01- الإعجاز

49
اﻹﺳﻼﻣﻴ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻣﺠﻠ- اﻟﻌﺪد156 ر اﻟﺴ و ﺎت اﻵ ﺎﺳ ﺗـ ـــــﺎز اﻹ ﻴﻠ اﺳ ر د ﺪاد إ: ِ حْ يَ رُ فْ الِ نِ سْ حُ مْ الِ دْ بَ عِ نْ بِ ِ دْ بَ عِ نْ بَ دَ مْ حَ أ. د ى اﻟ م أ ﺎﻣ ﱢﻳﻦ اﻟﺪ ﻮل أ ﺎﻋ اﻟ ﺎذ ا

Upload: ubaydillah-fajri

Post on 01-Feb-2016

225 views

Category:

Documents


0 download

DESCRIPTION

Membicarakan I'Jaz

TRANSCRIPT

Page 1: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

عجـــــاز في تـناسب اآليات والسور اإل

دراسة تحليلية

: إعداد

د. أحمد بن عبد هللا بن عبد المحسن الفريح

ين في جامعة أم القرى األستاذ المساعد في كلية أصول الد

Page 2: 01- الإعجاز
Page 3: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 13 -

قدمةالمالحمد هللا والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين، نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد...

فإن كتاب اهللا تعالى هو شريعة هذه األمة ودستورها، وهو آخر كتاب أنزل ن السماء، فحتم ذلك أن يكون هذا اهللا، به ختمت الشرائع، وانقطع الوحي م

الكتاب صالحا على مر العصور، متمشيا مع تقدم المجتمعات وتطورها ونموها، وبناء على ذلك جعله اهللا صالحا لكل زمان ومكان، متضمنا لكل ما فيه صالح

، ومن ٩اإلسراء: m O P Q R S T U lالفرد والمجتمع، ن بما يحفظه من انتقاص المنتقصين، وانتقاد هنا كان ال بد أن يتميز القرآ

المنتقدين، وسالمته مما يجرىء المكذبين على الطعن به والتقليل من قدره، ونسبة الخلل إليه، وانطالقا من هذه المحاذير فقد أودع اهللا فيه ما يحفظه من

m g h i j k lذلك، ويقطع الطريق على أولئك، قال تعالى

m l :فضمن حفظه على مر العصور، فال يدرج فيه ما ليس ٩الحجرمنه، وال يسقط منه ما ثبت في نصه، فحفظ اهللا شامل وكامل، ومجرد الحفظ ضامن ألهله بقاء دينهم دون ضياع شيء منه، ولكن اهللا أودع فيه أمرا آخر يقمع المكذبين المتطاولين على هذا الكتاب الكريم، ويتحداهم أن يبتدعوا

أو أن ينظموا كنظمه، فجعل فيه من الفصاحة والبالغة وحسن النظم وبديع مثله، السبك ما يحمل السامع على اإليمان به، واإلقرار بعجزه عن محاكاته في النظم والبالغة، وجمال األلفاظ، وسبك المعاني، وجودة التعبير، وجميع تلك األمور

ن ربط بعضها ببعض، ال يمكن أن تكون معجزة دون ائتالف المعاني، وحس

Page 4: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 14 -

وبدون ذلك التناسب لن تبدو على ذلك النظم عالمات الجمال، ولن يوصف بالبالغة وحسن النظم، وجمال األسلوب، بل لن تكون هناك معاني مترابطة متناسقة متتابعة، وهذا كله ينزه عنه القرآن الكريم، ولكن أقصى ما يقال في

جمل والكلمات، قد يظهر ذلك للناظر ذلك هو أن هناك مناسبة بين اآليات والوقد يخفى، ولعل مما خفي ما استأثر اهللا بعلمه، فال يعلمه إال هو، وقد يطلع اهللا عليه الراسخين في العلم من عباده، فيدركون تلك المناسبات الخفية، ويفهمون ما يرمي إليه النص القرآني، ولعلي من خالل هذا البحث اليسير

إيضاح ذلك وبيانه . المختصر أوفق إلى

سبب اختيار الموضوع:مـــن أهـــم مـــا يحتاجـــه القـــارئ لكتـــاب اهللا تعـــالى هـــو التـــدبر والتأمـــل، والغوص في معانيه، وبدون تدبر أو تأمل ال يشعر المسلم بلذتــه، ومــن تلــك ـــين ـــاب اهللا تعـــالى تأمـــل المناســـبات ب ـــدبر لكت ـــى ت ـــاج إل الجوانـــب التـــي تحت

ذلــك التناســب مــن معــاني رائعــة وجميلــة، تجعــل اآليات والســور، ومــا يخبــؤه القارئ أكثر إقباال علــى كتــاب اهللا تعــالى، وتعجبــا مــن بــديع معانيــه ودالالتــه،

وحسن سبكه وروعة ألفاظه.

Page 5: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 15 -

وقد ضعف التفات العلماء إلى هذا العلم، وقل اهتمامهم به، حتى ظهر مــن ن يهــتم بــذلك إلــى ينكر تلك المناسبات بين اآليات والســور، بــل وينســب مــ

ــه، التكلــف، وتنكــب الصــعاب، بــل يــرى آخــرون أنــه علــم ال طائــل مــن ورائلــذلك رأيــت أن أقــف وقفــة أتأمــل فيهــا هــذا العلــم، وأبــين أهميتــه، وحقيقتــه،

وعالقته الوثيقة بتدبر كتاب اهللا تعالى.

وقد قسمت البحث إلى خمسة مباحث، وهي كما يلي:فقرات البحث

از القرآن.المبحث األول: إعج .المطلب األول: تعريف اإلعجاز لغة واصطالحا .المطلب الثاني: األقوال الواردة في أوجه اإلعجاز إجماال

المبحث الثاني: علم المناسبات: .المطلب األول: تعريف المناسبات لغة واصطالحا .المطلب الثاني: اهتمام العلماء به، ومؤلفاتهم فيه

القرآن الكريم.المبحث الثالث: أسلوب :تعريف األسلوب، وعالقته بأسلوب القرآن الكريمالمطلب األول. .المطلب الثاني: اتساق أسلوب القرآن وترابطه المطلب الثالث: التعسف والتكلف في إيجاد المناسبة بين اآليات بين

السور. المبحث الرابع: التناسب بين اآليات.

الحا.المطلب األول: تعريف اآلية لغة واصط

Page 6: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 16 -

المطلب الثاني: التناسب بين معاني اآليات المتفقة الموضوع في مختلف سور القرآن.

.المطلب الثالث: التناسب بين آيات السورة الواحدة المطلب الرابع: الوقف واالبتداء وعالقته بترابط المعاني بين الجمل

.واآليات لموضوعية المطلب الخامس: التناسب بين آيات السورة ذات الوحدة ا

الواحدة. .المطلب السادس: تناسب آيات السورة التي ظهر هدفها من اسمها

المبحث الخامس: التناسب بين السور: .المطلب األول: تعريف السورة لغة واصطالحا .المطلب الثاني: مراحل جمع القرآن الكريم .المطلب الثالث: الخالف في ترتيب السور السور. المطلب الرابع: التناسب بين

.الفهارس

Page 7: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 17 -

المبحث األول: إعجاز القرآن

المطلب األول: تعريفه لغة واصطالحا: ، وهو نقيض الحزم، )1(العجز لغة: العجز بالضم الضعف، فهو عاجز

عجز عن األمر يـعجز وعجزا فيهما، ورجل عجز وعجز: عاجز،وامرأة عاجز عن .)2(الشيء

في دعوى الرسالة بإظهار عجز إظهار صدق النبي واصطالحا: هو .)3(العرب عن معارضته في معجزته الخالدة، وعجز األجيال بعدهم

.)4(والمعجزة: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة

).1/710القاموس احمليط ( )1(

).9/58لسان العرب، عجز ( )2(

).265القرآن ملناع القطان ( مباحث يف علوم )3(

).265مباحث يف علوم القرآن ملناع القطان ( )4(

Page 8: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 18 -

المطلب الثاني: األقوال الواردة في أوجه اإلعجاز إجماال: على عدة أقوال، هي باختصار ما يلي:اختلف العلماء في وجوه اإلعجاز

،تأليف بديعالقول األول: أن اإلعجاز وقع بما تضمنه القرآن الكريم من لأللفاظ والمفردات.

القول الثاني: ما فيه من اإلخبار عن المغيبات، واألخبار المستقبلة. القول الثالث: اإلخبار عن قصص السابقين والمغيبات.

ما في قلوب المخاطبين، مما لم يظهر على القول الرابع: إخباره ع أقوالهم وأفعالهم.

القول الخامس: وهو ما عليه الجمهور أن اإلعجاز والتحدي وقع بنظمه، .)1(وصحة معانيه، وفصاحة ألفاظه، ورصانة أسلوبه، وهذا ما يدور عليه بحثنا

القول السادس: أن اإلعجاز كامن في صرف اهللا تعالى العرب عن وسلب عقولهم القدرة على ذلك، وإال كان بمقدورهم معارضته. معارضته،

، الربهــــان 277-271الفوائــــد املشــــوق إىل علــــوم القــــرآن وعلــــم البيــــان: البــــن قــــيم اجلوزيــــة : )1(

) بتصــرف، وانظــر: القــول األخــري يف مقدمــة تفســري ابــن جــزي الكلــيب 97-2/93للزركشــي ( ).334ن لصبحي الصاحل ()، مباحث يف علوم القرآ14(

Page 9: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 19 -

المبحث الثاني: علم المناسبات المطلب األول: تعريف المناسبات لغة واصطالحا:المطلب األول: تعريف المناسبات لغة واصطالحا:

تعريف علم المناسبات:

،فهــو نســيبه وقريبــه ،ومنــه فــالن ينســاب فالنــا ،: المناســب هــو القريــبلغــةوعليـــه فمعنـــى المناســـبات يـــدور علـــى ،كلةأي مشـــا ،ويقـــال لـــيس بينهمـــا مناســـبةوكلها معان تدل على وجود وجه تقارب بين اآليتــين ،القرب والمشاكلة والمماثلة

.)1(أو السورتين

ومعرفــة ســر ،: هــو علــم تعــرف منــه علــل ترتيــب أجــزاء القــرآنواصــطالحا وعليـــه فـــإن موضـــوعه هـــو أجـــزاء الشـــيء ،البالغـــة الـــرابط بـــين اآليـــات والســـور

المطلــوب علــم مناســبته مــن حيــث الترتيــب، وهــي آيــات كتــاب اهللا تعــالى وســور .)2(القرآن الكريم

:فائدته وأهميته من أعظم فوائد علم المناسبات هو الوقوف على عالقة اآلية بما قبلها وما بعدها، وما يشير إليه ذلك من معاني ودالالت تزيد فهم اآلية فهما، إضافة

يات من معاني جليلة تقود إلى فهم كتاب اهللا تعالى فهما إلى ما تخبئه اآلاإلطالع على الرتبة التي يستحقها الجزء «صحيحا، يقول اإلمام البقاعي:

بسبب ما له بما وراءه وما أمامه من االرتباط والتعلق هو كلحمة النسب، ويترتب ته إلى علم على ذلك معرفة مقصود السورة كاملة، ومقصود آياتها وجملها، ونسب

119-14/118 ،مادة نسب ،لسان العرب )1(

).1/5نظم الدرر، البقاعي ( )2(

Page 10: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 20 -

، ولتفسير القرآن الكريم عالقة وثيقة )1("التفسير كنسبة علم البيان إلى النحوبهذا العلم فالبد لمفسر القرآن الكريم أن يراعي السياق والسباق واللحاق عند

تفسير اآلية، ليستطيع تفسير اآلية تفسيرا صحيحا.

