alukah · web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"،...

115

Upload: others

Post on 15-Aug-2020

3 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 2: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

نقوشنقوشعلى الجدار الحزينعلى الجدار الحزين

)رواية( )رواية(

تأليفتأليفمأمون أحمد مصطفىمأمون أحمد مصطفى

www.alukah.net

Page 3: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

قارئي العزيز: ليس من أس��لوب القص��ة أو الرواي��ة أن يخ��اطب الق��اص أو ال��راويد على الس��ياق وعلى قارئ��ه مخاطب��ة مباش��رة، لكن��ني بن��وع من التم��ر النهج المت��واتر س��أخاطبك الي��وم بش��كل مباش��ر، وك��ل ه��ذا الخط��اب��ا من مكون��ات القص��ة، وليس مقدم��ة قب��ل البداي��ة، ولن س��يكون مكون��ك باس��م ال��راوي ال��ذي يج�ول بين الس��طور، ب��ل س��أخاطبك أن��ا أخاطب الك��اتب ال��ذي يكتب بش��كل مباش��ر، نازع��ا أي ظ��ل لل��راوي من ك��ل مكونات القصة، ألبقى أن��ا وأنت في مواجه��ة؛ نتحمل الوص��ف، ونن��دمجات واألزقة والبيوت والبق��االت في الصور، وننصهر في الشوارع والممرعاته��ا؛ ح��تى نص��ل إلى قص��ة ترس��م وال��دكاكين، بك��ل اختالفاته��ا وتفر المكان بذاكرة مستبيحة كل التفاصيل؛ من أج�ل إرس��اء ن��وع من األدبة تخفي يتواصل مع المكان بما فيه من أسرار وخبايا، من تشكيالت مادي في داخله��ا حي��اة الجم��اد ال��تي ننفي وجوده��ا وتأثيره��ا على شخص��يتناعة بين الن��اس واألش��ياء، بين األحي��اء والجم��اد، تنا وتركيبتنا الموز ونفسي بين اإلحساس بما نعرف، والشعور الغامض بما ال نعرف؛ حتى نستطيع

ا أوفياء لإلنسان. الوفاء للمكان بنفس القدر الذي كن اعلم مسبقا أنه أدب من نوع جديد، أو على أقل تقدير هذا ما أدعي��ه أنا، ولي الح��ق المطل��ق في ه��ذا االدع��اء؛ ألن��ه أدب يرتب��ط بالجغرافي��اكة التي تمشي معنا، تس��امرنا، تختل��ط بأحالمن��ا وأمانين��ا، تم��تزج المتحر بفرحن��ا وحزنن��ا، ببؤس��نا وفقرن��ا، هي الجغرافي��ا ال��تي تبعث من مرق��دا رضعا، ل ذاكرة المكان، المكان المالحق ألنفاسنا، حين كن األرض لتشك وحين حبون��ا، وحين أص��بحنا نس��ابق المس��افات ونط��وي المس��احات، المكان الذي تغلغل بأعم��اق روحن��ا، فأوقفن��ا على محطات من ال��زمن،

كانت تنتظر وعينا لنمزجها فيه، فيتكون زمان المكان، ومكان الزمان.ف الماض��ي الزم��اني والمك��اني بأن��ه وأن��ني بج��رأة أس��تطيع أن أص�� الحاضر الممتد بخاصرة الوج��ود إلى اللحظ��ة ال��تي نحياه��ا؛ أي إن��ه ه��وك بين أي��دينا، وأس��تطيع أن أق��ول وبنفس الج��رأة: إن الوج��ود المتح��ر الحاض��ر المك��اني والزم��اني ه��و المس��تقبل ال��ذي ينم��و بين أعطافن��ال ص��ورة الوج��ود المتص��ل بالماض��ي والحاض��ر؛ أي إن��ه ووجودنا؛ ليش��كك ليكون المستقبل، وح��تى المس��تقبل الوجود المتفاعل بأيدينا والمتحرا ا، فإن��ه أيض�� له عن له بين أيدينا، ويخفي بعض تش��ك الذي نرى بعض تشك يخضع لذاكرة المكان التي تستدعي الزمن لالتصال بها؛ ليتكون الوج��ود

ة: الماضي، الحاضر، المستقبل. بصورته الثالثي وهذه القصة، وجدت - عزيزي القارئ - بنوع جديد من األدب؛ لترصدل م ط��ول ك��رم" المك��ان بذاكرت��ه ال��تي اس��تدعت ال��زمن؛ لتش��ك "مخي

www.alukah.net

Page 4: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

كة لها علي حق الوفاء لذاكرة مكانه��ا بنفس الق��در ال��ذي جغرافيا متحر حوتني وأهلي وناسي وش��عبي بين دفتيه��ا؛ دفة المك��ان، ودفة الزم��ان، فال أق��ل من حقي علي��ك كك��اتب أن تق��ف لتع��رف المك��ان بص��ورتها يخف�ق بالت�دفق �رة؛ لتص��بح وج�ودا أدبي ة القادمة من ب�رق فك الجغرافي

ماء. والحياة والن

م طول ك��رم" لم يكن موج��ودا ب��ذاكرة المك��ان، وك��ذلك لم هو "مخيها تابع��ة يستدع الزمن من مكمنه ليرتبط بهذا المسمى، كانت األرض كل "لطول كرم"، المدينة الممتدة من الساحل إلى أعماق المدن األخ��رى، وكانت تغزوها البي��ارات الممت��دة في الس��هول، والزيت��ون المتج��ذر في��ا والقمم، وك��ان الل��وز وال��دراق، والخ��وخ ب الجب��ال والس��فوح، والر والمشمش يحتضن األرض وتحتضنه األرض، كانت مساحات من الذهب��ا تتس��لق أق��دام الجب��ال س��هول من المتوهج تمت��د في الس��هول، وأحيان القمح المت���ألق المت���وهج، وك���انت الحيوان���ات بجمي���ع أنواعه���ا ت���ذرعباع والكالب وابن آوى، وك���انت بعض المس���افات والمس���احات، الض��� ال��ذئاب، وك��ان ال��دجاج والحم��ير والبغ��ال، والخي��ول والجم��ال، وك��انتعة الش��مس كرف��وف متالص��قة، فتخفي عين الطي��ور تمت��د أم��ام أش�� الشمس، وكانت األف��اعي والعق��ارب والقط��ط تتن��ازع البق��اء والوج��ود،ب��ات كينونت��ه كانت األرض - المكان قد تواصلت مع الزمن لتغذيه بمتطل وبقائه، فك�انت التس�مية: "ط�ول ك�رم" التس�مية المتفجرة من التح�ام المكان مع الزمان مع كروم العنب التي تتواص��ل وتتواص��ل، ح��تى يب��دو للعين أنها متصلة بالالنهاية، كروم من عنب يقطر حالوة، يتألأل كألم��اس منث��ور بين أه��داب الزم��ان، ورم��وش المك��ان، ح��تى يب��دو وكأن��ه يمنح الشمس توهجها وبريقها وألقها من ه��ذه الك��روم الممعن��ة في النض��وج المكاني والزماني لنواتها، كان االس��م ال��ذي يص��ف ط��ول تل��ك الك��روم

الممتدة إلى الالنهاية، فكانت "طول كرم". لم تكن تل��ك البق��اع الممت��دة الرحب��ة تع��رف من خباي��ا الق��ادم م��ا س��يجعلها تس��تدعي الزم��ان من امتدادات��ه، ليلتحم م��ع جغرافي��ا جدي��دةل معلما صغيرا ال يتجاوز بمساحته كيلو متر واحد، سيضم خليطا ستشك من البشر، من الحيوانات، من الطيور، من األش��جار واألزه��ار وال��ورود، من األشياء التي ستفرز مساحات الكيلو م�تر؛ لتك�ون اإلف�رازات نق�اطة فيه��ا بأس��ماء تتص��ل به��ا، فتك��ون هن��اك معرفة تعرف الزوايا الجغرافيها جاءت من رحم غيب ك��ان يس��تعد لتش��كيل طرقا وحارات ومواقع، كلة ة، والعربي ة والجمعي ما س��يمتد بال��ذاكرة الشخص��ي جغرافي��ا تحم��ل اس��ه��ا ة، ليتوحد مع مسميات مش��ابهة، ك��انت ت��ربض كل ة والعالمي واإلسالمي

www.alukah.net

Page 5: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ر الزماني بانتظار لحظة االنفج��ار الك��وني الكب��ير، على نفس بؤرة التوتم طول كرم". لحظة والدة منطقة جديدة في الكون تدعى: "مخي

المس��احة كيل��و م��تر واح��د، يض��م مس��احة تحتض��نها س��بعة م��داخلقة، المدخل الملتقي مع الطريق الواصل إلى قري��ة "ذناب��ة"، حيث متفرع من��ه طري��ق ي��ؤدي إلى مجموع��ة مضخة مي��اه بي��ارة "حن��ون" المتف��رع، فهي تلتقي م��ع م��دخل "عزب��ة الج��راد"، وتمت��د م��داخل تلتقي وتتف��ر لتلتقي مع مدخل "عزبة ناصر"، ومع مدخل مدينة "طول كرم" من ذيلع ة، ويمتد الطريق ليتوجه إلى قرية "فرعون"، ومنه تف��ر الحارة الشرقي يقود إلى قرية "أرتاح"، وم��ع م��دخل للمدين��ة م��رة أخ��رى إلى الطري��ق

الموصلة إلى التربية والتعليم. يمتد المدخل ليلتقي مع م��دخل آخ��ر إلى قري��ة "ذناب��ة" يتق��اطع م��عم من ط��رف ح��ارة "البالون��ة"، ويمت��د الش��ارع ليص��ل إلى مدخل للمخي الشارع الرئيسي الواصل بين المدينة ومدينة "نابلس"، فإذا ما انحرفت يسارا، فإن الشارع سيقودك إلى مدخل ثالث حيث مض��خة مي��اه بي��ارةم من جه��ة م��دارس "أبو حمد الله" التي تتصالب تماما مع مدخل المخيم وكال��ة "غ��وث الالج��ئين"، وإذا انطلقن��ا لألم��ام دون أن ن��دخل المخي فسنجد مدخال آخر من جه��ة س��وق ال��دواب المتص��ل بم��دارس البن��ات،ة باس��م مدرس��ة "ط��ول ك��رم"، ه اليوم مدرس��ة ص��ناعي والذي حل محلة تث��ير التس��اؤل ة بطريق��ة درامي وه��ذا االس��م تم تغي��يره أك��ثر من م��رق��ة بالمك��ان المتح��ول بين والعجب، وتطرح مجموعة من األسئلة المتعل��ا يمكن اس��م واس��م، لكنن��ا لن نط��ارد ه��ذا االس��م اآلن؛ ف��إن ل��ه مكان

مطاردته من خالله.م وإذا واص��لنا المس��ير على نفس الش��ارع، ف��إن الم��دخل إلى المخي يكون من جهة منزل الدكتور "عواد محمود عواد"، وبعدها بأمت��ار قليل��ة مدخل من جهة "دبة المشفى"، وهي دبة تستحق أن يكتب عنه��ا بعضلت عالم��ة فارق��ة في توجه��ات الن��اس ال��تي جعلت الصفحات؛ ألنها شكه��ا هذه الدبة تحمل بعض الصفات التي لم تختره��ا أو تواف��ق عليه��ا، لكنة كب��يرة من المش��اعر واألحاس��يس والتوجه��ات رغم ذل��ك رس��مت كميم الوج��ود والحي��اة، ا يتنس�� ��ا حي م، فأص��بحت كائن ان المدين��ة والمخي لسك حتى أنا التصقت ب��ذاكرتها من حيث أعلم في بعض القض��ايا، ومن حيث ال أعلم في قضايا أخرى، وهذا سر من أسرار المكان الذي يس�تطيع أنرا أكثر يمشي ويتجول، يقتحم ويتراجع، يهاجم ويتخلف، حتى نحسه مؤث

من تأثير الناس والحيوان. بع��دها ن��أتي لنتص��ل بالم��دخل المتس��رب من ثناي��ا المدين��ة، م��دخل المشفى الرئيسي الذي يضم عند أمتاره األولى غرفة "عزرائي��ل"، تل��ك

www.alukah.net

Page 6: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

الغرفة التي منحت المدخل هيبة وسطوة لم يتمكن من الحصول عليه��ا أي مدخل آخر، ولهذه الغرفة تأثير في المكان، في الزمان، في الناس، في األح��داث، في التركيب��ة الواعي��ة وغ��ير الواعي��ة للعق��ل الف��رديم من رده أو التخلص منه أو ن المدينة أو المخي والجمعي، تأثيرا لم تتمك من وساوس��ه وهواجس��ه، رغم ك��ل محاوالته��ا المس��تميتة في ال��ركضكة للتخلص من تل��ك الت��أثيرات، لكن الغرف��ة - المك��ان، ك��انت متمس��تها ونش��اطها ووجوده��ا بين الن��اس كك��ائن يحكم س��يطرته ببقائها، بحيويل الي��ومي رات النابض��ة بالتش��ك رات والت��وت وي��دفق هيبت��ه ب��رحم الم��ؤثقة، وهي غرفة تستحق أيضا الكتابة عنه��ا، واللحظي لكل األشياء المتفرما يكون هن��اك ض��رورة ي��دفعها الس��ياق لنكتب عنه��ا وعن جغرافي��ة ورب

المكان الزماني الخاص بها.ا من م��دخل بعدها علينا ال��دوران من قلب المدين��ة، أو الس��ير عكس��م الرئيسي، وهو المدخل المتالحم مع المشفى، لنصل إلى مدخل المخيهيوني، ثم مبنى جيش االستعمار البريطاني الذي تحول إلى استعمار ص�ة قب��ل أن ته��وي الط��ائرات ليتح��ول إلى مق��ر للس��لطة الفلس��طينية علي��ه في االنتفاض��ة الثاني��ة، ليتح��ول إلى طل��ل، وليع��اد هيوني الص��

ة. ا للسلطة الفلسطيني استنساخه من جديد بشكل جديد ليبقى مقر هذا المدخل - بتلك البناية التي أسسها االستعمار البريط��اني - يمكنة - الع��ودة إلى جغرافيت��ه وجغرافي��ة المبنى؛ لنخ��رج ذاكرتهم��ا المكانيع ض�� ت على الر ة فنكتب، وم��اذا نكتب؟ أش��ياء وأش��ياء، ل��و عرض�� الزمنيمع ص���وت ت���داعيها وانهياره���ا، وعلى لش���ابوا، وعلى الراس���يات لس��� المحيط��ات لغاص��ت غرق��ا، وعلى المجه��ول والغ��امض، الخت��ارا كش��فنا قد ال نضطر في هذه القصة الكتابة عن كل مجهولهما وغامضهما، لكنا للكتاب��ة؛ لص��قا ل��ذاكرة المك��ان - إذا دفعتن��ا ال��ذاكرة رغم��ا عن ذلك، إال

الزمن. لكنن��ا من ه��ذا الم��دخل س��نبدأ، حيث التق��اء الزم��ان بالمك��ان يتوحد ب��المبنى االس��تعماري، ال��ذي ك��ان الس��بب ال��رئيس في تك��وين البقع��ةم طول كرم"، وهو توافق شديد الغرابة، يثير ة المسماة: "مخي الجغرافي الدهشة ويستفز الخيال، فااللتقاء الثالثي بين المبنى والمكان والزم��ان؛ة تك��ون د واللج��وء، يض��ع العق��ل أم��ام خصوص��ي أي: االس��تعمار والتش��رل فيم��ا بع��د معلم��ا ن، لتش��ك األشياء وتالصقها وتوحدها في مض��مار معيقي��ط الجدي��د، على ا يمتد أصله من استبداد بريطاني�ا ورعايته��ا لل جغرافي حساب الشعب المنتزع من جغرافيا، ليهاجر إلى جغرافيا أخرى تلتص��ق بمبنى االستعمار ذاته، ليكون وليدا مختلط��ا من جغرافي��ا متنوع��ة ف��وق بقعة واحدة عليها أن تهضم كل هذا الخليط وذاك التنوع بشكل مباش��ر،

م. كل هذا يؤهل المدخل هذا ليكون بوابة دخولنا إلى تفاصيل المخي

www.alukah.net

Page 7: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ة في ت��رتيب األش��ياء على رأس المدخل تبرز الق��وى الفاعل��ة والخفي��ة، فعلى اليمين من رأس الم��دخل ينتص��ب بيت والمس��ميات واألمكن جميل بحاكورة كبيرة ممتدة تضم العديد من األش��جار واألزه��ار، يتن��افر مع المبنى االستعماري تنافرا تاما، فهو منزل الشهيد "عبدالرحيم الحاجوار في األرض الممت��دة ح��تى محم��د" ال��ذي ك��ان يقات��ل إلى ج��انب الث أعماق فلسطين، وهو صديق الشاعر الشهيد عبدالرحيم محم�ود، ال�ذيل مالمح ه بقص��يدة ك��انت تش��ك رثاه بقص��يدة رائع��ة، ومن ثم رثى نفس��

شهادته. هذا البيت يواجه - وبشكل مواز - المبنى االستعماري، وكأن المك��ان كان حاضرا ليضع الدالالت المتوازية ال��تي ال تلتقي بين االس��تعمار وبينتين على األرض: االستس��الم م بين فك��رتين مركزي النضال، ولتضع المخي والمقاوم���ة، أو هي التس���اؤل ال���رابض بين المعلمين، لمن س���تكون

النهاية؟ على اليسار مباشرة "دار النصار" المالصقة لحد المبنى االس��تعماريم، وال��تي س��تلتحم م��ع م��نزل مالص��قة تامة، وهي أول دار في المخي الشهيد حين تقدم أبناءه��ا وبناته��ا للنض��ال، فالس��جن، فالش��هادة، ونحن سنواصل رحلتنا من "دار النصار" نزوال من الجهة اليس�رى لل�داخل إلىع إلى م، وستكون عودتنا من الجهة المقابلة، وفي الحالتين سنتفر المخي

م. الحارات الممتدة في أحشاء المخي��ا م��ا ك��ان مهج��ورا، بعد دار النصار مباش��رة يق��ع م��نزل غ��ريب، غالب اش��تراه فيم��ا بع��د اله��وجي، وس��كنه إنس��ان بس��يط اس��مه: "ع��اطفلت حياته مجموعة من التناقضات، حتى ك��ان الي��وم الشلبي"، الذي شك��ل، ��ا في ظ��روف غامض��ة، فهن��اك من ادعى أن��ه قت ت الذي وج��د في��ه ميه، أما الحقيق��ة فلم وهناك من زعم أن��ه وق��ع على ص��خرة ش��جت رأس��ت، أو ح��تى الش��رطة وأجه��زة األمن؛ مم��ا م، أو أهل المي يهتم بها المخي��ه، يتج��اوز ح��دود الن��اس ا في موت دفع إلى االعتق��اد أن هن��اك أم��را خفي

واألهل. بع��ده مباش��رة يق��ع م��نزل "دار البص��بوص"، م��نزل فق��ير، يكس��وه الصفيح والبؤس، ويغطيه الحرمان والبالستيك، يجم��ع في داخل��ه عائل��ة كبيرة مكونة من مجموعة من العائالت الصغيرة، التي توحد شكلها م��ع الص��فيح والبالس��تيك والب��ؤس والحرم��ان، ح��تى لتظن أنهم ج��زء منقف، ولكن بحرك��ة، بع��ده م��نزل "أب��و رص��اص"، وه��و الج��دران أو األس�� م��نزل غ��ريب التك��وين والتهجين، فه��و ن��ازل إلى أعم��ق أعم��اق الفق��رات، أب��و رص��اص ال والفاق��ة، تلطخ��ه الطح��الب وتتك��الب علي��ه الطفيلي���ة الحم���ير، ة ال���تي تتوس���طها عرب ة الترابي يف���ارق الس���احة األمامي

www.alukah.net

Page 8: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

والحش��ائش، وبعض األغن��ام، تنبعث من ال��بيت روائح مختلط��ة ال يمكنؤ. ، دافعة للتقي ها مقشعرة للبدن، مستفزة للشم تمييزها أو فرزها، لكن

م، وه��و العالم��ة الفارق��ة بك��ل تك��وين بعده بأمتار يق��ع مس��جد المخيم؛ إذ لم يكن هن��اك مس��جد غ��يره بع��د تنبعث من��ه روائح العط��ر المخيطبة والطيب، وتتخلله برودة رائعة في فص��ل الص��يف، على بوابت��ه مص��تين؛ صغيرة يجلس عليها الرجال لقضاء وقتهم، المسجد ارتبط بشخص��ي اإلمام والمؤذن، اإلمام الش��يخ "حم��دان"، رج��ل طوي��ل القام��ة، ش��ديده ين��افس بي��اض البش��رة، جمي��ل الطلع��ة، في��ه ه��دوء متواص��ل، لباس�� النظاف��ة، رائ��ع ال��ترتيب، يك��اد ح��ده يك��ون جارح��ا من دقة الكي؛ بحكمة في ذل��ك ال��وقت، ص��وته عم��ل أوالده في كي المالبس للع��ائالت الثريه مع��زول عن الن��اس، فه��و ال يالمس ش��غاف القل��وب أثن��اء التالوة، لكن يعرف غير الطريق ذاته��ا، من منزل��ه إلى المس��جد، وهي نفس طري��ق

العودة، وهي الطريق التي عرفته حتى يوم مماته. "أبو ح��رب" رج��ل طوي��ل القام��ة، حنطي البش��رة، ع��ريض الجس��د، واسع الصدر، حتى يبدو أنه من عالم يتص��ل بع��الم العمالق��ة، فق��ير إلى حد الشفقة، يمارس أكثر من عمل، يصل الليل بالنهار، والنه��ار باللي��ل؛��ة متن��اثرة الش��عر ة، تض��امنت لحي لتأمين قوت أوالده، ل��ه رج��ل ص��ناعيمت في روعن��ا أن��ه من ع��الم غ��ريب، ص��وته بالتح��انين ة رس�� بفوض��وية يفجر ال��دمع من العي��ون، فه��و المس��حر الث��اني م��ع أبي الرمض��اني إسماعيل، ولو قدر ألحد أن يراهما معا، النفجر ض��احكا دون إرادة من��ه؛ فأبو إسماعيل قصير إلى حد يبدو مع أبي حرب وكأنهما اجتمعا ليرس��ما

عالمين: عالم العمالقة، وعالم األقزام.ة "عب��د رب��ه"، وفرن��ه ال��ذي يعم��ل على إلى األم��ام م��نزل البلوطيز بس��لوك ه يتمي م ال بأس به، لكن الحطب، منزل يبدو قياسا ببيوت المخي صاحبه الذي لم يعرف المسجد رغم قرب��ه من��ه، بانحن��اءة ص��غيرة نح��وم، إال اليسار تقع مجموعة من البيوت التي وإن كانت داخل بقع��ة المخيم ا تتبع المدينة، وهذا ما دفع أهلها لالستعالء على أه��ل المخي ها تنظيمي أن الذين كان ينظر لهم أهل المدينة نظرة فيها شماتة، كما بها ريبة وشك،م؛ خوف��ا من أن هم كانوا يتحاشون الوقوع في خط��أ م��ع أه��ل المخي لكن��رحى النظ��رة القادم��ة من المدين��ة، ورحى الب��ؤس والفق��ر يطحن��وا ب

م وأهله. ن من كل شيء في المخي المتمكسع من ال��وقت، ل��رويت إلى األمام "دكان الصابر"، ولو كان هناك متته األعاجيب، فهو غريب كالغرابة، وم��دهش كالدهش��ة، ج��ل عن شخصي��ة لتج��ار المدين��ة والع��ودة، أم��ا ما كان يعرفه في الحياة الطريق المؤديل م��ا يس��مى باقي حيات��ه فقض��اها بين أل��واح الص��فيح المتراص��ة لتش��ك

www.alukah.net

Page 9: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ة بالية وقذرة إلى حد ال يصدق، وكانت زوجته تقضي بالبقالة، مالبسه رثفق��ا على ع��دم ك��ل وقته��ا مع��ه بنفس الظ��روف، ح��تى يب��دو أنهم��ا ات االقتراب من الماء لغسل مالبسهما، لهما حكاي��ا، ل��و ك��ان هن��اك متس��عدة لها، ألمسك الق��ارئ معدت��ه بيدي��ه؛ ح��تى ال تط��ير من مكانه��ا من ش��

الضحك.بت إلى األمام قليال مدخل إلى حارة "المطار"، وهي الحارة التي نس��ات المس��تعمرين حين ة التي تنقل شخص��ي إلى مهبط الطائرات العمودي يزورون مركز الجيش الرابض هناك، على اليمين من المدخل بيت "أب��وه حوى روائع من األزهار والورود، سعد عميرة"، رغم كآبة منظره، إال أنه لم يخ��ل من دالي��ة وخليط��ا من األش��جار المثم��رة، وكك��ل بيت فإنا من أجله��ا، بيت جمي��ل، يكش��ف نعت خصيص�� تتعربش على عريشة ص�� عن تعلق اإلنسان المهاجر بتراب موصول بالج��ذور، بالنم��اء، رغم ه��ول

المأساة. بعده مباشرة بيت "حمد"، وهو رجل أسود البشرة، كثير الكالم، كثير الحركة، يتدخل فيما ال يعنيه، تزوج من امرأة بيضاء، أنجبت له مجموعة��ه المث��يرة للريب��ة والتس��اؤل أدت إلى من البن��ات وول��دا واح��دا، حياتفي عمالء االحتالل مهاجمته من مجموعة النمور السود ال��تي ك��انت تص��م والمدينة والقرى المج��اورة، منظ��ر الهج��وم خ��ارق للع��ادة، في المخي فقد ضرب بالشرخات والس��واطير والبلط��ات في وس��ط ش��ارع س��وقة، وحين تيقنت المجموع��ة من اس��تحالة عودت��ه للحي��اة ترك��وه، الحراميه��ا ة، لكن نقل إلى مشفى المدينة، وكتبت له حي��اة جدي��دة، ليس��ت س��وي حياة بكل حال من األحوال، نقله إخوته فيم��ا بع��د إلى ألماني��ا، وم��ا زال هناك دون أن يعرف عن��ه خ��بر جدي��د، يلي��ه بيت "أم ع��زات"، وه�و بيتخمة ال��تي ز بتوزيع خضرته وأشجاره، خاصة ش��جرة الخ��روب الض�� متمي تف��ترش "أم ع��زات" وض��يوفها أفياءه��ا للغيب��ة والنميم��ة، والبك��اء على

الوطن المسلوب، والنواح على مربض الطفولة والشباب. يليه منزل "أبو محمود الضميري"، وهو رج��ل ش��ديد الغراب��ة، ش��ديد العزلة، ال يملك أطفاال، يقيم مع زوجت��ه وابنت�ه الع�انس، تمت�د حاكورت�هع أشجارها بين الليمون والبرتق��ال وال��تين، وكث��ير من بتناسق رائع، تتوز ال���ورود المتنوع���ة الل���ون والزه���ر، لكن تبقى الوحش���ة هي المك���ون الرئيسي للعائلة، فهي متعاهدة مع االنطواء بطريقة ت��دفعك للش��ك فيل لألم��ام تج��د م��نزل "أب��و م، تواص�� وجودهم داخ��ل دائ��رة الحي��اة للمخية هج��رت صالح القهوجي"، وهو من عائلة "أبو عصبة"، وهي عائل��ة يمني اليمن بعد ارتكاب جريمة قتل، ووصلت إلى فلس��طين، وأق��امت بقري��ة "صيدا" قضاء "طول كرم"، ثم انتقلت إلى قرية "جت"، ال��تي أص��بحت بع��د أول احتالل لمنطق��ة من من��اطق ع��ام ثماني��ة وأربعين، وه��و رج��ل

www.alukah.net

Page 10: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ه بقي بعي��دا عن قصير، كريم العين، أنشأ حاكورة كغيره من الناس، لكنم والمدينة. ة المتصلة بالمخي الحياة االجتماعي

انح��راف إلى اليمين يق��ودك إلى سلس��لة من المن��ازل المتالص��قة،��ه منزل "أبو عمر الدرهية"، مقابله منزل "رج��ا الحام��د"، ال��ذي ذبح أختع الواق��ع بين م��نزل "رج�ا "بهجة" على صخرة قريب��ة من منزل��ه، التف�ر الحام��د"، و"أب��و ص��الح القه��وجي" يق��ود إلى مجموع��ة من المن��ازل المتصلة ببعض��ها؛ م��نزل "أب��و ياس��ر"، مقابل��ه م��نزل الم��رأة م��ع ابنته��ا الوحي��دة "ف��دوى"، م��نزل ص��امت ي��ديره األف��ق نح��و ن��زوات الن��اسع منزل لرجل وزوجته، اسمه "مزين"، رجل وهمهماتهم، في نهاية التفر��ة، وم��نزل "الج�الولي" ال��ذي يعت��بر نهاي��ة رائع المحيا، تناوله الموت بغتم من هذه الزاوية، وه��و م��نزل كب��ير، يض��م مجموع��ة من األبق��ار المخيعي، ص��احبه واألغنام التي تطلق في ساحة األرض التابع��ة للمط��ار لل��رب��ة بين قص��ير القام��ة، وك��ذلك زوجت��ه وأوالده لهم س��حنة غريب��ة، مرك النفور وبين البشاعة، اختلفت حياتهم وتداخلت، فك��انت أق��رب للغراب��ة

في النتائج األخيرة. إلى األمام وبعد منزل "الدرهية"، منزل "أبو درويش الفرحانة"، وه��وبين، منزل يستحق االلتص��اق بالمك��ان والزم��ان؛ لم��ا في��ه من أن��اس طي وص��لت الطيب��ة إلى التص��اق الخراف��ة ببعض ص��فاتهم، وه��ذا الم��نزل

يستحق أن نقف عنده لنتحدث عن ساكنيه.غ��ة هو منزل بس��يط، يالص��ق الفق��ر ويس�اهره، جدران��ه واطئ��ة، ممر باللون البني الغامق من شدة تكالب الب��ؤس علي��ه، ص��احبه م��زارع في سهول المدينة، يخرج ص��باحا قب��ل أذان الفج��ر، برفق��ة البغ��ل المك��دن والجار عربة طويلة، ليعود في المساء والعتم��ة تنش��ب مخالبه��ا بالنه��ار والضوء، يتقاسم البغل السكن مع العائلة في أيام الشتاء، حتى ب��دا لن��اه ج��زء من العائل��ة، يح��اط ال��بيت بص��مت غ��ريب، رغم ونحن أطف��ال أنم والمدين��ة لة من الواف��دين إلي��ه من المخي الحرك��ة الدائب��ة المتواص��

