1 

 

اعداد

عاطف محمد ابو هربيد /االسـتاذ احملارض يف لكية الرشيعة والقانونمرشف ادلراسات العليا و

غزة –اجلامعة االسالمية

حبث مقدم لليوم ادلرايس ديوان املظامل ودوره يف حتقيق العداةل الشامةل يف اجملمتع

اذلي تنظمه لكية الرشيعة والقانون

م٢١/١٢/٢٠٠٩ يوم هعقدزمع امل

2 

 

بسم اهللا الرحمن الرحيم مقدمة:

الحمد هللا رب العالمين والصالة والسالم على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،

طريقا لقيام األمم ولسعادتها وعيشها حياة طبيعية، يعدنظام القضاء في اإلسالم إنمظلوم ورفع الظلم وقطع الخصومات وأداء الحقوق إلى مستحقيها، واألمر بالمعروف ولنصرة ال

فيأمن كل فرد ؛والنهي عن المنكر، وللضرب على أيد العابثين وأهل الفساد، لكي يسود النظامفيه على نفسه وماله وعلى عرضه وكافة حقوقه، ومن ثم يزيد اإلنتاج فتنهض البلدان ويتحقق

غ الناس لما يصلحهم في دينهم ودنياهم.العمران ويتفر األهداف التي يبحثها نظام القضاء في اإلسالم، والمقصد الذي يسعى إليه وهو إذن ف

تحقيق العدل واقامة القسط، وحفظ الحقوق، واستتباب األمن، والمحافظة على األنفس واألموال، يد الجناة ومعاقبتهم على ما جنت ومنع الظلم والطغيان، واقامة الحدود واألحكام. واألخذ على

أيديهم، بهدف منعهم من العودة إلى مثل هذا العمل الممنوع المحرم، وردع غيرهم من اإلقدام على مثل ذلك فالعاقل من يتعظ بغيره.

كما وجد القضاء للحفاظ على حقوق اآلخرين، ومنع االعتداء عليها، وتأمين الحماية لها .ا وظلما، وتعويضهم ماديا ومعنوي إذا سلبت منهم عدوانا وضمان ردها إلى أصحابها،

أن التنظيم القضائي اإلسالمي يقوم على العقيدة اإلسالمية، فالعقيدة اإلسالمية كماأم رفع ةب القضاء، سواء عند اختيار القضاأساس القضاء، ويظهر ذلك في كل جانب من جوان

كام أم تنفيذ األحكام، وهذا ما يعبر عنه بالجانب الدعوى أم معاملة الخصوم أم في إصدار األح التعبدي من األحكام الشرعية.

فالنظام القضائي اإلسالمي يمتاز بأنه قائم على االعتبار الديني، والمعنى الروحي، التي تقوم على عقيدة المسلم، وتجعل من وازعه والثواب والعقاب، وأساس فكرة الحالل والحرام،

له في حياته عامة، وفي القضاء والدعوى واإلثبات واألحكام خاصة.الديني مراقبا أن يحقق النتائج التالية: يهدف البحثهذا و

العقيدة، وتطبيق األحكام الشرعيةأنه قائم على أساس و تعرف على القضاء اإلسالمي ال. ١عتبارهما المصدرين وضرورة التسليم الكامل لحكم اهللا سبحانه وتعالى، وتحكيم الكتاب والسنة با

األساسيين في اإلسالم. إدراك أهمية تطبيق نظام القضاء اإلسالمي.. ٢

3 

 

، التعرف على تعدد الطرق والوسائل لفض منازعات الناس سواء عن طريق القضاء العادي. ٣أم التحكيم، وكل هذه معالجات إسالمية لحل النزاع ،أم قضاء الحسبة ،أم قضاء المظالم لناس.والخالف بين ا

وفق خطة من ثالثة مباحث وخاتمة على النحو التالي:ولتحقيق ما سبق جاء البحث وأنواعه قضاءالمبحث األول: حقيقة ال

القضاء قديما وحديثا المبحث الثاني: مشروعية القضاء وحكمه في اإلسالم وأهميته المبحث الثالث:

الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات

4 

 

المبحث األول وأنواعه قضاءحقيقة ال

القضاء: حقيقةالمطلب األول: أوال: في اللغة:

فقد جاء لفظ القضاء القضاء مشتق من الفعل قضى، وقضى له في اللغة معان عديدة، حكم عمله، أو بمعنى الحكم، والقضاء على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه، وكل ما أ

.)١(مضي فقد قضىنفذ أو أ علم أو أ وجب أو أ دي أداء، أو أ ازه، أو أ تم إنج⎯£ :قوله ومنه :خلقال بمعنى يأتيف ßγ9 ŸÒs) sù yì ö7 y™ ;N# uθ≈ yϑy™ ’Îû È⎦÷⎫tΒöθtƒ )وبمعنى )٢ ،

% : ÇÙøقوله ومنه: الحكم $$ sù !$tΒ |MΡr& CÚ$s% ( $yϑΡÎ) ©ÅÓø) s? Íν É‹≈ yδ nο 4θuŠ pt ø:$# !$u‹ ÷Ρ‘$!$# )٣(،

} : z©ÅÓè% ãøΒFومنه قوله :فراغالوبمعنى $# “Ï% ©!$# ÏμŠ Ïù Èβ$u‹ ÏGø tGó¡n@ )اإلرادةبمعنى و ،)٤:

# :يدل عليه قوله sŒÎ) #©|Ós% # \øΒr& $yϑΡÎ* sù ãΑθà) tƒ … çμ s9 ⎯ ä. ãβθä3u‹ sù )٥(.

ن كل هذه المعاني ال أوهناك معان أخرى يطول الكالم فيها، إال أنه يجدر اإلشارة إلى .)٦(تخلو من الفصل وحسم األمر وانجازه

ثانيا: في االصطالح:إن المتتبع لتعريفات الفقهاء للقضاء يجد أنهم قد اختلفوا في ذلك؛ وربما يرجع هذا

االختالف إلى اختالفهم في حقيقة القضاء هل هو عمل أو فعل يقوم به القاضي، أم أنه صفة ؟ ها وتوجب نفاذ حكمهحكمية تالزم موصوف

كما أنهم اختلفوا هل القضاء يختص بالمنازعات أم يشملها وغيرها؟فضال عن أن هناك شبه بين الفتيا والقضاء إلى درجة كبيرة، واليك بعض هذه التعريفات لنخرج

بعدها بتعريف جامع مانع للقضاء. .)٧(عرف الحنفية القضاء بأنه: "فصل الخصومات وقطع المنازعات"

                                                            

.١٨٦/ ١٥ابن منظور: لسان العرب (١) .١٢سورة فصلت اآلية (٢) .٧٢سورة طه اآلية (٣) .٤١سورة يوسف اآلية (٤) .٤٧سورة آل عمران اآلية (٥) .١٤٩ -١٤٨الخطيب: القضاء والقدر بين الفلسفة والدين ص (٦) .٣٥٢/ ٥ابن عابدين: حاشيته على الدر المختار (٧)

5 

 

.)٨(اإلخبار عن حكم شرعي على سبيل اإللزامعرف المالكية القضاء بأنه: .)٩(" فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم اهللا تعالى" أما الشافعية فكان تعريفهم للقضاء:

.)١٠(" تبيينه واإللزام به وفصل الحكومات" وأما الحنابلة فعرفوا القضاء بأنه:شمولها مال تخلو من اعتراض سواء لكونها غير جامعة لعدوجميع التعريفات السابقة

للتحكيم كما في تعريف الحنفية أو الشافعية، أو لكونها مجرد إخبار وتبيين وليس إنشاء كتعريف المالكية والحنابلة.

