محنة الاسلاميين في عهد مبارك

169
1

Upload: -

Post on 29-Jul-2015

180 views

Category:

Documents


15 download

DESCRIPTION

(صَفَحَاتٌ مِنَ التَّعْذِيب الوَحْشِيّ فِي سُجُونِ فِرْعَوْن)كَتَبَـــهُحَسَـنْ فَارُوقْ

TRANSCRIPT

Page 1: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

1

Page 2: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

عهد في اإلسالميين محنةمبارك

)صفحات من التعذيب الوحشي في سجونفرعون(

كتبـــه

حسن فاروق

2

Page 3: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

اإلهداء...

إلي الذين عذبوا من اجل مبادئهم في سجون الطغاة

إلي الذين ماتوا تحت سياط الجالدين

إلي الذين خرجوا يحملون أرواحهم علي أيديهم

إلي أرواح شهدائنا الذين قتلوا من اجل الحرية في شوارعوميادين مصر

إلي أهلنا الذين شاركونا المحنة وأيام الشقاء

نهدي إليهم هذا الكتاب...

3

Page 4: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

" ألم * احسب الناس أن يقولوا أمنا وهم ال يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهمفليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"

إن جدلية الصراع بين الحق والباطل والممتدة عبر الزمان منذ أن خلق الله آدم عليه السالم إلي قيام الساعة وأزلية االبتالء لعباده لهي السنن الجارية والتي ال

تتغير وال تتبدل مع تقلب الليل والنهار واختالف الزمان والمكان من أجل تمحيص البشر ومعرفة أهل اإليمان الصادقين من غيرهم )ليميز الله الخبيث من الطيب(

ولقد مضت سنة الله الجارية علي هذه الثلة من الشباب المسلم في هذه الحقبة التاريخية كما مضت في الذين خلوا من قبلهم حيث زج بآالف منهم في غياهب السجون والمعتقالت وتعرضوا للظلم والتعذيب والتشريد لسنوات طويلة فهم الذين حملوا البذور األولي لثورة الغضب والتي تراكمت عبر السنوات والعقود

الماضية لتنفجر كالبركان في شوارع وميادين مصر فهم طالئع هذه األمة الذين تصدوا لمبارك ورموز الظلم والفساد في نظامه في وقت التزم فيه البعض

الصمت خوفا من البطش والتنكيل من أجهزة نظامه القمعية واختار البعض األخرأن يصفق مع المصفقين نفاقا وتزلفا لنظام مبارك وأزالمه .

ولقد تعرض هؤالء الشباب من أبناء التيار اإلسالمي والذين يعدون أنفسهم جزءا من نسيج هذا المجتمع-بما يحملونه من اتجاهات فكرية ومكونات عقائدية- إلي

حمالت تشويه منظمة من قبل إعالم لنظام فاسد بأنهم دعاة تطرف وتدمير برغم أنهم لم يكونوا ينادون إال بإقامة الحق والعدل والدفاع عن المقدسات وحماية

األرض والعرض والتحاكم إلي شريعة رب السماء بما يتفق مع هويتنا اإلسالمية ومبادئنا وعقائدنا الدينية في وقت ارتضي فيه النظام البائد أن يصطف مع أعداء

األمة في نهب الثروات وإذالل العباد وتضييع المقدسات.

ولقد حاولت جهدي في هذي الصفحات أن أسطر شيئا يسيرا من هذه المحنة والملحمة التاريخية والتي انتصر فيها منطق اإليمان والعقيدة علي منطق الصعق

الكهربائي والسياط التي ألهبت الظهور وانتصرت فيها المبادئ والقيم علي كل أساليب المكر والدهاء ومحاوالت الترغيب والترهيب من خالل مواقف ومشاهد

عايشتها بين جدران السجن ثمانية عشرة عاما أو من أفواه من عايشوها.

4

Page 5: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ولقد قسمت الكتاب إلي ثالث مراحل:-

م1994 وهي تمتد منذ دخولنا السجن إلي بدايات عام المرحلة األولي:

م.2002 وهي أيام المحنة والتي امتدت حتى عام المرحلة الثانية:

: وهي الصراع الفكري والتي ستدون الحقا إن شاء الله نظراالمرحلة الثالثة يناير حيث خرجنا من الظلمات إلي النور25لضيق الوقت وقد امتدت حتى ثورة

)ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين(

5

Page 6: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

رسالة

حبيبتي الصغيرة

اكتب إليك يا صغيرتي بعد أن ترددت كثيرا فمازال سؤالك يتردد في أسuuماعي ولكن نظراتك البريئة كانت تمنعuuني من أن أبuuوح لuuك عمuuا كuuان يغلي في صuuدري كالبركان. وحينما كانت تالحقني نظراتك في انتظار إجابتي – عندما كان صمتي هو

الجواب – وكأنها تنكئ جراحا أحاول أن أداويها.

ولكن خبريني يا صغيرتي عن ماذا أحuuدثك؟ أأحuuدثك عن أمuuة مuuازالت ترسuuف باألغالل في قيدها؟ أم عن الذين يسuuوقون شuuعوبهم كuuالقطيع ليقuuدموهم ليuuذبحوا كقرابين لبقاء كراسيهم؟ أم عن الصامتين الذين نافسوا بصuuمتهم صuuمت أصuuحاب

القبور؟ أم عن المصفقين الذين يصفقون خلف كل ركب؟

فلن أحدثك عن هؤالء وال عن قصتي بل سأحاول أن أحuuدثك عن اآلالف الuuذين سuuطروا على صuuفحات الزمuuان تuuاريخهم بuuدمائهم وهم مكبلين بuuاألغالل خلuuف

الجدران.

فسامحيني عن تأخري وال تلوميuني بمuا كنت ألuوذ بuه من صuمت طuوال هuذه السنوات واستميحك عذرا إن كانت كلماتي محملة بuuاآلالم ويuuنزف من بين ثناياهuuا

األسى فإن المآسي التي كتبت فصولها تحمل عذرا لهذه الكلمات.

هذه هي رسالتي والتي انتظرتها منذ سنوات مضت أكتبها إليuuك ومuuازال القيuuد يلتف حول معصمي ومازالت يدي الكليلة مكبلة بالقيود ولكن برغم ذلuuك سuuأحاول أن أختزل لك هذه السنوات في سطور قليلة لعلها ترسم لك بمراحلهuuا الثالثuuة مuuا

كنا نعانيه في سنوات القهر والحرمان.

6

Page 7: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

المرحلة األولى: خلف األبواب المظلمة

في بداية عقuuد التسuuعينات كuuان الصuuراع الفكuuري والعسuuكري قuuد احتuuدم بين اإلسالميين والدولة والتي استنفرت جميع أجهزتها األمنية واإلعالمية والقضائية بuuل ومفكريها وكتابها في مواجهة ظاهرة تنامي اإلسالم السياسي والتي بuuدأت تنتشuuر في أوساط المجتمع وخاصة الطبقة الوسطى ومحاولة اختراق الطبقة العليا أيضا، فضال عن التحوالت الفكرية والعقدية عنuuد بعض الكتuuاب والمفكuuرين وبعض النخب

السياسية أيضا منذرة بذلك بتقلص نفوذ سيطرة النظام.

في1في ظل هذه األوضاع تم القبض على أعداد كبيرة في قضية طالئuuع الفتح من أماكن مختلفة في أنحاء الجمهورية وخاصuuة في الوجuuه1993شهر يناير سنة

البحري، وقد بدأت التحقيقات في ظuuل ممارسuuة أبشuuع أنuuواع التعuuذيب المختلفuuة النتزاع االعترافuuات في مقuuار األجهuuزة األمنيuuة المختلفuuة سuuواء مبuuنى المخuuابرات

– بسبب وجود أعداد من الضباط وضباط صف ومجنuuدين75العسكرية المجموعة في القضية – أو في مقار أمن الدولuuة المنتشuuرة في أنحuuاء البالد، ولن نuuدخل في تفاصuuيل مuuا حuuدث في التحقيقuuات ألن هuuذه الورقuuات ال تكفي للحuuديث عن هuuذه

الممارسات الوحشية.

بعد أن انتهينا من جحيم التحقيقات في األجهuuزة األمنيuuة بuuدأنا في التوجuuه إلى نيابuuة أمن الدولuuة للتحقيuuق معنuuا وكنuuا نظن أنهuuا سuuتقف بجوارنuuا وتحمينuuا ضuuد الممارسات الالإنسانية والتي تمارس ضدنا ولكن اكتشفنا في كثير من األحيان أنها ليست جهة محايدة وأن الفرق بينهuuا وبين األجهuuزة األمنيuuة هuuو اختالف في األدوار فقط، فلقد مuuارس عuuدد من رؤسuuاء ووكالء النيابuuة أسuuاليب مختلفuuة من الضuuغط النفسي والتهديد والوعيد النتزاع االعترافات وخاصة عندما كان يuuذهب البعض إلى النيابة ليال. فعندما طلب أحد اإلخوة عدم الحديث معه أو إجuuراء أي تحقيuuق إال في وجود محuuامي معuuه رفض رئيس النيابuuة وأصuuر على التحقيuuق بuuدون محuuامي ومن جانبه أصر األخ أيضا على المحامي وعدم الحديث، فما كان منه إال أن هدده ولكنه أصر فخرج هو والكاتب معه ودخل اثنان كانا يقفان في خuuارج المكتب مuuع آخuuرين تuuابعين لمبuuاحث أمن الدولuuة وضuuرباه على رأسuuه من الخلuuف مuuع بعض الuuركالت واللكمات ثم خرجا ودخل المحقق والكاتب مرة أخرى فأخبره بما حدث وأنه يريuuد أن يثبت ذلuuك في المحضuuر وأنuuه قuuد ضuuرب في مكتبuuه ففاجئuuه المحقuuق وكأنuuه يستخف به لكني لم أخرج وأكد له أيضا أن كاتبه لم يخرج وربمuuا يكuuون مuuا حuuدث

أيمن الدكتور بقيادة المصرية الجهاد لجماعة تابع بعضها الجهادية المجموعات من العديد ضمت والتي الجهادية القضايا احدي هي 1 يحيي نافع، ،ربيع عشوش ،احمد سالم مجدي منهم مصر في مختلفة محافظات من فرد 800 من أكثر علي القبض تم حيث الظواهري

أربع المجموعات هذه بحق صدر وقد وغيرهم دراز، ،سيد الله عبد سامي حجازي، ،اشرف خلف يحيي الفتوح، أبو جالل شحرور، أصحاب أما القاهرة في العسكري القضاء أمام منهم قرارات ثالث أحالة تم حيث عسكرية محاكم أمام محاكمتهم وتم اتهام قرارات الحميد عبد: منهم باإلعدام أحكام األول القرار عناصر وخاصة بعضهم بحق صدر وقد اإلسكندرية في محاكمتهم تم فقد الثالث القرار

بين ما مختلفة بأحكام آخرين علي حكم كما الثالث القرار في شحرور يحيي وكذلك حسام الله،محمد عبد إمام،محمد الله،فتحي حبووالمؤبد. سنوات الثالث

7

Page 8: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

معك تهيؤات بسبب اإلرهاق فوضع األخ يده على مؤخرة رأسه والuتي مuازالت بهuا دماء تسيل وقال له: وهذه الدماء هل هي تهيؤات أيضا؟ ومع ذلuuك رفض أن يكتب ذلك في المحضر حتى ال يدين نفسه، بل وفي مرات عديدة كانوا يهددون الشخص إن لم يعترف فسuuوف نرجعuuك مuuرة أخuuرى إلى السuuلخانة – يقصuuدون مبuuنى أمن الدولة - بل كان بعضهم ينفذ بالفعل فقد رفض المحامي العام والuuذي كuuان يحقuuق مع سيد صالح في قضية عاطف صدقي اعترافاته ورده مرة أخuuرى إلى جهuuاز أمن الدولة الستكمال التحقيق معه بالطريقuuة الuuتي يعرفونهuuا ويعرفهuuا أيضuuا المحuuامي

العام، وقد تكرر هذا األمر في قضايا أخرى.

كان كل من ينتهي التحقيuuق معuuه سuuواء في أمن الدولuuة أو النيابuuة يuuذهب إلى السجن إليداعه على ذمة القضية فبدأت أعداد كبيرة تتوافد على سجن ليمuuان أبي زعبل وسجن المرج حيث قاموا بتقسيم هذه األعداد بينهما ولكن الجزء األكuuبر في

سجن الليمان أكثر من أربعمائة فرد أما في سجن المرج أكثر من مائة فرد.

كuuان كuuل من يuuدخل سuuجن أبي زعبuuل يجuuرد من مالبسuuه وجميuuع متعلقاتuuه الشخصuية ويأخuذونها على وعuد منهم أن يسuلموها ألقاربنuا عنuد أول زيuارة ولقuد علمنا بعد ذلك أن معظم األشياء لم تسلم ألحد، ثم يسلموا كل واحد بدلة السuuجن وهي مصuuنوعة من الخيش فهي أشuuبه بشuuوال مقطuuوع من منتصuuفه وقuuد قuuاموا بضuuرب بعض المجموعuuات أثنuuاء الuuدخول ووضuuعوا كيس من القمuuاش على رأس البعض اآلخر حتى يغطوا وجوههم فال يروا أحد ثم يسuuحبونهم إلى العنuuابر واكتفuuوا مuuع البعض بإحuuاطتهم بجuuو من اإلرهuuاب النفسuuي فكuuانت تuuأتي مجموعuuات من العساكر تقف بجوارهم أثناء الدخول وخلع المالبس وفي يد كل واحد منهم خرزانة مع استعمال الشدة والغلظة في الحديث من إدارة السجن ثم بعد ذلك يتم إدخuال

كل مجموعة تأتي إلى قسم ثالث وبه خمس عنابر فقط.

كان سجن أبي زعبل بمبانيه القديمة وعنuuابره العتيقuuة وزنازينuuه الضuuيقة يبعث على الكآبة وكأننا في سجن في قلعة من حصون التتار القديمة وتزداد كآبته بسوء المعاملة واألوضاع المعيشية. فقuد قuuاموا بتوزيعنuا على خمس عنuابر كuل ثالثuة أو

× 2.5أربعة في زنزانة ضيقة مساحتها ال تتجاوز ال يوجد بهuuا دورة ميuuاه وال1.5 ضوء خاصة بالليل فتكون في ظالم دامس سيئة التهوية حتى إنهم قد قuuاموا بسuuد نافذة صغيرة كانت موجودة في باب الزنزانة قبل دخولنا إلى العنابر وكان ال يوجد بها أي شيء، فكنuuا في البدايuuة نفuuترش األرض في هuuذا الجuuو القuuارص من فصuuل الشتاء ثم بعد ذلك قاموا بتوزيع بطانية لكuل فuuرد وجuردال وزجاجuة أو اثنuتين لكuل زنزانة للشرب واالستعماالت األخرى وكنا ال نخرج من الزنزانة إال مرة واحuuدة في الصباح لuدقائق معuدودة – كuل زنزانuة على حuدة – لكي نuدخل دورة الميuاه ونمأل الزجاجة للشرب ونرمي ما في الجردل كuuل ذلuuك يتم مuuع االسuuتعجال من حuuارس

8

Page 9: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

العنبر أو السجان والعساكر الذين ينتشرون في طرقة العنuبر وعنuد دورات الميuاه حتى إن البعض كان ال يستطيع أن يقضي حاجته من شدة االستعجال بuuل إنهم في بعض األحيان كانوا يدخلون دورة المياه على الشخص إذا تأخر قليال ويسحبونه إلى الخارج وكان العساكر يقفون وفي أيديهم عصي وخرزان إلرهاب من يعuترض على ذلك. وكان عدم وجود دورة مياه في الزنزانة يسبب معاناة نفسية شديدة وخاصuuة إذا أصيب أحدنا بإسهال أو اضطرابات معوية فكuuان يضuuطر إلى قضuuاء حاجتuuه في

الجردل وكان ذلك يسبب له إحراجا شديدا.

أمuuا الطعuuام فكuuان من أردئ أنuuواع األطعمuuة حيث كuuان الفuuول هuuو الطعuuام األساسي وكان دائما يعلوه كميات من السوس والحشرات األخرى والuuتي ال تتuuأثر بحالة الشياط التي يأتي بها وإذا تuuرك فuuترة يصuuاب بحالuuة من التجبس، وكuuان من رحمة الله بنا إننا كنا نأكل هذا الفول في اإلفطار بعد صالة المغuuرب حيث كنuuا في رمضان فكان ال يرى أحد مuuا بuuه من حشuuرات أو سuuوس حuuتى نتعuuود على طعمuuه الجديد في السجن وبعد فترة رأينuuا مuuا كنuuا نأكلuuه من حشuuرات غريبuuة مuuع الفuuول عندما سمحوا لنا بلمبة بعد ذلك، أما العuuدس وهuuو المنuuافس القuوي للفuول فليس يتميز عنه إال بكثرة الدود، أما األرز فهو أقرب للسواد منه لوضuuعه الطuuبيعي وكuuان له طعم غريب نتيجة كثرة الزيت الذي لم نعرف له مصدر قبل ذلك، كuان الطعuام عموما غير مطابق للمواصفات الحيوانية فضال عن اإلنسانية والتي تعاف أن تأكلuuه

وربما لو أجبرت عليه تصاب بأمراض خطيرة.

أما مياه الشuuرب فليس بأفضuuل من الطعuuام إال في رداءتهuuا فكuuانت تuuأتي من الترعة مباشرة دون أي تنقية فكان لونها أسuuود نتيجuuة الطينuuة والuuتراب واألوسuuاخ العالقة فيها وكنا عندما نترك الزجاجuuة فuuترة نجuuد طبقuuة مترسuuبة من الطينuuة في القاع وأحيانا نجد بعض القواقع والطحالب العائمة تسبح في الماء بل وأحيانا نuuرى

بعض األسماك الصغيرة تنزل من الحنفية.

كانت التهوية أو الخروج للشمس غير مسموح به في الفترات األولى ثم سمح به لمدة دقائق بعد ذلك، كذلك التحدث مع أحد بين الزنuuازين وأيضuuا األذان فعنuuدما أذن أحد األخوة فتحuuوا بuuاب الزنزانuuة وضuuربوه فكuuانت األوضuuاع عمومuuا في وضuuع

سيء وكذلك المعاملة.

كانت األحوال في سجن المرج ال تختلف عن أوضاعنا فسياسuة التعامuل معهم تكاد تكون مثلنا تماما سواء عنuuد الuuدخول أو في السuuجن عمومuuا. فكuuان التضuuييق عليهم في األوضاع المعيشية وكذلك كان الضرب شبه مستمر فلقد كuuان التعuuذيب ألبسط األسباب فعندما كان أمين الشرطة يقوم بتوزيع التعيين كان يضuuرب الuuذي يستلم التعيين وفي إحدى المرات قال له أحد اإلخوة كفاية يuuا فالن فعنuuدها أخuuذه في الخارج وزاد له في الضرب وكuuذلك كuuان آخuuر يضuuربونه حuuتى يuuدخل الزنزانuuة

9

Page 10: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ووجuه يuنزف دمuا ألنuه كuان يضuرب على رأسuه من الخلuف فيصuطدم وجهuه فيالحائط أما آخر فقد ف�ق�د بصره من شدة الضرب.

ولكن برغم هذه األوضاع المتردية كانت هناك حالة من الuuرفض أو االستسuuالم والركون لهذه األوضاع فقمنا في سجن الليمuuان بعمuuل إضuuراب عuuام في السuuجن لتحسين األوضاع والمطالبة بتحقيuuق أبسuuط الحقuuوق اآلدميuuة فوعuuدت اإلدارة في السجن بتحسين األوضاع واالستجابة لمطالبنا ولكنها لم تنفذ ذلuuك وكuuانت تماطuuل وتتهرب من التنفيذ فبدأت بعض المناوشات البسيطة من حين آلخuuر لحضuuهم على االستجابة لبعض المطالب البسيطة مثل عالج شuuخص مuuريض أو الخuuروج للتهويuuة لفترة أطول أو غير ذلك ثم تطور األمر إلى صدام مباشر، ففي العنابر طلب بعض األفراد من ضuuابط العنuuبر أداء صuuالة الجمعuuة في فنuuاء العنuuبر حيث أنuuه كuuان غuuير مسموح لنا أداء صالة الجمعة لذلك كuuانوا يuuدخلوننا الزنuuازين قبuuل الصuuالة ثم بعuuد الصالة يبدأ فتح الزنازين بالتناوب مرة أخرى فعندما طلبوا منه ذالك رفض وبشدة وأخبرهم أن هذا ممنوع وفي أثناء الحديث معهم قام برش إسuuبراي كuuان في يuuده عليهم مما أدى إلى اختناقهم وكان أحدهم مريض بالقلب فسقط مغشيا عليuuه ولم ينتهي األمر عند ذلك بل أمر من معه من العساكر أن يضربوا كل من يقuuف خuuارج الزنازين وإدخالهم بالقوة إلى الزنازين، فما كuuان من بعض اإلخuuوة إال أن أمسuuكوا بالعصي التي مع العساكر التي يضربونهم بهuuا وضuuربوهم وخطفuuوا أربعuuة عسuuاكر وحاولوا اإلمساك بالضابط ولكنه هرب بسرعة خارج العنبر وبعد قليل جاءت قوات كبيرة وقاموا بضرب قنابل مسيلة للدموع وأخرى خانقة داخل معظم العنابر حuuتى التي كانت ال تعلم شيئا عما حدث هناك في ذلك العنبر وفي أثناء ذلك كuuان البعض خuuارج الزنuuازين وهم قليuuل والبعض اآلخuuر في الuuداخل فأصuuيب الجميuuع باالختنuuاق خاصuuة من بالuuداخل حuuتى إن بعضuuهم قuuد أصuuيب باإلغمuuاء فالزنزانuuة في وضuuعها الطبيعي يكاد يتنفس فيهuا المuرء بصuعوبة فمuاذا سuuيحدث إذا زاد األمuر بالغuuازات

الخانقة؟!

كان الذين في الخارج يحاولون أن يفتحوا أبواب الزنازين بأي وسيلة إلنقاذ من فيها حتى ال يموتوا من االختناق وقد نجحوا في فتح بعضها بينما فشuuلوا في البعض اآلخر كل ذلك يتم تحت وابuuل من القنابuuل فكuuان بعض اإلخuuوة يأخuuذ القنبلuuة الuuتي تسقط ويضعها في جردل الماء حuuتى يفسuuد تأثيرهuuا وأحيانuuا أخuuرى يقuuذفها عليهم مرة أخرى، ولقد تحول هuuذا المكuuان الضuuيق في السuuجن إلى سuuاحة معركuuة غuuير متكافئة بين أفراد مكبلين في الحركة وليس لديهم أي إمكانيات وآخرين لديهم كل

اإلمكانيات واألسلحة المختلفة.

وبعد أن هدأت األمور أدخلوا أفراد العنبر جميعا إلى الزنuuازين ثم دخلت قuuوات كثيفة إلى العنuبر وأخرجuوا كuل زنزانuة على حuدة وقuuاموا بضuرب من فيهuا ضuربا

10

Page 11: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

شديدا حتى إن البعض كان ال يقوى على الحركة من شدة الضرب حتى انتهuuوا من العنبر كله ولم يكتفوا بذلك بل حرروا محضر شغب وتمرد ضد بعض أفراد العنuuبر. وعندما جاءت النيابة لتعاين المكان لم تسأل أحد من أفراد العنبر واكتفت بuuأقوال طرف واحد فقط وهم إدارة السجن حتى إن جميع أفراد العنبر لم يعرف أن هؤالء

وكالء نيابة بل ظنوهم ضباط من المصلحة جاءوا لمعاينة المكان.

وفي اليوم التالي وأثناء خروج أحد اإلخوة من السجن لجلسة نيابة استطاع أن يخرج معه قنبلة فارغة وعرضها على وكيل النيابة وشرح له ما حuuدث في السuuجن لكنه لم يفعل شيئا بالرغم من أن وجودنا في السجن هو على ذمة النيابuuة أي أنهuuا

من المفترض أن تشرف علينا.

كانت األحوال في سجن المuuرج تسuuير على نفس الوتuuيرة من سuuوء المعاملuuة والتضييق عليهم وقد حاولوا التحدث مع اإلدارة لتحسين األوضuuاع فلم يجuuدوا آذان صاغية لهم غير الجفاء والغلظة في الرد فتم عمuuل إضuuراب في السuuجن كلuuه فلم

يومuuا من اإلضuuراب ووعuuدتهم باالسuuتجابة14ترعى لهم اإلدارة أي اهتمام إال بعuuد لبعض المطالب البسيطة مثل التهويuuة حيث كuuانوا يخرجuuون بعuuد محuuاوالت كثuuيرة لمدة دقيقة واحدة ثم يدخلون مرة أخرى فزادت إلى خمس دقائق ثم ربuuع سuuاعة وعuuدد محuuدود من الزنuازين ثم بالتنuuاوب مuع عuuدد آخuر مماثuل ولم تتحسuن بقيuuة األوضuاع، فلمuا وجuدوا أن اإلضuuراب لم يuأت بنتيجuuة تuذكر خططuuوا لخطuuف بعض القuuائمين على إدارة العنuuuبر وأخuuذهم كرهuuuائن والمسuuاومة عليهم لتنفيuuuذ بعض المطالب المشروعة والتي البد منهuuا ألي كuuائن حي للبقuuاء على قيuuد الحيuuاة. وفي يوم التنفيذ كان بعض األفراد خارج الزنازين للتهوية كالمعتاد وعنuuدما دخuuل ضuuابط العنبر ويدعى فتحي وأمين شرطة وبعض العساكر قامت مجموعة بخطف الضابط وأخذ المفاتيح منuuه لفتح بuuاقي الزنuuازين ومجموعuuة أخuuرى خطفت أمين الشuuرطة وبعض العساكر ووضعوهم متفرقين في الزنازين حتى يعانوا مما يعuuانون منuuه في المعيشة في هذه الزنازين الضuuيقة كمuuا طلبuuوا من الضuuابط أن يأكuuل من التعuuيين والذي جاء لتوزيعه فلم يستطع ولكنهم أجبروه على األكل حتى يuuذوق من الطعuuام الذي يأكلونه حتى يعرف بنفسه مدى المعاناة التي يقاسونها في المعيشuuة واألكuuل

والتهوية.

بدأت إدارة السجن في ضرب القنابuuل للضuuغط عليهم حuuتى يخرجuuوا الضuuابط ومن معه فما كان من اإلخوة إال أن يقذفوا عليهم القنابل مuuرة أخuuرى أو يضuuعونها في جرادل الميuuاه إلبطuuال مفعولهuuا فلمuuا فشuuلت اإلدارة في حuuل هuuذه المشuuكلة جاءت قوات كبيرة من مصلحة السجون وبعد مuuداوالت ومسuuاومات كثuuيرة حuuاول خاللها أفراد السجن توضيح موقفهم لضباط المصuuلحة وأنهم مuuا أقuuدموا على هuuذا األمر إال بسبب تعنت إدارة السجن في التعامل معهم وأنهم ال يريدون شيئا سuuوى

11

Page 12: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الحuuد األدنى من الحقuuوق اإلنسuuانية فوعuuدوهم بتلبيuuة مطuuالبهم وأكuuدوا لهم ذلuuك فuأخرجوا لهم الضuابط ومن معuه ولكن بuدال من تنفيuذ وعuودهم بuدأوا في ضuرب القنابuuل مuuرة أخuuرى بغuuزارة ثم دخلت هuuذه القuuوات الضuuخمة إلى العنuuبر وقuuاموا بضuuرب كuuل من يقuuع تحت أيuuديهم من اإلخuuوة فسuuالت الuuدماء على األرض ثم أدخلوهم وهم بهذه الحالة إلى الزنازين وكتبوا ضدهم محضر تمuuرد وشuuغب وحكم

عليهم بعد ذلك في هذه القضية.

ظلت الزيارة ممنوعة خالل األشهر األولى بحجة أنها غير مسuuموح بهuuا إال بعuuد نزول الجلسة الثانية إلى النيابة والتي قد تستغرق ستة شuuهور على األقuuل فكuuانت قليلة في بادئ األمر نتيجة هذه الشروط وكuuانت تتم عuuبر سuuلكين نحن في جuuانب واألهل في الجانب اآلخر، وكان في البداية ال يستطيع أحد أن يتكلم مع أهلuuه حيث كان يقف بجوار كل واحد منا ضuuابط أو أمين شuuرطة وأحيانuuا اثuuنين وكuuان الuuوقت

قصير بما ال يكفى للحديث معهم.

ولكن برغم قلة األعداد المسموح لهuuا بالزيuuارة إال أنهم كuuانوا يقومuuون بتوزيuuع الطعام على العنبر كله فكانت كل زنزانة تأخذ قدر بسيط من الطعام إال أنuuه كuuان له طعم خاص في هذه الظروف، وأحيانا كانت تضuuيع أحالم بعض الزنuuازين عنuuدما تأتي قطة من القطط المنتشرة في السجن وتأخذ قطعة اللحم اليتيمة والتي ربما تكون لم تدخل هذا المكان منذ شهور ثم تهرب بها وتأكلهuا، وقuuد بuدأت تuدخل لنuuا بعض المالبس البيضاء وكنا في حاجuuة إليهuuا لعuuدم وجuuود مالبس معنuuا سuuوى هuuذه

البدلة منذ فترة طويلة.

كان النزول لجلسات النيابة فرصة لاللتقاء مع بعضنا ومuuع آخuuرين من سuuجون أخرى فكنا نعرف أخبار بعضنا البعض أو أحوال السجون األخuuرى وخاصuuة أنهuuا في تلك الفترة كانت أحوالهم أفضل نسبيا من أحوالنا مما يفسuuر التعامuuل معنuuا كنuuوع من التضييق واالضطهاد المتعمد، كما كنا نحاول أن نعuuرف أي أخبuuار خارجيuuة ألننuuا كنا منقطعين عن الحياة تماما، وكuuذلك كuuانت أيضuuا فرصuuة لكي نسuuلم على أهلنuuا

والذين كانوا ينتظروننا أمام مبنى النيابة.

وعندما نزلت أول مرة وكنت ال أعرف ما هو سبب وقوف هuuؤالء النuuاس أمuuام مبنى النيابة حتى سألت أحد اإلخوة بجواري ممن له خبرة في الموضوع فuuأخبرني إنهم يأتون في مواعيد الجلسات لكي يروا أبنائهم وذويهم أو أقuuارب لهم ويسuuلموا عليهم، فكان هؤالء األهالي يدخلون لنا الطعام من شرفة صغيرة في حجuuز النيابuuة برغم أنهم ال يعرفوننا وال نعرفهم وكuuانوا يعرضuون أنفسuهم أيضuا للمضuايقات من قبل الحرس الذين يقفون على الحجز من الخارج، وكuuانوا يعطوننuuا طعuuام أبنuuائهم إشفاقا علينا وقد علمت أن بعض األمهات كuانت تuأتي بصuفة دوريuة حuتى ولuو لم يكن ميعاد نزول أبنائهم لكي يعطين األطعمة والتي أحضروها معهم ألي أحد يرونه

12

Page 13: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

في الحجز من اإلخوة، كانت هذه التصرفات لها وقع جميuuل في نفوسuuنا ال ننسuuاهاحتى هذه اللحظات.

كuuذلك كuuان البعض منuuا يuuذهب إلى الطب الشuuرعي لعمuuل تقريuuر عن حuuاالت التعذيب بعد إلحاح شديد منuuا على النيابuuة وكuuانوا يتعمuuدون إطالuuة الفuuترة مuuا بين التعذيب الذين تعرضنا لuه أثنuuاء التحقيuuق معنuuا لعuuدة شuuهور – حuتى يضuيع أي أثuر للتعuuذيب – وبين نزولنuuا لعمuuل التقريuuر كمuuا أن هنuuاك أشuuياء كثuuيرة ال يثبتهuuا مثuuل الضغط النفسي والعصبي واعتماد أسلوب اإلرهuuاق الشuuديد وغuuيره من األسuuاليب فيخبروننا أنها ليست من اختصاص الطب الشرعي، كل ذلك حتى تسuuتطيع النيابuuة أن تبرأ نفسها من عدم تقصيرها في إثبات التعذيب عنuuد االدعuuاء بuuذلك، كمuuا أنهuuا

تستطيع أن تثبت في المحكمة عدم تعرضنا للتعذيب أثناء التحقيقات.

وعند نزولي إلى مبنى الطب الشرعي كuuان معي أحuuد اإلخuuوة فتعuuرفت عليuuه فعرفت أن اسمه سيد وفي الطريق توقفت بنا السيارة أمuuام سuuجن ليمuuان طuuرة ونزل الضابط لقضاء بعض األشياء في داخل السجن، وأثنuuاء ذلuuك كuuانت مجموعuuة من النساء بعضهن من كبار السن وأخريات منتقبات واقفات أمام السجن وعنuuدما رأيننا أقبلن علينا فسألتنا إحداهن من أين أنتم؟ فأخبرناها أننا من سجن أبي زعبل فقالت أنا والدة أحمد الحسيني وهذه والدة فالن وهذه كuuذا وهuuذه كuuذا ثم أخبرتنuuا

وأن تنفيذ الحكم سuuيتم2أنهم محكوم عليهم في قضية محاولة اغتيال وزير اإلعالم خالل مدة بسيطة فجئنا لكي نراهم قبuuل اإلعuuدام ونحن أملنuuا في اللuuه أن يتقبلهم في الشهداء وأن يشفعوا لنا يوم القيامة فنحن لم نعمل شيء يشفع لنا لعل ذلuuك يكون شفيع لنا وقالت كالم كثير أثر فينا حتى كدنا أن نبكي ولكننuuا تمالكنuuا أنفسuuنا حتى ال تضعف معنوياتهن ثم قالت أخرى نحن والحمد لله صuuابرين على أمuuر اللuuه ثم نصحننا بالثبuات على الuدين وأن نكuون نحن أيضuا حريصuين على الشuهادة وأن تكون هذه أمنية حياتنا حتى نوفق للموت على الشهادة ثم دعون لنuuا بالثبuuات على الدين فتعجبنا من حالهن فمن المفترض أن نقuوم نحن بتثuبيتهن في هuذا الموقuف ولكننا وجدنا عكس ذلك ثم قالت إحداهن هل تحتاجون إلى أي شuuيء نسuuتطيع أن نuuأتي بuuه إليكم فuuأنتم مثuuل أوالدي فتعجبنuuا أكuuثر فهن في حاجuuة إلى من يقuuف بجوارهن في مثل هuذه الظuروف ومuع ذلuك يسuألننا وكuأنهن شuغلن بنuا أكuثر من أبنuuائهن فشuuكرناهن ثم أنشuuدنا لهن نشuuيد يقuuول مطلعuuه: تuuدلت الحبuuال ليشuuنق الرجال، وكان مؤثرا فرأينا عند ذلك أن الدموع تنهمuuر من أعينهن وبعuuد أن انتهينuuا وجدنا باب السيارة يفتح ويuuدخل الحuuارس زجاجuuة ميuuاه غازيuuة وكuuان الجuuو شuuديد الحرارة وال ندري من أرسلها فنحن ال نعuuرف أحuuد في هuuذا المكuuان وبعuuدما أغلuuق

الجديدة بمصر المأمون الخليفة شارع في 1993 سنة الشريف صفوت: األسبق اإلعالم وزير تعرض حيث اإلعالم وزير اغتيال قضية 2 وابل بإطالق بخاري دراجة يستقالن الجماعة عناصر من عنصرين قام حيث اإلسالمية للجماعة تابعة مجموعة قبل من اغتيال لمحاولة

وتم المجموعة عناصر من عدد علي القبض تم قد انه غير الحادث مكان من يفر أن استطاع وقد الوزير موكب مرور أثناء الرصاص منوغيرهم. الشلقامي وحسن الحسيني احمد منهم باإلعدام منهم ستة علي وحكم العسكري القضاء إلي إحالتهم

13

Page 14: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الباب جاء إلينا أحد المارة من شباك السيارة وأخبرنا أنه الذي أرسلها وهل نحتuuاج إلى شيء فشكرناه على صنيعه ثم انصرف وأثنuuاء ذلuuك حضuuر الضuuابط وتحuuركت السيارة فأشارت إلينا والدة األخ أحمد ومن معها بالسالم بأيديهن من بعيد فسلمنا عليهن ثم بعدت بنا السيارة شيئا فشيئا حتى غادرنا المكان ورجعنا مرة أخرى إلى

سجن أبي زعبل.

فى احدى المرات وأثناء تفتيش المصلحة في السجن وجدوا حباال مفتولة من بعض البطاطين فظنuuوا أن هنuuاك محاولuuة هuuروب يعuuد لهuuا وخاصuuة وأنهم كuuانوا ال يطمأنون لنا بسبب ضخامة القضية فقاموا بإعuuادة التوزيuuع داخuuل السuuجن وأخuuذوا

أعداد كبيرة ووضعوهم في زنازين التأديب وهو مبنى منفصل عن العنابر.

كuuانت األوضuuاع في سuuجن أبي زعبuuل والمuuرج تسuuير مuuا بين شuuد وجuuذب ومناوشات من حين آلخر ولم تتحسن أحوال السجن حتى مغادرتنا إيuuاه إال تحسuuنا

طفيفا.

ولكن برغم أن هذه األيام كانت قاسية إال أننا قد ترحمنا عليها بعد ذلuuك عنuuدمارأينا ما تقشعر له األبدان بعد تطبيق السياسة الجديدة.

14

Page 15: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

محاكمات هزلية

بعuuد أن صuuدرت قuuرارات االتهuuام في القضuuية وقuuرب موعuuد نuuزول جلسuuات المحكمة قاموا بتجميعنا في سجن العقرب في منطقة طuuرة فكنuuا نغuuادر السuuجن في مجموعات بالتتابع كان سجن العقرب طراز فريد في بنائuuه يختلuuف تمامuuا عن

Hباقي السجون المصرية، فهو مكون من أربع عنuuابر كuuل عنuuبر على هيئuuة حuuرف لذلك كان يطلق على العنبر إتش وهو مقسم من الداخل إلى أربع أجزاء.

وقد علمنا بعدما ذهبنا أن الزيارة كان تتم عبر زجاج عازل كاتم للصuuوت بحيث يكون كل طرف في جانب وال يسuuمع أحuuدهم اآلخuuر وإذا أرادوا التحuuدث مuuع بعض فيكون عبر الديكتافون، كانت هذه الطريقة تسبب معاناة لكال الطرفين ألنuuه غالبuuا يكون أكثر من واحuuد يuuأتي في الزيuuارة فuuإذا تحuuدث أحuuد من أهلuuه يظuuل البuuاقون صامتين أو يتحدثوا باإلشارة فقط ألنه ال يستطيع أن يتحدث أكثر من واحد فيكuuون مشتت بين التحدث أو فهم اإلشارات فكان البعض يخرج عن شعوره ويصرخ لعuuل صوته يصل إلى الطرف اآلخر ولكن بال جدوى مما يسبب حالة من االنهيار والبكuuاء عند بعض األهل نتيجة الصراخ بال جدوى مما أثuuار ذلuuك الموقuuف مشuuاعر السuuخط والغضuuب عنuuد بعض المجموعuuات والuuتي سuuبقتنا إلى السuuجن فقuuاموا بخلuuع أحuuد

األبواب وتكسير ذلك الزجاج أثناء الزيارة حتى ينهوا تلك المأساة.

كانت األحوال في سجن العقرب أفضل حاال من سجن الليمان والمرج فحمدنا الله على ذلك فألول مرة نستطيع أن نتقابuuل مuuع بعض في مكuuان واحuuد ودون أي قيود فكنا نتعرف على بعض كما تعرفنا على آخرين كانوا معنuuا جuuاءوا من سuuجون أخرى، كذلك سنحت لنا الفرصuuة أن نتحuuرك بحريuuة في الشuuمس فكنuuا نخuuرج في الصباح لكي نتمشى في الهواء والشمس فمنذ عuuدة شuuهور لم نفعuuل ذلuuك إال في أوقات محددة، وكان يقوم بعضنا بتأدية بعض التمارين الرياضية وكuuان هنuuاك أيضuuا حمامات لالستحمام بخالف ما كنا فيه قبل ذلك. وعند الطعام كنا نجتمع جميعا في مكان واحد ونجلس في مجموعات صغيرة ننتظuر قuuدوم الطعuام حيث كuان هنuاك عدد من اإلخوة تقوم بإعداده فكنا نتسامر مع بعضنا أثناء االنتظار ونتذكر األحuuوال

التي كنا فيها في األيام السابقة.

سنحت لنا هذه الظروف فرصuuة لالسuuتفادة من اسuuتغالل الuuوقت فكuuان هنuuاك حلقات لتحفيظ القرآن وأخuرى في دروس لمجuuامالت مختلفuة حسuب اإلمكانيuuات المتاحة فكان هناك دروس في العقيدة والفقه وأيضا في السياسuuة والتuuاريخ حيث كان يوجد معنا دكتور في العلوم السياسية وكذلك االستماع إلى التجارب السuuابقة

15

Page 16: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

مuuازالوا يقضuuون األحكuuام1981وخاصة أنه كان معنا بعض اإلخوة من قضية سنة وغير ذلك.

وبرغم أنها كانت فترة قصيرة ال تتجاوز شهرين أو ثالثة فقط إال أنها تركت في نفوسنا جميعا ذكريات جميلة ال نستطيع أن ننساها فهذه هي المرة الوحيuuدة الuuتي نجتمع فيها في مكان واحد وبهذه الظuuروف واألوضuuاع فلم نجتمuuع بعuuد ذلuuك بهuuذه الطريقة مرة أخرى ثم أيضا ساءت الظروف فكنا عنuuدما نقابuuل أحuuدنا اآلخuuر بعuuد

ذلك في سجن آخر يذكره بهذه األيام.

كانت هذه هي المرة األولى التي تتيح لنا فرصة االلتقاء مع أهلنا دون أي قيuuود أو أسالك أو زجاج عازل فكuuانت فرصuuة لمعرفuuة أخبuuارهم وكuuذلك نطمئنهم علينuuا

وعن أحوالنا في السجن.

