو ش��ك في��ه فبل�غ ع��دد

نفس قتلوا600.000الذين قتلهم في سبيل هذه الدعوة صبرا بدون حرب في بضع سنين وفي جملتهم جماعة من كبار الشيعة وفيهم غير واحد من أجلة النقباء وكبار الدعاة كأبي سلمة الخالل الذي نصر الدعوة العباسية بمال��ه كم��ا نصرها أبو مسلم بسيفه وكان يقال له وزير آل محمد كما يقال ألبي مس��لم أم��ير آل محم��د، ناهي��ك عمن قتلهم من غير الشيعة وفيهم األم��راء والق��واد. قت��ل بعض��هم بالحيل�ة والبعض اآلخر بالغدر، حتى سئم الناس فعله ومل��وا س��فك الدماء وأصبح المسلمون حتى رجاله ال يدعى أح��دهم إلى مقابلت��ه إال أوص��ى وتكفن وتحن��ط. وث��ار من ذل��ك بعض األمراء من شيعة بني العباس وصاح في رجال��ه: )م��ا على ه��ذا اتبعن��ا آل محم��د أن تس��فك ال��دماء وأن يعم��ل بغ��ير

رج��ل فوج��ه30.000الح��ق( فتبع��ه على رأي��ه أك��ثر من إليهم أبو مسلم جندا وقتلهم.

غدر المنصور والدولة العباسية

فبهذا وأمثاله مه��د أب��و مس��لم الخالف��ة لب��ني العب��اس فساعدهم أوال على إخراجها من بني أمية إلى أهل ال��بيت ولم يكتف ببيعة أبي العباس وقتل م��روان بن محم��د آخ��ر خلفاء بني أمية ولكنه حرضهم على قتل من بقي من ب��ني أمية باإلغراء أو التخويف على ألسنة الشعراء. ويق��ال أن��ه هو الذي أوعز إلى سديف الش��اعر م��ولى ب��ني هاش��م أن يقول ذل�ك الش�عر في مجلس الس�فاح وفي�ه س�ليمان بن هاشم بن عبد الملك وكان السفاح قد أمن�ه وأكرم�ه وأمن سائر بني أمية فيقال أن س��ديفا دخ��ل يوم��ا على الس��فاح

وعنده سليمان بن هشام فأنشد سديف قوله: ال يغرنك ما ت��رى م��ن رج��ال***إن تح��ت الض��لوع

داء دويا فض��ع الس��يف وارف��ع الس��وط ح��تى***ال ت��رى ف���وق

ظه��رها أم��ويا

فتأثر السفاح وأمر بسليمان فقتل، ودخل ش��اعر آخ��ر فقال شعرا آخر وكان عند السفاح نحو س��بعين من رج��ال ب��ني أمي��ة فقتلهم وبس��طوا النط��وع على جثثهم ف��أكلوا الطعام وهم يسمعون أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا وقيل في كيفية قتلهم غ��ير ذل��ك وأن ال��ذي قتلهم عب��د الل��ه بن علي عم السفاح وه��و مش��هور بكره��ه لب��ني أمي��ة وش��دة نقمت���ه عليهم ولكن ال خالف في أنهم قتل���وا غ���درا س���نة

ه� وهم آمنون كما قتل األم��راء الممالي��ك بمص��ر في132أوائل القرن الماضي.

والغالب أن أبا مسلم أوعز إلى العباس��يين بقتلهم لئال يقفوا في س��بيل دولتهم فأش��ار إلى س��ديف أن يحرض��هم على ذلك بشعره. ولم يقل سديف ذلك حبا بب��ني العب��اس ب��ل كره��ا لب��ني أمي��ة وانتقام��ا آلل علي ألن��ه من الش��يعة العلوية وهو يظن أن الخالفة ش��ورى بين الش��يعتين. فلم��ا رأى المنص��ور اس��تقل به��ا بع��د ذل��ك نقم على العباس��يين وهجاهم بأشعار بلغ خبره�ا المنص�ور فكتب إلى عامل�ه أن يأخذ سديفا فيدفنه حي��ا ففع��ل، وبع��د أن قت��ل العباس��يون من كان في قبض��تهم من األم��ويين عم��دوا إلى استئص��ال ش��أفتهم من س��ائر البالد، ولم ينج منهم إال قليل��ون أهمهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ففر إلى الغرب وأسس دولة بني أمية باألندلس، وتولى استئصال ش��أفة األم��ويين�اس عب��د الل�ه بن علي فب��الغ في ذل�ك ح�تى من ب��ني العب نبش قبورهم ومثل بجثثهم انتقاما لم��ا فعل��وه قبال باألئم��ة من آل علي )عليه السالم( وخصوصا زيد بن زين العابدين )عليه السالم(، فاستخرج جث��ة هش��ام بن عب��د المل��ك من

قبره وهو لم يبل فضربه ثمانين سوطا ثم أحرقه. وبع��د أن تخلص المنص��ور من األم��ويين لم ي��دخر أب��و مسلم وسعا في تخليص الدولة له من أقربائه آل العب��اس أنفسهم وفي جملتهم عبد الله بن علي المتقدم ذكره وقد طمع بالخالفة فحاربه بأمر المنصور وغلبه وقبض على م��ا في عس��كره من الغن��ائم واألس��لحة، ف��أراد المنص��ور أن يوجه همه إلى بني الحسن منافسيه في الخالفة فاش��تغل خاطره بأبي مسلم وأصبح خائفا منه على س��لطانه بع��دما

بل��غ إلي��ه من النف��وذ والش��هرة والدال��ة، ولم يكن هم��ه إال قتله ليتفرغ للعلويين فاتهمه بأنه ينوي إخراج المل��ك منهم فاس��تحق القت��ل عمال بوص��ية اإلم��ام، وك��ان المنص��ور ق��د خاف أبا مسلم وعزم على قتله من عهد خالف��ة أخي��ه أبي العباس ولكن أبا العباس لم يرد اإلق��دام على ذل��ك، فلم��ا م��ات الس��فاح وخلف��ه المنص��ور ص��مم على قتل��ه ولكن��ه استخدمه في حرب عمه عبد الله بن علي فضرب عدوي��ه أح��دهما ب��اآلخر فأيهم��ا قت��ل ص��احبه انف��رد فيس��هل على المنصور قتله، فلما فرغ أبو مسلم من حرب عبد الل��ه بن علي احتال المنصور في استقدامه إلي��ه من خراس��ان في حديث طويل وأدخله عليه دخول الزائ��ر األمين وق��د أكمن ل��ه أناس��ا بالس��الح وراء الس��تر فأخ��ذ س��يفه من��ه وحادث��ه وت��درج من العت��اب إلى الت��وبيخ ح��تى إذا أزفت الس��اعة صفق المنصور فخ��رج الك��امنون بأس��لحتهم وقتل��وه س��نة

ه� فأمر به فلفوه بالبساط ثم دعا بعض رجال خاصته137 وشاورهم في قتله ولم يقل لهم أنه قتله فقال له أحدهم: )إن كنت ق��د أخ��ذت من رأس��ه ش��عرة فاقتل��ه ثم اقتل��ه( فأش��ار المنص��ور إلى البس��اط فلم��ا رأى أب��ا مس��لم في��ه

وتحقق موته قال: )عد هذا اليوم أول يوم من خالفتك(. ولما فرغ المنصور من أبي مسلم لبث يتوقع م��ا يب��دو من رجال��ه الخراس��انيين لعلم��ه أن��ه ارتكب بقتل��ه خط��را عظيم���ا فم���ا لبث أن ث���ار علي���ه جماع��ة منهم يعرف���ون��دافع عن��ه معن بن بالراوندي��ة وك��ادوا يفتك��ون ب��ه ل��و لم ي زائدة، فقت��ل الراوندي��ة جميع��ا ولكن��ه أص��بح ال ي��أمن على نفس��ه من مث��ل ه��ذه الث��ورة فب��نى مدين��ة بغ��داد بش��كل حصين يقيه غائل��ة ذل��ك عن��د الحاج��ة ثم عم��د إلى تخليص الخالفة من آل علي فحارب محمد بن عبد الله وقتل��ه. ثم رأى من آل العباس من ينازعه عليها منهم عمه عب��د الل��ه وكان أبو مسلم قد غلبه ولكنه لم يتمكن من قتله فاحت��ال المنصور في استقدامه بأم��ان بعث��ه إلي��ه م��ع ولدي��ه فج��اء فحبسه عنده، ثم علم سرا أن ابن عمه عيسى بن موسى ينوي الخروج عن طاعته وكان واليا على الكوفة، فتجاهل��ه وبعث إليه وقد دبر أمرا كتمه عن رجال بطانته، فلما ج��اء

عيسى استقبله المنصور بالترحاب واإلك��رام ثم أخ��رج من كان في حضرته من الحاشية واستبقاه وحده وأقب��ل علي��ه وقال: )يا بن العم إني مطلعك على أمر ال أجد غ��يرك من أهله وال أرى سواك مساعدا لي على حمل ثقله فه��ل أنت في موضع ظني بك وعامل ما فيه بق��اء نعمت��ك ال��تي هي منوط��ة ببق��اء ملكي( فق��ال ل��ه عيس��ى: )أن��ا عب��د أم��ير المؤمنين ونفسي طوع أمره ونهي��ه( فق��ال المنص��ور: )إن عمي وعمك عبد الله قد فسدت بطانت��ه واعتم��د على م��ا بعضه يبيح دمه وفي قتله صالح ملكنا فخ��ذه إلي��ك واقتل��ه س�را( فأطاع��ه عيس�ى فس�لم إلي��ه عم��ه فمض�ى ب�ه إلى الكوفة، وأضمر المنصور أن ابن عمه عيسى إذا قتل عمه عبد الله ألزمه القصاص وس��لمه أعمام��ه أخ��وة عب��د الل��ه ليقتلوه به فيكون قد استراح من االثنين مع��ا. أم��ا عيس��ى فكأنه شك في نية المنصور والناس يومئذ يتهمون بعضهم بعضا خوفا من وصية اإلمام فاستشار بعض ذوي مش��ورته فحذروه من عاقبة ذلك فحبس عمه ولم يقتله، ولما طلبه المنصور منه دفعه إليه حي��ا فقتل��ه في بيت جع��ل أساس��ه

على الملح. وأمثلة ما أتاه المنصور من الدهاء والفتك في تأسيس دولته كثيرة وكان يعطي األمان ثم ينكث، فلما قام محم��د بن عبد الله العلوي في المدينة خافه المنص��ور كم��ا تق��دم فبعث إليه يعرض عليه األمان ويعده خ��يرا فأجاب��ه محم��د: )أي أمان تعطيني أمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الل��ه أم أمان أبي مسلم؟( وظ��ل المنص��ور وأب��و مس��لم ق��دوة لمن ج��اء بع��دهما بال��دهاء والفت��ك. وك��ان المنص��ور أيض��ا قدوة لعبد الرحمن بن معاوية مؤسس دولة بني أمي��ة في األندلس وقد ف�ر من الع�راق فالش�ام إلى المغ�رب خوف�ا من القتل فنصره رجال��ه وخصوص��ا م��ولى ل��ه اس��مه ب��در سعى في تأييد سلطانه مث��ل س��عي أبي مس��لم في تأيي��د الدولة العباس��ية فلم��ا اس��تتب ل��ه األم��ر س��لبه ك��ل نعم��ة وسجنه ثم أقصاه حتى مات وفع��ل نح��و ذل��ك في رؤس��اء

األحزاب الذين نصروه.

واش��تهر فت��ك العباس��يين بال��ذين ينص��روهم في تأيي��د دولتهم حتى صار الخلف��اء أنفس��هم يش��يرون إلى ذل��ك إذا أعوزهم االستدالل به، فاألمين لما رأى طاهر بن الحس��ين يتف��انى في نص��رة أخي��ه الم��أمون وق��د ت��ولى قي��ادة جن��د الخراس��انيين وغلب على جن��د األمين وك��اد ي��ذهب بدولت��ه كتب األمين إليه: )بسم الله الرحمن ال��رحيم اعلم أن��ه م��ا قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا وكان جزاؤه إال السيف فانظر لنفس��ك أو دع( وفي الواق��ع أن الم��أمون لم��ا اس��تتب ل��ه األمر في الخالفة بسيف ط��اهر الم��ذكور عم��ل على قتل��ه بحجة مثل حجة المنصور بقتل أبي مسلم فأهدى له خادما

كان رباه وأمره أن يسمه ففعل. وقد رأيت أن الدولة العباسية قامت بالفرس وغ��يرهم من الرعايا وفيهم الموالي وأهل الذمة وكانوا ناقمين على دولة بني أمية فنصروا أهل البيت انتقام��ا منه��ا والجمه��ور

األهم منهم الفرس.الفرس والعرب قبل اإلسالم

الف��رس أه��ل سياس��ة وس��لطان وق��د أنش��أوا ال��دول وساس��وا الن��اس ووض��عوا األحك��ام من ق��ديم الزم��ان. وض��خمت دولتهم وق��ويت ش��وكتهم ح��تى ح��اربوا اليون��ان والرومان ونب��غ فيهم الق��واد والعلم��اء والحكم��اء وترجم��وا كتب العلم والفلس��فة وك��ان لهم ش��أن كب��ير في الت��اريخ القديم واشتهر فيهم فضال عن األس��ر المالك��ة وال��دهاقين واألساورة بيوتات شريفة. وكان في مملكة ف��ارس قبائ��ل كثيرة من الع��رب يقيم��ون على ح��دودها بين النه��رين في الع��راق والجزي��رة وك��انت لهم دول��ة عربي��ة تحت رعاي��ة الفرس وهم المناذرة في الحيرة. وجملة القول أن العرب كانوا يخدمون الفرس في أي��ام دولتهم قب��ل اإلس��الم كم��ا خدم الفرس العرب في أيام دولتهم بعد اإلسالم، وبعد م��ا الق��وه من ض��غط ب��ني أمي��ة واحتق��ارهم ك��انوا ينتفض��ون فيح����اربهم األموي����ون ويب����الغون في إه����انتهم وظلمهم ويضربون مدائنهم بالمنجنيق ويقتل��ون أهاليه��ا ح��تى أفن��وا أكثر البيوتات القديمة ووجوه األساورة الذين ك��انوا ي��أوون

إلى اصطخر فال لوم عليهم بعد ذل�ك إذا نص�روا ك�ل ق�ائم على الدول���ة األموي���ة. على أنهم لم يف���وزوا إال بطلبه���ا للعباسيين كم��ا رأيت وك��انوا يع��دون ذل��ك ف��وزا ألنفس��هم تخلصا من عصبية الع��رب عليهم وطمع��ا في الرج��وع إلى

ما كانوا عليه من السلطة والشوكة.استخدام الموالي الفرس

فلما قبض العباسيون على زمام الملك جعلوا عاص��مة مملكتهم بين شيعتهم في العراق فأقاموا أوال في الكوف��ة ثم في الهاش��مية ح��تى ب��نى المنص��ور مدين��ة بغ��داد على دجل��ة فجعلوه��ا دار الخالف��ة. وقرب��وا الم��والي الف��رس وخصوصا أهل خراسان فجعلوهم بط��انتهم ورج��ال دولتهم والسيما ال��ذين ح��اربوا م��ع أبي مس��لم في طلب الخالف��ة وأشهرهم خالد بن برمك جد ال��وزراء البرامك��ة فإن��ه ك��ان من ق��واد جن��د أبي مس��لم وش��هد مع��ه الوق��ائع وأبلى بالء حس��نا في نص��رة أه��ل ال��بيت، فقدم��ه أب��و العب��اس وواله الوزارة ثم توالها للمنصور وخدم��ه بع��د مقت��ل أبي مس��لم في محاربة األكراد وكانوا ق��د تغلب��وا على ف��ارس وت��والت الوزارة في أعقابه إلى يحيى ابنه فجعف��ر ابن��ه وه��و ال��ذي نكب البرامكة على عهده، وكانت أم��ور الدول��ة ترج��ع إلى الوزراء يولون ويعزل��ون وإذا تواله��ا أح��دهم ولى األعم��ال رجاال من أصحابه أو مريدي��ه. فتغ��يرت األح��وال على أه��ل البالد واطمأنت خواطرهم وتفرغوا للعم��ل في التج��ارة أو الصناعة أو الزراعة ونس��وا م��ا ك��انوا في��ه من ض��غط ب��ني أمي��ة واس��تبدادهم وأطلقت حري��ة العم��ل وحري��ة ال��دين وذهبت عصبية العرب ورتع الناس في بحبوحة األمن. ولما اس��تبد األت��راك في الدول��ة وض��عفت ش��وكة الف��رس بع��د المأمون ظل الموالي من أصحاب النفوذ في دولة الخلفاء يعتم��د عليهم الخليف��ة في أم��وره الخاص��ة والعام��ة من الكتاب��ة إلى القي��ادة ولم يع��د التق��دم فيهم للف��رس بن��وع خ��اص ولكنهم أص��بحوا أخالط��ا منهم ومن س��واهم وإنم��ا تجمعهم كلم��ة الم��والي ويتف��انون في خدم��ة الخليف��ة أو

األمير.

العباسي العصر في الذمة أهل

لما أخذ الموالي الفرس في تنظيم الحكوم��ة وت��رتيب دواوينه��ا أحس��وا بافتق��ارهم إلى من يعينهم على ذل��ك من أه��ل الذم��ة في الع��راق والش��ام وك��انوا أه��ل معرف��ة في الحساب والكتابة والخ��راج فض��ال عن العل��وم ف��أطمعوهم بالرواتب والجوائز وسهلوا لهم أسباب المعيشة وقرب��وهم وأكرم��وهم، فاطم��أنوا لتل��ك الدول��ة وتق��اطروا إلى بغ��داد وخ��دموا العباس��يين بعق��ولهم وأقالمهم بم��ا آنس��وه من تسامحهم وإطالق حرية الدين لهم فاستخدمهم العباسيون

في دواوينهم وولوهم خزائنهم وضياعهم. وسرى ذلك االعتدال والتسامح في ال��دين إلى الدول��ة الفاطمية بمصر وكان ألهل الذمة فيها ش��أن عظيم فتقل��د ال��وزارة أو الكتاب��ة )وهي ك��الوزارة في مص��ر( غ��ير واح��د منهم وقويت ش��وكتهم في الدول��ة فاس��توزر العزي��ز بالل��ه الفاطمي رجال نصرانيا اسمه عيسى بن نسطوروس وآخر يهودي��ا اس��مه منش��ا فع��ز النص��ارى واليه��ود في أيامهم��ا. وكان الخلفاء في صدر الدولة العباسية يكرمون األس��اقفة ويجالس���ونهم، فاله���ادي ك���ان يس���تدعي إلي���ه األس���قف تيموثاوس في أكثر األيام ويحاوره في ال��دين ويبحث مع��ه وين��اظره ويط��رح علي��ه كث��يرا من المش��كالت ول��ه مع��ه مباحث طويلة ضمنها كتابا ألفه األسقف المذكور في ه��ذا

الموضوع وكذلك كان يفعل معه هارون الرشيد.اضطهاد أهل الذمة في العصر العباسي

على أن ذلك لم يمن��ع من تض��ييق بعض الخلف��اء على النص��ارى ف��إن المل��وك المس��تبدين تختل��ف سياس��تهم باختالف أخالقهم وأطوارهم فقد يتراءى لبعضهم التض��ييق على النص��ارى لس��بب أو لغ��ير س��بب كم��ا فع��ل ه��ارون

الرش��يد والمتوك��ل من خلف��اء ب��ني العب��اس، فالمتوك��ل ه��� ك��ان ش��ديد الوط��أة على النص��ارى247المتوفى سنة

ولعله أشد الخلفاء العباسيين وطأة عليهم ألن��ه أم��ر به��دم الكنائس المحدثة بع��د اإلس��الم ونهى أن يس��تعان بهم في األعمال أو أن يظهروا الصلبان في ش��عائر دينهم وأم��ر أن يجعل على أبوابهم صور شياطين من الخشب وأن يلبسوا الطيالسة العسلية ويشدوا الزنار ويركبوا السروج بالركب الخش��ب بك��رتين في م��ؤخر الس��رج وأن يرقع��وا لب��اس رجالهم برقعتين تخالفان لون الثوب قدر كل واح��دة أرب��ع أصابع ولون كل واحدة غير لون األخ��رى ومن خ��رجت من نس���ائهم تلبس إزارا عس���ليا ومنعهم عن لبس المن���اطق

وغير ذلك. وال يستغرب هذا التضييق من المتوكل فإن��ه نقم مث��ل هذه النقمة على سائر أهل الدولة وغ��يرهم وش��دد النك��ير على الشيعة وأهلك العلماء والكتاب. وكان شديد التعصب على الشيعة فاضطهدهم وع��ذبهم والقى أه�ل الذم��ة من��ه الشدائد. ويقال نحو ذلك في ما صدر في أيام الرشيد من األوامر بهدم الكنائس في الثغور وأخذ أهل الذمة بمخالفة هيئ��ة المس��لمين في لباس��هم ورك��وبهم. وهك��ذا يق��ال في اضطهاد النصارى بمصر على عهد الدولة الفاطمية مع م��ا تقدم من منزلتهم وحرية الدين عندهم، وأقدم م��ا قاس��وه من تض��ييق الحك��ام في طقوس��هم وكنائس��هم في أي��ام

ه�. وسبب ذلك م��ا ذكرن��اه من395الحاكم بأمر الله سنة تقدم النصارى في مص��الح الدول��ة في أيام��ه ح��تى ص��اروا ك��الوزراء وتع��اظموا التس��اع أح��والهم وك��ثرة أم��والهم فتزاي���دت مكاي���دتهم للمس���لمين على عه���د عيس���ى بن نسطوروس وفهد بن إبراهيم فغض��ب الح��اكم ب��أمر الل��ه. وقد سوغ للح��اكم المبالغ��ة في اض��طهاد النص��ارى ح��رب كانت بين ال�روم والمس�لمين يومئ�ذ ف�أخرب ال�روم بعض جوامع المسلمين ومنها جامع ك��ان لهم في القس��طنطينية فانتقم الحاكم منهم بالتضييق على أهل مذهبهم في بالده. على أن أفظع ما قاس��اه النص��ارى واليه��ود من االض��طهاد إنم���ا ك���ان في دور االنحط���اط أو التقهق���ر في األجي���ال

اإلسالمية الوسطى وخصوصا بعد الح��روب الص��ليبية ألنه��ا كانت سببا كبيرا في إثارة التعصب بين األمتين. فالنصارى تذكروا تقدم المسلمين عليهم واض��طهاد حك��امهم ل��دينهم وزاد حقد المسلمين على رعاياهم النص��ارى لم��ا ك��ان من نصرتهم اإلفرنج س��را فب��الغ أم��راء المس��لمين في الفت��ك بهم. فنص���ارى )ق���ارا( مثال بين دمش���ق وحمص ك���انوا يسرقون المسلمين في أثناء تلك الحرب ويبيعونهم خفي��ة من اإلفرنج فلما مر بها السلطان الملك الظاهر في أثن��اء

ه� أمر بنهب أهلها وقتل664عودته من بعض غزواته سنة كب��ارهم واتخ��ذ ص��بيانهم ممالي��ك ف��تربوا بين األت��راك في ال��ديار المص��رية فص��ار منهم أجن��اد وأم��راء. وتزاي��دت الضغائن بعد تلك الحروب بين المسلمين وأهل الذم��ة في بالدهم حتى أصبحت ك��ل من الط��ائفتين تب��ذل جه��دها في أذى األخرى ولما ك��انت الحكوم��ة إس��المية فالنص��ارى هم المغلوبون، فإذا احترقت مادة للمسلمين اتهموا النص��ارى واليه��ود بإحراقه��ا فت��أمر الحكوم��ة ب��إحراقهم أو إح��راق كنائس��هم وه��ذا التعص��ب من مقتض��يات تل��ك العص��ور المظلمة ألن الدول النصرانية كانت تعامل المس��لمين في بالدهم مثل هذه المعامل�ة أو أش�د منه�ا، وكث��يرا م��ا ك�انواروا وإذا دخل��وا يهددون أس��رى المس��لمين بالقت��ل أو يتنص�� بلدا إسالميا بالحرب عنوة ض�ربوا نواقيس�هم في الجوام�ع ولما تغلب نصارى األندلس على المسلمين أجبروهم على حمل عالمة كان يحملها اليهود وأهل الدجن ولم��ا غلب��وهمروا في آخر الدولة خيروهم بين النص��رانية والم��وت فتنص�� عن آخرهم. على أن المسلمين إبان تمدنهم أطلقوا حري��ة الدين لرعاياهم على اختالف طوائفهم ونحلهم فلم يس��مع أنهم أكره��وا طائف��ة من الطوائ��ف على اإلس��الم تعص��با للدين، وبالجملة فقد ك��انت الحري��ة المطلق��ة في األفك��ار والمعتقدات الدينية في تلك العصور فال يكره الرج��ل على معتقده أو مذهبه فربما اجتم��ع ع��دة أخ��وة في بيت واح��د وكل منهم على مذهب، فأوالد أبي الجعد س��تة ك��ان منهم

اثنان يتشيعان واثنان مرجئان واثنان خارجيان.

التقسيم وسياسة العباسي العصر العصبية

على أن المنصور كان همه منص��رفا إلى الع��رب ألنهم أه��ل عص��بية إذا اجتمع��وا تغلب��وا على الدول��ة وفعل��وا م��ا أرادوه لم��ا يعلم��ه من ج��رأتهم في طلب الح��ق وتق��بيح الظلم جهارا وال يحملون ضيما وهو كما علمت بما ارتكب��ه في تأسيس دولت��ه من الغ��در والفت��ك مم��ا ال تص��بر علي��ه النفوس األبية. وقد زاده ح��ذرا منهم م��ا ك��ان يس��معه من أقوالهم الدالة على رفضهم للضيم ولو كان فيه ما يس��وئه كما اتفق له وه��و في بعض حجات��ه وك��ان يط��وف بالكعب��ة ليال إذ سمع ق��ائال يق��ول: )اللهم أش��كو إلي��ك ظه��ور البغي والفس���اد في األرض وم���ا يح���ول بين الح���ق وأهل���ه من الطم��ع( فخ��رج المنص��ور إلى ناحي��ة من المس��جد ودع��ا القائل وسأله عن قوله فطلب أن يؤمنه حتى يقول الحق، فأمنه فقال له: )إن الذي حال بين الحق وأهله هو أنت ي��ا أم�ير المؤم�نين( فق�ال المنص�ور: )ويح�ك وكي�ف ي�دخلني الطمع والصفراء والبيض��اء في قبض��تي والحل�و والح��امض عندي( فقال الرجل: )ألن الله تعالى استرعاك المس��لمين وأم��والهم فجعلت بين��ك وبينهم حجاب��ا من الجص واآلج��ر وأبواب�ا من الحدي�د وحجاب�ا معهم األس�لحة وأم�رتهم أن ال ي��دخل علي��ك إال فالن وفالن ولم ت��أمر بإيص��ال المظل��وم والملهوف وال الجائع والعاري وال الضعيف والفقير وما أحد

إال وله من هذا المال حق ..(.

فهذا وأمثاله نبه المنصور لج��رأة الع��رب فجع��ل يفك��ر في إذاللهم ويستنبط له الحيل، وكان المهدي بن المنصور ق��د ج��اء من خراس��ان فق��دم علي��ه أه��ل بيت��ه من الش��ام والكوف��ة والبص��رة وغيره��ا فهن��أوه بمقدم��ه فج��ازاهم وكس���اهم وفع���ل المنص���ور بهم مث���ل ذل���ك فق���ال قثم للمنص��ور: )وق��د بقي علي��ك بالت��دبير بقي��ة وهي أن تع��بر

بابنك )المهدي( فتنزله في ذلك الجانب من بغ��داد وتح��ول معه قطعة من جيش��ك فيص��ير ذل��ك بل��دا وه��ذا بل��دا ف��إن فسد عليك أولئك ضربتهم به��ؤالء وإن فس��د علي��ك ه��ؤالء ض��ربتهم بأولئ��ك وإن فس��د علي��ك بعض القبائ��ل ض��ربتهم بالقبائل األخرى( فقبل رأيه واستقام ملك��ه وب��نى المه��دي بلدا سماه الرصافة فاستعان المه��دي في اس��تبقاء دولت��ه

بسياسة التقسيم. وم��ازال ش��أن الع��رب يض��عف في الدول��ة العباس��ية تدريجا وحزب الفرس يقوى حتى أصبحت الدولة في أي��ام الرشيد بين عاملين كبيرين أحدهما فارسي واآلخ��ر ع��ربي

كل منهما يحاول االستئثار بالسلطة.ذهاب عصبية العرب بذهاب دولة األمين

وكان المأمون فضال عن نس��به الفارس��ي من أم��ه ق��د تربي في حجر جعفر بن يحيى البرمكي وه��و ال��ذي س��عى له في والية العه��د ورب��اه على حب الف��رس، والفض��ل بن الربيع سعى في تأييد بيعة األمين. ولما توفي الرش��يد بع�د مقت��ل البرامك��ة ك��ان الفض��ل بن الربي��ع ه��و ال��ذي حم��ل األمين على نقض بيع��ة الم��أمون واختل��ف األخ��وان على البيعة وك��ان الم��أمون عن��د أخوال��ه بخراس��ان واألمين في أهله ببغ��داد ونش��ب القت��ال بين الف��ريقين وه��و قت��ال بين الفرس والعرب ألن العرب في معظم المملك��ة العباس��ية كانوا من حزب األمين. وقد نص��ر الخراس��انيون ابن أختهم الم��أمون بت��دبير الفض��ل بن س��هل، وك��ان األمين يح��رض جنده في بغداد بمشورة الفضل بن الربي��ع، وك��ان الع��رب من الجند العباسي قد أنهكتهم الحض��ارة وال��ترف وتب��ددوا بسياسة التقسيم فلم يستطيعوا دفاعا، فلما ض��اق الح��ال باألمين ولم يب��ق عن��ده م��ال للتجني��د اس��تنجد رع��اع أه��ل بغ��داد وفيهم العي��ارون والش��طار وك��انوا طوائ��ف كب��يرة. وأم��ر بعض ق��واده أن يتتبع��وا أص��حاب األم��وال والودائ��ع والذخائر من أهل الملة وغيرهم فلم يزده ذل��ك إال ض��عفا، وانقضت تلك الحروب بفوز المأمون، فلما أفضت الخالف��ة

ه� وقد جمع ما جمعه من األت��راك218إلى المعتصم سنة

والفراعنة كانت الضربة القاض��ية على الع��رب في الدول��ة العباسية ألنه كتب إلى عمال��ه في األط��راف بإس��قاط من في دواوينهم من العرب وقطع العط��اء عنهم ففعل��وا وهم يستعيذون بالل��ه من ذل��ك وانح��ط ش��أن الع��رب من ذل��ك الحين ومنع��وا من الوالي��ات، وآخ��ر من ولي مص��ر منهم

ه��� فتمكن242عنبس��ة بن إس��حاق ص��رف عنه��ا س��نة الفرس من الدولة.

نكبة الوزراء الفرس

الوزراء الفرس قبل البرامكة

لما انتقلت البيع��ة من العل��ويين إلى العباس��يين وبوي��ع ه��ؤالء بالخالف��ة ثم جعله��ا المنص��ور محص��ورة فيهم دون العلويين وقاتل آل الحسن وقتلهم بعد أن قت��ل أب��ا مس��لم وغيره من شيعته لم ير الفرس بدا من الرضوخ لس��لطانه خوف��ا من بأس��ه. على أنهم ظل��وا على م��ذهب الش��يعة وتربصوا يتوقعون فرصة يثبون بها على الدولة أو يقيم��ون

ألنفسهم دولة شيعية. وكان الخلف�اء يالحظ�ون ذل�ك ويح�اذرون الوق�وع في�ه فيستخدمون الفرس في أك��بر مص��الح الدول��ة على ح��ذر، ف��إذا رأوا من أح��دهم ميال إلى التش��يع عزل��وه أو قتل��وه. ولذلك كان الوزراء يكتمون تشيعهم والخلفاء يبثون عليهم

العيون في منازلهم.الوزراء البرامكة

مرتبهم في الدولة

ولم��ا ت��وفي المه��دي واله��ادي وأفض��ت الخالف��ة إلى الرشيد استوزر البرامك��ة ألن خال��دا ج��دهم من ق��واد أبي مس��لم وق��د جاه��د في نص��رة العباس��يين جه��ادا حس��نا فاستوزره أب��و العب��اس واس��تعمله المنص��ور في الح��روب كما تقدم، وكان خالد كبير العقل واسع الصدر لم يبلغ أحد من ولده مبلغه في الجود والرأي والبأس والعلم، واش��تهر

ابنه يح��يى بوف��ور العق��ل وس��داد ال��رأي وك��ان مقرب��ا من ه�� غالم��ه148المهدي يعول على رأيه، وولد ليح�يى س�نة

الفض��ل قب��ل والدة الخ��يزران للرش��يد بس��بعة أي��ام وربى الطفالن مع��ا فأرض��عت الخ��يزران الفض��ل من لبن ابنه��ا فكان الفضل بن يحيى أخا الرشيد من الرضاعة وفي ذلك

يقول سلم الخاسر: أصبح الفضل والخليفة ه��ارو***ن رض��يعي لب��ان خ��ير

النساء ولما ترع��رع ه��ارون عه��د المه��دي بتربيت��ه إلى يح��يى فشب الرشيد في حجره وكان يدعوه )يا أبت( فلم��ا م��ات

ه� في جرجان ك��ان أك��بر رج��ال الدول��ة169المهدي سنة المقربين يومئذ يحيى بن خالد والربي��ع بن ي��ونس. وخ��اف الرشيد اختالل األم��ر إذا علم الن��اس بم��وت أبي��ه وهم في تلك الحال فاستش��ار يح��يى فأش��ار علي��ه ب��رأي ك��ان في��ه الص��واب ح��تى رجع��وا إلى بغ��داد وق��د ه��اج الن��اس وفيه��ا الخ��يزران أم اله��ادي والرش��يد فبعثت إلى الربي��ع ويح��يى لتشاورهما فأجابها الربيع ولم يجبه�ا يح�يى لم�ا يعلم�ه من غيرة الهادي عليها. فسر الهادي من تصرف يحيى وشكره وأوصاه أن يقوم بأمر الرشيد كما كان في أي��ام أبي��ه ووبخ الربي��ع، وأول ش��يء خط��ر لله��ادي بع��د قبض��ه على أزم��ة الخالف��ة أن يخل��ع أخ��اه الرش��يد من والي��ة العه��د ويح��ول اإلرث إلى ابن��ه لتبقى الخالف��ة في نس��له كم��ا ك��ان يفع��ل معظم الخلفاء في مثل هذه الحال، فأعلن اله��ادي عزم��ه لبعض خاصته فوافق��وه وخلع��وا ه��ارون وب��ايعوا جعف��ر بن الهادي وتنقص��وا من الرش��يد في مجلس الجماع��ة، ف��أمر الهادي أن ال يسار بين يديه بالحربة على جاري الع��ادة في المسير بين يدي ولي العهد فاجتنبه الناس وتركوا الس��الم عليه ورض�ي ه��و ب��ذلك ولكن يح��يى لم ي��رض ب��ل حرض�ه على التمسك بحقه في ذل��ك فوش��ى بعض��هم إلى اله��ادي أن يحيى يفسد الرشيد عليه فبعث الهادي إلى يحيى فقال له: )يا يحيى م��الي ول��ك( ق��ال: )م��ا يك��ون من العب��د إلى م���واله إال طاعت���ه( فق���ال: )لم ت���دخل بي���ني وبين أخي وتفس��ده علي؟( فق��ال: )من أن��ا ح��تى أدخ��ل بينكم��ا إنم��ا

صيرني المهدي معه ثم أمرتني أنت بالقيام بأمره فانتهيت إلى أمرك( فطابت نفس الهادي بهذا القول، فاغتنم يحيى رض�اءه وق�ال: )ي�ا أم�ير المؤم�نين إن�ك إن حملت الن��اس على نكث األيمان ه��انت عليهم أيم��انهم وإن ت��ركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر بع��ده ك��ان ذل��ك أوك��د للبيع��ة(

