الماوردي

14
١٢ ﻭﺍﻟﻌﻠ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔﺠﻠﺔ- ﺍﻟﻤﺠﻠﺩ) ١٧ ( ، ﺍﻟﻌﺩﺩ) ١ ( ، ﻟﺴﻨﺔ٢٠١٠ ﺍﻟﻤﺎﻭﺭﺩﻱ ﺒﻴﻥ ﺇﺸﻜﺎﻟﻴﺔ ﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻴﺔ. ﻨﻭﺭﻱ ﻤﺤﻤﺩ ﻨﻭﻓل ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﻗﺴﻡ/ ﺍﻟﺘﺭﺒﻴﺔ ﻜﻠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻭﺼل ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻻﺴﺘﻼﻡ ﺍﻟﻘﺒﻭل٠٧ / ٠٥ / ٢٠٠٩ ١٥ / ٠٧ / ٢٠٠٩ Abstract This study is an attempt to clarify the differences between the readings of al-Mawardi's "al-Ahkam al-sutanniye by contemporary orient lists and Arab researchers, who reqarded his views as idealistic in depending on Islamic experience of the early Islamic history, and other readers who contradicted the above mentioned reading by classifying al- Mawardi views as representing a realist trend (school). The writer concluded that the impact of Greek thought was the main cases in regarding al-Mawardi as idealistic or as realist. There is on doubt that they where not succeeded in depending this measure. The writer see that one must go back to the Islamic culture and understanding the origins of the methods of Islamic "Fiqih" to reach an objective assessment for al- Mawardi's views. The other conclusion of the writer is that al-Mawardi was not a fundamental Faqih in this book. ﺍﻟﺨﻼﺼﺔ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﺤﺎﻭل ﻋﻥ ﺍﻟﻜﺸﻑ ﺇﺸﻜﺎﻟﻴﺎﺕ ﺒﻘﺭﺍﺀﺓ ﺘﺘﻌﻠﻕ ﻜﺘﺎﺏ ﺍﻷﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟـﺴﻠﻁﺎﻨﻴﺔ ﻟﻠﻤـﺎﻭﺭﺩﻱ ﻟﺩﻯ ﻤﺴﺘﺸﺭﻗﻴﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺤﺩﺜﻴﻥ ﻭﻋﺭﺏ ﻤﻤﻥ ﺒﺩﺭﺍﺴﺔ ﺍﺨﺘﺼﻭﺍ ﺍﻟﻤﺎﻭﺭﺩﻱ ﻭﺃﺤﻜﺎﻤـﻪ ﻁﺭﻭﺤﺎﺘـﻪ ﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﺒﻭﺼﻔﻬﺎ، ﻻﻋﺘﻤﺎﺩﻩ ﺍﻷﻨﻤﻭﺫﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻴﺦ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ، ﻭﺁﺨﺭﻭﻥ ﺨـﻼﻑ ﺤـﻴﻥ ﺫﻟـﻙ ﻀﻤﻥ ﺼﻨﻔﻭﻩ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﺩﺭﺴﺔ ﺍﻻ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻲ ﺘﺠﺎﻩ ﻁﺭﻭﺤﺎﺘﻪ ﺨﻼل ﻤﻥ ﻓـﻲ ﻭﺭﺩﺕ ﺍﻟﺘـﻲ ﻤﺨﺘﻠـﻑ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻓﺼﻭل ﺠﺎﺀﺕ ﺍﻟﺫﻱ ﻁﺭﻭﺤﺎﺘ ﻋﺼﺭﻩ ﻟﻭﺍﻗﻊ ﺍﺴﺘﺠﺎﺒﺔ، ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻭﺩﺓ ﺤﺎﻭل ﺍﻟﺒﺎﺤﺙ ﺍﻥ ﺇﻟـﻰ ﺼﺩﻯ ﺍﻥ ﻓﻭﺠﺩ ﺍﻻﺘﺠﺎﻫﻴﻥ ﻫﺫﻴﻥ ﺒﻴﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺴﺒﺏ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻜﺎﻨﺕ ﺍﻟﻴﻭﻨﺎﻨﻴﺔ ﺃﺴﺎﺴﺎ ﺫﻟـﻙ ﻓﻲ

Upload: essba3i

Post on 11-Nov-2014

25 views

Category:

Documents


5 download

TRANSCRIPT

Page 1: الماوردي

١٢

٢٠١٠لسنة ، )١( العدد ،)١٧( المجلد-مجلة التربية والعلم

والواقعية لمثاليةا إشكالية بين الماوردي

نوفل محمد نوري.د كلية التربية /قسم التاريخ

جامعة الموصل

القبول االستالم

٢٠٠٩ / ٠٧ / ١٥ ٢٠٠٩ / ٠٥ / ٠٧

Abstract

This study is an attempt to clarify the differences between the readings of al-Mawardi's "al-Ahkam al-sutanniye by contemporary orient lists and Arab researchers, who reqarded his views as idealistic in depending on Islamic experience of the early Islamic history, and other readers who contradicted the above mentioned reading by classifying al-Mawardi views as representing a realist trend (school). The writer concluded that the impact of Greek thought was the main cases in regarding al-Mawardi as idealistic or as realist. There is on doubt that they where not succeeded in depending this measure. The writer see that one must go back to the Islamic culture and understanding the origins of the methods of Islamic "Fiqih" to reach an objective assessment for al-Mawardi's views. The other conclusion of the writer is that al-Mawardi was not a fundamental Faqih in this book.

الخالصة للمـاوردي الـسلطانية األحكامكتاب تتعلق بقراءة إشكالياتالكشف عن حاول البحث

طروحاتـه و وأحكامـه الماوردي اختصوا بدراسة ممن وعرب المحدثين من مستشرقين لدى ذلـك حـين خـالف و أ ر وآخرون، اإلسالمي التاريخ في األنموذجالعتماده ، بوصفها مثالية مختلـف التـي وردت فـي من خالل طروحاته تجاه الواقعي االالمدرسة ذات صنفوه ضمن إلـى ان الباحث حاول العودة إال، استجابة لواقع عصره هطروحاتالذي جاءت فصول الكتاب

في ذلـك أساساً اليونانية كانت األفكار سبب الحكم عليه بين هذين االتجاهين فوجد ان صدى

Page 2: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

١٣

وتلميـذه أفالطـون تجسدتا عند كل من المعرفة أصل في ان المثالية والواقعية والسيما الحكم، وغيـرهم المحدثين من مستشرقين العديد منلدى لم يكن موفقا ان هذا القياس مبيناً ،اارسطو

كي نـستطيع تقيـيم موضـوعي هج الفقهاء امن أصولفهم و ،األمة تراث إلىالعودة يجب إذ األساسية القواعدلقراءة العودة د من الب كان مع الماوردي بوصفه فقيها التعامل انو، الحكامه