والقرى والمدن األخرى.ع بس��بب ه يتمت ��روى أن أب��ا درويش رج��ل مب��ارك معطى، وأن وفيما ية في معالجة األمراض، مهما كان نوعها؛ ألن تقواه وورعه بقدرات خياليم، فك��ان البركة وصلت إليه من والده الذي م��ات قب��ل أن يعرف��ه المخيلها كل مريض تماثل للشفاء بطريقت��ه الناس بدافع األسطورة التي يشكز بها هذا الرج��ل، ف��إذا ورؤيته الخاصة، يدعمون نظرية البركة التي يتمي أضفنا سببا آخر، وه��و أن أب��ا درويش لم يتق��اض ط��وال حيات��ه أج��را أوة ممن عالجهم، توطدت أسطورة البركة التي أرس��اها الن��اس يقبل هدي بطريق��ة رفعت الرج��ل في نظ��ر الج��يران، ومن ح��ولهم إلى مص��اف

www.alukah.net

Page 11: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ناه بالحقيق��ة، وال ها أمر لمس�� األولياء، والغريب الذي غذى األسطورة كل يمكن إنكاره، وهو يدعو للدهشة والتأمل والبحث واالستقصاء، وهو أنن��ا لم نكن نحفظ شكل الرجل بوضوح كامل، فإذا ما حاولنا وص��فه عجزن��ا

رغم إدراكنا السابق أننا لن نجد أي عناء في الوصف.ه، أسندت مهمات الفالحة إلى أبنائه، وحين انتقل الرجل إلى جوار رب ومهمات البركة إلى زوجته، وحين م��اتت زوجت��ه انتقلت مهمات البرك��ة إلى زوجة ابنه، ثم إلى ابنته، إلى أن برز جيل ال يعرف البغ��ل المك��دن،

وال يعرف السهول، وال يعرف البركة. يقابل��ه م��نزل رج��ل آي��ة في الغراب��ة، حمال يعيش وحي��دا، اس��مه "مصطفى القرق"، ال يسمع له صوت، يعيش وحيدا، ال يعرفه أح��د ح��ق المعرفة، خطواته محسوبة معدودة، ظل كذلك فترة طويلة من الزمن، ح��تى ت��زوج في س��ن مت��أخرة، وأنجب، فأص��بح يظه��ر بالح��ارة بس��ببه ككل إنس��ان، يحي��ا بعي��دا عن المش��كالت واألذى، ظ��ل في أوالده، لكنع بقلب يقطر طيبة مخيلة الناس إنسانا ال يصلح للحياة، مع أنه كان يتمت ووفاء للناس الذين عرفهم، وقد لمسنا ذلك بعد وف��اة وال��دي، فوال��دي حمال مثله، لمسنا ذلك من خالل مواظبته على زيارة أمي وسؤالها عن

أي حاجة، ووصيته الدائمة لنا بالحفاظ عليها والوفاء لذكرى والدنا.ع ص���غير م���نزل عائل���ة "أب���و ش���طل"، و"أب���و ال���دجاج"، في تف���ر��ل في و"الطلوزي"، و"أبو مصيصة"، ال��ذي ك��ان يعم��ل كقات��ل، وق��د قتع اآلخر نصل إلى ظروف غريبة ربما يأتي يوم للتحدث عنها، وإلى التفر��از بالص��راعات والمناوش��ات بس��بب منزل "أبو الحت��ة"، وه�و م��نزل امتم، امت��از االضطهاد الذي واجهه األطفال من العائالت الكب��يرة في المخي المنزل برائحة الحيوانات والفحول التي تقطن المنزل مع الناس، ح��تى إن رائحة الفحول ك��انت تف��وح من جل��د العائل��ة إذا اص��طدمت بهم في

الطريق. نزوال من منزل "أبو الحتة"، منزل "أب��و حس��ين العج��ل"، وه��و رج��ل أقام عالقة وثيقة مع حماره، حتى ال يكاد يرى دونه، منزل��ه واس��ع، في��هة بأشجار الليمون والبرتقال والدراق، ومكتظ بالمتس��لقات، حاكورة غني وخاص��ة الياس��مين الش��امي والع��راقي، مف��رط في الفق��ر والبس��اطة��ا من مكون��ات واالنزواء واالنطواء، رغم بس��مته ال��تي تك��اد تك��ون مكون تقاسيمه، يقابله منزل "أبو علي القهوجي"، وهو منزل بسيط يتح��د م��ع��ل إلى انه أشد غرابة مم��ا يمكن أن يتص��ور؛ فهم أمي الفقر والفاقة، سكحم، كان مكروها ومنبوذا بشكل كامل، األقزام المملوءة أجسادهم بالش

www.alukah.net

Page 12: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ولوال ذهابه إلى المقهى، لك�ان مع�زوال عن الن��اس كج�رب ال يط�اق،��دى له��ا الج��بين، وحين م��ات تح��دث ة م��ع أف��راد عائلت��ه ين سيرته الذاتي

الناس عن رؤيته في المنام وهو يتلظى في عذاب جهنم. انحرافة بسيطة إلى اليمين، منزل "البيارية"، وهي ام��رأة أرمل��ة له��ا ثالثة أبناء، ك��انوا أش��د عص��يانا من العص��يان، فهم ي��أكلون وهي جائع��ة،ا ض��ربا رب يومي كانوا يضطهدونها وكأنها وباء يجب مكافحته، وكانت تض�� قاسيا مبرحا، يترك عالماته على وجهها، وحين كانت ت��أتي لزي��ارة أمي، وتتحدث وتشكو، كانت تقط��ع ني��اط القلب، لدرج��ة أن التفك��ير يتمح��ور عن الطريقة التي يجب أن يقتل بها أوالدها، ومن عالماتها المميزة علبةس��ة السعوط التي ترافقها وكأنها ك��ل م��ا تمل��ك في الحي��اة، فهي متمر باستنشاق السعوط والعطس؛ حتى بدا من المستهجن أن تكون لحظ��ة

واحدة دون عطس. في انحدار نحو األسفل منزل "أبو عثم��ان"، وه��و م��نزل يك��اد الفق��رر يشكو من فقره، وتكاد المأساة تشكو من مأساته، فيه خليط من بش�� ين��امون على األرض المرس��ومة بالق��ذارة، ليس ألنهم ال يملك��ون حس النظافة، بل ألن تركيبة البيت تأبى أن تكون نظيفة مهما بذل من جه��د،مان وال��دوالي، وليم��ون ز بأش��جار الر وراء ال��بيت ح��اكورة كب��يرة تتمي البنزهير، كما تمتلئ بأزهار فواحة الرائح��ة، وحين م��ات أب��و عثم��ان، لم يشعر أحد بفقدان الشخص، وهذا أمر مستغرب ومستهجن، خاص��ة في ذلك الوقت الذي كانت الناس في��ه رغم اختالفه��ا في المن��ابع واألص��ول والعادات والتقاليد، ورغم االقتتال الحاصل، بقوا أوفياء لبعض��هم، وك��أن

فكرة االلتحام والتكافل كانت ضرورة من ضرورات البقاء والوجود. مقابل بيت "أبو عثمان" مباش��رة ك��انت هن��اك ص��خرة ناتئ��ة، يرهبه��ام؛ فهي الص��خرة ال��تي ذبحت عليه��ا ان المخي ك الناس ويخش��اها ك��ل س�� "بهجة" بي��د أخيه��ا، وظلت الن��اس ت��روي حكاي��ات متواص��لة عن خ��روج ش��بحها ال��ذي يص��رخ بق��وة، ح��تى إن الرواي��ات وص��لت إلى أن الش��بح��ر اس��م أمسك بعض الناس فأصابهم بنوع من المس والجن��ون، دون ذك

الممسوس أو المجنون. مالصقا لبيت "أبو عثمان" كان منزلنا الذي انتقلنا إليه من منزل كان قائما في حارة "الحمام"، سنأتي على ذكره فيما بع��د، وق��د ك��ان يعت��برم، ال ألن��ه غ��ير مالمس للفق��ر والحاج��ة، ب��ل ألن��ه أفض��ل بيت في المخي البيت الوحيد في ذلك الوقت ال��ذي ك��انت غرف��ه مس��قوفة باألس��منت، عدا المطبخ الذي كان سقفه من اإلسبست؛ وه��ذا ألن ص��احبه األص��لي ويدعى: "أبو جهاد" كان يرس��ل بنات��ه للخدم��ة في الك��ويت؛ مم��ا جعل��هم، لكن ه��ذه المتع��ة ا بأه��ل المخي ة قياس�� ع بشيء من الراحة المادي يتمت

www.alukah.net

Page 13: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

طوردت بقوة من الناس الذين حقروه بسبب إرس��اله بنات��ه؛ كي يعملنخادمات في الكويت؛ مما دفعه إلى ترك المنزل واإلقامة باألردن.

إذا انعطفنا يمينا نرى منزل "أبو إسماعيل المسحر" الذي تحدثنا عنهع بش��جرة "ت��وت" حين تح��دثنا عن أبي ح��رب، لكن ه��ذا الم��نزل تمت عمالقة، وبعض الليمون، وقن للدجاج، وخم للحمام، ولو أردن��ا التح��دث عن هذا الرجل الذي كان يعيش أكثر من حياة وأكثر من عم��ر في ذاتما يأتي ذل��ك يوم��ا وف��اء اللحظة، لبكينا وضحكنا، لندبنا وقهقهنا، لكن رب

للمكان والناس. بعده مباشرة منزل "أبو العيلة"، والملقب "بالنمر"، فهو رجل طويل القامة، ممتلئ الجسم، له شاربان كثيف�ان مفت��والن، يحم��ل بي��ده عص��ا كفرعون، يعلن عداءه لكل من يحاول أن يق��ترب من��ه دون األخ��ذ بعين االعتبار هيبته، متزوج من امرأتين؛ "هيالنة" القديمة، و"حمدة" الجديدة، وكانت "هيالنة" تعاني ويالت الزوج، و"حمدة" في نفس اآلن، رغم أنه��ا

امرأة تعرفها السكينة، ويصاحبها الهدوء.ع ي��ده على منزله كبير وواسع، وبسبب سطوته فقد اس��تطاع أن يض��ل من تس��وية تعلوه��ا مجموعة من ال��بيوت، لكن منزل��ه الرئيس��ي تش��ك غرفة معروفة بالعلية، التسوية لمجموعة من األبقار واألغنام، والفح��ول والخراف، وعلى الباب الخ��ارجي منطق��ة للحم��ار، ك��ان وض��عه الم��ادي جيدا، فبجانب المتاجرة بالحالل ي��بيع الحليب، والص��وف، والجل��د، وك��انه إلى ج��انب يتقاضى أجرا عن تشبية ك��ل س��خلة أو غنم��ة أو بق��رة، لكنئ الس��معة؛ من الج��انب األخالقي، ومن ممارس��ته الظلم ك��ل ه��ذا س��ي بس��بب ع��دد أوالده، وظ��ل ك��ذلك إلى أن انطف��أ بص��ره، عن��دها ك��انت المفارقة بين النمر، وبين من يتسول الحديث مع الناس، ح��تى إن بعض

الناس شمتت به ورأت أن العمى انتقام من الله للناس الذين ظلموا.ه قبل هذا المنزل م��نزل يزخ��ر غراب��ة ووحش��ة، وقف��را وهج��را، وكأنة موجودة في ذاكرة المخيل��ة للن��اس، وليس حقيق��ة واقع��ة، بقعة خياليساع مساحة أرضه وضخامة أشجار السرو والصنوبر التي تحي��ط رغم ات به بشكل كثيف، عدا بعض أشجار الحمضيات المشكلة ال��تي تتوس��طه، لكن س��اكنه رج��ل غ�ريب؛ فه��و أس��ود البش�رة، ش��ديد الس�واد، طوي��ل القامة مع تناسق في الجسد كالرمح، عيناه حمراوان، وكأنهم��ا غطس��تا بدم قان، يعاقر الخمر بشكل متواصل؛ مما دف��ع الن��اس للفظ��ه، ومم��ا��دعى "أب��ا حلمي"، مالبس��ه نظيف��ة دفعه لاللتصاق بالوحدة واالنطواء، ييف ة بطريق��ة تث��ير الدهش�ة إذا م��ا أض�� دق، مكوي بة إلى ح��د ال يص�� ومرت تناسق األلوان، لم يكن مؤذيا بأي حال؛ فهو يغادر المنزل صباحا، ويعود مساء، وجل ما كان يم��زق الوحش��ة، العتاب��ا والميجن��ا الباكي��ة والحزين��ة

www.alukah.net

Page 14: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

التي كان ينشدها وينقلها سكون اللي��ل إلى الن��اس، ظ��ل ك��ذلك إلى أن��ة، اختفى واختفى صوته، وبعد أيام قليلة انتشرت في الحارة رائح��ة نتنت��ه المنفوخ��ة ال��تي ب��دأت ع الناس مصدرها، فك��انت جث غير معهودة، تتب بالتش��قق، تع��اون الن��اس وحمل��وه إلى المق��برة دون الص��الة علي��ه

بالمسجد، ودفن ودفنت ذكرياته في نفس اللحظة.ه بع��د أش��هر ومما يدفع العقل للتأمل بالمص�اير المقترن��ة بالمك��ان أن وصل أخوه ويدعى: "عبدالخالق" مع أمه وأقاما بالمنزل، لم يتواصال معت الوحش��ة تس��يطر على الم��نزل، الن��اس، ال نع��رف س��ببا ل��ذلك، وظلة أخ��رى، فكانت كائنا يقيم معهم، وفي يوم غزت رائحة نتنة الحارة م��رة عبدالخالق الذي مات في نفس الغرفة، وعلى نفس الزاوي��ة كانت جث التي مات فيه��ا "أب��و حلمي"، ك��انت أمه في تل��ك األثن��اء في زي��ارة فيوا عليه ص��الة األردن لم تعد منها، نقل الجثمان إلى المقبرة، وهناك صل

ة بالمسجد. الجنازة؛ حتى ال تتكوم رائحة التعفن التي أصابت الجث نزوال من جهة منزلنا لم يبق س��وى بي��تين ال ب��د من الح��ديث عنهم��ا؛ بيت "أبو إبراهيم دلعونا"، وبيت "زياد بدير"، وفي الحديث عنهما تناقض واف��تراق؛ فهن��ا مأس��اة متدفق��ة كنه��ر ال توقف��ه س��دود، وهن��اك مأس��اة

تحتضنها دعابة تخفي غليان األلم تحتها.ا ن��ردد - دون أن نع��رف س��بب التس��مية م��نزل "دلعون��ا" - كم��ا كن ومصدرها، غائص في الفقر والغرابة والدهشة والذهول؛ فهو م��زيج منك تع��رف فتتفاج��أ - االنطواء والوضوح، ب��ل ه�و ان��دماج بين م��ا تحس أنف، ب��ل وغ��ارق في ك ع��اجز عن الكش�� ف معرفت��ك - بأن حين ت��ود كش�� الحيرة والجهل، فأبو إبراهيم رجل طويل القامة، نحيل الجس��د، يرت��ديما وحطة تميل نح��و الل��ون األص��فر الب��اهت، ك��ان يعم��ل في قمبازا مقل��ه طويل��ة م ص��لة الطري��ق أو حاج��ة بقال��ة، زوجت البيارات، صلته ب��المخيها تمي��ل لل��ذكورة بش��كلها مثله، نحيلة، ترتدي أثوابا منقشة بالورود، لكنم حكاي��ات غريب��ة عنه��ا وعن زوجه��ا، أكثر من ميلها لألنوثة، تناول المخية وعالق��اتهم ز من صفاتهم النفس��ي كانت كلها تتكدس بطريقة تثير التقزة، ونحن لم نكن نمل��ك دليال على الطعن القاس��ي ال��ذي ك��ان االجتماعيوار المجه��ولين ال��ذين ك��انوا م يجمع عليه، لكن االنزواء وكثرة ال��ز المخي يترددون على البيت كانت تشكل تساؤالت تدعم المقوالت التي يردده��اقا برواياته إلى يوم وف��اة أبي إب��راهيم، ومن م متعل م، وظل المخي المخيم، ونس��ي ك��ل ش��يء، إال أن المس��تقبل ج��اء ثم زوجت��ه، فص��مت المخي ليفجر كل شيء بطريقة راعبة للعقل، مكتسحة للوعي، فكان ما يق��ال جزءا صغيرا مما أظه��ر المس�تقبل، ب�ل ج�زء أدق من رأس اإلب�رة؛ ألن الرواية ح�ول ه�ذا الموض��وع س�تمتد من ال�بيت ال�رابض ف��وق الب��ؤس؛ ليطال أحداث في أرض الحجاز واليمن والسودان، وهي أحداث لم يكن

www.alukah.net

Page 15: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

أحد على اإلطالق يتوقع خروجها من ه��ذا ال��بيت، لكن��ني س��أتوقف هن��ا؛ ألنها جزء من رواية الشيء التي أعمل عليها، وستسجل أدق التفاص��يلة، ومن خالل لهذا الموضوع الذي اض��طررت للع��ودة إلي��ه أك��ثر من م��ر

من عاصروه بشدة. المنزل األخير في هذه الحارة منزل "زي��اد ب��دير"، وه��و ابن "النم��ر"مه م��ع البش��ر، الذي مر ذكره، منزل يعتبر زريبة للحيوانات التي تتقاس�� صاحب المنزل غ��ريب األط��وار، مس��الم وع��دائي، في��ه قس��وة ال يمكن وصفها على زوجت��ه الرائع��ة الص��بر واالحتم��ال، فهي ام��رأة تص��فو ك��لها تتحاشى التعامل مع الصفات فيها، ال صوت لها وال حضور، وديعة، لكنع بين غب��اء الناس؛ خوفا من اضطرارها للبكاء أمامهم، أما هو فإنه م��وزت في مص��ادر ال��رزق ال��تي تمنح��ه الكث��ير، يخجل الغباء منه، وبين تشته يبددها بالبناء والهدم، فهو يبني اليوم عم��ودا من أج��ل تص��ميم في لكن رأسه، ثم يهدمه ليبني عم��ودا آخ��ر، ح��تى إن��ه يمكنن��ا الق��ول: إن البن��اءه دق، وكأن ��ا من مكون��ات شخص��يته إلى ح��د ال يص� واله��دم أص�بحا مكونة مفرط��ة في معاقب��ة ع بوحش��ي إدم��ان ال يمكن التخلص من��ه أب��دا، يتمت

أوالده، حتى ليظن الشخص أنهم من ألد ألد أعدائه. من الطريف أن نروي حادث�ة ع��ابرة عن��ه، فه�و يم��ارس ال�رزق على حمار يجر عربة، وكان من طبع الحمار أنه يعرف الطري��ق دون الحاج��ةم، لتوجيه��ه، وذات ي��وم وبينم��ا كن��ا نق��ف على الش��ارع الرئيس��ي للمخي انحرف الحمار نحو مدخل غير مدخله المعتاد، ض��حكنا وس��ألنا "زي��ادا":

من الذي أخطأ؛ أنت أم الحمار؟ فأجاب: ال ليس الحمار، بل أنا. "2"

العودة إلى المفرق الذي غادرناه؛ كي ندخل حارة المطار، وهو الذي يلي "دك��ان الص��ابر"، ومن��ه "مقهى الح��ارون"، وه��و مقهى مرتف��ع عنك بش��كل الب��ؤس ة ص��غيرة، يتمس�� س��طح األرض؛ لوقوع��ه ف��وق تلل عالم��ة فارق��ة ا ش��ك ه أيض�� م، لكن المنس��حب على ك��ل من في المخي أبرزها المستقبل بطريقة تدفع للذهول، تماما مثل بيت "دلعون��ا" ال��ذية أرهقته��ا تواب��ع التحلل من األخالق والفض��يلة إلى ق المستقبل بذري مزفوه��ا، لع��دوها ظ��اهرة غ��ير حد لو قدر لعلماء النفس واالجتم��اع أن يعر

ة يمكن من خاللها الوصول إلى مكونات االنحدار والسقوط. طبيعيم، إلى األمام بقالة "عبدالرؤوف زي��دان"، وه��و وج��ه من أوج��ه المخيعه م��ع أوض��اعهم؛ فه��و طوي��ل القام��ة، نحي��ل إلى ح��د رغم تش��ابه وض��ة، يلبس "ديماية" مقلمة أحيانا، وبلون واحد االختالط بين النحالة والعاديا ل وج��ودا اجتماعي في أحيان أخ��رى، وحط��ة بيض��اء فوقه��ا عق��ال، ش��كه لم يكن لح وفض النزاع��ات، لكن ملحوظا بشخص��ه، فه��و يش��ارك بالص��

www.alukah.net

Page 16: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

م س��طورها بعي��دا عن وس��مات الع��ذاب والحرم��ان ال��تي يكتب المخي ومفرداته��ا على مالمح الن��اس جميعهم؛ س��واء ك��انوا من الوجه��اء في

م أم العاديين. المخي إلى األمام منه منزل "موسى جعيم"، وهو رج��ل بس��يط، وادع، رائ��ع��ه القوي��ة ن، تس��انده زوجت في صمته ومس��المته، يش��كو من فق��ر متمكها اس��تطاعت م رأى بها امرأة مستبدة، لكن ة، إلى حد أن المخي الشخصي - بفضل حنكتها وحكمتها - السيطرة على ك��ل مس��ارب العائل��ة بقبض��ة من فوالذ، ونجحت في نقل نفسها وزوجها وأوالدها من بؤرة الفق��ر إلىم فق��ط، ب��ل وبين طبق��ات طى، ليس بين أه��ل المخي المنطق��ة الوس��

المدينة. يليه مقهى محاطة س��احته بج��دار واطئ، تن��اوب علي��ه مجموع��ة منه موئل الناس، وه��و مقهى كغ��يره من المق��اهي البائس�ة والفق��يرة، لكنتات على نقطة، رغم عدم معرفتهم الكثير من الناس الذين جمعهم الشهم بفعل المأساة والنكبة الموحدة بها، وعدم معرفة بعضهم قبلها، إال أنقين بين وا معل هم ظل اندمجوا معا بح��ديث ال��ذكريات واأللم والوج��ع، لكن التمازج والتنافر، وكان هذا وحده قادرا على استنهاض عالم��ات الض��ياع

تهم وناصيتهم. وتكونها على غر يليه محل صغير، ملطخ ببقايا لحم ودم��اء، ثنبعث من��ه روائح مق��ززة، تصيب النفس بالغثي��ان، ص��احبه رج��ل قص��ير القام��ة، س��مين، مالمح��هار ال يع��رف عن ال��ذبح توافقت مع مالمح السكين والس��اطور، فه��و ج��زص في بي��ع رؤوس األبق��ار والعج��ول، فه��و يس��لخها ه متخص�� ش��يئا، لكنبه��ا ف��وق قطع��ة من ويس��تخرج اللحم وال��دماغ والعظم واللس��ان، ويرت خشب ارتوت بالدماء وبقايا اللحم؛ حتى أصبحت وكأنها جزء من تركيبة المكان والشخص، شكله يثير الدهشة؛ فمالمحه وعرة، ورأسه كب��ير، اله المنتفخ بق��وة، يتناسبان مع قصره، وإذا ما أض��فنا إلى ك��ل ه��ذا كرش��لت أمامنا شخصية غريبة، كشخصيات الحكايات التي ك��انت ترويه��ا تشكم أو عائل��ة، فه��و كم��ا ك��ان يق��ال: الج��دات، ليس ل��ه م��نزل في المخيه حم وال��دماء، ال أظن أن ه مع بقاي��ا الل مقطوع من شجرة، ينام في محل امتلك أكثر من سروالين وقميصين متشابهين تماما؛ ألنن��ا لم ن��ره م��رة في الحياة قد ارتدى غير ذات اللون أو التفصيل، شديد الص��مت، عظيمة واح��دة، م مر االنزواء، ممعن في االنطواء، حتى يوم اختفائه من المخي

دون أثر أو عالمة أو خبر. نتقدم نحو بقالة "ذيب الحافي"، وإلى األمام مقهى "أبو حيدر"، وه��و��ه محم��اس رجل متناسق الجس��د، يعش��ق القه��وة بش��كل غ��ريب، فلدي خاص، ومهباش رائع الشكل والتطريز، أصبح صوت المهباش عالمة من

www.alukah.net

Page 17: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

عالم�ات الش�ارع، فص��وته الموس��يقي الرائ��ع، وحرك��ة الي��دين والجس�دالمتوائمة مع الصدى الموسيقي كانت تدفعنا لالستماع والتأمل.

يلتصق بالمقهى منزل واسع تتوسطه شجرة "توت" عمالق��ة، تحي��ط بها مجموعة من أشجار الليمون، منزل امرأة اسمها "عذبة"، كانت م��ع أوالدها وبنتها تستقبل الناس في س��احة الم��نزل، وتحت ظالل الش��جر، تقضي أيامها بتناوب بين زائر وزائرة، امرأة بس��يطة لم يحم��ل وجوده��ا أي أذى إلنسان، تطارد دجاجاته��ا وصيص��انها وأرانبه��ا، تتعهدها بالرعاي��ة

كمصدر مهم تجني من خالله رزقها.م فج�أة، فظلت البقال��ة بعده بقالة "أبو نزي��ه" ال�ذي رح�ل من المخي

خالية، إلى أن وضع يده عليها "النمر". بعدها مباشره محل "سنكري"؛ ألبي عطا القوزح، وه��و رج��ل يص��لح

ه رحل أيضا بظروف مفاجئة. بوابير الكاز، ولكسات اإلضاءة، لكن يليه بقالة "أبو فخري العياط"، فمنزل "التفال"، فمنزل "آل مروح"،

فمنزل لرجل طاعن في السن هو وزوجته، لم يمتد العمر بهما طويال.م، ش��جرة "كين��ا" ض��خمة يلي ه��ذا كل��ه معلم رائ��ع من مع��الم المخي متطاولة في األفق، سميكة الجذع أمام مقهى "ال��دردش"، وه��و مقهىتمد من عظم��ة حر مس�� بمساحة واسعة، مفتوحة على الشارع، في��ه س�� الشجرة وهيبتها، خلفه مباشرة ح��ارة "الب��اير"، يقطنه��ا ع��دد قلي��ل منه��ا تتم��يز ��ره، لكن الن��اس والع��ائالت، تتش��ابه أوض��اعها م��ع م��ا س��بق ذكم، وبين ح��دود المدين��ة وبيوته��ا، بانحصارها بين الشارع الرئيس��ي للمخي فهي تشكل شريطا صغيرا سيمتد إلى حارة "الربايعة" ليلتقي مع منزلل وقته��ا "الزغل" الضخم المبني بالحجر واألس��منت، وال��ذي ك��ان يش��كم، ودعم ه��ذا الظن اف��تراق العالق��ة صرحا غريبا وفخما على أهل المخيم، وه��و اف��تراق مب��ني على بش��كل كام��ل بين س��اكنيه وبين أه��ل المخيم ورم��ا نظرتين مختلفتين؛ نظرة عائلة "الزغل" التي كانت ترى ب��المخيف��ة ب��القهر والهزيم��ة م المغل ��ا ال يمكن التعام��ل مع��ه، ونظ��رة المخي نابتقا إلى فترة كان ال ب��د ة لهم، وظل هذا معل والشعور بنظرة الغير الدونيع، والتعام�ل م�ع بعض�هم ول�و من فيها للطرفين من التص�الح م�ع الوض�

بعيد.ه متماسك إلى األمام بقالة "األطرش"، وهو رجل ضعيف السمع، لكن وقادر على إدارة البقالة، تأتي بع��دها بقال��ة "أب��و هاش��م"، فبقال��ة "أب��وم، هن��اك يلتق��ون، أي��وب"، وه��ذه البقال��ة ك��انت تجم��ع عج��ائز المخي يتسامرون، يلعبون "الس��يجة"، ويتح��دون، إلى أن ت��وفي "أب��و أي��وب"، فانزاحت عن المكان عالمة فارقة ك��انت تغ��ذي نظ��رات طفولتن��ا لتل��ك

ضا. المجموعة الممرغة بالحزن واألسى، والفقر والر

www.alukah.net

Page 18: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

خلف البقالة حارة "الربايعة"، وال أحد يعلم لماذا سميت بهذا االس��م، يسكنها عدد من العائالت السوداء، كعائلة "أبو ريحان"، وعائل��ة "رج��ا"،ه�ا كغيره�ا من الح�ارات ال تخل�و وعائلة "بخيت"، وهي صغيرة ج�دا، لكن من طيبة في أهلها وقاطنيها، وال تخلو من أسراب ال��دجاج والصيص��ان،��ا لل��رزق م منه��ا؛ طلب واألرانب والحم��ام ال��تي ال يخل��و بيت في المخي

والمعيشة واألكل. يمتد الشارع بعد ذل��ك ليص��ل إلى م��دارس وكال��ة "غ��وث الالج��ئين"،ل نهاية رحلتنا من هذه الجهة، حيث التي تتصل بشارع نابلس الذي يشك سنستدير لمالحقة الجهة األخرى بما فيها من حارات وعالمات وتفاصيلم مهمة، ولكن قبل االستدارة، ال بد من ذكر معلم مهم من معالم المخي مقاب�ل للبواب��ة ال�تي ت�ؤدي إلى مدرس�ة ال�ذكور، وه�و ص�الون األن�وار،ل كب��يرة بين األه��ل صاحبه "صبحي أبو س��رية"، ال��ذي ك��ان حلق��ة وص��ه ق، وككل حالق في زمنه، فإن والطالب والمدرسة، هو رجل بسيط، حالة، ك��الحزازة ة، فه��و يع��الج األم��راض الجلدي ع ببعض الخص��ال الطبي يتمت التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، إضافة للجرب والدمامل، وبرحم��ةه رغم ما ظل من الله كانت أكثر معالجته تنجح بشكل يثير الدهشة، لكنلع، س��جل فش��ال ك��امال في علي��ه من ادع��اء بقدرت��ه على معالج��ة الص��ه كان ينجح بإعادة الشعر إلى الرأس الذي النجاح في هذا المضمار، لكنما هذا ما دفعه تعرض لمرض جلدي أدى إلى سقوط الشعر بكامله، ورب

ه يملك القدرة على إعادة الشعر. لالعتقاد بأن "3"

في طري��ق عودتن��ا نص��طدم ب��أول م��نزل، وه��و ال يعت��بر من من��ازله يعتبر من المنازل م، بل من قرية "ذنابة"، وهو منزل بسيط، لكن المخية البالي��ة المكون��ة من م بمنازل��ه الرث الفخمة في تلك الف��ترة؛ ألن المخي الصفيح، والمدينة الغائص��ة ب��زي القري��ة النائي��ة، المش��دودة إلى توزي��ع البيوت على شكل ن��دبات متباع��دة متن��افرة، تس��تطيع أن تض��في علي��ه سمة الفخامة، باإلضافة لوقوعه بين مساحات من البيارات ال��تي تخفي معالم الحركة عن العين، وإذا ما أخذنا رتب��ة ص��احبه كعقي��د في الجيشل مع��نى األردني، ولقبه المرافق لالسم "رش��يد ب��ك"، نس��تطيع أن نتخي