مجموعة من النظم والقوانين "عبارة عن: نهبأ تعريف القضاءيمكن من خالل ما سبق ."بين الناس في خصوماتهم فصل والحكمإلسالم للشرعية التي سنها اال

ثم من إجماع ، سنة رسولهمن و وهذه النظم والقوانين مستمدة من كتاب اهللا ، وما يمكن أن تصل إليه اجتهادات المسلمين وقياساتهم واجتهاداتهم في العصور األولى لإلسالم

.إليه القضاءتحقيقا لمبدأ العدالة الذي يهدف في كل زمان المجتهدين

ثالثا: العالقة بين التعريف اللغوي والتعريف االصطالحي:استعراض المعنى اللغوي والمعنى االصطالحي للفظ القضاء نجد أن العالقة من خالل

بينهما عالقة عموم وخصوص، فالمعنى اللغوي يتناول حسم األمر والفصل فيه في الخصومات الفصل بين الناس فيما يقع بينهم من مظالم أو نزاعات، أو وغيرها، أما القضاء إنما يكون في

اعتداء على حدود اهللا تعالى.

المطلب الثاني: موضوع القضاء:إن موضوع القضاء يتمثل في القضايا التي يحكم فيها بين الناس، وهذه القضايا تنقسم

إلى قسمين: نفعها وضررها على عامة الناس، ما يتعلق بالحقوق التي ال تختص بناس معينين، وانما يرجع

وهي ما تعرف بحدود اهللا وحقوقه، وألحق بها العقاب على ترك الواجبات وارتكاب .)١١(المحظورات

، وعادة ما تكون هذه الحقوق مرتبطة بالدماء )١٢(بالحقوق التي تختص بإنسان معين. ما يتعلق ٢ واألموال واألعراض.

                                                            

.٦/٨٦يل الحطاب: مواهب الجل (٨) .٤/٣٧٢الشربيني: مغني المحتاج (٩)

.٢/٥٧١الفتوحي: منتهى اإلرادات (١٠) .٨٠ - ٦٦ابن تيمية: السياسة الشرعية ص (١١) .١٥٤المرجع السابق ص (١٢)

6 

 

.وحقوق العباد ضاء هو: حقوق اهللا بمعنى آخر يمكن القول بأن موضوع الق

المطلب الثالث: أركان القضاء: للقضاء ستة أركان هي على النحو التالي:

وهو ذلك الشخص الذي تم تعيينه من قبل السلطات للنظر والفصل في الدعاوى قاضي:ال. ١ والخصومات، إذ ال يملك اإلمام القيام بذلك.

حسم النزاع وانهاء الخصومة، وقد يكون بإلزام المحكوم وهو ما يصدر عن القاضي لحكم: ال. ٢عليه وهو ما يعرف بقضاء استحقاق بالفعل أو قضاء إلزام، وقد يكون بمنع القاضي المنازعة

وذلك بنفي استحقاق المدعي للحق عند عجز اإلثبات، وهو ما يعرف بقضاء الترك.من إيفاء المدعي حقه وذلك في قضاء وهو ما ألزم به القاضي المحكوم عليه محكوم به:ال. ٣

اإللزام، أو ترك المدعي المنازعة في قضاء الترك.وهو من يصدر الحكم ضده، وهو من يستوفى منه الحق، سواء كان مدعيا محكوم عليه:ال. ٤

عليه أم ال، وسواء كان واحدا أو عددا. وفقا لتقسيم الحنفية للحقوق. وهو المدعي، سواء كان حقه خالصا، أو غالبا محكوم له:ال. ٥فالقرآن قد رسم خطة القضاء وأرشد إلى مبادئه وقواعده،إن التشريع اإلسالمي . كيفية الحكم:٦

، والى الكريم قد تناول القضاء على شكل قواعد عامة وترك تفصيل ذلك إلى سنة النبي لوقائع الجزئية والقرائن التي تحيط اجتهاد المجتهدين من أمته، نظرا الختالف األزمان واألحوال وا

بهذه الوقائع.فالقضاء هو تطبيق األحكام على الوقائع الجزئية، وهذه تتأثر بالبيئة والزمن، ومع ذلك فإن تطبيق األحكام يخضع لمبادئ حفظ الحقوق، واالستناد إلى البينات وغيرها مما يطول شرحه

وليس هنا موضع ذلك.

قضاء:المطلب الرابع: أنواع التبعا الختالف أحوال الناس وأزمانهم والثقافة السائدة كان هناك التنوع في القضاء، بل

يمكن أن يوجد في زمن واحد عدة أنواع من القضاء كما هو واقع في عالمنا المعاصر اليوم، ومن أنواع القضاء ما يلي:

القضاء الجاهلي:. ١الناس وأعرافهم الجاهلية، وما يدخل وهو ذلك القضاء الذي تستمد أحكامه من عادات

فيه من أحكام وضعية مستمدة من القوانين الوضعية، وسواء كان ذلك في الماضي أو الحاضر

7 

 

أو المستقبل، وهذه األحكام ال يجوز التحاكم إليها أو األخذ بها ألنها صادرة عن جهل وضالل؛ .)١٣(ولتحقق الظلم في معظمها

. القضاء الشرعي:٢سواء كان من الكتاب أو من السنة قضاء الذي استمدت أحكامه من شرع اهللا وهو ال

أو اإلجماع أو من سائر األدلة الشرعية.وهذا القضاء يجب إنفاذه واالحتكام إليه؛ ألنه يمثل ميزان العدل الحقيقي؛ ولقيام الدليل

% : $tΒuρ tβفقد قال اهللا الشرعي الموجب لذلك. x. 9⎯ ÏΒ÷σ ßϑÏ9 Ÿωuρ >π uΖÏΒ÷σ ãΒ # sŒ Î) ©|Ós% ª!$#

ÿ… ã&è!θß™ u‘ uρ # ·øΒr& βr& tβθä3tƒ ãΝßγ s9 äο uz σ ø:$# ô⎯ÏΒ öΝ ÏδÌøΒ r& 3 ⎯ tΒuρ ÄÈ÷ètƒ ©!$# … ã&s!θß™ u‘ uρ ô‰s) sù ¨≅ |Ê

