3856703-أقسام-الحكم-العقلي

18
وورد ﻧﺳﺧﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻳﺔ روﺗﺮدام اﻹﺳﻼﻣﻳﺔ اﻟﻌﻠوم ﻛﻠﻳﺔ ﻣﻌﻧﺎھﺎ وﺑﻳﺎن اﻟﻌﻘﻠﻲ، اﻟﺣﻛم أﻗﺳﺎم واﻟﻌﻼ اﻟﻧﻘل وﺑﻳن اﻟﻌﻘل ﺑﻳن ﻗﺔ اﻟﻣطول اﻟﺷﺮح ﻣن اﻟدردﻳﺮ ﻟﻺﻣﺎم اﻟﺑﮫﻳﺔ ﻟﻠﺧﺮﻳدة ﺗﺄﻟﻳف ﻓودة ﺳﻌﻳد اﻷﺳﺗﺎذ ﺣﻔظﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ] 9 [ ﳏﺎﻟــﺔ ﺍﻟﻌﻘــﻞ ﺣﻜــﻢ ﺃﻗﺴــﺎﻡ] 10 [ ﺍﻷﻗﺴــﺎﻡ ﺛﺎﻟــﺚ ﺍﳉــﻮﺍﺯ ﺍﻻﺳـــﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻮﺟـــﻮﺏ ﻫـــﻲ ﺍﻷﻓﻬـــﺎﻡ ﻟـــﺬﺓ ﻣﻨﺤـــﺖ ﻓـــﺎﻓﻬﻢ

Upload: nasim-salim

Post on 28-Oct-2015

21 views

Category:

Documents


2 download

DESCRIPTION

reason and revelation

TRANSCRIPT

Page 1: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

نسخة وورد

روتردام اإلسالمية جامعة

كلية العلوم اإلسالمية

أقسام الحكم العقلي، وبيان معناھا

قة بين العقل وبين النقلوالعال

من الشرح المطول للخريدة البھية لإلمام الدردير

تأليف األستاذ سعيد فودة تعالى حفظه هللا

ــة ] 9[ ــل ال حمال ــم العق ــام حك أقســام ] 10[ ــث األقس ــواز ثال مث اجل

هـــي الوجـــوب مث االســـتحالة ــام ــذة األفهـ ــت لـ ــافهم منحـ فـ

Page 2: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

املذكور هنا هو األحكام العقلية الثالثة، وقد ذكرها املصنف إشارة إىل ما يطلق عليه العلماء وال يشـترط يف العلـم -مبادئ علم التوحيد، وهي األمور اليت إذا جهلها اإلنسان ومل يلتفت إليها

، بل فكيف إذا ، فإن فهمه لعلم التوحيد خيتل، فكيف إذا نفاها إنسان، وأنكرها-القدرة على التلفظ !حرم تعلمها ؟

لقد وجد يف هذا الزمان أناس من الذين حتجرت عقوهلم، بل مل يعودوا يلتفتون إليها وهؤالء ينتسبون انتسابا باطال إىل السلف الصاحل رضوان اهللا عليهم، وقد عطلوا عقوهلم ورموا باملسـلمات

وهؤالء . وال جتد هلم عند النظر يف حاهلم حتصيال اليت يقوم عليها الدين رميا، واستهانوا بعلماء األمة،لبسوا على عامة الناس مبظاهر من اللباس والتنطع بكلمات ال يعون معناها، وقد اغتر هبـم بعـض العوام، فتبعوهم، وحذر منهم أغلب العامة فلم يستطيعوا أن يردوا عليهم لتجردهم من علوم الدين،

.عليهم من التمسك مبا أوحوا إىل الناس أنه من الدينومل يقدروا على تأديبهم ملا يظهر

وسوف نوضح يف مواضع متفرقة نبذا من أحواهلم ونرد باألدلة الناصعة القوية علـى أهـم وسوف أشري هنا . مقوالهتم فيما يتعلق هبذا العلم، وبعض ما يناسبه من علوم أخرى بعون اهللا وتوفيقه

حىت يكون ما هو مذكور هنا مقدمة . العقلية وكيفية استنباطهابقليل من التفصيل لبعض أهم القواعد نتوكأ عليها يف مستقبل املباحث، وقد فصلت يف ذكر هذه القواعد يف مواضيع مما كتبت، ولذا أذكر هنا ما ال بد من ذكره ليعقله كل من يبحث عن احلق، ويريد التمسك باألدلة اخلارقة للباطل، وكل

ربقة التقليد يف أصول نظرته يف الوجود، فتكون بعون اهللا تعاىل سالحا يدافع به من يريد التربي من كل منتم ألهل احلق عن أصل الدين وركنه الوطيد، ويهاجم به أوكار الباطل والتعصـب للـهوى

. فتكون له أداة عملية لبناء الدين يف األرض ونشر وإعمال احلق. والرغبة

. هما يؤلف ما أشرنا غليه من املهماتوسأقسم الكالم إىل قسمني جمموع

.القسم األول يف الكالم يف بدائه العقول

. والثاين نظرات يف وجود العامل وصفاته

: نبدأ يف القسم األول بعون اهللا وتوفيقه وهو بدائه العقول

Page 3: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

واملقصود منها أهنا جمموعة من التصورات واألحكام أي التصديقات قد ثبتت ثبوتا قطعيا يفالعقول، أي النفوس، وثبت صدقها أي مطابقتها للواقع اخلارجي، وهي مهمة جدا يف قيام الـتفكري

. اإلنساين ووجوده، فبدوهنا ال ميكن أن يوجد تفكري، أو إذا وجد فهو خاطئ

وسوف نذكر كال منها واحدة بعد أخرى ونشرحها شرحا خمتصرا كافيا لتحصيل املقصود . ثبات العقائد اإلسالمية كما سيأيتوهو استعماهلا يف إ

نبدأ بتعريف العلم، وإن كنا قد أشرنا إليه فيما مضى: أقسام املعلوم -1

العلم هو صفة ينجلي هبا املذكور ملن قامت به، أي يتضح به ما يذكر وميكن أن يعـرب . عنه موجودا كان أو معدوما