قال: )صدقت( وصرفه. فلما لقي الهادي القواد ال��ذين خلع��وا الرش��يد حمل��وه على مع��اودة الخل��ع فبعث إلى يح��يى فحبس��ه فكتب إلي��ه يحيى وه��و في الحبس: )إن عن��دي نص��يحة( فلم��ا حض��ره وسأله عما عنده فقال يحيى: )يا أمير المؤم��نين أرأيت إن كان األمر الذي ال نبلغه ونسأل الله أن يعدمنا قبله � يع��ني صوت الهادي � أتظن الناس يسلمون الخالفة لجعف��ر وه��و لم يبلغ الرشد أو يرضون ب��ه لص��التهم وحجهم وغ��زوهم؟( قال: )ما أظن ذلك( ق��ال: )ي��ا أم��ير المؤم��نين أفت��أمن أن يس��مو إليه��ا أك��ابر أهل��ك مث��ل فالن ويطم��ع فيه��ا غ��يرهم فتخ�رج من ول�د أبي��ك. والل�ه إن ه�ذا األم�ر ل�و لم يعق�ده المهدي ألخيك لقد كان ينبغي أن تعقده أنت له فكيف بأن تحله عنه وقد عق��ده المه��دي ولكن��ني أرى أن تق��رأ األم��ر على أخيك فإذا بلغ أش��ده أتيت بالرش��يد فخل��ع نفس��ه ل��ه

وبايعه( فقبل الهادي قوله وعمل به. وتوفي الهادي ولم يحكم إال سنة وأفضت الخالف��ة إلى الرشيد ويحيى أول من بشره بها وأتاه بالخ��اتم وه��و ن��ائم فع��رف الرش��يد فض��له في ذل��ك وق��ال ل��ه: )ي��ا أبت أنت أجلستني في هذا المجلس ببركتك ويمنك وحسن ت��دبيرك وقد قلدتك األمر( ودفع إلي�ه خاتم�ه وجع�ل إص�دار األم�ور وإيرادها إليه وكان يعظمه ف��إذا ذك��ره ق��ال )أبي(. وخل��ف يحيى أوالدا أحسنهم الفضل في جوده ونزاهته وجعفر في كتابته وفصاحة لسانه ومحمد في بع��د همت��ه وموس��ى في شجاعته وبأسه. وقد تول��وا أرف��ع المناص��ب وتص��رفوا في الدولة وخصوصا جعفر والفضل، فضال عما اشتهروا به من الج��ود والس��خاء وك��ان أب��وهم يح��يى ج��وادا مثلهم فش��ق الناس من اسمهم فعال للس��خاء فق��الوا: )تبرم��ك الرج��ل( أي ج��اد وس��خا، وأراد الرش��يد إك��رام يح��يى ف��ولى ابني��ه

م المملك��ة بينهم��ا الفض��ل وجعف��ر أعظم األعم��ال فقس�� فجعل جعفر عامال على الغرب كله من األنبار إلى أفريقية وقل��د الفض��ل الش��رق كل��ه من ش��يروان إلى أقص��ى بالد

ه��� فجعله��ا176الترك فشخص الفضل إلى خراسان سنة مرك��ز عمل��ه وأزال س��يرة الج��ور منه��ا وب��نى المس��اجد والحياض والربط وأحرق مراكز البغايا وزاد الجن��د ووص��ل ���اب لكن���ه لم يقم فيه���ا إال قليال ال���زوار والق���واد والكت

ه���.179فاستخلف على عمله وشخص إلى الع��راق س��نة وتمكن جعفر عند الرشيد وغلب على أمره وبل��غ من عل��و المرتبة عنده ما لم يبلغه سواه حتى اتخذ الرشيد ثوب��ا ل��ه زيقان فكان يلبسه هو وجعفر جملة، وك��ان يك��ره الش��يعة من��ذ ص��باه وهم يخافون��ه من قب��ل الخالف��ة، فلم��ا ت��ولى الخالف��ة أم��ر ب��إخراج الط��البيين جميع��ا من بغ��داد إلى

المدينة. واش��تهر ب��ذلك ح��تى أص��بح الش��عراء يتقرب��ون إلي��ه بهجائهم، وكان شعراء العلويين يهجونه له��ذا الس��بب وهم ال يجسرون على الظهور في حيات��ه فلم��ا م��ات ودفن في طوس قال دعبل بن علي � يعرض بما ارتكب��ه العباس��يون جميعا بقتل العلويين � قصيدة مدح به��ا أه��ل ال��بيت وهج��ا الرشيد وأشار إلى اجتماع القبرين في طوس قبر الرش�يد

وقبر الرضا )عليه السالم( قال: وليس ح�ي م���ن األح����ياء نعلم��ه***من ذي يم����ان

وم�ن بكر ومن مضر إال وه������م شرك�������اء ف������ي دمائ�������هم***ك�����ما

تش��ارك ايس���ار عل��ى ج��زر قت����ل وأس��ر وتح���ريق ومنه����بة***فع��ل الغ��زاة

بأرض الروم والخزر أرى أمي��������ة معذوري��������ن إن قت�������لوا***وال أرى

لبن���ي العب���اس م�ن عذر إرب��ع بط��وس على القب����ر الزك���ي إذا***م��ا كن�����ت

ترب���ع من دي��ر إلى وطر ق��بران في ط��وس خ��ير الن����اس كل����هم***وقب������ر

ش����رهم ه����ذا من الع���بر

ما ينفع ال��رجس من ق��رب ال��زكي وال***على ال��زكيبقرب الرجس من ضرر

هيه��ات ك��ل ام��رئ رهن بم��ا كسب�����ت***ل��ه ي�����داهفخ����ذ ما شئ����ت أو ف���ذر

وكان البرامكة يكره��ون تعص��ب الرش��يد على العلوي��ة ويعدون عمله حراما ويكظمون، على أنهم كانوا يساعدون الشيعة سرا بما يبلغ إليه إمكانهم وكان كب��ارهم يجتمع��ون إلى جعفر وجيه البرامكة يومئ��ذ وص��احب الص��وت األعلى عند الرشيد ويذكرون أعمال الرشيد وجعفر يحاذر أن يبلغاده في بالط الخليف��ة وأك��ثرهم من ذل��ك إلي��ه ولكن حس�� الع��رب أو من ينتمي إليهم ك��انوا يس��عون ب��ه إلى الرش��يد وأشدهم غيظا منه وأقدرهم على الكيد به زبيدة أم األمين

ألنه فضل ابن ضرتها )المأمون( على ابنها.

العباسي العصر في العلوية الشيعة

وك��ان الخراس��انيون ومن واالهم من أه��ل طبرس��تان وال��ديلم قب��ل العباس��يين من ش��يعة علي )علي��ه الس��الم( وإنما بايعوا للعباسيين مج��اراة ألبي مس��لم أو خوف��ا من��ه. فلما رأوا ما حل به من القتل غدرا غض��بوا وتعاق��دوا على األخذ بثأره ثم رأوا المنصور فتك بالراوندي��ة إخ��وانهم وهمن فيه��ا من أص��حاب أبي مس��لم ثم ب��نى بغ��داد وتحص�� فتربصوا وإذا هو قد حارب العلويين وبطش فيهم وفر من بقي من ول��د علي )علي��ه الس��الم( إلى أط��راف المملك��ة اإلسالمية في خراس��ان والمغ��رب وأخ��ذوا يبث��ون دع��اتهم وينش��رون دع��وتهم س��را فك��ان الخراس��انيون من أق��وى أنص��ارهم انتقام��ا من المنص��ور لقتل��ه أبي مس��لم وعمال بتعاقدهم عليه، واتفق أن نكث هارون عه��د بعض الش��يعة وأمر بعض بني برمك بحبسه، ثم إن البرمكي أطلق��ه لم��ا كان يرى من أن الشيعي مظلوم فلما علم الرش��يد ب��ذلك أضمر الغدر بب��ني برم��ك. وبعث الرش��يد خادم��ه مس��رورا ليأتيه ب��رأس جعف��ر ف��ذهب إلي��ه وقتل�ه كم��ا ه�و مش�هور. ووجه الرشيد من أحاط بأبيه يح��يى وس��ائر أوالده وبأخي��ه الفضل ليال فحبسهم وقبض ما وج��د لهم من م��ال وض��ياع ومت��اع وغ��ير ذل��ك وأرس��ل إلى س��ائر البالد يقبض على أموالهم ووكالئهم ورقيقهم وأسبابهم ولم يتع��رض لمحم��د بن خالد ألنه كان من جملة الس��اعين بهم وأس��ند ال��وزارة بعدهم إلى الفضل بن الربيع عدوهم، ثم ندم الرشيد على قتل البرامكة وكان إذا ذكرهم بكى وقد أص��اب جعف��ر من الرشيد ما أصاب بزرجمهر وزي��ر كس��رى ابروي��ز إذ اتهم��ه

كسرى بالزندقة فقبض عليه وقتله ثم ندم على قتله. فالرش��يد فت��ك بالبرامك��ة ألن��ه خ��افهم على س��لطانه فعمل بسياسة العباسيين في تأيي��د دولتهم، إذ اتهم جعف��ر

وشك فيه فقتله، أما العلويون فكان ال يخاف الله فيهم والفي من يدعو إليهم أو ينصرهم.

األمين والمأمون أو العرب والفرس

لم��ا قت��ل البرامك��ة على ه��ذه الص��ورة غض��ب أه��ل خراسان وتضاعفت نقمتهم على الدولة العباسية وتعاقدوا على األخذ بث��أر أبي مس��لم والبرامك��ة وتربص��وا ي��ترقبون الفرص، وت��وجهت آم��الهم إلى الم��أمون ألن أم��ه فارس��ية وقد شب في حجر جعفر البرمكي على الميل إلى الشيعة

العلوية، فمات الرشيد والمأمون في خراسان.الفضل بن سهل وعلي الرضا )عليه السالم(

فلما بلغ المأمون موت أبي��ه خ��اف على نفس��ه فجم��ع خاصته بمرو وشاورهم في األمر وأظهر لهم ضعفه وأنه ال يقوى على أخيه فساعدوه ووعدوه خيرا. وقال له الفض��ل بن س��هل: )أنت ن��ازل في أخوال��ك وبيعت��ك في أعن��اقهم اصبر وأنا أضمن لك الخالفة( فاطمأن خاطر المأمون بهذا الوعد الصريح وقال ل��ه: )ق��د ص��برت وجعلت األم��ر إلي��ك فقم به( وسماه ذا الرئاستين أي رئاس��ة الس��يف ورئاس��ة

القلم. فبذل الفضل جهده في نصرة المأمون ألنه إنما يعم��ل لنفس��ه ووطن��ه وأمت��ه واس��تمال الن��اس وض��بط الثغ��ور، وتعاظمت العداوة بين األخ��وين األمين والم��أمون وقطعت الدروب بينهما من بغداد إلى خراس��ان وأبط��ل ك��ل منهم��ا اسم أخيه من الخطبة وتجردت الجي��وش وح��دثت مع��ارك هائلة فاز فيها جند المأمون وهم الفرس بقي��ادة ط��اهر بن الحس��ين وانتهت الح��رب بفتح بغ��داد وقت��ل األمين س��نة

ه� وقد حمل��وا رأس��ه إلى الم��أمون في خراس��ان. ثم198 ه�201إن المأمون بايع لعلي الرضا )علي��ه الس��الم( س��نة

وجعله الخليف�ة بع�ده ولقب�ه )الرض�ا من آل محم�د( وأم��ر جنده بطرح السواد لباس العباسيين ولبس الخضرة وكتب ب��ذلك إلى اآلف��اق ثم إن الم��أمون غ��در بفض��ل بن س��هل فدس إليه أناسا قتلوه في الحم��ام بس��رخس مغافص��ة ثم

حاكمهم على قتله وقتلهم به، وفكر في بيع��ة علي الرض��ا )عليه السالم( فأعظم أن يرج��ع عنه��ا وخ��اف إذا رج��ع أن يثور عليه أهل خراسان ويقتلوه فعمد إلى سياس��ة الفت��ك فدس إليه من أطعمه عنبا مسموما فمات. ودفعا للش��بهة في ما اشتهر به من حب آل أبي ط��الب فإن��ه اض��طهدهم ومنعهم من ال����دخول علي����ه وأم����رهم بلبس الس����واد فاضطرب أمر الشيعة في بغداد م��ع بق��اء النف��وذ للف��رس وهم يكتمون تشيعهم إلى آخ��ر خالف��ة الواث��ق فلم��ا ت��ولى

ه� اضطهد الشيعة وشدد النك��ير عليهم232المتوكل سنة ألنه كان قد ربي من حداثته بين جماعة أهل عصبية عربية يكرهون الفرس أو الشيعة. فلما تولى المتوكل أمر به��دم قبر الحسين بن علي )عليه الس��الم( وه��دم م��ا حول��ه من��ا وأه��ل المباني ومنع الناس من إتيانه وبالغ في بغضه علي بيته حتى جعله سخرية، ذكروا أن��ه ك��ان في جمل��ة ندمائ��ه مخنث اسمه عبادة كان يشد على بطنه تحت ثياب��ه مخ��دة ويكش��ف رأس��ه وه��و أص��لع تش��بها باإلم��ام علي وي��رقص ويقول: )قد أقبل األصلع البطين خليفة المس��لمين( يع��ني علي��ا )علي��ه الس��الم( والمتوك��ل يش��رب ويض��حك وغلبت السنة في الدولة من ذلك الحين وقوامها األتراك، وبذهاب أمر الش��يعة من بغ��داد ذهب نف��وذ الف��رس منه��ا وبخالف��ة

المتوكل ينقضي العصر الفارسي األول.

العباسية الدولة في األسرار

واشتهر بن��و العب��اس على الخص��وص بحف��ظ األس��رار والتكتم فيما ينوون��ه وك��انوا يفرض��ون ذل��ك على م��واليهم ورج��ال بط��انتهم والس��يما في م��ا يحت��اجون إلي��ه لتث��بيت دعائم دولتهم، فربما كان خادم الرجل أو جاريته عينا عليه وق��د يقيم الخليف��ة الجواس��يس والرقب��اء على أوالده أو أخوت��ه أو يقيم والة العه��د الرقب��اء على آب��ائهم كم��ا فع��ل األمين والمأمون بأبيهم الرشيد فق��د ك��ان رقيب الم��أمون على أبي���ه مس���رورا الخ���ادم ورقيب األمين جبرائي���ل بن بختيشوع الط��بيب وك��انوا يحص��ون أنفاس��ه، وبمح��افظتهم على األسرار والتكتم في أعمالهم أشكل على الناس كثير من الحوادث التي جرت في أي��امهم ولم يفهم��وا أس��بابها، فنكب��ة البراكم��ة مثال تكهن المؤرخ��ون في ت��دوينها رجم��ا بالغيب وذهبوا في أسبابها ك��ل م��ذهب، وكم من قتي��ل لم يعرف قاتله فحسبوه م��ات من أكل��ة عنب أو تم��ر أو غ��ير ذلك وإنما قتل مسموما بدسيسة بعض الخلف��اء أو الق��واد

أو والة العهد إلى طبيبه أو صاحب داره.

اإلسالم بعد األنساب اختالط

قد رأيت ما كان للعرب من العناية في حفظ أنس��ابهم حتى كانوا يحتقرون من لم يكن مولودا من أبوين عرب��يين فإذا ك��ان أب��وه غ��ير ع��ربي س��موه الم��ذرع أو ك��انت أم��ه أعجمية سموه الهجين. وإذا كانت أمه أمة اس��تعبدوه ف��إذا أنجب اعترفوا به وإال ظل عبدا. أما بن��و أمي��ة فظل��وا على احتق����ارهم ب����ني اإلم����اء إلى أواخ����ر دولتهم وك����انوا ال يستخلفونهم وقالوا ال يصلح لها إال العرب. على أن طبيع��ة العمران غلبت على ما أراده األموي��ون من حف��ظ النس��ب العربي وقضى االختالط باألعاجم ب��اختالط األنس��اب ح��تى في الخلفاء من بني أمية فب��ايعوا في أواخ��ر دولتهم ألبن��اء

اإلماء. وأول من تولى الخالفة من الخلفاء الهجناء يزيد بنه�.126الوليد بن عبد الملك سنة

أما بنو العباس فقامت دولتهم ب��الموالي وق��د ض��عفت في أي��امهم العص��بية العربي��ة لك��ثرة االختالط فأص��بحوا ال يعتدون ب��األم على اإلطالق وك��ان أك��ثر خلف��ائهم من ب��ني اإلم��اء ح��تى أص��بحت العص��بية العربي��ة تنس��ب إلى البالد، فأه��ل الش��ام ومص��ر والع��راق والمغ��رب مثال يع��دون من العرب وهم بالحقيق��ة أخالط من الع��رب وال��ترك وال��ديلم والجركس والروم والفرس واألرمن والكرج وغيرهم ولكن الرجل إذا نزل بعض هذه البالد عد في بادئ ال��رأي غريب��ا، فإذا قطنها وتناسل فيه��ا ك��ان أوالده مول��دين ف��إذا ت��والت

عليهم األجيال سموا عربا.

األول التركي العصر

إلى تسلط ال��ديلم س��نة232من خالفة المتوكل سنة ه�334

نريد بهذا العصر المدة التي استبد فيها األتراك بالدولة العباس��ية وهم األجن��اد تمي��يزا ل��ه عن العص��ر العباس��ي الفارسي الذي استبد فيه الف��رس وهم ال��وزراء، ليس بين العصرين حد فاصل ينتهي إليه الواح��د ويبت��دئ من��ه اآلخ��ر بل هما تعاصرا مدة من ال��زمن وال�ترك أم��ة قديم��ة ج��دا. ولما ظهر اإلسالم وانتشر العرب في أنحاء الع��الم وط��أت حوافر خيولهم بالد الترك وهم يعبرون عنها بما وراء النه��ر ففتحوا بخارى وسمرقند وفرغانة واشروس��نة وغيره��ا من تركستان. ولما تولى العباسيون كانت تلك الم��دن خاض��عة للمسلمين يؤدون عنها الجزية والخراج وكانوا يحملون في جملة الجزية أوالدا من أهل بادي��ة تركس�تان ي��بيعونهم بي��ع الرقيق وهم في الغالب من السبي أو األسرى على جاري الع��ادة في تل��ك العص��ور، فض��ال عمن ك��ان يق��ع منهم في أي��دي المس��لمين في أثن��اء الح��روب باألس��ر أو الس��بي ويع��برون عنهم بالممالي��ك ويفرق��ونهم في بالط الخلف��اء

ومنازل األمراء، فأخذوا يدينون باإلسالم.المعتصم واألتراك

أول من اس��تخدم األت��راك في الجندي��ة من الخلف��اء المنصور العباسي ولكنهم كانوا شرذمة صغيرة ال شأن لها في الدولة وإنم��ا ك��ان الش��أن األك��بر يومئ��ذ للخراس��انيين )الف��رس( والع��رب. ولم��ا اش��تد التن��افس بين الع��رب والفرس في أيام الرش��يد وذهبت س��طوة الع��رب ب��ذهاب دول��ة األمين وتس��لط الف��رس أنص��ار الم��أمون وأخوال��ه واستبدوا في الدولة كانت الحضارة قد أضرت بالمسلمين��ر المعتص��م أخ��و وأذهبت منهم ق��وة التغلب والفتح، ففك

المأمون في ذلك قبل أن تفضي الخالفة إلي��ه وك�انت أم��ه تركية وفيه كثير من طبائع األت��راك م��ع المي��ل إليهم ألنهم أخوال��ه كم��ا ك��ان يمي��ل الم��أمون إلى الف��رس. وش��اهد المعتصم من جرأة الفرس وتطاولهم بعد قتل األمين حتى أصبح يخافهم على نفس�ه، ولم يكن ل�ه ثق�ة ب�العرب وق�د ذهبت عصبيتهم وأخلدوا إلى الحضارة وال��ترف وانكس��رت شوكتهم فرأى أن يتقوى باألتراك وهم ال يزالون إلى ذل��ك العهد أهل بداوة وبطش مع الج��رأة على الح��رب والص��بر��ر منهم األش��داء. فلم��ا على ش��ظف العيش، فجع��ل يتخي أفضت الخالفة إليه ك��ان األت��راك عون��ا ل��ه وتك��اثروا ح��تى ضاقت بغداد بهم وصاروا يؤذون العوام في األسواق فينال الضعفاء والصبيان من ذل��ك أذى كث��يرا وربم��ا رأوا الواح��د بعد الواحد قتيال في قارعة الطري��ق، ف��اتفق أن المعتص��م خرج بموكبه يوم عي��د فق��ام إلي��ه ش��يخ فق��ال ل��ه: )ي��ا أب��ا إسحاق( ف��أراد الجن��د ض��ربه فمنعهم وق��ال: )ي��ا ش��يخ م��ا لك؟( قال: )ال جزاك الله عن الجوار خ��يرا جاورتن��ا وجئت بهؤالء العلوج من غلمانك األتراك فأسكنتهم بينن��ا ف��أيتمت بهم ص��بياننا وأرملت نس��اءنا وقتلت رجالن��ا( والمعتص��م يسمع ذلك فدخل منزله ولم ير راكبا إلى مثل ذل��ك الي��وم فخ��رج فص��لى بالن��اس العي��د ولم ي��دخل بغ��داد ب��ل س��ار يلتمس معس���كرا ألجن���اده ح���تى أتى س���امراء فاتخ���ذها معس��كرا فأعجبت��ه وس��ماها )س��ر من رأى( واخت��ط فيه��ا الخط��ط وأقط��ع أتراك��ه القط��ائع على حس��ب القبائ��ل ومجاورتهم في بالدهم وأفرد أهل كل صنعة بسوق وكذلك التج��ار، فب��نى الن��اس وارتف��ع البني��ان وش��يدت القص��ور وكثرت العمارات واستنبطت المياه وتسامع الناس أن دار الملك ق��د انتقلت إلى هن��اك فقص��دوها وجه��زوا إليه��ا من أنواع األمتعة وسائر ما ينتفع به الناس فكثر العيش واتسع الرزق. وما زالت سامراء قاعدة الدولة العباسية من س��نة

ه�. وهو279ه� إلى أيام المعتمد فعاد إلى بغداد سنة 221أول من عاد إليها منذ بنيت سامراء.

الجند التركي ومصالح الدولة

فاشتد ساعد األت��راك ب��ذلك وق��ويت ش��وكتهم وغلب��وا على أم��ور الدول��ة وخصوص��ا بع��د أن أنق��ذوا المملك��ة من باب��ك الح��زمي وفتح��وا عموري��ة ونص��روا اإلس��الم فتح��ول النفوذ إليهم، وبعد أن كانت أمور الدولة في قبضة الوزراء الفرس أصبحت في أي��دي الق��واد األت��راك أو ص��ار النف��وذ

فوضى بين الوزراء والقواد. أم���ا اس���تبدادهم في بالط الخلف���اء فابت���دأ في أي���ام

ه� وك��ان م��ا ك��ان232المتوكل ألنه لما تولى الخالفة سنة من ك�ره الش�يعة واس�تبداده فيهم زاد في تق�ديم األت�راك ورع���ايتهم ف���زاد طمعهم في الدول���ة، ثم أغ���راهم ابن���ه المنتصر )أو هم أغروه( على قتله فقتلوه وك��ان ذل��ك أول جرأتهم على الخلفاء، وولوا المنتصر بعده ولم تط��ل م��دة حكمه أكثر من بضعة أشهر فمات وضميره يوخزه، وتولى

ه��. ثم المع��تز بالل�ه س��نة248بعده المستعين بالله س��نة ه� وقد استفحل أمر األتراك اس��تفحاال عظيم��ا، ومم��ا251

يحكى عن استبدادهم في الخلفاء أنه لما تولى المعتز قعد خواصه وأحضروا المنجمين وقالوا لهم: )انظروا كم يعيش الخليفة وكم يبقى في الخالفة؟( وك��ان في المجلس بعض الظرف��اء فق��ال: )أن��ا أع��رف من ه��ؤالء بمق��دار عم��ره وخالفته( فقالوا ل��ه: )فكم تق��ول إن��ه يعيش وكم يمل��ك؟( ق��ال: )مهم��ا أراد األت��راك( فلم يب��ق في المجلس إال من

ضحك. وقد قتلوا المعتز هذا شر قتلة فإنهم جروه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميص��ه وأق��اموه في الشمس بالدار فك��ان يرف��ع رجال ويض��ع أخ��رى لش�دة الحر وبعضهم يلطمه بيده، والمس��تكفي س��ملوا عيني��ه ثم حبسوه حتى مات في الحبس، وبلغ من فقر الق��اهر بالل��ه أنهم حبس��وه وه��و ملت��ف بجب��ة قطن وفي رجل��ه قبق��اب خشب، فال غرو إذا أصبح الخلفاء آلة في أيدي األت��راك إذا تنازعوا على الس��لطة ك��ان الخليف��ة م��ع الح��زب الغ��الب، وبعد أن كان القواد يحلفون للخليفة بالطاعة صار الخليفة يحلف لهم فلما تق��دم األت��راك في الدول��ة العباس��ية وعلم إخوانهم في بالدهم بذلك تق��اطروا مئ��ات وألوف��ا يطلب��ون

االرتزاق بالجندية ورغبوا في اإلسالم وجعلوا ي��دخلون في��ه ه�350باأللوف وعشرات األلوف، فق��د أس��لم منهم س��نة

خرك��اه دفع��ة واح��دة و)الخرك��اه( الخيم��ة، وال200.000 يقل أهل الخيمة الواح��دة عن خمس��ة أنفس فع��دد ال��ذين أسلموا في هذه الدفع��ة نح��و ملي��ون نفس، وأس��لم س��نة

خركاه من أهل بالساغون وكاشغر دفع��ة10.000ه� 435 واح��دة وض��حوا عش��رين أل��ف رأس غنم. ولم��ا اس��تولى الديلم على بغداد في أيام ب��ني بوي��ه ت��والت الح��روب بين الترك والديلم وغلمان الخلفاء أو الم��والي، وم��ا من دول��ة قامت في ذل��ك العص��ر إال اس��تخدمت األت��راك في جن��دها سواء كانت شيعية أو سنية. فك��انوا يحمل�ون إلى بغ�داد أو غيرها من الم��دائن اإلس��المية تباع��ا وقلم��ا يتوال��دون فيه�ا ولذلك كانوا يتفاهمون بالتركي��ة وق��د يتعلم��ون العربي��ة وال

يتكلمونها تكبرا.الخدم ونفوذهم في الدولة العباسية

أق��دم من س��معنا ب��ه من الخ��دم الن��ابغين في الدول��ة العباسية مس�رور خ�ادم الرش�يد ولم يكن ل�ه ش�أن كب�ير، وأول من ق��رب الخ��دم واس��تكثر منهم األمين بن الرش��يد فلما تولى الخالفة طلب الخص��يان وابت��اعهم وغ��الى فيهم فصيرهم لخلوته ليله ونهاره وقوام طعامه وشرابه وأم��ره ونهيه وعين منهم جماع��ة س��ماهم الجرادي��ة وجماع��ة من الحبش��ان س���ماهم الغرابي���ة. ولم يق��رب األمين الخ��دم لحمايت��ه أو سياس��ة دولت��ه ولكن��ه فع��ل ذل��ك انهماك��ا في الترف والقصف، فازداد الخدم نفوذا وسطوة ح��تى أص��بح األت��راك يخ��افونهم وق��د ارتقى كث��يرون منهم في العص��ر التركي من الخدمة في المنازل إلى قيادة الجند أو اإلمارة

على األقاليم. ولما تك��اثر الخ��دم في دور الخلف��اء جعل��وهم طبق��ات وفرق��ا تع��رف بأس��ماء خاص��ة وفيهم ال��رومي وال��تركي والحبش��ي واألرم��ني والس��ندي وال��بربري والص��قلبي في فرق أشبه بفرق الجند ولهم الرواتب والجواري. وربما بلغ عدد الخدم عند بعض األمراء إلى خمس��مائة غالم أو أل��ف

أو أكثر فغلمان بغا الشرابي أحد قواد األتراك بل��غ ع��ددهم وزاد عدد غلمان يعق��وب بن كلس وزي��ر الف��اطميين500

.4000بمصر على القواد والوزراء من الخدم

وأول من اس��تكثر من الخ��دم وق��ربهم ورف��ع م��نزلتهم ه��� وعن��ده من الخ��دم295المقتدر بالله فق��د ت��ولى س��نة

خادم من الروم والسودان وكث��ير من11.000والخصيان سنة رد فيها رس��وم25المال والجوهر فتمكن من الحكم

الخالفة إلى ما كانت علي��ه، وك��ان يق��دم الخ��دم ويس��تعين بهم وقد والهم قيادة الجن��د وغيره��ا. فالخلف��اء إنم��ا لج��أوا إلى تحكيم الخ��دم والخص��يان اس��تبقاء لحي��اتهم أو إحي��اء لنفوذهم ودفع استبداد جند األت��راك، ولم يكن ذل��ك خاص��ا بالدول��ة العباس��ية ب��ل ش��مل معظم ال��دول اإلس��المية

المعاصرة.تأثير النساء في سياسة الدولة

للمرأة تأثير كبير في أعمال الرج��ل مهم��ا يكن نوعه��ا وفي أي عصر كان وأي أمة كانت وإن اختلف مق��دار ذل��ك التأثير باختالف عادات األمم وآدابها. أم��ا الدول��ة إذا ك��انت ملكية مطلقة فللمرأة ش��أن كب��ير في سياس��تها ح��تى في اإلس����الم م����ع ش���يوع الطعن في آرائهن وق����ولهم: )إن مشاورتهن في األمور مجلبة للعجز وم��دعاة إلى الفس��اد( ويعظم أثره على الخصوص في تأثير أمهات الخلف��اء على أوالدهن والسيما في أواسط الدولة عند احتج��اب الخلف��اء

واستسالمهم إلى الخدم. على أن العباسيين حتى في صدر الدولة كانوا يصغون إلى النساء فأحرزت المرأة نفوذا كب��يرا وخصوص��ا أمه��ات الخلف���اء وأول من اس���تبد منهن الخ���يزران أم اله���ادي والرش��يد وهي قرش��ية وك��انت ذات نف��وذ وق��وة يخافه��ا أوالده�ا ومن خالفه��ا منهم أو اعترض��ها قتلت��ه. وك��انت في أيام زوجه��ا المه��دي ص��احبة األم��ر والنهي وه��و يطاوعه��ا، فلما تولى ابنها الهادي أرادت االستبداد ب��األمور دون��ه وأن

تسلك به مسلك أبي��ه فلم يمض أربع��ة أش��هر ح��تى توج��ه الناس إليها وكانت المراكب تغدو وتروح إلى بابه�ا فس�اءه ذلك وكلمته يوما في أمر فلم يجد إلى إجابته��ا في��ه س��بيال فقالت: )البد من إجابتي إليه فإني قد ضمنت هذه الحاج��ة لعبد الله بن مالك( فغضب اله��ادي وق��ال: )ويلي على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها والله ال أقضيها ل��ك( ق��الت: )إذا والله ال أسألك حاجة( قال: )ال أبالي( وق�امت مغض�بة فصاح بها: )مكانك.. والله أنا نفي من قراب��تي من رس��ول الله لئن بلغني أنه وقف ببابك أح�د من ق�وادي أو خاص�تي ألضربن عنقه وألقبضن ماله. ما هذه المواكب ال��تي تغ��دو وتروح إلى بابك أما لك مغزل يشغلك أو مص��حف ي��ذكرك أو بيت يص��ونك؟ إي��اك وإي��اك ال تفتحي باب��ك لمس��لم وال ذمي( فانصرفت وهي ال تعقل ولم تنط��ق عن��ده بع��دها ثم إنه قال ألصحابه: )أيما خير أنا أم أنتم وأمي أم أمهاتكم؟( قالوا: )ال بل أنت وأمك خير( قال: )فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه فيق��ال فعلت أم فالن وص��نعت؟( ق��الوا: )ال نحب ذل��ك( ق��ال: )فم��ا ب��الكم ت��أتون أمي فتتح��دثون بحديثها؟( فلما سمعوا ذل�ك انقطع�وا عنه��ا فحق��دت علي��ه حتى إذا علمت أنه يري��د خل��ع أخي��ه الرش��يد ويأخ��ذ البيع��ة البنه جعفر أم��رت بعض جواريه��ا بقتل��ه بالس��م والجل��وس

على وجهه فقتلوه. فلما كانت أيام الرشيد استبدت الخيزران في األحكام

ملي��ون160واحتش��دت األم��وال فبلغت غلته��ا في الع��ام درهم أي نح��و نص��ف خ��راج المملك��ة العباس��ية في ذل��ك العهد ولما ماتت توسع الرشيد بأمواله��ا. وقس على ذل��ك ثروة سائر أمهات الخلفاء، أما من حيث النف��وذ فق��د ك��ان للسيدة أم المقتدر وهي تركية س��طوة غريب��ة على رج��ال الدولة في خالفة ابنها وك��انت تتص��رف في األحك��ام دون��ه باالش��تراك م��ع الحج��اب والخ��دم وك��ان ال��وزراء يهابونه��ا ويرتع��دون خوف��ا من ذكره��ا، ويق��ال نح��و ذل��ك في أم

ه��� وك��انت ص��قلبية251المس��تعين بالل��ه المت��وفى س��نة األصل فأطلق المستعين يدها في أمور الدول��ة وي��د اث��نين من قواد األتراك اتامش وش��اهك الخ��ادم فك��انت األم��وال

التي ترد إلى بيت المال من الن��واحي يص��ير معظمه��ا إلىهؤالء الثالثة.