Wξ≈ n=|Ê $YΖ Î7 •Β )١٤( وهذا النوع من القضاء يتنوع بحسب استنباطات العلماء واصطالحاتهم، بل يتنوع بحسب

الكل ، إذ أن ا، فالتنوع هنا هو تنوع اختصاص وليس تنوع مصادر وأحكاماختصاص القضاي ، ومن هذه األنواع ما يلي:تطبيق لشرع اهللا

أوال: قضاء التحكيم:إن والية التحكيم تعتبر والية مستفادة من آحاد الناس، وهي شعبة من القضاء متعلقة

.)١٦(فروع القضاء ، فقضاء التحكيم من)١٥(باألموال دون الحدود والقصاص( : ÷βÎومن أمثلة التحكيم كالتحكيم بين الزوجين حالة الشقاق، وقد قال اهللا uρ óΟ çFø Åz

s−$s) Ï© $uΚÍκ È] ÷ t/ (#θèWyèö/ $$sù $Vϑs3ym ô⎯ ÏiΒ ⎯ Ï&Î#÷δr& $Vϑs3ymuρ ô⎯ ÏiΒ !$yγ Î=÷δr& βÎ) !# y‰ƒ Ìム$[s≈ n=ô¹Î) È, Ïjùuθムª!$#

!$yϑåκ s] øŠ t/ 3 ¨βÎ) ©!$# tβ% x. $ϑŠ Î=tã # Z Î7 yz )١٧(.

ثانيا: القضاء العادي: وهذا النوع يعتبر األساس في التقاضي وفصل المنازعات، وهو أوسع دائرة في ميادين

                                                            

.٥٠الحميضي: القضاء ونظامه في الكتاب والسنة، رسالة دكتوراة ص (١٣) .٣٦سورة األحزاب اآلية (١٤) .١/١٩الحكام ابن فرحون: تبصرة (١٥) .٧/٢٤ابن نجيم: البحر الرائق (١٦) .٣٥سورة النساء اآلية (١٧)

8 

 

، وصادر عن والية عامة، وقد )١٨(القضاء، وأحكامه واجبة التنفيذ؛ ألنه جزء من اإلمامة الكبرى : ¨βÎ) ©!$# öΝقال اهللا ä. ããΒù'tƒ βr& (#ρ–Š xσ è? ÏM≈ uΖ≈ tΒF{ $# #’ n<Î) $yγ Î=÷δr& # sŒ Î) uρ Ο çFôϑs3 ym t⎦÷⎫t/ Ĩ$Ζ9 $# βr&

(#θßϑä3øt rB ÉΑô‰yèø9 $$Î/ 4 ¨βÎ) ©!$# $−ΚÏèÏΡ / ä3Ýà Ïètƒ ÿ⎯ Ïμ Î/ 3 ¨βÎ) ©!$# tβ% x. $Jè‹ Ïÿ xœ # Z ÅÁt/ ∩∈∇∪ $pκ š‰ r'≈ tƒ t⎦⎪Ï% ©!$#

(# þθãΨ tΒ# u™ (#θãè‹ ÏÛr& ©!$# (#θãè‹ ÏÛr& uρ tΑθß™ §9 $# ’ Í<'ρé& uρ Í öΔF{ $# óΟ ä3ΖÏΒ ( βÎ* sù ÷Λ ä⎢ôãt“≈ uΖs? ’Îû &™ó©x« çνρ–Š ãsù ’ n<Î)

«!$# ÉΑθß™ §9 $# uρ βÎ) ÷Λ ä⎢Ψä. tβθãΖÏΒ÷σ è? «!$$Î/ ÏΘöθu‹ ø9 $# uρ ÌÅzFψ$# 4 y7 Ï9≡ sŒ ×ö yz ß⎯ |¡ômr& uρ ¸ξƒ Íρù's? )١٩(.

الفرق بين القضاء العادي وبين التحكيم: إن من يتولى القضاء العادي يسمى قاضيا، أما في قضاء التحكيم فيسمى محكما.

إن القاضي ملزم بالنظر في الخصومات والمنازعات، أما المحكم فهو غير ملزم.. ١فواليته محكم . اختصاص القاضي يتحدد بعقد توليته، وال يتوقف على رضا الخصوم به، أما ال٢

خاصة وال تعدو من تحاكموا إليه ورضوا بتحكيمه.. حضور المدعى عليه ملزم أمام القاضي، أما في التحكيم فيحضران اختيارا، وال يستطيع أحد ٣

الخصمين أن يلزم خصمه بالحضور.. حكم القاضي ملزم للمتخاصمين رضوا بذلك أم ال، أما حكم المحكم فينفذ بتراضي ٤

مين.المتخاص. موضوع التحكيم في قضاء التحكيم يكون في غير الحدود والقصاص؛ ألن اإلمام هو المتعين ٥

الستيفائهما، وألن حكم المحكم غير متعد فليس بحجة في حق غير المتخاصمين؛ فيكون شبهة، .)٢٠(والحدود تدرأ بالشبهات

ثالثا: قضاء الحسبة:الناس في القضايا التي ال تتوقف على وهذا النوع من القضاء يتم فيه الحكم بين

، وهو السبب في خيرية األمة إذا الدعوى، وقاعدته وأصله: األمر بالمعروف والنهي عن المنكر⎯ :ما اتصفت به كما قال اهللا ä3tFø9 uρ öΝ ä3Ψ ÏiΒ ×π ¨Βé& tβθããô‰tƒ ’ n<Î) Îö sƒ ø:$# tβρããΒù'tƒ uρ Å∃ρã÷èpR ùQ $$ Î/

tβöθ yγ ÷Ζtƒ uρ Ç⎯ tã Ìs3Ψ ßϑø9 $# 4 y7 Í× ¯≈ s9 'ρé& uρ ãΝ èδ šχθßsÎ=ø ßϑø9 $# )٢١(.

