ﺔﻴﻬﻘﻓ ﻞﺋﺎﺳﺭ :ﺏﺎﺘﻜﻟﺍ ﻰﻟﻭﻷﺍ...

390
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻓﻘﻬﻴﺔ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺍﻟﺠﺰﺀ:١٢٨١ : ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻓﻘﻪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺗﺤﻘﻴﻖ : ﻟﺠﻨﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻷﻭﻟﻰ١٤١٤ ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ: ﺭﺑﻴﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﻗﻢ- ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﺑﺎﻗﺮﻱ ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﺬﻛﺮﻯ ﺍﻟﻤﺌﻮﻳﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻤﻴﻼﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺭﺩﻣﻚ: ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ: ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺓ ﻛﺘﺐ

Upload: others

Post on 29-Dec-2019

7 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • الكتاب: رسائل فقهيةالمؤلف: الشيخ األنصاري

    الجزء:الوفاة: ١٢٨١

    المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامنتحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ األعظم

    الطبعة: األولىسنة الطبع: ربيع األول ١٤١٤

    المطبعة: باقري - قمالناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميالد الشيخ األنصاري

    ردمك:مالحظات: هذا المجلد يشتمل على عدة كتب

  • رسائل فقهية

    (تعريف الكتاب ١)

  • المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانيةلميالد الشيخ األنصاري قدس سره

    رسائل فقهيةللشيخ األعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين

    الشيخ مرتضى األنصاري (قدس سره)اعداد

    لجنة تحقيق تراث الشيخ األعظم

    (تعريف الكتاب ٣)

  • الكتاب: رسائل فقهيةالمؤلف: الشيخ األعظم الشيخ مرتضى األنصاري " قدس سره "

    تحقيق: لجنة التحقيقالطبعة: األولى - ربيع األول ١٤١٤

    صف الحروف: مؤسسة الكالم - قمالليتوغراف: تيزهوش - قم

    المطبعة: باقري - قمالكمية المطبوعة: ٢٠٠٠ نسخة

    جميع الحقوق محفوظةلألمانة العامة للمؤتمر المئوي للشيخ األعظم األنصاري قدس سره

    (تعريف الكتاب ٤)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    (المقدمة ٥)

  • بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على خير خلقه محمد وآله

    الطيبين الطاهرين.لم تكن الثورة االسالمية بقيادة اإلمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا

    تتحدد آثاره التغييرية بحدود األوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بلكانت وبدليل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضاريةالتي شيد عليها صرح الحياة االنسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا

    إنسانيا شامال حمل إلى األسنان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التيبشر بها األنبياء عليهم الصالة والسالم على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات

    االنسان الحاضر أفقا باسما بالنور والحياة، والخير والعطاء.وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة التي

    شهدها مهد الثورة االسالمية إيران والتي دفعت بالمسلم اإليراني إلىاقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قمالمقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر االسالمي وقلبا نابضا بثقافة القرآن

    (المقدمة ٧)

  • وعلوم االسالم.ولقد كانت تعاليم اإلمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا

    توجيهات قائد الثورة االسالمية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئيالمصدر األول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها ولقد

    كانت الثقافة االسالمية بالذات على رأس اهتمامات اإلمام الراحل رضوان اللهعليه وقد أوالها سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان

    من نتائج ذاك التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديدة من التطور فيمناهج الدراسات االسالمية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح

    تغييرية تتجه إلى تنمية وتطوير العلوم االسالمية ومناهجها بما يتناسبمرحلة الثورة االسالمية وحاجات االنسان الحاضر وتطلعاته.

    وبما أن العلوم االسالمية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكراالسالمي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم ما

    تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات االسالمية تسليط األضواء علىحصائل آراء العباقرة والنوابغ األولين الذين تصدروا حركة البناء العلميلصرح الثقافة االسالمية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض آرائهم

    وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة أصحابالرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف الصالح

    من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات االسالمية ورواد الفكر االسالميوعباقرته.

    وبما أن اإلمام المجدد الشيخ األعظم األنصاري قدس الله نفسه يعتبر الرائداألول للتجديد العلمي في القرآن األخير في مجالي الفقه واألصول - وهمامن أهم فروع الدراسات االسالمية - فقد قرر سماحة قائد الثورة االسالمية

    (المقدمة ٨)

  • آية الله الخامنئي أن تقوم منظمة االعالم االسالمي بمشروع إحياء الذكرىالمئوية الثانية لميالد الشيخ األعظم األنصاري قدس سره وليتم من خالل هذا

    المشروع عرض مدرسة الشيخ األنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلىالخصوص إبداعات هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها

    المدرسة األم لما تلتها من مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازيواآلخوند الخراساني والمحقق النائيني والمحقق العراقي والمحقق

    األصفهاني وغيرهم منم زعماء المدارس الفكرية الحديثة على صعيد الفقهاالسالمي وأصوله.

    وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت األمانة العامة لمؤتمر الذكرى المئويةالثانية لميالد الشيخ األعظم األنصاري أن تقوم لجنة مختصة من فضالء

    الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ األنصاري وتحقيقتركته العلمية وإخراجها باألسلوب العلمي الالئق وعرضها لرواد الفكر

    االسالمي والمكتبة االسالمية بالطريقة التي تسهل للباحثين االطالع علىفكر الشيخ األنصاري ونتاجه العلمي العظيم.

    واألمانة العامة لمؤتمر الشيخ األنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى علىهذا التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة االسالمية ويحفظه

    لالسالم ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنةالتحقيق جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ األعظم األنصاري

    وأن يمن عليهم بأضعاف من األجر والثواب.منظمة االعالم االسالمي

    األمانة العامة لمؤتمر الشيخ األنصاري

    (المقدمة ٩)

  • بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على خير خلقه محمد وآله

    الطاهرين.أما بعد:

    فعلى كثرة ما كتب ويكتب في الفقه - بجميع مجاالته ونطاقاته وعلى مرالزمن - ال زالت مؤلفات الشيخ األعظم قدس سره تتصدر سائر المؤلفات، لما

    تضمنته من التحقيقات الراقية، والنكات الدقيقة، فال يخلو ما كتبه قدس سره منذلك مهما كانت الكتابة، ومتى كان زمن كتابتها.

    ومما كتبه قدس سره مجموعة رسائل فقهية في مواضيع شتى، وقد جمعناسبعا منها في الكتاب الحاضر وسميناه ب (رسائل فقهية). وهناك رسائل

    أخرى رأينا من المناسب أن نفرد لها حال آخر، كما جعلنا رسالة الميراثومنجزات المريض مع الوصايا، والمصاهرة والرضاع مع النكاح.

    ونحن إذ نقدم هذه المجموعة نشكر الله سبحانه أن وفقنا النجاز هذهالحلقة من تراث الشيخ األعظم األنصاري قدس سره الذي حملتنا األمانة

    (المقدمة ١١)

  • العامة لمؤتمر الشيخ األنصاري قدس سره مسؤولية القيام به.خصوصيات النسخ المعتمد عليها:

    والنسخ المعتمدة في تصحيح هذه الرسائل هي كاآلتي:أوال - نسخة (ع):

    وهي نسخة من المكاسب (أو المتاجر) مطبوعة بالطبعة الحجريةاستنسخت بيد ال (مولى زين العابدين الخوانساري) عام (١٣٠٤ ه ق)ويبدو أنها مصححة وهي تشتمل - إضافة على كتاب المكاسب - على

    الرسائل التالية:١ - التقية. ٢ - العدالة. ٣ - القضاء عن الميت. ٤ - المواسعة والمضايقة.

    ٥ - قاعدة من ملك. ٦ - قاعدة نفي الضرر. ٧ - الوصايا. ٨ - النكاح.٩ - الرضاع. ١٠ - المواريث. ١١ - صالة الجماعة.

    ثانيا - نسخة (ن):وهي نسخة من المكاسب أيضا مطبوعة بالطبعة الحجرية عام (١٢٨٦ ه

    ق) أي خمس سنوات بعد وفاة الشيخ قدس سره. وقد امتازت النسخة التيبأيدينا من هذه الطبعة بأنها صححت على يد أحد العلماء المبرزين قدس سره،

    وقد تفضل بمصورتها سماحة العالمة األستاذ السيد عزيز الطباطبائي فلهجزيل الشكر.

    والرسائل المطبوعة ضمن هذه النسخة - إضافة على المكاسب - هي:١ - التقية. ٢ - العدالة. ٣ - القضاء عن الميت. ٤ - المواسعة والمضايقة.

    ٥ - قاعدة نفي الضرر.ثالثا - نسخة صلى الله عليه وآله:

    وهي نسخة من المكاسب أيضا مطبوعة بالطبعة الحجرية ببلدة إصفهان

    (المقدمة ١٢)

  • عام (١٣٢٦ ه ق) وتمتاز هذه الطبعة باشتمالها على حواشي الفقهاء العظامكالكاظمين الخراساني واليزدي وغيرهما من الفقهاء قدس سرهم ويبدو أنها

    مصححة على يد بعض العلماء. وهي تشتمل - مضافا على المكاسب - علىالرسائل والكتب التالية:

    ١ - التقية. ٢ - العدالة. ٣ - الصالة عن الميت. ٤ - المواسعة والمضايقة.٥ - قاعدة من ملك. ٦ - قاعدة ال ضرر. ٧ - كتاب الوصايا. ٨ - كتاب

    النكاح. ٩ - الرضاع. ١٠ - المصاهرة. ١١ - المواريث. ١٢ - صالة الجماعة.رابعا - نسخة (ش):

    وهي نسخة من المكاسب مطبوعة بالطبعة الحجرية أيضا عام (١٣٧٥ه ق) وكانت مقترنة في بعض طبعاتها بشرح الشهيدي ولذلك عرفت بطبعة

    الشهيدي، وهي أكثر تداوال من غيرها فعال. وقد اشتملت - مضافا إلىالمكاسب - على الرسائل التالية:

    ١ - التقية. ٢ - العدالة. ٣ - القضاء عن الميت. ٤ - المواسعة والمضايقة.٥ - قاعدة من ملك. ٦ - قاعدة ال ضرر. ٧ - الرضاع. ٨ - المصاهرة.

