المطلب الأول – الحدود لغةً واصطلاحاً...

62
م س ب له ل ا ن م ح ر ل ا م ي ح ر ل ا وان ن ع ب ث ح ب ق ن ب ط ت عه ب ر ش ل ا ي ف طاع ق ة ز غ ات ب ق ع ل ز وا ه ا8 مط ل ا" " مد ح ل ا له ل رت ن مي ل عا ل ا ن ي الد ا هدان لام سK لا ل وما ا ب ك دي ب ه لن ولا ل نS ا ا هدان له، ال ي صلS وا م سلS وا ي عل ن م ا اءن ج عه رب ش ل ا ن زاء لغ ا ا ب ك ر ت و ي عل اء ض ي لب ا ها ل ب لارها، ه كن لا غ ي ر ت ها عن لاK اh هالك ماS . . ا عد: ب نK ا م ي ك ح ب عه رب ش ل ا ه ي م لا سK لا ا ها ق ي ب ط ت و ي ف اة ب ح ل ا و ه ر مS ا ل ض ي ي صالهS ا ن مهS لا ا ن م، ه ي ح ا ن ن م و ه ي ح ا ن زي خS ا سد ح ب ها ن ي و ه نK . وا ي سع ن{ ي ب م لا سK لا ا م ي ك ح| ت ل عه رب ش ل ا ه ي م لا سK لا ا و ه ر مS ا ي ف ه اي ع ه ي م هS لا ا مهS لا ل ث ي ح ه: يK ا ي ف ل8 ظ عه رب ش لام سK لا اS ا س ن ي سان بK لا ا ح ل ضا ل ا ي الد زف غ ب ه ري ق ح ه زف مغ ل ا ي ف و ل8 ظ عه رب ش ل ا ه ي م لا سK لا ا ف ص يُ | ي ةS را م ل ا ي ط ع ب و ها ق و ق ح عادله ل ا عدما ب ها م ل8 ظ. ه ي ل ه ا ح ل ا( 1 )

Upload: others

Post on 04-Jan-2020

4 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

المطلب الأول – الحدود لغةً واصطلاحاً :

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث بعنوان

تطبيق الشريعة في قطاع غزة

"المظاهر والعقبات"

(

الحمد لله رب العالمين الذين هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأصلى وأسلم على من جاءنا بالشريعة الغراء وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك . . أما بعد:

إن تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيقها في الحياة هو أمر يتصل بأصالة الأمة من ناحية، ومن ناحية أخرى يجسد هويتها

. وإن سعي الإسلاميين لتحكيم الشريعة الإسلامية هو أمر في غاية الأهمية للأمة حيث إنه:

في ظل شريعة الإسلام ينشأ الإنسان الصالح الذي يعرف ربه حق المعرفة وفى ظل الشريعة الإسلامية تُنصف المرأة وتعطى حقوقها العادلة بعدما ظلمها الجاهلية.

وفى ظل الشريعة تنشأ الأسرة المستقرة المتحابة المتراصة

وفى ظل الشريعة تحقق الإنسانية كسبأً في الميدان الأخلاقي والميدان والاجتماعي والاقتصادي

وفى ظل الشريعة يسود العدل وينعم الناس بخيره جميعاً فقانون الشرع ملزم لكل من جرت عليه أحكام الإسلام.

وفى ظل الشريعة يسود التكافل الاجتماعي الشامل الذي يقوم على حراسته إيمان الأفراد وسلطات الدولة المسلمة.

وفى ظل الشريعة يوجد العلماء الأقوياء الذين يدعون إلى الله على بصيرة ويصدعون بالحق في شجاعة ويرفضون الدنيا في كبرياء

وفى ظل الشريعة يتربى الفرد الحر الكريم الذي يؤمن بربه ويعتز بنفسه ويشعر بكرامته ويثق بحقه في حياة حرة آمنة عادلة

وفى ظل الشريعة يوجد الحاكم الذي لا يحتجب عن الشعب ولا يظلمه ولا يستعلى عليه بل يشاوره وينزل عند رأيه ويسوي بين نفسه وبين أصغر واحد من رعاياه.

وفى ظل شريعة الإسلام تقوم الحضارة التي تجمع بين العلم والإيمان وبين الدين والدنيا.

بناءً على ما تقدم يصبح تطبيق الشريعة الإسلام أملاً وحلماً يراود كل إنسان يعشق الحرية ويبغى السعادة , إلا أنه ولصلاحية تطبيق الشريعة في عصرنا الحاضر جملة من الشروط:

أولاً: العودة للإسلام:

ونعنى به أن تكون تعاليم الإسلام هي الموجهة لكل نواحي الحياة، والقائد لكل مؤسسات المجتمع.

ثانيا: التحرر من ضغط الواقع الذي يعيشه مجتمعنا اليوم بمظاهره المادية والسياسية والعسكرية ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية. وما وراء ذلك من قيادات فكرية واتجاهات وضغوط نفسية تتمثل في التبعية للحضارة الغربية والنظر إليها بأنها أم الدنيا وان الرجل لابيض هو سيد هذه الأرض

ثالثا: ضرورة وجود القيادة المؤمنة التي تتخطى كل العقبات وتتحدى كل المعوقين والمخذولين وتصر في ثقة المؤمن على الالتزام بالإسلام كله بلا خوف وتردد، القيادة التي تنقد الإسلام من فكرة إلى عمل ومن مثال إلى واقع ومن سطور الكتب إلى جنبات الحياة، القيادة التي يرى فيها الناس القدرة العملية لعدل الإسلام وصدق الإسلام وعزة الإسلام وايجابية الإسلام

القيادة التي تجعل أول شغلها وأكبر همها أن تعمل على تربية الجيل المسلم الذي يؤمن بالإسلام عن وعى ويدعو إليه على بصيرة.

هذا ومنذ أن وصلت حركة حماس إلى سدة الحكم في قطاع غزة، أخذ البعض يسألون:

لماذا لا تطبق حماس الشريعة الإسلامية في قطاع.

ومع قناعتنا أن السائلين صنفين من الناس:

فهناك المحب المشفق الذي يحلم أن تسود الشريعة الإسلامية هذه الأرض.

وهناك المبغض الحاقد والذي يحاول أن يشكك في وجهة الحركة وأهدافها، وإن كان يظهر بمظهر الحريص على الشريعة.

وإزاء هذه التساؤلات نقدم هذه المحاضرة ان شاء الله تعالى

ثانيا ً - الشريعة اصطلاحاً:

ما شرع الله لعباده من الدين، أي من الأحكام المختلفة.

وسُميت هذه الأحكام شريعة لاستقامتها ولشبهها بمورد الماء لأنَّ بها حياة النفوس والعقول كما أنَّ في مورد الماء حياة الأبدان.

والشريعة والدين والملة بمعنى واحد، وهو ما شرعه الله لعباده من أحكام

ولكن هذه الأحكام تسمى شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها،

وتسمى ديناً باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها،

وتُسمى ملة باعتبار إملائها على الناس.

... وعلى هذا فالشريعة في الاصطلاح الشرعي هي: الأحكام التي شرعها الله لعباده، سواء أكان تشريع هذه الأحكام بالقرآن، أم بسنة النبي محمد ( من قول أو فعل أو تقرير.

فالشريعة الإسلامية إذن، في الاصطلاح ليست إلا هذه الأحكام الموجودة في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية والتي هي وحي من الله إلى نبيه محمد ( ليبلغها إلى الناس ". (3)

المطلب الثاني – أقسام الأحكام الشرعية:

أولاً – من حيث التفصيل والعموم " الإجمال ":

" أحكام الشريعة نوعان،

الأول جاء على شكل أحكام تفصيلية

، والثاني على شكل قواعد ومبادئ عامة

، وكلا النوعين جاء على نحو يوافق كل مكان وزمان، ويتفق مع عموم الشريعة وبقائها، وهاك البيان بإيجاز ".

النوع الأول: الأحكام التفصيلية، وهذه إما أن تتعلق بالعقيدة أو بالعبادات أو بالأخلاق أو ببعض المسائل الخاصة بعلاقات الأفراد فيما بينهم.