                                                            

.١/٢٠ابن فرحون: تبصرة الحكام (١٨) .٥٩، ٥٨سورة النساء اآليات (١٩) .١٣٧مدكور: القضاء في اإلسالم ص (٢٠) .١٠٤سورة آل عمران اآلية (٢١)

9 

 

وموضوع الحسبة إلزام الحقوق والمساعدة على استيفائها فيما يتعلق بالنظام العام، ومنع كل ما من شأنه مضايقة الناس في الطرقات والتعدي على حدود الجيران، ولقاضي الحسبة

اختصاصه كالغش في البيع، أو بخس الناس استدعاء من الناس ما تعلق باألمور الداخلة في .)٢٢(في الكيل أو الوزن

رابعا: قضاء المظالم:وهذا النوع من القضاء يشكل سلطة قضائية هي أعلى من سلطة القاضي أو .)٢٤(، وموضوعه جميع القضايا التي يعجز عنها القضاة)٢٣(المحتسب

بل الوالة والجباة والحكام، وأبناء األمراء وينظر هذا القضاء في المظالم الواقعة على الناس من قوالرؤساء والقضاة، وبمعنى آخر المظالم التي يتوقعها الجهات التنفيذية في الدولة مع ما تمت

. )٢٥(اإلشارة إليه من المظالم األخرىوربما اليوم يوجد من المحاكم ذات االختصاص بهذا الشأن، كالمحاكم العسكرية الخاصة بجرائم

والعسكريين، ومحكمة العدل الدولية وغيرها. الجنود

                                                            

.١٥٣ -١٥٢مدكور: القضاء في اإلسالم ص (٢٢) .١٤١ابق ص المرجع الس (٢٣) .٢١٠األحكام السلطانية ص (٢٤) .١٤١مدكور: القضاء في اإلسالم ص (٢٥)

10 

 

المبحث الثاني القضاء قديما وحديثا

المطلب األول: القضاء قبل اإلسالم: أوال: في العصور الغابرة:

لم يترك أمة دون أن يبين لها العقيدة الصحيحة إن آيات القرآن الكريم تؤكد أن اهللا ها، ومن هنا كانت مهمة الرسل هي ترسيخ العقيدة في النفوس، إال والمنهج الذي به يصلح حال

أنها جوبهت بالتكذيب واإلنكار، لذلك لم يؤمر أغلب األمم بالحكم بشرائع دينها؛ لعدم استجابتهم التوحيد. عقيدةي ألصل الدين أال وه

السلوك إال من وهذه األمم لم تنتفع بما جاء به أنبياؤها ال في مجال العقيدة وال في مجال آمن بهذه الشرائع، ويبدو أن أحكام القضاء عند تلك األمم لم تكن سوى األعراف والتقاليد التي

.)٢٦(تمليه ظروف الحياة وطبيعتهاكانت سائدة في تلك الحقبة من عمر البشرية، وكذلك ما يل نجد أن قلة قبل رسالة اإلسالم كالتوراة واإلنج والتشريعات السماوية التي أنزلها اهللا

بل اتبعوا ممن يؤمنون بها طبقوا أحكامها، والكثرة من هؤالء الناس لم يستسلموا لشرع اهللا أهواءهم لتعطيل شرع اهللا وتغيير أحكامه، وكان من وسائلهم التي ذكرها القرآن الكريم هو تحريف

.)٢٧(نصوص التوراة واإلنجيلفي مفسدة عظيمة تمثلت في تعطيل أحكام نستطيع القول بأن األمم الغابرة قد عاشت

وتحريفها، وجعلوا أهواءهم وقوانينهم الوضعية حكما وفصال للمنازعات العالقة فيما بينهم، اهللا مع العلم بمدى قصور اإلنسان وعجزه وجهله بحال نفسه مما جعله يعيش حياة التعاسة والشقاء

. والضنك لتعطيله شرع اهللا

هلية:: في الجانيا ثالم تكن هناك ضمانات لتحقيق العدالة في المجتمع العربي القديم، فاألعراف السائدة

مرجعه إلى التحكيم وقتئذ هي التي يحتكم إليها الناس، والوصول إلى الحق ومعاقبة المعتدي االختياري، والتضامن القبلي، واالنتقام الشخصي؛ إذ لم يكن ثمة قضاة، بل كان هناك محكمون

من يقوم بالفصل بين الناس في منازعاتهم، والقبول في الفصل في المنازعات يرجع إلى هم المحكمين وحسب إرادتهم، فليس هناك ما يلزم المحكمين بالقضاء بين من يلجئون إليهم، فضال

                                                            

.٦٠٤-٦٠٢الدواليبي: التاريخ العام للقانون ص (٢٦) .١٧٢الحميضي: القضاء ونظامه في الكتاب والسنة ص (٢٧)

11 

 

.)٢٨(عن أن األحكام الصادرة عن المحكمين هي مجرد آراء استشاريةاألعراف وبعض االعتبارات هي التي تشكل أسسه فالقضاء في الجاهلية كانت بعض

وقواعده، فكان أبعد ما يكون عن روح العدالة الحقيقية خاصة وأنه أي القضاء الجاهلي مؤسس .)٢٩(على فراغ روحي بل على فساد في العقيدة التي تمثلت في عبادة األصنام

هي إذن غير وبما أن األحكام الجاهلية لم تكن مستمدة من منهج شرعي سماوي ف واليوم اآلخر؛ فجاء تطبيق أحكامها بحسب مكانة األفراد ومكانتهم مرتبطة بعقيدة اإليمان باهللا

في ذلك المجتمع الجاهلي الذي يفرق بين الناس، وال يساوي بينهم بمقتضى أدميتم، فنظرة اد ومن ثم تحقيق الجاهلية للشريف تغاير النظرة إلى الوضيع؛ مما تتعذر معه المساواة بين األفر

: zΝالعدالة وقد قال õ3ßssù r& ÏπŠ Î=Îγ≈ yfø9 $# tβθäóö7 tƒ 4 ô⎯ tΒuρ ß⎯ |¡ômr& z⎯ ÏΒ «!$# $Vϑõ3ãm 5Θöθs) Ïj9

tβθãΖÏ%θム)٣٠(.

المطلب الثاني: القضاء في عهد اإلسالم:

جاء اإلسالم جعل من أهم مهمات ولي األمر الفصل في المنازعات بين الناس إما لما ووضع اإلسالم مبادئ وأسس وقواعد للقضاء بحيث سه أو بمن يقوم بتعيينهم لينوبوا مكانه،بنف

تشكل هذه األسس ضمانات لعدالة ونزاهة القضاء وفق أحكام الشريعة اإلسالمية، فلم يكن القاضي وليس له أن يحكم برأيه الشخصي إنما يحكم طبقا ألحكام الشريعة، ووفق اإلجراءات

هذه الشريعة والتي بموجبها يتمكن كل خصم من الخصوم إثبات حقه أو الدفاع عن التي حددتهاثم يسند نفسه، وكل ذلك من أجل إظهار الحق وتمكين القاضي للوصول إلى الحقيقة ما أمكن.