فساد األحكام في الدولة العباسية

التنازع على النفوذ

بلغت الدولة العباسية عصرها الذهبي في أيام خلفائها األولين وخصوصا الرشيد والمأمون بتدبير الوزراء الف��رس والسيما البرامك��ة، فاتس��ع س��لطانها في أي��امهم وامت��دت س��طوتها على معظم الع��الم المعم��ور في ذل��ك العه��د فبلغت الهند ش��رقا والبح��ر األطلس��ي غرب��ا وبالد س��يبيريا وبحر قزوين شماال وبحر ف��ارس وبالد النوب��ة جنوب��ا. فلم��ا نكب البرامك���ة ثم اس���تبد الجن���د ال���تركي في الحكوم���ة أص��بحت األحك��ام فوض��ى وخصوص��ا بع��د المتوك��ل ألنهم أقدموا على قتله وكان ذل��ك فاتح��ة ج��رأتهم على الخلف��اء بعده من ع��زل وتولي��ة وقت��ل وس��مل، فعج��ز الخلف��اء عن القي��ام بش��ؤون الدول��ة وهم أص��حابها المس��ؤولون عنه��ا واألحك���ام تص���در بأس���مائهم وإن ك���انوا م���دفوعين إلى إجراءاتهم ببعض أرباب النف��وذ في بالطهم من ال��وزراء أو القواد أو الخدم أو الموالي أو النس��اء أو غ��يرهم، ف��الوزير الذي يتولى أمور الدول�ة وال ي�دري م�ا يك��ون مص�يره بع�د ع��ام أو ع��امين من ع��زل أو قت��ل أو حبس ال يهم��ه غ��ير الكسب من أي طريق كان وال يب��الي بم�ا ق�د ي�ترتب على ذلك فيما بعد عمال بالقاعدة التي وضعها ابن الفرات كب��ير وزراء ذلك العصر وهي قوله: )إن تمشية أم��ور الس��لطان على الخطأ خير من وقوفها على الصواب( وانتبه الخلف��اء إلى مطامعهم فأصبحوا إذا عزل��وا وزي��را ص��ادروه وأخ��ذوا أمواله، فالوزير يتولى الوزارة عاما أو ع��امين ثم يع��زل أو يس��تقيل ول��ه ع��دة ماليين من ال��دنانير فض��ال عن الض��ياع والمباني وقد اكتس��ب ه��ذه ال��ثروة بالرش��وة ونحوه��ا من أسباب المظالم. وكان الوزير ال يولي عامال على والية م��ا لم يقبض منه ماال على س��بيل الرش��وة يس��مونه )مراف��ق الوزراء(. ومن أغرب حوادث التولية بالرشوة أن الخاقاني

وزير المقتدر بالله ولى في يوم واحد تس��عة عش��ر ن��اظرا للكوف��ة وأخ��ذ من ك��ل واح��د رش��وة، ومن أغ��رب ط��رق االغتص��اب أن يغتص��ب العام��ل أو ال��وزير أو غيرهم��ا من رج��ال الدول��ة ص��نيعة لبعض الن��اس فيأخ��ذها بغ��ير ثمن ويستغلها لنفسه وإذا اس��تحق عليه��ا الخ��راج أداه ص��احبها األول مخاف��ة أن يثبت المل��ك لمغتص��بها إذ ي��دون خراجه��ا باسمه في الديوان فيبطل حق مالكها في ملكه��ا فيض��طر المال��ك إلى دف��ع الخ��راج أعوام��ا ريثم��ا يتوف��ق إلى من ينصفه ممن يفضي النفوذ إليهم من أهل العدالة أو يهت��دي إلى وساطة أو حيلة. ناهيك عما كانوا يغتصبونه من أموال

الرعية باقتضاء خراج األرض مضاعفا أو مكررا.الجاسوسية.. اللصوصية

ط ال��وزير أو من ومن وسائل اب��تزاز األم��وال أن يقس�� يقوم مقامه على أرباب الدواوين والقضاة أو غ��يرهم م��اال على وج��ه الق��رض على أن يس��بب لهم عوض��ه من أه��ل الن���واحي فتق���ع الخس���ارة على الرعي���ة، فتض���ايق أه���ل األس��واق في الم��دن والفالح��ون في الق��رى والرس��اتيق وض��اقت أب��واب ال��رزق على الن��اس وأص��بحت الحق��وق فوضى ومن وج��د حيل��ة في اختالس الم��ال س��را أو جه��را اس��تخدمها وك��ثر العي��ارون والش��طار في الم��دن وتع��دد اللصوص في القرى وفيهم جماعة أصلهم من جنود الدولة طمع الوزراء أو القواد بأرزاقهم فخرجوا يتعرضون للمارة ويس���لبونهم أم���والهم وأمتعتهم وإذا عوتب���وا أو حوكم���وا احتجوا بذلك. وك��ان قط��اع الط��رق يس��طون على قواف��ل التج��ار ويأخ��ذون أمواله��ا باعتب��ار أنه��ا ح��ق لهم. وزد على ذلك ما نجم عن فس��اد األحك��ام من الض��يق الم��الي وغالء األس��عار في الم��دن وم��ا نش��ب من الفتن بين األح��زاب والس��يما الس��نة والش��يعة وراجت الدس��ائس وتك��اثرت السعايات برجال الدولة وانتشرت الجاسوسية في قص��ور��اب. وأص��بح لك��ل منهم الخلف��اء ودواوين ال��وزراء والكت جواس��يس على اآلخ��رين ينقل��ون إلي��ه أخب��ارهم فتس��ابق أسافل الناس إلى السعاية بأفاضلهم يرفعون إلى الخليفة

أو إلى صاحب النفوذ في دولته كتبا يختلقون بها المطاعن على األبرياء لالنتفاع بأذاهم. فلما فسدت األحك��ام في دار الخالف��ة واس��تبد ال��وزراء والق��واد في ش��ؤون الدول��ة رأى العم��ال في الوالي��ات أن يج��تزئوا من ذل��ك االس��تبداد في والياتهم فأخذوا يستقلون فتشعبت المملكة العباس��ية إلى ممال��ك يحكمه��ا األم��راء من الف��رس واألت��راك واألك��راد

والعرب وغيرهم.تشعب المملكة العباسية

وأما استقالل العم��ال ب��ذهاب هيب��ة الخلف��اء أو اختالل شؤون الدولة فاألسبق إلي��ه الف��رس ثم األت��راك ف��األكراد مثل تواليهم في التغلب على الخلفاء. وتدرج كل من ه��ذه

األمم من العمالة إلى اإلمارة إلى الملك أو السلطنة.الدول الفارسية في ظل العباسيين

لما أعاد الفرس مقالي��د الخالف��ة إلى الم��أمون ازدادوا دالة عليه واستخفافا بالسلطة العباسية ثم اس��تبد األت��راك في الخلفاء بعد المعتصم وغلوا أي��ديهم وكس��روا ش��وكتهم فكان للفرس على اإلجمال حظ كبير من ذل��ك، فلم��ا رأوا ذهاب نفوذهم في دار الخالفة استعاض��وا عن��ه باالس��تقالل

بإماراتهم. على أن الذين اس��تقلوا من الق��واد أو األم��راء م��ازالوا يعترفون للعباسيين بالسلطة الديني��ة فيطلب��ون االس��تقالل تحت رع��ايتهم، فتف��رعت المملك��ة العباس��ية إلى إم��ارات

ه���. ف��انظر434 إلى 305مستقلة هي خمس��ة دامت من كيف تفرعت بالد فارس إلى إم��ارات فارس��ية. فانتعش��ت الش��يعة ون��الوا بعض م��ا ك��انوا ي��أملون من مس��اعيهم في نصرة العلويين. حتى قامت دولة آل بويه وهي أك��بر دول��ة فارسية شيعية ظهرت في الشرق في عه��د ذل��ك التم��دن

بظل الدولة العباسية.دولة آل بويه

رجال ه��ذه الدول��ة وأنص��ارها ال��ديلم من الجيالن وراء خراسان ولكن ملوكها آل بويه من الفرس ويرتفع نس��بهم إلى ملوك الفرس القدماء وإنما س��موا ديلم ألنهم س��كنوا بالد الديلم. وكان العلويون يسعون في نشر دعوتهم هناك من أيام الرشيد، وآخر من نجح في ذل��ك الحس��ن بن علي األطروش من نسل الحسين )عليه الس��الم( ف��دعا ال��ديلم

إلى مذهبه في أواخر القرن الثالث فأجابوه. وجد آل بويه األقرب الذي أس��س ه��ذه الدول��ة اس��مه بويه ولقبه أبو شجاع كان له ثالثة أوالد: علي ويلقب عماد الدول��ة، وحس��ن ويلقب ركن الدول��ة، وأحم��د ويلقب مع��ز الدولة، وك��ان بوي��ه رقي��ق الح��ال ف��انتظم أوالده بالجندي��ة ألنها كانت يومئذ بابا من أبواب الرزق الواسعة وكان عماد الدولة في خدمة مرداويج مؤسس الدولة الزيادية فارتقى عن��ده ح��تى واله الك��رج ثم اتس��عت أحوال��ه فكتب إلى الخليفة العباسي وهو يومئذ الراضي بالل��ه المت��وفى س��نة

ه� أن يقاطع��ه على أعم��ال ف��ارس بم��ال يحمل�ه إلى329 دار الخالفة على ج��اري ع��ادتهم م��ع الدول��ة العباس��ية في ذل��ك العه��د فأجاب��ه الراض��ي وبعث إلي��ه بالخلع��ة. وأخ��وه حسن ركن الدولة تملك خوارزم وجاء األخوان واتحدوا مع أخيهما الثالث معز الدول��ة في ش�يراز وس�اروا غرب�ا ح��تى

ه��� ف��رحب بهم334أتوا بغداد في أي��ام المس��تكفي س��نة وخلع عليهم ولقبهم األلقاب المذكورة وجع�ل مع��ز الدول�ة أمير األمراء واستبدوا في المملكة واستولوا على الخالف��ة وعزل��وا الخلف��اء وول��وهم فرفع��وا من��ار الش��يعة وأحي��وا معالمها وأضعفوا نفوذ األتراك والخالف��ة العباس��ية ال ت��زال في بغداد، ولم��ا أفض��ت إم��ارة األم��راء إلى عض��د الدول��ة لقب بالملك وهو أول من خوطب بهذا اللقب في اإلسالم،

ه�.447 � 320وحكم آل بويه من سنة الدولة التركية في ظل العباسيين

لما قويت شوكة األتراك في الدول��ة العباس��ية وه�ابهم الخلفاء كما تق��دم طم��ع بعض��هم في الوالي��ات كم��ا طم��ع الفرس فاستقلوا بها فنبت للدول��ة العباس��ية ف��روع تركي��ة

خ��ارج بالد ف��ارس كم��ا نبتت الف��روع الفارس��ية في بالده�(.582( إلى )254الفرس وهما أربعة فروع دامت من )

الدولة السلجوقية وفروعها

على أن هذه اإلمارات نشأت فروعا للمملكة العباسية أي كان أمراؤها أو سالطينها من عمال الدولة العباسية أو قوادها أو قواد بعض اإلمارات األخرى واستقلوا كما نشأت اإلم��ارات الفارس��ية قبله��ا واألمت��ان تتنافس��ان في النف��وذ

الختالف العصبية واختالف المذهب بين السنة والشيعة. ومؤسس الدول�ة الس�لجوقية س�لجوق بن يك�اك أم�ير تركي كان في خدمة بعض خانات تركس��تان فعلم ب��اختالل المملكة العباسية فطمع فيها، وعلم أنه ال يبل��غ ذل��ك وه��و على غ��ير دين اإلس��الم فأس��لم ه��و وقبيلت��ه وس��ائر جن��ده ورج��ال عص��بيته دفع��ة واح��دة ونهض بجمي��ع ه��ؤالء من تركستان وساروا غربا فقطعوا نه��ر جيح��ون وت��درجوا في الفتح ونش��ر الس��لطة ح��تى اكتس��حوا المملك��ة العباس��ية وامتد سلطانهم من أفغانستان إلى البح��ر األبيض. وأص��بح العالم اإلسالمي تتنازع��ه ثالث دول إس��المية أكبره��ا دول��ة الس��الجقة في المش��رق ثم الدول��ة الفاطمي��ة في مص��ر

والمغرب والثالثة دولة بني أمية في األندلس. والس��الجقة دول تف��رعت من أص��ل واح��د وهم أص��ل سائر الفروع وأقوى منه��ا جميع��ا وهم خمس��ة حكم��وا من

ه�. وكان السالجقة في أي��ام س��لطتهم يول��ون700 � 429 األعمال أو الواليات قوادا من مماليكهم يسمونهم األتابكة، وأخذ األتابكة يستقلون بوالياتهم شيئا فشيئا حتى اقتسموا المملكة الس�لجوقية فيم�ا بينهم وهم عش�رة وحكم��وا من

ه�.703 � 497سنة الدولة الكردية في ظل العباسيين

األك��راد ق��وم أش��داء وأك��ثرهم أه��ل بادي��ة وخش��ونة يقيمون في الخيام وينقسمون إلى قبائل وعشائر وبط��ون وهم أقل قبوال للحضارة من الفرس والترك وغيرهم��ا من األمم الشرقية التي دانت لإلسالم إبان التمدن اإلس��المي.

وق��د ظل��وا أه��ل ظعن ورحل��ة في معظم ذل��ك التم��دن. وكانت الدول تس��تعين بهم في الح��روب البدوي��ة الش��بيهة بالغزو كما كانت تستعين باألعراب، ومق��امهم على األك��ثر في كردستان وأرمينيا وجزيرة العراق كالموصل وديار بكر وال ي��زال س��وادهم هن��اك إلى اآلن. وأول من أنش��أ دول��ة كردية مستقلة في اإلسالم حسنويه بن الحسين البرزكاني زعيم بعض قبائل األكراد في كردستان في أواسط الق��رن الرابع للهجرة وامتدت س��لطته على معظم تل��ك المملك��ة وفيه��ا دين��اور وهم��ذان ونهاون��د وس��رماج وغيره��ا. وق��د اع��ترف خليف��ة بغ��داد بس��لطانه ولقب ابن��ه بع��ده بناص��ر

�348الدولة، ولم يط��ل عمره��ا كث��يرا فحكمت من س��نة ه� ثم استقل من األكراد أبو علي بن مروان في دي��ار406

ه��� وامت��دت س��لطته على آم��د وآرزان380بك��ر س��نة وميافرقين، وبايع خلفه للفاطميين حينا من الزمن وذهبت

ه�.489دولته سنة واألكراد لم يكن لهم ش��أن ي��ذكر في اإلس��الم إال على

ه��� ومؤسس��ها648 � 564عه��د الدول��ة األيوبي��ة من س��نة صالح الدين األيوبي، وارتفع ش��أن األك��راد في أي��ام دولت��ه وتولوا اإلمارات والوالي��ات في مص��ر والش��ام وكردس��تان واليمن وخراسان ولما مات اقتسم مملكته أخوت��ه وأوالده وأوالد أخوته ولذلك لم يطل حكمها، فغلبهم على معظمها

مماليكهم األتراك.

والسلطة الخالفة

لما ظهر اإلسالم ك��ان الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( رئيس المس��لمين في أم��ور ال��دنيا وال��دين وه��و ح��اكمهم وقاضيهم وصاحب شريعتهم وإم��امهم وقائ��دهم. وك��ان إذا أولى أح���د أص���حابه بعض األط���راف خول���ه الس���لطتين السياس��ية والديني��ة وأوص��اه أن يحكم بالع��دل وأن يعلم الن��اس الق��رآن. ولكن االرتب��اط بين ال��دين والسياس��ة في اإلسالم يختلف عما في النصرانية ألن النص��رانية انتش��رت أوال في عام��ة الن��اس ثم انتقلت إلى رج��ال الدول��ة. وأم��ا اإلسالم فإنه ظهر أوال في رجال الدول��ة وانتق��ل منهم إلى العامة ألن أقدم أهل اإلسالم الصحابة وهم جند المسلمين وأم��راؤهم وق��د نش��روا اإلس��الم في األرض وجاه��دوا في��د ال��دين وق��امت دول��ة س��بيل نص��رته بأنفس��هم، فلم��ا تأي المس���لمين ورغب األم���راء في الس���لطة الدنيوي���ة ك���ان منصب الخالفة من أكبر أس��باب تغلبهم لت��أثير ال��دين على أذهان الناس في تلك األيام فقد كانوا ال يجتمعون إال تحت رايته وخصوصا في الشرق وال يزالون على ذلك حتى اآلن على أن أه��ل التق��وى من المس��لمين ك��انوا يجعل��ون ح��دا فاصال بين الخالفة والس��لطة فلم��ا طلب معاوي��ة الس��يادة كما يطلبه��ا أه��ل المط��امع بال��دهاء والق��وة خ��الفوه وأب��وا مبايعت��ه فلم��ا قت��ل علي )علي��ه الس��الم( وتن��ازل الحس��ن )عليه السالم( عن الخالف��ة لمعاوي��ة لم ي��ر المس��لون ب��دا من مبايعت��ه على الطاع��ة كم��ا يب��ايعون المل��وك لكنهم استنكفوا من أن يسموه )خليف��ة( أو يع��ترفوا ل��ه بس��لطة ديني��ة فس��موه )ملك��ا( وه��و ي��أبى أن ال يجم��ع الرئاس��تين لعلمه أن الرئاسة الدنيوية وحدها ال تفيده شيئا � ذكروا أن سعد بن أبي وقاص دخل على معاوي��ة بع��د أن اس��تقر ل��ه األمر وقال: )الس��الم علي��ك أيه��ا المل��ك( فض��حك معاوي��ة

وقال: )ما عليك لو قلت يا أمير المؤمنين؟( فقال: )تقولهاجذالن ضاحكا؟ والله ما أحب إني وليتها بما وليتها به( � .

فيظه���ر من ذل���ك أنهم ك���انوا ي���نزهون الخالف���ة عن السياسة والدهاء ويعتقدون أن بني أمية نقلوا اإلسالم منالدين إلى العصبية بالمال والسيف ثم إلى الملك البحت.

الخالفة الزمة للسلطة المطلقة

وفي اعتقادنا أن الحكم المطلق ال يتأيد ويتسع نطاق��ه ويطول مكثه إال بالدين أو ما يق�وم مقام�ه، فم�ا من دول�ة مطلقة ط��ال حكمه��ا واتس��عت مملكته��ا إال وفي س��لطتها صبغة دينية تحميها من طمع الطامعين بأن تجعل لملوكه��ا مزي���ة على س��ائر الن���اس. وإذا أري���د فص���ل ال���دين عن السياسة فالبد من تقييد الحكوم��ة بالش��ورى وهي أفض��ل الحكومات وأطولها عم��را وإال فإنه��ا تخت��ل س��ريعا ويكفي النحالله��ا أن يت��ولى ش��ؤونها مل��ك قلي��ل الت��دبير ن��اقص االختبار فيغتصب ملكه بعض وزرائه أو قواده. وإذا ت��دبرت تاريخ الدول اإلسالمية رأيت للس��لطة الديني��ة ت��أثيرا كب��يرا في طول بقائها واتساع نطاقه��ا ول��ذلك ك��ان بين الخلف��اء األولين وعلم��اء ال��دين اإلس��المي كالحف��اظ والمح��دثين والفقهاء عالقة متبادلة وك��ل منهم يتق��وى ب��اآلخر، ومع��نى ذل��ك أن الخليف��ة ه��و ص��احب الس��يادة الديني��ة والس��لطة الدنيوية فهو أمير الناس في الس��لم وقائ��دهم في الح��رب وإمامهم في الصالة وهو قاضيهم وفقيههم كما كان الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( في أول اإلس��الم. فلم��ا اتس��عت الفتوح ودعت الحاجة إلى تقسيم األعم��ال بمقتض��ى س��نة العمران عمد الخليف��ة إلى إناب��ة من يت��ولى تل��ك األعم��ال عنه. فالوالي إنما هو نائب الخليفة في العمل الذي يت��واله والقاض��ي نائب��ه في القض��اء وقائ��د الجن��د يت��ولى قيادت��ه بالنياب��ة عن الخليف��ة. وقس على ذل��ك س��ائر المناص��ب اإلدارية والسياس��ية والقض��ائية وك��ذلك في المهن الديني��ة فالقراء والمفسرون والمحدثون والفقهاء يتولون أعمالهم بالنيابة عن الخليفة. فكما يحتاج الخليفة إلى نصرة العمال والقواد والقضاة في تأييد سلطته الدنيوية فهو يفتقر أيضا

إلى نصرة الفقهاء والعلماء لتأييد س��يادته الديني��ة، ول��ذلك ت��رى الخلف��اء يقرب��ون أه��ل العلم والس��يما في أوائ��ل اإلس��الم، فلم��ا طم��ع بن��و أمي��ة بالخالف��ة والتمس��وها عن طريق الدهاء والبطش ك��ان في جمل��ة م��ا أهمل��وه األخ��ذ بأقوال أهل العلم ألنهم لو أطاعوهم ما تيسر لهم المل��ك، فقاسى العلماء في أوائل دولة األمويين ع��ذابا ش��ديدا من المقاومة والضغط فاضطر بعضهم لإلفتاء بما يرضي أه��ل الدولة وأبى البعض اآلخر إال الح��ق فاض��طهدوهم وض��يقوا عليهم، بدأوا بذلك من أيام عثمان والعمال يومئذ من ب��ني أمية وقد أخذوا يمهدون السبيل لسلطانهم بجم��ع األم��وال واالستئثار بالنفوذ. وفي حكاية أبي ذر الغفاري مع معاوي��ة بن أبي سفيان دلي��ل ن��اطق على م��ا ك��ان من ج��رأة أه��ل العلم على الخلفاء وإنكار األمويين ذلك، فلما استتب األمر لبني أمية حبست األفكار وتقيدت األلس��نة ولم يتق��دم من العلماء في مناصب الدول��ة إال المتملق��ون، فظ��ل األح��رار من الفقهاء في زوايا اإلهمال معظم أيام ب��ني أمي��ة. فلم��ا تس��لط العباس��يون وأظه��روا أنهم يري��دون إحي��اء الس��نة وتقويم ما اعوج من سبل ال��دين في عه��د األم��ويين ظه��ر أه��ل األفك��ار المس��تقلة من الفقه��اء والعلم��اء والزه��اد وقربهم الخلفاء وأكرموهم فعادوا إلى جرأتهم في خط��اب من يأنسون منه إصغاء. فالفقهاء واسطة الس��يادة الديني��ة بين الخليفة والعامة مثل توسط األمراء والق��واد في تأيي��د السيادة الدنيوية وقد يغني الفقهاء عن الواسطتين جميع��ا ألن عامة المس��لمين ينق��ادون إلى فقه��ائهم ويستس��لمون إليهم كم��ا ينق��اد عام��ة النص��ارى إلى كهنتهم. فالخلف��اء العباسيون كانوا يحتاجون إلى الفقهاء لالس��تعانة بهم على إخض���اع العام���ة وامتالك قل���وبهم وك���ذلك ك���ان يفع���ل الس��الطين واألم��راء لنفس ه��ذا الس��بب أو لس��بب آخ��ر. والنف��ع متب��ادل بين الفئ��تين ألن الفقه��اء ك��انوا يكتس��بون بتقربهم من الخلفاء ماال وجاها ولكن م��ا يكتس��به الخلف��اء منهم أعظم وأبقى، فرس��خ اح��ترام الخلف��اء في قل��وب

العامة وتمسكوا بهم وعظموهم باسم الدين.

وكان الخلفاء يذعنون للعام��ة باس��م ال��دين أيض��ا، ولم يكن للخلف��اء ب��د من إظه��ار التق��وى والقي��ام ب��الفروض الدينية لئال تفس��د عليهم العام��ة ويحتق��روا س��لطانهم ول��و كان الخليفة ال يعتقد ذلك. ذكروا أن الوليد بن يزيد األموي م��ع اش��تهاره بالخالع��ة والتهت��ك ك��ان إذا حض��رت الص��الةأ يطرح م��ا علي��ه من الثي��اب المص��بغة والمطيب��ة ثم يتوض��ن الوض��وء وي��ؤتى بثي��اب بيض نظيف��ة من ثي��اب فيحس�� الخالفة فيصلي فيها أحسن صالة بأحس��ن ق��راءة وأحس��ن سكوت وسكون وركوع وس��جود ف��إذا ف��رغ ع��اد إلى تل��ك

الثياب.الدول اإلسالمية والخالفة

فلهذا السبب كان األمراء الذين يس��تقلون عن الدول��ة العباسية باإلدارة والسياسة لضعف الخليف��ة عن ح��ربهم ال يستطيعون االستقالل عنه بالدين إذ ال يستغنون عن بيعت��ه لتثبيت سلطانهم فإذا أراد أحدهم االستقالل بوالي��ة أو فتح بل��د أو إنش��اء إم��ارة لنفس��ه بعث إلى الخليف��ة في بغ��داد يبايعه ويطلب منه أن يعطي��ه تقلي��دا أو عه��دا بوالي��ة ذل��ك البلد أو أن يلقب��ه ويخل��ع علي��ه وإذا أبى الخليف��ة أن يجيب��ه غضب وعد ذلك تحقيرا له وقد يج��رد علي��ه الجن��د ليكره��ه على تثبيته. وكان الخلفاء من الجهة األخرى يعرفون حاجة األم��راء المس��لمين إلى رض��اهم ف��إذا س��اءهم أح��د منهم ه��ددوه ب��الخروج من بغ��داد فيض��طر إلى استرض��ائهم ألن خ��روجهم يغض��ب العام��ة ويج��رئهم على خل��ع الطاع��ة لتقديسهم شخص الخليفة وتنزيهه عن الخطأ، ول��ذلك فلم يكن من سبيل إلى نزع سلطته أو االعتراض عليه��ا إال من وج��ه دي��ني فك��ان ال��ذين يقوم��ون على الخلف��اء يجعل��ون سالحهم الدين فيلبسون الص��وف وي��دعون إلى المع��روف أو يعلقون في أعناقهم المصاحف أو نحو ذلك مم��ا يح��رك عواطف العام��ة وإذا أراد أح��د الخلف��اء أن يص��لح م��ا بين��ه وبين العامة أصلحه بالتقوى. فلما ضمن الفض��ل بن س��هل الخالفة للمأمون أوص��اه بإظه��ار ال��ورع وال��دين ليس��تميل القواد ولما رأى أبو مسلم الخراساني أهل اليمن في مكة

قال: )أي جند هؤالء لو لقيهم رجل ظري��ف اللس��ان غزي��ر الدمعة( يريد تحري��ك ع��واطفهم الديني��ة بالوع��ظ والبك��اء. فلم يكن للممال��ك اإلس��المية ب��د من خليف��ة تبايع��ه ليثبت ملكه��ا. وق��د يس��تاء بعض األم��راء المس��تقلين من خليف��ة بغداد فيكظم وال يخلع بيعته إال إذا رأى خليف��ة آخ��ر يبايع��ه فلما قامت الدولة الفاطمية ب��المغرب ومص��ر خلعت كث��ير من البالد بيع���ة خليف���ة بغ���داد وب���ايعت للف���اطميين في

ه�656القاهرة. فلما سطا التتر على بغداد وفتحوها س��نة وقتل��وا الخليف��ة العباس��ي المستعص��م بالل��ه توق��ف ش��أن الخالفة فاضطربت أحوال مص��ر وب��ذل س��الطينها جه��دهم في إيجاد خليفة يبايعونه ول��و أع��وزهم خليف��ة ولم يج��دوه ربما اختلقوا واحدا ليحكموا العامة ب��ه على أنهم م��ا زال��وا يبحثون عن بقية الخلفاء العباسيين الذين ك��انوا في بغ��داد ح��تى ظف��روا باله��اربين منهم فاس��تقدموهم إلى الق��اهرة وفرضوا لهم الرواتب واحتفلوا بهم احتفاال عظيما وب��الغوا في اح��ترامهم وإك�رامهم م��ع علمهم أن أولئ��ك الخلف�اء ال يغن��ون عنهم ش��يئا ولكنهم خ��افوا اختالل دولتهم ب��دونهم. وظل ملوك الهن��د وغ��يرهم من مل�وك اإلس��الم ب�األطراف البعي��دة يب��ايعون للخليف��ة العباس��ي بالق��اهرة ويطلب��ون التقليد منه أو المنشور إلثبات سلطتهم على يد السالطين المماليك، فما الذي بعث أولئك الملوك على طلب التقليد من خليفة طريد شريد ال ينفع وال يشفع ل��وال م��ا يتوقعون��ه من أثر ذلك في أذهان العام��ة؟ وال ننك��ر أن بعض��هم ك��ان يطلب بيع��ة الخليف��ة ت��دينا ولكن األكثري��ة ك��انوا يطلبونه��ا

الستصالح العامة بها. أم��ا المبايع��ة بالخالف��ة لغ��ير الع��رب فلم تنله��ا دول��ة إسالمية قبل العثم�انيين فلم�ا فتح الس�لطان س�ليم مص��ر وجد فيها آخ��ر الخلف��اء العباس��يين ال��ذين ك��ان الس��الطين الممالي��ك ق��د اس��تقدموهم فتن��ازل ل��ه عن الخالف��ة س��نة

ه�.923

الثاني العربي العصر

اإلمارات العربية والعنصر العربي

نري��د بالعص��ر الع��ربي الث��اني العص��ر ال��ذي ج��دد في��ه العرب سطوتهم وأع��ادوا س��لطانهم ونف��وذهم في الدول��ة بعد أن غلب الفرس على أمورهم واس��تبدوا بهم. على أن بعض القبائل العربي��ة تمكنت بأس��باب مختلف��ة من إنش��اء إمارات ص��غيرة في م��ا بين النه��رين والش��ام تحت رعاي��ة العباس��يين وق��د س��اعدهم على ذل��ك م��ا ق��ام من الفتن والح���روب بين الخلف���اء العباس���يين ووزرائهم الف���رس وأجنادهم األتراك في القرن الرابع للهج��رة ورأوا الف��رس والترك يستقلون بوالياتهم فقلدوهم، فاس��تقل آل حم��دان

�317من بني تغلب بالموص��ل وحلب وغيرهم��ا من س��نة ه��� وك��انت دولتهم عربي��ة أحي��وا به��ا مع��الم الع��رب394

وآدابهم وع�رفت بالدول�ة الحمداني��ة أش�هر أمرائه�ا س�يفب المتنبي. الدولة وقد اشتهر بما نظمه فيه أبو الطي

ونش�أت في حلب في ذل�ك الق��رن أيض��ا دول��ة عربي��ة أخرى اسمها المرداسية نسبة إلى أس��د الدول��ة ص��الح بن م��رداس من قبيل��ة ب��ني كالب من المض��رية، فحكم في

ه� وخلف الحمداني��ة472 � 414حلب هو وأوالده من سنة بالموصل دولة بني عقيل من كعب من المض��رية فتولوه��ا

ه� وظهرت في أثناء ذلك دولة عربية489 � 386من سنة رابعة عرفت بالمزيدية نسبة إلى مزيد الشيباني من قبيلة أسد وقد أنشأوا مدينة الحلة في العراق وحكموا من س��نة

ه�.545 � 403 وهناك دولتان أنش��أهما رج��ال من الع��رب في العص��ر العباسي األول وفي بالد غ��ير عربي��ة ف��األولى أن تع��دا من الدول األعجمية وهما: الدولة الدلفية التي أنشأها أبو دلف العجلي في كردستان، والعلوي��ة ال��تي أنش��أها الحس��ن بن

زيد في طبرستان. وإذا أضفنا إلى ما تق��دم دول��ة األغالب��ة التي استقلت بالمغرب قبل سائر ف��روع الدول��ة العباس��ية ودول��ة األدارس��ة اآلتي ذكره��ا بل��غ ع��دد ال��دول العربي��ة الص��غرى في النهض��ة العربي��ة الثاني��ة ثم��اني دول، غ��ير اإلم��ارات العربي��ة الص��غرى ال��تي ظه��رت في بالد اليمن كالزيادية في زبيد واليعفورية في صنعاء وغيره��ا، على أن هذه الدول قلما أثرت في إحياء سطوة العنصر الع��ربي أو إرجاع شوكة العرب ألنها كانت تع��ترف بخالف��ة العباس��يين وتب��ايع لهم إال العلوي��ة واألدارس��ة. فالنهض��ة العربي��ة في��رت في العصر العربي الثاني الذي نحن في صدده قلما أث إحياء العنصر الع��ربي، وق��د تقلبت على ك��ل من ال��دولتين األموية في األندلس والفاطمية بمصر أح��وال مختلف��ة في سياس���تها وش���ؤون حكومته���ا ال ب���أس من اإلتي���ان على

خالصتها.سياسة بني أمية في األندلس

ه�422 � 138من سنة

اقتدت هذه الدولة في سياستها بالدولة العباسية مث��ل سائر الدول التي عاصرتها أو نشأت بعدها. فمؤسسها عبد الرحمن بن معاوي��ة بن هش��ام بن عب��د المل��ك بن م��روان كان شديدا مثل جده عبد الملك نج��ا من مذبح��ة أهل��ه في

ه� وهرب من العراق يطلب بالد132مجلس السفاح سنة المغرب بمساعدة مولى له اسمه بدر لم يدخر وس��عا في إنقاذه وحمايته في أثناء ذلك الفرار حيث المسافة طويل��ة وأه��ل البالد ن��اقمون على األم��ويين. فلم��ا وص��ل ب��ه إلى المغرب سعى ل��ه في جم��ع األح��زاب فقط��ع بوغ��از جب��ل ط��ارق إلى األن��دلس وفيه��ا من م��والي ب��ني أمي��ة نح��و خمس��مائة رج��ل ف��أخبرهم بق��دوم م��واله وحرض��هم على نصرته الستبقاء هذه الدولة هناك فنص��روه وجمع��وا كلم��ة المضرية واليمنية � وجمعها صعب في ذل�ك العه�د �� فبع�د حروب كثيرة مه��دوا ل��ه الدول��ة واس��تقدموه إليهم ف��دخل

ه��� ول��ذلك س��موه138األن��دلس وت��ولى أموره��ا س��نة

)الداخل( حكمه��ا أوال باس��م الدول��ة العباس��ية وخطب به��ا للمنصور نحو سنة ثم استقل لنفسه، واتفق في أثناء ذل��ك أن المنصور العباسي أهان مالك بن أنس إمام المدينة لما علم من إفتائه بخلع المنصور ألنه ك��ان ق��د ب��ايع للعل��ويين فاغتنم األمويون نقمة مالك علي��ه وقرب��وه منهم وأكرم��وه فانتفع كل منهما بصاحبه. فاألمويون رأوا فيه إمام��ا كب��يرا ينصر دعوتهم أو يؤيدها من حيث الدين ويطعن في خالف��ة بني العباس. ورأى مالك في األمويين ملج��أ كب��يرا وتعزي��ة لما ذاقه من شدة بني العب��اس، فش��اع م��ذهب مال��ك في األندلس من ذلك الحين وكانوا قبال على م��ذهب األوزاعي مثل أهل الشام، وقد نقلوا الفتوى إلى رأي مالك في أيام

الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل.ملوك الطوائف باألندلس

وبلغت األن��دلس إب��ان مج��دها في أي��ام عب��د ال��رحمن ه� ، وكان ع��اقال كريم��ا ت��وفرت350الناصر المتوفى سنة

الثروة في خالفته وكانت أيامه مث��ل أي��ام ه��ارون الرش��يد في بغ��داد من حيث الرغ��د والرخ��اء. وخلف��ه ابن��ه الحكم وكان محبا للعلم والعلماء مثل المأمون بن الرشيد وبلغت مملكة األندلس في أيام هذين الخليف��تين إلى أوج مج��دها سطوة وأبهة وثروة وأخذ شأن الخالفة بعدهما باالنحط��اط فاس��تبد أه��ل الدول��ة وجن��دها في األحك��ام وهم م��والي األمويين من البربر والصقالبة كما استبد الفرس واألت��راك في الدولة العباسية، ومازالت الدولة هناك آخذة ب��االنحالل حتى اقتسمها الوالة البربر وغيرهم بأسرع مم��ا ح�دث في الدولة العباسية لض��عف اعتق��اد المس��لمين بص��حة خالف��ة بني أمية وألن العباسيين أرسخ قدما في الخالفة لقرابتهم من الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه(، فانقس��مت مملك��ة األندلس في أوائ�ل الق�رن الخ��امس للهج��رة إلى إم��ارات توالها أصحاب األطراف والرؤس��اء وفيهم الع��رب وال��بربر والموالي فتغلب كل إنسان على ما في ي��ده فص��اروا دوال صغيرة متفرق��ة ول��ذلك س��موا مل��وك الطوائ��ف أش��هرهم

ه�.536 � 407سبعة حكموا من

ولم تط���ل س���يادة ه���ذه ال���دول فغلبت عليهم دول���ة المرابطين ثم الموحدين وظل االنقس��ام متتابع��ا بين تل��ك الممال��ك والخص��ام متوالي��ا واإلف��رنج يغتنم��ون ض��عفهم وانقسامهم ويسترجعون مملكتهم إمارة بع��د إم��ارة وبل��دا بع��د بل��د ح��تى غلب��وا على المس��لمين وأخرج��وهم من األندلس، وآخر مدين��ة افتتحه��ا اإلف��رنج من تل��ك المملك��ة غرناطة وكانت في حوزة بني نص��ر نس��بة إلى يوس��ف بن

ه� توالى عليه��ا منهم بض��عة وعش��رون629نصر من سنة ملك��ا آخ��رهم أب��و عب��د الل��ه محم��د بن علي فاس��تخرجها

ه� وفر أبو عبد الل��ه وك��ان ذل��ك897اإلفرنج من يده سنة آخر عهد المسلمين باألندلس

الخامس الفصل

الفاطمية الدولةهـ567 ـ297 سنة من

المغرب في الشيعة قد علمت حال الشيعة في أيام ب��ني أمي��ة في الش��ام وما قاسوه من القتل والصلب ثم م��ا ك��ان من ح��الهم في الدول��ة العباس��ية وخصوص��ا في أي��ام المنص��ور والرش��يد والمتوكل من االض��طهاد والقت��ل فحملهم إلى الف��رار إلى أطراف المملك��ة اإلس��المية فه��اموا على وج��وههم ش��رقا وغربا، وكان في من جاء منهم نحو الغرب إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى أخو محمد بن عبد الله الذي بايع��ه المنص��ور ثم نكث بيعت��ه، ف��أتى إدريس مص��ر وهي يومئ��ذ في حوزة العباسيين فاستخفى في مك��ان أت��اه إلي��ه بعض الشيعة سرا ومنهم صاحب البريد فحمله إلى المغرب في أيام الرشيد فتلقاه الشيعة هناك وبايعوه فأنش��أ دول��ة في

ه�375 � 172مراكش عرفت بالدولة اإلدريسية من س��نة على أن هؤالء لم يسموا أنفسهم خلفاء.