    ٩ - اإلرث.خامسا - نسخة (ج):

    وهي نسخة من كتاب الطهارة مطبوعة بالطبعة الحجرية عام (١٢٩٨ه ق) وهي أكثر خطأ من غيرها. وتحتوي - مضافا إلى كتاب الطهارة -

    على الكتب والرسائل التالية:١ - التقية. ٢ - العدالة. ٣ - القضاء عن الميت. ٤ - المواسعة والمضايقة.

    ٥ - قاعدة من ملك. ٦ - قاعدة نفي الضرر. ٧ - كتاب الزكاة. ٨ - كتابالخمس. ٩ - كتاب الصوم.

    (المقدمة ١٣)

  • سادسا - نسخة (د):وهي مجموعة خطية موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم (٦٥٩٦)

    تحتوي على الرسائل التالية:١ - المواسعة والمضايقة. ٢ - العدالة. ٣ - منجزات المريض. ٤ - القضاء

    عن الميت. ٥ - التقية.وقد تقدمت بمصورتها المكتبة مشكورة.

    والذي تجدر اإلشارة إليه - هنا - هو: أن رسالة منجزات المريضالموجودة ضمن هذه الرسائل لم يثبت لنا صحة انتسابها للشيخ فعال، ولعلهيمكننا إثبات ذلك أو نفيه في فرصة مناسبة إن شاء الله. ولكن هناك رسالة

    أخرى في منجزات المريض بخط الشيخ قدس سره سوف تطبع مع الوصايا إنشاء الله تعالى.

    كانت هذه مجموعة النسخ التي اعتمد عليها المحققون في تصحيحالرسائل المطبوعة في هذا الكتاب.

    واآلن نشير إلى كل رسالة ومن قام بتحقيقها بحسب ترتيب طبعها فيالكتاب.

    أوال - رسالة العدالة:قام بتحقيق الرسالة صاحب الفضيلة سماحة حجة االسالم والمسلمين

    الشيخ صادق الكاشانيوالنسخ التي اعتمد عليها في التحقيق هي نسخ (ع) وصلى الله عليه وآله و (ش)

    و (ج) و (د).ثانيا - رسالة التقية:

    حققها سماحة األخ الفاضل حجة االسالم والمسلمين الشيخ محمد رضا

    (المقدمة ١٤)

  • األنصاري.وقد اعتمد في التحقيق على نسختي صلى الله عليه وآله و (ش) وراجع نسخة (د)

    ولكن لم يعتمد عليها لكثرة األخطاء فيها، وأما النسخ األخرى فلم يرضرورة لضبط اختالفاتها.ثالثا - رسالة (ال ضرر):

    قام بتحقيقها سماحة صاحب الفضيلة حجة االسالم والمسلمين السيدمنذر الحكيم.

    وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على النسخ التالية: (ن) و (ش) وصلى الله عليه وآلهو (م).

    والمقصود من نسخة (م) نسخة مخطوطة في مكتبة (ملك) في طهرانبرقم (١ - ٦٤٧٩) وقد قام المحقق بمقابلة النسخة في المكتبة المذكورة.

    رابعا - رسالة (التسامح في أدلة السنن):وحققت بيد المحقق البارع سماحة حجة االسالم والمسلمين الشيخ

    رحمة الله الرحمتي.وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على النسخ التالية:

    ١ - نسخة خطية موجودة في مكتبة اإلمام الرضا عليه السالم، بخراسانبرقم (٨٨٤٣) ورمز لها ب (ق).

    ٢ - نسخة مطبوعة (ضمن مجموعة رسائل أصولية) موجودة في مكتبةمدرسة الفيضية برقم (١٦٤). ورمز لها ب (ط).

    وامتازت هذه النسخة على المخطوطة - في رأي المحقق - بكونها أصحمنها.

    ٣ - وفي أثناء الطبع عثرنا على نسخة خطية في مكتبة مجلس الشورى

    (المقدمة ١٥)

  • االسالمي برقم (٢٨٠١) ويبدو منها أنها كانت بيد آية الله الشيخ فضل اللهالنوري قدس سره. وقد قوبلت أيضا ولكن من دون اإلشارة إليها.

    خامسا - رسالة (من ملك):حققها سماحة حجة االسالم والمسلمين الشيخ محمد رضا األنصاري

    أيضا واعتمد في تحقيقها على نسخ (ع) وصلى الله عليه وآله و (ش) و (ن).سادسا - رسالة (القضاء عن الميت):

    وحققها سماحة حجة االسالم والمسلمين الشيخ محمد الحسون، وقداعتمد في تحقيقها على نسخ: (ع) و (ش) و (د).

    سابعا - رسالة (المواسعة والمضايقة):قام بتحقيقها السيدان الجليالن الفاضالن: سماحة حجة االسالم

    والمسلمين السيد محمد الكاهاني، وسماحة حجة االسالم والمسلمين السيدعلي أصغر الموسوي القوجاني.

    وقد اعتمد في تحقيق الرسالة على نسخ (ش) و (ع) وصلى الله عليه وآله و (ن)و (د).

    هذا ونشكر جميع من ساهموا في إنجاز هذا العمل بنحو أو بآخر خاصةحجة االسالم السيد هادي العظيمي الذي قام بتنظيم الفهارس الفنية للكتاب

    فله ولهم جزيل الشكر، ووفقهم وإيانا الحياء فقه أهل البيت عليهم السالم، إنهمجيب الدعاء.

    مسؤول لجنة التحقيقمحمد علي األنصاري

    (المقدمة ١٦)

  • رسالة في العدالة

    (١)

  • صورة الصفحة األولى من رسالة العدالة من نسخة (د)

    (٣)

  • صورة الصفحة األخيرة من رسالة العدالة من نسخة (د)

    (٤)

  • بسم الله الرحمن الرحيمالعدالة لغة: (االستواء) كما يظهر من محكي المبسوط (١) والسرائر (٢) أو: العدالة

    لغة(االستقامة) كما عن جامع المقاصد (٣) ومجمع الفائدة (٤) أو هما معا كما عن

    الروض (٥) والمدارك (٦) وكشف اللثام (٧).األقوال في العدالة شرعا

    وقد اختلف األصحاب في بيان ما هو المراد من لفظها الوارد في كالمالمتشرعة، بل الشارع على أقوال:

    القول األول في العدالةأحدها: - وهو المشهور بين العالمة ومن تأخر عنه - أنها كيفية نفسانية القول األول

    باعثة على مالزمة التقوى، أو: عليها مع المروة، وإن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ--------------------

    (١) حكاه العالمة في المختلف ٧١٧ عن الشيخ في المبسوط ٨: ٢١٧ وعبارته هكذا: والعدالةفي اللغة: أن يكون االنسان متعادل األحوال متساويا.

    (٢) السرائر ٢: ١١٧.(٣) جامع المقاصد ٢: ٣٧٢.

    (٤) مجمع الفائدة (الطبعة الحجرية) كتاب الشهادات في مبحث شرائط الشاهد، ذيل قوله: الرابع.(٥) روض الجنان: ٢٨٩.

    (٦) المدارك ٤: ٦٧.(٧) كشف اللثام ٢: ٣٧٠.

    (٥)

  • (الكيفية) أو (الحالة) أو (الهيئة) أو (الملكة)، ونسب األخير في محكي النجيبيةإلى العلماء، وفي محكي كنز العرفان (٢) إلى الفقهاء، وفي مجمع الفائدة إلى الموافقوالمخالف (٣)، وفي المدارك: (الهيئة الراسخة) إلى المتأخرين (٤)، وفي كالم بعض

    نسب (الحالة النفسانية) إلى المشهور (٥).وكيف كان، فهي عنده كيفية من الكيفيات باعثة على مالزمة التقوى

    كما في اإلرشاد (٦)، أو عليها وعلى مالزمة المروة كما في كالم األكثر. بل نسبهبعض

    إلى المشهور (٧)، وآخر إلى الفقهاء، وثالث إلى الموافق والمخالف (٩).القول الثاني في العدالة

    الثاني: أنها عبارة عن مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر، وهوالظاهر من محكي السرائر حيث قال: حد العدل هو الذي ال يخل بواجب وال

    يرتكب قبيحا (١٠)وعن محكي الوسيلة (١١) حيث ذكر في موضع منه: أن العدالة في الدين

    االجتناب عن الكبائر وعن االصرار على الصغائر.ومن محكي أبي الصالح (١٢) حيث حكي عنه أنه قال: إن العدالة شرط

    --------------------(١) مخطوط، وحكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٣: ٨٠.

    (٢) كنز العرفان ٢: ٣٨٤، وحكاه الطباطبائي قدس سره في رياض المسائل ٢: ٣٩١.(٣) مجمع الفائدة (الطبعة الحجرية): كتاب القضاء، ذيل قوله: وإذا عرف الحاكم.. الخ.

    (٤) المدارك ٤: ٦٧.(٥) مجمع الفائدة ٢: ٣٥١.

    (٦) اإلرشاد ٢: ١٥٦.(٧) مجمع الفائدة ٢: ٣٥١.