تنفيذ الحكم إلى ولي األمر أو من ينيبه إال في جرائم القصاص فلولي الدم أن يقتص من الجاني ف ولي األمر وفي حدود ما قرره القاضي من عقوبة.ولكن تحت إشرا

.)٣١(القضاء في عهده وحكم كتاب اهللا وقد تولى رسول اهللا

                                                            

.١٤٢- ١٤١العطار: الوجيز في تاريخ القانون ص (٢٨) .١٩١ص اب والسنةالكتالحميضي: القضاء ونظامه في (٢٩) .٥٠سورة المائدة اآلية (٣٠) .١٤٢- ١٤١العطار: الوجيز في تاريخ القانون ص (٣١)

12 

 

المبحث الثالث وحكمه في اإلسالم وأهميته القضاء مشروعية

المطلب األول: مشروعية القضاء في اإلسالم:ام القضاء، ولما كان إن الحديث عن القضاء إنما يقصد به الحديث عن جهاز ونظ

بالقيام بجميع أي الخليفة تنصيب اإلمام أو الخليفة أمر واجب ال خالف فيه، ومع عدم تمكنه .)٣٢(لتولي منصب القضاء أمرا مشروعا لغيره أمور الدولة من قضاء وغيرها كان تعيينه

مين القضاء في اإلسالم فرض من فروض الكفاية، بمعنى أنه إذا قام به بعض المسلفسقط عن الباقين واذا لم يقم به أحد أثم الجميع، وذلك ألن أمر الناس ال يستقيم بدونه فكان واجبا

والدليل على مشروعية القضاء من القرآن والسنة واإلجماع: عليهم كالجهاد،

أوال: من القرآن:… : ߊ. يقول اهللا ١ ãρ# y‰≈ tƒ $ΡÎ) y7≈ oΨ ù=yèy_ Zπ x‹ Î=yz ’ Îû ÇÚ ö‘ F{ $# Λ äl ÷n $$sù t⎦÷⎫t/ Ĩ$Ζ9 $# Èd,pt ø:$$Î/ Ÿωuρ

Æì Î7 ®K s? 3“uθyγ ø9 $# y7 ¯=ÅÒ㊠sù ⎯ tã È≅‹ Î6 y™ «!$# 4 ¨βÎ) t⎦⎪Ï% ©!$# tβθ=ÅÒtƒ ⎯ tã È≅‹ Î6 y™ «!$# öΝ ßγ s9 Ò># x‹tã

7‰ƒ ωx© $yϑÎ/ (#θÝ¡nΣ tΠöθtƒ É>$|¡Ït ø:$# )٣٣(.

& :Èβr . وقوله٢ uρ Ν ä3ôm$# Ν æηuΖ÷ t/ !$yϑÎ/ tΑ t“Ρr& ª!$# Ÿωuρ ôì Î7 ®K s? öΝ èδu™!# uθ÷δ r& öΝ èδö‘ x‹÷n $# uρ βr&

š‚θãΖÏFø tƒ .⎯ tã ÇÙ÷è t/ !$tΒ tΑ t“Ρr& ª!$# y7 ø‹s9 Î) )٣٤(.

# : قال. ٣ sŒ Î) uρ (# þθããߊ ’ n<Î) «!$# ⎯ Ï&Î!θß™ u‘ uρ zΝ ä3ósuŠ Ï9 öΝ æηuΖ÷ t/ # sŒÎ) ×,ƒ Ìsù Νåκ ÷] ÏiΒ tβθàÊ Ì÷è•Β )٣٥(.

: Ÿξsù y7. وقال ٤ În/ u‘ uρ Ÿω šχθãΨ ÏΒ÷σ ム4©®Lym x8θßϑÅj3 ysム$yϑŠ Ïù tyfx© óΟ ßγ oΨ ÷ t/ §Ν èO Ÿω (#ρ߉Åg s† þ’ Îû öΝ ÎηÅ¡àΡr& % [` tym $£ϑÏiΒ |M øŠ ŸÒs% (#θßϑÏk=|¡ç„ uρ $VϑŠ Î=ó¡n@ )٣٦(.

. وفق منهج اهللا واآليات واضحة الداللة في مشروعية الحكم والقضاء بين الناس

                                                            

.٩/٤٠٧٨الكاساني: بدائع الصنائع (٣٢) .٢٦سورة ص اآلية (٣٣) .٤٩سورة المائدة اآلية (٣٤) .٤٨سورة النور اآلية (٣٥) .٦٥سورة النساء اآلية (٣٦)

13 

 

ثانيا: من السنة:أنه قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، واذا عن النبي العاص ما رواه عمرو بن

. )٣٧(أخطأ فله أجر"

ثالثا: من اإلجماع: .)٣٨(والحكم بين الناس أجمع المسلمون قديما وحديثا على مشروعية القضاء

في اإلسالم: ءالقضافي منصب تعيين قبول الالمطلب الثاني: حكم ؛ ويرجع ذلك إلى المنصب القضائي تعتريه األحكام التكليفية الخمسة إن قبول التعيين في

اختالف الحال والزمان واألشخاص، واليك بيان ذلك: فرض كفاية:

وهذا هو األصل إذا تعين الشخص مع غيره مجمال، وكان من أهل الوالية لهذا ذكرها في المطلب المنصب، وهذا الحكم هو ما دلت علية أدلة مشروعية القضاء التي سبق

السابق من القرآن والسنة؛ وألنه من باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو على الكفاية. فرض عين:

يصبح التعيين في منصب القضاء فرض عين في حق الشخص إذا لم يوجد غيره يصلح .)٣٩(لذلك، واذا امتنع فإنه يجبر عليه؛ وألن الكفاية ال تكون إال به

جائز: مندوب أومنصب القضاء إذا كان الشخص أهال لتلك الوالية عالما لكنه غير مشهور قبوليندب

.)٤٠(بعلمه بين الناس، ويرجو بقضائه أن ينشر العلم بينهم لتحصل المنفعة مكروه:

حكم الكراهة خاصة إذا كان الشخص إلى جانب األحكام السابقة ويعتري تولي القضاء وكان عالما مشهورا بين الناس مع وجود مساو له في لقضاء للعيش منها، ليس بحاجة إلى أجرة ا

.)٤١(: " من استقضى فكأنما ذبح بغير سكين"جواز تولي القضاء؛ لقوله حرام:

إن قبول والية القضاء كما يمكن أن يكون فرضا سواء على الكفاية أو عينا، أو يكون

                                                            

متفق عليه. (٣٧) .٢/٢٨٩مهذب النووي: ال (٣٨) المرجع السابق. (٣٩) .١٠٨الشربيني: السلطة القضائية ونظام القضاء في اإلسالم ص (٤٠) رواه الخمسة إال النسائي. (٤١)

14 

 

يكون حراما، خاصة إذا كان الشخص جاهال وغير أهل مندوبا، أو يكون مكروها، يمكن أن للقضاء، بل يجب عليه الترك إن كان يظن أنه إذا تولى القضاء فإنه سيحكم بغير العدل؛ ألن

: $pκالحكم بغير العدل ظلم والظلم منهي عنه، والعدل مأمور به؛ لقوله š‰ r'≈ tƒ š⎥⎪Ï% ©!$#

(#θãΨ tΒ# u™ (#θçΡθä. š⎥⎫ ÏΒ≡ §θs% ¬! u™!# y‰pκ à− ÅÝó¡É) ø9 $$Î/ ( Ÿωuρ öΝ à6 ¨ΖtΒÌôftƒ ãβ$t↔ oΨ x© BΘöθs% #’ n?tã ωr&

(#θä9 ω÷è s? 4 (#θä9 ωôã$# uθèδ Ü>tø%r& 3“uθø) −G=Ï9 ( (#θà) ¨?$# uρ ©!$# 4 χÎ) ©!$# 7 Î6 yz $yϑÎ/ šχθè=yϑ÷ès? )٤٢(.