أم��ا ظه��ور الش��يعة وتغلبهم وارتف��اع ش��أنهم حقيق��ة فالفضل فيه للدولة الفاطمية نسبة إلى فاطمة بنت النبي )صلى الله عليه وآله( ألن أصحابها ينتسبون إليها وتس��مى أيض��ا الدول��ة العبيدي��ة نس��بة إلى مؤسس��ها عبي��د الل��ه المهدي، وكان شأن الشيعة قد بدأ ب��الظهور في المش��رق

على يد بني بويه في أواسط القرن الرابع للهجرة. ولم���ا تغلب البويهي���ون على بغ���داد ك���انت الدول���ة الفاطمي��ة ق��د اش��تد س��اعدها في المغ��رب وهمت بفتح مص��ر. وك��ان آل بوي��ه يغ��الون في التش��يع ويعتق��دون أن العباسيين قد غصبوا الخالفة من مستحقيها فأشار بعضهم

على معز الدولة البويهي أن ينقل الخالفة إلى العبيديين أو لغيرهم من العل��ويين ف��اعترض علي��ه بعض خاص��ته ق��ائال: )ليس هذا برأي فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أن��ه ليس من أه��ل الخالف��ة ل��و أم��رتهم بقتل��ه لقتل��وه مستحلين دمه ومتى أجلس��ت بعض العل��ويين خليف��ة ك��ان معك من تعتقد أنت وأص��حابك ص��حة خالفت��ه فل��و أم��رهم

بقتلك لقتلوك( فرجع معز الدولة عن عزمه. على أن الش��يعة اع��تزت في الش��رق به��ذه الدول��ة وأح��يى البويهي��ون كث��يرا من االحتف��االت الديني��ة الش��يعية ومنه��ا عاش��وراء ذك��رى مقت��ل الحس��ين )علي��ه الس��الم( وحملوا الخليفة على أن يخطب لعضد الدولة في بغداد أي أن يذكر اسمه في الخطبة فخطب له وهو أول من خطب له فيها، فوقع التحاسد بين األتراك والديلم هن��اك ونش��أت الفتن بين السنة والشيعة من ذلك الحين وال��ترك يمثل��ون السنة والديلم أو الفرس يمثلون الش��يعة، فحم��ل األت��راك أه��ل بغ��داد على االحتف��ال ببعض األعي��اد عكس احتف��ال

الشيعة نكاية بهم.الشيعة في مصر

على أن ظهور الشيعة في الش��رق ه��ون على الدول��ة العبيدي��ة فتح مص��ر واالنتق��ال إليه��ا وك��انت قص��بتها قبال المهدية بأفريقية وخلفاؤها ينتسبون إلى الحس��ين بن علي )علي��ه الس��الم(. والمص��ريون ك��انوا يحب��ون علي��ا )علي��ه الس��الم( من ص��در اإلس��الم وك��انوا من حزب��ه ي��وم مقت��ل عثمان ولكن قلما كان لهم ش��أن في الش��يعة العلوي��ة ألن العلويين استنص��روا أوال أه��ل الع��راق وف��ارس كم��ا تق��دم فلم��ا ق��امت الدول��ة العباس��ية والحقهم المنص��ور بالقت��ل والحبس وقتل محمد بن عبد الله الحسني وبعض أهله من بني حسن وفر سائر العل��ويين من وج��ه الدول��ة العباس��ية كان في جملتهم علي بن محمد بن عب��د الل��ه فج��اء مص��ر بعض رجال الشيعة بأمر دعوته لكنه ما لبث أن حم��ل إلى

المنصور واختفى.

وكان ح��ال الش��يعة العلوي��ة بمص��ر يتقلب بين الش��دة والرخاء بتقلب أحوال الخلفاء في بغ��داد ح��تى إذا اختلفت أحوال الدولة العباسية في بغداد وتغلب آل بويه عليها في القرن الرابع للهج��رة أخ��ذ ح��زب الش��يعة ينتعش ويتق��وى

ه�356فلما جاءهم جند المعز ل��دين الل��ه الف��اطمي س��نة بقيادة جوهر الص��قلي ك��انت األذه��ان متأهب��ة لقب��ول تل��ك الدعوة ففتح جوهر مص��ر على أه��ون س��بيل وخطب فيه��ا للعل��ويين وأق��ام ش��عارهم وأزال ش��عار العباس��يين وب��نى مدينة القاهرة وانتقل إليها مواله المعز لدين الل��ه وت��والى من دولة الفاطميين بمصر عشرة خلف�اء وجمل�ة خلف�ائهم

14من��ذ أنش��أوا دولتهم في أفريقي��ا إلى انقض��ائها بمص��ر ه� وانتقلت مص��ر منهم567 � 297خليفة حكموا من سنة

إلى األكراد األيوبيين.سياسة الدولة الفاطمية

إن الفاطميين أيدوا كل ما يوافق م��ذهب الش��يعة من إيث��ار العل��ويين وتق��ديمهم والعم��ل ب��أقوال أئمتهم. ف��ألف يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله الفاطمي كتاب��ا يتض��من الفقه على ما س��معه من المع��ز ل��دين الل��ه وابن��ه العزي��ز بالل��ه وبوب��ه على أب��واب الفق��ه وه��و يش��تمل على فق��ه الطائفة اإلسماعيلية. وقد بذلت الدول��ة الفاطمي��ة جه��دها في نش��ر ه��ذا الفق��ه بين المس��لمين ح��تى ك��ان ال��وزير المشار إليه يجلس بنفسه لقراءة هذا الكتاب على الطلبة وبين يديه خواص الناس وعوامهم وسائر الفقهاء والقضاة واألدباء، وجعله مرجع القضاة في الفتوى وأفتى الناس ب��ه ودرسوه في الج��امع الع��تيق وعم��ل الخلف��اء على ت��رغيب الناس في حفظه بالبذل والعطاء فأجرى العزيز بالله على

رجال من الفقه��اء يحض��رون مجلس ال��وزير ويالزمون��ه35 أرزاقا تكفيهم فضال عما كان يصلهم من مال العزيز بالل��ه في الصالت السنوية وأمرهم ببن��اء دار إلى ج��انب الج��امع األزه��ر وك��ان يخل��ع عليهم في عي��د الفط��ر ويحملهم على البغ���ال ترغيب���ا لهم في نش���ر فق���ه الش���يعة وتع���اليمهم وأجلسوا أناسا في قصر الخالفة لقراءة علوم أه��ل ال��بيت

��د تل��ك الدول��ة على الناس ألن بانتش��ار ذل��ك الم��ذهب تتأيالرتباط السياسة بالدين.

أدوار الدولة الفاطمية

م��رت الدول��ة الفاطمي��ة في ثالث��ة أدوار تش��به األدوار التي مرت بها الدولة العباسية، فقد رأيت أن نفوذ الكلم��ة في الدولة العباسية ك��ان في أوائله��ا مش��تركا بين الع��رب والفرس ثم صار إلى الفرس ثم إلى األتراك، والفاطميون عرب قامت دولتهم بالعرب والبربر فكان النفوذ في أوله��ا مشتركا بين ه��ذين العنص��رين ثم ص��ار إلى ال��بربر ثم إلى األت��راك. ولل��بربر فض��ل كب��ير في نش��ر اإلس��الم بأواس��ط أفريقيا مثل فض��ل األت��راك في نش��ره بأواس��ط آس��يا إلى الهن��د والص��ين، ألن ال��بربر لم��ا ثبت اإلس��الم فيهم نهض��وا لفتح ما وراء بالدهم في أفريقية الغربية فنش��روا اإلس��الم

هناك. فلما كانت الدولة الفاطمي��ة في المغ��رب ك��ان ال��بربر من أنص��ارها، فلم��ا أفض��ت الخالف��ة إلى العزي��ز بالل��ه بن

ه���، أراد التش��به بالعباس��يين فاص��طنع365المع��ز س��نة األت��راك وال�ديلم واس�تكثر منهم وق�دمهم وجعلهم خاص�ته كأنه خ��اف على حيات��ه من ال��بربر، فق��امت المنافس�ة بين البربر واألتراك وعظم التحاس��د ح��تى ت��وفي العزي��ز بالل��ه

ه��� وك��ان يعتق��د فض��ل386وخلفه الحاكم بأمر الله س��نة البربر فقدمهم وقربهم فاشترطوا أن يت��ولى أم��ورهم ابن عمار الكتامي )من البربر( فواله الوساطة وهي ك��الوزارة عندهم، فاستبد في أم��ور الدول��ة وق��دم ال��بربر وأعط��اهم ووالهم وح��ط من ق��در الغلم��ان األت��راك وال��ديلم ال��ذين اصطنعهم العزيز، فاجتمعوا إلى كبير منهم اسمه برج��وان وكان صقلبيا وقد تاقت نفس��ه إلى الوالي��ة ف��أغراهم ب��ابن عمار حتى وضعوا منه فاعتزل الوس��اطة وتواله��ا برج��وان فق��دم األت��راك وال��ديلم واس��تخدمهم في القص��ر، ثم ب��دا للحاكم أن يقت��ل ابن عم��ار فقتل��ه وقت��ل كث��يرا من رج��ال

دولة أبيه وجده فتضعضع البربر وقوي األتراك.

ه� أصبح الجند طائفتين427فلما ملك المستنصر سنة كبيرتين تتناقس��ان وتتس��ابقان إلى االس��تئثار ب��النفوذ ف��آل التنافس إلى حرب تعبت به��ا مص��ر واض��طر الخليف��ة إلى استنص��ار الش��ام فأت��اه أم��ير الجي��وش ب��در الجم��الي من سوريا وهو أرمني األصل فقتل أه��ل الدول��ة وأق��ام بمص��ر جن���دا من األرمن وص���ار من حينئ���ذ معظم الجيش منهم وذهب نفوذ البربر وصاروا من جملة الرعي��ة ولم يب��ق لهم شأن في الدولة بعد أن كانوا وجوهها وأكابر أهلها واستقل )نور الدين( من األتابكة في الشام. وكانت خالفة مصر قد

ه� إلى العاضد بن يوس��ف وك��ان ض��عيف555أفضت سنة ال���رأي وق���د غلب وزراؤه على دولت���ه وتنافس���وا على االس��تئثار ب��النفوذ وط��ال تنافس��هم ح��تى أخرب��وا البالد والخليف��ة ال يس��تطيع عمال. وك��ان في جمل��ة المتنافس��ين وزي��را اس��مه ش��اور ق��د غلب على أم��ره ف��ذهب إلى ن��ور الدين زنكي واس��تنجده على رج��ل آخ��ر ك��ان ينافس��ه في الوزارة فاغتنم نور الدين تلك الفرص��ة للقبض على مص��ر وأنجده بأسد الدين شركويه في جند من المماليك. وكانت الحروب الصليبية في تلك األثناء قد احت��دمت ف��زاد ت��دخل نور الدين في شؤون مصر ونائبه فيها ش��ركويه ومع��ه ابن أخي��ه يوس��ف بن نجم ال��دين وه��و ص��الح ال��دين األي��وبي.

ه� فخلفه صالح ال��دين في564ومات شركويه بمصر سنة منصب النيابة وكان صالح الدين من أهل المطامع الك��برى فلما قبض على أزم��ة النياب��ة وهي ك��الوزارة ورأى ض��عف الخليفة أراد مصر لنفسه وليس ألم��يره ن��ور ال��دين. فلم��ا مات العاضد خطب صالح الدين بالقاهرة للخليفة العباسي ونق��ل حكوم��ة مص��ر من الش��يعة إلى الس��نة وقبض على أزمة األحكام، وعمد صالح الدين ومن خلفه من أهل��ه إلى االستكثار من المماليك األتراك والجراكس��ة للجندي��ة على جاري العادة في تلك العصور حتى إذا ك��ثروا اس��تبدوا في شؤون الحكومة وطمعوا بالسلطة، فلما ضعف أمر الدولة األيوبي��ة قبض��وا هم على أزم��ة الحكوم��ة وأنش��أوا بمص��ر دولتين عرفتا بدولتي السالطين المماليك وهم��ا الممالي��ك

�648البحرية والمماليك البرجية حكمت األولى من س��نة

ه��� وكانت��ا تبايع��ان923 � 784ه��� والثاني��ة من س��نة 792 للخليف��ة العباس��ي وه��و مقيم في بغ��داد. فلم��ا ج��اء الت��تر

ه��� وقتل��وا الخليف��ة العباس��ي656وفتح��وا بغ��داد س��نة )المستعصم( ف��ر من بقي من ب��ني العب��اس والتج��أوا إلى سالطين مصر على عهد الملك الظاهر بيبرس وظلوا فيها والبيع��ة لهم ح��تى ج��اء الس��لطان س��ليم الف��اتح العثم��اني

ه��� والخليف��ة العباس��ي عامئ��ذ المتوك��ل923وفتحها س��نة على الله آخر خلفائهم فبايع للس��لطان س��ليم وس��لم إلي��ه اآلث���ار النبوي���ة ف���انتقلت الخالف���ة من العباس���يين إلى

العثمانيين من ذلك الحين.

التتري أو المغولي العصر

اإلسالمية المملكة انحالل

ه� � إلى وفاة تيمورلن��ك603من قيام جنكيزخان سنة ه�708سنة

قد رأيت في ما تقدم أن الدولة العباسية لم��ا فس��دت أحكامها وضعف شأن خلفائها واس��تبد به��ا جن��دها وخ��دمها ضعفت عالقة أطراف مملكتها بدار الخالف�ة فتف�رعت إلى ف��روع بعض��ها فارس��ي وبعض��ها ت��ركي أو ك��ردي والبعض اآلخر عربي. فلما رأى أعداء الدولة اإلس��المية المحيط��ون بها ض��عفها وانقس��امها عم��دوا إلى االنتق��ام منه��ا فأغ��اروا عليه��ا من الش��مال والغ��رب والش��رق وك��ل منهم يري��د اغتيالها. فهاجمها الكرج واألرمن والالن من الشمال هجوم الغزاة للسلب والنهب حتى أنهم كثيرا م��ا ك��انوا ي��دخلونها بعشرات األلوف فيكتسحون آذربيجان وما جاورها يقتل��ون وينهبون ويعودون باألسرى والسبايا والغنائم وكانت س��بايا المسلمين تزيد أحيانا على عدة آالف غير القتلى كما ك��ان الع����رب يفعل����ون بهم في أوائ����ل دولتهم، على أنهم لم

يستطيعوا فتحا وال رسخت لهم قدم في مملكة اإلسالم. وهجم عليها من الغرب أمم اإلفرنج الص��ليبيين هج��وم الفتح وقد تكاتفوا الكتساح المملكة اإلسالمية بحجة ال��دين ألن القبر المق�دس فيه�ا ففتح�وا فلس�طين وبعض س�وريا

وملكوا بيت المقدس حينا. أم��ا من الش��رق فجاءه��ا الت��تر أو المغ��ول بقب��ائلهم وبط��ونهم وهم في خش��ونة الب��داوة وق��وة األب��دان وق��د توفق��وا إلى رج��ل ش��ديد البطش ه��و جنكيزخ��ان القائ��د الشهير فحمل بهم من أواسط آسيا على الع��الم المتم��دن في أوائل القرن الس��ابع للهج��رة ففتح جنكيزخ��ان مملك��ة اإلسالم من أقص��ى أطرافه��ا الش��رقية إلى ح��دود الع��راق

غير ما افتتحه من بالد الهن��د والص��ين ح��تى بلغت مس��احة ميل مربع.400.000مملكته

المغول

المغول أو المغ��ل قبيل��ة من الت��تر ك��انت تقيم ح��والي بحيرة بيق��ال في جن��وبي س��يبيريا ولم يكن لهم ش��أن بين األمم حتى في أيام جنكيزخان ألنهم ك��انوا ال يزي��دون على

خيمة ف��إذا حس��بنا في الخيم��ة عش��رة أنفس لم40.000 نفس فحم�ل جنكيزخ�ان به�ذا400.000يزد عددهم على

العدد القليل من ب��دو المغ��ول على م��ا يحي��ط ببالدهم منالممالك العامرة واكتسحوها في بضعة عشر عاما.

جنكيزخان

قبيل��ة من المغ��ول13كان والد جنكيزخان أميرا على تحت رعاية الخان األكبر ملك التتر بعه��ود متبادل��ة بينهم��ا.

ه� فس��موه تم��وجين وه��و اس��مه548ولد جنكيزخان سنة الذي كان يعرف به في نش��أته األولى. وبع��د أرب��ع عش��رة سنة توفي أبوه فاستخف رؤساء القبائل بتموجين وتمردوا علي��ه وأص��بح ك��ل منهم يطلب الس��يادة لنفس��ه. وك��ان تموجين ش��ديد البطش من حداثت��ه فجم��ع رجال��ه وح��ارب الثائرين وتغلب عليهم، وح��ارب تم��وجين بع��د ذل��ك حروب��ا فاز فيها فازداد أمراؤه تعلق��ا ب��ه ف��احتفلوا بتهنئت��ه احتف��اال أعظم من ذاك في س���هل على ض���فاف س���لنكا ف���اجتمع األمراء والخانات فوقف فيهم وكان قوي العارض��ة فأب��دع، ثم جلس على لبادة س��وداء فرش��وها ل��ه هن��اك وأص��بحت تلك اللبادة أثرا مقدسا عن��دهم من ذل��ك الحين. ثم وق��ف بعض الحضور وكان من أهل التقوى والنفوذ فقال: )مهم��ا بلغ من قوتك فإنها من الله وهو سيأخذ بيدك ويش��د أزرك فإذا فرطت في سلطانك صرت أس��ود مث��ل ه��ذه اللب��ادة ونبذك رجالك نبذ الن��واة(. ثم تق��دم س��بعة أم��راء أنهض��وه باحترام وساروا بين يديه حتى أقعدوه على عرش��ه ون��ادوا باسمه ملكا على المغول. وكان في جمل��ة الحض��ور ش��يخ يعتقدون فيه الكرامة والقداسة فتقدم وليس علي��ه كس��اء

وقال: )ي��ا أخ��وتي ق��د رأيت في من��امي ك�أن رب الس��ماء على عرشه الناري تح��دق ب��ه األرواح وق��د أخ��ذ بمحاكم��ة أهل األرض فحكم أن يك��ون الع��الم كل��ه لموالن��ا تم��وجين وأن يس��مى جنكيزخ��ان أي المل��ك الع��ام( ثم التفت إلى تموجين وق��ال: )لبي��ك أيه��ا المل��ك فإن��ك ت��دعى من��ذ اآلن جنكيزخان ب��أمر اإلل��ه( ولم يع��د يع��رف بع��د ذل��ك إال به��ذا االسم، فلما تهيأ له تأسيس دولته وت��دريب جن��ده إلى فتح العالم فس��ار أوال نح��و الش��رق إلى مملك��ة الص��ين وك��ان إلمبراطور الصين جزية من المغول يؤدونها كل سنة فلم��ا اس��تفحل أم��ر جنكيزخ��ان أبى ال��دفع ومع��نى ذل��ك اإلب��اء إش��هار الح��رب. فحم��ل جنكيزخ��ان بجيش��ه على الص��ين واخترق سورها العظيم وأمعن فيه��ا قتال ونهب��ا والص��ينيون يومئ��ذ أس��بق األمم في االختراع��ات الحربي��ة فاس��تخدموا النار اليونانية التي اس��تعان به��ا اليون��ان على دف��ع الع��رب وقذفوا على المغ��ول ك��رات فيه��ا الب��ارود قب��ل أن يعرف��ه أهل الغرب بأزمان. على أن ذلك لم يكن ليرد غارات تل��ك القبائل فمازال جنكيزخان زاحفا حتى احت��ل بكين عاص��مة الصين وسائر بالدها الش��مالية، ف��ازداد ذل��ك الف��اتح رغب��ة وقوة فتح��ول بجن��ده الج��رار نح��و الغ��رب أي غ��ربي بالده وهي مملكة اإلسالم. فحمل جنكيزخان نحو الغرب وجن��ده

( مقات��ل واكتس��ح تركس��تان وم��ا700.000يزي��د على ) وراءها وأوغل فيها قتال ونهبا مما تقش��عر ل��ه األب��دان. فلم يكن همهم غير القت��ل والنهب ك��الوحوش الكاس��رة وليس هن��ا مح��ل اإلفاض��ة في س��يرة ه��ذا الرج��ل وإنم��ا يق��ال باإلجمال أنه تمكن في حياته من إنش��اء مملك��ة لم يوف��ق لمثله���ا أح���د من الف���اتحين قبل���ه وال بع���ده ال االس���كندر المق��دوني وال يولي��وس قيص��ر الروم��اني وال ن��ادر ش��اه الفارسي وال ن��ابليون بون��ابرت الفرنس��اوي، أنش��أ مملك��ة تمت��د من البح��ر المحي��ط إلى البح��ر األس��ود ودخ��ل في سلطانه ماليين من الصينيين والتنك��وت واألفغ��ان والهن��ود

والفرس واألتراك وغيرهم. أنشأ جنكيزخان هذه المملكة الواس��عة وه��و ال يع��رف

ه� وه��و في624الكتابة وال القراءة. توفي جنكيزخان سنة

س��نة،22السادسة والسبعين من عمره وقد تولى الملك وبعد وفاته اقتسم أوالده مملكته.

هوالكو

وهو ابن طلوي بن جنكيزخان تولى بعض المقاطع��ات ه�654في مملكة أبي��ه واس��تقل به��ا ومل��ك ف��ارس س��نة

وعرفت دولته فيها بدولة ايلخ��ان، ولم��ا اس��تقر ل��ه المل�كفي فارس حمل على بغداد.

هوالكو وسقوط بغداد

والسبب في ذلك أن المنافسات بين الس��نة والش��يعة ببغداد تكررت في أواخر الدولة فال تمضي سنة ال يقع فيها بين الطائفتين قتال تتوسط الحكومة في إصالحه وبم��ا أن الحكومة سنية فالضغط كان يقع غالبا على الشيعة وك��انوا يقيم��ون مع��ا في الك��رخ ببغ��داد وهم ص��ابرون على م��ا���وليهم يكابدون���ه من االض���طهاد، والحكوم���ة م���ع ذل���ك ت مصالحها وتعه��د إليهم بت��دبير ش��ؤونها. وك��ان الخليف��ة في

ه�640أيام هوالكو المستعص�م بالل�ه ت�ولى الخالف�ة س��نة وكان ضعيف الرأي ووزيره رجل من الشيعة اس��مه مؤي��د الدين بن العلقمي ذو دهاء ومك�ر. ف�اتفق وق�وع فتن�ة بين السنة والشيعة على جاري العادة وكان للخليفة ولد اسمه أبو بكر شديد العصبية على الشيعة فاس��تعان بقائ��د الجن��د )الدوادار( وأمر العسكر أن يفتكوا بالش��يعة فهجم��وا على الكرخ وهتكوا النساء وركب��وا منهن الف��واحش فعظم ذل��ك على الوزير ابن العلقمي ولم يعد يستطع صبرا فكتب إلى هوالكو سرا وأطمع��ه في مل��ك بغ��داد س��را فج��اء بجيش��ه

(1وفتح بغداد)تيمورلنك

ينسب هذا القائد إلى دول��ة جنكيزخ��ان وليس ه��و من نسله ولكنه من عائلته وكان جده وزي��را عن��د جقط��اي بن

ه� ولما ترعرع تولى بعض736جنكيزخان. ولد تيمور سنة األعمال في دولة اقطاي بما وراء النهر ثم ترقى إلى رتبة

ال��وزارة فطم��ع بالمل��ك وحم��ل على الع��الم كم��ا حم��ل جنكيزخان قبله ففتح بالد فارس بعد حروب كثيرة سفكت فيه��ا دم��اء غزي��رة ولم تمض س��بع س��نوات ح��تى دوخ خراس��ان وجرج��ان ومازن��دران وسجس��تان وأفغانس��تان وفارس وآذربيجان وكردس��تان ثم ج��اء الع��راق فاس��تخرج بغداد من الجيالدية وكانوا قد تملكوها بعد هوالكو ثم ح��ول أعنة خيوله شرقا نحو الهن��د فغ��زا كش��مير ودلهي وتح��ول غرب��ا لفتح آس��يا الص��غرى وك��انت في ح��وزة العثم��انيين وسلطانهم يومئذ )بايزيد( فبل��غ تيمورلن��ك في فتوح��ه إلى

ره س��نة ه��� واكتس��ح س��ائر804أنقرة وحارب بايزيد وأس�� بالد المشرق إلى آخر حدود الشام وبايع��ه س��الطين مص��ر على الطاعة فتحول لمحارب��ة الص��ين فم��ات في الطري��ق

807سنة ه� قبل أن ينظم حكومت��ه ف��ذهبت فتوح��ه ه��درا فع��ادت البالد ال��تي فتحه��ا إلى ملوكه��ا األولين وع��ادت األحوال إلى ما كانت عليه قبله، على أن الدولة التيموري��ة

ه��� وبوف��اة906طال حكمها في م��ا وراء النه��ر إلى س��نة تيمورلنك ينقضي العصر المغولي وبانقضائه ينقضي ال��دور

األول من تاريخ اإلسالم. ��� يظه��ر من الدق��ة في الت��اريخ أن ه��ذه أس��طورة1

نسجها وهم الخيال، كأسطورة كون إنشاء الشيعة من ابن سبأ، فإنه لو كان ابن العلقمي هو ال��ذي اس��تقدم هوالك��و، فلماذا لم يأخذ منه العهد للشيعة؟ ولماذا احترقت الشيعة والس��نة بن��ار الح��رب؟ لكن قات��ل الل��ه التعص��ب األعمى.

وهدى الله الكذابين والوضاعين.

يزال وال العثمانية الدولة ظهور من

ق��د رأيت أن المغ��ول لم ينش��ئوا دول��ة ثابت��ة في بالد اإلس��الم ولم يكن لهم ش��أن في التم��دن اإلس��المي وإنم��ا عالقتهم به��ذا التم��دن أنهم ج��اءوه والدول��ة اإلس��المية في آخ��ر دوره��ا األول وفي منتهى التضعض��ع والض��عف بمن حمل عليه��ا من اإلف��رنج والك��رج واألرمن والالن فزادوه��ا ضعفا وذهبوا ببقية الخالفة العباسية في بغداد وعادوا عنها وهي تكاد تكون في حال االحتضار وقد تبدد ش��ملها وليس فيها دول��ة حي��ة تجم��ع ش��تاتها على أن ذل��ك ك��ان مق��دورا للدولة العثمانية في العصر التركي الثاني ولدول��ة ش��اهات الفرس في العصر الفارسي الث��اني ويت��ألف منهم��ا ال��دور

الثاني من تاريخ اإلسالم. فع��اد الت��تر عن المملك��ة اإلس��المية في أوائ��ل الق��رن التاس��ع للهج��رة ومص��ر في ح��وزة الس��الطين الممالي��ك يتنازعون على السلطة ويتخاصمون على الكسب، والشام بعضها في أيدي أولئ��ك الممالي��ك وبعض��ها في أي��دي بعض أعقاب األيوبيين حتى يكاد يكون ك�ل بل�د مس�تقال بنفس�ه، والع���راق وبالد ف���ارس وم���ا بين النه���رين يتن���ازع عليه���ا االيلخانية والجيالرية والمظفرية والقراقيونلي��ة والتيموري��ة وغيرهم، وما وراء النه��ر وأفغانس��تان في س��لطة المغ��ول التيموري��ة، وآس��يا الص��غرى يتنازعه��ا العثم��انيون وبقاي��ا السالجقة، وسائر بالد المشرق يختصم عليها بقايا الت��تر أو بقايا األتابكة، وشمالي أفريقيا ك��ان منقس��ما بين المديني��ة والحفصية، واألندلس لم يبق منه��ا في س��لطة المس��لمين إال الدولة النصرية في غرناط��ة، وجزي��رة الع��رب تحكمه��ا إمارات صغيرة تتحارب ويغزو بعضها بعض��ا. وه��ذه ال��دول مع ضعفها واختالل أحوالها تجمعها خالفة أضعف منه��ا هي

بقية الخالفة العباسية في الديار المصرية.

تل��ك ك��انت حال��ة الع��الم اإلس��المي من االض��طراب والتضعضع عند تغلب الدولة العثمانية فجاءت إبان الحاج��ة إليه��ا ف��افتتحت القس��طنطينية وق��د يئس المس��لمون من فتحه��ا بع��د أن ح��اولوا م��رارا. وح��ارب العثم��انيون أعظما مل��وك أورب��ا وط��اردوهم إلى بالد المج��ر وحاص��روا فين عاص�مة النمس�ا وأخ�ذوا الجزي�ة من األرش�يدوق فردين�ان واكتس��حوا البح��ر األبيض إلى ش��واطئ إس��بانيا فارتع��دت أوربا خوفا منهم، وفتحوا المش��رق إلى الع��راق ثم س��اروا جنوبا غربيا حتى فتحوا الش��ام ومص��ر وفيه��ا بقي��ة الدول��ة العباس��ية فتن��ازل العباس��يون لهم عن الخالف��ة، فامت��دت

ه�(974 � 926مملكتهم في أيام السلطان سليمان سنة ) من بودابس���ت على ض���فاف الطون���ة إلى أس���وان على ضفاف النيل ومن الفرات بالعراق إلى بوغاز جب��ل ط��ارق ف��اجتمع الع��الم اإلس��المي الغ��ربي تحت جن��اح الدول��ة العثمانية وال يزال، وك��ان اجتم��اع الخالف��ة والس��لطة فيه��ا سببا لطول بقائها أكثر مم��ا تق��دمها من ال��دول اإلس��المية ح��تى العباس��يين م��ع ط��ول م��دة ملكهم ألن س��لطتهم أص��بحت بع��د الق��رن الث��الث من إنش��اء دولتهم اس��ما بال

رسم. ونهض الص��فويون من الجه��ة األخ��رى في بالد ف��ارس وبين النهرين فأنشأوا دولة شيعية كبرى جمعت تل��ك البالد الش���يعية في حوزته���ا ثم انتقلت إلى الدول���ة القاجاري���ة الباقية إلى اآلن كما جمعت الدولة العثمانية البالد الس��نية. فالع��الم اإلس��المي اآلن في دوره الث��اني تحكم��ه دولت��ان إسالميتان كبيرتان الدولة العثماني��ة في الش��مال والغ��رب وهي سنية والشاهات القاجاري��ة في الش��رق وهي ش��يعية

وليس من شأننا النظر في سياستهما في هذا الكتاب.

موضوع هذا الباب النظ��ر في ح��ال الهيئ��ة االجتماعي��ة إبان التمدن اإلسالمي وبيان الجماعات التي ك��انت تت��ألف

منها طبقاتهم وعالئقها بعضها ببعض.

األربعة الخلفاء عصر في االجتماع نظام

بين��ا في الس��ابق م��ا أحدث��ه اإلس��الم من التغي��ير في العصبية العربية وما تولد به من الطبقات الجديدة التي لم تكن قبل اإلسالم كالمهاجرين واألنصار وما اقتضاه النسب الهاش���مي أو القرش���ي من العص���بيات الجدي���دة ومنهم طبقات األشراف من العلويين أو العباسيين وأبناء األنص��ار والمه��اجرين. أم��ا البالد المفتوح��ة فلم��ا ج��اء المس��لمون لفتحها ف��أول من لقيهم على ح��دودها الع��رب أبن��اء لغتهم وأهل عصبيتهم ولما أوغلوا في الش��ام والع��راق اس��تأنس أهلوه��ا باللس��ان الع��ربي لقرب��ه من لس��انهم اآلرامي أو الس��رياني م��ع بع��د لس��ان حك��امهم يومئ��ذ ال��رومي أو الفارسي عنهم فكان ذلك من جمل�ة م��ا مه�د لهم أس�باب

الفتح.نظام االجتماع في عصر األمويين

ك��انت قص��بة اإلس��الم على عه��د الخلف��اء األربع��ة في المدينة بجوار ق��بر الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( فنقله��ا األموي��ون إلى الش��ام ق��رب البالد المفتوح��ة وعمل��وا على توس��يع دائ��رة مملكتهم فج��ردوا الجي��وش وفتح��وا الم��دن ح��تى وط��أت ح��وافر خي��ولهم م��ا وراء النه��ر في أقص��ى الشرق وركبوا بحر المجاز )بوغاز جبل طارق( إلى أسبانيا ففتحوه��ا وم��ا وراءه��ا من بالد اإلف��رنج إلى نه��ر ت��ورس، ونصبوا أعالمهم على أعظم مدائن الفرس والترك والروم واألس��بان واإلف��رنج ح��تى ه��ددوا القس��طنطينية، وحول��وا االحتالل الم��وقت إلى الس��يادة الدائم��ة، وجعل��وا اإلس��الم

دولة بعد أن كان دينا. على أن شدة تعص��بهم للع��رب دع��ا إلى انقسام المسلمين إلى طبقتين العرب والموالي فضال عم��ا فرق��وا في��ه بين الع��رب أنفس��هم باعتب��ار النس��ب القحطاني والعدناني. وبالجملة فإن الهيئة االجتماعي��ة في أيام األمويين كانت في بدء انتقالها من حالتها القديمة في عصر الروم والفرس إلى العصر اإلس��المي. ولم يتم ذل��ك��ف بش��كلها الخ��اص باإلس��الم والتم��دن االنتق��ال والتكي اإلس��المي إال في العص��ر العباس��ي ل��ترفع األم��ويين عن االختالط بغير العرب ورغبتهم في البقاء على البداوة، ومع إيغال جنودهم في بالد فارس وخراسان وتركستان ومص��ر وأفريقيا واألندلس قلما اختلطوا بأهلها أو اقتبسوا منهم أو قل��دوهم في ش��يء من ع��اداتهم وأخالقهم ح��تى الخليف��ة المقيم في دمش��ق، إال م��ا اتخ��ذوه من الح��رس والبري��د والسرير. أم��ا العباس��يون فنظ��را لتغلبهم ب��الموالي وأه��ل الذمة على األمويين جعلوا مقامهم بين أش��ياعهم الف��رس فبن��وا بغ��داد على الح��دود بين الف��رس والس��ريان أو بين اآلريين والس��اميين أو بين المج��وس والنص��ارى وقرب��وا الف��رس واتخ��ذوا منهم ال��وزراء والعم��ال ورج��ال الدول��ة فنظموا لهم الدواوين على نحو ما كانت علي��ه في الدول��ة

الساسانية.