يتضح هبا ما ميكن أن يطلبه اإلنسـان واملقصود هبذا أن املراد بالعلم هنا هو الصفة اليت . ويذكره يف نفسه

هو وصول النفس إىل معىن تام معني، وسوف نبني فيما يلي ما هي وسـائل : واإلدراكاإلدراك، فهذا املعىن املدرك إما أن يكون تصورا ساذجا أي خاليا من إدراك وقوع نسبة أو عدم

فاحلاصل أن اإلنسـان إمـا أن . وهذا يسمى حكماوقوعها، أو يكون تصورا مع إدراك للنسبة أو يدرك . يدرك مفهوما معينا إدراكا ساذجا خاليا من احلكم عليه وهذا اإلدراك يسمى تصورا

املفهوم مع حكمه عليه، وهذا هو احلكم ويسمى التصديق، فاحلكم مركب من تصورين علـى . فرداأما التصور فيمكن أن يكون م. األقل ونسبة بينهما

العلوم اليت حنصل عليها هلا أسباب، آي آالت يـتم هبـا اإلدراك، : مدارك العلوم -2واهللا أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا، وجعل لكـم "واألصل يف هذا قوله تعاىل

ويف هذه اآلية الكرمية أحكام كثرية نذكر منـها " السمع واألبصار واألفئدة، لعلكم تشكرونالئم هدفنا، أول فائدة نستفيدها من اآلية هي أن اإلنسان عند والدته يكون خاليا مـن هنا ما ي

. العلوم، الكلية واجلزئية، فال يولد مع اإلنسان شيء من العلوم

أن اإلنسان عند والدته يكون قابال للعلوم، فاستعداده للعلوم فطري، أي جزء : الفائدة الثانية .من خلقته

أن العلوم اليت يستفيدها اإلنسان تراكمية، أي تتراكم وتتجمع مـع بعضـها :الفائدة الثالثة . البعض

Page 4: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

السمع وهو اخلرب، والبصر وهـو احلـس، : وسائل املعرفة حمصورة يف ثالث: الفائدة الرابعة . وسوف نوضح بعض ما يتعلق هبذه الثالثة فيما يلي. والفؤاد ويشمل العقل باملعىن األخص

سبب العلم وآلته إما أن يكون من : أخرى حلصر وسائل املعرفة أن يقال وأيضا هناك وسيلةخارج اإلنسان أو يكون فيه، فإن كان من خارج اإلنسان فهو اخلرب، أما إن كان من اإلنسان فـال

. خيلو إما أن يكون نفس املدرك أو غريه، فإن كان غريه فهو احلس، وإال فهو النظر

ستقراء، بأن يتم استقراء كيف حصلنا علـى علومنـا الـيت ووسيلة ثالثة حلصرها وهي اال . ندركها علما علما، مث نصنف احلاصل فينتج الثالثة

. ونشرع اآلن ببيان بعض ما يتعلق بكل واحدة من هذه الثالثة

.واملقصود هبا اخلمسة الظاهرة، وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس: احلواس: أوال

احلساسة، وكل حاسة يدرك هبا ما وضعت هي له، فالسمع تـدرك بـه واحلاسة هي القوةاألصوات والبصر يدرك به األضواء واأللوان واألشكال واملقادير واحلركات وغري ذلك، والشم يدرك . به الروائح والذوق يدرك به املطعوم واللمس يدرك به احلرارة والربودة والرطوبة واليبوسة وحنو ذلك

. راك، واملدرك هو النفسهذه وسائل اإلد

واحلواس تنمو وتتكامل يف الصغري حىت يصل إىل سن معينة وميكن تنميتها باالكتساب فوق وهي ال يدرك هبا إال الصور، فال تدرك هبا النسب واألحكام، بل هذه وظيفة الفـؤاد، . احلد العادي

، فلذا نسب إليها اخلطـأ، إهنا ختطئ يكون قد توهم أهنا حاكمة: واحلواس ال ختطئ، وكل من قال . والذي يغلط حقيقة هو العقل كما سنبني ذلك

. واحلاسة ال تدرك إال صورة واحدة كل حلظة زمانية

وال نستطيع إدراك كل الصور أي صور املوجودات باحلواس، ألن احلواس هلا مدى حمـدود . تنتهي إليه، وهلا قابلية كذلك، فما خرج عن ذلك ال يدرك

لماء هل اإلدراك ثابت للحواس فتكون هي املدركة أو هو ثابت للنفس بواسطة واختلف الع احلواس فال تكون مدركة بل مدركا هبا ؟

وال تفتقر اإلدراكات باحلواس إىل بنية خمصوصة كاألذن للسمع والعني للبصر، : قال العلماءالبصري مبوجة معنية، فإنه ، فلو خلعت عني إنسان وأثرنا على العصب بل هذه شروط عادية ال عقلية

. يرى فتأمل

Page 5: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

يستطيع كل إنسان عاقل أن يتأمل يف ذاته ليعلم بعـض األمـور عنـها، –: الفؤاد: ثانياوجهات النظر ختتلف، فلو نظر كل واحد يف نفسه من حيث هو متصف بالعلم واحلكمة وغري ذلك

حيب ويكره، وخياف ويطمئن إىل أمـور من األمور اليت تدل على االتزان لوجد أمورا يف نفسه، فهو وينفر من أخرى، ويريد فعل بعض األمور لكنه ميسك نفسه عنها لسبب حنو مضرة أو فقد مصـلحة أكرب فهو يتحكم يف نفسه ليسري يف طريق معني مرسوم له، إما أن يكون هو قد اختاره أو اختاره له

. غريه

فعل، فإذا أحب أمرا فهو ينجذب حنوه، وإذا وكل شعور من املشاعر اليت تنتابه يترتب عليهاأراد شيئا فهو حياول أن يصل إليه باكتساب األمور اليت توصله إليه وهكذا، ونعلم أيضا أن اإلنسان يبذل أحيانا جهدا، أو يفعل فعال معينا ليتوصل به إىل إدراك ومعرفة بعض املوجـود يف اخلـارج أو

م قانونا رياضيا، أو طبيعيا، أو فقهيا وغريها، وهو يف كل هذه يكون يف غريه، فنراه يبذل جهدا ليعل .طور الفاعل ال املنفعل