وجـد أذ ، المـاوردي قناعـات على ل الشروع بالحكم قب مدرسته الفقهية التي ينتمي لها لدى انه لـم الفقهاء من حيث المبدأ العام اال آلياتالباحث من خاللها ان الماوردي وبقدر ما اعتمد

كما هو حاله في مصنفاته ذات الطبيعة ،ة السلطاني األحكام كأقرانه في كتابه أصولياًيكن فقيها ، ليكون ومن أحكامه المحدثين صائبة في تقييم لم تكن تقييمات نفسه وفي الوقت ،الفقهية البحتة

من مزايا لها معاصريه ومن جاء بعده، رؤى دارت في فلكها ،ظاهرة متميزة خالل طروحاته . ما سجلت عليهمأخذالوعليها من تذكر له

:والواقعيةلمثالية فلسفي لالمفهوم ال كل وجـود ترجعالمثالية مصطلح فلسفي يطلق بوجه عام على النزعة الفلسفية التي

أصـل فـي األفالطـوني واستعمل المصطلح للداللة على المذهب ، الفكر بأوسع معانيه إلى وجود مفارق في عالم خاص يسمى عـالم المثـل او إلى الوجود الحسي ينسب الذي ،المعرفة

ويقابلهـا .)٢( والمثالي بمعنى الكامل والنموذجي ،مشتقة من المثل وهي في اللغة ،)١(معقوالتال المـصطلح الـذي هو Utopia اليوتوبيا مصطلح األوربيةلعصر النهضة السياسة أدبياتفي النمـوذج ان يتـصور فيهـا ك على الجزيرة التي ) م ١٥١٦/هه٩٢٢ :ت( ر توماس مو أطلقه

ومعناهـا toposو للنفـي أداةوهـي ،:Uواللفظ مؤلف من مقطعين ،)٣(م الحك إلدارة األسمى .)٤(الالمكان

)Realism(متـرجم عـن كلمـة مصطلح فلـسفي كذلكفهو مصطلح الواقعية أما وأحقيتـه تدل على حصول الشيء التي ،مشتقة في اللغة من وقع هي والواقعية ،)٥(االنكليزية

هـو اللـوح عند المتكلمين وحقيقته،لمتكلمون والفالسفة ا والواقع اصطالح استخدمه ،)٦(وثباته الخيالي يناظره و ،عي يرادفه الوجود الفعلي ق والوا ،)٧(هو العقل الفعال الفالسفةوعند المحفوظ .)٨(والفكريوالوهمي

للمعرفة المثالية والواقعية تينالرؤيبين اإلنسانيالفكر هـا في وطرائـق التفكيـر لتراثها ساتهافي درا أسيرة ورباأفي المعرفة نظرية ظلت

التـي لمعرفة ا جوهر إلىفي الوصول نظريتين متضادتين أساسعلى القائم اليوناني لألصل المعرفـة ألن وجاء بعدها بنظرية المثل ،)٩(العارفةمن جنس الفكر والذات انها أفالطون ىير

Page 3: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

١٤

أصـل ان أرسطو تلميذه اعتقد معاكس حين باتجاه نحت ثم نجد ان المعرفة ، جوهري أصلها ذاتيحساب الجانب ال الذي يعتمد الجانب الحسي على من جنس الوجود الخارجي ينبع المعرفة اإلدراك وان ،ستمد باالستدالل من الواقع المعـاش ت أرسطوفالمعرفة عند ،)١٠(اإلنسان ةلمعرف

قادرة اإلنسانيةالمعرفة حين ان الرؤية المثالية تعتقد ان في ، النظرة الواقعية أساسالعقلي هو المذهب الـواقعي ذات لمعرفة لدى اوهكذا كانت .)١١(ما حولها من العالم الخارجي على تحديد

على خالف ،في العالم الخارجي تكمن ان صورة المعرفة الحقيقية ترى ةسحسوطبيعة مادية م قـرون الوسـطى في ال على السواء واإلسالمي ،األوربيالعالمين صورة التي تبقي ،األخرى الحضارتين ففي كلتا ، المعرفة أصلالنظرية اليونانية في اعتماد إلى بأخر أوين بشكل تخاضع

التعريـف بـالظواهر على تقيم المعـارف و ها او الغربية كانت الجداالت قائمة من اإلسالميةـ للعقـل اإليمان أخضعتن البثت التي ما العقديةتلك او ،سياسية كانت ام اجتماعية نفس وبالهيمنـة مـن بعـده وأرسـطو أفالطون كل من آلراء وكان ،القديموسائل المنطق والتفكير

مختلـف في األوربية بعد عصر النهضةبدأت فة مختل عصورإلى على تلك المواقف المباشرةعكست ومسميات أشكاالً واستمرت حتى منتصف القرن المنصرم الفلسفية ات يوالنظر المذاهب

كان صدى النظريـة المثاليـة او في الوقت الذي لكل عصر من العصور طبيعة الطروحات مـع التعليـق النظـريتين وأصـول على فحوى تركيزاً أكثر اإلسالمي قرالواقعية في المش

من اإلسالميث الشرقي بما يتناسب مع الترا لدى الفالسفة او المتكلمين على السواء واإلضافة .)١٣( من جهة ثانيةإسالميلتراث اليوناني مع ما هو ا هاب الذي امتزج ، والهيليني)١٢(جهة

:اإلسالميةفي الثقافة وأصولها المعرفةجاء بالرسـاالت الذي ،)١٣(مصدرها الوحي كانت المعرفة عند علماء المسلمين عامة

صل الـنص القرأنـي او الحـديث أ فيقائمة وظلت تلك القناعات األنبياءطة سا البشر بو إلى/ والسيما منذ بدايات القرن الثالـث للهجـرة اإلسالميةلبثت المعرفة ، ثم ما فالنبوي الشري حين فسحت المجال منحى جديداً اإلسالميين لدى بعض من المفكرين أخذت ان التاسع للميالد

البحث عن الحقائق من علماء الكالم من مسألة توجس ما وإذا ، جانب النص إلى العقل ألعمالاالبتعاد قليال وبصورة غير مباشرة عن مصدر الوحي وبخجل ا حاولو أو ، النص إطارخارج

المعرفـة إلى االهتداء هاما في أساساًاعتمدوا العقل نالفالسفة المسلمي فأن ، المعرفة أصلفي عن الحقائق التـي جـاءت بهـا أهمية ان الحقائق المكتشفة من خالل العقل ال تقل اواعتقدو

)الصور( او الواقع الملموس خالل دائرة المعرفة من اكتشاف أساسعلى المعتمدةالنصوص أحيانـاً وبين الدين بينها اووقفو ،أفالطون عند المثل كما جاءت إطارفي او ،)١٤(أرسطومن