    (٨) كنز العرفان ٢: ٣٨٤.(٩) مجمع الفائدة ٢: ٣٥١.

    (١٠) السرائر ١: ٢٨٠، والحاكي هو الفاضل النراقي قدس سره في المستند ٢: ٦١٨.(١١) الوسيلة: ٢٣٠، وحكاه مفتاح الكرامة ٣: ٨١.

    (١٢) الكافي في الفقه: ٤٣٥، والحاكي هو الفاضل النراقي قدس سره في المستند ٢: ٦١٨.

    (٦)

  • في قبول الشهادة، وتثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل وااليمان واجتناب القبائحأجمع.

    وعن المحدث المجلسي (١) والمحقق السبزواري (٢): أن األشهر في معناهاأن ال يكون مرتكبا للكبائر وال مصرا على الصغائر وظاهر هذا القول أنها عبارة

    عن االستقامة الفعلية في أفعاله وتروكه من دون اعتبار لكون ذلك عن ملكة.القول الثالث في العدالة

    الثالث: أنها عبارة عن االستقامة الفعلية لكن عن ملكة، فال يصدقالعدل على من لم يتفق له فعل كبيرة مع عدم الملكة، وهذا المعنى أخص من

    األولين، ألن ملكة االجتناب ال يستلزم االجتناب، وكذا ترك الكبيرة ال يستلزمالملكة.

    وهذا المعنى هو الظاهر من كالم والد الصدوق حيث ذكر في رسالته إلىولده أنه (٣): ال تصل إال خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه وورعه، واآلخر من

    تتقي سيفه وسوطه (٤).وهو ظاهر ولده (٥) وظاهر المفيد في المقنعة، حيث قال: إن العدل من كان

    معروفا بالدين والورع والكف عن محارم الله، (انتهى) (٦). فإن الورع والكف اليكونان إال عن كيفية نفسانية، لظهور الفرق بينه وبين مجرد الترك: فتأمل.

    وهو الظاهر من محكي النهاية (٧)، حيث أنه ذكر بمضمون (٨) صحيحة ابن--------------------

    (١) البحار ٨٨: ٢٥.(٢) ذخيرة المعاد: ٣٠٤.

    (٣) ليس في " ع " و " ص " و " ش " و " ج ": إنه.(٤) الفقيه ١: ٣٨٠ ذيل الحديث ١١١٧ وفيه: وسطوته.

    (٥) الهداية (الجوامع الفقهية): ٥٢.(٦) المقنعة: ٧٢٥.(٧) النهاية: ٣٢٥.

    (٨) كذا في النسخ ما عدا " د " ففيها: بمضمونه، والظاهر: مضمون.

    (٧)

  • أبي يعفور، وكذلك الوسيلة، حيث قال: العدالة تحصل بأربعة أشياء، الورعواألمانة والوثوق والتقوى (١)، ونحوه المحكي عن القاضي، حيث اعتبر فيها

    الستر والعفاف واجتناب القبائح (٢)، فإن االجتناب خصوصا مع ضم العفاف إليهال يكون بمجرد الترك. وبمعناه المحكي عن الجامع، حيث أخذ في تعريف العدل

    الكف والتجنب للكبائر (٣).قوالن آخران في معنى العدالة

    ثم إنه ربما يذكر في معنى العدالة قوالن آخران:أحدهما: االسالم وعدم ظهور الفسق، وهو المحكي عن ابن الجنيد (٤)،

    والمفيد في كتاب األشراف (٥)، والشيخ في الخالف مدعيا عليه االجماع (٦).والثاني: حسن الظاهر، نسب إلى جماعة بل أكثر القدماء.

    وال ريب أنهما ليسا قولين في العدالة، وإنما هما طريقان للعدالة، ذهب إلىكل منهما جماعة ولذا ذكر جماعة من األصحاب - كالشهيد في الذكرى (٧)

    والدروس (٨)، والمحقق الثاني في الجعفرية (٩)، وغيرهما (١٠) - هذين القولين فيعنوان

    ما به تعرف العدالة. مع أن عبارة ابن الجنيد المحكي عنه (أن كل المسلمين علىالعدالة إال أن يظهر خالفها) (١١) ال يدل إال على وجوب الحكم بعد التهم. وأوضح

    --------------------(١) الوسيلة: ٢٠٨.

    (٢) المهذب ٢: ٥٥٦ وحكاه مفتاح الكرامة ٣: ٨١.(٣) الجامع للشرائع: ٥٣٨.

    (٤) المختلف: ٧١٧.(٥) لم نقف على الكتاب.

    (٦) الخالف: كتاب آداب القضاء، المسألة ١٠.(٧) الذكرى: ٢٦٧.(٨) الدروس: ٥٤.

    (٩) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) ١: ١٢٦.(١٠) كصاحب الجواهر قدس سره حيث اعتبرهما طريقين إليها، انظر الجواهر ١٣: ٢٨١ و ٢٩٩.

    (١١) ذخيرة المعاد: ٣٠٥ حيث نقل عن ابن الجنيد قوله: كل المسلمين على العدالة إلى أن يظهرخالفها.

    (٨)

  • منه كالم الشيخ في الخالف، حيث أنه لم يذكر إال عدم وجوب البحث عن عدالةالشهود إذا عرف إسالمهم (١)، ثم احتج بإجماع الفرقة وأخبارهم، وأن األصل في

    المسلم العدالة، والفسق طار عليه، يحتاج إلى دليل (٢).نعم: عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى، فإنه قال: إن العدالة

    في اللغة: أن يكون االنسان متعادل األحوال متساويا، وأما في الشريعة: فهو منكان عدال في دينه عدال في مروته، عدال في أحكامه، فالعدل في الدين: أن يكونمسلما ال يعرف منه شئ من أسباب الفسق، وفي المروة: أن يكون مجتنبا لألمور

    التي تسقط المروة،.. إلى آخر ما ذكر. (انتهى موضع الحاجة) (٣).لكن الظاهر أنه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة، الأنه نفسها، ولذا فسر العدالة في المروة بنفس االجتناب، ال بعدم العلم

    باالرتكاب.هذا كله، مع أنه ال يعقل كون عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر نفس

    العدالة، ألن ذلك يقتضي كون العدالة ن األمور التي يكون وجودها الواقعيعين وجودها الذهني، وهذا ال يجامع كون ضده - أعني الفسق - أمرا واقعيا ال

    دخل للذهن فيه. وحينئذ فمن كان في علم الله تعالى مرتكبا للكبائر مع عدمظهور ذلك ألحد، يلزم أن يكون عادال في الواقع وفاسقا في الواقع [وكذا لو

    فرض أنه ال ذهن وال ذاهن (٤) يلزم أن ال يتحقق العدالة في الواقع] (٥) ألن المفروضأن وجودها الواقعي عين وجودها الذهني. وأما بطالن الالزم (٦) فغني

    --------------------(١) كذا في هامش " ص "، وفي " ع ": اسالمهما، وفي " ش " و " ج " و " د ": اسالمها.

    (٢) الخالف: كتاب آداب القضاء، المسألة ١٠.(٣) المبسوط ٨: ٢١٧.

    (٤) كذا في " د ".(٥) ما بين المعقوفتين من " د "

    (٦) في " د ": الالزمين ولكن في سائر النسخ: الالزم.

    (٩)

  • عن البيان. وكذا لو اطلع على أن شخصا كان في الزمان السابق مع اتصافهبحسن الظاهر لكل أحد مصرا على الكبائر يقال: كان فاسقا ولم يطلع، وال يقال:

    كان عادال فصار فاسقا عند اطالعنا.فتبين - من جميع ما ذكرنا - أن هذين القولين ال يعقل أن يراد بهما بيان

    العدالة الواقعية، وال دليل للقائل بهما يفي بذلك، وال داللة في عبارتهما المحكيةعنها، وال فهم ذلك من كالمهما من يعتنى به مثل الشهيد والمحقق الثاني وابن

    فهد وغيرهم.رجوع القول األول إلى الثالث

    ثم الظاهر رجوع القول األولى إلى الثالث، أعني اعتبار االجتناب معالملكة، التفاقهم وصراحة مستندهم كالنصوص والفتاوى على أنه تزول بارتكاب

    الكبيرة العدالة بنفسها ويحدث الفسق الذي هو ضدها، وحينئذ فإما أن يبقىالملكة أم ال، فإن بقيت ثبت اعتبار االجتناب الفعلي في العدالة، فإن ارتفعت

    ثبت مالزمة الملكة لالجتناب الفعلي.فمراد األولين من (الملكة الباعثة على االجتناب) الباعثة فعال، ال ما

    من شأنها أن تبعث ولو تخلف عنها البعث لغلبه الهوى وتسويل الشيطان،ويوضحه توصيف (الملكة) في كالم بعضهم بل في مقعد االتفاق ب (المانعة عن

    ارتكاب الكبيرة) فإن المتبادر: المنع الفعلي بغير اشكال.تعريف الشهيد (ره) للعدالة

    وأوضح منه تعريفها - الشهيد في باب الزكاة من نكت اإلرشاد -: بأنهاهيئة راسخة تبعث على مالزمة التقوى بحيث ال يقع منها الكبيرة وال االصرار

    على الصغيرة (١) بناء على أن الحيثية بيان لقوله: (تبعث) ال قيد توضيحيللمالزمة.

    نعم: يبقى الكالم في أن العدالة هل هي الملكة الموجبة لالجتناب أو--------------------

    (١) نكتب اإلرشاد، كتاب الزكاة ذيل قوله: ويشترط في المستحقين.. الخ.