المطلب الثاني: اهتمام العلماء به، ومؤلفاتهم فيه:لكل علم هواة وطالب، ولكل فن محبون السيما ما يختص بالقرآن الكريم، وعلم المناسبات على دقته وصعوبة مسلكه، وقلة المؤلفات فيه، إال أن له أربابا وعشاقا، صرفوا له جل أوقاتهم، وأدركوه باهتمامهم، فألفوا فيه

على سوقه، فأفرد بالتأليف ووقف ،وقام بذاته ،المؤلفات، منها ما استقل بمفردهوالتصنيف، ومنها ما كان مختصرا فضمن كتب التفسير، ومنها ما اقتصر على تناسب اآليات دون السور، وبعضها غلب عليه تناسب السور فقط، فاختلفت

المؤلفات باختالف أهدافها، وهي باختصار:ر أحمد بن البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن: للعالمة أبي جعف- 1

إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي األندلسي الغرناطي من شيوخ أبي حيان، وموضوعه بيان مناسبة تعقيب السورة بالسورة فقط، دون تعرض لمناسبة اآليات

.)2(بعضها ببعصكتاب البرهان في علوم القرآن: لإلمام بدر الدين محمد بن عبد اهللا - 2

.)3(ضمنه مبحثا عن تناسب اآليات والسور الزركشي المصري الشافعي، وقدمفتاح الباب المقفل لفهم المنزل: لإلمام أبي الحسن علي بن أحمد - 3

).1/5نظم الدرر، البقاعي ( )1(

).1/234) وانظر: اإلتقان للسيوطي (1/5نظم الدرر ( )2(

).1/5نظم الدرر ( )3(

Page 11: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 21 -

.)1(بن الحسن التجيي الحرالي المغربيا وكتاب العروة لهذا المفتاح. - 4كتاب التوشية والتوفية. ذكرهما البقاعي في تفسيره ولم يذكر - 5 مؤلفهما.و عبد اهللا محمد بن سليمان المفسر الكبير المعروف تفسير اإلمام أب- 6

هـ)، حيث يذكر فيه المناسبات، فيذكر 698بابن النقيب المقدسي الحنفي (ت .)2(المناسبات بين اآليات ال جملها، وبين القصص ال جمع آياتها

تفسير روح المعاني، لأللوسي، وهو متضمن الكالم على مناسبة - 7 .)3(السورة للتي قبلها

تفسير البحر المحيط: وأشار فيه إلى مناسبة بعض السور.- 8 تفسير أبي السعود: وأشار فيه إلى التناسب بين بعض السور.- 9

مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع: لإلمام جالل الدين -10 أبي الفضل عبد الرحمن السيوطي رحمه اهللا .

ين السيوطي.أسرار ترتيب سور القرآن: تأليف جالل الد-11علم المناسبات في السور واآليات: د/محمد بن عمر بن سالم -12

بازمول.وممن درس هذا العلم وضمنه كتابه ودرسه دراسة نظرية وتطبيقية -13

).1/7نظم الدرر ( )1(

).1/7نظم الدرر ( )2(

ز بني السور.وقد بني فيه اإلعجا )3(

Page 12: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 22 -

اإلمام البقاعي في تفسيره نظم الدرر في تناسب اآليات والسور. .)1(أسرار التنزيل: لإلمام جالل الدين السيوطي-14 .)2(درر في تناسب السورتناسق ال-15البرهان في تناسب سور القرآن، لإلمام الحافظ أحمد بن إبراهيم – 16

.)3(هـ) 708 -هـ 627بن الزبير الثقفي (ا .التفسير الكبيرة للفخر الرازي -17

.تحرير والتنوير للطاهر ابن عاشورال -18م تناسب فهذا جميع ما بلغه علمي ووقفت عليه مما ألفه العلماء في عل

اآليات والسور.

. 45انظر: مقدمة كتابه أسرار ترتيب سور القرآن وانظر: مراصد املطالع : )1(

للسيوطي وهو كتــاب (أســرار ترتيــب الســور) كمــا نــص عليــه الســيوطي يف مقدمــة كتابــة أســرار )2( .7ترتيب السور :

حتقيق د.سعيد بن مجعة الفالح، جامعة الزيتونة بتونس. )3(

Page 13: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 23 -

المبحث الثالث: أسلوب القرآن الكريم :تعريف األسلوب، وعالقته بأسلوب القرآن الكريمالمطلب األول:

* تعريف األسلوب: في اللغة: هو الطريق والوجه والمذهب، يقال أخذ فالن في أساليب من

.)1(القول أي أفانين منهالتي يسلكها المتكلم في تأليف في االصطالح: هو الطريقة الكالمية

كالمه واختيار ألفاظه، أو هو المذهب الكالمي الذي انفرد به المتكلم في تأدية معانيه ومقاصده من كالمه، أو هو طابع الكالم أو فنه الذي انفرد به المتكلم

.)2(كذلك وبناء عليه فالمراد بأسلوب القرآن الكريم:

، فاألسلوب )3( ليف كالمه واختيار ألفاظههو الطريقة التي انفرد بها في تأليس مقتصرا على الكلمات أو المفردات أوالتراكيب التي يتألف منها الكالم، بل هو الطريقة التي صيغت بها هذه المفردات والتراكيب؛ لتجري في سياق متزن، ولتؤدي معان مترابطة، فتتكون منها الجمل الكالمية، واآليات القرآنية في

.)4(اهللا تعالى كتاب

) مادة : سلب.6/319بن منظور (لسان العرب ال )1(

).2/199مناهل العرفان للزرقاين ( )2(

).2/199مناهل العرفان للزرقاين ( )3(

).2/199مناهل العرفان للزرقاين ( )4(

Page 14: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 24 -

المطلب الثاني: اتساق أسلوب القرآن وترابطه:إن فهم كتاب اهللا أمر مهم جدا، وذلك الفهم ال يتأتى إال بالوقوف على اآليات القرآنية، وتدبر معناها، فال بد لفهم اآلية من النظر في سياقها وسباقها

ت، التي تتكون منها ولحاقها، بل ربما يعجز الذهن أحيانا عن فهم بعض الكلماتلك اآليات، ولكن سرعان ما يزول ذلك بمجرد استعراض اآلية بمجملها، ومالحظة األلفاظ السابقة والالحقة لتلك الكلمة، وال غرابة في ذلك، فشدة

بحيث يعجز الذهن عن فهم كلمة بمفردها -الترابط بين ألفاظ اآلية الواحدة ية وجمال معناها يكمن في جملة اآلية كاملة. يعد أمرا معجزا، بل إن رونق اآل -

إذا تأملت ذلك ظهر لك جليا الحكمة من األمر يتدبر آيات كتاب اهللا تعالى، وظهر لك أن سبب النكوص عن الحق، والبعد عنه إنما هو بسبب جمود

m a b c d e fالفكر عن تدبر آيات كتاب اهللا تعالى، g h i j k l m n o p q r st

u v w x y z l :فأشار إلى الردة بعد ٢٥ - ٢٤محمد ،ذكره النغالق القلوب عن التدبر، بل جعل سبحانه التذكر لمن كان ذا لب

_ ~ { | } m y zمتدبر، وعقل متفكر

a b c l :بل لقد أشار سبحانه وتعالى إلى ، ١٩٠آل عمران m Q R S T U V Wأهمية تدبر آيات الكتاب العزيز حيث قال

X Y Z [ \ ] l :٣٧ق ، m b c d e f g h i j l :مع أن الحكمة من إنزاله العمل به، ٢٩ص

ومع ذلك لم يقل ليعملوا به، وإنما أشار على أمر مهم جدا، متى وجد فالعمل تابع له، بل هو الزم من لوازمه، أال وهو التدبر.

في مناسبات اآليات بعضها ومن خالل ما مضى يتضح لك أن للنظر

Page 15: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 25 -

ببعض مزيد فائدة، ال يمكن إدراكها إال بإعمال النظر، وإمعان التدبر، وعمق التفكير، وسعة التأمل لآلية مع يتقدمها وما يلحقها من اآليات، وذلك بدوره يوصلنا إلى فهم مقصد السورة ومغزاها، وقد أشار اإلمام فخر الدين في تفسيره

، قال )1(القرآن مودعة في الترتيبات والروابط بين اآلياتعلى أن أكثر لطائف ارتباط أي القرآن بعضها ببعض حتى يكون «القاضي أبو بكر بن العربي:

كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إال د له حملة لنا فيه، فلما لم نج عالم واحد عمل فيه سورة البقرة ثم فتح اهللا

)2(»ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين اهللا ورددناه إليه انتهى.