تبة واالسم. فها بمجهول الر الرهبة التي تكتسح النفس وتغل يليه منزل "أبو فيصل سيف"، مع بقال��ة ص��غيرة تحت��ل الزاوي��ة ال��تيم م من خالل الش��ارع ال��ذي يفص��له عن بي��وت المخي ستتص��ل ب��المخين، في��ه انط��واء وبع��د عن ن، شديد الت��دي وأهله، و"أبو فيصل" رجل متديب في مشكلة واحدة طوال حيات��ه، أنجب ه لم يتسب م، لكن الناس والمخينهم هم ك��انوا على خلق��ه، عرف��وا بت��دي الكث��ير من األوالد والبن��ات، كل

www.alukah.net

Page 19: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

وأخالقهم الرفيع��ة، لكن المفاج��أة ال��تي ك��انت تخفيه��ا الس��نين، وه��وة، وال��ذي ة والوطني الدكتور "ولي��د س��يف"، ك��اتب المسلس��الت التاريخي

وضع بصمته على زمن حاضر. بعد الشارع مباشرة يقع منزل "أبو حسن الكليبي" وبقالت��ه الحزين��ة،م يكسوه الفق��ر ويس��تبد ب��ه الب��ؤس، وهو منزل كغيره من منازل المخي وكذلك البقالة، إلى األمام منزل "أب��و ج��اموس" وبقالت��ه، وه��و رج��ل ال يعرف الشارع، وال تعرفه الطرق��ات، مس��احة خطوات��ه بين ب��اب ال��بيت وب��اب البقال��ة، وبين المس��احتين مس��احة الن��وم، ل��ه ام��رأة تش��اركه الجلوس على مصطبة البقال��ة، تك��اد البقال��ة تك��ون خالي��ة إال من قلي��ل القليل، وكأنها وجدت فقط من أجل أن تجمعهما م��ع الش��ارع والن��اس،��وحي بحجم مغ��رقين في الفاق��ة والفق��ر، ح��تى إن أش��كالهم ك��انت ت

الضربة والمأساة. قبل منزل "أبو حسن كليبي" ش��ارع يق��ود إلى مجموع��ة من ال��بيوتزة بفقرها الواضح م، وهي بيوت متمي ل الجدار السفلي للمخي التي تشك الص��افع للعين، به��ا خلي��ط من عائل��ة "الب��دو والن��واس، وأب��و ع��تيق ومبارك"، ال��تي ع��رف منه��ا الش��اعر الفلس��طيني "علي مب��ارك"، وهية متنوعة، ال تمت إلى بعضها بصلة في عائالت من مدن وقرى فلسطينية وح���تى في الل���ون، فعائل���ة "الن���واس ة واللفظي التركيب���ة االجتماعيون، وك��ذلك عائل��ة "الب��دو"، أما عائل��ة "أب��و ع��تيق" والكليبي" هم قمحيهم توافقوا وت��آلفوا، فهم خالسيون، و"مبارك" عائلة سوداء البشرة، لكن اندمجوا معا بحكم البيوت المتراصة التي تنق��ل الص��وت من م��نزل إلى منزل، فال تبقي لألسرار أي قيمة أو مدلول، حتى إن الهمس كان يص��ل

أحيانا إلى الجيران. يقال أن أصل عائلة "مبارك" - وهناك عائالت كثيرة مثلها في الل��ونل ه��ذه الع��ائالت من بل��دان م - يقال: أن أص�� عة على حارات المخي موز، وك��ذلك ي��زعم إفريقيا، وهذا الكالم تم تأكيده من كثير من كب��ار الس��نلهم من الحج�از، وه�ذا أص��بح أن عائلة "أبو عتيق" ومن من فخ�ذها أص��تها بع��د أن أكيدا حين هاجرت بعض العائالت إلى الحجاز، وحملت جنس��ية ك��انت ق��د قدموا أوراقا ت��دل على أص��ولهم المنح��درة من قبائ��ل عربي ه��اجرت من الحج��از؛ لتس��تقر بفلس��طين من��ذ زمن بعي��د، وق��د تناق��لم أسماء مجموعة من العائالت التي هاجرت واستطاعت أن تثبت المخي أص��ولها من خالل أوراق ورثوه��ا عن أج��دادهم، أو عن طري��ق قبائ��ل

وعائالت كانت تعرف تسلسل األنساب وهجرتها. تمتد هذه الحارة من أول التقائها مع مدرسة الوكالة، فحم��ل القس��مم األول اسم: "حارة المدرسة"، إلى نهاي��ة الش��ارع ال��ذي يفص��ل المخي

www.alukah.net

Page 20: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

عن قرية "ذبابة"، حيث يصبح االسم: "حارة البالون��ة"، نس��بة إلى الب��دو الذين انحدروا من أصول تمت إلى االسم بصلة لم أعرفه��ا ح��تى يومن��ا

هذا.ه ال يمكن ألحد مهما كان بارع��ا في تقس��يم الح��ارات أن والحقيقة أن يحدد بداي��ة ح��ارة الم��دارس ونهايته��ا حين تلتقي م��ع ح��ارة "البالون��ة"، والصحيح أن أحدا لم يح��اول ذل��ك من قب��ل، أو باألص��ح لم تخط��ر ه��ذهها لم تخطر لي قبل مباشرة الكتابة، واالص��طدام الفكرة ألحد، وحتى إن

بفكرة التحديد.م، وتمت��د ص��عودا ها المخي ة التي يحتل ل تتميز الحارة بوقوعها أسفل التث ة ال��تي تتش��ب ه��ا بحكم ال��روح البدوي لتلتقي بالح��ارات األخ��رى، لكن ب��الحالل، فإنه��ا تكت��ظ ب��العجول والخ��راف والم��اعز، وك��ذلك ال��دجاج��ا للمس��احة واألرانب والبط واألوز، فهي تكاد تخلو من غرف الن��وم طلبات ل نوع��ا من الحي��اة والس��لوكي التي تحتاجها الحيوانات، وهذا م��ا ش��ك الخاصة بها، من ارتياد للسهول والجبال للرعي وجلب الحش��ائش، ومن تجارة في الحليب ومشتقاته، ولم يكن غريبا أن تش��اهد كث��يرا من أه��لبن، وك��ذلك م وهم ينتظرون دورهم لشراء الحليب أو الجبن أو الل المخي

لم يكن مستغربا رؤية أكثر أهل هذه الحارة في سوق الدواب. بعد بقال��ة "أب��و ج��اموس"، م��دخل لزق��اق يفض��ي إلى مجموع��ة منة ة منها بحارة المدارس، والجهة العلوي البيوت التي تتصل الجهة السفلي بحارة "البالونة" من الطرف األعلى، وهي حارة شديدة الضيق، ال يوجده��ا بالتأكي��د تتس�ع لعرب��ة الحم��ير س��ع لس�يارة، ولكن به��ا طري��ق واح�د يت والخي��ل، يقطنه��ا مجموع��ة من ع��ائالت مختلف��ة، كعائل��ة "الط��ويرط، و"الصباريني"، التي كان أبو عبدالله الصباريني علما من أعالمه��ا، بحكمم في ف��ترة حيات��ه، وعائل��ة األس��مر، ال��تي ع��رف وظيفته كمختار للمخي منها الكاتب الصحفي "حلمي األسمر"، وإذا ما استرسلنا للسير، فهناك منازل عائلة "أبو باجة"، و"أبو قمرة"، وبيوت كثيرة، كل بيت ينحدر من عائلة مختلفة عن األخرى، وهذا ما جع��ل األم��ر ص��عبا في تحدي��دها من

ناحية األصول. نعود للش��ارع لنج��د م��نزل "أب��و مج��دي المواس��رجي"، وك��ان يعم��لبقه إلى الحج��از، يلي��ه موظفا لصالح وكالة الغوث بع��د أن رح��ل من س��عات شديدة الضيق، مكتظة بالبيوت التي تكاد تكون فتحة تقود إلى تفره��ا مفتوحة على بعضها من شدة التداخل، ال يوجد بها عالمة مميزة، لكن بك��ل أحواله��ا متش��ابهة م��ع بقي��ة الح��ارات؛ من حيث الفق��ر والب��ؤس والمأساة، وكغيرها تعتمد تربي��ة ال��دواجن والطي��ور واألرانب؛ لتس��تطيع

الحصول على طعام يساعدها على البقاء.

www.alukah.net

Page 21: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

اط مالبس، رج��ل ودي��ع، ال يك��اد يلي��ه م��نزل "أب��و ط��احون"، وه��و خيم؛ فهو يخرج صباحا إلى مخيطته بالمدينة ويعود مساء، يعرف في المخيم ال��تي تق��ود إلى العن��ف أوالده يتمتعون بهدوء ال يتناسب مع بيئة المخية الشديدة، خل��ف بيت��ه مجموع��ة من األزقة والطرق��ات ال��تي - والعصبي بكل ضيق - أحيانا تتسع لشخص سمين، قب�ل بيت�ه م�نزل غ�ريب ببع�ده عن الشارع الرئيسي "للمختار عمر عمارة"، وبالقرب منه منزل المرأةدق، ال تك�اد تس�تطيع الوق�وف من ش�دة وحيدة، س��مينة إلى ح�د ال يص��ل نوع��ا من غم��وض منتها، اس��مها "بديع��ة"، ظلت لف��ترة طويل��ة تمث س��ها ولسبب ما يستحق الجالء، مع شفقة ممزوجة بشعور غير مفهوم، لكن كانت مضطهدة من قبل األطفال بسبب سمنتها، وظلت لغ��زا إلى ي��وم وفاتها، حيث ساد ح��زن لم يتناس��ب م��ع كم المش��اعر المختلط��ة ال��تي كانت تنت��اب الن��اس بس��ببها، وراء بيته��ا كم من األزقة الحزين��ة البائس��ة

ان يتقاسمهم حزن المكان وحزن الزمان. بسك بالتفاف إلى الزقاق الذي يلي منزل "بديعة" منزل ام��رأة من عائل��ة "الزبيدي"، لها ولدان؛ "ج��بر وعم��ر"، عم��ر أص��يب ب��الجنون المف��اجئ، وكان جنونه من نوع خاص؛ فهو ال ي��ؤذي مطلق��ا، ال يتح��دث كث��يرا، في��ه عادات غريبة مثيرة لالستهجان والدهش��ة، فه��و يض��ع فم��ه على ص��نبور��ه ا نظن خالل ذل��ك أن بطن المي��اه، وال يرفع��ه إال بع��د ف��ترة طويل��ة، كن��ه في الت��دخين س��ينفجر من الض��غط الهائ��ل الن��اتج عن المي��اه، طريقت نهمة، فهو يش��عل الدخين��ة لتنتهي وهك��ذا، يعم��ل حماال في المدين��ة منها إلى درج��ة لم ل؛ فهو يحب وقت آلخر، عالقته بأمه عالقة المؤمن المتبت تعهد بمن أصيب بمس أو جنون، فكل ما يحص��ل علي��ه من م��ال خ��اص به��ا، باس��تثناء ثمن ال��دخائن، يحف��ظ أش��عار جري��ر واألخط��ل والمتن��بي وعنترة بطريقة محكمة وواعية، ومن خالل إلقائه��ا على الن��اس يحص��ل على علب الدخائن في وقت تبطل��ه عن العم��ل، رواي��ات س��بب جنون��ه تث�ير االس�تغراب والتس�اؤل والدهش�ة، اس��تخدمت شخص��يته في قص�ة قص��يرة بمجموع��تي "على رص��يف" بعن��وان "وان��ع ي��و"، وه��و االس��م

ب الذي كان يحب أن ينادى به. المحبه ك��ان على عالق��ة أثن��اء الدراس��ة م��ع أخي عالق��تي ب��ه مم��يزة؛ ألن مصطفى، وكان يروي أشياء وذكري��ات كث��يرة عن أح��داث ت��رافقت م��عصاله بأخي، لم يكن من الض��روري س��ؤال أخي عن ص��حته؛ ألن فترة اتة، وه��ذا م��ا تفاصيلها تشير إلى الوعي الكامل الس��ترجاع أح��داث حقيقي

كان يدفعني للتساؤل: إن كان مجنونا أو ال؟ة بش��كل مف��اجئ، م إلى أن وافته المني ظل عالمة من عالمات المخي��ه في الن��اس ك���"يوس��ف ش��ريم"، ر موت فاختفى واختفى ذكره، لم ي��ؤث

www.alukah.net

Page 22: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ة وأك��ثر شراس��ة في ال��دفاع عن نفس��ه إن ما ألنه ك��ان أك��ثر انطوائي ربشاء أو اضطرته الظروف إلى ذلك.

إلى األمام منزل "سالم والزامل"، مقابل حارة "الربايعة" التي سبق ذكرها، وبعد خطوات قليلة "حارة الغانم"، وبقال��ة "األط��رش"، وم��نزل "العطا"، وقبل التقدم يقطع شارع واسع المنطقة ليفصل ح��ارة الغ��انمة على عن مبنى البطاقة، وهو مبنى خاص بتوزي��ع المس��اعدات الش��هري��ره بش��يء من التفص��يل، وهي ح��ارة معقدة؛ م، س��يأتي ذك أه��ل المخي بسبب التداخل في األصول والمنابت، وبسبب العادات والتقاليد، واألهم بس��بب الس��حنة المش��كلة لعائل��ة الغ��انم، واستس��المها للفق��ر والب��ؤس استسالما ال يكاد يوصف، تصعد لتلتقي بعائل��ة "الحط��اب"، و"الزغ��دد"،ز بطولها الشديد، ف��أنت مض��طر لرف��ع و"الالفي"، وعائلة "الالفي" تتميزون بن��وع من رأسك نحوهم؛ حتى تستطيع مشاهدتهم ومح��ادثتهم، يتمي البله والغباء، وكأن الحياة تسير بهم دون إرادة منهم، وم��ع ذل��ك ف��إنهم يعتق��دون اعتق��ادا جازم��ا أنهم أص��حاب ش��أن وذك��اء ي��دفع الن��اس

الحترامهم.��ر دوره في مع االنعطاف يسارا في مقابلة النادي - سيأتي ذكره وذكم - ندخل إلى منازل عائلة "الغراب"، و"العرفة"، و"أبو رصاص"، المخي و"الشافعي"، وبعض منازل "أبو تمام"، ومنازل "مبارك"، و"الحط��اب"، و"الضميري"، و"إشتيوي"، إلى أن نص��ل إلى م��نزل أبي حس��يب ال��ذي

يلتقي مع حارة البالونة. "أب��و حس��يب" رج��ل أس��ود البش��رة، كم��ا أس��لفنا يق��ال: إن أج��داده ه��اجروا من إفريقي��ا إلى فلس��طين قب��ل الفتح اإلس��المي لفلس��طين بسنوات طويلة، ال تعرف نوع عمله، فه��و م��زارع، وت��اجر، وعاط��ل عن��ة، فه��و إما ف��وق ه كان يمل��ك حم��ارا وعرب العمل، لكن ما يعرف عنه أنها الحمار، فيه من بقاي��ا العص��ور القديم��ة الحمار، وإما على العربة يجر الكثير، فهو ال يمت إلى العص��ر ال��ذي يحي��ا في��ه إال بوج��وده في��ه، طيبه رغم ذل��ك القلب، صعب المراس، شديد الغض��ب ألتف��ه األس��باب، لكنم بوجوده الدائم بين حاراته، "ف��أبو بقي عالمة فارقة من عالمات المخي حسيب" هنا وهناك، وفي ذاك المنزل وهذا، يجلس على المصطبة هذهرع، لكن أك��ثر م��ا ك��ان ج أو ص�� وتلك، صوته غريب يتشابه مع حالة تش��نزه ابنته "رتيبة" التي تخفي تحت قباحتها قباح��ة، وتحت جهله��ا غب��اء يمية ال تع��رف م��تى تنفج��ر فاتها غير المتوقع��ة شخص��ي مفرطا، وتحت تصرم��ا ة وال��دها، ورب ومتى تهدأ، رتيبة ساعدت بصورة ما في توطيد شخصيلت معلم��ا ة "أبو حسيب" قد ش��ك لو لم تكن موجودة، لما كانت شخصي

م. من معالم المخي

www.alukah.net

Page 23: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ليس بعي��دا عن م��نزل أبي حس��يب م��نزل من عائل��ة "الس��رحان"، صاحبه يدعو إلى الشفقة من المعدمين؛ بس��بب الفق��ر القات��ل الممعندق، ل�ه مجموع�ة من البن�ات واألوالد، أح�دهم في البيت إلى ح�د ال يص�ه كان يلقب "شبيبا"، مصاب بالجنون، ال أذكر اليوم اسمه الحقيقي، لكنة ونش��اطا يمت��از بهم��ا وال أصل لمعرفة س��بب ه��ذا اللقب، امتل��ك حيوي المجانين، أحيانا كانت تب��دو مالبس��ه نظيف��ة، لكن في أغلب األحي��ان لمل يخل من عفن وقذارة كانت تدفع الناس للتعام��ل مع��ه عن بع��د، ش��كم والمدينة، لم تكن الكلمات تخ��رج من��ه مادة مسلية للشباب في المخيلة م��ا ب��المقلوب أو الت��داخل، بحيث ال تمت إلى ص�� بشكلها الصحيح، وإنة، عمل كحمال في أوقات توزيع المؤن على الناس من بالكلمة الحقيقيا من األعمال لم يكن يدر ت بين أعمال كثيرة، لكن أي وكالة الغوث، تشت��ل الن��اس وخاص��ة النس��اء، يكتفي بعلب��ة عليه ربحا، فهو مستغل من قب دخائن، طريقته في الت��دخين راعب��ة "كعم��ر الزبي��دي"، وأش��هر ألفاظ��ه التي كان الش��باب ي��دفعوه إلى تردي��دها اس��م قري��ة تق��ع داخ��ل الخ��طه األخضر بالمناطق المحتلة عام ثمانية وأربعين، اس��مها "قلنس��وة"، لكنع��ا بين االض��طهاد والش��فقة إلى أن وافت��ه يلفظها "إسكلوي"، ظل موزك المستقبل قليال ليكشف عن العائلة أشياء كان ال ب��د ة فجأة، تحر المني للفقر أن ينتجها بهذه العائلة أو تلك، ورحمة الله فقط هي التي أنق��ذت

الكثير من الناس من الوقوع بمآزق ال يمكن الخالص منها. من منزل "أبو حسيب" لألم��ام م��ع انعطاف��ة ص��غيرة لليمين ومن ثم لليسار، امتداد لحارة "البالونة"، لكن باسم جديد حارة "العوفي" نس��بة إلى أبي حاتم العوفي، الذي تزوج بأربع نس��اء كن جميعهن يقمن بنفس ال��بيت، وينجبن بالتت��الي، فك��ان منزل��ه رغم اتس��اعه نس��بة إلى بي��وتم يبدو كحارة مستقلة بسبب الض��جيج والص��خب الق��ادم من ع��دد المخيزة؛ ��ه الواض��حة الممي األطف��ال والبن��ات، وللفق��ر في ه��ذا ال��بيت عالمت بسبب الكثرة وعدم الق��درة على تلبي��ة الحاج��ة لهم، ليس بعي��دا م��نزلة، يعم��ل بتربي��ة فة الغربي ة" إلى الض�� "القيسي"، وه��و مه��اجر من "غ��ز الحيوانات والمتاجرة بحليبها وألبانها، ليس بعيدا عنه منزل "أب��و لب��دة"، وهذا المنزل بمن فيه كانوا رفق��اء رحل�ة هروبن�ا إلى الجب��ال في ح�رب سبعة وستين، كانت المفارقة فيهم أن اسم ابنتهم "جه��اد"، وه��و اس��م لم تكن طفولتنا تستوعب نسبته إلى فتاة، إلى األم��ام م��نزل "الطي��ار" مع بقالة، وهو رجل كبير الس��ن م��ع زوجت��ه، يجلس دائم��ا تحت ش��جرةه "توت" ضخمة من الصباح وحتى موع��د الن��وم، ويمكن ال��زعم بق��وة أن لم يعرف المدينة أبدا، بل ويمكن التمادي للزعم بأن��ه لم يع��رف ط��رقل م نفسه، إلى األمام منزل "محمد الحاجبي"، وهو رج��ل من أص�� المخي بدوي، يؤمن بالمفهوم العشائري، ويعتقد بض��رورة وج��وده بين الن��اس،

www.alukah.net

Page 24: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

وكان هو وقريبه "عيس الحاجبي" يشكالن مالذا للن��اس؛ من أج��ل فض الخالفات والنزاع��ات، فك�انت دل�ة القه��وة المركب��ة على الفحم بش�كلة الفخم��ة الالمع��ة، م��ع الف��راش الع��ربي ال��ذي دائم م��ع العب��اءة البدويله أكثر من قطعة من قطع ص��وف الخ��راف، وه��و م��ا يطل��ق علي��ه يتخله أم��ام هيئ��ة محكم��ة "الجاعد"، كل هذه األمور كانت توحي لل��داخل بأن ملزم��ة في قراراته��ا، والغ��ريب أن أك��ثر الن��اس لم تكن تج��رؤ على رد حكم أو اإلخالل ب��االلتزام ال��ذي تخ��رج ب��ه الجلس��ة، مم��ا أمن ولف��ترة طويلة نوعا من الق��انون بين الن��اس، أض��ف إلى ذل��ك شخص��ية الرج��ل "محمد الح��اجبي"، ال��تي ك��انت تحظى ب��احترام ش��ديد، ومم��ا أذك��ر أن محمدا "الحاجبي" هو الذي أخرج أختي "صبحية" من منزلنا يوم زفافها بعد لفها بعباءته، ورافقها إلى قرية "الفريديس" التابع��ة "لحيف��ا"؛ حيث

سلمها ألهل العريس. إلى األمام منزل "تيلخ"، وهو لقب أطلق على الرجل دون أن نعرف سببا لذلك، ولكن حين ت��ود كق��ارئ أن تع�رف مع�نى الفق��ر واالس��تكانة واالستسالم والقبول باالضطهاد، والغباء المغرق في الغباء، ما علي��ك إال التطلع في وجوه العائلة، وإذا أردت أن تع��رف مع��نى ال��براءة والنزاه��ة والفطرة والطبيعة، فانظر إليهم أو ح��ادثهم، ك��انوا مض��طهدين من ك��لوا ك�ذلك م، من األطف�ال والنس�اء، وظل شيء؛ من الظ��روف، من المخي

م. حتى غادرت المخي ع��ودة للش��ارع ال��رئيس؛ حيث مقهى "الحيحي"، وص��احبه "ياس��ينة ألس��باب أمني��ة، تح��ول ��ل أجه��زة األمن األردني الحيحي"، أع��دم من قب

المقهى بعدها إلى بقالة "المصيعي". إلى األم�ام مباش��رة مب�نى البطاق��ة، وه�و مب��نى توزي��ع المس�اعداتة ال��تي ك��انت وكال��ة غ��وث الالج��ئين الفلس��طينيين التابع��ة لألمم العينيعها على الناس، وهو مبنى يحتل مساحة ال بأس به��ا، مبني المتحدة توز��ه أص��فر، يزخ��ر ب��الطحين والع��دس واألرز، وال��زيت باألس��منت، لونبات السمك واللحم، كان يضم عددا من الموظفين والسمن، وبعض معلم آخ��ر؛ ح��تى ال يك��ون هن��اك تس��ريب أو واس��طة، الق��ادمين من مخي أشكالهم أخ��ذت طبيع��ة عملهم، وك��ذلك رائحتهم، وعص��بيتهم الش��ديدة التي كانت تستفز بسبب التزاحم على الدور، صوتهم أجش مكس��ر منهم رغم كل ذلك كانوا يعملون بج��د واجته��اد كثرة الصراخ والمناداة، لكن

وأمانة. ي��وم التوزي��ع ي��وم حاف��ل؛ فهن��اك مك��ان الص��طفاف النس��اء، وآخ��ر الصطفاف الرجال، والناس تبدو وهي تحمل سالل البالستيك، أو خرائط الخيش، والشمس تلسعهم، أو المط��ر يغس��لهم، كجماع��ات قادم��ة من

www.alukah.net

Page 25: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

هم ينتظ��رون بؤرة الع��وز والفاق��ة، فهم مطم��ورون بال��ذل واإلهان��ة، لكن مثل هذا اليوم بفارغ الصبر؛ ألن��ه يمنحهم الق��درة على مواص��لة الحي��اةة من المالبس ر ا نحن كأطف��ال، ننتظ��ر "البقج��ة"، وهي ص�� والبقاء، وكنع على الع�ائالت، فمنه��ا م��ا يتناس��ب م��ع أف��راد المس�تخدمة ك�انت ت��وز العائلة، ومنها ما ال يتناسب، ولكن النس��اء كن يتب��ادلن المالبس حس��ب، لكن المش��هد بص��فته العام��ة ك��ان ح��اجتهن ومق��اس أوالدهن وبن��اتهن يوحي بما وصل الناس إليه بعد النكبة من عمق الجرح الغائص بالكرامةة، وهو ما يدفع علم��اء النفس واالجتم��اع - ل��و ك��انوا يهتم��ون بم��ا والعزة - أن يبحثوا عما يدفع من كانوا قبل أعوام ل االختالف في النفسي يشك يقف��ون على ب��اب الكرام��ة والتض��حية والنض��ال، أن يقف��وا الي��وم على أعتاب الذل والمهانة والخن��وع لظ��روف ك��ان من المس��تحيل في حينه��ا

تطويرها أو تحسينها أو حتى رفضها. كل هذه المشاهد كانت تتكدس بأعماقي ح��تى ك�برت، ووقفت أم�امة وكرامة كانت تأتي من بين الكتب وص��فحات التعليم، الحياة أحمل عز فع��رفت عن يقين حجم األلم والع��ذاب ال��ذي ك��ان يراف��ق ي��وم توزي��ع المؤن، وهذا ما سأفرد له قصة يوم�ا، تتن��اول التفاص��يل الص��غيرة ال�تي

ترسم النفس والذهن في اآلن نفسه. إلى األمام منه مبنى األمم المتح��دة، ال��تي تعترض��ك يافط��ة مكت��وب عليها: "ممن��وع ال��دخول لمن ليس ل��ه عم��ل رس��مي ب��أمر من الح��اكمم، وعيادات فيها طبيب عام وممرض العسكري"، فيه مكتب مدير المخيضة، على الجانب اآلخر منه تقع غرفة صغيرة للقابلة "أم هاشم"، وممر هناك ولدت أنا، وولد جي��ل كام��ل على ي��دي "أم هاش��م" - رحمه��ا الل��ه

م من جهد ووفاء. رحمة تليق بما قدمت للمخي إذا م��ا انحرفن��ا يس��ارا، فإنن��ا سنص��عد إلى ح��ارة الحم��ام، أول بيت سنواجهه، بيت صغير المساحة إلى حد كبير، تناوب سكنه مجموعة من الس��اكن األخ��ير، يلي��ه من��ازل آلل الناس كلهم ماتوا بظروف غريب��ة، إال "أبو تمام"، و"أبو خالد الجاجة"، و"أب�و س��ليم ب��ائع البليل��ة"، وه�و رج�ل سمح الوجه، يثير األمل في النفس، تلفه براءة يافعة، ويتمكن منه فق��ر��ة على ثالث��ة ا عرب م ج��ار هائل، يقضي يومه بين ح��ارات المدين��ة والمخي أرجل، تحمل بابورا من الكاز لتبقى البليلة س��اخنة، على اليس��ار مطعمم، وظيفتهم وكالة الغوث، فيه مجموعة من الم��وظفين من نفس المخي��ا ليحمل��وا بعض م كي ي��أكلوا في��ه، وأحيان تحض��ير الطع��ام أله��ل المخيا كأطفال نشعر بالمتع��ة الش��ديدة حين نجلس الطعام إلى منازلهم، وكنم كله لم على الطاولة؛ كي نأكل وكأننا سادة أو أصحاب ش��أن، ف��المخي يملك طاول��ة لتن��اول الطع��ام عليه��ا، وك��ان وقت الع��ودة من المدرس��ة يدفعنا للتسابق من أجل الحصول على الوجب��ة قب��ل أن تنف��د، ولم يفلح

www.alukah.net

Page 26: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

سباقنا لسنوات متتالية أن يجعلنا نصل إلى ي��وم نف��د في��ه الطع��ام، ب��لع ما يزيد على العائالت حسب الدور. كان يوز

إلى األم��ام م��نزل آل " أب��و م��ريم"، "فالعي��اط"، و"أب��و س��فاقة"، و"العنبر"، و"السوداني"، و"الفحماوي"، و"أب��و س��الم"، و"أب��و إتقي��وه"، يلي هذا منزل "الحارس"، ومقابله تمام��ا م��نزل "المهلب"، وه��و م��نزل يرزح تحت نيران فقر موصول بفقر، من��ذ اللحظ��ة ح��تى اللحظ��ة ال��تي تليه��ا ك��انت تقيم في��ه "حم��دة المهلب" م��ع ابنته��ا المجنون��ة "عريف��ة"،ه ع��رف بلقب "قري��د العش"، مته "إب��راهيم"، لكن والتي أنجبت ولدا أس�� وظل كذلك إلى أن نسي مجموع من الناس اسمه الحقيقي، أمه ك��انته��ا أص��يبت ب��داء تعاني من رؤية األحذية، فهي مجنون��ة كم��ا أس��لفنا، لكن الجنون بعد النكبة، ككثير من الناس ال��ذين فق��دوا الت��وازن بين الجدي��د والق���ديم، ف���انكفؤوا على أنفس���هم بين الجن���ون وبين ال���ذهول، لكن "عريفة" بقيت تحدد الزيارة التي يقوم بها الن��اس لم��نزل من المن��ازل،ت ك��ذلك إلى أن ت��وفيت فتسطو على األحذية وتنقلها إلى منزله��ا، وظل

نتيجة نوبة من نوبات الجنون المستبدة. على مدخل بيت "المهلب"، تقع بقالة من الصفيح ألبي سرحان، وهو رجل يلبس ديماي��ة مقلم��ة، بقالت��ه ال تح��وي س��وى بعض األش��ياء ال��تير، أبيض ة، ي��تراوح بين الط��ول والقص�� يحتاجه��ا الم��نزل بص��ورة ض�روري البشرة، سمين بعض الشيء، قضى حياته أمام البقالة على كرسي من الخشب الذي شكا تكالب الزمن عليه وعلى صاحبه، ظل كذلك إلى أنة، فقلعت البقالة من جذورها، وأضيفت كغرف��ة إلى الم��نزل وافته المني

المتصل بها. مقابلها بقالة "أبو سالم"، وهي بقالة صغيرة جدا، ك��انت تجلس فيه��ا��ة الفق��راء ، فيه��ا طيب الحاجة "خميس��ة"، وهي ام��رأة كب��يرة في الس��ن وبؤسهم، في البيت المتصل بالبقالة عائلة ضخمة كبيرة العدد يغزو ك��لل نوع��ا من القه��ر مالمحها الفقر المتأصل بالوجوه والمالمح؛ مم��ا ش��ك الذي غل العائلة بالتضامن مع ضيق البيت وكثرة األطفال، عم��ل معظم أفراد العائلة في مزارع االحتالل، وك��ان عمال مج��ديا دف��ع إلى انتق��الهمم ق��د ب��اعوه وقطع��وا ك��ل م إلى المدينة، حتى منزلهم بالمخي من المخي

