ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ:...

38
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺍﺑﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺷﻴﺦ ﻧﺴﺘﻌﲔ ﻭﺑﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﻟﻪ ﻣﻀﻞ ﻓﻼ ﺍﷲ ﻳﻬﺪﻩ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﺳﻴﺌﺎﺕ ﻭﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺷﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺑﺎﷲ ﻭﻧﻌﻮﺫ ﻭﻧﺴﺘﻐﻔﺮﻩ ﻭﻧﺴﺘﻌﻴﻨﻪ ﳓﻤﺪﻩ ﺍﳊﻤﺪ ﺇﻥ ﻟﻪ ﻫﺎﺩﻱ ﻓﻼ ﻳﻀﻠﻞ ﻭﻣﻦ. ﻭﺃﺷﻬﺪ ﻟﻪ ﺷﺮﻳﻚ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﷲ ﺇﻻ ﺇﻟﻪ ﺃﻥ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻋﺒﺪﻩ ﳏﻤﺪ ﺃﻥ. ﺑﻌﺪ ﺃﻣﺎ: ﻋﻦ ﺍﷲ ﺭﲪﻪ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺍﺑﻦ ﺍﳊﻠﻴﻢ ﻋﺒﺪ ﺑﻦ ﺃﲪﺪ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ﻭﻗﺎﻣﻊ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻧﺎﺻﺮ ﺍﻷﻋﻼﻡ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺷﻴﺦ ﺳﺌﻞ ﻓﻘﺪ ﻭﺟﻞ ﻋﺰ ﻗﻮﻟﻪ] ٢١ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ: [ } ﺭﺑﻜﻢ ﺍﻋﺒﺪﻭﺍ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻳﻬﺎ ﻳﺎ{ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﳎﻤﻮﻉ ﻭﻫﻞ ؟ ﻓﺮﻭﻋﻬﺎ ﻭﻣﺎ ؟ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻓﻤﺎ ﻭﻣﺎ ؟ ﺃﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺩﺍﺧﻞ ؟ ﺍﳌﻘﺎﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺃﻡ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﳌﻘﺎﻣﺎﺕ ﺃﻋﻠﻰ ﻫﻲ ﻭﻫﻞ ؟ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻟﻨﺎ ﻭﻟﻴﺒﺴﻂ. ﺍﷲ ﺭﲪﻪ ﻓﺄﺟﺎﺏ: ﻭﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﻣﻦ ﻭﻳﺮﺿﺎﻩ ﺍﷲ ﳛﺒﻪ ﻣﺎ ﻟﻜﻞ ﺟﺎﻣﻊ ﺍﺳﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ. ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻭﺍﻟﺰﻛﺎﺓ ﻓﺎﻟﺼﻼﺓ ﻭﺃﺩﺍ ﺍﳊﺪﻳﺚ ﻭﺻﺪﻕ ﻭﺍﳊﺞ ﻋﻦ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﺑﺎﳌﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺍﻷﺭﺣﺎﻡ ﻭﺻﻠﺔ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺑﺮ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻭﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺍﻵﺩﻣﻴﲔ ﻣﻦ ﻭﺍﳌﻤﻠﻮﻙ ﺍﻟﺴﺒﻴﻞ ﻭﺍﺑﻦ ﻭﺍﳌﺴﻜﲔ ﻭﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ﻟﻠﺠﺎﺭ ﻭﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﻭﺍﳌﻨﺎﻓﻘﲔ ﻟﻠﻜﻔﺎﺭ ﻭﺍﳉﻬﺎﺩ ﺍﳌﻨﻜﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ. ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺍﷲ ﺣﺐ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺑﻘﻀﺎﺋﻪ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﻟﻨﻌﻤﻪ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﳊﻜﻤﻪ ﻭﺍﻟﺼﱪ ﻟﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺇﺧﻼﺹ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺍﻹﻧﺎﺑﺔ ﺍﷲ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻫﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻣﺜﺎﻝ ﻋﺬﺍﺑﻪ ﻣﻦ ﻭﺍﳋﻮﻑ ﻟﺮﲪﺘﻪ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﻮﻛﻞ. ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﻗﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﳍﺎ ﺍﳋﻠﻖ ﻠﻖ ﺍﻟﱵ ﻟﻪ ﻭﺍﳌﺮﺿﻴﺔ ﻟﻪ ﺍﶈﺒﻮﺑﺔ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﺃﻥ ﻭﺫﻟﻚ] ٥٦ ﺍﻟﺬ ﺍﺭﻳﺎﺕ: [ } ﻟﻴﻌﺒﺪﻭﻥ ﺇﻻ ﻭﺍﻹﻧﺲ ﺍﳉﻦ ﺧﻠﻘﺖ ﻭﻣﺎ{ . ﻟﻘﻮﻣﻪ ﻧﻮﺡ ﻗﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﲨﻴﻊ ﺃﺭﺳﻞ] ٥٩ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ: [ } ﻏﲑﻩ ﺇﻟﻪ ﻣﻦ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ ﺍﷲ ﺍﻋﺒﺪﻭﺍ{ . ﺗﻌﺎﱃ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻘﻮﻣﻬﻢ ﻭﻏﲑﻫﻢ ﻭﺷﻌﻴﺐ ﻭﺻﺎﱀ ﻫﻮﺩ ﻗﺎﻝ ﻭﻛﺬﻟﻚ] ٣٦ ﺍﻟﻨﺤﻞ: [ } ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻻ ﺃﻣﺔ ﻛﻞ ﺑﻌﺜﻨﺎ ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺍﺟﺘ ﺍﷲ ﺍﻋﺒﺪﻭﺍ ﻨﺒﻮﺍ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻘﺖ ﻣﻦ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﺍﷲ ﻫﺪﻯ ﻣﻦ ﻓﻤﻨﻬﻢ ﺍﻟﻄﺎﻏﻮﺕ{ ﺗﻌﺎﱃ ﻭﻗﺎﻝ] ٢٥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ: [ } ﻣﻦ ﺃﺭﺳﻠﻨﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﺎﻋﺒﺪﻭﻥ ﺃﻧﺎ ﺇﻻ ﺇﻟﻪ ﺃﻧﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﻮﺣﻲ ﺇﻻ ﺭﺳﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻚ{ ﺗﻌﺎﱃ ﻭﻗﺎﻝ] ٩٢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ: [ } ﺃﻣﺔ ﺃﻣﺘﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺇﻥ ﻓﺎﻋﺒﺪﻭﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ{ ﺍﻷﺧﺮ ﺍﻵﻳﺔ ﻗﺎﻝ ﻛﻤﺎ] ٥١ - ٥٢ ﺍﳌﺆﻣﻨﻮﻥ: [ } ﻣﻦ ﻛﻠﻮﺍ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﺃﻳﻬﺎ ﻳﺎ ﻋﻠﻴﻢ ﺗﻌﻤﻠﻮﻥ ﲟﺎ ﺇﱐ ﺻﺎﳊﺎ ﻭﺍﻋﻤﻠﻮﺍ ﺍﻟﻄﻴﺒﺎﺕ* ﻓﺎﺗﻘﻮﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺃﻣﺔ ﺃﻣﺘﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﻭﺇﻥ{ . ﻗﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﺍﳌﻮﺕ ﺇﱃ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻻﺯﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﻭﺟﻌﻞ] ٩٩ ﺍﳊﺠﺮ: [ } ﺍﻟﻴﻘﲔ ﻳﺄﺗﻴﻚ ﺣﱴ ﺭﺑﻚ ﻭﺍﻋﺒﺪ{ . ﻓﻘﺎﻝ ﻭﺃﻧﺒﻴﺎﺀﻩ ﻣﻼﺋﻜﺘﻪ ﻭﺻﻒ ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺗﻌﺎﱃ] ١٩ - ٢٠ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ: [ } ﻋﻨﺪﻩ ﻭﻣﻦ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻣﻦ ﻭﻟﻪ ﻳﺴﺘﺤﺴﺮﻭﻥ ﻭﻻ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ﻋﻦ ﻳﺴﺘﻜﱪﻭﻥ* ﻳﻔﺘﺮﻭﻥ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻳﺴﺒﺤﻮﻥ{ ﺗﻌﺎﻝ ﻭﻗﺎﻝ] ٢٠٦ ﺍﻷﻋﺮﺍﻑ: [ } ﻳﺴﺠﺪﻭﻥ ﻭﻟﻪ ﻭﻳﺴﺒﺤﻮﻧﻪ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ ﻋﻦ ﻳﺴﺘﻜﱪﻭﻥ ﺭﺑﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﻥ{ . ﺑﻘﻮﻟﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﺍﳌﺴﺘﻜﱪﻳﻦ ﻭﺫﻡ] ٦٠ ﻏﺎﻓﺮ: [ } ﻋﺒﺎﺩﰐ ﻋﻦ ﻳﺴﺘﻜﱪﻭﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺇﻥ ﻟﻜﻢ ﺃﺳﺘﺠﺐ ﺍﺩﻋﻮﱐ ﺭﺑﻜﻢ ﻭﻗﺎﻝ

Upload: others

Post on 27-Jun-2020

22 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ودية :كتاب لعب امية: املؤلف تي بن اإلسالم ا شيخ

بسم اهللا الرمحن الرحيم وبه نستعنيإن احلمد هللا حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهللا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اهللا فال مضل له

.ومن يضلل فال هادي له .أن حممدا عبده ورسوله وأشهد أن ال إله إال اهللا وحده ال شريك له وأشهد

فقد سئل شيخ اإلسالم وعلم األعالم ناصر السنة وقامع البدعة أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية رمحه اهللا عن : أما بعد فما العبادة ؟ وما فروعها ؟ وهل جمموع الدين } يا أيها الناس اعبدوا ربكم { ] : البقرة ٢١[ قوله عز وجل

حقيقة العبودية ؟ وهل هي أعلى املقامات يف الدنيا واآلخرة أم فوقها شيء من املقامات ؟ داخل فيها أم ال ؟ وما .وليبسط لنا القول يف ذلك

:فأجاب رمحه اهللا فالصالة والزكاة والصيام . العبادة هي اسم جامع لكل ما حيبه اهللا ويرضاه من األقوال واألعمال الباطنة والظاهرة

ء األمانة وبر الوالدين وصلة األرحام والوفاء بالعهود واألمر باملعروف والنهي عن واحلج وصدق احلديث وأدااملنكر واجلهاد للكفار واملنافقني واإلحسان للجار واليتيم واملسكني وابن السبيل واململوك من اآلدميني والبهائم

.والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة خشية اهللا واإلنابة إليه وإخالص الدين له والصرب حلكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه وكذلك حب اهللا ورسوله و

.والتوكل عليه والرجاء لرمحته واخلوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة هللا { ] : اريات الذ ٥٦[ وذلك أن العبادة هللا هي الغاية احملبوبة له واملرضية له اليت خلق اخللق هلا كما قال اهللا تعاىل

.} وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون .} اعبدوا اهللا ما لكم من إله غريه { ] : األعراف ٥٩[ وهبا أرسل مجيع الرسل كما قال نوح لقومه

ولقد بعثنا يف كل أمة رسوال أن { ] : النحل ٣٦[ وكذلك قال هود وصاحل وشعيب وغريهم لقومهم وقال تعاىل نبوااعبدوا اهللا واجت

وما أرسلنا من { ] : األنبياء ٢٥[ وقال تعاىل } الطاغوت فمنهم من هدى اهللا ومنهم من حقت عليه الضاللة إن هذه أمتكم أمة { ] : األنبياء ٩٢[ وقال تعاىل } قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون

يا أيها الرسل كلوا من { ] : املؤمنون ٥٢-٥١[ ى كما قال يف اآلية األخر} واحدة وأنا ربكم فاعبدون .} وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون * الطيبات واعملوا صاحلا إين مبا تعملون عليم

.} واعبد ربك حىت يأتيك اليقني { ] : احلجر ٩٩[ وجعل ذلك الزما لرسوله إىل املوت كما قال وله من يف السماوات واألرض ومن عنده ال { ] : األنبياء ٢٠-١٩[ تعاىل وبذلك وصف مالئكته وأنبياءه فقال

{ ] : األعراف ٢٠٦[ وقال تعال } يسبحون الليل والنهار ال يفترون * يستكربون عن عبادته وال يستحسرون .} إن الذين عند ربك ال يستكربون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون

وقال ربكم ادعوين أستجب لكم إن الذين يستكربون عن عباديت { ] : غافر ٦٠[ وذم املستكربين عنها بقوله

Page 2: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.} سيدخلون جهنم داخرين [ وقال } عينا يشرب هبا عباد اهللا يفجروهنا تفجريا { ] : اإلنسان ٦[ ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال تعاىل

وعباد الرمحن الذين{ ] : الفرقان ٧٧-٦٣

.اآليات } ا وإذا خاطبهم اجلاهلون قالوا سالما ميشون على األرض هونإال عبادك * رب مبا أغويتين ألزينن هلم يف األرض وألغوينهم أمجعني { ] : احلجر ٤٠-٣٩[ وملا قال الشيطان

} إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إال من اتبعك من الغاوين { ] : احلجر ٤٢[ قال اهللا تعاىل } منهم املخلصني .

ال * وقالوا اختذ الرمحن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون { ] : األنبياء ٢٨-٢٦[ يف وصف املالئكة بذلك وقال يعلم ما بني أيديهم وما خلفهم وال يشفعون إال ملن* يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون

لقد جئتم شيئا * دا وقالوا اختذ الرمحن ول{ ] : مرمي ٩٥-٨٨[ وقال تعاىل } ارتضى وهم من خشيته مشفقون وما ينبغي للرمحن أن * أن دعوا للرمحن ولدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق األرض وختر اجلبال هدا * إدا

وكلهم آتيه يوم * لقد أحصاهم وعدهم عدا * إن كل من يف السماوات واألرض إال آيت الرمحن عبدا * يتخذ ولدا .} القيامة فردا

إن هو إال عبد أنعمنا عليه وجعلناه { ] : الزخرف ٥٩[ سيح الذي ادعيت فيه اإلهلية والبنوة وقال تعاىل عن املال تطروين كما أطرت النصارى " وهلذا قال النيب صلى اهللا عليه وسلم يف احلديث الصحيح } مثال لبين إسرائيل

" .عيسى ابن مرمي فإمنا أنا عبد فقولوا عبد اهللا ورسوله [ وقال يف اإلحياء } سبحان الذي أسرى بعبده ليال { : بالعبودية يف أكمل أحواله فقال يف اإلسراء وقد نعته اهللا

وأنه ملا قام عبد اهللا يدعوه كادوا { ] اجلن ١٩[ وقال يف الدعوة } فأوحى إىل عبده ما أوحى { ] النجم ١٠ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وإن كنتم يف { ] البقرة ٢٣[ وقال يف التحدي } يكونون عليه لبدا

{. أن جربيل ملا جاء إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم يف صورة " الصحيح " فالدين كله داخل يف العبادة وقد ثبت يف

أعرايب

الزكاة اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال اهللا وأن حممدا رسول اهللا وتقيم الصالة وتؤيت: " وسأله عن اإلسالم قال أن تؤمن باهللا ومالئكته وكتبه : " فما اإلميان ؟ قال : قال " وتصوم رمضان وحتج البيت إن استطعت إليه سبيال

أن تعبد اهللا كأنك تراه فإن مل : " فما اإلحسان ؟ قال : قال " ورسله والبعث بعد املوت وتؤمن بالقدر خريه وشره .فجعل هذا كله من الدين " هذا جربيل جاءكم يعلمكم دينكم : " يث مث قال يف آخر احلد" تكن تراه فإنه يراك