).1/5نظم الدرر، للبقاعي ( )1(

. 2/234، علوم القرآن، للسيوطي:1/36الربهان، للزركشي : )2(

Page 16: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 26 -

المطلب الثالث: التعسف والتكلف في إيجاد المناسبة بين اآليات والسور:

قيل إن القول بالتناسب بين جميع اآليات، والبحث عن مناسبات بينها من من اآليات ما ال تحتمل أي رابط بينها، إذ يفرض التعسف والتكلف بمكان، فإن

ذلك سبب النزول، فسبب نزول هذه يختلف تماما عن سبب نزول األخرى، فمن أين يؤتى بالرابط بينهما، وهذا ما ذهب إليه سلطان العلماء عز الدين بن عبد

المناسبة علم حسن، لكن يشترط في حسن ارتباط «السالم إذ يقول ما حاصله: كالم أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم ال

يقع فيه ارتباط، ومن ربط فيه فهو متكلف بما ال يقدر عليه إال ربط بعضه ، وقد خولف هذا القول بآراء أخرى، فإن اختالف أسباب النزول ال )1(ببعض

فرة األسلوب، متباعدة يسوغ مجيء اآليات بال رابط بينها، بحيث تكون متناالمقاصد، بعيدة الهدف، ال قرابة بينها وبين ما حولها من الجمل، بل ال ألفة بين اآليتين، وال وشيجة بين القولين، بل إن مجرد تأمل ذلك في كالم البشر يحمل السامع على االستغراب، ويحمله على انتقاد ذلك األسلوب، ووصمه بالتفكك،

عذوبة صوت المتكلم ال تحول بينه وبين النقد متى ما كانت فإن تنميق الكالم، و أجزاؤه ال رابط بينها، وموضوعاته متباينة ال اتفاق بينها.

بل ال يمنع اختالف أسباب نزول بعض اآليات من وجود رحم بينها، ومناسبات دقيقة خفية، قد يصعب تصورها أو إدراك مغزاها ابتداء، قال

يخنا المحققين: وفصل الخطاب أنها على حسب وقال بعض مشا«الزركشي: الوقائع تتريال، وعلى حسب الحكمة ترتيبا، مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، كما أنزل جملة إلى بيت العزة، ومن المعجز المبين أسلوبه ونظمه الباهر، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو

1/36الربهان، للزركشي : )1(

Page 17: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 27 -

.)1(انتهى »لة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم مستقومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي «قال اإلمام الرازي ما نصه:

بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه لوا إنه معجز بحسب فهو أيضا معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قا

أسلوبه أرادوا ذلك، إال أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف ، وقد ذهب اإلمام القرطبي إلى أن التناسب بين )2(»غير منتبهين لهذه األسرار

آي القرآن جميعها من غير استثناء، تناسبا ظاهرا وباطنا من غير اختالف باب عل من أعظم األسباب التي حملت أولئك على القول ، ول)3(من أبواب اإلعجاز

باإلعجاز في هذا العلم، هو ما يجدون من أثره على زيادة فهم كتاب اهللا تعالى ، يقول البقاعي في مقدمته: )4(وتمكن اإليمان من اللب، ورسوخه في القلب

"من خالل هذا العلم يتمكن المفسرون من تفسير آيات حاروا في تفسيرها ود منها، ومن خالل هذا العلم تعرف سبب تكرار الكثير من القصص والمقص

في عدة مواطن من كتاب اهللا تعالى، وبه تتبين لك الحكمة من التقديم ، وبذلك يتلخص لنا أن لإلعجاز في علم )5(والتأخير، واإلسهاب واالقتضاب"

ني: المناسبات طريقتين األولى: نظم كل جملة بمفردها بحسب تركيبها، والثا .)6(نظمها مع أختها بالنظر إلى ترتيبها بين اآليات

1/37الربهان للزركشي : )1(

البقرة: m h gl تفسري مفاتيح الغيب للفخر الرازي، انظر تفسري قوله تعاىل: )2(

٢٨٥ . ).166مقدمة اإلمام القرطيب، حتقيق حممد طلحة منيار ( )3( ).7-1/6نظم الدرر ( )4( ).9-1/8نظم الدرر ( )5(

).7-1/6نظم الدرر ( )6(

Page 18: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 28 -

المبحث الرابع: التناسب بين اآليات

المطلب األول: تعريف اآلية:لغة: أصلها من أيي بياءين، فقلبت عينها ألفا، فأصبحت آية، وقيل إنها من أوي، من قولها أوى إليه، ويرى الراغب األصفهاني أن الصحيح أنها مشتقة

وهي ،، والمراد باآلية العالمة)1(لتأيي الذي هو التثبيت واإلقامة على الشيءمن ا .)2(في كتاب اهللا تعالى جماعة الحروف

واصطالحا: هي طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل، وأما اآلية فقد قال جمع من العلماء: «والفصل هو آخر اآلية، قال النيسابوري:

ن عبارة عن كالم متصل إلى انقطاعه، وانقطاعه فصال فصال، وال إنها في القرآيخفى توقف اآلية على التعريف، وقال غيرهم معناها العالمة، ألنها تدل على نفسها بانفصال عن اآلية المتقدمة عليها والمتأخرة عنها، وقيل معناها جماعة

ا وراءهم شيئا، حروف، من قولهم خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم ولم يدعو وقيل معناها العجيبة، ألنها عجيبة لمباينتها كالم المخلوقين، من قولهم فالن آية

.)3(»من اآليات

المطلب الثاني: التناسب بين معاني اآليات المتفقة الموضوع في

.102-101 ،ة آياملفردات للراغب، ماد )1(

2/1656 ،فصل اهلمزة ،باب الواو والياء ،القاموس احمليط ،27 ،خمتار الصحاح، مادة أيا )2(

).168-167التيسري للكافيجي ( )3(

Page 19: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 29 -

مختلف سور القرآن:

فال تضاد وال تنافر ،مما ال شك فيه أن القرآن محفوظ بحفظ اهللا تعالىبل كل آية مكملة لآلية األخرى، ال تخالفها وال تضادها، بل توضحها ،ن آياتهبي

وربما ال يفهم معناها إال باجتماع مثيالتها، قال ،وتبينها، وتزيدها تفصيال وبيانا اإلمام الشاطبي:"فيصح في االعتبار أن يكون واحدا بالمعنى المتقدم أي يتوقف

لك أن يبين بعضه بعضا، حتى إن كثيرا منه ال فهم بعضه على بعض بوجه ما، وذيفهم معناه حق الفهم إال بتفسير موضع آخر أو سورة أخرى... فإذا كان كذلك فبعضه متوقف على البعض في الفهم، فال محالة أن ما هو كذلك فكالم واحد

، ومن هنا ألفت )1(فالقرآن واحد، فالقرآن كله كالم واحد بهذا االعتبار"ر التي تفسر القرآن بالقرآن، بل لقد جعل علماء التفسير ذلك نوعا من التفاسي

أنواع تفسير القرآن الكريم، ولشدة االرتباط بين اآليات المتفقة الموضوع، المتباعدة المواقع، وأهمية ربط اآليات بعضها ببعض، ومعرفة نسبة هذه إلى

وإيضاح معناها إال تلك، تجد أن المفسر ال يستطيع الوصول إلى تفسير اآليةبالوقوف على كل ما يدور حولها من آيات، ومحاولة معرفة الرابط بينها؛ ولذلك قعد العلماء للتفسير قواعد، فجعلوا ذلك من تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتفصيل المجمل، ومما يدل على أن القرآن كل ال يتجزأ، أنه ال وقف

ما قبله وبعده، فال يستغنى بجزء اآلية عن كلها، فيه تام منقطع انقطاعا تاما عقال اإلمام البقاعي:"وبه أيضا يتضح أنه ال وقف تام في كتاب اهللا، وال على

بل هي متصلة مع كونها آخر ١الناس: m p q r s lآخر سورة .)2(القرآن بالفاتحة التي هي أوله كاتصالها بما قبلها بل أشد"

.13املسألة: 3/284املوافقات يف أصول الشريعة، للشاطيب: )1(

.1/9نظم الدرر: )2(

Page 20: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 30 -

جميع اآليات التي تتفق موضوعاته؛ تكرار القصص ومن دالئل التناسب بينفي عدة مواضع بدون اختالف أو تضاد، بل تزداد القصة وضوحا بضم اآليات

، ومن ذلك أن يكون ظاهر اللفظ العموم )1(المماثلة لها في مختلف مواضع القرآنوبتتبع المعنى وسبب النزول؛ يظهر لك أن العموم غير مراد، وعكس ذلك أيضا،

ولكن المراد هو وهو كثير في كتاب اهللا تعالى، ومما ورد لفظه خاص بالنبي ، فالقرائن هي ١الطالق: m A B C D E l :العموم قوله تعالى، وبسط ذلك في كتب علوم القرآن، فتحصل مما مضى أن )2(الحاكمة في ذلك

هناك تناسبا بين اآليات المتفقة الموضوع في السور األخرى.

ب الثالث: التناسب بين آيات السورة الواحدة:المطلمن المعلوم أن جمعا كبيرا من العلماء ذهبوا إلى أن إعجاز القرآن يكمن

وهم -وبذلك وقع التحدي للعرب ،وترابط معانيه ،في بالغته وتجانس ألفاظهبأن - من عرفوا بالفصاحة والبالغة، وبلغوا القمة في حسن النظم وجمال النثر

بحديث مثله، والحديث هو عبارة الكالم المترابط المتناسق، المحتوى يأتواعلى معاني جميلة مترابطة، وهذا هو المراد بالبالغة والبيان، بجميع فروعها وأقسامها وأنواعها، فهي تدل على الكالم المرتب، المترابط المعاني المتتابع

بير.األفكار، الذي يحتوي على فنون التصوير، وجمال التعوعلى القول بأن من اآليات ما ال رابط بينها، فال تناسب بينها، والذي حمل القائلين بذلك؛ هو اختالف مذاهب اآليات، وتباعد معانيها، فمثال آيات قصة البقرة ما الرابط بينها وبين ما سبقها وما أعقبها من اآليات، فيقال إن عاقال

).101دي (التقرير يف التكرير، للسيد حممد أبو اخلري أفن )1(

).223 -2/217الربهان للزركشي ( )2(

Page 21: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 31 -

وإن لم يظهر - ب بين سابقها والحقهاال يشك في ارتباط معنوي بينها، وتناس، ذلك أن من عيوب الكالم أن يكون متباين المعاني، متباعد -ذلك لنا

المقاصد، ال رابط بين أوله وآخره وال اتفاق بين مبادئه وخواتمه، ليكون بذلك عبارة عن كالم مقطع األوصال، يغلب عليه الشتات وعدم الموضوعية، بل ربما

فال هدف لكاتبه، ،ذي يسير على ذلك النمط بالتنافر بين جملهيـتهم الكالم الوال فائدة يحوزها القارئ من وراء قراءته، وألهمية شمولية النظر إلى اآليات عند تفسير كالم اهللا تعالى : يقول مسلم بن يسار رحمه اهللا تعالى:"إذا حدثت عن