هم ولـدى لـدي للمعرفـة أصـالً اإلشـراق الفـيض او أساسها التي من حيث كون الفلسفة

Page 4: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

١٥

حـاول الفالسـفة إذ ،في اكتشاف المعرفة دلة اعتبر الواقع احد طرفي المعا و ،)١٥(المتصوفة ،فالسـفة على ال نرد المتكلمون المسلمو حين في ،قائم وثابت قبول العقل لما هو نصي تجميدوالـذي ، الحـس وأوائل احدهما بديهية العقل ،أمرين إلىبالرجوع المعرفة أصل أعادواحين ق ائبطر تأتيال المعرفة ان و ،ألفكاراوهم بذلك ال يقولون بفطرية ،)١٦(ي العلم الضرور أسموه

وانمـا هـي من الحس وحده وال من العقل وحـده كما انها ليست ،أفالطونالتذكر كما ذهب من خالل الوقـوف اعتماد النظريتين المثالية والواقعية احاولو إذ ،)١٧(ناشئة من العقل والحس

واالجتهاد فـي مـواطن ،وزهايمكن تجا ال أنموذجاًبوصفها على الثوابت التي يرونها كذلك في محاولـة لبعـث الفكـر بضرورة التحرك في دائرة العقل من خاللها يرون ا كانو أخرى

مـن ممن تخـرج والسيما عندما كان علماء الكالم مستجدات الحقائق والمواقف والتكيف مع وال معرفـة يشترط فيها تعليم العقلية والحسية ال ، وهذه المعرفة الضرورية ،المدارس الفقهية

فيمـا يتعلـق المتـواترة األحاديث الفالسفة في اعتمادهم عن اوالمتكلمون تميزو ،)١٨(سابقة ها احد مصادر المعرفة من جهة النبوة في الوقت الـذي كـان الفالسـفة فبوص الدين بأصول

مـن خـالل هي واحدة ه النبوة او العقل ركان مصد أ سواء المعرفة أصلالمسلمون يرون ان ، )١٩(على ما هو نـصي رفض الدليل وتعالوا بعضهمال بل ان ،ذاتها العقالء للمعارف اكتشاف

واليـات كـل واحـد أدواتالخـتالف يجب ان يدار في فلك الفقهاء فالعقل لدى الفالسفة ال .)٢٠(منهم

مل مع عالم الشهادة فهو يستعين بالحواس ويتعطل ا ما تع إذاعموما اإلسالموالعقل في في الوقت الذي يكـون ،)٢١()ونلقيع صم بكم عمي فهم ال ( ما جاء في قوله تعالى ك ،من دونها

مل مع المعرفـة الحـسية ان التعأفلذا ،)٢٢(اإليماني في عالم الغيب يتأمل لها وهو غير محتاج لقـد حـاول ،)٢٣(الخـارجي و معروف في العقل مع المحيط المحـسوس هفق ما اتتطلب تو

إذ ، العقـل أولحس وحده في اكتشاف المعرفـة ا عدم اعتماد رةن من معتزلة واشاع تكلموالمـ إذ ، ان يقال ان الحواس تقضي على العقول أ انه من الخط يرون ه ان لكل واحد منهمـا عمل

ر المعرفـة لـدى مـصاد أهم كما ان من ،المبدئيناعتماد رؤية تحاول وهي ،)٢٤(الخاص به إلـى أو العقل إلىيعود بالوحي التسليم أصلن ا إال ،الوحيشاعرة منهم والسيما اال ن المتكلمي

.)٢٥(الدليل العقلي على طبيعـة التفكيـر أثرهاالرغم من ظهور العديد من النظريات التي انعكس علىو

اجتماعية في محاولة البرهان على نظريات كانت ذات طبيعة سياسية او الباحثين الغربين لدى أفالطـون بهـا كانت تخضع لنفس المعايير التي جاء اقتصادية اال انها بطريقة او بأخرى أو

كان في كـل أساساًبين نظرية المثل من جهة والنظرية الواقعية السائد بقى الجدال لي وأرسطو .نقاش

Page 5: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

١٦

اإلسالمية الثقافة في الفلسفية اليونانية األطر أثر الفكـر العربـي فـي انعكس تـأثيره ، النص أطاربحث عن المعرفة من خارج لا ان

على لـسان ،بصيغ متنوعة ما جاءت به الفلسفة اليونانية استنساخمحاولة من خالل إلسالميا وابـن سـينا ،)م٨٧٣/هـه ٢٦٠:ت( والكنـدي ،)٢٦()م٩٦١/هـه ٣٥٠:ت( الفارابي كل من

األندلـسي البـاجي الوليـد أبـي ومن خالل كتابات ،)٢٧( في المشرق )م١٠٣٧/هه٤٢٨:ت() م١١٢٦/هـه ٥٢٠:ت( أبن رشد و ،)م١١٣٩/هه٥٣٣:ت (ابن باجة و ،)م١٠٨١/هه٤٧٤:ت(

أرسـطو تلميذه إلى او أفالطون إلى أفكارهمنسبت والذين ،)م١١٨٥/هه٥٨١:ت (وابن طفيل العربـي التـراث فـي المعرفة تفي وقت كان ،)٢٨(وهرهاوج المعرفة أصل مع احين تعاملو من خـارج المحـيط فها اكتشا إلى وال تحتاج كثيراً بواسطة الوحي النبوة مصدرها اإلسالميوهكـذا اعتقـد الفالسـفة ،وعدد من االشاعرة الحديث أصحابكما يرى ،اإلسالميالثقافي معتقـدين انهـا ال الـنص إطاران عليهم البدء في البحث عن المعرفة من خارج المسلمون

مـساحات اكبـر مـن إلى والقدرة على النفاذ ،)٢٩(قوانين وروح تلك النصوص تتعارض مع لتبقـى ، لـديهم أساساً النقل ااعتمدوممن يعتقده علماء الكالم ام والرد ضمنا على ،صالنصو أصـل فـي األرسـطي األفالطـوني من خالل الجدال قائمة اإلسالميربي العقل الع إشكاليةبين الـنص العالقة السلبية إشكاليةمحاولتهم في فك ان علماء الكالم ومن خالل إال ،المعرفة اإلسالمي للتراث والفكر ،الباحثين من مستشرقين لعدد من في قراءة مباشراً بباًكانوا س والعقل

صعوبة في اعتمـاد المحدثون من الباحثين الغربيين اذ لم يجد نظرية المثل والواقع من خالل من مسيحياً او مسلماً شرقياً او سواء كان غربياً اإلنساني في الحكم على طبيعة التفكير أدواتهم . والواقعية،المثاليةا ماسمه التي كانت واقعة بين متضادين ،عتماد المسطرة اليونانيةخالل ا

: السلطانيةلألحكاماب لكتقراءة االستشراق فـي المهمةمن مصنفاته ) م١٠٥٨/هه٤٥٠:ت( يعد هذا المؤلف البي حسن الماوردي

كان وضوعات عدة غى على الكتاب من منهج وعناوين عالجت م والسياسة لما ط اإلدارةحقل التي كانت تعمـل األخرىالحديث عن المؤسسات أعقبها الخالفة العباسية ثم أمرمقدمتها في