    (١٠)

  • االجتناب عن ملكة، أو كالهما حتى يكون عبارة عن االستقامة الظاهرة فياألفعال، والباطنة في األحوال؟ وهذا ال يترتب عليه كثير فائدة، إنما المهم بيان

    مستند هذا القول، وعدم كون العدالة هي مجرد االستقامة الظاهرية ولو من دونملكة - كما هو ظاهر من عرفت - (١) حتى يكون من علم منه هذه الصفة عادال

    وإن لم يكن فيه ملكتها.ويدل عليه - مضافا إلى األصل (٢) واالتفاق المنقول المعتضد بالشهرة

    المحققة، بل عدم الخالف، بناء على أنه ال يبعد إرجاع كالم الحلي (٣) إلى المشهوركما ال يخفى، وإلى ما دل على اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة وورعه، مع أن

    الوثوق ال يحصل بمجرد تركه المعاصي في جميع ما مضى من عمره، ما لم يعلم أويظن فيه ملكة الترك، واعتبار المأمونية والعفة والصيانة والصالح وغيرها مما اعتبر

    في األخبار من الصفات النفسانية في الشاهد، مع االجماع على عدم اعتبارهازيادة على العدالة فيه وفي اإلمام - صحيحة ابن أبي يعفور، حيث سأل أبا

    عبد الله عليه السالم وقال: (بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادتهلهم وعليهم؟ فقال: أن يعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد

    واللسان، وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار.. إلى آخرالحديث) (٤).

    --------------------(١) راجع الصفحة ٧.

    (٢) في النسخ هنا زيادة: فتأمل، إال أنها مشطوب عليها في " ص ".(٣) هو ابن إدريس قدس سره وقد مر كالمه في صفحة ٦ فراجع.

    (٤) الوسائل ١٨: ٢٨٨ الباب ٤١ من أبواب الشهادات، الحديث األول وتمامه: ". من شرب الخمروالزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والداللة على ذلك كله أن يكون

    ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيشما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات

    الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن ال يتخلف عنجماعتهم في مصالهم إال من علة، فإذا كما كذلك الزما لمصاله عند حضور الصلوات الخمس،فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إال خيرا مواظبا علي الصلوات متعاهدا ألوقاتها

    في مصاله فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أن الصالة ستر وكفارة للذنوب،وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان ال يحضر مصاله ويتعاهد جماعة المسلمين،

    وإنما جعل الجماعة واالجتماع إلى الصالة لكي يعرف من يصلي ممن ال يصلي، ومن يحفظ مواقيتالصالة ممن يضيع ولوال ذلك لم يكن أحد أن يشهد على آخر بصالح، ألن من ال يصلي ال صالح

    له بين المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهمالحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادةأو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله فيه الحرق

    في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: ال صالة لمن ال يصلي في المسجد مع المسلمين إال من علة.

  • (١١)

  • ما يستفاد من صحيحة ابن أبي يعفورفإن الستر والعفاف والكف قد وقع مجموعها المشتمل على الصفة

    النفسانية معرفا للعدالة، فال يجوز أن يكون أخص منها، بل ال بد من مساواته،وقد يكون أعم إذا كان من المعرفات الجعلية، كما جعل عليه السالم في هذه

    الصحيحةالدليل على هذه األمور كون الشخص ساترا لعيوبه.

    ودعوى أن ظاهر السؤال وقوعه عن األمارة المعرفة للعدالة بعد معرفةمفهومها تفصيال، والصفات المذكورة ليست أمارة بل - هي على هذا القول -عينها، فيدور األمر بين حمل السؤال على وقوعه عن المعرف المنطقي لمفهومها

    بعد العلم إجماال - وهو خالف ظاهر السؤال -، وبين خالف ظاهر آخر، وهو حملالصفات المذكورة على مجرد ملكاتها، فتكون ملكاتها معرفة وطريقا للعدالة،

    وحينئذ فال تصح أن يراد بها إال نفس اجتناب الكبائر المسبب عن ملكة العفافوالكف، وهو القول الثاني مدفوعة،

    أوال: ببعد إرادة مجرد الملكة من الصفات المذكورة، بخالف إرادةالمعرف المنطقي الشارح لمفهوم العدالة، فإنه غير بعيد، خصوصا بمالحظة أنطريقية ملكة ترك المعاصي لتركها ليست أمرا مجهوال عند العقالء محتاجا إلىالسؤال، وخصوصا بمالحظة قوله فيما بعد: (والدليل على ذلك كله أن يكون

    (١٢)

  • ساترا لعيوبه.. الخ) فإنه على ما ذكر يكون أمارة على أمارة، فيكون ذكراألمارة األولى - أعني الملكة - خالية عن الفائدة مستغنى عنها بذكر أمارتها، إذال حاجة غالبا إلى ذكر أمارة تذكر لها أمارة أخرى، بخالف ما لو جعل الصفاتالمذكورة عين العدالة، فإن المناسب بل الالزم أن يذكر لها طريق أظهر وأوضح

    للناظر في أحوال الناس.االحتماالت الثالث في قوله عليه السالم (تعرف)

    ويؤيد ما ذكرنا أنه ال معنى محصل حينئذ لقوله عليه السالم - بعد الصفاتالمذكورة -: (وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار) ألن الضمير

    في (تعرف) إما راجع إلى العدالة بأن يكون معرفا مستقال، وإما راجع إلىالشخص بأن يكون من تتمة المعرف األول، وإما أن يكون راجعا إلى الستر وما

    عطف عليه، ليكون معرفا للمعرف، وقوله عليه السالم: (والدليل على ذلك..الخ) (١) معرفا ثالثا، وهو أبعد االحتماالت.

    وعلى أي تقدير فال يجوز أن يكون أمارة على العدالة، ألنه على هذاالقول نفس العدالة.

    والحاصل: أن األمور الثالثة المذكورة من قبيل المعرف المنطقي للعدالة،ال المعرف الشرعي في اصطالح األصوليين.

    بيان المراد من الستر الوارد في الصحيحةثم إن المراد بالستر هنا غير المراد به في قوله عليه السالم فيما بعد: (والداللةعلى ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه)، وإال لم يعقل أن يكون أحدهما طريقا

    لآلخر، بل المراد بالستر هنا ما يرادف الحياء والعفاف، قال في الصحاح: رجلستير، أي عفيف، وجارية ستيرة (٢) فكأن المراد بالستر هنا -: االستحياء منالله، وبالستر - فيما بعد -: االستحياء من الناس. ولذا ذكر القاضي: أن العدالة

    --------------------(١) في المصدر: الداللة.

    (٢) الصحاح ٢: ٦٧٧ مادة (ستر).

    (١٣)

  • تثبت بالستر والعفاف واجتناب القبائح أجمع (١).أظهر االحتماالت في كلمة (تعرف)

    بقي الكالم في بيان األظهر من االحتماالت الثالث المتقدمة في قولهعليه السالم: (وتعرف باجتناب الكبائر.. الخ) وأن االجتناب هل هي تتمة للمعرف

    أو معرف له، أو للمعرف - بالفتح -؟ لكن الثاني في غاية البعد سواء حملالمعرف على المنطقي أو على الشرعي.

    [أما على األول] (٢) فلعدم كون األمور المذكورة أمورا عرفية متساوية فيالبيان لمفهوم االجتناب، فال يحسن جعله طريقا إليها، أو شارحا لمفاهيمها.

    والثالث أيضا بعيد، بناء على المعرف المنطقي والشرعي، ألنه إن أريدب (اجتناب الكبائر) االجتناب عن ملكة، فليس أمرا مغايرا للمعرف األول،

    فذكره كالتكرار، وإن أريد نفس االجتناب، ولوال عن ملكة، فال معنى لجعلهمعرفا منطقيا بعد شرح مفهوم العدالة أوال بما يتضمن اعتبار الملكة في

    االجتناب.والحاصل: إن جعله معرفا منطقيا فاسد، ألنه إما أن يراد من المعرفين

    كليهما معنى واحد وإما أن يراد من كل منهما معنى، وعلى األول يلزم التكرار،وعلى الثاني يلزم تغاير الشارحين لمفهوم واحد.

    وكذا ال يجوز جعله معرفا شرعيا، ألن حاصله يرجع إلى جعل نفساالجتناب طريقا إلى كونه على ملكة، وهذا بعيد لوجهين:

    أحدهما: أن معرفة االجتناب عن جميع الكبائر ليس بأسهل من معرفةالملكة، بل معرفة الملكة أسهل من معرفة االجتناب، فال يناسب جعله معرفا لها.

    --------------------(١) المهذب ٢: ٥٥٦.

    (٢) ما بين المعقوفتين ليس في " ش ".

    (١٤)

  • الثاني: أنه جعل الدليل على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتىيحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، فستر العيوب عن الناس قد

    جعل طريقا ظاهريا، ومن المعلوم أن جعل االجتناب الواقعي طريقا مستدركبعد جعل عدم العلم باالرتكاب طريقا، بل الالزم جعله طريقا من أول األمر،ألن جعل األخص طريقا بعد جعل األعم مستدرك، وهذا كما يقال: إن أمارة

    العدالة عند الجهل بها االيمان الواقعي، وعالمة االيمان الواقعي عند الجهل به:االسالم، فإن جعل االيمان الواقعي (١) طريقا، مستغنى عنه، بل الزم قوله

    عليه السالم: (حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك) أنه ال يجوز التوصلباألمارة األولى وهو االجتناب الواقعي، ألنه يتوقف على الفحص عن أحواله.