د الشيخ ولي الدين ، وقد ر )1(اهللا حديثا فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده"المولوي على من ظن أن من اآليات ماال عالقة له بما قبله وما بعده فقال:" وقد وهم من قال: ال يطلب آلية الكريمة مناسبة ألنها على حسب الوقائع المفرقة، وقوله هذا رد فيه على قول اإلمام عز الدين عبد السالم بأن من اآليات في

، قال اإلمام الشاطبي )2("بينها، وطلب المناسبة تكلف السورة الواحد ما ال رابطرحمه اهللا تعالى:"فاعتبار جهة النظم مثال في السورة ال يتم به فائدة إال بعد استيفاء جميعها بالنظر، فاالقتصار على بعضها فيه غير مفيد غاية المقصود،

يد إال بعد كما أن االقتصار على بعض اآلية بالنظر في استفادة حكم ما ال يف .)3(كما في جميعها"

.1/48وانظر عمدة التفسري: البن كثري: ،27إمعان النظر: )1(

).2/235اإلتقان للسيوطي : ( )2(

31إمعان النظر: ،13، املسألة 280-3/279املوافقات: للشاطيب: )3(

Page 22: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 32 -

المطلب الرابع: الوقف واالبتداء وعالقته بترابط المعاني بين الجمل :واآليات

واصطالحا: هو عبارة عن ،الوقف هو: لغة هو الكف عن الفعل والقولقطع الصوت عند آخر الكلمة زمنا ما ؛ يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة ال

.)1(أو هو قطع الكلمة عما بعدها ،هابنية اإلعراض عنوقد ذكر مالزما للوقف ،واالبتداء: المراد به الشروع في قراءة القرآن

. )2(لكون البدء يعقب الوقف دائما وله أثره وفائدته في فهم النص القرآني، وبه يسلم ،وهو علم عظيم القدر

التي تدل داللة واضحة قارئ القرآن من تغيير المعنى المراد، فهو من العلوم على ارتباط معاني كتاب اهللا تعالى، واتصال كلماته وآياته وسوره بعضها ببعض، ووجود مناسبات بينها، فيقوم هذا العلم بدور الحلقات الرابطة بين أطراف

، ولذلك سرعان ما تجد اختالف المعنى بسبب الوقف على موضع )3(الجملماء الوقف االختياري إلى تام وكاف وحسن غير مناسب، ومن هنا قسم العل

وقبيح حسب ما يترتب على الوقف من معاني سائغة صحيحة، أو فاسدة "ففي الوقف واالبتداء الذي دونه العلماء ، قال علم الدين السخاوي:)4(قبيحة

وبه يتهيأ الغوص ،وإظهار فوائده ،وتعريف مقاصده ،تبيين معاني القرآن العظيم

. 8لألمشوين : ،منار اهلدى )1(

وانظـــر كتـــاب أشـــهر املصـــطلحات يف فـــن األداء وعلـــم ،158الطويـــل: ،يف علـــوم القـــراءات )2( .217للحفيان : ،القراءات

).353فنون األفنان: البن اجلوزي ( )3(

1/503الربهان، الزركشي: )4(

Page 23: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 33 -

وقال أيضا:"وقد اختار العلماء وأئمة القراء تبيين معاني ،)1(ائده"على درره وفر ومفصال ،كالم اهللا عز وجل وتكميل معانيه وجعلوا الوقف ومنبها على المعنى

ويتضح منهاج ،ويحصل الفهم والدراسة ،وبذلك تلذ التالوة ،بعضه عن بعضعليهم وعدوا عدم معرفته ، وألهميته فقد تعلمه الصحابة رضوان اهللا )2(الهداية"

خلال ونقصا في معرفة القارئ، فقد روى اإلمام النحاس عن ابن عمر رضي اهللا ،"لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى اإليمان قبل القرآنعنهما قوله:

وتنزل السورة على محمد صلى اهللا عليه وسلم فيتعلم حاللها وحرامها؛ وما ولقد رأيت اليوم رجاال ،ها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآنينبغي أن يوقف عنده من

فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما ،يؤتى أحدهم القرآن قبل اإليمان )3(وينثره نثر الدقل" ،يدري ما أمره وال زاجره وال ما ينبغي أن يوقف عنده منه

كانوا يتعلمون انتهى، قال أبو جعفر النحاس: "فهذا الحديث يدل على أنهم، وقول ابن عمر:"لقد عشنا برهة من دهرنا" يدل )4(كما يتعلمون القرآن" التمام

، وعن أبي هريرة رضي اهللا عنه أن رسول )5(على أن ذلك إجماع من الصحابة""إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، اقرؤوا وال اهللا صلى اهللا عليه وسلم قال:

، )6(مة بعذاب، وال تختموا ذكر عذاب برحمة"ولكن ال تختموا ذكر رح ،حرجقال أبو جعفر:"فهذا تعليم التمام توقيفا من رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بأنه

2/553علم الدين السخاوي : ،مجال القراء )1( 2/554علم الدين السخاوي : ،مجال القراء )2( ).1/12حاس (أليب جعفر الن ،القطع واالئتناف )3( ).1/12أليب جعفر النحاس ( ،أي الوقف، ومسي متاما من متام املعىن. القطع واالئتناف )4( .1/12النحاس: ،القطع واالئتناف )5(

) 1477رقــم احلــديث ( ،باب أنزل القرآن علــى ســبعة أحــرف ،سنن أيب داوود كتاب الصالة )6( ) .30113برقم ( 6/138يبة:وصححه األلباين، وانظر املصنف البن أيب ش ،2/160

Page 24: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 34 -

ويفصل ما بعدها إن ،ينبغي أن يقطع على اآلية التي فيها ذكر الجنة والثواباإلنسان: m u v w x yz l :كان بعدها ذكر النار أو العقاب نحو

، وقد نبه إلي )1(ألنه منقطع عما قبله" m { l :وال ينبغي أن يقول، ٣١ال سيما عند الوقف في جمع )2(هذا المعنى األستاذ أبي الحسن القيجاطي

القراءات لئال يترتب على الوقف معنى فاسد فقال: فتقديس قدوس وتعظيم مرسل

يق برحمةـل عذاب ال يلـووص وتوقير أستاذ حال رعيها عال

)3( فصل مضاف ال يروق فيفصالو هو فن جليل، وبه يعرف «قال اإلمام الزركشي واصفا علم الوقف واالبتداء:

كيف أداء القرآن، ويترتب على ذلك فوائد كثيرة، واستنباطات غزيرة، وبه تتبين ، وقال اإلمام البقاعي )4(»معاني اآليات، ويؤمن االحتراز عن الوقوع في المشكالت

ة اتصال اآليات بعضها ببعض:"وبه أيضا يتضح أنه ال وقف تام في موضحا شدبل هي ١الناس: m p q r s lكتاب اهللا، وال على آخر سورة

.)5(أشد"متصلة مع كونها آخر القرآن بالفاتحة التي هي أوله كاتصالها بما قبلها بل

1/13القطع واالئتناف، النحاس: )1(

هــو األســتاذ أبــو احلســن علــي بــن عمــر بــن إبــراهيم بــن عبــد اهللا الكتــاين القيجــاطي، ولــد ســنة )2(هـــــــــ. غايــــــــة النهــــــــاري، ابــــــــن 730هـــــــــ، وتــــــــويف بغرناطــــــــة يف شــــــــهر ذي احلجــــــــة ســــــــنة 650

558-1/557اجلزري:

2/203. نقلها ابن اجلزري يف النشر. انظر النشر:يف قصيدته التكملة املفيدة )3(

). [طبعة دار احلضارة ]1/492الربهان: الزركشي ( )4(

.1/9نظم الدرر: )5(

Page 25: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 35 -

المطلب الخامس: التناسب بين آيات السورة ذات الكتلة الموضوعية الواحدة:

فكل آياتها ،مما ال شك فيه أن هناك سورا تتحدث عن موضع معينكالتناسب بين ،وتتحدث عن بعض تفاصيله ،تتناول جوانب ذلك الموضوع

فالسورة ،وأمثال ذلك في القرآن كثير ،آيات سورة يوسف ونوح عليهما السالمأو خروجه ،دون انقطاع السياق ،تتحدث من أولها إلى آخرها عن تلك القصة

،بل إن ابتداء القصة كان على نسق ما وقع على أرض الواقع ،عن سرد أحداثهافلم يحصل تقديم أو تأخير، ولم يرد في عرض السورة ألحداث تلك القصة ما يخرجها عن صلب الموضوع، ولم ينتقد أحد آيات تلك السورة بأن فيها من

ابطة متماسكة، ال تشذ آية منها اآليات ما ال يتناسب مع ما سواها، فآياتها متر عن ذلك التماسك واالتفاق، ومن تأمل ذلك لزمه أن يقول بوجود التناسب بين

واهللا أعلم.،آيات سورة يوسف ونوح عليهما السالم وال ينفي أحد وجود التناسب بين آياتهما ألن الروابط ظاهرة لكل قارئ.

ا:المطلب السادس: السورة التي ظهر هدفها من اسمههناك سور أطلق عليها اسم يدل على مقصدها وموضعها الذي تتحدث عنه، ولكن سرعان ما يشعر القارئ عند تالوته لبعض اآليات أنه ال اتصال بينها في المعنى، بل قد يظهر للقارئ بادي الرأي أنها ليس لها عالقة بموضوع

ورة يونس السورة، واسمها الذي يشير إلى قضيتها وهدفها، ومثال ذلك سفقصة البقرة وردت في درج السورة، ومع ذلك فهناك كثير من ،وهود والبقرة

اآليات ال تمت للقصة بصلة، ولكن ال بد أن يكون هناك ارتباط بين هذه القصة وسابقها والحقها، وإال لكان في الكالم عيب ظاهر، هو تفكك في األلفاظ

وعدم ترابطها وكالم اهللا تعالى منزه عن ذلك.