وال يشترط يف الفعل أن يكون باجلوارح كما يظن بعض الناس بل ميكن أن يؤدي اإلنسـان آثارها فعال نفسانيا، كاحلب والكراهية وهكذا، فال ينكر أحد أن هذه تكون بالنفس قائمة، وتظهر

. على اجلوارح

األول ما يسـمى : يقوم باإلنسان نوعان من الكيفيات واألفعال: وتلخيصا ملا مضى نقولبالوجدانيات كاحلب والكراهية واخلوف والرضا واإلميان، وهي مشاعر حتس هبا الـنفس إحساسـا

. الواقع والثاين هو ما نطلق عليه العلوم أي أن تدرك الشيء على ما هو به يف. داخليا

وحنن ندرك فرقا ضروريا بني هذين النوعني، ولكنا قطعا ندرك أمورا مشتركة بينهما أمههـا أن اإلنسان الذي ال يعلم أمرا من األمور، بل هو سائر يف حياته على احلب والكره واخلوف وغريها

لو : اف من كذا وهكذا، أقولألين أحبه أو أخ: ملاذا تفعل هذا األمر ؟ قال: من املشاعر، فإذا قلت لهوكذا العكس فلـو فرضـنا . فرضنا وجود مثل هذا اإلنسان، فنحن نقطع بعدم جواز تسميته عاقال

رجال يعلم الصحيح من الغلط ولكن ال حيب وال يكره وال يؤمن وال يرضى وال حيـس بـاخلوف درك أنه مل حيقق أصـله، حـىت مطلقا، فنحن جنزم أيضا بعدم جواز إطالق اسم العاقل عليه؛ ألننا ن

يشتق له منه اسم، كصاحبه، وهذا دليل ضروري على أن العاقل جيب أن يكون له وجـدان وإدراك . وعلم

. فهاتان جهتان نعلم بالضرورة والبداهة وجوب وجودمها يف اإلنسان لكي يتحقق أنه عاقل

Page 6: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

هذا املقام وهي من هـو وبقيت مسألة يف. وما دمنا وصلنا إىل هذه النقطة، فقد هان األمر. املقدم هل هو العلم أم الوجدان، أي هل جيب أوال أن تعلم لكي حتب وترضى وتبغض، أم العكس

. الظاهر يل أن العلم هو األصل هبذا املعىن، ولكن يف املسألة تفصيل ليس هذا حمله

]تكملة في غاية األھمية[

اخلوف، حيس هبذه األمور يف قلبه، أو يظهر يدرك كل واحد أنه عند احلب والكره واإلميان وأثرها يف قلبه، وهو اللحمة الصنوبرية الشكل، ولذلك عند الغضب يشعر بتغري يف نبضات قلبه، وكذا

.عند احلب يشعر بانشراح فيه، وكذا عند اإلميان واخلوف انقباض

احفظ هذا وافهمه، ف. والقاعدة اليت نستخلصها أن الكيفيات النفسانية يظهر أثرها يف القلبمث انظر يف نفسك عندما تفكر يف أمر غري وجداين وال يتعلق إال بالتفكري اجملرد الذي هـو ترتيـب املقدمات الستخالص النتائج، فهل األثر الذي تشعر به حمله يف القلب أو هو يف الدماغ ؟ ال ينكـر

وهلذا غالبا ما يشعر بصداع، . يف قلبه واحد منا أنه عندما يقوم هبذا الفعل فإنه يشعر بثقل يف رأسه ال . إن التفكري اجملرد يظهر أثره يف الدماغ: ومن هذا نقول. خصوصا عندما ميعن يف التفكري

وحنن ندرك باالعتماد على ما مضى من معىن العاقل أنه ال بد من وجود عالقة بني الكيـف : لتفات إىل ما يليالنفساين، وبني الفكر اجملرد، وهذه العالقة تدرك عند اال

عملية التفكري اجملرد ال ميكن أن حتدث يف اإلنسان إال بإرادته، وهذا أمر ضروري ال ميكـن ألحد أن يقول خبالفه، واإلدارة كما سنعلم بالنسبة لإلنسان هي من الكيفيات النفسانية حملها القلب،

ة، فال يعلم اإلنسان إال إذا أراد، وهذا فاإلرادة حملها القلب، وهي شرط للعلم، ألن العلم عملية إراديالعقل أصله يف القلـب، : يف غري األمور الضرورية البدهية كما هو بين، ومن هنا قال اإلمام الشافعي

العقل أصـله يف : ناظرا إىل العقل من ناحية أصله الذي ال يقوم إال بناء عليه، وقال اإلمام أبو حنيفة .وتفصيل املسألة كما ذكرناه. ث حمل ظهور أثر التفكري اجملردالدماغ ناظرا إليه من حي

: وبناء على هذا الفهم الدقيق القائم على أمور ضرورية قطعية، نستطيع أن نفهم قوله تعـاىل . وغريها من اآليات )هلم قلوب ال يعقلون هبا(

ـ : وهذا هو اجلواب على من يسأل فيقول ات القرآنيـة ملاذا خياطب اهللا تعاىل يف معظم اآليالقلوب ال غريها، فقد تبني لنا أن القلب هو الذي جيب أن يوجه إليه اخلطاب ال من حيث هو هو، بل من حيث هو شرط يف حصول التفكري اجملرد ملن يريد، فال بد من دافع يدفع اإلنسان لذلك، وهو

. التشويق

Page 7: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

ريه، والقليل من العلماء من وهذه املسألة مبا فيها لن جتدها مشروحة كما هي هنا يف كتاب غاستطاع الربط كما فعلنا حنن هنا، وبناء على هذا الفهم تنحل عقد كثرية يف علم العقائد ويف غـريه

. من العلوم، كما سننبه عليه إن شاء اهللا تعاىل يف حمله

قة وكان األنسب أن نقول املخبر الصادق، ألن منشأ الصدق يف احلقي: اخلرب الصادق: ثالثاوحنن إذا عرفنا صدق اخلرب من املخرب فذاك هو املطلوب، أو من نفس اخلرب فهذا . هو املخرب، ال اخلرب