م وساكنيه. صلة لهم بالمخي إلى األمام منزل "أم عمر"، و"أم خليل القروية"، وهما أرملتان، "أمها ، وال نعرف لماذا سميت بهذا االسم، لكن عمر" لم نعرف لها أوالدا قط تملك ابنتين عانستين، رائعتين كأمهما في التعامل مع الناس والجيران، بيتهم يضج بالخض��رة، فتنك��ات الحدي��د والص��فيح تمأل ال��بيت ب��أنواع منمان والليم��ون والبرتق��ال، "أم عم��ر" له��ا الورود، إضافة إلى شجرة الر

www.alukah.net

Page 27: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

م��ا ي��أتي ي��وم لتس��جيلها ، ال تنسى وال تذهب، رب ذكريات عزيزة مع الكلم. وفاء المرأة عذبتها الغربة، وطحنها فقر المخي

ه��ا ��ا، عملت وتعبت وش��قيت، لكن "أم خلي��ل" ك��انت تمل��ك أوالدا وبنات كامرأة تستحق الذكر واالحترام والتقدير، اس��تطاعت أن تش��ق الص��خر والصلد، لتربيهم وتوصلهم إلى حد الق��درة على مزاول��ة الحي��اة، ك��برت وزوجت بناته��ا الل��واتي كن مث��اال للخل��ق والش��رف، وزوجت أوالده��ام إال من ها ظلت صامتة كم�ا ب�دأت حياته�ا ب��المخي تهم، لكن وسعدت بذري

ضرورة لجواب أو مساعدة. يتبع��ه مباش��رة بيت عج��وزين رائعين؛ "أب��و علي، وأم علي قرط��وم"ق الفط��ري الن��ابع من أص��الة كان��ا مث��اال واض��حا للوف��اء والحب والعش��ة، ح��تى إن وفاتهم��ا تعاض��دت إلثب��ات ه��ذا الع��ادات والتقالي��د والعفوي، وق��د كتبت عنهم��ا قص��ة قص��يرة بمجموع��تي "على ق والحب العش�� رصيف"، بعنوان "من مقبرة الهجرة إلى مقبرة العودة"، وكانت القص��ة

وفاء لطفولة لم تدرك عمق ألمهما إال بعد وقت طويل. مقابل��ه منزلن��ا األول، وه��و بيت جمي��ل الب��ؤس، رائ��ع الفق�ر، تس�كنهع بعض الزهور هن��ا وبعض��ها شجرة "توت" عمالقة وشجرة ليمون، تتوزج��ة لألرانب، ال��تي تش��كل هن��اك، في مس��احته مغ��ارات ص��غيرة متعر�ا من ة، وك�ذلك خم الحم�ام ال�ذي ك�ان مكون مساعدة في حياتن�ا اليوميدئة، وك�انت المع�ارك بين أمي مجموعة من علب الصفيح الفارغ�ة الص�� وبين القطط تتوالى، فاليوم تم اختطاف أرنب صغير، أو زغلول، وهكذا حتى دمنا على هذا النزاع األس��طوري بين القط��ط وبين أمي، ب��ل وبينم، وراءن��ا م��نزل "عيس الح��اجبي وبقالت��ه" المليء ك��ل نس��اء المخيميت باألشجار، لكن بمحاذاة منزلنا يتصل منزل الحاجة "القطم��ة"، وس��ي في��ه األغن��ام بهذا االسم؛ ألن يدها اليم��نى مقطوع��ة، وه��و م��نزل ت��رب

واألبقار، يليه منزل "أبو كبير"، فمنزل "أم صبري". "أم صبري" امرأة عانت الويل والشؤم، فابنها األمين مصاب بم��رضجفة المتواصلة، باإلضافة إلى نوبات من صرع قات��ل، ابنه�ا "ص��بري" الرة حادة، فهو كث��ير الص��مت واالن��زواء والوح��دة، يعاني من أمراض نفسيه كان يعذب أمه عذابا حادا، فهو لم يت��وان عن ض��ربها وركله��ا بك��ل لكنها من بين يدي��ه، م إلى أن يصل من يستطيع أن يخلص�� قوة وسط المخيه مات ميتة غريبة، كتبت عنها في وكذلك كان يفعل مع أخيه األمين، لكنه أم��ام منزل��ه بطريق��ة غريب��ة ت��دعو قصة "وانغ ي��و"، فق��د أح��رق نفس��

للتساؤل. بانحرافة بسيطة يمكننا التوجه إلى دار "الحشاش"، وهي غ��ير تابع��ةا، ب��ل إلى قري��ة "ذناب��ة"، في حاكورته��ا الواس��عة م تنظيمي إلى المخي

www.alukah.net

Page 28: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

زت ه��ذه شجرة "خروب" ضخمة، يمتد عمره��ا إلى مئ��ات الس��نين، تمي الساحة مع البيت بشيء من الخوف والشؤم، فهي ك��انت قب��ل س��قوط��روى عن ة، وهناك قص��ص كث��يرة ت ة مركز الشرطة األردني الضفة الغربي

د صحتها وصدقها. ها متواترة ومتشابهة؛ مما يؤك هذا الموقع، لكن إلى األمام منزل "اللويسي"، وهو لعائلة بسيطة عرفت بطيبتها رغم عزلتها عن الناس، يلتصق به منزل "أبو عقاب النافع"، وهو رجل أس��ود البشرة، شديد الطيبة، رائع المحيا، زوجته اسمها "سروة"، وهي بطيبته��دعى الم��نزل بم��نزل "العل��وط"، لم نع��رف الس��بب وروعت��ه، ك��ان ي الحقيقي لهذه التسمية، لهما ولد اختفى منذ زمن بعيد، ال أع��رف ح��تى اسمه، ومات الوالدان دون أن يعرفا عن مص��يره ش��يئا، ك��ل م��ا عرف��ههد دون أن ه غادر فلسطين والتحق بص��فوف الث��ورة، واستش�� م أن المخي يعرف أحد عنه شيئا، وهذه حالة من حاالت كثيرة ك��انت تختفي فيظه��ر

أخيرا أنها استشهدت فعال في صفوف المقاومة.وع��ة، لهما ولد ثان، وهو الذي كني باسمه "عقاب"، ش��اب ش��ديد الر ش��ديد الص��فاء، في��ه خفة روح وعذوب��ة، ذو ذوق رفي��ع في اللبس، يهتممع بمظه��ره بعناي��ة فائق��ة، عم��ل أج��يرا في مص��انع االحتالل إلى أن س��ة أودت بحيات��ه م بخبر وفاته أثناء العمل؛ فق��د أص��يب بجلط��ة قلبي المخي

في اللحظة.دموا أمه كاد يطير عقلها لوعة وحزنا عليه، حتى الناس والج��يران ص��ه م كل ة ك��ان المخي صدمة ح��ادة، وفي الي��وم الت��الي لحظ��ة وص��ول الجث

م. ينتظر؛ للمشاركة في الجنازة التي غطت مساحة المخي لهما ولد ثالث اسمه "محمود"، ولقبه "أب��و طب��اش"، ك��ان في نفس صفي المدرسي، ورث الطيبة عن والديه، لعب كحارس م��رمى لمرك��زفة ر اس��مه في الض�� الش��باب االجتم��اعي ف��ترة من ال��زمن؛ مم��ا نش��

ة. الغربيا في ه أيض�� إلى األم��ام م��نزل "أب��و نبي��ل النص��ار" ال��ذي أح��رق نفس��زانه وهدوء شخص��يته، وك��انت الحادث��ة مروع��ة؛ ظروف غامضة، رغم ات ألنه لحظة اشتعال الن��ار ب��ه خ��رج من الم��نزل وه��و يص��رخ ويص��يح منة اإلنق��اذ، ح��زنت الح��ارة ش��دة األلم، لكن الن��ار ك��انت أس��رع من عملي لموته، لكن االستهجان كان أكبر من الحزن، ولم تعرف أسباب االنتح��ار

حتى اليوم. إلى األمام منازل عائلة "أب��و ألفي��ة" و"أب��و تم��ام" و"العرف��ة"، ح��تى

تتصل بمنزل أبي حسيب الذي تحدثنا عنه سابقا. إذا ما عدنا إلى منزلنا وواصلنا التقدم، فهناك منزل "أبو جهاد النافع"ة واح��دة، ه م��ر ��ه على نفس�� وفيه وقعت أحداث "لعطية" الذي أغلق باب

www.alukah.net

Page 29: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

وظل كذلك إلى أن مات في غرفته، يليه منزل "أبو الكامل" الذي ك��اناخ��ا في مطعم الوكال��ة، ثم م��نزل "الض��مارة"، وه��و م��نزل تع��رض طبات سيأتي ذكره��ا في مواق��ع أخ��رى، يقابل��ه م��نزل "علي الطوي��ل" لهزاال مع وكالة الغوث، وم��ات ه��و وأوالده في ظ��روف ت��دعو الذي عمل زب للعجب والدهشة حتى يومنا هذا، يليه منزل "أبو جمال كنعان"، فم��نزل

ام الشلبي". "أبو بس بين منزل "الكنعان والطوي��ل" ينتص��ب مب��نى من األس��منت األص��فر ت��ابع لوكال��ة الغ��وث، وه��و عب��ارة عن حم��ام يس��تحم الن��اس في��ه، ب��ه مجموع���ة من القواط���ع الص���غيرة ال���تي تقس���مه إلى مجموع���ة منم��ة الحمامات التي تتدلى من س��قفها ص��نابير من مي��اه به��ا دائ��رة مخر توزع المياه على شكل خيوط، وهي طبعا مياه ب��اردة ش��ديدة ال��برودة؛ا كأطف��ال نش��عر ألنها قادمة من ينابيع المدينة المنتشرة بكثرة فيه��ا، كنة من بالفرحة العارمة حين نص��ل إلى الم��نزل لنلقي بحقائبن��ا المدرس��ية فوق السور، لننطلق هناك لنس��تحم دون أن نحس��ب أي حس��اب لكمي المي��اه المس��تهكلة، ف��البيت ال يوج��د ب��ه م��اء، وعلين��ا وقت الحاج��ة أن ننطلق إلى صنابير المي��اه العام�ة؛ لنمأل م��ا نحت��اج من أج�ل الش�رب أوم قب��ل الطبخ أو االستحمام، وهذا ما سيأتي ذكره بالوصف األخير للمخي

نهاية القصة.ع���ات وراء الحم���ام س���احة واس���عة تق���ود إلى مجموع���ة من التفرل ح��ارتين: ح��ارة "الس��والمة"، جات المتداخلة المتش��ابكة لتش��ك والتعر

وحارة "الشيخ علي"، أو ما يطلق عليها: حارة "الشخالعة". تبدأ حارة "السوالمة" من منزل "دار الداهم"، فم��نزل "آل زي��دان"، و"فهيمة العطا"، تتصل بمنزل "أب��و خض��ر األخ��رس"، ه��و رج��ل أس��وده ال يجلب أي أذى ألي البشرة، رائ��ع الخل��ق، ال يتكلم بحكم خرس��ه، لكن أحد، أنجب الكث��ير من األوالد، كلهم ك��انوا على تن��اقض في ك��ل ش��يء، من بين أبنائه الشاعر الشعبي "خضر سالم"، وكان ابنه الشهيد "كم��الاال في وكال��ة س��الم" مث��اال للمث��ابرة واإلص��رار، فه��و عم��ل كوال��ده زبل ه بنفس الوقت مارس الرياضة، وواصل التعليم حتى حص�� الغوث، لكن على ش��هادة حكم دولي للمباري��ات، لكن الم��وت اختطف��ه باستش��هاده ق��دم ى من الله أن يوصله إلى أعلى درجات المغف��رة والجن��ة؛ ألن نتمن نفسه ف��داء للن��اس بظ��روف تحت��اج إلى ش��جاعة من ن��وع خ��اص، وه��وة م، ب��ل متف��ق علي��ه بالمحب الش��اب ال��ذي ال اختالف علي��ه في المخي واالحترام، ومن أوالد "أبو خضر" عز الدين، كنت أنا وهو في صف واحدا، تزاحمت عليه ظروف الحي��اة ا وبش ا، هش في المدرسة، كان عذبا وندي

فرحل إلى أرض الحجاز، وهناك توفي بالسرطان.

www.alukah.net

Page 30: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

يليه منزل "حمدان السالم"، ومن المهم اإلش��ارة إلى مع��نى "يلي��ه" هنا وفي كل ما سبق، فيليه هنا ال تعني أن هناك فاصال بين ال�بيت األول والثاني، بل هو اتصال مباشر تفصله أحيانا واجه��ة من األس��منت أو منهم؛ بس��بب ��ا ي��رى س��كان المن��ازل بعض�� ال��تراب أو من الص��فيح، وأحيان انخف��اض الس��ور الفاص��ل بين البي��تين رغم اش��تراكه من ك��ل جه��ة من

جهاته بالمنزلين. "حمدان السالم" وكل عائلة الس��الم هم س��ود البش��رة، ب��ل ش��ديدو السواد، تجمعهم طيبة موحدة، وفق��ر يك��اد يلس��ع الفق��ر والب��ؤس، ه��ذا الرجل أنجب مجموعة من األوالد، اثنان منهما ك��ان لهم��ا أث��ر ق��وي في م، "الس��نو" وه��و لقب أح��د أوالده ال��ذي ك��ان العب ك��رة ق��دم المخيم "ط��ول ك��رم"، وبع��د محترف مع مرك��ز الش��باب االجتم��اعي في مخي��ا مش��هورا ا العب أعوام طويلة تبعه أخوه الملقب "بالديسو" ليكون أيض��

من العبي مركز الشباب االجتماعي. يليه منزل "أبو ماهر عبي��د"، أنجب مجموع��ة من األوالد، لكن ال��زمنت أرك��ان الم��نزل ذات��ه، ��ه وه��ز ت أركان م بحادث��ة ه��ز بتقدمه فاجأ المخي��دعى ة ت "فعمر عبيد" عمل أثناء االنتفاضة األولى مع مجموع��ة عس��كريم النمور السود، وك��انت وظيفته��ا تص��فية العمالء ال��ذين يقطن��ون المخي والمدينة والقرى، وقد نفذت المجموعة أحكاما باإلعدام على الكثير من الناس، قتل بعض أفراده��ا، واعتق��ل بعض آخ��ر، واختفى بعض بظ��روف غامض��ة ح��تى يومن��ا ه��ذا، وبع��د اتف��اق "أوس��لو" تم إطالق س��راحة في جهاز األمن المجموعة، وعمل "عمر عبيد" مع السلطة الفلسطيني

الوقائي. وذات يوم دوى في الحارة وفي منزل "عمر عبيد" إطالق نار ك��ثيف،هم هم في األزقة وعلى الش��وارع، وبعض�� م، وتجمع الن��اس كل م��اج المخي فوق السطوح، وصلت سيارات السلطة، وحين تم اقتحام ال��بيت ك��انته��ا على ة زوجة "عمر عبيد" وجثة "عمر" كل ة زوجة "ماهر عبيد" وجث جث األرض مخزقة، واألرض تغطيها الدماء، كانت جريمة من الدرجة األولى،فا بالصمت الذي أرهبت النفوس وآلمت العقول، وظل سر الجريمة مغل

ف القتلى. غل باالنحراف يمينا ندخل حارة "الزوايطة" نس��بة إلى عائل��ة "الزاي��ط"، وهي حارة تتشابه في فقرها مع الفقر الذي ال يمكن تصوره أو ابتداع��هها وك��أنهم ق��ادمون من ع��الم آخ��ر، لغتهم ص��عبة، من الخي��ال، أناس�� وعق��ولهم أك��ثر ص��عوبة، التف��اهم بينهم وبين لغ��ة الح��وار معدوم��ة،هم رغم ك��ل لها مرونة أو استيعاب، لكن أحكامهم صارمة وجامدة، ال يتخلوا، هذا يحملون تناقض اإلنسان، فهم مضيافون، رحب��اء الص��در لمن أحب

www.alukah.net

Page 31: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

��ا الن��دماج الن��اس معهم أو أن ه��ذا لم يكن كافي أوفياء لمن أخلص��وا، إال اندماجهم مع الناس، واس��تغرق األم��ر جيال ك��امال ح��تى ب��دأ ت��آلفهم م��عة عرفته��ا م معهم، يهم��ني تس��جيل أح��داث شخص��ي م وتآلف المخي المخي منذ الطفولة وهو "جمال الزايط"، فقد كنت أنا وهو في نفس الصفوفات، فق��د ا من حيث الس��لوكي في مدرسة وكالة الغوث، وكان ول��دا عاديه لم يكن صاحب عقل مغلق، بل كان يتفاع��ل م��ع اختلف عن عائلته بأند وم��رن، وك��ان من الطالب األذكي��اء في الن��اس واألح��داث بش��كل جيه على أقل تق��دير اس��تطاع أن يجت��از المدرسة، لم يكن حاد الذكاء، لكنها دون أن يرس��ب في أي م��ادة على اإلطالق، وه�ذا مراحل الدراسة كل ما نقله لدراسة األدب اإلنجليزي بعد الثانوية العامة، عمل كمدرس فيماته التي نمت بطريق��ة بعد، كان الفقر الشديد عالمة من عالمات شخصيرة، ورغم ك��ل ه��ذا ف��إن ش��كله اس��تطاع المحافظ��ة على ش��بابه، م��ؤثة وخاصة شعره الكثيف الشديد الغزارة؛ مما ساعد على توطيد شخص��ي تتنازعها مالمح الفقر والب��ؤس، وتخفيه��ا إش��ارات الش��باب القادم��ة منم "بجمال" وه��و ي��روح بنيته وشعره، وفي يوم غير معهود، فوجئ المخي ويجيء بالش��وارع على غ��ير ه��دى، كنت إذ ذاك أقيم في األردن، وحين عدت وسمعت ما سمعت انتابتني الدهشة، وغمرني الذهول، "فجم��ال" لم يكن من المتوقع لهم أن ي��دخلوا مرحل��ة الجن��ون ب��أي ش��كل منه أنجز م��ا عج��ز الكث��ير من أبن��اء جيل��ه عن إنج��ازه، األشكال، خاصة وأن فقد واصل التعليم وحصل على تخصص جيد، وأمن لنفس��ه مص��در رزقدة، وت��زوج من فت��اة جميل��ة، ك��ل األم��ور ة جي مق��رون بمكان��ة اجتماعيد، فما ال��ذي ح��دث م��ع جم��ال؟ ظ��ل ه��ذا الس��ؤال سارت على نحو جي عس��يرا ح��تى يومن��ا ه��ذا، رغم بعض الرواي��ات ال��تي ح��اولت أن تض��ع تفسيرا للحالة التي وصل إليه��ا "جم��ال"، وحين ش��اهدته، ف��وجئت بأن��ه يحفظ اسمي كامال، وكذلك أسماء األوائل في المدرسة، وأن��ه يس��ترجع بعض الحادثات ال��تي كنت ق��د نس��يتها أن��ا عن أي��ام الطفول��ة، وه��ذا م��ا جعلني لفترة من الزمن أعتقد اعتقادا جازما بأن "جم��ال" غ��ير مص��ابه م��ا أن بداء الجن��ون، ب��ل بحال��ة غريب��ة ق��د تنتهي يوم��ا من األي��ام، لكن حصل على الدخينة التي طلبها مني حتى استدار وهو ينتف شعرات من رأسه ويهذي بألفاظ غريبة مبهمة وغ��ير مدرك��ة، وب��اءت ك��ل مح��اوالتي بالفشل من أجل التواصل معه في نفس اللحظة، وق��د أص��بح "جم��ال"��ا عن وجب��ة غ��ذاء أو دخين��ة؛ فيما بعد المجنون الذي يرتاد الش��وارع بحث

مما غمر ذاتي باألسى والحزن.ق��ة، في نفس الحارة مجموعة من البيوت ال��تي تنتمي لع��ائالت متفر كعائل��ة "الس��روجي، وفرح��ات، وأب��و الغ��زالن، وأب��و جوي��د، وم��رعي، وهالل"، ومن العائلة األخيرة كان "سليمان هالل" الملقب "بالجارينجا"،

www.alukah.net

Page 32: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

وهو ح��ارس م��رمى مرك��ز الش��باب االجتم��اعي، فك��ان علم��ا من أعالمه في أواخر عمره بقي على رصيف بجانب بقالة م وفلسطين، لكن المخي

"الصابر"، يحدق بالزمن الذي مضى حتى يوم وفاته.ع بذوق فخم في انتقاء المالبس، نظيف إلى حد "محمد فرحات" يتمتز واالشمئزاز، ل��ه أم بعين الهوس، يحمل غرورا مبالغا فيه إلى حد التقز كريمة، وأخ بعين كريمة، كان يخجل بهما، إلى حد االنتقام منهم��ا ض��ربا وتعذيبا وحرمانا، عمل "كمواسرجي"، وكان نشيطا؛ مما كون بين يدي��هه مبالغا من المال كانت في حينها تعد ذا قيمة وت��أثير، وه��ذا مم��ا زاد غيته، وظل منحدرا في رؤي��ة ذات��ه المتم��يزة عن الن��اس، ح��تى دخ��ل وتعنه قادر على كل شيء، وهذا م��ا دفع��ه للفج��ور وتح��دي الل��ه أن روعه أن

يكون قادرا على سلبه غروره أو سطوته. واإلنسان ضعيف إلى حد أن��ه ال يخش��ى مواق��ع الهالك ال��تي ال تنقل��ه��رة لذات��ه إلى عالم األموات، بل تبقي��ه على أط��راف الحي��اة، ليك��ون عب ولمن حوله، لم يكن "محم��د فرح��ات" في تل��ك اللحظ��ة يمل��ك ال��وازع الخفي الذي تثبته الفطرة في النفوس، هذا ال��وازع ال��ذي يجع��ل القلب يرجف خشية من الله، حتى حين يعلن اإلنسان معصيته ب��أي ش��كل من األشكال، فكان ق��د ح��ق علي��ه وص��ف من ختم الل��ه على قل��وبهم، حين

أعلن تحديه لله، وطلب من الله أن يعاقبه إن كان موجودا.م األمر كان مذهال مثيرا للعجب، فما هي سوى أيام حتى تناقل المخي خبر سقوطه عن ارتفاع متر ونص��ف الم��تر وه�و في العم��ل، نق�ل على أثرها إلى المشفى، وبقي أياما بين الموت والحياة، وك��ان ي��وم خروج��هك، ال يس��تطيع من المشفى مثيرا للعجب أيضا، فهو على كرس��ي متح��ر المشي أبدا، وال يستطيع حتى قضاء حاجته، وأصبح أخ��وه ووالدت��ه هم��اك، من يتعهدانه بالحب والرعاي��ة، وحين مش��ى على قدمي��ه وب��دأ التح��رة مه��دودة، م��ع توقد في ال��ذاكرة وفي الق��درة ك��انت ق��واه الجس��دية، وأصبح من كان يأنف محادث��ة الن��اس أو التعام��ل معهم، يت��ذلل العقلية أو إلى ح��د الش��فقة القاتل��ة وه��و يس��تجدي الن��اس أن تلقي علي��ه تحي

تحادثه أو تجالسه.ه ألخيه "علي" حاالت خاصة، رغم ذكورته المعروفة بالمشاهدة، إال أن يميل إلى األنوثة تطبيقا، فصوته الرفيع، وحركاته الممطوطة المكتس��بةة لت شخص��ي ام حيات��ه، ك��ل ه��ذه ش��ك من وج��وده بين النس��اء ط��وال أيع��ة بين ال��ذكورة واألنوث��ة، زد على ذل��ك توحده بالص��حو متناقض��ة موزة ال��تي الب��اكر لمرافق��ة النس��اء إلى الجب��ال للبحث عن األعش��اب البري تص��لح للبه��ارات والش��اي والمع��دة والطبخ، ثم ف��رد بس��طته وس��طة غ��ير معه��ودة لت شخص��ي بس��طات النس��اء، ك��ل ه��ذه العوام��ل ش��ك

www.alukah.net

Page 33: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ل م�ع ص��فاته م، وق�د ك�ان معروف�ا بلقب�ه "العليلي"، ال�ذي ش�ك ب�المخيم من الرج��ال ة دائرة متكاملة لالستهزاء به بين كل طبقات المخي األنثويا ألخيه "محمد" بع��د ه رغم كل ذلك ظل وفي والنساء على حد سواء، لكن

حادثة سقوطه، وهذا ما زاد غرابة شخصيته وتناقضها.لت شخصيته حالت بينه وبين الزواج لفترة لكن صفة األنوثة التي شك طويلة، فقد كان فعال يمي��ل إلى اإلن��اث بص��ورة مث��يرة، فلم يعه��د عن��ه يوما أنه شارك الشباب أو الرجال بجلسة أو سهرة، بل حتى في أوقاته ك��ان يش��اهد وه��و يجلس في األزقة بين تجمع��ات النس��اء فراغ��ه، فإنة أو الزعتر أو يفرزن األوساخ المرافقة للعدس اللواتي يقطمن الملوخيم بين ق المخي م خبر عزمه على الزواج، تفر أو األرز، وحين تناهى للمخير أم��ر ال��زواج وأص��بح ال يقب��ل مكذب وبين ناف إمكانية ذلك، وحين تقر، كانت المفاجأة أكبر من التص��ديق، وح��تى بع��د ال��زواج لم يط��رأ الشك

تغيير على شخصيته؛ مما دفع لالستغراب األشد، والدهشة األقوى. إلى األمام منزل "محمود أب��و جوي��د"، وه��و س��ائق س��يارة عم��ومي،ت��ه من البن��ات، وبع��د س��نوات رجل معتدل القام��ة، جمي��ل الش��كل، ذري طويلة جاءه ولدان، فكانا فرحة عمره، ظل مضطهدا ف��ترة من ال��زمن بسبب عدم وجود ظهر من ال��ذكور يحمي��ه وبنات��ه، لكن ال��زمن س��اعده ب��دفع بنات��ه نح��و التعليم ونح��و زواج موفق؛ مم��ا س��اعد العائل��ة على

النهوض قليال، ولكن في آخر أيام العمر. مقابل منزله منزل "المسكاوي"، وه�و رج��ل بس�يط إلى ح��د الهب�ل، مس��الم إلى ح��د اإلث��ارة، بين��ه وعائلت��ه وبين النظاف��ة مس��افة كم��ا بين األرض والسماء، أرستها ظروف الفقر الذي تكاثف وتأصل في الجمي��ع؛ بسبب هبلهم المس��رف، وتس��ليمهم زم��ام أم��ورهم للغب��اء، وه��ذا ليس افتراء بقدر ما هو حقيقة، دفعت الن��اس إلى الش�فقة المفرط��ة عليهم،وا ودفعت بعض الناس إلى استغالل ظروفهم لزيادة ألمهم وهمهم، وظلوا ح��تى هم ظل كذلك معلقين بين الحاجة وبين محاولة النهوض منها، لكن يومنا هذا بموقعهم المعلق ال��ذي ال يهب��ط وال يص��عد، وظ��ل الن��اس في

م يستغلونهم استغالل السادة للعبيد. المدينة والمخية متصل بمنزلهم منزل امرأة تدعى "ميسر العوفي"، تناقض شخص��ية؛ حركتها وصوتها، وشراستها وع��دم ها تملك صفات رجولي "العليلي" بأنة دامية، تربيتها لبناته��ا على القس��وة خجلها، وانخراطها في معارك يدوي والت��درب على ألع��اب الكراتي��ه والج��ودو، ك��ل ه��ذه جعلته��ا في طري��قم وما به من ع��ادات وتقالي��د، وح��تى حروبه��ا الدامي��ة م��ع مغايرة للمخي وال��دها وإخوته��ا س��اعدت على الن��أي به��ا من أن تك��ون عض��وا س��ليما

م. ومقبوال في مجتمع المخي

www.alukah.net

Page 34: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

لو عدنا أدراجنا من الزقاق بشكل مستقيم، سنصطدم بمجموعة من البيوت التابعة لحارة "السوالمة"، وفيها منزل جمعة السالم، وهو رج��ل طويل القامة بشكل الفت للنظر، له مجموعة من األوالد أغرقهم الفقرم في اض��طهادهم بح��االت من التح��ول النفس��ي القات��ل، وأس��هم المخيلف الن��اس دون سبب معروف، فكانوا يع��انون من الفق��ر والب��ؤس وص��ان جمع��ة"، ه��اجر إلى "عمان"، واستهزائهم، أحد األوالد، ويدعى: "غس�� والتحق بفريق الوحدات لكرة القدم، وأص��بح علم��ا مش��هورا في األردن��اع في المكتب��ات واألكش��اك، ودي��ع ة، ص��وره ك��انت تب فة الغربي والض��م رغم الفقر الذي عاشه واألذى الذي لحق به، ا للمخي ومسالم، ظل وفي وأذكر يوم وصولي إلى األردن في أول رحلة لي خارج فلسطين، لقائي به في مرك��ز ش��باب الوح��دات، وكنت وقته��ا لم أزل أبحث عن ص��ديقان" مالزما لي حتى وجدنا الصديق، فأقلنا ألنزل ضيفا عنده، فظل "غسد علينا ضرورة لقائه مرة أخرى؛ لتناول الغداء عن��ده، بسيارته بعد أن أك ولكن الظروف لم تسمح بذلك، وكان لقاؤنا به ه��و اللق��اء األخ��ير ح��تى

يومنا هذا.��ق األص��ل من أبي��ه، ف��ارع الط��ول، له أخ يدعى: "عودة"، نس��خة طبه ك��ان يعم��ل ��ة، التحم بمع��اقرة الخم��ر إلى ح��د اإلدم��ان، لكن قوي البنيل أو ه توس�� ��ذكر عن��ه رغم التحام��ه ب��الخمر أن كحمال في المدين��ة، لم يب القلب إلى حد البكاء، فيه تن��اقض وض��ياع طلب حاجة من الناس، طي��ا ص��باح ت عا بين التوب��ة واإلدم��ان، إلى أن وج��دناه مي ملموس، بقي موز

يوم قرب مطعم الوكالة. الولد الثالث اسمه "الدرداح"، لعب كحارس مرمى مع مركز الشبابه لسبب م��ا م��ا زال م، عرف باحترافه وقدرته، لكن االجتماعي في المخي مجهوال حتى يومن��ا ه��ذا، لم يخ��رج من دائ��رة االض��طهاد ال��تي أح��اطت العائلة كلها منذ بداية وعين��ا وإدراكن��ا، وم��ا يزي��د األم��ر غراب��ة أن ح��ارة "السوالمة" المعروفة أيضا بحارة "السود"، كانت تتعاضد ضد أي ح��ارةه��ا لم تق��ف أو عائلة تحاول المس ب��أي ف��رد من الح��ارة أو العائل��ة، لكن بجانب عائلة "جمعة السالم"، ال��ذي ك��ان من أروع وأع��ذب الن��اس في