Page 26: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 36 -

المبحث الخامس : التناسب بين السور

المطلب األول: تعريف السورة لغة واصطالحا:تعريف السورة لغة: السورة بالهمز على أنها من السؤرة، وهو ما بقي في اإلناء من الشراب، فكأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمز سهل الهمزة، وقيل

دينة المحيط بها، وذلك هي من السور وهو الحائط، فكأنها مثل سور المإلحاطة السورة باآليات، وقيل بل هي من السورة بمعنى المرتبة، ألن اآليات

.)1(مرتبة ترتيبا متناسبا والسورة هي الطائفة المترجمة توقيفا أي «قال الكافيجي: واصطالحا:

حد السورة: قرآنا يشتمل على آي «، وقال الجعبري: )2(»المسماة باسم خاص .)3(» فاتحة وخاتمة، أقلها ثالث آيا ذي

المطلب الثاني: مراحل جمع القرآن الكريم:وقبل البدء بذكر الخالف في تناسب السور البد من البدء بذكر المرحلة التي نشأ عنها الخالف في ترتيب السور، وهي مرحلة جمع عثمان رضي اهللا

عليه وسلم وعهد أبي عنه للقرآن وما سبقه من جمع في زمن النبي صلى اهللا بكر الصديق رضي اهللا عنه، فنقول إن جمع القرآن لكريم مر بثالث مراحل:

الجمع األول: هو جمع اآليات في سورها، وهذا الجمع ال خالف في

) وانظــــر: لســــان العــــرب وخمتــــار الصــــحاح 1/115)، اإلتقــــان (264 -1/263الربهــــان ( )1( واملفردات للراغب األصفهاين، مادة سور.

).167سري للكافيجي (التيسري يف قواعد علم التف )2(

).1/115اإلتقان، للسيوطي ( )3(

Page 27: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 37 -

كونه من اهللا تعالى، وبأمر النبي صلى اهللا عليه وسلم، وقد كان جبريل عليه إلى النبي صلى اهللا عليه وسلم السالم يحدد مكان اآليات التي ينزل بها

والعرضتين األخيرتين في رمضان بينت الترتيب ،فتوضع في مكانها من السورة .)1(النهائي لآليات في ثنايا السور

الجمع الثاني: جمع أبي بكر الصديق رضي اهللا عنه، وقد اختلف في مضمون هذا الجمع، والمشهور هو أنه جمع القرآن في موضع واحد بأحرفهالسبعة، مرتب اآليات دون السورة، فلم ترتب السور في عهده، وقد جمع

القرآن بين دفتين.الجمــــع الثالــــث: جمــــع عثمــــان رضــــي اهللا عنــــه، وقــــد كانــــت ســــمة جمعــــه للمصحف أنه جعله على لغة قريش، مرتب السور، ونسخة عدة نسخ وفرقــه بــين

رضــي اهللا عنــه هــو عــين ، وذهب اإلمام أبو شامة إلــى أن جمــع عثمــان )2(األمصارجمــع أبــي بكــر الصــديق رضــي اهللا عنــه، والــذي زاد فيــه علــى مــن ســبقه هــو أنــه

"قلنا إن جمــع عثمــان هــو عــين جمــع حمل الناس عليه، مع ترتيب السور، فقال:، يقــول )3(أبو بكر، ولم يكن لعثمان فيه إال حمــل النــاس عليــه مــع ترتيــب الســور"

على هذا الترتيب في مصحف واحد ناسخا لهــا "وعثمان جمع السورة :أبو شامة .)4(من مصحف أبي بكر"

67املرشد الوجيز: )1(

1/378الربهان: )2(

76املرشد الوجيز: )3(

75املرشد الوجيز: )4(

Page 28: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 38 -

المطلب الثالث: الخالف في ترتيب السور: اختلف العلماء في ترتيب السور:

القول األول: أن ترتيب السور توقيفي: واستدلوا على أن ترتيب السور توقيفي بقول عثمان رضي اهللا عنه لما

، ورجح )1(يا ابن أخي ال أغير شيئا من مكانه"سئل عن ترتيبه للمصحف قال:" m O P Q ، واستدل على ذلك بتفسير قوله تعالى)2(هذا القول اإلمام الزركشي

R S T l :فقال:"أي اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم ٤المزملوال تأخير، وجاء النكير على من قرأه معكوسا، ولو حلف رجل أن يقرأ القرآن

الترتيب لم يلزم إال على هذا الترتيب، ولو نزل القرآن جملة واحدة كما على، وقد ثبت عن ابن مسعود رضي اهللا عنه )3(اقترحوا عليه لنزل على هذا الترتيب"

أنه أنكر التنكيس في قراءة القرآن، وذم من يفعل ذلك فقال:"ذاك منكوس ا إلى أولها، ورأى ، والتنكيس يصدق على قراءة السورة من آخره)4(القلب"

آخرون أنه يشمل أيضا قراءة السورة المتأخرة قبل المتقدمة.ومن األدلة على أن ترتيب السور توقيفي ثابت عن النبي صلى اهللا عليه

، )5(أنه عليه الصالة والسالم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السالم ،وسلم

٢٣٤البقرة: m A B C lباب قوله تعــاىل ،كتاب التفسري ،صحيح البخاري )1( . 822-821ص:

1/38الربهان: )2(

1/382الربهان: )3(

وانظر كنــز العمــال : ،3/248باب قراءة القرآن بلحون العرب، ،مع الزوائد ومنبع الفوائدجم )4( وقال :"رواه الطرباين ورجاله ثقات". ،2/346

=باب كان النيب صــلى اهللا عليــه وســلم أجــود بــاخلري مــن الــريح ،كتاب الفضائل ،صحيح مسلم )5(

Page 29: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 39 -

،لمه من جبريل عليه السالمتع ،وعرضه للقرآن البد أن يكون على ترتيب معينوبالتالي سيقرئ عليه الصالة والسالم أمته على نسق ذلك ،أو أقره عليه

وعليه فإن ما قام به الصحابة من ترتيب سور القرآن إنما كان على ،الترتيبمنبعثا من هدي المصطفى صلى اهللا عليه وسلم المبني على عرضه على جبريل

.)1(عليه السالم :ني: أن ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة القول الثا

هو الذي يحتمل أن النبي «وإليه ذهب اإلمام أبو بكر الباقالني فقال: رجح ، ثم)2(»أمر بترتيبها كذلك، ويحتمل أن يكون اجتهاد من الصحابة

بعده، ولم يقل ذلك على األمة أن يكون قد وكل ويمكن«فقال: الثاني االحتمال، ورجح )3(»وأن هذا القول الثاني أقرب وأشبه أن يكون حقا.. ه ذلك بنفس

ابن عطية أن ترتيب بعض سور القرآن لم يكن عن توقيف وإنما باشر ذلك زيد وظاهر «بن ثابت وعثمان بن عثمان رضي اهللا عنهما في صورته النهائية فقال: ا

وكان ن النبي األثر أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كانت مرتبة في زم، وقال ابن )4( من السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت كتابة المصحف

جزي الكلبي:"فترتيب السور على ما هو اآلن من فعل عثمان وزيد بن ثابت ، وذلك ضعيف سول اهللا ر والذين كتبوا معه المصحف، وقد قيل إنه من فعل

.1018ص ،)2308برقم ( ،املرسلة =

.68املرشد الوجيز: ،73إمعان النظر: )1(

).1/86التحرير والتنوير ( )2(

1/60االنتصار للقرآن: )3(

).1/86التحرير ( )4(

Page 30: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 40 -

ا القول مال اإلمام أبو الحسن أحمد ، وإلى هذ)1(ترده اآلثار الواردة في ذلك"بن فارس فقال:"جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تواله الصحابة رضوان اهللا

.)2(عليهم"وقد استنكر هذه القول جمع من العلماء، لما يؤدي إليه من خالف كبير

بة في ترتيب القرآن الكريم، وقد ظهر االختالف جليا في مصاحفهم بين الصحاقبل جمع عثمان رضي اهللا عنه، فمنهم من رتبه على تاريخ النزول، فقدم المكي

لي رضي اهللا عنه في على المدني، ومنهم من جعل أوله سورة العلق، كما فعل عمصحفه، وبدأ ابن مسعود رضي اهللا عنه مصحفه بالفاتحة ثم البقرة ثم النساء، وأبي بن كعب رضي اهللا عنه بدأ مصحفه بالفاتحة ثم النساء ثم آل عمران ثم

، بل ذهب بعض السلف إلى عدم صحة )3(األنعام، ثم األعراف ثم المائدةبن سيرين أنه قال:"تطلبت ذلك الخبر عن تلك المصاحف، روي عن محمد

، وقد تتبع جمع من العلماء )4(الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه"الروايات التي ذكرها السيوطي إلثبات أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف خالفت مصحف عثمان رضي اهللا عنه في ترتيب السور، أنها روايات ال يجزم

، )5(تب لم يلتزم مؤلفوها الصحة فيما يروونه فيهابصحتها لكونها واردة في ك"ومن وقد أثار اإلمام الباقالني إشكاال يقع لمن رتب القرآن ترتيبا زمنيا، فقال:

1/4التسهيل لعلوم التنزيل: )1(

1/381الربهان: )2(

1/136اإلتقان: ،1/383الربهان: )3(

75إمعان النظر: ،1/58اإلتقان: )4(

74إمعان النظر: ،20تقرير جلنة كلية أصول الدين جبامعة األزهر: )5(

Page 31: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 41 -

نظم السور على المكي والمدني لم يدر أين يضع الفاتحة، الختالفهم في .)1(موضع نزولها"

ليهم في ترتيب وقد عزا بعض العلماء اختالف الصحابة رضوان اهللا عمصاحفهم ومخالفته لترتيب مصحف عثمان رضي اهللا عنه هو أن عثمان رضي اهللا عنه رتب المصحف على ما ثبت عليه في العرضة األخيرة، وهو الترتيب

، و رآى آخرون أن )2(الذي رتب عليه زيد بن ثابت رضي اهللا عنه مصحفه عليهلعرضة األخيرة، فلما علموا بترتيبه هذا الخالف كان قبل أن يعلموا بترتيبه على ا

في العرضة األخيرة تركوا ما كانوا عليه من ترتيب السور، وأخذوا بترتيب زيد بن ، ووجه اإلمام الزرقاني هذا االختالف إلى )3(ثابت الذي حضر العرضة األخيرة

كونها مصاحف فردية خاصة بهم، فلم يثبتوا فيها من اآليات إال ما بلغهم علمهم، فسطروه في مصاحفهم، والدليل على ذلك كونهم لم يمحوا ووصل إلى

بعض اآليات المنسوخة، ولم يكتبوا بعض اآليات لكونهم استظهروها وحفظوها عن ظهر قلب، فلم يكتب ابن مسعود رضي اهللا عنه سورة الفاتحة في مصحفه، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان يكتب تفسير بعض اآليات في مصحفه الخاص

، فمصاحفهم ال تعدوا أن تكون كتبا خاصة يسطرون فيها ما يبلغهم من )4(بهاآليات ويحتاجون إلى مراجعته، وليس مصحفا عاما معتبر الترتيب، فترتيبهم لمصاحفهم ينطلق من منهجية خاص بكل فرد منهم، يدون فيه ما يحتاج إلى

تدوينه من آيات أو تفسير .