مستحيل، ألن اخلرب من حيث كونه خربا ال داللة له على الصدق أو الكذب، بل هو حيتمل األمرين، هو املخرب، واملخرب من أو من غريمها وهو احلواس والعقل فيعود ما مضى الكالم عليه، وما دام األصل

الناس قد يكون واحدا أو أكثر، والواحد قد يكون خربه دائما صادقا، إذا كان معصوما مثل األنبياء، وإال فإنه كما جيوز عليه الصدق جيوز عليه الكذب، والعصمة اليت هي صفة املخرب نعرفهـا بداللـة

. العقل

ربه جيوز عليه الصدق والكذب، فليس حبجـة ومن هذا فإذا مل يكن الواحد معصوما، فإن خأما إذا كان املخرب أكثر من واحد ووصلوا إىل حد يستحيل عليهم الغلط والنسيان وتعمـد . وحده

الكذب، فيكون خربهم عند ذاك حجة، وهذا هو احلد الذي يدعى بالتواتر، والتواتر يكـون سـببا . ا إذا كان عن اجتهاد وتفكري فليس حبجة قطعـا للعلم، إذا كان اخلرب عن واقع مدرك باحلواس، أم

وذلك كأن خيربنا عدد كبري من الناس أهنم رأوا كوكبا ينفجر، فعند هذا، نعلم أهنم صادقون ألهنـم أما إذا أخربنا عدد كبري من الناس أهنم اجتهدوا ونظروا مثال يف العامل فوجدوا أنه . وصلوا إىل التواتر

ون حجة علينا وال عليهم أنفسهم، ألن هذا العدد الكبري جيـوز عقـال أن قدمي، فخربهم هذا ال يك . يغلطوا يف النظر وهذه إشارة كافية وانظر تفصيلها يف حمل آخر

Page 8: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

. أو جهات الوجود، وهي الوجوب واالمتناع واجلواز :األحكام العقلية الثالثة -3

ديق، ويتحصل لنـا مفهـوم ما تصوره العقل يشمل التصور والتص: وتقريرها أن نقولعقلي، فإذا نسب هذا املفهوم إىل وجوده يف نفسه، أي إذا نسبنا الذات املتصورة إىل نفسها، أو

.نسبناها إىل وجودها ألمر آخر غريها حصل يف العقل معان هي الوجوب واالمتناع واإلمكان

إال أهنا قـد مث إن تصورات هذه املعاين ضرورية حاصلة ملن مل ميارس طرق االكتساب،الوجوب ضرورة الوجود أو اقتضاؤه أو اسـتحالة : تعرف جملرد التنبيه واإلخطار يف البال، فيقال

العدم، واالمتناع ضرورة العدم أو اقتضاؤه أو استحالة الوجود، واإلمكان جواز الوجود والعدم . أو عدم ضرورهتما أو عدم اقتضاء شيء منهما

الواجب ما ميتنع عدمه أو ما ال ميكن عدمه أو ما ال يقبل : ولذا ال يتحاشى عن أن يقالالعدم، واملمتنع أو املستحيل هو ما جيب عدمه أو ما ال ميكن وجوده أو ما ال يقبـل الوجـود، واملمكن أو اجلائز هو ما ال جيب وجوده وال عدمه أو ما ال ميتنع وجوده وال عدمه أو ما يقبـل

. الوجود والعدم

. رض معدوما يلزم عنه حمال، واملمتنع لو فرض موجودا يلزم منه حمـال فالواجب لو فويلزم على هذا أن الواجب يستمد وجوده من ذاته، وال ميكن أن حيتاج غريه لكـي يوجـد، فالواجب ال يكون حمتاجا، فالوجوب هو شدة الوجود وتأكده، وأما املمتنع فال ميكن وجوده،

ن فال ميكن أن يكون وجوده مستمدا من ذاته، بل ال ميكـن وإن أمكن فرض وجوده، أما املمكأن يكون مستمدا إال من الواجب، فإذا اتصف املمكن بالوجود، كان ذلك من سبب خـارج،

وجود املمكن حيتاج إىل : ويكفي يف عدمه عدم سبب وجوده، فباحلقيقة كما قال بعض احملققنيما دام موجودا وهذا يعين أنه مهما وجد، فإنه ال سبب، ويستدعي سببا موجودا جيب املمكن به

. يستغين عن السبب

وميكن أن نستدل حنن على اإلمكـان مـن معرفـة . اإلمكان هو علة االحتياج -4احلدوث، فإذا كان الشيء حادثا، فإنه حتما يكون ممكنا، ألن احلدوث هو الكون بعد العـدم،

Page 9: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

وعلى ما مـر . ا واحملتاج املوجود دليل على وجود الواجبوما قبل العدم والوجود، كان ممكن . تصبح معرفة احلدوث علة معرفة االحتياج بوساطة اإلمكان فتنبه

فإن حقيقة املمكن حيتاج إىل موجد، فلو أمكن انقالب املمكن . قلب احلقائق حمال -5لواجـب واجلـائز واملمتنـع لصار إما واجبا أو ممتنعا، وهذا ما مضى من أن معرفة الفرق بني ا

. بديهية

ولو جاز االنقالب لبطل التفريق بني هذه األحكام الثالثة، ولكن التفريق حاصـل، إذن وهذا هو املبدأ الذي يسمى مببدأ اهلوهوية، وقد يعرب عنه يف علوم أخرى بعبارة . االنقالب باطل

حدوث الواجـب ووجـوب ، ولو جاز قلب احلقائق جلاز )األصل بقاء ما كان على ما كان( . املمتنع وحدوثه وبطلت العلوم، وهذا عبث حمض

أحد طريف املمكن ومها الوجود والعدم، ليس أوىل به من اآلخر، بل مها بـالنظر -6فاملمكن متساوي النسبة إىل الوجود والعدم، فكما . إىل ذاته جوهرا كان أو عرضا على السواء

. عدمه أيضا يكون من الغري فال يكون من ذاتهأن وجوده يكون من الغري، فكذلك

وهذا بناء على أن علة االحتيـاج هـي . املمكن الباقي حمتاج يف بقائه إىل السبب -7اإلمكان كما مضى، واملمكن حال البقاء ال يزال ممكنا بالذات وإن كان واجبا بالغري، وذلـك