والدين يتضمن معىن اخلضوع والذل يقال دنته فدان أى أذللته فذل ويقال يدين اهللا ويدين هللا أي يعبد اهللا ويطيعه .وخيضع له فدين اهللا عبادته وطاعته واخلضوع له .بد إذا كان مذلال قد وطئته األقدام والعبادة أصل معناها الذل أيضا يقال طريق مع

.لكن العبادة املأمور هبا تتضمن معىن الذل ومعىن احلب فهى تتضمن غاية الذل هللا بغاية احملبة له فإن آخر

Page 3: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

مراتب احلب

مث هو التتيم وأوله العالقة لتعلق القلب باحملبوب مث الصبابة النصباب القلب إليه مث الغرام وهو احلب املالزم للقلب .العشق وآخرها التتيم يقال تيم اهللا أي عبد اهللا فاملتيم املعبد حملبوبه

ومن خضع إلنسان مع بغضه له ال يكون عابدا له ولو أحب شيئا ومل خيضع له مل يكن عابدا له كما قد حيب الرجل ولده

العبد من كل شيء وأن يكون اهللا وصديقه وهلذا ال يكفي أحدمها يف عبادة اهللا تعاىل بل جيب أن يكون اهللا أحب إىلوكل ما أحب لغري اهللا فمحبته فاسدة وما . عنده أعظم من كل شيء بل ال يستحق احملبة واخلضوع التام إال اهللا

قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم { ] : التوبة ٢٤[ قال اهللا تعاىل . عظم بغري أمر اهللا فتعظيمه باطل وال اقترفتموها وجتارة ختشون كسادها ومساكن ترضوهنا أحب إليكم من اهللا ورسوله وأزواجكم وعشريتكم وأم

.} وجهاد يف سبيله فتربصوا حىت يأيت اهللا بأمره واهللا ورسوله أحق أن { فجنس احملبة يكون هللا ولرسوله كالطاعة فإن الطاعة هللا ولرسوله واإلرضاء هللا ولرسوله

] .التوبة ٥٩[ } ولو أهنم رضوا ما آتاهم اهللا ورسوله { هللا ولرسوله واإليتاء ] التوبة ٦٢[ } يرضوه ] آل عمران ٦٤[ وأما العبادة وما يناسبها من التوكل واخلوف وحنو ذلك فال تكون إال هللا وحده كما قال تعاىل

شيئا وال يتخذ بعضنا قل يا أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم أن ال نعبد إال اهللا وال نشرك به{ : .} بعضا أربابا من دون اهللا فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون

ولو أهنم رضوا ما آتاهم اهللا ورسوله وقالوا حسبنا اهللا سيؤتينا اهللا من فضله ورسوله { ] : التوبة ٥٩[ وقال تعاىل وما آتاكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه { : ] احلشر ٧[ فاإليتاء هللا وللرسول كقوله } إنا إىل اهللا راغبون

وأما} فانتهوا

الذين قال هلم الناس إن الناس قد { ] : آل عمران ١٧٣[ احلسب وهو الكايف فهو اهللا وحده كما قال تعاىل النيب يا أيها { ] : األنفال ٦٤[ وقال تعاىل } مجعوا لكم فاخشوهم فزادهم إميانا وقالوا حسبنا اهللا ونعم الوكيل

أي حسبك وحسب من اتبعك من املؤمنني اهللا ومن ظن أن املعىن حسبك اهللا } حسبك اهللا ومن اتبعك من املؤمنني أليس اهللا { ] : الزمر ٣٦[ واملؤمنون معه فقد غلط غلطا فاحشا كما قد بسطناه يف غري هذا املوضوع وقال تعاىل

.} بكاف عبده .بد الذي عبده اهللا فذلله ودبره وصرفه وحترير ذلك أن العبد يراد به املع

وهبذا االعتبار ف

املخلوقون كلهم عباد اهللا

األبرار منهم والفجار واملؤمنون والكفار وأهل اجلنة وأهل النار إذ هو

رهبم كلهم ومليكهم ال خيرجون عن مشيئته وقدرته وكلماته التامات اليت ال جياوزهن بر وال فاجر ؛ فما شاء كان أفغري دين اهللا يبغون وله أسلم { ] : آل عمران ٨٣[ وما شاءوا إن مل يشأه مل يكن كما قال تعاىل . وإن مل يشاءوا

Page 4: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

فهو سبحانه رب العاملني وخالقهم ورازقهم وحمييهم . } من يف السماوات واألرض طوعا وكرها وإليه يرجعون مالك هلم سواه وال خالق هلم إال هو سواء اعترفوا ومميتهم ومقلب قلوهبم ومصرف أمورهم ال رب هلم غريه وال

بذلك أو أنكروه وسواء علموا ذلك أو جهلوه ؛ لكن أهل اإلميان منهم عرفوا ذلك وآمنوا به ؛ خبالف من كان فاملعرفة باحلق . جاهال بذلك ؛ أو جاحدا له مستكربا على ربه ال يقر وال خيضع له ؛ مع علمه بأن اهللا ربه وخالقه

وجحدوا { ] : النمل ١٤[ ا كانت مع االستكبار عن قبوله واجلحد له كان عذابا على صاحبه كما قال تعاىل إذالذين { ] : البقرة ١٤٦[ وقال تعاىل } هبا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة املفسدين

٣٣[ وقال تعاىل } كتمون احلق وهم يعلمون آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم لي .} قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإهنم ال يكذبونك ولكن الظاملني بآيات اهللا جيحدون { ] : األنعام

فإذا عرف العبد أن اهللا ربه وخالقه وأنه مفتقر إليه حمتاج إليه عرف

العبودية املتعلقة بربوبية اهللا

يتضرع إليه ويتوكل عليه لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه وقد يعبده مع ذلك وقد يعبد وهذا العبد يسأل ربه والشيطان واألصنام ومثل هذه العبودية ال تفرق بني أهل اجلنة وأهل النار وال يصري هبا الرجل مؤمنا كما قال اهللا

كانوا يقرون أن اهللا خالقهم فإن املشركني} وما يؤمن أكثرهم باهللا إال وهم مشركون { ] : يوسف ١٦٠[ تعاىل } ولئن سألتهم من خلق السماوات واألرض ليقولن اهللا { ] : لقمان ٢٥[ ورازقهم وهم يعبدون غريه قال تعاىل

* سيقولون هللا قل أفال تذكرون * قل ملن األرض ومن فيها إن كنتم تعلمون { ] املؤمنون ٨٩-٨٤[ وقال تعاىل قل من بيده ملكوت كل شيء * سيقولون هللا قل أفال تتقون * العرش العظيم قل من رب السماوات السبع ورب

.} سيقولون هللا قل فأىن تسحرون * وهو جيري وال جيار عليه إن كنتم تعلمون وكثري ممن يتكلم يف احلقيقة فيشهدها ال يشهد إال هذه احلقيقة وهي احلقيقة الكونية اليت يشترك فيها ويف شهودها

احلجر، ٣٦[ املؤمن والكافر والرب والفاجر بل وإبليس معترف هبذه احلقيقة وأهل النار قال إبليس ويف معرفتها :ص ٩٧ [ قال رب مبا أغويتين ألزينن هلم يف األرض وألغوينهم أمجعني { ] : احلجر ٣٩[ و } رب فأنظرين إىل يوم يبعثون { أرأيتك هذا الذي كرمت علي { ] : اإلسراء ٦٢ [وقال } فبعزتك ألغوينهم أمجعني { ] : ص ٨٢[ وقال }

وأمثال هذا } لئن أخرتن إىل يوم القيامة ألحتنكن ذريته إال قليال

ربنا { ] : املؤمنون ١٠٦[ من اخلطاب الذي يقر فيه بأن اهللا ربه وخالقه وخالق غريه وكذلك أهل النار قالوا ولو ترى إذ وقفوا على رهبم قال { ] : األنعام ٣٠[ عنهم وقال تعاىل } غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالني

.} أليس هذا باحلق قالوا بلى وربنا فمن وقف عند هذه احلقيقة وعند شهودها ومل يقم مبا أمر اهللا به من احلقيقة الدينية اليت هي عبادته املتعلقة بإلوهيته

.وطاعة أمره وأمر رسوله كان من جنس إبليس وأهل النار ظن مع ذلك أنه من خواص أولياء اهللا وأهل املعرفة والتحقيق ، الذين سقط عنهم األمر والنهي الشرعيان ، فإن

.كان من أشر أهل الكفر واإلحلاد ومن ظن أن اخلضر وغريه سقط عنهم األمر ملشاهدة اإلرادة وحنو ذلك ، كان قوله هذا من شر أقوال الكافرين

Page 5: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

النوع الثاين من معىن العبد ، وهو العبد مبعىن العابد ، فيكون عابدا هللا ، ال يعبد إال باهللا ورسوله ، حىت يدخل يف .إياه ، فيطيع أمره وأمر رسله ، ويوايل أولياءه املؤمنني املتقني ويعادي أعداءه

بربوبيته وال يعبده أو وهذه العبادة متعلقة باإلهلية هللا تعاىل وهلذا كان عنوان التوحيد ال إله إال اهللا خبالف من يقر .يعبد معه إهلا آخر

.فاإلله هو الذي يأهله القلب بكمال احلب والتعظيم واالجالل واإلكرام واخلوف والرجاء وحنو ذلك

.وهذه العبادة هي اليت حيبها اهللا ويرضاها وهبا وصف املصطفني من عباده وهبا بعث رسله .و أنكره فهذا املعىن يشترك فيه املؤمن والكافر وأما العبد مبعىن املعبد سواء أقر بذلك أ

وبالفرق بني هذين النوعني يعرف الفرق بني احلقائق الدينية الداخلة يف عبادة اهللا ودينه وأمره الشرعي اليت حيبها اليت من ويرضاها ويواىل أهلها ويكرمهم جبنته وبني احلقائق الكونية اليت يشترك فيها املؤمن والكافر والرب والفاجر

اكتفى هبا ومل يتبع احلقائق الدينية كان من أتباع إبليس اللعني والكافرين برب العاملني ومن اكتفى فيها يف ببعض نقص من إميانه وواليته هللا حبسب ما نقص من ] دون حال [ أو حال ] دون مقام [ األمور دون بعض أو يف مقام

الطون وكثر فيه االشتباه على السالكني حىت زلق فيه من أكابر الشيوخ احلقائق الدينية وهذا مقام عظيم غلط فيه الغ .املدعني للتحقيق والتوحيد والعرفان ما ال حيصيهم إال اهللا الذي يعلم السر واإلعالن إذا وصلوا إىل القضاء( وإىل هذا أشار الشيخ عبد القادر رمحه اهللا فيما ذكر عنه فبين أن كثريا من الرجال

أمسكوا إال أنا فإين انفتحت يل فيه روزنة فنازعت أقدار احلق باحلق للحق والرجل من يكون منازعا للقدر والقدر ) .ال من يكون موافقا للقدر

والذي ذكره الشيخ رمحه اهللا هو الذي أمر اهللا به ورسوله ولكن كثري من الرجال غلطوا فيه فإهنم قد يشهدون ما والذنوب أو ما يقدر على الناس من ذلك بل من الكفر ويشهدون أن هذا جار يقدر على أحدهم من املعاصي

مبشيئة اهللا وقضائه وقدره داخل يف حكم ربوبيته ومقتضى مشيئته فيظنون االستسالم لذلك وموافقته والرضا به ما أشركنا وال لو شاء اهللا{ ] : األنعام ١٤٨[ وحنو ذلك دينا وطريقا وعبادة فيضاهئون املشركني الذين قالوا

{ ] : الزخرف ٢٠[ وقالوا } أنطعم من لو يشاء اهللا أطعمه { ] : يس ٤٧[ وقالوا } آباؤنا وال حرمنا من شيء ولو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به ونصرب على موجبه يف املصائب اليت } لو شاء الرمحن ما عبدناهم

ما أصاب من{ ] : التغابن ١١[ تعاىل تصيبنا كالفقر واملرض واخلوف قال اهللا

هو الرجل تصيبه املصيبة فيعلم أهنا من عند اهللا : قال بعض السلف } مصيبة إال بإذن اهللا ومن يؤمن باهللا يهد قلبه ما أصاب من مصيبة يف األرض وال يف أنفسكم إال يف كتاب { ] : احلديد ٢٣-٢٢[ وقال تعاىل . فريضى ويسلم .} لكي ال تأسوا على ما فاتكم وال تفرحوا مبا آتاكم * أها إن ذلك على اهللا يسري من قبل أن نرب

أنت آدم الذي : احتج آدم وموسى فقال موسى : " عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " الصحيحني " ويف نا ونفسك من خلقك اهللا بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك مالئكته وعلمك أمساء كل شيء فلماذا أخرجت

أنت موسى الذي اصطفاك اهللا برساالته وبكالمه فهل وجدت ذلك مكتوبا علي قبل أن أخلق ؟ : اجلنة ؟ فقال آدم " .فحج آدم موسى : " قال " نعم : قال

وآدم عليه السالم مل حيتج على موسى بالقدر ظنا أن املذنب حيتج

Page 6: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ذا عذرا لكان عذرا إلبليس وقوم نوح وقوم هود وكل كافر بالقدر فإن هذا ال يقوله مسلم وال عاقل ولو كان هوال موسى الم آدم أيضا ألجل الذنب فإن آدم قد تاب إىل ربه فاجتباه وهدى ولكن المه ألجل املصيبة اليت حلقتهم

.ق إن هذا كان مكتوبا علي قبل أن أخل: فلماذا أخرجتنا ونفسك من اجلنة ؟ فأجابه آدم : باخلطيئة وهلذا قال .فكان العمل واملصيبة املترتبة عليه مقدرا وما قدر من املصائب جيب االستسالم له فإنه من متام الرضا باهللا ربا

وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب ، فيتوب من صنوف املعايب ويصرب على ] : آل عمران ١٢٠[ وقال تعاىل } اهللا حق واستغفر لذنبك فاصرب إن وعد{ ] : غافر ٥٥[ املصائب قال تعاىل

وإن تصربوا وتتقوا فإن ذلك من { ] : آل عمران ١٨٦[ وقال } وإن تصربوا وتتقوا ال يضركم كيدهم شيئا { .} إنه من يتق ويصرب فإن اهللا ال يضيع أجر احملسنني { ] : يوسف ٩٠[ وقال يوسف عليه السالم } عزم األمور

ذلك ذنوب العباد جيب على العبد فيها أن يأمر باملعروف وينهى عن املنكر حبسب قدرته وجياهد يف سبيل اهللا وك] املمتحنة ٤-١[ الكفار واملنافقني ويوايل أولياء اهللا ويعادي أعداء اهللا وحيب يف اهللا ويبغض يف اهللا كما قال تعاىل

:

خذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يا أيها الذين آمنوا لا تت{ تي تسرون إليهم اء مرضايخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغ

إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء * بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل * وء وودوا لو تكفرون ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالس

هم إنا براء منكم قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقوم* بينكم والله بما تعملون بصري وقال } ى تؤمنوا بالله وحده ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حت

يوادون من حاد اهللا ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ال جتد قوما يؤمنون باهللا واليوم اآلخر{ ] : اجملادلة ٢٢[ تعاىل { ] : القلم ٣٥[ وقال تعاىل } أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم أولئك كتب يف قلوهبم اإلميان وأيدهم بروح منه

أم جنعل الذين آمنوا وعملوا الصاحلات كاملفسدين يف األرض { ] : ص ٢٨[ وقال } أفنجعل املسلمني كاجملرمني أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن جنعلهم كالذين { ] : اجلاثية ٢١[ وقال تعاىل } عل املتقني كالفجار أم جن

وما يستوي { ] : فاطر ٢٢-١٩[ وقال تعاىل } آمنوا وعملوا الصاحلات سواء حمياهم ومماهتم ساء ما حيكمون وقال تعاىل } وما يستوي األحياء وال األموات * وال الظل وال احلرور* وال الظلمات وال النور * األعمى والبصري