1/382الربهان: )1(

1/378الربهان: )2(

1/353مناهل العرفان: )3(

1/353مناهل العرفان: )4(

Page 32: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 42 -

ر باجتهاد الصحابة المعتمد على ترتيب القول الثالث: أن ترتيب السو في قراءته وتحزيبه. النبي

القول الرابع: أن أقسامه اإلجمالية وهي السبع الطوال والمئين والمثاني ، ولكن ترتيب السور في كل قسم كان والمفصل مرتبة على ترتيب النبي

لة بن األسقع ، ومن أبرز األدلة على ذلك ما روي عن واث)1(باجتهاد من الصحابةرضي اهللا عنه أن النبي صلى اهللا عليه وسلم قال: (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان اإلنجيل المثاني،

، قال اإلمام أبو جعفر النحاس:"وهذا الحديث يدل على )2(وفضلت بالمفصل)عليه وسلم، وأنه مؤلف من ذلك أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى اهللا

الوقت، وإنما جمع في المصحف على شيء واحد ألنه قد جاء هذا الحديث .)3(بلفظ رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم على تأليف القرآن .."

القول الخامس: أن ترتيب السور كان توقيفيا عدا سورتي األنفال والتوبة كان ترتيبها باجتهاد منهم:

ول مال أبو جعفر بن الزبير ولكنه لم يحدد ما الذي تم وإلى هذا القترتيبه من القرآن وما الذي كان مرتبا، مع أنه جزم بأن الذي تم تريبه باجتهاد هو قدر يسير من القرآن، ويريد بالقليل الذي رتب باجتهاد هو ما سوى الحواميم

ى مجموعات معينة والسبع الطوال والزهراوين وغيرها من السور التي ال ينظم إل .)4(متناسبة

. باجتهاد الصحابة على ما مسعوه من رسول اهللا )1(

.381- 1/380الربهان: ،2/368، الرتغيب والرتهيب:7/46، جممع الزوائد:5/78املسند: )2(

1/7لنحاس : ل ،القطع واالئتناف )3(

. 12أسرار ترتيب السور : )4(

Page 33: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 43 -

وذهب ابن عطية إلى أن كثيرا من السور قد علم ترتيبها في حياة النبي كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وأن ما سوى ذلك قد فـوض األمر فيه إلى

عوف األمة، والدليل على معرفتهم لذلك التقسيم تلك الفئات من السور، فعن قـلت لعثمان بن عفان ما :قال لنا ابن عباس رضي الله عنه :ال عن يزيد ق

فال وهي من المثاني وإلى بـراءة وهي من حملكم على أن عمدتم إلى األنـنـهما ولم تكتبوا قا تم بـيـ نـهما سطرا بسم الله الرحمن المئين فـقرنـ ل ابن جعفر بـيـ

، قال الزرقاني:"وعلى فرض صحة )1(الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال الحديث يقال: إن عثمان رضي اهللا عنه أجاب بذلك قبل أن يعلم التوقيف في

.)2(ترتيبها""واعلم أن القرآن كان مجموعا في األثر: قال البيهقي معلقا على هذه

صدور الرجال أيام حياة النبي صلى اهللا عليه وسلم، ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده ونقرأه إال سورة براءة فإنها كانت من آخر ما نزل من القرآن ولم يبين

ألصحابه موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها رسول اهللا .)3(ة رضي اهللا عنهم باألنفال..."الصحاب

وعلى فرص رجحان هذا القول فإن معرفتهم لهذا الترتيب العام يدل على

)، قـــال 3011)، الرتمـــذي، تفســـري القـــرآن رقـــم (376مســـند اإلمـــام أمحـــد مســـند العشـــرة ( )1(الرتمذي: "حديث حســن غريــب ال يعــرف إال مــن طريــق يزيــد الفارســي عــن ابــن عبــاس رضــي

نفــرد بــه يف ترتيــب اهللا عنهمــا، ويزيــد جمهــول احلــال، فــال يصــح االعتمــاد علــى حديثــه الــذي ا . انظر حتقيق سليم اهلاليل.226-225القرآن"، فهو حديث منكر. كتاب املصاحف:

1/354مناهل العرفان: )2(

61املرشد الوجيز: ،1/280سنن أيب داود: ،2/42السنن الكربى : )3(

Page 34: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 44 -

ولم يكن من واقع أنهم رتبوا سور القرآن على ما عرفوا من ترتيب النبي وما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت والء، «، قال السيوطي: )1(أهوائهم

ترتب المسبحات والء، بل فصل بين سورها، وفصل بين وكذا الطواسين، ولممع أنها أقصر منهما، ولو كان - النمل-طسم الشعراء وطسم القصص بطس

الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات والء، وأخرت طس عن القصص، والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إال

سورا والء على أن ترتيبها كذلك، نفال، وال ينبغي أن يستدل بقراءته براءة واألوحينئذ فال يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران، ألن ترتيب السور في

.)2(القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز"وانطالقا من اإليمان بحفظ اهللا تعالى لهذا الكتاب، فإنه من تمام الحفظ

ال يترك فيه مجال الجتهاد مجتهد، فاجتهاد الخلق مظنة لالنتقاد والنقص، واهللا أ قد حفظ كتابه من جميع ذلك.

أن الترتيب الحالي قريب جدا من الترتيب الذي - واهللا أعلم-ويظهر لي والدليل على ذلك ما ثبت من ،إن لم يكن مطابقا له تماما ،اعتمده النبي

كان تحزيبه للقرآن ن كتاب اهللا تعالى، فقد ورد أن النبي معرفة حزبه اليومي مموافق لترتيب القرآن على ما هو عليه اليوم، وإن لم يكن موافقا لترتيب سورة فهو ال شك متفق معه في ترتيب األقسام والعامة كالسبع القوال وحزب المفصل

عليهم، وأمره والحواميم، وهذا التحزيب هو ما كان عليه الصحابة رضوان اهللا، وحسن الظن بالصحابة )3(من سأله في كم يقرأ القرآن فأمره أن يقرأه في سبع

.1/87التحرير والتنوير: )1(

.11ر القرآن :)، ووافقه البيهقي . أسرار ترتيب سو 1/138اإلتقان ( )2(

).4664البخاري برقم ( )3(

Page 35: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 45 -

رضوان اهللا عليهم يحملنا على القول بأنه من غير المعقول أن يكونوا قد رتبوا ،القرآن على ما أملته عليهم أهواؤهم ورغباتهم، دون رجوع إلى سنة النبي

،ومما يدل على توخيهم ما كان عليه ، وهم من هم في تتبع خطاهمرتبة، وتحسسهم لما اعتاده في تالوته، أنهم رتبوا السور التي تالها النبي

، قال اإلمام الزركشي رحمه اهللا )1(معتمدين على ما ثبت في العرضة األخيرةلترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر «تعالى: يم، أحدها بحسب الحروف، كما في الحواميم، وثانيها لموافقة أول عن حك

السورة آلخر ما قبلها، كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة، وثالثها للوزن في اللفظ، كآخر تبت وأول اإلخالص، ورابعها لمشابهة جملة السورة لجملة

د تناسب ، وهذا الترتيب مبني على وجو )2(األخرى، مثل والضحى وألم نشرحبين السورتين، سواء ظهر ذلك الوجه أم ال، ومن حكم تقسيم القرآن على سور

ومنها أن التفصيل بسبب تالحق األشكال «ما أورده الزركشي حيث قال:والنظائر ومالءمة بعضها لبعض، وبذلك تتالحظ المعاني والنظم، إلى غير ذلك

.)3(»من الفوائدكترتيب اآليات، أكثر وقيفي عن النبي وقد ذهب إلى أن ترتيب السور ت

فاتساق السور كاتساق اآليات والحروف، «العلماء، قال أبو بكر بن األنباري: عن رب العالمين، فمن أخر سورة مقدمة أو فكله عن محمد خاتم النبيين

، وقال )4(قدم سورة مؤخرة كمن أفسد نظم اآليات وغير الحروف والكلمات

. 177سنن القراء للقاري : )1(

).1/260الربهان ( )2(

).1/265الربهان ( )3(

).173التيسري للكافيجي ( )4(

Page 36: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 46 -

ترتيب السور هكذا هو عند اهللا في اللوح المحفوظ «برهان: الكرماني في الأنزل القرآن أوال جملة واحدة من اللوح «، وقال الطيبي: )1(»على هذا الترتيب

المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب المصالح، ثم أثبت في ب وذلك الترتي »المصحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ

على ما ثبت في العرض األخيرة التي لم تبلع الصحابة الذين خالف ترتيب ولربما وافق ترتيبهم ترتيب القرآن قبل ،مصاحفهم ترتيب مصحف عثمان

.)2(العرضة األخيرة التي لم تبلغهموعلى أية حال فإن الخالف بين مصحف عثمان ومصحف ابن مسعود

مع مصحف عثمان على الترتيب العام وأبي بن كعب يسير وذلك أنهما اتفقا فكلها بدأت بالسبع الطوال ثم المئين ثم المثاني ثم المفصل... وعليه فإن

، قال ابن )3(الخالف بينهم كان في ترتيب سور كل نوع من تلك األنواع السابقةبالوحي ... وقد حصل كان مواضعها إنما اآليات ووضع السور ترتيب«الحصار:

،ل المتواتر بهذا الترتيب من تالوة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلماليقين من النق، قال أبو علي )4(»ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف

كان جبريل يوقف "، وقال الداني: )5(»القرآن كله كالسورة الواحدة«الفارسي: عن ، وفي المستدرك )6(على موضع اآلية، وعلى موضع السورة" رسول اهللا

. 11-10أسرار ترتيب سور القرآن : )1(

. 141مقدمة تفسري القرطيب : )2(

.14أسرار ترتيب السور للسيوطي : )3(

80إمعان النظر: ،1/62اإلتقان: )4(

.1/27التحرير والتنوير: ، 11مراصد املطالع للسيوطي : )5(

.1/86التحرير: )6(

Page 37: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 47 -

،)1(»نؤلف القرآن من الرقاع كنا عند رسول اهللا «زيد بن ثابت أنه قال: أقول: واألثر يحتمل أنهم كانوا يؤلفون السور ويرتبونها.