النوع الثاني: جاء على شكل قواعد ومبادئ عامة لا يمكن أن تضيق بحاجات الناس ،كما لا يمكن أن تتخلف عن أي مستوى عال تبلغه الجماعة، مثل مبدأ الشورى في الحكم، ومبدأ العدل والمساواة، وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار"... إلى غير ذلك من المبادئ والقواعد العامة التي لا غنى للناس عنها. (1)

ثانياً – من حيث العقاب والجزاء:

تنقسم أحكام الشريعة الإسلامية من حيث العقاب والجزاء إلى قسمين:

الأول: العقاب والجزاء فيها أخروي

، كعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف والصلاة من غير طهارة، والصيام مع الغيبة والنميمة، والحج مع الرفث والفسوق، والزكاة باختيار ردئ المال والغش، والاستغلال والظلم، والاحتكار والإضرار بالزوجة، إلى غير ذلك من المخالفات الشرعية. (2)

ثم يعلق الدكتور وهبة الزحيلي بعد ذكره لتلك الأمثلة بقوله: " وعدم العقاب الدنيوي لا يعني الإباحة أو الحل، فإن العقاب الأخروي أشد وأنكى، وأخطر وأدوم.. ". (3)

الثاني: العقاب والجزاء فيها دنيوي

، وهي كل مخالفة شرعية توجب على صاحبها حداً أو قصاصاً،

أو يستحق مرتكبها التأديب فيما دون الحد كالجنايات التي يترك تقدير عقوبتها لولي الأمر مما يسمى في الفقه الإسلامي بالتعزيرات وهي العقوبات غير المقدرة شرعاً كالأكل في نهار رمضان، وترك الصلاة في رأي الجمهور، وتقبيل المرأة الأجنبية أو المفاخذة، وسرقة ما دون النصاب الشرعي والقذف والسب والإيذاء بغير ألفاظ القذف " (4).

المطلب الثالث: خصائص الشريعة الإسلامية

تتصف الشريعة الإسلامية بعدد من الخصائص التي لا توجد في الشرائع الأخرى، وهذه الخصائص هي:

أولاً: إلهية المصدر:

ثانياً: الشمول:

ثالثاً: التوازن:

رابعاً: الاتساق والتكامل:

خامساً: التيسير وعدم الحرج:

سادساً: الإيجابية:

سابعاً: المثالية والواقعية:

ثامناً: الثبات والمرونة:

تاسعاً: مراعاة قواعد الأخلاق:

المطلب الرابع: العلاقة بين الشريعة والحدود

قد يتبادر إلى الذهن عند إطلاق تطبيق الشريعة أن المراد هو تطبيق الحدود والعقوبات،

وليس الأمر كذلك، وهذا الظن يسيء إلى الشريعة الإسلامية المتكاملة، من حيث إنه قصرها على مجموعة من العقوبات والحدود، على تغافل عن سعة هذه الشريعة وشمولها لجوانب الحياة بكل؛ حياة الفرد وحياة المجتمع.

فالتحدث عن تطبيق الشريعة الإسلامية يعني تطبيقها في مجالات متعددة منها:

- العبادات، وإقامة الشعائر الدينية.

- الأحكام الأسرية، وما يتعلق بالعلاقات بين الأقارب والأرحام.

- المناهج التعليمية، وتربية النشء.

- النظام الاقتصادي، والمعاملات المالية.

- الإعلام، وما يتعلق به.

- الحدود والعقوبات التعزيرية.

- النظام الداخلي، والقضاء بين الناس.

- أنظمة مراقبة الفساد.

- العلاقات الدولية، وسياسات الحرب والسلم، وإعلان الجهاد أو السلم.

· النظم الشرعية التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث: تولية الحاكم، وصلاحياته، والهيئات الرقابية، وما له على الناس، وما للناس عليه.

وغير ذلك من المجالات والساحات التي لم تغفلها الشريعة أبداً، ومن الظلم بمكان قصر هذه الشريعة المتكاملة على جانب معين.

مما سبق تتضح لنا العلاقة بين الشريعة والحدود، فالحدود جزء من الشريعة الإسلامية فهي خمسة على رأي الحنفية أو سبعة على رأي الجمهور، أما الشريعة الإسلامية فهي تشمل الإسلام كله والذي هو نظام شامل لجميع شؤون الحياة، يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق وكل ما يحتاجه الإنسان في علاقته مع ربه، وعلاقته مع الكون وعلاقته مع أخيه الإنسان.

وكما يقول الدكتور القرضاوي: " وآيات الحدود – مع القصاص – في القرآن الكريم لم تبلغ عشر آيات، في حين أن أطول آية في القرآن نزلت في شأن من شؤون القانون المدني، وهي المتعلقة بكتابة الدين ". (2)

وعليه لا يجوز لنا أن نحصر الإسلام، ونحشره – فقط – في زاوية الحدود – مع أهميتها- وكأن الإسلام هو الحدود لا غير، وأن الذي لا يطبق الحدود لا يطبق الإسلام ولا يطبق الشريعة – كما يحلو لبعض الشباب المتحمس اليوم من أبناء الإسلام الغيورين على دينهم وشريعتهم.

المطلب الخامس: منهج القرآن في التشريع

لقد كان من أبرز خصائص التشريع الإسلامي أنه جاء متدرجاً بحسب الأحوال والوقائع ولم ينزل جملة واحدة؛ وذلك مراعاة لواقع المجتمع الذي أراد معالجته وإخراجه من الظلمات إلى النور.

قال الأستاذ/ مصطفى شلبي: " ومن هنا كان من خصائصه أنه جاء متدرجاً مع الزمن والأحوال، فلم ينزل دفعة واحدة كغيره من التشريعات السماوية السابقة، ولم يصدر في وقت واحد كما هو متبع في التشريعات الوضعية". [ المدخل في التعريف في الفقه الإسلامي ص75]

ويمكن تلخيص هذا المنهج في طريقتين عالج بهما القرآن العادات السيئة التي تأصلت في المجتمع:

فالطريقة الأولى: هو تأجيل العلاج حتى يستقر الإيمان في قلوب المسلمين بحيث يمكن الاستعانة بقوة الإيمان كدافع قوي يسهل عملية التخلص من العادات السيئة المستحكمة وتعلم عادات جديدة بدلاً منها.

أما الطريقة الثانية: فهو عبارة عن التهيئة المتدرجة لنفوس المسلمين؛ للتخلص من تلك العادات، ومثاله الخمر. [القرآن وعلم النفس – محمد تيجاني ص52 دار الشروق 1982م ]

إن التدرج في التشريع من أبرز الأحكام لنزول القرآن منجماً، وما ذلك إلا لإخراج الناس إلى الإسلام بدون أن يثقل عليهم أو ينفرهم؛ لكي يبلغ بهم المنزلة التي يريدها الله تعالى ألا وهي الالتزام بمنهج الإسلام كاملاً شاملاً لكل الحياة.

المبحث الثاني: نظام العقوبات في الشريعة الإسلامية

العقوبة شرعا:

هو ما شرعه الإسلام من حدود وقصاص وتعزيز بحق الجرائم المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده حفظا لهم من الاعتداء عليها.()

أوهى: فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.()

وبناء عليه فالجريمة في الاصطلاح الفقهي يجب أن تتوفر فيها الأمور التالية:

ا- أن تكون من المحظورات الشرعية أي ما نهى عنه الشرع الإسلامي، نهي تحريم لا نهي كراهة بدليل وجود العقاب على مرتكب هذه المحظورات.

2- أن يكون تحريم الفعل أو الترك من قبل الشريعة الإسلامية فإن كان من غيرها فلا يُعتبر المحظور جريمة.

3) أن يكون للمحظور عقوبة من قِبل الشرع الإسلامي سواء أكانت هذه العقوبة مُقدرة، وهي التي يسميها الفقهاء بـ" الحد " أو كان تقديرها مُفوضا إلى رأي القاضي، وهي التي يسميها الفقهاء " التعزيز"، فإذا خلا الفعل أو الترك من عقوبة لم يكن جريمة.()

المطلب الثاني: مقصد الشريعة من تشريع العقوبة:

إن الأصل في الجزاء في الشريعة هو جزاء الآخرة ولكن مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد على نحو واضح وضمان حقوقهم، كل ذلك دعا إلى أن يكون مع الجزاء الأخروي جزاء دنيوي، وهذا الجزاء هو العقوبة التي توقعها الدولة على من يرتكب محرماً أو يترك واجباً، أي يرتكب جريمة،

وبهذا العقاب تنزجر النفوس التي لم ينفعها الوعظ والتذكير. والحقيقة أن الشريعة الإسلامية تُعنى بإصلاح الفرد إصلاحاً جذرياً عن طريق تربيته على معاني العقيدة الإسلامية، ومنها مراقبته لله وخوفه منه وأداء ما افترضه عليه من ضروب العبادات وهذا كله سيجعل نفسه مِطواعة لفعل الخير كارهة لفعل الشر بعيدة عن ارتكاب الجرائم، وفي هذا كله أكبر زاجر للنفوس. وبالإضافة إلى ذلك فإن الشريعة تهتم بطهارة المجتمع وإزالة مفاسده، ولهذا ألزمت أفراده بإزالة المنكر.