ربما كانت هذه الفترة القصuيرة الuتي قضuيناها في العقuرب الuذي تمكن فيهuا بعضنا من السالم على أهله وأطفاله ثم لم يكن بعد ذلك غال عبر أسuuالك لسuuنوات طويلة يتخللها انقطاع عنهم عندما ال يسمح لنا بالزيارة، أما عند البعض اآلخر فقuuد انقطع عنهم تماما حيث ظلت الزيارة غير مسموح بها لعدة سنوات قuuد تصuuل إلى عشر سنوات ال يعرف أحدهم عن اآلخر أي أخبار وال يدري ماذا قد حدث لهم وهم

ال يدرون ماذا حدث لآلخرين داخل السجن طوال هذه السنوات.

كان قد صدر قرار بتحويل القضية إلى القضاء العسكري حتى يتم تفريغ صورة المحاكمات من مضمونها وتكون محاكمuuة صuuورية يظهuuر بهuuا النظuuام أمuuام الuuرأي

العام العالمي والداخلي أنه يطبق القانون.

القاضي العسuuكري مuuا هuuو إال موظuuف لuuدى الدولuuة يتقاضuuى رابتuuه من وزارة الدفاع التابعة للسلطة التنفيذية وبذلك تكتمل األدوار فتكون جهة القبض والتحقيق هي نفسuuها جهuuة المحاكمuuة أي أن الخصuuم والجالد والحكم جهuuة واحuuدة كمuuا أن القاضي رجuuل عسuuكري خبرتuuه تكuuاد تكuuون منعدمuuة في المuuواد القانونيuuة فيكuuون الدفاع والقضاة كل منهم في واد فكانت المرافعuuات أشuuبه بحuuوار الطرشuuان ممuuا جعل كثير من المحامين يحجمون عن الدفاع في مثل هذه المحuuاكم والبعض كuuان ينسحب عندما يجuuد أن المرافعuuات ال جuuدوى منهuuا، ولuuذلك كuuانت معظم األحكuuام سياسية ومسبقة وهذا ما أكده أحد المحامين الذين كانوا يتولون الدفاع في إحدى القضايا وكان له عالقة بالقاضي فأخبر بعض األفراد الذين كانوا يحاكمون في تلuuك القضuية أ،ه جلس مuع القاضuي فعuuرف من خالل الكالم أن األحكuuام جuاهزة معuuه، وهذا األمر حتى ولو لم يصرح به أحuuد فuuإن القاصuuي والuuداني يعلم ذلuuك لuuذا القت هذه المحاكمات اعتراضات كثيرة من قبل النخبة الفكرية والقانونية حتى إن بعض

16

Page 17: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

رجال القانون قد قاطعوها تماما لعدم فاعليتها القانونية مثuuل األسuuتاذ عبuuد الحليممندور والذي سجل اعتراضاته على صفحات جرائد المعارضة.

لقuuد كuuان الهuuدف من تلuuك المحاكمuuات العسuuكرية أيضuuا هuuو إقحuuام القuuوات المسuuلحة في الصuuراع مuuع اإلسuuالميين وعuuدم تuuرك رجuuال الداخليuuة وحuuدهم في مواجهة الصراع. وكذلك أيضا ضمان عدم التعاطف مع القضايا اإلسuuالمية وإحuuداث فجuuوة تتسuuع مuuع الuuوقت عن طريuuق ردود األفعuuال االنتقاميuuة المتوقعuuة من قبuuل اإلسالميين وهذا هو ما حدث في محاولة اغتيال عدد من القضاة العسكريين وعلى رأسهم وجدي الليثي والمدعي العسكري وغيرهم وبذلك يuuدخل الجيش في دائuuرة الصراع حيث يكون بعض رجالuuه من ضuuباط وقضuuاة مسuuتهدفين وأيضuuا من ضuuمن األهداف تشتيت جهuuود اإلسuuالميين وإقحuuام عنصuuر في الصuuراع كuuانوا يuuأملون في

تحييده إذا فشلوا في كسب تعاطفه معهم.

صدرت أربع قرارات اتهuuام في القضuuية ثالثuuة سuuيحاكمون في القuuاهرة، األول والثاني في الهايكستب والقرار الرابع في الجبل األحمر أما القرار الثالث سيحاكم في اإلسكندرية لذلك تم ترحيل جميع أفراد القuuرار الثuuالث إلى اإلسuuكندرية وكuuان 3على رأسuuهم يحuuيى شuuحرور وسuuيحاكم معهم أيضuuا قضuuية تنظيم التسuuعة عشuuر

والمتهم في محاولة اغتيال رئيس الجمهورية فتم ترحيلهم معهم.

كان الجميع يتوقع أحكام قاسية وشديدة وأنها جuuاهزة للحظuuة النطuuق بهuuا وأن هذه المحاكمات ال تهدف إال لالستهالك اإلعالمي فقط، لuuذلك أرادوا اسuuتغالل هuuذا التكثيف اإلعالمي عند نزولهم جلسات المحكمة كل قuuرار على حuدة فكuان البعض يتحدث أمام القاضuي وفي حضuور وسuائل اإلعالم واألهuالي الuذين جuاءوا ليتuابعوا وقائع المحاكمة ليشرح القضية األساسية والتي يحuuاكمون بسuuببها وهي مطuuالبتهم

بتحكيم الشريعة اإلسالمية.

ولقد عضد أحد المحامين موقفهم في شرح هذه القضuuية فuuألقى مرافعتuuه في البداية عن وجuuوب تحكيم الشuuريعة اإلسuuالمية وأن هuuؤالء مطuuالبتهم متوافقuuة مuuع أحكام الشرع وأن النظام هو الذي خرج على أحكام الشuuريعة وأن الدسuuتور يقuuرر أن اإلسالم هو الدين الرسمي للدولة، وقد طالب محامي آخر في القرار األول من وجدي الليثي القاضي العسكري بإحضار أحد من علماء األزهر لمناقشة هuuؤالء في

معتقداتهم ألن خالفهم مع النظام هو خالف فكري باألساس ولكنه رفض ذلك.

كما أنه من حين آلخر وخاصة في وقت االستراحة أو قبل دخول القضاة يقuuوم أحد اإلخوة بإلقاء خطبة يشرح فيها ضرورة تمسك النuuاس بuuدينهم وأن البالء سuuنة

محاولة بتهمة 1993 سنة العسكري القضاء إلي الجماعة عناصر من فرد 19 إحالة تم حيث اإلسالمية للجماعة التابعة القضايا احدي هي3 بالسجن أحكاما اآلخرين علي حكم كما طه وهشام حمودة محمد وهما باإلعدام منهم اثنين علي الحكم وتم الجمهورية رئيس اغتيال. متفاوتة لمدد

17

Page 18: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

األنبياء وأن الصراع قائم إلى يوم القيامة بين أهل الحق وأهل الباطل، كذلك يقوم أحدهم أيضا بإلقاء بعض األناشيد الحماسية فكان خويلد ومحمuuد فتحي في القuuرار األول يقومuuون بuuذلك وكuuذلك محمuuد نuuور في القuuرار الرابuuع حيث ألقى في أحuuد

المرات من داخل القفص أحد األناشيد الحماسية والذي يقوله مطلعه:

صامدين على درب الكفاح *** صامدين وبنمشي على الجراح

وكان الجميع من داخل القفص يرددون معه في حماس شديد مما جعuuل بعض الحاضرين يبكون تأثرا من هذا المشuuهد وكuuان هuuذا الموقuuف يتكuuرر مuuع القuuرارات

األخرى.

كما كانوا يرتدون في المحكمة بعض الفانالت مكتوب عليها شuuعارات إسuuالمية تلخص أهدافهم ومطالبهم مثل اإلسالم قuuادم وغيرهuuا وكuuذلك كuuانوا يهتفuuون أثنuuاء الuذهاب والعuuودة إلى المحكمuة من داخuل سuuيارات الترحيلuuة والuتي كuuانت تسuير كموكب تحيطه حراسة مشددة وأحيانا أخuuرى يخرجuuون الفuuانالت المكتuuوب عليهuuا الشعارات من شباك السيارة أثناء الطريق فكان الناس يلوحون لهم بأيديهم تعبيرا عن تضuuامنهم معهم حuuتى إن بعض النسuuاء كuuانت تبكي عنuuدما تسuuمع هتافuuاتهم والسuuيارة تسuuير، كuuذلك كuuانوا يسuuتغلون رغبuuة وسuuائل اإلعالم في التحuuدث معهم فيشرحوا لهم أهدافهم فعندما سألت إحuuدى المراسuuالت أحuuد اإلخuuوة بعuuد النطuuق بالحكم عن رأيه في األحكام – وكان هذا األخ قد حكم له بالبراءة – فقال لهuuا نحن ال نرضى عن هذه األحكام مهما كانت حتى لو كانت أقل بكثير ألنهuuا تخuuالف شuuرع الله ونحن ال نرضى إال بأحكام الشريعة وعندما سuuألت آخuuر حكم عليuuه أخبرهuuا أن السجن ما هو إال مرحلة وأننا سنواصل المسير وسنواجه الذين يقفuون في طريuق تطبيق أحكام الشريعة وغير ذلuuك من اللقuuاءات الصuuحفية والuuتي تكuuون غالبuuا في وقت االستراحة، وكان بعض اإلخوة وخاصة المتوقuuع لهم الحكم باإلعuuدام يرتuuدون البدلة الحمراء أثناء المحاكمة من عنuuدهم لكي يوصuuلوا رسuuالة للقاضuuي وللنظuuام أنهم ال يهابون المuuوت وأن حيuuاتهم رخيصuuة في سuuبيل دينهم وفي إحuuدى المuuرات طلب عبد الحميد حسب الله الكالم فسمح له القاضي فتقدم إلى األمام وأخذ في شرح قضية الصراع مع النظام وعدم شرعية النظام لخروجه عن أحكام الشuuريعة ومحاربته لإلسالم وخيانته لألمة فأراد القاضي أن يضع الجميuuع أمuuام األمuuر الواقuuع فقال: من يوافق على هذا الكالم فرد عليه أحد الجالسين داخل القفص بسرعة أنا وكان ال يراه بسبب الزحام، فقuuال لuuه القاضuuي من أنت فقuuال: أنuuا محمuuد حسuuام الشريف فقال له تقدم حتى أراك وأكلمك فرد عليه حسام وقال ليس بيني وبينuuك كالم سوى بالرصاص فأخذته المفاجأة فرجuع في جلسuته إلى الuوراء، وكuuان بعض المتوقع لهم الحكم باإلعدام يضع قدمه في اتجuuاه هيئuuة القضuuاة اسuuتهانة بهم ألنuuه يعتبرها هيئة غير شرعية فكان القاضuuي يuuنزعج بشuuدة ألنuuه يشuuعر بالمهانuuة فكuuان

18

Page 19: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

يأمره بأن يضع قدمه على األرض أو الخروج من قاعة المحكمuuة ولقuuد كuuانت هuuذه الحدة فى التصرفات ما هى إال ردود أفعال ضد رموز نظام اعتمuuد على سياسuuات

التنكيل و التشريد بمعارضيه .

قبل النطق بالحكم كان بعض اإلخuuوة المتوقuuع لهم اإلعuuدام يuuذهبون من عنuuبر آلخuuر في السuuجن ليسuuلموا على بuuاقي اإلخuuوة والuuذين قضuuوا معهم هuuذه األشuuهر القليلuuة السuuابقة فكuuانوا يودعuuونهم الuuوداع األخuuير وفي كuuل مكuuان يuuذهبون إليuuه يحتفلون بهم ويودعوهم، فعندما ذهب خويلد ومحمuuد فتحي ومحمuuد عبuuد اللuuه إلى

، وبعد أن جلسوا معهم واحتفلوا بهم جاء الضابط آخuuر النهuuار ليأخuuذهم إلى3عنبر عنuuبرهم حيث يتوجهuuون في الصuuباح إلى المحكمuuة، فتجمعت أعuuداد كبuuيرة في الطرقة المؤدية إلى باب العنبر ليسلموا عليهم فوقف فتحي إمام وأنشuuد في هuuذا

الحشد:

ال تقولوا لقد فقدنا الشهيد *** مذ طواه الثرى وحيدا فريدا

إذا ما مت فالمالئكة حولي *** عند ربي بعثت خلقا جديدا

وكان الجميع يردد خلفه وهم متأثرون بالموقف وفتحي يواصل حتى وصل إلىنهايته:

فاذكروني إخوتي في الصالة *** فاذكروني إخوتي في الصالة

قالها وتأثير هذه الكلمات واضحة عليه وهو يكررها وكأنه يريuuد أن يقuuول لهuuذه الجمuuوع الuuتي سuuيفارقها ال تنسuuوا إخuuوانكم الuuذين كuuانوا معكم في يuuوم مuuا أن تذكروهم بالدعاء في صالتكم. ثم أنشد محمد عبد الله أيضا كل ذلك وأعداد كبuuيرة تلتف حولهم ويحتضuuنونهم ويسuuلمون عليهم والضuuابط يسuuتعجلهم للخuuروج وكلمuuا تذكر كل واحد أن هذا هو الوداع األخير يرجع مرة أخرى فيضم كل واحد منهم إلى

صدره مرة أخرى وعندما اقتربوا من الباب أنشد خويلد بصوته الندي:

وداعا وداعا أيا إخوتي *** غدا سوف نأتي غدا نلتقي

غدا سوف نرجع أيامنا *** نجدد فيها عرى الموثقي

في تلك اللحظات األخيرة كان شريط الذكريات يمر أمام هؤالء الواقفين خالل هuuذه األشuuهر السuuابقة كuuان لكلمنهم مواقuuف وذكريuuات فهuuذا معuuروف بمواقفuuه الطريفة ودعابته وهذا بهدوئه وهذا بحيائه وهذا بكذا وهذا بكذا وهذا كان يقول كuuذا وهذا كان يفعل كذا، كانت ذكريات جميلة وأيام مرت قضاها كل طرف مuuع اآلخuuر، فعندما كuuان يتuuذكر كuuل واحuuد هuuذه الuuذكريات في تلuuك اللحظuuة وهuuو ينظuuر إليهم ليودعهم الوداع األخير كان ينزف من داخله، فبينمuuا كuuل تلuuك الuuذكريات تمuuر كuuان

19

Page 20: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

خويلد مازال ينشد وهuuو يسuuير بظهuuره إلى الخلuuف في اتجuuاه البuuاب ومعuuه فتحي ومحمد والبuاقي يتقuدمون إليهم ويلتفuون حuولهم ويضuمهم كuل واحuد إلى صuدره وكأنهم يعز عليهم لحظuuة الفuراق ويريuدون أال يفuارقوهم إلى أن خuرج خويلuuد من البuuاب – وهuuو مuuازال ينشuuد فأمسuuك بالقضuuبان وأكمuuل نشuuيده إلى أن وصuuل إلى

نهايته.

أيا عنبرا كان فيك اللقاء *** وفيك المحبة فيك اإلخاء

وفيك تجمع شمل الشباب ** فصرت بحق لهم ملتقى

ثم رفع يده ليلوح لهم بالسالم من خلف القضبان وكذلك فتحي ومحمuuد فأخuuذ الثالثة يلوحون بأيديهم وينظuuرون إليهم هuuذه النظuuرة األخuuيرة وعنuuد هuuذه اللحظuuة انخرط الجميع في البكاء الشديد حتى الضuuابط لم يتمالuuك نفسuuه فبكى من شuuدة الموقف ثم استداروا واتجهوا إلى عنuبرهم وفي الصuباح تكuرر نفس المشuهد وهم يخرجون ليركبوا سيارات الترحيلuuة فكuuان الحuuزن يخيم على المكuuان وكuuان خويلuuد يخفف األمuر بدعابتuuه المعهuودة وأنشuد لهم نفس النشuيد ومuدحت يمسuك بأخيuuه محمد وانهار في بكاء شديد وخويلد ينشد لهم وداعا وداعا أيا إخوتي وبعض اإلخوة يصرخ فيه والدموع تنهمر من عينيه ال تقuuل ذلuuك إنكم سuuترجعون مuuرة أخuuرى لن تعدموا وخويلد يلوح بيده وداعا وداعا أيuا إخuوتي حuتى ركبuuوا إلى السuيارة وجلس الجميع في السجن ينتظر األحكام من خالل نشرات األخبار في الراديو، أما سيارة الترحيلة فقد شقت طريقها في شوارع القاهرة إلى مقر المحكمة في الهايكستب وسuuط حراسuuة مشuuددة وقuuد ارتuدى خويلuuد وفتحي وعبuuد الحميuuد فuuانالت حمuuراء مكتوب عليها مرحبا بالشهادة وقد حضuuر عuuدد كبuuير من األهuuالي ليعرفuuوا األحكuuام وعند بداية الجلسة الحظ والد محمد عبد الله عدم وجuuود ابنuuه مuuع البuuاقين فuuأخبر القاضي وسأله عنه في هذه اللحظة كان محمد قuuادم من الخuuارج فهتuuف فسuuمعه باقي اإلخوة في القفص فهتفوا أيضا فارتجت المحكمة من شدة الهتافuuات ثم بuuدأ القاضي بتالوة األحكام فبدأ بالبراءة وكان عددهم قليل فعلم جميuuع الحاضuuرين أن األحكام شuuديدة ثم باألحكuuام ثالثuuة سuuنوات وخمسuuة وعuuددهم قليuuل أيضuuا ثم بuuدأ بالعشر سuuنوات فصuuرخت إحuuدى النسuuاء فuuانفجرت القاعuuة بالصuuراخ والبكuuاء من األهالي وعند ذلك خرج القضاة بسرعة من القاعة خشuuية من ثuuورة النuuاس عليهم أما في داخل القفص فكان المشهد مختلف، فعندما علم المحكوم عليهم باإلعuuدام سجدوا لله شكرا ألن نفوسهم كانت تتوق إلى الشهادة وكuuانوا يحزنuuون إذا حuuاول البعض التهوين عليهم والتخفيف عنهم بأن يخبرهم بأن األحكام قد تكuuون بالسuuجن فقط وليس إعدام كمuuا يتوقuuون هم فكuuانوا يقuuدرون هuuذه المشuuاعر ولكنهم كuuانوا يتمنون غير ذلك، وبعد الحكم كانوا يبتسمون حتى إن رأفت عثمان و كان قد حكم

20

Page 21: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

عليه باإلعدام أخuرج من جيبuuه حلuuوى صuغيرة كuuانت معuuه وأعطuuاه ألخ كuuان يقuفبجواره من شدة فرحته.

أما األهالي فقد انفجر بعضهم في الصuuراخ والبكuuاء واتجهuuوا إليهم في القفص وكuuانت االنفعuuاالت ظuuاهرة عليهم في ردود أفعuuالهم فأخuuذ بعضuuهم يضuuرب على السلك ويصرخ هذا ظلم والبعض اآلخر لم يجد غير البكاء حتى إن إحuuدى األمهuuات وقفت تبكي بالرغم من أن ابنها حكم له بالبراءة ولكنها كانت تبكي تأثرا بuuالموقف حيث حكم على ثمانية مرة واحدة باإلعدام هذا غuuير بuuاقي األحكuuام الشuuديدة، أمuuا أهل محمد عبد الله فلم تتمالك أمه وزوجته نفسيهما فأخرجهما والuuده من القاعuuة ثم ذهب إلى ابنuuه محمuuد وهuuو يحuuاول أن يتمالuuك نفسuuه في هuuذا الموقuuف ليثبتuuه ويبارك له على الشهادة وهو يقول له بانفعال شديد مبروك الشهادة يا محمuuد فلم يتمالك نفسه فانهمرت الدموع من عينيه وهو يكررهuuا مuuبروك الشuuهادة يuuا محمuuد

ولم يستطيع أن يخفي حزنه.

ثم بدأ اإلخوة األحكام يسلمون على المحكوم عليهم باإلعدام ويودعونهم حuuتىجاءت سيارات الترحيلة فأخذت كل فريق إلى سجنه.

كان الباقي في السجن خالل هuذه الفuترة يتuابعون النشuرات والوجuوم ظuاهر عليهم حتى عرفوا باألحكام فاسuuترجعوا اللuuه فيهم وحزنuuوا عليهم ودعuuوا لهم بuuأن يتقبلهم الله في الشهداء، كان القرار الرابع في نفس اليوم أما القرار الثاني فكان

في اليوم التالي.

كuuانت األحكuuام في تلuuك الفuuترة شuuديدة وكuuثر الحكم باإلعuuدام في القضuuايا المختلفة فكنا نودع البعض أثناء خروجه إلى النطuق بuالحكم ونتوقuع أنuه لن يرجuع

مرة أخرى.

أما القرار الثالث فكان يحاكم في اإلسuuكندرية مuuع تنظيم التسuuعة عشuuر وفي يوم النطق بالحكم وكان بعد عدة أيام من القرار األول فتوقعوا أحكام شديدة وقد منعوا دخول األهالي في هذا اليوم إلى قاعة المحكمة وقد حكم القاضي أحمد عبد الله على محمد حمودة وهشام طuuه – من تنظيم التسuuعة عشuuر – باإلعuuدام وعلى بقية القضية بأحكام مختلفة ثم خرجوا ودخل بعدها أعضاء القرار الثuuالث وبuuدأ في تالوة األحكام إلى أن وصل إلى يحيى شحرور فنطق بuuالحكم باإلعuuدام وعنuuد ذلuuك ثار جميع الموجودين في داخل القفص وحاولوا الخروج منه لكي يلحقuuوا بالقاضuuي لإلمساك به والذي خرج مسرعا من القاعة وقد حاولوا عدة مرات فكانوا يضربون القفص بأرجلهم وأيديهم ليخرجوا وقد توتر الموقف وسحب الحuuراس األجuuزاء من سالحهم اآللي استعدادا للضرب بالرصاص إذا لuuزم األمuuر، ولكنهم لم يبuuالوا بuuذلك واستمروا في محاوالتهم فقام الحراس بتوصيل تيار كهربائي إلى القفص الحديدي

21

Page 22: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ورغم ذلك استمر الضرب على السلك باألرجل وتعالت الهتافات فكuuانت الكهربuuاء تدفع من يحاول دفع السلك بقدمه إلى الحائط بشدة واستمر الوضع إلى أن دخuuل القفص عدد من القوات لتهدئة الوضع فتوقفوا ثم وقف يحيى شحرور وألقى كلمة أمام المراسلين والصحفيين حث فيها على الثبuuات على الuuدين ومواصuuلة الطريuuق وأن الدين ال يتوقف على أفراد وكان يحيى معروف ببالغته في الخطابuuة وحماسuuه الشديد ثم بدأ الجميع ينشدون له: في جنة الله نحيuuا ... في ألuuف دنيuuا ودنيuuا، وهم يسلمون عليه ويحتضنونه ثم خرجوا في حراسة مشددة إلى خارج المحكمة وكuuان أعداد كبيرة من األهالي كuuانوا في انتظuuار معرفuuة األحكuuام ولكن سuuيارة الترحيلuuة انطلقت بهم بسرعة فكان الناس يجرون وراءها وكانت بعض النسuاء تسuقط على األرض ثم تقوم وتحاول أن تلحق بالسuuيارة لمعرفuuة حكم أبنuuائهم وأقuuاربهم وكuuان

اإلخوة في السيارة يقولون األحكام بأعلى صوتهم حتى يسمع أهلهم األحكام.

بعuuد النطuuق بuuالحكم في القضuuية وإسuuدال السuuتار عليهuuا، منعت الزيuuارة في السجن على المحكوم عليهم في القضية فقuuط دون البuuاقي ثم بعuuد فuuترة وجuuيزة منعت على كل أفراد القضية سواء محكوم أو بuuراءة أو مuuازال في القسuuم الثuuاني ينزل جلسات النيابة ثم بعدها منعت على السجن كله في القضuuايا المختلفuuة لتبuuدأ مرحلة جديدة بسياسة مختلفة في التعامل مuuع ملuuف اإلسuuالميين الموجuuودين في

السجون.

وقد انتهت هذه المرحلة والتي استغرقت قرابuة عuuام لتبuدأ فصuول أخuرى منهذه المحنة.

22

Page 23: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

"المرحلة الثانية "أيام المحنة سياسات جديدة

بدأت سياسة جديدة في التعامل مع السياسيين اإلسالميين في السuuجن تقuuومعلى عدة محاورة:

أوال: التعذيب الممنهج والذي يتم بطريقة منظمة وبأساليب مختلفة تعتمد على التضييق في وسائل المعيشة مع اإلهانات المتكررة والمتعمدة بهدف إحداث أكuuبر أثر من القهر واإلذالل والذي يuuؤدي إلى انكسuuار النفس وحuuدوث صuuدمات نفسuuية شuuديدة لتuuترك آثuuار سuuيئة طويلuuة األمuuد، فبuuالرغم من األسuuاليب الوحشuuية الuuتي مورست ضد اإلسالميين في أثناء الحقبة الناصرية وخاصة في السuuجن الحuuربي إال أنها كانت ال تتعدى فترة التحقيقات فقط والتي قد تمتد لعدة شهور تصل إلى سنة أحيانا أو أكثر قليال، وهذا ما يشبه ما نتعرض لuuه أثنuuاء التحقيuuق في المقuuار األمنيuuة المختلفة، ثم كuuانت معuuاملتهم في السuuجن بعuuد ذلuuك معاملuuة طبيعيuuة تهuuدف إلى إبعادهم عن المجتمع فقط أما في الفترة األخيرة وتحت مظلة هذه السياسة كuuان التعuuذيب مسuuتمر لعuuدة سuuنوات متصuuلة ال من أجuuل انuuتزاع معلومuuات أو معرفuuة اعترافات جديدة حيث من الممكن منطقيا أن يكون هناك مسuuوغ للتعuuذيب، ولكن من أجل إحداث أكبر أثر من اإلذالل النفسي بهدف تدمير الشuuخص داخليuuا تمامuuا.

فال يستطيع أن يتعامل مع المجتمع فضال أن يؤثر فيه.

ثانيا: التلويح دائما بورقuuة المعتقلين واعتبuuارهم رهuuائن حيث كuuان يتم االنتقuuام منهم في الداخل عند حدوث أي عملية لها مuuردود خuuارجي وكuuانت هuuذه السياسuuة

تهدف إلى تحقيق هدف مزدوج:

إحداث فجوة بين المعتقلين والطرف الخارجي بتحميلهم مسuuئولية مuuا يحuuدثداخل السجن.

والهدف اآلخر هو الضغط على الطuuرف الخuuارجي بهuuدف وقuuف الصuuراع وفي حالة االستمرار يتم تشتيت الجهuuود وحuuدوث ردود أفعuuال انتقاميuuة ممuuا يuuؤدي إلى

زيادة األعباء.

ثالثا: إطالة فترة االعتقاالت لعدة سنوات لكي تنتج آثارها سواء على المستوى الشخصي أو العائلي، ففي األول ونتيجة الظروف المعيشuية الصuعبة وعuuدم وجuود الرعاية المطلوبة مما يؤدي إلى اإلصابة باألمراض المزمنة والخطيرة والuuتي تالزم

الشخص ما تبقى من عمره يعاني منها.

23

Page 24: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أما في المجال العلمي و العملي فيتم تأخره عن أقرانه في الخارج سuuواء في المسuuتوى الدراسuuي حيث يتوقuuف عن الدراسuuة خالل هuuذه الفuuترة، أو المسuuتوى

الوظيفية حيث يتم فصله أو عدم ترقيته أو وقفه عن العمل.

أما على المستوى العائلي حيث يؤدي غياب األب إلى حرمuuان أطفالuuه وأبنائuuه من التوجيه الصحيح والتربية السليمة مما يجعلهم عرضة لالنحراف في ظل غيuuاب الرقابة عليهم مع توافر وسائل االنحراف في المجتمع، كما أن غياب العائل الوحيد لألسرة والذي يسعى إلى تلبية احتياجاتهم والقائم على رعايuuة شuuئونها ممuuا يuuؤدي إلى المعاناة في توفير االحتياجات المعيشية والتعرض لألزمات الماليuuة والuuتي قuuد تعصف بكيان األسuuرة بأكملuuه وهuuذا هuuو مuuا تهuuدف إليuuه هuuذه السياسuuة حيث يقuuع الشخص تحت تأثير الضغوط األسرية في الخارج والضغوط النفسية والتعذيبية في

الداخل.

هuuذه هي بعض محuuاور السياسuuة الجديuuدة في التعامuuل فكuuل أسuuلوب يحقuuق الهدف العام وهو إلحاق أكبر قدر من اإليذاء في الشخص ذاته أو في أسuuرته ممuuا

يجعله عبرة في المجتمع لمن تسول له نفسه أن يسلك هذا الطريق.

كانت الوزارة تمهد لسياستها الجديدة عن طريق إعطاء إشارة لبعض الصحف والمجالت للقيام بحملة إعالمية تظهر فيهuا أوضuاع السuجون وكأنهuا فنuuادق خمس نجوم وال تصلح أن تكون وسيلة عقابيuuة فيكuuون حينئuuذ رد فعuuل الuuوزارة في إطuuار

استجابتها للرأي العام، وكانت تتزعم ذلك مجلة أخبار الحوادث وروزاليوسف.

المرحلة الجديدة

بuuدأت المرحلuuة الجديuuدة لتنفيuuذ سياسuuة التعuuذيب المنظم بسياسuuة اإلحالل واإلبدال بين السجون فتم ترحيل أعداد كبيرة بالتبادل بين سجن العقuuرب وسuuجن

االستقبال وأبو زعبل في وقت واحد.

وبالرغم من أن السياسة العامة في السجون هuuو التعuuذيب إال أن لكuuل سuuجن سuuمة يتمuuيز بهuuا عن غuuيره وأسuuلوب معين يمارسuuه بحيث يكuuون هنuuاك أكuuثر من

أسلوب مختلف يمارس في وقت واحد لمعرفة أنجح األساليب تأثيرا.

مuع1994ذهبنا إلى سجن اسuتقبال طuرة في شuهر رمضuان في بدايuة سuنة مجموعة من اإلخوة إلعادة اعتقالنا مرة أخرى وكانت هذه هي المuuرة األولى الuuتي أرى فيها هذا السجن في الداخل وهي نفس الصورة التي اعتدنا على رؤيتهuuا قبuuل

ذلك فهو مكون من أربع طوابق وهناك حوش في وسط العنبر للتمشية فيه.

كuuانت األوضuuاع هادئuuة وطبيعيuuة في ذلuuك الuuوقت واسuuتقر بنuuا األمuuر في أحuuد الزنازين لمدة يومين أو ثالثة ثم بدأت التغريبات من سجن آلخر، فأخذوا مجموعuuة

24

Page 25: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كبيرة من السجن وفيها معظم من جاءوا معي من أبناء محافظتي وذهبوا بهم إلى سجن أبي زعبل الصناعي وبعدها بيوم أخذوا مجموعة أخuuرى إلى سuuجن العقuuرب

فرد فكنت منهم، وعندما ذهبنا إلى هناك كuuانت الuترحيالت تخuuرج83كانت حوإلي منه إلى سجون أخرى.

عندما ذهبنا إلى سجن العقرب هذه المرة كانت األوضاع مختلفة فلم تكن تلك التي عهدناها من قبل في األيام السابقة، فلقد تغيرت األحuuوال تمامuuا فتم تسuuكين كل واحد منا في زنزانة صغيرة بمفرده ال نخرج للتهوية أبدا حتى إن الشuuمس كنuuا ال نراها وال تدخل الزنزانة على اإلطالق ولقد كانت شبه مظلمة دائما فعندما تكون الشمس ساطعة في كبد السماء في النهار يكون الضوء في الزنزانة أشuuبه بوضuuع الغروب أما في الليل فهو ظالم دامس، حuuتى أننuuا في بعض األحيuuان نكuuاد ال نuuرى أيدينا من شدة الظالم ألن نافذة الزنزانة تشرف على طرقة خلفية ونافuuذة البuuاب على طرقة أخرى فهي محاطuuة بجuuدران من كuuل جuuانب، أمuuا الطعuuام فكuuان قليال للغاية فلكل واحد مقدار فنجان صغير من األرز في الغuuذاء مuuع عuuدد من المالعuuق طبيخ إن وجد أما اإلفطار أحيانا قطعة صغيرة في حجم الليمونة من الجبن وأحيانا أيضا ملعقة مربى رديئة مع عدد من حبات الفuuول حuuتى إننuuا كنuuا نسuuتطيع أن نعuuد حبات الفول من قلته، فمن طريف المواقف أن أحد اإلخوة اشتكى للحارس الذي يقوم بتوزيع التعيين من كمية التوزيuuع القليلuuة ألنuuه أخuuذ تسuuعة حبuuات فuuول فقuuط فسمعه آخر فقال له مازحuuا وكأنuuه يحسuuده أنت أفضuuل حuuاال ألنuuني أخuuذت سuuبعة فقط، ثم ضحك فضحك األخ األول وسكت وحمد الله على الحبتين الزيادة وخشuي

إن تكلم مرة أخرى أن يأخذوا منه الزيادة أو يقتسم معه أحد حباته.

كانت الزيارة بالطبع غير مسموح بها منذ عدة شهور فظلت كما هي.

استقرت األوضاع في السجن على هذه الحالة بعد مغادرة أعuuداد من السuuجن وقدوم أخرى ثم بدأت إدارة السuuجن بuuإجراء تفuuتيش كuuل زنزانuuة وأخuuذ أي شuuيء زيادة عن بطانية أو اثنتين وبعض األطباق البالستيك الستالم التعيين فيها كمuuا أنهم منعوا دخول أي شيء مع القادمين إلى السجن من األماكن األخرى وبدأت سياسة

التضييق علينا.

رتبنا عمل إضراب عام لتحسين األوضاع وبدأت مجموعuuات بالتتuuابع كuuل فuuترة وجيزة تعلن مجموعة اإلضuuراب، ثم مجموعuuة أخuuرى، وهكuuذا ولكن إدارة السuuجن تعاملت مع اإلضراب بال مباالة وعuuدم اهتمuام وظللنuuا فuuترة بuدون طعuuام، والبعض انقطع عن الماء أيضuuا حuuتى وصuuل إن البعض كuuان ال يسuuتطيع أن يقuuف من شuuدة اإلعياء، وبعد أكثر من عشرين يوم بدأ طبيب السجن في تعليuuق جلوكuuوز للحuuاالت الحرجة ومع ذلك كان يرفض اإلبالغ عن هuuذه الحuuاالت بعمuuل محضuuر وكuuان يخuuبر

25

Page 26: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

اإلدارة أن الحاالت مستقرة وعندما فطن البعض من هذا األسلوب الخبيث رفضuuواتعليق الجلوكوز والذي يطيل فترة المعاناة فقط.

بعuuد أن كuuثرت حuuاالت اإلغمuuاء والغيuuاب عن الuuوعي حuuتى وصuuل البعض إلى اإلشراف على الموت جاءت إلينا النيابuuة وأبلغناهuuا عن مطالبنuuا بتحسuuين األوضuuاع ولكن لم يحدث أي تغيير في األوضuuاع. فأدركنuuا إننuuا مقبلuuون على سياسuuة جديuuدة معنuuا حيث وصuuل اإلضuuراب إلى خمسuuة وأربعين يuuوم ولم نجuuد أي اهتمuuام فرتبنuuا

أمورنا على هذه األوضاع.

كان الجزء الذي كنا فيه من العنبر مكون من عشرين زنزانة عشرة في مقابل عشرة بينهما طرقة ضيقة فكنا نتعامل وكأننا في زنزانuuة واحuuدة فكنuuا نتحuuدث مuuع بعض من حين آلخر ونطمئن على أحوالنuuا فربمuuا يغيب أحuuدنا عن الuuوعي وال أحuuد يشعر به ألنuه يجلس لوحuده لuذلك ننuuادي على بعض من حين آلخuuر فكنuuا نتسuامر ونسترجع الذكريات القديمة وإذا نزل أحدنا جلسة نيابة أو محكمة كنا ننتظره حتى نعرف أي أخبار سuuواء عن السuuجون األخuuرى أو خارجيuuة وكنuuا نتلهuuف على سuuماع

األخبار حتى ال نشعر أننا معزولون عن العالم.

وإذا أفلت مع أحدهم بعض الطعام أثنuuاء الuuدخول وهuuذا نuuادرا مuuا يحuuدث حيث ممنوع دخuuول أي شuuيء فكنuuا نقuuوم بتوزيعuuه على بعض عن طريuuق نافuuذة البuuاب

الصغيرة.

وكنا من حين آلخر نقوم بعمل مسابقات ثقافية يتخللها بعض األناشيد كما كان يقوم البعض بإلقاء بعض الدروس المختلفة عبر نافذة الباب وكuuان البuuاقي يسuuتمع

من على الباب، كان الوضع في السجن كله تقريبا مثل أوضاعنا.

مرت بنا األيام وكان من حين آلخر يأتي ضابط المبuuاحث هشuuام عبuuد الuuرحمن ليأخذ أي شيء من الممكن أن يتسuuرب إلينuuا فكuuان ال يuuترك إال البطuuاطين وبعض

األطباق وكان يدخل فجأة لعله أن يجد شيء.

منهم خمسuuة أفuuراد4استمر هuuذا الوضuuع حuuتى جuuاءت قضuuية عuuاطف صuuدقي محكوم عليهم باإلعدام هم سيد صالح، عصام التوني، أمين مصطفى، نور سليمان وطارق الفحل، وثالثة أخرين محكوم عليهم بأحكام مختلفة وقuuامت إدارة السuuجن بإخالء عشرة زنازين في العنuuبر ممكن كuuانوا فيهuuا وقuuامت أيضuuا بuuنزع أي أسuuالك كهربائية أو لمبات موجودة وفك الحنفيات من الزنازين وأخuuذ أي شuuيء ثم قuuامت

إلقاء علي ردا صدقي عاطف حينذاك المصري الوزراء رئيس اغتيال بمحاولة المصرية الجهاد لجماعة تابعة مجموعة قامت حيث 4 بعد عن سيارة تفجير طريق عن وذلك العسكرية المحاكم أمام ومحاكمتهم الفتح طالئع قضية في الجماعة أفراد من عدد علي القبض

عناصر علي القبض تم وقد إصابته عدم إلي أدي مما بسيط زمني بفارق تم قد التفجير أن غير عمله مقر إلي موكبه مرور أثناء صالح،عصام سيد: منهم العسكرية المحاكم أمام محاكمتهم بعد باإلعدام منهم تسعة علي وحكم 1993 سنه في المجموعة

خليل علي محمد منهم متفاوتة بمدد أخر عدد علي حكم كما وغيرهم زين محمد الفحل ،طارق سليمان مصيلحي،نور التوني،أمين26

Page 27: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

سuuاعة24بإدخالهم كل فرد منهم في زنزانة وعلى كل باب حارس على مuuدارس ينظر من حين آلخر إلى من في الزنزانة كما كان يوجد بصفة دائمuuة ضuuابط ومعuuه عدد من رجال مبuuاحث السuuجن في أول العنuuبر من أجuuل تشuuديد الحراسuuة عليهم وحتى ال يتكلم أحد معهم أو يعطوهم أي شيء وكان أيضا من حين آلخر يمuuر عuuدد من الضباط بصفة غير منتظمة خالل أربع وعشرين ساعة لكي يتuuابعوا أوضuuاعهم، وكان في كل يوم في حوالي الساعة الثامنة صباحا يأتي الضابط لتفتيشuuهم وكuuان ال يوجد معهم سوى بطانيuة وطبuق بالسuتيك فقuط، لكن بuرغم كuل هuذا التضuييق عليهم كانت معنوياتهم مرتفعة وكان بعضهم يلقي كلمة من حين آلخuuر في الثبuuات على الدين واسترخاص الموت في سبيل الله فكان الجميع يعجب من حuuالهم فهم على مشارف الموت ومع ذلك هم الذين يثبتونهم ويدعونهم إلى الصuuبر على البالء فكانت كلماتهم لها تأثير كبير عليهم وكانوا مواظبين على تالوة القرآن وقيام الليل وصيام كل يوم وخاصة في األيام األخuيرة قبuل موعuuد اإلعuدام وكuان نuور صuاحب صوت ندي فكان بعض من كان معهم يطلبون منه اإلنشاد لهم فكان ينشد نشuuيده المفضل "ال تقولوا لقد فقدنا الشهيد" وكuuان كuuل من يسuuمعه يتuuأثر بuuه كأنuuه كuuان ينفعل مع الكلمات ويخيل إليه وهو يسمعه أنه قد فارق الحيuuاة وكuuأن صuuوته يuuأتي من بعيد يتردد في أرجاء الكون ليذكرهم أنه لم يمت وأننا تفارقنا بأجسuادنا فقuط،

كانت هذه المعاني وغيرها تمر في األذهان أثناء النشيد حتى ينتهي منه.

وقد استطاع أحد المحكuuوم عليهم باإلعuuدام أن يملي وصuuيته ألحuuد اإلخuuوة في زنزانة مقابلة له فلما عرفت إدارة السجن ذلك قuuامت بuuالتحقيق معuuه ولكنuuه نجح

في إخراجها.

عندما جاءت أخبار مقتل طلعت ياسين وعuuادل صuيام وكuuان في أيuام متقاربuة فتأثر الكثير بمقتلهم فقام سيد صالح ووقف على باب الزنزانuuة وحمuuد اللuuه وأثuuنى عليه، ثم بدأ يشرح قوله تعالى: "وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون"، وأخuuذ صuuوته يرتفع شيئا فشيئا بحدة وقوة – وكان مفوها في الخطابة – حتى كادت الجدران أن تهتز من شدته وكان في أثناء ذلك حضuuر أحuuد الضuuباط كالمعتuuاد ليتuuابعهم فعنuuدما سمع سيد وهو يتكلم بهذه الحدة وقuuف يسuuتمع إليuuه ثم بuuدأت أعuuداد أخuuرى تuuأتي فيقفون أيضا ثم جاء معظم ضباط إدارة السجن فجذبهم بكالمه فوقفوا يستمعون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، لم يتحرك أحد منهم، كل ذلك وسيد ال يتوقuuف عن الكالم وكانت الكلمuuات تنحuuدر من فمuuه انحuuدارا حuuتى انتهى من كالمuuه وقuuد تuuأثر الجميع بهذه الكلمة فتقدم إليه أحد الضباط وسأله لماذا فعلت ما فعلت يuuا سuuيد؟ – يقصد محاولة اغتيال رئيس الوزراء عاطف صدقي – فرد عليuه سuيد بقuوة: لقuد كلفنا بهذا األمر ولم يتجاوز التنفيذ منا سوى ثالثة أيuuام فقuuط ألن نظuuامكم األمuuني

27

Page 28: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ضعيف وهش ولقد قمنا بذلك ألنكم تحاربون دين الله ونحن وأنتم في صuuراع دائمولن نكف عن قتالكم، فصمت الضابط قليال ثم انصرف الجميع من العنبر.