النأي عن المشكالت أو إحداث السوء. خلف م��نزل "أب��و جوي��د" م�نزل لعائل��ة "أب��و تم��ام"، يلي�ه من الجه��ة األخرى منزل "أبو فيصل البدو"، يقابله منزل "أبو وائل الن��واس" و"أب��و جمال النواس"، وهما نقيضان تماما، "فأبو وائل" يعمل ويكدح، أما "أبوغ ه��و للقي��ام بأعب��اء الم��نزل جمال" فإنه أوكل العمل إلى زوجت��ه وتف��ره ك��ان ق��د أدخ��ل لل��بيت دخال من ه لم يع��رف عن��ه يوم��ا أن ها، حتى إن كل

عرق جبينه.

www.alukah.net

Page 35: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

يلي منزل "النواس" منزل "أبو تيسير الشريم"، لديه عدد من األوالدة، يؤوون قريبا لهم يدعى: "يوسف"، وه��و ش��اب مجن��ون، ببشرة حنطيه وديع، لم يعهد عنه أن قام بأمر غير معهود أو عدواني نحو اآلخرين لكنر، عهد بوقفته لساعات طوال مقابل "دك��ان الص��ابر"، دون أن دون مبرمه الشباب التدخين، فأصبح مولعا ب��ه، يحدث أمرا أو يرتكب حماقة، عله حتى حوله من مس��الم إلى ع��دواني، لكن نوب��ات م يستفز وظل المخيا نش�عر الجنون واستبدادها كانت تبدو على محياه وجبهت��ه، ح��تى إنن��ا كنم ظ��ل بين أحيانا بمدى األلم ال��ذي يقتحم��ه ويس��يطر علي��ه، لكن المخي الشفقة عليه واستفزازه، إلى أن اختفى عن الش��ارع، واختف��اء ش��خصه من أول ي��وم؛ ألن��ه عالم��ة من عالم��ات مثل "يوس��ف" يمكن إحساس��ه يع��اني من م��رض م ونكه��ة من نكه��ات الي��وم، علمن��ا بع��دها أن المخيم بجن��ازة مهيب��ة ل��ه، الحمى، لم يستغرق األمر كثيرا، ح��تى خ��رج المخيا في ص��دور ا ونفس��ي وظ��ل مكان��ه مقاب��ل "دك��ان الص��ابر" ش��اغرا مادي��راه مس��يطرة لف��ترة من ال��زمن على غ��ير الناس وذاكرتهم، وبقيت ذكما لل��ذنوب ال��تي اقترفه��ا الش��باب ي��وم ك��انوا يدفعون��ه إلى المعهود، رب

غضب يسبب له آالما عنيفة وممضة. بداية الطريق التي تؤدي إلى منازل عائلة "النواس" م��نزل متوس��ط الحجم، كان العوز والبؤس والفقر وكل م��ا تش��تهي من ألف��اظ يس��يطر عليه من جميع الجوانب، حتى إنه كان يرس��م خط��وط المس��تقبل ال��تي ستهز كل فرد من أفراد العائلة بطريقة مختلفة، تقطنه امرأة أرملة مع بنتين وولد، خالهم "الصابر" صاحب البقالة المقابلة لهم، وال��ذي تح��دثنات ف��ترة طويل��ة من ال��زمن طي عن��ه س��ابقا، ح��تى ه��ذه المعلوم��ة ظل الكتمان والمجهول، ال أحد يعرف سبب ذلك، ولكن المعاملة ال��تي ك��انت بش��كل واض��ح عن الس��بب؛ إذ لم يع��رف يوم��ا أن يلقاه��ا األوالد دل "الصابر" قد ساعد أخته أو أوالدها بأي شيء؛ كي يجت��ازوا فق��ر ي��وم أو

لحظة.ل طاق��ات البيت يغص بتنكات الصفيح المرتبة فوق بعضها؛ كي تش��ك للحم��ام، واألرض محش��وة بالس��راديب واألنف��اق المكتظة ب��األرانب، وأك��وام الحش��يش وبقاي��ا الخض��روات المجموع��ة من نفاي��ات س��وق الخضار متكالبة على بعضها؛ لت��أمين الغ��ذاء لألرانب والس��خلة، مع��ارك دامي��ة وهائل��ة ك��انت تج��ري بين أص��حاب ال��بيت وبين أس��راب القط��طعن الغازية، معارك تختل��ط فيه��ا الزف��رات م��ع اآله��ات، م��ع الس��ب واللتم، دماء مراقة هنا وهناك، من القط��ط أو الزغالي�ل، وبقاي�ا أرانب والش

أو زغاليل تحتل زاوية من زوايا البيت. "محم��د" ه��و اس��م الول��د، ك��ان في ص��في المدرس��ي ونحن فيم الحقا حاد الذكاء أو مفرطه، وهذه اإلعدادية، لم يكن كما وصفه المخي

www.alukah.net

Page 36: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

م رافقت الكثير ممن أصيبوا ب��داء الجن��ون أو الكآب��ة صفة مالزمة للمخيره يتعمد نس��يان ق��درات الن��اس م بأس�� ال��تي س��حقتهم، وك��أن المخية ليض��فوا عليهم ق��درات مس��تنبطة من الخي��ال، أو هي حال��ة الحقيقي��ا ناجح��ا يمل��ك نسيان جمعي تستحق الدراسة والبحث، محمد كان طالبة ال��تي من ش��أنها أن تنقل��ه إلى الجامع��ة وليس ك��ل المقوم��ات الذهنيقة بنفس�ه وبك�ل ش��يء حول��ه، ليس عن ه بجانب ذلك فاقد الث أكثر، لكن علم ودراية، ب�ل عن حرك�ة المجتم��ع ال�تي تدخل�ه كن��وع من االض��طهاد الممزوج بالرعب والخوف من األشياء التي يتوقعه��ا وال يع��رف م��ا هي،م، وحين انتقلت لتلمس وه���ذه حال���ة الزمت الكث���ير من أه���ل المخيم��ات األخ��رى، وس��بر أغواره��ا، ع��رفت بأنه��ا حال��ة واح��دة بك��ل المخيع والخ��وف مات، هذا اإلحس��اس ب��التوز اتها في كل المخي تفاصيلها وحيثية جديدة مع اسم جديد سيلغي اسمه ة "محمد" إلى شخصي قلب شخصي الحقيقي، حتى إن مجموعة من األطف��ال لن تعرف��ه مطلق��ا بغ��ير اس��م

"الفلوص".رات��ه م بحركات��ه الجدي��دة، وتوت أصبح "الفلوص" علما من أعالم المخية المتالحقة، حتى إن ش��كله وتقاس��يمه ب��دأت ب��التحول لترس��م شخص��ي

تتوافق وتلتحم مع االسم الجديد. أختاه بسبب الفقر وازدراء الناس لوضعهم، تزوجن زيج��ات أدت بهن إلى االستمرار في حاالت الفقر والعوز، بل وسحبت منهن روائح األن��ثى

ها روائح اللوعة والعذاب. البسيطة، وأحلت محل "الفلوص" أصبحت له حكايات، بعضها يمكن سرده، ولكن ليس ه��ذا موقع��ه، وبعض��ها خجال وحي��اء من الل��ه ال يمكن س��ردها، ول��و أخ��ذنا م��اع��ون بين دهش��ة يمكن سرده فقط، لقفز الناس من أم��اكنهم وهم موز

الحزن، وذهول الضحك. إلى األمام بقالة "أبو شوقي"، وهو رجل غريب األط��وار رغم وض��وحق لبقالت��ه، الم��نزل والبقال��ة كالهم��ا صورته للوهلة األولى، منزله مالص��م، وهم��ا كغيرهم��ا من األم��اكن يب��دوان عان بفقر يش��ابه فق��ر المخي يتمتين على النظافة، فإذا ما أضفنا لذلك سوء النظافة وال��ترتيب ال��تي عصيم ص��ورة تنبعث منه��ا ا من رس�� ن س��يطرت على ك��ل أف��راد العائل��ة، تمكزت العائل���ة روائح الرطوب���ة والعفن، وفض���الت ال���دجاج واألرانب، تميم كل��ه، وظلت تل��ك االض��طرابات ة لفتت نظ��ر المخي باض��طرابات داخليزا من ت��اريخ العائل��ة أثق��ل كاهله��ا وأثق��ل تنمو وتك��بر إلى أن أخ��ذت حيم كله، ليس هذا مكانها أو وقتها، فإن فسح ال��زمن فس��حة، كاهل المخية د التح�والت االجتماعي نت من تخصيص ف�ترة من حي��اتي لرص� ما تمك ربم بك���ل فئات���ه ة ال���تي تناوش���ت المخي ة والسياس���ي ة، والحياتي واألخالقي

www.alukah.net

Page 37: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

بطريق��ة ت��دعو للح��زن والرث��اء، أو ت��دعو للوق��وع في ه��وات ال يمكن اإلفالت منه��ا للق�ارئ والح��اكم والش�عب ال�ذي ظ��ل ح��تى يومن��ا ي��تركبها االستعمار دون التدخل م، والناس يغوصون بتحوالت أربكها ورت المخي لألخذ بيد أناس مضت حياتهم وهم ال يعلمون عن الراحة أو الس��عادة أو

الهدوء سوى مسميات ال وجود لها في حياتهم. مالصقا له منزل "أبو عرب"، وهما أخ��وان يقطن��ان نفس المس��احة،هما تحوال إلى تاجرين في غرف النوم كانا ال يعرفان عن الدنيا شيئا، لكن

مع تقدم الحياة. بعد ذلك مباشرة محل خياطة صغير جدا لرجل يدعى: "أب��و حلمي"، وكان متخصصا في خياط��ة "القمب��از والديماي��ة"، رج��ل قص��ير القام��ة، أعرج عرجا ش��ديدا، نق�ل مخيطت��ه إلى المدين��ة في الش�ارع الرئيس�ي،ئ، كما لم وظل فيها إلى أن توفاه الله، لم يذكر عن هذا الرجل أمر سي

يحصل أن كان هناك خالف بينه وبين الناس يوما من األيام.م، وه��و مالصقا لمحله م��نزل يعت��بر عالم��ة مهم��ة من عالم��ات المخيال بعملهم��ا منزل رجل كفيف يدعى: "أب��و رزق الق��وزح"، ل��ه ابن��ان ش��ك ونضالهما سيرة تستحق التسجيل والتاريخ بك��ل تفاص��يلها؛ ألنه��ا تس�وق إلى استنتاجات واضحة ح��ول األلم والع��ذاب والمث��ابرة واإلص��رار، فق��دة من عمل "رزق" أعماال كثيرة؛ منها: بيع "ال��براد"، فق�د ك�ان يمل��ك حلها من طرف المدينة الغربي إلى النحاس فوق عربة بثالث عجالت، يجر الط��رف الش��رقي، ومن الش��مال إلى الجن��وب، ع��دا عن ال��دوران في��ا؛ كي يع��ود آخ��ر الي��وم م الوعرة والتي ال تسع العرب��ة أحيان أزقة المخي وه��و منه��ك مه��دود، ليب��دأ ص��باحا آخ��ر ودورة من ع��ذاب جدي��د، وفينع "القط��ايف" إلى ج��انب بي��ع "ال��براد"، وفي رمضان ك��ان يم��ارس ص�� الشتاء كان يبيع "السحلب" وتاجر بالحمام، فك��ان ت��اجرا بارع��ا، خاص��ةم والمدينة بحمى أنواع الحم��ام المس��تورد من بل��دان حين أصيب المخي العالم، مثل: الحم��ام الم��الطي، واألم��ريكي، والمص��ري، والنيوزيلن��دي،

وأنواع أخرى كثيرة. ك��ان رجال ع��ذبا، هادئا، رائع��ا، تلمس األدب والس��كينة حين تحدث��ه، أدرك حسن الخلق فالتزم به، وكانت هذه عالمة أوالده وبنات��ه، لم يخب تعبه وجهده، فاشترى أرضا في عزبة "ناص��ر"، وبنى م��نزال أض��اف إلي��هم، وظ��ل ه لم يتخ��ل عن منزل��ه ب��المخي غال لص��ناعة "ال��براد"، لكن مش��

رمضان يعيده إلى الناس من خالل "القطايف" المتقنة الصنع.مى ات تس�� ة ص��ناعة ن��وع من الحلوي أخ��وه أحم��د ك��ان ل��ه خصوص��ينع، وق��د اس��تبد طعمه��ا "كرابيج حلب"، وهي رائعة المذاق، متقن��ة الص��نع ن��وع آخ��ر من بفمي وأن��ا أكتب ه��ذه الكلم��ات، وك��ذلك ع��رف بص��

www.alukah.net

Page 38: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

مى "القش��طة" يض��اف إليه��ا القط��ر ال��ذي يلون��ه ب��ألوان ات يس�� الحلويم ات��ه مس��تغلقا ح��تى الي��وم على المخي نع حلوي مختلف��ة، وظ��ل س��ر ص��ه كان يصلح بوابير الكاز ولكسات اإلض��اءة والمدينة، إضافة إلى هذا فإنم وأصبح يس��تعمل الغ��از، التي تعمل أيضا على الكاز، وحين تقدم المخي ك��ان ه��و ممن يص��لحون أي عطب في��ه، لم تكن دورت��ه في المدين��ة��ه أق��ل من م أقل من دورة أخي��ه "رزق"، ولم يكن حظه من تعب والمخي أخيه "رزق" فقد اشترى أرضا، وبنى منزال في عزبة "الجراد"، وكالهم��ا

أورث سر صنعته أوالده. مالصقة لمنزلهما مخيطة بسيطة ألخ��وين من عائل��ة الش��يخ "علي"،بان يقضيان وقتهم��ا في العم��ل "أبو وائل وأبو مروان"، وهما رجالن طية في المس��جد المقاب��ل يان أوقاتهم��ا النهاري وار، يص��ل والتح��دث م��ع ال��زز بقدرت��ه على م الق��ديم، المتمي لمخيطتهم��ا، كان��ا محطا لش��باب المخية المحافظ��ة على األخالق والع��ادات والتقالي��د، وك��ان جيال ي��درك أهمية ق��د ة والش��للي التعليم للتخلص من عذاب الفقر وبؤرته، لم تكن الحزبيلوب، وك��ان ة اس��مها فلس��طين، وب��وطن مس�� وصلته، كان ي��ؤمن بقض��ي يع��رف دوره المس��تقبلي ب��الحس والفط��رة، ولكن ظ��روف المس��تقبلة أحبطا حس الفطرة فيهم وفيمن تالهم. ة واإلسالمي ووضع األمة العربي هنا سنقف، وسنتحول إلى الش��ارع الفاص��ل ح��ارة "أب��و س��بيل" عنم م��ع قري��ة "ذناب��ة"، حارة "الغوارنة"، وه��و الش��ارع ال��ذي يص��ل المخي وعلى الجه��تين - اليم��نى واليس��رى - تق��ع مجموع��ة من المن��ازل ال��تين��ا م بش��كل ش��به تقري��بي، لكن يمكن التوقف عندها لتكتمل صورة المخي أيضا نجد أنفسنا مضطرين للوقوف أم��ام مجموع��ة من ال�دكاكين ال�تيمى بالبس��طات، أو الع��رش، وجميعه��ا من الص��فيح المتآك��ل ك��انت تس��لت بوجوده��ا ولف��ترة طويل��ة من ال��زمن نوع��ا من ه��ا ش��ك والصدئ، لكنل معلم��ا واض��حا م، وكانت تشك ة والحياة الدافقة في عرق المخي الحيويم، فإذا ما أردت وصف مكان أو عنوان يتم في��ه اللق��اء، من معالم المخي فليس عليك سوى أن تختار منطقة العرش؛ ألن الحياة الدائب��ة في��ه من النساء واألطفال والرج��ال تق��ودك للوص��ول إلى أي عن��وان مهم��ا ك��ان

م ومنحنياته. متوغال بأزقة المخي العرش: عبارة عن مجموع��ة من أل�واح الص��فيح ال��تي أش��هر ال��زمن أنيابه عليها، فرسم معالم البؤس والفقر والحاجة الم��أخوذة من ص��دور الناس ولوعتهم وانهيار حلمهم ووجودهم، تب��اع في محالت��ه الخض��روات الطازجة الفواحة الرائحة، المنقولة من المزارع والس��هول مباش��رة، أود وصولك إلى منطق��ة ة في المدينة، بمجر من "حسبة" الخضار المركزية، تهاجم أنفك روائح الخض��روات الطازج��ة قريبة من العرش وغير مرئيك على قرب من سوق خضار أو قرب س��هل يض��ج "والبعل"، فتعرف أن

www.alukah.net

Page 39: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

بالمزروعات، وحين تصل ترى التدافع والهمهمات، والصراخ واالس��تنكار والمس��اومة، وعلى ج��وانب ك��ل مح��ل بقاي��ا أوراق الفج��ل، والزه��رة "القرنبيط" والج��زر، وتش��كيلة واس��عة من الخض��روات والفواك��ه ال��تي تعفنت، وهن��اك من ي��أتي لجم��ع ك��ل ه��ذه البقاي��ا من أج��ل اس��تخدامها كطعام لألرانب والخرفان، والبقر والحمير والبغال، المشهد بكل زخم��هك ال تلبث أن تس��تعيده يفقدك للحظات اإلحساس ب��الفقر والب��ؤس، لكن

فور توجيه نظرك نحو البيوت.��دي، إلى األمام من الجهة اليسرى م��نزل "أب��و حلمي"، وه��و رج��ل ن رائع، جميل الشكل، في��ه أص��الة البالد المس��لوبة، وعلى تقاس��يمه تب��دواد متم�رس، مدن وقرى فلس�طين، الممزوج��ة برائح�ة البح�ر، فه��و ص�ي يخرج صباحا إلى مناطق أقربائه في "جسر الزرقاء"، وهي منطقة غ��ير بعي��دة عن "حيف��ا" من المن��اطق المحتل��ة ع��ام ثماني��ة وأربعين، وهن��اكة الش���اطئ ال���تي قادته���ا الش���هيدة "دالل ق���رب ح���دودها تمت عملي المغ��ربي"، ليع��ود بع��د الظه��ر محمال ب��أنواع من الس��مك؛ الس��لطانة، تنف��ذ إبراهيم، المشط، القراص، السريدي، وأنواع أخرى طازجة شهي رائحتها إلى أعماق النفس بقوة ضاربة، وهن��اك يجتم��ع الن��اس كم��ا في العرش يبحثون عن طعام يومهم بالمس��اومة ال��تي ق��د ت��دفع أب��ا حلمي

للغضب وإغالق باب البيع أمام الجميع. البيوت الملتصقة ببيت "أبو حلمي" يقطنها "آل معارك"، وهم أن��اس عانقوا الفقر الشديد بالشكل، ومعالم البيوت، وطريقة الحديث، ورائحة السمك المتعفن الذي ال يغ��ادر من��ازلهم مطلق��ا، ح��تى أص��واتهم ك��انت تقود إلى فحيح الفقر وسمه، عاشوا باختالط مفزع، فال حرم��ة لب��اب أوم إلى تحجيم عالقت��ه بيت بينهم، وكأنهم إخوة أو أخوات؛ مما دفع المخيب���ون إلى ح���د اختالط طيبتهم ���اس طي هم بحقيق���ة األم���ر أن معهم، لكنة، الش��ارع بمجموعة من النوازع والصفات التي أخفت حقيقتهم األص��لية طوال ساعات النهار منزلهم ومطبخهم، فهم يمارسون حي��اتهم اليوميادين في البح��ر، وك��انوا ك��أبي حلمي أم��ام أب��واب ال��بيوت، عمل��وا كص��ي يجمع��ون ق��وتهم من تج��ارتهم بم��ا اص��طادوا، ولم تكن النظاف��ة تهمهم��ا حين تم��ر من تهم ل��ه، فلم يكن غريب كثيرا؛ بسبب الفقر وخن��وع نفس��ي أمام بيوتهم أن تغلق أنفك بيدك، أو أن تتحاشى المرور من الجهة ال��تي��ه تنتصب بيوتهم فيها، ما عدا س��اعات ع��رض الس��مك الط��ازج، فرائحتم، كانت تغطي الروائح األخرى، اضطهدوا بالنظرة كثيرا من أه��ل المخي لكن قس��وتهم وشراس��تهم وجهلهم المطب��وع ب��العنف ال��ذي ال يحس��ب نت��ائج، ن��أى بهم عن االض��طهاد الجس��دي والمعن��وي المرف��ق بكلم��ات االس��تهزاء، فهم ق��ادرون على خ��وض معرك��ة ب��الفؤوس والس��واطير

www.alukah.net

Page 40: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

قط ق��تيال من والس��كاكين والم��دى، ح��تى وإن ك��انت المعرك��ة ستس��أعدائهم أو منهم.

م في مجموع��ة من الع��ائالت األخ��رى في مثل ه��ذا األم��ر ك��ان يتحكم، وهو أمر غريب، لكن أص��وله ودوافع��ه ك��انت تنبت من التهج��ير المخي القسري الذي مارسه االحتالل، ومن ضياع الهدف والمس��تقبل كعوام��ل ممكن أن تعطي النفس بعض الهدوء، فنحن أمام مجموع��ة من الن��اسق، وال معلم له أو حد، ال رائح��ة وال مك��ان، حشدت في مكان واحد، ضي ب��ل في بقع��ة ح��وت انه��دام األم��ل، وخس��ارة األه��ل وال��وطن، ومرب��عة ك��انت تتجمع في ة والقهري الطفول��ة والش��باب، ك��ل العوام��ل الس��لبي النفوس واألذهان، لتبرز حال��ة من ح��االت االنهي��ار، أو حال��ة من ح��االت العنف غير المبرر، وهذا ما ك�ان ي��دفعني للت��دقيق بالطيب�ة ال�تي تظه��رفات، ثم ال تلبث أن تختفي دون س��بب ظ��اهر، أو على الوج��وه والتص��ر

مبرر معقول. مقاب��ل من��ازل "آل مع��ارك" م��نزل "راض��ي الغ��وراني"، وه��و رج��ل بسيط، كثير الكالم، كثير االدعاء، فيه عذوبة الشباب المس��حوق، يتم��يزه يتقن تسريحه، يض��ع بصوته الممطوط أثناء الترحيب، شعره أجعد، لكن كرسيه بين بقالته المجزوءة من منزله وبين الع��رش؛ أي: في الطري��ق ال��ذي ي��ؤدي إلى بي��وت الج��يران، لس��انه ص��عب المف��ردات، يجم��ع بين

العذوبة وبين القسوة، بل والمخجل من األلفاظ. مالصقا له منزل "عبدالرحمن الزيدان" المقتطع منه بقالة مع شرفة صغيرة ك��انت تجم��ع مجموع��ة من رج��ال الح��ارة وعائل��ة "زي��دان"، لمئ، حتى إن بعضا من يعرف عن الرجل أي أذى، ولم يعرف عنه أمر سيم رفة؛ ليت��داولوا أح��داث المخي م ك��انوا يجتمع��ون في الش�� ش��باب المخيرهم عاتهم نحو المستقبل الذي ي��أملون أن يح��ر وأحداث السياسة، وتطل

من قبضة الفقر والضياع.ب، متزوج من امرأة مالصقا له منزل "فخري حجازي"، وهو رجل طي من بيت "الضميري"، وقفت بجانبه وساندته، يعمل "مواسرجي"، وفيماص في بي��ع أدوات بعد اقتطع من منزله قسما وحوله إلى مح��ل متخص��

عمل البناء والمواسير والمجاري. ل��بيع مقابل��ه م��نزل "أب��و ري��اض نص��ر الل��ه"، اقتط��ع من بيت��ه محالماحة، مع��روف ب��تردده على الدواجن، وهو رجل مسالم، فيه طيب��ة وس��

المسجد بشكل متواصل ودقيق، إال إذا أحكمت الظروف حكمها.ص في بي��ع الخض��روات، ب��دأ مقابله محل "حلمي الغ��وراني"، متخص�� من الصفر أو من تحت الصفر، فجرت األمور مع��ه بش��كل جي��د، ع��رف بنزقه وضيق خلقه؛ بسبب معاملته مع النساء أثناء البيع، كان يشكو من

www.alukah.net

Page 41: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

المساومة الشديدة التي تحاول النسوة الوصول بالسعر من خاللها إلى أقل من رأس المال؛ مما يدفعه أحيانا إلى نثر الخضروات بالشارع وهو يصيح ويصرخ بأنه ال يود البيع بأي سعر من األسعار، زوجته كانت تجم��عات كثيرة نثر درج النق��ود بالش��ارع وه��و ما ينثر، وهو ينثر ما تجمع، ومرل لإلنس��ان أن عروق��ه الن��افرة من ش��دة الغض��ب يزبد ويرغي حتى يخي

سوف تتقطع ليسيل دمه بالشارع.ا في إص��الح مقابل��ه م��نزل "الش��ورى"، وه��و لرج��ل ك��ان متخصص��

م والمدينة. المذياعات التي توجد في المخي مقابله منزل "أبو زريف"، خلفه منزل "الدويك"، ومنازل كثيرة أله��ل

"قاقون، ومسكة".ة، وأنا ال أعرف سببا لهذا االسم، لكن بعض إلى األمام سوق الحراميه أخذ هذا االس��م من البض��ائع ال��تي تع��رض في��ه، وال��تي الناس قالوا: إنزت النسوة بإدارته، ففيه تباع الخضروات الطازجة، أغلبها مسروقة، تمية، فيه ز بحركة سريعة وحقيقي والدجاج الحي، واألرانب والزغاليل، ويتميراخ يقابل��ه ص��راخ، ومش��ادات غريب��ة اللف��ظ والمع��نى ش��د وج��ذب، ص��م نوع��ا من الحي��اة والحرك��ة، وس��جل ه أض��فى على المخي والمنشأ، لكن

لفترة من الزمن أرزاق أناس كادوا - لوال وجوده - أن يتضورا جوعا.م، وقد بعده منزل "حلمي أبو تمام"، الذي كان علما من أعالم المخي حقق شهرة قل من حققها مثله، وجاء ذلك من طبيعة مهنته التي تحتاجخ ب��آذان وأذه��ان الن��اس، فه��و ب��ائع لجري��دة الق��دس ص��وته ال��ذي رس��ة، يحت��اج إلى التج��وال ع في كل الض��فة الغربي ة التي كانت توز المقدسية ل نغم��ة خاص�� م والمدينة، وهو ينادي بصوت ش��ك في كل حارات المخيته، ك��ان خلوق��ا ج��دا، مث��ابرا، فيما بعد عرفت كالزمة من لوازم شخص��يم، التزم بعائلته التزام��ا صابرا، فيه هدوء لم يعهد بالكثير من أهل المخي��ا من كامال، وش��ارك في تعليم أخي��ه "حس��ين" في الجامع��ة، أخ��ذ مكان رصيف مقابل لدوار "جمال عبدالناصر" وسط مدينة "طول ك��رم"، م��عي من كثرة االستعمال، وس��ع عمل��ه بإض��افة طاولة تحول لونها إلى البن بعض المجالت ال���تي ك���انت تص���در في الق���دس، كالبي���ادر، والبي���ادر السياسي، ومجلة الحصاد ال��تي عملت لف��ترة ثم أغلقت، باإلض��افة إلىدر في ال��وطن الع��ربي ويتم اس��تيرادها، بعض المجالت التي ك��انت تص�� كمجلة فصول، ومجلة أدب ونق��د، وبعض الكتب ال��تي ك��انت تص��ل إلى

فلسطين من الوطن العربي، وخاصة من القاهرة ولبنان.ه لم يغ��ادر "حلمي" الجري��دة ح��تى خ��روجي من فلس��طين، علم��ا بأنن من شراء أرض وبن��اء م��نزل في المدين��ة، ك��انت ص��لته ب��المثقف تمك��ؤمن الكتب والمجالت بأس��عار معقول��ة، ه ي لة مم��يزة؛ ألن "الكرمي" ص��

www.alukah.net

Page 42: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

وألنه كان يتسامح مع من لم يملك النقود في استعارة الكتب والمجالتوإعادتها له بعد القراءة.

م وابن الثقاف��ة، فك��انت معاملت��ه لة ابن المخي لتي ب��ه ك��انت ص�� ص�� مميزة، فيها تضحية وفيها وفاء، لم يحدث أن عرف عنه أمر شائن، ب��ل ك��ل من عرف��ه امت��دح ص��فاته ومثابرت��ه وتص��ميمه على جني ال��رزق

بطريقة مفيدة له وللمجتمع في تلك الفترة.قاق، منزل "أبو إلى األمام وعلى الجهة المقابلة مع التعمق قليال بالزاح" ال��ذي ك��ان وضاح السروجي"، وما يعنيني من هذا المنزل ه��و و"ض�� في إحدى سنوات الدراسة مش��اركا لي في نفس الص��ف، وه��و س��مينا نخش�ى على قدمي��ه من االنهي��ار جدا، مضغوط بسبب سمنته، ح��تى كن تحت ضغط الجسد الهائل، وهذا م��ا ألص��ق ب��ه لقب "الهش��لي"، أض��فة المحدودة، وال أقصد هنا نوعا من أنواع القصور، إلى ذلك قدرته العقلي بل الغباء الذي سيطر علي��ه س��يطرة كامل��ة، ليكتم��ل الرس��م الخ��رافي لشخصيته، فهو لم ينجح سنة واحدة في المدرسة، ولو أرادت المدرسة التعامل معه حسب االمتحانات، لظل حتى يومن��ا ه��ذا في الص��ف األولا حس��ب ق��انون التربي��ة والتعليم ال��ذي ك��ان االبتدائي، ك��ان يرف��ع تلقائيقا في تلك الفترة، والذي يقضي برفع الطالب من الصف الذي ه��و مطب في��ه إلى الص��ف ال��ذي يلي��ه عن��دما يبقى س��نتين متت��اليتين في الص��فمه، وظ��ل ه أتقن كتابة شيء غ��ير اس�� نفسه، ولم يعرف عن "وضاح" أنا من ه ج��ر منة إلى ح��د كب��ير، فه��و يج��ر نفس�� يع��اني من الجه��ل والس�� المدرسة إلى المنزل، ومن المنزل إلى المدرسة، أضف إلى ذلك رحيل

الطالب من صفه في كل عام ليبدأ مع طالب جدد بسبب رسوبه.��ة وفن إلقائه��ا، كت ه كأي سمين في الغ��الب ص��احب روح تتقن الن لكن

وهذا ما عوضه كثيرا عن النقص الذي كان يحسه.م ب��ذوبان الش��حم كله عن جس��د ام معدودة، فوجئ المخي وفجأة وبأيل بالخي��ال، ص�� ه��ا خي��ال مت "الهشلي"، ح��تى ب��دا كحلم من أس��طورة كل أصبح نحيف��ا، ب��ل ش��ديد النحاف��ة، ولم نع��رف س��ببا مباش��را ل��ذلك أول األمر، وحين سألناه عن السبب قال: "أب��و خميس الخل��ف خلع��ني عين من الحسد"، وكان هذا الرجل مشهورا بقدرت��ه على اإلطاح��ة بك��ل من

يحسده.اح" م بخبر رحي��ل "وض�� وما هي سوى أشهر فقط، حتى فوجئ المخير نحافته المفاجئة، فقد أصيب بمرض السكري، عن الحياة، وهذا ما فس��ه إلى نهايت��ه في ��ه ثم قادت ومجموعة من األمراض تكالبت عليه فأنحفترة، دعون��ا ل��ه بالرحم��ة؛ ألنن��ا كلمن��ا بم��وت طف��ل في بداي��ة س��ن مبك

www.alukah.net

Page 43: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ل بينن��ا مح��ورا من مح��اور طفولتن��ا المقبل��ة اندفاعة الشباب، كان يشكعلى العالم، دون أن تعرف ماذا يرصد الزمن لها ولنا.