    فثبت من جميع ذلك أن أظهر االحتماالت المتقدمة هو كونه تتمةللمعرف، بأن يجعل المراد بكف البطن والفرج واليد واللسان، كفها عن المعاصي

    المتبادر من معصية البطن: أكل الحرام، ومن معصية الفرج: الزنا، ومن معصيةاليد: ظلم الناس، ومن اللسان: الغيبة والكذب، فيكون ذكره بعد ذكر الكف من

    قبيل التعميم بعد التخصيص، وعقيب الستر والعفاف من قبيل ذكر األفعال بعدالصفات النفسانية الموجبة لها.

    ويحتمل أيضا أن يراد بالستر: االستحياء المطلق، وبالعفاف: التعفف عنمطلق المعاصي، وبالكف (الكف) (٢) عن مطلق الذنوب، ويكون ذكر الجوارح

    األربع لكونها أغلب ما تعصي من بين الجوارح] (٣).--------------------

    (١) ليس في " ع " و " ص " و " ش " و " ج ": الواقعي.(٢) الزيادة اقتضاها السياق.

    (٣) ما بين المعقوفتين من " د ".

    (١٥)

  • وحينئذ فيكون قوله: (وتعرف باجتناب الكبائر) من قبيل التخصيصبعد التعميم والتقييد بعد االطالق، تنبيها على أن ترك مطلق المعاصي غير معتبر

    في العدالة.

    (١٦)

  • [اعتبار المروة في مفهوم العدالة]ثم المشهور بين من تأخر عن العالمة: اعتبار المروة في مفهوم العدالة،

    حيث عرفوها بأنها هيئة راسخة تبعث على مالزمة التقوى والمروة، وهو الذييلوح من عبارة المبسوط، حيث ذكر أن العدالة في اللغة: أن يكون االنسان

    متعادل األحوال متساويا، وفي الشريعة: من كان عدال في دينه، عدال في مروته،عدال في أحكامه (١) (انتهى)، بناء على أن المراد بالعدالة في الدين والمروة

    واألحكام: االستقامة فيها.من يعتبر المروة في العدالة

    وأما كالم غير الشيخ ممن تقدم على العالمة، فال داللة فيه، بل وال إشعارعلى ذلك.

    نعم: ذكره ابن الجنيد في شرائط قبول الشهادة (٢)، وكذا ابن حمزة فيموضع من الوسيلة (٣)، بل كالمه األخير المتقدم في صدر المسألة (٤)، - ككالمي

    --------------------(١) المبسوط ٨: ٢١٧.

    (٢) المختلف ٧١٧.(٣) الوسيلة: ٢٣٠.(٤) في الصفحة ٨.

    (١٧)

  • المفيد والحلي المتقدم ذكرهما (١) - دال على عدم اعتبارها.وأما الصدوقان فهما وإن لم يفسرا العدالة، إال أن كالمهما المتقدم (٢) من

    أنه (ال يصلى إال خلف رجلين [أحدهما من تثق بدينه وورعه وأمانته، واآلخرمن تتقي سيفه وسوطه] (٣)) ظاهر في عدم اعتبار المروة في العدالة، بناء على أن

    اعتبار العدالة في اإلمام متفق عليه.نعم، قد أخذ القاضي (الستر) و (العفاف) في العدالة (٤) بناء على ما

    سيأتي (٥) من أنه ال يبعد استظهار اعتبار المروة من هذين اللفظين. وذكر في الجامعأن العدل الذي يقبل شهادته، هو البالغ العاقل المسلم العفيف الفعلي

    المجتنب عن القبائح الساتر لنفسه (٦) فإن جعلنا الموصول (٧) صفة تقييدية كانتالعفة - التي عرفت إمكان استظهار المروة منها - مأخوذة في عدالة الشاهد دون

    عدالة اإلمام ومستحق الزكاة، وإال كانت مأخوذة في مطلق العدالة.وممن ال يعتبر المروة في العدالة المحقق في الشرائع (٩)، وتبعهالعالمة في اإلرشاد (١٠) وولده في موضع من اإليضاح (١١).

    --------------------(١) في الصفحة ٦ و ٧.

    (٢) في الصفحة ٧.(٣) ما بين المعقوفتين من المخطوطة.

    (٤) المهذب ٢: ٥٥٦.(٥) في الصفحة ٢٢.

    (٦) الجامع للشرائع: ٥٣٨ وفيه: العدل الذي يقبل شهادته هو: البالغ، العاقل، المسلم، العفيف،المصلي الفرض، الساتر نفسه.. الخ.

    (٧) كذا في " ش "، وفي سائر النسخ: الفصول.(٨) الشرائع ٤: ١٢٧.

    (٩) المختصر النافع: ٢٨٧.(١٠) اإلرشاد ٢: ١٥٦.

    (١١) إيضاح الفوائد ١: ١٤٩. حيث قال: " والشتراط العدالة وهي غير متحققة في الصبي ألنها كيفيةقائمة بالنفس تبعث على مالزمة الطاعات واالنتهاء عن المحرمات ".

    (١٨)

  • وعرف الشهيد - في نكت اإلرشاد - العدالة في كالم من اعتبرها فيمستحق الزكاة بأنها (هيئة تبعث على مالزمة التقوى) (١) وظاهره أن العدالة تطلق

    في االصطالح على ما ال يؤخذ فيه المروة.دعوى الشهرة على عدم اعتبار المروة

    والحاصل: أنه لو ادعى المتتبع أن المشهور بين من تقدم على العالمة عدماعتبار المروة في العدالة - خصوصا المعتبرة في غير الشاهد - لم يستبعد ذلك منه.

    لما عرفت من كلمات من عدا الشيخ، وأما الشيخ فالعدالة المذكورة في كالمهال ينطبق على ما ذكره المتأخرون، ألنه أخذ في االسالم والبلوغ والعقل، وهذا

    ليس معتبرا عند المتأخرين، وإن كان العادل عندهم من أفراد البالغ العاقلالمسلم، لكن االسالم والكمال ليسا جزءا للعدالة عندهم، ولذا يذكرون البلوغ

    والعقل واالسالم على حدة. فالظاهر أنه أراد بالعدالة صفة جامعة للشرائطالعامة لقبول الشهادة، وكيف كان: فالمتبع هو الدليل.

    وينبغي الجزم بعدم اعتبارها (٢) في العدالة المعتبرة في اإلمام، وأن المعتبرفيه العدالة و (٣) االستقامة في الدين، ألن الدليل على اعتبار العدالة في اإلمام،

    إما االجماعات المنقولة وإما الروايات:عدم داللة االجماعات - على العدالة - على اعتبار المروة

    أما االجماعات المنقولة (٤) فال ريب في أنها ظاهرة في العدالة في الدينالمقابلة للفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله، مع أن الخالف في أخذ المروة في

    العدالة يوجب حمل العدالة في كالم مدعي االجماع على العدالة في الدين،--------------------

    (١) الظاهر أن هذا سهو من قلمه الشريف فإن الشهيد قدس سره اعتبر المروة في تعريف العدالةحيث قال: " العدالة وهي هيئة راسخة في النفس تبعث على مالزمة التقوى والمروة " راجع: نكت

    اإلرشاد، كتاب الزكاة ذيل قوله: ويشترط في المستحقين.(٢) أي: المروة.

    (٣) في (ش): أو.(٤) ليس في " د " و " ج ": المنقولة.

    (١٩)

  • ويؤيده أنه لو كان المراد العدالة المطلقة التي تقدم تفسيرها من المبسوط (١) لميحتج إلى اعتبار البلوغ والعقل في اإلمام مستقال.

    ودعوى: أن دعوى االجماع إنما وقعت من المتأخرين الذين أخذوا المروةفي العدالة، وكالم مدعي االجماع يحمل على ما اللفظ ظاهر فيه عنده.مدفوعة - بعد تسليم ما ذكر كلية - بأن االجماع إذا فرض دعواه على

    العدالة المأخوذة فيها المروة فهي موهونة بمصير جل القدماء - كما عرفت - علىخالفه.

    عدم داللة الروايات على اعتبار المروةوإن كان المستند الروايات فنقول: إنها بين ما دل على اعتبار العدالة،

    والظاهر منها هي االستقامة في الدين، ألنها االستقامة المطلقة في نظر الشارع،فإن التحقيق أن العدالة في كالم الشارع وأهل الشرع يراد بها: االستقامة، لكناالستقامة المطلقة في نظر الشارع هو االستقامة على جادة الشرع وعدم الميلعنها، وإن قلنا بأنها منقولة من األعم إلى األخص، لكن نقول: إن المتبادر منها

    االستقامة من جهة الدين، ال من جهة العادات الملحوظة عند الناس حسنا أوقبيحا.

    التمسك بصحيحة ابن أبي يعفور العتبار المروةوغاية ما يمكن أن يستدل العتبارها في الدالة المستعملة في كالم

    الشارع: صحيحة ابن أبي يعفور، ومحل الداللة يمكن أن يكون فقرات منها:األولى: قوله: (بأن يعرفوه بالستر) على أن يكون المراد منه ستر العيوب

    الشرعية والعرفية.الثانية: قوله عليه السالم: (وكف البطن والفرج واليد واللسان) بناء على أن

    منافيات المروة غالبا من شهوات الجوارح.الثالثة: قوله عليه السالم: (والدال على ذلك كله أن يكون ساترا

    --------------------(١) في الصفحة ١٧.

    (٢٠)

  • لعيوبه... الخ).وقد تمسك بكل واحد من هذه الفقرات بعض ممن (١) عاصرناهم.