بعد ثالثة وخمسين يوم تقريبا جاءت قوات كثيفة قبل أذان الفجر، فدخلت إلى أماكن تواجدهم وكانوا يحملون األسلحة، في أثناء ذلك كان هؤالء اإلخuuوة يصuuلون قيام الليل فعلموا أن موعد اللقاء قuuد حuuان وقتuuه فuuأخرجوا واحuuد واحuuد، يضuuعون الحديد في أيديهم ثم يخرجونهم إلى السيارة وكان أحدهم عندما فتح البuuاب، كuuان مازال يصلي فلم يقطع صالته أو يتعجل ألنهم آخر ركعتين له في الuuدنيا قبuuل لقuuاء ربه وظلوا واقفين ينتظرونه حتى انتهى من صالته، فوضعوا الحديد في يده، وكuuان كلما خرج أحد اإلخوة يكبر فانتبه من في العنبر فكبروا فسuuمعت العنuuابر األخuuرى فكبر جميع من في السuجن حuتى ارتجت الجuدران من شuدة التكبuير ونحن ننuادي عليهم مع السالمة يا أمين مع السالمة يا سيد مع السالمة يا عصام، وظللنا نسuuلم عليهم بأعلى صوت لعلهم يسمعوا مع التكبير وكان الموقف مؤثرا جدا وقد أجهش بعضuuنا بالبكuuاء ألننuuا نuuراهم يuuذهبوا إلى المuuوت وال نملuuك لهم إال الuuدعاء بالرحمuuة

والمغفرة حتى آذان الفجر.

لم يمض وقت طويuuل على إعuuدامهم حuuتى جuuاء في نفس المكuuان المحكuuوم وزيuuر الداخليuuة، وكuuان منهم أيضuuا5عليهم في قضية محاولة اغتيuuال حسuuن األلفي

خمسة محكوم عليهم باإلعدام أيضا منهم محمد عبد العليم ومحمد رشاد ومسعود العارف، وقد تم ضربهم أثناء دخول السجن وكانت المعاملة معهم سيئة أثناء فترة وجودهم في السجن، حuuتى عنuuدما أخuuذوهم لتنفيuuذ اإلعuuدام لم يرحمuuوهم فقuuاموا

بضربهم من أجل مجاملة وزير الداخلية.

غادرت السجن بعدها بأيام وأثناء خuuروجي من العنuuبر كنت ال أسuuتطيع أن أفتح عيني كلما اقتربت من الباب ألننا نعيش في مكان أشبه بuuالكهوف، فuuالظالم شuuبه دائم لذلك كان من الصعب أن أرى الضuuوء فتuuوقفت عن المسuuير وعنuuدما سuuألنيالحارس أخبرته عن سر توقي فقال أغمض عينيك وأمسك بيدي إلى أن خرجت.

تركت السجن على هذه األوضاع السيئة وقد ظل الوضع في حالة تدهور أكuuثر لعدة سنوات، فكان يتم ضرب كل من يدخل إلى السجن ضربا شuuديدا، سuuواء في مبنى اإلدارة عند أخuuذ البيانuuات والتفuuتيش أو في رحلuuة الuuذهاب إلى العنuuابر حيث يمسك كل عسكري بواحد وهو يلوي ذراعه خلف ظهره، بحيث يجعله مائل بنصفه األعلى إلى األرض حتى يتسنى له ضربه بركبتيه في وجهه أو بطنuuه أثنuuاء الطريuuق كما كان يوجد مجموعة أخرى من العسuuاكر تسuuاعد في الضuuرب حuuتى يصuuلوا إلى

قام وقد المصري األمن يد علي الحقا اغتيل والذي صيام عادل للجهادي تابعة مجموعة بها قامت مصر في تفجيرية عمليه أول وتعتبر 5 المؤدي الشارع في األلفي حسن الداخلية وزير موكب مرور أثناء بخارية دراجة بتفجير قام حيث حافظ الدين ضياء العملية هذه بتنفيذ

عسكرية محاكمة ومحاكمتهم المجموعة هذه أفراد من عدد علي القبض تم وقد المستشفي إلي ونقله إصابته إلي أدي مما الوزارة إليالعارف رشاد،مسعود العليم،محمد عبد محمد منهم باإلعدام بعضهم علي حكم حيث

28

Page 29: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

باب العنبر وهناك يتركوا كل واحد يقف أمuuام زنزانuuة فيظنuuون أن األمuuر قuuد انتهى ولكن تبدأ مرحلة جديدة من التعذيب فينام كل واحد على األرض في طرقة العنبر ثم يزحفوا على األرض وهم واضعين أيديهم خلف ظهورهم والعساكر تنهال عليهم بالضرب وهم يزحفون ذهابا وإيابا حتى يصuuل اإلجهuuاد بهم إلى حuuد اإلغمuuاء، مثلمuuا

، فحملوه إلى داخل الزنزانuuة وهuuو فاقuuد5حدث مع أحمد مبروك في قضية طالئع الوعي والدم ينزف منuه وتركuوه بuدون أي شuيء في الزنزانuة وفي اليuوم التuالي وأثناء توزيع التعيين حسب المعتاد كل يuuوم لم يقuuف السuuتالم التعuuيين ألنuuه مuuازال مغمى عليه منذ أن أدخلوه الزنزانuuة البارحuuة فuuدخلوا عليuuه فوجuuدوا حالتuuه سuuيئة فاستدعى الحارس طبيب السجن وهو مشهور بمواقفه السuuيئة في التعامuuل حuuتى إنه كان يشرف بنفسه على كثير من حuuاالت التعuuذيب أثنuuاء الuuدخول إلى السuuجن، كما أنه كان يuuرفض إخuuراج أي مuuريض من الزنزانuuة للكشuuف عليuuه إال إذا وصuuلت حالته إلى أن يحمل على بطانيuة ليكشuف عليuه أي ال يسuتطيع أن يتحuرك وحالتuه سيئة يشرف على الهالك، كما أنه كان يستغل وظيفته كطuuبيب ويسuuاوم المرضuuى على العالج أو أن يصرف لهم تغذية للمرضى في مقابل الموافقة على التعاون مع األجهزة األمنية ضد إخوانه في العنبر، وعندما حضر إلى أحمد مبروك وجuuده ملقى على األرض والدماء تنزف منه فما كان منه إال أن صرفه له قرصين مسكن فقuuط للعالج ثم انصرف في المباالة وكأن هذا الممدد على األرض ليسuuت نفسuuا بشuuرية تستحق أي رعاية أو شفقة من أحد، وقuuد سuuاءت حالتuuه بعuuد ذلuuك وفuuارق الحيuuاة

بعدما ذهب إلى المستشفى.

كان هؤالء أفضل حاال من غيرهم حيث كانوا يقومون بuuالزحف من بدايuuة بوابuuة السجن إلى العنابر على اإلسuuفلت وهم عرايuuا فتتسuuلخ جلuuودهم، وعنuuدما يرفقuuوا بحالهم يأمرونهم أن يسيروا وكل واحد يحمل شخص فوق كتفه، والضuuرب يسuuتمر

عليهم ثم بعد مسافة يزحفون مرة أخرى، وهكذا إلى أن يصلوا إلى العنابر.

لم يكن التعذيب والضرب يقتصر فقط على ذلك أثناء الدخول بل عنuuد حuuدوث أي شuuيء تسuuتغله اإلدارة لمعاقبuuة الجميuuع فعنuuدما وجuuدوا راديuuو في أحuuد العنuuابر فقاموا بإخراج كل من فى السجن عرايuuا مجuuردين من مالبسuuهم وقuuاموا بضuuربهم وتفليكهم )ضربهم على الفلكة( ثم أخذوا من كل عنبر بعض األفراد ال ذنب لهم وال يعلمون شيئا عن ذلك الراديو وضربوهم أيضا، وكانت عنuuدما تuuأتي قuuوات مصuuلحة

السجون للتفتيش كانت تقوم بضرب السجن كله.

هذه هي بعض األوضاع التي تركتهم عليهuuا ثم ازدادت سuuوءا واسuuتمرت لعuuدةسنوات.

29

Page 30: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أبو زعبل الصناعي

رجعنا مرة أخرى إعادة اعتقال إلى سجن أبي زعبل الصناعي وهو سجن آخuuر بجوار ليمان أبي زعبل وقد بدأ في استقبال الوافدين إليuuه من سuuجون أخuuرى من

خالل الترحيالت المتبادلة بين السجون.

وقد أصبحت هناك سمة عامة في السجون هو أن تقuوم إدارة السuجن بإعuuداد حفلة الستقبال القuuادمين إلى السuuجن ولكنهuuا ليسuuت حفلuuة ترفيهيuuة أو موسuuيقية طبعا بuل هي حفلuuة يكuuون المuوت أقuuرب إلينuuا من الحيuuاة، فبمجuuرد أن نuنزل من سيارة الترحيالت يبدأ الضuuرب وكuuان العسuuاكر يقفuuون في تشuuكيالت ومجموعuuات مختلفة فبعضهم في شكل دوائر والبعض يقف صفين وآخرين يتحركون ذهابا وإيابا مع القادمين إلى السجن وفي يد كل واحuد منهم أشuuياء مختلفuة فبعضuهم يمسuك في يده خرزان وآخر عصى والبعض قطعة من الجلد أشبه بالكرباج وآخuuر الحuuزام الميري، فكل من يدخل بوابة السجن يقوم بخلع مالبسه حتى يكuuون الضuuرب على الجلد مباشرة ويأخذوا كل متعلقاتuuه الشخصuuية ثم يuuذهب من ينتهي من ذلuuك إلى الحالقة والتي تتم بصورة عشوائية فيحلق جuuزء ويuuترك اآلخuuر كuuل ذلuuك والضuuرب والشتائم تنزل عليهم من كل جانب ثم تبدأ رحلة الuuدوران على كuuل مجموعuuة من العساكر تنتظر من يدخل في الوسuuط لكي يقومuuوا بضuuربه وكuuل مجموعuuة تسuuلم

لألخرى فهذه بالعصي وهذه باليد وأخرى بالفلكة وهكذا.

وكانوا يطلبون أشuuياء تعجيزيuuة بهuuدف السuuخرية وزيuuادة الضuuرب فكuuانوا على سبيل المثال يرسمون سلم على سور السجن من الuuداخل أو تليفزيuuون ويطلبuuون منهم أن يصعدوا السلم أو يفتحuuوا التليفزيuuون وأحيانuuا أخuuرى أن يبحثuuوا عن نملuuة عرجاء أونملة ذكر وغير ذلك وهم يستمرون في الضرب وسط هذه المهزلuuة وكuuل مجموعة تحاول أن تنفذ ما يطلب منها، فكان هناك من يسقط على األرض مغشيا عليه فال يتركونه بل يركلونه بأرجلهم إلى أن يعود إليه وعيه ثم يشتدوا عليuuه مuuرة أخرى، وكانوا يطلبون أيضا أن يهتفوا بحياة ضباط السجن وأن يسبوا بعض الuuدعاة المشهورين مثل الدكتور عمر عبد الرحمن أو أن يغنوا، كل ذلك وسط الصراخ من شuuدة األلم، وكuuان الضuuباط يشuuاركون في هuuذه الحفلuuة فيقuuوم بعضuuهم بالضuuرب بالفلكة وآخر بالعصا التي يمسك بها في يده وعندما سقط أحد اإلخوة قuuام محمuuد فريد أحد الضباط بالوقوف فوق ظهره ووضع ضابط المبuuاحث عمuuاد حذائuuه فuuوق رأسه وأخذ خالد الديب ضابط السجن في ضربه وهو على هذه الحالuuة ال يسuuتطيع أن يسuuتغيث أو يتحuuرك وكuuان بعضuuهم يجلس ليشuuاهد الموقuuف من بعيuuد وكuuأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا ولقد علمنا بعد ذلك أن كثير من حاالت التعuuذيب هنuuا قuuد

30

Page 31: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

تم تصويرها لإلدارة العليا في الوزارة لuuيرفعوا بهuuا تقريuuر بعuuد ذلuuك للuuوزير فكuuانالبعض يشاهد كاميرات تصور من بعد، وقد تكرر هذا األمر في سجون مختلفة.

بعد أن يتم االستقبال في هذه الحفلة والتي لم تنتهي فصولها بعد فكuuان الكuuل يصطف في وضع االنحناء يمسك كل واحuد بالuذي أمامuه وعلى الجuانبين عuدد من العساكر تقوم بالضرب على الظهر والبعض من األمام يقوم بسحب هuuذا الطuuابور إلى المكاتب ألخذ البيانات ثم يتم تجميع أي أعداد قادمة في زنزانة أو اثنتين لعuuدة أيام لحين التوزيع على بقية العنابر فكان يتم التكديس فيها بأعداد كبيرة تصل إلى أكثر من مائة وثالثين فuuرد ثم بعuuد عuuدة أيuuام يتم تuuوزيعهم على الزنuuازين األخuuرى وكان السجن مكون من عنبرين كuuل عنuuبر عuuدة طوابuuق، في الuuدور الواحuuد سuuت زنازين، كل ثالثة في مقابل ثالثuuة وبينهم حuuوش في الوسuuط فكuuان توزيuuع األفuuراد

على الزنازين يتم أحيانا بالزحف على األرض حتى باب الزنزانة.

كانت هذه المشاهد والتي تكuuون من لحظuuة دخuول السuجن إلى الوصuول إلىباب الزنزانة تكاد تتكرر ولكن بصور مختلفة مع كل مجموعة قادمة إلى السجن.

كانت األحوال المعيشية في السجن صuuعبة فالزنuuازين شuuديدة الزحuuام فالعuuدد في كل زنزانuuة يuuتراوح مuuا بين خمسuuة وسuuبعين إلى تسuuعين فكuuان يتم النuuوم ليال بالتناوب مجموعuات تنuام وأخuرى تنتظuر وهكuذا أو أن يتم النuوم بطريقuة الحشuر وكأننuuا في علبuuة سuuردين فكuuان أحuuدنا ال يسuuتطيع أن يتقلب على جنبuuه اآلخuuر إال بصعوبة شديدة وإذا جازف أحد وقام في الليل لقضاء حاجته فربمuuا ال يسuuتطيع أنيجد مكانه مرة أخرى فيضطر أن ينتظر إلى صالة الفجر ليجد له مكان ينام فيه.

كذلك كانت معاناة الطعام فكان قليال ال يكفي هذا العدد كما إنuه وإمعانuا منهم في التضييق علينا كانوا يضعون تراب من األرض على األكل كله أثناء الطريق وقد رأيناهم يفعلون ذلك بأعيننا من شبابيك األدوار العليuuا، فكنuuا نحuuاول أن نتغلب على قلة الطعام عن طريق وضع كمية من المuuاء على معظم الطعuuام حuuتى يكفي هuuذا العدد الكبير فعندما كانت تأتينا قطعة من الجبنuuة نقuuوم بتuuذويبها في كميuuة مuuاء ثم نوزعها في أطباق لنأكلها في مجموعات وكذلك كنا نفعل مع المربى وعندما كنا ال نجد شيء نضع قليال من الملح – إن وجد – على كمية ماء ثم نعصuuر عليهuuا ليمونuuة

ثم نأكلها.

كانت المياه في السuuجن ال تختلuuف عن مuuاء ليمuuان أبي زعبuuل فهي دائمuuا في حالة سيئة بسبب وجود الطينة واألوساخ العالقة فيها وقد أثuuرت نتيجuuة اسuuتعمالها لفترات طويلة على البعض منها بuuاألمراض الخطuuيرة وخاصuuة في الكلى والحuuالب وغيرهما كما كانت ال تأتي إال مرتين أو ثالثuuة في اليuuوم فقuuط فكنuuا نقuuوم بتخuuزين

المياه في بعض األطباق لنستعملها بعد ذلك.

31

Page 32: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كانت هنuuاك عuuدة أسuuاليب مختلفuuة تسuuتخدم بهuuدف إحuuداث حالuuة من القلuuق والتوتر وعدم االستقرار وأيضا عدم الشعور باألمان مع إطار من اإلرهاب النفسuuي

والبدني وكانت هذه هي السمة العامة في السجون كلها.

يكاد كل صباح ننتبه على وقع أقدام كثير تدخل العنبر فنستطلع األمر فنجuuد أن هناك عدد من العساكر والمخبرين والضباط معهم فكنا نترقب بuuأي زنزانuuة سuuيبدأ بها وهل التفتيش للعنuuبر كلuuه أم لuuدور واحuuد أم لبعض الزنuuازين أم كالعuuادة يقuuوم بتفتيش واحدة أو اثنين ثم ينصرف ويأتي في اليوم التالي أو بعد عuuدة أيuuام ليقuuوم بنفس األمuر فكuuان الجميuuع يسuتعد لإليuذاء الuذي سuuيقع عليuuه ويتأهuuل نفسuيا لمuا سيحدث ويظuuل هكuuذا إلى أن يخرجuuوا من العنuuبر ليتكuuرر األمuuر كلمuuا سuuمع نفس األمر، وعندما يفتح زنزانة يخرج كل من فيها في الطرقة رافعين أيديهم إلى أعلى وفي اتجuuاه الحائuuط وخلفهم العسuuاكر يضuuربونهم أحيانuuا بالعصuuي وأحيانuuا بأيuuديهم وأرجلهم في أماكن مختلفة فكuuان العنuuبر كلuuه يسuuمع صuuراخهم وينتظuuرون الuuدور عليهم، وأثنuuاء الضuuرب يقuuوم الضuuابط وعuuدد من المخuuبرين بuuرمي كuuل شuuىئ في الزنزانة على األرض وخلطها ببعض ثم يخرج إلى زنزانة أخرى وأحيانا ينتهي ويأتي

بعد ذلك.

وكان أحيانا يأخذ كل شيء في الزنزانة فقد جرد إحدى الزنازين من مالبسuuهم وأخذها مع بقية األشياء ولم يuuترك لهم سuuوى بعض البطuuاطين وكuuان الجuuو شuuتاءا شديد البرودة والشبابيك مفتوحة دائما ألنها عبارة عن قضuuبان حديuuد فقuuط فكuuان يدخل تيار هواء بارد من جميع الجهات فكان من بداخلها عنuuد النuuوم يجتمعuuون في أحد زوايuا الزنزانuة فبعضuهم ال يسuتطيع أن يمuدد على األرض من شuدة الرطوبuة فكان ينام وهو جالس وكان يوضع عليهم البطاطين التي تركوها وقuuد اسuuتمر هuuذا الوضع إلى أكثر من شuهر حuتى إن الكثuير منهم قuد أصuيب بالرومuاتيزم وبعضuهم

بعدم القدرة على الحركة وآخرين قد انحنى ظهرهم من شدة الرطوبة.

كان خالد الدين ضابط العنبر أثناء التفتيش يأمر بuuأن يحمuuل كuuل فuuرد شuuخص آخر فوق كتفه وهم في اتجاه الحائط وكانت العساكر تقف خلفهم وتضربهم وكان في بعض األحيان يأمر أن يتفوهوا بكلمات خارجة عن اإلسuuالم فعنuuدما طلب ذلuuك من أحد الزنازين أثناء التفتيش والضرب ينهال عليهم وأراد أن يسمع ذلك من كuuل واحد على حدة فأمسك بأول شخص واقف فالتفت إليuuه وال يuuردد سuuوى ال إلuuه إال الله وال يزيد عليها وكان يريد أن يقول "نحن فتنة واإلسالم منا برئ" ولم يسuuتجب لطلبه رغم التعذيب الشديد الذي يقuع عليuه ثم تركuه وذهب إلى اآلخuر فuuرد عليuه بشدة غير معهودة في ذلك الوقت وقال له بأن األمر ال يتوقuuف على كلمuuة نقولهuuا بأفواهنا ألن األمر عندنا أكبر من ذلك فهذه عقيدة راسخة في قلوبنا ولن تسuuتطيع أن تمحيها من قلوبنا وافعل ما بدا لك فهuذه هي أيامuك ولكن سuيأتي اليuوم الuذي

32

Page 33: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

نuuرد فيuuه كuuل هuuذا، فخشuuي أن يثuuير اآلخuuرين ضuuده ويفلت من يuده األمuuر فuuأنهى الموضوع وخرج وأخذ معه هذين األخوين فضربهم في خارج الزنزانة ثم ذهبوا بهما إلى التأديب فضربوهم هناك مرة أخرى ثم أدخلوهم زنزانة التأديب وتركوهم ثالثuuة

أيام بدون أي شيء معهم أو طعام أو شراب أو حتى الخروج لدورة المياه.

خالد الuديب هuذا كuرس حياتuه لكي يكuون حائuط صuد أمuام تطuبيق الشuريعة اإلسالمية فقد قال في ذات يوم وكان مزهوا وقد أخذتuuه العuuزة بuuاإلثم "طالمuuا أنuuا موجود لن تطبق الشريعة اإلسالمية في مصر، أنا هنا في هذا المكuuان حجuuر عuuثرة

في وجه الشريعة اإلسالمية" وكان يعتبر نفسه ممثال للنظام فى هذا المكان.

كانت هذه التفتيشات بهذه الطريقة تتم بصuuورة مسuuتمرة ولكن أحيانuuا تتباعuuد المسافة الزمنية بين تفتيش وآخر وأحيانا يزيد المعدل بصuuورة شuuبه يوميuuة وذلuuك بهuuدف إشuuاعة حالuuة من اإلرهuuاب النفسuuي والتuuوتر والقلuuق لuuدى الموجuuودين في

السجن بحيث تكون حياتهم غير مستقرة على اإلطالق.

كانت الزيارة تمثل لنا معانuuاة في هuuذه الظuuروف البائسuuة فعنuuدما ينuuادي على أحدنا بالزيارة فيخرج بسرعة من الزنزانuuة ليجuuد من يقuuف لuuه في الطريuuق وعلى الساللم فال يسلم من الضرب واإليذاء أثناء الذهاب إلى مكان الزيارة والتي كuuانت تتم عبر سلكين ولمدة دقائق معدودة ثم يخرج ليحمل أكياس الطعام الخاصة بuuه، وكان أحد المخبرين واسمه صالح مشهور عنه الغلظة والشدة في المعاملuuة يقuuوم بتفuuتيش هuuذه األكيuuاس أثنuuاء وقت الزيuuارة وعنuuد خuuروج صuuاحبها يأخuuذ منuuه بعض األطعمة إتاوة لنفسه وال يستطيع أحد أن يعترض على ذلك ثم ال يكتفي بuuذلك بuuل يأخذ بعض قطع اللحم ويرميها للقطط المنتشرة في السجن نكاية في صاحبها، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة العودة إلى الزنزانة حيث يحمل هذه األكيuuاس ويجuuري بسuuرعة وسط ضربات العسuuاكر في الطريuuق فكuuان يسuuقط من البعض من شuuدة الجuuري والضرب بعض أكياس الطعام فكان يحاول أن يجمعها فكuuان الضuuرب يشuuتد عليuuه

فكان أحيانا ينجح في جمع بعض األشياء وأحيانا كثير يتركها لتدوسها األقدام.

وكان الذي يجري ببطء يتعuuرض لإليuuذاء الشuuديد وكuuانوا ال يراعuuون أي حuuاالت إنسانية مهما بلغت ففي إحدى الزيارات أبلغت أم ابنهuuا بوفuuاة والuuده فتuuأثر بuuذلك وحزن عليه حزنا شديدا فعندما خرج حمuuل األكيuuاس ونتيجuuة انشuuغاله بحزنuuه على والده تباطuuأ في االسuuتجابة بuuالجري بسuuرعة إلى الزنزانuuة كالمعتuuاد فمuuا كuuان من ضuuابط المبuuاحث إال أن أوقفuuه وأخuuذ منuuه أكيuuاس الطعuuام ورماهuuا على األرض ثم داسوها بأقدامهم وأخذوه وعلق من قدمه على قضبان الحديuuد فكuuانت رأسuuه إلى أسفل كالذبيحة وهو يصuuرخ من شuuدة الضuuرب وشuuدة وضuuعه حيث يكuuاد الuuدم أن ينفجر في رأسه ثم تركوه يذهب إلى الزنزانة وهو ال يحمuuل سuuوى الهم والغم في صدره وكانت آثار التعذيب بادية في جسده فاجتمعت عليه عدة مصuuائب في وقت

33

Page 34: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

واحد فأخذته حالة من اإلحساس بالظلم والقهر جعلته يبكي أربع ساعات متواصلة ال يكف فيهuا عن البكuuاء، ومن معuuه فى الزنزانuة ال يuدرون مuاذا حuدث لuه فكuuانوا يحاولون أن يخففوا عنه ويهدءوا من حالته حتى هدأت نفسuه فuأخبرهم بمuا حuدث

معه فأشفقوا عليه وأخذوا في مواساته في والده.

بجانب كل ذلك كان ال يوجد أي رعاية صحية أو اهتمام بالمرضى بل كانت كuuل الظروف المحيطة تساعد في زيادة المرض فعندما أصيب أحuuد اإلخuuوة في معظم جسمه بتقيحات وصديد نتيجuuة سuuوء التهويuuة وعuuدم الخuuروج في الشuuمس بجuuانب ضعف جهازه المناعي فلم يجد أي عالج وعندما ساءت حالته حuuتى تسuuاقط جلuuده فدهن جسمه بأنبوبة مرهم فأصuuيب بحالuuة تسuuمم في كuuل جسuuمه نتيجuuة تسuuرب المرهم إلى لحمه لعدم وجuuود طبقuuة الجلuuد الuuتي تسuuاقطت نتيجuuة كuuثرة الصuuديد والتقيحات فمات، وأخ آخر أصيب بدوسنتاريا حuادة وكuان يuنزف دمuا ومuع ذلuك ال يبالون بحالته حتى نحل جسمه ومات، وهناك الكثير من الحاالت بهuuذه الصuuورة أو

صور أخرى مختلفة.

كانت مصلحة السجون تقوم بصفة دورية بالتفتيش على السجن وتقوم بحملuة تأديبية لتكتمل بذلك حلقات التعذيب الجهنمية وكان من أشهر مuuا حuuدث هuuو ذلuuك الذي جاء في عهد أشرف إسuuماعيل ضuuابط مبuuاحث السuuجن وكuuان من الحuuوادث

المشهورة والتي حفرت في ذاكرة الجميع.

فلقد جاءت جحافل القوات الخاصة وقوات األمن المركزي لمصلحة السuuجون بحuuدهم وحديuuدهم وصuuيحاتهم وهتافuuاتهم وكuuأنهم ذاهبuuون إلى تحريuuر أراضuuي المسلمين الضائعة وكان قائد هذه الحملuuة الضuuابط عمuuر عطuuوة وقuuاموا بتقسuuيم أنفسهم عدة مجموعات مع كل مجموعة عدد من الضuuباط والمخuuبرين بحيث تبuuدأ مجموعة في الطابق األعلى وأخuuرى في الطuuابق األسuuفل ثم يلتقuuون في الطuuابق

األوسط.

ثم بدأوا في إخراج أفراد أول زنزانة بدون مالبس تماما وسط صخب وضuuجيج إلحداث حالة من الهلع والخوف ثم تقوم كل مجموعuuة من العسuuاكر بسuuحبهم في الطرقات إلى مكان متسع نسبيا في أول كل طابق فكانت تقوم كل مجموعuuة من العسuuاكر مكونuuة من أربعuuة أو خمسuuة أفuuراد معهم العصuuي والuuدونك والهuuراوات والخرازان باالختصاص بواحد فقط فكانوا يهوون عليuuه جميعuuا في وقت واحuuد بمuuا معهم في كل أجuuزاء جسuuمه وال يبuuالون أين سuuتقع على أي مكuuان من جسuuمه فال يفرقuuون بين رأس ووجuuه أو صuuدر أو أي جuuزء فكuuانت الuuدماء تتuuدفق بغuuزارة من معظم أجuuزاء الجسuuم على األرض والجuuدران حuuتى يهuuوي على األرض من شuuدة اإلعياء أو يغمى عليه ومع ذلك يستمرون في ضربه بأرجلهم وأقدامهم وكان يصعد على من يسقط على األرض أحد العساكر ويقف عليه ثم يقفز إلى أعلى ثم يهوي

34

Page 35: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

عليه بقدمه وكان آخر يدوس يقدمه موضع الجروح لكي يزيد من حجم األلم وكانوا يفعلون ذلك مع كل واحد فكانوا يقفون مجموعات في شكل دوائuuر وفي وسuuطهم أحد اإلخuuوة يضuuربوه ومن لم يسuuتطع خلuuع مالبسuuه كuuانوا يشuuقونها بأيuuديهم أثنuuاء الضرب، وكانوا ال يبالون بصرخاتهم أو استغاثاتهم والتي تضيع سدى في وسط هذا الضجيج فكان الدم يتدفق على وجه أحدهم وعلى جسمه بعدما انفصلت جuuزء من فروة رأسه أو آخuuر قuuد كسuuرت يديuuه وهuuو يحuuاول أن يحمي رأسuuه من الضuuربات العشuuوائية بالعصuuي وآخuuر قuuد انفصuuلت شuuبكية عينuuه وهنuuاك الكثuuير من الحuuاالت األخرى، وكان الصراخ يمأل جنبات السجن حتى كأن جدرانه تئن من كuuثرة الصuuراخ وصيحات األلم، وكان يقف في وسط هuuذه المذبحuuة وبركuuة الuuدم تحيuuط بuuه عمuuر عطوة ليحث جنوده على المزيد ويقول لهم بأعلى صوته نريuuد نuuاس تمuuوت اليuuوم فيصابوا بحالuuة من الهسuuتيرية في الضuuرب، وفي جهuuة أخuuرى يقuuف مجموعuuة من الضباط يهزءون ويسخرون من هؤالء المعذبون فيقuuول أحuuدهم سuuاخرا يuuا معشuuر قريش ارفعوا أيديكم عن أتباع محمد بطريقة األفالم ثم يضحكون وهذا األمر ليس بغريب فقد وقف أحuuدهم قبuuل ذلuuك أثنuuاء دخuuول إحuuدى الuuترحيالت وأجuuزاء اللحم تتطاير من حوله نتيجة السياط وجثث على األرض سقطت من اإلعياء وقال بأعلى صوته – ناسيا ضعفه ومتحديا عزة الله وقدرته – أعل هبل - كبرت كلمة تخرج من أفواههم – وكان أشرف إسماعيل يقف وسط هذا المشهد ومعه خنجر يضuuرب بuuه

على قضبان الحديد.

وفي الوقت الذي كان الضرب والتعذيب يتم في الطرقuuات والسuاحة األماميuة في أول الطابق كان هناك عدد من الضباط والمخبرين داخل الزنزانة يأخذون كuuل شيء ثم يقذفونه من أعلى ليسuقط في وسuuط حuوش العنuuبر حuتى المصuحف لم يسلم منهم ولم يراعوا له قدسية فكانوا أيضuuا يقذفونuuه من األدوار العليuuا وعنuuدما تردد أحد العسuuاكر في رمي أحuuد المصuuاحف فمuuا كuuان من الضuuابط إال أن شuuتمه وسب له الدين وأمره أن يرميه فرماه فهذا ما كان يفعل بكتuuاب اللuuه ولم يراعuuوا

حرمة ألي شيء حتى المصحف.

حتى إذا ما انتهوا من ذلك كان مجموعة أخرى من العساكر تقف على جنبات الطريق يضربون كل من يمر بهم ويأمرونهم بuuالجري بسuuرعة إلى الزنزانuuة وكuuان البعض يسقط نتيجة حالة االرتباك والسرعة فكuان يسuقط عليuه من يجuري خلفuه نتيجuuة االنuuدفاع فuuيزداد الضuuرب عليهم أمuuا المغمى عليهم ومuuا أكuuثرهم فكuuانوا يجرونهم من أرجلهم على األرض ثم يدفعونهم إلى داخل الزنزانة ويغلقuuون عليهم الباب ويتركونهم هكذا بال مالبس بتاتuا أو طعuام حuتى كuان أكuثرهم ال يسuتطيع أن ينuuام على أي جنب من كuuثرة الجuuروح واأللم وكuuانت الuuدماء تتسuuاقط من معظم جسمهم فما من موضع إال وقد ناله قسط من األذى فكuuانوا ال يقuuوون على القيuuام

35

Page 36: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

للصالة فيؤدونها وهم جلوس كuuذلك كuuانوا يuuذهبون إلى دورة الميuuاه وهم يزحفuuونعلى أيديهم وأرجلهم حتى يستطيعوا قضاء حاجتهم.

كانوا يفعلون في كل زنزانة مثل التي قبلها حتى زنازين المرضى لم يرحموهم أو زنازين صغار السن والذين هم في القانون أطفال حيث إن أعمارهم تتراوح مuuا بين ثالثة عشر وخمسة عشر عاما ولم يتركوا أيضا كبار السن فلم يرفقuuوا بهم وال بشيبتهم وال عجزهم وعندما قال أحد اإلخوة أثناء الضرب ارحموا هuuذا الشuuيخ ألنuuه كبير السن وأشار إلى أحد اإلخوة فناله من اإليذاء ما نالuuه من جuuراء هuuذه الكلمuuة

وكذلك لم يسلم الشيخ من اإليذاء أيضا.

كان ذلك هو يوم الخميس وقد باتوا وهم يحاولون أن يضمدوا جراحuuاتهم ولكن كuuان ال يوجuuد عالج أو قطعuuة قمuuاش يمسuuحون بهuuا آثuuار الuuدماء أو قطعuuة قطن

يضعونها على الجروح التي تنزف.

وفي اليوم التإلي حيث كان يوم الجمعة وهو يوم إجازة من الضuuرب وإن كuuان غير ذلك من السب والشتائم أثناء توزيع التعيين أو غير ذلك وكuuان ال يuuأتي تفuuتيش في ذلك اليوم حسب المعتاد كما أن قوات المصلحة ال تأتي إال يوم واحد فق أيضا وهي بالتأكيد قد رحلت يوم الخميس بعد االنتهاء من السجن كله ولكن فجأة بدأت صيحات الجنود تتعالى وتمأل جنبات السجن رعبا وهلعuuا فمuuاذا سuuيفعلون مuuع هuuذه األشالء الممزقة فكان أحد ال يتصور أن تأتي مuuرة ثانيuuة ولكن كuuان وقuuع أقuuدامهم يدل على أنهم يصعدون السلم فكانت الدهشة بادية على وجuuوه الجميuuع فالكuuل ال يستطيع أن يقف على قديمه إما من اإلعيuuاء أو بسuuبب الضuuرب عليهuuا من الفلكuuة هذا فضال على أن يلمس أحد أي جزء من جسمه نتيجة وجود جراح والتهابuuات في معظم أجuuزاء الجسuuم ولكنهم كuuانوا ال يبuuالون بحيuuاة أحuuد سuuواء ممuuزق أشuuالء أو مشرف على الموت، وبدأوا في فتح الزنازين وسuuط صuuيحاتهم وصuuخبهم ويuuأمروا الجميع أن يقuف ووجهuه إلى الحائuط ويهuددون ويتوعuuدون كuuل من ال يسuتطيع أن يقuuف فبuuدأ النuuاس يتحuuاملون على أنفسuuهم في الوقuuوف وكuuان خلuuف كuuل واحuuد عسكري في يده حزامه الميري وأخذ يضرب به على هuuذه الجuuراح الuuتي لم تلuuتئم بعد بل كان بعضها ال يزال تتساقط منه الدماء فكانت الضربات تنزل على الجuuروح وااللتهابات وكأنها أسياخ من نار فكان البعض يسقط مغشuuيا عليuuه من شuuدة األلم واآلخرين كانت صرخاتهم محملة باأللم نتيجة هذه األسياخ الملتهبuuة ولكن ذلuuك لم يمنعهم من االستمرار في الضرب وكأن قلوبهم قuuد تحجuuرت بuuل إن من الحجuuارة لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله كما أخبر ربنا بuuذلك أما هؤالء فكانت قلوبهم أشد من الحجارة وكانوا يفعلون ذلك في كل زنزانة حuuتى

انتهوا من السجن كله.

36

Page 37: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

وفي اليوم الثالث قاموا بضرب بعض الزنازين بالرغم من أنهم وجuuدوهم جثثهامدة ولم يكن ذلك ليشفع لهم واستمروا في ضربهم حتى انتهوا من مهمتهم.

ثالثة أيام متواصلة من الضرب بهذه الوحشية ولم يتركوا السجن إال ووضع منفيه تدمى له القلوب ويرثى لحالهم ولكن..

لمن نشكوا مآسينا *** ومن يسمع لشكوانا ويجدينا

ومنسيون نمشي في أراضينا *** قطيع نحن والجزار راعينا

فكانت أكف الضراعة ترفع لمن يسمع لشكوانا.

ولكن بالرغم من هذه اآلالم والجراح واألنات التي كانت تسمع أثناء الليل خالل الثالثة أيام المتواصلة من التعuuذيب فكuuان يخuuرج أحuد اإلخuuوة يتحامuل على نفسuه

ويقف على الباب ليخفف اآلالم ويحيي الهمة ويرفع المعنويات فكان ينشد:

لبيك إسالم البطولة كلنا نفدي الحمى

لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما

والباقي يuuردد خلفuuه في صuuوت ممuuزوج بuuاآلالم والجuuراح، إلى أن يصuuل نهايuuةالنشيد حيث آخر بيت يقول فيه وكأنه يستغيث رب السماوات:

يا رب إني قد دعوتك فاستجب لدعوتي

قد بت انتظر اللواء يوما فعجل لرفعتي

واآلخرين يرددون خلفuuه فتuuدب الحيuuاة فيهم مuuرة أخuuرى وتحيuuا فيهم العزيمuuةويأخذهم الحماس.

فكان ضباط المصلحة عندما يسمعون ذلك يزدادون حنقا وغيظا عليهم فكuuانوايصبون عليهم جام غضبهم في اليوم التالي.

وقد انتهت هذه الحملة وقد خلفت وراءها من فاضت روحه إلى بارئها بعد يومأو اثنين من شدة التعذيب وكذلك من فقد عقله وبدأ يهزي بكالم غير مفهوم.

وكان من يموت يأخذوه إلى مستشفى الليمان ويكتبوا تقرير أنه مات بالسكتةالقلبية فحياة إنسان ال تكلفهم سوى ورقة وقليل من مداد الحبر.

لم يكتف أشرف إسماعيل بهuuذه الجرعuuة من التعuuذيب بuuل إنuuه كuuان من حين آلخر يقوم بتفuuتيش بعض الزنuuازين ويضuuربهم ويقuuوم بوضuuع األشuuياء على بعضuuها،

37

Page 38: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

فكان يضuuع الطعuuام على المuuاء فuuوق المالبس والبطuuاطين ويضuuع عليهم الرابسuuووالصابون ثم يخرج إلى أخرى.

كان ذلك دأب السجن إلى أن تم نقلهم إلى سuuجن شuuديد الحراسuuة في نهايuuة. 1996سنة

38

Page 39: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

سجن الحضرة

بعد أن غادرت سجن أبي زعبل الصناعي بعد أن أخذت إفراج مكثت عدة أيuuامثم عدت مرة أخرى إلى سجن الحضرة.

واإلفuuراج الuuذي كنuuا نأخuuذه من المحكمuuة هuuو إفuuراج صuuوري، فحسuuب قuuانون الطuuوارئ عنuuدما يتم القبض على أحuuد لالشuuتباه فيuuه يتم اعتقالuuه ثم يعuuرض على المحكمة لتنظر في أمره فإذا حكمت لصuuالحه يتم اإلفuuراج عنuuه فuuورا ويخuuرج من السجن، ولكن ذلك لم يكن ليحدث، فال كنا نذهب إلى المحكمة خالل هuuذه الفuuترة وال كنا نخرج من السجن بل كنا نذهب كل حسuب الجهuة التuابع لهuا إلى مقuر أمن الدولة، نمكث هناك عدة أيام ثم نرجع مuuرة أخuuرى إلى السuuجن بعuuد كتابuuة تقريuuر إلعادة االعتقال يوضح فيه إننا مارسنا نشاطنا مرة أخرى بعد خروجنا من السuuجن ونحن ال يسuuمع لنuuا حuuتى بuuأن نuuرى الشuuمس إال من خالل شuuباك السuuيارة أثنuuاء االنتقال من السجن إلى مقر أمن الدولة، بل إن البعض كuuان يسuuام سuuوء العuuذاب في األماكن التي يحتجزونهم فيها مثلما كان يحدث في مقر أمن الدولuuة في شuuبرا الخيمة حيث كان يتم ضرب كuuل من يuuنزل إليهم من السuuجن بصuuورة شuuبه يوميuuة بالكرباج مع التضييق عليهم في النوم ووسائل المعيشة األخرى من طعام وخالفuuه

حتى ال يفكر أحد في النزول مرة أخرى.

وكما كuان يحuدث في فuرق أمن أسuيوط أيضuا حيث كuان هنuاك أحuد الجبuارة والuuذي كuuان يهuuزأ من كتuuاب اللuuه وآياتuuه فكuuان يقuuول عن سuuورة المائuuدة سuuورة الترابيزة بل وصل به الطغيان أن كان يأمرهم بالسuuجود لuuه هuuذا بخالف األسuuاطير التي تحكى عنه وطرق التعذيب التي كان يتفنن فيها وال تخطuuر على بuuال شuuيطان وكان التعذيب النفسي والبدني ال ينقطع طوال فترة وجuuودهم هنuuاك حuuتى يعuuودوا مرة أخرى إلى السجن فكانوا بين نارين نار السجن وما به من تدمير ونار اإلفuuراج وما فيه من تعذيب، فهل كانت هذه هي األنشطة والuuتي عuuدنا إلى ممارسuuتها بعuuد خروجنا من السجن والتي كانت تكتب زورا وبهتانا في تقرير جواب االعتقuuال فيتم

إعادة اعتقالنا بموجب قانون الطوارئ.