وقال } ضرب اهللا مثال رجال فيه شركاء متشاكسون ورجال سلما لرجل هل يستويان مثال { ] : الزمر ٢٩[ ضرب اهللا مثال عبدا{ ] النحل ٧٦-٧٥[ تعاىل

يستوون احلمد هللا بل أكثرهم ال مملوكا ال يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هلوضرب اهللا مثال رجلني أحدمها أبكم ال يقدر على شيء وهو كل على مواله أينما يوجهه ال يأت خبري * يعلمون

ال يستوي أصحاب { ] : احلشر ٢٠[ وقال تعاىل } هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم .} الفائزون النار وأصحاب اجلنة أصحاب اجلنة هم

ونظائر ذلك مما يفرق اهللا فيه بني أهل احلق والباطل وأهل الطاعة واملعصية وأهل الرب والفجور وأهل اهلدى .والضالل وأهل الغي والرشاد وأهل الصدق والكذب

ها غاية التفريق الدينية سوى بني هذه األصناف املختلفة اليت فرق اهللا بين] احلقيقة [ فمن شهد احلقيقة الكونية دون

Page 7: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

تاهللا { ] : الشعراء ٩٨-٩٧[ حىت تئول به هذه التسوية إىل أن يسوي بني اهللا وبني األصنام كما قال تعاىل عنهم بل قد آل األمر هبؤالء إىل أن سووا اهللا بكل موجود وجعلوا } إذ نسويكم برب العاملني * إن كنا لفي ضالل مبني

حقا لكل موجود إذ جعلوه هو وجود املخلوقات وهذا من أعظم الكفر واإلحلاد ما يستحقه من العبادة والطاعة .والكفر برب العباد

وهؤالء يصل هبم الكفر إىل أهنم ال يشهدون أهنم عباد اهللا ال مبعىن أهنم معبدون وال مبعىن اهنم عابدون إذ يشهدون أنفسهم هي احلق كما صرح بذلك طواغيتهم كابن عريب

.وأمثاله من امللحدين املفترين كابن سبعني وأمثاله ويشهدون أهنم هم العابدون واملعبودون " صوص الف" صاحب وهذا ليس بشهود للحقيقة ال الكونية وال الدينية بل هو ضالل وعمى عن شهود احلقيقة الكونية حيث جعلوا

وللمخلوق إذ وجود هذا هو وجود اخلالق هو وجود املخلوق وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتا للخالق .وجود هذا عندهم

إن هللا : " وأما املؤمنون باهللا ورسوله عوامهم وخواصهم الذين هم أهل القرآن كما قال النيب صلى اهللا عليه وسلم فهؤالء يعلمون أن اهللا " أهل القرآن هم أهل اهللا وخاصته : " من هم يا رسول اهللا ؟ قال : قيل " أهلني من الناس

كل شيء ومليكه وخالقه وأن اخلالق سبحانه مباين للمخلوق ليس هو حاال فيه وال متحدا به وال وجوده رب والنصارى إمنا كفرهم اهللا إذ قالوا باحللول واحتاد الرب باملسيح خاصة فكيف من جعل ذلك عاما يف كل . وجوده

هنى عن معصيته ومعصية رسوله وأنه ال حيب الفساد خملوق ؟ ويعلمون مع ذلك أن اهللا أمر بطاعته وطاعة رسوله و وال يرضى لعباده الكفر وأن على اخللق أن يعبدوه فيطيعوا أمره

.} إياك نعبد وإياك نستعني { : ويستعينوا به على ذلك كما قال يف فاحتة الكتاب سبيله ألهل الكفر والنفاق األمر باملعروف والنهي عن املنكر حبسب اإلمكان واجلهاد يف: ومن عبادته وطاعته

فيجتهدون يف إقامة دينه مستعينني به رافعني مزيلني بذلك ما قدر من السيئات دافعني بذلك ما قد خياف من آثار ذلك كما يزيل اإلنسان اجلوع احلاضر باألكل ويدفع به اجلوع املستقبل وكذلك إذا آن أوان الربد دفعه باللباس

يا رسول اهللا أرأيت أدوية نتداوى هبا : روه كما قالوا للنيب صلى اهللا عليه وسلم وكذلك كل مطلوب يدفع به مكإن الدعاء : " ويف احلديث " هي من قدر اهللا : " ورقى نسترقي هبا وتقى نتقي هبا هل ترد من قدر اهللا شيئا ؟ فقال

" .والبالء ليلتقيان فيعتلجان بني السماء واألرض

.ورسوله العابدين هللا وكل ذلك من العبادة فهذا حال املؤمنني باهللا وهؤالء الذين يشهدون احلقيقة الكونية وهي ربوبيته تعاىل لكل شيء وجيعلون ذلك مانعا من اتباع أمره الديين

:الشرعي على مراتب يف الضالل .فغالهتم جيعلون ذلك مطلقا عاما فيحتجون بالقدر يف كل ما خيالفون فيه الشريعة

لو شاء { ] : األنعام ١٤٨[ ء شر من قول اليهود والنصارى وهو من جنس قول املشركني الذين قالوا وقول هؤال .} لو شاء الرمحن ما عبدناهم { ] : الزخرف ٢٠[ وقالوا } اهللا ما أشركنا وال آباؤنا وال حرمنا من شيء

إنه ال ميكنه أن يقر كل آدمي على ما وهؤالء من أعظم أهل األرض تناقضا بل كل من احتج بالقدر فإنه متناقض فيفعل فال بد إذا ظلمه ظامل أو ظلم الناس ظامل وسعى يف األرض بالفساد وأخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج

Page 8: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ويهلك احلرث والنسل وحنو ذلك من أنواع الضرر اليت ال قوام للناس هبا أن يدفع هذا القدر وأن يعاقب الظامل مبا إن كان القدر حجة فدع كل أحد يفعل ما يشاء بك وبغريك وإن مل يكن : وعدوان أمثاله فيقال له يكف عدوانه

.حجة ] إن القدر : [ حجة بطل أصل قولك وأصحاب هذا القول الذين حيتجون باحلقيقة الكونية ال

أنت عند الطاعة : لعلماء يطردون هذا القول وال يلتزمونه وإمنا هم يتبعون آراءهم وأهواءهم كما قال فيهم بعض ا .قدري وعند املعصية جبري أي مذهب وافق هواك متذهبت به

ومنهم صنف يدعون التحقيق واملعرفة ويزعمون أن األمر والنهي الزم ملن شهد لنفسه أفعاال وأثبت له صفات أما حيرك سائر املتحركات فإنه يرتفع من شهد أن أفعاله خملوقة أو أنه جمبور على ذلك وأن اهللا هو املتصرف فيه كما

.عنه األمر والنهي والوعد والوعيد .من شهد اإلرادة سقط عنه التكليف ويزعمون أن اخلضر سقط عنه التكليف لشهوده اإلرادة : وقد يقولون

نه مريد ومدبر فهؤالء يفرقون بني العامة واخلاصة الذين شهدوا احلقيقة الكونية فشهدوا أن اهللا خالق أفعال العباد وأ .جلميع الكائنات

وقد يفرقون بني من يعلم ذلك علما وبني من يراه شهودا فال يسقطون التكليف عمن يؤمن بذلك ويعلمه فقط عمن يشهده فال يرى لنفسه فعال أصال وهؤالء] يسقطونه [ ولكن

.جيعلون اجلرب وإثبات القدر مانعا من التكليف على هذا الوجه .ا طوائف من املنتسبني إىل التحقيق واملعرفة والتوحيد وقد وقع يف هذ

وسبب ذلك أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر مبا يقدر عليه خالفه كما ضاق نطاق املعتزلة وحنوهم من القدرية فعال عن ذلك مث املعتزلة أثبتت األمر والنهي الشرعيني دون القضاء والقدر الذين مها إرادة اهللا العامة وخلقه أل

.وهؤالء أثبتوا القضاء والقدر ونفوا األمر والنهي يف حق من شهد القدر إذ مل ميكنهم نفي ذلك مطلقا . العباد وقول هؤالء شر من قول املعتزلة وهلذا مل يكن يف السلف من هؤالء أحد ، وهؤالء جيعلون األمر والنهي للمحجوبني

ا جيعلون من وصل إىل شهود هذه احلقيقة يسقط عنه األمر والنهي ، الذين مل يشهدوا هذه احلقيقة الكونية ، وهلذواعبد ربك حىت يأتيك { ] : احلجر ٩٩[ ورمبا تأولوا على ذلك قوله تعاىل . إنه صار من اخلاصة : ويقولون

.فاليقني عندهم هو معرفة هذه احلقيقة } اليقني ه كفر فإنه قد علم باالضطرار من دين اإلسالم أن األمر وقول هؤالء كفر صريح وإن وقع فيه طوائف مل يعلموا أن والنهي الزمان لكل عبد ما دام عقله حاضرا إىل أن ميوت

ال يسقطان عنه ال بشهوده القدر وال بغري ذلك فمن مل يعرف ذلك عرفه وبين له فإن أصر على اعتقاد سقوط األمر .والنهي فإنه يقتل

.يف املستأخرين وقد كثرت مثل هذه املقاالتوأما املتقدمون من هذه األمة فلم تكن هذه املقاالت معروفة فيهم وهذه املقاالت هي حمادة هللا ورسوله ومعاداة له وصد عن سبيله ومشاقة له وتكذيب لرسله ومضادة له يف حكمه وإن كان من يقول هذه املقاالت قد جيهل ذلك

سول وطريق أولياء اهللا احملققني فهو يف ذلك مبنزلة من يعتقد أن الصالة ويعتقد أن هذا الذي هو عليه هو طريق الر

Page 9: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ال جتب عليه الستغنائه عنها مبا حصل له من األحوال القلبية أو أن اخلمر حالل له لكونه من اخلواص الذين ال .يضرهم شرب اخلمر أو أن الفاحشة حالل له ألنه صار كالبحر ال تكدره الذنوب وحنو ذلك

يب أن املشركني الذين كذبوا الرسول يترددون بني البدعة املخالفة لشرع اهللا وبني االحتجاج بالقدر على وال ر خمالفة أمر اهللا فهذه األصناف فيها شبه من املشركني ؛ إما أن يبتدعوا

وإذا فعلوا { ] : األعراف ٢٨[ وإما أن حيتجوا بالقدر وإما أن جيمعوا بني األمرين كما قال تعاىل عن املشركني وكما } فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا واهللا أمرنا هبا قل إن اهللا ال يأمر بالفحشاء أتقولون على اهللا ما ال تعلمون

سيقول الذين أشركوا لو شاء اهللا ما أشركنا وال آباؤنا وال حرمنا من شيء { ] : األنعام ١٤٨[ قال تعاىل عنهم {.

[ ما ابتدعوه من الدين الذي فيه حتليل احلرام وعبادة اهللا مبا مل يشرع اهللا يف مثل قوله تعاىل وقد ذكر عن املشركني وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ال يطعمها إال من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام { ] : األنعام ١٣٨

يا بين آدم { ] : ٣٣-٢٧[ ة األعراف إىل آخر السورة وكذلك يف سور} ال يذكرون اسم اهللا عليها افتراء عليه وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا واهللا { : إىل قوله } ال يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من اجلنة

قل أمر ريب بالقسط وأقيموا وجوهكم عند * أمرنا هبا قل إن اهللا ال يأمر بالفحشاء أتقولون على اهللا ما ال تعلمون قل من حرم زينة اهللا اليت أخرج * وكلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني { : إىل قوله } كل مسجد

قل إمنا حرم ريب الفواحش ما ظهر منها وما بطن واإلمث والبغي بغري احلق { : إىل قوله } لعباده والطيبات من الرزق .} ما ال تعلمون وأن تشركوا باهللا ما مل ينزل به سلطانا وأن تقولوا على اهللا

وهؤالء قد يسمون ما أحدثوه من البدع حقيقة كما يسمون ما يشهدون من القدر حقيقة وطريق احلقيقة عندهم هو السلوك الذي ال يتقيد صاحبه بأمر الشارع وهنيه ولكن مبا

.يراه ويذوقه وجيده يف قلبه مع ما فيه من غفلة عن اهللا جل وعال وحنو ذلك حيتجون بالقدر مطلقا بل عمدهتم اتباع آرائهم وأهوائهم وجعلهم ما يرونه وما يهوونه حقيقة ويأمرون وهؤالء ال

باتباعها دون اتباع أمر اهللا ورسوله نظري بدع أهل الكالم من اجلهمية وغريهم الذين جيعلون ما ابتدعوه من األقوال ا دلت علية السمعيات مث الكتاب والسنة إما أن حيرفوا املخالفة للكتاب والسنة حقائق عقلية جيب اعتقادها دون م

نفوض معناه إىل اهللا مع : القول فيهما عن مواضعه وإما أن يعرضوا عنه بالكلية فال يتدبرونه وال يعقلونه بل يقولون ليات اعتقادهم نقيض مدلوله وإذا حقق على هؤالء ما يزعمونه من العقليات املخالفة للكتاب والسنة وجدت جه

.واعتقادات فاسدة وكذلك أولئك إذا حقق عليهم ما يزعمونه من حقائق أولياء اهللا املخالفة للكتاب والسنة وجدت من األهواء اليت

.يتبعها أعداء اهللا ال أولياؤه ن وأصل ضالل من ضل هو بتقدمي قياسه على النص املنزل من عند اهللا وتقدمي اتباع اهلوى على اتباع أمر اهللا فإ

.الذوق والوجد وحنو ذلك هو حبسب ما حيبه العبد ويهواه فكل حمب له ذوق ووجد حبسب حمبته وهواه فأهل اإلميان هلم من الذوق والوجد مثل ما بينه النيب صلى اهللا عليه وسلم

Page 10: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

سوامها من كان اهللا ورسوله أحب إليه مما: ثالث من كن فيه وجد حالوة اإلميان : " بقوله يف احلديث الصحيح ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هللا ومن كان يكره أن يرجع يف الكفر بعد إذ أنقذه اهللا منه كما يكره أن يلقى يف

" .ذاق طعم اإلميان من رضي باهللا ربا وباإلسالم دينا ومبحمد نبيا : " وقال صلى اهللا عليه وسلم " النار .وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل حبسبه

] : البقرة ٩٣[ أنسيت قوله تعاىل : ما بال أهل األهواء هلم حمبة شديدة ألهوائهم ؟ فقال : قيل لسفيان بن عيينة .أو حنو هذا من الكالم } وأشربوا يف قلوهبم العجل بكفرهم {

أندادا حيبوهنم ومن الناس من يتخذ من دون اهللا{ ] : البقرة ١٦٥[ فعباد األصنام حيبون آهلتهم كما قال تعاىل فإن مل يستجيبوا لك فاعلم أمنا يتبعون أهواءهم { ] : القصص ٥٠[ وقال } كحب اهللا والذين آمنوا أشد حبا هللا

إن يتبعون إال الظن وما هتوى األنفس ولقد { ] : النجم ٢٣[ وقال } ومن أضل ممن اتبع هواه بغري هدى من اهللا .} جاءهم من رهبم اهلدى

هؤالء ويغرمون بسماع الشعر واألصوات اليت هتيج احملبة املطلقة اليت ال ختتص بأهل اإلميان بل وهلذا مييل

يشترك فيها حمب الرمحن وحمب األوثان وحمب الصلبان وحمب األوطان وحمب اإلخوان وحمب املردان وحمب السنة وما كان عليه سلف األمة النسوان وهؤالء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غري اعتبار لذلك بالكتاب و

. فاملخالف ملا بعث اهللا به رسوله من عبادته وحده وطاعته وطاعة رسوله ال يكون متبعا لدين شرعه اهللا أبدا كما قال