ة، ومن غلب جوره حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجن: "من طلب قضاء المسلمين ولقوله .)٤٣(عدله فله النار"

حياة األمم:اإلسالم وفي المطلب الثالث: أهمية القضاء في إن المجتمعات البشرية على اختالف زمانها ومكانها ال تخلو من أسباب النزاع

والخصومة مهما بلغت في درجات العلم والرقي والحضارة األمر الذي يستدعي ضرورة وجود زاعات وقطع دابر الخصومات؛ إلنصاف المظلومين، وردع الظالمين، واقامة القضاء لفض الن

العدل والقسط بين الناس، وتحقيق عمارة األرض واالستخالف فيها.وان من أهم دعائم السعادة التي يسعى البشر لتحقيقها أن يطمئن الناس إلى حقوقهم،

وذهاب الطمأنينة من حياة الناس من وأن يسود العدل بينهم، وليس أبعث على الشقاء والتعاسة سلب الحقوق، وظلم الناس، وتسلط األقوياء على الضعفاء، مما يحيل الحياة إلى ضنك وتعاسة

، وعن سنن ، وعن سنن اهللا ال تطاق، وال شك أن هذا األمر يشكل انحرافا عن منهج اإلسالمويدفع إلى التربص واالنتقام؛ مما الكون وفطرة اإلنسان السليمة؛ مما يثير األحقاد والضغائن،

يهدد النسيج االجتماعي، بل يقطع الصالت بين أفراد العائلة الواحدة.إن أهمية األشياء تقاس بغاياتها، والغاية في القضاء هي: إقامة العدل، ومنع الظلم،

قال ف به أشنع الكبائر وهو اإلشراك به وحيثما وجد العدل زال الظلم، وقد وصفه اهللا : øŒÎ) uρ tΑ$s% ß⎯≈ yϑø) ä9 ⎯ Ïμ ÏΖö/ eω uθèδuρ …çμ Ýà Ïètƒ ¢©o_ ç6≈ tƒ Ÿω õ8Îô³ è@ «!$$Î/ ( χÎ) x8÷Åe³9 $# íΟ ù=Ýà s9

ÒΟŠ Ïà tã )؛ ولعظم شأن العدل ورد مع نقيضه وھو الظلم في آية واحدة وردا في آية واحدة )٤٤

                                                            

.٨سورة المائدة اآلية (٤٢) .٨/٢٨٩رواه أبو داود عن أبي هريرة، الشوكاني: نيل األوطار (٤٣) .١٣سورة لقمان اآلية (٤٤)

15 

 

: ¨βÎ) ©!$# ããΒù'tƒ ÉΑفيھا أمر ونھي إذ قال ô‰yèø9 $$Î/ Ç⎯≈ |¡ômM}$# uρ Ç› !$tGƒ Î) uρ “ÏŒ 4†n1öà) ø9 $#

4‘ sS ÷Ζtƒ uρ Ç⎯ tã Ï™!$t±ósx ø9 $# Ìx6Ψ ßϑø9 $# uρ Ä©øöt7 ø9 $# uρ 4 öΝ ä3Ýà Ïètƒ öΝ à6 ¯=yè s9 šχρã©. x‹s? )٤٥(.

لكل ما سبق كانت الحاجة ماسة إلى وجود نظام قضائي يحقق العدالة ويرسم مالمح ظلم؛ مما نستطيع القول من أن وجود القضاء ضرورة السعادة البشرية بقطع كل أسباب الفساد وال

بشرية وحاجة إنسانية ومطلب شرعي.والقضاء من األمور المقدسة عند كل األمم مهما بلغت درجتها في العلم والحضارة، إذ أن نوازع الشر من لوازم البشرية، وفساد الفطرة وضعف الوازع الديني واإلنساني هو الذي يؤدي

لبعضهم؛ مما يؤدي إلى اختالل نظام المجتمع، وعموم الفوضى وهذا ما دل عليه إلى ظلم الناس : Ÿωöθs9قوله uρ ßì øùyŠ «!$# } $Ψ9 $# Ο ßγ ŸÒ÷èt/ <Ù÷èt7 Î/ ÏNy‰|¡x ©9 Ù⇓ö‘ F{ $# £⎯ Å6≈ s9 uρ ©!$# ρèŒ

@≅ ôÒsù ’ n?tã š⎥⎫ Ïϑn=≈ yèø9 $# )٤٦(.

: Ÿωöθs9وقوله uρ ßì øùyŠ «!$# } $Ζ9 $# Ν åκ |Õ÷èt/ <Ù÷è t7 Î/ ôM tΒÏd‰çλ°; ßì ÏΒ≡ uθ|¹ Óì u‹ Î/ uρ ÔN≡ uθn=|¹uρ

߉Éf≈ |¡ tΒuρ ãŸ2õ‹ãƒ $pκ Ïù ãΝ ó™ $# «!$# # Z ÏV Ÿ2 )٤٧(.

ألجل ما سبق كانت وظيفة القاضي ومازالت من أهم المناصب وأسماها؛ لما لها من يقرره القاضي دور في تمكين القوانين التي تحكم المجتمع، وتعمل على سيادة العدل بواسطة ما

من أحكام صيانة للحقوق وردعا للمعتدين.ولذلك نجد اإلسالم قد أرسى مبدأ العدل كأول ما قرره حفظا للكيان البشري، وحرم الظلم

على نفسه وعلى عباده، بل إن األمر بالعدل والقسط بين الناس جاء في القرآن تارة عاما وأخرى : $pκ خاصا، وحتى مع األعداء، فيقول اهللا š‰ r'≈ tƒ š⎥⎪Ï% ©!$# (#θãΨ tΒ# u™ (#θçΡθä. š⎥⎫ÏΒ≡ §θs% ¬!

u™!# y‰ pκ à− ÅÝó¡É) ø9 $$Î/ ( Ÿωuρ öΝ à6 ¨ΖtΒÌôftƒ ãβ$t↔ oΨ x© BΘöθs% #’ n?tã ωr& (#θä9 ω÷ès? 4 (#θä9 ωôã$# uθèδ Ü>tø%r&

3“uθø) −G=Ï9 ( (#θà) ¨?$# uρ ©!$# 4 χÎ) ©!$# 7 Î6 yz $yϑÎ/ šχθè=yϑ÷ès? )٤٨(.