وبرغم ما كuuان يقننuuه هuuذا القuuانون ويكرسuuه من ظلم حيث كuuان يطلuuق عليuuه قوانين سيئة السمعة وما كان يالقيuuه من معارضuuة في الuuداخل والخuuارج إال إنuuه ال يطبق علينا كامال فكان يطبق منه ما كان ضدنا فقط، أمuا ثغuuرة اإلفuuراج والخuuروج من السجن فكان يتم االلتفuاف عليهuا بخروجنuuا من السuجن إلى أمuاكن أخuرى ثم نعود إلى سجن آخر وأحيانا إلى نفس السجن بعد عدة أيام نمكثهuuا خuuارج السuuجن بل إنه في بعض األحيان كان البعض يuuركب السuuيارة وتuuدور بuuه خuuارج السuuجن ثم

39

Page 40: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

يرجع مرة أخرى في نفس السuuيارة وإلى نفس السuuجن المهم أن يكتب في دفuuترالسجن أنه قد خرج تنفيذا للقانون.

دخلت إلى السجن مع مجموعة قدموا معي من اإلفراج، وسuuجن الحضuuرة هuuو سجن عمومي فاألصل فيه أحكام جنائية، وكان قد سuuبقنا إلى هنuuاك أفuuراد القuuرار الثالث والذي كان يحاكم في محكمة عسكرية في اإلسكندرية وكذلك أيضuuا قضuuية تنظيم التسعة عشر وكان قبل دخولهم إلى السجن قامت اإلدارة بوضع باب حديuuد في أول المكان الذي يسكنون فيه ووضع أسياخ حديد زيادة على القديمة حتى يتم عuuزلهم عن األحكuuام الجنائيuuة وال يختلطuuوا بهم فيuuؤثرون فيهم كمuuا قuuامت إدارة السجن بتحذير الجنائيين بعدم االختالط بالسياسي بuuل إنهم صuuوروهم لهم وكuuأنهم

آكلي لحوم البشر وهو ما وجدوه عكس ذلك عندما تعاملوا معهم.

وبعد االنتهاء من المحاكمة والنطق بالحكم ذهب يحيى شحرور ومحمد حموده وهشuuام طuuه إلى عنuuبر ب حيث يوجuuد هنuuاك زنuuازين اإلعuuدام وبقيuuة األحكuuام تم

توزيعهم بين عنبر ج وعنبر ب.

وعندما حان تنفيذ الحكم تم ترحيلهم إلى سجن طنطا ألن غرفة اإلعدام الuuتي كانت في السجن يتم إصالحها، وكان أول من نفذ فيه الحكم بعد إصالحها هuuو األخ أحمد جمعه في قضية المحمودية، وفي ذلك اليوم لم يتم فتح أبواب الزنuuازين في الصباح حسب الميعاد المعتاد فعلم الجميع أن هناك حالة إعدام في السجن فتطلع من يسكن في الجهة المقابلة للعنuuبرين من سuuينفذ فيuuه الحكم حيث كuuانت غرفuuة اإلعدام تقع في نهاية الطرقة بين عنبر ب، وج، فإذا باألخ أحمuuد قuuد جuuاءوا بuuه من عنبر ب وهو مقيد بالسالسل وكان يمشي في ثبات في اتجاه غرفة اإلعدام وكuuان يقف بجوار الغرفة المأمور ووكيل النيابة ومندوب األزهuuر وعuuدد آخuuر من الضuuباط وغيرهم وبعد تالوة الحكم من قبل النيابة ثم طلب منuuه منuuدوب األزهuuر أن ينطuuق بالشهادتين ثم أخذه عشماوي لتنفيuuذ الحكم، وقuuد علمنuuا بعuuد ذلuuك أن األخ أحمuuد سخر منهم عندما طلبوا منuuه النطuuق بالشuuهادتين وقuuال لهم أنuuا مuuا أتيت إلى هuuذا المكان إال من أجلها ثم دخل الغرفة وسمع بعدها صوت التنفيذ، وكان المكuuان في أثناء ذلك يسوده سكون تام وكأنه صمت القبور وكانت لحظات فارقuuة بين الحيuuاة والموت ثم بعدها فتحوا أبواب الزنازين لتعود الحيuuاة من جديuuد، وقuuد قuuام اإلخuuوة بعمل مشروب شربات وتوزيعuه فكuان كuل من يأخuذ من الuنزالء المحكuوم عليهم بأحكام جنائية ويعرف السبب تأخذه الدهشة كيف يوزع شربات على شخص مuuات فكان يرد عليه أوال نحن نحزن لفراقه وثانيا نفرح ألنه لم يمت بuuل هuuو من األحيuuاء إن شاء الله ثم يتلى عليه "وال تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بuuل أحيuuاء عنuuد ربهم يرزقuuون"، فينصuuرف وهuuو يتعجب اندهشuuا من صuuنع هuuؤالء و كيuuف هuuو صبرهم وثباتهم على الدين، وعندما سأل أحد المخبرين عن سبب توزيع الشuuربات

40

Page 41: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

فأخبروه إنه بمناسبة األخ الذي قتلتموه اليوم فارتعد وقال لم نقتله لكننا كنuuا ننفuuذحكم فقط، قال بل قتلتموه ثم انصرف.

كانت األحوال في السجن مستقرة ألنه سجن عمuuومي، وهuuذا بخالف مuuا كuuان يحدث وقتها في السجون األخرى السياسuuية والuuتي يغلب فيهuuا أعuuداد السياسuuيين اإلسالميين فكان يتم فتح الزنازين من الصباح حتى صالة العصر تقريبا فكنا نخuuرج لدورة المياه حيث ال يوجد في الزنازين دورات مياه ولملئ زجاجات الماء للشرب

وغسيل األطباق في الحمامات والتي تعتبر مشتركة بين الجميع.

كان البعض يحاول أن يختلس حالة االختالط الجزئية مع المحكوم عليهم جنائيا ويدعوهم إلى التوبة إلى اللuuه وخاصuuة حuuاالت اإلعuuدام حيث إن أيuuامهم في الuuدنيا قليلة فمنهم من استجاب وبدأ في االنتظام في الصالة وقuuراءة القuuرآن، كمuuا كuuان بعض اإلخوة تعد مسابقات عامة وتدعوهم إلى المشاركة فيها بهدف توضuuيح بعض المفuuاهيم اإلسuuالمية البسuuيطة لهم وعنuuدما الحظت إدارة السuuجن تغuuير في بعض السلوكيات إلى األصلح عنuuد البعض خشuuيت من ذلuuك فمنعت أي اختالط وحuuذرت

منه.

بدأت بعض التغيرات النسبية في المعاملة تأثرا بالسياسuuة العامuuة المتبعuuة في السجون األخرى فلقد اسuuتغلت اإلدارة اعuuتراض بعض اإلخuuوة على بعض أسuuاليب التضuuييق في السuuجن فصuuعدت الموضuuوع وجuuاءت قuuوات من األمن من المنطقuuة المشuuرفة على السuuجن وكuuانت موجهuuة للسياسuuي فقuuط دون األحكuuام الجنائيuuة األخرى فكانت تخرج أفراد كل زنزانة على حد فتقوم بضربهم ثم إدخالهم الزنزانة مرة أخرى وبعد االنتهاء من كل الزنازين قاموا بأخذ أعداد منهم إلى مبنى التuuأديب في خارج العنبر حيث كان هناك مجموعة من العساكر تقuuف صuuفين متقuuابلين في حوش العنبر وبينهما مجرى صغيرة مكشوفة بها ماء مجاري فكان يبدأ الضرب من الuدور الثuuاني وكuuان البعض يسuقط على السuاللم فيصuاب بكuuدمات ثم يحuuاول أن يفادي الضرب الذي يأتيه من العساكر فيسقط في المجرى فيقومون بسحبه على األرض الملوثة بماء المجاري وال يعيرون اهتمام بذلك ويستمر الضuuرب حuuتى بuuاب العنبر ثم هناك مجموعة أخرى عند التأديب تقوم بضرب كل من يأتي إليهuuا إلى أن يتم إدخال جميع األفراد في زنازين التuuأديب ثم جuuاءت قuuوات المصuuلحة بعuuد ذلuuكبفترة قصيرة لتقوم بحملة تأديبية على الجميع بما فيهم من تم ضربهم قبل ذلك.

تركت السجن بعد أن قضيت فيه عدة شهور واألوضاع فيه متقلبuuة ولكنهuuا في العموم أفضل حاال من السجون األخرى والتي كانت تأتينuuا أخبارهuuا السuuيئة ثم بuuدأ ترحيل كل من في السجون العمومية إلى سجون السياسuuيين لكي تمuuارس عليهuuا

2سياستهم التي وضعوها فتم ترحيلي من سجن الحضرة إلى سجن وادي النطرو . 1995في سنة

41

Page 42: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

المقابر الجماعية في ليمان أبي زعبل

كانت هناك بقعة مفقودة في سجون مصر وكأنها اختفت من على وجه األرض لتظهر لنا بعد فترة بهؤالء األشباح وكأنهم بقايا هياكuuل بشuuرية تتحuuرك كuuانت هuuذه البقعة هو سجن ليمان أبي زعبل ألن معظم القابعين بين جدرانه يقضuuون أحكامuuا لعدة سنوات وكان القليل منهم معتقل، لuuذلك كuuانت األخبuuار الuuتي تuuأتي إلينuuا في السجون األخuuرى عنهم قليلuuة ومفزعuuة في نفس الuuوقت حuuتى رأينuuا بعضuuهم بعuuد

انقضاء فترة حكمهم أدركنا ما كنا نسمعه عنهم ال يساوي شيئا مما شاهدوه.

فمنذ لحظة دخول القادمين إلى السجن يبدأ مسلسل التعذيب فيجدوا أمامهم جمع من العساكر والمخبرين ويقف في وسطهم بعض الضباط ليباشuuروا التعuuذيب بأنفسهم فكانوا يأمرونه بخلع جميع مالبسهم وإعطاء كل واحد بدلة السجن وسuuط حالة من اإلرباك والضرب حتى كان البعض يرتدي الجاكت مكان البنطلuون وهuو ال يدري، وكان الضرب يتم بصورة وحشية غير معهuuودة إال على هuuؤالء حuuتى أن أحuuد المخبرين كان يمسك في كل يد خرزانة يلوح بها بطريقة هيستيرية، وكأنuه يuرقص بها فكسرت إحداها من شدة الضرب على أحد اإلخuuوة ثم بعuuدها كسuuرت األخuuرى من الضرب أيضا، وكان الضuuرب أيضuuا بالفلكuuة حuuتى تتuuورم األقuuدام والبعض كuuان يضرب بالكرباج على هذه األجساد العارية والدماء تنزف منهuuا وقuuام أحuuد الضuuباط بالمشاركة فلم يكتف بما يشاهده فكان يمسك في يده عصا كهربائية فضuuرب بهuuا أحد اإلخوة على رأسه فانفجر الدم منها، وكuان أحuدهم يقuول متبجحuا لقuد جuاءوا بكم إلى الكفرة في أبي زعبل ويقصد بها أنفسهم كناية عن غلظة قلوبهم الuuتي ال ترحم، وبعد أن يدوروا في حلقات التعذيب المختلفة ويسقط منهم من يسقط في بركة من الuدماء كuانوا وهم في هuذه الحالuة من اإلرهuاق والتعuذيب يuأمرهم أحuد الضباط بأن يسuuجد لصuuورة رئيس الجمهوريuuة ووزيuuر الداخليuuة وكانuuا معلقين عنuuد مدخل قسم ثالث وكان الضرب ينهال عليهم وهو يأمرهم بذلك وكل من يمتنع عن التنفيذ يتركه لكي تنهش فيهم العساكر كيفما تشاء وتقطع من أجسادهم ما شاءوا بالكرابيج أو العصي التي معهم، ثم بعد ذلك يقومuuون بتuuوزيعهم على تلuuك المقuuابر والuuتي تسuuمى زنuuازين على مسuuتوى خمس عنuuابر، وفي السuuنوات األولى كuuان التسكين كل واحد في زنزانة ثم بعد أن كثرت األحكام وبدأت تتوافد أحكام قضuuايا كثيرة كان التسكين كل ثالثة في زنزانة ضيقة، وكان مع كل واحد بطانيuuة أو اثuuنين وفي كل زنزانة جردالن وأحيانا جردل واحد فقط أحدهما بuuه مuuاء نظيuuف للشuuرب والوضوء وغير ذلك وآخر فارغ يتم فيه الوضوء وقضاء الحاجة وكان ال يتم الخuuروج إال في الصباح فقط لتعبئة جuuردل مuuاء الشuuرب وإفuuراغ الجuuردل اآلخuuر وكuuان في البداية يسمح لهم بقضاء الحاجة في دورات المياه ألنuuه ال يوجuuد دورة ميuuاه داخuuل

42

Page 43: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الزنزانة ثم منعت بعد ذلك فكان ال يوجد قضاء حاجة في الخارج أبدا بuuل كuuان يتم ذلك في جردل داخل الزنزانة فكان يسبب معاناة فوق المآسuuي األخuuرى والuuتي ال

تنتهي.

وكان بالطبع جردل واحد ال يكفي لكل شيء وخاصة إذا كانوا ثالثة أفراد فكان يخصص للشرب والوضوء فقط أمuuا االسuuتحمام أو غسuuيل البدلuuة فكuuان حلم بعيuuد المنال فكان بعضهم لم يستطع االستحمام إال مرة واحد في العuuام والسuuعيد فيهم

من يستحم مرتين.

لم يكن عامل قلة كمية الماء فقط هو الذي منعهم فكان هناك عوامuuل أخuuرى تمنعهم من االستحمام فالزنزانة ضيقة وبها ثالثة أفراد وهي ضيقة جدا، كما أنuuه ال يسمح بخروج أي نقطة ماء من أسفل الباب إلى الطرقة وإذا حدث ذلك كان أقuuل عقاب هuuو عuuدم خuuروجهم في ذلuuك اليuuوم لتعبئuuة جuuردل الشuuرب أو رمي مuuا في الجردل اآلخر وكuuان ذلuuك معنuuاه أنهم ال يجuuدون مuuاء للشuuرب حuuتى اليuuوم التuuالي وكذلك ال يستطيعون أن يقضوا حاجتهم ألن الجرد اآلخر به ماء إلى نهايته وهذا هو ما حدث مع بعض الزنازين فعندما غسل أحuuد اإلخuuوة وجهuuه فانسuuاب بعض المuuاء إلى خارج الباب فعرف الحارس وكان اسuuمه رمضuuان أن المuuاء خuuرج من عنuuدهم فمنعهم من الخروج فأخذوا يعتذرون إليه لكي يسمح لهم بالخروج وهو يuuرفض أي توسالت وكان يقول أنا يهودي ومعاملتي أسuuوأ من اليهuuود معكم ورفض إخuuراجهم

ذالك اليوم فتحاملوا على أنفسهم إلى اليوم التالي.

أما المالبس فكuان ال يوجuد إال بدلuة السuجن ومن المفuترض أن يكونuوا اثuنين للصيف والشتاء ولكن ذلك ال يحدث وكان يتم تغييرها كل ستة أشuuهر على أحسuuن األحوال فكانت أحيانا تبقى سنة كاملة على أجسامهم بuuدون أن تغسuuل إال مuuرة أو اثنين فكانت من كثرة األوساخ تصل حالتها إلى ما يشبه جلد الماعز مع عدم وجود مكان لتصريف ماء الغسيل يعتبر أهم موانع الغسيل في هذه الظuuروف وبuuرغم ان ذلك كان ممكن في البداية أن يجد فرصة للغسيل ألن كل واحد يسكن بمفرده أما

بعد ذلك فكان هذا األمر صعبا جدا نظرا لزيادة أعدادهم فى الزنزانة .

كان الطعام لعدة سنوات شبه ثابت كوب صغير من األرز وعدس فقuuط وكuuان هناك فول في البداية ثم منع، وكان الطعام يأتي غالبا بدون ملح ثم يأتي في مuuرة وعليه كمية ملح كثuuيرة جuuدا بحيث ال يسuuتطيع أحuuد أن يستسuuيغه من كuuثرة الملح فكانوا يرمونه وال يأكلون في ذلك اليوم إال ما تبقى من طعام في األيuuام السuuابقة، وكان في كثير من األحيان يأتي الطعuuام "شuuايط" "محuuروق" وأيضuuا بuuه كميuuة من التراب بطريقة متعمدة ومع أن الطعام كان ردئ للغاية إال أنuuه ومuuع شuuدة الجuuوع كان يؤكل على مضض، وكان يتم توزيع كل أسبوع تقريبا قطعة صغيرة من الجبنuuة فكانوا يضعونها في طبق به قليل من الماء حتى يستفيدوا من ملوحة الماء بسبب

43

Page 44: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

وضع الجبنة فيها ثم يضعون الماء على األكل بعد ذلك وعندما علمت إدارة السجن ذلك منعوا عنهم الجبنة، وكان لقلة الملح لهذه الفترة الطويلuuة تuuأثيرا واضuuحا فقuuد أصuuيبوا بهبuuوط حuuاد وعuuدم القuuدرة على الوقuuوف بصuuورة طبيعيuuة بسuuبب فقuuدان االتزان، وقد وصل الحال بالبعض بأن يحuuاول أن يجمuuع حبuuات الملح والuuتي تظهuuر على الجuuدران نتيجuuة الرطوبuuة الشuuديدة ظنuuا منuuه أن هuuذا ممكن أن يعuuوض ملح

الطعام.

أما العجوة والمربى فقد منعوا أيضا من التعيين الميري وكuuانت اإلدارة تuuرفض تماما شuuراء أي سuuكر من الخuuارج ولuuو على نفقتهم الخاصuuة، حuuتى عنuuدما قuuامت اإلدارة بتوزيع بعض العجوة في إحدى المناسبات وجuدوها كuوم تuراب من الuداخل

حتى النوى كان تراب بسبب كثرة السوس فيها.

أما اللحمة فلم تuأتي إال بعuuد سuuنوات وحuتى بعuuد مuا سuuمحوا بهuا في التعuuيين الميري فكانت تأتي كل فترة طويلة وكuuانوا يعرفuuون قuuدومها عن طريuuق القطuuط والتي تحدث جلبة أثناء قدومهم لتوزيعها، وكان التعفن ورائحتها الكريهة تمنuuع أحuuد

أن يأكلها.

كuuان الضuuرب والتفuuتيش يuuأتي بصuuورة شuuبه دوريuuة كuuل أسuuبوع فيتم ضuuربهم وتشويههم بالحالقة والبحث في الزنزانuuة عن أى شuuيء سuuوى البطانيuuة والجuuردل

والطبق وقد استمر هذا الوضع فترة من الزمن.

هذا بخالف ما كان يتخلل ذلuuك من عقuuاب سuuواء فuuردي أو جمuuاعي وكuuان يتم العقاب ألي سبب حتى لو كان بسيطا وكان الهدف هو إشاعة الرعب والخوف في النفوس من تلك األساليب، فمثال عندما اشتكى أحuuد اإلخuuوة من أن الطعuuام يuuأتي محروق وشايط أخذوه وضuuربوه على الفلكuuة وكuuان صuuراخه يسuuمعه كuuل من في العنبر ثم زيادة في اإلهانة كان يقف أمام كل زنزانة ليقول كالم فيه إهانة في حق

نفسه.

عندما كانوا يجدوا إبرة خياطة أو مسمار وكأنهم وجدوا صواريخ نووية تسuuتحق تدمير السجن على من فيه من أجل ذلك، فعندما وجدوا مسمار في أحد الزنuuازين قاموا بضرب السجن كله، وفي مرة أخرى عندما صنع أحدهم شuuراب ليلبسuuه في قدمه من قطعة بطانية قديمة بسب شدة البرد قuuاموا بضuuربه والبحث في العنuuابر كلها عمن صنع مثله فيأخذونه ويقومون بضuuربه وكuuانوا يأخuuذون أي قطعuuة بطانيuuة

مقطوعة أو زيادة في الزنزانة.

كان المصuuحف من األشuuياء الممنوعuuة في السuuجن وعنuuدما كuuان يتم تسuuريب مصحف كان اإلخوة يقومون بتوزيعه على العنبر بالتناوب كuuل زنزانuة تأخuذه فuuترة

44

Page 45: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

عن طريق وضعه على الجدار في الحمuuام أثنuuاء الخuuروج في الصuuباح لتعبئuuة ميuuاهالشرب.

وإذا وجد المصحف أثناء التفتيش والذي كان يتم بصورة شبه يومية من حارس العنبر أثناء فترة عدم وجود أحد في الزنزانة عند خروجهم إلى الحمuuام في الصuuبح وهذا بخالف التفتيش األسبوعي عن طريق ضuابط العنuuبر وعنuuدما يجuuدوا مصuحف عند أحد فكأنما أمسكوا بجريمة يستحق صاحبها العقاب الشديد حuuتى ال يعuuود إلى ذلك مرة أخرى، فكان من صور العقuuاب المتبعuuة بخالف الضuuرب أن يأخuuذوا منهم البطاطين كلها ويuuتركونهم ينuuامون على األرض في الuuبرد الشuuديد عuuدة أيuuام ممuuا سبب لهم أمراض كثيرة في العظام وكانت البطاطين أصuuال ال يتم تغييرهuuا إال بعuuد

أن تصبح قطع بالية ال تصلح لشيء.

كان الطعام في ظل هذه الظروف القاسية من وسائل االبuuتزاز والمسuuاومات والحيل والتي يتم عن طريقها اإليقاع باألشخاص في براثن اإلرشاد ضuuد من معهم في العنبر، فكانوا يستغلون قلة الطعام والجوع الشديد فيقومuuون بمحاولuuة إغuuراء البعض بزيادة الطعuuام لuuه لعuuدة أيuuام ثم يسuuاومونه بعuuد ذلuuك على التعuuاون معهم وعندما يرفض الشخص يمنعuuون الطعuuام الزائuuد عنuuه، وعنuuدما فطن البعض لهuuذه الحيل فكان يرفض من البداية أخذ أي شيء زيادة عن باقي األفراد اآلخuuرين معuuه في العنبر بل كان بعضهم يرمي أي طعام زيادة في الطرقة مع علمuuه بمuuا سuuوف

يتعرض له من ضرب على ذلك الفعل والتضييق أيضا عليه.

كانت المصلحة تأتي إلى السجن على فترات شبه منتظمة في السuuنة فكuuانت تأتي لتجهز على ما تبقى منهم من أحياء فكانوا يخرجونهم جميعا في خارج العنuuبر في مكان متسع وكانوا يضuuربونهم أثنuuاء خuuروجهم إلى هuuذا المكuuان ثم يضuuربونهم أيضا هناك فكانوا أحيانuuا يجلسuuونهم جuuاثين على ركبهم ورافعين أيuuديهم إلى أعلى وخلفهم العساكر يضربونهم بالجريد الذي في أيuديهم بشuدة على الuرأس والظهuر وكانت أجسادهم نحيلة ال تتحمل كuuل هuuذا الضuuرب ثم يرجعuuونهم مuuرة أخuuرى إلى

الزنزانة.

وكان من أشهر العالمات التي اعتادوها عنuuد قuuدومهم أن تقuuوم إدارة السuuجن بتوزيع باذنجان مطبوخ ومربى عليهم قبل مجيئهم بيوم واحuuد كuuانت هuuذه المuuرات

الوحيدة التي يروا فيها الطبيخ أو المربى.

كان من نتيجة مكثهم هذه الفترة الطويلuuة والممتuuدة لعuuدة سuuنوات على هuuذه األوضاع من تضuuييق في المعيشuuة مuuع التعuuذيب النفسuuي والبuuدني وحالuuة الuuرعب واإلرهاب التي ينشرونها من حين آلخر حتى ال يكون هناك حالة من التuuوتر والقلuuق

45

Page 46: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

النفسي أن أصبحت أجسادهم النحيلة عرضة لكثير من األمراض الuuتي تنهش فيمuuاتبقى من أجسامهم وعظامهم.

فقد انتشر مرض نقص الكالسيوم بطريقة كثيفة نتيجة عدم تنuuاولهم األطعمuuة الغنية بالكالسيوم لعدة سنوات فكان بعضهم من سوء تدهور حالته يأكل الجير من الحائط لعله يستطيع أن يعوض نقص الكالسuuيوم الuuذي يعuuاني منuuه، فكuuان الكثuuير منهم يصاب بحالة من التشنج وخاصة في األطراف والصراخ من شدة اآلالم الuuتي

في العظام ولكن دون االلتفات إليهم أو إعطائهم أي عالج.

وكان أحد حuuراس العنuuبر قuuد أخذتuuه الرأفuuة والشuuفقة بuuاألخ حسuuن من شuuدة صراخه من األلم بسuuبب نقص الكالسuuيوم فكuuان يجuuره على األرض كuuل يuuوم إلى خارج العنبر ليلقى به في الشمس لمدة سuاعة تقريبuا ثم يرجعuه مuرة أخuرى إلى الزنزانة وهو يجره على األرض فكان الحارس يفعل ذلك وهو يظن أنه يصuuنع معuuه معروفا – أال ما أرق قلوبهم على الحاالت اإلنسuuانية – وقuuد وصuuلت حuuاالت البعض

منهم نتيجة نقص الكالسيوم إلى ضمور في الساقين مما سبب له شلل نصفي.

كان مسمى المريض إدارة السجن هو من ال يستطيع أن يتحرك أمuuا من يقuuف على قدميه ليشتكي للممuuرض والuuذي يuuأتي العنuuبر كuuل فuuترة بهuuذا ليس بمuuريض

عندهم.

كانوا ال يهتمون بمن مات أو من بقي على قيد الحياة يعاني من المرض فحياة اإلنسان ال تساوي عندهم إال ورقة وبعض الحبر لكي يكتب تقرير حالuuة الوفuuاة أمuuا غير ذلك فال تساوي شيء، فعندما اشuuتكى األخ مجuuدي عبuuد المقصuuود من الحمى أعطوه حقنة خطأ وتركوه في الزنزانة وعندما سuuاءت حالتuuه فكuuان اإلخuuوة تنuuادي على الحارس إلنقاذه وهو ال يرد على أحuuد حuuتى مuuات في الصuuباح وعنuuدما علمت إدارة السجن ذلك أحضروا بعض األدوية ووضعوها بجواره حتى يظهروا أمام النيابة التي جuاءت لتعuاين الوضuع أنهuا لم تقصuر معuه في العالج أو الرعايuة كمuا قuuامت بالضغط والتهديد لكي يقروا من كان معه في الزنزانuuة بuuذلك وإن لم يفعلuuوا ذلuuك

فربما يتم دفنهم قبل جثته.

أما األخ نبيل على جمعه والذي ظل يشتكي من الدوسنتاريا الحادة لمدة شuuهرونصف ولم يجد أي عالج يأخذه فصفى جسمه تماما حتى مات.

وقد وصلت بهم الشدة والغلظة أن اشتكى أحuuد اإلخuuوة للحuuارس في الصuuباح عند خروجه للحمام بأنه يتألم بشدة بسبب أنuuه يعuuاني من مuuرض خطuuير في المخ

فما كان منه إال أن ضربه حتى كان يفقد الوعي.

46

Page 47: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

وكان األخ حسن محمد حالته المرضuية شuuديدة وقuuد أصuيب بشuلل في سuuاقه وفقuuد القuuدرة على الحركuuة وأصuuيب أيضuuا بدوسuuنتاريا حuuادة أفقدتuuه الشuuهية عن الطعام مما سبب لuuه درن ومuuع ذلuuك كuuانوا يرفضuuون إعطائuuه أي عالج حuuتى ولuuو لمرض واحد عنده، وفي يوم اشتد به المرض وكان ال يستطيع الحركة وكان وحيدا في الزنزانة وأصيب بحالة عطش شديد فكان ينادي بصuuوت بuuه وهن أنuuه يريuuد أن يشرب فسمعه أحد اإلخوة فنuuادى على الحuuارس وأخuuبره أن فالن مuuريض وينuuازع الموت ويريد أن يشرب وأنه ال يستطيع الحركة فرفض أن يuuأتي ويناولuuه كوبuuا من ماء ثم نادى األخ محمد مرة أخuuرى بأنuuه عطشuuان ويريuuد أن يشuuرب وكuuان صuuوته ضعيف يثير الشفقة فينادي عدد من اإلخوة على الحارس لعله يرق له قلب ويuuأتي ولكنه يرفض بشدة ويرد بكل جفاء أنه لن يأتي وأثناء ذلك فاضت روح األخ محمuuد وهو عطشان وال يستطيع الحركة، وكان من عuuدل اللuuه أن قuuامت سuuيارة بتقطيuuع

جثة هذا الحارس إلى أشالء بعد فترة ليست بالطويلة أثناء سيره في الطريق.

وهذا األخر أحمد عبد العظيم قد أصيب بالمرارة ورفضوا إجراء عملية له فقام بعمل إضراب لعلهم يستجيبوا لحالته ولكن بعد حuuوالي خمسuuة وعشuuرين يومuuا لم يستجيبوا له وقد أصيب بالحمى، وفي أحد الليالي كان يهذي بكالم غuuير مفهuuوم ثم بدأ ينادي وهو ينازع سكرات الموت على أسماء اإلخوة الذين ماتوا ثم بعد ذلك بدأ ينادي على أسماء أبنائه فعندما سمع أحد اإلخوة الذين ماتوا ثم بعد ذلك بدأ ينuuادي على أسماء أبنائه فعندما سمع أحد اإلخuوة ذلuك نuادى على الحuارس لuيرى حالتuه فنهرهم بشدة وال يزال األخ أحمد يهuuذي بهuuذا الكالم حuuتى بuuدأ صuuوته يخuuف شuuيئا فشيئا حتى سكت فظن من معه في العنبر أنه قد نام من شدة التعب وفي الصبح وعندما خرج أحد اإلخوة وهو في طريقه إلى الحمuuام اختلس نظuuرة إليuuه من بuuاب

زنزانته فوجده ممددا على األرض وقد فارقت روحه جسده المريض.

ونتيجuuة لuuذلك اإلهمuuال كتب أحuuد اإلخuuوة بعض الكلمuuات على الحائuuط وكأنهuuا إرشادات لمن يuuأتي بعuuده في هuuذه القبuuور يعuuبر فيهuuا عن حالتuuه فكتب "مرضuuت فنادى لي اإلخوة على الشاويش فلم يستجب فاشuuتد علي المuuرض ثم نuuادوا مuuرة أخرى فلم يستجب فاشتد علي المرض ثم نادوا للمرة الثالثة فلم يسuتجب فاشuتد علي المرض فدعوت الله فاستجاب لي وشفيت فادعوا لي بالمغفرة والرحمuuة ثم كتب اسمه والتاريخ، وقد تغطت هذه الكلمات بفعل الuuزمن فuuتراكم عليهuuا األتربuuة والغبار فلم يلتفت إليها أحد وعندما جاء أحuuد اإلخuuوة إلى الزنزانuuة من القuuادمين – بعدة عدة سنوات – وكان ال يزال في بداية قضاء فترة حكمه فلمح هuuذه الكلمuuات

فمسح الغبار من عليها وقرأها فعلم أن حياته ال تساوي شيئا عند هؤالء.

كانت كل ما تهدف إليه هذه السياسuuة والuuتي تتبuuع معهم هuuو دفنهم أحيuuاء في هذه القبور بعuuدما انقطعت بهم سuuبل الحيuuاة في هuuذا المكuuان وفقuuدوا أي اتصuuال

47

Page 48: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

بالعالم الخارجي لسنوات طويلة كانوا يتطلعون خاللها لمعرفة أي أخبار عن أهلهم أو عن أبنائهم أو عما يحدث في العالم الخارجي ولكن بال جدوى حتى إنهم كانوا ال يدرون كم من الليل مضى وكم تبقى منه وكم سuuاعة من النهuuار مuuرت كuuل الuuذي يدركونه أن هناك نهار جديد يطلع عليهم ويتوجسون منه خيفة لمuuا قuuد يحملuuه لهم

من هموم وأحزان.

48

Page 49: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

مأساة سجن الوادي الجديد

أال يا واديا يحيي بعيدا *** عن األوطان منفردا وحيدا

بعدما تبنت الدولة سياسة تجفيف المنابع وتوسيع دائرة االشuuتباه، واكبت ذلuuك في التوسuuع في بنuuاء سuuجون جديuuدة بعيuuدة عن العمuuران مثلمuuا كuuانت السuuجون القديمة والتي تقع بالقرب من مناطق سكنية، كل ذلك حتى يتسuuنى لهuuا ممارسuuة سياستها الجديدة في تدمير هؤالء المعتقلين، كان في كل سجن مكتب تابع لإلدارة العليا لجهاز أمن الدولة حتى يشرف على تنفيذ تلك السياسة فكانت هذه السجون بعيدة تماما عن تطuuبيق أي قuuوانين أو لuuوائح خاصuuة بحقuuوق المسuuجونين أو حuuتى

حقوق الحيوان فضال عن اإلنسان.

كان سجن الوادي الجديد من ضمن السجون الuuتي بuuنيت حuuديثا وقuuد تم بنuuاؤهفي عمق الصحراء حتى يكون بمثابة منفى إجباري حتى تزداد معاناتهم.

بuدأت الuترحيالت تتجuuه إلى سuuجن الuوادي في شuuهر رمضuان في بدايuة سuuنة وكانت نقطة االنطالق هو سجن استقبال طرة حيث كuuان يتم التجميuuع فيuuه1995

من مختلف الجهات ثم يتم الترحيل بعد ذلك على دفعuuات كبuuيرة تصuuل أحيانuuا إلى أكثر من أربعمائة فرد وقد استمرت الترحيالت بصورة شبه أسبوعية لمدة شهرين

حتى وصل العدد في السجن هناك إلى أكثر من أربعة آالف فرد.

كانت الرحلة إلى الوادي طويلة وشاقة وكان الزحام شuuديد في السuuيارة وقuuد بلغ العدد إلى خمسة وأربعين فرد هذا بخالف األمتعة فكانوا ال يستطيعون الحركuuة حتى إن البعض كان ال يجد مكان يضع فيه قدميه أثناء الوقuuوف فكuuان يقuuف فuuترة على إحدى قديمه ثم يبدل بuuاألخرى، كuuانت تمuuر عليهم سuuاعات الليuuل والنهuuار وال يبدو في األفق نهاية لهذه الرحلة والتي كان ال يعرف البعض لها وجهة فأقصuuى مuuا يعرفونuه أنuه في مكuان بعيuد ولكن أين ال أحuد يعuرف، لم يكن المكuان فقuط هuو

المجهول لهم بل كان المصير الذي ينتظرهم هو أيضا مجهول.

في هذه اللحظات كان البعض تمر من أمامه الذكريات وتتالحuuق الصuور خلuuف بعضها وتتراأي أمامه من بعيuuد صuuورة أبنائuuه وأطفالuuه الصuuغار وهم يلتفuuون حولuuه ويتشبثون به وصورة أمه والتي كuادت أن تفقuد بصuرها من كuثرة النuواح كuالثكلى فربما كان اللقاء األخير هو آخر لقاء بينهم فهل من الممكن أن تدور عجلة الزمuuان ويلتقي بهم بعد طول الفراق؟ أم أن نظراتهم األخيرة إليه عند وداعه هي نظuuرات الوداع األخير، بل ربما تكون هذه األشuuجار والuuتي تمuuر أمuuامهم من السuuيارة أثنuuاء

49

Page 50: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الطريق تصبح ذكرى في طي النسيان، بل قد تكuuون الحيuuاة كلهuuا ذكريuuات طوتهuuاصفحات الزمان.

لقد كان هناك شعور عند البعض يتردد في أعماق ذاته وإن كان ال يبuuوح بuuه إن هذا السجن والذي بني في هذه الصحراء القاحلة ربما يكون مقبرة جماعيuuة لهuuذه األلوف ويزداد يقينه عندما ينظر من السيارة فال يرى على مرمى البصuuر إال رمuuال صفراء تعكس وهج الشمس في النهار وينظuuر من االتجuuاه اآلخuuر فال يuuرى إال تالل ووديان فال أثر ألي حياة لمسافة أكثر من مائتين كيلو متر تسير فيهم السuuيارة في الصحراء وقد لخص أحدهم الموقف عندما الح السجن من بعيد وكأنه قرص دائري في وسuط هuذه الصuحراء فنظuر من الشuباك ثم التفت إليهم وكأنuه يuودع الحيuاة

ويلخص لهم ما هم مقدمون عليه وقال سالم عليك أيتها الدنيا.

توقفت السيارات أمام بوابة السجن بعدما يقuرب من أربعuuة عشuر سuuاعة من اإلرهاق والتعب والزحام الشديد ثم فتحت البوابة وتحuuركت أول سuuيارة في اتجuuاه السجن وعندما تخطت حاجز البوابة أغلقت وكأنما ابتلعها السجن، كان الجميع في الخارج يترقب ويتطلع لعل أحد يستطيع أن يعuuرف مصuuير من في السuuيارة األولى فهل ستتوقف مسيرة الحياة عند هذه البوابة أم ستعبر معهم نهر الحياة إلى داخل هذا المكuuان المجهuuول؟ كuuانت هuuذه أسuuئلة تuuدور في األذهuuان في هuuذه اللحظuuات الحاسمة والتي كان السكون يلف المكان والصuuمت يضuuرب بأطنابuuه حuuولهم ممuuا

يزيد األمر حيرة.

كان المشهد من الداخل يختلuuف تمامuuا فكuuانت الصuuورة مرعبuuة فهنuuاك أعuuداد كبيرة من القوات منتشرة في المكان في تشكيالت وأوضاع مختلفuuة وكuuان يوجuuد عدد كبير من الضباط والمخبرين يتوسطون تلك القوات، والذي كان بعضهم يقuuف أمام البوابة من الداخل في ساحة السجن وآخرين في داخل مبنى اإلدارة وآخرين منتشuuرين في الطuuرق المؤديuuة إلى العنuuابر وقuuد وقفuuوا وكuuأنهم وحuuوش ضuuارية، ينتظرون الفريسة التي ستلقى إليهم ليفترسuuوها، فمuuا أن تuuدخل السuuيارة وتغلuuق البوابة خلفها حتى يهرع إليها عدد من العسuuاكر يلتفuuون حuuول السuuيارة ويضuuربون جوانبها بالعصي ليبثوا الرعب في قلوب من بداخلها مع الشتائم والسباب والتهديد والوعيد بما سيجدونه فما أن يفتح باب السيارة الخلفي حتى تصعد هذه الوحuuوش لتلتهم ضحيتها فال ينتظرون أن تنزل إليهم بuuل كuuانوا يuuدفعونهم من أعلى السuuاللم ليسuuuقط الجميuuuع على بعض ثم يجلسuuuون على األرض بجuuuانب السuuuيارة لفuuuك الكالبشات وأخذ جميع المتعلقuuات منهم كالمصuuحف والشباشuuب والسuuاعات حuuتى إنهم لم يستجيبوا لتوسالت أحدهم عندما طلب منهم أن يتركوا لuuه نظارتuuه ألنuuه ال يستطيع أن يرى بدونها، كما كانوا يجuuردونهم من مالبسuuهم وكuuان يتم ذلuuك وسuuط صفعات باأليدي وركالت باألرجل والذي ال يعتبر شيء لما سيالقونه بعد ذلك، وكان

50

Page 51: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

البعض من شدة االرتباك ال يدري ماذا يفعل هل يخلع مالبسه أم يحمي نفسuuه من ضربات العصي والتي تهuuوي على الuuرؤوس بuuدون رحمuuة وإذا تuuأخر أحuuد في خلuuع مالبسuuه كuuانوا يمزقونهuuا وبعuuد أن أصuuبحوا مجuuردين من المالبس كuuان عليهم أن يمشوا على أربع اليدين والركبتين في صفوف خلف بعض في اتجuuاه مبuuنى اإلدارة ألخذ بياناتهم، كان عليهم أن يسيروا بهuuذا الوضuuع المهين والضuuرب يلفح ظهuuورهم بالسياط وكان بعض العساكر يجلس فوق ظهر أحدهم ويضuuربه بقدمuuه في جبينuuه لكي يسير به وعندما يسقط على األرض خاصة وهو ال يسuتطيع أن يصuعد درجuات السلم في مدخل اإلدارة بهذا الحمل كان يضuuربه على رأسuuه، وفي داخuuل المبuuنى كان هناك أمرا آخر كانت الحركة سريعة فما أن ينتهي أحuدهم من الحالقuة يuذهب به إلى أحد المكاتب ألخذ بياناته ثم إلى مكتب آخر حتى ينتهي من تلك اإلجuuراءات ثم بعد ذلك ومن أجل الخروج من المبنى كان البد من الزحف على أرضية المبuuنى الرخام بل وتقبيل األرض بصوت مرتفع كما كانوا يتعمدون إهuuانتهم فيuuأمرونهم أن يقلدوا أصوات القطط والماعز وال مانع من أصوات الكالب أيضا حتى يخرجuuوا من المبنى بهذا الوضع فيتم تجميع هذه األعداد خارج المبuuنى لتبuuدأ رحلuuة الuuذهاب إلى العنابر، كانت المسافة طويلة ومجهدة وخاصة أنهم ال يقطعونها سيرا على األقدام بل زحفا على اإلسفلت بأجسادهم العارية وكانت السuuياط والكuuابالت تنهuuال عليهم أثناء الطريق لتنهش من ظهورهم وتتطاير قطع اللحم فتتنuuاثر في الطريuuق وكuuان اإلسفلت في نفس الوقت يمزق أجسامهم من أسفل فكانوا بين نuuار السuuياط من أعلى ولهيب اإلسفلت من أسفل، كان عليهم أن يقطعuuوا مسuuافة بهuuذا الوضuuع ثم يسيرون مرة أخرى على أيuuديهم وركبهم حuuتى كuuاد العظم أن يظهuuر عنuuد بعضuuهم بعدما تآكلت جلودهم وتمuزقت أجuزاء من لحuuومهم ثم يعuuودون إلى الحالuة األولى وكان يقف أحد العساكر في منتصف الطريق وهم بهذه الحالuuة على ظهuuر أحuuدهم ويأمره أن يزحف وعندما يعجز عن ذلك ينهال عليه سبا وضuuربا بكuuابالت الكهربuuاء كل ذلك كان يتم وسط صرخات األلم واستغاثات الرحمuuة والuuتي كuuانت تضuuيع بين ضجيجهم وصخبهم وأصوات السياط التي تنهال عليهم وكانوا يقولون ال جدوى من تألمكم أو صراخكم، كانت الدماء وقطع اللحم والجلد المتناثرة منتشرة على طول الطريق، وكان عليهم أن يقطعuuوا هuuذه المسuuافة والuuتي تقuuدر في هuuذه الظuuروف

باألميال إلى أن يتوقفوا عند مدخل العنبر.