ن صفة ذاتية، وما بالذات ال يزول عنها ما ألن اإلمكان للممكن ضروري، ألن اإلمكان للممك . دامت

، فاألمران املتساويان يستحيل تـرجيح واحـد الترجيح من دون مرجح مستحيل -8فهـي . منهما على اآلخر من، دون مرجع، وهذه املقدمة يكفي يف معرفة حقيتها جمرد تصورها

. مقدمة بديهية

: أنواع املنافاة ، وهيمراتب التقابل يف املذكورات أربعة -9

تنايف النقيضني، والنقيضان مها إجياب الشيء وسلبه، حنو زيد، ال زيد، وزيد قـائم، : األول . زيد ليس بقائم، النقيضان ال جيتمعان وال يرتفعان

Page 10: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

تنايف الضدين، والضدان مها املعـنيان الوجوديان اللذان بينهما غاية اخلـالف، وال : الثاينيتوقف تعقل أحدمها على تعقل اآلخر، كالبياض والسواد، ال كالبياض واحلركـة، جيـوز ارتفـاع

. الضدين إذا كان بينهما ثالث، وكلها ال ترتفع، وال جتتمع

م وامللكة مها وجود الشيء وعدمه عما مـن شـأنه أن تنايف العدم وامللكة، والعد: الثالثيتصف به، كالبصر والعمى، والعلم واجلهل البسيط، فالبصر وجودي وهو امللكة، والعمى عدمي إذا العمى عدم البصر عما من شأنه البصر وكذا العلم واجلهل، ال جيوز ارتفاعهما معا وال اجتماعهمـا

. كذلك

يفني، واملتضايفان مها األمران الوجوديان اللذان بينهما غايـة اخلـالف تنايف املتضا: الرابععدم (ويتوقف تعقل أحدمها على تعقل اآلخر، كاألبوة والنبوة، واملراد بالوجودي هنا، ما ليس معناه

وال تنـايف . ال املوجود يف اخلارج عن الذهن، إذ األبوة مثال ال وجود هلا يف اخلارج عن الذهن) كذا . واملثالن ال جيتمعان. اخلالفني كالبياض واحلركةبني

فهذا ] أ: [؟ فقيل] أ[إذا قيل ما علة : معىن الدور نوضحه مبثال، فنقول: الدور حمال -10حادثة أي كانت معدومة مث وجدت، فيستحيل أن تكون هي قد أوجـدت ] أ[حمال، ألنا علمنا أن

قد وجدت قبل نفسها؛ فالعلة تسبق املعلول يف الوجود، وهـذا نفسها، ألن هذا يلزم منه أن تكون . موجودة ومعدومة يف نفس الوقت، وهذا باطل] أ[تناقض، ألنه يلزم منه كون

وأيضا فالشيء الواحد ال يكون قابال وفاعال من جهة واحدة يف نفس الوقت، وتكون قابليته . منهاعلى ذاته صادرا صفة قائمة بذاته وفعله واقع

وهذا املثال ميكن أن يكون على الدور من الدرجة األوىل وبعد ذلك تتعدد الدرجات، فقـد ، هذا دور باطل، وفساده أظهر ]أ: [؟ فيقال] ب[وما علة : ، فيقال]ب: [؟ فيقال] أ[يقال ما علة

. من سابقة، ولكما كانت الدرجة أعلى كان الفساد أكثر بيانا وظهورا

، ومـا ]ب: [؟ قيل] أ[أن قيل ما علة : التسلسل معناه يتضح مثال: سل حمالالتسل -11وهكذا إىل ال هناية، ]... هـ[، قيل ]د[، وما علة ]د: [؟ قيل] ج[، وما علة ]ج: [؟ قيل] ب[علة

وهكذا، وهذا األمر ] ... هـ[مث ] د[مث ] ج[مث ] ب[مث ] أ[فيتكون عندنا ما يسمى بالسلسة وهي : تتضح استحالته مما يلي. ى تسلسال، والتسلسل حماليسم

Page 11: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

لو تسلسلت األسباب واملسببات إىل غري هناية، لكانت بأسرها موجودة يف احلـال، -جمموع تلـك : إن العلة واملعلول يوجدان معا، وإذا كان كذلك، فنقول: بناء على املقدمة القائلة

ذاته أو ممكنا لذاته، واألول باطل، ألن كل جمموع فهو األسباب واملسببات إما أن يكون واجبا لمفتقر إىل كل واحد من آحاده، وكل واحد من آحاد هذا اجملموع ممكن لذاتـه، واملفتقـر إىل املمكن لذاته أوىل بأن يكون ممكنا لذاته، فهذا اجملموع ممكن لذاته، وكل واحد من آحاده ممكن

ؤثر مغاير له، فهذا اجملموع مفتقر حبسب جمموعيته، وحبسب كـل لذاته، وكل ممكن لذاته فله مواحد من آحاد جمموعتيه إىل مؤثر مغاير له، وكل ما كان مغايرا جملموع املمكنات ولكل واحد من آحاد جمموع املمكنات مل يكن ممكنا لذاته، وكل موجود ال يكون ممكنا لذاته كان واجبـا

. وب انتهاء مجيع املمكنات إىل موجود واجب لذاته، وهو املطلوبلذاته، فثبت هبذا الربهان وج

برهان آخر، لو تسلسلت األسباب واملسببات ال إىل هناية، فعلى هذا التقدير، األثـر -فلنأخذ من هذا األثر األخري ال إىل . املؤثر األول غري موجود: األخري موجود، إال أن اخلصم يقول

خذ أيضا من املرتبة اخلامسة من مراتب اآلثار ال إىل بداية مجلة أخـرى، بداية مجلة واحدة، ولنأفال بد وأن تكون اجلملة األوىل أزيد من اجلملة الثانية بأربع مراتب، مث لنطبق هذا الطرف األخري من جانب اآلثار على الطرف األخري من هاتني اجلملتني، ومعىن هذا التطبيق أن األول من هـذه

ابل باألول من تلك اجلملة، والثاين من هذه بالثاين من تلك اجلملة، فإما أن يتقابل كل اجلملة مقواحد من آحاد اجلملة الزائدة بواحد من آحاد اجلملة الناقصة ال إىل بداية فيكون الكـل مثـل البعض، وذلك حمال، وإما أن تنقطع اجلملة الناقصة من الطرف األخري فتكون اجلملـة الناقصـة