إهنم لن * مث جعلناك على شريعة من األمر فاتبعها وال تتبع أهواء الذين ال يعلمون { ] : اجلاثية ١٩-١٨[ تعاىل بل يكون متبعا هلواه بغري هدى من اهللا } اهللا شيئا وإن الظاملني بعضهم أولياء بعض واهللا ويل املتقني يغنوا عنك من

.} أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل يأذن به اهللا { ] : الشورى ٢١[ قال تعاىل رة حيتجون بالقدر الكوين على وهم يف ذلك تارة يكونون على بدعة يسموهنا حقيقة يقدموهنا على ما شرعه اهللا وتا

.الشريعة كما أخرب اهللا به عن املشركني كما تقدم ومن هؤالء طائفة هم أعالهم عندهم قدرا وهو مستمسكون مبا اختاروا هبواهم من الدين يف أداء الفرائض املشهورة

ظانني أن العارف إذا شهد واجتناب احملرمات املشهورة لكن يضلون بترك ما أمروا به من األسباب اليت هي عبادة القدر أعرض عن ذلك مثل من جيعل التوكل منهم أو

الدعاء منهم وحنو ذلك من مقامات العامة دون اخلاصة بناء على أن من شهد القدر علم أن ما قدر سيكون فال .حاجة إىل ذلك وهذا ضالل مبني

إن اهللا : " باهبما كما قال النيب صلى اهللا عليه وسلم فإن اهللا قدر األشياء بأسباهبا كما قدر السعادة والشقاوة بأسخلق للجنة أهال خلقها هلم وهم يف أصالب آبائهم وبعمل أهل اجلنة يعملون وخلق للنار أهال خلقها هلم وهم يف

ر وكما قال النيب صلى اهللا عليه وسلم ملا أخربهم بأن اهللا كتب املقادي" أصالب آبائهم وبعمل أهل النار يعملون ال اعملوا فكل ميسر ملا خلق له أما من كان : " يا رسول اهللا أفال ندع العمل ونتكل على الكتاب ؟ فقال : فقالوا

" .من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة { ] : هود ١٢٣[ مقرون بالعبادة كما يف قوله تعاىل فكل ما أمر اهللا به عباده من األسباب فهو عبادة والتوكل

Page 11: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

وقول } قل هو ريب ال إله إال هو عليه توكلت وإليه متاب { ] : الرعد ٣٠[ ويف قوله } فاعبده وتوكل عليه .} عليه توكلت وإليه أنيب { ] : هود ٨٨[ شعيب عليه السالم

.بات فتنقص بقدر ذلك ومنهم طائفة قد تترك املستحبات من األعمال دون الواج -مثل مكاشفة أو استجابة دعوة خمالفة للعادة وحنو ذلك -ومنهم طائفة يغترون مبا حيصل هلم من خرق عادة

.فيشتغل أحدهم هبذه األمور عما أمر به من العبادة والشكر وحنو ذلك ها مبالزمة أمر اهللا الذي بعث به فهذه األمور وحنوها كثريا ما تعرض ألهل السلوك والتوجه وإمنا ينجو العبد من

: كان من مضى من سلفنا يقولون : رسوله يف كل وقت كما قال الزهري

االعتصام بالسنة جناة

.مثل سفينة نوح من ركبها جنا ومن ختلف عنها غرق : وذلك أن السنة كما قال مالك رمحه اهللا . :و ذلك من األمساء مقصودها واحد وهلا أصالن والعبادة والطاعة واالستقامة ولزوم الصراط املستقيم وحن

.أحدمها أن ال يعبد إال اهللا { ] : الكهف ١١٠[ والثاين أال يعبده إال مبا أمر وشرع ال يعبده بغري ذلك من األهواء والظنون والبدع قال تعاىل

بلى { ] : البقرة ١١٢[ وقال تعاىل} فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال صاحلا وال يشرك بعبادة ربه أحدا ] : النساء ١٢٥[ وقال تعاىل } من أسلم وجهه هللا وهو حمسن فله أجره عند ربه وال خوف عليهم وال هم حيزنون

. } ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه هللا وهو حمسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واختذ اهللا إبراهيم خليال {

ف

العمل الصاحل هو اإلحسان

.احلسنات واحلسنات هي ما أحبه اهللا ورسوله وهو ما أمر به أمر إجياب أو استجاب وهو فعلوإن قاهلا من قاهلا ، وعمل هبا -فما كان من البدع يف الدين اليت ليست يف الكتاب ، وال يف صحيح السنة ، فإهنا

كما أن . وال من العمل الصاحل ليست مشروعة ؛ فإن اهللا ال حيبها وال رسوله ، فال تكون من احلسنات -من عمل .من يعمل ما ال جيوز ، كالفواحش والظلم ليس من احلسنات وال من العمل الصاحل

فهو } أسلم وجهه هللا { ] البقرة ١١٢[ وقوله } وال يشرك بعبادة ربه أحدا { ] : الكهف ١١٠[ وأما قوله عل عملي كله صاحلا واجعله لوجهك خالصا وال اللهم اج: إخالص الدين هللا وحده وكان عمر بن اخلطاب يقول

.جتعل ألحد فيه شيئا أخلصه : قال } ليبلوكم أيكم أحسن عمال { ] : امللك ٢هود ، ٧[ وقال الفضيل بن عياض يف قوله تعاىل

كان إن العمل إذا كان خالصا ومل يكن صوابا مل يقبل وإذا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : وأصوبه قالوا .صوابا ومل يكن خالصا مل يقبل حىت يكون خالصا صوابا واخلالص أن يكون هللا والصواب أن يكون على السنة

٥[ فإذا كان مجيع ما حيبه اهللا داخال يف اسم العبادة فلماذا عطف عليها غريها كقوله يف فاحتة الكتاب : فإن قيل ] : الفاحتة

Page 12: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

{ ] : نوح ٣[ وقول نوح } فاعبده وتوكل عليه { ] : هود ١٢٣[ نبيه وقوله ل} إياك نعبد وإياك نستعني { وكذلك قول غريه من الرسل ؟} اعبدوا اهللا واتقوه وأطيعون

والفحشاء من } إن الصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر { ] : العنكبوت ٤٥[ هذا له نظائر كما يف قوله : قيل اهللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء إن { ] : النحل ٩٠[ املنكر وكذلك قوله

[ وإيتاء ذي القرىب هو من العدل واإلحسان كما أن الفحشاء والبغي من املنكر وكذلك قوله } واملنكر والبغي وإقامة الصالة من أعظم التمسك بالكتاب } والذين ميسكون بالكتاب وأقاموا الصالة { ] : األعراف ١٧٠

ودعاؤهم } إهنم كانوا يسارعون يف اخلريات ويدعوننا رغبا ورهبا { ] : األنبياء ٩٠[ كذلك قوله عن أنبيائه و .رغبا ورهبا من اخلريات وأمثال ذلك يف القرآن كثري

وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدمها بعض اآلخر فيعطف عليه ختصيصا له بالذكر لكونه مطلوبا باملعىن العام .ىن اخلاص واملع

وتارة تتنوع داللة االسم حبال االنفراد واالقتران فإذا أفرد عم وإذا قرن بغريه خص كاسم الفقري واملسكني ملا أفرد إطعام { ] : املائدة ٨٩[ وقوله } للفقراء الذين أحصروا يف سبيل اهللا { ] : البقرة ٢٧٣[ أحدمها يف مثل قوله

ا قرن بينهما يفدخل فيه اآلخر ومل} عشرة مساكني

.صارا نوعني } إمنا الصدقات للفقراء واملساكني { ] : التوبة ٦٠[ قوله إن اخلاص املعطوف على العام ال يدخل يف العام حال االقتران بل يكون من هذا الباب والتحقيق أن هذا : وقد قيل

٧[ وقال تعاىل } ه وجربيل وميكال من كان عدوا هللا ومالئكته ورسل{ ] : البقرة ٩٨[ ليس الزما قال تعاىل .} وإذ أخذنا من النبيني ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مرمي { ] : األحزاب

تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام كما يف نوح : وذكر اخلاص مع العام يكون ألسباب متنوعة { ] : البقرة ٤-٢[ فيه إطالق قد ال يفهم منه العموم كما يف قوله وإبراهيم وموسى وعيسى وتارة لكون العام

والذين يؤمنون مبا أنزل إليك وما * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصالة ومما رزقناهم ينفقون * هدى للمتقني فليس فيه يتناول كل الغيب الذي جيب اإلميان به لكن فيه إمجال} يؤمنون بالغيب { : فقوله } أنزل من قبلك

وقد يكون املقصود أهنم يؤمنون باملخرب به وهو } ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { داللة على أن من الغيب .} ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك { الغيب وباإلخبار بالغيب وهو

١٧٠[ وقوله } اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصالة{ ] : العنكبوت ٤٥[ ومن هذا الباب قوله تعاىل والذين ميسكون{ ] : األعراف

البقرة ١٢١[ وتالوة الكتاب هي اتباعه والعمل به كما قال ابن مسعود يف قوله تعاىل } بالكتاب وأقاموا الصالة حيلون حالله وحيرمون حرامه ويؤمنون مبتشاهبه ويعملون : قال } الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تالوته { ] : { ] : طه ١٤[ فاتباع الكتاب يتناول الصالة وغريها لكن خصها بالذكر ملزيتها وكذلك قوله ملوسى . مه مبحك

[ وإقامة الصالة لذكره من أجل عبادته وكذلك قوله تعاىل } إنين أنا اهللا ال إله إال أنا فاعبدين وأقم الصالة لذكري } اتقوا اهللا وابتغوا إليه الوسيلة { ] : املائدة ٣٥[ قوله و} اتقوا اهللا وقولوا قوال سديدا { ] : األحزاب ٧٠

فإن هذه األمور هي أيضا من متام تقوى اهللا وكذلك } اتقوا اهللا وكونوا مع الصادقني { ] : التوبة ١١٩[ وقوله ذكر فإن التوكل هو االستعانة وهي من عبادة اهللا لكن خصت بال} فاعبده وتوكل عليه { ] : هود ١٢٣[ قوله

Page 13: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.ليقصدها املتعبد خبصوصها فإهنا هي العون على سائر أنواع العبادة إذ هو سبحانه ال يعبد إال مبعونته إذا تبني هذا فكمال املخلوق يف حتقيق عبوديته هللا وكلما ازداد العبد حتقيقا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته

وه أو أن اخلروج عنها أكمل فهو من أجهل اخللق بل من ومن توهم أن املخلوق خيرج من العبودية بوجه من الوج ] :األنبياء ٢٨-٢٦[ أضلهم قال تعاىل

يعلم ما بني أيديهم * ال يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * وقالوا اختذ الرمحن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون { وقالوا اختذ { ] : مرمي ٩٥-٨٨[ عاىل وقال ت} وما خلفهم وال يشفعون إال ملن ارتضى وهم من خشيته مشفقون

أن دعوا للرمحن * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق األرض وختر اجلبال هدا * لقد جئتم شيئا إدا * الرمحن ولدا لقد أحصاهم * إن كل من يف السماوات واألرض إال آيت الرمحن عبدا * وما ينبغي للرمحن أن يتخذ ولدا * ولدا

إن هو إال عبد أنعمنا { ] : الزخرف ٥٩[ وقال تعاىل يف املسيح } م آتيه يوم القيامة فردا وكله* وعدهم عدا وله من يف السماوات واألرض ومن عنده { ] : األنبياء ٢٠-١٩[ وقال تعاىل } عليه وجعلناه مثال لبين إسرائيل

النساء ١٧٣-١٧٢[ وقال تعاىل } يسبحون الليل والنهار ال يفترون * ال يستكربون عن عبادته وال يستحسرون لن يستنكف املسيح أن يكون عبدا هللا وال املالئكة املقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكرب فسيحشرهم { ] :

فأما الذين آمنوا وعملوا الصاحلات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا * إليه مجيعا وقال { ] : غافر ٦٠[ وقال تعاىل } وال جيدون هلم من دون اهللا وليا وال نصريا واستكربوا فيعذهبم عذابا أليما

٣٨-٣٧[ وقال تعاىل } ربكم ادعوين أستجب لكم إن الذين يستكربون عن عباديت سيدخلون جهنم داخرين ذي خلقهن ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ال تسجدوا للشمس وال للقمر واسجدوا هللا ال{ ] : فصلت

[ وقال تعاىل } فإن استكربوا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم ال يسأمون * إن كنتم إياه تعبدون واذكر ربك يف نفسك تضرعا وخيفة ودون اجلهر من{ ] : األعراف ٢٠٦-٢٠٥

ادته ويسبحونه وله إن الذين عند ربك ال يستكربون عن عب* القول بالغدو واآلصال وال تكن من الغافلني .} يسجدون

وهذا وحنوه مما فيه

وصف أكابر اخللق بالعبادة

{ ] : األنبياء ٢٥[ وذم من خرج عن ذلك متعدد يف القرآن وقد أخرب أنه أرسل مجيع الرسل بذلك فقال تعاىل ولقد { ] : النحل ٣٦[ وقال تعاىل } وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون

يا { ] : العنكبوت ٥٦[ وقال تعاىل لبىن إسرائيل } بعثنا يف كل أمة رسوال أن اعبدوا اهللا واجتنبوا الطاغوت ] : البقرة ٢١[ وقال } وإياي فاتقون { ] : البقرة ٤١[ } عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون

وما { ] : الذاريات ٥٦[ وقال } ي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذ{ قل إين أمرت أن أعبد اهللا خملصا له الدين { ] : الزمر ١٥-١١[ وقال تعاىل } خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون

* لصا له ديين قل اهللا أعبد خم* قل إين أخاف إن عصيت ريب عذاب يوم عظيم * وأمرت ألن أكون أول املسلمني * .} فاعبدوا ما شئتم من دونه

Page 14: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

وكل رسول من الرسل افتتح دعوته بالدعاء إىل عبادة اهللا كقول نوح ومن بعده عليهم السالم يف سورة الشعراء . } اعبدوا اهللا ما لكم من إله غريه { ] : األعراف ٥٩[ وغريها

بعثت بالسيف بني يدى الساعة حىت يعبد اهللا : " م أنه قال عن ابن عمر عن النيب صلى اهللا عليه وسل" املسند " ويف " .وحده ال شريك له وجعل رزقي حتت ظل رحمي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ] : احلجر ٤٠-٣٩[ وقد بني أن عباده املخلصني هم الذين ينجون من السيئات اليت زينها الشيطان قال الشيطان

٤٢-٤١[ قال تعاىل } إال عبادك منهم املخلصني * ألزينن هلم يف األرض وألغوينهم أمجعني قال رب مبا أغويتين{ [ وقال } إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إال من اتبعك من الغاوين * هذا صراط علي مستقيم { ] : احلجر ] يوسف ٢٤[ وسف وقال يف حق ي} إال عبادك منهم املخلصني * فبعزتك ألغوينهم أمجعني { ] : ص ٨٣-٨٢

{ ] : الصافات ١٦٠-١٥٩[ وقال تعاىل } كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني { : إنه ليس له سلطان على { ] : النحل ١٠٠-٩٩[ وقال تعاىل } إال عباد اهللا املخلصني * سبحان اهللا عما يصفون

.} لى الذين يتولونه والذين هم به مشركون إمنا سلطانه ع* الذين آمنوا وعلى رهبم يتوكلون

واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب { ] : ص ٤٧-٤٥[ وبالعبودية نعت كل من اصطفى من خلقه يف قوله ص ١٧[ وقوله } وإهنم عندنا ملن املصطفني األخيار* إنا أخلصناهم خبالصة ذكرى الدار * أويل األيدي واألبصار

وعن . } نعم العبد إنه أواب { ] : ص ٣٠[ وقال عن سليمان . } داود ذا األيد إنه أواب واذكر عبدنا { ] : وقال عن . } واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه { ] : ص ٤١[ وقال عنه . } نعم العبد { ] : ص ٤٤[ أيوب