الـبالد وإدارة تناولت طرائق تعيـين أخرى كمنصب الوزارة ثم تلتها فصول ،ضمن الخالفة جـب ان المالية وما ي باإلدارة بالفصول الخاصة حكم الخالفة العباسية مروراً التي كانت تحت

ثم كان الحـديث عـن بأنواعه اإلقطاع ثم ،كالخراجمن يتولى مهام كل مؤسسة يترتب على ثم الحديث عن عمل ،مفصل من مفاصل الخالفة لكل اإلداري األساس عمل الدواوين بوصفها

من الفقهـاء فـي وغيرها من الموضوعات التي تناولها من سبقه ثم الحسبة ومهماتها القضاءوفق و ، الخالفة إدارة أولوياتوترتيبها وفق وكتب الخراج ليحاول هيكلتها موالاألسياق كتب

Page 6: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

١٧

يمكن أحكام هااعتماد التجارب التاريخية بوصف رؤية جمعت بين الطرح الفقهي من جهة وبين لديه كونه ومصادر التشريع أدواتبوصفه احد ومن خالل القياس ، متنقالً النموذج منها اعتماد

إطـار فـي أحيانـاً أكيد العقل ت فياألشعريومستفيدا من الفكر عتمدا المنطق م ،فقيها شافعيا ثـم سـفيرا للخالفـة ، في القضاء اإلداريومستنفذا خبرته الشخصية في حقلي العمل النص

لقدرته الفذه في ،إليه أوكلتفي مختلف المهام التي بعد نجاحه الملوك والسالطين إلىالعباسية فـي أثـره كل ذلك كان ،)٣٠( والسياسي اإلداري مرونة مبدياً الحوارات رةبإدا الجانب المتعلق إلـى والذي من المفترض كما جاء في مقدمة كتابه انه قـدم السلطانية األحكامطرحه لكتاب

إلى في سياق دعوة الخالفة ،)م١٠٧٥-١٠٣١/هه٤٦٧_٤٢٢( اهللا بأمرالقائم الخليفة العباسي في والذي فقدته دور الخالفة إعادة محاولة في الخالفة إلى لنصحاوالمشورة تقديم العلماء في

دور الخالفة مع أضعافبتنافس البويهين ثم السالجقة على والتي انتهت بفترة الفترات السابقة أبنـاء له ولغيره من األخرى ، فكان هذا المؤلف في سياق مجموعة من المصنفات مؤسساتها

وثقافـة عـصره إفرازات في احتواء الفذه إمكانيته ألحكاماكتاب عكس إذ ،جيله من العلماء وعاًرذاك ومحوال ان يقدم مش هذا الموقف او إلىدون ان يميل األحيان في كثير من متحرراً فـي عـصره ان تعيد بنـاء مؤسـساتها يمكن من خاللهأساساً للخالفةيصلح ان يقدم نظريا

.)٣١(وللعصور الالحقةظواهر بعينها ولم عدم وقوفه على من خالل على الكتاب غى ط ذيخطابه ال ان طبيعة

السيما تلـك و الوزارة أو ،التي تلت فصل الخاص بالخالفة في الفصول والسيما األخرى يسم مستـشهدا ،األخـرى شوؤن الخالفة إدارة في اإلداريةالخاصة بالعمل ذات الطبيعة الفصول لم يجعـل مـن في الوقت الذي .ذاك ا الحكم او في سياق تأكيد هذ لمراحله المختلفة بالتاريخ

أدب توزعت بين كتب والتي ،األحكامكما فعل في كتاب دستورياً مشروعاً األخرىمصنفاته في صميم األخرىعن مؤلفاته والحكم فضالً األمثال أدبفي و ،األخالقفي و ،األمراءمرايا وكتاب الحاوي في الفقـه الـشافعي القاضي أدب ككتاب للخالفة العباسية ا وقاضي افقيهعمله

األحكـام التي عالجت موضوعات محددة على خالف كتـاب األخرىوغيرها من المصنفات .والخبرات التي اكتسبهاخالصة ثقافته في الميادين السلطانية والذي كان قد اختزل به

ـ اعتماد ومن خالل اإلسالمي العربي للفكر األولىكانت القراءة ي نماذج مـشهورة ف ،فـي الغيـاثي )م١٠٨٥/هـه ٤٧٨:ت( والجويني السلطانية األحكامتابه في ك ذلك كالماوردي

)م١٣٣٣/هه٧٣٣:ت( وابن جماعة ،في كتاب التبر المسبوك ،)م١١١١/هه٥٠٥:ت( والغزالي النافذة العقلية المسموح بها النه علم الكالم ااعتمدو اشاعرة مبوصفه األحكامفي كتابه تحرير

صـرفا سواء كان يونانيا ،المنطق المنهج المتبع في وبتأثير علماء الكالم ان ،ص الن إطارفي لألحكـام هم في قراءت اليعتمدومن خالل المستشرقين ،طروحاتهمسهل امر قراءة إسالمياًاو

Page 7: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

١٨

يبدو صحيحا األمروهذا ، او الواقع ،لنظرية المثا إطار في ا ليضعوها والحكم عليه السلطانية والعقديـة بنواحيه الفكرية المعترك الثقافي إلىالمسلمين ان دخول الفقهاء إال ،من حيث المبدأ

حاول ومـن خـالل فـسحة مع منطق الفقيه الذي علماء الكالم من منطق المفكرين اقترن به علماء الكالم مع مالحظة آلياتاعتماد يعرف بفقه الواقع وما ، واالستحسان ،المصالح المرسلة

ليجمع بين الطرح الفقهي بوصفه فقيها وألفها على السياقات التي تعلمها يعدم خروج الماورد في مـساحات لينتشر من خالله ثم االنطالق بالقياس ،الخاص بعلم الكالم سجما مع المنهج نوم

حتى خرج عـن أحكامه طغى على مهما عندما جعل من القياس مصدرا وفضاءات من العقل . لدى الفقهاءبها المعمول القياس آليات فيثوابت

رأينـاه عنـد ما لمن خال المستشرقين عدد من والسيما المحدثين جاءت قراءات لقد المسطرة اليضعو ،)٢٣(كسوفاجيه وكرونيباوم في ذلك ماعقبهتوماس ارنولد اومن وفون كريمر جاءت لتؤكد ظنونهم ليضعوها فـي أحكامهمرجحين ان الماوردي في الحكم على اإلغريقية

ـ ع طروحاتـه يمكن تحقيق كونها ال لمثل ااو نظرية السياسية )اليوتوبيا( او المثالية خانة ى لان ن ونسى البـاحثو ،)المدينة المثلى ( بعصري الرسالة والراشدين ارض الواقع وهو يستعين

عن الخروج يمكن ال الخطاب الفقهي الذي تعتمد في جوهرها كانتالماوردي السلطانية أحكامالـشريف وهي السنة والحديث النبوي المهمة المصادر أهم على احد وصفه فقيها م ب اخطه الع منها لدى المدارس الفقية عامة والشافعية الكريم القرآن احد مصادر التشرع الثاني بعد بوصفهفـي بنـاء تجاوزها يمكن ال )صلى اهللا عليه وسلم ( ن التجربة في حياة الرسول لذا فأ ،خاصة