ع منه��ا أزقة على اليمين مجموعة من ال��بيوت المتهالك��ة، ال��تي تتف��ر شديدة الضيق، حتى إن بعضها أحيانا ال يتسع لفرد عادي، تبدو المأس��اة كغرب��ان حطت فوقه��ا دون أن يك��ون باإلمك��ان مغادرته��ا، من��ازل "آل زي��دان، ومن��ازل آل الع��وفي، وأب��و دغش، والفحم��اوي، والفرحان��ة"، ومجموع��ة من ع��ائالت أخ��رى، وإذا تعمقن��ا باألزقة قليال وج��دنا عائل��ة "البالص، والحويطي، والش��ايب، والكس��اب، وأب��و س��بيل" م��رة أخ��رى،قة، لم يكن في هذه الحارة اختالف كب��ير عن وكثيرا من العائالت المتفر الحارات األخرى، إال في صورة البؤس التي تشتد أحيانا لترخي قبض��تها

في أحايين أخرى. في هذه الحارة كان المختار "أبو تيسير العوفي"، وهو رجل خالسي،م؛ ألس��باب أتعفف عن ذكره��ا؛ إكرام��ا ألوالده ��ا ب��المخي لم يكن محبوب

ة عنه كثيرا. الذين اختلفوا بسيرتهم الذاتي "أبو العبد البالص"، رجل يؤكل م��ع الش��يح والحنظ��ل، فيمنحهم��ا من شهده طعما رائقا سائغا، لم يكن طويل القامة، وإنما يمكن القول: إن��ها نحار بين الطول واالعتدال، عم�ل جماال، وك�انت ما كن كان معتدلها، وربهرته بس��بب عمل��ه ق��د وص��لت ك��ل المن��ازل، فه��و ينق��ل الص��رار، ش��يق المم��رات واألزقة م��ل على الجم��ل لض�� والناعم��ة، واألس��منت، والرم، وك��ان من المعت��اد رؤيت��ه م��ع رجلين ع��ة في المخي والطرقات المتفرم، بل من المدين��ة؛ أح��دهما هما ليسا من المخي يعمالن نفس العمل، لكنة دائم��ا من عائلة "أبو زاكان"، واآلخر من عائل��ة "الجالد"، لكن األفض��لين إلى حد بعيد، عفيف الكف واللسان ألبي العبد البالص؛ فهو رجل متديل القرآن ينقلك إلى ع��الم من الخش��وع ال يمكن والفرج، صوته وهو يرته رجل أمي، وبش��هادة المدرس��ين لم يلحن يوم��ا بخط��أ وصفه، علما بأن نحوي في الرفع والنصب والجزم، بل كان مسيطرا على صحة الق��راءةدمة ل ص�� بسليقة الفطرة وبساطة اإليم��ان والخش��وع، ي��وم وفات��ه ش��ك لمن ك��ان يص��لي خلف��ه في المس��جد، وم��ر وقت طوي��ل قب��ل أن يغيب

قة برقاب اإلبل التي كان يقودها. رنين األجراس التي كانت معل في محيط��ه ك��ان رج��ل من عائل��ة "أب��و جب��ارة"، وه��و رج��ل طوي��ل القامة، أبيض البشرة، يلبس القمباز مع الحطة على رأس��ه، ك��ان وجه��ازاعات والخالف��ات، أص��يب بم��رض البه��اق م في حل الن من وجوه المخيم ح��تى ه ظ��ل علم��ا من أعالم المخي ر ش��كله كث��يرا، لكن ��رص، فتغي والب

وفاته.

www.alukah.net

Page 44: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

س لي في في نفس المحي��ط ك��ان األس��تاذ "أحم��د زي��دان"، وق��د دره لم يتمت��ع بكياس��ة المرحلة اإلعدادي��ة، في��ه روح الش��باب المتفجر، لكن في تعامله مع األطفال، فرأوا به مبالغ��ا كب��يرا، وهي حقيق��ة ثبتت فيم��ازة، فهو يكتب الشعر، وإن لم يكن بارعا بعد، نمت بيني وبينه عالقة مميام، وقد ك��ان لوج��وده فيه، وكان يرى في شيئا له مستقبل يوما من األية، بيني وبينه نني من تلمس قدراتي األدبي في حياتي بعض األثر الذي مك قص��ص كث��يرة، أهمه��ا رث��اؤه لعب��دالرؤوف زي��دان وه��و بوح��دة العناي��ةأ قص��يدة ه س��يموت ال محال��ة، وق��د هي زة؛ ألن��ه ك��ان واثق��ا من أن المركة"، وحين كنت الرثاء؛ ليلقيها في حفل تأبينه في جمعية "ق��اقون الخيريمعنا خ��بر وف��اة "أحم��د ام ح��تى س�� ا نادى وقرأ القصيدة، لم تمض أي مارزة ليعيش ف��ترة زيدان" وخروج "عبدالرؤوف زي��دان" من العناي��ة المرك طويلة، ولو أردت الكتابة عنه الستطعت صناعة رواية فيه��ا ك��ل عناص��ر التشويق والفرح، والحزن والبكاء والغرابة، لكن سيأتي يوم ألرس��م ل��هع��ا بين إدراك الطفول��ة صورة وفاء لذكرى أستاذ ع��اش ك��ل حيات��ه موز الذي بقي مالزما لشخص��يته، وبين الحلم المس��تحيل وواق��ع ال يمكن أن

را فيه مهما حاول أو بذل من جهد. يكون أحمد مؤث على اليسار بقالة "أبو يوسف الهوجي"، وهو رجل وديع، فيه انط��واءم رأى ب��ه را أو متعجرف��ا، لكن المخي م��دروس عن الن��اس، لم يكن متكبما بسبب النقود التي ج��رت بين يدي��ه من أوالده المغ��تربين غير ذلك، ربن��وه من تأس��يس تج��ارة درت علي��ه أرباح��ا في "ال��دنمرك"، وال��ذين مكه ظل م إلى الحياة في المدينة، لكن ممتازة، ونقلته من الحياة في المخيم، ف��أبقى بقالت��ه ومنزل��ه في��ه، وفيم��ا بع��د كا بوجوده داخل المخي متمسة، ك��ان من الوج��وه المعروف��ة، ولكن بش��كل غ��ير افتتح البن��ه ص��يدلي��ا ي��ؤم الن��اس حين ملحوظ، عرف بالمواظب��ة على الص��الة، وك��ان أحيانب اإلمام، صوته لم يكن جميال قط في الترتيل، "كالبالص أو الش��يخ يتغي حمدان"، ولكن لم يحتج أحد على ذلك، يقال أنه كان يتصدق، ال نع��رفب ه س��ب ة وجي��دة، ولم يعه��د عن��ه أن حقيقة األمر، لكن سيرة الرج��ل نقي

أذى ألي أحد حتى يوم وفاته.ا، مالصقا لمنزله منزل "المتروك"، وهو من أشد البيوت فق��را وبؤس�� يلتصق به منزل "أبو نبيل الشرقاوي"، وهو رج��ل ب��ائس، ع��انى كغ��يرهد، أنجب مجموعة من األوالد أهمهم "أبو غض��ب"، م والتشر ويالت المخيه ح��اد ب القلب، في منتهى الطيب��ة، لكن واسمه "خال��د" وه��و ش��اب طير، ليس بين الص��فر والمائ��ة أرق��ام عن��ده، المزاج، سريع الغضب والت��أث فإن رضي عنك أخذت المائة، وإن غضب علي��ك أخ��ذت الص��فر، ويمكنه، أن تكون قد نلت الصفر ظهر يوم لتنال المائة في عص��ر الي��وم نفس�� له حكايات تشابه الخيال، تصلح لك��اتب مس��رحي فك��اهي، ول��و وص��لت

www.alukah.net

Page 45: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ع بين إلى المسرح لبكى الناس من شدة الضحك إلى حد االختناق، موز اإليمان والعصيان، فإن آمن، فال أحد في الدنيا يثنيه عن التبليغ بطريق��ةه لم يع��رف اإليم��ان يوم��ا، ى، فكأن الغضب والقس��ر واإلل��زام، وإن عص����ه قطع��ة من ات المس��تعملة، ف��إذا أعجبت ات والزجاجي يت��اجر بالنحاس��ير االحتفاظ بها، فلن يص��ل إليه��ا أح��د وإن دف��ع فيه��ا مبلغ��ا النحاس وقرر ه لن يبيعه��ا أو يفك يعتبر من الخيال، وح��تى ل��و م��ات أوالده جوع��ا، فإن في بيعها، له ذوق في القراءة يشهد ل�ه ب�ه، وإن لم يكن قارئا ب��المعنى المتعارف عليه، هواياته متعددة؛ فه��و يجم��ع المس��ابح الغريب��ة والقط��عح ال��زمن نع، س��يأتي ي��وم للكتاب��ة عن��ه إن أفس�� ��ة الص�� ة المتقن حاس��ي الن

مساحة لذلك.ب على ص�� تهر بمزاول��ة الن له خال يدعى: "محم��ود عب��دالرحيم"، اش�� مستوى فلسطين، وكان بارع��ا ج��دا في مهنت��ه؛ ح��تى وص��ل األم��ر إلىصب على "خالد" نفسه خالل لحظات، كان يق��ف في الس��وق ف��يرى الن ش��احنة محمل��ة ب��الحبوب، يق��ف بجانبه��ا ويب��دأ بفحص محتوياته��ا، ف��إن اقترب منه صاحبها ادعى بأنه يريد أن يشتري، وإن جاء المشتري باع��هه أو المس���اومة علي���ه، وحين يقبض الثمن اه���ا بثمن ال يمكن رفض��� إي يختفي، فتنش��ب معرك��ة م��ع الش��اري المخ��دوع وص��احب الش��احنة الحقيقي، وظل كذلك إلى أن أصيب بمرض ومات فيه، وهناك حكاي��اتنت من جمعها لسجلتها؛ لتكون شاهدة على ذك��اء لم ينح ب��ه عنه لو تمك

منحى صحيحا.ة"، وهي ام��رأة متزوج��ة من مقابل بيت "الشرقاوي" بيت "القبرص��يه��ا قب��ل التش��ريد التقت بالرج��ل وه��و في رحل��ة رجل بس��يط، يق��ال: إنة إلى "قبرص"، وتم التعارف وال��زواج، ون��زحت مع��ه ي��وم ال��نزوح بحريم ببشرتها البيض��اء منا، اختلفت عن نساء المخي العظيم لتستقر في مخيع على الوج��ه ليرس��م اختالف البي��اض وقدرت��ه الالمع��ة، والنمش الم��وزة ت وفي على التماسك، لم يعرف عنه��ا ص��فات الص��راخ أو الغض��ب، ظل لزوجها حتى بعد وفاته، وكذلك للجيران واألهل، أس��لمت ي��وم ت��زوجت،ه��ا ك��انت أك��ثر تطبيق��ا من غيره��ا لألوام��ر ن إس��المها إلى ح��د أن وحس��ت بين الناس إلى يوم زارها الم��وت، ح��زن الن��اس عليه��ا والنواهي، ظلم المتناقض بكل شيء كثيرا؛ ألنها لم تملك عشيرة أو عائلة، لكن المخي اس��تطاع أن يتخلص من تناقض��ه؛ ليك��ون عش��يرتها وأهله��ا في مراس��م

الدفن وبيت العزاء. ليس بعيدا عن منزلها "منزل الياجوري"، فيه امرأة أرمل��ة، له��ا أوالدا، عانوا كثيرا بسبب تشوههم من الناس واألطفال، أمهم مشوهون خلقي كم��ا ك��ل األمه��ات ذادت عنهم بك��ل م��ا تمل��ك من ق��وة، عملت أعم��اال

www.alukah.net

Page 46: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

مختلفة إلى أن أرست مراسيهم بقليل من األمان، وغادرت العالم وهيتنظر نحو أفق يحيط أوالدها بالمجهول.

ليس بعي��دا م��نزل "أب��و لطفي إش��تيوي"، وه��و رج��ل بس��يط قص��ير القامة، أقام مع امرأته التي تشابهه في القصر فترة طويلة من العم��ر،ر لهم��ا بع��د ال��زواج، وظ��ل ابن��ه الص��غير وأخت��ه، األخت ابن��ه الكب��ير تنك عملت أعماال كثيرة؛ لتنقذ أهلها من غوائل الجوع وأنياب الحاجة، ك��انت بحكم اتصالها بأعمال كثيرة مترجلة بعض الشيء، تزوجت في المناطقت عام ثمانية وأربعين، وبقي الولد األخير "أحم��د" م��ع والدي��ه التي احتلا كس��وال، ال يحب كالي ا أو ص��احب حكم��ة، ب��ل ات في المنزل، لم يكن ذكيه عم��ل رغم��ا عن��ه في مخ��بز "حوس��و بط��ول العمل أو االتصال به، لكن كرم"، أمه ماتت بطريقة مريعة، فقد أمسكت بها الن��يران وهي تح��اول إشعال "بابور الكاز"، لم يكن هناك من يستطيع مساعدتها، وحين وصل الجيران كان األمر قد انتهى، والده أصيب بم��رض ش��ديد أقع��ده تمام��ا،مع من بعي��د وفي وقت قصير فقد بصره، وتسلخ جلده، صوته ك��ان يس��دته، اس��تنجاده ب��الموت والفن��اء أدمى قل��وب بس��بب ض��غط األلم وش��

ة. الجيران، لم يطل به العهد كثيرا، فوافته المني "أحمد" تزوج فتاة من المدينة، أهلها كانوا أشد فق��را من بعض أه��لم، أصيبت بمرض في العي��نين، وبع�د ف�ترة فق�دت بص�رها، ك�انت المخي المآسي تحيط ب��البيت من ك��ل الجه��ات، وكأنه��ا حلق��ات م��ا أن يكتم��ل التصاق الحلقة، حتى تبدأ حلقة جديدة بالعمل على صنع أحداث غريب��ة، الشفقة لم تكن عالمة من عالمات الناس ح��ول ه��ذه العائل��ة، ب��ل ك��ان التوجه كله نحو ابنه األكبر الذي لم يلتفت إلى آالم أهل��ه؛ مم��ا دف��ع إلىه شيء ال يمكن التعامل أو التواصل مع��ه ب��أي أم��ر نبذه من الناس وكأن

من األمور. يلتصق به منزل "أبو حس��ين المس��كاوي"، وه��و رج��ل يقط��ر عذوب��ةله حم��رة وأنسا ومودة، يلبس القمباز مع الحطة، وجهه أبيض ناصع تتخلم وخاص��ة رائقة، لحيته قصيرة مهذبة، علي��ه إجم��اع من ك��ل أه��ل المخيم يوما وارتج حين تع��الت األطفال، مالبسه شديدة النظافة، صدم المخي أصوات رص��اص في منزل��ه، وحين ت��دافع الن��اس إلى هن��اك، ك��ان "أب��و��ه بال��دماء، ش��وهد ��ه ولحيت حسين" ممددا على األرض وق��د تلطخت ثياب القاتل وهو يفر من زقاق حارة "الشيخ علي" مرتديا قناعا أسود، لحق��ه الشباب بكل ما يملكون من ع��زم وق��وة، لكن لحظ��ات المفاج��أة ال��تيت الناس مع لحظة انطالق��ه وهروب��ه أدت إلى فق��ده بع��د أن وص��ل شل

الشارع واختفى بين البيارات.

www.alukah.net

Page 47: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

��ر معه��ودة، لم يكن باإلمك��ان م رجة غي مقتل "أبو حس��ين" رج المخية مثله، وصلت قوات األمن وحاولت أن تج��د طريق��ة التنازل عن شخصي للوصول إلى القاتل، لكن الدليل لم يسعفهم، وظ��ل لغ��ز الرج��ل قائم��ا

حتى هذه الفترة من الزمن.��ره - بق ذك قيل: إن "عبدالكريم أبو مصيصة" - وهو قات��ل م��أجور س�� قد نفذ الجريمة بع��د أن قبض ثمن التص��فية من زوج��ة الرج��ل وأوالده؛ ألنهم كانوا مقتنعين بأن والدهم قد حمل كنزا غير معهود يوم ه��اجر منم، ونسجت قصص كثيرة حول ه��ذا الموض��وع، وم��ا بلده ليستقر بالمخي دفع لتأكيد هذه الرواية الحفر والنبش الذي تم ب��أرض وج��دران الم��نزلها لم تصل بعد الجريمة بأشهر، الشرطة حققت مع الزوجة واألوالد، لكن

م بال عودة. إلى نتيجة، وفي وقت الحق رحلوا من المخي في مدين��ة "أبو مصيصة" وبعد أعوام من حادثة القتل، اس��تأجر محالما كانت أرواح الناس تط��ارده، ح��تى "طول كرم"، لم يفرح به كثيرا، رب��دافع الن��اس نح��و جاء ي��وم ودوى ص��وت الرص��اص في المح��ل، وحين تعب؛ فق��د فجرت الرصاص��ات المكان وج�دوه مقت��وال بطريق��ة تث��ير ال�را ��ه إلى المق��برة، وظ��ل مك��ان وجوده��ا س��ر ت ��ا، لم تنق��ل جث وجهه تقريب

مستغلقا، كما سر قاتله ومقتل "أبو حسين". عودة للشارع، حيث منزل "أبو نبي��ل الش��رقاوي"، إلى األم��ام م��نزل "أبو الغياب"، ويعت��بر الم��نزل األخ�ير من ه�ذه الناحي��ة؛ حيث يلتحم م��ع ح��ارة "الش��يخ علي"، و"أب��و الغي��اب" س��ائق ش��احنة تنق��ل المنتج��اتة إلى "األردن"، وق���د ك���ان ه���و "وص���بري ة من الض���فة الغربي الزراعيلون ط��اقم الش��احنات السروجي، وعطية أبو تم��ام، والمس��يمي" يش��كه التي تتنقل بين "األردن وفلسطين" بشكل سريع، فالقانون ال��ذي س��ن االستعمار كان يمن��ع من هم تحت س��ن الخمس��ين من الس��فر والع��ودة قبل انقضاء سنة على وجود المسافر خارج فلسطين، وبعد زمن طويل

تم تعديل القانون لمن بلغ الثالثين من العمر. وهذا ما جعل السائقين األربعة يحملون على عاتقهم هم��وم االتص��ال بين من هم خارج الوطن ومن هم داخله، ولم يكن هناك طريق��ة أخ��رىة كانتا تحظران للتواصل؛ ألن القانون الثوري، ومعاهدة المقاطعة العربيل نوع��ا ات؛ مما شك على الناس التواصل عبر البريد أو الهاتف أو البرقي من العزل��ة بين ال��وطن وبين "األردن"، وهن��ا ك��ان ي��برز دور الس��ائقينة وملحة، ومن أراد أن يوصل رسالة إلى األردن - كحاجة الزمة وضروريجه إلى أحد األربع��ة، وك��ان ك��ل من هم في ة - فعليه أن يت رسالة شفويم الخ��ارج من طالب أو عمال يتواج���دون في الفن���دق الواق���ع في مخي الوحدات باألردن؛ من أجل االلتقاء بهم، واستالم أخبار األهل ورسائلهم،

www.alukah.net

Page 48: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ل من الط��رفين إلى األه��ل أو ة ال��تي ك��انت ترس�� أو األمان��ات النقديهم الطالب، وهذا ما منحهم االحترام والتق��دير والتبجي��ل، ف��إذا أض��فنا أنعهم بال��دخول إلى أس��رار الن��اس وتفاص��يل ع��ون بس��بب وض�� ك��انوا يتمتة التي ح��افظت حياتهم ومعاناتهم، أضفنا إلى كل ما سبق هيبة الشخصيات، حتى قضى الل��ه - ج��ل ش��أنه - أم��ره على كل األسرار والخصوصي

بحياتهم. في مقابل منزل "أبو الغياب" م��نزل "ص��الح الض��ميري"، وه��و رج��لم، وقد منحته ه��ذه الص��فة معرف��ة شبه أعرج، عمل كنائب لمدير المخيم وكل عائلة، حتى المشكالت التي كانت تنش��ب بين كل بيت في المخي��ه؛ له��ذا الجيران بسبب نافذة ستفتح أو باب سيغلق، كلها كانت بين يدي فهو رجل مختلف عليه، فإن نفذ مصالح فئة، فهو عن��دها رج��ل يس��تحق االحترام، وإن منعه القانون أو العرف والتقاليد من تنفيذ المصلحة، فهوئة من الناحي��ة مداهن ومخادع وغير منصف، لكن لم يعهد عنه صفة س��ية، وظ���ل ك���ذلك إلى أن أنهى عمل���ه وأخ���ذ جائزت���ه من األمم الخلقي

المتحدة. "4"

م مركز الشباب االجتماعي يحمل اسما متعارفا علي��ه من أه��ل المخي "النادي"، تركته حين م��ررت بالح��ارة المنس��وبة إلي��ه، ح��ارة "الن��ادي"؛ة، ة والرياض��ي ة واالجتماعي م من الن��واحي الثقافي ة دوره في المخي ألهميه فقد كان ذا ت��أثير ق��وي في تش��كيل العق��ل تل��ك الف��ترة، فض��ال عن أنم بين ل جه��ود أعض��ائه أن يرس��م مع��الم خاص��ة ب��المخي اس��تطاع بفض��ا ة، فأكس��به احترام��ا واس��عا، وتعاض��دا جماهيري المدن في الضفة الغربي

ه. عة على مساحة الوطن كل من أهل المدن والقرى الموزم، رة من ت��اريخ المخي مركز الشباب االجتماعي تأسس في فترة مبكة ال��تي تأسس��ت؛ مثل: مطعم الوكالة، والحمام، والمرفق��ات التمريض��يم على البق��اء وإكم��ال مش��وارها اللج��وئي بص��ورة لتساند أه��الي المخيا، لم يكن الهدف من إنشاء كل تلك المرفقات التي ا وعالمي مقبولة دولي ما زالت تحاكي ببساطتها وتكوينها وخ��دماتها العص��ور القديم��ة، لم يكن الهدف تطوير الناس والمجتمع من قبل المجتمع الدولي بق��در م��ا ك��ان اله��دف مس��اندة االس��تعمار على تث��بيت الن��اس خ��ارج المنطق��ة ال��تيل أي��ديهم من التفك��ير في الع��ودة استعمرت عام ثمانية وأربعين، وغس�� إلى مواطن أحالمهم ورغباتهم، أضف إلى ذلك محاول��ة تحس��ين ص��ورةل بعض ل في تل�ك الف�ترة، وغس� النظام الدولي الجديد الذي كان يتشكاء أحداث فلسطين، وهناك مالحظة أكثر العار الذي لحق بالعالم من جرة لم تكن مكتشفة في تلك الف��ترة، وهي الن��أي بالفلس��طينيين عن أهمي

www.alukah.net

Page 49: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ة بتنازله��ا عن الح��ق التفكير باإلثم الهائل الذي مارس��ته األنظم��ة العربي في تحرير فلسطين، بل والمشاركة في تعزي��ز الهزيم��ة ال��تي مني به��اا الشعب الفلسطيني وتثبيتها، وهذا ما كان يتحدث به بعض العجزة س��ر بينهم وبين أنفسهم، لكن المثقف والث��ائر الفلس��طيني لم يكن في تل��كة الفترة يقبل مثل هذه االفتراضات، كانت حمى العروبة وأسلمة القض��ي

عاته. هي المسيطرة على كل جوانحه وآماله وتطل ونحن لسنا هنا بص��دد دراس��ة تط��ور العق��ل الفلس��طيني ونق��ده منة للعروب��ة ة، وصلة كل ذلك بمالص��قة القض��ي ة والتنظيمي الناحية التاريخية، ولو شئنا الغوص في هذا الموضوع، لوجدنا ألف ألف والدول اإلسالمي مقصلة تنتظر رأسنا هنا، وملي��ون ملي��ون خ��ازوق ينتظ��ر أقفيتن��ا هن��اك، وه��ذا م��ا ي��دفع للحس��رة والش��عور بالهزيم��ة أك��ثر من حس��رة الض��ياع�ع اآلن للحيلول�ة بين فهم م�ا ب وهزيمة ال�وطن؛ ألن ه�ذا ه�و المنهج المت

نريد وما نود تحقيقه. المهم، مرك��ز الش��باب االجتم��اعي بن��اء بس��يط، تب��دو على مالمح��هه��ا ال تتش�ابه م�ع تل��ك المتكالب��ة على ال�بيوت خيوط الفقر والبؤس، لكنه مص��بوبة والحارات واألزقة، فه��و مب��ني من األس��منت والحج��ر، وأرض��م، مس��احته ا، وه��ذا م��ا لم يحلم ب��ه أي بيت في المخي باألس��منت أيض��ا بنش��اطات تل��ك الف��ترة ك��انت كافي��ة، في��ه ه��ا قياس�� ليست كب��يرة، لكنة الخطب��اء ومس��رح ة تعتبر منص�� مصطبة عالية في نهاية ساحته الداخليم، وعلى ه��ذه المص��طبة ة التي ت��زور المخي األطفال أو الفرق المسرحيم ك��انت تق��ام مس��ابقات في الش��عر والمعلوم��ات بين م��دارس المخي

نفسه، ومدارس قادمة من القرى والمدن المجاورة. خلف المصطبة غرفة لتدريب كمال األجسام، وهي صغيرة ج��دا علىه��ا ك��انت أق��ل بس��اطة من أن هدف مثل هذا، وحتى أدوات التدريب فإن تكون قادرة على التأثير في األجس��ام ال��تي تأم��ل الكث��ير من الت��دريب، عند المدخل بالضبط كانت غرفة اإلدارة التي أصبحت فيم��ا بع��د تنتخب انتخابا؛ من أج��ل تق��ديم خ��دماتها لفري��ق ك��رة الق��دم الخ��اص بالن��ادي،

وبعض النشاطات األخرى.ع��ات في أيام الطفول��ة ك��ان الن��ادي محج الرغب��ات والعق��ول، والتطلم إلى ��دفع المخي ��ات، مثال: أي مس��ابقة بين الم��دارس ك��انت ت واألمنيع الن��اس التواج��د في الن��ادي، وك��ان هن��اك ط��اقم يق��وم بتنظيم ت��وزة، وحس��ب دورهم في المس��ابقة، وجلوسهم حس��ب مك��انتهم االجتماعي وكذلك تنظيم الفصل بين الذكور واإلناث، حتى في الخارج ك��انت هن��اكع في الطرق��ات بع��د انته��اء الحف��ل؛ لض��مان طواقم من الش��باب تت��وز

وصول الفتيات إلى البيوت دون أي مضايقة أو أذى نفسي.

www.alukah.net

Page 50: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ل فريق��ا من ك��رة الق��دم، وب��دأ تط��ور الن��ادي بش��كل س��ريع، فش��كغ؛ برعايت��ه وتدريب��ه في وقت الف��راغ؛ ألن��ه لم يكن هن��اك العب متف��رات؛ أي: بأعم��ال يمكن أن يطل��ق فجميعهم يعمل��ون بالبن��اء أو الحفريارة تش��ابه الخي��ال؛ عليها شاقة بكل سهولة، ورغم ذلك بذلوا جه��ودا جب من أجل توطيد الفريق وتثبيته، ولو كان هذا الجهد بدولة مستقلة تخدم العبيها، لكان هذا الفريق هو الفريق الذي سيحص��ل على ك��أس الع��الم في كل دورة، وهذا ليس للمدح أو المبالغة، بل ه��و حقيق��ة ص��رفة كن��ا

دة. ة المجر نراها ونحن أطفال، واآلن ندركها بوعي المعطيات المنطقيل منه��ا أول ة ال��تي تش��ك من الصعوبة بمكان لي تحديد الفترة الزمني فريق كرة قدم، وكذلك تحديد صاحب الفكرة والذين باشروا فيه��ا، لكن يمكن التفكير في إفراد بحث حول النادي، من خالل التواصل مع إدارتهة ل��ه في ة والرياض��ي ة واالجتماعي ة؛ من أجل تاريخ الحرك��ة الثقافي الحالي المستقبل إن سمحت الظروف بذلك، فاألمنيات كب��يرة، ولكن تحقيقه��ا يبدو قصيرا مع قصر العمر والغرق في تناقضات المأس��اة، والمس��تقبل

الذي يبدو قاتما أكثر من الحاضر.ل من مجموعة من المهم أنه بوعينا كان هناك فريق كرة قدم، يتشكا ب��الكرة، فمنحت ذاته��ا ل��ه، ��ا قطعي ات التي ك��انت ت��ؤمن إيمان الشخصيزن، ات "عارف عوفي"، وهو رج��ل ه��ادئ، وق��ور، مت ومن هذه الشخصي يعرف ما يريد، ويستطيع توصيل م��ا يري��د لمن حول��ه بس��هولة ومه��ارة، عرف كأفضل العب في الفريق، حتى أطلق علي��ه لقب "بيلي��ه" الالعبس إدارة الن��ادي، ف��أعطى وأب��دع، ع��رف ط��وال العالمي المعروف، ترأ��ف علي��ه في ع، لم يختل ن الخل��ق والته��ذيب والتواض�� أي��ام حيات��ه بحس��

م من الناس أو الالعبين أنفسهم. المخي وهن��اك "س��ليمان هالل" الملقب "بالجارينج��ا"، وأن��ا ال أع��رف س��بب ذلك اللقب؛ فأنا لست من المهتمين بالرياض��ة من��ذ الطفول��ة، وال أذك��ر أنني شاهدت مباراة كرة قدم في حي��اتي ح��تى يومن��ا ه��ذا، لكن اللقب كان متصال بحادثة أو شيء يخص الرياض��ة، وله��ذا فأن��ا ال أع��رف أص��لهه اللقب، وهدفه، رغم أن اسم "سليمان" تالشى من العقول وح��ل محل عرف كحارس مرمى، بل كأفضل حارس مرمى في تل��ك الف��ترة، ليس��ا، لكن ة، لم يكن مؤذي م فقط، بل على مستوى الضفة الغربي في المخيم تعامل معه بعد أعوام طويلة بحذر ش��ديد، دون أن نع��رف س��ببا المخي

لهذا الحذر.ه��ا، ات الكث��يرة ال��تي لن تس��عفني ذاك��رتي ب��ذكرها كل ومن الشخص��يرت في مس�تقبل وهذا ما أعتذر عن�ه وف��اء ل�ذكراهم وجه��ودهم ال�تي أثم فيما بعد، هناك "عدنان عيد، والنعمان، والس��نو، وس��ميح رج��ا"، المخي

www.alukah.net

Page 51: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

الذي عرف بعذوبته وقدرته على التواصل مع كل المتناقض��ات، دون أنم في��ه يس��يء إلى نفس��ه أو لمن تعام��ل معهم، فك��انت ش��هادة المخي

صافية رائقة.ة، م وتاريخه في الضفة الغربي ل الفريق عالمة مميزة لوجه المخي شكل عالمة في ال��وطن الع��ربي، ومن ثم في كث��ير من وانتقل بعدها ليشكات كث��يرة على الفري��ق واإلدارة، لكن م��ا دول الع��الم، تن��اوبت شخص��ي

يهمني هو التأثير الذي أحدثه الفريق الحقا.ل في مدين��ة "ط��ول ك��رم" ن��اد رياض��ي باس��م: مع تقدم الزمن تشك "النادي الثقافي"، وأصبح منافسا ضعيفا لمركز الشباب االجتم��اعي فية التي ك��انت ه استطاع أن يرفع الرماد عن النظرة العنصري م، لكن المخيم من تختفي تحت ض��غط مرك��ز الش��باب، واس��تفحال ق��درات المخية، فب���دأت موج���ة عارم���ة من االختالف ة واالجتماعي الن���احيتين: العلمية من الجه��تين، وه��ذا م��ا أدى إلى رف��ع روح المص��احب لنظ��رة عنص��ري التنافس والعداوة إلى أقصى حد في تلك الفترة، فالمباراة ال��تي يح��ددد والعص��يان ا ن��وع الع��داء والتم��ر تاريخه��ا بين الف��ريقين، يح��دد أيض��

والمشاجرة، التي كثيرا ما نقلت مجموعة من الجمهور إلى المشفى.ة دعمت الفري���ق ة والثري اتها االجتماعي المدين���ة ببل���ديتها وشخص���ي الرياضي الخاص بها، ك��انت أعظم أمنياته��ا تحقي��ق نص��ر على المرك��ز،ات عديدة، إال أن المرك��ز ظ��ل ه��و العالم��ة واستطاعت تحقيق ذلك مر

ها في فترة من فتراته. المميزة للمدينة والضفة كل ص��احب النم��و الرياض��ي في مرك��ز الش��باب نم��و اجتم��اعي، فق��د استطاع المركز أن يرسي مفهوم العمل والتعاون الجماهيري بين أه��لم، وبدأ ذل��ك بحمالت المس��اعدة في تش��ييد ال��بيوت ال��تي امتل��ك المخي أصحابها بعض النقود لتحويل بيوتهم من الصفيح إلى األسمنت، وال أري��دة عادية، بل مجموع��ة من االختالف��ات للقارئ أن يفهم أنها بيوت أسمنتيمى غرف��ة أو مطبخ��ا، فهي أش��د والتناقض��ات ال��تي ك��انت تنتج عما يس�ها بغير أعمدة وبغير تم��وين أس��منتي بؤسا من الصفيح، وأكثر خطرا؛ ألن يضمن وقوفه��ا لف��ترة من ال��زمن، وكم من بيت انه��ار على أص��حابه أو

على نفسه أثناء وبعد البناء. تطور األمر إلى نقل ثقافة النظاف�ة بين الن��اس بتجني�د مجموع��ة منة الشباب واألطفال لكنس األزقة، ونقل أوساخها إلى المزاب��ل الرئيس��ية ال��تي يتم في المدين��ة، طبع��ا من ح��ق الق��ارئ تص��ور األرض الترابي كنسها، وكم الغبار الذي يغطي الوجوه واألجساد، وينتشر ف��وق ال��بيوترتها، فاض��ت ال��دموع من عي��ني رغم��ا وفي غرفها، مح��اوالت كلم��ا ت��ذكها كانت - وبطريقة غريبة ال يمكن فهمه��ا أو تحليله��ا ح��تى من ي، لكن عن

www.alukah.net

Page 52: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

تنا ال��تي اغتالته��ا تنا وإنساني أعتى علماء النفس واالجتماع - تشعرنا بآدميالمأساة.