كانت تuuدخل سuuيارة إثuuر أخuuرى تفuuرغ حمولتهuuا من الضuuحايا ثم تخuuرج وكuuانت المجموعات تنزل بالتتابع فما أن تنتهي مجموعة من مرحلuuة حuuتى تuuدخل األخuuرى مكانها فكان التعذيب ممتدا من بوابة السجن إلى بuuاب العنuuبر وكuuأن النuuاظر لهuuذا المشهد المأسوي والممتد لهذه المسافة الطويلة وصuuور التعuuذيب المختلفuuة الuuتي تقشعر منها األبدان والدماء المتساقطة وقطع اللحم المتناثرة وكأنuuه يشuuاهد فيلم وثائقي عن معسكرات التعذيب النازي بل إن مشاهد الفيلم ال تنقطuuع عنuuد مuuدخل

51

Page 52: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

العنبر بل هي ممتدة لما بعد ذلك، فعند باب كل عنبر يقف أحد الضuuباط وفي يuuده عصى يضرب بها كل من يزحف من بين قدميه، كان على الجميع أن يقبuuل مuuدخل العنبر أثناء الزحف قبل الدخول إلى العنبر كما كان عليهم أال يرفع أحuد رأسuه إلى أعلى منذ لحظة دخوله السجن حتى ال يرى أحد وال ما يحدث حوله وعنuuدما اخطuuأ أحدهم ورفع رأسه فلمحه الضابط فما كان من العسuuكري الuuذي يقuuف بجuuواره إال أن ضربه على رأسه فاصطدمت باألرض فتuدفق الuدم منuه بغuزارة يمأل األرض ثم كان جزاؤه على ما فعله أن يقبل الحذاء المuuيري للضuuابط وكuuان هuuذا مuuا أمuuر بuuه فركله العسكري بقدمه بقوة على فمuuه المصuuاب ليقبuuل حذائuuه والuuدماء تتسuuاقط عليها ثم أكمل مسيرة الزحف بين قدمي الضابط إلى داخل العنuuبر وعنuuدما وصuuل بمنتصف جسمه بين قدميه أغلقهما عليه وأخذ ينهال عليه بالعصي التي كuuانت في يuuده ثم تركuuه بعuuد ذلuuك ليواصuuل الزحuuف إلى داخuuل العنuuبر ليجuuد أمين الشuuرطة ومجموعة من العساكر يتلقون من يuأتي إليهم بالضuرب والزحuف على األرض مuع وضع أيديهم خلف ظهورهم حuuتى بuuاب الزنزانuuة ثم يتم دفعهم إلى الuuداخل وغلuuق

الباب عليهم.

وقد لخص أحد الزبانية فلسفة السجن عندما كان يقuuف وسuuط هuuذه المجuuزرة ويقول مفتخرا "إن الله عندما خلق جهنم نسي جuuزء منهuuا، هuuذا السuuجن هuuو ذلuuك الجزء الذي نسيه الله من جنهم"، قال ذلك حتى يقطuuع عليهم أي أمuuل في رحمuuة

أو شفقه أو أن ترق لهم قلوب أحد منهم في هذا المكان.

ال يشك أحد منذ أن وطئت قدماه السجن ورأى ما رأى أن الحياة فيه سuuتكون سهلة بل قاسية ولكن لم يكن يتصور أن تكuuون بهuuذا الحجم من القسuuوة، فعنuuدما كانت تuuأتي كuuل مجموعuuة يتم دفعهم داخuuل الزنزانuuة فبعضuuهم لم يجuuد شuuيء في الزنزانة والبعض اآلخر وجد بدلة لكل واحد وبطانية، وقد باتوا ليلتهم وقuuد بلuuغ بهم من اإلعياء والجهد مبلغ فقد اجتمع عليهم عذاب السفر بال نوم أو طعام مع اإلجهاد واإلرهاق نتيجة رحلة العذاب من باب السجن إلى باب الزنزانuuة والuuتي اسuuتغرقت من آذان الظهuuuر إلى آذان المغuuuرب ولم يمنعهم من مواصuuuلة المسuuuيرة إال أن تركوهم بهذه الحالة بال طعام أو شراب وذهبوا ليتناولوا طعام إفطuuارهم ألنuuه كuuان يوم من أيام شهر رمضان وكأن هؤالء األسرى هم من اليهود وليسوا مسuuلمين لم تكن جريرتهم إال أن وقفوا ضد الظلم و الطغيان ثم عuuادوا مuuرة أخuuرى بعuuد صuuالة العشاء ليكملوا معهم مسلسل التعuuذيب، وقuuد بuuاتوا ليلتهم وهم مuuنزوون في أحuuد الزوايuuا منكمشuuون على أنفسuuهم من شuuدة الuuبرد يفترشuuون األرض ويلتحفuuون بجلودهم وال يجدون ما يسد به رمقهم من شuدة الجuوع فبuاتوا وال يعuرف أحuد مuا

مصيره وال كيف ستسير بهم حياتهم وال ما تخبئ لهم األيام في باطنها.

52

Page 53: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كان عليهم أن يستيقظوا كل يوم في الصuباح عنuد اسuتالم الورديuة األولى في حوإلي الساعة السادسة صباحا ليضع كل واحد منهم بطانيته في مكuuان واحuuد في الزنزانة ويقفوا في اتجاه الحائط رافعين أيديهم إلى أعلى وينظمون بuuأرجلهم )أي الجري في المكان( وكانت عملية مجهدة وخاصة أن هuuذا الوضuuع كuuان يسuuتمر في الفترات األولى إلى استالم الوردية الثانية في حuuوالي السادسuuة مسuuاء وكuuان في أثناء هذه الفترة الممتuuدة يقuuوم أمين الشuuرطة وعuuدد من العسuuاكر باالنتشuuار في طرقة العنبر والنظر من حين آلخر في نافذة الباب ليتأكد من تنفيذ تلك التعليمات وكان ال يجرؤ أحد على أن يخالفها حتى إذا أراد أحuد أن يuذهب إلى دورة الميuuاه ال

يكون إال خلسة وبسرعة مخافة أن يراه أحد.

كان تعيين الطعام يوزع أحيانا مرة واحدة وأحيانا مرتين أثنuuاء النهuuار، وبسuuبب عuuدم وجuuود أطبuuاق معهم في البدايuuة فكuuانوا يضuuعون لهم الطعuuام على األرض مباشرة يصنعون حوض أو اثنين وسط كمية األرز ويضعون فيها العدس، أما الخuuبز فكانوا يرمونه على األرض ويضعون فوقه قطعة الجبن إلى أن تم بعد ذلuuك توزيuuع عدة أطباق بالستيك لكل زنزانة وجردال فكان الجردل مخصuuص للزبالuuة في الليuuل وبقية النهار وعند اسuuتالم الطعuuام يتم غسuuله واسuuتالم الطعuuام فيuuه وكuuانوا أحيانuuا

يضعون لهم الطعام فوق الزبالة.

كانت المياه ال تمثل مشكلة في البداية فكانت تأتي منتظمة ثم بعد فترة بدأت تمثل لهم معاناة فكانت تنقطع لمدة يومين أو ثالثة متواصلة ثم تأتي لفترة قصيرة من ساعات الليل وكأنهم يريدون أن يحرموهم من راحة الليل أيضا، بجانب إجهuuاد النهار، فكانوا يستيقظون لتخuuزين المuاء في أطبuuاق الطعuuام للشuراب منهuا أثنuuاء فترة االنقطاع وعند توزيع التعيين في النهار كانت بعض الزنuuازين تعمuuل بركuuة من

المياه في جزء منخفض من األرض ثم يشربون منها عند اللزوم.

كان غسيل األطباق الستالم التعيين فيهuuا يتم بuuدون أي منظفuuات لعuuدم وجuuود صابون أو رابسو أو غيره وكان يتم توزيع قطعة واحدة من الصابون كل شهر على عدة زنازين حيث يتم تقسيمها إلى قطع صغيرة ال تتعدى السuuنتيمترات، كuuان حلم االستحمام يراود الكثير ولكن هيهات في تلك الظروف فمن يراوده هذا الحلم كان عليه أن ينتظر عدة أشهر حتى يحققه عندما سمحوا بuuدخول بعض قطuuع الصuuابون

في الزيارة.

هناك الكثير من األشياء التي كانت تعد من الكماليات ال ينبغي االلتفuuات إليهuuا، فكان ال يوجد مالبس سوى هذه البدلة والتي تمزقت أوصالها بفعل الزمن فكuuانت تظهر أكثر مما تستر وكان يتم استبدالها أحيانuا كuuل أسuuبوعين ثم بعuuد ذلuك كuuانت تستبدل كل عدة أشهر بعد أن تكون مهملة ال تصuuلح لشuuيء، أمuuا البطuuاطين فهي

واحدة أو اثنين وال يسمح لهم بالزيادة مهما كانت قسوة البرد في فصل الشتاء. 53

Page 54: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كانوا ال يتركونهم يتجرعuuون مuuرارة الظuuروف والuuتي صuuنعوها لهم وهي كفيلuuة بتدمير الجبال الرواسي بل زادوا األمر قسuuوة فuuوق مuuرارة مuuا يتجرعونuuه، فكuuانوا يسومونهم سوء العذاب صباحا ومسuاء وليال ونهuارا، فيبuدأون يuومهم عنuد اسuتالم الوردية بالضرب اإلهانات وكذلك عند تسليمها مساءا يكون نفس األمر وكذلك عند توزيع التعuuيين تuuدخل مجموعuuة من العسuuاكر تضuuرب كuuل أفuuراد الزنزانuuة وكuuأنهم يدفعون ثمن إطعامهم وهuuذا كلuuه بخالف التفuuتيش الuuدوري والuuذي كuuان يقuuوم بuuه ضuuابط العنuuبر وعuuدد كبuuير من القuuوات والuuذي كuuان بصuuفة يوميuuة في البدايuuة ثم أسبوعين بعد ذلك وكان على الجميع أن ينتظر مuuا يحuuدث لهم من الuuويالت عنuuدما يسمعون صيحاتهم المرعبة عند دخولهم العنuuبر وكuuانت حالuuة الوجuuود تكuuون باديuuة على الوجوه كمن ينتظر كلما انتهى من زنزانة واقuuترب من األخuuرى وكuuان يتخلuuل كل ذلك حمالت مصلحة السجون التأديبية والتي كانت ال يكفيها ما كان يتعرض لuuه

السجن من إبادة جماعية فكانت تأتي لتبطش بالجميع بال رحمة.

كان إشاعة حالة الترقب والخوف بصفة عامة كان الهuدف منهuا إتبuاع سياسuة اإلرهاب النفسي والبدني فإلى جانب مuuا سuuبق من حمالت تعذيبيuuة شuuبه منتظمuuة تركوا الحبل على غاربه لزبuuانيتهم الصuuغار يتالعبuuون بهم كيفمuuا يشuuاءون ويحuuدثوا فيهم من التنكيل والبطش كما يريدون، فكuuان أمين الشuuرطة وهuuو المسuuئول عن شئون العنuuبر كuuان يuuدخل أي زنزانuuة في أي وقت ليقطuuع عن نفسuuه حالuuة الملuuل بتعذيب هؤالء المقهuورين فكuان يuأمرهم عنuدما يصuفق بيديuه ينبطح الجميuع على األرض وإذا صفق مرة أخuuرى يهبuuوا واقفين فكuuان يفعuuل ذلuuك بهم حuuتى يبلuuغ بهم الجهد واإلعياء مبلغه فيتركهم ويذهب إلى زنزانة أخuuرى، وعنuuدما اعuuترض أحuuدهم على بطشه أثناء توزيع التعيين عنuuدما قuuام بضuuرب من يسuuتلم التعuuيين منهم على صدره فمنع وصول يده إلى صدره فما كان منه إال أن نظر إليuuه نظuuرة يفهم منهuuا معناها من الوعيد ثم خرج وبعد قليل جاءت قuuوات من السuuجن وأخuuذوا ذلuuك األخ إلى خارج الزنزانة وأوسعوه ضربا حتى كادت روحuuه أن تفuuارق جسuuده وفي نفس الوقت كانت هناك مجموعة أخرى تبطش بمن معه في الزنزانة كنوع من سياسuuة العقاب الجمuاعي ثم حملuوه جثuة هامuدة بين الحيuاة والمuوت ورمuوه في أرضuية الزنزانة وال يشك أحد أنه ينازع الموت ألنuuه كuuان يخuuرج من فمuuه سuuائل أبيض، لم يتركوا األمر يمر بدون أن يحدثوا أكبر قدر من النكاية فجاءت قوات أخرى ضuuخمة ليذيقوا جميع العنبر سوء العذاب بما فيهم تلك الزنزانة ونفس الشخص الذي كuuان

ممددا على األرض ال يستطيع حراكا.

لم يكن تجرؤهم على انتهاك حرمuuة النفس البشuuرية فقuuط بuuل كuuان تجuuرؤهم على شعائر وحرمات الله أشد فكان ال يسمح باآلذان وكانوا يتتبعuuون الصuuوت عنuuد سماع اآلذان ليعرفوا مصدره ويضربوا صاحبه حتى يمتنع عن ذلuuك وكuuان ينuuال من

54

Page 55: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

معه أيضا اإليذاء والتنكيل بهم بل كانت صالة الجماعuuة أيضuuا ممنوعuuة فuuإذا دخلuuوا زنزانة ووجودهم يصلون جماعة يأمروا اإلمام أن يخرج من الصالة فإذا لم يستجب كان يتم سحبه أثناء الصuالة وضuربه ومن معuه ولكن كuان هنuاك تصuميم على أداء تلك الشعائر مهما كلف األمر من تعذيب، فعندما يأخذون واحuuدا منهم أثنuuاء اآلذان لضربه يصعد آخر في مكان آخر فإذا أخذوه يصعد ثuuالث وهكuuذا إلى أن يأسuuوا من

ذلك، وكذلك فعلوا في صالة الجماعة.

كانت معرفة مواقيت الصالة من األمور التي ال سبيل إليها في ظل هذا الوضع فالسuuجن في مكuuان نuuاء ال يسuuمعون صuuوت آذان وكuuان أيضuuا ال توجuuد أي سuuاعة لمعرفة الوقت مع أحد منهم وإذا سألوا أحد من السuuجن ال يجيبuuون عليهم وكuuأنهم تواطئوا على ذلك فلم يكن وقت الصuuالة فقuuط الuuذي لم يعuuرف ولكن كuuان اتجuuاه

القبلة أيضا لم يعرف فكان كل باجتهاده وقد ظل األمر كذلك لفترة من الوقت.

لم يراعوا حرمة آذان أو صالة ولم يسلم منهم المصuuحف فكuuان يأخذونuuه منuuذ لحظة دخول السجن وكانوا حريصين كل الحرص على عuuدم تسuuريب أي مصuuحف إلى الزنازين فكان من األشياء التي يتم البحث عنهuا بكuل جديuة عنuد كuل تفuتيش ويتم عقاب الجميع إذا وجدوه وكأنه جريمuuة يسuuتحق الجميuuع عليهuuا العقuuاب، وقuuد وصل بهم استهانتهم به أن قام أحدهم بتمزيقه ورقuuة ورقuuة ثم أمسuuك كuuل ورقuuة

وقام بتقطيعها قطع صغيرة.

وآخرون كانوا يهزئون بآيuuات اللuuه وكالمuuه، فعنuuدما الحuuظ أحuuد الضuuباط كالمuuا مكتوبا على الحائط وكان ممنوع الكتابة فقال لهم ما هذا فأخبروه أنه قرآن نكتبuuه لكي نحفظه فقال لهم امسحوا هذا الكالم وال توسuuخوا الحائuuط، وهuuذا آخuuر يقuuول مستهزئا أثناء الضرب لجنuuوده اتقuuوا اللuuه وأوقفuuوا الضuuرب ومن يتuuق اللuuه يجعuuل له .... ثم قال كلمة ال يستطيع أن يقولها شuuيطان حيuuاء من اللuuه تكuuاد السuuماوات والجبال وكل من في الكuون أن يرتعuدوا خشuية أن يuنزل عقuاب من اللuه بسuببها ولكنه كان يقولها ويضحك بعدها بملئ فيه وكأنه قد أمن عقاب الله وعذابuuه أو أنuuه قد أمن الموت ولقاءه، وهنuuاك الكثuuير من المواقuuف الuuتي ال تحصuuى وال تعuuد ممن انتهكوا حرمات الله، فعندما كانوا يدخلون بعض الزنuuازين لضuuربهم ويجuuدون أحuuدا يصلي يأمرونه أن يخرج من الصuuالة فuuإذا اسuuتمر في صuuالته أداروا رأسuuه بأيuuديهم جهة اليمين واليسار ثم يضربونه وباقي أفراد الزنزانة، فهذا بعض مما كuuان يحuuدث أثناء النهار حتى إن البعض كان يتمنى عنuuدما يuuرخى الليuuل سuuدوله أال يuuبزغ عليهم فجر جديد، كuuان الجميuuع يتمuuنى ولuuو لحظuuة واحuuدة يهنuuأ فيهuuا بuuاألمن واالسuuتقرار النفسي، ومع ذلك لم يتركوا لهم الليل أيضا فكان هناك عuuدد من العسuuاكر تجuuوب طرقات العنبر تنظر من نافذة الباب يهuuددون ويتوعuuدون من يجدونuuه يتحuuدث إلى من بجواره ولو بصوت خافت فكان النوم إجبuuاري وال يسuuمح بمخالفuuة ذلuuك األمuuر

55

Page 56: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ومن يخالفه يجد عقابه في انتظاره في الصباح بل وقد ينزل العقاب بuuالجميع، فلم يتركوا أي مجال إال كان التضييق والتنكيل هو السمة العامuuة لهuuا حuuتى إن الزيuuارة كانت تمثل مأساة من مآسيهم التي ال تنتهي في هذا السجن فكانت تبuuدأ المعانuuاة بعدما يخuuرج من نuuودي على أسuuمائهم إلى الزيuuارة ليصuuطفوا خلuuف بعض محنuuيي الرؤوس يضع كل واحد يده على الذي أمامه وكان عليهم أن يسيروا تلك المسuuافة الطويلة إلى المكان المخصص للزيارة وفي هذا الحر الشuuديد وفي هجuuير الصuuيف على اإلسفلت حفاة األقدام فكانوا يسيرون وكأنهم يمشuuون على الجمuuر فال يكuuاد أحد أن يضع قدمه على األرض حتى يرفعها بسuuرعة من شuuدة الحuuرارة وكuuان من يسير معهم من أمناء الشرطة أو العساكر يمشون في الظل ويuuتركونهم يقاسuuون ذلك العذاب بل إنه كuuان إمعانuuا منuuه في إذاللهم وتعuuذيبهم كثuuيرا مuuا يتوقuuف أثنuuاء الطريق وهم ينتظرونه وكuuأنهم يتقلبuuون على الجمuuر، وكuuان منهم من يصuuعد على ظهر أحدهم أثناء الطريق حتى ال يجهد نفسه في المشي وال يبالي بما أصابهم من إجهuاد وهم يسuيرون بهuذا الوضuع المخuزي هuذه المسuافة الطويلuة وكuان العuرق يتصبب منهم بغزارة إلى أن يصلوا مكان الزيارة وكانت األعداد كثيفة فتبدأ الزيارة والتي ال تستمر سوى ثالثة دقuuائق في أحسuuن أحوالهuuا بالصuuراخ حuuتى يسuuمع كuuل منهما اآلخر، فكانت تتم عبر سلكين كالمعتاد كما في بقية السجون وكان يمuuر في بعض األحيuuان خاللهمuuا بعض الضuuباط أو أمنuuاء الشuuرطة ليسuuتمع إلى الحuuوارات الدائرة بين كل واحد وأهله ليتأكد من تنفيذ تعليماتهم بعuuدم التحuuدث مuuع أحuuد في الخارج عما يحدث لهم في السجن وكان يتم التشديد على ذلك قبل الزيارة، وبعuuد أن تنتهي الزيارة يخرج كل واحد يلقى مصيره في الخارج بين ضرب وركل وصuuفع أثناء أخذ الطعام والذي كان يوضع كله على بعض – حتى لuuو كuuان هنuuاك منظفuuات مثل الرابسو أو الصابون – في بطانية حيث كان ممنوع دخول أي أكياس بالسuuتيك إلى السuuجن، ثم تكuuون رحلuuة العuuودة في لهيب الشuuمس الحارقuuة فيصuuلون إلى

الزنزانة وبعضهم يتساقط جلد قدمه من أسفل من شدة حرارة اإلسفلت.

كuuانت سياسuuة الحصuuار تمuuارس من قبuuل إدارة السuuجن بuuدءا من منuuع دخuuول الطعام إال بكميات قليلة في الزيارة مرورا بقلة كمية التعيين الميري ورداءتuuه بuuل وسرقته ثم بيعه لهم مرة أخرى انتهاء بعدم السماح لهم بشراء بعض األشياء التي يحتاجها المرضى مثل السكر والملح وغير ذلك على نفقتهم الخاصة، وحتى عنuuدما سمح لهم بذلك وقاموا بشراء كميات كبيرة جاءت في اليuuوم التuuالي قuuوات كبuuيرة من مصلحة السجون وكان جل اهتمامهم هو جمع هذه األشياء والتي تقدر بuuاآلالف من الجنيهات وأخذها منهم ولم يتركوا لهم إال الفتات حuتى عنuدما أخuذت الشuفقة أحد الضباط وقال لجنuuوده خuuذوا كuuل شuuيء واتركuuوا لهم الملح فهم ال يسuuتحقون سوى الملح وعندما وجدوا مصحف في الزنزانة ثارت ثائرته وقال لهم خuuذوا حuuتى

الملح فهم ال يستحقونه.

56

Page 57: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

وجدت األمراض بأشuuكالها المختلفuuة تربuuة خصuuبة لهuuا في هuuذا السuuجن نتيجuuة حاالت الضعف الشديدة والهزال الذي أصاب الكثير بسبب هذه الظuروف القاسuية التي يعيشون فيها فانتشرت األمراض سواء المزمنة منها أو غير المزمنة والفتاكuuة والخطيرة أو البسيطة فقد انتشر مرض الدرن بكثافة نتيجة سوء التغذية وسuuهولة انتقالuه بسuرعة بسuبب اختالط المرضuى بغuuيرهم وعنuuدما استعصuى األمuر قuuاموا بتجميع أعداد كبuuيرة وصuuلت إلى ثالثمائuuة في أحuuد العنuuابر وهuuذا بخالف من رفض الخروج لعلمه المسبق بعuuدم اهتمuuامهم بالمرضuuى وعنuuدما زاد األمuuر أكuuثر فuuأكثر قاموا بتخصيص زنزانة في كل عنبر للمرضى ومع ذلك لم يكن هنuuاك أي رعايuuة أو اهتمام بهم وكان وضعهم في الزنازين أفضل حاال ألنهم يجدوا من يرعاهم ويحاول أن يوفر لهم الطعام حuتى ولuو على حسuاب نفسuه، فمن كuانت إصuابته بuالمرض ضعيفة زادت نسبة المرض وتمكن منه نتيجة اختالطuuه بغuuيره من المرضuuى وكثuuير منهم قد أصيب بانتكاسة شديدة نتيجة انقطاع العالج عنه لفترات وهذه االنتكاسuuة تأثيرها أشد من الحالة األولى ثم إنهم بعد ذلuuك قuuاموا بتuuوزيعهم مuuرة أخuuرى على السجن كله وكأنهم يريدون أن ينشروا المرض في جميع أنحاء السجن وكان يدخل على من تبقى من المرضى في ذلuuك العنuuبر بعض القuuادمين من الخuuارج ليسuuكنوا معهم في نفس المكان فيجدون حuالتهم سuuيئة وكuuأنهم أشuuباح في صuورة آدمuيين فأجسuادهم نحيلuuة وعظuuامهم تكuuاد تشuق طريقهuا من ثناياهuuا جلuuودهم ووجuوههم شاحبة صفراء اللون وقد ارتسمت عليها آالم الحيuuاة، ومالبسuuهم رثuuة قuuد تمuuزقت أوصالها وال يجدون ما يرقعونها به، كuانوا يتحركuون وكuأنهم مuوتى قuuد خرجuوا من

قبورهم، تلك هي الصورة التي يراها القادمون إليهم من الخارج.

كذلك انتشرت كثير من األمراض الجلدية نتيجة سuuوء التهويuuة وعuuدم التعuuرض للشمس لسنوات طويلة وعدم وجود أي عالج وسوء الرعايuuة الصuuحية وخاصuuة أن المسئول عن رعايتهم صuuحيا وهuuو طuuبيب السuuجن كuuان يصuuب جuuام غضuuبه عليهم ويحملهم مسئولية مجيئه في هذا المكuuان فكuuان أفضuuلهم حuuاال من يuuرفض إجuuراء الكشف على المرضى أما بعضهم فكان ينتقم منهم إما باإلشراف على التعذيب أو أن يشارك بنفسه في تعذيبهم ونتيجة هذه األسباب كانت حالتهم المرضية تتuuدهور فكثرت التقيحات الصديد حuuتى ملئ معظم أجسuuادهم فتم عuuزلهم في زنزانuuة في كل عنبر وكانوا يأتون كل يuuوم لضuuربهم ثم أخuuذهم إلى الحمامuuات وضuuربهم مuuرة أخرى وكuuانت هuuذه هي رعايتuuه لهم واهتمuuامهم بهم، وكuuان يuuدخل عليهم الضuuابط ممتنا ويقف ويشرح لهم عن المشاق التي القاها والمعانuاة الuتي تكبuuدها من أجuل أن يأتي لهم بالعالج ومسيرة كفاحه وكان أثناء حديثه يقuuوم بعض العسuuاكر بتوزيuuع بعض الركالت والصفعات، ثم بعد أن يلقي محاضرته الطويلة يعطيهم قطعة مرهم في حجم عقلة اإلصuبع لجميuuع أفuuراد الزنزانuة كلهuا ثم يخuuرج مزهuuوا بهuذا العمuل

الخيري الذي صنعه لهم.

57

Page 58: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كانت رائحة الموت تفوح من أماكن مختلفة من السجن وتنتقل من مكuuان إلى مكuuان لتخلuuف وراءهuuا الكثuuير من ضuuحايا التعuuذيب واإلهمuuال والضuuغوط النفسuuية والعصبية، فاألخ محمد جاد الكريم والذي كان مثuuاال للحيويuuة والنشuuاط قuuد أصuuيب بضعف شديد وفقدان الشهية عن الطعام نتيجة الظروف القاسية التي تحيuuط بهم وكانوا يرجعونه إلى الزنزانة كلما خرج إلى العيادة بعد تركuuه فuuترة على األرض ثم

يعود مرة أخرى وقد ظل هذا األمر يتكرر حتى فارق الحياة.

وكذلك األخ محمد سالم والذي كان مريضا بالقلب ونتيجة عدم تناوله أي أدوية للعالج تدهورت حالته وتوفي عند وصوله إلى المستشفى، وأحد اإلخوة قuuد أصuuيب بتسمم معوي ورفض حارس العنuuبر أن يuuأتي عنuuدما طلبuuوا منuuه إسuuعافه فنهuuرهم

وتركه يعاني مرارة األلم ثم مات في نفس اليوم.

أما األخ محمود خلف فقد أصيب بحالuة نفسuية سuuيئة نتيجuuة التعuuذيب الشuديد حتى وإنه نتيجة الضغوط النفسية والفزع الشديد الذي أصابه كان يتخيuuل أشuuياء ال وجود لها في الحقيقة فكان يقوم من الليل أثناء النوم مفزوعا ويتجuuه بسuuرعة إلى الحائط ويرفع يديه – مثلمuuا كuuانوا يuuأمرونهم أن يفعلuuوا أثنuuاء النهuuار – وكuuان يحث البuuاقين أن يفعلuuوا مثلuuه مخافuuة أن يصuuيبهم أذى وكuuان يصuuرخ فيهم ويقuuول إنهم قادمون – يقصد القوات قد جاءت لضربهم – وكuuان من حولuuه يحuuاولون أن يهuuدئوا من روعuuه وأن يطمئنuuوه ولنكuuه كuuان يحuuدثهم وكأنuuه نuuذير لهم خuuائف عليهم من بطشهم وقد تدهورت حالته الصحية نتيجة فقدانه للشهية عن الطعام تuuدريجيا إلى أن فقد القدرة على األكل تماما فأصيب بالدرن واشتد عليه المuرض حuتى فاضuت

روحه وكانت أمنيته أن يهنأ بساعة يشعر فيها باألمان.

أما قصة وفاة األخ علي حسن فهي دليل على مدى القهر واإلذالل الذي كuuانوا يعانون منه، فبعد حادثة األقصر والتي مات فيهuuا كثuuير من السuuياح في نهايuuة سuuنة

حضر ضابط أمن الدولة ومعه صور المجموعة التي قتلت أو قتلوا أنفسuuهم1997 كما ذكرت ذلك وسائل اإلعالم وكانت األخبار متضاربة في شأنهم وكuuانت األجهuuزة األمنية ال تعرف عنهم شيئا، فعندما حضر الضابط فكان يدخل كل زنزانة من ينوب عنه ويقف هو في الخارج حتى ال يراه أحد وكان يتسuuمع إلى الحuuديث الuuذي يuuدور بالداخل فكان يعطيهم الصورة لينظروا إليها ويقول لهم هuuل يعuuرف أحuuد منكم أي شخص من هؤالء أو قابله مرة بالصدفة في الطريuuق أو على مقهى أو كافيتريuuا أو أي مكان وله مكافأة من الوزارة مائة ألف جنيه يأخuuذها ويuuنزل حuuاال إلى القuuاهرة فكانوا ينظرون إلى الصور ويخبرونه أنهم ال يعرفون عنهم شيئا، وعنuuدما يغuuادرون الزنزانuuة كuuانوا يuuدعون لهم بالرحمuuة ويتعجبuuون من وضuuعهم ومنظuuرهم فكuuانوا يجلسون على شكل دائرة وكأنهم متكئون ومضروب كل واحuuد منهم بطلقuuة ناريuuة في رأسه في نفس المكان ويظهرون في الصورة وكأنهم يبتسمون فكان أمر يثير

58

Page 59: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الدهشة، وفي أحد الزنازين عندما رأى األخ علي حسuuن الصuuور تعجب من هuuيئتهم وقال لشخص آخر يقف بجواره بصوت منخفض انظر إليهم وهم يبتسمون ثم دعuuا الله لهم أن يتقبلهم في الشهداء فسمعه أحد الuuواقفين منهم فuuأخبر بuuذلك ضuuابط أمن الدولة، والذي يقف بالخارج فما كان منه إال أن أخذه معهم في المكتب وظل يعذب فيه فترة على هذا الموقف وتفوهه بهذه الكلمات وأراد أن يمعن في إهانتuuه وإذالله فأمر أحد العساكر أن يبول في فمه ففعل فلم تتحمل نفسuuه ذلuuك فتuuوفي

بعدها بيومين كمدا.

وكذلك األخ عادل طه والذي وضuuعوه في زنزانuuة بمفuuرده في التuuأديب وظلuuوا يعذبوا فيه عدة أيام متواصلة حuuتى وجuuدوه في اليuuوم السuuادس جثuuة هامuuدة على

األرض وال يوجد موضع في جسمه إال وقد أصيب فيه من شدة التعذيب.

لم تكن صعاب السجن فقط التي اجتمعت عليهم بل من الخارج أيضا، فكuuانت الرياح تحمل إليهم العقارب والتي كانت تلuuدغ بعضuuهم بسuuمها وكuuانت تهب عليهم العواصف فتمأل جنبات السجن بالرمال فيضعون غطuuاء على وجuuوههم يحميهuuا من

الرمال والتي كانت تمأل جوانب الزنزانة.

يمر عام خلف عام ال يفرقون بين هذا وهذا وال بين يوم ويuuوم فكالهمuuا يحمuuل في طياته األسى، ست سنوات مضت ومازالت األوضاع كما هي، لم تتغير إال تغيرا طفيفا إلى أن بدأت رحلة العودة من جديuuد إلى سuuجون الوجuuه البحuuري في نهايuuة

. 2002، 2001سنة

59

Page 60: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

سجن الفيوم

سجن الفيوم من السجون التي تم بنائها في توقيت قريب من سuuجن الuuوادي، فبعد االنتهuuاء من تuuرحيالت سuuجن الuuوادي والuuتي اسuuتمرت قرابuuة شuuهرين بuuدأت

الترحيالت تتجه من سجن االستقبال مرة أخرى إلى سجن الفيوم.

كانت بعض األخبuuار تتسuuرب إلينuuا عن سuuجن الuuوادي أثنuuاء وجودنuuا في سuuجن االستقبال ورغم محاولة التخفيف من حدتها حتى ال تثير القلق إال أنها كانت كفيلuuة بنقل الوضع المأساوي هناك وعندما بدأت الترحيالت إلى الفيuuوم توقعنuuا أن يكuuون األمر هناك مثل الوادي حتى إن طريقة الترحيل من حيث األعداد والتuuوقيت كuuانت متشابهة إلى حد كبير فقد تحuuرك بنuuا مuuوكب السuuيارات بعuuد وقت العشuuاء تقريبuuا وكان التكدس شديد حيث كان العدد في كل سuuيارة حuuوالي خمسuuة وأربعين فuuرد

بخالف األمتعة والتي أخذت منا هناك.

كنا ندعو الله أثناء الطريق وعندما تuuوقفت السuuيارات أمuuام السuuجن أن يكألنuuا برحمته وأن يخفف عنا ما نحن مقدمون عليه، عنuدما دخلت السuيارة إلى السuجن كuuان هنuuاك عuuدد من العسuuاكر تتسuuابق أيهم يلتهم فريسuuته أوال وأخuuذوا يضuuربون بالعصي التي في أيديهم السuuيارة من الخuuارج وعنuuدما فتح البuuاب انuuدفعنا في أول مجموعة من السيارة حتى ال نعذب مرتين مرة عند سuuماع أصuuوات التعuuذيب لمن سبقنا ونحن في انتظار ما سيحدث لنا ومرة عنuuد وقوعuuه علينuuا ففضuuلنا أن يكuuون مرة واحدة فقط وليقضي الله أمرا كان مفعوال، عنuuدما انuدفعنا إلى أسuuفل أخuذوا منا كل ما نملك من أمتعة ومالبس والمصاحف وغيرهuuا حuuتى الشباشuuب واألحذيuuة لم يتركوها لنا ثم انهالوا علينا بالضرب إلى مبنى اإلدارة ألخذ بيانات الuدخول فكنuuا ننتقل من مكتب إلى آخر بسرعة من الضرب والشuuتائم وكuuانوا يأمرونuuا أن نجuuري بسرعة ثم نتوقف فجأة فيسقط بعضنا على بعض، وبعuuدها قuuاموا بتجميعنuuا خuuارج مبنى اإلدارة في الطريuuق المuuؤدي إلى العنuuابر فكنuuا نسuuير ونحن منحنuuيي الظهuuر والعساكر ال تتوانى عن الضرب فوق ظهورنا العارية حuuتى وصuuلنا إلى العنuuابر فتم توزيعنا على الزنازين وكانت الساعة الثانية ليال فحمدنا اللuuه فكنuuا نتوقuuع أكuuثر من ذلك، كان لكل واحد بطانية وبدلة فقط وكuuان ال يوجuuد أطبuuاق فكنuuا نضuuع الطعuuام

على األرض عند استالمه.

كان أكثر ما ينفرد به سجن الفيوم من سياسة هو المجاعة الشuuديدة وسياسuuة الحصار والتجويع الشديد والتي استمرت عدة سنوات متصuuلة حيث منعت الزيuuارة منذ بداية الدخول إلى السجن كما أن الطعام والذي كان يuuوزع علينuuا من السuuجن باإلضافة إلى كميته القليلuuة والuuتي ال تكفي أحuuد كuuان رديئuuا جuuدا فكuuان يكuuثر فيuuه

60

Page 61: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

التراب وحبات الرمال وكذلك أيضا القواقع والتي كانت تسبح فيه مثلما كانت تأتي إلينا السبانخ أما البطاطس فتأتي إلينا مطبوخة بقشuuرها وتعلوهuuا أيضuuا طبقuuة من الطين فكنا نقوم بتقشيرها وأكلها والبعض كان يقوم بأكل القشuuر أيضuuا من شuuدة الجوع وكذلك الفول والذي يأتي متالزما مع كمية السuuوس المناسuuبة فنقuuوم بuuنزع القشرة عنه إلجراء عملية الفصل بينهما وكان األمر األكثر واقعيا نأكله كما هو أمuuا قطعة الجبنة الصغيرة فكنا نذيبها في كمية من الماء حتى نجد ما نأكله ألنها كuuانت تأتي على فترات، أما المشروبات الترفيهية مثل مشروب قشر البرتقال أو عصuuير البطيخ فكان يأتي إلينا على فترات بعض وحدات البرتقال لكل زنزانuuة فكنuuا نقuuوم بتقشيرها وتوزيعها فصuuوص علينuuا ألنهuuا ال تكفي ثم نضuuع القشuuر في الملح لعمuuل مخلل أو أن نقطعه قطuuع صuuغيرة ونضuuعه في مuuاء دافئ ثم نشuuربه وكuuذلك أيضuuا البطيخ فكان يأتي لكuuل عuuدة زنuازين واحuدة فقuط فكuuان نصuيب الزنزانuة قطعuuة صغيرة فكانت توضuuع في مuuاء وبعض السuuكر وتشuuرب كعصuuير أمuuا القشuuر فكuuان الطعام المفضل لدى البعض منا، كنا من شدة الجوع نأكل أي شيء حتى لuuو كuuان ردئ أو ال يؤكل فكان البعض يجمع بقايا الردة والتي تسقط من الخبز ويأكلها حتى لو كانت مخلوطة بتراب األرض كما كان البعض يأكل عرش الجزر عندما يأتي إلينا وهو الجزء األخضر الذي ال يؤكل، كما كنا نطلب ماء الجبنة التي توزع علينuuا والuuتي تسمى الشرش لكي نأكلها فكuuانوا يرفضuuون أن يعطونuuا منهuuا وبعuuد أن نسuuتعطف قلوبهم يسمحوا لنا بطبق ماء الجبنة برغم أنهم يرمونها بعد توزيع الجبنة علينuuا في

العنبر فكنا نضع عليها بعض الزيت ثم نأكله.

كنا ال ندرك معنى المجاعة حتى لفحتنا بلهيبها وعشناها واقعا ملموسا فكم بتنا من الليالي نتضور جوعا نطوي بطوننا ال نجد ما نأكله حتى أصيب الكثuuير بالضuuعف والهزال وانتشرت بيننا األمراض وخاصة الدرن )السل(، حتى إنهم عنuuدما سuuمحوا بالزيارة والتي لم تستمر إال لفترة قصيرة كان ال يسuuمح بuuدخول الطعuuام إال وجبuuة صuuغيرة ال تكuuاد تكفي شuuخص واحuuد فضuuال عن أكuuثر من ثالثين فuuرد في الزنزانuuة

الواحدة.

كان ال يوجد معنا أي مالبس سuuوى هuuذه البدلuuة والuuتي تسuuلمناها عنuuد دخولنuuا السجن وكانت تتقطع أوصالها كلما تقدم بنا الزمن ومع ذلك ال يأتون بغيرها إال بعد فترة فكنا نأخذ قطعة من البنطلون لنرقعها بها وأحيانا أخرى نتركهuuا عنuuدما نيuuأس منها لكثرة ترقيعها وكانوا في بداية السuuجن يأخuuذون البدلuuة الuuتي علينuuا ويتركوننuuا

عدة أيام بال مالبس ثم يأتون بغيرها أسوأ منها.

كانت الزنازين خالية من أي شuuيء سuuوى هuuذه األشuuباح المتكدسuuة فقuuد كuuان الزحام شديد وقد وصل العدد إلى أكثر من خمسة وثالثين في هذا المكان الضuuيق فكنا ال نستطيع أن نتحرك داخل الزنزانuuة أو نتنفس إال بصuuعوبة وخاصuuة في الحuuر

61

Page 62: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الشديد والذي كنا نتصبب فيه عرقا فكانت مالبسنا صuuفراء اللuuون دائمuuا من شuuدة العرق وكنا نحيا في هذا المكان حياة كاملة على مدار أربع وعشuuرين سuuاعة لعuuدة سنوات وكان ال يسمح لنا حتى الخروج للتهوية في هذا الزحام، وكنا ننام في الليل بالتناوب على فترتين وأحيانا فuترات فuالبعض كuان ينuام أول الليuل والبعض اآلخuر

ينام آخر الليل.