ولا شك أن المجتمع الطاهر العفيف سيساعد كثيراً على منع الإجرام وقمع المجرمين، وسيقوي جوانب الخير في النفوس ويسد منافذ الشر التي تطل منها النفوس الضعيفة، وفي هذا ضمان أيضاً لتقوية النفوس وإعطائها مناعة ضد الإجرام.()

ولكن مع هذا كله، فقد تُسول للبعض نُفُوسهم ارتكاب الجرائم، فكان لابد من عقوبة عاجلة توقعها الدولة الإسلامية عليهم، وهذه العقوبة سواء في الشريعة الإسلامية أم في القوانين الوضعية تتجه إلى تحقيق جملة الأهداف:

1- تأديب الجاني:

2- إرضاء المجني عليه:

3- زجر الآخرين عن الاقتداء بالجاني:

المطلب الثالث: خصائص العقوبة الشرعية:

1- نظام العقوبة في الشريعة الإسلامية من مظاهر رحمة الله - سبحانه وتعالى - بعباده، فالعقوبة في حق الجاني مصلحة له ورحمة به

فهي بمنزلة الكي بالنسبة للمريض المُحتاج إليه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، فإن بهذا القطع وذلك الكي مصلحة له وإبقاءً لحياته وإيقافاً للمرض من السريان وإهلاك الجسم كله.()

2- إن العقوبة لا تصيب إلا من ارتكب الجريمة وذلك لقوله تعالى: ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)]الاسراء: من الآية15] وهذه الخاصية تحقق منتهى العدل للإنسان.

ولا يناقض هذه الخاصية فرض الدية على العاقلة (العشيرة) لأن ذلك من قَبيل التعاون بين الأقارب أخذاً بالقاعدة الشرعية: " الغُرْم بالغُنْم " فأفراد العائلة يتوارثون فيما بينهم وهو غُنْم ولابد أن يتحملوا الغُرْم وهو الدية فيما بينهم.()

3- العقوبة في الشريعة تطبيق على جميع من قامت فيهم أسبابها وشروطها لا فرق بين شريف ووضيع وقوي وضعيف، فإن المحاباة في إنزال العقوبات الشرعية سبب لهلاك الأمة،

جاء في الحديث الشريف أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )() والواقع أن المساواة بين الرعية في إقامة العقوبات خير رادع للأقوياء الذين قد تسول لهم قوتهم الإجرام لما يظنونه من محاباة لهم بسبب قوتهم وعدم معاقبتهم.()

4- العقوبات الشرعية بنيت على أساسين كبيرين:

الأول: العدل. والثاني: الردع.

ويظهر الأساس الأول –العدل- في أن العقوبة بقدر الجريمة، قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى: من الآية40] فليس فيها زيادة على ما يستحقه المجرم.

ويظهر الأساس الثاني –الردع- في مقدار الألم الذي تُحدثه العقوبه في المجرم.()

5- أن العقوبة قد شُرعت لحفظ المصالح الكلية التي أجمعت الشرائع على وجوب حفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال فقد قررت الشريعة لحفظها عقوبات مقدرة هي عقوبات: الحدود والقصاص وشددت فيها العقوبة، ولم تجعل للحاكم سلطاناً في العفو عنها أو النقص منها.

وعلة التشديد أن هذه الجرائم تُهدد المصالح الضرورية التي لا تستقيم الحياة بدونها ولا غنى للناس عنها فالتساهل فيها يؤدي إلى انتشار الجرائم وتَحلل الأخلاق وفساد المجتمع واختلال أمنه ونظامه، لذا فلا عجب أن تُهمل شخصية الجاني ويُضحى بمصلحته في سبيل الجماعة.()

قال ابن القيم رحمه الله: " فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات وكان من المعلوم أن الناس لو وُكِلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب وتشعبت بهم الطرق كل مَشْعَب ولعظم الخلاف واشتد الخطب فكفاهم أرحم الراحمين أحكم الحاكمين مؤنة ذلك وأزال عنهم كلفته وتولى بحكمته وعلمه ورحمته تقديره نوعاً وقدراً ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة ويليق بها من النكال".()

6- أن العقوبات الشرعية تحقق العدل بين الجاني والمجني عليه وتجعل الجزاء من جنس العمل فَتشفي صدر المجني عليه وتحفظ له حقه وتنتزع من نفسه حب الثأر والانتقام والشعور بالظلم والهضم

فقد"ان من حكمة الله ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة فأحكم –سبحانه- وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الرد والزجر مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع فلم يشرع في القذف قطع اللسان، ولا القتل، ولا في الزنا الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته وعدله لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان "().

وهذا ما تفتقده القوانين الوضعية التي يترتب عليها تغييب مصلحة الجاني والشفقة عليه وإهمال مصلحة المجني عليه وبخسه حقه وعدم إنصافه ممن جنى عليه. وهذا من شأنه أن يُجرئ الجاني، ويجعله يسترسل في الإجرام والعدوان، ويملأ نفس المجني عليه بالحقد والضغينة ويحمله على الثأر والانتقام.()

7- أن العقوبات الشرعية حين تُنفذ على المسلم تجعله يشعر بالندم على تفريطه في جنب الله لأنها عقوبة الله التي حلت به جزاء ما اقترفته يداه، والندم هو أول طريق التوبة والعودة إلى الله والإقلاع عما يسخطه ويأباه فكانت العقوبة الشرعية سبباً لحصول الندم والتوبة الصادقة إلى الله.

أما العقوبات الوضعية فمن الملاحظ فيها أن المجرم إذا أفلت منها ازداد ضراوة وجراءة، وإذا عُوقب بالسجن مدة طويلة أو قصيرة فإنه يخرج منه وقد اشتد طغيانه وامتلأت نفسه بالحقد الدفين وتعلم كثيراً من وسائل العدوان والإجرام، وفي السجن تنهار آدميته ويقسو قلبه ولا خُلق يمنع ولا ضمير يُهذب ولا شرع يؤلف ويقرب().

المطلب الخامس: أنواع العقوبات في الإسلام:

ويعرف الحد في الاصطلاح الشرعي: بأنه عقوبة مُقدَّرة من قبل الشرع وجبت حقاً لله تعالى من أجل الصالح العام().

وجرائم الحدود التي جعل الشارع لها عقوبة مقدرة هي: الزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة، والردة، والبغي، والقتل،

وذلك على مذهب من يرى أن القصاص من الحدود، وهذه تعتبر أمهات الجرائم والمعاصي والتي بها يضطرب أمن المجتمع كما أن هذه الجرائم تُعد انتهاكاً مباشراً للضروريات المتعلقة بالكليات الخمس،التي قامت شريعة الإسلام لتحقيقها وحمايتها وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

فكان من مقتضى خطورتها أن أناط الشارع بها عقوبات محدودة بنصوص صريحة واضحة، ولم يترك أمر تقديرها إلى اجتهادات العلماء والحاكمين تحسباً للأخطاء الاجتهادية فيها من جانب، وسداً لِسُبل التهاون في أمرها من جانب آخر().

ثانياً: القصاص:

أما في الشرع: فهو عقوبة مشروعة تقوم على معاقبة الجاني بمثل ما فعل حقاً لله ولعبادة سواء أدت جنايته إلى الموت أو إلى الجرح وقطع الأعضاء.()

4- شروط وجوب القصاص:

1- أن يكون الجاني عاقلاً بالغاً متعمداً قاصداً الجناية.

2- أن يكون الجاني معتدياً أقدم على فعل غير مشروع.

3- أن يكون الجاني مختاراً غير مكره على القتل.

4- أن يكون المَجني عليه معصوم الدم لا يحل التعرض له بالقتل أو الإيذاء.