    الجواب عن صحيحة ابن أبي يعفوروفي الكل نظر، أما الفقرة األولى: فلما عرفت سابقا من المراد بالستر

    ليس هو الستر الفعلي، وإنما يراد به صفة مرادفة للعفاف - كما سمعت منالصحاح (٢) -، كيف وقد جعل ستر العيوب بعد ذلك دليال على العدالة، فليزماتحاد الدليل والمدلول. مضافا إلى أن المتبادر من الستر: تعلقه بالعيوب الشرعية

    دون العرفية، فال يفيد حذف المعلق العموم.وبهذا يجاب عن الفقرة الثانية، فإن الظاهر من كف الجوارح األربع:

    كفها عن معاصيها، ال مطلق ما تشتهيها.وأما الفقرة الثالثة، ففيها أوال: أن المتبادر من (العيوب) هي ما تقدم في الفقرة

    السابقة مما أخذ تركها في مفهوم العدالة، ال مطلق النقائص في الكبائروالصغائر والمكروهات المنافية للمروة، وإال لزم تخصيص األكثر، إذ الكبائر

    ومنافيات المروة في جنب غيرهما - الذي ال يعتبر في العدالة تركها وال في طريقهاسترها - كالقطرة في جنب البحر. فال بعد من حمله على المعهود المتقدم في الفقرات

    السابقة، فكأن اإلمام عليه السالم لما عرف العدالة بملكة الكف والتعفف عنالكبائر جعل سترها عند المعاشرة والمخالطة طريقا إليها.

    وثانيا أن غاية ما يدل عليه هذه الفقرة كون ستر منافيات المروة منتتمة طريق العدالة، ال مأخوذة في نفسها. فيكون فيه داللة على أن عدم ستر

    منافيات المروة وظهورها عند المعاشرة والمخالطة ال يوجب الحكم ظاهرا بعدالةالرجل التي تقدم معناها في الفقرات السابقة. وال يلزم من هذا أنا لو اطلعنا على

    --------------------(١) كذا في " د " وفي سائر النسخ: من وراجع المستند ٢: ٦٢١.

    (٢) في الصفحة ١٣.

    (٢١)

  • ذلك المعنى بحيث ال يحتاج إلى الطريق الشرعي وعلمنا منه صدور منافياتالمروة لم نحكم بعدالته، ألن الوصول إلى ذي الطريق يغني عن الطريق.

    ففي الرواية داللة على التفصيل الذي ذكره بعض متأخري المتأخرين،من أنه لو كشف فعل منافي المروة عن قلة المباالة في الدين، بحيث ال يوثق معه

    بالتحرز عن الكبائر واالصرار على الصغائر كان معتبرا وإال فال.وهذا التفصيل غير بعيد، لكنه في الحقيقة ليس تفصيال في مسألة اعتبار

    المروة في نفس العدالة - بل قول بنفيه مطلقا -، إال أنه يوجب الوهن في حسنالظاهر الذي هو طريق إليها.

    توجيه داللة الرواية على اعتبار المروةثم إن الذي يخطر بالبال أنه إن كان وال بد من فهم اعتبار المروة من

    الصحيحة - بناء على أن المذكور فيه حد لها، ال بد من أن يكون مطردا، فتركالتعرض العتبار ما يعتبر مخل بطردها - فاألنسب أن يقال: إن ذلك إنما يستفاد

    من لفظي (الستر) و (العفاف) الراجعين إلى معنى واحد، كما عرفت من قولالصحاح: (رجل.. الخ) (١) فيكون المراد بالستر ما عد - في الحديث المشهور

    المذكور في أصول الكافي في باب جنود العقل والجهل - مقابال للتبرج (٢) المفسرفي كالم بعض محققي شراح أصول الكافي بالتظاهر بما يقبح ويستهجن في

    الشرع أو العرف (٣).وال ريب أن منافيات المروة مما يستهجن في العرف، فهي منافية للستر

    والعفاف بذلك المعنى.وقد ذكر بعضهم في عدالة القوة الشهوية - المسماة بالعفة - أن ما يحصل

    --------------------(١) ما تقدم في الصفحة ١٣.

    (٢) الكافي ١: ٢٢ كتاب العقل والجهل، الحديث األول.(٣) شرح أصول الكافي لصدر المتألهين رحمه الله: ٩٧. ذيل الحديث الرابع عشر.

    (٢٢)

  • من عد تعديلها: عدم المروة وظاهره أن المروة الزمة للعفاف.حكم تكرار منافيات المروة

    ثم إن المروة - على القول باعتبارها في الدالة - مثل التقوى المراد بهاعندهم: اجتناب الكبائر واالصرار على الصغائر، ففعل منافيها يوجب زوالالعدالة بمجرده من غير حاجة إلى تكراره (١) كارتكاب الكبيرة ألنه الزم

    تفسيرهم للعدالة بالملكة المانعة عن (٢) مجانبة (٣) الكبائر ومنافيات المروة والباعثةعلى مالزمة التقوى والمروة، وقد عرفت أن المراد بالبعث أو المنع: الفعلي، ال

    الشأني.نعم: ربما يكون بعض األفعال ال ينافي المروة بمجرده، ولذا قيدوا

    منافيات (٤) األكل في األسواق بصورة غلبة وقوع ذلك منه، وأنه ال يقدح وقوعهنادرا، أو لضرورة، أو من السوقي. فمعناه - بقرينة عطف الضرورة والسوقي -

    أنه ال ينافي المروة، ال أنه مع منافاته المروة ال يوجب زوال العدالة بمجرده.مخالفة المروة ال توجب الفسق

    نعم: فرق بين التقوى والمروة، وهو أن مخالفة التقوى يوجب الفسق،بخالف مخالفة المروة، فإنها توجب زوال العدالة دون الفسق. ففاقد المروة إذا

    كانت فيه ملكة اجتناب الكبائر، واسطة بين العادل والفاسق.ومن جميع ما ذكرنا يظهر ما في كالم بعض سادة مشايخنا (٥)، حيث إنه

    بعد ما أثبت اعتبار المروة بالفقرة الثالثة المتقدمة من الصحيحة، قال: بقي الكالمفي أن منافيات المروة هل توجب الفسق بمجردها كالكبائر؟ أو بشرط االصرار

    أو االكثار كالصغائر. أو تفصيل بين مثل تقبيل الزوجة في المحاضر وبين مثل--------------------

    (١) كدا في " ش " ولكن في " د " والنسخ األخرى: تكرره.(٢) كذا في " ص " و " ع " و " ش "، وفي غيرهما: من.

    (٣) كذا في النسخ.(٤) كذا في جميع النسخ سوى نسخة " ص " فإن فيها " منافياتها مثل األكل " والظاهر أنه الصحيح.

    (٥) لم نقف عليه.

    (٢٣)

  • األكل في األسواق؟ وهذا هو المختار. ثم استشهد بكالم جماعة ممن قيد األكلفي السوق بالغلبة أو الدوام.

    ويمكن تأويل أول كالمه بأن المراد من الفسق: مجرد عدم العدالة، دونالفسق المتكرر في كالم الشارع والمتشرعة، لكنه بعيد.

    وأبعد منه: توجيه كالمه فيما ذكره من الوجوه الثالثة في زوال العدالةبمنافيات المروة، بأن المراد ما ينافيها بحسب األعم من المرة (١) واالكثار، ومعناه

    أن ما ينافي المروة بجنسه هل يزيل العدالة بمجرده أو بشرط االكثار؟ وهو كماترى!.

    التعريف المختار للعدالةثم إنه قد تلخص مما ذكرنا من أول المسألة إلى هنا أن األقوى - الذي

    عليه معظم القدماء والمتأخرين -: هو كون العدالة عبارة عن صفة نفسانيةتوجب التقوى والمروة أو التقوى فقط - على ما قويناه -.

    وعرفت (٢) أيضا أن القول بأنها عبارة عن (االسالم وعدم ظهور الفسق)غير ظاهر من كالم أحد من علمائنا وإن كان ربما نسب إلى بعضهم (٣)، كما عرفت،

    وعرفت ما فيه (٤).ليست العدالة بمعنى (عدم ظهور الفسق) أو (حسن الظاهر) قوال ألحدوكذلك القول بأنها عبارة عن (حسن الظاهر) غير مصرح به في كالم

    أحد من علمائنا، وإن نسبه بعض متأخري المتأخرين إلى كثير، بل إلى الكل (٥).وكيف كان: فالمتبع هو الدليل وإن لم يذهب إليه إال قليل، وقد عرفت

    األدلة.--------------------

    (١) في " د " وسائر النسخ المطبوعة سوى " ش " و " ج ": المروة وهو تصحيف.(٢) في الصفحة ٨.

    (٣) هو ابن الجنيد راجع الصفحة ٨.(٤) راجع الصفحة ٨.

    (٥) لم نقف عليه.

    (٢٤)

  • [ما أورد على القول بالملكة]بقي الكالم فيما أورد على القول بالملكة وهي وجوه:

    ما أورد على القول بالملكة أوالمنها: ما ذكره المولى األعظم وحيد عصره في شرح المفاتيح - على ما

    حكاه عنه بعض األجلة (١) - من أن حصول الملكة بالنسبة إلى كل المعاصيبمعنى صعوبة الصدور ال استحالته، فربما يكون نادرا بالنسبة إلى نادر من الناس

    - إن فرض تحققه - ويعلم أن العدالة مما تعم به البلوى وتكثر إليه الحاجات فيالعبادات والمعامالت وااليقاعات، فلو كان األمر كما يقولون لزم الحرج واختل

    النظام، مع أن القطع حاصل بأنه في زمان الرسول صلى الله عليه وآلهواألئمة عليهم السالم ما كان األمر على هذا النهج، بل من تتبع األخبار الكثيرةيحصل القطع بأن األمر لم يكن كما ذكروه في الشاهد، وال في إمام الجماعة.