كانت األطباق البالستيك والتي سمحوا لنا بها بعد ذلك كانت تستخدم ألغuuراض مختلفة فهي في الليل تستخدم كمخدة نضuuعها تحت رؤوسuuنا لننuuام عليهuuا وكuuانت غالبا ال تكفي األعداد كلها فكان البعض يضع يده كبديل لينام عليها وأمuuا في النهuuار فهي الستالم الطعام وكانت أيضا لتخزين الماء والذي كثuيرا مuا تنقطuع لعuدة أيuام وقuuد وصuuلت في بعض األحيuuان إلى أكuuثر من ثالثين يومuuا حuuتى إن الكثuuير كuuان ال يستطيع أن يتحرك بسبب قلة الماء في هuuذا الحuuر الشuuديد وشuuدة العطش وكuuان يوزع خالل هذه األيام كميuuة قليلuuة جuuدا لكuuل زنزانuuة بعuuد عنuuاء شuuديد وإلحuuاح في المطالبة حتى سمحوا بتوزيع هذه الكمية والتي كانت ممزوجة بالصدأ نتيجuuة سuuوء التخزين وقد أصيب البعض بuأمراض في الكلى بسuبب هuذا الصuدأ، فعنuدما يكuون الماء قليل كنا نقنن استخدامه فيكون للشرب فقط أمuuا بuuاقي االسuuتخدامات فهي بعيدة المنال حتى إن الصالة كنا نتيمم لها وأحيانا ال نجد التراب للتيمم فكنا نصuuلي

فاقد الطهورين.

كنا فاقدين لعنصر الوقت والزمن فال نعرف مواقيت الصالة وال اتجاه القبلة إال بصعوبة شديدة حتى إننا في بعض الصلوات وخاصة الليليuuة نصuuليها أكuuثر من مuuرة حتى القبلة كنا نصليها في اتجاهات مختلفة لعدم معرفتنuا لالتجuاه الصuحيح والuذي عرفناه بعد فترة، أما شهر رمضان فكنا ال ندري متى بدأ وال مuuتى انتهى حuuتى إننuuا في أحد السنوات علمنا أن الشuuهر قuuد انتهى وأن اليuuوم عيuuد في منتصuuف النهuuار،

وكانوا إذا وجدوا ساعة تسربت إلينا لمعرفة مواعيد الصالة يأخذوها.

كان المصحف من األشياء غير مسموح بها في السجن وكانوا يطuuاردون وجuuود أي مصحف معنا، فمن لحظة دخولنا إلى السجن قاموا بأخذ جميuع المصuاحف ولم يتركوا منها شيء وكان عندما يتسرب إلينا مصحف نقوم بتجزئتuه إلى عuدة أجuزاء حuuتى يتسuuنى لجميuuع أفuuراد العنuuبر كلuuه القuuراءة وكuuان يتم التبuuادل بالتنuuاوب بين الزنازين وكانت نوعا من المخاطرة أن ينقل من زنزانuuة إلى أخuuرى، وإذا أراد أحuuد القراءة ملزمة مصحف صغيرة كان عليه أن يخفيها أثناء القراءة حتى ال يuuراه أحuuد فكانت هناك أعداد منتشرة في داخل العنبر وفuوق سuطح العنuبر ينظuرون خلسuة من نافذة الباب من الداخل حتى يلمحوا أحد يقرأ وكذلك الذين يسيرون في أعلى ينظرون من النافuuذة إلى أسuuفل الزنزانuuة لعلهم يجuuدوا أحuuد معuuه شuuيء فيuuنزلون بسرعة ويأخذوها منه، فكانوا يسيرون بالليل والنهuuار من فuuوق ومن أسuuفل لعلهم

62

Page 63: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

يلحظون أحد معه ملزمة أو مصحف وكأنهم قuuد أعلنuuوا الحuuرب على وجuuوده معنuuا حتى إن شغلهم الشاغل أثناء التفتيشات هو البحث عنه في الزنuuازين فuuإذا وجuuدوا شيئا أخذوه وكنا نجتهuuد أن نخفيuuه عن أعينهم بuuأي وسuuيلة ولكuuني بال جuuدوى وكنuuا نتوسل إليهم ونسترحمهم أن يتركوا لنا المصuuحف إذا وجuuدوه ولكن كuuان الضuuابط يرد علينا بكل جفاء وال مباالة إنه ممنوع فنقول له وهل كالم الله ممنوع في الئحة السجون فيقول لنا إنها أوامر وأنا أنفذها ثم يخرج وكأنه أمسك بجريمة عندنا فكنuuا نسuuترجع أمرنuuا إلى اللuuه، فكم تعuuرض الكثuuير للعقuuاب بسuuبب وجuuود سuuورة من المصحف معهم أو ضبط وهو يحاول أن يهربه أثناء دخوله إلى السجن أو عند نقله

من زنزانة إلى أخرى وغير ذلك "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم".

كان هناك كثير من األمراض التي انتشرت وخاصة الدرن بسuuبب ضuuعف جهuuاز المناعة نتيجة سوء التغذية وسياسة التجويuuع مuuع عuuدم االهتمuuام برعايuuة المرضuuى وكذلك أيضا انتشرت األمراض الفتاكة والخطuuيرة فقuuد تuuوفى األخ إبuuراهيم عقuuدة نتيجة إصابته بسرطان في الدم وقد أصيب شخص آخر بهذا المرض وتوفي بسبب اإلهمال، وكذلك األمراض الصدرية والجلدية نتيجة عدم وجود تهوية وانتشار األتربة العالقة في الهواء، ولقد كان مكانا مناسuuبا النتشuuار بعض الحشuuرات الغريبuuة مثuuل القمل األبيض نتيجة عدم التعرض للشمس فكان يسرح في السجن كلuuه ويتحuuرك بكثرة بدون قيود أو شروط من أحد وكان كثيرا ما يوقظنuuا أثنuuاء النuuوم بسuuبب مuuا يسببه لنا من أكالن وكان ال يتركنا نهنأ بنومنuuا أو سuuاعات النهuuار وكأنuuه توافuuق مuuع إدارة السجن في تعذيبنا ولقد جربنا معه جميع الطرق السلمية لكي يفارقنا ولكننا فشلنا في ذلك وكنا نضع مالبسنا التي نرتديها في الماء لعله يموت فاكتشفنا أنه ال يموت بذلك فكان البuد من إعالن الحuرب عليuه فكنuا عنuدما نسuتيقظ في الصuباح نقوم بالبحث عنه بين طيات مالبسنا لنقتله وكنا نفعل ذلك كuuل صuuباح أثنuuاء النهuuار أما في الليل لعدم وجود أي إضاءة فكنuuا ال نuuراه حuuتى من اللuuه علينuuا وانتهى هuuذا البالء وعندها أدركنا حجم البالء الذي أرسuuل على فرعuuون وقومuuه ليكuuون لهم آيuuة

ونذير.

كانت حمالت التفتيش تقوم بصفة دورية ولكنها أحيانا تطuuول بين الفuuترات من حين آلخر فكuuانت ال تسuuير على وتuuيرة واحuuدة، وكuuان بعض الضuuباط ال هم لهم إال ممارسة هواية التضييق والتعذيب معنا، فكuuان أحuدهم يقuوم بالتنصuت أثنuuاء الليuuل على الزنازين فإذا سمع صوت أي أحد يتحدث من شباك الزنزانة يقوم بفتح الباب في الليل وضuuربه وكuuان يمuuر من حين آلخuuر ومعuuه بعض الكالب البوليسuuية ليجuuبر الجميع على النوم ويمر بنفسه لينظر من نافذة الباب ليتابع ذلك وكان يبطش بمن يعاقبه فقد قام بربط أحد األشخاص من كلتا يديه على مدخل العنuuبر مصuuلوبا على القضبان الحديدة ثم انهال عليه بالضرب وكان صراخه يسمعه كuuل من في العنuuبر

63

Page 64: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

من شدة األلم ومع ذلك لم يتركه، وهuuذا بخالف مuuا كuuان يمارسuuه أثنuuاء النهuuار منضرب لهذا ومعاقبة هذا ألبسط األسباب.

أما مصلحة السجون فكانت تأتي لتقوم بضرب السجن كله بالدونك والهراواتوالعصي الكهربائية فكانت تعدها حمالت تأديبية وبصورة شبه منتظمة في السنة.

بدأت األحuuوال تتحسuuن تuuدريجيا بعuuد عuuدة سuuنوات فقuuد سuuمحوا لكuuل زنزانuuة بالخروج للتهوية لمدة نصف سuuاعة إلى سuuاعة يوميuuا فكuuانت فرصuuة سuuانحة لكي نتعرض للشمس، كما كنا نستغل ذلك في تبادل أجزء المصحف في أثنuuاء الuuذهاب أو العودة إلى الزنزانة فقد كان ممنوعا التحدث مuع الزنuازين األخuرى فكuان ذلuك

يتم خلسة دون أن يشعر الحارس الذي معنا.

كما إننا عند خروجنا إلى عيادة السجن نجuuدها فرصuuة في معرفuuة أخبuuار بعض في العنابر األخرى أو أي أخبار خارجية قuuد تصuuل إلى أي أحuuد في العنuuابر األخuuرى

وكان ذلك يعتبر مخاطرة ألنه ممنوع التحدث مع أحد أثناء وجودنا في العيادة.

استمر الوضع في السuجن على هuذه الوتuيرة إلى أن تم عمuل إضuراب لبعض المجموعات التحسين األوضاع المعيشية فتم ترحيلهم إلى سuuجن شuuديد الحراسuuة

. 2002في أبي زعبل سنة

64

Page 65: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

سجن وادي النطرون

لم تختلف سياسة سجن وادي النطuuرون عن السuuجون األخuuرى بuuل يعتuuبر من المؤسسين لفلسفة التعذيب حيث إنه يعتuuبر من أوائuuل السuuجون الuuتي تم االنتهuuاء

أي أنه قبل سجن الوادي الجديد1994من بنائها واستقبال الوافدين إليه في سنة والفيوم وغيره من السجون الحديثة.

كuuانت سuuيارات الuuترحيالت تتوافuuد من أمuuاكن مختلفuuة تحمuuل مجموعuuات من األفراد مجموعة تلو مجموعة لتدفع بهم إلى مصيرهم المجهuول في هuuذا السuجن، فكان الوافد إلى هذا السuجن منuذ اللحظuات األولى يuدرك أن مصuيرا مuا ينتظuره ولكن ال يعرف كنهه أو مضمونة فكان على الجميع قبuل أن تطuأ أقuuدامهم السuجن أن يكونوا معصوبي األعين منذ أن تتوقف السيارة أمام بوابة السجن ومنuuذ لحظuuة الدخول ال يعرف ما يحدث له وال مuuا يجuuري حولuuه فينهمuuر عليuuه الضuuرب من كuuل مكان ال يدري من أي يuuأتي، كuuل مuuا يسuuتطيع أن يفعلuuه أن يحuuاول أن يحمي على األقuuل رأسuuه فيضuuع يuuده عليهuuا ولكن بال جuuدوى، كuuانت السuuياط تمuuزق األجسuuاد، والعصي تهوي على الجميع فتشج رأس هذا وتدمي ظهuر هuذا ومن شuدة الضuرب كان البعض يسقط على األرض مدرج في دمائه والبعض اآلخuuر يحuuاول أن يتفuuادى الضرب ولكنه ال يرى فيهيم على وجهه كأعمى ضل طريقuuه في ليuuل بهيم بعuuد أن سقطت منه عصاه التي يعرف طريقه بها فيحاول أن يتحسس طريقه بيuuده ولكن أين يسير، فالجميع يدور في حلقات مفزعuة من التعuذيب يخuرج من هuذه ويuدخل تلك ال يعرف من أين بuuدأ وال مuuتى ينتهي يحuuاول أن يخuuرج من تلuuك الuuدائرة ليجuuد نفسه في دائرة أخرى فكانت تتقاذفه اآلالم من مكان آلخر يحuuاول أن يبصuuر شuuيئا لعله يجد مخرجا فال يرى إال ظالم دامس كمن فقد بصره حقيقة، كuuانت صuuرخاتهم واستغاثاتهم تمأل ساحة التعذيب أمام بوابة السجن ولكنهuا مuا كuانت تمنuع ركالتهم بأرجلهم وال صفعاتهم بأيديهم أو ضرب الكابالت والتي كانت تشق جلد الظهر شقا بال رحمة أو شفقة وال أن توقف حتى سيل الشتائم والسباب، وبعuuد أن ينتهي هuuذا الموقف يتجهون إلى العنابر ليتم توزيعهم على الزنازين وكان في انتظارهم هنuuاك مجموعة أخرى تصuuب عليهم المuuاء وهم بuuدون مالبس والuuدماء تuuنزف منهم ويبuuدأ ضربهم من جديد حتى يتم التوزيع على الزنازين والuذين ينتظuرون مصuيرهم أيضuا فكلما وفد إلى الزنزانة وافد جديد يتم ضربه وضرب جميع أفراد الزنزانة وكان يتم توزيع أي مجموعة تأتي على مستوى العنبر كله فكان أحيانuuا يuuأتي أكuuثر من واحuuد في إليوم إلى الزنزانة فكان عليهم أن يدفعوا الثمن من أجسادهم ودمائهم والuuتي من كثرتها تلطخت بها الجدران وعندما جاءت النيابة ورأتهم بهذا المنظر المأسوي

65

Page 66: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

بال مالبس وأجسuuادهم ممزقuuة والuuدماء متنuuاثرة على الحائuuط لم تفعuuل شuuيئا ولمتحرك ساكنا.

كانت المجموعات التي دخلت السجن في مراحله األولى قد تركوهم في هuuذا المنظر بال مالبس ألكثر من ثالثين يوما في الشتاء القارص ودمائهم الزالت تسuuيل

وجراحهم لم تندمل بعد.

ليت األمر يتوقف عند هذا الحد بل إنهم قد أطلقوا وحوشuuهم الضuuارية الصuuول عبد العالم ومعاونيه كالكالب المسعورة ينهشون في أجسادنا ويمزقuuون منهuuا كمuuا يشuuاءون ويلغuuون في دمائنuuا كمuuا يحلuuو لهم بال رقيب لهم أو حسuuيب عليهم، ومن يجدونه منهم لديه أي شفقة علينا يوبخونه، فعندما توفي أحدنا من شuuدة التعuuذيب ارتعد أحد معاوني عبد العالم وكان حارس العنبر فuuارتجف من هuuول المنظuuر ألنuuه كان يقف بجواره وهو في سuuكرات المuuوت فعنuuدما رأى منuuه الضuuابط ذلuuك نهuuره بشدة واعتبر هuuذا الفعuuل سuuبة في حقuuه ألنuuه ال ينبغي أن تأخuuذه رحمuuة أو شuuفقة فانطلق بعدها ال يبالي بمن مات أو بمن كسر من شدة الضرب، ورغم مuuا تسuuرب من أخبار التعذيب والممارسuuات الوحشuuية إلى بعض الصuuحف وخاصuuة ممارسuuات عبد العال إال أن ذلك لم يزده إال طغيانا فوق طغيانه، لقد كان لهم مطلuuق الحريuuة

في ابتكار طرق التعذيب المختلفة وممارستها معنا والتي لها صور مختلفة.

فقد كان علينا عند فتح باب الزنزانuuة ألي سuuبب من األسuuباب أن نهب واقفين بسرعة إلى الحائط رافعين أيuuدينا إلى أعلى حuuتى عنuuدما يuuأتي في الصuuباح ويجuuد البعض مستغرقا في النuوم يقuوم بركلuه بحذائuه حuتى يقuف مuع البuاقين، وعنuدما يخالف أحد تلك التعليمات فعليه أن ينتظر مصيره، ففي يوم الجمعة وقبل الصuuالة مباشرة فتح أحد الحراس الزنزانة فوقف الجميع ما عدا شخص واحد كuuان يصuuلي ركعuuتين وعنuuدما انتهى لم يقuuف مuuع من وقuuف فمuuا كuuان منuuه إال أن توعuuد أفuuراد الزنزانة ككل وتركنا وانصرف ولم يمض وقت طويل حuتى سuuمعنا صuيحات كثuuيرة من القوات وصخب وجلبة فكانوا يضuuربون أبuuواب الزنuuازين في الطريuuق بالعصuuي التي معهم حتى أخرجوا أفراد الزنزانة كلهم معصوبي األعين وانهالوا على الجميuuع بالضرب لم يفرقوا بين أحد وكان الضرب بوحشuuية حuuتى إن أحuuدهم كuuان يضuuرب مؤخرة رأس أحد اإلخوة بمفتاح حديد في يده كان علينuuا أن نuuدفع ثمن مuuا اعتuuبره هو خطأ مع إننا لم نشارك فيه ولكنها كانت سياسة العقاب الجماعي، وكان يحمل كل منا شخص آخر فوق كتفه ويقف على قدم واحدة والضرب يuuنزل على الجميuuع األعلى واألسفل حتى أدميت ظهورنا العاريuة من كuثرة الضuرب أمuا األخ الuذي لم يقف فقد أخذوه في جانب بمفرده في وسط دائرة من العسuuاكر فكuuانوا يدفعونuuه لبعض فهذا يلكمه بيده وهذا ضارب بكل قوته في صدره أو بطنuه إلى آخuر وهكuذا

66

Page 67: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

فكان يدور في تلك الدائرة وبعد أن انتهينا أخذوه بمفرده إلى التuuأديب وعuuدنا نحنإلى الزنزانة لنجد أن جميع محتوياتها قد قلبت رأسا على عقب.

وفي موقف آخر عندما سب أحدهم أحد اإلخوة وكان يتعجلuه للخuروج للزيuارة فرد عليه ردا لم يعجبه فتوعده عند عودته من الزيارة وكuuان في انتظuuاره وقuuد مأل

األرض بالماء وأمره أن يزحف على األرض بعد أن ربط يده إلى الخلف.

أما عندما حدثت مشادة بين أحد الحراس وأحد أفراد زنزانة فجاء عبuuد العuuالم وعدد كبير من معاونيه وأمر أن يخرج كuuل فuuرد من الزنزانuuة إلى الخuuارج بمفuuرده وكان يأمر من معه أن يضرب كل منهم خمسuuين ضuuربة بالحuuذاء على ظهuuره وإذا أخطuuأ في العuuدد يبuuدأ من األول فكuuان يضuuرب األول خمسuuين حuuتى إذا انتهى بuuدأ الثاني وهكذا إلى أن ينتهوا جميعuuا فيuuدخل ويخuuرج الuuذي يليuuه إلى أن انتقمuuوا من

أفراد الزنزانة كلهم بهذه الطريقة.

كان عبد العالم مشuهورا بغلظتuه وشuدته فكuان إذا لم يجuد شuيء يضuرب بuه يستخدم حذائه الميري وكان يترك آثارا دامية على جسد من يهوي بuuه عليuuه حuuتى إننا نكاد نقرأ مقاس حذائه من األثر الذي تركه وكان إذا دخل زنزانة لعقابهم يمعن في إهانتهم فكان يتعفف أن يضربهم بيده فال يضربهم إال بالنعل الذي يستخدم في دورة المياه، ويعتمد أن يضرب بuه على الuuرؤوس والظهuuور العاريuuة، لقuuد كuuان لuuه وزبانيته حرية البطش بهذا والتنكيل بذاك، فعندما لمح أحد معاونيه بعض أفراد في إحدى الزنuازين يقومuون ببعض التمuارين البسuيطة داخuل الغرفuuة حuتى ال يصuابوا بشلل نتيجة مكثهم لعدة سنوات في أماكن ضيقة بuuدون حركuuة فمuuا كuuان منهم إال أن قاموا بضربهم كل يوم لمدة عشر أيuuام متواصuuلة وكuuأنهم قuuد اكتشuuفوهم وهم

يرتكبون جريمة يستحقون عليها كل هذا العقاب.

هuuذه هي بعض الصuuور الuuتي يمارسuuون من خاللهuuا سياسuuة اإلرهuuاب النفسuuي والتي لم تكتمل جوانبها فبخالف بعض الصور السابقة كان هنuuاك حمالت التفuuتيش والuuتي كuuانت تuuأتي من قبuuل إدارة السuuجن أو مصuuلحة السuuجون لتأكuuل األخضuuر

واليابس وتدمر كل شيء وال تبقي أحد من السجن إال وتركت أثرا على جسده.

كما كان علينا أن ندفع ثمن أي حادثة لها مuuردود داخلي أو خuuارجي وكuuأنهم لم يجدوا إال هؤالء المستضuuعفين لينتقمuuوا منهم مuuع أن أحuuد ال يعuuرف مuuا يحuuدث في الخارج فقد انقطعنا عن العالم الخارجي منذ زمن بعيuuد فال كuuان المضuuروب منuuا ال يدري فيما ضرب وال من مات من شدة التعذيب فيما قتل، بل كنا نعرف أحيانا مuuا يحدث عن طريق وحشية الضرب وطريقة االنتقuuام والuuتي تمuuارس ضuuدنا، فعنuuدما جاءت قuوات كثيفuة في إحuدى المuرات الuتي وقعت فيهuا حادثuة بالخuارج وقuاموا بضرب السجن كله بطريقة غير معهuuودة فقuuد قuuاموا بإخراجنuuا من الزنزانuuة ونحن

67

Page 68: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

معصوبي األعين – وكانت هذه سياسة السجن عموما ال نخرج من الزنزانuuة إال بهuuا دائما – إلى مكان التهوية وهو متسع ولقد كان المشهد أشبه بمعسكرات التعuuذيب الشيوعية فكانت مجموعة تجلس في اتجاه الحائط للحالقuuة والتشuuويه ومجموعuuة أخرى تزحف على األرض وأيديهم خلف ظهورهم وأجسادهم عارية ويتوسطهم من يلهب ظهورهم بالسياط وأخرى بجوارها تمشي في وضع القرفصاء وتضuuع أيuuديهم فوق رؤوسهم ويهوي عليهم الضuuرب من كuuل مكuuان وإذا سuuقط أحuuد على األرض كان ال يعرف مصيره من شدة التعذيب وأخرى تجلس في مقابل األولى في اتجاه الجدار اآلخر وكانت مع كل مجموعة عدد يقوم بتعذيبهم وأعuداد أخuرى تنتشuر في المكان لتبطش بكل من يقع تحت أيديهم وكانت كل مجموعة تدخل مكان األخرى حتى كان البعض يسقط من اإلعياء واإلجهuاد وكuانوا ال يراعuون مرضuى أو غuيرهم وعندما تنتهي كل مجموعة ترجع مuuرة أخuuرى إلى الزنزانuuة وال تسuuلم من الضuuرب أثناء الطريق ثم ليجدوا أن جميع محتويات الزنزانuuة قuuد دمuuرت تمامuuا وقلبuuوا كuuل شيء رأسا على عقب سuواء مالبس أو طعuام أو ميuاه أو أي منظفuات رابسuوا أو صابون كل شيء فوق بعض حتى إننا كنا ال نجد الملح لنأكله في صباح اليوم العيuuد والذي جاء بعد يومين وقد أدركنا عنuuدما تسuuربت إلينuuا بعض األخبuuار أن ذلuuك كuuان سبب حادثة فندق أوروبا، لم تكن هذه هي سياسة هذا السجن فقط، فلقuuد قuuاموا بذلك أيضuuا في سuuجون أخuuرى مثلمuuا حuuدث في ليمuuان أبي زعبuuل وكuuذلك سuuجن

استقبال طرة.

لقد كانت سياسة التضييق تمارس ضدنا بكل أشكالها وصنوفها فلقد ضاقت بنا الجدران من شدة الزحام كما أننا كنuuا ننتقuuل من ظالم إلى ظالم ال يقطعuuه سuuوى بصيص ضوء النهار فلقد كuuان ليلنuuا ظالم دامس ال نuuرى فيuuه شuuيء حuuتى إننuuا كنuuا نتحسس الطعام الذي نأكله كلما أخذنا لقمة وعاودنا نأخذ الثانية، كان كل من يريد أن ينتقل من مكان إلى آخر كان عليه أن يسبح فى ذلك الظالم ليسقط على هذه الكتل البشرية المتراصة وكأنهم موتى يتuuدثرون في أكفuuانهم ثم يحuuاول أن يسuuبح مرة أخرى ليذهب إلى وجهته لقضاء حاجته ولكن قلمuuا أن ينجح بuuدون إحuuداث أي

إصابات.

كان الجميع يلتحفون بذلك الظالم ويخلدون إلى النوم في هذا الزحام ليواجهوا الصuuعاب الuuتي تنتظuuرهم أثنuuاء النهuuار من هuuؤالء الجالدين والuuذين لم يكتفuuوا بمuuا يمارسونه من صنوف التعذيب المختلفة وال ارتوى ظمؤهم من دمائنuuا الuuتي تuuنزف فصاروا ينهبون منا طعامنا ومالبسنا وأمتعتنا وكل ما تقع عليه أيديهم وكأننا أصبحنا كأل مباحا لهم يرتعuuون فيuuه كمuuا يشuuاءون، فكuuانوا ينتظuuرون العائuuدين من الزيuuارة ليأخذوا ما يستحسنونه دون اعتراض من أحد تحت التهديuuد النفسuuي بuuل إنuuه كuuان يدخل أحuuدهم بنفسuuه إلى الزنزانuuة ليأخuuذ مuuا يريuuده ثم ينصuuرف وأفuuراد الزنزانuuة

68

Page 69: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

واقفين في اتجاه الحائد ال يجرؤ أحد أن يلتفت خلفه أو أن يتفuوه بشuيء وإال كuان مصير الجميع هuuو الضuرب الشuديد حuتى إنهم لم يuتركوا الخuuبز الuذي يuوزع علينuuا وكأنهم قد استكثروه علينا فكان يمر أحدهم كل صباح ليuuدخل ويأخuuذ مuuا يشuuاء ثم ينصرف دون االلتفات إلى ما نعانيuuه من جuuوع حuuتى كuuان البعض يحuuاول أن يخفي بعض قطع الخبز حتى ال يراها فيأخذها يستطيع أن يسد بها رمقه بعد أن ينصuuرف، وكان يصب جام الويالت على جميع األفuراد عنuدما يuأتي أحuد منهم من عنuبر آخuر ليستحوذ على الغنيمuuة كلهuuا لنفسuuه وهuuؤالء الuuواقفين ال يفرقuuون بين هuuذا أو ذاك ألنهم ال يرون أحد منهم ومهما حاولوا من تقديم االعتذار له بuuذلك ولكن لم يشuuفع لهم عذرهم وكأننا أصبحنا حارسين لغنائمه منuuا، أال مuuا أبشuuع سuuنوات القهuuر الuuتي قضيناها في هuuذا السuuجن ومuuا كنuuا نتجرعuuه من ذل ومن مهانuuة على أيuuدي هuuؤالء والذين كانوا يتفننون في صنوف التعuuذيب والuuتي ال تنتهي صuuوره وأشuuكالها والuuتي

كانت أحيانا تأتي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها كل ألوان العذاب.

فعندما كانوا يأتون إلينا للخuuروج لالسuuتحمام كنuuا نعلم ذلuuك من خالل الصuuخب والضجيج الذي يحدثه عبد العuuال وزبانيتuuه في الصuuباح والعسuuاكر الuuتي تنتشuuر في طرقات العنبر لتنظر من نافذة الباب حuuتى يالحظuuوا من يخuuالف التعليمuuات فعلى الجميع أن يخلع مالبسه ويظل واقفا رافعا يده إلى أعلى في انتظار الuuدور وكuuانت تخuرج كuل زنزانuة على حuدة فتبuدأ معانuاتهم من لحظuة خuروجهم وهم معصuوبي األعين يضع كل منهم يده على كتف من أمامه في طابور طويل في هuذه الطرقuuة الضيقة وكuان يقuف على جنبuات الطريuق عuuدد من العسuاكر يضuربون كلمن يمuر عليهم، أحدهم بقدمه وآخuuر بيuuده وثuuالث بصuuفعة إلى أن يصuuل الجميuuع إلى مكuuان االستحمام في نهاية العنبر ليجدوا في انتظارهم عبد العال ومعه عدد من العساكر فكuuانت تuuدخل كuuل مجموعuuة تحت المuuاء ثم تخuuرج والضuuرب ينهuuال عليهم أثنuuاء االسuuتحمام ثم تuuدخل مجموعuuة أخuuرى إلى أن يتم تجميعهم في الخuuارج فكuuل مجموعة تخرج عليهuuا أن تقuuف ووجuuوههم إلى الحائuuط رافعين أيuuديهم في انتظuuار باقي المجموعات وعندما يكتمل العدد ثم يبuuدأ الضuuرب مuuرة أخuuرى على ظهورنuuا والماء يتساقط منا ثم تبدأ رحلة العودة إلى الزنزانة والتي تكون أشد من الuuذهاب ألننا في أثناء االستحمام كان أحدهم يقوم بنشر حبات الرابسو على األرض وتكون أرجلنا مبللة بالماء وأجسادنا يتساقط منها الماء أيضا وكان علينا أن نجري بسرعة في هذا المكان لكي نتفuuادى الضuuرب الuuذي كuuان يأتينuuا من جنبuuات الطريuuق فكنuuا نسقط على األرض من الرابسو الذي وضع لنا في الطريuuق وال يكuuاد البعض يقuuف حتى يتوقف الضرب عليه حتى يسقط مuuرة أخuuرى وكuuان البعض يهيم على وجهuuه فهو ال يرى أحد وال يسمع غير الصuuراخ والصuuخب الشuuديد فكuuان منuuا من يصuuطدم بالحائط أو أن يسقط بعض األفراد على بعض نتيجة االندفاع وسقوط أ؛دهم وهكذا وأحيانا يكون السقوط متعمدا من قبل العسكري الذي يقف في الطريق بأن يضuuع

69

Page 70: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

قدمه حتى ينهال عليه بالضرب ويستمر الوضع هكذا بين سuuقوط ومحاولuuة للقيuuام بسرعة لتفادي الضرب إلى أن يصل الجميع باندفاع إلى الزنزانة والذي كان يقuuف بجوار الباب مجموعة من العساكر وكuuانوا قuuد وضuuعوا عنuuد مuuدخل الزنزانuuة بعض المراهم حتى يمر عليها من يأتي مندفعا فيسقط داخل الزنزانة ويأتي اآلخر وهكذا يسقط الجميع فوق بعض وهم يقفون يضحكون من هذا المشهد الكوميدي ولكنهuuا الكوميديا السوداء، كان هذا المشهد يكاد يتكuuرر كuuل أسuuبوع أو أسuuبوعين وخاصuuة في السنوات األولى، لم يكن هذا األمuuر من أجلنuuا فهم يعلمuuون إننuuا أ؛رص النuuاس على النظافة ويوجد حمام في كل زنزانة ولكن من أجل أن نتجرع صنوف العuuذاب

فكنا نعود في كل مرة وقد مسحنا األرض بأجسادنا.

ويكاد أن يتكرر األمر في صورة أخرى حيث الخروج إلى التهويuuة وتكuuون أيضuuا بالضرب واإلهانات حتى ندخل إلى هذا المكان ونحن نضع العصابة على أعيننا وكنا ال نتحرك بل نجلس على األرض فإما أن تلفحنuuا الشuuمس بلهيبهuuا إن كuuان الuuوقت صيفا أو أن تأكل منا الرطوبة إذا كنا في فصل الشuuتاء وال نسuuلم من اإليuuذاء أثنuuاء

الرجوع إلى الزنزانة.

وكذلك أيضا عندما يقومون بتوزيع بعض األطعمة زيuuادة علينuuا والuuتي يسuuمونها ترفيهية – مع إنها كانت رديئة – فكنا ندفع ثمن ذلك في اليوم التالي حيث يقومون بضرب جميع أفراد العنبر حتى إننا كنا نبغض قدومها ألنها نذير شر لنا وكنuuا نتمuuنى

أال تأتي حتى ال نتجرع العذاب في اليوم التالي.

أما الزيارة فكانت ال تختلuuف عن مثيالتهuuا من المآسuuي حيث الضuuرب والسuuب واإلهانات والتي تكاد ال ينجوا من ذلك أحد ولكن برغم ذلك كنuuا نحuuاول أن نسuuتغل فرصة تجمعنا من زنازين مختلفة لمعرفة أخبار بعض وكان غير مسموح لنا بالكالم أو الحديث مع أحد ولكننا كنا نختلس بعض اللحظات التي ال نسمع فيها أي أصوات حولنا فيحuuاول كuuل واحuuد أن يهمس إلى من بجuuواره فuuإذا لمحuuه أحuuد كuuان أحيانuuا يضربهم بالعصي أو بحذائه قبل الخروج إلى الزيارة والتي ال تستغرق عuuدة دقuuائق ثم نعود مرة أخرى نحمل أكياس الطعام مع كمية اإلهانات الuuتي يتلقاهuuا أحuuدنا إذا

خرج.

لم نكن نحن فقط الذين نتلقى اإلهانة، بل كuان المصuحف أيضuا، فبuالرغم من أنه لم يكن ممنوعا مثuuل بقيuuة السuuجون فكuuان مسuuموحا بuuه إال أنuuه لم يسuuلم من التدنيس حيث كانت تطأ أقدامهم المصاحف أثناء وجuuودهم في الزنزانuuة للتفuuتيش حيث يطيحون بكل محتوياتها فوق بعض ويدوسuuونها بأحuuذيتهم، بuuل إن عبuuد العuuال في أحد المرات وجد قطعة قماش معلقة خلف البuuاب وكuuانت لتجميuuع المصuuاحف بها فانتزعها بشدة ثم رماها بما فيها من المصاحف في طرقة العنبر ولم يبالي بما

فيها من كتاب الله. 70

Page 71: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

كانت األيام والليالي الطوال تمر بنا في هذا السجن رغم ما كان به من ظلمuuةالليل البهيم إال أننا كنا ننتظر بزوغ فجر جديد.

71

Page 72: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

شديد الحراسة بأبي زعبل

يعتبر أحد السجون التي اكتظت بها منطقuuة أبي زعبuuل بعuuد أن تم االنتهuuاء من تم نقل جميع من تبقى في سجن أبي زعبuuل الصuuناعي1996بنائه في نهاية سنة

إليه ولم يسمحوا لهم أثناء الدخول إال بغيار داخلي فقط لكل واحuد، يرتuدي نصuفه األسفل، وبالنصف اآلخuر )فانلuة( يضuعها عصuابة على عينيuه، ثم بuدأت تتجuه إليuه

أعداد كثيرة من أماكن شتى.

بعد أن حطت بنا سيارة الترحيلة أمuuام السuuجن بuuدأت رحلuuة التعuuذيب منuuذ أن اجتزنا بوابة السجن والتي تعودنا عليهuuا من كuuثرة تكرارهuuا في السuuنوات السuuابقة فقuاموا بضuربنا بعuد أن جردونuا من مالبسuنا إلى أن وصuلنا إلى العنuبر ثم اسuتمر الضرب بعد ذلك إلى أن دخلنا زنزانة ضيقة في آخر العنبر ال تصلح إال لواحد فقuuط فدخلنا ثالثة أفراد لحين توزيعنا مرة أخرى على باقي الزنازين، كانت خاويuuة تمامuuا وكان الجو شuuتاءا فبتنuuا ليلتنuuا بuدون مالبس أو طعuuام، وال نسuتطيع أن ننuuام بuرغم اإلجهاد الذي أصابنا بسبب عناء السفر وعناء الضرب الذي القينuuاه كمuuا أننuuا كنuuا ال نستطيع أن ننام برغم الحاجة الشديدة له بسuuبب شuuدة الuuبرودة فكلمuuا حاولنuuا أن ننام نجد أنفسنا نرتجف أثناء النوم فنستيقظ من شدة البرد والرطوبة وقuuد حuuاول أحدنا أن ينام وهuuو جuuالس حuuتى يتجنب أكuuبر قuuدر من الرطوبuuة إال أن الuuبرد كuuان يحاصرنا من كل مكان، وقد مكثنا عدة أيام بهذا الوضع حتى إننا لم نجد ما نخفuuف به من وطuأة الهuواء البuارد الuذي يuدخل إلينuا من شuباك صuغير في أعلى الغرفuة واألمطار التي تنهمر في الخuارج فيصuيبنا جuزء منهuا إال أن نحuاول أن نضuع الخuبز

الذي نأكله كحاجز يمنع تيار الهواء المتدفق إلينا.

كان ال يوجد معنا أطباق فكنا نضع الطعام على األرض ثم نأكله بعد ذلuuك وبعuuد عدة أيام أعطuuوا لكuuل منuuا بدلuuة وبطانيuuة واحuuدة لنuuا كلنuuا فافترشuuناها في األرض وأحسسنا بالدفء منذ عدة أيام نعاني فيهuا من الuبرد الشuديد ثم قuاموا بعuد ذلuك

بتوزيعنا على باقي الزنازين.

ال تختلف سياسuuة السuuجن عن بuuاقي مثيالتهuuا في السuuجون األخuuرى من حيث التضييق وانتهاج أساليب تعuذيب مختلفuة، ففي أثنuاء توزيuع الطعuام والuذي يكuون مرتين في اليوم يقومون بضربنا وكان العقاب يتم بصورة فردية وبصuuورة جماعيuuة أيضا وألبسط األسباب، فعندما وجدوا إبرة خياطة في أحد الزنازين – وكانت جناية في ذلك الوقت – قاموا بضرب العنبر كله من أجuuل ذلuuك، وفي مuuرة أخuuرى سuuمع أحدهم أحد األفراد يخطب بصوت منخفض يوم الجمعuuة وفي دعuuاء نهايuuة الخطبuuة دعuuا بانتقuuام اللuuه من الظuuالمين فمuuا كuuان منهم إال أن أوثقuuوه من يuuده في بuuاب

72

Page 73: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

بمنتصف العنبر وقاموا بضربه وضرب العنبر كله ثم جميع أفuuراد السuuجن من أجuuل هذه الخطبة، بل إنه في أحيانا أخuuرى كuuان بuuدون أسuuباب، ففي أحuuد األيuuام دخلت قوات من العساكر في العنبر في صخب شديد وأخذوا يهتفون بصيحاتهم في جميع أرجuuاء العنuuبر ثم اتجهuuوا إلى إحuuدى الزنuuازين وقuuاموا بضuuربهم ثم خرجuuوا وظلuuوا يهتفون مرة أخرى ثم اتجهuuوا إلى نفس الزنزانuuة فضuuربوهم وأخuuذوا مالبسuuهم ثم خرجوا وأخذوا يدورون حول العنبر وهم يصيحون بصوت عال لبث الرعب والجميع ينتظر إلى أي مكuuان سuuيتجهون ولكنهم رجعuuوا مuuة ثالثuuة إلى الزنزانuuة ليضuuربوهم ويأخuuذوا جميuuع البطuuاطين ثم خرجuuوا وقuuد قuuاموا في المuuرة الرابعuuة بفعuuل نفس الشيء ولما لم يجدوا ما يأخذونه ضربوهم ثم انصرفوا من المكان وال أحuuد يعuuرف

السبب في ذلك إال ممارسة لصورة من صور التعذيب المختلفة.

كانت الزنازين خاوية إال من وجودنuuا فيهuuا وبعض البطuuاطين الباليuuة فكuuان كuuل شيء غير مسموح به بدءا من إبرة الخياطة مرورا بالمصاحف واألكياس البالستيك وانتهاء بأي شيء حتى الهواء الuذي نتنفسuه يكuuاد أن يكuuون ممنuuوع إال بقuدر معين حتى الطعام الذي نأكله كuuانوا يأخuuذون أي شuuيء يتبقى منuuه في اليuuوم التuuالي وال

يستجيبون ألي توسالت لكي يتركوا الطعام الذي كنا نخصصه للمرضى.

أما الماء فكنا نعاني منها أشد العنت ألنها كانت تقطع لفuترات طويلuة وال نجuد مuuا نحuuزن فيuuه المuuاء خالل هuuذه الفuuترة سuuوى بعض األطبuuاق القليلuuة والuuتي كنuuا نستخدمها عند استالم التعuuيين وكuuان أشuuد النuuاس معانuuاة هم المرضuuى والuuذين ال يجدون قطرات الماء ليروي ظمأهم، فكuuان أحuuد المرضuuى مصuuاب بالسuuكر وكuuان يحتاج الماء بصفة مستمرة وقد تدهورت حالته الصحية حتى إنuuه عنuuد خروجuuه إلى طبيب السجن كان ال يستطيع أن يتحرك فكuuان يحuuاول أن يزحuuف على يديuuه وهuuو متكئ على الحائط إلى أن وصل إلى الدكتور فشرح لuuه حالتuuه واشuuتكى من عuuدم وجود الماء وطلب منه أن يسمحوا له بزجاجة يحتفظ بالماء بها ليشرب منهuuا عنuuد الحاجة وخاصة أن الحر شديد ولكنuuه رفض ذلuuك ورد عليuuه بكuuل جفuuاء ولم يبuuالي بحالته فعاد مرة أخرى إلى الزنزانة وهو مكلوم يحمuuل أنuuات المرضuuى في صuuدره وبعد أن دخل الزنزانة تدهورت حالته الصحية وأصuuيب بأزمuuة السuuكر ولم يجuuد أي أدوية أو ماء إلنقاذه وعنuدما نuادوا على حuارس العنuبر إلنقuاذه وأخuبروه أ،ه ينuازع الموت فلم يبالي بهم بل توعuuدهم وهuuددهم وبعuuد لحظuuات فاضuت روحuه وعنuuدما أخبروه أنه قuuد تuuوفي وضuuع جثتuuه في زنزانuuة لليuuوم التuuالي وجuuاءت النيابuuة وكتب التقرير المعتاد بعدم إهمال إدارة السجن في عالجه وبعuuد عuuدة أيuuام كافأتuuه إدارة

السجن بترقيته على حسن أداء عمله.

لم يتركوا لنا حتى ساعات الليل لنهنأ بها بالراحة وكف شرهم عنuuا فكuuان أحuuد الضباط أحيانا يمر من وقت آلخر لعله يجد شيئا ممنوعuuا نعuuاقب عليuuه وعنuuدما لم

73

Page 74: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

يجد شيء سوى أنه سمع بعض األصوات تخرج من الزنازين عندما دخل العنبر في الليل فأمر الحارس أن يقف أمام كل غرفة وأن يسب لهم الuuدين عقابuuا لهم فلمuuا

تردد وبخه على تأخره ففعل ذلك مع كل غرفة.