5- أن تكون الجناية مما يمكن فيه المماثلة مثل قلع العين أو قطع الأذن أما الاعتداء على ما دون النفس ففيه تعويضه وعلى وفق قواعد بينتها كتب الفقه تفصيلاً().

5-الفرق بين القصاص والحد:

1- الحدود حق الله تعالى والقصاص حق العباد.

2- الحد لا يُورث والقصاص يُورث حق المطالبة فيه.

3- لا يصح العفو في الحدود ويصح العفو في القصاص.

4- لا يجوز الشفاعة في الحدود وتجوز في القصاص().

6- صاحب الحق في القصاص:

حق القصاص ثابت لأولياء المَجني عليه فهم الذين يملكون حق إسقاطه، والسبب الذي جعل الحق لأولياء المجني عليه في القصاص هو أنهم الذين يطالبون بدم القتيل، فلو لم يُعطَوْا هذا الحق لحرصوا أن يلجأوا إلى عادة الثأر السيئة.

ولم يُعط الحق للسلطة لأن الإسلام حريص على العفو، والسلطة لا تملك هذا إلا إذا صدر العفو من أولياء المجني عليه.

7- شروط استيفاء القصاص:

1- أن يكون صاحب الحق مُكلفاً، فإن كان صبياً أو مجنوناً حُبس الجاني حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون.

2- أن يتفق أولياء الدم على القصاص فإن عفا بعضهم فلا قصاص ومن لم يعف فله قسط من الدية.

3- أن يكون الاستيفاء في حضرة السلطان أو نائبه حتى يُؤمَن التعدي.

4- أن يكون القصاص بآلة حادة. وهذا رأي الأحناف. وذهب الشافعية والماليكة: أنه يُقتص من القاتل على الصفة التي قَتَلَ بها، خلا الحرق بالنار فإنهم اختلفوا فيه().

ثالثاً: التعزير:

وشرعاً: العقوبات التي لم يرد نص من الشارع ببيان مقدارها، وترك تقديرها لولي الأمر.()

2-الفرق بين الحدود والتعزير:

1- أن الحد عقوبته مُقَدَّرة من الشرع، بينما التعزير مُفَوَّض إلى رأي الإمام أوالدولة.

2- أن الحد يُدرأ بالشبهات، والتعزير يَجب معها.

3- أن الحد لا يجب على الصبي، والتعزير يصح عليه.

4- أن الحد لا تجوز الشفاعة فيه، والتعزير يجوز فيه.

5- أن الحد قد يسقط بالتقادم والتعزير لا يسقط فيه.()

المطلب الثالث: ضوابط تطبيقها

هناك جملة من الضوابط لابد أن تراعى عند تطبيق الحدود منها:

أن تطبيق الحدود لا بد وأن يسبق بعدة أمور نجملها في النقاط التالية: -

1- العمل على إيجاد مجتمع مسلم يحيا بالإسلام و للإسلام.

2- العمل بجد وإخلاص على حل كافة المشكلات التي يعاني منها المجتمع من فقر و بطالة و جهل و مرض و إسكان و غلاء... إلخ.

3- تهيئة المجتمع لقبول الحل الإسلامي و تطبيق الحدود و ذلك بالوعظ و الإرشاد و استخدام كافة الأساليب التي تساعد على ذلك من تربية و تثقيف و إعلام.

4- سد أبواب الفساد و منافذ الجريمة و ذلك بمنع التبرج و الاختلاط في المجتمع، و التحذير من الخلوة بالمرأة و تشجيع الشباب على الزواج المبكر و تيسير سبله و منع كل وسائل الإغراء و الفتنة و توفير الحاجات الأساسية للإنسان من مأكل و مشرب و مسكن... إلخ.

5- الإنذار السابق و تحذير العصاة و المذنبين من مغبة اقتراف جرائم الحدود و أن من يبدى صفحته للناس و يجاهر بالمعصية سيقع تحت طائلة العقاب.

سادساً: حاجة تطبيق الحدود الشرعية للقدرة والقوة والمنعة

إقامة الحدود الشرعية لا تتم إلا بالقوة والمنعة، وهذا لا يكون إلا بوجود أمير مطاع، تجتمع عليه الكلمة وتطبق أحكام الشرع من خلاله

. هذا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أهمية وخطورة وجود الإمام

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ؛ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ"().

وقال ابن تيمية: " إن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج، والجُمَعِ، والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة "().

إن حاجة الشريعة الإسلامية إلى القدرة والقوة والمنعة والإمارة مسألة لم تكن غائبة عن ذهن سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم،

ومن هنا كان قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما يزع الله بسلطان أعظم مما يزع بالقرآن().

وقول عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: ما يزع الناس السلطانُ أكثر ما يزعهم بالقرآن().

وقول علي بن أبي طالب: لا يصلح الناس إلا أمير بر أو فاجر، قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا البر فكيف بالفاجر؟ قال: إن الفاجر يؤمن الله عز وجل به السبل، ويجاهد به العدو، ويجبي به الفيء، وتقام به الحدود، ويحج به البيت، ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله().

أقسام الناس في تطبيق الحدود الشرعية مع القدرة، وبيان حكمها

إن أقسام الناس مع تطبيق الحدود الإسلامية خمسة أقسام لا غير، وهي:

أولًا: توفر القدرة الكاملة، ولا يوجد أي سبب أو مانع من التطبيق، وقد طبقوا الحدود الشرعية.

الحكم: وجوب التطبيق في حقهم، وهم مأجورون على التطبيق، لأن الواجب يثاب المرء على فعله، ويأثم على تركه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: ما يشترط في القضاة والولاة من الشروط يجب فعله بحسب الإمكان، بل وسائر شروط العبادات من الصلاة والجهاد وغير ذلك، كل ذلك واجب مع القدرة، فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها()

.

ثانيًا: توفر القدرة الكاملة، ولا يوجد أي سبب أو مانع من التطبيق، ولم يطبقوا الحدود الشرعية.

الحكم: وجوب التطبيق في حقهم، وهم آثمون على عدم التطبيق، لأن الواجب كما قلنا: يثاب المرء على فعله، ويأثم على تركه.

ثالثًا: انتفاء القدرة كاملة وانعدامها، ولم يطبقوا الحدود الشرعية.

الحكم: لا إثم عليهم ولا حرج، لأنه ليس في وسعهم تطبيق الحدود الشرعية لعدم وجود القدرة التي على أساسها ومن خلالها يكون التطبيق، لأن الحدود الشرعية تحتاج إلى القوة والمنعة والإمارة من أجل أن تقام وتطبق،

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: إن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج، والجُمَعِ، والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة().

وقال أيضًا في كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية: ما يشترط في القضاة والولاة من الشروط يجب فعله بحسب الإمكان، بل وسائر شروط العبادات من الصلاة والجهاد وغير ذلك، كل ذلك واجب مع القدرة، فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها().

فمن لا يملك القدرة والقوة والمنعة لا يطالب بإقامة الحدود الشرعية وتطبيقها، لأن إقامة الحدود الشرعية وتطبيقها ليست في وسعه وإرادته واستطاعته، بل هي فوق قدرته واستطاعته، وقد قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا...}البقرة286.

وقال تعالى: {... لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا...}الطلاق7.

وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...}التغابن16.

وإنما الواجب عليهم الإعداد للقدرة والقوة والمنعة التي تمكنهم من إقامة شرع الله تعالى في الأرض وتطبيقه، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

رابعًا: انتفاء القدرة كاملة وانعدامها، وبدأوا بتطبيق الحدود الشرعية.

الحكم: يقال في حقهم ما يقال في تغير المنكر إذا ترتب على تغيره منكر أكبر منه، وهو الحرمة، حيث إن انتفاء القدرة والقوة والمنعة في التطبيق للحدود الشرعية، يعني ترتب المفاسد الكبيرة، والفتن العظيمة، لأن إقامة الحد وتطبيقه يحتاج إلى قوة ومنعة وإمارة،

فمثلًا لو أرادوا أن يرجموا زانيًا محصنًا فقتل من أجل تطبيق الحد عليه عشرة من الناس، وهلم جرَّا من المفاسد العظام والفتن الكبار، فلا يقال في هذا المقام هذه تضحية في سبيل تطبيق شرع الله تعالى، وإن قيل فجهل قائلها جهل مركب ومطبق، وهو أضل من بعير أهله، وكل من له مع العلم صلة ولو كانت ضعيفة يعلم جهل هذا القائل وخطأ ما قاله.