١[ قال عن خامت رسله و. } ذرية من محلنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا { ] : اإلسراء ٣[ نوح عليه السالم وهو أوىل القبلتني ، وقد -} سبحان الذي أسرى بعبده ليال من املسجد احلرام إىل املسجد األقصى { ] : اإلسراء

خصه اهللا بأن جعل العبادة فيه خبمسمئة ضعف ، واملقصود مبضاعفة احلسنات هو املسجد الذي حرقه اليهود ، ١٩[ وقال -ملسجد األقصى هو الصخرة والقبة احمليطة هبا ، وليس كذلك عليهم لعنة اهللا ، ويظن البعض أن ا

وأنه ملا قام عبد{ ] : اجلن

فأوحى { ] : النجم ١٠[ وقال } وإن كنتم يف ريب مما نزلنا على عبدنا { ] : البقرة ٢٣[ وقال } اهللا يدعوه وعباد الرمحن { ] : الفرقان ٦٣[ وقال } اهللا عينا يشرب هبا عباد{ ] : اإلنسان ٦[ وقال } إىل عبده ما أوحى

.ومثل هذا كثري متعدد يف القرآن } الذين ميشون على األرض هونا ]يف التفاضل باإلميان [ فصل

إذا تبني ذلك فمعلوم أن الناس يتفاضلون يف هذا الباب تفاضال عظيما وهو تفاضلهم يف حقيقة اإلميان وهم .وهلذا كانت إهلية الرب هلم فيها عموم وخصوص ينقسمون فيه إىل عام وخاص

عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه " الصحيح " ويف " . أخفى من دبيب النمل " وهلذا كان الشرك يف هذه األمة تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد اخلميصة تعس وانتكس وإذا شيك فال : " قال

" .ي وإن منع سخط انتقش إن أعطي رضفسماه النيب صلى اهللا عليه وسلم عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد اخلميصة وذكر ما فيه دعاء وخربا

والنقش إخراج الشوكة من الرجل واملنقاش ما خيرج به " تعس وانتكس وإذا شيك فال انتقش : " وهو قوله

Page 15: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.الشوكة رج منه ومل يفلح لكونهوهذه حال من إذا أصابه شر مل خي

تعس وانتكس فال نال املطلوب وال خلص من املكروه وهذه

حال من عبد املال

ومنهم من يلمزك يف { ] : التوبة ٥٨[ وقد وصف ذلك بأنه إذا أعطي رضي وإن منع سخط كما قال تعاىل . اهللا وسخطهم لغري اهللا فرضاهم لغري} الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن مل يعطوا منها إذا هم يسخطون

إن حصل له رضي وإن مل حيصل له -وحنو ذلك من أهواء نفسه -وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة أو بصورة سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له إذ الرق والعبودية يف احلقيقة هو رق القلب وعبوديته فما استرق

.القلب واستعبده فهو عبده :قال وهلذا ي

واحلر عبد ما طمع... العبد حر ما قنع :وقال الشاعر

ولو أين قنعت لكنت حرا... أطعت مطامعي فاستعبدتين . الطمع غل يف العنق قيد يف الرجل فإذا زال الغل من العنق زال القيد من الرجل : ويقال

غىن وإن أحدكم إذا يئس من شئ استغىن الطمع فقر واليأس : ويروى عن عمر بن اخلطاب رضى اهللا عنه أنه قال .عنه

وهذا أمر جيده اإلنسان من نفسه فإن األمر الذي ييأس منه ال يطلبه وال يطمع فيه وال يبقى قلبه فقريا إليه وال إىل من يفعله وأما إذا طمع يف أمر من األمور ورجاه فإن قلبه يتعلق به فيصري فقريا إىل حصوله وإىل من يظن أنه سبب

فابتغوا { ] : العنكبوت ١٧[ حصوله وهذا يف املال واجلاه والصور وغري ذلك قال اخلليل صلى اهللا عليه وسلم يف .} عند اهللا الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون

وق فالعبد ال بد له من رزق وهو حمتاج إىل ذلك فإذا طلب رزقه من اهللا صار عبدا هللا فقريا إليه وإذا طلبه من خملصار عبدا لذلك املخلوق فقريا إليه وهلذا كانت مسألة املخلوق حمرمة يف األصل وإمنا أبيحت للضرورة ويف النهى

ال تزال املسألة : " كقوله صلى اهللا عليه وسلم " املسانيد " و " السنن " و " الصحاح " عنها أحاديث كثرية يف من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت: " وقال " حلم بأحدكم حىت يأيت يوم القيامة وليس يف وجهه مزعه

ال حتل املسألة إال لذي غرم مفظع أو دم : " وقوله " مسألته يوم القيامة خدوشا أو مخوشا أو كدوشا يف وجهه ألن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيحتطب خري له : " وفيه أيضا " الصحيح " وهذا املعىن يف " موجع أو فقر مدقع

ما أتاك من هذا املال وأنت غري سائل وال مستشرف فخذه وما ال : " وقال " الناس أعطوه أو منعوه من أن يسألمن يستغن يغنه : " فكره أخذه مع سؤال اللسان واستشراف القلب وقال يف احلديث الصحيح " فال تتبعه نفسك

" .وأوسع من الصرب اهللا ومن يستعف يعفه اهللا ومن يتصرب يصربه اهللا وما أعطي أحد عطاء خريا

Page 16: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

أن أبا بكر كان يسقط السوط من يده فال يقول " : ( املسند " وأوصى خواص أصحابه أال يسألوا الناس شيئا ويف وغريه عن عوف بن " صحيح مسلم " ويف ) إن خليلي أمرين أال أسأل الناس شيئا : ناولين إياه ويقول : ألحد

فكان " أن ال يسألوا الناس شيئا : " ه يف طائفة وأسر إليهم كلمة خفية مالك أن النيب صلى اهللا عليه وسلم بايع .ناولين إياه : بعض أولئك النفر يسقط السوط من يد أحدهم وال يقول ألحد

] : الشرح ٧[ وقد دلت النصوص على األمر مبسألة اخلالق والنهي عن مسألة املخلوق يف غري موضع كقوله تعاىل إذا سألت فأسال اهللا : " وقول النيب صلى اهللا عليه وسلم البن عباس } وإىل ربك فارغب *فإذا فرغت فانصب {

فابتغوا : ومل يقل } فابتغوا عند اهللا الرزق { ] : العنكبوت ١٧[ ومنه قول اخلليل " واذا استعنت فاستعن باهللا بتغوا الرزق إال عند اهللا وقد قال تعاىل ال ت: الرزق عند اهللا ألن تقدمي الظرف يشعر باالختصاص واحلصر كأنه قال

.} واسألوا اهللا من فضله { ] : النساء ٣٢[

واإلنسان البد له من حصول ما حيتاج إليه من الرزق وحنوه ودفع ما يضره وكال األمرين شرع له أن يكون دعاؤه إمنا أشكو بثي { ] : يوسف ٨٦[ م هللا فال يسأل رزقه إال من اهللا وال يشتكي إال إليه كما قال يعقوب عليه السال

.} وحزين إىل اهللا إن اهلجر اجلميل هو هجر بال : واهللا تعاىل ذكر يف القرآن اهلجر اجلميل والصفح اجلميل والصرب اجلميل وقد قيل

أذى والصفح اجلميل صفح بال معاتبة والصرب اجلميل صرب بغري شكوى إىل املخلوق وهلذا قرئ على أمحد بن حنبل .إنه شكوى فما أن أمحد حىت مات : إن طاوسا كان يكره أنني املريض ويقول : مرضه يف

٨٦[ وقال } فصرب مجيل { ] : يوسف ٨٣[ وأما الشكوى إىل اخلالق فال تنايف الصرب اجلميل فإن يعقوب قال .} إمنا أشكو بثي وحزين إىل اهللا { ] : يوسف

أ يف الفجر بسورة يونس ويوسف والنحل فمر هبذه اآلية يف قراءته فبكى وكان عمر بن اخلطاب رضي اهللا عنه يقر .حىت مسع نشيجه من آخر الصفوف

اللهم لك احلمد وإليك املشتكى وأنت املستعان وبك املستغاث وعليك التكالن وال حول وال : " ومن دعاء موسى اللهم إليك : " م ملا فعل به أهل الطائف ما فعلوا ويف الدعاء الذي دعا به النيب صلى اهللا عليه وسل" . قوة إال بك

أشكو ضعف قويت وقلة حيليت وهواين على الناس يا أرحم الرامحني أنت رب املستضعفني وأنت ريب اللهم إىل من تكلين ؟ إىل بعيد يتجهمين أم إىل عدو ملكته أمري ؟ إن مل يكن بك غضب علي فال أبايل غري أن عافيتك أوسع يل

ور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا واآلخرة أن ينزل يب سخطك أو حيل علي أعوذ بن " .وال حول وال قوة إال بك : " ويف بعض الروايات " غضبك لك العتىب حىت ترضى فال حول وال قوة إال باهللا

قويت عبوديته له وحريته مما سواه وكلما قوي طمع العبد يف فضل اهللا ورمحته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضرورته فكما أن طمعه يف املخلوق يوجب عبوديته له فيأسه منه يوجب غىن قلبه

فكذلك طمع العبد يف ربه ورجاؤه . نظريه ، وأفضل على من شئت تكن أمريه ، واحتج إىل من شئت تكن أسريه انصراف قلبه عن العبودية هللا ال سيما من له يوجب عبوديته له وإعراض قلبه عن الطلب من اهللا والرجاء له يوجب

كان يرجو املخلوق واليرجو اخلالق حبيث يكون قلبه معتمدا إما على رئاسته وجنوده وأتباعه ومماليكه وإما على أهله وأصدقائه وإما على أمواله وذخائره وإما على ساداته وكبارئه كمالكه وملكه وشيخه وخمدومه وغريهم ممن هو

Page 17: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

وتوكل على احلي الذي ال ميوت وسبح حبمده وكفى به بذنوب { ] : الفرقان ٥٨[ وت قال تعاىل قد مات أو مي .} عباده خبريا

وكل من علق قلبه باملخلوقني أن ينصروه أو يرزقوه أو أن يهدوه خضع قلبه هلم وصار فيه من العبودية هلم بقدر هبم فالعاقل ينظر إىل احلقائق ال إىل الظواهر فالرجل إذا ذلك وإن كان يف الظاهر أمريا هلم مدبرا ألمورهم متصرفا

تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له يبقى قلبه أسريا هلا حتكم فيه وتتصرف مبا تريد وهو يف الظاهر سيدها ألنه ال يعتاض زوجها أو مالكها ولكنه يف احلقيقة هو أسريها ومملوكها وال سيما إذا علمت بفقرة إليها وعشقه هلا وأنه

عنها بغريها فإهنا حينئذ تتحكم فيه حتكم السيد القاهر الظامل يف عبده املقهور الذي ال يستطيع اخلالص منه بل أعظم فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن فإن من استبعد بدنه واسترق وأسر

ال يبايل إذا كان قلبه

.مطمئنا ، بل ميكنه االحتيال يف اخلالص مسترحيا من ذلكوأما إذا كان القلب الذي هو ملك اجلسم رقيقا مستعبدا متيما لغري اهللا فهذا هو الذل واألسر احملض والعبودية

.الذليلة ملا استعبد القلب رقه فاجر بغري حق مل وعبودية القلب وأسره هي اليت يترتب عليها الثواب والعقاب فإن املسلم لو أسره كافر أو است

" أدى حق اهللا وحق مواليه فله أجران " يضره ذلك إذا كان قائما مبا يقدر عليه من الواجبات ومن استعبد حبق إذا ولو أكره على التكلم بالكفر فتكلم به وقلبه مطمئن باإلميان مل يضره ذلك وأما من استعبد قلبه فصار عبدا لغري اهللا

.يف الظاهر ملك الناس فهذا يضره ذلك ولو كانليس : " فاحلرية حرية القلب والعبودية عبودية القلب كما أن الغىن غىن النفس قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

" .الغىن عن كثرة العرض وإمنا الغىن غىن النفس رأة أو صيب فهذا هو فأما من استعبد قلبه صورة حمرمة ام. وهذا لعمرو اهللا إذا كان قد استبعد قلبه صورة مباحة

.العذاب الذي ال يدانيه عذاب

وهؤالء عشاق الصور ، من أعظم الناس عذابا وأقلهم ثوابا ، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقا هبا مستعبدا هلا القلب اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما ال حيصيه إال رب العباد ولو سلم من فعل الفاحشة الكربى فداوم تعلق

هبا بال فعل الفاحشة أشد ضررا عليه ممن يفعل ذنبا مث يتوب منه ويزول أثره من قلبه وهؤالء يشبهون بالسكارى :واجملانني كما قيل

ومىت إفاقة من به سكران ؟... سكران سكر هوى وسكر مدامة :وقيل

العشق أعظم مما باجملانني... قالوا جننت مبن هتوى فقلت هلم وإمنا يصرع اجملنون يف حني... لعشق ال يستفيق الدهر صاحبه ا

ومن أعظم أسباب هذا البالء إعراض القلب عن اهللا فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة اهللا واإلخالص له مل يكن عنده إليه منه شيء قط أحلى من ذلك وال ألذ وال أمتع وال أطيب واإلنسان ال يترك حمبوبا إال مبحبوب آخر يكون أحب

.أو خوفا من مكروه فاحلب الفاسد إمنا ينصرف القلب عنه باحلب الصاحل أو باخلوف من الضرر

Page 18: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

فاهللا } كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني { ] : يوسف ٢٤[ قال تعاىل يف حق يوسف لفحشاء بإخالصه هللا وهلذا يكون قبل أن يصرف عن عبده ما يسوؤه من امليل إىل الصور والتعلق هبا ويصرف عنه ا

يذوق حالوة العبودية هللا واإلخالص له حبيث تغلبة نفسه على اتباع هواها فإذا ذاق طعم اإلخالص وقوي يف قلبه .انقهر له هواه بال عالج

فيها دفع فإن الصالة} إن الصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر ولذكر اهللا أكرب { ] : العنكبوت ٤٥[ قال تعاىل مكروه وهو الفحشاء واملنكر وفيها حتصيل حمبوب وهو ذكر اهللا وحصول هذا احملبوب أكرب من دفع ذلك املكروه .فإن ذكر اهللا عبادة هللا وعبادة القلب هللا مقصودة لذاهتا وأما اندفاع الشر عنه فهو مقصود لغريه على سبيل التبع

عرضت لهوالقلب خلق حيب احلق ويريده ويطلبه فلما

.إرادة الشر طلب دفع ذلك فإهنا تفسد القلب كما يفسد الزرع مبا ينبت فيه من الدغل ١٥-١٤[ وقال تعاىل } وقد خاب من دساها * قد أفلح من زكاها { ] : الشمس ١٠-٩[ وهلذا قال تعاىل

قل للمؤمنني يغضوا من { ] : النور ٣٠[ وقال تعاىل } وذكر اسم ربه فصلى * قد أفلح من تزكى { ] : األعلى ولوال فضل اهللا عليكم ورمحته ما زكى { ] : النور ٢١[ وقال تعاىل } أبصارهم وحيفظوا فروجهم ذلك أزكى هلم

فجعل سبحانه غض البصر وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفس وبني أن ترك الفواحش من } منكم من أحد أبدا .يع الشرور من الفواحش والظلم والشرك والكذب وغري ذلك زكاة النفوس وزكاة النفوس تتضمن زوال مج

وكذلك طالب الرئاسة والعلو يف األرض قلبه رقيق ملن يعينه عليها ولو كان يف الظاهر مقدمهم واملطاع فيهم فهو يف اهر رئيس احلقيقة يرجوهم وخيافهم فيبذل هلم األموال والواليات ويعفوا عما جيترحونه ليطيعوه ويعينوه فهو يف الظ