    ويؤيده ما ورد (٢) في أن إما الصالة إذا أحدث، أو حدث له مانع آخر.أخذ بيد آخر وأقامه مقامه (إنتهى).

    --------------------(١) لم نقف عليه.

    (٢) انظر المسائل ٥: ٤٧٤ الباب ٧٢ من أبواب صالة الجماعة، الحديث ٢.

    (٢٥)

  • كالم السيد الصدر في القول بالملكةوقال السيد الصدر في شرح الوافية - بعد ما حكى عن المتأخرين أن

    العدالة (هي الملكة الباعثة على التقوى والمروة) - ما لفظه: أما كون هذه الملكةعدالة فال ريب فيه، ألن الوسط بين البالدة والجربزة تسمى: حكمة، وبين إفراطالشهوة وتفريطها هي: العفة، وبين الظلم واالنظالم هي: الشجاعة، فإذا اعتدلت

    هذه القوى حصلت كيفية وحدانية شبيهة بالمزاج، كأنه تحصل من الفعلواالنفعال بين طرفي هذه القوى، وانكسار سورة كل واحدة منها، وبعد حصولها

    يلزمها التقوى والمروة.وأما اشتراط تحقق هذا] المبنى بهذا] (١) المعنى، حيث اعتبر الشارع

    العدالة، فلم أطلع على دليل ظني لهم، فضال عن القطعي، وصحيحة ابن أبييعفور (٢) عليهم ال لهم - كما قيل -، نعم: ال يحصل لنا االطمئنان التام في اجتناب

    الذنب في الواقع إال فيمن يعلم أو يظن حصول تلك الملكة فيه، وهذا يقرباعتبارها، ولكن يبعده أن هذه الصفة الحميدة تكون في األوحدي الذي ال

    يسمح (٣) الدهر بمثله إال نادرا، ألن التعديل المذكور يحتاج إلى مجاهدات شاقةمع تأييد رباني، واالحتياج إلى العدالة عام الزم في كل طائفة من كل فرقة من

    سكان البر والبحر حفظا لنظام الشرع.ثم قال: ال يقال إن الشارع وإن اعتبر الملكة، ولكنه جعل حسن الظاهر

    مع عدم عثور الحاكم أو المأموم على فعل الكبيرة واالصرار على الصغيرة عالمةلها، وهذا يحصل في أكثر الناس.

    ألنا نقول: إن اعتبر القائل بالملكة فيما يعرف به العدالة هذا الذي قلت،--------------------

    (١) ما بين المعقوفتين ليس في " د " و " ج ".(٢) الوسائل ١٨: ٢٨٨ الباب ٤١ من أبواب الشهادات، الحديث األول.

    (٣) أثبتناه من المصدر، في المخطوطة وسائر النسخ: " ال يسمع ".

    (٢٦)

  • فال ثمرة للنزاع في أن العدالة ماذا؟ (انتهى موضع الحاجة) (١).الجواب عن االيراد األول

    والجواب عن ذلك كله: أنا ال نعني بقولنا: (العدالة هيئة راسخة) أو(ملكة) أو (هيئة نفسانية) إال الصفة النفسانية الحاصلة من خشية الله بحيث

    يردعه عن المعصية.توضيح ذلك: أن ترك المعاصي قد يكون لعدم االبتالء بها، وقد يكون مع

    االبتالء بالمعصية للدواعي النفسانية ال لخوف الله، وقد يكون لحالة خوف حاصلةفيه على سبيل االتفاق تمنعه عن االقدام على المعصية، حتى أنه إذا ترك في زمان

    طويل معاصي كثيرة ابتلي بها، كان الترك في كل مرة مستندا إلى حالة اتفقتله في ذلك الزمان، وقد يكون ترك المعاصي لحالة واحدة مستمرة في الزمان الذي

    يبتلى فيه بالمعاصي.المراد من الهيئة الراسخة

    وهذا الرابع هو المقصود من (الصفة النفسانية) أو (الصفة الراسخة) فيمقابل (الغير الراسخة) - الموجودة في الثالث -.

    قال العالمة في نهاية األصول (٢) - على ما حكي عنه - في بيان طرقمعرفة العدالة: األول: االختبار بالصحبة المتأكدة والمالزمة، بحيث يظهر لهأحواله ويطلع على سريرة أمره بتكرار المعاشرة، حتى يظهر له من القرائن ما

    يستدل به على خوف في قلبه مانع عن الكذب واالقدام على المعصية (انتهى).العبرة بالحالة هي المتعارفة

    ثم إن العبرة بكون تلك الحالة باعثة هو الحال المتعارف لالنسان، دونحالة كماله، فقد تعرض للشخص حالة كأنه ال يملك من نفسه مخالفة الشهوةأو الغضب، لقوة قهر القوة الشهوية أو الغضبية وغلبتهما، وعليه يحمل ما حكي

    عن المقدس األردبيلي (٣): من أنه سئل عن نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع--------------------

    (١) الكتاب مخطوط، وقد طابقه المنقول مع اختالف يسير.(٢) مخطوط.

    (٣) حكاه صاحب الجواهر ١٣: ٢٩٦.

    (٢٧)

  • جميع ما له دخل في رغبة النفس إلى الزنا؟ فلم يجب قدس سره بعدم الفعل، بل قال:(أسأل الله أن ال يبتليني بذلك) فإن عدم الوثوق بالنفس في مثل هذه الفروضالخارجة عن المتعارف ال يوجب عدم الملكة فيه، إذا مراتب الملكة في القوة

    والضعف متفاوتة، يتلو آخرها: العصمة، والمعتبر في العدالة أدنى المراتب، وهيالحالة التي يجد االنسان بها مدافعة الهوى في أول األمر وإن صارت مغلوبة بعد

    ذلك، ومن هنا تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا.تواجد الهيئة الراسخة عند كثير من الناس

    وكيف كان: فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس [و] ليس في الندرة علىما ذكره الوحيد البهبهاني (١) بحيث يلزم من اشتراطه وإلغاء ما عداه، اختالل

    النظام.وكيف يخفى على هؤالء ذلك حتى يعتبروا في العدالة شيئا، يلزم منه

    - بحكم الوجدان - ما هو بديهي البطالن؟ إذ المفروض أنه ال خفاء في المالزمةوال في بطالن الالزم - وهو االختالل - بل االنصاف أن االقتصار على ما دونهذه المرتبة يوجب تضييع حقوق الله وحقوق الناس وكيف يحصل الوثوق في

    االقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة لمن ال يظن فيه ملكة ترك الكذبوالخيانة، فيمضي قوله في دين الخلق ودنياهم من األنفس واألموال واألعراض،

    ويمضي فعله على األيتام والغيب (٢) والفقراء والسادة (٣).قال بعض السادة: إن الشريعة المنيعة التي منعت من إجراء الحد على

    من أقر على نفسه بالزنا مرة بل ثالثا كيف يحك بقتل النفوس واهراقهم (٤) وقطعأياديهم وحبسهم وأخذ أموالهم، وأرواحهم بمجرد شهادة من يجهل حاله من دون

    --------------------(١) راجع الصفحة ٢٥.

    (٢) الغيب: جمع غائب (المعجم الوسيط: ٢ مادة: غيب).(٣) المراد ظاهرا: السذج من الناس.

    (٤) كذا في النسخ، إال أنها في " د ": احراقهم،.

    (٢٨)

  • اختبار.نقد كالم السيد الصدر (ره)

    وأما ما ذكره السيد الصدر (١): - من كون الملكة عبارة عن تعديل القوىالثالث: قوة االدراك، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، وأن العدالة تتوقف على

    الحكمة والعفة والشجاعة - فال أظن أن الفقهاء يلتزمون ذلك في العدالة، كيف!وظاهر تعريفهم لها بالحالة النفسانية ينطبق على الحالة التي ذكرناها وهي

    الموجودة في كثير من الناس.ودعوى: أن إدخالهم المروة في مدخول (٢) الملكة وجعلهم العدالة هي

    الملكة الجامعة بين البعث على التقوى والبعث على المروة ظاهر في اعتبار أزيدمن الحالة النفسانية المذكورة التي ذكرنا أنها تنشأ من خشية الله تعالى، فإن هذه

    الحالة ال تبعث إال على مجانبة الكبائر واالصرار على الصغائر، وال تبعث علىمراعاة المروة مدفوعة:

    أوال: بما عرفت (٣) من أن األقوى خروج المروة عن مفهومالعدالة.

    وثانيا: أن اعتبار الملكة الجامعة بين البعث على التقوى والمروة غير ماذكره السيد أيضا، ألن المراد منها: االستحياء والتعفف فيما بينه وبين الله وبينالناس، وهذا أيضا كثير الوجود في الناس، بل االستحياء عن الخلق موجود فيأكثر الخلق، فكما أن علماء األخالق عبروا عن تعديل القوى الثالث بالعدالة

    فكذلك الفقهاء عبروا عن االستحياء عن الخالق والمخلوق بالعدالة، ألنهااستقامة على جادتي الشرع والعرف، وخالفه خروج عن إحدى الجادتين.

    --------------------(١) راجع الصفحة ٢٦.

    (٢) كذا في النسخ، والظاهر: مدلول.(٣) راجع الصفحة ١٩.