لذلك أحيانًا يسقط إنكار المنكر وذلك إذا كان إنكاره يرتب منكرًا هو أكبر منه، ولا شك أن السكوت عن المنكر منكر، لكنه أحيانًا يقدم على تغيره، من جهة أنه أخف المنكرين، وأضعف المفسدتين، وأهون الضررين.

وكذلك عدم إقامة الحدود الشرعية مفسدة، لكنها تقدم أحيانًا على إقامتها، وذلك إذا كانت إقامتها سيترتب عليها مفسدة أعظم وأشد وأكبر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه ( الاستقامة ):" إقامة الحدود بحسب الإمكان إذ الواجب هو الأمر بالمعروف وفعله، والنهي عن المنكر وتركه، بحسب الإمكان، فإذا عجز أتباع الخلفاء الراشدين عن ذلك قدموا خير الخيرين حصولًا، وشر الشرين دفعًا، والحمد لله رب العالمين " ().

وقال أيضًا: " إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات، فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون لمصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب، والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به " ().

وقال ابن القيم في كتابه ( أعلام الموقعين عن رب العالمين): " إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه، ويمقت أهله "().

وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا:" أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ"().

قال ابن القيم: " كان رسول صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات، ولا يستطيع تغيرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغير البيت ورده على قواعد إبراهيم؛ ومنعه من ذلك مع قدرته عليه، خشية وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه " ().

خامسًا: وجود القدرة لكنها غير كاملة من أجل تطبيق الحدود الشرعية.

تاسعاً: فقه التعامل مع مستوجبي الحدود الشرعية حال غياب تطبيقها وإقامتها

الأصل أن يجتهد المسلمون في تطبيق الشريعة الإسلامية بما فيها الحدود الشرعية، قدر الإمكان، وفي حال عدم القدرة على تطبيق الحدود أو بعضها، فلا يعني ذلك أن يترك أمر الناس بلا قوانين وأحكام تضبطهم

، لذا لا مانع من الاستعانة بقوانين تردع المجرمين قدر الإمكان، وهذا أولى من تركهم هكذا يعيثون في الأرض فساداً دون ردع أو محاسبة، مع مراعاة:

أولًا: الإقرار بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها، وعلى وجه الخصوص الحدود الشرعية منها.

ثانيًا: الإجراءات التي ستتخذ في حق مستوجب الحد ألا تكون من باب التشريع وإنما تكون من باب الردع عن التمادي في ما استوجب الحد كالسرقة مثلًا.

ثالثًا: عدم مضاهاة الشريعة الإسلامية بإصدار الأحكام.

رابعًا: عدم استبدال الشريعة الإسلامية بشريعة أخرى، واتباعها في أحكامها.

خامسًا: ما يصدر من أحكام حال غياب تطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها، وعلى وجه الخصوص الحدود الشرعية منها، ألا يكون مستمراً، وإنما هو قانون مؤقت

سادسًا: حال استطاعة تطبيق الشريعة الإسلامية وتحكيمها، وعلى وجه الخصوص الحدود الشرعية منها، مباشرة تطبق على من استوجبها، ويلغى كل ما اتخذ في حقه من الإجراءات، والله تعالى أعلم.

المبحث الرابع: التدرج في تطبيق الشريعة

ثانياً: التدرج في الاصطلاح:

إن كلمة (التدرج) عندما تطلق في التشريع الإسلامي يراد بها نزول الشرائع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم متدرجة متفرقة، فكثير من أحكام القرآن لم تنزل جملة واحدة، بل كان الحكم يأخذ أطواراً عديدة حتى يصل إلى طوره الأخير: كإيجاب الصلاة وتحريم الربا والخمر، لكن الملاحظ أيضاً: أن التدرج لا يقتصر على هذا المعنى فقط ـ مجال التشريع ونزول الأحكام ـ بل يشمل تطبيق الأحكام بعد اكتمال التشريع، وقد قامت الأدلة على ذلك.

وتحقيق الأمر؛ يقتضي أن نبين أننا عندما نطلق كلمة (التدرج التشريعي) إنما نقصد بها المعنيان: مجال التشريع، ونزول الأحكام، ومجال تطبيق الأحكام بعد اكتمال التشريع وهو مقصودنا بالأحرى في هذا البحث وسيأتي بيانه.

المطلب الثاني: أدلة مشروعية التدرج

· الدليل الأول:

· الأدلة العامة التي تحث على التؤدة والرفق، منها:

قوله (:: ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق )()

: ( فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ) ()

والمنبتّ هو الذي جدّ في سفره حتى هلكت راحلته بسببه، فلا هو وصل إلى بغيته وحقق غايته، ولا هو حافظ على راحلته وأبقى عليها.

وكذلك التعجل في التطبيق الكامل للشريعة على مجتمعات لم تتهيأ بعد لذلك، فلا نحن نجحنا في المحصلة في التطبيق، ولا نحن حافظنا على ما توصلنا إليه من إنجازات دعوية في داخل المجتمعات.

والمقصود: أن التؤدة والترفق في التطبيق مع النية العازمة والعمل الدؤوب موصل إلى المطلوب من التطبيق الكامل الحقيقي إن شاء الله تعالى.

ومنها أيضاً: قوله (: ( القصدَ القصدَ تبلغوا )().

وهو إرشاد نحو التصبر والتمهل في الأمور، ومنها ما نحن بصدد معالجته.

· الدليل الثاني:

· عموم قوله (: ( نبدأ بما بدأ الله به )().

قالوا: وهذا نصٌّ في مراعاة التدرّج في التشريع عند التطبيق ()

· الدليل الثالث:

· أنه ( قال لمعاذ بن جبل ( لما بعثه لليمن: ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم. فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم. فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس )().

وواضح أن هذا كان بعد نزول الأحكام وفرض الفرائض، ومع ذلك تدرج النبي ( في دعوة أهل الكتاب في اليمن رفقًا بهم وتثبيتًا للإيمان في نفوسهم.

وهذا دليل واضح وصريح في الدلالة على جواز التدرّج، من حيث إن النبيّ ( قد بيّن لمعاذ ( أن لا ينتقل إلى الركن أو الفريضة التالية إلا بعد تقرير الفريضة السابقة للأولى، وهذا هو التدرّج الذي نحن بصدد الحديث عنه؛ أن يُبدأ بالأهم الذي ينبني عليه غيره؛ ثم يُنتقل بعده إلى المهم الذي تكتمل به الصورة، ويتكامل به التطبيق.

· الدليل الرابع:

· التعامل مع المنافقين في المدينة، وعلى رأسهم عبد لله بن أبي بن سلول، وكان عظيمًا في قومه. فكان النبي ( يداريهم ويترفق بهم ليتألفهم.

وحدث في غزوة بني المصطلق أن قال عبد الله بن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك النبي (، فأشار عليه عمر ( بقتله، فجاءه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي، فقال: يا رسول الله: بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار. فقال (: ( بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا). فكان أصحاب عبد الله بن أبي بعد ذلك إذا أحدث الحدث هم الذين يعاتبونه ويعنفونه ويتوعدونه، فقال رسول الله ( لعمر بن الخطاب ( حين بلغه ذلك من شأﻧﻬم: ( كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأُرعدت له آنفٌ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتَلته ). فقال عمر (: قد والله علمت لأمر رسـول الله ( أعظم بركًة من أمري().

وهذا دليل على ما سمّي بإرجاء التطبيق، فابن أبيّ كان يستحق القتل يوم استأذن عمر ( بقتله، إلا أن النبي ( أخّر تطبيق الحكم وأرجأه لما يترتب على ذلك من المصالح ولما يترتب على تطبيقه من المفاسد، كما ظهر من الحديث، وقد ثبت في رواية البخاري ومسلم، فقال النبي (: ( دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ).

· الدليل الخامس:

· ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح أن النبي ( لما بايع ثقيفًا على الإسلام اشترطوا عليه أن لا صدقة عليهم ولا جهاد، فقبل منهم النبي (، وقال بعد أن بايعهم:

( سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا )().

قالوا: فها هو ( يقبل شرط ثقيف ألا يتصدقوا ولا يجاهدوا، وذلك لعلمه ( أنهم إذا أسلموا وتمكن الإيمان من قلوبهم ستطيب أنفسهم بذلك. فهو صورة من صور التدرج في الدعوة وفي امتثال أحكام الشريعة الإسلامية.