.مطاع ويف احلقيقة عبد مطيع هلم والتحقيق أن كالمها فيه عبودية لآلخر وكالمها تارك حلقيقة عبادة اهللا وإذا كان تعاوهنما على العلو يف األرض

بغري احلق كانا مبنزلة املتعاونني على الفاحشة أو قطع الطريق فكل واحد من الشخصني هلواه الذي استعبده واسترقه .د لآلخر مستعب

.وهكذا أيضا طالب املال فإن ذلك يستعبده ويسترقه :وهذه األمور نوعان

منها ما حيتاج العبد إليه كما حيتاج إليه من طعامه وشرابه ومسكنه ومنكحه وحنو ذلك فهذا يطلبه من اهللا ويرغب الذي جيلس عليه بل مبنزلة الكنيف إليه فيه فيكون املال عنده يستعمله يف حاجته مبنزلة محاره الذي يركبه وبساطه

[ } وإذا مسه اخلري منوعا * إذا مسه الشر جزوعا * هلوعا { الذي يقضى فيه حاجته من غري أن يستعبده فيكون ] .املعارج ٢١-١٩

عتمدا ومنها ما ال حيتاج العبد إليه فهذا ال ينبغي له أن يعلق قلبه به فإذا علق قلبه به صار مستعبدا له ورمبا صار معلى غري اهللا فال يبقى معه حقيقة العبادة هللا وال حقيقة التوكل عليه بل فيه شعبة من العبادة لغري اهللا وشعبة من

تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس : " التوكل على غري اهللا وهذا من أحق الناس بقوله صلى اهللا عليه وسلم د هذه األمور فإنه لووهذا هو عب" عبد القطيفة تعس عبد اخلميصة

Page 19: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

طلبها من اهللا فإن اهللا إذا أعطاه إياه رضي وإن منعه إياه سخط وإمنا عبد اهللا من يرضيه ما يرضي اهللا ويسخطه ما يسخط اهللا وحيب ما أحبه اهللا ورسوله ويبغض ما أبغضه اهللا ورسوله ويوايل أولياء اهللا ويعادي أعداء اهللا تعاىل وهذا

" . من أحب هللا وأبغض هللا وأعطى هللا ومنع هللا فقد استكمل اإلميان : " ميان كما يف احلديث هو الذي استكمل اإل : " وقال

أوثق عرى اإلميان

" .احلب يف اهللا والبغض يف اهللا من كان اهللا ورسوله أحب : ثالث من كن فيه وجد حالوة اإلميان : " عنه صلى اهللا عليه وسلم " الصحيح " ويف

امها ومن كان حيب املرء ال حيبه إال هللا ومن كان يكره أن يرجع إىل الكفر بعد إذا أنقذه اهللا منه كما يكره إليه مما سوفهذا وافق ربه فيما حيبه وما يكرهه فكان اهللا ورسوله أحب إليه مما سوامها وأحب املخلوق هللا " . أن يلقى يف النار

حمبوب ال لغرض آخر فكان هذا من متام حبه هللا فإن حمبة

احملبوب من متام حمبة احملبوب فإذا أحب أنبياء اهللا وأولياء اهللا ألجل قيامهم مبحبوبات احلق ال لشيء آخر فقد أحبهم فسوف يأيت اهللا بقوم حيبهم وحيبونه أذلة على املؤمنني أعزة على { ] : املائدة ٥٤[ هللا ال لغريه وقد قال تعاىل

.} الكافرين فإن الرسول ال يأمر إال مبا } قل إن كنتم حتبون اهللا فاتبعوين حيببكم اهللا { ] : آل عمران ٣١ [وهلذا قال تعاىل

.حيب اهللا وال ينهى إال عما يبغضه اهللا وال يفعل إال ما حيبه اهللا وال خيرب إال مبا حيب اهللا التصديق به ا أمر ويتأسى به فيما فعل ومن فعل هذا فقد فمن كان حمبا هللا لزم أن يتبع الرسول فيصدقه فيما أخرب ويطيعه فيم

.فعل ما حيبه اهللا فيحبه اهللا اتباع الرسول واجلهاد يف سبيله وذلك ألن اجلهاد حقيقة االجتهاد يف حصول ما : وقد جعل اهللا ألهل حمبته عالمتني

٢٤[ يان وقد قال تعاىل حيبه اهللا من اإلميان والعمل الصاحل ومن دفع ما يبغضه اهللا من الكفر والفسوق والعصقل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشريتكم وأموال اقترفتموها وجتارة ختشون { ] : التوبة

فتوعد من } كسادها ومساكن ترضوهنا أحب إليكم من اهللا ورسوله وجهاد يف سبيله فتربصوا حىت يأيت اهللا بأمره " وله واجلهاد يف سبيله هبذا الوعيد بل قد ثبت عنه صلى اهللا عليه وسلم يف كان أهله وماله أحب إليه من اهللا ورس

والذي نفسي بيده ال يؤمن: " أنه قال " الصحيح

يا : أن عمر بن اخلطاب قال " الصحيح " ويف " . عني أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجفقال " ال يا عمر حىت أكون أحب إليك من نفسك : " رسول اهللا ألنت أحب إيل من كل شيء إال من نفسى فقال

" .اآلن يا عمر : " فواهللا ألنت أحب إيل من نفسي فقال : حب ما حيب وبغض ما يبغض واهللا حيب اإلميان والتقوى فحقيقة احملبة ال تتم إال مبواالة احملبوب وهو موافقته يف

.ويبغض الكفر والفسوق والعصيان ومعلوم أن احلب حيرك إرادة القلب فكلما قويت احملبة يف القلب طلب القلب فعل احملبوبات فإذا كانت احملبة تامة

وإن كان عاجزا عنها ففعل ما يقدر استلزمت إرادة جازمة يف حصول احملبوبات فإذا كان العبد قادر عليها حصلهامن دعا إىل هدى كان له من : " عليه من ذلك كان له أجر كأجر الفاعل كما قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

Page 20: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

األجر مثل أجور من اتبعه من غري أن ينقص من أجورهم شيء ومن دعا إىل ضاللة كان عليه من الوزر مثل أوزار إن باملدينة لرجاال ما سرمت مسريا وال قطعتم واديا إال : " وقال " . أجورهم شيء من اتبعه من غري أن ينقص من

" .وهم باملدينة حبسهم العذر : " وهم باملدينة ؟ قال : قالوا " كانوا معكم

فإذا . يف حصول حمبوب احلق ، ودفع ما يكرهه احلق -وهو كل ما يملك من القدرة -هو بذل الوسع : واجلهاد .العبد ما يقدر عليه من اجلهاد كان دليال على ضعف حمبة اهللا ورسوله يف قلبه ترك

ومعلوم أن احملبوبات ال تنال غالبا إال باحتمال املكروهات سواء كانت حمبة صاحلة أو فاسدة فاحملبون للمال ر يف الدنيا واآلخرة فاحملب والرئاسة والصور ال ينالون مطالبهم إال بضرر يلحقهم يف الدنيا مع ما يصيبهم من الضر

هللا ورسوله إذا مل حيتمل ما يرى ذو الرأي من احملبني لغري اهللا مما حيتملون يف سبيل حصول حمبوهبم دل ذلك على .ضعف حمبتهم هللا إذا كان ما يسلكه أولئك يف نظرهم هو الطريق الذي يشري به العقل

ومن الناس من يتخذ من دون اهللا أندادا حيبوهنم { ] : البقرة ١٦٥[ ومن املعلوم أن املؤمن أشد حبا هللا قال تعاىل .} كحب اهللا والذين آمنوا أشد حبا هللا

نعم قد يسلك احملب لضعف عقله وفساد تصوره طريقا ال حيصل هبا املطلوب فمثل هذه الطريق ال حتمد إذا كانت كما يفعله املتهورون يف طلب املال ! موصل ؟احملبة صاحلة حممودة فكيف إذا كانت احملبة فاسدة والطريق غري

الرئاسة والصور من حب أمور توجب هلم ضررا وال

.حتصل هلم مطلوبا ، وإمنا املقصود الطرق اليت يسلكها العقل السليم حلصول مطلوبه ودية ازداد له حبا إذا تبني هذا فكلما ازداد القلب حبا هللا ازداد له عبودية ازداد له عبودية ، وكلما ازداد له عب

من جهة العبادة وهي العلة الغائية ومن جهة االستعانة : والقلب فقري بالذات إىل اهللا من وجهني . وفضله عما سواه والتوكل وهي العلة الفاعلة فالقلب ال يصلح وال يفلح وال ينعم وال يسر وال يلتذ وال يطيب وال يسكن وال يطمئن

ة إليه ولو حصل له كل ما يلتذ به من املخلوقات مل يطمئن ومل يسكن إذ فيه فقر ذايت إىل إال بعبادة ربه وحبه واإلناب .ربه من حيث هو معبوده وحمبوبه ومطلوبه وبذلك حيصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة

إياك نعبد { فهو دائما مفتقر إىل حقيقة وهذا ال حيصل له إال باعانة اهللا له فإنه ال يقدر على حتصيل ذلك له إال اهللافإنه لو أعني على حصوله كل ما حيبه ويطلبه ويشتهيه ويريده ومل حيصل له عبادة هللا فلن حيصل إال } وإياك نستعني

على األمل واحلسرة والعذاب ولن خيلص من آالم الدنيا ونكد عيشها إال بإخالص احلب هللا حبيث يكون اهللا هو غاية وهناية مقصوده وهو احملبوب له بالقصد األول وكل ما سواهمراده

وال حقق ) ال إله إال اهللا ( إمنا حيبه ألجله ال حيب شيئا لذاته إال اهللا ومىت مل حيصل له هذا مل يكن قد حقق حقيقة .حبسب ذلك التوحيد والعبودية واحملبة هللا وكان فيه من نقص التوحيد واإلميان بل من األمل واحلسرة والعذاب

ولو سعى يف هذا املطلوب ومل يكن مستعينا باهللا متوكال عليه مفتقرا إليه يف حصوله مل حيصل له فإنه ما شاء اهللا كان وما مل يشأ مل يكن فهو مفتقر إىل اهللا من حيث هو املطلوب احملبوب املراد املعبود ومن حيث هو املسئول املستعان به

.ال إله له غريه وهو ربه الذي ال رب له سواه املتوكل عليه فهو إهله الذيوال تتم عبوديته هللا إال هبذين فمىت كان حيب غري اهللا لذاته أو يلتفت إىل غري اهللا أنه يعينه كان عبدا ملا أحبه وعبدا

ومل يرج قط ملا رجاه حبسب حبه له ورجائه إياه وإذا مل حيب أحدا لذاته إال اهللا وأي شيء أحبه سواه فإمنا أحبه له

Page 21: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

شيئا إال اهللا وإذا فعل ما فعل من األسباب أو حصل ما حصل منها كان مشاهدا أن اهللا هو الذى خلقها وقدرها وسخرها له وأن كل ما يف السماوات واألرض فاهللا ربه ومليكه وخالقه ومسخره وهو مفتقر إليه كان قد حصل له

.من متام عبوديته هللا حبسب ما قسم له من ذلك

.لناس يف هذا على درجات متفاوتة ال حيصي طرقها إال اهللا وا .فأكمل اخللق وأفضلهم وأعالهم وأقرهبم إىل اهللا وأقواهم وأهداهم أمتهم عبودية هللا من هذا الوجه

وهذا هو حقيقة دين اإلسالم الذي أرسل اهللا به رسله وأنزل به كتبه وهو أن يستسلم العبد هللا ال لغريه فاملستسلم أن : عن النيب صلى اهللا عليه وسلم " الصحيح " وقد ثبت يف . ولغريه مشرك واملمتنع عن االستسالم له مستكرب لهكما أن النار ال خيلد فيها من كان يف قلبه مثقال ذرة من " . اجلنة ال يدخلها من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب "

عن النيب صلى اهللا " الصحيح " ينايف حقيقة العبودية كما ثبت يف إميان ، فجعل الكرب مقابال لإلميان ؛ فإن الكرب فالعظمة " العظمة إزاري والكربياء ردائي فمن نازعىن واحدا منهما عذبته : يقول اهللا : " عليه وسلم أنه قال

مبنزلة اإلزار والكربياء من خصائص الربوبية والكربياء أعلى من العظمة وهلذا جعلها مبنزلة الرداء كما جعل العظمة.

وهلذا كان شعار الصالة واألذان واألعياد هو التكبري وكان مستحبا يف األمكنة العالية كالصفا واملروة

وإذا عال اإلنسان شرفا أو ركب دابة وحنو ذلك وبه يطفأ احلريق وإن عظم وعند األذان يهرب الشيطان قال تعاىل .} م إن الذين يستكربون عن عباديت سيدخلون جهنم داخرين وقال ربكم ادعوين أستجب لك{ ] : غافر ٦٠[

" الصحيح " وكل من استكرب عن عبادة اهللا ال بد أن يعبد غريه فإن اإلنسان حساس يتحرك باإلرادة وقد ثبت يف من فاحلارث الكاسب الفاعل واهلمام فعال " أصدق األمساء حارث ومهام : " عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال

اهلم واهلم أول اإلرادة فاإلنسان له إرادة دائما وكل إرادة فال بد هلا من مراد تنتهى إليه فال بد لكل عبد من مراد حمبوب هو منتهى حبه وإرادته فمن مل يكن اهللا معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكرب عن ذلك فال بد أن له مراد

املراد احملبوب إما املال وإما اجلاه وإما الصور وإما ما يتخذه إهلا من دون حمبوب يستعبده غري اهللا فيكون عبدا لذلك اهللا كالشمس والقمر والكواكب واألوثان

.وقبور األنبياء والصاحلني أو من املالئكة واألنبياء الذين يتخذهم أربابا أو غري ذلك مما عبد من دون اهللا رب فهو مشرك وهلذا كان فرعون من أعظم اخللق استكبارا عن وإذا كان عبدا لغري اهللا يكون مشركا وكل مستك

إىل فرعون * ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبني { ] : غافر ٣٥-٢٣[ عبادة اهللا وكان مشركا قال تعاىل وقال موسى إين عذت بريب وربكم من كل متكرب ال يؤمن بيوم { : إىل قوله } وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب

{ ] : العنكبوت ٣٩[ وقال تعاىل . } كذلك يطبع اهللا على كل قلب متكرب جبار { : إىل قوله } ساب احل ٤[ وقال تعاىل . } وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكربوا يف األرض وما كانوا سابقني

منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إن فرعون عال يف األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة { ] : القصص . } وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة املفسدين { ] : النمل ١٤[وقال . }

.ومثل هذا يف القرآن كثري وقال املأل من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا { ] : األعراف ١٢٧[ وقد وصف فرعون بالشرك يف قوله

Page 22: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

بل االستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة اهللا كان أعظم } األرض ويذرك وآهلتك يف إشراكا باهللا ألنه كلما استكرب عن عبادة اهللا ازداد فقرا وحاجة إىل املراد احملبوب

.الذي هو املقصود مقصود القلب بالقصد األول فيكون مشركا مبا استعبده من ذلك يستغين القلب عن مجيع املخلوقات إال بأن يكون اهللا هو مواله الذي ال يعبد إال إياه وال يستعني إال به وال ولن

يتوكل إال عليه وال يفرح إال مبا حيبه ويرضاه وال يكره إال ما يبغضه الرب ويكرهه وال يواىل إال من وااله اهللا وال يبغض شيئا إال هللا فكلما قوي إخالص دينه هللا كملت عبوديته هللا يعادي إال من عاداه اهللا وال حيب إال هللا وال

.واستغناؤه عن املخلوقات وبكمال عبوديته هللا تكمل تربئته من الكرب والشرك اختذوا أحبارهم { ] : التوبة ٣١[ والشرك غالب على النصارى والكرب غالب على اليهود قال تعاىل يف النصارى