وفصل «ورجح كون السور مرتبة بالوحي الشيخ ولي الدين الملوي فقال: الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيال وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيال

كما فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة كلها وآياته بالتوقيف .)2(أهـ »أنزل جملة على بيت العزة

ومما يدل عليه إجماعهم على هذا الترتيب، ولم يخالف فيه أحد، لتمسك أولئك الذين خالف ترتيب مصاحفهم الحالي ولكنهم عدلوا عن ذلك

، ويؤيد هذا الرأي حديث حذيفة )3(ترتيبه ووافقوا عثمان رضي اهللا عنه على: طرأ علي حزب من القرآن فأردت وفيه قال: (فقال لنا رسول اهللا الثقفي

قلنا: كيف تحزبون أن ال أخرج حتى أقضيه، قال فسألنا أصحاب رسول اهللا القرآن؟ قالوا: نحزبه ثالث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى

،)4(عشرة سورة، وحزب المفصل من قاف حتى يختم) عشرة سورة وثالثةمع «، قال الزركشي: )5(واستنبط ابن حجر من هذا األثر ترتيب القرآن توقيفي

قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم واجتهادهم ليس ابتداعا من عندهم ولكنه ويفسر ذلك ما رواه ابن وهب عن ،فال تضاد بين قوليه تتبع لترتيب النبي

سليمان بن بالل قال سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل

. 2/229كتاب التفسري : ،املستدرك للحاكم )1(

.2/235اإلتقان: )2(

.174-173التيسري للكافيجي: )3(

).1335)، وابن ماجة رقم (1185سنن أيب داود، كتاب الصالة رقم ( )4(

.13سرار ترتيب سور القرآن : أ )5(

Page 38: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 48 -

وألف قد قدمتا«قبلهما بضع وثمانون سورة وإنما نزلتا بالمدينة؟ فقال ربيعة:فهذا مما ننتهي إليه ،وقد أجمعوا على العلم بذلك ،القرآن على علم ممن ألفه

قرآن الكريم تعلم أن الرهط الذين ، وبتأمل يسير لترتيب ال)1(»وال نسأل عنهباشروا كتاب المصحف في جمع عثمان رضي اهللا عنه لم يختلفوا في ترتيب المصحف، بل لم يخالفهم من الصحابة سوى عدد يسير كعلي وأبي بن كعب وابن مسعود، ومع ذلك لم يتشبثوا برأيهم بل نزلوا على رأي الرهط الذين باشروا

را مخالفا للدين مخالفة عظيمة لكانوا أشد تمسكا نسخ المصحف، ولو كان أم، وبتساؤل يسير يتضح األمر، ويزداد جالء، وهو هل كان النبي )2(وثباتا على الحق

صلى اهللا عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل العرضة األخيرة بدون ترتيب، أم قال ،رة الناسكان يعرضه عليه مرتب اآليات والسور من أول الفاتحة إلى آخر سو

اإلمام السيوطي: "قلت وما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت والء وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات والء، بل فصل بين سورها، وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها اقصر منها، ولو كان الترتيب اجتهاديا

.)3(صص"الق لذكرت المسبحات والء وأخرت طس عن

80إمعان النظر: ،1/136اإلتقان: ،140مقدمة تفسري القرطيب احملققة : )1(

78إمعان النظر: )2(

76إمعان النظر: ،72أسرار ترتيب السور: ،1/63اإلتقان: )3(

Page 39: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 49 -

المطلب الرابع: التناسب بين السور:إذا ثبت ذلك فالبد أن نؤمن بأن هذا الترتيب التوقيفي صادر عن حكمة بالغة هللا سبحانه وتعالي في هذا الترتيب، فلم يكن ترتيب السور خبط عشواء، بل كان لحكمة بالغة، يقول اإلمام الزركشي:"لترتيب وضع السورة في المصحف

"ويدل عليه ، وقال رحمه اهللا:)1(ع على أنه توقيفي صادر عن حكيم"أسباب تطلأن هناك عالقة ومناسبة بين افتتاح السورة وخاتمة السورة التي قبلها كالمناسبة

وبداية سورة قريش ٥الفيل: m w vl بين نهاية سورة الفيل mA B l :وقد اجتهد العلماء في محاولة التنقيب عن )2(" ١قريشالحكمة، وذلك لعلمهم اليقيني بأن بين السور عالئق ومناسبات خفية تلك

تربط بعض السور ببعض، وذلك من تمام تأمل وتدبر كتاب اهللا تعالى، "والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو

، وهكذا مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جم ، قال اإلمام )3(في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له"

الفراهي:"مرادنا بالنظام أن تكون السورة وحدة متكاملة ثم تكون ذات مناسبة بالسور السابقة والالحقة، أو بالتي قبلها أو بعدها، على بعد ما كما قدمنا في

يات ربما تكون كالجملة المعترضة نظم اآليات بعضها مع بعض فكما أن اآلفكذلك السور قد تكون كالجملة المعترضة، وعلى هذا األصل ترى القرآن كله

، فنهاية )4(كالما واحدا ذا مناسبة وترتيب في أجزائه من األول إلى اآلخر..."

76إمعان النظر: ،1/383الربهان: )1(

1/186الربهان: )2(

30إمعان النظر: ،1/37الربهان: )3(

25-24إمعان النظر: )4(

Page 40: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 50 -

كل سورة يتناسب مع مطلع السورة التالية، ويقرر ذلك اإلمام الزركشي ت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لم ختم به السورة بقوله:"وإذا اعتبر

، فالقرآن كالجملة الواحد في ترابط آياته وسوره، والبد أن تكون لهذه )1(قبلها"الروابط مناسبات مقصودة، ويشير إلى ذلك اإلمام الزملكاني فيقول:"وإذا ثبت

بعض، بل عند التأمل هذا بالنسبة إلى السورة فما ظنكم باآليات وتعلق بعضها ب، ولعلم المناسبات والبحث عنها فائدة )2(يظهر أن القرآن كله كالكلمة الواحدة"

عظيمة فهي تزيد القارئ تدبرا وعمقا في فهم كتاب اهللا تعالى، وإلى ذلك أشار اإلمام البقاعي فقال:"وعلى قدر غموض المناسبات بان وضوحها بعد

ية بقوله:"كلما دق النظر في المعاني عظم عند ، ويزيد األمر أهم)3(انكشافها"، ومن تلك المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى إمعان النظر، )4(موقع اإلعجاز"

وإعمال العقل تأمل الروابط والمناسبات بين اآليات، فهي جانب من جوانب اإلعجاز التي ضمنها المولى سبحانه وتعالى كتاب العزيز، "قال األصفهاني: فإن

.)5( رآن معجز والركن األبين من اإلعجاز يتعلق بالنظر والترتيب"الق

1/19نظر الدرر: )1(

29، إمعان النظر:1/39الربهان: )2(

33إمعان النظر: ،12-1/6نظم الدرر: )3(

1/7نظم الدرر: )4(

30إمعان النظر: ،1/37الربهان : )5(

Page 41: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 51 -

الخاتمــــــةالحمد هللا أعانني على إتمام هذا البحث المتواضع، على ما فيه من قصور وضعف، وذلك ناشئ من قلة المؤلفات فيه، وقلة من تطرق إليه ممن

ث في كثير من ألف في علوم القرآن ولعل الناظر إليه يالحظ اعتماد البحأجزائه على التأمل واالستنباط، والربط المستمر بين اإلعجاز والبالغة، لما بينهما من اتصال وثيق، وتماسك ظاهر، ومن خالل هذا البحث المتواضع

خلصت إلى النتائج التالية: وال خالف في ،أوال: أن ترتيب آيات القرآن الكريم توقيفي بفعل النبي

اء.ذلك بين العلمثانيا: أن ترتيب آيات الكتاب العزيز متضمن لإلعجاز، فال تخلوا آية من كتاب اهللا تعالى إال وبينها وبين سابقها والحقها ترابط وثيق، واتصال عميق، وما

لم تظهر لنا مناسبته فال تنفي المناسبة بينه وبين سابقه والحقه من اآليات.وهو ما ،عليه جمع كبير من العلماءثالثا: أن ترتيب السور توقيفي هو ما

ترجح لدي من خالل هذا البحث وإن كان الذي باشر الترتيب الصحابة لكنهم .رتبوه على ما شاهدوه من فعل النبي

رابعا: أن هناك تناسبا بين سور القرآن الكريم، وترابطا نص عليه بعض ا في كل موضع فال علماء التفسير واإلعجاز . وإن لم يظهر محل اإلعجاز لن

ينفي وجوده.خامسا: أن إعجاز القرآن الكريم شامل لكل أجزائه، فال تنقضي عجائبه، بل هو متجدد على مدار الزمان، ال تفني معارفه، وال منتهى لعلومه وفوائده

ودرره.

Page 42: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 52 -

وأخيرا .. فإن الباحث مجبول على الخطأ والخلل، وما نتج عنه فهو ، وكل ما كان من عند غير اهللا تعالى ففيه اختالف عرضة لذلك النقص والضعف

كثير، ونقص عظيم، ومن تأمل ذلك غفر الزلة، وسد الخلل وما كان فيه من خير وصواب فهو من اهللا.

األجر؛ إنه ولي ذلك والقادر ي ني أسأل اهللا تعالى أن يشرك والدثم إ عليه، وصلى اهللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Page 43: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 53 -

فهرس المصادر والمراجع .القرآن الكريم اإلتقان في علوم القرآن: للعالمة أبي الفضل جالل الــدين عبــد الــرحمن أبــي

هــــ، دار الكتـــب العلميـــة، بيـــروت، لبنـــان، الطبعـــة 911بكـــر الســـيوطي ت: م. 1991 -هـ1411الثانية

أشــهر المصــطلحات فــي فــن األداء وعلــم القــراءات، تــأليف أحمــد محمــودــــد ــــروت عب ــــة، بي ــــب العلمي ــــان، دارك الكت ــــان، الطبعــــة –الســــميع الحفي لبن

م.2001 -هـ 1422األولى، عام

االنتصـــار للقـــرآن لإلمـــام أبـــو بكـــر بـــن الطيـــب البـــاقالني تحقيـــق د/ محمـــد هـ.1422) 1عصام القضاة، دار ابن حزم، دار الفتح، بيروت، لبنان، (ط

ة، صــيدا، بيــروت، تحقيــق: أسرار ترتيب الســور: للســيوطي، المكتبــة المصــري م.2004 -هـ1425رضا فرح السهامي، الطبعة

،البرهــان فــي علــوم القــرآن: لإلمــام بــدر الــدين محمــد بــن عبــد اهللا الزركشــيهـــ، دار الجيــل، بيــروت، 1408تحقيق: محمد أبــو الفضــل إبــراهيم، الطبعــة

لبنان. الزركشــي، البرهــان فــي علــوم القــرآن : لإلمــام بــدر الــدين محمــد بــن عبــد اهللا

م.2006 -هـ 1427تحقيق الدكتور زكي محمد أبو سريع، الطبعة األولى

التســهيل لعلــوم التتريــل: للشــيخ اإلمــام العالمــة الحــافظ المفســر محمــد بــنهــــ، دار الكتـــب العلميـــة، 1403بـــن جـــزي الكلبـــي، الطبعـــة الرابعـــة اأحمـــد

بيروت، لبنان.