تناهية من ذلك الطرف، والزائدة زادت عليها بأربع، فتكون اجلملة الزائدة أيضا متناهية مـن مذلك الطرف، فيكون لألسباب واملسببات يف سلسلة التصاعد طرف ومبدأ، وذلك مينع من القول

هـذا بأنه ال هناية هلا، مث ذلك الطرف إن كان ممكنا لذاته افتقر إىل مؤثر آخر، فلم يكن طرفا، . وإن كان واجبا لذاته فذلك هو املطلوب. خلف

وتوجد براهني عديدة على امتناع التسلسل، وما ذكرناه يكفي، فيتحصل لدينا مـن -هذا أن القول بالتسلسل يف املمكنات واحلدواث واملفتقرات ال إىل هناية، إمنا هو قول باطل، وأن

. هكل هذه األفراد جيب أن تنتهي إىل واجب لذات

Page 12: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

فكل شيء نفرضه ويؤدي بنا إىل جتويز احملال فما . ما أدى إىل حمال فهو حمال -12فرضناه قطعا باطل، فكل فرض أدى بنا إىل الدور أو التسلسل، أو إىل حتصيل احلاصل، أو إىل نقض

. املقدمة املسلمة أو غري هذا من احملاالت فهذا املفروض يكون قطعا باطال

وذلك ألن تلك األشياء ملا كانت . إن األشياء املساوية لشيء واحد متساوية -13حقائقها مساوية حلقيقة ذلك الشيء كانت حقيقتها واحدة، فلو مل تكن متساوية، ملا كانت حقيقتها

وهو واحدة، فيلزم أن تكون حقيقتها واحدة وأن ال تكون حقيقتها واحدة، فيجتمع النفي واإلثبات، . باطل كما مر

، وذلك ألنه إذا دلت الداللة على أن التعيني الذي به إن حكم الشيء حكم مثله -14االمتياز غري داخل يف املناط، فحينئذ مل يبق إال املاهية، فلو صارت تلك املاهية حمكوما عليها حبكم يف

. اع النفي واإلثبات وهو باطلموضع ويسلب منها ذلك احلكم يف موضع آخر، لزم اجتم

وتقرير هذا يرجع إىل . إن املفهوم من األلف مغاير للمفهوم من الياء، فهما شيئان -15ملا صح تعقل أحدمها مع الذهول عن اآلخر، فلو كانا : استحالة اجتماع النفي واإلثبات، كما يلي

. يجتمع النفي واإلثباتواحدا، لكان قد صدق عليه إنه معلوم وغري معلوم، ف

فالبسيط هو الذي ال يتوقف تأثريه . السبب قد يكون بسيطا وقد يكون مركبا -16وأما السبب املركب فهو الذي يتوقف إجياده على غريه، ومثل هذا . وإجيابه ملعلوله كما أنه فاعل

غاية خارجة عنه، السبب ال يكون تاما وال يكون فاعال حمضا وال غاية له، بل له

، وقد حيتاج مع فاعل وغاية ومادة وصورة: وهذا السبب قد يكون مركبا من علل أربعوقد حيتاج إىل شرط كالنار يف إحراق احلطب . كالبخار يف النحت حيتاج إىل القدوم آلةذلك إىل

الشمس وجه وقد حيتاج إىل وقت كتسخني. حتتاج إىل اليبوسة، والشرط ما يتوقف عليه تأثري السببوقد حيتاج إىل مكان ووضع كإضاءة الشمس للبيت من ثقبة الكوة حتتاج . األرض حتتاج إىل الصيف

إىل أن يكون يف موضع خاص من الفلك، وقد حيتاج إىل شريك كالبناء يف أن يبين بيتا حيتاج إىل . الفعلة

Page 13: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

ود الشيء، وإال وإذا حصل سبب تام للشيء بسيطا كان ذلك السبب أو مركبا، وجب وج . فال يكون سببا تاما

ومن هذا كله يلزم أن نعلم أن علة الشيء وسببه جيب أن تكون غري ذات الشيء، وكذلك . الشرط غري املشروط

ألن القادر بالتعريف هو الذي إن شاء فعل وإن شاء . استحالة قادر غري مريد -17فإن كان فاعال وغري مريد، فإما أن يكون علة تامة أو وإال . فكونه مريدا شرط كونه قادرا. ترك

ناقصة، وكالمها ال تلزمه اإلرادة، وسنبني أن الفاعل العلة التامة والفاعل العلة الناقصة ويسمى هذا . فاعال بالطبع كالمها نقص يف الوجود

على اآلخر، ألن اإلرادة صفة تقتضي ترجيح أحد الطرفني استحال مريد غري عامل، -18 . فاملرجح ال بد أن يكون عاملا باألطراف

. استحالة عامل ليس حبي -19

. وهذه القواعد الثالث سوف نـزيدها وضوحا يف حبث الصفات إن شاء اهللا

وهذه قاعدة شريفة نبينها كما . ما الزم احلادث يف الوجود ال يكون إال حادثا -20ا ال ميكن أن يوجد إال متصفا ببعض احلوادث، أي مالزما هلا ومقارنا هلا، فشرط إذا فرضنا أمر: يلي

هذا األمر املفروض جيب ببداهة العقل أن يكون حادثا، . صحة وجوده هو وجود احلوادث معهوال جيوز إذا حتقق هذا الفرض . ويزداد التصديق هبذه القضية عند استحضار امتناع التسلسل والدور

. إن هذا األمر جيوز كونه قدميا أي ال أول له: ل قائلأن يقو

، والقدمي هو ما ال أول لوجوده، كل موجود فال خيلو إما أن يكون قدميا أو حادثا -21فالقدمي قطعا يكون واجبا، واحلادث ال يكون إال ممكنا، وال واسطة بني الوجود . واحلادث ما له أول

. تاج والقدمي غينفاحلادث حم. والعدم

املذكور يف النفس، الواقع يف الوهم واخليال، إما أن يكون موجودا أو معدوما -22 .واملوجود، إما واجب أو جائز، واملعدوم إما ممكن أو مستحيل