} اهللا واملسيح ابن مرمي وما أمروا إال ليعبدوا إهلا واحدا ال إله إال هو سبحانه عما يشركون ورهباهنم أربابا من دونأفكلما جاءكم رسول مبا ال هتوى أنفسكم استكربمت ففريقا كذبتم وفريقا { ] : البقرة ٨٧[ وقال يف اليهود

ن يف األرض بغري احلق وإن يروا كل سأصرف عن آيايت الذين يتكربو{ ] : األعراف ١٤٦[ وقال تعاىل } تقتلون .} آية ال يؤمنوا هبا وإن يروا سبيل الرشد ال يتخذوه سبيال وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيال

{ ] : النساء ٤٨[ وملا كان الكرب مستلزما للشرك والشرك ضد اإلسالم وهو الذنب الذي ال يغفره اهللا قال تعاىل ١١٦[ وقال } غفر ما دون ذلك ملن يشاء ومن يشرك باهللا فقد افترى إمثا عظيما إن اهللا ال يغفر أن يشرك به وي

} إن اهللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء ومن يشرك باهللا فقد ضل ضالال بعيدا { ] : النساء ألولني وال من اآلخرين قال كان األنبياء مجيعهم مبعوثني بدين اإلسالم فهو الدين الذي ال يقبل اهللا غريه ال من ا

} فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إال على اهللا وأمرت أن أكون من املسلمني { ] : يونس ٧٢[ نوح ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه ولقد اصطفيناه يف { ] : البقرة ١٣٢-١٣٠[ وقال يف حق إبراهيم

فال متوتن إال { : إىل قوله } إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العاملني * الدنيا وإنه يف اآلخرة ملن الصاحلني ٨٥-٨٤[ وقال موسى } توفين مسلما وأحلقين بالصاحلني { ] : يوسف ١٠١[ وقال يوسف } وأنتم مسلمون

٤٤[ وقال تعاىل } ا فقالوا على اهللا توكلن* يا قوم إن كنتم آمنتم باهللا فعليه توكلوا إن كنتم مسلمني { ] : يونس ٤٤[ وقالت بلقيس } إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور حيكم هبا النبيون الذين أسلموا للذين هادوا { ] : املائدة وإذ أوحيت { ] : املائدة ١١١[ وقال } رب إين ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان هللا رب العاملني { ] : النمل

إن الدين عند { ] : آل عمران ١٩[ وقال } سويل قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون إىل احلواريني أن آمنوا يب وبر }ومن يبتغ غري اإلسالم دينا فلن يقبل منه { ] : آل عمران ٨٥[ وقال } اهللا اإلسالم

فذكر} أفغري دين اهللا يبغون وله أسلم من يف السماوات واألرض طوعا وكرها { ] : آل عمران ٨٣[ وقال تعاىل إسالم الكائنات طوعا وكرها ألن املخلوقات مجيعها متعبدة له التعبد العام سواء أقر املقر بذلك أو أنكره وهم

مدينون له مدبرون فهم مسلمون له طوعا وكرها ليس ألحد من املخلوقات خروج عما شاءه وقدره وقضاه وال وهو خالقهم كلهم وبارئهم ومصورهم وكل ما حول وال قوة إال به وهو رب العاملني ومليكهم يصرفهم كيف يشاء

.سواه فهو مربوب مصنوع مفطور فقري حمتاج معبد مقهور وهو سبحانه الواحد القهار اخلالق البارئ املصور وهو وإن كان قد خلق ما خلقه بأسباب فهو خالق السبب واملقدر له وهذا مفتقر إليه كافتقار هذا وليس يف

Page 23: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ل خري وال دفع ضر بل كل ما هو سبب فهو حمتاج إىل سبب آخر يعاونه وإىل ما يدفع املخلوقات سبب مستقل بفع .عنه الضد الذي يعارضه وميانعه

] الزمر ٣٨[ وهو سبحانه وحده الغىن عن كل ما سواه ليس له شريك يعاونه وال ضد يناوئه ويعارضه قال تعاىل بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادين برمحة هل هن ممسكات قل أفرأيتم ما تدعون من دون اهللا إن أرادين اهللا{ :

] :األنعام ١٧[ وقال تعاىل } رمحته قل حسيب اهللا عليه يتوكل املتوكلون

وقال تعاىل عن اخلليل } وإن ميسسك اهللا بضر فال كاشف له إال هو وإن ميسسك خبري فهو على كل شيء قدير { إين وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا * مما تشركون يا قوم إين بريء{ ] : األنعام ٨٢-٧٨[

وحاجه قومه قال أحتاجوين يف اهللا وقد هدان وال أخاف ما تشركون به إال أن يشاء ريب شيئا * وما أنا من املشركني .} الذين آمنوا ومل يلبسوا إمياهنم بظلم أولئك هلم األمن وهم مهتدون { : إىل قوله }

عن عبد اهللا بن مسعود رضى اهللا عنه أن هذه اآلية ملا نزلت شق ذلك على أصحاب النيب صلى " حيحني الص" ويف إمنا هو الشرك أمل تسمعوا إىل قول العبد : " يا رسول اهللا أينا مل يلبس إميانه بظلم ؟ فقال : اهللا عليه وسلم وقالوا

" .} إن الشرك لظلم عظيم { ] : لقمان ١٣[ الصاحل ] : البقرة ١٢٤[ اهيم اخلليل إمام احلنفاء املخلصني حيث بعث وقد طبق األرض دين املشركني قال اهللا تعاىل وإبر} وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأمتهن قال إين جاعلك للناس إماما قال ومن ذرييت قال ال ينال عهدي الظاملني {

.هللا سبحانه أن يكون الظامل إماما وأعظم الظلم الشرك فبني أن عهده باإلمامة ال يتناول الظامل فلم يأمر اواألمة هو معلم اخلري } إن إبراهيم كان أمة قانتا هللا حنيفا ومل يك من املشركني { ] : النحل ١٢٠[ وقال تعاىل الذي يؤمت به

.كما أن القدوة الذى يقتدى به مث أوحينا { ] : النحل ١٢٣[ ياء بعده مبلته قال تعاىل واهللا تعاىل جعل يف ذريته النبوة والكتاب وإمنا بعث األنبإن أوىل الناس { ] : آل عمران ٦٨[ وقال تعاىل } إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من املشركني

ما كان { ] : آل عمران ٦٧[ وقال تعاىل } بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النيب والذين آمنوا واهللا ويل املؤمنني ] البقرة ١٣٦-١٣٥[ وقال تعاىل } إبراهيم يهوديا وال نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من املشركني

قولوا آمنا باهللا وما أنزل * وقالوا كونوا هودا أو نصارى هتتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من املشركني { : .} وحنن له مسلمون { : إىل قوله } قوب واألسباط إلينا وما أنزل إىل إبراهيم وإمساعيل وإسحاق ويع

فهو أفضل األنبياء بعد النيب " إبراهيم خري الربية " أن : عن النيب صلى اهللا عليه وسلم " الصحيح " وقد ثبت يف .صلى اهللا عليه وسلم وهو خليل اهللا تعاىل

إن اهللا اختذىن خليال كما اختذ : " نه قال عن النيب صلى اهللا عليه وسلم من غري وجه أ" الصحيح " وقد ثبت يف إبراهيم

يعىن " لو كنت متخذا من أهل األرض خليال الختذت أبا بكر خليال ولكن صاحبكم خليل اهللا : " وقال " . خليال .نفسه أال وإن من كان قبلكم كانوا : " وقال " . ال تبقني يف املسجد خوخة إال سدت إال خوخة أىب بكر : " وقال

Page 24: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

وفيه أنه " الصحيح " وكل هذا يف " . تخذون القبور مساجد أال فال تتخذوا القبور مساجد إىن أهناكم عن ذلك يقال ذلك قبل موته بأيام وذلك من متام رسالته فإن يف ذلك متام حتقيق خمالته هللا اليت أصلها حمبة اهللا تعاىل للعبد

.وحمبة العبد هللا خالفا للجهمية وحيد اهللا وأال يعبدوا إال إياه ردا على أشباه املشركني وفيه رد على الرافضة الذين يبخسون ويف ذلك حتقيق ت

.الصديق رضي اهللا عنه حقه وهم أعظم املنتسبني إىل القبلة إشراكا بعبادة علي وغريه من البشر الربوبية لعباده الذين حيبهم واخللة هي كمال احملبة املستلزمة من العبد كمال العبودية هللا ومن الرب سبحانه كمال

.وحيبونه ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال احلب فإهنم

يقولون قلب متيم إذا كان متعبدا للمحبوب واملتيم املتعبد وتيم اهللا عبد اهللا وهذا على الكمال حصل إلبراهيم .وحممد صلى اهللا عليهما وسلم

:هل األرض خليل إذ اخللة ال حتتمل الشركة فإنه كما قيل يف املعىن وهلذا مل يكن له صلى اهللا عليه وسلم من أ وبذا سمي اخلليل خليال... قد ختللت مسلك الروح مين

اللهم إىن أحبهما : " خبالف أصل احلب فإنه صلى اهللا عليه وسلم قد قال يف احلديث الصحيح يف احلسن وأسامة " .عائشة : " أي الناس أحب إليك ؟ قال : العاص وسأله عمرو بن " . فأحبهما وأحب من حيبهما

ألعطني الراية غدا رجال حيب اهللا ورسوله وحيبه : " وقال لعلي رضي اهللا عنه " . أبوها : "فمن الرجال ؟ قال : قال .وأمثال ذلك كثري " . اهللا ورسوله

ابني وحيب املتطهرين وحيب الذين يقاتلون وقد أخرب تعاىل أنه حيب املتقني وحيب احملسنني وحيب املقسطني وحيب التوفقد أخرب } فسوف يأيت اهللا بقوم حيبهم وحيبونه { ] : املائدة ٥٤[ يف سبيله صفا كأهنم بنيان مرصوص وقال

.} والذين آمنوا أشد حبا هللا { ] : البقرة ١٦٥[ مبحبته لعباده املؤمنني وحمبة املؤمنني له حىت قال إن حممدا حبيب اهللا وإبراهيم خليل اهللا وظنه أن احملبة فوق اخللة قول : ل بعض الناس وأما اخللة فخاصة وقو

.ضعيف فإن حممدا أيضا خليل اهللا كما ثبت ذلك يف األحاديث الصحيحة املستفيضة وما يروى أن العباس حيشر بني حبيب وخليل وأمثال ذلك فأحاديث موضوعة ال تصلح أن يعتمد عليها

: عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " الصحيحني " حمبة اهللا تعاىل هي حمبته وحمبة ما أحب كما يف وقد قدمنا أن من كان اهللا ورسوله أحب إليه مما سوامها ومن كان حيب املرء ال حيبه إال : ثالث من كن فيه وجد حالوة اإلميان "

أخرب النيب صلى اهللا عليه " . ه كما يكره أن يلقى يف النار هللا ومن كان يكره أن يرجع يف الكفر بعد إذ أنقذه اهللا منوسلم أن من كان فيه هذه الثالث وجد حالوة اإلميان ألن وجد احلالوة بالشيء يتبع احملبة له فمن أحب شيئا أو

لذي هو اشتهاه إذا حصل له مراده فإنه جيد احلالوة واللذة والسرور بذلك واللذة أمر حيصل عقيب إدراك املالئم افقد غلط -كما يقوله من يقوله من املتفلسفة واألطباء -إن اللذة إدراك املالئم : ومن قال . احملبوب أو املشتهى

يف ذلك غلطا بينا فإن اإلدراك يتوسط بني احملبة واللذة فإن اإلنسان مثال يشتهي الطعام فإذا أكله حصل له عقيب فإذا نظر إليه التذ به واللذة اليت تتبع النظر ليست نفس النظر وليست هي ذلك اللذة فاللذة تتبع النظر إىل الشيء

Page 25: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

} وفيها ما تشتهيه األنفس وتلذ األعني { ] : الزخرف ٧١[ رؤية الشيء بل حتصل عقيب رؤيته وقال تعاىل وهكذا مجيع ما حيصل للنفس من اللذات واآلالم

.لشعور باملكروه وليس نفس الشعور هو الفرح وال احلزن من فرح وحزن وحنو ذلك حيصل بالشعور باحملبوب أو افحالوة اإلميان املتضمنة من اللذة به والفرح ما جيده املؤمن الواجد حالوة اإلميان تتبع كمال حمبة العبد هللا وذلك

وامها فإن فتكميلها أن يكون اهللا ورسوله أحب إليه مما س. تكميل هذه احملبة وتفريقها ودفع ضدها : بثالثة أمور حمبة اهللا ورسوله ال يكتفى فيها بأصل احلب بل البد أن يكون اهللا ورسوله أحب إليه مما سوامها كما تقدم ، .وتفريقها أن حيب املرء ال حيبه إال هللا ، ودفع ضدها أن يكره ضد اإلميان أعظم من كراهته اإللقاء يف النار

وكان رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حيب املؤمنني الذين حيبهم اهللا فإذا كانت حمبة الرسول واملؤمنني من حمبة اهللاألنه أكمل الناس حمبة هللا وأحقهم بأن حيب ما حيبه اهللا ويبغض ما يبغضه اهللا واخللة ليس فيها لغري اهللا نصيب بل قال

.على مطلق احملبة علم مزيد مرتبة اخللة" لو كنت متخذا من أهل األرض خليال الختذت أبا بكر خليال : " واملقصود هو أن اخللة واحملبة هللا حتقيق عبوديته وإمنا يغلط من يغلط يف هذه من حيث يتومهون أن العبودية جمرد ذل

وخضوع فقط ال حمبة معه وأن احملبة فيها

: ألة احملبة فقال انبساط يف األهواء أو إدالل ال حتتمله الربوبية وهلذا يذكر عن ذي النون أهنم تكلموا عنده يف مس .أمسكوا عن هذه املسألة ال تسمعها النفوس فتدعيها

.وكره من كره من أهل املعرفة والعلم جمالسة أقوام يكثرون الكالم يف احملبة بال خشية من عبد اهللا باحلب وحده فهو زنديق ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده : وقال من قال من السلف

.فهو حروري ومن عبده باحلب واخلوف والرجاء فهو مؤمن موحد باخلوف وحده

وهلذا وجد يف املتأخرين من انبسط يف دعوى احملبة حىت أخرجه ذلك إىل نوع من الرعونة والدعوى اليت تنايف العبودية وتدخل العبد يف نوع من الربوبية اليت ال تصلح إال هللا فيدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حدود األنبياء

.واملرسلني أو يطلب من اهللا ما ال يصلح بكل وجه إال هللا ال يصلح لألنبياء وال للمرسلني وهذا باب وقع فيه كثري من الشيوخ وسببه ضعف حتقيق العبودية اليت بينها الرسل وحررها األمر والنهي الذي

لم بالدين ويف النفس حمبة جاءوا به بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته وإذا ضعف العقل وقلص العأنا : طائشة جاهلة انبسطت النفس حبمقها يف ذلك كما ينبسط اإلنسان يف حمبة اإلنسان مع محقه وجهله ويقول

[ حمب فال أؤاخذ مبا أفعله من أنواع يكون فيها عدوان وجهل فهذا عني الضالل وهو شبيه بقول اليهود والنصارى قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر { : قال اهللا تعاىل } وأحباؤه حنن أبناء اهللا{ ] : املائدة ١٨

فإن تعذيبه هلم بذنوهبم يقتضي أهنم غري حمبوبني وال منسوبني إليه بنسب البنوة بل } ملن يشاء ويعذب من يشاء .يقتضي أهنم مربوبون خملوقون

يفعل ما يبغضه احلق ويسخطه من الكفر والفسوق والعصيان فمن كان اهللا حيبه استعمله فيما حيبه وحمبوبه ال