العباسي العصر في االجتماع نظام

نض��ج التم��دن اإلس��المي وتكيفت طبقات��ه على ش��كل خاص بهذا التمدن وكان على أتم أشكاله في مدينة بغ��داد��ل ب��ه نظ��ام قصبة العالم اإلسالمي فهي أوضح نموذج يمث

االجتماع في ذلك العصر. ك��ان الن��اس في العص��ر العباس��ي طبق��تين الخاص��ة

والعامة تحت كل منهما طبقات وأتباع وفروع.طبقات الخاصة

( أهل��ه. )2( الخليف��ة. )1كان الخاصة خمس طبقات )( توابع الخاصة.5( أرباب البيوتات. )4( رجال دولته. )3

فالخليفة صاحب السلطتين الدينية والسياسية فأحرى بمن كان هذا منصبه أن يعظم الناس ش��أنه ويتقرب��وا إلي��ه بالطاعة وبذل الخدم��ة وي��تزلفوا بالم��دح واإلط��راء. وأه��ل الخليف��ة هم بن��و هاش��م وك��انوا أرف��ع الن��اس ق��درا بع��ده ويس��مونهم األش��راف وأبن��اء المل��وك ف��إذا دخل��وا على الخليفة جلسوا على الكراس��ي وس��ائر الن��اس دونهم على الوسائد أو البسط، وكانوا يرتزق��ون على الغ��الب ب��رواتب يتقاضونها من بيت المال فضال عن النعم والهدايا على م��ا ي��تراءى للخليف��ة في أم��رهم، ف��إذا خ��اف تط��اول أح��دهم للمل��ك أغ��ل يدي��ه باله��دايا وقط��ع لس��انه بالعط��اء. فمن أعجزهم كف أذاه بالمال عمدوا إلى الفتك به، باش��ر ذل��ك أب��و جعف��ر المنص��ور وس��ار الخلف��اء على خطت��ه فك��انوا يعطون أهلهم الرواتب الباهظة والهدايا الف��اخرة يس��هلون عليهم أس��باب القص��ف والله��و ليش��تغلوا ب��ذلك عن طلب

الملك وتعجز هممهم عن النهوض. فكان الهاشميون )أي العباسيون( في الغالب من أهل السعة والرخاء يتمتعون بشرف الملك وال يحمل��ون أوزاره وأعب��اء تبعت��ه ف��انغمس أك��ثرهم في ال��ترف وانهمك��وا

��اء بالشراب والغناء وابتنوا القصور الش��ماء والح��دائق الغن واستكثروا من الج��واري وجمع��وا إليهم المغن��يين والقي��ان وقرب��وا الش��عراء واألدب��اء. وأك��ثر مق��امهم في البص��رة بعي��دين عن دور الخلف��اء ودسائس��ها إال من واله الخليف��ة عمال أو جندا، واشتهر بعضهم بالثروة الطائل��ة كمحم��د بن سليمان فقد بلغت أمواله نيفا وخمسين مليون درهم غ��ير

درهم في الي��وم،100.000الض��ياع وال��دور وك��انت غلت��ه وبلغت ثروة خمنة بنت عبد الرحمن الهاشمي ما ال يس��عه الديوان ومع ذلك فقد كانوا يؤخذون بغ��ير ذنبهم ويخ��افون

الدسائس على حياتهم.��اب والق��واد وأما رجال الدولة فنريد بهم الوزراء والكت ومن ج��رى مج��راهم من أرب��اب المناص��ب العالي��ة، وك��ان أك��ثرهم إب��ان الدول��ة العباس��ية من الم��والي وخصوص��ا الف��رس كالبرامك��ة وآل الربي��ع وآل س��هل وآل وهب وآل خاق��ان وآل الف��رات وآل الخص��يب وآل ط��اهر وغ��يرهم. وكانوا يختلفون نفوذا وس��طوة ب��اختالف الخلف��اء وتف��اوت أدوار التمدن، ولكن الوزارة كانت على اإلجمال من أوسع

أبواب الكسب. أما أهل البيوت��ات فهم األش��راف من غ��ير الهاش��ميين ومرجع شرفهم إلى اتصال حبل قرباهم بالنسب النبوي أو بق��ريش وك��ان الخلف��اء يراع��ون ج��انبهم ويفرض��ون لهم األعطية والرواتب ويقدمونهم في مجالسهم، على أن هذه األنساب كانت أكثر نفعا ألصحابها في عهد ب��ني أمي��ة مم��ا في أيام بني العباس والسيما بعد سقوط العنص��ر الع��ربي بقتل األمين فلما أفضى األم��ر إلى المعتص��م قط��ع رواتب األشراف في جملة ما قطع��ه من أعطي��ات س��ائر الع��رب

ولعلها أعيدت بعد ذلك على غير قياس.أتباع الخاصة

وللخاص��ة أتب��اع أخرج��وهم من طبق��ات العام��ة بم��اوهم ب��ه من أس��باب الق��ربى أو الخدم��ة وهم أرب��ع خص��

(4( الم���والي. )3( األع���وان. )2( الجن���د. )1طبق���ات: ) الخ��دم. فالجن��د ف��رق كث��يرة تختل��ف أص��ال ونظام��ا. أم��ا

��راد األعوان فهم خاصة الرج��ل ورفاق��ه وال ي��راد بهم م��ا ي بالرف��اق أو األص��دقاء الي��وم فق��د ك��ان للخلف��اء وس��ائر الخاصة من رج��ال الدول��ة واألش��راف رف��اق يص��طحبونهم ويجالس��ونهم ويعيش��ون في من��ازلهم ويك��ون لهم رواتب يتقاضونها. أما الموالي فقد فصلنا الكالم عنهم س��ابقا في هذا الكتاب وبينا أحوالهم وش��روطهم وت��اريخهم وال حاج��ة

إلى المزيد. أم��ا الخ��دم ف��أكثرهم في ذل��ك العه��د األرق��اء الس��ود وال��بيض من ال��ذكور واإلن��اث وق��د اص��طلحوا أن يس��موام الكالم في األرقاء البيض ممالي��ك، والس��ود عبي��دا ويقس��

الخدم إلى ثالثة أقسام: األرقاء والخصيان والجواري. � األرقاء1

ونأتي في ه��ذا المق��ام بم��ا يختص من ه��ذا الموض��وع بنظام االجتماع. لقد تكاثر األسرى في أثن��اء الفت��وح ح��تى كانوا يعدون باأللوف ويب��اعون بالعش��رات، اعت��بر م��ا ك��ان من ذلك في الصدر األول وما تبعه من الفتوح البعي��دة في

ه�91أيام بني أمية فقد بلغت غنائم موسى بن نصير سنة رأس من الس��بي فبعث خمس��ها300.000في أفريقي��ة

رأس ولم60.000إلى الخليف��ة الولي��د بن عب��د المل��ك يسمع بسبي أعظم من هذا. وذك��روا أن موس��ى ه��ذا لم��ا

بكر من بن��ات ش��رفاء30.000عاد من األندلس كان معه الق��وط وأعي��انهم وقس على ذل��ك غن��ائم قتيب��ة في بالد

الترك وغيرها. ه��� من472وبلغت غنائم إبراهيم ص��احب غزن��ة س��نة

نفس، وفي وقع��ة ببالد ال��روم100.000قلع��ة في الهن��د ه��� بقي��ادة إب��راهيم بن ين��ال س��بى المس��لمون440س��نة

رأس غ��ير ال��دواب. وفي جمل��ة غن��ائم الح��رب100.000 فض���ال عن األس���رى من الرج���ال جماع���ات من النس���اء والغلم��ان مم��ا يثق��ل نقل��ه فكث��يرا م��ا ك��انوا ي��بيعونهم بالعشرات رغبة في السرعة كما فعلوا في واقعة عمورية

ه� إذ نادوا على الرقيق خمسة خمسة أو عشرة223سنة عشرة. وربم��ا بل��غ ثمن اإلنس��ان بض��عة دراهم، ذك��روا أن

ه�591غنائم المسلمين في واقع��ة األرك باألن��دلس س��نة بلغت من الك��ثرة بحيث ك��ان يب��اع األس��ير فيه��ا ب��درهم والسيف بنصف درهم والبعير بخمسة دراهم وقد يقض��ون

عدة أشهر وهم يبيعون األسرى والغنائم. تلك أمثلة من أسباب تكاثر الرقيق عند المسلمين غير ما كان يرسله بعض العمال إلى بالط الخلفاء من الرقي��ق وظيفة كل سنة من تركستان وبالد البربر وغيرهم��ا. فه��ل يس��تغرب بع��د ذل��ك إذا اس��تكثر المس��لمون من العبي��د والمماليك فيبل��غ ع��ددهم عن��د بعض��هم عش��رة أو مائ��ة أو ألف؟ فكيف باألمراء والقواد حتى في ص�در اإلس��الم ف�إن عثمان كان له ألف مملوك. فاعتبر كم يك��ون ع��ددهم في أيام الثروة والترف فقد كان األمير في الدول��ة األموي��ة إذا سار مشى في ركابه مائة عبد أو بضع مئ��ات أو أل��ف عب��د وبل��غ ع��دد غلم��ان راف��ع بن هرثم��ة والي خراس��ان س��نة

عبد ولم يملك أحد من والة خراس��ان قبل��ه4000ه� 279 مثله. على أن الغالب في الغلمان إذا ك��ثروا عن��د أم��ير أن يتخذهم جندا يحرسونه فيعلمهم الحرب والقتال. فقد كان

مملوك يحرسه في ك��ل8000عند األخشيد صاحب مصر ليل��ة ألف��ان. ثم ص��ار االس��تكثار من الغلم��ان س��نة عن��د

غالم أو ممل��وك11.000الخلفاء فكان عند المقتدر بالل��ه وفيهم البيض والسود.

� الخصيان2

الخص���اء ع���ادة ش���رقية ك���انت ش���ائعة ق���ديما بين اآلش��وريين والب��ابليين والمص��ريين الق��دماء وأخ��ذها عنهم اليونانيون ثم انتقلت إلى الرومان فاإلفرنج. ويقال أن أول

قبل2000من استنبطها سيراميس ملكة آشور نحو سنة الميالد. وللخصاء أغراض أش��هرها اس��تخدام الخص��يان في دور النساء غيرة عليهن. فلما ظهر اإلسالم وغلب الحجاب على أهله استخدموا الخص��يان في دورهم وأول من فع��ل ذلك يزيد بن معاوية فاتخذ منهم حاجبا لديوان��ه اس��مه فتح واقتدى به غيره فشاع استخدامهم عند المس��لمين م��ع أن

الشريعة اإلس��المية أمي��ل إلى تحريم��ه على م��ا يؤخ��ذ منحديث رواه ابن مظعون.

فكان التجار من اإلفرنج وغيرهم يبتاعون األس��رى من السالف والجرمان من جهات ألماني��ا عن��د ض��فاف ال��راين واأللب وغيرهم��ا إلى ض��فاف ال��دانوب وش��واطئ البح��ر األس��ود ��� وال ي��زال أه��ل جورجي��ا والج��ركس إلى الي��وم يبيعون أوالدهم بيع السلع � فإذا عاد التجار من تلك الرحلة ساقوا األرقاء أم��امهم س��وق األغن��ام وكلهم بيض البش��رة على جانب عظيم من الجمال وفيهم الذكور واإلناث ح��تى يحط��وا رح��الهم في فرنس��ا ومنه��ا ينقل��ونهم إلى إس��بانيا )األندلس( فك��ان المس��لمون يبت��اعون ال��ذكور للخدم��ة أو الح��رب واإلن��اث للتس�ري. ولم��ا اس��تخدموا الخص��يان في دورهم عمد تجار الرقي��ق وأك��ثرهم من اليه��ود إلى خص��اء بعض األرقاء وبيعهم بأثم��ان غالي��ة ف��راجت تل��ك البض��اعة وكثر المشتغلون بها وأنشأوا )الصطناع( الخص��يان معام��ل عديدة أش��هرها )معم��ل( الخص��يان في ف��ردون بمقاطع��ة اللورين في فرنسا، وكانوا يخصون أولئ��ك المس��اكين وهم أطفال فيموت كثير منهم على أثر العملي��ة فمن بقي حي��ا

أرسلوه إلى إسبانيا فيشتريه الكبراء بثمن كبير. � الجواري3

للجواري شأن كبير في تاريخ التمدن اإلسالمي ال يق��ل عن ش��أن العبي��د والم��والي. وأص��ل الج��واري م��ا يس��بيه الف���اتحون في الح���رب من النس���اء والبن���ات فهن مل���ك الف����اتحين ول����و كن من بن����ات المل����وك أو ال����دهاقين يس���تخدمونهن أو يس���تولدونهن أو يتص���رفون في بيعهن تصرف المالك بملكه ولما أفض��ت أح��وال المس��لمين إلى ال��ترف والقص��ف وت��دفقت األم��وال من خ��زائن الخلف��اء واألمراء جعلوا يته��ادونهن كم��ا يته��ادون الحلي والج��واهر، فمن أحب التقرب من كبير أهدى إليه جارية أتقنت صناعة يعلم أنه راغب فيها. ذكروا أن جارية اسمها دنانير ص��فراء ص��ادقة المالح��ة ك��انت أروى الن��اس للغن��اء الق��ديم وق��د خرجها رجل من أه��ل المدين��ة فاش��تراها جعف��ر ال��برمكي

وسمع الرشيد صوتها فألفها وصار يسير إلى جعفر لسماع غنائها ووهب لها هبات سنية. وعلمت امرأته زبيدة بخبره��ا فش��كته إلى عمومت��ه فلم ينجح��وا في إرجاع��ه ف��رأت أن تشغله عنها بالجواري فأهدت إليه عشر جوار منهن ماري��ة

أم المعتصم ومراجل أم المأمون وفاردة أم صالح. وكثيرا ما كان العم��ال واألم��راء يتقرب��ون إلى الخلف��اء بأمثال هذه الهدايا فأهدى ابن طاهر إلى الخليفة المتوك��ل

وص��يفة ووص��يف. وليس االس��تكثار منهن200هدية فيه��ا حادثا في اإلسالم وإنما هو من بقاي��ا التم��دن الق��ديم فق��د كان ملوك الفرس وال��روم يته��ادونهن وبلغت ع��دتهن عن��د

جاري��ة وك��ان لجماع��ة من ب��ني6000بعض األكاس��رة العباس ألف جارية.تعليم الجواري

وك��ان تعليم الج��واري وت��ربيتهن من أب��واب الكس��ب الواسعة في ذلك العصر في��ذهب أح��دهم إلى دار الرقي��ق يبتاع جارية يتوسم فيها الذكاء فيثقفها ويرويه��ا األش��عار أو يلقنها الغناء أو يحفظها القرآن أو يعلمها األدب أو النحو أو العروض أو فنا من فنون المنازل ثم يبيعها، وقد ينبغن في حفظ القرآن ح��تى ك��ان منهن عن��د أم جعف��ر مائ��ة جاري��ة لك��ل واح��دة ورد عش�ر الق��رآن وك��ان يس��مع في قص��رها

كدوي النحل من القراءة. فتعددت الجواري في دور الكبراء وتسابق أهل الترف إلى التفنن في ت��زيينهن. وأش��هر من فع��ل ذل��ك أم جعف��ر المذكورة فإنها لم��ا رأت ابنه�ا يغ�الي في تخ��نيث الغلم�ان وإلباس��هم مالبس النس��اء اتخ��ذت طائف��ة من الج��واري سمتهن المقدودات عممت رؤوس��هن وجعلت لهن الط��رر واألصداغ واألقفية وألبستهن األقبية والقراط��ق والمن��اطق كأنهن من الغلم��ان واقت��دى به��ا وجيه��ات قومه��ا فاتخ��ذن الج��واري الغالمي��ات أو المطموم��ات وألبس��وهن األقبي��ة

والمناطق المذهبة.نفوذ الجواري

وطبيعي في ربات الحسن أن يكن نافذات الكلمة ألن الجمال قوة والحب سالح وكثيرا ما كان الخلف��اء واألم��راء يشتغلون ب��الجواري عن رعاي��ة المل��ك والس��يما المغني��ات ولذلك كان رجال الحيلة يستخدمونهن للجاسوسية أو ني��ل رتب��ة أو منص��ب وك��ان الم��أمون ي��دس الوص��ائف هدي��ة

ليطلعنه على أخبار من شاء.

العامة طبقات

فرغنا من طبق��ات الخاص��ة وأتب��اعهم ونحن متكلم��ون عن العامة وهم أكثر عددا وأبع��د عن الحص��ر ألنهم لفي��ف من أمم شتى والسيما في بغ��داد إب��ان عمارته��ا. على أنن��ام العام��ة على اإلجم��ال إلى طبق��تين تس��هيال للبحث نقس�� كبيرتين األولى طبقة المقربين من الخاصة والثانية طبق��ة

الباعة وأهل الحرف والرعاع وغيرهم.

األولى الطبقةالخاصة من المقربون

نري��د به��ذه الطبق��ة نخب��ة العام��ة ال��ذين تس��مو بهم نفوسهم أو عقولهم إلى التق��رب من الخاص��ة بم��ا يعجبهم أو يط��ربهم فيس��تظلون بهم ويعيش��ون من عطاي��اهم أو رواتبهم أو يرتزقون من بيع سلعهم عليهم وهم أربع فئ��ات

أهل الفنون الجميلة واألدباء والتجار والصناع. � أهل الفنون الجميلة1

المصورون

الفن��ون الجميل��ة ويس��ميها الع��رب )اآلداب الرفيع��ة( ثالثة: التصوير والشعر والموسيقى. فالتص��وير لم يكن ل��ه شأن كب��ير في التم��دن اإلس��المي ل��ورود الق��ول بتحريم��ه وإنم��ا ك��انوا يص��ورون م��ا يص��ورونه في الدول��ة األموي��ة والعباس��ية يقل��دون ب��ه م��ا بين أي��ديهم من تص��وير ال��روم والفرس أو ما جاء ب��ه الس��الجقة من ص��ناعة المغ��ول من أواسط تركستان، على أن التصوير ازدهر وارتقى في بالد فارس بع��د اجتم��اع كلم��ة الف��رس تحت س��يطرة المغ��ول

ه��� ف��إن تل��ك656على أث��ر دخ��ول هوالك��و بغ��داد س��نة الص��ناعة أخ��ذت باالرتق��اء من ذل��ك الحين. وأم��ا الش��عر

والموسيقى فقد راجا وتقرب أصحابها من الخلفاء وس��ائرطبقات الخاصة واكتسبوا بهما األموال الطائلة.

الغناء والدين

ك��ان الغن��اء في ص��در اإلس��الم مكروه��ا إن لم نق��ل محرما ولم�ا ت�ولى الخالف�ة أص�حاب الله�و والقص�ف أخ�ذط أهل��ه يزي��د بن الغناء في االنتشار وأول من أباح��ه ونش��

ه���( ظه��ر الغن��اء64 � 60معاوية ففي أيام يزيد هذا )سنة في مكة واستعملت المالهي ألنه كان صاحب لهو وط��رب وتفشى الغناء الجديد في الحجاز والسيما المدينة، ومازال محصورا فيها تقريب��ا ح��تى أفض��ت الخالف��ة إلى الولي��د بن

ه���( وك��ان ص��احب126 � 125يزيد بن عبد المل��ك )س��نة ��ك وخالع��ة فبعث إلى المدين��ة في ش��راب وله��و م��ع تهت استقدام المغنين إلي��ه في دمش��ق فأخ��ذ الغن��اء باالنتش��ارروا في بالد اإلسالم من ذلك الحين. فالمسلمون لما تحض�� وأخل��دوا إلى الس��كينة والراح��ة عم��دوا إلى الرخ��اء وفي جملتها الغناء والمرجع في ذلك إلى الخلف��اء واألم��راء ألن الناس على دين ملوكهم والسيما في الحكم المطلق ف��إذا أحب الخليفة الغن��اء أحب��ه رج��ال دولت��ه، ف��راجت بض��اعته وكثر المغنون والمغنيات حتى اش��تغل الخلف��اء وأهلهم ب��ه وتعلموا الض��رب على آالت��ه ح��تى ك��انوا يحمل��ون المغ��نين وآالتهم في أس��فارهم ول��و إلى القت��ال فق��د وج��دوا في معسكرهم لما ظفر به العباس��يون بن��واحي أص��بهان س��نة

ه� ما ال يحصى من البرابط والطنابير والمزامير.131 � العلماء واألدباء والفقهاء2

هم طائفة من العامة تقربوا إلى الخلف��اء بم��ا يل��ذ لهم من سماع األخبار والنوادر أو النظر في عل��وم تل��ك األي��ام الدينية واللسانية أو األدبية أو التاريخي��ة، وي��دخل في ذل��ك الفقهاء والمح��دثون والنح�اة واألدب�اء من أص�حاب األخب�ار كاألصمعي وأبي عبيدة والكسائي والفراء وغ��يرهم، وك��ان للخلف��اء رغب��ة في مجالس��تهم وس��ماع أبح��اثهم فك��انوا يقرب��ونهم ويعظم��ون ش��أنهم ويج��زونهم ويفرض��ون لهم

األعطية والرواتب. وقد تكلمنا عن الفقه��اء وم��نزلتهم فيأماكن كثيرة من هذا الكتاب.

واقت��دى بالخلف��اء وزراؤهم وأم��راؤهم كالبرامك��ة وآلطوا العلم الفرات فإنهم أغدقوا األم��وال على ه��ؤالء فنش�� وأهل��ه ريثم��ا ص��ار العلم ص��ناعة يرت��زق به��ا أص��حابها من

الناس. � التجار3

نريد بالتجار باعة السلع الثمينة التي تقتضيها الحضارة ك��المجوهرات والمص��وغات والري��اش والثي��اب الف��اخرة واآلنية والرقيق. وأكثر ارتزاقهم من الخليف��ة وأهل�ه وأه��ل دولته وسائر الخاصة من جلسائه وأعوانه. وك��انوا يقيم��ون في بغداد والبصرة وغيرهما من المدن اإلسالمية وأك�ثرهم من جالية الفرس والروم وغيرهم من األمم الراقية. ك�انوا يحمل��ون إلى دار الس��الم أص��ناف التج��ارة لالرت��زاق مم��ا يتدفق من خ��زائن الدول��ة في عص��ر ال��ثروة. وك��ان له��ذه التجارات قوافل أو س��فن تنقله��ا من الش��رق إلى الغ��رب والشمال والجنوب وتبيعه��ا في أس��واق بغ��داد وغيره��ا من الم��دن اإلس��المية. وأك��ثر الن��اس اش��تغاال بنقله��ا في ال��بر طائف��ة من التج��ار اليه��ود الراذاني��ة ك��انوا يتقن��ون اللغ��ات الرائجة في ذلك العصر وهي العربية والفارسية والرومي��ة واإلفرنجية واألندلسية والصقلبية ويس��افرون بين األق��اليم الع��امرة يحمل��ون التج��ارات من إقليم إلى آخ��ر كم��ا ك��ان

الفينيقيون إبان دولتهم.تجار المسلمين

فلم��ا نض��ج التم��دن اإلس��المي واش��تغل المس��لمونروا في ش��يء من ش��روطها أنفس��هم بالتج��ارة لم يقص�� وأتقنوها علما وعمال حتى ألفوا الكتب فيه��ا وفي االقتص��اد السياس��ي، وبين أي��دينا نس��خة من كت��اب )اإلش��ارة إلى محاس���ن التج���ارة( للش���يخ أبي الفض���ل جعف���ر بن علي الدمش��قي من أه��ل الق��رن الخ��امس للهج��رة في��ه فوائ��د اقتصادية لم يس�بقه أح�د إليه�ا وأبح�اث في مع�نى النق�ود

والسلع والمال الصامت واألعراض وتحقيق أثمان األش��ياء ما ال تق��ل قيمت��ه عم��ا بل��غ إلي��ه علم��اء االقتص��اد في ه��ذا العصر، يدل ذلك على ما بل�غ إلي�ه المس�لمون من ال�رقي في علم التجارة ناهيك عن أهل الرحلة منهم إلى أط��راف المعمورة في ذلك العصر فقد طافوا العالم برا وبحرا من الق��رن الراب��ع للهج��رة ودون��وا رحالتهم تس��هيال ألس��باب التجارة واكتشفوا طرقا تجارية في البحر المحي��ط والبح��ر الهن��دي والبح��ر األحم��ر في أواس��ط أفريقي��ا وآس��يا لم

يسبقهم إليها أحد.اص بيت كب���ير في بغ���داد ل���بيع وك���ان البن الجص��� المجوهرات فلم��ا ك��انت النكب��ات والمص��ادرات على عه��د المقتدر بالله العباسي في أوائل القرن الرابع للهجرة كان ابن الجصاص في جملة الذين ص��ودروا، فص��ادره المقت��در

دين��ار وبقي ل��ه ش�يء كث��ير من16.000.000بالل�ه على الدور والقماش واألموال والضياع وغيرها. ويقال م��ع ذل��ك أنه كان أحمق أبله فاعتبر مقدار ما كان يص��ل إلى التج��ار أهل النباهة وال��دهاء وقس على ذل��ك ث��روة تج��ار الف��رش واألثاث والسيما في البصرة فقد اش��تهر فيه��ا جماع��ة من أهل اليسار وأكثر غناهم من تجارة البحر فقد كانت س��فن بعضهم تعد بالمئات وتحمل بها التجارة إلى أنح��اء الع��الم، ذك��روا واح��دا منهم اس��مه الش��ريف عم��ر ك��ان دخل��ه

درهم في السنة وبلغت ثروة صاحب مراكب2.500.000 دينار، ومنهم رجل اسمه أحم��د20.000.000في البصرة

بن عم��ار ك��ان طحان��ا بالبص��رة فقص��د بغ��داد في أي��ام المعتصم فاتسعت حاله حتى صار يخرج من الص��دقة ك��ل يوم مائة دينار، فإذا اعتبرتها عش��ر مال��ه ك��ان دخل��ه أل��ف دين��ار في الي��وم واس��توزره المعتص��م ألمانت��ه ولكن��ه ك��ان

جاهال. � الصناع4

أما الصناعة فق��د أخ��ذ المس��لمون منه��ا بنص��يب كب��ير ألنهم كما برعوا باالتجار في السلع برعوا أيضا باص�طناعها وارتقت الصناعة عن��دهم بت��والي األجي��ال ح��تى ف��اقوا في

بعضها البالد األخ��رى وامت��ازوا بص��ناعات خاص��ة بهم. فهم الذين نشروا الس��كر في الع��الم حيث نقل��وه من مواطن��ه في الهند إلى بالد فارس وأنشأوا له المعامل واس��تخرجوا منه أص��نافا لم يكن له��ا مثي��ل وهم أتقن��وا ص��ناعة ال��ورق ونش��روها في الع��الم وعنهم أخ��ذها أه��ل أورب��ا بطري��ق األندلس وقد امتازت بعض مدن األندلس بص��ناعات ك��انت تف��اخر به��ا ص��نائع المش��رق فك��ان لهم في الميكانيكي��ات صنائع حسنة كالس��اعة ال��تي اش��تهرت في ج��امع دمش��ق

وذكرها ابن جبير في رحلته بالقرن السادس للهجرة. وقس على ذلك كثيرا من اآلالت المائية وغ��ير المائي��ة المركبة من البكر واألكر واألنابيب واألمخال وغيرها لل��دفع والجر والنق��ل ولهم فيه��ا مؤلف��ات ط��وى الزم��ان بعض��ها، فيدل هذا وغيره على ما بلغ إليه المسلمون من إتقان فن

الميكانيكيات مما يحتاج وصفه إلى كتاب برأسه.الطبقة الثانية من العامة

نري���د به���ذه الطبق���ة س���ائر من بقي من األم���ة وهم السواد األعظم وفيهم ال��زارع والص��انع والعي��ار والش��اطر واللص والمخنث والص���علوك وغ���يرهم مم���ا ال يحص���ى، ولسهولة اإلحاطة بهم نقسمهم إلى قسمين: أه��ل الق��رى وهم المزارع���ون، وأه���ل الم���دن وهم الص���ناع والباع���ة

والرعاع. � المزارعون أهل القرى1

ف���المزارعون أو األك���رة يت���ألف منهم معظم س���كان المملكة وهم أصل ثروتها وأكثرهم من أهل الذمة يقيمون في الق��رى إال من أس��لم منهم في��نزل في الم��دن، وك��انوا يتكلمون لغات البالد األصلية السريانية واآلرامية واليونانية في العراق والشام، والقبطي�ة بمص�ر، والفارس�ية في بالد فارس، والتركية في تركستان ما وراء النهر، وأخذ العنصر العربي يتغلب على عناص��رهم واللغ��ة العربي��ة تتغلب على ألسنتهم واإلسالم يتغلب على أدي�انهم ح��تى س�اد اإلس�الم عليهم جميع��ا وعمت العربي��ة البالد الواقع��ة غ��ربي دجل��ة

وهي العراق والشام ومصر وأفريقي��ة والس��ودان وص��ارت تعد بالدا عربية وأكثر أهله��ا مس��لمون. وانقرض��ت اللغ��ات التي كانت منتشرة فيها إال بقاي��ا قليل��ة من الس��ريانية في بعض الق�رى المتباع��دة من الش�ام والع�راق. أم��ا ش�رقي دجلة بف�ارس وتركس�تان والهن��د فق�د س�اد اإلس�الم أيض�ا وانتشرت اللغة العربي��ة بين أه��ل العلم ولكن ألس��نة أه��ل

البالد ظلت حية يتفاهمون بها إلى اآلن. � العامة سكان المدن2

هم نفي من ي��أم الم��دن من أه��ل المط��امع وطالب المكاسب بالتج��ارة أو الجندي��ة أو األدب أو الش��عر وتقع��د بهم نفوس��هم عن اللح��اق بأه��ل الهمم وأص��حاب الق��رائح فيضطرون إلى احتراف ما يتعيشون به مما ال تعوزه هم��ة

أو رأي. وعام��ة الم��دن طبقت��ان: الطبق��ة األولى المرتزق��ون

بالصناعة والتجارة وهم طائفتان: ( الص��ناع أص��حاب الص��ناعات اليدوي��ة كالح��دادين1)

والحي��اكين والخي��اطين والحالقين والنج��ارين والص��يادينوالخبازين والطحانين ومن جرى مجراهم.

( الباعة ال��ذين ي��بيعون البق��ل واللحم وغيرهم��ا من2) أص���ناف الم���أكوالت على أنواعه���ا وبعض المنس���وجات والسلع الدنيئ��ة، وهم طوائ��ف كث��يرة كالزي��اتين والبق��الين

والجزارين وباعة األقمشة والطحين والخضر ونحوها. والطبق����ة الثاني����ة المرتزق����ون بال����دعارة والنهب واللصوص��ية وهم أص��ناف كث��يرة نش��أت في بالد اإلس��الم على أثر الفتن واالنشقاق بين أهل الدولة ال يستطيع أه��ل هذا الجيل تصور أمثالهم لبعد ذلك عن م��ألوفهم إال ال��ذين أدركوا متشردي بيروت المعروفين ب��الزعران وهم طائف��ة من أهل البطالة كانوا يحترفون الس��رقة والتح��رش بأبن��اء السبيل. والزعران مثال صغير لرعاع ذلك العصر فقد كان في بغداد وغيرها من مدن اإلسالم طوائ��ف كث��يرة تع��رف بالعيارين والشطار والصعاليك والزواقيل ونحوهم، وكث��يرا

ما استفحل أمر بعض��هم ح��تى تعج��ز الحكوم��ة عنهم وق��دتستنجدهم في بعض حروبها.

العيارون

ظهر العيارون ببغداد في أواخر القرن الث��اني للهج��رة وكان لهم في الفتنة بين األمين والم��أمون ش��أن كب��ير ألن األمين لما حوصر في تلك المدينة وعجز جنده عن ال��دفاع اس��تنجد العي��ارين وك��انوا يق��اتلون ع��راة في أوس��اطهم الميازر وقد اتخذوا لرؤوسهم دواخل من الخ��وص س��موها الخ��ود ودرق��ا من الخ��وص والب��واري ق��د ق��رنت وحش��يت بالحصى والرمل. ونظموهم نظام الجن��د على ك�ل عش�رة عريف، وعلى كل عشرة عرف�اء نقيب، وعلى ك�ل عش�رة نقباء قائد، وعلى كل عشرة ق�واد أم�ير، ولك�ل ذي مرتب�ة على مقدار ما تحت يده، ومعهم أناس عراة ق�د جع�ل في أعناقهم الجالجل والصدف األحمر واألصفر ومقاود ولجم��ا من مكانس ومذاب. وبلغ عددهم نحو خمس��ين أل��ف عي��ار وساروا للحرب يضربون األعداء بالمقالع والحص��ى وك��انوا أهل مه��ارة ب��ذلك ف��أبلوا بالء حس�نا لكنهم لم يثبت��وا أم��ام المجانيق والجن��ود المنظم��ة فع��ادت العائ��دة عليهم وقت��ل

منهم خلق كثير. وح��دث نح��و ذل��ك من العي��ارين في ح��رب المس��تعين

ه� إذ حصر المستعين بالله ببغداد � نح��و251والمعتز سنة حص��ار األمين فيه��ا ��� فاس��تعان بالعي��ارين وف��رض لهم األموال وجعل عليهم عريفا اسمه ببنونه وعمل لهم تراسا��رة وأعط��اهم المخ��الي ليجعل��وا فيه��ا من الب��واري المقي األحجار. على أنهم كانوا كلم��ا ح��دثت فتن��ة أهلي��ة اغتنم��وا اش��تغال الدول��ة به��ا وهم��وا بالمن��ازل والح��وانيت وأخ��ذوا األموال. وكثيرا ما كانت تحدث أمثال هذه الفتن في بغداد من القرن الثالث للهجرة وما بعده. وك��انوا ي��زدادون ق��وة كلما ازدادت الدولة ض��عفا وتك��اثرت تع��دياتهم على بغ��داد كلما تكاثرت الفتن فيها إم��ا بين الحك��ام في التن��ازع على السلطة أو األموال وإما بين العامة تعصبا لبعض الم��ذاهب والسيما بين الس��نة والش��يعة أو الحنفي��ة والش��افعية. فلم

ينقض النص��ف األول من الق��رن الخ��امس للهج��رة ح��تى تسلط العيارون على بغداد وجبوا األسواق وأخذوا ما ك��ان يأخذه رجال الدول��ة وانتظم��وا انتظ��ام الش��رطة أو الجن��د واش���تهر من رؤس���ائهم في ذل���ك العص���ر رج���ل اس���مه

الطقطقي وآخر اسمه الزيبق بطل القصة المشهورة. وظه��ر العي��ارون في س��ائر الم��دن اإلس��المية وعظم شأنهم وكثيرا م��ا ك��ان ال��وزراء وغ��يرهم من أرب��اب الح��ل

والعقد يقاسمونهم ويسكتون عنهم.الشطار

هم طائف��ة أخ��رى من أه��ل ال��دعارة ك��انوا يمت��ازون بمالبس خاصة بهم ولهم مئزر يأتزرون ب��ه على ص��دورهم يع��رف ب��أزرة الش��طار وك��انوا أك��ثر انتش��ارا في المملك��ة اإلس��المية من العي��ارين وأط��ول بق��اء منهم وظه��روا في األندلس ولهم فيها نوادر ونكات وتركيبات وأخبار مض��حكة تمأل الص���حف الكب���ار لكثرته���ا وتض���حك الثكلى على أن اس��مهم ك��ان يختل��ف ب���اختالف البالد فهم يعرف��ون في العراق بالشطار وفي خراسان يسمونهم سر بداران وفي المغرب الص��قورة وس��ماهم ابن بطوط��ة )الفت��اك( وذك��ر تفش��يهم في أيام��ه )الق��رن الث��امن للهج��رة( وأش��ار إلى اجتماعهم على الفساد وقطع الطرق وتكاثرهم في نواحي سبزوار ح��تى هجم��وا على مدين��ة بيه��ق وملكوه��ا وملك��وا غيرها وجندوا الجنود وركبوا الخيل وول��وا أح��دهم س��لطانا عليهم وانحاز إليه العبيد يفرون من مواليهم فكل من ج��اء من هؤالء أعطاه ذل��ك الس��لطان م��اال وفرس��ا إذا ظه��رت

منه شجاعة أمره إلى آخر ما ذكر. ولم يكن الش��طار وغ��يرهم من أه��ل الش��رور يع��دون اللصوصية جريمة وإنم��ا ك��انوا يع��دونها ش��طارة وص��ناعة. وكان أولئك اللصوص إذا شاخ أحدهم ربما تاب فتستخدمه الحكومة في مساعدتها على كشف الس��رقات. وك��ان في خدمة الدولة العباسية جماعة من هؤالء الشيوخ يق��ال لهم )التوابون( على أنهم كثيرا ما كانوا يقاسمون اللصوص م��ا

يسرقونه ويكتمون أمرهم.

طوائف أخرى من الرعاع

وهن��اك طوائ��ف أخ��رى من رع��اع العام��ة أو من في معناهم تك��اثروا في عص��ر االنحط��اط بالمملك��ة العباس��ية كالص��عاليك والزواقي��ل والح��رافيش وغ��يرهم، ك��ان طالب الس��لطة يس��تعينون بهم في ح��روبهم بعض��هم على بعض ويعدون باآلالف فقد كان م��ع أبي دل��ف عش��رون ألف��ا من الصعاليك ويدخل في معنى هذه الطوائ��ف ممن تجمه��روا لالرت��زاق بالتع��دي على أص��حاب األم��وال )العبي��د( وك��انوا كثيرين ال يخلو منهم منزل كما رأيت. فلما اختلت األحوال وضعف أسيادهم ذهبت الهيبة من قلوبهم حتى إذا س��نحت لهم فرصة نهضوا مع الناهض��ين. وربم��ا انتحل��وا لنهوض��هم دعوة دينية يقومون بها كما فعل صاحب الزنج في أواسط القرن الثالث للهجرة فإنه قام قرب البصرة باسم الشيعة العلوي�ة وك�ان في ض�واحيها جماع�ة من العبي�د يكس�حون الس�باخ ف�دعاهم إلى النه�وض مع�ه على أن يح��ررهم من ال��رق وي��ريحهم من التعب وك��انوا ق��د ش��اهدوا رف��اقهم األرقاء البيض )المماليك األت��راك( يتم��ردون على الخلف��اء فاقت��دوا بهم. فك��ل عب��د س��مع به��ذه ال��دعوة تبعه��ا ح��تى استفحل أمرهم وضربوا أس��يادهم بالس��ياط واجتم��ع منهم مئات األلوف وحاربوا الدولة العباس��ية بض��ع عش��رة س��نة

نفس من الرج�ال والنس�اء2.500.000قتل�وا في أثنائه�ا واألطفال مما تقشعر له األبدان. وانتهت تلك الدعوة بقتل زعيمها وتفرق أصحابه. وأراد البجة بمصر أن يفعل��وا مث��ل الزنج بالعراق فلم يفلحوا، وقد يع��د من ه��ذا القبي��ل أيض��ا الحشاشون وهم طائفة من الفوضويين ظهروا في الق��رن الخامس للهجرة وجعلوا دأبهم الفتك بأهل الس��لطة غ��درا

وكان لهم شأن كبير في تاريخ اإلسالم. ومن طبق��ات العام��ة )المخنث��ون( وك��انوا في الحج��از قب��ل اإلس��الم وهم جماع��ة من أه��ل الخالع��ة انتش��روا بالمدينة بعد اإلسالم على أثر ظهور اللهو والقصف وك��ثرة األموال وكثيرا ما كانوا يفسدون النس��اء يتوس��طون بينهن وبين الرجال، ولم��ا انتش��ر الغن��اء في المملك��ة اإلس��المية

انتشر المخنثون مع��ه وتك��اثروا في بغ��داد والش��ام ومص��ر واألندلس وسائر المغرب. وفي ما خال ذلك فق��د ك��ان في الم��دن من طبق��ات العام��ة م��ا ال يحص��يه ع��د من أه��ل االحتيال للمعايش بأساليب الخ��داع والش��عوذة أو نحوهم��ا ولك��ل ص��نف من ه��ذه األص��ناف اس��م خ��اص، وربم��ا زاد ع��ددها جميع��ا على عش��رين نوع��ا كق��ولهم المخط��راني والكاغاني والبانوان والقرسي والعواء والمش��عبذ والفل��ور

واالسطيل والمزبدي وغيرهم.أخالط العامة

العام��ة في الم��دن أخالط من غوغ��اء ولفي��ف من أمم شتى وصناعات شتى وهم جهال أتباع من س��بق إليهم من غ��ير تمي��يز بين الفاض��ل والمفض��ول، وم��ع ذل��ك فطالب السلطة ك��انوا يراع��ون ج��انبهم ويقرب��ونهم بم��ا يرض��يهم. ذكروا من دهاء معاوية أن رجال من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن واقع��ة ص��فين فتعلق به رجل من أهل دمشق فقال: ه��ذه ن��اقتي أخ��ذت م���ني في ص���فين ف���ارتفع أمرهم���ا إلى معاوي���ة وأق���ام الدمشقي خمسين رجال بينه يش��هدون أنه��ا ناقت��ه فقض��ى معاوي��ة على الك��وفي وأم��ره بتس��ليم البع��ير إلي��ه فق��ال الك��وفي: )أص��لحك الل��ه إن��ه جم��ل وليس بناق��ة( فق��ال معاوي��ة: )ه��ذا حكم ق��د أمض��ي( ودس إلى الك��وفي بع��د تفرقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره ودفع إلي��ه ض��عفيه وبره وأحسن إليه وق��ال ل��ه: )ابل��غ علي��ا أني أقابل��ه بمائ��ة

ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل(. وبل���غ من أم���رهم في طاعت���ه أن���ه ص���لى بهم عن���د مس��يرهم إلى ص��فين الجمع��ة في ي��وم األربع��اء وأع��ادوه رؤوسهم عند القتال وحملوه به��ا وركن��وا إلى ق��ول عم��رو بن الع��اص أن علي��ا ه��و ال��ذي قت��ل عم��ار بن ياس��ر حين أخرج��ه لنص��رته، ثم ارتقى بهم األم��ر في طاعت��ه إلى أننة ينش��أ عليه��ا الص��غير ويهل��ك عليه��ا جعل��وا لعن علي س��

الكبير.