                                                            

.٩٠سورة النحل اآلية (٤٥) .٢٥١سورة البقرة اآلية (٤٦) ٤٠سورة الحج اآلية (٤٧) .٨سورة المائدة اآلية (٤٨)

16 

 

إقامة العدل من النعم التي يباح الحسد عليها، فقد جاء في الحديث: "ال وجعل النبي حسد إال في اثنتين، رجل آتاه اهللا ماال فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه اهللا الحكمة فهو

.)٤٩(يقضي بها ويعمل بها" .)٥٠(ظله: إمام عادل.."وفي الحديث الصحيح: "سبعة يظلهم اهللا تحت ظل عرشه يوم ال ظل إال

بالعدل، وجعل إقامته بين الناس هو الهدف من إرسال الرسل وتنزيل وقد أمر اهللا ( : ô‰sالكتب، وتشريع الشرائع؛ ودليل ذلك قوله s9 $uΖù=y™ ö‘ r& $oΨ n=ß™ â‘ ÏM≈ uΖÉi t7 ø9 $$Î/ $uΖø9 t“Ρr& uρ ÞΟ ßγ yètΒ

|=≈ tGÅ3ø9 $# šχ# u” Ïϑø9 $# uρ tΠθà) u‹ Ï9 â¨$Ψ9 $# ÅÝó¡É) ø9 $$Î/ )٥١(.

ولما كان القضاء والحكم هما يدا العدالة، وهما اللذان ينعكس أثرهما على العامة بالعدل في الحكم والقضاء، واعتبره من األمور المقدسة، ومن والخاصة، فقد أمر اهللا

#$!© ( : * ¨βÎاألمانات التي يجب المحافظة عليها، وأدائها إلى أهلها كما جاء في قوله

öΝ ä. ããΒù'tƒ βr& (#ρ–Š xσ è? ÏM≈uΖ≈ tΒF{ $# #’ n<Î) $yγ Î=÷δr& # sŒ Î) uρ Ο çFôϑs3 ym t⎦÷⎫t/ Ĩ$Ζ9 $# βr& (#θßϑä3øt rB ÉΑ ô‰yèø9 $$Î/ 4 ¨βÎ)

©!$# $−ΚÏèÏΡ / ä3Ýà Ïètƒ ÿ⎯ Ïμ Î/ 3 ¨βÎ) ©!$# tβ% x. $Jè‹ Ïÿxœ # Z ÅÁt/ )٥٢(.

ت، وهو الذي يعصم الدماء، فالعدل هو الذي يحفظ الحقوق، وهو الذي يصون الحرما وهو الذي يؤسس لحياة إنسانية كريمة، يشعر فيها الجميع على اختالف لغاتهم وأجناسهم وأفكارهم باألمن والطمأنينة، وتسود المجتمع عالقات الثقة والمودة والمحبة، ويقوي أواصر

لى تحقيقها، فال العالقات داخل المجتمع، وهذه كلها قيم عظيمة ينادي بها اإلسالم ويسعى إ : $pκقد أمر بالعدل حتى مع األعداء، إذ قال غرابة إذن حينما نقرأ أن اهللا š‰ r'≈ tƒ

š⎥⎪Ï% ©!$# (#θãΨ tΒ# u™ (#θçΡθä. š⎥⎫ ÏΒ≡ §θs% ¬! u™!# y‰pκ à− ÅÝó¡É) ø9 $$Î/ ( Ÿωuρ öΝ à6 ¨ΖtΒÌôftƒ ãβ$t↔ oΨ x© BΘöθs%

#’ n?tã ωr& (#θä9 ω÷ès? 4 (#θä9 ωôã$# uθèδ Ü>tø%r& 3“uθø) −G=Ï9 ( (#θà) ¨?$# uρ ©!$# 4 χÎ) ©!$# 7 Î6 yz $yϑ Î/

šχθè=yϑ÷ès? )٥٣(.

                                                            

البخاري: صحيحه، كتاب العلم، باب االغتباط في العلم والحكمة. (٤٩) البخاري: صحيحه، باب من جلس في المسجد ينتظر الصالة. (٥٠) .٢٥سورة الحديد اآلية (٥١) .٥٨سورة النساء اآلية (٥٢) .٨المائدة اآلية سورة (٥٣)

17 

 

بل نجده أمرا طبيعيا ينسجم مع مقاصد الشريعة اإلسالمية حينما يجعل اإلسالم تحقيق : "ألن القيم السابقة وتحقيق العدل من أفضل أعمال البر، ولذلك قال عبد اهللا بن مسعود

.)٥٤(أحب إلي من عبادة سبعين سنة"أقضي يوما إن الناظر إلى ما يشهده العالم المعاصر اليوم وقد غيب عنه اإلسالم بتشريعاته

وأحكامه، يدرك كم كانت الخسارة عظيمة عندما يخيم الظلم على البشرية، ويدفن العدل تحت ئي عادل ينصف األفراد كما ركام المقهورين والمظلومين؛ ليدلل كم تحتاج البشرية إلى نظام قضا

ينصف الشعوب واألمم، ولن يكون ذلك النظام سوى اإلسالم، فهو دين اهللا الحق وهو العدل كله.

:في اإلسالم المطلب الرابع: ضمانات نزاهة وعدالة القضاء في اإلسالم ألجل أن يحقق غايته وهي إرساء مبادئ العدل وصيانة الحقوق، إن القضاء

ن جاء مستندا إلى مجموعة من األسس والقواعد التي تضمن نزاهة القضاء وعدالته.وردع المعتديالقواعد والمبادئ تنظم القضاء شكال، وتنظم مبادئ القضاء والمبادئ التي يعين القاضي وهذه

على أساسها. فهناك قواعد شكلية وهناك قواعد موضوعية وهي كما يلي:

ثل في:وتتم :القواعد الشكليةأوال: طريقة و :طريقة رفع الدعوى وسيرها (ويكون ذلك بحسب ورود الدعاوى وأولوية رفعها). ١

رفع الدعوى لها أسس تنظيمية تتعلق بموضوع الخصومة والمحكمة التي تنظر هذه الدعوى والخطوات الترتيبية التي تسير عليها عند كل حكم.

قائمة يكون البد أن نظر في خصوماتهم قاضي للخصوم والمعاملة الإن :معاملة القاضي. ٢رسول اهللا قال العدل بينهم في كل شيء في المجلس والخطاب واللحظ واللفظ، فقد على أساس

:" كالم اآلخر، فسوف تدري كيف إذا تقاضى إليك رجالن فال تقض لألول حتى تسمع .)٥٥("تقضي

.ول غير الفاسقينالشهود العديتحقق ذلك باالستناد إلى و : تنظيم الشهادة. ٣ترتب حسب االختصاص الزماني بما يعني أن يقيد القاضي فالمحاكم :ترتيب المحاكم. ٤

أو حسب االختصاص المكاني ،ون غيرها فيصير قضاؤه شرطا فيهابالقضاء في أيام محددة دأو المحلي، أي يقيد القاضي بالقضاء في بلدة معينة أو جهة منها، أو حسب االختصاص

لنوعي بأن يقيد القاضي بنوع معين من القضايا دون غيرها، أو حسب االختصاص الكمي أو االقيمي بجعل القضاء في النوع الواحد على درجات فيخصص قاض للنظر في القضايا التي ال

                                                            

.٨معين الحكام ص (٥٤) أحمد في مسنده (٥٥)

18 

 

تتجاوز قيمة النزاع فيها مبلغا معينا، وما زاد على ذلك ينظر فيه قاض آخر. وقد يخصص في قضية واحدة وتزول واليته بالحكم فيها. القاضي للنظر

:وتشمل :القواعد الموضوعيةثانيا: الكتاب مستمدة منالقواعد وهذه :التي يبني عليها القاضي أحكامه وروافد قوانينه . القواعد١

إال واستحسان وغيره. وال ينقض الحكم والسنة واإلجماع ووسائل االجتهاد المعروفة من قياس نص من كتاب أو سنة أو إجماع وذلك على الراجح من آراء الفقهاء.لمخالفة

ا أو إجماعا، وذلك لفعل الص حابةوال ينقض االجتهاد باالجتهاد ما دام أي منهما لم يخالف نص وألن كل اجتهاد يستند إلى فهم خاص للنصوص.