ظل الوضع كما هو سيء إلى أن غادرت السجن وظل كذلك لعدة سنوات.

74

Page 75: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

سجن دمنهور

قبل أن نغادر سجن شديد الحراسة تنامت إلينuuا بعض األخبuuار أن هنuuاك سuuجن جديد في دمنهور بدأ في استقبال القuuادمين إليuuه فعرفنuuا أن هنuuاك مأسuuاة جديuuدة ستبدأ برغم أن جراحنا لم تلملم بعد من شديد الحراسة أو السuuجون األخuuرى وأن سياسuuة التوسuuع في بنuuاء السuuجون مuuازالت مسuuتمرة، فuuإلى مuuتى ينتهي هuuذا المسلسل؟ حتى أوشك أال يلتفت أحد يمنة أو يسرة إال ويuuرى سuuجن أمامuuه فلقuuد ضجت األرض من كثرة السجون التي بنيت عليها حتى يكاد أن يكون في كل بقعuuة

سجنا رمزا للقهر واالستعباد.

عندما الح أفق السجن من بعيد راودتنا اآلمال واألمuuاني ونحن في السuuيارة أن تكون األوضاع آخذة في التحسن خاصة بعد هذه السنوات العجuuاف الuuتي قضuuيناها ولكن تحطمت آمالنا عند أول خطوة خطت بنا أقدامنا داخل أسوار السجن وكأننuuا أصبحنا مطاردين في كل مكان نذهب إليه وكأن الجميع قد تماأل علينا فما أن نترك مكان ونذهب إلى آخر إال ونجد نفس المعاملة وأسوأ وكuuأن هنuuاك أشuuباح تطاردنuuا

من سجن آلخر.

نزلنا من السيارة ونحن معصوبي األعين نهيم على وجوهنا ويأتينuuا الضuرب من حيث ال نuuدري ثم صuuعدنا عuuدة درجuuات إلى حيث يوجuuد المكuuاتب فكنuuا نuuدخل من مكتب آلخر ألخذ البيانات منuا، كuل من ينتهي من اإلجuراءات ينتظuر البuاقي فكuان علينا أن ننتظر عشuuرين فuuردا ينهuuون إجuuراءاتهم في هuuذا المكuuان وكuuانت كuuابالت الكهرباء والعصي والركالت والصفعات تنهمر علينا كالمطر، وكان يتخلuuل الفuuترات التي يتوقف الضرب فيها قليال صورة أخuuرى من صuuور التعuuذيب فكuuان علينuuا كلمuuا سمعنا األمر أن ننبطح على األرض ثم نقف بسuuرعة ثم ننبطح مuuرة أخuuرى وهكuuذا حتى يبلغ اإلجهاد منا واإلرهاق مبلغا شديدا ثم يعاود الضرب مرة أخرى وهكذا إلى أن انتهت اإلجراءات وقد ظللنا عدة سuuاعات في هuuذا الموقuuف تمuuر اللحظuuة فيuuه كالدهر ثم ذهبنا إلى العنابر لتوزيعنuا ونحن في حالuة إعيuاء شuديد وقuد علمنuا أننuا أفضل حاال ممن سبقنا من المجموعات األخرى، فعنuuدما جuuاءت إحuuدى السuuيارات تحمل في جوفها سبعة أفراد من إحuuدى محافظuuات القuuاهرة الكuuبرى وكuuانوا ألول مرة يدخلون السجن ما عدا واحد منهم فقط وهو الذي يعلم مuuا كuuان يuuدور داخuuل السجن من ممارسuuات ال آدميuuة فuuأراد أن يمهuد لهم مuا سuuوف يالقونuه من صuور التعuuذيب البشuuعة حuuتى ال يفuuاجئوا ولكن في نفس الuuوقت ال يثuuير القلuuق لuuديهم فأخبرهم أن األمر بسيط ال يتعدى ضربة أو اثuنين ثم نuدخل إلى الزنزانuة وهuو في قرارة نفسه يعلم أن األمر مختلف تماما، وما أن تuuوقفت بهم السuuيارة في سuuاحة السجن حتى جاءت هذه الوحuuوش تسuuعى إلى فريسuuتها، وهم ال يuuدرون مصuuيرهم

75

Page 76: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الذي ينتظرهم فبدأ الضرب يهuuوي عليهم بطريقuuة عشuuوائية بال رحمuuة وبال سuuبب، وعند هذه اللحظuuة حضuر الضuابطان محمuد مصuطفى وأحمuد حجuuاب – وكانuا من الuuذين عرفuuوا بقسuuوتهم وشuuدته ومuuا أكuuثر من التقينuuا بأمثuuالهم في هuuذه المحنuuة الطويلة – فأوقف الضرب وكأنه معترض على هذه الكيفيuة من التعuذيب فuأراد أن يستفرد بكل ضحية على حدة ويترك هذه الكالب المسعورة تنهش فيها كيف تشاء وهي مسلوبة اإلرادة، فما أن ينادي على اسم أحuuدهم حuuتى يمسuuك بuuه اثuuنين من العسuاكر أحuدهما بيمينuuه واآلخuuر بيسuاره ويصuعدوا بuه درجuات السuلم في اتجuuاه المكاتب وكان في انتظارهم مجموعة أخرى في انتظار الضحية يمسuuك كuuل منهم أشياء مختلفة فأحدهم خرزانة واآلخر كابل كهرباء سميك وثالث عصى وغيره فمuuا أن يدخل في هذه الحلقة الجهنمية وهو ال يرى شيئا أمامه سوى هذا الظالم فكuuان يدور في هذه الدائرة هذا يضربه بقدمه فيدفعه إلى اآلخuuر فيضuuربه وهuuو ال يعuuرف إلى أين يسير فيحuuاول أن يحتمي من الكuuابالت الuuتي تنهش من اللحم فال يجuuد إال الخرزان تهوي عليه فيسير في اتجاه آخر ليجد من يصفعه بشuuدة وآخuuر يركلuuه فال يجد من شدة اإلعياء إال أن يسقط على األرض وعندها ال يستجيبون لصuuرخاتهم أو ألنفاسه التي تكuuاد أن تتوقuuف فيمسuuك كuuل منهم في يuuد حuuتى يقuuف مuuرة أخuuرى فيجرون به بسرعة ويكون في نفس اللحظة التي ينuuدفع فيهuuا أحuuدهم في االتجuuاه المقابل فيطير في الهواء ليضربه بقدمuuه في صuuدره فيسuuقط على األرض وهuuو ال يستطيع أن يتألم من شدة الضربة فقد كتمت أنفساه وتوقفت الصرخة في صدره ثم يوقفانه مرة أخرى ويدفعانه مرة أخرى بشuuدة ليصuuطدم بالحائuuط وهuuو ال يuuرى شيئا من خلuuف هuuذه العصuuابة الuuتي يضuuعها على عينيuuه فيحuuاول أن يخuuرج صuuرفة مكتومة لعلها تصل إلى أسuuماعهم فuuيرق لهuا قلب ولكن بال جuدوى فلم تشuفع لuه الuuدماء الuuتي تuuنزف من جسuuده أو الجuuراح الuuتي مزقتuuه، أفتشuuفع لuuه صuuرخاته أو

استغاثاته؟

كان كل هذا يدور قبل الدخول إلى المكuuاتب ثم بعuuدها كuuان يحuuدوه األمuuل أن األمر قد انتهى ولكن عنuuدما يuuدخل غرفuuة ضuuيقة في انتظuuار البuuاقي ليالقuuوا نفس مصuuيره ويجuuد مجموعuuة أخuuرى من العسuuاكر لتuuدمي مuuا تبقى من أجuuزاء جسuuمه فكانت تضرب وال تبالي بما تراه من دماء وأجزاء ممزقة حتى إذا انتهوا منuuه كuuانوا في انتظار كل قادم إليهم وكuuان كuuل من يخuuرج من هuuذه الغرفuuة عليuuه أن ينتظuuر الباقي في خuuارج المبuuنى وبعuuد أن يتم تجميعهم جميعuuا خuuارج المبuuنى وفي اتجuuاه العنابر فلم يبق إال بضع خطوات يخطونها بأقدامهم الuuتي أصuuابها الuuوهن من شuuدة اإلعياء ليحتموا بجدران الزنزانة من بطشهم ولكن من أين تأتي هذه األماني لهم؟ وقد مرت عليهم هuuذه األمتuuار وكأنهuuا أميuuال يقطعونهuuا ذهابuuا وإيابuuا لقuuد كuuان في انتظارهم محمد مصuuطفى وزبانيتuuه ليجهuuزوا على مuuا تبقى منهم ويسuuومونهم من العذاب ألوانا فكuانت تuنزل عليهم السuياط والكuابالت ال تفuرق بين موضuع أثخنتuه

76

Page 77: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الجراح أو رأس تسيل منها الدماء، كانت الضربات تطيح بهم في كل اتجاه ومحمد مصطفى يمسك عصى في يده ليشارك هؤالء الذين تحجرت قلوبهم في التعuuذيب وكان بعضهم يمعن في التنكيل فكانوا يطفئون أعقاب السجائر في الجuuروح الuuتي تنزف دما وكانت كماء نار صuuبت عليهم فيصuuرخون بطريقuuة تنم عن فظاعuuة األلم ولكن لم يزدهم ذلك إال زيادة في الضرب بطريقة هيستيرية وكأنما يزيuuدهم األمuuر نشوة فيطربون عندما يرقص المذبوح من األلم، كانت األمتار يقطعونهuuا في بطئ شديد فكل مسافة لها ثمن البد من دفعه قبل االنتهاء منه، وكان عليهم أن يسيروا وهم منحنيي الظهر زيuuادة في اإلذالل، وعنuuدما وصuuال إلى العنuuبر وجuuدوا مجموعuuة أخرى من العساكر لم ترثى لحالهم التي هم عليها فكان سuuيل الشuuتائم والضuuرب يالزمهم إلى أن وصلوا إلى الزنزانة ليجدوا أن جميع أفراد العنبر منذ أن دخلوا من باب العنبر يقفون في اتجاه الحائط بما فيهم الزنزانة التي دخلواها والتي لم تفلت هي األخرى من العقاب فقد قاموا بضربهم وصب الماء عليهم والبطuuاطين وجميuuع المالبس ثم انصرفوا والتفت أفراد الزنزانة إليهم ليجuuدوهم أشuuبه بجثث هامuuدة ال تستطيع حراكا فما يكاد من موضع فيهم إال وقuuد تهتuuك أو أدمي من كuuثرة الجuuراح والكدمات حتى إنهم كانوا ال يستطيعون أن يناموا على جنوبهم فضال عن ظهورهم من شدة األلم فكان بعضهم ينام وهو جالس متكئ على الحائuuط والبعض اآلخuuر ال يستطيع أن يجلس بسبب الجراحات التي كانت به فكuuان يتكئ على يديuuه وقدميuuه ويحاول أن ينام على هذا الوضع ولم يجدوا ما يضuuمدوا بuuه جuuراحهم سuuوى قطعuuة صغيرة من المرهم فكان يؤثر كل منهم اآلخر بها مع أنها ال تكفي موضع واحuuد من أحدهم، وكان أحدهم قد فقuuد اإلحسuuاس بعنصuuر الuuزمن خالل التعuuذيب وظن أنهم لبثوا ساعة فقط خالل هذه الفترة وكان يخبرهم وهو يستكثر هذا الوقت فانuuدهش الباقي عندما سمعوه يتفوه بuuذلك فuuأخبره آخuuر أنهم لبثuuوا منuuذ السuuاعة العاشuuرة والنصف صباحا منذ لحظة دخولهم السuuجن إلى آذان المغuuرب فبهت عنuuد سuuماعه

ذلك بسبب طول الوقت.

كان هذا بعض ما حدث مع بعض المجموعات التي سuuبقتنا إلى السuuجن فكuuان بعضهم يزحف على بطنه لمسuuافة طويلuuة في مuuاء المجuuاري والuuتي تغطي األرض

أثناء دخولهم.

لم يقتصر األمر على مرحلة الدخول، لكuuان األمuuر رغم بشuuاعته وقسuuوته هين ولكن انطلق كال من محمد مصطفى وأحمuuد حجuuاب يمارسuuون هuuوايتهم المفضuuلة في ممارسة التعذيب كuuل حسuuب طريقتuuه الخاصuuة، فمحمuuد مصuuطفى والuuذي تم

– وكأنمuا أصuبحت2ترقيته نتيجة التعذيب الذي كuان يمارسuه في سuجن نطuرون دمائنuuا وأشuuالئنا قuuرابين يجب أن تقuuدم أوال – فقuuد ظuuل يمuuارس تلuuك األسuuاليب الوحشuuية في سuuجن دمنهuuور، فكuuان ال يكتفي بمuuا يحuuدث في اليuuوم األول مuuع

77

Page 78: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الوافدين إلى السجن فكان يحتجزهم إلى اليوم التالي أو لعدة أيام ليمارس عليهم صنوف العذاب المختلفuة قبuل أن يتم تuوزيعهم، أمuا أحمuد حجuاب فكuان يمuارس السادية بكل معانيها فكان التعذيب عنده هuuدفا في حuuد ذاتuuه يسuuعى إلى تحقيقuuه، فكانت مشاهد التعذيب واأللم والدماء والصراخ تصuuيبه بالنشuuوة ويطuuرب لهuuا، خال يقنع بما تقوم الزبانية الصغار بما يمارسونه على مuuدار أربuuع وعشuuرين سuuاعة من نشر للرعب وبث لصنوف التعذيب المختلفة والتي توزع علينا كوجبuuات الطعuuام أو مواعيد تناول العالج في اليوم مرتين أو ثالثة وال سيل السباب والشتائم واإلهانuuات والتي لم يفلت منها كبير أو صغير، مuريض أو صuحيح، فلم يرحمuوا أحuد أو يuتركوا أحد، فلم يقنع بكل ذلك فذهب ينشر بنفسه صنوف العذاب فuuوق الuuرؤوس وكأنuuه

ينشر عليهم الزهور والورود.

كان يذهب كل يوم في حوالي السابعة صuuباحا ليفuuزع النuuائمين بصuuرخته فيهم لكي يستيقظوا ويخلعوا مالبسهم وهم في أماكنهم ثم ينبطحون على األرض ليقوم بعدها بالدخول إلى الزنزانة واستخدام العصي الكهربائية في أجسادهم العاريuuة ثم ينصرف إلى زنزانة أخرى وعندما يدخل كان ال يشعر أحد وكuuان يتعمuuد ذلuuك حuuتى يفزعهم وهم نائمون، أما في أثناء النهار فعلى الجميع عند سماع صوته في العنuuبر أن يقفوا بعد أن يخلعوا مالبسهم ويحمل كل واحد شخص آخر فوق كتفuuه وتنتظuuر كل زنزانة دورها في التعذيب، وعنuuدما يuuدخل الزنزانuuة ينبطح الجميuuع على األرض ليقوم هو ومن معه بصب الماء عليهم ممزوجا بالرابسو والمشuuي فuuوق ظهuuورهم بأحذيتهم وهم في هذا الوضع وكان يتلذذ بمنظuuرهم وصuuراخهم وهم ينتفضuuون من شدة الصعق بالكهرباء والتي تزيده المياه شuuدة حuuتى إذا انتهى من زنزانuuة يuuدخل

األخرى وهكذا إلى أن ينتهي من العنبر كله.

كان إذا عاقب أحد عاقبه بوحشية تتفق مع ساديته فقد قام بتوثيق أحد اإلخوة من يديه في القضبان الحديدة عند مدخل العنبر وقام بضربه بشدة ووضع العصuuي الكهربائية في عينيه حتى فقد بصره من شدة الصعق الكهربuuائي، أمuuا األخuuر فقuuد قام بعد ضربه وسحله بسحبه على اإلسفلت ولم يبالي بشدة الحر واإلسفلت التي أصبحت حباته كحبات جمر حتى تهتكت أنسجة جلuuده وملئت الجuuروح جسuuمه، بuuل إنه قام بوضع أخ ثالث في ماء المجاري بعuuد ضuuربه قرابuuة سuuاعة إمعانuuا منuuه في

زيادة اإلهانات والتعذيب.

كانت المياه تمثل أعظم المشاكل المعيشية بالنسبة لنا فكانت ال تأتي إال مرة أو مرتين في اليوم ولمدة دقائق وال يوجد عندنا غuuير إنuuاء واحuuد فقuuط نخuuزن فيuuه المياه لالستخدامات المختلفة كالشرب والوضوء وغيره وكانت أحيانuuا تقطuuع أليuuام متواصلة فنضطر إلى توزيع الماء للشuرب فقuط بكميuات ضuئيلة تصuل أحيانuا إلى غطاء زجاجة فقط على فuuترات حuuتى تكفي أفuuراد الزنزانuuة ألطuuول فuuترة ممكنuuة

78

Page 79: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

والذي يتجاوز عددهم إلى أكuuثر من ثالثين فuuردا، وكنuuا ال نجuuد المuuاء لالسuuتخدامات األخرى ولكن بuuرغم ذلuuك كuuانت تقuuوم إدارة السuuجن وخاصuuة أحمuuد حجuuاب أثنuuاء الحمالت التفتيشية الدورية بعد الحالقة التشuuويهية لنuuا فيصuuبوا المuuاء – والuuتي كنuuا نخزنها – علينا بعد ما ينثروا الرابسو فوق رؤوسنا فيختلuuط المuuاء بالرابسuuو بشuuعر الحالقة مع المالبس التي نرتديها والبطاطين ومحتويات الزنزانة ثم كuuانوا يأمروننuuا أن ننظم بأرجلنا في الماء والرابسو فنسuuقط ونحuuاول أن نقuuف مuuرة أخuuرى حuuتى نتفادى الضرب ولكن نسقط مرات ومرات وال يخلuuو األمuuر ونحن في هuuذا الوضuuع من اسuuتخدام العصuuي الكهربائيuuة ثم ينصuuرفوا فال نجuuد بعuuدها نقطuuة مuuاء واحuuدة لنشربها وهذا بخالف المالبس والبطاطين التي أغرقت بالماء فكان علينا أن ننتظر فترة بهذا الوضع المأسuuاوي على األقuuل حuتى تجuuف مالبسuنا الuتي نرتuديها والuتي

اختلطت بالشعر والرابسو.

كنا أحيانا لكي نتفادى مشكلة المياه نقوم بتخزين كميuuات من المuuاء في بعض األكياس البالستيك والتي كuuان يقuuوم أحمuuد حجuuاب – والuuذي ألي تuuوانى عن إيuuذاء اآلخرين حيث يقوم بمهمته على أكمل وجه وكأنه يؤدي رسالة أرسلته بهuuا مبعuuوث العناية الشيطانية – فكان يقوم بأخذ تلك األكياس بما فيها من الماء أو إفراغها في

وسط الزنزانة وأخذها أيضا.

ولقد فاض ببعضهم من تماديه في غيه وتساوى عندهم معuuنى المuوت والحيuuاة بعد أن أراد أن يسلبهم آخuuر شuuيء يبقيهم على قيuuد الحيuuاة، فعنuuدما أراد أن يأخuuذ كيس الماء من إحدى الزنازين التفت إليه أحدهم وقال له بحدة: لن تأخذ الماء منا فنحن نحتاج إليها وال يوجد عندما مuuاء ألنهuuا تنقطuuع لفuuترات طويلuuة وأحuuاط بكيس الماء بيده فاندهش أحمد حجاب لذلك فهو أمر لم يألفه وعند هuuذه اللحظuuة التفت إليه جميع أفراد الزنزانة وأحاطوا به وكان معه محمد مصuuطفى وعنuuدما رأى ذلuuك من كان معهم من أمناء الشرطة ومعاونيهم والعساكر انسحبوا للخلuuف إلى خuuارج الغرفة وتركوهما وحدهما، ثم تحدث شخص آخر فقال له بشدة أيضا غير معهودة: ال تظن أن األمر سوف يمر بغير حساب فإن بيننا وبينكم صuuراع طويuuل وإن جميuuع إخuuوتي قuuد قتلuuوا في مواجهuuات مuuع األمن ولكن قبuuل أن يقتلuuوا قتلuuوا أعuuداد من الضباط فنحن ال يهمنuuا أن نقتuuل أو نحيuuا ولكن قبuuل أن نقتuuل سuuنأخذ حقنuuا منكم، فتدخل عند ذلك األخ األول في الحديث وأردف قائال: هذه أيuuامكم افعuuل مuuا تشuuاء ولكن أقسم لك بالله يوم خuuروجي من السuuجن هuuو يuuوم سuuقوط رأسuuك من على كتفك فارتعد أحمد حجاب ومحمد مصطفى عنuuد سuuماعهما هuuذا الكالم فمuuا كuuانوا

يظنون أن يسمعون وخاصة في هذه الظروف فانصرفوا وتركوا لهم الماء.

مuuا كuuان يخطuuر بنuuا أو نظن في يuuوم من األيuuام أن يكuuون الشuuخص الuuذي من المفترض أن يخفف عنا اآلالم ويداوي جراحنا هو مبعث شuuقائنا وعuuذابنا بuuل وكuuان

79

Page 80: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أشد علينا من غيره، ذلك هو طبيب السuuجن أحمuuد نبيuuل مuuدير المستشuuفى فلقuuد أوذينا من قبله أشد اإليذاء ووجدنا منه أشد العنت فكنا نؤذى منه مرتين، مuuرة في ممارسة التعذيب بنفسه واألخرى عندما ال يمارس وظيفته في عالج المرضى ممuuا تسبب في وفاة الكثير، فلقد تخلى عن وظيفته اإلنسuانية واسuتمرأ حيuاة التعuذيب وكأنه أقسم أن يقتل كل بارقة أمل، فلقد تكاتفت جهوده مع إدارة السuuجن لتuuؤتي ثمارها، فعندما أغمى على األخ ياسر – من القuuاهرة – أثنuuاء الصuuالة حينمuuا أصuuيب بأزمة قلبية فقuuام أحuuد أفuuراد الزنزانuuة لينuuادي على الحuuارس فيخuuبره بuuأن لuuديهم شuuخص مuuريض فمuuا كuuان منهم إال أن جuuاءوا وأخuuذوا األخ ياسuuر معهم في خuuارج الزنزانة فقاموا بضربه ولم يراعوا حالته الصحية المتأزمuة ثم ذهبuuوا بuه إلى أحمuد نبيل في عيادة السجن فقام بضربه بنفسه بكل قسوة وأمuuر أن يعuuاد مuuرة أخuuرى إلى الزنزانة حتى دون أن ينظر في حالتuuه المتuuدهور وكuuان ال يسuuتطيع أن يتحuuرك فحملوه إلى الزنزانة وقد اجتمع عليه إعياء المرض وشدته مuuع الضuuرب والتعuuذيب والذي ال يتحمله شخص بكامل صحته فمuuاذا لuuو كuuان في مثuuل حالتuuه، فالحuuظ من معه عند عدته أن في جسuuمه بقuuع زرقuuاء وكuuدمات نتيجuuة الضuuرب وبعuuد لحظuuات أغمى عليه مرة أخرى نتيجة تدهور حالته، فقام أحدهم لينادي مرة ثانية ألن حالتuuه سيئة ويخشى عليه مما هuuو أسuuوأ، وفي أثنuuاء ذلuuك أفuuاق ياسuuر وكuuان ال يسuuتطيع الكالم فأخذ يمد يده بصعوبة ليلمس قدمه لكي يخبره أنه ال يريد الخروج وأراد أن يفهمه أنهم قد ضربوه في المرة األولى ولم يفعلوا معه أي شيء بخصوص مرضه ولكن كان األمر محيرا فإما أن يتركوه وهو بهuuذه الحالuuة المتuuدهورة ينuuازع مuuرارة األلم أمامه أو أن يخرج مرة أخرى فلعل ترق لهم قلuuوبهم ويشuuفقوا عليuuه فينظuuر أحمد نبيل في حالته أو يعطيه أي أدوية للعالج فهم أن ينuuادي مuuرة أخuuرى وعنuuدها تلمس األخ ياسر قدمه وكأنه يترجuاه بنظuuرات عينيuuه أال يخuuرج فال يسuتطيع الكالم وكان موقفا مuuؤثرا حuuتى بكى أحuuدهم من شuuدة تuuأثره بuuالموقف وقuuال لمن معuuه والذين كانوا في حيرة من أمرهم فهم يشفقون عليه وال يريدون لuuه اإليuuذاء، وفي نفس الوقت حالته تتدهور فهو ينازع سكرات الموت، فأخبرهم والدموع تنهمر منه إن خرج مرة أخرى ضربوه وأثار التعذيب بادية في جسده وهو في وضع ال يتحمuuل مرارة األلم ومرارة التعذيب وهو يحuuاول أن يوضuuح لهم ذلuuك ولكن ال يسuuتطيع أن يتكلم وبعد لحظات كuuانت روحuuه تفيض إلى خالقهuuا تلعن جالديهuuا وسuuط بكuuاء من حوله، وأخذوا ينادون مرة أخرى ولكن في هذه المرة ألخذ جثته، فحضر أحمد نبيل

وأمر العساكر أن يحملوه إلى الخارج.

لم يكن األخ ياسر بuأول ضuحاياه أو آخuرهم، فعنuدما أصuيب األخ راضuي – من القاهرة الكبرى – بغيبوبة السكر ولم يجuuدوا لuuه عالج معuuه ألنهم أخuuذوه منuuه عنuuد دخوله السجن بأوامر من أحمuuد نبيuuل حيث منuuع دخuuول أي عالج وكuuان يأخuuذه من المرضى فأخبروا الحارس بحالته فحملوه إلى العيادة وكان أحمد نبيل يقuف وقتهuا

80

Page 81: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

على باب العيادة وبرغم أنه يرى أنه محموال في بطانية وفي غيبوبuuة سuuكر وحالتuuه خطيرة إال أنه رفض إجراء الكشف عليه وأمرهم أن يرجعuuوه مuuرة أخuuرى فمuuا أن وصل إلى الزنزانة حتى لفظ أنفاسuه األخuيرة، ورغم تلuك الحuاالت الuتي هuو أحuد أسباب معاناتهم إال أنه لم يتردد أو يتراجع عن قسوته فعندما خرج إليه في العيادة األخ محمد وهو مصاب بالدرن باإلضافة إلى قرحة في المعدة وكان يتقيuuأ دمuuا من معدته فتركه حتى مات أمامه ولم يفعل لuuه شuuيء وكأنuuه قuuد تخلى عن إنسuuانيته، وأما عندما يشتكي إليه أحد من ألم البواسير والتي تكون واضحة وظاهرة والدماء تسيل منها فما كان منuuه إال أن يضuuع العصuuي الكهربائيuuة مكuuان البواسuuير فيصuuرخ المريض من شدة األلم وهو ال يبالي بذلك، وهذا بخالف السب والشتائم بأقuuذر مuuا يكون مع ضرب المرضى وركلهم بقدمه وصفعهم بيده، بل كان أحيانا يطفئ عقب سيجارته في جسد أحدهم وكذلك الصعق بالكهرباء وفي أحسuuن أحوالuuه يكتفي أن يكتب في تuuذكرة المuuريض أنuuه تمuuارض أي يuuدعي المuuرض لتقuuوم إدارة السuuجن بإيداعه في التuuأديب ليالقي مصuuيره هنuuاك من التعuuذيب وربمuuا يفuuارق الحيuuاة إلى األبد، أو أن يرجع مرة أخرى إلى العنبر ليجuuد أحمuuد حجuuاب في انتظuuاره والuuذي ال يرحم مريضا أو شيخا كبيرا قuuد هuده المuرض فكuان يuأمرهم أن يخلعuوا مالبسuهم ويضربهم بنفسه وفي أحد المرات كان أحدهم رجال مسنا قد تجuuاوز السuuتين عامuuا ومع ذلك لم يراعي شيبته وكان قد خرج ليصرف له عالج لحساسuuية الصuuدر ولكن أحمد نبيل لم يبإلي بحالته وقد حاول أن يشرح ألحمد حجuuاب أنuuه مuuريض فعال وال يدعي المرض ولكن دون جدوى وسامر في ضربه وتعذيبه بالعصي الكهربائية وهuuويقسم له بالله أنه مريض ويكرر قسمه ولكنه ال يأبه به برغم أنه في سن أوالده.

وقد مات العشرات نتيجة اإلهمuال وتعنت أحمuد نبيuل والuتي كuانت جرائمuه ال تحصى أو تعد وكذلك التضييق والتعذيب الذي يمuuارس في كuuل وقت، وكuuان األمuuر إلدارة السجن ال يتعدى كتابة تقرير توضح فيه موقفها وأنها قامت بالالزم والرعاية المطلوبuuة وتuuأتي بمن يشuuهد على صuuحة هuuذا الكالم تحت التهديuuد والوعيuuد ممن يسكن مع المتوفى ومن يرفض ذلك يكون العقاب جزاء لجميع أفراد الزنزانة وهذا ما حدث مع األخ سيد فارس عندما رفض أفراد الزنزانة أن يشهدوا على المحضuuر

فقاموا بضربهم جميعا.

كانت صور المآسي تتالحق علينا من كuuل جuuانب والuuتي لم يكن آخرهuuا صuuورة الزيارة وكنا نجد فيها أشد العنت حتى كنا نتمنى أال نخرج من شuuدة العuuذاب الuuذي نالقيه أثناء الذهاب أو الرجوع مرة أخرى، فعندما كuuان يخuuرج أحuuدنا كuuان عليuuه أن يصطف مع اآلخرين في انتظار دوره في التشويه عن طريق الحالقة وكان الشuuعر يسقط على مالبسنا ثم يتجه الجميع في صuuف إلى مكuuان الزيuuارة حيث يوجuuد من ينتظرهم ليقوم بضربهم وركلهم وصفعهم مuع اسuتخدام العصuي الكهربائيuة فكuان

81

Page 82: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

صراخهم أحيانا يصل إلى أهلهم وأطفالهم وأبنائهم وعندما نبدأ الزيuارة يuذهب كuل منهم يبحث عن أهله وسط هذا الزحام الشديد واألعداد الغفيرة حuuتى كuuان البعض ال يستطيع أن يجد أهله فينتهي الuuوقت والuuذي يسuuتمر في أفضuuل أحوالuuه ثالثuuة أو أربعة دقائق، وخالل هذه الuuدقائق كuuان الموقuuف يبuuدو أنuuه مشuuهد جنuuائزي فالكuuل يصuuرخ لكي يسuuمع الطuuرف اآلخuuر ولكن بال جuuدوى ففي ظuuل هuuذا الزحuuام تضuuيع األصuuوات فال يسuuتطيع أحuuد أن يسuuمع اآلخuuر ورغم ذلuuك كuuان األمuuر أفضuuل من مجموعuuات سuuابقة عنuuدما رفضuuوا أن يسuuمحوا لهم أن يرفعuuوا العصuuابة من على أعينهم حتى يستطيعوا أن يروا أهلهم ولكنهم رفضوا كل توسالتهم، وعندما يأسuuوا مuuا كuuان عليهم إال ن يقفuuوا في أمuuاكنهم خلuuف األسuuالك ويبحث أهلهم عنهم في الجهة األخرى حتى يكتمل المشهد المأساوي فال يستطيع أن يسمعهم من الضجيج أو يراهم من خلف هذه العصابة وبعuuد أن ينتهي الuuوقت يجلس الجميuuع فجuuأة ممuuا كان يثير هuuذا األمuuر عنuuد أهلهم الظنuuون فيصuuرخون وينuuادون عليهم ظنuuا منهم أن األرض قد انشقت وابتلعتهم وبعد أن ييأسuuوا من رؤيتهم أو االطمئنuuان عليهم مuuرة أخرى يتم إخراجهم والدموع تنهمر منهم وعنuuد ذلuuك يقuuف الجميuuع ليضuuع العصuuابة على عينيه مرة أخرى ثم يذهب كل منهم الستالم الطعام ومتعلقاته وكان يتم ذلك وسط حالة من الصخب والضرب فكان البعض يفضل أال يأخuuذ شuuيئا من شuuدة مuuا يالقيه ثم يصطف الجميع في الخارج يحمuuل كuuل منهم متعلقاتuuه ويبuuدأ الصuuف في التحرك وسط حالة من االرتباك نتيجة الضرب الuuذي يهuuوي عليهم وكuuانت األشuuياء تسقط منهم على األرض فتتبعثر فيحاول أن يجمعها ويتحسسها بيده فيجد الضرب يأتيه من كل مكان فهذا يدفعه بقدمه اثنuuاء انحنuuاءه على األرض يحuuاول أن يلتقuuط الطعuuام الuuذي يسuuقط منuuه وآخuuر يضuuربه على ظهuuره وهuuذا يضuuربه على رأسuuه فينصرف تاركا هذه األشياء خلفه لتدوسها األقدام ويكتفي بما جمعuuه ويظuuل األمuuر كذلك بين ضرب وسقوط األشياء على األرض ومحاولة أخذ خاسuuرة إلى أن يصuuل كل منهم إلى زنزانته لينتهي يوم حافل بالضuuرب واإلهانuuات من أجuuل رؤيuuة أبنuuاءه

لدقائق معدودة وكأنه يدفع ثمن رؤيتهم من جسده ونفسه.

كانت األجواء العامة تسودها حالة من االضطراب والقلق وقuuد اسuuتمرت هuuذهاألوضاع لعدة سنوات.

82

Page 83: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

لم نكن نتواجد في هذه السجون فقط، فهناك سجون أخرى تواجدنا فيها في أوقات متفرقة ولم تختلف في مجمل سياستها عن السياسة العامuuة فكانت نفس المعاناة والتي نقاسيها ونفس األساليب الهمجية والوحشية 2معنuuا مثuuل سuuجن الزقuuازيق وطنطuuا وشuuبين وليمuuان طuuرة ونطuuرون

وغيرهم من السجون الكثuuيرة الuتي ملئت بهuا األرض، أمuا سuuجن ليمuان طرة فكان يوجد به مستشفى عاما للسجون كلهuuا حيث يتم فيهuuا إجuuراء

العمليات الجراحية وعمل األشعة والتحاليل.

كانت هناك عراقيل وعقبات كثيرة أمام األفراد الذين يعانون من حاالت حرجة والuuذي تuuدخل فيuuه جuuانب المسuuاومات واالبuuتزاز وتuuدخالت أمنيuuة باإلضuuافة إلى اإلجراءات الروتينية المعقدة والتي تستغرق في بعض األحيان أكثر من عuuام بuuرغم خطورة بعض الحاالت والتي تحتاج إلى رعاية وعناية بها وكان البعض توافيه منيتuuه قبل الذهاب إلى هناك ولكن برغم المشuuقة الuuتي يتكبuuدها المرضuuى للوصuuول إلى المستشفى كان الذهاب إلى هناك يحمل نوع من المخاطرة والتي قuuد يuuدفع فيهuuا

الشخص حياته ثمن اإلهمال وعدم االكتراث بحياة اإلنسان.

فمن األمور المألوفة هناك أن تجد بuuاب غرفuuة العمليuuات مفتوحuuا أثنuuاء إجuuراء عملية جراحية والقطط التي تنتشر بأعداد كثيفة تمأل جنبات الغرفة تuuدخل وتخuuرج في الوقت التي تندلق فيه أحشاء المريض للخارج أما في غرفة األسuuنان فكuuان ال يتم تعقيم األدوات المستخدمة إال مرة واحدة فقط في آخر النهار بuuرغم اسuuتخدام

العشرات لها أثناء اليوم بعضهم مصاب بأمراض خطيرة.

كما كانوا يتعاملون مع المرضى وكأنهم فئران تجuارب، فكuان يتم التعليم فيهم والتدريب أثناء العمليات سواء من لuه خuبرة ومن ليس لuه خuبرة بuل وأحيانuا غuير المتخصص فكم من أناس ماتت نتيجة سوء تشخيص حالته مثل األخ خالد طلخuuان والذي ظل يعاني من السرطان دون أن يعرف أحد منهم حالته وكuuان يأخuuذ أدويuuة ألمراض مختلفة بعيدة تماما عن السرطان حتى تمكن منه المرض وتوفي، وعندما ذهب أحد المرضuuى إلجuuراء عمليuuة حصuuوة في الكلى فuuوجئ بكسuuر أحuuد الضuuلوع العائمة وقطع في الغشاء البلوري في الرئة مما سuuبب لuuه عاهuuة مسuuتديمة خالف

المضاعفات الخطيرة لحالته.

لقد كان هناك الكثير من اإلهمuuال والuuذي أودى بحيuuاة الكثuuير مثuuل األخ محمuuد شحرور والذي مات باالستسقاء، ورضا طلبة تuuوفي بعuuد إصuuابته بالuuدرن، وغuuيرهم الكثير، وهذا بخالف عنبر خاص بالمصابين بالدرن والذين اكتظت بهم السجون ولم يجدوا هناك أيضا أي رعاية حتى كثرت حاالت الوفuuاة بسuuبب عuuدم الرعايuuة، وهuuذا

83

Page 84: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

بجانب المعاملة السيئة والتهديد بإرجاع الشخص مرة أخرى إلى السجن التuuابع لuuه وكتابة تقرير بأنه غuuير مuuريض وغuuير ذلuuك من األمuور الuuتي ال يuuراعي فيهuuا أحuuوال المرض مثل الترحيلة بعد إجراء العملية مباشرة بيوم أو اثuuنين مهمuuا كuuانت درجuuة خطورة العملية مما قد يسuuبب من مضuuاعفات نتيجuuة التلuuوث بuuل وانتكاسuuات في

مكان العملية ذاتها والتي لم تلتئم الجروح بعد.

هذه كانت بعض األوضاع في مستشفى الليمان والتي كuuانت تمثuuل صuuورة منصور تنفيذ السياسة العامة في السجون.

84

Page 85: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

آالم وأمال

كانت تمضي بنا األيام وتمر علينا السنوات عام خلفه عام، ونحن ننتقل من سجن آلخر نتقلب على الجمر وكأننا في مسلسل مأساوي ال تنتهي حلقاته

كمن يسير في نفق مظلم ينظر خلفه فال يدري من أين بدأ وينظر أمامه فال يعرف له نهاية يتلمس خطواته ينتظر شعاع الضوء يأتيه من بعيد حتى يدرك إلى أين يسير ومتى يخرج من هذا النفق، فالبعض قد طواه السجن بين أحشاءه وأصبحت ذكراه أنشودة يترنم بها أطفاله والبعض يكتوي بنار

الجمر كلما غدا أو راح يواجهون الصعاب كالفريق يواجه أمواج البحر العاتيةفي يوم عاصف ال تلبث أن تلطمه أحدها حتى تلحق بها األخرى.

كان علينا أن نواجه تلك الظuuروف بعuuد أن انقطعت عنuuا سuuبل الحيuuاة اآلدميuuة ففي بعض األماكن ال يكاد يضuuم السuuجن بين جدرانuuه سuuوى تلuuك الهياكuuل اآلدميuuة

والتي يرمى لها الفتات من الطعام حتى تبقى على قيد الحياة تتجرع اآلالم.

كنا ندرك أنه يجب أن نتأقلم في حياتنا وأوضاعنا ونسعى الستغالل كuل فرصuة تسنح لنا بها الظروف وأن نوجد بعض البدائل حتى لو كانت بدائية حuuتى تسuuير بنuuا سفينة الحيuuاة، فكuuان كuuل شuuيء غuuير مسuuموح بuuه فال أقالم أو أوراق أو .... أو ... فضال عن المصاحف والكتب والصحف و.... بل وأحيانا المالبس أو البطاطين، فكنا ال نستسلم لليأس أو تسد في وجوهنا أبuuواب األمuuل فمن كuuان يظن منuuا أن نصuuنع من أنبوبة مرهم أو قطعة أسuuتك صuuغيرة أقالم لكي نكتب بهuuا أو من بقايuuا العظم إبرة نرقع بها مالبسنا أو من بعض األشuuياء البسuuيطة الuuتي نضuuع بهuuا المuuاء لتكuuون أشبه بساعة مائية لنعرف بها الuuوقت وخاصuuة مuuواقيت الصuuالة والuuتي كنuuا نتلمس أشعة الشمس ونتتبع النجوم من خالل أسالك النافذة لمعرفة مواقيتها أو غير ذلك من األشياء الكثيرة، فكانت حياتنا أشبه بصراع من أجuل البقuاء، فكلمuا أخuذوا منuا

شيء نفكر في بديل له فيأخذوه أيضا فنصنع غيره وهكذا ال نعدم حيلة.

فعندما منعت عنا المصاحف وغيرها كان ذلك حuuافزا للحفuuظ فكuuان يقuuوم من يحفظ بعض اآليات بتحفيظه لآلخرين فكان كل واحد يحفظ من اآلخر وهذا يحفuuظ من هذا، وذاك يحفظ من هذا، فكان يسمع لتالوة القرآن وترتيله في المكuuان دوي

كدوي النحل.