وذكروا عن عامة بغداد إبان التمدن اإلسالمي أن رجال منهم رفع إلى بعض الوالة وشاية برج��ل من علم��اء الكالم زعم أنه يتزندق، فسأله الوالي عن مذهب الرج��ل فق��ال: )إن��ه م��رجئ ق��دري أباض��ي رافض��ي يبغض معاوي��ة بن الخطاب الذي قاتل علي بن العاص( فقال له الوالي: )م��ا أدري على أي ش��يء أحس��دك على علم��ك بالمق��االت أو

على بصرك باألنساب؟(. وك��ان جماع��ة من علم��اء ذل��ك العص��ر يجتمع��ون في بغداد للمناظرة في أبي بكر وعم��ر وعلي )علي��ه الس��الم( ومعاوي��ة وك��ان بعض العام��ة ي��أتون فيس��تمعون فتص��دى أك��برهم لحي��ة ذات ي��وم لبعض المب��احثين وق��ال ل��ه: كم

تطنبون في علي ومعاوية وفالن وفالن؟فقال له الرجل: فما تقول أنت في علي؟

قال: أليس هو أبا فاطمة؟قال: ومن هي فاطمة؟

قال: امرأة النبي )صلى الله علي��ه وآل��ه( بنت عائش��ةأخت معاوية.

قال: فما كانت قصة علي؟ قال قتل في غزاة حنين مع النبي. وقد كان عب��د الل��ه بن علي حين خرج في طلب مروان إلى الشام وك��ان من قصة مروان ومقتله ما ق��د ذك��ر ون��زل عب��د الل��ه بن علي الش��ام ووج��ه إلى أبي العب��اس الس��فاح أش��ياخا من أه��ل الش��ام من أرب��اب النعم والرياس��ة فحلف��وا ألبي العب��اس السفاح أنهم م��ا علم��وا لرس��ول الل��ه قراب��ة وال أه��ل بيت

يرثونه غير بني أمية حتى وليتم الخالفة.

اإلسالمية المملكة في االجتماعية اآلداب

نري��د ب��اآلداب االجتماعي��ة م��ا ي��دور بين الن��اس من المعامالت األدبية واألمور االعتبارية في هيأتهم االجتماعية وما يتبادلونه من العالئق العائلية على ما تقتض��يه ع��اداتهم وأخالقهم وطب��ائع إقليمهم وك��ان للع��رب قب��ل اإلس��الم

صفات أشهرها: � العصبية.1 � الشجاعة.2 � الكرم.3 � الوفاء.4 � االستقالل.5 � النجدة.6 � األريحية.7 � الثأر.8 � الشيخوخة.9

� الغيرة.10 وبلغ من غيرة بعضهم في الجاهلية أن يقتلوا بناتهم أو

يئدوهن لئال يرتكبن ما يجر عليهم العار. وكان للمرأة في الجاهلية شأن وإرادة وك��انت ص��احبة أنف�ة ورأي وح�زم فنبغت غ��ير واح��دة منهن في السياس�ة والحرب واألدب والشعر والتج�ارة والص�ناعة والس�يما في أوائل اإلسالم على أثر ما حصل من النهض��ة في النف��وس والعقول فاشتهرت جماعة منهن بمناقب رفيعة تضرب بها األمثال وأكثره��ا في المدين��ة مق��ر الخالف��ة اإلس��المية في ذلك العهد، ناهيك بمن اش��تهرت منهن بالبس��الة في أثن��اء الغ��زوات ففي معرك��ة أح��د وق��ع ل��واء ق��ريش في س��احة القتال فلم يزل مطروحا ح��تى أخذت��ه ام��رأة منهم اس��مها عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لهم فالذوا به��ا، وفعلت هند بنت عتبة امرأة أبي س��فيان في تل��ك المعرك��ة م��ا لم يفعل��ه الرج��ال فجمعت إليه��ا نس��وة أخ��ذن في أي��ديهن

الدفوف يضربن خل��ف الرج��ال وهي تنش��د في تحريض��هم على الثبات. ولما انتهت الواقعة خرجت مع النسوة تمت��از جثث القتلى فوجدت بينها جثة حمزة عم النبي )صلى الله عليه وآله( فبقرت بطنه وأخرجت كبده فالكتها من غيظه��ا فلم تس���تطع أن تستس���يغها فلفظته���ا ثم علت ص���خرة

وأنشدت أشعارا تفخر بالفوز على المسلمين. ونساء الجاهلية كن يصحبن الرجال إلى س��احة القت��ال في��داوين الج��رحى ويحملن ق��رب الم��اء وممن اش��تهرن بالش��جاعة أم عم��ارة بنت كعب األنص��ارية وأم حكيم بنت

الحارث والخنساء الشاعرة أخت صخر وغيرهن. ونبغ بالرأي والحزم غير واح��دة أش��هرهن خديج��ة بنت خويلد وكانت عاقلة حازمة لبيبة ذات ش��رف وم��ال، تنتقي من اشتهر من الرجال باألمانة والحزم فتستأجرهم بماله��ا وتضاربهم إي��اه بش��يء تجعل��ه لهم، ولم��ا س��معت بش��هرة النبي )صلى الله عليه وآل��ه( قب��ل ال��دعوة باألمان��ة وك��رم األخالق بعثت إلي��ه أن يخ��رج في ماله��ا ت��اجرا إلى الش��ام وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من الرجال فلما أفلح في تجارته عرضت عليه أن ي��تزوج به��ا فأجابه��ا، وهي أول من أسلم وقد آزرته للقيام بال�دعوة فك�ان ال يس�مع ش�يئا مما يكرهه من رد عليه أو تكذيب له فيحزن��ه ويخبره��ا ب��ه إال ثبتته وخففت عنه وهونت عليه ومازالت على ذلك حتى

ماتت.اآلداب االجتماعية في العصر اإلسالمي األول

ويقس��م العص��ر اإلس��المي األول إلى أي��ام الخلف��اء األربعة وأي��ام األم��ويين فن��ذكر اآلداب االجتماعي��ة في ك��ل

منهما على حدة. � اآلداب االجتماعية في عصر الخلفاء األربعة1

قلما أصاب المناقب البدوي��ة تغي��ير في عص��ر الخلف��اء األربعة إال ما اقتض��اه ال��دين من جم��ع كلم��ة الع��رب تحت لوائه فضعفت بذلك العصبية بين القبائل والبطون واجتم��ع

العرب من قحطان وعدنان في ظل اإلسالم.

أم��ا م��ا بقي من من��اقب الع��رب فظلت على نح��و م��ا كانت عليه وبعضها زاد تمكنا في نفوسهم كالوفاء والنجدة والعف��ة واألنف��ة ألن اإلس��الم زاده��ا رونق��ا وق��وة بالع��دل والتقوى فكان الخليف��ة أو أم��يره إذا وع��د وفى وإذا عاه��د أنجز ال يثنيه عن ذل�ك طم�ع أو خ�وف، اعت�بر م��ا ك�ان من وفائهم ألهل الذمة إذ عاهدوهم على أن يحم��وهم م��ا أدوا الجزية فكانوا إذا شغلهم عن حمايتهم شاغل ردوا الجزي��ة إلى أصحابها واعتذروا ولو لم يردوها م��ا ط��البهم به��ا أح��د وإنما كانوا يفعلون ذلك من عند أنفسهم، والشجاعة كانت سائدة في ذلك العصر لما تتطلب��ه الحاج��ة إليه��ا في الفتح والجه���اد، وقس على ذل���ك س���ائر المن���اقب والس���يما االستقالل والحرية فإنهما زادا قوة في ص��در اإلس��الم لم��ا توخ��اه الخلف��اء األربع��ة من التس��وية بين المس��لمين على اختالف طبقاتهم حتى أصبحوا يخاطبون الخليف��ة أو األم��ير بجسارة وأنفة كما يخ��اطبون بعض أق��رانهم وإذا رأوا في��ه اعوجاجا هددوه أو عنفوه وأصلحوه ف��إذا لم يطعهم قتل��وه كم��ا فعل��وا بعثم��ان وكث��يرا م��ا ك��ان المس��لمون يحص��بون أم��يرهم وه��و يخطب فيهم إذا أنك��روا ش��يئا من أقوال��ه أو

أعماله. أما المرأة فاتجهت قواها في صدر اإلسالم إلى س��داد ال��رأي ومزاول��ة األدب والش��عر م��ع بق��اء العف��ة واألنف��ة فاش��تهر منهن غ��ير واح��دة ج��رت ب��ذكرهن األمث��ال، ولم��ا نضج التمدن اإلسالمي اشتهرت نساء عدي��دات بالسياس��ة

والصالح والدهاء وغير ذلك. � اآلداب االجتماعية في عصر األمويين2

أص��اب المن��اقب العربي��ة في الدول��ة األموي��ة تغي��ير يختل��ف عم��ا أص��ابها في عص��ر الخلف��اء األربع��ة ب��اختالف أحوال الدولتين. فاألمويون لم��ا جعل��وا همهم الرج��وع إلى ما كان لهم من السيادة في الجاهلية أغفلوا كل م��ا ك��انوا يخ��افون حيلولت��ه بينهم وبين ذل��ك الم��رمى واس��تبقوا م��ا

يتوسمون منه نفعا لغرضهم.

والش��جاعة لم يكن لهم ب��د منه��ا فقرب��وا أص��حابها، والعص��بية ك��انت ملج��أهم األك��بر في من��اوأة أع��دائهم من شيعة علي )عليه السالم( وغ��يرهم، فبع��د أن ض��عفت في عصر الخلفاء األربعة وقامت جامعة ال��دين مكانه��ا أعاده��ا

األمويون إلى نحو ما كانت عليه قبل اإلسالم. أما الوفاء فكان عثرة في طريق أغراض��هم لم��ا ك��انوا يعلمونه من ح��ق من��اظريهم في الخالف��ة وق��وتهم فلج��أوا إلى الغدر والفتك، وكان معاوية زعيمهم ومؤس��س دولتهم يفع��ل ذل��ك س��را ويم��وه غ��دره ب��الحلم والك��رم وال��دهاء وحسن األسلوب. فتدرج الخلفاء بعده من بني مروان إلى الغدر جهارا وأول من فعل ذلك عبد الملك وجرى عم��الهم على هذه الخطة وأفرطوا فيها فاش�تهر به�ا منهم زي�اد بن

أبيه وابنه عبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف وغيرهم.تقييد األفكار في أيام بني أمية

أم��ا االس��تقالل وحري��ة الق��ول فجاه��د األموي��ون في��دوا األلس��نة ب��إرادتهم تقيي��دا ش��ديدا فك��ان مقاومتهما وقي ذلك عظيم��ا على ال��ذين تع��ودوا الح��ق والحري��ة فع��اقبهم األموي��ون ج��زاء ح��ريتهم واس��تقالل أفك��ارهم بالع��ذاب الشديد، ومن لم يس��تطيعوا مقاومت��ه جه��ارا قتل��وه س��را، بدأوا بذلك من أيام عثمان قبل قبضهم على مقاليد الدولة في الشام وقد جرأهم عليه ضعف هذا الخليفة ورغبته في إرض��اء أهل��ه ونص��رتهم ول��وال ذل��ك م��ا اس��تطاع معاوي��ة اضطهاد أبي ذر الغفاري ونفي��ه ألن��ه ج��اهر باس��تبداد أه��ل

الدولة بأموال المسلمين. فلما أفضت الخالفة إلى معاوية لم ير بدا من الض��غط على أفكار أهل االستقالل والحري��ة واس��تعمل الش��دة في ذلك فقتل حج��ر بن ع��دي وعم��رو بن الحم��ق وأص��حابهما ألنهم ق��الوا بص��دق: )إن علي��ا ال يج��وز لعن��ه على المن��ابر( فأص��بح الن��اس يخ��افون على أرواحهم وأخ��ذوا يتع��ودون السكوت عن الحق ثم لجأوا إلى التمويه والرياء ح��تى في المشهور الثابت كما فعل ذل�ك الرج�ل لم�ا نص�ب معاوي�ة ابنه يزيد لوالية العهد فأطرى عمل معاوية ح��تى ق��ال ل��ه:

)إن��ك ل��و لم ت��ول ه��ذا أم��ور المس��لمين ألض��عتها( ولكن الحرية كانت ال تزال حية في نفوس أهل الرئاسة ممن لم يكن يهمهم التزلف إلى أه��ل الدول��ة وربم��ا ك��انت الدول��ة أحوج إلى نص��رتهم ك��األحنف بن قيس التميمي فإن��ه ك��ان يقول الحق وال يبالي وكان ممن شهد االحتفال بتولية يزيد وسمع ما قاله ذلك المنافق فاكتفى بالسكوت عن المدح، وأدرك معاوي��ة فك��ره فاس��تفهمه عن س��بب س��كوته فلميبال أن قال: )أخاف الله إذا كذبت وأخافكم إذا صدقت(.

واقتدى بمعاوية من عاصره من األم��راء أو ج��اء بع��ده من الخلفاء فنشأ جيل من الع��رب يه��ون عليهم الس��كوت عن الحق وكثر أهل ال��تزلف والري��اء وذهبت حري��ة الق��ول

بتوالي األعوام. أما النجدة واألريحية في العصر اإلسالمي األول فكانتالتين في نف��وس الع��رب وإن اض��طر األموي��ون إلى متأص�� اإلغض��اء عنهم��ا في بعض األحي��ان فلم��ا ض��عف العنص��ر العربي في الدول��ة العباس��ية بع��د تس��لط األجن��اد األت��راك وتحولت األغراض في أهل الدولة إلى كسب األموال بأي��ة

وسيلة كانت، ذهبت األريحية والنجدة.المرأة في عصر األمويين

ب��دأت الم��رأة بتب��ديل طباعه��ا في أي��ام األم��ويين ألن العفة والغيرة أصابتها في ذلك العصر صدمة قوي��ة بتك��اثر الج��واري والغلم��ان وانغم��اس بعض الخلف��اء في ال��ترف والقصف وانتش��ار الغن��اء والمس��كر فتج��رأ الش��عراء علىطوا التشبيب والتغزل وتكاثر المخنث��ون في الم��دن وتوس��ى بين بين الرجال والنس��اء بالباط��ل، فأخ��ذ الفس��اد يتفش�� الناس وضعفت غيرة الرجال وقلت عفة الناس حتى ك��ان الشعراء يتشببون ببنات الخلف��اء كم��ا فع��ل عب��د ال��رحمن ببنت معاوية فالشعراء لم يكونوا يكفون عن التشبيب م��ع تعرض���هم للخط���ر وقلم���ا ك���ان يجس���ر على ذل���ك غ���ير القرشيين، وأكثرهم جسارة عمر بن أبي ربيع��ة فإن��ه ك��ان يصطحب ابن سريج المغني فيركبان على نجيبين ويلقي��ان الحاج فيتعرض��ان للنس��اء وينش��دان األش��عار ال يبالي��ان أن

تك���ون فيهن بنت الخليف���ة أو امرأت���ه، والظ���اهر أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك إال لما يرون من ارتياح النساء إليه ألن المرأة تفتخر بأن يثني الشعراء على جمالها وإن لم ي�رض أهلها، فق��د ك��ان لعب��د المل��ك بن م��روان بنت أرادت الحج فخاف أن يشبب بها ابن أبي ربيعة فاستكتب الحجاج إلي��ه إن هو فعل ذلك أص��ابه بك��ل مك��روه، فلم��ا قض��ت حجه��ا خرجت فمر بها رجل فق��الت ل��ه: )من أنت؟( فق��ال: )من أهل مكة( قالت: )عليك وعلى بلدك لعنة الله( ق��ال: )ولم ذاك؟( قالت: )حججت فدخلت مكة ومعي من الجواري ما لم تر األعين مثلهن فلم يستطع الفاسق ابن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتا نله��و به��ا في الطري��ق من س��فرنا( قال: )إني ال أراه إال قد فعل( قالت: )فآتنا بشيء إن ك��ان قاله ول��ك بك�ل بيت عش�رة دن��انير( فمض�ى إلي�ه ف��أخبره فق���ال: )لق���د فعلت ولكن أحب أن تكتم علي( وأنش���ده

قصيدة قالها فيها. فكانت أيام ب��ني أمي��ة من حيث العف��ة والغ��يرة عص��ر انتق��ال من الب��داوة إلى الحض��ارة، فلم��ا انقض��ى عص��ر األم��ويين ذهب م��ا بقي من س��ذاجة الب��داوة في طب��ائع العرب واستسلم الناس للترف والرخ��اء وض��عفت الغ��يرة وأبيح التش��بيب وش��اع على ألس��نة الش��عراء ح��تى ص��اروا يصدرون به قصائد المدح والفخر، وك��ان الخلف��اء األول��ون

(1من ب��ني العب��اس ال يزال��ون على مقرب��ة من الب��داوة ) فأنكروا ذل�ك ونه��وا عن��ه. ومن أش�دهم غ�يرة المه��دي بن المنصور فإن بشارا أنشده م�ديحا في��ه تش�بيب فنه�اه عن التشبيب البتة فصار إذا مدحه بدأ بالم��دح فظ��ل التش��بيب مس��تقبحا ح��تى أباح��ه الرش��يد وألح في نظم��ه ف��آل ذل��ك

طبعا إلى ضعف الغيرة.اآلداب االجتماعية في العصر العباسي

ق��د رأيت م��ا أص��اب المن��اقب العربي��ة الفطري��ة من التغيير بعد اإلسالم بم��ا ط��رأ عليه��ا من عوام��ل الحض��ارة واالنغم��اس في الرخ��اء والقص��ف واالختالط بأه��ل الم��دن

فغلبت عليهم الض��عة وركن��وا إلى بس��طة العيش والتنعمبمطالب الحياة الحيوانية.

المرأة في العصر العباسي

وآل تكاثر الجواري وشيوع التسري إلى ذه��اب الغ��يرة من قلوب الرجال حتى صاروا يتهادون الجواري الرومي��ات والتركيات والفارسيات وهن أجم��ل ص��ورة وأش��رق وجه��ا من نساء العرب. فبعد أن كان الرجل ال يعرف غير امرأته والمرأة ال تفكر في غير زوجها وهي واثقة بأمانته فإذا ه��و قد تش��تتت عواطف��ه بين ع��دة نس��اء فقلت غيرت��ه عليه��ا، ولما رأته مشغوال عنها قلت ثقتها به إال من عصمها عقله��ا وش��رفها، فلم ينض��ج التم��دن في العص��ر العباس��ي ح��تى تنوسيت المرأة العربية في المدن وذهبت حريتها وغيرته��ا وص��ارت هي نفس��ها ته��دي زوجه��ا الجاري��ة وتحبب إلي��ه التقرب منه��ا ال يهمه��ا ذل��ك وال تغ��ار علي��ه. وبع��د أن ك��ان العرب في الجاهلية وصدر اإلس��الم إذا علم��وا بحب رج��ل لفتاة منعوه من زواجه��ا، ص��اروا يس��اعدونه في الحص��ول

عليها. فأفضى ذلك إلى انحطاط المرأة وذهاب ع��زة نفس��ها واستقالل فكرها، فاحتقرها الرجل، فلم يبق من المن��اقب العربي��ة في العص��ر العباس��ي إال الس��خاء ألن��ه ك��ان الزم��ا لقوام الدولة وسالمتها وتأييدها بل هو كان من أهم قواعد

االرتزاق في ذلك العصر.االرتزاق بالسخاء

إن االرت��زاق في التم��دن الح��ديث مب��ني على قواع��د اقتص��ادية عمراني��ة تحف��ظ ت��وازن الق��وى ونتائجه��ا فين��ال اإلنسان من رزقه على مقدار كده وجده مع اعتب��ار درج��ة عقل��ه وذكائ��ه س��واء ك��ان ذل��ك بالتج��ارة أو الزراع��ة أو الص��ناعة أو غيره��ا. وق��د وض��عوا لك��ل من أب��واب ال��رزق قواعد في تقدير األرباح ال تتعداها إال في أحوال خصوصية ترتفع فيه��ا األس�عار فج��أة، وفي ك��ل ح��ال فالص��انع تق��در

أجرته بمقدار عمله والتاجر يقدر ربحه بنسبة رأس ماله.

أما في التمدن اإلسالمي فقد كان االرتزاق يق��رب من ذل��ك في طبق��ة العام��ة من الم��زارعين والباع��ة وأه��ل الصناعات. وأما في الخاصة وأتباعهم فك��ان على أس��لوب آخ��ر ال مثي��ل ل��ه بين المتم��دنين في ه��ذا العص��ر وم��داره )الس��خاء( المتسلس��ل من الخلف��اء ف��الوزراء فم��ا بع��دهم ممن يعيش�ون ح�ول البالط ويرتزق�ون من رج�ال الدول�ة، ومصدر هذه األرزاق بيت المال وهو في قبضة الخليف��ة أو من يق��وم مقام��ه من ال��وزراء أو الق��واد أو األم��راء على حسب أطوار النفوذ. واألموال تأتي بيت الم��ال من جباي��ة

الخراج والجزية.سنة الخلفاء في االرتزاق

واألموال ال��تي تبقى في خزان��ة الدول��ة يعطى بعض��ها رواتب لموظفيها ويفرق سائرها في من بقي من الخاص��ة بين جوائز ورواتب فتتسع أحوالهم بالجاه أكثر مما بالم��ال فيضطرون إلى اإلنفاق لحفظ مقامهم، فينفق��ون على من يتعلق بهم فينتق��ل الم��ال على ه��ذه الص��ورة من الخليف��ة ووزرائه وعمال��ه إلى حواش��يهم وأتب��اعهم ومن ه��ؤالء إلى الباع��ة وأه��ل األس��واق فيع��ود إلى العام��ة كأن��ه لم يؤخ��ذ منهم، وهي س��نة في االرت��زاق تظه��ر ألول وهل��ة أنه��ا من خصائص التمدن اإلسالمي ولكنها كانت على نحو ذل��ك في التمدن القديم. والسبب في بق��اء ه��ذه الس��نة م��ع ذه��اب غيرها من المناقب أنها الزمة لبقاء الدول في تلك العصور وخصوص��ا في اإلس��الم من��ذ طم��ع بن��و أمي��ة بالخالف��ة واستخدموا األم��وال في ابتي��اع األح��زاب واسترض��اء كب��ار الرج��ال فع��ودوا الن��اس العط��اء فلم��ا ق��ام العباس��يون لم يس��تطيعوا الرج��وع عن��ه ب��ل تج��اوزوه من بعض الوج��وه فصار السخاء ضروريا لقيام الدولة وإال فسد عليها حماته��ا وتمرد أهلها، أما بالنس��بة إلى العام��ة فك��انوا يسترض��ونهم بأبسط أساليب السخاء وهي الضيافة فكانوا ينص��بون لهم الموائد ي��دعونهم إلى الطع��ام فيجتم��ع على مائ��دة األم��ير ألوف من العام��ة ي��أكلون مع��ا ص��باحا ومس��اء. ك��ان ذل��ك دأبهم في عصر الخلفاء األربعة جروا به على سنة الع��رب

ثم احت���اجوا إلي���ه بع���د اإلس���الم في استرض���اء القبائ���ل المختلف��ة فب��الغوا في��ه ح��تى نص��بوا الموائ��د على الط��رق

وأول من فعل ذلك عبيد الله بن عباس. وج��رى ال��دهاة من عم��ال األم��ويين على ه��ذه الس��نة فنصبوا الموائد على الطرق فك��ان الحج��اج يض��ع في ك��ل ي��وم من أي��ام رمض��ان أل��ف خ��وان وفي س��ائر األي��ام خمس��مائة خ��وان على ك��ل خ��وان عش��رة أنفس وعش��رة ألوان وسمكة مشوية طري��ة وأرز بس��كر وك��ان ي��دور ه��و بنفس��ه على الموائ��د يتفق��دها يحملون��ه إليه��ا في محف��ة وينتقلون به من خوان إلى خوان فإذا رأى أرز ليس عليه��ا سكر أمر الخباز أن يجيء بس��كرها ف��إذا أبط��أ ح��تى أكلت

س��وط، وك��ذلك ك��ان200األرز بال سكر أم��ر ب��ه فض��رب يفعل عمال الحجاج في سائر المدن فكان بعضهم ينص��ب الموائد مرتين في اليوم للغداء والعشاء وك��ان يوس��ف بن عمر عامل هشام بن عبد الملك ينص��ب خمس��مائة خ��وان وكان يزيد بن هبيرة يضع ألف خ��وان يطعم الن��اس، وقس على ذلك سائر العمال وغيرهم كابن طول��ون بمص��ر فق��د ك��انت ل��ه موائ��د يحض��رها الخ��اص والع��ام وربم��ا فرق��وا الطعام بال موائد كم��ا ك��ان يفع��ل لؤل��ؤ الح��اجب في أي��ام

رغيف مع ق��در12.000الفاطميين بمصر فإنه كان يفرق الطعام كل يوم وإذا دخل رمضان ضاعف ذلك ويق��ف ه��و بنفسه ليفرقه. غير ما كانوا يبذلونه في استرض��اء العام��ة من األموال على س��بيل الص��دقة فك��ان لك��ل من الخلف��اء واألمراء والوزراء مال ينفقه صدقة، وإطع��ام العام��ة على هذه الصورة لم يكن خاصا بالمسلمين وإنما ه��و أيض��ا من سنن العصور الغابرة فقد كان العامة في رومي��ة يعيش��ون من أطعمة يفرقها فيهم أه��ل الدول��ة من ال��دقيق واللحم،

مائ��دة يجع��ل على500وكان بعض ملوك الفرس ينص��ب ك��ل واح��دة نص��ف ش��اة وعلب��ة حل��وى أو عس��ل وعش��رة أرغفة وآني��ة ش��راب أو لبن وس�مكة مش�وية والمس�لمون جروا على هذا الترتيب اقتداء بالفرس مث��ل اقت��دائهم بهم في كثير من آدابهم االجتماعي��ة، وك��ان الخلف��اء يس��تحلون مكافأة الشعراء وغيرهم من بيت المال ألنهم يعدون ذل��ك

في سبيل مص��لحة الدول��ة وإن لم يص��رحوا ب��ه دفاع��ا عن أنفسهم بل كانوا إذا سمعوا االنتقاد عليهم من أهل النف��وذ الديني سكتوا واسترضوهم، ودافعوا عن أنفسهم كما فعل

الرشيد والمهدي بسفيان الثوري.ارتزاق الكبير من الصغير

ذلك ما يقال في ارتزاق الصغير من الكبير في التمدن اإلسالمي. أما ارتزاق الكبير من الص��غير فق��د ك��ان بعض��ه بالس��خاء أيض��ا ولكن على س��بيل الهدي��ة فيع��دون عطي��ة األم��ير إلى الص��غير ج��ائزة أو ص��لة ويس��مون م��ا يقدم��ه األصاغر إلى األمير أو الوزير هدية، وك��انت اله��دايا ش��ائعة على الخصوص في العصر العباسي فإذا تولى األم��ير على بلد فأول ما يدخلها يبعث أهله��ا إلي��ه باله��دايا من األم��وال والجواري وال��دواب والثي��اب وه��و يبعث إلى ال��وزير ال��ذي واله أو الخليفة باألموال على سبيل الهدية أيضا وإذا ط��ال مقامه أصبحت تلك الهدايا فرضا واجبا يبعث بها ك��ل س��نة

فإذا أمسكها سنة عدوا إمساكه تمردا.المجاملة في المعاملة

المجاملة من الطباع الراس�خة في نف��وس المس�لمين وغيرهم من مول��دي الع��رب الي��وم، وذهب بعض الب��احثين أنها فطرية في أصل أرومتهم وما هي كذلك وإنما تول��دت

فيهم بتوالي األجيال وتقلب األحوال. وك��ان الخلف��اء من الجه��ة األخ��رى ي��داهنون الن��اس ويجاملونهم رغبة في نص��رتهم أو قط��ع ألس��نتهم ويع��دون ذلك )حلما(. وك��ان معاوي��ة إذا أعج��زه اص��طناع األح��زاب بالعطاء أو بالحلم أو بالسيف جه��ارا عم��د إلى قتلهم غيل��ة وكان أنصاره يعرفون ذلك في��ه وأن��ه يص��انعهم ليغلب بهم فكانوا يصانعونه طمعا بم��ال أو منص��ب فك��انت المص��انعة والمداهن��ة أس��اس سياس��ة معاوي��ة. فلم��ا ق��ام الف��رس لمناهضة األمويين ونصرة العباسيين تراجع أبو مس��لم عن الوفاء واألريحية وقتل على التهمة فأصبح الن��اس يخ��افون على حي��اتهم وإن لم يق��ترفوا ذنب��ا، ف��زادت ح��اجتهم إلى

المصانعة، ولما فاز أبو مسلم بحربه وسلم مقالي��د الدول��ة إلى العباس��يين ك��انت فوض��ى بينهم وبين العل��ويين فلم��ا تقلدها المنصور وطمع باستخالصها للعباس��يين فت��ك ب��أبي مسلم ثم قتل من قتل��ه من العل��ويين وغ��يرهم فتض��اغنت القلوب بين العباسيين والفرس وبينهم وبين العلويين وهم ال يستغنون عن الفرس لنظ��ام حك��ومتهم وحماي��ة دولتهم فاستخدموهم على غل ولجأوا إلى االحتراس منهم واتق��اء أذاهم إلى الجاسوس����ية فبث����وا األرص����اد على وزرائهم وعم��الهم يس��تطلعون أخب��ارهم ويبعث��ون به��ا إليهم س��را. واألرص��اد نوع��ان: األول: أص��حاب البري��د في األط��راف، والعمال يعلمون أنهم رقباء على أعمالهم، والثاني: العيون الخفي��ة يتخ��ذونهم من الج��واري والغلم��ان مم��ا يقدم��ه الخليفة هدي��ة إلى وزي��ره أو عامل��ه في��وليهم ال��وزير بعض شؤون منزل��ه في��دخلون في جمل��ة الن��دماء أو المغ��نين أو القيان أو أصحاب الش��راب ويكون��ون رقب��اء علي��ه ينقل��ون أخباره سرا إلى الخليفة. وكان الوزراء يفعل��ون نح��و ذل��ك بالخلف��اء. فش��يوع الجاسوس��ية على ه��ذه الص��ورة م��ع

التضاغن والتحاسد بعث على المصانعة والمجاملة.المعيشة العائلية

� الطعام1

كان طعام العرب قبل اإلسالم قاصرا على األلبان وما يستخرج منها كالسمن والزبد والجبن ومن التمر والحبوب واللحوم يأكلونه��ا على أبس��ط م��ا يك��ون من أحواله��ا كم��ا يفعل أهل البادية اليوم وأكثر ألبانهم ولح��ومهم من اإلب��ل، وقد يصنعون منها أطعمة تتركب على نسب معينة كالثريد فإنه يصنع من اللحم واللبن والخبز، ذل��ك ه��و طع��ام أه��ل اليسار منهم وأصحاب الضيافة، وأما الفقراء فقلما يأكلون لحم اإلبل أو الض��أن وإنم��ا ك��انوا يقت��اتون بلحم الض��ب أو بالجراد أو الخنافس أو العق��ارب وإذا ج��اعوا أكل��وا العله��ز وهو وبر اإلبل يخلطون��ه م��ع ال�دم فيطبخون�ه، وك�ان ح��ال القرش��يين قريب��ا من ذل��ك وربم��ا أكل��وا القرام��ة ونحات��ة

الق��رن واألظالف والمناس��ب من برادته��ا أو الق��رة وهي الدقيق المختل��ط بالش��عر، وك��انوا إذا عطش��وا ولم يج��دوا ماء ش��ربوا الف��ظ وه��و عص��ارة الف��رث أو المج��دوح وه��و

مصل دم اإلبل. فلم��ا ج��اء اإلس��الم وافتتح��وا الع��راق وف��ارس ومص��ر دهشوا لما شاهدوه من حض��ارة ال��روم والف��رس ووقع��وا على ألوان من األطعمة لم يعرفوها فأشكل عليهم أمره��ا وظفر بعض��هم بج��راب في��ه ك��افور فأحض��ره إلى أص��حابه فظنوه ملحا فطبخوا طعاما ووض��عوه في��ه فلم يج��دوا ل��ه طعما ولم يعلموا ما هو فرآه رجل عرف ما في��ه فاش��تراه منهم بقميص خل��ق يس��اوي درهمين، ورأى بعض��هم الخ��بز الرق��اق فظن��ه رقاع��ا يكتب عليه��ا وش��اهدوا األرز فظن��وه طعاما مسموما ثم ما لبث��وا أن أق��اموا بين أولئ��ك األق��وام حتى تعرفوا مأكلهم والس��يما الف��رس فأخ��ذوها عنهم كم�ا أخذوا أك��ثر مب��ادئ الحض��ارة وكث��يرا من الع��ادات واآلداب وليس في الشرع اإلسالمي ما يمنع تمتعهم بالطيب��ات من

األطعمة إال ما جاء النص بتحريمه. � اللباس2

ولباس العرب كان بسيطا مثل طعامهم وسائر ط��رق معايشهم وال يزال حتى اآلن في عرب البادية نحو ما ك��ان عليه قبل اإلسالم وه��و عب��ارة عن القميص والحل��ة واإلزار والشملة والعباءة والعمامة ولم يكن العرب في ج��اهليتهم يعرفون الس��راويل وال األقبي��ة وإنم��ا هي فارس��ية وك��ذلك النعال والخفاف ولكن بعض الخاصة ك��ان يلبس��ها، وك��انوا يعلق��ون س��يوفهم على ع��واتقهم وثي��ابهم على اإلجم��ال

قصيرة إلى أسفل الركب. وأفضل مثال أللبسة العرب لب��اس الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( فق��د ذك��روا أن أحب األلبس��ة إلي��ه ال��برود والبياض والحبرة وهي ضروب من البرود فيه حمرة وك��ان

كمه قصيرا إلى الرسغ يلبس أحيانا حلة. وأول من أق��دم على تقلي��د األع��اجم بأس��باب الب��ذخ معاوية وعماله. فزي��اد بن أبي��ه أم��ير الع��راق أول من قل��د

الفرس بلبس القباء وال��ديباج وه��و أول من لبس الخف��افالساذجة بالبصرة.