( شروطه وآدابه): خصائص القاضي المناسب. ٢ ، سواء من ناحية مكانة خطورة منصبهالبد من مالحظة ضي الذي يعين للقضاء، القاإن

من ولي : "قائال ل فقد نبه الرسو المنصب وشرفه أو من ناحية ما يترتب على االنحراف فيه؛ة، تلي منصب الخالف قد جعل بعضهم والية القضاء لشرفهاو ، )٥٦("القضاء فقد ذبح بغير سكين

؛ لذلك البد من تحقق مجموعة من الشروط واآلداب وغير ذلك جعلها تلي النبوة بل إن بعضهم مما يحقق مقصود القضاء، واليك بعضا من شروط القاضي وآدابه:

:شروط القاضيأوال: أال يولى قاض حتى تجتمع فيه شروط البلوغ والعدل واإلسالم والحرية والذكورة وسالمة الحواس،

اللغة العربية. وذلك و اد من معرفة بالكتاب والسنة واإلجماع واالختالف والقياس والعدالة، واالجته على خالف بين الفقهاء في بعض هذه الشروط.

:آداب القاضيثانيا: ال يحكم أحد بين اثنين وهو : "أال يقضي قاض وهو غضبان، مصداقا لقول الرسول . ١

.)٥٧("غضبان على تفصيل في ذلك لقول الرسوليكن يهدي إليه قبل واليته، ال يقبل القاضي هدية من لم. ٢" :٥٨("هدايا األمراء غلول(. قال: قال رسول اهللا بن عمر عبد اهللاال يأخذ القاضي الرشوة لحرمتها بال خالف، لحديث . ٣: "وزيد في رواية (والرائش ). )٥٩("لعن اهللا الراشي والمرتشي .

                                                            

صححه أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي والدارقطني.(٥٦) متفق عليه. (٥٧) رواه الطبراني بإسناد حسن. (٥٨) .رواه أبو داود وابن ماجة، والترمذي وأحمد والبيهقي بإسناد صحيح(٥٩)

19 

 

رغ للقضاء، فال ينشغل بالتجارة مثال ألن ذلك يشغله عن النظر في يجب على القاضي التف. ٤ أمور الناس.

أو أعضاء مجلس الشورى هو أمر يقضي بمنع تدخل أعضاء الحكومةو :استقالل القضاةثالثا: ، وبإعطائهم الرزق الذي يكفيهم ومن يعولون سدا لحاجاتهم، وتحصينهم ضد القضاة في أعمال

وذلك ألن تعيينه تم لمصلحة المسلمين وليس لمصلحة اإلمام، ؛جمهور الفقهاءالعزل ـ على رأي فال يعزل مادام على صالحيته للقضاء ولم يتخلف فيه أحد شروطه.

20 

 

الخاتمةتمكن الباحث من خالله التوصل إلى مجموعة من بفضل اهللا وبعد إتمام هذا البحث

كما يلي: النتائج والتوصيات وهي أوال: النتائج:

إن عدم تطبيق أحكام اإلسالم في القضاء وغيره من جوانب الحياة المتعددة أدى إلى .١ مزيد من الظلم والجرائم واالنحالل األخالقي.

التي تحتاج إلى مزيد من العلوم التي تأهله للتطور إن علم القضاء من العلوم الحية .٢ مور.خاصة في مجال اإلثبات واستجالء األ

إن القضاء والفصل بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم يعتبر من أهم وأعظم الواليات .٣ في المجتمع والدولة لتعلقها بحياة الناس وحقوقهم واقامة العدل بينهم.

القضاء وممارسته حاجة بشرية وضرورة شرعية وان تعددت طرقه واختلفت وسائله وال .٤ غنى للمجتمعات عنه.

سوى في القضاء الشرعي تنشده البشرية ال يتوفر في أي نظام قضائي إن العدل الذي .٥لذي يتنافى مع العدالة ، بخالف القضاء الوضعي االقائم على تطبيق أحكام اهللا

هو ترجمة لرغبات أصحابه ونوازعهم القائمة على إشباع شهواتهم مع ما الحقيقية بل جبلوا عليه من القصور والجهل.

صول وقواعد موضوعية واجرائية تتضافر كلها مع بعضها لتحقيق قيمة للقضاء مبادئ وأ .٦ العدل في المجتمع.

البد أن تتوفر في القضاء شروط وآداب من أجل ضمان نزاهتهم تحقيقا للعدالة وبعدا .٧ عن أي جور.

ثانيا: التوصيات:تطورات العصر بحيث يبقى مواكبا ل ا يبالجانب القضائي علميا وتطبيقيا ونظام االهتمام .١

خاصة فيما يتعلق بمجاله من حيث وسائل اإلثبات وتنظيم إجراءات القضاء اصات المحاكم.واختص

حسن اختيار القضاة بناء على معايير الشروط التي يعين القاضي في منصبه على .٢ وفقها ويقدم األصلح فاألصلح.

ل انخراطهم في ميادين العمل عقد دورات تأهيلية للقضاة عمليا وعلميا واعدادهم جيدا قب .٣ القضائي.

21 

 

ضرورة وضع أنظمة وقوانين لمراقبة ومتابعة أعمال القضاة واجراءاتهم للتأكد من أنها .٤ تسير على أصولها وقواعدها المعتبرة شرعا.

ضرورة تشكيل ديوان للمظالم لحماية الفرد من تعسف أجهزة الدولة ومحاكمها وقضاتها. .٥وعدم خضوعه البتزاز أجهزة الدولة، وتوفير الل القضاء البد من العمل على استق .٦

الحصانة المناسبة له ليتمكن مع العمل في جو بعيد عن الضغط السياسي أو االقتصادي أو غيره.

م٢٠٠٩/ ١٢/ ٨وذلك يوم الثالثاء الموافق تم بحمد اهللا

إعداد الباحث/ أ. عاطف محمد أبو هربيد النصر الغربي –غزة