الذي في وقت جاء لديهم على الفصل الخاص بالخالفة كما ان القياس ،سيةمنظومة فقهية وسيا تـاريخي وآخـر نموذجيفة للقياس على ما هو ل مخت صوراً لألحكام األخرىحوت الفصول

.)٣٣(مختلف العصور الالحقةغطى

:في التقييم العام الحكام الماوردي السلطانيةالتباين الثقافي واثره تنعكس على طبيعة منظورهـا وأخرىمة ألموروثات الثقافية بين باين ا ان ت في الشك

لم تكـن تعتقـد اإلسالمية ان الحضارة العربية إذ ،وتصورها لمختلف مظاهر وقوانين الحياة التجارب التاريخيـة الـسابقة أصولاعتماد الحكم لديها وبين إدارةبين بوجود فصل وانقطاع

في تلك العصور اإلجماعاء السياسة انها من مسلمات لدى فقه بها التي من المفترض والمسلم سابقة مـن ويمكن اعتمادها ، الصفة القانونية أخذترها فقد وبأقرا ،أقرارهاالتي سبقتهم بدليل لم يكن لدى الحضارة الغربية في الوقت الذي ،األحكام أصول من أصالً هخالل القياس بوصف لتي سوى الفترات ا )٣٤( لديهم األحكام واقرار أصلبين ما هو مقدس وبين ذلك التماس المباشر

الـسياسة إخـضاع أمر لذا فأن ،)٣٥(في العصور الوسطى اسة يعلى مقاليد الس الكنيسة هيمنت

Page 8: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

١٩

يرى فـون إذ ،الشيء الكثير والضعف م من هذا النوع فيه من القصور يالشرعية لمنظور وتقي ،وتدهور فـي مؤسـساتها لخالفة تجاهل واقع عصره من ضعف في ا قد ان الماوردي كريمر

،وتومـاس ارنولـد وهكذا اعتقد روزنثال ، الخاصة بالخالفة العباسية األحكاموهو يكتب عن قفوا كثيـراً لم ي إذ ،ذاك مع اختالف كل مدرسة ينتمي لها هذا المستشرق او ،)٣٦(وكرونيباوم

ـ كما ، كالماوردي يتكلم به فقيه شافعي الخطاب الذي أصول ضرورات أمام يمكـن ان ال ه انتنافس القوة في وقت كان هور وضياع مستقبل الخالفة العباسية دعاش في فترة ت رجال نطالب

راًيجديدة تعتمد معـاي ليأتي بنظرية ، في عصره أوجهعلى سلجوقية المختلفة بويهية كانت او وصكمـا ان انتقـاء النـص ، خاللهـا تدار من في اختيار اليات جديدة األمةموروث تخالف

ـ بوصفه المعتمد لديه وفق مبدأ القياس التاريخية لدى الماوردي والتصرف بها اً شـافعي اًفقيه مـن ت الثقافية ا التيار أراءبين لديه في االنتقال للدبلماسية في طرح الخطاب هنا الفذةوالقدرة

األمر ذلك ان إال ،)٣٧(األحكام إقراردليل عدم مثاليته في النصوص الفقهية إلىجهة او العودة عكست واقع أحكاماًدم ق بوصفه األرسطيالمدرسة التي تبنت الفكر لم يجعله تماما في خانة

مهمـة ان إذ ،المـاوردي مرة ثانية لم تكن المسطرة اليونانية موفقة في حكمها على ،عصرهالبحـث من خالل لول المناسبة لذلك العصر ح ال إيجاداجل من هو جود الفقهاء في كل عصر

األحكـام من ما هو عام أمامم الجمود د وع السابقة األحكامن حلول بالرجوع واالستنباط من عسوى ان الماوردي ، ذلك العصر إشكالياتلكل عصر من الحكم العام ليحل فجاء استباط الحكم

وهو يعلم اوال انه لم يعد فقيها مخلـصا لقياسلطرحه اعتماد العقل من خالل بالغ في كان قد ي لديه بين العمل الفقهي تداخل الثقاف لا ذلك أهمها عديدة لعل ألسباب إليهاة التي ينتمي للمدرس

لـدى دبلماسـياً عن عملـه فضالً ،اإلسالمي لمنطقا كونه قد درس مع ،والقضائي من جهة جعـل باسيلعا الخليفة ثم قربه من ومن ثم السالجقة من بعدهم ، الملوك البويهين إلى الخالفة

.)٣٨( تلك في تشكيل شخصيتههاماً أمراً في صياغة خطابه ذلك التنوع من جهـة سببه اختالف الثقافات الماوردي ألحكامالباحثين م اختالف وضعف تقوي انوان التجارب السياسية في الغـرب ،على البناء الفكري له الحكم تصلح في ال آليات واعتماد

رجـال منلديهم لم تصدر رات السياسية بناء التصو ان إذ ،اإلسالميشرق هي غيرها في ال او في القيـاس أساساً تراثهم الديني باعتماد ملزمين اليسو عن ان مفكريهم فضالً ،أوالًدين ال

او تلك التي تنظم عمل وبناء مؤسساتهم ومن بينها بالقوانين المدنية الخاصة األحكامفي تثبيت هي من تـصدر التي كانت و الكنيسة إلىم نهسوى الفترات التي خضع فيها سلطا كل الم يارتاخ

ـ السياسي عكست واقعهم إداريةمنظومات المراسيم الخاصة ببناء ة مـصالح الفئـات وطبيعممـا انعكـس ،أدبياتهااعتمادها المثل الذي لم تراه في من أكثر، مملكاتهم إدارةفي المختلفة

او ما طرح نماذج من الخيال ا وفكرية غلب عليه أدبية أعمال من أنتج من خالل كثرة ما أثره

Page 9: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

٢٠

فضاء من الراحة بالبحث عن تجارب إلىحاجة المجتمع الغربي عكست ،)٣٩(يعرف باليوتوبيا ،أوغسطينمدينة اهللا للقديس فشرعوا في البحث عن ، أحالمهمسوى في لديهملم تكن موجودة

لتتـضح توماس مـور ثم جاء كتاب اليوتوبيا ل الفردوس المفقود في ومؤلفات يواتيم الفلوري ان يـأتي الغريب بمكـان ان من إال ،لهاتحديد االصطالحي المن خالل المثالي األدبمعالم هـاملتون كـب السير وهو ،أستاذهما توصل له ليرى خالف ، هذه المدرسة أعمدةاحد تلميذمن سبقه ومن بينهم مـا جـاء بـه خالفت بنظرية صرح الماوردي أحكامبعد تأمله في الذي