ولما أترف بنو أمية لبسوا الحرير على أنواع��ه وتفنن�وا بأنواع األنسجة وأحبوا الوشي وأك��ثروا من لبس��ه فقل��دهم الناس في ذلك فراجت المنسوجات الموشاة في أي��امهم، واتخ���ذوا كث���يرا من ألبس���ة ال���روم ولكنهم ل���رغبتهم في المحافظة على الب��داوة ظل��وا يلبس��ون العم��ائم ويعلق��ون الس��يوف على العوات��ق وك��ان األحن��ف يق��ول: )ال ت��زال

العرب عربا ما لبست العمائم وتقلدت السيوف(.اللباس في عهد الحضارة

فلم���ا أفض���ت الخالف���ة إلى العباس���يين واستس���لموا للفرس وأخذوا نظامهم وآدابهم قلدوهم باأللبس��ة وجعل��وا ذلك بأمر رسمي من أوائل دولتهم، فأمر المنص��ور رجال��ه

ه� أن يلبسوا القالنس الفارس��ية الطويل��ة ت��دعم153سنة بعيدان من داخلها ب��دل العم��ائم أو يعتم��وا فوقه��ا بعمام��ة ص��غيرة، وأن يعلق��وا الس��يوف في أوس��اطهم وأن يك��ون اللباس األسود عاما فيهم وهو شعار العباس��يين كم��ا ك��ان البي��اض ش��عار األم��ويين، فالب��د لل��داخل على الخليف��ة العباسي من لبس جبة س��وداء يس��مونها )الس��واد( تغطي س���ائر الثي���اب، وألبس���هم المنص���ور دراري���ع كتب على ظهورها: )فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم( وبعث إلى

عماله في سائر األقطار أن يأمروا رجالهم بمثل ذلك. على أن رجال الدولة ومن جرى مجراهم من الخاص��ة ك��انت لهم ألبس��ة لمج��الس األنس والش��راب يس��مونها )ثي��اب المنادم��ة( وهي أث��واب مص��بغة ب��األلوان الزاهي��ة األحمر أو األصفر أو األخضر يصقلونها حتى تلم��ع وتش��رق ويتضمخون بالخلوق ويتطيبون ولهم ألبس��ة يتخفف��ون به��ا

في منازلهم وأخرى يلبسونها في األسفار وغير ذلك. والخضاب كان مستحسنا عن��دهم وأص��له هن��دي أخ��ذه الف��رس عن الهن��ود ومن��ه انتق��ل إلى بالد الع��رب قب��ل اإلسالم. ويقال أن أول من خضب بالس��واد من أه��ل مك��ة عب��د المطلب. ولم��ا ظه��ر اإلس��الم وانتش��ر الع��رب في

األرض تعلم��وا فن��ون الخض��اب فص��اروا يخض��بون بالحن��اء للحمرة وبالزعفران للص��فرة فض��ال عن الخض��اب األس��ود

وكانوا يبيضون شعورهم بالكبريت. � المأوى3

كان العرب قب��ل اإلس��الم أه��ل خي��ام وأنع��ام يحمل��ون من���ازلهم على ظه���ورهم إال من أق���ام منهم في مك���ة أو المدينة أو الطائف أو غيرها من مدن الجاهلية ولما نهضوا للفتح كانت البداوة من جملة أس��باب تغلبهم، فلم��ا فتح��وا األمص��ار تحاش��وا س��كنى الم��دن ونص��بوا مض��اربهم في ضواحيها أو بنوا بيوتا من القصب معسكرا لهم، فم��ا لبث��وا أن تحض��روا ح��تى تح��ولت تل��ك المعس��كرات إلى م��دن عامرة ونزلوا المدن القديمة ال�تي فتحوه��ا وبن��وا المن��ازل

والقصور يقلدون بها أبنية الدول السالفة. وك��انت أس��اليب البن��اء يومئ��ذ تختل��ف ب��اختالف األمم ولكل منها نمط تول�د عن�دها بت�والي األجي�ال أم��ا رأس�ا أو اقتباس��ا، وأهمه��ا النم��ط الب��يزنطي في الش��ام ومص��ر والفارسي في ف��ارس وخراس��ان والق��وطي في األن��دلسر المس��لمون وعم��دوا إلى تش��ييد وم��ا يليه��ا، فلم��ا تحض�� المباني استخدموا في بنائها مهندسين من الروم والفرس فكانوا يخططونه��ا على م��ا عرف��وه من األس��اليب ثم أخ��ذ المسلمون تلك الصناعة وأدخلوا فيها تغييرا يوافق ال��ذوق الشرقي ويالئم اإلسالم، فتولد نمط إسالمي خاص يع��رف بالنم��ط الع��ربي أو الش��رقي يختل��ف ب��اختالف األص��قاع

واختالف العصور والدول وأقسامه ترجع إلى اثني عشر. � ليست الب��داوة هي ال��تي ت��وحي بالعف��ة، وإنم��ا هي1

الفط��رة، والفس��اد ط��ارئ، فكم��ا ال يص��ح أن يق��ال أن السرقة من تراجع الحض��ارة، ك��ذلك ال يص��ح بالنس��بة إلى

الفساد.

اإلسالمية المملكة حضارة

نريد بالحضارة ما تبلغ إليه الدولة من ال��ثروة وبس��طة العيش والتوسع بأسباب الترف والرغ��د في أرقى درج��ات عمرانها، والدولة اإلسالمية أدركت تل��ك ال��درجات أوال في العصر العباسي ببغداد من أواسط الق��رن الث��اني للهج��رة إلى أواس��ط الراب��ع وفي العص��ر األم��وي باألن��دلس في القرن الراب��ع، وفي العص��ر الف��اطمي بمص��ر من أواس��ط

القرن الرابع إلى أواسط السادس. وأسباب الحضارة في ما نحن فيه تقسم إلى قس��مين

كبيرين:

األول: العم���ارة، أي إنش���اء الم���دن وبن���اء المص���انعوالقصور.

والث���اني: ال���ثروة وبه���ا يتم م���ا يقتض���يه ال���ترف مناالنغماس في النعيم والرخاء وبسطة العيش.

فنتكلم أوال عن الم��دن، فالمب��اني. ثم ن��بين م��ا بلغتإليه األمة من الثروة وأسباب الترف والرفاه.

عمارة المدن

إن الم��دن ال��تي س��كنها المس��لمون وحواه��ا التم��دن اإلسالمي تع��د بالمئ��ات وهي منتش��رة في آس��يا وأفريقي��ا وأوروبا ومنها ما كان ع��امرا قب��ل اإلس��الم ومنه��ا م��ا بن��اه المسلمون ألنفسهم، ولنب��دأ ب�القطر المص��ري فه��و الي��وم في نهضة مالي�ة تض�اعفت فيه�ا ال�ثروة إلى ح��د اس�تغربه الناس وخافوا رد الفعل ألنهم رأوا غالء في األسعار فج��أة لم يعه��دوا مثل��ه وزادت مس��احة األرض الزراعي��ة س��تة أضعافها في قرن واحد، فبعد أن كانت مس��احتها في أي��ام المماليك نحو المليون فدان وبعض المليون صارت ثماني��ة ماليين فدان، وبعد أن كان الفدان يباع ببضعة عشر جنيه��ا

بيع بمائة جنيه أو مائة وخمسين جنيها أو أك��ثر، فكي��ف ل��و علموا أن مساحة األرض الزراعية إبان التم��دن اإلس��المي

فدان؟25.000.000زادت على عدد السكان

ويقال نحو ذلك في عدد السكان فلو قيل في أواس��ط القرن الماضي أن القطر المصري سيبلغ عدد س��كانه إلى

مليونا لع��دوا قولن��ا من الخراف��ات أو12عشرة ماليين أو كم��ا ق��ال ال��دكتور كل��وت ب��ك: )من ع��ادات الش��رقيين المبالغ����ة( ألن ع����ددهم في أيام����ه لم يكن يزي����د على

نفس فكي���ف يص���دق زيادت���ه إلى أربع���ة3.000.000 أض��عافه؟ وقياس��ا على م��ا تق��دم ال ن��رى مانع��ا من بل��وغ

نفس، فال20.000.000س���كان القط���ر المص���ري إلى غرابة إذا بلغوا هذا العدد إبان التمدن اإلسالمي.

مدينة القاهرة

وأشهر مدن القطر المص��ري في اإلس��الم الفس��طاط والقاهرة وقد ذكرنا عمارة الفسطاط، وأم��ا الق�اهرة فق��د بناها القائد جوهر في أواسط القرن الراب��ع للهج��رة معقال لمواله المعز لدين الله الفاطمي وجن��ده، فظلت في أثن��اء دول�ة الف�اطميين لم تتس�ع عمارته��ا وإنم�ا ك�انت العم��ارة للفسطاط والقطائع. وذكر المقريزي أن��ه ك��ان في ه��اتين

بيت في بعض��ها مائ��ة100.000الم��دينتين غ��ير الق��اهرة إنسان ومائتان إذ يكون البيت مؤلفا من خمس طبقات أو ست أو سبع ومع ذل�ك فهي في تق�ديره ال تزي��د على ثلث بغ�داد فكم تك��ون عم�ارة ه�ذه؟ ولم�ا أفض��ت الدول�ة إلى صالح الدين أذن للناس بسكنى الق��اهرة فاتص��لت بمدين��ة الفسطاط تسمى )مصر( فلما صارتا مدينة واحدة أطلقوا عليهما اسم )مصر والق��اهرة( ثم ق��الوا: )مص��ر الق��اهرة( ولما خربت الفسطاط ظل هذا االسم للقاهرة وحدها كم��ا

هو مشهور.قرطبة

وك��انت ع��امرة قب��ل اإلس��الم وك��ان محي��ط المدين��ة ذراع عليه���ا س���بعة أب���واب فأنش���أ33.000األص���لية

ربض���ا وفي ك���ل ربض ع���دد من21المس���لمون حوله���ا 24المس��اجد واألس��واق والحمام��ات، فص��ار طوله��ا ميال

ميال مربع��ا )ومس��احة لن��دن144وعرضها س��تة أمي��ال أو ميال( وكل ذلك ديار وقصور ومس��اجد وبس��اتين على117

طول ضفة الوادي المذكور وقد أحصوا مباني هذه المدينة وأرباضها إبان عمرانها إحصاءات مختلفة خالصتها أن ع��دد

األبنية فيها كما يأتي:عدد:

دور الرعايا.113.000 دور القصر الكبير.430

دور أهل الدولة.6300 المساجد.3873

الحمامات.900124.503المجموع:

وذك��روا أن ع��دد األبني��ة بل��غ في أي��ام ابن أبي ع��امر دار أله����ل الدول����ة و60.300 دار للرعي����ة و200.000

حانوتا غير الحمامات والخانات.80.455غرناطة

وأما غرناطة فكانوا يسمونها دمش��ق األن��دلس لك��ثرة ثمارها وأعنابها وفاكهتها وتمتاز عن سائر م��دائن األن��دلس بنه��ر يت��وزع على دوره��ا وأس��واقها وحماماته��ا وأرجائه��ا الداخل��ة والخارج��ة وبس��اتينها كم��ا يت��وزع نه��ر ب��ردى في دمشق، وبلغت غرناطة قم��ة مج��دها في الدول��ة النص��رية وأش��هر ملوكه��ا ابن األحم��ر في أواس��ط الق��رن الث��امن للهجرة وهو الذي بنى قص��ر الحم��راء فيه��ا كم��ا ب��نى عب��د الرحمن الناصر قصر الزهراء في قرطبة، ونتقدم إلى ذكر

القصور والمباني. � مباني األمويين في الشام1

لم يص��لنا من أخب��ار مب��اني األم��ويين في الش��ام م��ا يستحق الذكر إال الجامع األموي الذي جدد بناءه الولي��د بن عبد الملك بدمشق وكان قب��ل اإلس��الم كنيس��ة على اس��م القديس يوحنا فلما فتح المسلمون دمشق ص��الحوا أهله��ا على أن تقسم الكنيسة مناص��فة المس��يحيون يص��لون في نص��فها الغ��ربي والمس��لمون في النص��ف الش��رقي. فلم��ا أفضت الخالف��ة إلى الولي��د بن عب��د المل��ك أخ��ذ النص��فين

ص��انع من12.000جميعا وجدد بناء الجامع فاستقدم نحو بالد الروم تأنقوا في بنائه ف��أنزلوا جدران��ه كله��ا بفص��وص من الفسيفس��اء خلطت ب��أنواع األص��بغة الغريب��ة فمثلت أشجارا وفرعت أغصانا منظومة بالفصوص ببدائع الص��نعة

دين��ار، وك�ان11.200.000األنيقة، ف�أنفق في ذل�ك نح�و ذراع وعرض��ه300طول الجامع من الش��رق إلى الغ��رب

عم��ودا، وأعظم م��ا في��ه قب��ة68 ذراع ق��ائم على 200 مص���نوعة من الرص���اص متص���لة ب���المحراب عظيم���ة

االستدارة واالرتفاع. � مباني العباسيين وغيرهم2

أول من ش���يد األبني���ة منهم المنص���ور فب���نى القب���ة الخض��راء ليح��ول أذه��ان الن��اس عن الكعب��ة إليه��ا وب��نى الجوامع والحصون والقصور في بغداد كقصر الخلد وقص��ر ب��اب ال��ذهب وغيرهم��ا وأخ��ذ الخلف��اء بع��ده في تش��ييد المصانع واقتدى بهم وزراؤهم وأم��راؤهم فأق��اموا قص��ورا فخمة تعرف غالب��ا بأس��ماء بانيه��ا، والمتوك��ل ك��ان مغرم��ا بالعم��ارة ب��نى ثالث��ة أبني��ة تع��رف باله��اروني والجوس��ق

100.000.000والجعفري بذل في بنائها جميعا أك��ثر من درهم. ثم صار تشييد المب��اني ع��ادة ج��رى عليه��ا الخلف��اء فضال عن المنتزهات فبنى إسماعيل بن علي منتزها أنف��ق

50.000.000في��ه درهم، وك��ان المعتض��د بالل��ه محب��ا للعمارة أيضا فبنى قصرا في الج��انب الش��رقي من بغ��داد سماه )قصر التاج( لم يتم في أيامه فأتم��ه ابن��ه المكتفي، ولم��ا ك��ان المعتض��د مش��غوال في بن��اء قص��ر الت��اج اتف��ق خروجه إلى آم��د فلم��ا ع��اد رأى ال��دخان يرتف��ع إلى ال��دار

فكرهه وابتنى على ميلين منه قصرا س��ماه )قص��ر الثري��ا( دين��ار. وب��نى400.000طول��ه ثالث��ة فراس��خ أنف��ق في��ه

المقت��در بالل��ه في أول الق��رن الراب��ع دارا فس��يحة ذات بساتين مونقة ع��رفت ب��دار الش��جرة لش��جرة ك��انت فيه��ا مصنوعة من الذهب والفضة في وسط برك��ة كب��يرة أم��ام إيوانه��ا وبين بس��اتينها ش��جر ل��ه ثماني��ة عش��ر غص��نا من الذهب والفضة لكل غصن منها فروع كثيرة مكلل��ة ب��أنواع الجوهر على شكل الثمار، وعلى أغصانها أنواع الطيور من الذهب والفضة إذا مر الهواء عليها أب��انت عن عج��ائب من ضروب الصفير والهدير، وفي جانب الدار من يمين البركة تماثي��ل خمس��ة عش��ر فارس��ا على خمس��ة عش��ر فرس��ا، ومثله عن يسار البرك��ة ق��د ألبس��وا أن��واع الحري��ر الم��دبج مقل��دين بالس��يوف وفي أي��ديهم المط��ارد يتحرك��ون على خط واح��د فيظن الن��اظر إليهم أن ك��ل واح��د منهم يقص��د

صاحبه. وفي دولة آل بويه بنى مع��ز الدول��ة قص��ره المع��روف

دين��ار وم��وه1.000.000بال��دار المعزي��ة أنف��ق في بنائ��ه سقفه بالذهب � ذكروا أنهم لما أرادوا هدمه بذلوا في حك

دينار � ولم يبق لهذه القص��ور أو8000الذهب من سقفه الدور أثر اآلن.

أما األندلس فق��د ب��نى به��ا آل م��روان قص��ورا س��ارت ب��ذكرها الركب��ان وال ي��زال بعض آثاره��ا باقي��ا إلى الي��وم وأكثره��ا في قرطب��ة وغرناط��ة فمنه��ا في قرطب��ة القص��ر

الكبير. وهو آي�ة من آي�ات الزم��ان ش�رع ببنائ�ه عب��د ال�رحمن الداخل في أواسط القرن الث��اني للهج��رة وأتم��ه من ج��اء بع�ده وبن��وا القص��ور في داخل�ه، وه�ذا القص�ر مؤل��ف من

دارا بينها قصور فخمة لكل منها اسم خاص كالكامل340 والمجدد والحائر والروضة والمعشوق والمبارك والرس��تق وقصر الس��رور والب��ديع، وق��د غ��الوا في زخرفه��ا وإتقانه��ا وأنش��أوا فيه��ا ال��برك والبح��يرات والص��هاريج واألح��واض وجلبوا إليه��ا الم��اء في قن��وات الرص��اص على المس��افات البعيدة من الجبال حتى أوصلوه إليه��ا ووزع��وه فيه��ا وفي

س��احاتها ونواحيه��ا في تل�ك القن��وات تؤديه��ا إلى المص��انع صورا مختلفة األشكال من الذهب اإلبريز والفضة الخاصة والنح��اس المم��وه إلى البح��يرات الهائل��ة وال��برك البديع��ة والصهاريج الغريبة في أحواض الرخام الرومي��ة المنقوش��ة ينصب فيها الماء من أن��ابيب من ال��ذهب أو الفض��ة بص��ورالحيوانات الكاسرة أو الطيور الجميلة على أشكال بديعة.

مسجد قرطبة

ومن عجائب قرطب��ة مس��جدها الش��هير ذك��روا أن��ه لم يكن في بالد اإلس��الم أعظم من��ه وال أعجب بن��اء ووص��ل

( ذراع��ا.330( ذراع��ا وط��وال ب�)285اتس��اعه عرض��ا ب�) وتح��ول الج��امع الم��ذكور بع��د دخ��ول قرطب��ة في ح��وزة اإلفرنج إلى كنيس��ة وال ي��زال على بنائ��ه اإلس��المي وعلي��ه

النقوش الشرقية والكتابة العربية.قصر الزهراء

ومن قص��ورهم في قرطب��ة )الزه��راء( ب��دأ بإنش��ائها ه� على أربعة أميال من المدين��ة325الخليفة الناصر سنة

وأتمه��ا ابن��ه الحكم فاس��تغرق البن��اء أربعين س��نة، وهي 2.700عبارة عن بلد كبير طوله من الش��رق إلى الغ��رب

ذراع وع���دد أعمدت���ه أو س���واريه1.500ذراع وعرض���ه س���ارية بعض���ها حم���ل إلى قرطب���ة من رومي���ة4.300

وأفريقي��ة وت��ونس وبعض��ها أه��داه ص��احب القس��طنطينية وفيها الرخام األبيض واألخض��ر وال��وردي والمج��زع، وك��ان في الزهراء مسجد فخم وعدة قصور وحدائق على نحو ما تق��دم في وص��ف القص��ر الكب��ير إلى آخ��ر م��ا ذك��روا في وصفها وكان الناصر ينفق كل سنة ألج��ل القص��ر ملي��ونين

من الدنانير.الزاهرة

واقتدى بالخليفة الناصر المنصور بن أبي عامر ف��ابتنى368سنة ه� قصرا إلقامته س��ماه )الزاه��رة( ليك��ون معقال

ل��ه يحمي��ه من أعدائ��ه فأقام��ه في ط��رف البل��د على نه��ر قرطبة األعظم وحشد له الصناع والعم��ال وب��الغ في رف��ع

أسواره وجعل فيه أبنية كث��يرة من جملته��ا اه��راء ودواوين وأقط��ع م��ا حوله��ا لوزرائ��ه وكتاب��ه وق��واده ف��ابتنوا ال��دور والقص��ور وغرس��وا الح��دائق فق��امت األس��واق وتن��افس الناس بالنزول في أكنافها تقربا من ص��احب الدول��ة ح��تى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة واتصلت بهما الزه��راء من الجه��ة األخ��رى فأص��بح الن��اس يمش��ون بين ه��ذه الم��دن

عشرة أميال على ضوء السراج.قنطرة قرطبة

ويج��در بن��ا في ه��ذا المق��ام اإلش��ارة إلى القنط��رة الفخمة التي أقامه��ا المس�لمون على نه��ر قرطب��ة وك�انت مبنية قب��ل اإلس��الم ثم س��قطت فأع��اد المس��لمون بناءه��ا

ذراع وعرض��ها800على يد عبد الرحمن الغافقي وطولها حني��ة18 ذراعا وعدد حناياها 60عشرون ذراعا وارتفاعها

برجا.19وأبراجها قصر الحمراء وأمثاله

الحم��راء قص��ر ش��هير في غرناط��ة ال ي��زال ش��كله محفوظا إلى اآلن يقصده السياح من ك��ل مك��ان بن��اه ابن األحم���ر في أواس���ط الق���رن الث���امن للهج���رة في أرض

ميت35مساحتها فدانا على مرتفع فس�يح ويق��ال أنه��ا س� )الحمراء( نسبة إلى لون قرميدها. وفي هذا القصر ك��انت بركة السباع وفي وسطها تماثيل أسود تق��ذف المي��اه من أفواهها على شكل جميل إلى غيرها من القص��ور الكث��يرة

الفخمة لهم ولغيرهم. � مباني آل طولون بمصر3

أنشأ بنو طولون في مصر أبنية فخمة أشهرها الج��امع ال��ذي بن��اه أحم��د بن طول��ون وال ت��زال آث��اره إلى اآلن بالقاهرة، والقص��ر ال��ذي بن��اه في القط��ائع وجعل��ه مي��دانا كب��يرا، ولم��ا ت��وفي أحم��د زاد في��ه ابن��ه خماروي��ه وجع��ل المي��دان كل��ه بس��تانا زرع في��ه أن��واع الري��احين وأص��ناف الشجر ونقل إليه الودى اللطيف ال��ذي ين��ال ثم��ره الق��ائم

ومنه ما يتناوله الجالس من أص��ناف خي��ار النخ��ل، وحم��ل إليه كل صنف من الش��جر المطعم العجيب وأن��واع ال��ورد وزرع فيه الزعف��ران وكس��ا أجس��ام النخ��ل نحاس��ا م��ذهبا حسن الصنعة وجعل بين النحاس وأجساد النخ��ل م��زاريب الرص��اص وأج��رى فيه��ا الم��اء الم��دبر فك��ان يخ��رج من تض��اعيف ق��ائم النخ��ل عي��ون الم��اء فتنح��در إلى فس��اق معمولة ويفيض منها الماء إلى مجار تسقي سائر البستان وغ��رس في��ه من الريح��ان الم��زروع على نق��وش معمول��ة وكتابات يتعهدها البستاني ب��المقراض ح��تى ال تزي��د ورق��ة

على ورقة إلى آخر األوصاف العجيبة. وعم��ل في داره مجلس��ا برواق��ه س��ماه بيت ال��ذهب طلى حيطانه كلها بالذهب المجاول بالالزورد المعمول في أحسن نقش وأظرف تفصيل وجعل فيه على مقدار قام��ة ونصف ص�ورا في حيطان�ه ب�ارزة من خش�ب معم�ول إلى آخر األوصاف العجيبة فكان ه��ذا ال��بيت من أعجب مب��اني الدنيا، وجعل بين يدي هذا البناء آنية مألها زئبقا، وذلك أن��ه شكا إلى طبيبه كثرة السهر فأش��ار علي��ه بالت��دليك ف��أنف من ذلك فقال: )ال أقدر على وضع يد أحد علي( فقال ل��ه: )تأمر بعمل بركة من زئبق( فعمل بركة يقال أنها خمسون ذراع��ا ط��وال في خمس��ين ذراع��ا عرض��ا ومأله��ا ب��الزئبق فأنفق في ذلك أم��واال عظيم��ة. وجع��ل في أرك��ان البرك��ة سككا من الفضة الخالص��ة وجع��ل في الس��كك زن��انير من حرير محكمة الصنعة في حل��ق من الفض��ة وعم��ل فرش��ا من أدم يمأل بالهواء حتى ينتفخ فيحكم حينئ��ذ ش��ده ويلقى على تلك البركة وتشد زنانير الحرير التي في حلقة الفضة بسكك الفض�ة وين��ام على ه�ذا الف�رش فال ي��زال الف��رش يرتج ويتح��رك بحرك��ة الزئب��ق م��ا دام علي��ه، وك��انت ه��ذه البركة من أعظم ما سمع به من الهمم الملوكية ي��رى له��ا في الليالي المقمرة منظر بهيج إذا ت��ألق ن��ور القم��ر بن��ور

الزئبق. � مباني الفاطميين4

ولم��ا أفض��ى األم��ر إلى الف��اطميين بن��وا في الق��اهرة الج��امع األزه��ر وه��و ع��امر إلى الي��وم وقص��ورا أش��هرها القص��ران الش��رقي والغ��ربي وأنفق��وا على األخ��ير منهم��ا

دينار فقس على ذل��ك م��ا أنفق��وه في س��ائر2.000.000القصور والدور كدار الفطرة ودار الديباج وغيرهما.

� مباني األيوبيين والمماليك5

ولم��ا انتقلت الدول��ة إلى األك��راد ك��ان أعظم آث��ارهم البنائية قلعة الق��اهرة بناه��ا ص��الح ال��دين ليعتص��م به��ا من

الشيعة وال تزال قائمة إلى اليوم.الثروة والرخاء

إن اش��تغال الخلف��اء واألم��راء بإنش��اء الم��دن وبن��اء القصور والمنتزهات إنما هو من ثمار الثروة وتكاثر النق��ود

في بيوت األموال. ولما كان الخلفاء يتولون شؤون الدول��ة بأي��ديهم ك��انوا أك��ثر الن��اس ث��روة فلم��ا عه��دوا به��ا إلى ال��وزراء تح��ولت ال��ثروة إليهم وأص��بح الخلف��اء أحيان��ا مث��ل س��ائر الفق��راء. ون��أتي هن��ا ببعض التفص��يل على س��بيل المث��ال ذك��روا أن

دينار.100.000.000المكتفي خلف وأول من أثرى من الوزراء البرامكة في عه��د الرش��يد فك��ثرت ض��ياعهم )األبع��ديات والجفال��ك( ح��تى بلغت غل��ة

دين��ار في الس��نة،20.000.000يحيى وابنه جعف��ر فق��ط ولم��ا نكب��وا وقبض��ت أم��والهم بل��غ مق��دار م��ا قبض منه��ا

دينار غ�ير الض�ياع وال�دور والري�اش، ويش�به3.076.000 الوزراء ببغداد الكتاب بمصر وقد أثرى منهم جماعة كب��يرة كآل المارداني في أواس��ط الق��رن الث��الث للهج��رة فمل��ك أح���دهم وه���و محم���د بن علي الم���ارداني م���ا قيمت���ه

دينار من الضياع بالشام ومصر واألمتع��ة م��ع3.000.000 كثرة ما ك��انوا ينفقون��ه على الن��اس من ال��رواتب. وك��انت

400.000غلته دينار في السنة وهو مع ذلك ال يع��د ش��يئا ب��النظر إلى البرامك��ة، ومثلهم آل المغ��ربي وآل الكت��امي بمصر أيضا. وخلف يعقوب بن الليث الصغار في بيت ماله

دينار وقس على ذل��ك4.000.000 درهم و50.000.000 أم��وال الس��الطين الممالي��ك بمص��ر ورج��الهم، وك��انت مخالفاتهم من الجواهر والحلي تقدر باألرط��ال والقن��اطير والصناديق، مثال ذلك ما خلف��ه األم��ير س��يف ال��دين تنك��ز

رطال من الزم���رد والي���اقوت وس���تة19التس���تري منه���ا حب��ة لؤل��ؤ كب��ار1250صناديق جواهر وفصوص ألم��اس و مثقال ذهب240.000مدورة مما زنته درهم إلى مثقال و

درهم فض��ة وأربع��ة قن��اطير مص��رية من10.000.000و المصاغ والعقود ونحوها ك��الحلق واألس��اور وس��تة قن��اطير

دين���ار، فقس علي���ه ث���روة الخلف���اء1200.000فض���ة و الف��اطميين والس��الطين الممالي��ك وغ��يرهم من س��الطين المسلمين ومل��وكهم، وإب��راهيم الموص��لي مغ��ني الرش��يد

درهم.24.000.000توفي عن نتائج الثروة

� التأنق في الطعام1

ق��د رأيت في كالمن��ا عن أطعم��ة الع��رب أنه��ا ك��انت ساذجة قليلة فبعد أن كانوا يحسبون الك��افور ملح��ا وال��رز طعام��ا مس��موما والخ��بز المرق��ق رقاع��ا وبع��د أن أكل��وا العلهز والخنافس والعقارب وعجنوا الحنطة بنخالها، فاقوا الف��رس وال��روم في الت��أنق والتنعم فتفنن��وا في معالج��ة اللحوم واصطناع التوابل المنبهة لش��هوة الطع��ام التماس��ا للمزيد من اللذة، فكان الخلفاء والملوك � من بني هاش��م )العباسيون( ��� إذا جلس��وا إلى الطع��ام يق��ف األطب��اء بين أيديهم ومعهم البراني واألدوية الهاضمة المسخنة الطابخة المقوية للحرارة الغريزية في الشتاء على اصطالحهم في ذلك العصر، ويقفون في الص��يف ومعهم األش��ربة الب��اردة

والجوارشنات الموافقة لذلك الفصل.��ون الطي��ور الداجن��ة على أطعم��ة مغذي��ة وك��انوا يرب يتوهم��ون أنه��ا تزي��د في ل��ذة طعمه��ا أو نفعه��ا أو تس��هل هضمها، فكانوا يعلفون الفراريج الجوز المقشر ويس��قونها اللبن الحليب، وبلغت علوف���ة الب���ط وح���دها على أي���ام

قفيزا من الشعير كل ش��هر، ف��اعتبر30المقتدر العباسي

كم يحت��اج إلي��ه أح��دهم إذا أراد نق��ل مطبخ��ه من ال��دواب لحمل��ه؟ ذك��روا أن عم��رو بن الليث الص��غار ك��ان مطبخ��ه

جم��ل وك��ان للخليف��ة المقتفي العباس��ي600يحمل على ثم��انون جمال تحم��ل الم��اء من دجل��ة لش��رب عيال��ه وأم��ا مق��دار المطب��وخ من ك��ل طع��ام فال قي��اس ل��ه على أنهم كانوا يجعلونه أضعاف ما يحتاجون إليه مخافة أن يطرقهم األض��ياف فك��انت األطعم��ة تفيض بمق��ادير كب��يرة يحمله��ا الخدم ويبيعونها ويرتفقون بأثمانها فنتج من االنغم��اس في األك��ل والتفنن في التش��ويق إلي��ه كث��ير من عل��ل القن��اة الهضمية توالت على أهل الترف في ذلك العه��د ك��القولنج وتلبك المعدة والدوزنطاريا وغيره��ا من ع��واقب النهم في اللح���وم ك���النقرس والروم���اتزم ونحوهم���ا، وتس���لطت الس��ويداء على أم��زجتهم وت��ولتهم ح��دة الم��زاج فج��رهم الغضب إلى سرعة الفتك والقتل من تغلب السويداء كم��ا يتضح من مراجعة أخبارهم وعل��ة ذل��ك في الغ��الب فس��اد الهضم، واشتهر من الخلفاء واألمراء غير واح��د من األكل��ة منهم )في أيام ب��ني أمي��ة( معاوي��ة بن أبي س��فيان وعبي��د الله بن زياد والحجاج بن يوسف وسليمان بن عب��د المل��ك

واشتهر من بني العباس محمد األمين. � البذخ في األلبسة2

كان المسلمون في ص��در اإلس��الم يتوخ��ون الخش��ونة في العيش والتعف��ف ب��المطعم والملبس، وأول من اتخ��ذ زي الملوك من أمراء المس��لمين معاوي��ة من��ذ ك��ان أم��يرا في الشام، وأحب األموي��ون الوش��ي كم��ا تق��دم وأك��ثرهم رغب��ة في لبس��ه هش��ام بن عب��د المل��ك ف��اجتمع عن��ده

تك���ة حري���ر. وك���انت10.000 قميض وش���ي و12.000 جم��ل، وك��ان الص��ناع700كس��وته إذا حج تحم��ل على

يتبارون في إتقان هذه الص��نائع ويغ��الون في زي��ادة ثمنه��ا لما يالقونه من البذل في ابتياعها لت��وفر ال��ثروة بين أي��دي الناس والسيما الخليفة وأهل دولته فكان ه��ؤالء يته��افتون على اقتناء األلبس�ة ال يب�الون كم يك�ون ثمنه�ا ح��تى بلغت قيمة العمامة من الريبقي خمس��مائة دين��ار وهم م��ع ذل��ك

أقبي��ة ك��ل قب��اء9يكثرون من اقتنائها، وربما لبس الواحد بلون خاص للمفاخرة في الب��ذخ، وق��د تزي��د على أض��عاف ح��اجتهم إليه��ا فيجتم��ع عن��د أح��دهم عش��رات أو مئ��ات أو ألوف من القطعة الواحدة والسيما الخلفاء مثاله ما خلف��ه

المكتفي بالله من األلبسة وهو: من الثياب المقصورة سوى الخامات.4.000.000

من األثواب الخراسانية المروية.63.000 من المالءات.8000

من العمائم المروية.13.000 من الحلل الموشاة اليمانية وغيره��ا منس��وجة1.800

بالذهب. من البط��ائن ال��تي تحم��ل من كرم��ان في18.000

أنابيب القصب. من األلبسة األرمنية.18.000

س��روال لم1300وت��وفي ذو اليمي��نين وفي خزانت��ه 400يس��تعملها ووج��دوا في كس��وة بختيش��وع الط��بيب

سروال ديبقي ولما قتل برجوان خادم الوزير بمصر وجدوا في تركته ألف سروال ديبقي بألف تكة حري��ر. ولم��ا جه��ز خمارويه ابنته قطر الندى إلى الخليفة المعتض��د العباس��ي كان من جملة الجهاز ألف تكة ثمن الواحدة عشرة دنانير،

وقس عليه سائر المالبس. � األثاث والرياش والمجوهرات3

كان الخلفاء األربعة يجلس��ون على األرض مث��ل س��ائر الناس وكذلك عمالهم، وأول من اتخذ السرير في اإلسالم معاوي��ة بن أبي س��فيان، ويري��دون بالس��رير المقع��د أو الكرس��ي الكب��ير، ولم يق��دم معاوي��ة على ذل��ك إال بع��د استئذان المسلمين واعتذر بثقل جس��مه ف��زعم أن��ه ب��دين

فأذنوا له فاتخذه واقتدى به من جاء بعده من الخلفاء. ولما خرج المس��لمون للفتح في زمن الخلف��اء األربع��ة كان أكثر ما رأوه من الفرش الفاخر والمجوهرات الثمين��ة في ف��ارس عن��د فتح الم��دائن فدهش��وا من��ه ولم يعرف��وا

60قيمته، مثال وق��ع لهم بس��اط يس��مونه القطي��ف طول��ه

مط��رزا بالص��ور وعلي��ه فص��وص كاألنه��ار60ذراع��ا في أرض��ها مذهب��ة وخالل ذل��ك فص��وص كال��در وفي حافات��ه ك��األرض المزروع��ة واألرض المقبل��ة بالنب��ات في الربي��ع وال��ورق من الحري��ر على قض��بان ال��ذهب وزه��رة ال��ذهب وثمرة الجوهر، وحمل هذا البس��اط إلى عم��ر في المدين��ة فقطعه وفرقه في أصحابه مثل سائر الغنائم. ولما انتقلت الخالفة إلى العباسيين اشتغل السفاح والمنصور بتأس��يس��د س��لطانهم م��الوا إلى الترف��ه الدول��ة وتأيي��دها فلم��ا تأي فأخ��ذوا بتقلي��د ال��دول الس��ابقة ح��تى غ��الوا في األث��اث والرياش كل مغ�االة، كالبس�اط ال�ذي ك�ان ألم المس�تعين وعليه صورة كل حي��وان من جمي��ع األجن��اس وص��ورة ك��ل طائر من ذهب وأعينها يواقيت وج��واهر أنفقت في ص��نعه

درهم. وغ���الى الخلف���اء العباس���يون في130.000.000 اقتناء المجوهرات وأكثر ما تناقله المسلمون من الحجارة الكريمة في أوائل دولتهم مأخوذة من غنائم الفرس ألنهم غنموا ما يفوق الحص��ر من الج��واهر ال��تي قض��ى الف��رس أجياال وهم يجمعونها ويتوارثونها فقبضها المسلمون صفقة واحدة ولم يعرفوا قيمتها كما بيناه آنفا، وأصابوا نحو ذل��ك لما حاربوا األكراد فإنهم غنموا سفطا في��ه ج��واهر حمل��وه إلى عمر في جملة الغنائم ف��أمر ببيع��ه وقس��مة ثمن��ه في المسلمين فباعه وقسمه وكان الفص يباع بخمس��ة دراهمروا ص��اروا يش��ترون وقيمت��ه عش��رون ألف��ا، ولم��ا تحض�� الج��واهر باألثم��ان الغالي��ة فاش��ترى الرش��يد فص ي��اقوت أحم��ر ب��أربعين أل��ف دين��ار، واش��ترى فص��ا آخ��ر بمائ��ة وعشرين ألف درهم وعرض أحد تج��ار المص��وغات ببغ��داد على يح��يى بن خال��د س��فط ج��وهر فس��اومه على ثمن��ه بس���بعة ماليين درهم، وإن الم���أمون أعطى ب���وران في مهره��ا ليل��ة زفافه��ا أل��ف حص��اة من الي��اقوت وق��د أوق��د الشموع العنبر في كل واحدة مائة من وثلثان وبس��ط له��ا فرش��ا ك��ان الحص��ير منه��ا منس��وجا بال��ذهب مكلال بال��در والياقوت، وكان للفاطميين في القاهرة دور يخ��تزنون به��ا أدوات ال��ترف والب��ذخ يس��مونها )خ��زائن( بعض��ها للف��رش والبعض اآلخر للجوهر وآخر للطيب وهكذا، فمما أخرج��وه

من خزانة الجوهر في أي��ام الش��دة على عه��د المستنص��ر ه�( صندوق فيه س��بعة أم��داد زم��رد487بالله )توفي سنة

سألوا الصياغ عن قيمتها فقالوا إنما نع��رف قيم��ة الش��يءإذا كان مثله موجودا.