ويلاحظ أن هذا التدرج وقع حال عز الإسلام وعلو كلمته وقوة سلطانه.

فالحاجة إلى التدرج حال الاستضعاف من باب أولى().

· الدليل السادس:

· في صحيح البخاري عن أم عطية رضي الله عنها قالت: " بايعنا رسول الله ( فقرأ علينا: ( أن لا يشركن بالله شيئًا (، ونهانا عن النياحة. فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها. فما قال لها النبي ( شيئًا. فانطَلَقت ورجعت، فبايعها. وفي رواية عند الإمام أحمد: فكأن رسول الله ( وافقها على ذلك، فذهبت فأسعدت ثم رجعت فبايعت النبي (. والإسعاد هو نياحة المرأة مع أخرى تساعدها عليه().

فقد تجاوز النبي ( عن المرأة التي أخرت المبايعة لحين مكافأة تلك التي أسعدتها.

ولا ريب أن النياحة محرمة، وأن المبادرة للبيعة واجبة، مع ذلك تغاضى النبي ( عن تأخير هذا الواجب وارتكاب ذلك المحرم لمصلحة تأليف قلب هذه المرأة وقلب المرأة الأخرى أيضًا

. والأهم من ذلك أن هذا أدعى أن تثبت هذه المرأة على بيعتها ولا تستجيب فيما بعد لما قد يدعوها لنقضها لأي سبب من الأسباب، وهذه هي حكمة التدرج، كما سبق. ولذلك كانت هذه المرأة ممن ثبت على البيعة ووّفى. قالت أم عطية: فما وّفى منا غير تلك، وغير أم سليم بنت ملحان().

· الدليل السابع:

· حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ( قال لها: ( ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم )، فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله (: ( لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت )، فقال عبد الله بن عمر (: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله (، ما أرى أن رسول الله ( ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.

وفي رواية قالت: سمعت رسول الله ( يقول: ( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية ـ أو قال: بكفر ـ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر )، وفي أخرى قالت: قال لي رسول الله (: ( لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ثم لبنيتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا استقصرت بناءه، وجعلت له خلفا ).

ثم لما بعُد العهد بالجاهلية، وجاء ابن الزبير فهدمها وبناها على قواعد إبراهيم، مما يعضد ما نؤصل له من مسألة التدرّج التي هي كالأصل في الشريعة الإسلامية.

· الدليل الثامن:

· ولو تابعنا سنة النبي ( لوجدناها قائمة على التدرج، فقد فتح النبي ( مكة في السنة الثامنة للهجرة من شهر رمضان، وترك المشركين على عبادتهم وطوافهم بالكعبة يؤدون طقوسهم الشركية، ويطوفون عراة ما يزيد عن عام وبضعة أشهر إلى ما بعد غزوة تبوك ونزول سورة براءة، فأرسل أبا بكر وعليا فنادوا في الناس بأمر الله ورسوله (: ( ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ) وكان ذلك في شهر ذي الحجة من العام التاسع للهجرة.

فهل كان النبي ( عاجزاً عن الأمر بتطبيق الشريعة الإسلامية من لحظة فتح مكة، ولكنها السنة الإلهية في معالجة النفوس البشرية وتغييرها بالتدريج، لأن ذلك هو الأسلم.

· الدليل التاسع:

· وعندما أسلم النجاشي أصحمة لم يستطع أن يغير في بلده أو يطبق أحكام الشرع، مع أنه الملك القوي في بلده، فهو كما يقول عنه ابن تيمية رحمه الله: ( والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعمر بن عبد العزيز أوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل: إنه سُمَّ على ذلك، فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها "().

معلوم أن النبي ( صلى على النجاشي صلاة الغائب فهل يصلي النبي ( عليه وهو ضال أو عاصي في ركن مهم مثل ركن الحكم بما أنزل الله، بل لم يستطع إظهار إسلامه أمام قومه، وكان يمكن للنبي ( بكل بساطة أن يأمره بترك الحكم كما يريد بعض الشباب هذه الأيام.

الدليل العاشر: وفي عام الرمادة ألم يوقف سيدنا عمر بن الخطاب ( أحكام القطع السرقة بسبب المجاعة، فهل أحوالنا تختلف كثيراً عن عام الرمادة زمن عمر بن الخطاب (، أم نبدأ بقطع أيدي الناس ونحن لا نستطيع توفير أدنى متطلبات الحياة لهم.

المطلب الثالث: التدرج عند السلف وفقهاء الأمة:

1- روى ابن الجوزي أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه أمير المؤمنين الخليفة الراشد الخامس وقت قيلولته يستعجله بردّ المظالم إلى أهلها، فقال له عمر: يا بني، إن نفسي مطيَّتي، إن لم أرفق بها لم تبلغني، إني لو أتعبت نفسي وأعواني لم يكن ذلك إلا قليلا حتى أسقط ويسقطوا، وإني لأحتسب في نومتي الأجر مثل ما أحتسب الذي في يقظتي، إن الله لو أراد أن ينزل القرآن جملة لأنزله، لكنه أنزل الآية والآيتين حتى استكنَّ الإيمان في قلوبهم ().

2- - وروي أن ابنه عبد الملك قال له: يا أبت لم لا تنفذ الأمور ؟ فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور ! فقال له عمر رضي الله عنه: " لا تعجل يا بني، فإن الله ذمّ الخمر في القرآن مرَّتين وحرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه وتكون فتنة "().

ويدل على صواب هذا السلوك من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز _ رحمه الله _ أنه جاء إلى الحكم بعد مظالم ارتكبها بعض الذين سبقوه فتدرج ولم يستعجل.

فدخل عليه ولده عبد الملك فقال: " يا أبت ما يمنعك أن تمضي لما تريده من العدل ؟ فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك. قال: يا بني: إني إنما أروّض الناس رياضة الصعب، إني أريد أن أحييَ الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أُخرج معه طمعاً من طمع الدنيا فينفروا لهذه ويسكنوا لهذه " أي يخرج طمعهم بالموعظة والتأني ليكون عن قناعة لا بخوف من السطوة والعقاب.

ويبدو أن هذا الولد الصالح قد حاز حماسة فاقت التي عند أبيه فدعته إلى معاودة الاستغراب من سياسة التأخير والتدرج فكان منه أن " دخل على أبيه فقال: يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيراً، يا بني: إن قومك قد شدّوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيدهم لم آمن أن يفتقوا عليَّ فتقاً تكثر فيه الدماء.

والله لزوال الدنيا أهون عليَّ من أن يراق بسببي محجمة من دم، أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة ".

وقد شهد الحسن البصري رحمه الله على حصول هذا اليوم بقوله: " ما ورد علينا قط كتاب عمر بن عبد العزيز إلا بإحياء سنة، أو إماتة بدعة، أو رد مظلمة "

إن مرحلة التدرج التي طبقها عمر بن عبد العزيز في خلافته التي لم تستغرق عامين سطرت من الإنجازات ما ملأت به أسفاراً من كتب التاريخ حقيقٌ على أهل الصحوة الإسلامية تأمل هذا العمل والإنجاز العظيم.

المطلب الخامس: حكمة مشروعية التدرج التشريعي

ويمكن رصد حكمة مشروعية التدرج من خلال النقاط التالية:ـ

1- التدرج يسهل الانصياع لأحكام الشرع

2نزول الأحكام جملة واحدة يؤدي إلى النفرة وعدم الاستطاعة.

3- التدرج وسيلة ناجعة لعلاج العادات السيئة المستحكمة في المجتمع

4-التدرج يتوافق مع الفطرة السليمة وهو سنة كونية:

5- الإنسان يكلف بما يستطيع:

6- التدرج يتضمن تقديم الأهم والأيسر.

7- التدرج يجمع بين الواقعية والمثالية.

8- التدرج مظهر من مظاهر الرفق والتأني والتؤدة.

9- الأحكام معللة بالمصالح

عند التزاحم تقدم كبرى المصلحتين على أدناهما، وترتكب أدنى المفسدتين؛ دفعاً لأعلاهما.

.

المطلب السادس: ضوابط التدرج التشريعي والتطبيقي

يمكن أن نرصد أيضاً بعض الضوابط للتدرج في التشريع ومنها:

1- لا يدخل التدرج في قواعد العقيدة ومباني الإيمان وما يتعلق بها من أحكام؛ لأنها هي التي تحدد المنهج وترسم هوية المجتمع فلا يجوز التهاون فيها على الإطلاق.