Page 14: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

وهبذا نكون قد ذكرنا ما أردنا بيانه من أمسيناه بدائه العقول، وهي أهم القواعد اليت يستحيل تفكري صحيح إال مبراعاهتا، وحنن ندعي أن غالبها يصدق به ويدرك أنه صحيح مبجرد تصوره، قيام

وكل إنسان ال ختلو نفسه من العلم هبا ولكن قد ال يكون شاعرا حبصوهلا، وقد ذكرناها حنن لفتا دلة، وبينا بعض أدلة للفؤاد إليها وهلذا اكتفينا يف غالبها مبجرد الذكر، ألهنا ال حتتاج يف حجيتها إىل األ

وسوف نذكر القسم الثاين من القواعد الضرورية للتفكري يف املوجودات . ما قد يكون فيه نـزاع . عند الشروع ببيان حدوث العامل إن شاء اهللا تعاىل

أعرف هذه األقسام الثالثـة حـىت : قال الشيخ رمحه اهللا تعاىل عن األحكام العقلية الثالثة .عرفتها مدار اإلميان باهللا تعاىل ويرسله عليهم الصالة والسالم اهـمعرفتها ألن على م

وهكذا أقول عن القواعد اليت ذكرهتا فيما سبق، ومن أدركها فإنه سـيلتذ مبعرفتـها لـذة . عظيمة، ومن أعطي لذة العلوم واملعارف فقد أعطي خريي الدنيا واآلخرة

ويشنع على من تكلم هبـذه القواعـد وبعد معرفتك ما ذكرناه، ال تلتفت إىل من يتشدق وادعى أن هذا من الفلسفة مشنعا على من يتداوهلا حبجة أن الفلسفة حرام، فإن من يقول هذا، إمنـا

. يذم عقله، فهذه القواعد ضرورية للتفكري البشري فال ميكن ألحد أن يفكر تفكريا صحيحا إال هبا

قوم يف قوله هذا على إدراكـه ملعـىن الواجـب وهذا القائل عندما حيرمها ومينع منها إمنا يواملستحيل، فهو يعتقد عدم جواز التكلم فيها، فهو مانع من وجودها، وهذا ال يتم لـه إال بتسـليم الفرق بني الواجب واملمتنع واجلائز، اليت هي إحدى القواعد اليت ذكرناها، وهكذا فحىت احملرم هلـا

. يستعملها من حيث ال يدري

إهنا من الفلسفة، فالفلسفة يف حاصلها إمنا هي إدراكات بشـرية، قـد تكـون : وأما قولهوهذا هو . صحيحة أو غلطا، وقد تكون مفيدة أو ضارة فمجرد كوهنا من الفلسفة هذا ال يعين الذم

. قول العلماء احملققني مثل الرازي والغزايل واجلويين وغريهم، بل يف الفلسفة نافع وضار

ذي ينطق هبذا الكالم ال بد وأن يكون جاهال غري مدرك ملا نقول وإال مـا وحنن جنزم أن ال . تلفظ به، واإلنسان عدو ما جيهل كما يقال

وهؤالء الناس ال جيـوز . وعلى كل حال فبعدما ثبت للفاهم فائدهتا، فال يلفت إىل املخالفهتم ومناقشتهم، بل السبيل أن إدارة الكالم معهم على إثبات هذه العلوم أو نفيها، أي ال جيوز مناظر

يفهموا معناها، أي يدور الكالم معهم على سبيل التعليم باألسلوب املناسب هلم القريب إىل نفوسهم، إننا لسنا حباجة للخـوض يف : فهم إذا أدركوا معناها مل يستطيعوا منعها، بل أكثر ما ميكن هلم قوله

هذا، ولن يستطيعوا اإلتيان بشيء، إال حمض تومهات مثل هذه األمور، فيطالبون بالدليل على كالمهم

Page 15: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

وخترصات، مث بيان فساد كالمهم يعارضون بضرورة االحتياج إىل الكالم فيها ألن بعـض النـاس . ينكرون وجود اهللا تعاىل، وال ميكن إثبات وجود اهللا تعاىل هلم إال إذا أثبتنا هذه القواعد وفهمناهـا

. اجبوما ال يتم الواجب إال به فهو و

Page 16: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

العقل والنقل

ملا خلق اهللا تعاىل اإلنسان، وهب له وسائل للعلم، وجعله مكلفا بناءا على وجود هذه

واهللا أخرجكم من بطون أمهاتكم ال تعلمون (الوسائل كما ذكر بالنص البني الذي ال ميكن تأويله ).شيئا وجعل لكم السمع واألبصار واألفئدة لعلكم تشكرون

اهللا كيف جعل الشكر مترتبا على وجود وسائل املعرفة املذكورة، وهي السمع فانظر رمحك . واألبصار واألفئدة

وقد أمرنا اهللا تعاىل أن ال نتبع شيئا إال إذا وصلنا عن طريق من هذه الطرق وذلك يف قوله ، )ئوالوال تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مس(: تعاىل

وقد ذم اهللا تعاىل الكفار . ويف هذا مدح لكل وسيلة من هذه الوسائل من حيث كوهنا طريقا إىل العلمألهنم يتبعون مطلق الظن والعائد إىل الشهوة النفسية، وشنع عليهم بأهنم ال ميلكون علما، ويف هذا

.لفت للنظر إىل وجوب استخدام هذه الوسائل، ألهنا طرق العلم

تعاىل هو الذي نصب هذه الوسائل طرقا للمعرفة والعلوم، وقد مدح اهللا أقواما ألهنم ال فاهللايعقلون، وهذا إشارة إىل مدح مطلق العقل، وأنه ال يوجد شيء امسه عقل مذموم إال على سبيل

حىت علم غلط، وهو مجع بني الضدين أو: اجملاز، إذ كيف يكون عقال ومذموما، فهذا يناظر أن يقال .بني النقيضني

فالعقل ممدوح مطلقا، ألن اهللا تعاىل مدحه مطلقا، ومدح املتصف بالعقل، ومل يرد يف نص .شرعي ذم للعقل، وال جيوز شرعا ذمه