    (٢٩)

  • هذا مع أن جعل حسن الظاهر، بل مطلق الظن طريقا إلى هذه الصفة،أوجب تسهيل األمر في الغاية حتى كاد ال يرى ثمرة لجعل العدالة هي الملكة،

    كما تقدم من السيد الصدر (١)، فكيف يتفاوت األمر في اختالل النظام واستقامتهبين جعلها (حسن الظاهر) وبين جعلها (الملكة) وجعل حسن الظاهر طريقا

    إليها؟.ما أورد على القول بالملكة ثانيا

    ومنها (٢): أن الحكم بزوال العدالة عند عروض ما ينافيها من معصية أوخالف مروة ورجوعها بمجرد التوبة، ينافي كون العدالة هي الملكة.

    وما يقال في الجواب: من أن الملكة ال تزول بمخالفة مقتضاها في بعضاألحيان، إال أن الشارع جعل األثر المخالف لمقتضاها مزيال لحكمها باالجماع،

    وجعل التوبة رافعة لهذا المزيل، فاألمر تعبدي.ففيه: أنه مخالف لتصريحهم بالزوال والعود.

    والجواب: ما تقدم من أن العدالة ليست عندهم هي الملكة المقتضيةللتقوى والمروة، المجامعة لما يمنع عن مقتضاها، ألن قولهم: (ملكة تبعث) أو

    (تمنع) يراد بها البعث والمنع الفعلي. ويدل عليه ما مر عن نكت اإلرشاد (٣) علىأظهر احتماليه، فالملكة إذا لم يكن معها المنع الفعلي ليست عدالة.

    ولو أبيت إال عن المعارض والمانع، فيكفي في إرادة الملكة المقتضية الخالية عن المانعتصريح نفس أرباب الملكة - كغيرهم - بأن نفس العدالة تزول بمواقعة الكبائر،

    ولذا ذكرنا أنه ال قائل بكون العدالة مجرد الملكة من غير اعتبار للمنع الفعلي.وأما التوبة فهي إنما ترفع حكم المعصية وتجعلها كغير الواقع في الحكم،

    --------------------(١) راجع الصفحة ٢٦.

    (٢) أي مما ورد على القول بالملكة.(٣) راجع الصفحة ١٩.

    (٣٠)

  • فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، وعودها بالتوبة تعبدي، بل سيجئ (١) أن الندمعلى المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة وهي الملكة المتصفة بالمنع، إذ

    ال فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية وبين من توجب عليهتلك الملكة الندم على ما مضى منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعال،ألن الشخص حين الندم على المعصية، من حيث إنها معصية - كما هو معنى

    التوبة - يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متصف بالملكة المانعة فعال،بخالف من لم يندم، فتأمل.

    ما أورد على القول بالملكة ثالثاومنها: أن ما اشتهر بينهم أن تقديم الجارح على المعدل - عند التعارض

    - ال يتأتى إال على القول بأن العدالة هي (حسن الظاهر) وأما على القول بأنه(الملكة) فال يتجه، ألن المعدل إنما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة

    واالختبار، أو بعد الجهد في تتبع اآلثار، فيبعد صدور الخطأ منه، ويرشد إلى ذلكتعليلهم تقديم الجرح بأنا إذا؟ أخذنا بقول الجارح فقد صدقناه وصدقنا المعدل،ألنه ال مانع من وقوع ما يوجب الجرح والتعديل بأن يكون كل منهما اطلع على

    ما يوجب أحدهما، وأنت خبير بأن المعدل - على القول بالملكة - إنما يخبر عنعلم بالملكة وما هو عليه في نفس األمر والواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ

    وتصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمل.والجواب أن عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا على ما تقدم (٢) إمالكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، وإما ألخذه في العدالة بدليل االجماع

    والنص، كيف! ولو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصال.وكيف كان: فاعتماد المعدل على هذا األمر العدمي المأخوذ في تحقق

    --------------------(١) في الصفحة ٥٠ و ٥١.

    (٢) في الصفحة ١٠.

    (٣١)

  • العدالة ليس إال على أصالة العدم، أو أصالة الصحة، أو قيام االجماع على أنالعلم بالملكة المجردة طريق ظاهري للحكم بتحقق ذلك األمر العدمي.

    والحاصل: أن االجماع منعقد - بل النص (١) - على أنه يكفي في الشهادةعلى العدالة بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر - على الخالف في معناها - عدم

    العلم بصدور الكبيرة عنه، وال يعتبر علمه أو ظنه بأنه لم يصدر عنه كبيرة إلىزمان أداء الشهادة.

    وعلى هذا فأحد جزأي الشهادة - وهو تحقق ذلك األمر العدمي - ثابتبالطريق الظاهري، وهو مستند شهادته، ومن المعلوم أن شهادة الجارح حاكمة

    على هذا الطريق الظاهري، فإن تعارضهما إنما هو باعتبار تحقق هذا األمرالعدمي وعدم تحققه، وإال فلعل الجارح أيضا ال ينكر الملكة، بل يعترف بها في

    متن الشهادة.فالمقام على ما اخترناه - من أخذ االجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة -

    نظير شهادة إحدى البينتين على أنه ملكه قد اشتراه من المدعي، تعويال علىأصالة صحة الشراء، وشهادة البينة األخرى أنه ملك لآلخر مستندا إلى فسادذلك الشراء لوجود مانع من موانع الصحة، وعلى القول بكونه مزيال للعدالة

    بالدليل الخارجي يكون نظير شهادة إحداهما بملكه ألحدهما، وشهادة األخرىبانتقاله عنه إلى اآلخر.

    وكيف كان: فالمعدل يقول: (إنه ذو ملكة لم أطلع على صدور كبيرة منه)والجارح يقول: (قد اطلعت على صدور المعصية الفالنية [منه] (٢)) فشهادة المعدل

    مركبة من أمر وجودي وعدمي، وشهادة الجارح (٣) يدل على انتفاء ذلك األمر--------------------

    (١) انظر الوسائل ١٨: ٢٩٢ الباب ٤١ من أبواب الشهادات، الحديث ١٣.(٢) الزيادة اقتضاها السياق.

    (٣) كذا في " ص " وفي سائر النسخ: الجرح.

    (٣٢)

  • العدمي، فالتعارض إنما هو في الجزء األخير، ومن المعلوم كونهما من قبيل النافيوالمثبت.

    نعم: لو اعتبرنا في التعديل الظن بعدم صدور الكبيرة، كان التعارضعلى وجه ال يمكن الجمع، فال بد إما من ترجيح الجارح الستناده إلى القطعالحسي بخالف المعدل فإنه مستند إلى الظن الحدسي، وإما من التوقف عن

    الحكم بالعدالة والفسق والرجوع إلى األصل.كما أنه لو اعتبر في التعديل العلم أو الظن بكون الشخص بحيث لو

    فرض صدور كبيرة عنه بادر إلى التوبة - البتة -، كان المناسب تقديم المعدلألن غاية الجرح صدور المعصية لكن المعدل يظن أو يعلم بصدور التوبة عقيب

    المعصية على فرض صدورها، فكأن الجارح مستند في تفسيقه إلى صدور الكبيرةوعدم العلم بالمزيل وهي التوبة، والمعدل وإن لم يشهد بعدم صدور المعصية إال

    أنه يشهد بالتوبة على فرض صدور المعصية.ما أورد على القول بالملكة رابعا

    ومنها: ما ذكره في مفتاح الكرامة: من اطباق األصحاب - إال السيدواإلسكافي - على صحة صالة من صلى خلف من تبين كفره أو فسقه (١)، وبه

    نطقت األخبار (٢).أقول: لم أفهم وجه منافاة هذا الحكم لكون العدالة هي (الملكة) دون

    (حسن الظاهر). ولم ال يجوز أن يكون العدالة كاالسالم أمرا واقعيا يستدل عليهباآلثار الظاهرة ويعتمد فيه عليها، فإذا تبين الخطأ بعد ترتيب األثر يحكم

    الشارع بمضي تلك اآلثار وعدم انتقاضها؟.فإن قلت: مقتضى ظهور األدلة في كون العدالة شرطا واقعيا بانضمام ما

    --------------------(١) مفتاح الكرامة ٣: ٤٨٢.

    (٢) انظر الوسائل ٥: ٤٣٥ الباب ٣٧ من أبواب صالة الجماعة، الحديث ١ و ٢.

    (٣٣)

  • دل على صحة الصالة مع ثبوت الفسق، أن يكون العدالة أمرا ظاهريا غير قابلالنكشاف الخالف ال الملكة الواقعية، وإال وجب إما صرف أدلة اشتراط تحققها

    في الواقع عن ظاهرها وجعلها من الشروط العلمية، وإما إبقاؤها على ظاهرهامن كونها شرطا واقعيا، وصرف أدلة كون العدالة الواقعية شرطا في صحة الصالة

    الخالية عن الفاتحة وغيرها - من خواص المنفرد - إلى كونها شرطا علميا،وكالهما مخالفان لألصل.

    قلت: أوال: إنه قد تقدم (١) أنه ال يمكن أن يكون العدالة أمرا ظاهريا- مثل حسن الظاهر ونحوه - مع كون الفسق أمرا واقعيا، وإال خرجا عن

    التضاد، الجتماعهما حينئذ في من حسن ظاهره وفرض فاسقا في الواقع، مع أنتضادهما من بديهيات العرف، فإنه ال يحكمون بحدوث الفسق من حين

    االطالع على قبح اإلمام، بل يقولون: (إنه تبين فسقه) ولذا عبروا في المسألةالمتقدمة بقولهم: إذا تبين فسق اإلمام.

    وثانيا: أنه لو سلمنا إمكان تعلقه من كون نفس العدالة الواقعية حسنالظاهر وإن فرض فسقه واقعا، لكن نقول: إن الحكم بالصحة ال يدل على عدم

    كونها هي الملكة ولم بضميمة ظهور أدلة اشتراطها في كونها شرطا وا