أضف إلى هذا تنظيف المقبرة من الحشائش الص��فراء الملوح��ة من الم��وت والش��مس، واألش��واك ال��تي تنغ��رز في األق��دام ش��به الحافي��ة،��ا زرع بعض األش��جار، وك��ان وتنقيتها من األوراق وبعض األوساخ، وأحيان حفر القبور وصناعة ال��ريش ال��تي تغطي اللح��د كله��ا من مه��ام العم��ل االجتماعي المجاني الذي أرساه التعاضد والتآزر، كل هذه األم��ور ك��انتة تدفع المرك��ز ة والمادي ترافق مسيرة المركز، وكانت التطورات الحياتية، فتح��ول ت في��ه نزع��ات الحزبي إلى تطوير طرقه وأس��اليبه، إلى أن دب

المركز إلى ساحة متأججة للصراعات من أجل السيطرة عليه. يضاف إلى األدوار الس��ابقة ال��دور الثق��افي ال��ذي وطده المرك��ز فيم، وه�و دور يحس�ب ل�ه عن ج�دارة، وإذا ك�ان لجيلن�ا نفوس أبناء المخي والجيل الذي سبقنا أن يعترف، فإن األثر الثق��افي ال��ذي أحدث��ه المرك��زته ووطده، هو أث��ر يس��تحق االح��ترام والتق��دير واإلجالل، في نفوسنا وثب وإذا كان علينا أن ننصف، فإننا بحاج��ة أوال إلى تس��جيل حقيق��ة واض��حةها دون الرج��وع أو وضوح الشمس، وهي أن المركز قد أحدث ثوراته كلر ب��أي تنظيم سياس��ي فلس��طيني، ب��ل ك��ان ال��دافع ه��و االنتماء أو الت��أثم، فليس لوا المخي معالج��ة آث��ار التهج��ير ال��تي رافقت من س��كنوا وش��كة هناك أي فضل أو تأثير مهما دق أو صغر لمنظم��ة التحري��ر الفلس��طيني بأي فصيل من فصائلها في تلك الثورات، والعكس تماما ه��و م��ا ح��دث،ة واالنتماءات السياس��ية في تش��كيل اإلدارات في حين تدخلت الفصائليم؛ المركز، هذه الت��دخالت هي ال��تي خلقت الص��راعات بين فئ��ات المخي��ا من فأثقلت كاهلهم بالعداوات والتفرقة إلى أن أصبح المركز بناء خاويل في ة، رغم التط��ور ال��ذي حص�� ة أو أخالقي ة أو اجتماعي أي قيم��ة ثقافي��نى وتوس��يعه، ح��تى وص��ل األم��ر البناء، وإضافة بعض األقسام إلى المب��ا إلى تس��ليم اإلدارة إلى أن��اس ال يعرف��ون عن جل��دة الكت��اب أي أحيان شيء، بل كانوا شبه أميين، وهذا ما نزل ب��دور المرك��ز إلى حض��يض لم

نكن نتوقعه في األيام الخوالي.ة رافقت مس��يرة أس��هم مرك��ز الش��باب االجتم��اعي في نهض��ة فكرية، األطفال والشباب والشيوخ، فقد افتتح فيه قسم تدريسي لمح��و األمي وتط��وعت مجموع��ة من النس��اء لتعليم األمه��ات والبن��ات الل��واتي لم تس��عفهن الظ��روف في االنتس��اب للمدرس��ة، وك��ذلك بعض المدرس��ين�ة والش�باب م�ع الرج�ال، وق�د أح�دث ه�ذا األم�ر تغي��يرا واض��حا في بنيم واتساع المعرفة فيه بين من كانوا أميين، وه�ذا م�ا فتح أم�امهم المخية ال��ذي راف��ق عالم��ا س��اعدهم على التخلص من ع��ار الجه��ل واألمي

تهجيرهم.

www.alukah.net

Page 53: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ع من الجنس�ين يس�اعد طالب ام أخ�رى ك�ان الش�باب المت�بر وفي أيا اني المدارس بفهم المستغلق عليهم من المنهاج المقرر، وك��ل ذل��ك مجا، حين ينهض عين، ب��ل ك��ان ال��ربح جماعي ال ربح في��ه للن��ادي أو للمت��برة س��اهمت إلى ح��د م ليص��لوا إلى ش��هادات علمي الطالب من قاع المخية؛ حيث س��اهم ة ونهض��وية في البالد العربي بعي��د بإح��داث ث��ورة تعليمية؛ بما قدم من كوادر المثقف الفلسطيني في تحديث المجتمعات العربي

ة. ي ة وفن أكاديميل فيم��ا بينه��ا ة ال��تي تتواص�� لم يكن المركز بمنأى عن الحركة الطالبية، فق��د ك��انت تج��رى عة على امت��داد الض��فة الغربي مات الموز من المخيمات، وك�ان التحض��ير مباريات ومساجالت في الشعر بين مدارس المخيزا من إدارة المركز واألهالي، وكانت تقسم األي��ام بين لها يأخذ وقتا وحي��ا ك��انت تج��رى تل��ك المن��اظرات بين الش��باب ال��ذكور واإلن��اث، وأحيانم الف��ائز للزه��و بطالب��ه وأس��اتذته، والبنات، وك��انت النت��ائج ت��دفع المخي وبمرك��ز الش��باب الت��ابع ل��ه الفري��ق؛ مم��ا ك��ان ي��دفع الجمي��ع للتك��اتف

والتآلف؛ من أجل الفوز ورفع جبهة الجميع لألعلى. الج��وائز ال��تي ك��ان يحص��ل عليه��ا الفري��ق الف��ائز ت��دل على ن��وع االهتمامات التي كانت س�ائدة في ذل�ك ال�وقت، فهي عب��ارة عن كت��اب لكل مشارك مرفق برسالة شكر من المدرسة ومركز الشباب، وك��انتل محورا وفخرا في حياة من فاز به��ا، وإذا م��ا أض��فنا هذه الجائزة تشكة لذلك البعد االجتم��اعي ال��ذي ك��ان يتفاع��ل من خالل اللق��اءات الثقافية في ل ال��ذي ك��انت تحدث��ه الحرك��ة الثقافي ه��ذه، أمكنن��ا فهم التواص��

عة على مساحات الوطن. ة الموز مات الفلسطيني المخيم في تل��ك الف��ترة النش��اط واألمر الذي اعتبر مفخرة للمركز والمخيم من خالل مركز الشباب، وه�ذا األم�ر وح�ده الديني الذي احتواه المخي يحتاج إلى دراسة معمق��ة وواعي��ة لفهم الت��أثير ال��ديني النقي الم��واكب للبساطة وللفطرة في نفوس الناس وقناعاتهم، وم��ا يمكن��ه أن يح��دث في النف��وس من مجموع��ة األخالق والقيم ال��تي تتواف��ق م��ع ض��روراتة المجتم��ع في الوح��دة والتالحم، وك��ذلك في اكتش��اف القيم��ة الحقيقي

للوطن، من خالل التصاقها بجوهر اإلسالم وتعاليمه. وكان كم كب��ير من ال��دعاة على مس��توى الض��فة الغربي��ة ي��أتون إلى مرك��ز الش��باب؛ إللق��اء مواع��ظ ومحاض��رات تس��تنهض الهمم واألخالق والطموح��ات، ومن ه��ؤالء ال��دعاة من استش��هد فيم��ا بع��د، ومنهم من أص��بح من علم��اء فلس��طين، فمثال الش��هيد "جم��ال منص��ور" ك��ان أح��د المحاض��رين في تل��ك الف��ترة، وك��ان يمل��ك أس��لوبا ش��ائقا ورائع��ا في توصيل الفكرة وتنظيمها وتبسيطها إلى كل المس��تمعين، وك��ان "حام��د

www.alukah.net

Page 54: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

��ل ه��ذه األم��ور كث��يرا، وك��ذلك "عبدالل��ه نم��ر البيتاوي" ممن اهتموا بمثأت من��ه الحق��ا؛ ة ت��بر درويش" من "كفر قاسم"، لكن الحرك��ة اإلس��المي

بسبب مواقفه التي لم تتوافق مع معطيات الرسالة وتعاليمها.ها جاءت في ال��وقت في وقت الحق أنشئت مكتبة خاصة بالنادي، لكن��ه إلى مرك��ز نت من الن��ادي فحولت ة ق��د تمك الخط��أ؛ إذ ك��انت الفص��ائلي للصراع بين الفئات التي تحاول - وبكل الطرق الخبيثة - السيطرة علىما من أج��ل إظه��ار التنظيم، اإلدارة، ليس من أجل تقديم الخدمات، وإنة ق��د ال تتواف��ق م��ع معظم الن��اس، ال�ذين وإخضاع النادي إلرادة سياسي

كانوا يودون بقاء النادي تحديدا خارج أي صراع سياسي أو تنظيمي.ة تريد ل شيئا، بل هو مركز تطاحن وجهل وفصائلي اليوم النادي ال يمث تسويق فكرتها من خالل استقطاب الناس ع��بر المص��لحة إلى ش��باكها،�ودون دراس�ة الت�اريخ الفلس�طيني أو وهذا م�ا يجب االنتب�اه إلي�ه لمن ي المجتمعي في أيام قادمة، قد تكون أكثر جرأة في مواجهة الحقائق من

العصر الذي نحيا فيه نحن.م الذي حاولت األوق��اف رافق دور النادي دور المسجد، مسجد المخيم به�وة س��حيقة بين تغيير اسمه إلى اس�م أح�د الص�حابة، فش�عر المخيهم؛ خوف��ا من ارتك��اب االسم الجديد واالسم القديم، وإن أخفوا امتعاض��حون حين وا ح��تى يومن��ا ه��ذا يص��ر هم ظل إثم برفض تغي��ير االس��م، إال أن

م. يتحدثون باسم مسجد المخييت، وعلى أعتاب��ه للمسجد عالمات رائعة وفارقة في نفسي، فيه ت��ربقت ب��ه وبأجوائ��ه من��ذ الطفول��ة، وك��انت خلعت ن��وازعي ون��زواتي، تعل الصالة فيه تريح نفس��ي وتمنحه��ا س��كينة لم أعه��دها قب��ل اتص��الي ب��ه،ا؛ حيث اله��دوء وس��كينة اللي��ل وخاصة صالة الصبح؛ ألن لها مذاقا خاص��جاد، م��ع ص��وت ع بين مس��امات الس�� يترافقان مع رائح��ة الطيب الم��وز الشيخ "حمدان" الذي ينفذ إلى القلب بسهولة وصفاء، فيرفعها للتحليق بين الخشوع المطلق والذوبان الكامل في حالة التوحد مع اآلي��ات، وإذا م�ا غ�اب الش�يخ "حم�دان"، ك�ان ص�وت "أب��و العب�د البالص" الجه�وريلين الخاش����عين ان يقتحم النف����وس فيرفعه����ا إلى مص����اف المتبت الرن المخلصين، لم يكن هناك من يستطيع الصمود أمام هذين الص��وتين، إال

من قسا قلبه وتحجر.م المهمة؛ ل معلم��ا من مع��الم المخي ه يمث المس��جد بس��يط ج��دا، لكن��ر ة تته��اوى، وترتف��ع الطه��ارة البك ففي��ه ك��انت ك��ل األش��ياء الدنيويبين بطبيعتهم، بسليقتهم، وهذا ما الممزوجة مع الفطرة، كان الناس طي ساعد على تتويج العادات والتقاليد بمجموعة من الفضائل التي يمنحه��ا

المسجد للناس.

www.alukah.net

Page 55: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

لي فيه ذكريات طويلة، أهمها: مكتبته التي تأسست على ي��دي، فأن��ا أول من حفر أساساتها بساعديه مع الشباب الذي ك��ان مس��تعدا ليق��دم كل ما يستطيع من جهد وعرق من أجل إنجاز مشروعها، وحين استوت

ي عن روح والدي "تفسير القرطبي". كان أول كتاب يدخلها من في المس��جد ت��رافقت أش��ياء كث��يرة؛ فق��د ك��ان من��برا للمس��اجالتة، وك��ان تحفي��ظ الق��رآن الك��ريم منهج��ا ة، والمس��ابقات الديني الش��عريه ا من مناهج��ه، وإن لم يكن بمس��توى التحفي��ظ الكام��ل، إال أن أساس�� اس��تطاع أن يجع��ل جيال من الش��باب يحف��ظ أغلب األج��زاء، إلى ج��انبة ال��تي تلي ص��الة العص��ر أو المغ��رب، وك��ان ذلك كانت ال��دروس الديني األستاذ "شريف فرحانة" ق�د س��اهم بش�كل كب�ير في تق�ديم ال�دروس، أس��لوبه في إلق��اء ال��درس ع��ذب ومش��وق، ح��تى إنن��ا لم نكن ن��ود أنة ن ة وعلومه��ا كمس��اعد في فهم الق��رآن والس�� ينتهي، اهتم باللغة العربية، ومن ميزات��ه ال��تي ال تنس��ى أن��ه ك��ان يح��اول تلمس ق��درات النبوي األطفال، فإن وجد قدرة في طفل، وضعه مكانه؛ ليعطي درسا للباقين،ه، وهذا م��ا حفز األطف��ال على التن��افس والتس��ابق في دون النظر لسن امتالك ق��درات إلق��اء ال��دروس، وق��د كنت أول من تلمس األس��تاذ ب��هي ن من ��ه؛ ليكس��ر ح��اجز الخج��ل ال��ذي ك��ان يتمك موهبة، ف��دفعني مكانه مع الدفع المتواصل استطاع أن يخلع ه��ذا الح��اجز بصورة ظاهرة، لكن من جذوره، واحترام��ا ل��ه انتقلت إللق��اء ال��دروس في مس��جد الروض��ة الواقع على شارع "نابلس طول كرم"، ومن حسن الحظ أن إم��ام ه��ذاه كان يملك روحا رائعة مع األطف��ال ، إال أن المسجد وإن كان كبير السن المقبلين على اندفاعة الشباب، وسيأتي يوم للكتابة عن��ه؛ ألن��ه يس��تحق أن يبقى اس��مه م��ا بقي في ق��درة على الكتاب��ة؛ وف��اء إليم��ان حمل��ه،

ولروعة خلق تحلى به، ولعذوبة في التعامل مع من كان في جيلنا. لم يت��وان المس��جد عن تق��ديم الخ��دمات للن��اس، فك��انت حمالت النظاف��ة ال��تي يأخ��ذها على عاتق��ه تش��مل األزقة والش��وارع والح��اراتم، كله��ا، أض��ف إلى ذل��ك حمالت التش��جير لألراض��ي المحيط��ة ب��المخي��ا، ك��ان التش��جير هما وحواف األرصفة، وحتى بين البيوت وداخله��ا أحيانل بين لة ك��انت تتواص�� من هموم المسجد بشكل ملح��وظ؛ ل��ذا ف��إن ص��

المدرسة وبينه من أجل هذه المهمة. المقابر واالعتن��اء به��ا؛ من حيث النظاف��ة وإزال��ة األش��واك والنبات��ات ��ا ط��ويال ة، ك��انت تأخ��ذ من الن��اس والش��باب بش��كل خ��اص وقت الض��ارها في النهاية كانت تبدو ومزدحما؛ بسبب سعتها وصعوبة تضاريسها، لكن

نظيفة ومهيبة.

www.alukah.net

Page 56: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

الجنازات بشكل طبيعي مرتبطة بالمسجد، وما يتصل بها أيضا يرتبطم ل��ه اتص��ال ت ك��ان مهم��ة رج��ل في المخي ل المي بالمس��جد، فغس�� بالمسجد، وتكفينه يتم بواسطة نفس الرجل، والصالة تتم في المسجد، وحين تخرج الجنازة يخرج المسجد برمته معها؛ طلبا لألجر، والمتعة منت على مس��امع الن��اس من الش��يخ ال��درس ال��ذي يلقى بع��د دفن المي

المرافق للجنازة.ع��ات من الن��اس؛ لبن��اء ومن األمور المهم��ة في المس��جد جم��ع التبرع��ات لمن أص��يب مساجد في م�دن وق��رى مختلف��ة، وك�ذلك جم��ع التبرم بمرض ويحتاج إلى عالج مكلف، وكذلك للعائالت المس��تورة في المخيم، وقد تحولت المساجد فيما بعد إلى إنش��اء لجن��ة الزك��اة وخارج المخي التي طورت نفسها فأص��بحت مؤسس��ة ق��ادرة على متابع��ة الكث��ير منة ب��المتفوقين، األمور في مجاالت متعددة؛ من إنش��اء الم��دارس الخاص��ة، إلى بناء مشفى في المدين��ة إلى إنشاء رياض األطفال بصبغة إسالميمي باس��م لجن��ة الزك��اة، ح��تى ج��اءت الس��لطة وأغلقت ك��ل تل��ك س��

رت أسماءها ومنهج عملها. المؤسسات وغي بين المدرسة وبين المسجد كانت العالقة حميمة، فالمدرسون ك��انوا يحضون األطفال على الصالة في المسجد بكل ما يملك��ون من ت��رغيب وترهيب، حتى إن األستاذ "أب��و جمي��ل الخريش��ي" - رحم��ه الل��ه - ك��انا ينتدب بعض األطفال كعيون له؛ لمراقبة من يصلي ومن ال يص��لي، وكن كأطفال نرتع��د خوف��ا من ع��دم التواج��د في المس��جد؛ ألن العق��اب في

اليوم التالي يكون فوق مستوى االحتمال.ل بين ا تواص�� ل بين المدرس��ة والمس��جد، وج��د أيض�� وكما وجد تواص��رة وواض��حة، ح��تى إنن��ا نس��تطيع أن النادي وبين المس��جد بص��ورة م��ؤث ندعي أن الكثير من النشاطات التي كان النادي يقوم بها - كما أسلفنا -فاق مع المسجد، وهذا ما منح العم��ل الجم��اعي روح��ا ق��ادرة كانت باالت

على الدفع والدمج في الجهود والمآثر. وإذا أردنا أن نجمل الجهود التي بذلت من المسجد، فإنها التي ك��انتات من القرن الماضي، ش��ملت ة في السبعيني تؤهل إلى قيام فترة ذهبي المدينة بمسجدها الجديد الذي كان في تلك الف��ترة من��ارة من من��ارات العلم التي تجذب الش��باب للتص��ارع على خ��وض غم��ار لجته��ا العارم��ة؛ حيث انتشرت الكتب في البيوت بشكل لم يسبق ل��ه مثي��ل، وانتش��رت المكتب��ات، وتع��اظم اس��تيراد الموس��وعات ال��تي تهتم بال��دين والت��اريخ والحضارة، واكتظت المقاعد لسماع محاضرات المش��ايخ الق��ادمين منة وتزاوجت مع كل ة وقراها، وتمازجت الحركة الثقافي مدن الضفة الغربي

www.alukah.net

Page 57: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ة والمس��ابقات على مس��توى الم��دن، بحيث أص��بحت الزي��ارات التبادليم والمدينة. المدن بعد أن كانت خاصة بالمخي

ان ك رافق كل ه��ذا دور المدرس��ة ال��تي ك��ان أغلب مدرس��يها من س��فى على نظ��رتهم م وعائالتهم أض�� المدينة، لكن قربهم من أطفال المخي��ه أه��ل المدين��ة بص��فة نوعا من التضامن والتعاضد مع المأساة لم يملك

عامة. التدريس كان قاسيا وزخما قياسا بالظروف ال��تي ك��انت س��ائدة؛ منهم عم��ق فق��ر وب��ؤس وحرم��ان، لكن المدرس��ين ال��ذين أدرك��وا بحس�� الضربة ال��تي تلقاه��ا المه��اجرون، حش��دوا طاق��اتهم وق��دراتهم وق��وتهم وبطشهم في هدف واحد، وهو إلزام الطالب بالنجاح رغم��ا عن إرادتهم ومش��يئتهم، فك��انوا نعم المدرس��ون لف��ترة ك��انت من الممكن أن تنتج

أجياال جاهلة لندة من الزمن لوال وجودهم وتأثيرهم.ت المدرسة مجموعة من القوانين ألزمتها بها ظروف الفق��ر وقد سنة؛ ح��تى ال ينتش��ر القم��ل والفاق��ة، فحالق��ة ال��رأس على الص��فر إلزامي والصئبان في الرؤوس الذي ك�ان منتش��را أص��ال بين ك��ل أعم��ار الن��اسم، وك��ذلك تقليم األظ��افر تقليم��ا واض��حا؛ ح��تى ال الق��اطنين في المخي تتراكم األوساخ تحتها؛ فتنقل األمراض وتنش��رها، وك��ذلك وج��ود من��ديل

من قماش للتمخط أو تنشيف اليدين.��دء الي��وم الدراس��ي، ا في كل صباح فور قرع جرس المدرس��ة لب وكن نص��طف حس��ب الص��ف الدراس��ي في ص��فوف تش��به االص��طفاف العس��كري اإلجب��اري، فال الت��واء هن��ا أو نش��از هن��اك، ب��ل ص��فوف كح��د السيف، وقبل قراءة الفاتحة بصوت جماعي نمد أيدينا بش��كل مس��تقيم كقض��يب من الف��والذ أو الحدي��د، نض��ع المن��ديل تحت األص��ابع الثماني��ة،��ا وواض��حا من بعض أطراف��ه، ويب��دأ ونضغط باإلبهامين عليه؛ ليبقى ثابت المدرسون التفتيش، والويل كل الويل لمن كانت أظافره غير مقلمة أوا نقرأ الفاتحة بصوت منديله غير مغسول، وحين كان ينتهي التفتيش، كن

واحد، ثم نبدأ الدخول إلى الصفوف بانتظام وحسب الدور المعهود.ة ال��تي ك��انت تتم بين ف��ترة رافق كل هذا نوع من اإلج��راءات الوقائيمى "ال��دي دي ا نخضع قسرا للرش بنوع من المبيد يس�� وأخرى، فقد كن تي"؛ حتى يتم قتل ك��ل الحش��رات المنتش��رة في أجس��ادنا من حيث ال ندري، كما كان المسؤول عن الحم��ام يق��دم تق��ارير للمدرس��ة بأس��ماء الطالب ال��ذين ال يس��تحمون ف��ترة من ال��زمن بالحمام الرئيس��ي ال��ذي

سبق ذكره. في كل ص��باح ك�انت المدرس��ة تق�دم لن�ا - وبش�كل إجب�اري - وجب�ةنع من الحليب بع��د تحويل��ه إلى إفطار مكونة من اللبنة، وهي م��ادة تص��

www.alukah.net

Page 58: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

كا في بن ال��رائب إلى م��ادة أش��د تماس�� لبن رائب، ومن ثم يح��ول اللة قوامها؛ مما يجعلها قابلة للدهن على قطع الخبز، يرافق هذا شرب حبا كأطفال نعاف تناول اللبنة أو زيت السمك، نا كن من زيت السمك، ولكنة وقف المدير "أنيس" - رحمه الله - ليأكل أمامنا ويش��رب وكم من مرا، ة؛ من أجل أن يثبت لنا أن ما نتناوله يتناوله هو والمدرس��ون أيض�� الحبمان والخيزران التي ا نأكل؛ ليس اقتداء بهم، بل رهبة من مطارق الر كن

ستلهب أقفيتنا وأقدامنا وأكفنا إن رفضنا.تها، واإلخالص الصفوف كثكنات عسكرية، فلو ألقيت إبرة لسمعت رنمة واض��حة ومم��يزة في المدرس��ين، والواجب��ات ال��تي في التدريس س�� كانت ال تحل تعني نوعا من عذاب قاتل تحت زخات العصي والصفعات،

ها. وهذا ما جعلنا نتوحد في إنجاز الواجبات وحل كثر هم المدرسون الذين عاصرناهم، لكن سأذكر منهم مدرس اللغةة في الصف السادس االبتدائي، وهو "ص��ادق بش��ناق" - تغمده اإلنجليزي الله برحمت�ه - فه�و مه�اجر من "البوس��نة"، أق��ام في فلس�طين، مالمح أوروبا واضحة عليه وعلى أوالده وبناته، لم يحم��ل مطراق��ا من رمان أور ال��ذي يس��تخدمه للش��رح لم��ا ه��و خيزران، بل كان يتعامل مع المؤش�� مكتوب على الصبورة، وهو طويل ومصقول، ووقوع��ه على ال��رأس إماام، أن يدفع الدماء إلى الخارج، أو ينتج نتوءا على ال��رأس ي��ؤلم لع��دة أير، فعن��دما ي��ود نعتن��ا كان مخلصا ورائع��ا، لم يكن يش��تمنا بص��يغة الم��ذكة بالكالب، كان يقول: يا "كلبات"، لم نفهم سبب ذلك، فه��و يتقن العربي

ة. ه بقي على ذلك إلى أن وافته المني بكل أصولها، لكن مدرس العلوم "هشام عبيد"، رائع ورائق، لم يستخدم الضرب كثيرا،ارا أو ق��وة ا ن��رى في��ه مخترع��ا جب ��ر، كن تعلق به األطفال بس��بب المختبز بعم��ق ه تمي ة، وه��ذا م��ا جعل��ه يس��تعيض عن العص��ا بالهيب��ة، لكن خفي إدراكه للطفولة، فلم يكن يتذمر من كثرة األسئلة أو صعوبة الفهم لدى

رة. الطالب، أصيب بمرض السرطان، وتوفي في سن مبك مدرس الحدادة في القسم الصناعي "أسعد س��عادة"، أبيض ال��رأسه؛ ألن��ه بغ��ير واجب وبغ��ير من شدة الشيب، رفيق ورقيق، أحببن��ا درس�� حفظ أو جهد فكري، دخائنه بغير عقب، لم يكن يرميها إال بعد أن تلس��عابة واإلبهام؛ ل��ذلك بقي لونهم��ا غارق��ا في الص��فار المائ��ل إصبعيه؛ السبي، وكذلك شاربه، وصل إلى سن إنهاء الخدمة، ومات بعد ذل��ك إلى البن

بوقت قصير.ا، حيث تم استئص��ال "واص��ف الجالد" م��درس الت��اريخ، ك��ان مريض�� نص���ف معدت���ه، أس���لوبه ع���ذب، ي���دفع إلى الوق���وع في حب الم���ادةام��ه ب��دا األلم وتشويقها، كان نحيال كثيرا؛ بس��بب مرض��ه، وفي أواخ��ر أي

www.alukah.net

Page 59: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

واضحا كعذاب على محياه، توفي تحت ضغط المرض، حزنت المدرس��ةها األقدار التي ترد وال يعترض على جريانها - رحمه الل��ه عليه كثيرا، لكن