Page 44: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 54 -

يــر أفنــدي الشــهير بــابن عابــدين، التقريــر فــي التكريــر: للســيد محمــد أبــو الخ هـ، مكتبة الغزالي، دمشق، مناهل العرفان، بيروت.1413الطبعة األولى

التيســــير فــــي قواعــــد علــــم التفســــير: لإلمــــام العالمــــة محمــــد بــــن ســــليمانهـــ، 1410الكافيجي، تحقيــق: ناصــر بــن محمــد المطــرودي، الطبعــة األولــى

دار القلم، دمشق، ودار الرفاعي، الرياض. مكتبــة المعــارف ،للشــيخ محمــد ناصــر الــدين األلبــاني ،لسلســلة الصــحيحةا

م.1995 -هـ 1415 ،طبعة بدون ،الرياض ،للنشر والتوزيع

سنن أبــي داود: لإلمــام الحــافظ أبــي داود ســليمان بــن األشــعث السجســتاني هـ، تعليق عزت عبيد الدعاس .275 -202األزدي ت:

ـــ ـــاح القـــاري، ســـنن القـــراء ومنـــاهج المجـــودين: د/ عب ـــن عبـــد الفت ـــز ب د العزي هـ، مكتبة الدار، المدينة المنورة.1414الطبعة األولى

،صحيح البخاري المضمن فتح الباري: لإلمام محمد بن إسماعيل البخــاريهـــ، دار الريــان، 1409ترقيم الشيخ محمد فــؤاد عبــد البــاقي، الطبعــة الثانيــة

القاهرة. لم بــــــن الحجــــــاج القشــــــيري لإلمــــــام أبــــــي الحســــــين مســــــ ،صــــــحيح مســــــلم

م.2002 -هـ 1423الطبعة األولى ،دار ابن حزم ،النيسابوري

ضـــمن كتـــاب جمـــال ،كتـــاب: علـــم االهتـــداء فـــي معرفـــة الوقـــف واالبتـــداءالقــراءة وكمــال اإلقــراء لعلــم الــدين علــي بــن محمــد الســخاوي المتــوفى ســنة

مكـــــة –مكتبــــة التـــــراث ،م1987 -هــــــ 1408الطبعـــــة األولــــى ،هـــــ643 المكرمة .

Page 45: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 55 -

فنون األفنان في عيون علوم القرآن: لإلمام العالمة أبــي الفــرج عبــد الــرحمنـــن الجـــوزي ت: ا ـــر، الطبعـــة 597ب ـــق: د/ حســـن ضـــياء الـــدين عت هــــ، تحقي

هـ، دار البشائر اإلسالمية، بيروت، لبنان.1408األولى الفوائــد المشــوق إلــى علــوم القــرآن وعلــم البيــان، البــن قــيم الجوزيــة، عــالم

الكتب، بيروت، الطبعة بدون.

القــاموس المحــيط: للعالمــة النحــوي مجــد الــدين محمــد بــن يعقــوب الفيــروزهـــــــ، دار إحيــــــاء التــــــراث، 1417الطبعــــــة األولــــــى ،هـــــــ 817آبــــــادي ت :

ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان. ــأليف اإلمــام أبــو جعفــر أحمــد بــن محمــد بــن إســماعيل ،القطــع واالئتنــاف ت

تحقيـــق د. عبـــد الـــرحمن بـــن إبـــراهيم المطـــرودي، ط بـــدون، عـــام النحـــاس، م]1992 -هـ 1413

كتاب المصاحف، ألبي بكر عبد اهللا بــن ســليمان بــن األشــعث السجســتانيالناشــر دار غــراس ،تحقيــق أبــي أســامه ســليم الهاللــي ،الشهير بابن أبي داود

م.2006 -هـ 1427للنشر، الطبعة األولى، نظور، مكتبة دار البــاز مكــة، دار إحيــاء التــراث العــالي، لسان العرب: البن م

م.1993 -هـ1413الطبعة الثانية، ،ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت ) هـــ)، الطبعــة الثانيــة 711-630لســان العــرب: لإلمــام العالمــة ابــن منظــور

هـ، دار إحياء التراث، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان.1413 لقــــرآن: د/ صــــبحي الصــــالح، الطبعــــة السادســــة عشــــرة مباحــــث فــــي علــــوم ا

م، دار العلم للماليين، بيروت، لبنان.1985

Page 46: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 56 -

مباحــــث فــــي علــــوم القــــرآن: للشــــيخ منــــاع خليــــل القطــــان، الطبعــــة األولــــى هـ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.1413

،مختار الصحاح: للشــيخ اإلمــام محمــد بــن أبــي بكــر بــن عبــد القــادر الــرازيهـــ، المكتبــة 1418حقيــق: األســتاذ يوســف الشــيخ محمــد، الطبعــة الثالثــة ت

العصرية، صيدا، بيروت.

المرشــد الــوجيز إلــى علــوم تتعلــق بالكتــاب العزيــز، لإلمــام شــهاب الــدين عبــدهـــ، 665الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بأبي شامة المقدسي ت:

هـــ 1395الطبعة بــدون عــام ،بيروت –تحقيق طيار آلتي قوالج، دار صادر م.1975 -

ـــــد اهللا الحـــــاكم النيســـــابوري ،المســـــتدرك علـــــى الصـــــحيحين ـــــي عب دار ،ألب الطبعة بدون. ،لبنان ،بيروت ،المعرفة

توزيع مكتبــة دار البــاز ،أبي عبد اهللا الشيباني ،مسند اإلمام أحمد بن حنبل، ـــي ،مكـــة المكرمـــة ـــاء التـــراث العرب ـــان ،دار إحي ـــة الط ،بيـــروت ـ لبن بعـــة الثاني

م.1993 -هـ 1414

لإلمام أبي بكر عبد اهللا بــن محمــد ،الكتاب المصنف في األحاديث واآلثاراعتنــى بــه محمــد عبــد ،هـــ235بــن أبــي شــيبة الكــوفي العبســي المتــوفى ســنة

ـــــاز بمكـــــة ،الســـــالم شـــــاهين -هــــــ 1416الطبعـــــة األولـــــى ،مكتبـــــة دار الب . لبنان –بيروت ،دار الكتب العلمية ،م1995

مفردات ألفاظ القرآن: للعالمة الراغب األصفهاني، تحقيــق: صــفوان عــدنانــــدار الشــــامية 1412داوودي، الطبعــــة األولــــى هـــــ، دار القلــــم، دمشــــق، وال

بيروت.

Page 47: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 57 -

مقدمــة تفســير اإلمــام أبــي عبــداهللا محمــد بــن أحمــد بــن أبــي بكــر بــن فــرحاألولــى هـــ، تحقيــق محمــد طلحــة منيــار، الطبعــة 671األنصــاري القرطبــي ت

هـ، دار ابن حزم، بيروت، لبنان.1418 تـــأليف أحمـــد بـــن محمـــد بـــن عبـــد ،منـــار الهـــدى فـــي بيـــان الوقـــف واالبتـــدا

مكتبـــة الحلبـــي ،م1973 -هــــ 1393الطبعـــة الثانيـــة ،الكـــريم األشـــموني بمصر .

مناهــــل العرفــــان فــــي علــــوم القــــرآن: لفضــــيلة األســــتاذ محمــــد عبــــد العظــــيم ، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان.هـ1412الزرقاني، الطبعة

نظم الدرر في تناسب اآليات والسور: لإلمام برهان الدين أبي الحسن هـ، تخريج عبد الرزاق غالب المهدي، 885إبراهيم بن عمر البقاعي ت:

هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.1415الطبعة األولى

Page 48: 01- الإعجاز

الفريح بن عبد اهللا د. أحمد –دراسة تحليلية :اإلعجاز في تناسب اآليات والسور

- 58 -

فهرس الموضوعات 13 ................................................................ المقدمة

14 ................................................... سبب اختيار الموضوع 15 .......................................................... فقرات البحث

17 ........................................... المبحث األول: إعجاز القرآن 17 .... ................................ طلب األول: تعريفه لغة واصطالحا الم

18 ................. اإلعجاز إجماال الواردة في أوجهالمطلب الثاني: األقوال 19 ......................................... المبحث الثاني: علم المناسبات

19 ......................... : تعريف المناسبات لغة واصطالحا : تعريف المناسبات لغة واصطالحا المطلب األولالمطلب األول 20 ......................... هتمام العلماء به، ومؤلفاتهم فيهالمطلب الثاني: ا

23 .................................. المبحث الثالث: أسلوب القرآن الكريم 24 ............................ اني: اتساق أسلوب القرآن وترابطهلب الثالمط

26 . يجاد المناسبة بين اآليات والسورالمطلب الثالث: التعسف والتكلف في إ 28 ..... ................................ ناسب بين اآلياتالمبحث الرابع: الت

28 ............................................. تعريف اآلية المطلب األول:فقة الموضوع في مختلف سور المطلب الثاني: التناسب بين معاني اآليات المت

28 .................................................................. القرآن 30 ...................... السورة الواحدة المطلب الثالث: التناسب بين آيات

Page 49: 01- الإعجاز

156العدد -مجلة الجامعة اإلسالمية

- 59 -

32 ....... ترابط المعاني بين الجملالمطلب الرابع: الوقف واالبتداء وعالقته ب 35 ..... رة ذات الكتلة الموضوعيةالمطلب الخامس: التناسب بين آيات السو

35 ..................... السورة التي ظهر هدفها من اسمها المطلب السادس: 36 .................................. المبحث الخامس : التناسب بين السور

36 ............................ ول: تعريف السورة لغة واصطالحا المطلب األ 36 .............................. ني: مراحل جمع القرآن الكريمالثاالمطلب 38 ............................... ب الثالث: الخالف في ترتيب السورالمطل

49 ...................................... لمطلب الرابع: التناسب بين السورا 53 ............................................... فهرس المصادر والمراجع

58 ..................................................... فهرس الموضوعات