كانـت تمثـل واقـع المـاوردي الـسياسية أحكام حين اعتقد كب ان ،ستاذه توماس ارنولد ا – الماوردي –ه فبوص في الحكم عليها أساساً المسطرة اليونانية أخرىليضع مرة ،)٤٠(عصره

وهـي بحـق ديرماولتي اقرها ا ال ،)٤١(ستيالءال ا إمارةمن خالل واقع عصره دكان قد استنف . الى غير رجعة من الباحثين عات من سبقهبقناكانت قد عصفت

من العـرب ثم ، ولتل ،هنري الوست ثم ،تلميذته المبتون ،كب هاملتون بعد تثم جاء القائلـة بواقعيـة ،)٤٢(هـاملتون كـب ليعتمدوا الرؤية الجديدة التي جاء بها حنا ميخائيل كان

.)٤٣(ع عصرهوانها جاءت استجابة لواقالسلطانية أحكامهفي صياغة الماورديوضـع مـن خـالل ،أشكاله ومع اختالف قائماً ظل هاجس الطرح االستشراقي لقد

انطباعـاً أعطى ان الذي ،)٤٤(وبين مكيافيلي أوغسطينحالتين أي بين القديس الماوردي بين هـو ان و الواقـع ا ،المثـال الماوردي في دائـرة امن وضعو م لدى الباحثين من مستشرقين

وهذا ربمـا من جهة األرسطيبأخر بالمنطق تأثر بشكل او تكلما اشعريا بوصفه م الماوردي حاول ان يضع في لقد ، لمنهج واحد في القياس إخضاعها في عدم ألحكامهيفسح المجال جعله

،في الخطـاب مـن جهـة الخروج عن ثوابت المنهج الفقهي يستطيع فقيها ال بوصفه حسبانهمريـدي الفكـر من قراءهأضاع هاال ان لألحكامبطا ومقدما حلوال لعصره ضمن وظيفته مستن

كما ،لمسطرة اليونانية ل إخضاعهالسهل من ففي الوقت الذي ليس ،الشكغياهب في السياسي بتقـديم أي إلزامـه نـا يمكن ال إننا كما ،خانة الفقهاء الموضوعيين يمكن ان يوضع في انه ال

لـذا فـأن ، تعصف بالخالفة العباسـية جديدة في ظل تلك الظروف التي كانت إداريةتجربة وال ضـمن معـايير ،في هذا الكتاب الماوردي ال يوضع ضمن المعايير التي رسمها الفقهاء

المفكـر هو فـي خانـة ، فيه ان يوضع الماوردي ما يمكن أفضلان ،المحدثين من الباحثين وهـذا ، لفقهاءفي قاموس ا ترجمة له عصر الماوردي لم يجد وهو اصطالح السياسي الفقيهو

الدولـة بـإدارة مهمة تتعلق مواضيع الدخول في ألنفسهم ا ممن لم يسمحو أقرانهما خالف به فـي متوازنةصورة الماوردي قدم من خاللها الخالفة بإدارة ان الفصول الخاصة إال ،آنذاكـ )٤٥(ع تقديم الحلول المناسبة لها الدولة م تمؤسسا إدارة اء ، كان مشروع المـاوردي فـي بن

فالمـال عـصب واآلخر يطرحها بين الحين أحكامههاجسا في كل منظومة مالية والتي ظلت

Page 10: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

٢١

بمختلـف باألرضفي محاولة معالجة المسالة المتعلقة األساسية لذا طرح الحلول ،حياة الدول فأنهـا ر بنظر االعتبـا أخذت ما إذاموازنة مالية صرح البناء المالي بتخطيط أقام إذ أشكالها

كما ،األخرى على سائر المؤسسات سلطانها إعادةمن تمكنها ثابتة أمواالًللخالفة فرو ت وفس الزراعيـة التـي مـن األرض لكل مشكلة قد تواجـه بتقديم حلول االقتصاد الزراعي عالج

العـسكري الـذي باإلقطاع تتعلق إشكاالتبما فيها من لبيت المال كون ريعها المفترض ان ي محـاوالً ،)٤٦(العصرين البـويهي والـسلجوقي تصاد الزراعي طيلة باالق أضرت بات مشكلة

لكـل سبل المعالجـات إلىما يوصله أحكامهامستنبطا من استدعاء مختلف الخبرات الفقهية .)٤٧(عبر العصور ميزانية الخالفة حالة كانت سببا في انتكاسة

المالية وما تبعهـا ء السياسة ببنا انصاف الماوردي فأن الفصول الخاصة أردنا ما وإذاولـم يصلح لعـصور الحقـة ومرناً دقيقاً إدارياًكانت تمتلك خطابا كلها من اقتصاد زراعي دون الوقـوف عدم قبول النظرية القائلة بواقعيته إلى يقودنا األمر وهذا ،تقتصر على عصره

ـ ،لفترات تجاوزت زمانه منظراعلى كل محور وجد فيه الماوردي ز طالما ظلت مشكلة عجخ سقوط يتار حتى ،)٤٨(شقيه االستغالل والتمليك ب اإلقطاع أخطاءمن الميزانيات وما يصاحبها

أحكامـه ييم ق في ت الفصول ت لذا جاء .م١٢٥٨/هه٦٥٦الخالفة العباسية على يد المغول عام حتى بـات القيـاس طروحاتهسمة ميزت أحكامهكان المنطق في ذا من هذه المعطيات ةنابع ،أحكامـه في رسم صـورة الماوردي أدوات أهمهو احد محضاً او فقهياً نصياً او كان عقلياً ،كالمـي وثالث فلسفي وآخر فقهي هو بثقافات جمعت بين ما الغني التراث امتالكه ذلك بحكم

فـي نيالمستشرق والسيمالباحثين ل سهلتالتي عصره تراكم المعرفي الفرازت الفضال عن في الماوردي أدانوا الفقه السياسي إطارخارج ان الفقهاء إال ،كم عليه في الح عدم العناء كثيراً

ى طروحاته الحكم عل ان إذ ،)٥٠( الجويني اإلمام الحرمين أمامومن بينهم ،)٤٩(بة من مناس أكثرة من يظيثير حف وان كان المصطلح هذا قد ، الشرعية فقهاء السياسة آلياتان تعتمد فيها يجب

أمـر وهذا ،وحدة واحدة مع الدين بوصفها اإلسالمي التراث من خالل رس دت يقول ان السياسة أمـام األحكامعموما وهم يستنبطون لوقوف الفقهاء ولكن،اًبديهي أمراً العديد من الباحثين يراه

يعمل في من ا الباحثين ان يصنفو ألزم ،دون مناقشتها والسلطان تتعلق بالملك إدارية إشكاليات ال لهم عن غيـرهم ممـن تمييزاً السلطانفقهاء م بوصفه ،الطبيعة السياسية ذات األحكامحقل .المعرفي هذا الحقللتفاعل معفي ا يرغب