وال خالف بني العلماء أن العقل إن مل يكن هو نفسه هذه الوسائل الثالثة أو واحدا منها، .وما كان الزما للحق فهو حق، ويستحيل وجود الزم للحق وهو باطل فال بد أن يكون الزما عنها،

وملا أرشدنا اهللا تعاىل إىل وسائل املعرفة عطفها على بعض بالواو اليت تفيد مطلق اجلمع، وما هذا إال إشارة إىل أنه ال تعارض بني أي واحد من هذه الثالثة، وال جيوز وجود تعارض، ومع عدم

. ل وجود ترجيح، ألنه فرع التعارضوجود التعارض يستحي

. وعلى هذا يكون من رجح أمرا على أمر منها خمالفا لنص القرآن

.وهذا الكالم ال جيوز أن خيالف فيه إال من ال حيصل معانيه

.فهذه مقدمة مهمة جدا يف بيان األصل الذي تقوم عليه هذه املسألة

Page 17: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

بعض األمور أحيانا على سبيل اجلزم وأحيانا ومعلوم لدى كل إنسان عاقل أنه حيكم على . على سبيل الظن، فتبني التفرقة الضرورية بني منـزلة الظن والقطع

ومعلوم لدى كل عاقل أيضا أن لأللفاظ مراتب يف داللتها، وهذا األمر اتفق عليه علماء ل أكثر من معىن مع رجحان الدين، فبعض األلفاظ ال حتتمل إال معىن واحدا يف داللتها، وبعضها حتتم

.يف واحد أو بدونه، وهذا أيضا معلوم، فال يشترط يف اللفظ أن يدل على معىن واحد فقط

وقد مضى بيان أن العلم ميكن أن يأيت عن طريق السمع، وميكن أن يأيت عن طريق الفؤاد، . وال ميكن تعارض العلوم مهما كانت وسائلها

جود غلط يف نسبة أحد املعنيني أو كليهما إىل وسائل وحيثما وقع تعارض فال بد من و .املعرفة

وحيثما وقع التعارض فيجب ترجيح العلم والقطع على غريه، بغض النظر عن مصدر أي .وأما إن كان املتعارضان طنيني فينظر يف القرائن والغلبة. منهما

العلماء، هي تعارض القطعيات واملرتبة اليت يدور عليها الكالم يف القانون الكلي الذي ذكره مع الظنيات مطلقا، ما هو الذي يرجح عند ذاك ؟

.اإلمجاع قائم على تقدمي القطع مهما كان مصدره

هذه هي املسألة بوضوح واختصار، وهذا هو املعىن الذي يذكره اإلمام الرازي يف القانون ر نقلية شرعية أي حمتملة، فالواجب املعلوم، فهو يفرض فرضا عقليا تعارض قواطع عقلية مع ظواه

.حتما ترجيح القطعي، ال لكونه عقليا، بل لكونه قطعيا

إما أن يكون باطال من حيث السند، أو يكون املعىن املتوهم أنه : وحينئذ للنقلي احتماالناظر ظاهر منه، ليس كذلك، بل يكون املعىن املراد به معىن آخر بداللة قرائن أخرى، غفل عنها الن

. ألول وهلة، وهذه الدالئل هبا يظهر معىن آخر

هذا هو القانون الكلي الذي أقام اجملسمة وأتباعهم الدنيا وأقعدوها أو مل يقعدوها، وهذا . الفعل منهم يبني كم هي نفوسهم ضحلة، وال يعيشون إال يف ضباب

عديدة، فقال مثال يف وقد تكلم اإلمام الرازي يف كتبه على احتمال واحد من االحتماالت الالفصل الثاين والثالثون يف أن الرباهني العقلية إذا صارت معارضة : "172كتاب أساس التقديس ص

.اهـ."بالظواهر النقلية فكيف يكون احلال فيها

والقانون الذي ذكره مبين على هذا االحتمال، وهذا احتمال ممكن، وكونه ممكنا يدرك الربهان كما أشرنا، فالظاهر لفظ حمتمل مع رجحانه إذا أخذ منفردا مبجرد فهم معىن الظاهر ومعىن

لو : يف معىن، وأما الربهان فهو ال يستعمل إال يف القطعي من األدلة، فصار كما لو كانت املسألة

Page 18: 3856703-أقسام-الحكم-العقلي

إننا نقدم الظين على القطعي فهو خمطئ : تعارض قطعي وظين فكيف يكون احلال فيها، فالذي يقول . كما ال خيفى

. ملسألة هكذا، هبذا البداهة، وهبذا الوضوح، إال عند املتالعبني من اجملسمةا

وقد قلت يف تعليقايت على كتاب درء التعارض البن تيمية زعيم هؤالء اجملسمة ذوي األصول :الكرامية الدارمية، كالما هو خالصة هذه املسألة نذكره هنا ملا فيه من فائدة

العقل القطعي والنقل القطعي ال يتعارضان قطعا، وال ميكن واحلاصل من كالم الرازي أنتصور ثبوت التعارض، وكل دليل عقلي إما أن يكون دليال برهانيا، أي قطعيا، أو غري قطعي أي ظنيا، وكذا الدليل النقلي إما أن يكون قطعيا ونقصد هنا القطعية يف الداللة والثبوت معا، أو ظنيا يف

يهما، فالتعارض غري متصور بني العقلي والنقلي القطعي، ومتصور يف غري هذا، فإذا وقع أحدمها أو كلتعارض فاملقدم هو القطعي مطلقا سواء كان النقلي أم العقلي، فوجه الترجيح والتقدمي ليس هو كون

.الدليل عقليا أو نقليا، بل كونه قطعيا أو ال، وإذا تعارض ظنيان كان املقدم هو األقوى

هذا هو خالصة معىن كالم الرازي كما هو ظاهر، وقد خصص الكالم على حالة واحدة هي إذا كان التعارض واقعا بني قطعي عقلي وظين نقلي، فالصحيح إنه جيب تقدمي القطعي العقلي أيضا، وعدم تسليم ما ينسب إىل النص النقلي، أي عدم التسليم بأن املعىن الفالين هو الظاهر، بل هو

. غري ظاهر ألنه قام الدليل على استحالة كونه مقصودا، أو يقال بالتفويض

انتهى حبمد اهللا وتوفيقه