أما في سجن الوادي الجديد فكانت تكتب عدة آيات على جدران الزنزانة حتى يتسنى حفظها أثناء الليل ألنه غير مسموح بالكتابة خالل النهار وهكذا كuان الجميuع كخلية نحل حتى أتم معظمهم حفظ كتاب الله بهذه الطريقuuة، وكuuذلك كuuان األمuuر بالنسبة لألحاديث النبويuuة، وكuuانت تعقuuد المسuuابقات في القuuرآن واألحuuاديث حuuتى

85

Page 86: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

يتنافس فيها الجميع ويتباروا أيهم أكثر حفظا، وكانت تعقد أيضا بعض الuuدروس في المجاالت المختلفة وحسب اإلمكانيات المتاحuة، فهنuاك دروس شuرعية في الفقuه والسيرة والتفسuuير وغuuيره وأيضuuا في المجuuاالت العلميuuة أو السياسuuية والتاريخيuuة وأحيانا في بعض المهارات وكان كلما تسuربت بعض الكتب كuuانت الفرصuة أفضuل في الترديس أو نقوم بتوزيعها على الجميع بالتناوب، كذلك كان هنuuاك رغبuuة ملحuuة في تجاوز سياسة العزلة عن العالم الخuuارجي فكuuانت عنuuدما تتسuuرب إلينuuا أخبuuار خارجية كانت تنتقل في أرجاء السuuجن كالنuuار في الهشuuيم، فكuuان الجميuuع يتلهuuف على سماع األخبuار عن األحuداث الدوليuة واإلقليميuة وخاصuة أننuا كنuا نمثuل بuؤرة محورية في الصراع الدولي وكان البعض عندما يخuuرج من السuuجن ألي سuuبب من األسباب لم يكن شغله الشاغل إال تلمس معرفة األخبuuار ليقuuوم بنقلهuuا إلى داخuuل السجن وكان آخuuرون يتحملuuون مخuuاطر في نقuuل األخبuuار أو تسuuريب بعض أوراق الصحف والتي تعتبر مجازفة يخشى من عواقبهuuا، وفي محاولuuة للتغلب على حالuuة الجمود والضغوط النفسuية والعصuبية كنuuا نجuuري من حين آلخuر بعض المسuابقات الثقافية ويتخللها بعض األلعاب الترفيهية واألناشيد والمواقف الطريفة، وكنuuا كثuuيرا ما ننفجر في موجة من الضحك ال ندري مصدرها رغم ما كنا نعانيه من ألم وجuراح وبمجرد أن يغلق علينا باب الزنزانة بعuuد أن ينتهي الحمالت التفتيشuuية ومuuا تتخللuuه من تعذيب وضرب حتى إن هذا األمر قuuد أثuuار بعض الضuuباط عنuuدما لمح ذلuuك من نافذة الباب فرجع مرة أخرى وسألهم عالم تضحكون؟ فلم يجبه أحuuد، فقuuال لهم: ماذا نفعل معكم فبرغم كل ما نفعله من ضرب وتعذيب وتضييق تضحكون!! فنحن

الذين نقوم بتعذيبكم قد تعبنا ثم انصرف وتركهم.

كانت كل هذه األشياء تتم في أجواء مشحونة بالتوتر والقلق ولكن كuuان هنuuاك رغبuuة في االسuuتمرار رغم مuuا تحملuuه من مخuuاطرة بuuل وأحيانuuا ومuuع ضuuمن تلuuك

المخاطرة.

شركاء المحنة

لم تكن تلك السياسات بآثارهuuا التدميريuuة تقتصuuر علينuuا فقuuط بuuل إن شuuررها المتطuuاير قuuد أصuuاب المحيطين بنuuا أيضuuا، فلم نكن وحuuدنا الuuذي نعuuاني في هuuذه المحنة بل كانت هناك آباء وأمهات وأبناء وأطفال وأخuuوات وزوجuuات يعuuانون أيضuuا مثلنا بل أحيانا تكون معاناتهم المعنوية والنفسية أشد منا، فكانوا يقطعون األميuuال وينتظرون الساعات إما في الحر الشديد أو البرد القارص من أجل رؤية أبنائهم أو آبائهم أو أزواجهم، بل كان هناك آباء وأمهات كبار سن سuuقطوا مغشuuيا عليهم من شuuدة اإلرهuuاق ومنهم من يجتمuuع عليuuه مشuuقة السuuفر مuuع ألم المuuرض واإلجهuuاد والحزن فيسقط على األرض وقد فارق الحيuuاة، مثلمuuا حuuدث أمuuام سuuجن الuuوادي الجديد، وقد زادت أوجاعهم أكثر عندما تم منع الزيارة في السجن إال لعدد عشuuرة

86

Page 87: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أفراد فقط في اليوم فكان عليهم أن يقطعوا تلك األميuuال أوال لتحديuuد ميعuuاد يuuوم الزيارة ثم يذهبون مرة ثانية للزيارة فكان بعضهم يضطر إلى أن ينام ليلتهم أمuuام السجن حتى ال يتحملوا مشقة الذهاب والعuuودة في تلuuك الطuuرق الجبليuuة الuuوعرة والتي راح ضحيتها الكثير ممن تنقلب بهم السuuيارة في طريuuق منحuuدر إلى أسuuفل الوادي فكم من واحد في هذا السجن فقد أباه أو أمuuه بuuل وأحيانuuا زوجتuuه وجميuuع

أطفاله في رحلة الذهاب أو العودة.

ولكن برغم ذلك ال يتركوهم ينامون بل يطاردونهم حتى يضuuطروا إلى مغuuادرةالمكان فيهيمون على وجوههم يبحثون عن مكان آخر في هذه الصحراء القاحلة.

وقد كانوا كثيرا أيضا ما يتعرضون لإلهانuات والضuغوط النفسuية أثنuuاء االنتظuuار وإجuuراءات الزيuuارة من تقuuديم تصuuاريح وتفuuتيش للطعuuام ومuuا يحuuدث من إفسuuاد للطعام وكانوا أحيانا يuuدفعون إتuuاوات من أجuuل السuuماح لهم بإدخuuال الطعuuام، بuuل كانوا يتعرضون للضرب ومطاردة العسuuاكر لهم والكالب البوليسuuية أمuuام السuuجن

كما كان يحدث في سجن أبي زعبل الصناعي ودمنهور وغيرهم من السجون.

ثم تكون معاناتهم األكثر صuuعوبة في رحلuuة البحث عن أبنuuائهم في خضuuم هuuذا الكم الهائuuل الواقuuف خلuuف األسuuالك في دقuuائق معuuدودة والuuتي كuuان البعض يستغرقهم في البحث عنهم فقuuط دون أن يتمكن من رؤيتهم وخاصuuة كبuuار السuuن والمرضى والذين ال يراعون حالتهم وظروفهم الخاصة فقد كuuانت إحuuدى األمهuuات والتي تجاوزت الثمuuانين من عمرهuuا ظلت تبحث عن ولuuدها والuuتي ال تuuراه بسuuبب ضعف بصرها من وسط تلك الصور والuuتي تبuuدو لهuuا كأشuuباح ال تسuuتطيع أن تحuuدد مالمحهم فكانت تبحث عنه بلهفة مخافuuة أن يuuدركها الuuوقت دون أن تuuراه فكuuانت تنتقل من واحد آلخر من الواقفين خلف األسالك وتسأله عن ابنهuuا وتقuuول لuuه هuuل أنت محمد؟ فلعلuuه يكuuون هuuو فيجيبهuuا بuuالنفي فتتكئ على األسuuالك ألن قuuدماها – والتي هدها الوه والمرض والشيخوخة – ال تستطيع أن تحملها فكانت تتحامل على نفسها وتسرع كالثكلى التي تبحث عن وليدها وسط ركام من الدمار، وتuuذهب إلى اآلخر وتسأله هل أنت محمد؟ فيجيبها بالنفي أيضا، وتظل تuuدور في حلقuuة مفرغuuة حتى يدركها الوقت فكانت كمن تبحث عن طفلها تاه وسط الزحuuام وال يسuuتجيبون

لدموعها بأن يسمحوا لها بوقت آخر حتى ترى ابنها فربما ال تراه مرة أخرى.

بل كان منهم من يصuاب بuاألمراض عنuuدما يعلمuوا أن أبنuuائهم يتعرضuون لهuذا القدر من الذل والقهر فعندما نظرت إحدى األمهات – في سجن وادي النطرون – وبعد االنتهاء من الزيارة وقبل الخروج من السجن نظرت خلفها فوجدت ابنها يقف مع آخرين معصuuوبي األعين فيوضuuع مهين فصuuرخت بuuأعلى صuuوتها فانتبuuه البuuاقي فنظروا خلفهم وشاهدوا هذا المنظر ولم تتحمل هذا المنظر فاجتمعت عليها عuuدة

أمراض ظلت تعاني منها سنوات. 87

Page 88: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

فألجل تلك المعانة والتي اجتمعت عليهم من مشقة السفر واإلهانات وحرمان أنفسuuهم واالقتطuuاع من أقuuواتهم من أجuuل توفuuير احتياجuuات الزيuuارة وغيرهuuا من الصعاب كان البعض يشفق عليهم فيلح في الطلب أال يأتوا إليه مرة أخرى ولكنهم

كانوا يرفضون ذلك.

وكان البعض ال يعرف طريقا ألبنائهم أو أقاربهم وخاصة عند االنتقال من سجن آلخر فقد ظل أحuuدهم يبحث عن ابنuuه من سuuجن آلخuuر فuuذهب إلى سuuجن الuuوادي والفيوم ودمنهور ثم يرجع مرة أخرى إلى سجن االستقبال حيث كان مكانuuه األول، فال أحد يدله عن مكuuان ابنuuه مuuع أنuuه موجuuود في سuuجن االسuuتقبال ويرفضuuون أن يخبروه، حتى علم مكانه من أحد الموجودين داخل السجن أثنuuاء خروجuه فuuاطمئن عليه، وكذلك ظلت إحدى األمهات تuuأتي كuuل يuuوم ألكuuثر من شuuهر لكي تعuuرف أي شيء عن مكان ولدها وكلما سألت عنه إدارة السuuجن تuuرفض أن تخبرهuuا فكuuانت تتلمس أخباره من الخارجين حتى دلها أحدهم عليه وأخبرها أنه مازال موجuuود في

السجن ولم يغادره.

وعندما منعت الزيارة في بعض السجون لعدة سuuنوات كuuانوا يتكبuuدون مشuuاق السفر لمسافات طويلة وينتظرون أمام النيابة حuuتى يتمكنuuوا من رؤيuuة أبنuuائهم أو آبائهم أو أن يسألوا عنهم القادمين فلعل يكون أحدهم مع أحuuد منهم أو أن يعuuرف عنهم شuuيء فيطمئنهم عليهم، وعنuuدما كuuانوا يمنعuuونهم من االقuuتراب من سuuيارة الترحيلة تحت التهديد واإلهانات بل والضرب أحيانا كانوا يكتفuuون بuuأن يلوحuuوا لهم بأيديهم من بعيد من شباك السيارة أو أثناء النزول والعودة مرة أخرى إليها فكانوا يقطعون تلك المسافات من أجل تلك النظرة فقط والuuتي ينتظرونهuuا كuuل جلسuuة، وكuuان البعض منهم يحuuاول أن يعطيهم أي شuuيء من الطعuuام من شuuباك السuuيارة فكuuانوا يمنعuuونهم من ذلuuك بuuل وتنطلuuق السuuيارة بسuuرعة ويجuuري خلفهuuا النuuاس فتسقط بعض األمهات وفي يدها الطعuuام فتقuuوم مuuرة أخuuرى بسuuرعة لكي تلحuuق بالسيارة ولكن دون جدوى فترجع والدموع تنهمر منها ومازالت تحمل بقايا الطعام

في يدها.

فكم من أم حرموها من ابنها لسنوات طويلuuة، وكم من أب مكلuuوم وأم كuuانت تنوح كالثكلى ماتوا وكانت أمنيتهم الوحيدة وهم ينازعون الموت أن تكتحل عيونهم رؤية أبنائهم ولو للحظات، وكم من أطفuuال تيتمuuوا وهم في عمuuر الزهuuور وآبuuائهم على قيد الحياة فبعضهم لم يرى أباه إال من خلف تلك األسالك فقد تركuuوهم وهuuو ال يزال رضيعا يحبو على األرض، وآخرون لم يعرفوا لألبوة معنى غير الحرمان فلم يعرفه ولم يره ولم ينطق بهuا في يuوم من األيuام، بuل وكم من أسuuر فرقuuوا بينهuا وبين عائلهuuا الوحيuuد الuuذي يuuرعى شuuئونهم، بuuل كم من أسuuر سuuعوا في تuuدميرها وتقويض أركانها بشتى األساليب الشيطانية والحيل فكثيرا مuuا سuuعوا للتفريuuق بين

88

Page 89: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الزوجات وأزواجهم عن طريق الضغط عليهن لطلب الطالق أو عن طريق الوقيعة والكذب واختالق الرسائل المنسوبة زورا لبعضهم البعض، بuuل إنهم كuuانوا يحuuذرون ويتوعدون كل من يتقدم للزواج من ابنة أو أخت أحد منهم، كل ذلuuك حuuتى يكونuuوا

بين شقي الرحى ما بين تعذيب داخلي وضغوط خارجية.

هuuذا بعض مuuا كuuان يعانيuuه آبائنuuا وأمهاتنuuا وكuuل مuuا يمت لنuuا بصuuلة جuuراء تلuuكالسياسات التدميرية .

89

Page 90: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

ومضات في الطريق

في وسط هذه الظلمة الحالكة كانت هناك منuuارات وعالمuuات ومواقuuف وعuuبر وومضات في الطريق نستضيئ بها ونسير في هداها كنور فجر يبزغ من بعيد يلوح في األفق، وكشعاع أمل يبدد ظلمة الليل الطويل، فكثير من المواقف التي مuuرت بنا لها دالالتها والuuتي تلقى بظاللهuuا لتسuuتجلي لنuuا الكثuuير من المعuuاني والuuتي نكuuاد

نلمسها بأيدينا.

فعندما كانت تشتد بنuuا المحنuuة وتحيuuط بنuuا الخطuuوب من كuuل جuuانب، وتنقطuuع أسuuباب األرض نطuuرق أبuuواب من يجيب المضuuطر إذا دعuuاه ففي هuuذه اللحظuuات الفارقة بين الهالك والنجاة تدركنا معية الله فتنتشلنا من هذا الهالك فكثير هي تلك

المواقف.

ففي سجن الليمان حيث كانت الزيارة غuuير مسuuموح بهuuا لعuuدة سuuنوات، كuuان يأتي لشuuخص واحuuد في هuuذه الفuuترة الطعuuام فقuuط فكuuان يقuuوم بتوزيعuuه محتمال مخاطر جمة والتعرض للتعذيب الوحشي وفي أثناء محاولة نقل الطعام من زنزانة إلى أخرى سقطت قطعة من اللحم أمام باب إحدى الغرف والتي معناها في ذلك الوقت – عندما يتم اكتشافها في الصباح – هو إيذاء الجميع، إيذاءا شديدا بما فيهم من قام بتوزيع وبعد محاوالت مضنية اللتقاطها من خالل تلك الفتحات الضuuيقة في ثقوب الباب قد بuuاءت جميعهuuا بالفشuuل فمuuا كuuان عليهم إال أن ينتظuuروا مصuuيرهم الذي سيالقونه ويعuدوا أنفسuهم لuذلك وعنuدما جuاء الحuارس في الصuباح وعنuدما اقترب من باب الغرفة كuuانوا واقفين وقuuد حبسuuت أنفاسuuهم فمuuا هي إال لحظuuات ويفتح البuuاب وينظuuر تحت قدميuuه فيراهuuا وهم قuuد أعيuuاهم المuuرض فال يتحملuuون تعذيبهم الوحشي الذي ال يرحم مريض قد هده المرض، ففي تلك اللحظuuات الuuتي مرت كالدهر فمuا كuاد أن يفتح البuاب حuتى جuاءت خلفuه قطuة على غuير المعتuاد فالتقطتها بفمها وانصرفت دون أن يشعر بها فكانت سببا لنجاتهم من هالك محدق بهم وقuuد حuuدث نفس الشuuيء في مuuرات كثuuيرة، فقuuد سuuقط كيس بأكملuuه في الطريق وقد يأسوا من مجيئه فدعوا اللuuه أن يuuدبر لهم فمuuا هي إال لحظuuات حuuتى جاءت قطة وحملته بعيدا وكان من المعتاد أن تأخذ ما تريد وتuuترك البuuاقي ولنكهuuا في هذه المرة حملته بالكامل، وفي مرة أخرى عندما سقطت ليمونة من الشباك الخلفي بين العنuuبرين وكuuانت مخuuاطرة شuuديدة من أجuuل توصuuيل الطعuuام إلى المرضى، فوقفوا وقد انقطعت بهم الحيل حتى جاءت ريح شuuديدة فحملتهuuا بعيuuدا

عنهم "وما يعلم جنود ربك إال هو".

90

Page 91: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أما من المواقف التي يقف المuرء مشuدوها أمامهuا فهuو مuا حuدث في سuجن النطرون حيث كان يقوم عبد العuuال وزبانيتuuه بحمالتهم التعذيبيuuة والuuتي يبطشuuون فيها بالجميع، ففي إحدى المرات اشتد التعذيب وخاصة على من كان موجuuودا في تلك الزنازين المسماة بالتأديب في نهاية العنبر، ثم بعuuد أن نكuuل بهم بكuuل وسuuيلة جعل الكالب تمزق بمخالبها في أجسادهم ولم يuuتركهم إال جثث هامuuدة قuuد أعياهuuا التعب ولإلرهاق وهم في هذه الحالة دفع أحدهم في إحدى الغرف الضيقة فسقط على األرض منهك القوى وجراحة ال زالت تنزف فاستلقى على ظهuuره ال يسuuتطيع حراكا وقد أغلق عليه البuuاب بعuuد أن دفuuع معuuه أحuuد الكالب البوليسuuية المتوحشuuة لتمزق ما تبقى من جسده وقفوا ينظرون إليuuه من خلuuف البuuاب وهuuو ينهش فيuuه، وفي تلك اللحظات كuuان الكلب بuالقرب من فريسuuته ينتظuuر اإلشuuارة من حارسuuه لالنقضاض عليها أما هو فكان ال يستطيع إال أن يحرك شفتيه بالدعاء إلى اللuuه فمuuا هuuذا الكلب إال جنuuدا من جنuuوده، وفي أثنuuاء ذلuuك وعنuuدما أعطuuاه حارسuuه إشuuارة االنقضاض عليه وقف ومشى في خطوات وئيدة وصعد فوق جسده العuاري والuتي كuانت تلطخuه الuدماء ووقuف على صuدره أمuا هuو فلم يسuتطع إال أن يحuرك يuده المتعبة ووضعها أمام عينيه فقط كان ال يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك فقد أعيuuاه التعذيب ولكن الكلب لم يفعل شيئا فقد وقuuف لحظuuات ثم نuuزل وعuuاد إلى مكانuuه مرة أخرى فاندهشوا جميعا من خلف الباب وأعطاه الحارس اإلشارة مuuرة أخuuرى فوقف وصعد على صدره ورفع إحدى قدميه لينهش بها ثم أنزلها مرة أخرى ووضع األخ يده مرة أخرى أمام عينيه لحميهuuا ثم نuuزل مuuرة أخuuرى كuuأن شuuيئا مuuا يمنعuuه فأمره للمرة الثالثة فمشى في اتجاهuuه وصuuعد فuuوق صuuدره اسuuتعدادا لالنقضuuاض عليه وفي هذه المرة لم يستطع أن يضع يده أمام من شuuدة التعب والكلب واقuuف بقدميه األماميتين يتفرس بشدة إلى هذه الضحية وكأنه يعرفه منuuذ زمن بعيuuد أمuuا هو فقد أغمض عينيه في تلك اللحظات منتظرا مصيره فلم يستطع أن يحرك حتى يده وبعد لحظات وعندما لم يحدث شيء فتح عينيه وصعد بها في تعب لينظر ماذا حدث فألول مرة ينظر إلى الكلب وتلتقي نظراتهما ولكنه فوجئ بشيء غuuريب لم يحدث قبل ذلك وجد الدموع تتساقط من عين الكلب وكأنه يريد أن يقول له شuuيئا ولكنه ال يستطيع الكالم وعند هuذه اللحظuة فتحuوا البuاب وقuuد يأسuوا منuه فجuرى الكلب بسرعة ولم يلتفت إلى حارسه وهuuو يuأمره أن يتوقuuف، وفي لحظuuة فارقuuة أخرى، أحدق الخطر بإحuuدى الغuuرف في سuuجن الuuوادي عنuuدما تبuuاطئوا في تنفيuuذ النهوض بسرعة حسب التعليمات فجاءت قوات ضخمة ملئت أرجاء العنuuبر بأكملuuه صياحا وصخبا ورعبا وأخذوا في ضuuرب زنuuازين العنuuبر بأكملuuه زنزانuuة تلuuو األخuuرى وصرخات األلم واالستغاثات تكاد أن تهز جدران المكان من شuuدتها وكلمuuا اقuuتربوا من تلك الغرفة المعنية كلمuuا تيقنuuوا أنهم هلكى ال محالuuة فهuuؤالء الuuذين يسuuمعون صراخهم ال ذنب لهم والمقصود بمجيئهم هم فكانت ألسنتهم تلهج إلى الله بالدعاء

91

Page 92: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

وقد تعلقت قلوبهم بالذي نجى يونس من بطن الحوت حuuتى إذا كuuان الuuدور عليهم تركوهم ومضوا في تعذيب بقية الزنازين فظنوا أنهم تركوهم في النهاية كمuuا كuuان يحuuدث في مuuرات سuuابقة ولكنهم فوجئuuوا عنuuدما انتهuuوا قuuد خرجuuوا من المكuuان وانصرفوا ولم يصبهم شيء فالتفت بعضهم إلى بعض يتعجب ممuuا حuuدث حuuتى إن أحuuدهم قuuد بكى من شuuدة الموقuuف وتuuدارك رحمuuة اللuuه بهم وهم الuuذين كuuانوا

ينتظرون الهالك بين لحظة وأخرى.

وفي مشهد آخر لم يتuuذكر أحuuد اإلخuuوة أنuuه يحمuuل بين طيuuات مالبسuuه أشuuياء ممنوعة في نظرهم إال وهو يقترب منه أحدهم ليفتشه ذاتيا ففي تلuuك اللحظuuة لم يشعر إال وهو يدعوا اللuه بعمuل صuالح قuuد فعلuه يقuول اللهم إن كuان هuذا العمuل لوجهك الكريم فنجني مما أنا فيه، وما هي إال لحظات ويمسuuك بuuه ولكنuuه مuuر من

أمامه وتركه.

كانت هناك صور أخرى مغايرة، فحينما كان يشتد بنا المرض وال نجuuد أدويuuة أو عالج أو أي رعاية كانت هناك أشياء يقف الطب أمامها عاجزا ال يجuuد لهuuا تفسuuيرا، فعندما اشتكى أحد المرضى من وجع شديد في بطنه لم يجد إال مuuرهم فuuدهن بuuه بطنه فبرأ، وأما في سجن الوادي فلما كثرت الدمامل والخuuراريج حuuتى إن البعض قد مأل الصديد والتقيحات معظم جسمه فكان يتساقط جلuuده من كثرتuuه فلم يجuuد بعضهم حيلة في تلك الظروف إال أن يضع برادة النuuوى بعuuد حكuuه في األرض على هذه الدمامل فكانت المفاجأة أنها بدأت تجف تدريجيا حتى برأت تماما فكان ذلuuك عالجا للسجن كله بعد ذلك من الدمامل، وكان بعضهم يتناول النوى كمuuا هuuو لعالج اإلسهال، بل إن أحد الذين كانوا يشuuتكون من آالم البواسuuير في سuuجن دمنهuuور – والذي يعاني فيه المرضى العناء الشديد – فما كان منuuه إال أن اسuuتخدم مuuاء نuuوى البلح مع بعض األدوية التي ال تمت بالبواسير بأي شيء فوجد أن اآلالم بuuدأت تهuuدأ تدريجيا واستمر حتى برأ تماما من اآلالم وعندما جاء موعد إجراء العمليuuة وكشuuف عليه الطبيب لم يجد للبواسير أي أثر فسأله هل كنت مصاب بالبواسير قبل ذلك؟ وأجابه بأنه مصاب بها والتقرير المكتوب بيد الطبيب يثبت ذلuuك ولكنuuه أخuuبره بمuuا فعل فأنكر أن يكون ذلك عالجا للبواسير فأكد له إن هذا ما حدث فتركه ينصuuرف، وكان إذا اشتد المرض بأحدهم وقد انتهت كمية األدوية التي يأخذوها فكان أحuuدهم يصنع له من بقايا عجينة الخبر أقراص في نفس هيئة التي يتناولهuuا ويسuuتغل ظالم الليل ويستمر في إعطائه في المواعيد المحددة والغريب أن يكون لها تأثير فعال.

بل إن هناك أشياء تخالف كل القواعد الطبية تماما ولكن لم يكن هنuuاك بuuديل، فعندما كثرت آالم األسنان ولم يكن هناك أي وسuuيلة لمuuداواة المuuرض فكuuان أحuuد األطباء يقوم بخلع األسنان عن طريق مسمار بعد حكuuه على األرض إلزالuuة الصuuدأ الuuذي عليuuه وكلمuuا انتهى من أحuuدهم يضuuعه في ليمونuuة ليطهuuره ثم يقuuوم بuuالخلع

92

Page 93: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

لشخص آخر وهكذا، وكان أيضا يزيل شمع األذن بقطعة سلك صغيرة، بuuل وعنuuدما تتسرب سرنجة – حيث كان ممنوع وجود سرنجات معنا – كان يستخدمها أكثر من شخص وعندما ال يجري سن اإلبرة من كثرة االستخدام كuuان يسuن على األرض ثم يعاود االستخدام مرة أخرى، وكان يخبرهم أن هذه األشuuياء لuuو كuuانت في ظuuروف طبيعية ألودت بحياة الكثير نتيجة لمضاعفاتها الخطيرة، ولكن يبدو أن لuuوقت البالء معايير ومقاييس مختلفة ال يستطيع الطب الحديث إدراكها، فماذا كان يعني تنuuاول الشخص المريض كمية من الماء مع قليل من الملح للعالج من األمراض، وهذا مuuا كان يصنعه أحد األطباء للمرضى عندما ال يجد دواء لهم وكل ما يفعله هuuو أن يغuuير

نسب الملح لألمراض المختلفة فقط.

لقد كان لهذه المواقف وغيرها والتي تحدث من حين آلخر لتكuuون طuuوق نجuuاة لتلقي بداللتها المعنوية أن معية الله بعباده المستضعفين ال تنقطع سواء للذين هم في آتون المحنuuة أو الuuذين يعuuانون منهuuا من أهلنuuا في الخuuارج، فلقuuد اجتمuuع على إحدى الزوجات هم الفاقة الشديد نتيجة غياب زوجهuuا في غيuuاهب السuuجن مuuع هم مرض ابنتها الصغيرة ووحيدتها ولم تجد حيلة سوى دموعها التي تذرفها عليها وهي تكاد تصارع الموت بين يديها فال تجد ما تذهب به إلى الطبيب أو ما تأتي لها به من دواء وكلما اشتد بصغيرتها األلم كلما انهمرت دموعهuuا وتسuuاقطت عليهuuا ولكن مuuا جدوى الدموع فمuuا أحيت ميتuuا وال شuuفيت مريضuuا فقuuامت تطuuرق أبuuواب السuuماء فتوضأت ثم صلت ركعتين ودعت الله عز وجل وهي تبكي وألحت عليه في الدعاء بأن يشفي ابنتها وأن يدبر لهuuا األمuuر فال تجuuد لهuuا حيلuuة وقuuد انقطعت عنهuuا جميuuع أسباب األرض وكانت دموعها تتساقط على األرض أثناء السجود وما إن انتهت من الصالة حتى فوجئت بمن يطرق الباب وعندما فتحت الباب وجدت من يسuuألها عن ابنتها المريضة وكان طبيبا فتعجبت ولكنها أسرعت بإحضار طفلتها المريضuuة وبعuuد ما أجرى الكشف عليهuuا كتب العالج المناسuuب وأعطاهuuا إلحضuuاره فأخبرتuuه أنuuه ال يوجد معها شيء فنزل بسرعة وأحضuر العالج ثم كتب ورقuة بهuا حسuاب الكشuف والعالج وأعطاها إياه فأخبرته أنها ال يوجد معها أي أموال فقال لها بصuuوت غاضuuب فما دمتم ليس معكم ثمن الكشف والعالج لماذا طلبتموني؟ فقالت له: لم أطلبuuك فاندهش وقال لها لقد اتصلت بي شقة رقم كذا وأخبروني أن أحضر حاال ألن ابنتنا الصغيرة مريضة فقال له إن الشقة التي اتصلت بك في الطuuابق األعلى أمuuا هuuذه فشقة رقم كذا فتعجب وسألها ولماذا تركتي ابنتك هكذا حتى أشرفت على الموت فقصت عليه حالها فأشفق عليها وترك لهuuا العالج وورقuuة الحسuuاب وانصuuرف، فال نجد تفسيرا لما حدث غير قوله تعuالى "وليخش الuذين لuو تركuوا من خلفهم ذريuة

ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قوال شديدا".

عبر وعظات

93

Page 94: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

أنا عند حسن ظن عبدي بي. -1ال تستبطئوا الرزق فإن ما عند الله ال يطلب بمعصيته.-2

فإن إحسان الظن بالله طاقة إيمانية وهي سبب النجاة وما عند اللuuه ال يطلب بمعصيته وكلما زاد المرء يقينا بموعود اللuuه تحقuuق مuuراده وكلمuuا تعجuuل مuuا عنuuده بمعصيته فال يكون إال ما قدره الله، ولقد تباينت كثير من المواقف والصور مuuا بين

إحسان ظن بالله وتعجل ما عنده بمعصيته.

فأما الصورة األولى والتي ال يملك صاحبها سوى إحسان ظنه بالله رغم تخلف كل األسباب المادية، فقد استيقظ أحدهم ذات ليلة وهuuو يجuuد في نفسuuه يقينuuا أن الفرج قuuريب فوجuuد آخuuر مسuuتيقظا لصuuالة الليuuل في ذلuuك الuuوقت والuuذي تجuuاوز منتصف الليل فأخبره بأنه سيخرج في الصباح وأن الله ال يخيب رجاؤه فربت عليه وطمأنه وأثناء ذلك استيقظ عuuدد من النuuائمين فuuأخبرهم أنuuه سuuيخرج في الصuuباح فظنوا أنه يداعبهم فأقسم لهم بالله أنه سuuيخرج فسuuألوه هuuل أخuuبرك أحuuد بuuذلك فقال ال ولكنه إحسان ظني بربي وعند صالة الفجر استيقظ الجميع لصuuالة الصuuبح وكان ذلك الذي حدث هو حديث الجميع وهو مازال يؤكد لهم أنه سيخرج وأن يقينه بالله هو الذي يدفعه لهذا التأكيد فقال بعضهم لعلك رأيت شيئا في منامuuك؟ فقuuال لهم ال، فتندر آخرون فلعلك توهمت ذلك بسبب قuuرب ميعuuاد خuuروج بعض األعuuداد في المناسبة القادمة وهو يؤكد لهم ال ليس األمuuر متعلقuuا بمناسuuبة أو غuuيره، وفي الصباح بدأ الحارس ينادي على األسماء التي ستخرج في المناسuبة وكuان قuuد بقي عليها حوالي ثالثة عشر يومuuا وهuuذا أمuuر غuuير معتuuاد فوقuuف الجميuuع وقuuد ألجمتهم المفاجأة وقال بعضهم لبعض والحuuارس مuازال يتلuuوا األسuuماء هuuذا أمuر على غuير العادة فربما يصدق فالن في خروجه ولكنه انتهى من األسماء كلها ولم يكن اسمه منهم فقالوا له هذه هي األسماء وقد ظننا أن يكuuون اسuuمك منهم ولكن لم ينuuادي على اسمك فقال لهم وقد قuuام ليجمuuع متعلقاتuuه قلت لكم إن األمuuر ليس متعلuuق بشيء فوالله ما ازددت إال يقينا وإن إحسان ظني بالله لن يضuuيع وانصuuرف يكمuuل جمع األشياء ويوزع بعضها عليهم وقuuد وقفuuوا ينظuuرون إليuuه ويتعجبuuون من أمuuره، وفجأة فتح الحارس الباب وقال أين فالن ونادي اسمه فقuuال لuuه هuuل سuuيكون مuuع اآلخرين؟ قال ال، أما هؤالء فسيذهبون إلى سجن آخر انتظارا لميعاد المناسuuبة أمuا هو فسيخرج اآلن من باب السجن فوقفوا مشدوهين لما يحدث فقال لهم ألم أقل لكم إنني سأخرج اليوم فهذا والله حسن ظني بربي وسuuلم عليهم وخuuرج فuuالتفت

إليهم أحد اإلخوة وقال إن هذا صدق مع الله فصدقه.

أما الصورة األخرى لبعض من اسuuتهواهم الشuuيطان ووقuuع في بuuراثن اإلرشuuاد وظن أن االرتماء في أحضان من ظلمه هو سبب النجاة فضعف يقينه باللuه وقuوي يقينه بهؤالء فكان سهما مسموما موجها ضد من معه وكلما لوحوا له بuuالخروج زاد

94

Page 95: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

في اإليذاء وال يبالي بإيذاء اآلخuuرين وعنuuدما يطلب منهم مuuا وعuuدوه بuuه يماطلونuuه ويطلبون منه المزيد فيفعل حتى انغمست قدماه في الوحuuل وفي إحuuدى المuuرات طلب منهم بشدة مقابل ما قدمه من تقارير وإرشاد ولقد كان هدفuuه الخuuروج من السجن فقط أما اآلخرين الذين تسuuبب في تعuuذيبهم فال يهتم بهم فهuuو يعلم وضuuع السجن شديد التعذيب ألقل سبب ومع ذلك ال يهتم سuuوى بخروجuuه فقuuط وعنuuدما ألح في الطلب وعدوه بالخروج في أقرب مناسبة، وقرب الموعد المحuuدد بيuuوم أو اثنين طلبه الضابط ليخبره أن اسمه جاء في هذه األعداد التي ستخرج ففرح بذلك وأعد نفسuه للخuuروج وظuuل خالل هuuذه الفuترة يعuuد السuاعات واللحظuuات وينتظuuر الوقت الذي سيخرج فيه من السجن ويتحقق أمله وفي اليuuوم المحuuدد نuuادوا على اسمه مع باقي األسماء التي ستخرج فغمرته السعادة وقام ليجمع متعلقاتuuه وحلم الخروج يداعب خياله فما هو إال وقت بسيط وسيكون خارج األسوار ولم يفكر في تلك اللحظة بمن آذاهم فكل ما مأل عليه وجدانه أن حلمه قد تحقق وبعuuد أن جمuuع متعلقاته واستبطئ الوقت فغفلت عينuuاه إلى حين موعuuد الخuuروج وجuuاء الحuuارس ليخرج من الزنازين كuuل من نuuوديت أسuuماءهم وفتح بuuاب الزنزانuuة وقuuال أين فال، قالوا نائم فتعجلهم ليوقظوه ليخرج فذهب أحدهم ليوقظه فوجده قد فارق الحيuuاة ولم يتحقق ما كان يحلم به حuuتى لuuو على حسuuاب اآلخuuرين، فuuإن مuuا عنuuد اللuuه ال

يطلب بمعصيته.

مصابيح الدجى

كان هناك أناس يمثلون روح التضحية واإليثار فكانوا نبراسuuا لآلخuuرين يسuuتنون بأعمالهم ويتشبهون بهم حتى كان المرء يستصغر نفسه بجوارهم عنuuدما يعجuuز أن يلحق بهم كانت لهم مواقف كثيرة يستحق أن يقف المuuرء أمامهuuا إجالال وإعظامuuا ألصحابها فعندما كان يشuuتد التعuuذيب يسuuارعون ليحمuuوا بظهuuروهم بقيuuة إخuuوانهم يقفuuuون خلفهم يتلقuuuون الضuuuربات تلuuuو الضuuuربات ويرتشuuuفون مuuuرارة األلم وال يتزحزحون عن أماكنهم مخافة أن ينال غيرهم األلم فكم ضحوا بأنفسuuهم وتحملuuوا التعذيب من أجل اآلخرين فعندما أذن لصالة الظهر أحد اإلخوة وكان نحيفا ضuuعيفا وعندما انتهى من اآلذان طلب الضابط من أذن فأشفق لحاله أحدهم فوقف مدعيا أنه صاحب اآلذان فأخذوه في الخارج وضربوه ضربا شديدا لو نال األول منه جuuزءا لربما قد فارق الحياة، وكان نفس األمر يتكرر عندما كانوا يريدون معرفة الشخص الذي يخطب لهم الجمعة حتى يعذبوه فكانوا يتحملuuون األلم حuuتى ال يعuuترفوا على غيرهم بل ويدعوا أنهم هم الذين قاموا بهذا األمر، وكان أحuuدهم يتحمuuل المخuuاطر الجسيمة والعقاب الشديد وال يبالي فعندما منعت الزيارة لعدة سuuنوات وكuuان هuuو الشخص الوحيد الuuذي يأتيuuه الطعuuام فقuuط فكuuان ال يرضuuى أن ينعم هuuو بالطعuuام وإخوانه وخاصة المرضى يتضuورون جوعuuا ولكن كيuف السuبيل وقuuد سuدت جميuع

95

Page 96: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

المنافذ، فكان يتحمل المجازفة وال ترفأ له عين حتى يقuuوم بتوزيuuع الطعuuام عليهم في ظلمة الليل حتى ال يراه أحد رغم أنهم كانوا يحذرونه عندما يأتون إليه بالطعام أن يعطي أحد شيئا ولكنه كان ال يبالي بذلك، وعندما سقط بعض الطعuuام وعلمuuوا أنه مصدره جاء عدد من العساكر والضباط وكانوا يريدون معرفuuة كيفيuuة التوصuuيل الطعام ليعرفوا من هم الذين يuuذهب لهم الطعuuام ولكنuuه رفض أن يخuuبرهم بuuذلك فقاموا بضربه أمام من كان معه في غرفته حتى يخبرهم ولكنه يuuرفض مخافuuة أن يضربوهم إذا عرفوا أسمائهم فكان يتحمل رغم شدة التعذيب وكلمuuا كuuان يuuرفض أن يجيبهم عن أسئلتهم يشتد عليuه التعuذيب فكuانوا يضuربوه ثم يتوقفuوا فيسuألوا فيرفض فيعاد الضرب مرة ثانية ويصبوا عليه جام غضبهم حتى نزعت أظفuuاره من شدة التعذيب ومع ذلك ال يدلي عنهم بأي شيء ولما يأسوا منه أرجعوه مرة أخرى وهو يتألم من شدة الضرب والتعذيب ومع ذلك أخبر أحد من كان معهم في غرفته لقد كان جل تفكيري أثناء التعذيب أن يuuتركوني ويعuuذبوك بعuuدي، ولقuuد أجuuبر هuuذا

الموقف أعدائه قبل إخوانه على احترامه بعد ذلك.

وال يبالي من ضحى بنفسه أن يضحي بما هو دون ذلك لقuuد كuuان اإليثuuار دأبهم لهم لمسات حانية تسمو نفوسuuهم إلى المعuuالي فكuuان أحuuدهم ال يأتيuuه أي مالبس جديدة حتى يقوم بتوزيعها على الباقين دون أن يشعر بuuه أحuuد، وهuuذا آخuuر ال يuuرى شخصا يفرح بشيء ما إال أعطاه نصيبه وأن هناك من يتمنى أشياء إال أرسل ألهله أن يحضروه ويعطيهم إياه، وهذا ثالث يتحايل أن يعطي نصuuيبه من الطعuuام لغuuيره دون أن يشعره بذلك، وهذا مصابا بالدرن ويuuؤثر أخuuاه بنصuuيبه من الفاكهuuة، كuuانت أشياء بسيطة ولكن معانيها أكبر بكثير من قيمتها، كuuان هنuuاك بعض األشuuياء تظuuل تهدي من شخص آلخر ومن غرفة ألخرى حتى أنه أحيانا ترجuuع لصuuاحبها األول كuuل يuuؤثر اآلخuuرين عن نفسuuه وكuuان بعضuuهم يuuرفض أن يتuuداوى وخاصuuة من الجuuروح والكدمات إال بعد اآلخرين رغم أن حالته أسوأ منهم مuا فعuل ذلuك إال أنuه يuرى أن كمية العالج لن تكفي الجميع، وكان بعضهم يتنافى في خدمuuة اآلخuuرين فال نجuuدهم إال شعلة من النشاط فيساعد هذا في إعداد الطعام ويمنع ذلك من غسل مالبسuuه

ليغسلها هو ويقوم على شئون المرضى يخفف آالم هذا ويداوي هذا.

لقد كانوا بأعمالهم نورا يتألأل في ظلمة هذا الليل الطويل......

96

Page 97: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

صور ووثائق

97

Page 98: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

98

Page 99: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

99

Page 100: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

100

Page 101: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

101

Page 102: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

102

Page 103: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

صور من الداخل لسجن استقبال طرة

صور من الداخل لسجن أبي زعبل

103

Page 104: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

صور من الخارج لسجن ليمان أبي زعبل بعد تدميره

في ثورة يناير

الخاتمة

كانت تمر بنا األيام وتمضي بنا السنون وتتقاذفنا المحن والخطوب كأمواج البحر العاتية وتشتد ظلمة الليل الحالكة فما تكاد تنتهي مرحلة حتى تداهمنا

مرحلة جديدة تحمل في طياتها الكثير من المآسي والمعاناة ولكننا برغم ذلك لم نيأس من روح الله ولم يفارقنا األمل طوال هذه السنوات فكنا ندرك أن هذه

التضحيات التي بذلت والدماء التي سالت تصنع تاريخا جديدا المتنا وان نصر الله آت ال محالة وان مع العسر يسرا وان من بين ثنايا هذه الظلمة الشديدة سيولد

فجر جديد يلوح ضياؤه في األفق البعيد فخرجت هذه الجموع الثائرة من أبناء هذه األمة تحمل أرواحها بين أيديها وتهتف من أعماقها باسم الحرية لتحطم جدار

الصمت وتكسر حاجز الخوف وتسقط األصنام وتسحق الطغاة تحت أقدامها وتضعحدا لهذه المهزلة التاريخية.

فخرجت هذه الفئة المسحوقة من الشباب المسلم من الذين افنوا أعمارهم وزهرة شبابهم من أعماق السجون والمقابر الجماعية لتري شعاع الشمس يشرق

من جديد ويشاركون أبناء أوطانهم ومجتمعهم في بناء حاضرهم ومستقبلهم منجديد.

104

Page 105: محنة الاسلاميين في عهد مبارك

الفهرس

اإلهداء

المقدمة

رسالة

المرحلة األولي: خلف األبواب المظلمة

محاكمات هزلية

المرحلة الثانية : أيام المحنة

آالم وأمال

شركاء المحنة

ومضات في الطريق

عبر وعظات

مصابيح الدجى

صور ووثائق

الخاتمة

105