2- تستثنى من التدرج المعلوم من الدين بالضرورة والمقاصد العامة للشريعة، والقواعد الشرعية العامة وأصل التشريع؛ لأنها تحدد شخصية المجتمع، والمنهج القويم لفهم الدين. فإذا اختلت إحدى تلك الموازين؛ دخلت البدعة والانحرافات على التصور الإسلامي الصحيح.

3- الاعتقاد الجازم بوجوب تطبيق الشريعة كاملة مع القدرة على ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: ( من رأى منكم منكراً ؛ فليغيره: بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"()

4- تهيئة الظروف الملائمة والمناسبة لتطبيق الأحكام الشرعية في الأوقات والأماكن المناسبة.

كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، وكما قال لابنه عبد الملك:

" أو ما ترضى ألاّ يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا، إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيى فيه سنة حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا وهو خير الحاكمين()

5- شمول تطبيق الأحكام الشرعية جميع الناس بحيث لا يفرق بين شخص وآخر عند التطبيق.

وفي ذلك قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) ()

6- تقديم الأهم على المهم والبدء بالأيسر فالأيسر، دلالة ذلك هدى النبي صلى الله عليه وسلم، قالت أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله تعالى ـ عنها: ( ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً؛ كان أبعد الناس منه) ()

7- التدرج يستلزم وجود رؤية واضحة نحو الأهداف والغايات مع مراعاة المرحلة المعاشة واتخاذ الوسائل والتدابير اللازمة نحو تحقيق الهدف المنشود.

يحقق ذلك قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ()

مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (القصد القصد تبلغوا) ()

وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتصاد في الطاعة والعبادة والتزود منهما شيئاً فشيئاً حتى يصل الإنسان لغايته ومبتغاه وهدفه المنشود.

وكانت الناحية العملية للتدرج في تحقيق هذا المفهوم ما أشارت إليه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: ( ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تنزلوا، لقالوا: لا ندع الزنى أبداً ) ().

فالإيمان مع كونه مقدماً في نفسه على ترك الخمر والزنى فهو يهيئ النفس لترك هذه الكبائر والابتعاد عنها. وهذا؛ مما يتطلب وضوح الهدف والغاية واتخاذ الوسيلة المناسبة حتى تطبيق الأحكام الشرعية.

المطلب السابع: من أين نبدأ بالتدرج ؟.

إذا سلمنا بأن التدرج هو أسلوب العلاج الذي يجب أن يطبق لصياغة المجتمع وفق منهج الإسلام فمن أين نبدأ بالتدرج؟.

إن البداية التي يجب أن نبدأ بها هي نفس بداية النبي صلى الله عليه وسلم التي بدأ بها في تربية الأمة ألاّ وهي تثبيت العقيدة في قلوب الناس.

ولا أقصد بالعقيدة ذلك الجدل الكلامي الذي لا يؤتي ثماراً ولا يزيد إيمانا ولا يدفع إلى عمل نافع.

إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبدأ بذلك ولكن بدأ بتمكين أصول الإيمان بالله تعالى من: توحيد لله وإيمان بالملائكة والكتب السماوية والرسل واليوم الآخر،

وفي ذلك قال الأستاذ مناع القطان:" لقد كان القرآن بادئ ذي بدء يتناول أصول الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من: بعث وحساب وجزاء وجنة ونار ويقيم على ذلك الحجج والبراهين؛ كي يستأصل من نفوس المشركين العقائد الوثنية ثم يغرس فيها عقيدة الإسلام" ().

المبحث الخامس: جهود حماس في تطبيق الشريعة في قطاع غزة

إن أي قانون لا يمكن أن يحقق نجاحاً إلا في مجتمع يؤمن به، ويحس بأهميته، وإلا صار مجرد نظريات لا قيمة لها، ولذلك لم تنزل التشريعات الإسلامية في المجتمع المكي، لأن الغلبة فيه للكفار، بل بدأ نزول التشريعات في السنة الثانية من الهجرة، بعد تمكن الإسلام في المدينة المنورة

وبحسب قرب المجتمع أو بعده عن تعاليم الإسلام، وبحسب إيمان أفراده بهذا الدين يمكننا أن نطبق تشريعاته تطبيقاً صحيحاً.

أما إذا طبق هذا الدين في مجتمع يرفع شعار الإسلام، ولكنه لا يلتزم بكثير من أحكامه فإنه سيلد مسخاً مشوهاً، كما حصل في بعض الدول الإسلامية التي بدأت بتطبيق الحدود قبل تهيئة الناس لذلك. إذ لا بد أن يسبق التطبيق تعديل الأوضاع: الأسرية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والإعلامية المخالفة لتعاليم الإسلام، كما لا بد من تهيئة المناخ الملائم لذلك التطبيق().

المطلب الثاني: واقع ومظاهر التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية في قطاع غزة ().

المتأمل في واقع العالم الإسلامي وغير الإسلامي اليوم وفي زماننا هذا نجده لا يطبق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تصلح لكل زمان ومكان.

وبالنظر إلى واقعنا في فلسطين عموماً، وفي واقع الحكومة الفلسطينية في غزة، نجد أنها تسير في خطين متوازيين في آن واحد، فهي تعمل على توفير احتياجات شعبها وفي نفس الوقت تتدرج في تطبيق أحكام الشريعة، فهي تعمل وتقوم على نشر العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي، إضافة إلى أسلمة القوانين، حيث أقر المجلس التشريعي أكثر من (14) أربعة عشر قانوناً معدلاً وتتعلق تلك التشريعات بالشأن الاجتماعي وحقوق الأفراد والعدل بين الناس وحق المواطن للعيش في مجتمع آمن خال من الجريمة.

والحكومة التي أقصدها هنا هي الحكومة الفعلية بسلطتها التشريعية والتنفيذية والقضائية على سواء.

وعلى صعيد الواقع والتطبيق، فإن هناك تطبيق لها في المواضع المدنية حيث إن مجلة الأحكام العدلية التي يرجع أصولها إلى الفقه الحنفي هي المرجعية والأساس لرجال القانون والقضاء المدني في فلسطين بما احتوته تلك المجلة من موضوعات شتى بيع، إجارة، هبة، وصية، كفالة، ورهون،...

و يمكن القول: إن المتتبع لحركة التشريع في الواقع الفلسطيني في قطاع غزة يجد أن العمل جار وفق مقتضيات التدرج في التطبيق لتطبيق أحكام الشريعة في كافة المجالات بعد التأكيد على أن الدين الإسلامي هو مصدر التشريع الأساسي وأن العقيدة الإسلامية عقيدة راسخة في قلوب وعقول الناس.

ونجد أن الحكومة تساعد وتدعم على توفير جميع سبل متطلبات القيام بالعبادات على أكمل وجه من خلال بناء المساجد ودعم الجمعيات والمؤسسات الشرعية، ومن جهة توفير فرص العلم الشرعي وأخذ المؤسسات الشرعية على مختلف مستوياتها ودرجاتها دورها في واقع المجتمع الفلسطيني مع العمل على حصر المنكر والقضاء على مظاهره ومحاربة الفاحشة وعدم السماح لانتشارها بأي وسيلة من الوسائل.

وقد اتسم أداء المجلس التشريعي الحالي بالتدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية من خلال تناول بعض القوانين السارية بالتعديل بما ينسجم مع أحكام الشريعة أو سن تشريعات جديدة تهدف إلى سد النقص في جوانب شرعية، ويمكن إبراز ملامح ذلك التدرج على النحو التالي:ـ

1ـ أسلمت المظهر العام للمجتمع الفلسطيني: العبادي والأخلاقي والسلوكي.

2ـ ترتيب القوانين حسب درجة الإلحاح فيها؛ فأنجزت أشياء كثيرة مما يتعلق بالقضاء المدني والإجراءات الجزائية فقد أقر المجلس التشريعي قانون المعهد العالي للقضاء الفلسطيني رقم (2) لسنة 2009، كما أقر القانون رقم (4) لسنة 2009 معدل قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001م.