علـى قبل ان تطرح عصره أبناء طعون إلىتعرضت السلطانية الماوردي أحكامان اقـف مو ل تـسويغه و لم يكن متأتيا في قبوله واقعاً عليه أقرانهاال ان حكم ،شراقتطاولة االس

التي التزمها المنهجية المنظومةكونه تجاوز على ل بل ،فحسب يةسوالسيما العبا فعلتها الخالفة المتفـق بالقياس الذي تجاوز به حدود المـنهج الفقهـي إسرافهوالسيما في من الفقهاء أقرانه

Page 11: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

٢٢

نى قلـيالً تب كان قد ولو ،آنذاك العام للخالفة اإلداريالنظام لو استعان بمقترحات وربما ،عليهدقة واقل تعرضـا لتجـريح أكثرلكان الفقه االفتراضي أساسمنهج الفقه الحنفي القائم على

جاءت في صيغة الماوردي السلطانية أحكامكانت لوو ،فقهاء عصره او المحدثين من الباحثين لك كل ت إلىلما تعرضت النظرية السياسية كما فعل من جاء بعده نصائح ملوك او أمراءمرايا

لنظام )سياسة نامة (، وكتاب لالمام الجويني )الغياثي(كتاب وكان حالها حال ،الحادة النقاشاتحين من الماوردي اًظتحف أكثر يا بد والذان ،اوغيرهمللغزالي )التبر المسبوك ( كتاباو الملك

آليـات أهـم الماوردي على احد جرأة ان ،سلطانيةلا األحكام في كتاب إلى ماهي كتاب لم يحوال يـستطيع ان يـضع لـه الذي لم العسيروركوب هذا المركب منهج الفقهاء والخاص بالقياس

كان أخرىدائرة ووضعه في األصوليين الفقهاء من دائرة أخرجه ،افقيهبوصفه حدودا معينة مريديه في حقل الفقـه الـسياسي مـن محـدثين ،رق الماوردي لقد أ ،أوفرللخالفة فيها حظ

وثالـث ، بطروحات الفرق والتيـارات اتسم وأخروع خطابه بين ما هو فقهي حين تن وغيرهمـ ،عصر واحد تعلق بعدم التزامه النصوص التاريخية من ع تجاهلـه لكثيـر فـي تحقيـق م

عـن أخرجـه ما ، الملوك أدب بمنهج كتب افقيه عن تداخل منهجه بوصفه فضالً ،النصوصفي يوسف وهو يوجه كتابه أبو ما كان وإذا ،ليهاإالتي ينتمي الفقهية للمدرسة ضوابط العامة ال

ثم ،راعى ان يكون مقدمة كتابه خاصة بالنصح قد إذ ،)٥١(الرشيد الخليفة العباسي إلىالخراج فقيـه إلىوالبحث في خراجها تحول حال الخالفة المالي إصالح في الحديث عن عرج يحين لتجـريح تعرضه إشكاليةمما قلل من فقهي وآخر ،ولم يخلط بين ما هو وعظي بامتيازحنفي

األسـباب إلـى يضاف آخر كان سبب األمر فان هذا ،الماوردي مع حالالمعاصريه كما هو وتعريض في كـل جدالو نقاش إلىمسألة تعرضت لماوردي ا أحكامالتي جعلت من السابقة

وان ،للدولة اإلداريةقد شرع في فتح باب جديد في علم النظم ليبقى الماوردي ،عصر وزمان علـى كتـاب رد فعل ما جاءت طروحاتهم غالباً و ،أبىدار في فلكه شاء ام كل من جاء بعده

الفقيـه هذا إليهاطرح المدرسة الفقهية التي ينتمي ل كانت محاولة او تهذيبها واحاولاو األحكام وكتـاب ،جويني ال لإلماموكتاب الغياثي ، السلطانية البي يعلى الفراء األحكام ككتاب ،ذاك او

فـضال عـن ،لزين العابدين عبد الرؤوف المنـاوي السلطانية األحكامالجواهر المضية في اسـتطاع ان ما زعمنا ان المـاوردي إذا وال غرابة ،)٥٢( السلطانية للسيوطي األحكاممختصر

محـوراً وجعلت منه ،معا واإلداريةالثقافة السياسية تركت بصماتها الخاصة في يأتي بنظرية . حتى عصر ابن خلدون فيهاأعقبهتدور طروحات من

Page 12: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

٢٣

:الهوامش ):هـه ١٤٢٧ : منـشورات سـليمان زاده ،قم(موسوعة الفلسفة ، بدوي ،عبد الرحمن ) ١(

٣/٣٧٤-٢/٤٣٨.

ترجمـة وتقـديم انجيـل ، مور، يوتوبيا ،؛ توماس ٣/٣٧٤ :موسوعة الفلسفة ،بدوي ) ٢( ٧ص ،)١٩٧٤ : دار المعارف،مصر(بطرس سمعان

.٢/٦٢٤ :موسوعة الفلسفة بدوي، ) ٣( .٧ص ، المرحع السابق،مور ) ٤(

.٢/٦٢٤ :المرجع نفسه ،بدوي ) ٥(

.٢/٦٢٤ :المرجع نفسه ،بدوي ) ٦( ،)ت.د : دار الشؤون الثقافيـة ،بغداد( التعريفات ، الجرجاني ،بن علي علي بن محمد ) ٧(

.١٣٦صالمملكـة العربيـة (بين القران والفلـسفة نظرية المعرفة الكردي،راجح عبد الحميد ) ٨(

. ٢٨٣ ص،)١٩٩٢ : مكتبة المؤيد،لسعوديةا .١٠ص ،)١٩٧٠ : دار الكتب العلمية،بيروت( ،الفكر طبيعته وتطوره نبوي،جعفر، ) ٩(

.٢٨٦ص ، المرجع السابق،الكردي ) ١٠( ٢٨٦ص ، المرجع السابق،الكردي ) ١١(

،بيروت(ديم نقوال زيادة ترجمة وتق الفكر اليوناني والثقافة العربية ديمتري كوستاس، ) ١٢( التـراث ،عبـد الـرحمن ،بدوي ؛٢٠٣ص ،)٢٠٠٣ ،ة الوحدة العربية مركز دراس

بينها وترجمها عبد ألفالمستشرقين دراسات لكبار ،اإلسالمية في الحضارة اليوناني .٢١ص ،)ت.د : وكالة المطبوعات،الكويت(الرحمن بدوي

.٢١ص ، التراث اليوناني،بدوي ) ١٣( .٦٧٦ص ، المرجع السابق، راجح،الكردي ) ١٤( العربية وعلق عليـه إلى نقله ، ومركزه في التاريخ الفكر العربي ،ليري او ،دي السي ) ١٥(

شـاخت ، ٢٥،١٧٠ص ،)١٩٧٢ : دار الكتـاب اللبنـاني ،بيروت( البيطار إسماعيل مراجعـة فـؤاد ، صـدقي وإحسان ترجمة حسين مؤنس ،اإلسالم تراث ،وبوزورث