رحمة واسعة.م، للعلم، نا وف��اءهم للمخي كل مدرسينا ك��انوا ذوي ت��أثير علين��ا، لمس�� لألطفال، للناس، كانوا يرددون كث��يرا على مس��امعنا: يجب أن تنجح��وا،م بالمفهوم ال��ذي كم لستم أوالد مخي يجب أن تثبتوا ألنفسكم وللناس أنة يعرفون، عليكم فور االنتقال من م��دارس الوكال��ة إلى م��دارس الثانوي في المدينة أن تكونوا أكثر علما وتفوقا عليهم، حين تنتقل��ون إلى هن��اك ال بد وأن تكونوا المتميزين؛ حتى نشعر بالراحة ونشعر أننا ق��دمنا ش��يئاكم يجب أن ت��دركوا أن��ه ليس هن��اك من ش��يء لكم، واألهم من ذل��ك أن

م وتبعاته سوى العلم، العلم فقط. يمكنه أن ينتشلكم من المخيلنا كلماتهم كانت تخرج من أعماق القلب؛ لذلك بطشوا بن��ا إن تكاس��ا ال رحم��ة في��ه، واس��تطاعوا فعال إخراجن��ا من دائ��رة الجه��ل إلى بطش��ا نالح��ظ الدهش��ة دائرة المعرفة، وحين انتقلنا إلى مدارس الحكومة، كن ال��تي ترتس��م على وج��وه المدرس��ين من المفاج��أة، وه��ذا م��ا أس��عد

سينا وحتى يومنا هذا. مدر كل هذا تواكب مع النشاطات التي كانت المدرسة تجريه��ا بينن��ا؛ فية المدرسة نفسها أو مع المدارس األخرى، فاالعتناء بالحديق��ة المدرس��ي ك��ان مهم��ة واض��حة لك��ل الطالب بمراقب��ة المعلمين، وك��ذلك االعتن��اءام لكنس ا نخ��رج في بعض األي بنظافة الساحة والص��فوف، ح��تى إنن��ا كن

م تحت إشراف مجموعة من المدرسين. الشوارع في المخيه��ا - وخاص��ة المن��اطق ة إلى من��اطق فلس��طين كل الرحالت المدرسية - متعة من المتع التي ال تنسى؛ فهي تمنحنا ركوب الباصات التي األثريه��ا تفتح م��داركنا على ا ال نركبها إال لض��رورة أو في ي��وم عي��د، كم��ا أن كن مس��احات من ال��وطن لم نكن نتص��ور وجوده��ا أو جماله��ا، وهي ال��تي ربطتن��ا ب��دموع المهجرين ال��ذين ك��انوا يبك��ون وهم ي��ذكرون أس��ماء المن��اطق دون أن نع��رف عنه��ا ش��يئا، ولكن حين دخلن��ا "حيف��ا، وياف��ا، وصبارين، وملبس، وغيرها"، أصبحنا نربط األشخاص باألماكن، والدموع

نا في سن مبكرة مساحات الوطن وروعته ووجعه. بالجغرافيا، فتلمس ارتبطت المدرس��ة كغيره��ا بمرك��ز الش��باب االجتم��اعي والمس��جد، فتداخلت األدوار وتش��ابكت، وزاد ه��ذا على ذاك، وذاك على ه��ذا؛ ح��تىه��ا، ل نوعا من الت��آخي بين المؤسس��ات كل أصبح العمل االجتماعي يشكت التالحم في تنش�ئة النفس وتربيته�ا على ض��رورة االن�دماج وهذا ما ثب

بين مجموعة من الجهود؛ من أجل النجاح والتقدم والعطاء. "5"

www.alukah.net

Page 60: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

منا تأسس عام، لن أبحث في األعوام؛ فهي ال تع��ني من ال��زمن مخي سوى اإلحصاء والتحديد، وأنا ال أستطيع وال أقب��ل أن يك��ون هن��اك م��دىم، ال في الزم���ان وال في المك���ان؛ ألن المأس���اة، يح���دد مع���نى المخي الكارث��ة، النكب��ة، ب��ل المآس��ي، الك��وارث، النكب��ات - أرهقت ق��وانينعين الزمان، وأحنت قامة المكان، كانت وال ت��زال تط��ارد الن��اس الم��وز بين األلم والعذاب، بين الشتات والهجرة، بين التش��تيت والتهج��ير، وم��اا نبكي كان مأساة لجيل وشعب، كان مله��اة ألجي��ال وش��عوب، وحين كن ونص��رخ ونه��ز زواي��ا الوج��ود، ك��ان اآلخ��رون يبتس��مون، يقهقه��ون ملءع وتتم��دد، أشداقهم، وكلما كان ألمنا يتعاظم ويكبر، كانت فرحتهم تتوسا أصحاب العذاب المطلق، دون أن يكون لنا من أمتن��ا س��ندا يكفك��ف كن

دموعنا، أو يهدهد آالمنا. سيقول الكثير: أنني أحمل على األمة أكثر مم��ا يجب، وأن��ني أج��انف الحقيقة وأجانبها، وكأنني بهم يزرعون الرجاء ببؤر العجز، رغم أنهم منلوا ووطدوا العج�ز ومنابت��ه في أحالمن��ا ال�تي ك��انت تس�افر من بين شك�ا نحن من ع��اش الحي��اة، ات األرض إلى ع��دل الس�ماء وع��دالتها، كن طينك والقن��وط، وحين تفحصنا مع��نى الحي��اة، مع��نى األلم والع��ذاب والض��ها مسميات تخرج من عرقنا، من لهاثنا، من عيوننا التي أرهقتها عرفنا أن حدود حالت بيننا وبين أهلن��ا؛ من ع��رب ومس��لمين، فبكين��ا م��رة أخ��رىن��ا بقين��ا بينهم، وفجعنا، وكانت نكبتنا بأمتنا أك��بر من نكبتن��ا بوطنن��ا، ولكنلخنا، همن��ا، وس�� ��ا وع��ذابنا، فات س ألمن��ا وقهرن بين الن��اس ال��تي تتحس��ار ال��ذي وجزرنا، وذبحنا، وكان علينا أن نم��د رقابن��ا للس��كين، في��د الج��زار زود ي��ده بق��وة نرى ستعجز عن حز رقبتنا، هك��ذا اعتق��دنا، لكن الج��زة، وكانت السكين أكثر حدة مما توقعن��ا، فته��اوت الرق��اب بين ه��ذا خفي البلد وذاك، وأجبرنا أن نكون أبواقا ألنظمة، وكان الرفض يعني التشريدت، أرهقها الزحف والركض والمشي والتهجير من جديد، وأقدامنا قد كلمنا، واستس��لمنا، ��ا، وبين الغاب��ات في حين آخ��ر، س��ل بين الص��حاري حينا فيه، وم��ا س��نكون ازدرتنا األيام واألنام، فتحيرنا بين ما نحن فيه وما كنم��ا ل��زمن ال ينتهي، من م��ا ل��زمن ال نعلم، ورب عليه، وم��ا زلن��ا حي��ارى رب

يعلم؟! ولدت هناك في غرفة صغيرة خلف بقالة "المصيعي"، ومقابل ح��ارة��دعى: "أم "الغانم" على بقعة يفترسها البؤس والفق��ر، ك��انت القابل��ة ت��ا؛ ة فالت ر هاشم"، رأيتها حين كبرت، وسألتها: لماذا لم تتركي رباط الس لتسيل الدماء كله��ا وينتهي العم��ر في الي��وم األول، فينتهي األلم وتنتهي

مأساة الفرد؟! أم هاشم - رحمها الله رحمة تليق بما بذلت من جه��د - ك��انت ام��رأة بيضاء مشربة بحمرة، جميلة رائقة، كشراب الرمان أو خجل الكرز، بين

www.alukah.net

Page 61: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

الطول والقصر، على ساعديها وقعت من رحم أمي، فكانت أول ام��رأةة. تحمل طفولتي الخارجة من رحم الغيب المسطور على لوح األبدي

وحين بدأت أتحسس المكان والزمان، كنت أعشق الحي��اة والوج��ود،ام من مجهوله��ا أم��امي، فع��رفت كطف��ل لم أكن أعرف ما س��تخرج األيم، كل منزل وكل يخفق حلمه بذرات الوجود، كل نقطة من نقاط المخيه��ا، م كل بيت، كل سقيفة وكل مزنكية وبيت صفيح، وع��رفت أزقة المخي زقاقا خلف زقاق، والت��واء خل��ف الت��واء، ح��تى البق��ر والحم��ير والبغ��ال والخيول، الخراف واألبقار والماعز، الكالب والقطط، ومكامن ابن آوى، ومخافي الضباع، حفر العقارب وجح��ور األف��اعي بك��ل أنواعه��ا، ع��رفت األرانب والطي��ور، وع��رفت الوج��وه ال��تي م��ا زالت راس��خة ب��ذاكرتي بطريقة تثير الرعب والفزع من ذكرى تهاجمني لحظة ما، أو يوم��ا غ��ير

مرتقب لذكرى.م الذي كان يبدو بعيني الطف��ل جميال ج��ذابا، وبعي��ني من وج��د المخيم - في وضع لم ير أفضل منه ليعقد مقارنة أو يقيم موازن��ة، ه��ذا المخيح الشباب - ظهر على حقيقته، بدا ك��وحش وبعد نضوج قليل مع أول تفت ضار يلتهم األحالم والطموحات، والمشاعر واألحاسيس، دون االق��تراب من جسد الفريسة؛ حتى يبقى الجسد اللوحة المتداخلة التي تظهر ك��ل أنواع الوجع والعذاب والقسوة والتلويح التي تس��لطه عوام��ل مختلط��ة؛تهم، كانت تنقلهم نحو نوع جدي��د من إلزهاق آدمية الناس واغتيال إنساني المخلوق��ات ال��تي ال نس��تطيع تس��ميتها، ولتك��ون ه��ذه المخلوق��ات هي الشاهد األزلي على عصر االنحط��اط الع��المي بك��ل م��ا في��ه من مب��ادئ

وأخالق وفلسفات مدعاة.م من أطراف��ه جميع��ا، تب��دو الطبيع��ة حين تقودك ق��دماك نح��و المخي المتوالدة المتش��ققة من ع��دم المجه��ول، وهي تض��خ الخض��رة والنم��اءم من والعطاء في األرض، وفي األج��واء، فالبي��ارات ال��تي تحاص��ر المخي جميع مداخله ترسل أريجها وعبقها في األجواء، وتدفع لالعتقاد بأن هذه األرض في هذا المكان قطعة من قطع الجنة، مزروعة لتك��ون مثال على الجزاء الذي يلقاه المؤمن يوم القيامة، ولكن م��ا أن ت��دلف ق��دمك أول��ا يخل��ع المتع��ة زق��اق من أي اتج��اه، ح��تى تنقلب الص��ورة تمام��ا انقالب الس��ابقة من ج��ذورها؛ ليرس��ي مكانه��ا أن القطع��ة الموج��ودة في أولم ال��تي تس��تعد الس��تقبال العص��اة خط��وة من الزق��اق هي بداي��ة جهن

والمارقين.م، ب��ل ه��و لكننا لسنا عصاة أو م��ارقين، وليس��ت هي قطع��ة من جهنم "طول كرم" المنزوع من ذاكرة الزمن ليبقى في ذاكرة المكان. مخي

www.alukah.net

Page 62: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

ه��ا غ��ير مرص��وفة، وال��بيوت تتش��ابه م��ع ش��كل الطرق��ات واألزقة كل��ا ال تس��تطيع التفري��ق بين م��دخل بيت من الطرق��ات؛ ح��تى إن��ك أحيانه��ا في البيوت أو استمرار الزقاق، الغبار والشمس يجت��اح التفاص��يل كل فصل الصيف، بحيث يكون من المستحيل - وأنا أعني المس��تحيل بعين��ه��ا نظيف��ا أو جس��دا لم يتح��ول إلى م��ادة قاس��ية بفع��ل - أن تض��من بيت التمازج بين العرق والغبار، ك��انت األمه��ات يع��انين معان��اة ش��ديدة وهن يقلبن األرض بمك��انس من قش مجم��وع من الس��هول لحظ��ة خل��ف��ا ض��ارية بين ش��عورهن بض��رورة النظاف��ة وبين ن حرب لحظة، كن يخض��لن المعرك��ة دون تق��ديم أي هن لم يستس��لمن وواص�� استحالة ذل��ك، لكن تنازل للطبيعة والشمس والرياح المحملة بالغبار، حتى إن الكث��ير منهن

قضين ورحلن وهن يخضن المعركة حتى اللحظات األخيرة. البيوت من الداخل أيضا حارات مكشوفة، فليس هن��اك م��نزل واح��ده مرص��وفة باألس��منت، ك��ل الن��اس ك��انت تف��ترش األرض، وك��ان أرض��ز الفراش متواضعا إلى حد ل��و ع�رض الي��وم على حي��وان لرفض��ه وتق��ز من��ه، وك��ان على األمه��ات وبش��كل ي��ومي نفض ال��تراب والغب��ار عننها عنص��ر من ة، ليضاف إلى المعركة ال��تي يخض�� الفرشات أكثر من مر العناصر الجدي��دة، المرهق��ة والص��عبة، وال��تي ك��انت ت��دفع إلى تش��كيل

. مالمح الشقاء والبؤس على وجوههن الص��يف ك��ان ثقيال ج��دا؛ فالمدين��ة قريب��ة من البح��ر؛ ل��ذلك ك��انت الرطوبة عالية جدا، وكانت تتم��ازج م��ع الغب��ار في ك��ل ش��يء، ف��إذا م��ام لم تكن تحوي أي ص��نبور للمي��اه، أو أي عرف القارئ أن منازل المخي بيت خالء، عندها تقترب الصورة لالكتمال، فص��نابير المي��اه ك��انت عامةعة بين الحارات، وكان على األم أو األخت أن تحم��ل ف��وق رأس��ها وموزة، وتذهب إلى أقرب ص��نبور "سخانا" من الصاج مع بعض األواني اليدوي مي��اه؛ لتأخ��ذ دورا بين النس��اء الالتي س��بقنها، تع��ود لتف��رغ حمولته��ا، وتصطف على دور جدي��د، وكم من خالف ومعرك��ة نش��بت بين النس��اء؛ من ض��يق الخل��ق، وع��ذاب الش��مس، وخ��دوش الغب��ار، ح��تى إن بعض

المعارك كانت تأخذ شكال آخر إذا ما تدخل الرجال فيها. المياه المجلوبة كانت لك��ل االس��تعماالت؛ للحمام والطبخ والغس��يل، وإسقاء الحيوانات والطيور، ورش التراب داخل المنازل وأمامه��ا؛ لمن��ع

ع بين البيوت وداخلها. التراب من التطاير والتوزة، كان على الرجال والنساء أن م ال يملك أي طاقة حراري وألن المخي يحتطب��وا أو يلملم��وا بقاي��ا األغص��ان واألش��جار من الس��هول والجب��ال، وأحيانا جمع المالبس التالفة واألحذية ال��تي ل��و اجتم��ع إس��كافيو الع��الم

www.alukah.net

Page 63: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

بكل خبراتهم، فإنهم سيدهشون إن عرف��وا أن القطع��ة ال��تي يفحص��ونهي من أصل حذاء.

كل هذه األشياء كانت تجمع؛ من أجل إيقاد الن��يران للطبخ والغس��ل، وغلي ماء االس��تحمام، ال��دخان ك��ان في ك��ل لحظ��ة ينتش��ر من أم��اكنم، فإذا ما توقفت نار به��ذا الم�نزل، ب��دأت ن��ار ب��ذاك، قة من المخي متفرزة ومف��روزة اته��ا معه��ودة وممي وهذا ما جع��ل روائح ال��دخان بك��ل نوعيد ظه��ور ملك��ات خاص��ة يخلقه��ا الواق��ع بالنس��بة للس��كان، وه��و م��ا يؤك

المعيش.م يق��ع على ح��واف البي��ارات والجب��ال والس��هول غ��ير وألن المخي المطروقة أو المأهولة، ك��انت األف��اعي والعق��ارب والض��باع وابن آوى - م بش��كل دائم، فلم يكن مس��تهجنا أن تس��مع بين ي��وم من سكان المخي

وآخر بوفاة فرد من لدغة أفعى أو عقرب، أو من مهاجمة الضباع.ه��ا ال تمل��ك أس��طحا الش��تاء حال��ة ع��ذاب من ن��وع آخ��ر؛ ف��البيوت كل تحميها من تدفق المياه إلى الغرف، أو ما نحن مض��طرون إلى تس��ميته غرفا؛ فقد ك��ان لزام��ا على ك��ل م��نزل أن يقت��ني مجموع��ة من األوانية لتوضع هنا وهناك ب��الغرف؛ ح��تى تحت��وي المي��اه ة والصفيحي البالستيكيبة من ش�قوق األس��طح، ومن ثم تفريغه��ا وإعادته�ا إلى مكانه�ا، المتسرن من نخ��ر وكان ال��برد يقتحم األجس��اد بطريق��ة ترج��ف الجس��د، وتتمكرق��ة على الش��فاه والمالمح كعالم��ة الزم��ة العظام واألعصاب، لتبدو الز لجسد فقد قدرته على المقاومة، وبس��بب الفق��ر ك��ان الن��اس يوق��دونر، ونوى الزيتون المتكون كناتج للعصر، أغصان الشجر أو الفحم إن تيس وقد كان يسمى "الجفت"، وكم من عائلة فقدت أوالدها بسبب البرد أو

التفحم.ل نوع��ا من العن��اء الممض ام من المطر كان يش��ك الخير في تلك األيام متتالية، مط��ر للناس، فقد كان الله يمن علينا بمطر متواصل لعدة أيقة م بأزقت��ه الض��ي غزي��ر ال يتوقف لم��دة أس��بوع كام��ل، يجع��ل المخي المنحدرة أنهارا صغيرة تفيض على الشارع الرئيس�ي، فتحول�ه إلى نه�را نم��ر من الزق��اق ك��انت ح��واف يحتاج خوضه إلى حذر ش��ديد، وحين كنا نلت��ف هن��ا وهن��ا بش��كل س��ريع؛ ة تغمرنا بالمياه، فكن السقوف الصفيحيقاء للمياه السائلة علينا، ولكن دون جدوى؛ فالمياه كانت تحت��وي على ات أوساخ الصيف المتجمعة والمتراكم��ة، وك��ذلك على الص��دأ ال��ذي يتحللا نغ��وص في الوح��ل ح��تى ج��وزة بفعل تواصل المط��ر، وعلى األرض كنبلتين وم�ا القدم، وكانت حركات القدمين الصعبة تناثر الوح�ل ح�تى ال�ر فوق، وكان مشهد الناس وهم يعتلون األسطح لينشروا قطع البالستيك؛

www.alukah.net

Page 64: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

حتى تحميهم من تدفق المياه إلى الداخل - منظرا مألوفا، رغم ما في��همن عذاب ومن قسوة.

لكن المطر رغم كل تأثيره الص��عب على الحي��اة، فإن��ه يق��دم خدم��ة هامة، فالمياه متوفرة بش��كل دائم، فال داعي لخ��روج األمه��ات والبن��اته��ا تمأل إلى صنبور المياه الرئيسي في الحارات، فالس��طول واألواني كلا نس��معه من األه��ل: أن الش��اي المع��د من من ماء المطر، وأهم م��ا كن ماء المطر ال يضاهيه ش��اي على األرض، وك��ذلك الطبخ المع��د من م��اءة، وحين المط��ر ه��و طبخ ال يمكن إع��داد مثل��ه من م��اء الص��نابير العاديين�ا عن الن��ار بش�كل ج��زئي، ك��ان امتلكنا بابورا يعم��ل على الك�از، وتخل

األهل يحنون إلى الشاي والطبخ المعد على الحطب. لم نكن نملك - كأطفال - أحذية تتناسب مع الصيف أو الشتاء، وج��ل ما كان بين أيدينا ص�ندل من البالس��تيك للص�يف، وح�ذاء من البالس��تيك للصيف والشتاء، فالح��ذاء إذا اض��طررنا للبس��ه في الص��يف ألي ظ��رف من الظروف، فإنه يتحول إلى فرن صغير ملتصق بالقدم، يشويه بت��ؤدةا ا نخلع��ه؛ لتم��ر النس��مات الح��ارة من ف��وق الق��دم، كن وبطء، وحين كناء خلع��ه، وفي الش��تاء ك��ان نشعر بالغنيمة التي تق��دمها لن��ا الحي��اة ج��ر يتحول إلى مجمد يجمد أقدامنا، ويصدر ضراطا متواصال مع رف��ع الق��دم وخفضها؛ ألن القدم كانت تغوص في الوح��ل، فيمس��ك الوح��ل الح��ذاء، ومع رفع القدم لالنتقال إلى الخطوة الثانية، كانت الق��دم ترتف��ع، وحين نضغط للخطوة الثانية يتفاعل الوحل مع الحذاء مع الماء، فيكون ب��ذلك صوت الضراط واحدا؛ مما كان يدفعنا للنظ��ر حولن��ا ح��تى ال يظن ظ��انل نوع��ا من الخ�زي أن الضراط خ�ارج من الم�ؤخرة، األم��ر ال�ذي يش�ك

والخجل. لم يكن األطفال بمن��أى عن ع��ذاب ال��برد والقي��ظ، فثي��ابهم ال تص��لح للصيف أو الشتاء كم��ا الكب��ار، وألن مق��اومتهم للم��رض ك��انت بس��يطةضهم لألمراض المنتشرة كان أك��ثر من الكب��ار، فق��د ومحدودة، فإن تعر كانت أمراض "الجدري والتيفوئيد، والس��ل والمالري��ا"، منتش��رة بش��كلا وكأن��ه ض��رورة من ل ح��دثا يومي واس��ع، وك��ان تس��اقط األطف��ال يش��كم، ع��ائلتي وح��دها فق��دت أخ��واتي: س��هيلة ض��رورات الحي��اة في المخي وخالدية وميسون وصفاء، وإخوتي: باسما وقاسما ومحم��دا، وعلى ه��ذا األساس من الفقد يمكن وضع قياس واضح لكم األطفال ال��ذين فق��دوام بس��بب األم��راض، ويمكن من خالل ذل��ك إض��افة ن��وع من في المخي عذاب ال يرحم كان يهاجم الناس؛ كي يكمل الحلقة التي ك��انت تض��غط على النفوس واألعصاب، وكي تجعل من الوجع رحلة ترافق ك��ل س��نين

عمرهم المتبقية.

www.alukah.net

Page 65: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

نوع من عذاب آخ��ر ال يعرف��ه الكث��ير من الن��اس، وه��و بي��وت الخالء،م ك��ان يحت��وي على بيت خالء، ب��ل فليس هن��اك م��نزل واح��د في المخيع��ة بين الح��ارات، ك��ل ح��ارة له��ا بيت خالء واح��د، كانت كلها عامة موز وكان يقع في منتصف الحارة بشكل عام، غير م��زود بم��اء أو إض��اءة أو أبواب، وكان من المناظر المعهودة أن ترى الناس حاملين أباريق الماءا أن تس��مع من جهين نح��و المرح��اض، وك��ان من الط��بيعي أيض�� ومت بالمرح��اض وه��و يتنحنح بش��كل متواص��ل؛ كي يع��رف الق��ادم أن هن��اك شخصا يقضي حاجته، ولم يكن مستغربا أن تجد أكثر من شخص يقفون بانتظار الدور وروحهم في حلوقهم؛ من شدة ضغط الحاجة عليهم، وإن كان للشتاء عذاب برده للشخص المقرفص لقضاء حاجت��ه، وه��و ع��ذابر وبشكل كامل على سرعة قضاء الحاجة، فإن��ه أق��ل ال يوصف؛ ألنه يؤث

تأثيرا من عذاب الصيف الذي ينشر الروائح إلى مسافات بعيدة. أصعب األمور كانت تواجه الناس حين كانت األم أو األخت تود قض��اء حاجتها؛ سواء في الليل أو النهار، فال بد من مصاحبة األخ أو الزوج له��ا؛ لينتظر باب المرحاض في البرد والقيظ ح��تى تنهي حاجته��ا؛ ألن دخ��ول شخص بشكل مفاجئ قد يقود إلى معركة يسقط فيها ق��تيال، وه��ذا ألن

النساء ممنوعة من التنحنح أثناء قضاء الحاجة.م بعض التط���ور، أق���ام الن���اس وبع���د أع���وام وحين راف���ق المخيا، وك��انت الفض��الت مراحيضهم داخل منازلهم دون م��اء أو كهرب��اء أيض�� تخرج إلى قنوات مفتوح��ة في الطرق��ات واألزقة، وق��د أدى ه��ذا األم��رم؛ حيث ك��ان األطف��ال يلعب��ون ي األم��راض بس��رعة في المخي إلى تفش

بمجاري القنوات دون أن يعرفوا الضرر الناتج عن ذلك.ة للم��راحيض، وه��ذا م��ا م قليال، فحف��روا حف��را امتصاص��ي تقدم المخيل ه��ذا ح��دثا خارق��ا للع��ادة ساعد على تخفيف العبء عن الناس، وش��ك في وقته؛ حيث كان حديث الناس بصورة واضحة ومبالغ فيها، كما ك��ان

حديث العالم يوم الصعود إلى القمر.ة، ومجموع���ة م ثالث مق���الب للنفاي���ات "مزاب���ل" رئيس��ي في المخية؛ األولى ك��انت موازي��ة لم��نزل "أب��و حس��ين المس��كاوي" متفرقة فرعي الذي مر ذكره، وبالتحديد خلف حارة "الشيخ علي" وهي ض��خمة؛ حيثام قب��ل عها فيه��ا لع��دة أي يتم جمع النفاي��ات من الح��ارات القريب��ة ووض��ل نوع القمامة التي تصدر عن فقر كالذي ك��ان حرقها، وللقارئ أن يتخيم قب��ل الح��رق، م فيه، ثم نوع الروائح المنتش��رة في أج��واء المخي المخيل وحجم الج��رذان ال��تي تس��توطن المك��ان لتقت��ات من��ه، ول��ه أن يتخي

الرائحة الناتجة عن الحرق في نهاية األسبوع.

www.alukah.net

Page 66: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

��ا سوق الحرامية - الذي مر ذكره - كان قب��ل تحول��ه إلى س��وق مقلبللنفايات أيضا، وكذلك المساحة المقابلة لمدارس الوكالة.

ومن الطريف تس��جيل ح��دث غ��ير ع��ادي ح��ول مق��الب النفاي��ة وم��ام يعج بالقطط إلى حد أنها كانت تشاهد في ك��ل أنتجت، فقد كان المخي مكان وفي كل وقت، ورغم العراك الهائل الذي كان ي��دور بين األه��الي وبينه��ا؛ بس��بب الس��طو على األرانب والزغالي��ل وغيره��ا، إال أنه��ا ك��انت عامال مساعدا في تصفية الفئران من البيوت والساحات، وظ��ل الن��اس يحتفظون لها بهذا الجميل بامتنان كبير، إلى أن حدث تحول أثار دهش��ة

الناس ودهشة القطط. مع الزمن تحولت الفئران إلى ج��رذان ض��خمة، وأص��بح حجمه��ا أك��بر من حجم القطط بكثير؛ فموارد تغذيتها ثابتة وخصبة، وأس��باب تس��مينهاة، وهك��ذا متوافرة، فإن حرقت المزبلة هنا، ف��إن هن��اك المزاب��ل الفرعي بقي مورد غذائها ثابتا، مما حولها إلى ص��احبة نف��وذ وق��وة، األم��ر ال��ذي قلب المشهد بشكل كامل، م��ا تعودن��ا علي��ه من ه��روب الف��ئران خوف��اا، فقطع��ان الج��رذان تح��ولت إلى ق��وة وهلعا من القطط أص��بح عكس��يا األدب��ار ي تهدد القطط ووجودها؛ حيث أصبح من المعتاد رؤية الق��ط مولرت بس��بب ذل��ك من الجرذان كجبان أعطي فرصة الهرب والفرار، وت��أث موارد رزقها، فقل عددها بش�كل الفت، وحين أص�بحت الج�رذان تقتحمعت وكال��ة البيوت وتهاجم األطفال، كان ال ب��د من إيج��اد ح��ل له��ا، ف��وز الغوث نوعا من الس�موم على األه�الي ال��ذين ب��دؤوا بنش�ره بين األزقة، ومع��ه م، وبالتدريج بدأ عدد الج��رذان يق��ل والمزابل وعلى امتداد المخيرت يقل عدد القطط، حتى إن بعض الكالب وبعض الطي��ور الداجن��ة ت��أثل نوعا من الحيرة بين إكمال التعاطي مع��ه أو ال، ولكن بالسم؛ مما شك الناس لم يملكوا الخيار فاس��تمروا، وك��ان األم��ر الالفت للنظ��ر، وال��ذيع ب��ذكاء، فق��د أدركت أنه��ا تتع��رض ش��اع بين الن��اس أن الج��رذان تتمت لهجوم شرس من أجل إفنائها؛ لذلك فقد أخذت تتعام��ل م��ع الموض��وعد ه��ذا األم��ر التن��اقص الكب��ير في ع��دد القط��ط بح��رص ش��ديد، وق��د أك وغيرها، أما الجرذان فلم يكن تناقصها بعد فترة من اس��تخدام الس��مومم بين يتشابه مع غيره، وهذا ما حدا بوكالة الغ��وث إلى تغي��ير ل��ون الس��ع م تتمت فترة وأخرى، لكن الجرذان بقيت ح��تى ي��وم خ��روجي من المخي

بصمود قوي أمام الحرب المشنة عليها.م م��ا زال مكان��ه هن��اك؛ حيث ال��زمن، وحيث األش��ياء، م��ا زال المخي

ينتظر مصيرا مجهوال كما تكون بظروف كانت قبل تكونه مجهولة.ه اليوم يقف على عتبات تح��ول أك��بر من��ه ومن حجم��ه وتاريخ��ه، لكنما تقود إلى أحداث وأشياء ال يمكن للعقل تصورها أو توقعها، لكن ما رب

www.alukah.net

Page 67: Alukah · Web viewفي نفس المحيط كان الأستاذ "أحمد زيدان"، وقد در س لي في المرحلة الإعدادية، فيه ر وح الشباب المتفج

م طول م أصبح اسمه: "مخي لم يتوقعه العقل ويتصوره قبل تكون المخيكرم".

التحول القادم سيكون أك��ثر إيالم��ا ووجع��ا وع��ذابا للمك��ان والزم��ان،م انتظ��ارا لخالص ك��انوا يتوقعون��ه فيم��ا والن��اس ال��ذين يقطن��ون المخيهم اليوم مرعوبون من قدومه؛ ألنهم أص��بحوا بحكم التجرب��ة مضى، لكن والزمن يعرفون كيف أنهم يقدمون قربانا للغول ال��ذي ك��انت أس��طورة الجدات ترويه كترويع أسطوري لطفولتنا المتوقفة عند تلك اللحظة من

الروايات.

مأمون أحمد مصطفى8 -8 - 2010

www.alukah.net