3ـ ترسيخ وتثبيت الثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة وحق العودة

وحق اللاجئين وتحرير الأسرى وتحريم وتجريم التنازل عن القدس، حيث أقر المجلس

التشريعي قانون حماية المقاومة الفلسطينية رقم (6) لسنة 2008م وأقر القانون رقم (1) لسنة 2008م، قانون حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

4ـ تأسيس قانون الزكاة وبناءً عليه أنشئ مجلس الزكاة ثم تم تعيين مجلس أمناء له ووضع فريضة الزكاة ضمن إطار قانوني ملزم فجاء، قانون تنظيم الزكاة المقر بتاريخ

23/9/2008م.

وقد نصت المادة (3) منه على:ـ

1- مع مراعاة عدم الازدواج في دفع الزكاة تجب الزكاة على:

أ- كل فلسطيني مسلم يملك داخل فلسطين أو خارجها مالاً تجب فيه الزكاة.

ب- كل مسلم غير فلسطيني يعمل في فلسطين أو يقيم فيها ويملك مالاً في فلسطين تجب فيه الزكاة.

2- يعتبر مال الشركاء مالاً واحداً لغرض تكملة النصاب.

3- يشترط لوجوب الزكاة بموجب أحكام الفقرة(1) من هذه المادة توافر الشروط التالية:

أ- امتلاك النصاب الشرعي ملكاً تاماً ولو تغيرت صفة المال خلال الحول.

ب- أن يحول الحول في الأموال التي يشترط فيها حولان الحول.

ج- أن يكون المال غير متعلق بالاستعمال الشخصي.

د- ألا يكون المال مستغرقاً بدين يفقده النصاب، وينطبق ذلك على الشركات والشراكات والملكية الشائعة.

4- إلزام جميع الشركات والمصارف والمؤسسات والأشخاص الاعتباريين ومن في حكمهم بدفع الزكاة جبراً لهيئة الزكاة طبقاً للنظام الذي يصدره مجلس الأمناء، ويكون دفع الزكاة للهيئة من الأشخاص الطبيعيين والجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية جوازياً (طوعاً).

5- جرت بعض التعديلات والإضافات على قانون العقوبات الفلسطيني حيث صدر قانون رقم (3) لسنة 2009 معدل لقانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936م حيث تضمن بعض التعديلات والإضافات على إثبات الجرائم لتثبت بكل وسائل الإثبات في الشريعة وليس بالتلبس وحده. هذا وقد جرت هناك بعض التعديلات في مسائل عدة؛ لكي تتدرج نحو أسلمتها مثل:

ما حدث في تعديل للمادة 152 من القانون بشأن تجريم الزنى بالتراضي أو بدونه

فأصبحت المادة (2) تعدل المادة (152) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936م بإضافة فقرة جديدة (أ) مكـــرر واقع أنثى أو كل أنثى سمحت برضاها لذكر بمواقعتها دون عقد زواج شرعي.

فهذه الإضافة أدت إلى تجريم واقعة الزنى الذي اشترط فيها القانون الفلسطيني المذكور أن يكون بغير رضاها، وفي تلك الحالة يكون مجرماً، أما في التعديل فهو مجرم سواء أكان برضاها أم بغير رضاها.

6- كذلك ما تم إضافته بشأن تخفيف العقوبة بسبب عفو ولي الدم كمادة جديدة مستحدثة تلي المادة (18)/ وتحمل رقم (18 مكرر تنص على أنه: " يجوز للمحكمة اعتبار عفو ولي الدم أو دفع الدية سبباً مخففاً للعقوبة).

وفي هذا النص إعمال لمبادئ الشريعة الإسلامية في جرائم القصاص والدية، حيث إن كلاً من القصاص والدية عقوبة مقدرة للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أي أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجني عليه أن يعفو عنها إذا رغب، فإذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها.

7- كما تمت إضافة مادة جديدة تلي المادة (262) من قانون العقوبات الفلسطيني تتعلق بالحفاظ على الحرية الشخصية للأفراد في باب الجرائم التي تقع على الحرية الشخصية وأهمها ما ورد بخصوص التصنت على الهواتف أو التقاط صور لأشخاص أو أي إساءة لاستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة أو إذاعة أو نشر أو طبع، أو.. بطريقة غير قانونية حيث أصبحت تلك الأفعال مجرمة فأصبحت.

المادة (3)

تضاف إلي قانون العقوبات رقم(74) لسنة 1936م باعتبارها مادة مستحدثة تلي المادة(262) وتحمل رقم (262) مكرر تنص علي:

1- كل من:

أ- استرق السمع أو سجل أو نسخ أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه حديثاً خاصاً جرى في أحد الأماكن، أو عن طريق الهاتف بدون رضاء صاحب الشأن.

ب- التقط أو نقل أو نسخ أو أرسل بأي جهاز من الأجهزة صورة شخص في مكان خاص، فإذا صدرت الأفعال المذكورة أثناء اجتماع على مسمع ومرأى الأشخاص الذين يهمهم الأمر الحاضرين في ذلك الاجتماع فان رضاءهم يكون مفترضاً ما لم يبدوا اعتراضهم على الفعل.

ج- أساء عمداً استعمال أجهزة الخطوط الهاتفية أو الانترنت أو أية وسيلة تكنولوجية أخرى بأن روج أو نقل أو طبع أو نسخ أية مواد إباحية، أو أزعج الغير، أو وجه إليهم ألفاظاً بذيئة أو مخلة بالحياء، أو تضمن حديثه معهم تحريضاً على الفسق والفجور.

د- أذاع أو نشر أو طبع أو نسخ أو استعمل ولو في غير علانية، تسجيلاً أو صورة أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة في البنود (أ،ب،ج) من هذه المادة وكان ذلك بدون رضاء صاحب الشأن.

يعتبر أنه اعتدى على حرمة الحياة الخاصة لأحد الأشخاص وعندئذ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة.

2- يحكم في جميع الأحوال المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة بما يلي:ـ

أ- محو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.

ب- مصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها.

2- كل من اقتحم نظاماً لمعلومات حاسوب خاص بالغير أو بقي فيه دون وجه مشروع، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.وإذا نتج عن ذلك تعطيل تشغيل النظام أو محو المعلومات التي يحتوي عليها أو تعديلها، تكون العقوبة الحبس، وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

8- العمل على حظر المشروبات المحرمة في الأنشطة الرياضية

فكان قانون تنظيم الهيئات الرياضية الذي أقر بالقراءة الثانية في المجلس التشريعي بتاريخ 12/1/2010 حيث نصت المادة (34) على التالي:

لا يجوز للهيئات الرياضية الدخول في مراهنات أو مضاربات مالية بأي حال من الأحوال، ـ كما لا يجوز لها أن تسمح بإدخال المشروبات المُحرمة شرعاً والمنشطات الرياضية أو تقديمها أو تناولها في مقرها أو القيام بألعاب القمار أيّ كان نوعها.

ملاحظة: يعكف المجلس التشريعي الآن على إعداد مسودة قانون لحظر المسكرات والعقاقير المخدرة، بما يتناغم مع الشريعة الإسلامية.

9- هنالك العديد من القوانين الفلسطينية، ومن بينها القانون الأساسي الفلسطيني، وكذلك قانون الإجراءات الجزائية وأصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون البينات وقانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم التي تهدف في مجموعها لتنظيم إجراءات التقاضي أمام المحاكم بما يحقق المصلحة العامة.

10- وفي جانب تطبيق العقوبات نظراً لعدم القدرة على إيقاع الحدود تم العمل بالعقوبات

التعزيرية المناسبة من: السجن والغرامة والحرمان من بعض الحقوق.

11- وغيرها من القوانين الأخرى التي تنظم الاستثمار مثلاً والوظيفة العامة والعطاءات وإن كانت لا ترجع إلى أصول إسلامية فهي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

12- قانون الأحوال الشخصية المعمول به أمام المحاكم الشرعية في مسائل: الزواج،الطلاق، الميراث، الحجر، النفقة، الوصية، الحضانة، العلاقات الأسرية، وغيرها، ومنها:

1. كفالة حق الأرملة بالحضانة وفق الشريعة

مشروع قانون رقم( ) لسنة 2008م معدل لقانون الأحوال الشخصية المقر بتاريخ 3 /12 / 2008م

مادة (1)تعدل المادة ( 391 ) في قانون الأحوال الشخصية والمطبق في قطاع غزة و المادة ( 118 ) الواردة في قانون حقوق العائلة رقم (303) الصادر بتاري