.٢/١٠٣ ):١٩٨٨ :سلسلة عالم المعرفة ،الكويت( ،زكريا ،والنحـل واألهـواء الملل فيالفصل ،األندلسيابن حزم ،ي بن محمد محمد عل أبي ) ١٦(

.٣/٢٥٢ :)٢٠٠٢ : التراث العربيإحياء دار ،بيروت(تحقيق يوسف البقاعي :اسـتنبول، مطبعـة الدولـة ( ، الـدين أصول كتاب البغدادي، ،عبد القاهر بن طاهر ) ١٧(

.٩ص ،)١٩٢٨

Page 13: الماوردي

نوفل محمد نوري. د

٢٤

.٣١ص ،المصدر نفسهالبغدادي ) ١٨( .٧١ص ، والمؤانسةاإلمتاع ، حيانأبو ،التوحيدي ) ١٩( .٧١ص مصدر نفسه،ال ،التوحيدي ) ٢٠( :أية ،سورة البقرة ) ٢١( .٣/٢٦٧ :ابن حزم، المصدر السابق ) ٢٢( .٥١٩ص ، المرجع السابق، راجح،الكردي ) ٢٣( ، واخـتالف المـصلين اإلسـالميين مقاالت ،األشعري ،إسماعيلعلي بن الحسن أبو ) ٢٤(

القاضي عبد ؛٢/٢٦:)ت.د :داثة دار الح ،بيروت(تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد : دار المعـارف ،القـاهرة ( تحقيق عبد الكريم عثمان ، الخمسة األصول شرح ،الجبار .٧٨ ص،)١٩٦٥

،القـاهرة ( الحسن أبو ،األشعري ،حمودة/،؛ غرابة ٢/٢٧ :المصدر السابق ،األشعري ) ٢٥( ٤٣ص ،)١٩٥٣:مطبعة الرسالة

،)ت.د : دار الطليعة ،بيروت( الفارابي، الفلسفة السياسية عند ،عبد العال عبد السالم بن ) ٢٦( .٥٤ص

.٢٠٣ص ، المرجع السابقديمتري كوستاس، ) ٢٧( : مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت (، ابن رشد سيرة وفكر ،محمد عابد الجابري ) ٢٨(

.١٢٠ص ،المرجع السابق ، اوليري،؛ دي السي١٥٨٠١٥٩ص ،)٢٠٠١المرجـع ،اوليـري ،دي السي ؛ ١٦١-١٦٠ص ، المرجع السابق ،شاخت وبوزورث ) ٢٩(

١٢٥ص ،السابقفي تاريخ الملوك المنتظم ، ابن الجوزي ،عبد الرحمن بن علي الفرج أبو جمال الدين ) ٣٠(

، عبـد اهللا أبـي شهاب الدين بن ؛٨/٦٥،٩١ :)١٩٩٠ :دار الوطنية ال ،بغداد (واألمم )١٩٢٣ : دار المستـشرق ،بيروت(، تنقيح احمد مزيد األدباءمعجم ،ياقوت الحموي

:١٥/٥٣ .٨/١٩٩:لمصدر نفسه ا،ابن الجوزي ) ٣١( ترجمة ، وليم بولك ، تحرير ستانفود شوا ،اإلسالمدراسات في حضارة ،هاملتون كب ) ٣٢(

، شـاخت وبـوزورث ؛١٥٤ص ،)١٩٦٤ دار العلم للماليين ،بيروت( عباس إحسان ١٦٩ ص ،المرجع السابق

والواليـات السلطانية األحكام ، الماوردي ،ينظر ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب ) ٣٣( ،بغداد( ، لخالد رشيد الجميلي األحكام أحاديث في تخريج األناموبهامشه اقباس ،الدينية

.)١٩٨٩ :دار الحرية للطباعة .٢٣ص ، التراث اليوناني،بدوي ) ٣٤(

Page 14: الماوردي

.الماوردي بين إشكالية المثالية والواقعية

٢٥

.٢٣ص ،المرجع نفسه ،بدوي ) ٣٥( ، المرجـع الـسابق ،؛ شـاخت وبـوزورث ١٥٤صالمرجع السابق هاملتون، ،كب ) ٣٦(

١٦٩ -١٦٧ص .األحكام ،ينظر الماوردي ) ٣٧( .األحكامينظر ) ٣٨( .٣/٣٧٤ : موسوعة الفلسفة،؛ بدوي٥ص ، اليوتوبيا،ينظر توماس مور ) ٣٩(

(40) Jibb, H. A. R., (Constitutional Organization) in Law in Washington, the Middle East Institute, 1955, PP,32.

٥١ص ، المصدر السابق،الماوردي ) ٤١(ـ ١٥٤المرجع السابق ص هاملتون، ،كب ) ٤٢( ، المرجـع الـسابق ،اخت وبـوزورث ؛ ش

تعريب شكري ، الماوردي وما بعده ، السياسة والوحي ،حنا ميخائيل ؛ ١٦٩ -١٦٧ص ،)١٩٩٧ : دار الطليعـة ،بيروت( ، تقديم ادوارد سعيد ، مراجعة رضوان السيد ،رحيم .٣٩ص

H. Looust (Le) Hanbalism Sousle Galifat, de Baghada, Libairic Genther REI, Paris 1959 PP,85.

١٥٤المرجع السابق ص ،كب ) ٤٣( ترجمة ، توينبي إلى المذاهب الكبرى في التاريخ من كونفوشيوس ويد جيري، .ج.البان ) ٤٤(

.١٨٠، ص)ت.د : دار القلم،بيروت( ،ذوقان قرقوط .المصدر السابق ،الماوردي ) ٤٥(ف .ه اعتنـى بالنـسخ والتـصحيح ،األمم تجارب ، علي احمد بن محمد أبومسكويه، ) ٤٦(

، المـاوردي ؛٢/٩٨ ):ت.د : مكتبة المثنى ،بغداد( طبعه باالوفسيت أعادتز، امدرو ٣١٢ص ،المصدر السابق

.٥١ص المصدر السابق،،الماوردي ) ٤٧( ٣١٢ص المصدر السابق،،ينظر الماوردي ) ٤٨( ، في التياث الظلـم األممغياث ،الغياثي ، الجويني ، المعالي عبد الملك بن عبد اهللا أبو ) ٤٩(

.٦٧ص ،)م٢٠٠٣ : دار الكتب العلمية،بيروت( ،وضع حواشيه خليل منصور .٦٧ص المصدر نفسه،،الجويني ) ٥٠( المطبعـة ،القاهرة( كتاب الخراج ،إبراهيم يعقوب بن ،يوسف ينظر مقدمة كتاب ابو ) ٥١(

.)هه١٣٤٦ :السلفية صححه محمـد حامـد ، السلطانية األحكام ، يعلى الفراء أبو ،محمد بن الحسين ينظر ) ٥٢(

.١١ص ،)١٩٦٦ :البابي الحلبي مطبعة مصطفى ،مصر(الفقي