واستخرجوا خريطة فيه��ا ج��وهرة ق��ال الص��اغة أن��ه ال دين��ار بيعت يومئ��ذ700.000قيم��ة له��ا وأص��ل ثمنه��ا

بعشرين ألف دينار، ووجدوا ما ال يحصى من أق��داح البل��ور المنقوش والمجرود وصحونا من المين��اء منه��ا م��ا يس��اوي

قطع��ة من18.000مئ��ات من ال��دنانير وفي مك��ان آخ��ر بلور ت��تراوح أثمانه��ا بين عش��رة دن��انير وأل��ف دين��ار لك��ل قطعة، وصوان من الذهب المجراة بالميناء وغير المج��راة

غالف خي��ار مبطن17.000المنقوش��ة ب��أنواع النق��وش و ب�الحرير محالة بال�ذهب، ومم�ا خلفت��ه رش�يدة بنت المع�ز

دين��ار، ووج��دوا في1.700.000وحف��ظ هن��اك م��ا قيمت��ه خ��زائن الف��رش من أص��ناف األث��اث والري��اش م��ا يع��د

قطع��ة خس��رواني أكثره��ا100.000ب��األلوف، من ذل��ك 3500مذهب ومراتب خسرواني وقلم��وني ثمن الواح��دة

دين��ار وأجل��ة معمول��ة للفيل��ة من الخس��رواني األحم��ر قطعة خسرواني أحمر مطرز بأبيض من3000المذهب و

هدبها لم يفصل من كساء البيوت، وكان في خزانة السالح للفاطميين سيف الحسين بن علي )عليه الس��الم( ودرق��ة حم��زة بن عب��د المطلب )علي��ه الس��الم( وس��يف جعف��ر الص��ادق )علي��ه الس��الم(. وقس على ذل��ك س��ائر مل��وك اإلسالم في عصر الترف فقد كان عند سنجر بن ملكش��اه

رطال من الجوهر ولم يسمع بمثله عند الملوك.1030 � التسري4

هو اقتناء الج��واري للتمت��ع بهن أو اس��تيالدهن، وك��انت العرب في كل حال تحتقر أبن��اء الج��واري ح��تى نب��غ منهم ثالثة من كرام الرجال أمه��اتهم من بن��ات يزدج��رد ف��رغب الناس في التسري، وزادت رغبة المس��لمين في التس��ري إب��ان الحض��ارة ح��تى أص��بح أك��ثر أبن��اء الخلف��اء من أوالد الجواري وأكثر نساء أهل الدول��ة منهن واقت��دى بهم س��ائر

الوجهاء واألغنياء، فعمدوا إلى اقتناء السراري ومن ول��دت له تزوجها أو أعتقها، فبلغ عددهن عند بعض الخلف��اء ع��دة

جاري��ة4000آالف، ذك��روا أن��ه ك��ان للمتوك��ل العباس��ي وط��أهن جميع��ا وعلم األم��راء برغبت��ه فيهن فتقرب��وا إلي��ه

وصيفة وكان400بالهدايا منهن فأهداه عبد الله بن طاهر سرية على ع��دد أي��ام360لنصر الدولة صاحب ميافرقين

السنة غير ما كانوا يقتنونه من الج��واري للغن��اء فق��د ك��ان قينة للغناء والض��رب300 جارية منهن 2000عند الرشيد

على آالت الطرب. وأصبح االستكثار من الجواري عادة مألوفة حتى ص��ار

400النساء يقتنينهن للزينة، فكان عند أم جعفر ال��برمكي وص��يفة يخ��دمنها، وقس على ذل��ك س��ائر دول المس��لمين في المشرق والمغرب وقد ف��اق الف��اطميون س��واهم في اإلكثار من الجواري أيضا فكان في قصر الحاكم بأمر الل��ه

جارية وخادم وكان عن��د أخت��ه الس��يدة الش��ريفة10.000 من البن��ات األبك��ار،1500 جارية منه��ا 8000ست الملك

ولم��ا قبض ص��الح ال��دين على قص��ورهم وج��د في القص��ر نس��مة ليس فيهم فح��ل إال الخليف��ة وأهل��ه12000الكبير

وأوالده، غ��ير الخ��دم والغلم��ان واألمتع��ة والتح��ف وأطل��ق صالح ال��دين ال��بيع فيهم فاس��تمروا ي��بيعون عش��ر س��نين، ويختلف ثمن الجاري��ة من بض��ع مئ��ات إلى بض��عة آالف أو مائة ألف دين�ار، وأول من ب��ذل في ه��ذا الس�بيل إلى ه�ذا المقدار سعيد أخو سليمان بن عبد المل��ك فابت��اع الزلف��اء الجارية الشهيرة بمليون درهم، وابتاع الرشيد جارية بمائة ألف دينار وجاري��ة أخ��رى اش��تراها من إب��راهيم الموص��لي

دين��ار فب��اتت عن��ده ليل��ة ثم أرس��لها إلى36.000بمبل��غ الفض��ل، وطلب محم��د األمين إلى جعف��ر بن اله��ادي أن يبيعه جارية له اسمها بذل فأبى فأمر فأوقروا قارب��ه ذهب��ا

درهم، وقس علي��ه م��ا20.000.000فبلغت قيم��ة ذل��ك دون ذلك وما فوق��ه واعت��بر مق��دار م��ا ك��انوا ينفقون��ه من

األموال في اقتنائهن. � السخاء5

وتدرج المسلمون فيه بتدرجهم في الحضارة والمدني��ة وزادت ج��وائزهم بزي��ادة ال��ثروة واتس��اع األرزاق فك��ان األموي��ون يعط��ون ب��األلف درهم أو بض��عة آالف يلحقونه��اموا في ببعض الماش���ية أو الكس���وة أو الخي���ل وإذا توس��� العط��اء مص��لحة جعل��وا الص��لة عش��رة آالف أو عش��رات األل��وف أو مائ��ة أل��ف أو مئ��ات األل��وف، أم��ا العباس��يون فكانت الثروة في أيامهم أوفر فبلغت أعطي��اتهم عش��رات الماليين والغالب أن يكون سخاؤهم لغرض سياس��ي يع��ود نفع��ه على الدول��ة كم��ا فع��ل المنص��ور إذ أعطى في ي��وم واحد عشرة ماليين درهم فرقها في أعمامه ووجوه قواده ليقط��ع ألس��نتهم عن مقاومت��ه، ولم��ا ت��ولى ابن��ه المه��دي استكتب أسماء أوالد المهاجرين واألنص��ار وجلس مجلس��ا

درهم وق��رر لك��ل واح��د من3.000.000عاما ف��رق في��ه درهم كل سنة، وأعطى المغيرة بن حبيب6000أهل بيته

ألف فريض��ة يض��عها حيث يش��اء، وف��رق الرش��يد في ي��وم دينار وط��رب يوم��ا فن��ثر على الن��اس13.500.000واحد

درهم، وأعطى الهادي لعبد المل��ك بن مال��ك6.000.000 بغل موقرة400صاحب شرطة أبيه ماال أرسله إليه على

دراهم، وأعطى األمين إلى سليمان بن أبي جعف��ر ملي��ون درهم، واختص األمين في أساليب السخاء بأن��ه ك��ان ي��أمر بإيق��ار زورق الط��الب ذهب��ا أو فض��ة وك��ان قص��ره على شاطئ دجلة فإذا جاء ش��اعر أو ط��الب في زورق وأخذت��ه األريحية أو استخفه الطرب قال: )أوقروا زورق ه��ذا ذهب��ا أو فضة(. وأجاز الم��أمون طبيب��ه بملي��ون درهم وأل��ف ك��ر

درهم.26.000.000حنطة وفرق المأمون في ساعة ومدح��ه أع��رابي فأج��ازه بثالثين أل��ف دين��ار وك��ان

المتوكل يهب القطائع جوائز على المدح.سخاء البرامكة

على أن العصر العباسي األول إنما زها بالبرامكة وهم الذين رغبوا الخلفاء بالسخاء وأولهم خالد بن برم��ك وزي��ر المنصور والثروة لم تنضج في أيامه ومع ذل��ك فالواف��دونؤال فق��ال على الخلف��اء لالس��تجداء ك��انوا يس��مونهم الس��

خالد: )هذا والله اس��م اس��تقله لطالب الخ��ير وأرف��ع ق��در الكريم على أن يسمى به أمثال هؤالء الم��ؤملين ألن فيهم األشراف واألحرار وأبناء النعيم ومن لعله خير ممن يقص��د وأفضل أدبا ولكننا نس��ميهم ال��دوار( وك��ان ابن��ه يح��يى بن

درهم200خال���د إذا ركب أعطى ك���ل من تع���رض ل���ه وي�روون من أخب��ار س�خائه م��ا ه�و أش��به بالخراف��ات من�ه بالحق���ائق، فق���د ذكرن���ا في م���ا تق���دم أن غلتهم بلغت

دينار في السنة فلم��ا قت��ل جعف��ر وقبض��ت20.000.000 دين��ار في ب��در مختوم��ة12.000.000أم��والهم وج��دوا

وعليها صكوك ألن��اس على س��بيل ال��رواتب أو الص��الت أو نحو ذلك، ومن فن��ون س��خائهم أن الفض��ل بن يح��يى ك��ان يكتب رقاع��ا بخط��ه فحواه��ا: )أمعن إلى فالن الص��يرفي وخذ منه ك��ذا وك��ذا دين��ارا( حس��بما يجري��ه الل��ه على ي��ده وي��ركب في اللي��ل أو في القائل��ة ويخ��ترق ش��وارع البل��د وينثرها فيها. وسئل عن ذلك فقال: )أردت أن يص��ل ب��ري إلى من ال يصل إلي وال أعرفه وال يعرفني( فإذا وجد أح��د رقعة من هذه الرقاع مضى بها إلى الصيرفي فيأخذها منه ويعطيه ما فيها وعن��د الص��يرفي أمين ج��الس لئال يص��الحه على بعضها، وال يعطي ألح��د غ��ير رقع��ة واح��دة وال يس��أل عن��ه وال يثبت اس��مه وربم��ا ج��اءت بي��د الص��بي والم��رأة وال��ذمي فيأخ��ذ م��ا فيه��ا واعت��بر ذل��ك في س��خائهم على

100.000الشعراء فقد أعطوا على القصيدة في مدحهم درهم وأول من ن���ال ه���ذه الص���لة منهم م���روان بن أبي

حفصة وصله بها المهدي على قصيدة مدحه بها مطلعها:)طرقتك زائرة فحي خيالها(

ومدحه سالم الخامس بقصيدة مطلعها:)حضر الرحيل وشدت األحراج(

فأراد أن ينقص له من جائزة مروان فحلف أنه ال يأخذ درهم ويق��ال أن��ه أعط��اه إياه��ا. أم��ا100.000.000إال

الرشيد فأعطى مروان كما ك��ان يعطي��ه المه��دي أي مائ��ة درهم وعشرة من الرقي��ق5000ألف درهم وأعطاه مرة

50.000وك��ان يعطي أب��ا العتاهي��ة راتب��ا س��نويا مق��داره درهم غير الجوائز والمعون��ات وف��اقهم المتوك��ل في ذل��ك

ألنه أعطى حسين بن الضحاك ألف دينار عن كل بيت من قصيدة قالها وهو أول من أعطى ذلك وك��ان المعتص��م إذا أعجبه قول الشاعر مأل فمه ج��وهرا وق��د س��بقه إلى ذل��ك

يزيد بن عبد الملك. ويقال نحو ذلك في سخائهم على المغنين فق��د أعطى

دينار ألنه50.000المهدي دحمان المغني في ليلة واحدة 1.000.000أطرب��ه. وأعطى األمين إس��حاق الموص��لي

��اه ش��عرا في مدح��ه فحمله��ا إلى داره مائ��ة درهم ألن��ه غنفراش.

أم��ا الرش��يد فك��ان إذا ط��رب وهب وج��اد ح��تى ولىإسماعيل بن صالح مصر ألنه أطربه بغنائه.

� المسكر6

كان المسكر شائعا قبل اإلسالم فلما جاء اإلسالم ورد النص بتحريم���ه وأقيمت الح���دود في منع���ه وم���ع ذل���ك ف��اختالط المس��لمين بأه��ل البالد المفتوح��ة ع��ودهم إياه��ا ح��تى ش��ربها جماع��ة من الص��حابة وأبن��ائهم فوقع��وا تحت طائلة العق��اب. وأول من ع��وقب على ش��ربها وحش��ي بن حرب قاتل حمزة )عليه السالم(. ومم��ا س��اعد على نش��ر الخم��ر بين المس��لمين أن بعض الخلف��اء األم��ويين ك��انوا يشربونها كيزيد بن معاوية وعب��د المل��ك بن م��روان ويزي��د بن عبد الملك والوليد بن يزيد، والوليد هذا أول من وصف الخمر وتغزل به��ا فس��رق الش��عراء معاني��ه وأدخلوه��ا في أشعارهم. وتهتك الوليد في المسكر حتى حدثته نفس��ه أن يسكر فوق الكعب��ة فخوف��ه أص��حابه من الن��اس فأمس��ك، وقد يطول مجلس الشراب فيسكر الش��اربون ويعرب��دون. وربما أتوا في سكرهم بما ال يأتيه غير المجانين وأفظع ما يروى من هذا القبيل أن الملك الناص��ر بن المل��ك المعظم األيوبي كان إذا سكر يقول: )أش��تهي أن أرى غالمي فالن��ا طائرا في الهواء( فيرمى ذلك المسكين ب��المنجنيق وي��راه في اله��واء فيض��حك ويش��رب ويق��ول: )أش��تهي أن أش��م رائحة فالن وهو يشوى( فيحضر ذلك الرجل ويقطع لحم��ه ويشوى. أما العامة فانغمسوا في المس��كر وش��ربوه على

أنواع��ه ش��أنهم في ك��ل زم��ان وإن لم يش��ربه حك��امهم،فكيف إذا كانوا يشربون؟

� التهتك7

وط��بيعي في م��ا ق��دمناه من الحض��ارة وال��ترف أن يعتريها شيء من التهتك والفحشاء وإن كان ذل��ك ال يخل��و منه قوم مهم��ا بل��غ من بع��دهم عن الحض��ارة ولكن��ه يك��ثررين لس��كون خ��واطرهم وت��وفر أس��باب غالبا في المتحض�� الرغد والتنعم عندهم، كان في جاهلية الع��رب جماع��ة من البغاي��ا لهن راي��ات ينتحيه��ا الفتي��ان وك��ان بعض الن��اس يكرهون إماءهم على البغاء يبتغون عرض الدنيا حتى ص��ار البغاء صناعة عليها رئيس يحتكم إليه البغاؤون عند الحاجة وتفنن��وا في ت��رويج تل��ك البض��اعة بتص��وير النس��اء على جدران الحمامات، وأقبح ما ظهر من التهتك في أثناء ه��ذا التم���دن مغازل���ة الغلم���ان وتس���ريهم وظه���ر ذل���ك على الخص��وص في أي��ام األمين وتك��اثر بتك��اثر غلم��ان ال��ترك وال���روم من أي���ام المعتص���م وفيهم األرق���اء باألس���ر أو بالشراء. وتسابق الناس إلى اقتنائهم ��� كم��ا تس��ابقوا إلى اقتن��اء الج��واري ��� وغ��الوا في ت��زيينهم وتط��ييبهم. وك��انوا يخصونهم ليأمنوا تع��ديهم على نس��ائهم وج��واريهم. وفش��ا حب الغلمان في أهل الدولة بمص��ر وتغ��زل بهم الش��عراء حتى غارت النساء من ذلك فعم��دن إلى التش��به بالغلم��ان

في اللباس والقيافة ليستملن قلوب الرجال. وكثرة الج��واري في بعض القص��ور ج��رهن إلى التفننيا لنفس��ها بأساليب الفحشاء وربما اتخذت كل جاري��ة خص�� ك�الزوج كم��ا فعلت ج�واري خماروي��ه ص�احب مص�ر ح��تى النساء الشريفات ف��إن قع��ودهن عن ال��زواج لع��دم وج��ود األكفاء أو ألسباب أخرى كان يجرهن إلى مثل ذلك فتك��اثر الفساد فيهن لقلة التزويج. ذكروا أن ابنة اإلخشيد ص��احب مص��ر اش��ترت جاري��ة لتتمت��ع به��ا وبل��غ المع��ز ل��دين الل��ه الفاطمي ذل��ك وك��ان ال ي��زال في الغ��رب يتحف��ز للوث��وب على مصر ويخاف الفشل فلما بلغه ما فعلته ابنة اإلخشيد

��د على مص��ر استبش��ر وق��ال: )ه��ذا دلي��ل الس��قوط( وجنوفتحها � والعفاف سياج العمران � .

� مجالس الخلفاء1

ت��درج الخلف��اء واألم��راء في مظ��اهر األبه��ة واتخ��اذ الحج��اب، ب��دأ ب��ذلك معاوي��ة بن أبي س��فيان وأعان��ه علي��ه أمراؤه في العراق ومصر وعملوا مثل عمله وأشاروا عليه بضروب من الفخام��ة ك��ان عليه��ا مل��وك تل��ك البالد قبلهم واقتدى بهم سائر خلفاء بني أمية. وزاد العباسيون أسباب األبهة بمن قربوهم من الفرس ف��أدخلوا في الدول��ة كث��يرا مما ك��ان علي��ه األكاس��رة في مجالس��هم وس��ائر أح��والهم وبعد أن كانت مصالح الدولة تجتمع في بناء واحد اختص��ت كل منها بدائرة. وأصبح لبعض كب��ار الرج��ال دوائ��ر خاص��ةاب ��اب والحس�� بأعمال��ه تش��به م��ا للخلف��اء من دوائ��ر الكت واألطب���اء وغ���يرهم، وك���ان لمجلس الحكم في العص���ر العباسي داران دار خاص��ة ودار عام��ة يجلس الخليف��ة في األولى مع رجال الدولة أو من يفد عليه من كبار األمراء أو الملوك، وينظر في الثاني��ة في س��ائر الش��ؤون ويعق��د به��ا المج��الس االعتيادي��ة. وفي وس��ط القاع��ة س��دة أو س��رير يجلس عليه الخليفة يصنع من العاج أو األبنوس أو الصندل ي��نزل بال��ذهب. وق��د غ��الى الف��اطميون في النفق��ة على

مثق��ال من110.000األسرة حتى يدخل في الواحد منه��ا الذهب اإلبريز الخ��الص. ولم��ا ك��ان الخلف��اء يحتجب��ون عن الناس ك��انوا يعلق��ون في وس��ط القاع��ة س��ترا بينهم وبين

الجلساء.

الخلفاء مجالسة

الدخول في االستئذان

كان االستئذان على الخليفة في عصر الخلفاء األربع��ة أن يقف الرجل بالب��اب ويق��ول: )الس��الم عليكم أأدخ��ل؟( فلما انقضى ذلك العصر أقيم اآلذنون والحجاب يتوسطون للن��اس ب��دخولهم على الخليف��ة بحس��ب طبق��اتهم وفي أوق��ات معين��ة. وأول من رتب الم��راتب في ال��دخول على الخليفة زياد بن أبيه في العراق. وكانوا في أيام بني أمي��ة وفي أوائل الدولة العباسية إذا وفد الناس على الخليفة أو األم��ير وقف��وا بباب��ه يلتمس�ون اإلذن فإم��ا أن ي�أذن لهم أو يصرفهم فإذا صرفهم ع��ادوا ثاني�ة وإذا لم ي�ؤذن لهم ه�ذه المرة عادوا ثالثة ح��تى ي��ؤذن لهم أو يمل��وا. ويع��برون عن ذل��ك بق��ولهم اإلذن األول والث��اني والث��الث إلخ ثم جعل��وا للوافدين على الخليف��ة من��ازل بج��وار دار العام��ة يقيم��ون فيها ريثما يؤذن لهم. وربما قبل�وا ي��د الخليف�ة عن��د التحي��ة وك��انوا في أوائ��ل اإلس��الم يقبلونه��ا عن��د البيع��ة أو تجدي��د العطاء وعند العفو أو الوداع، وكان الصحابة يفعل��ون ذل��ك مع الن��بي )ص��لى الل��ه علي��ه وآل��ه( وظ��ل متبع��ا م��ع أك��ثر الخلفاء، ثم ترفع هؤالء عن أن يلمس الناس أكفهم فص��ار التقبيل لألكمام والعتبات على حسب االقت��دار، وال�داخلون على الخليف��ة يجلس��ون في المواض��ع الالئق��ة بم��راتبهم

ويتولى إجالسهم الحاجب أو اآلذن. � اآلداب في مجالسة الخلفاء3

كانت مجالسة الخلفاء في صدر اإلسالم مثل مجالس�ة س��ائر الن��اس، ثم منع��وا الكالم في حض��رة الخلف��اء على��ر اإلطالق وأول من منع��ه عب��د المل��ك بن م��روان. وتجب الخلفاء بعد ذل��ك ح��تى منع��وا الن��اس من مخ��اطبتهم كم��ا��ر الولي��د بن عب��د كانوا يخ��اطبون أس��الفهم. وأول من تجب

المل��ك فكل��ف الن��اس أن ال يكلم��وه كم��ا ك��انوا يكلم��ون أسالفه. وقال له رجل من بني مرة يوما: )اتق الله يا وليد فإن الكبرياء لله( فأمر به فوطئ حتى مات فاتعظ الن��اس وه��ابوه. ولم��ا اس��تولى الق��واد على األم��ور ض��عفت هيب��ة الخلف��اء وذهبت تل��ك الرس��وم ح��تى أبيح اللعب والض��حك والهزل في مجالسهم، وأول من أباحها المتوكل على الل��ه في أواس���ط الق���رن الث���الث للهج���رة، وق���د ق���الوا في االحتراس من مخاطبة الملوك: )من أراد مص��احبة المل��ك

فليدخل كاألعمى وليخرج كاألخرس(. � احتجاب الخلفاء عن جلسائهم4

وأول من احتجب معاوي��ة، والحج��اب ك��ان ش��ائعا عن��د الفرس من عهد أردشير فكانوا ينصبون في مجلس الملك ستارة بينها وبينه عشرة أذرع وبينها وبين الجلساء عش��رة أذرع فقل��دهم العباس��يون. ثم ض��اعفوا الحج��اب في بعض األحوال فاتخذوا عدة أستار الواحد وراء اآلخر إلى ثالثة أو أربع���ة وفع���ل ذل���ك وزراؤهم البرامك���ة أيض���ا وجعل���وا لقصورهم عدة أبواب الواحد وراء اآلخر. ومن انصرف من حضرة الخليفة مشى القهقرى ووجهه نح��و مجلس��ه ح��تى يت���وارى، وك���انوا يجل���ون أه���ل األدب والعلم ويقرب���ونهم ويب��ذلون لهم األم��وال وي��دافعون عنهم والس��يما الرش��يد والم��أمون. ومن أدل��ة إجاللهم للعلم أنهم ك��انوا يحرض��ون أبناءهم على تلقيه وحف��ظ األش��عار واألخب��ار ويعين��ون لهم المعلمين من نخب��ة العلم��اء المعاص��رين، وعه��د الم��أمون إلى الف��راء بتعليم ولدي��ه النح��و واتف��ق أن الف��راء أراد أن ينهض ذات يوم إلى حوائجه فابتدرا إلى نعله ليق��دماها ل��ه فتنازعا أيهما يقدمها ثم اصطلحا على أن يقدم ك��ل منهم��ا

واحدة. � مجالس المناظرة والعلم5

كانت مج��الس األدب في أي��ام ب��ني أمي��ة وأوائ��ل ب��ني العباس يقتصر البحث فيها على المسائل األدبي��ة والعل��وم اللسانية فلما ترجمت علوم القدماء في العص��ر العباس��ي

ونشأ علم الكالم شاعت المناظرة بين العلم��اء والفقه��اء. وق��د س��بق الن��اس إلى العناي��ة في ذل��ك البرامك��ة فك��ان ليحيى بن خالد مجلس يجتمع فيه المتكلمون وغ��يرهم من أهل النحل يتباحثون في الكون والظهور والقدم والحدوث واإلثب��ات والنفي وغيره��ا من األبح��اث الفلس��فية المبني��ة على علم الكالم. ثم اهتم الخلفاء أنفسهم في ذل��ك، ولم��ا استقرت الدولة الفاطمية بمصر فع��ل وزيره��ا يعق��وب بن كلس مث��ل فع��ل يح��يى وزي��ر العباس��يين فأنش��أ مج��الس للمناظرة في الفق�ه واألدب والش�عر وعلم الكالم وغ�يره، وغرض هذه الدولة إثبات مذهب الش��يعة ألن علي��ه ق��امت دولتهم، فأخذ الحاكم بأمر الل�ه يف�اوض العلم�اء ويج�يزهم ويس��هل عليهم البحث والمن��اظرة في دار الحكم��ة ال��تي أنش��أها في الق��اهرة وربم��ا عق��دوا حل��ق المن��اظرة في

الجوامع أو غيرها. � مجالس الغناء واألنس6

تق��دم الكالم في ت��اريخ الغن��اء وأص��له وانتش��اره وق��د رغب الخلفاء في��ه على الخص��وص إب��ان الحض��ارة وعص��ر الرخ��اء وال��ترف وجعل��وا للمغ��نين نوب��ات ي��دخلون فيه��ا مجالس��هم، ومن أك��ثر الخلف��اء األم��ويين رغب��ة في الغن��اء وبذال للمغنين يزيد بن عبد الملك، وكذلك كان ابن��ه الولي��د بن يزيد. ومن الخلفاء العباسيين المهدي والرشيد واألمين والم��أمون والواث��ق والمتوك��ل ومن نب��غ في أي��امهم من

الوجهاء والعظماء. ومن تواب��ع مج��الس الغن��اء المض��حكون والمج��انون أشهرهم أشعب في دولة بني أمي��ة، وأب��و الحس��ن الخلي��ع الدمشقي في أيام الرشيد، وأب��و الع��بر في أي��ام المتوك��ل وكثيرون غيرهم، فكانوا إذا عقدت مج��الس األنس ودارت األقداح وطرب الخليفة لبسوا مالبس مضحكة يقلدون به��ا الدب أو القرد ويعلقون في أعن��اقهم الجالج��ل واألج��راس مم��ا يض��حك الثكلى. وك��ان بعض الخلف��اء إذا اس��تخفهم الط��رب كلف��وا ه��ؤالء المج��انين م��ا ال يط��اق من ض��روب العذاب وهم يتل�ذذون بع�ذابهم، فالمتوك�ل ك�ان إذا ط�رب

أم��ر ب��أبي الع��بر المج��ان أن ي��رمى ب��ه في المنج��نيق إلى الم��اء وعلي��ه قميص حري��ر ف��إذا عال في اله��واء ص��اح: )الطري��ق الطري��ق( ثم يق��ع في الم��اء فيخرج��ه الس��باح. وك��ان األمين إذا ط��رب ص��اح في ندمائ��ه وجالس��ه: )من يك��ون منكم حم��اري؟( فك��ل واح��د يق��ول: )أن��ا( ف��يركب الواحد ويصله وكان يق��ع في مج��الس الولي��د بن يزي��د من

السكر والفحش في القول والفعل ما نتحاشى ذكره. � مواكب الخلفاء7

كان الخلفاء األول��ون كس��ائر الن��اس يمش��ون وح��دهم راجلين أو راكبين ثم تدرج بنو أمية وبنو العباس في األبهة بت��درجهم في أس��باب المدني��ة واتس��اع الس��لطة ح��تى اصطنعوا المحامل أو القباب أو المحفات يحملون بها بدل الركوب على الخي��ل ثم ص��اروا يركب��ون والن��اس يمش��ون بين أي��ديهم. ثم ص��ار الن��اس يمش��ون بين أي��دي الخلف��اء بالس��الح وأول من فع��ل ذل��ك اله��ادي العباس��ي فك��ان إذا ركب مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة واألعمدة المشهورة والقسي الموتورة فلما خلف��ه الرش��يد تج��اوزه فاتخذ خ��دما ص��غارا يس��مونهم النم��ل يتقدمون��ه وبأي��ديهم قسي البن��دق يرم��ون به��ا من يعارض��ه من الن��اس. وك��ان السالجقة يركب��ون الطب��ل والب��وق والعلم على رؤوس��هم. وأول من صفت له الجن��ود يزي��د بن الولي��د األم��وي فك��ان يخرج يوم العيد بين صفين عليهم الس��الح، وك��ان الخلف��اء الف��اطميون يركب��ون ي��وم الجمع��ة إلى الج��امع األزه��ر

م��اش وعلى5000بالمظل��ة المذهب��ة وبين أي��ديهم نح��و الخليفة الطيلسان والس��يف وبي��ده قض��يب الخالف��ة ح��تى

يأتي الجامع ويصلي. � احتفاالتهم8

واالحتف���االت في التم���دن اإلس���المي بعض���ها دي���ني كالموالي��د واألعي��اد والكس��وة، وبعض��ها وط��ني ك��النيروز والمهرجان، ولهم في كل من هذه األعياد رس��وم وقواع��د يبذلون فيها األموال ويفرق��ون الص��دقات ويه��دون اله��دايا

من النق��ود والثي��اب والحلي وغيره��ا مم��ا يط��ول ش��رحه. فمثال في زفاف خديج��ة بنت الحس��ن بن س��هل المس��ماة بوران إلى الخليفة المأمون احتفلوا به احتفاال لم يسبق له

مالح36.000مثي�ل، ذك�روا أن�ه خ�دم في ذل�ك االحتف�ال ونفذ الحطب يوما فأوقدوا تحت الق��دور الخيش مغموس��ا في ال��زيت، ولم��ا ك��انت ليل��ة البن��اء وجليت ب��وران علىع المأمون فرش لها حصير من الذهب وجيء بمكتل مرص�� ب��الجواهر في��ه درر كب��ار ن��ثرت على النس��اء وك��انت في المجلس شمعة عنبر فيها مائ�ة رط�ل فض�ج الم�أمون من دخانها فعملت له مثلها من الشمع فكان الليل مدة مقامه

50.000.000في��ه كالنه��ار. وبلغت نفق��ة ه��ذا االحتف��ال درهم وأمر المأمون للحسن بن سهل عند منصرفه بمبل��غ

درهم وأقطع��ه فم الص��لح فجلس الحس��ن10.000.000 وف��رق الم��ال على ق��واده وأص��حابه وحش��مه وأطل��ق ل��ه خراج فارس وكور األهواز م��دة س��نة. وج��اء الم��أمون إلى عروس��ه في الليل��ة التالي��ة فن��ثرت علي��ه ج��دتها أل��ف درة

كانت في صينية ذهب. � استقبال الوفود9

أما استقبال الوفود فقد كان فخيم��ا يظه��رون ب��ه ع��ز اإلسالم والسيما إذا ك��ان الق��ادمون من وف��ود ال��دول غ��ير اإلسالمية من الروم أو الهند أو اإلف��رنج. واالحتف��ال ب��ذلك يختلف باختالف األحوال نذكر من أمثلت��ه احتف��ال المقت��در

ه��� فإن��ه305العباسي برسل جاءوه من ملك ال��روم س��نة��أ لهم اس��تقبلهم في دار الش��جرة ال��تي تق��دم ذكره��ا وعب الجيوش وصفت الدار باألسلحة وأنواع الزينة وكانت جملة

رج��ل بين راكب160.000العس��اكر المص��فوفة حينئ��ذ وواق��ف. ووق��ف الغلم��ان الحجري��ة بالزين��ة والمن��اطق المحالة وك���انوا اث���نين وعش���رين ألف���ا. ووق���ف الخ���دم

خ��ادم4000والخصيان كذلك وع��ددهم س��بعة آالف منهم خادم أسود. ووقف الحجاب وكانوا سبعمائة3000أبيض و

نت الم��راكب وال��زوارق في دجل��ة أعظم زين��ة. حاجب وزينت دار الخالف��ة وك��انت جمل��ة الس��تور المعلق��ة عليه��ا وزي

س��تر وك��انت12.500 س��تر منه��ا ديب��اج م��ذهب 38.000 بس���اط واستعرض���وا مائ���ة من22.000جمل���ة البس���ط

السباع.ألعاب الخلفاء ومالهيهم

� الصيد والقنص1 كان الص��يد معروف��ا في الجاهلي��ة ولكن��ه ك��ان قاص��را على صيد غزال أو طائر بالنبل أو الفخ فلما تم�دن الع�ربعوا في طرائ��ق بعد اإلسالم وخالطوا الفرس والروم توس�� الص��يد. وأول من اش��تغل بالص��يد من الخلف��اء يزي��د بن��ه معاوية وكان صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود وله ول بالصيد فاتخذه للهو، حتى إذا أفضى األمر إلى بني العباس ورسخت أقدامهم في الدول��ة اهتم��وا بالص��يد وتفنن��وا في تربية الجوارح والكالب والفهود وغالوا في انتقائه��ا. وك��ان العباسيون يصيدون الس��باع والخن��ازير فض��ال عن الغ��زالن والطي��ور وحم��ر ال��وحش، وقس على ذل��ك س��ائر مل��وك المس�لمين فق�د ع��دوا م�ا اص�طاده الس�لطان مل�ك ش�اه الس��لجوقي من الحيوان��ات فبل��غ عش��رة آالف رأس ح��تى بنى من حوافر الحمر الوحشية وقرون الظباء التي صادها

منارة. � الحلبة أو السباق2

لم تب��ق أم��ة من األمم القديم��ة أو الحديث��ة إال لهجت بالسباق وبعد اإلسالم بالغوا في اتخاذ الميادين واستكثروا من الخيول وتفننوا في تض��ميرها. ومن غ��ريب م��ا ذك��روه أن يزيد بن معاوي��ة ك��ان ل��ه ق��رد يكنى أب��ا قيس يحض��ره مجلس منادمته ويطرح له متك��أ وك��ان نبيه��ا خبيث��ا يحمل��هلت ل��ذلك بس��رج ولج��ام على أت��ان وحش��ية ق��د ريغت وذل وكان يسابق بها الخيل يوم الحلبة. وك��ان لهش��ام بن عب��د الملك رغبة في الحلبة يختار الخيل الجيدة للسباق ويب��ذل

. أم��ا العباس��يون4000في اقتنائها األموال فاجتمع عن��ده

فلم يكونوا أقل رغبة في السباق وكانت لهم ميادين كبيرةفي الرقة والشماسية.

� ارتباط السباع3 وك��ان من مالهي الخلف��اء والمل��وك ارتب��اط األس��ود والفيلة والنمور إلثبات الهيبة في قل��وب الرعي��ة وأول من اهتم بذلك بن��و العب��اس فك��ان المنص��ور كث��ير العناي��ة في جمع الفيلة لتعظيم المل�وك الس�الفة إياه��ا وك�ان للرش��يد أقفاص فيها األسود والنم��ور وغيره��ا وغ��الى ال��ذين ج��اءوا بعده باقتنائها واقتناء الكالب والق��ردة ونحوه��ا، ذك��روا أن��ه كان عند أم جعف��ر زوج الرش��يد ق��رد يخدم��ه ثالث��ون رجال وكانوا يلبسونه لب��اس الن��اس ويقلدون��ه الس�يف وإذا ركب ركبوا في خدمته وإذا دخلوا عليه قبلوا يده، فجاء يزي��د بن مرثد يوم��ا إلى أم جعف��ر ليودعه��ا قب��ل س��فره ف�أتوا إلي��ه بالقرد وأمروه أن يقبل يده فشق عليه ذلك وجرد الس��يف وقطعه نصفين وانصرف فبعث إليه الرشيد وعاتبه فق��ال: )يا أمير المؤمنين أبعد أن أخدم الخلفاء أخ��دم الق��رود؟ ال

والله أبدا( فعفا عنه. واتخ��ذ الخليف��ة الناص��ر األم��وي في مدين��ة الزه��راء محالت للوحوش والسباع واسعة األرجاء متباع��دة الس��ياج

ومسارح للطيور مظللة بالشباك كاألقفاص الكبيرة. س��بحان رب��ك رب الع��زة عم��ا يص��فون وس��الم على

المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محم��د وآل��ه

الطيبين الطاهرينوالعاقبة للمتقين

كربالء المقدسةمحمد بن المهدي الحسيني الشيرازي