ومن فعل الكبائر وأصر عليها ومل يتب منها فإن اهللا يبغض منه ذلك كما حيب منه ما يفعله من اخلري إذ حبه للعبد .حبسب إميانه وتقواه

تناول السم ال يضره مع ومن ظن أن الذنوب ال تضره لكون اهللا حيبه مع إصراره عليها كان مبنزلة من زعم أن

Page 26: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

مداومته عليه وعدم تداويه منه لصحة مزاجه ولو تدبر األمحق ما قص اهللا يف كتابه من قصص أنبيائه وما جرى هلم من التوبة واالستغفار وما أصيبوا به من أنواع البالء الذي فيه متحيص هلم وتطهري حبسب أحواهلم علم بعض ضرر

الناس مقاما فإن احملب للمخلوق إذا مل يكن عارفا مبحابه وال مريدا هلا بل يعمل الذنوب بأصحاهبا ولو كان أرفع .مبقتضى احلب وإن كان جهال وظلما كان ذلك سببا لبغض احملبوب له ونفوره عنه بل سببا لعقوبته

وإما من إما من تعدي حدود اهللا: وكثري من السالكني سلكوا يف دعوى حب اهللا أنواعا من أمور اجلهل بالدين أي مريد يل ترك يف النار أحدا : تضييع حقوق اهللا وإما من ادعاء الدعاوى الباطلة اليت ال حقيقة هلا كقول بعضهم

.أي مريد يل ترك أحدا من املؤمنني يدخل النار فأنا منه بريء : فأنا برئ منه ، فقال اآلخر .فاألول جعل مريده خيرج كل من يف النار

.يده مينع أهل الكبائر من دخول النار والثاين جعل مر

.إذا كان يوم القيامة نصبت خيميت على جهنم حىت ال يدخلها أحد : ويقول بعضهم .وأمثال ذلك من األقوال اليت تؤثر عن بعض املشايخ املشهورين وهي إما كذب عليهم وإما غلط منهم

والسكر . ز اإلنسان أو يضعف حىت ال يدري ما قال ومثل هذا قد يصدر يف حال سكر وغلبة وفناء يسقط فيها متييهو لذة مع عدم متييز وهلذا كان من هؤالء من إذا صحا استغفر من ذلك الكالم والذين توسعوا من الشيوخ يف

مساع القصائد املتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم فإن هذا اجلنس حيرك ما يف قل إن كنتم حتبون { ] : آل عمران ٣١[ ب كائنا ما كان وهلذا أنزل اهللا حمنة ميتحن هبا احملب فقال القلب من احل

فال يكون حمبا هللا إال من يتبع رسوله وطاعة الرسول ومتابعته ال تكون إال بتحقيق العبودية } اهللا فاتبعوين حيببكم اهللا هللا عليه وسلم ويدعي من احلاالت ما ال يتسع هذا املوضع وكثري ممن يدعي احملبة خيرج عن شريعته وسنته صلى ا

.لذكره حىت قد يظن أحدهم سقوط األمر وحتليل احلرام له وغري ذلك مما فيه خمالفة شريعة الرسول وسنته وطاعته غض ما بل قد جعل اهللا أساس حمبته وحمبة رسوله اجلهاد يف سبيله واجلهاد يتضمن كمال حمبة ما أمر اهللا به وكمال ب

] :املائدة ٥٤[ هنى اهللا عنه وهلذا قال يف صفة من حيبهم وحيبونه

.} أذلة على املؤمنني أعزة على الكافرين جياهدون يف سبيل اهللا وال خيافون لومة الئم { مة وهلذا كانت حمبة هذه األمة هللا أكمل من حمبة من قبلها وعبوديتهم هللا أكمل من عبودية من قبلهم وأكمل هذه األ

يف ذلك هم أصحاب حممد صلى اهللا عليه وسلم ومن كان هبم أشبه كان ذلك فيه أكمل فأين هذا من قوم يدعون احملبة ؟

وأرادوا أن الكون كله قد أراد اهللا . احملبة نار حترق يف القلب ما سوى مراد احملبوب : ويف كالم بعض الشيوخ يء حىت الكفر والفسوق والعصيان ووجوده فظنوا أن كمال احملبة أن حيب العبد كل ش

ال ميكن ألحد أن حيب كل موجود

بل حيب ما يالئمه وينفعه ويبغض ما ينافيه ويضره ولكن استفادوا هبذا الضالل اتباع أهوائهم مث زادهم انغماسا يف هذا من حمبة اهللا أهوائهم وشهواهتم فهم حيبون ما يهوونه كالصور والرئاسة وفضول املال والبدع املضلة زاعمني أن

.ومن حمبة اهللا بغض ما يبغضه اهللا ورسوله وجهاد أهله بالنفس واملال : إن احملبة نار حترق ما سوى مراد احملبوب ، قصد مبراد اهللا تعاىل : أن هذا القائل الذي قال : وأصل ضالهلم

Page 27: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.اإلرادة الكونية يف كل املوجودات هذه املقالة ، فإنه يقصد اإلرادة الدينية الشرعية اليت هي مبعىن حمبته ورضاه ، أما لو قال مؤمن باهللا وكتبه ورسله ،

فكأنه

وهذا معىن صحيح فإن من متام احلب هللا أال حيب إال ما حيبه اهللا فإذا . حترق من القلب ما سوى احملبوب هللا : قال رهه ويسخطه وينهى عنه فإن مل أوافقه يف وأما قضاؤه وقدره فهو يبغضه ويك. أحببت ما ال حيب كانت احملبة ناقصة

.بغضه وكراهته وسخطه مل أكن حمبا له بل حمبا ملا يبغضه فاتباع هذه الشريعة والقيام باجلهاد هبا من أعظم الفروق بني أهل حمبة اهللا وأوليائه الذين حيبهم وحيبونه وبني من

دع املخالفة لشريعته فإن دعوى هذه احملبة هللا من جنس يدعي حمبة اهللا ناظرا إىل عموم ربوبيته أو متبعا لبعض البدعوى اليهود والنصارى احملبة هللا بل قد تكون دعوى هؤالء شرا من دعوى اليهود والنصارى ملا فيهم من النفاق الذين هم به يف الدرك األسفل من النار كما قد تكون دعوى اليهود والنصارى شرا من دعواهم إذا مل يصلوا إىل

.كفرهم مثل .ويف التوراة واإلجنيل من الترغيب يف حمبة اهللا ما هم متفقون عليه حىت إن ذلك عندهم أعظم وصايا الناموس

والنصارى يدعون قيامهم هبذه احملبة ) أن حتب اهللا بكل قلبك وعقلك ونفسك : ( ففي اإلجنيل أعظم وصايا املسيح اتبعوا ما أسخط اهللا { هم برآء من حمبة اهللا إذ مل يتبعوا ما أحبه بل وأن ما هم فيه من الزهد والعبادة هو من ذلك و

] .حممد ٢٨[ } وكرهوا رضوانه فأحبط أعماهلم واهللا يبغض الكافرين وميقتهم ويلعنهم وهو سبحانه حيب من حيبه ال ميكن أن يكون العبد حمبا هللا واهللا تعاىل غري حمب

اهللا له وإن كان جزاء اهللا لعبده أعظم كما يف احلديث الصحيح اإلهلي عن اهللا له بل بقدر حمبة العبد لربه يكون حب من تقرب إيل شربا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إيل ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاين ميشي أتيته : " تعاىل أنه قال

" .هرولة وابني وحيب املتطهرين بل هو حيب من فعل ما وقد أخرب اهللا سبحانه أنه حيب املتقني واحملسنني والصابرين وحيب الت

أمر به

ال يزال عبدي يتقرب إيل بالنوافل حىت أحبه فإذا أحببته كنت : " من واجب ومستحب كما يف احلديث الصحيح احلديث ، وكثري من املخطئني الذين ابتدعوا أشياء يف الزهد والعبادة " مسعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به

بعض ما وقع فيه النصارى من دعوى احملبة هللا مع خمالفة شريعته وترك اجملاهدة يف سبيله وحنو ذلك وقعوا يفويتمسكون يف الدين الذي يتقربون به إىل اهللا بنحو ما متسك به النصارى من الكالم املتشابه واحلكايات اليت ال

هم شارعني هلم دينا كما جعل النصارى يعرف صدق قائلها ولو صدق مل يكن قائلها معصوما فيجعلون متبوعيقسيسيهم ورهباهنم شارعني هلم دينا مث إهنم ينتقصون العبودية ويدعون أن اخلاصة يتعدوهنا كما يدعي النصارى يف

املسيح والقساوسة ويثبتون خلاصتهم من املشاركة يف اهللا من جنس ما تثبته النصارى يف املسيح وأمه والقسيسني .واع أخر يطول شرحها يف هذا املوضع والرهبان إىل أن

وإمنا الدين احلق هو حتقيق العبودية هللا بكل وجه وهو حتقيق حمبة اهللا بكل درجة وبقدر تكميل العبودية تكمل حمبة

Page 28: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

العبد لربه وتكمل حمبة الرب لعبده وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا وكلما كان يف القلب حب لغري اهللا كانت فيه .هللا حبسب ذلك وكلما كان فيه عبودية لغري اهللا كان فيه حب لغري اهللا حبسب ذلك عبودية لغري ا

الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ما " وكل حمبة ال تكون هللا فهي باطلة وكل عمل ال يراد به وجه اهللا فهو باطل فـ .وال يكون هللا إال ما أحبه اهللا ورسوله وهو املشروع " كان هللا

: د به غري اهللا مل يكن هللا وكل عمل ال يوافق شرع اهللا مل يكن هللا بل ال يكون هللا إال ما مجع الوصفني فكل عمل أري{ ] : الكهف ١١٠[ أن يكون هللا وأن يكون موافقا حملبة اهللا ورسوله وهو الواجب واملستحب كما قال تعاىل

.} أحدا فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال صاحلا وال يشرك بعبادة ربه ١١٢[ فال بد من العمل الصاحل وهو الواجب واملستحب وال بد أن يكون خالصا لوجه اهللا تعاىل كما قال تعاىل

وقال النيب . } بلى من أسلم وجهه هللا وهو حمسن فله أجره عند ربه وال خوف عليهم وال هم حيزنون { ] : البقرة إمنا: " وقال صلى اهللا عليه وسلم " أمرنا فهو رد من عمل عمال ليس عليه : " صلى اهللا عليه وسلم

األعمال بالنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إىل اهللا ورسوله فهجرته إىل اهللا ورسوله ومن كانت " .هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إىل ما هاجر إليه

قيق الدين وبه أرسل اهللا الرسل وأنزل الكتب وإليه دعا وهذا األصل هو أصل الدين وحبسب حتقيقه يكون حت .الرسول وعليه جاهد وبه أمر وفيه رغب وهو قطب الدين الذي تدور عليه رحاه

ويف حديث " أخفى من دبيب النمل " هو يف هذه األمة : والشرك غالب على النفوس وهو كما جاء يف احلديث : ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل ؟ فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم يا رسول اهللا كيف : قال أبو بكر : آخر

اللهم إين أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك ملا ال : أعلمك كلمة إذا قلتها جنوت من دقه وجله قل " اللهم: ( وكان عمر يقول يف دعائه " أعلم

) .حد فيه شيئا اجعل عملي كله صاحلا واجعله لوجهك خالصا وال جتعل ألوكثريا ما خيالط النفوس من الشهوات اخلفية ما يفسد عليها حتقيق حمبتها هللا وعبوديتها له وإخالص دينها له كما

يا نعايا العرب يا نعايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة اخلفية ، وقيل أليب : قال شداد بن أوس .حب الرئاسة : فية ؟ قال وما الشهوة اخل: داود السجستاين

ما ذئبان جائعان أرسال يف زريبة غنم بأفسد هلا من : " وعن كعب بن مالك عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال .حديث حسن صحيح : قال الترمذي " حرص املرء على املال والشرف لدينه

ين ال ينقص عن إفساد الذئبني اجلائعني لزريبة فبني صلى اهللا عليه وسلم أن احلرص على املال والشرف يف إفساد الدالغنم وذلك بين فإن الدين السليم ال يكون فيه هذا احلرص وذلك أن القلب إذا ذاق حالوة عبوديته هللا وحمبته له مل

يكن شيء أحب إليه من ذلك حىت يقدمه عليه وبذلك يصرف عن أهل اإلخالص هللا السوء والفحشاء كما قال .} كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني { ] : وسف ي ٢٤[ تعاىل

فإن املخلص هللا ذاق من حالوة عبوديته هللا ما مينعه عن عبوديته لغريه ومن حالوة حمبته هللا ما مينعه عن حمبة غريه إذ ملتضمن عبوديته هللا وحمبته له ليس عند القلب السليم أحلى وال ألذ وال أطيب وال أسر وال أنعم من حالوة اإلميان ا

Page 29: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

وإخالص الدين له وذلك يقتضي اجنذاب القلب إىل اهللا فيصري القلب منيبا إىل اهللا خائفا منه راغبا راهبا كما قال إذ} من خشي الرمحن بالغيب وجاء بقلب منيب { ] : ق ٣٣[ تعاىل

[ به إال بني خوف ورجاء كما قال تعاىل احملب خياف من زوال مطلوبه أو حصول مرغوبه فال يكون عبد اهللا وحمأولئك الذين يدعون يبتغون إىل رهبم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رمحته وخيافون عذابه إن { ] : اإلسراء ٥٧

.} عذاب ربك كان حمذورا فحشاء وإذا كان العبد خملصا هللا اجتباه ربه فأحيا قلبه واجتذبه إليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء وال

وخياف من حصول ضد ذلك خبالف القلب الذي مل خيلص هللا فإن فيه طلبا وإرادة وحبا مطلقا فيهوى ما يسنح له ويتشبث مبا يهواه كالغصن أي نسيم مر به عطفه وأماله فتارة جتتذبه الصور احملرمة وغري احملرمة فيبقى أسريا عبدا

.ذما ملن لو اختذه هو عبدا له لكان ذلك عيبا ونقصا ووتارة جيتذبه الشرف والرئاسة فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة ويستعبده من يثين عليه ولو بالباطل ويعادي من يذمه

.ولو باحلق وتارة يستعبده الدرهم والدينار وأمثال ذلك من األمور اليت تستعبد القلوب والقلوب هتواها فيتخذ إهلا هواه ويتبع

.هواه بغري هدى من اهللا ن مل يكن خالصا هللا عبدا له قد صار قلبه معبدا لربه وحده ال شريك له حبيث يكون اهللا أحب إليه من كل ما وم

سواه ويكون ذليال له خاضعا وإال استعبدته الكائنات

واستولت على قلبه الشياطني فكان من الغاوين إخوان الشياطني وصار فيه من السوء والفحشاء ما ال يعلمه إال اهللا . .هذا أمر ضروري ال حيلة فيه و

فأقم { ] : الروم ٣٢-٣٠[ فالقلب إن مل يكن حنيفا مقبال على اهللا معرضا عما سواه وإال كان مشركا قال تعاىل وجهك للدين حنيفا فطرة اهللا اليت فطر الناس عليها ال تبديل خللق اهللا ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال

من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل * تقوه وأقيموا الصالة وال تكونوا من املشركني منيبني إليه وا* يعلمون .} حزب مبا لديهم فرحون

وقد جعل اهللا سبحانه إبراهيم وآل إبراهيم أئمة هلؤالء احلنفاء املخلصني أهل حمبة اهللا وعبادته وإخالص الدين له { ] : األنبياء ٧٣-٧٢[ ني أهواءهم قال تعاىل يف إبراهيم كما جعل فرعون وآل فرعون أئمة املشركني املتبع

وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل اخلريات * ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكال جعلنا صاحلني ة وجعلناهم أئم{ ] : القصص ٤٢-٤١[ وقال يف فرعون وقومه } وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين

وهلذا يصري } وأتبعناهم يف هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من املقبوحني * يدعون إىل النار ويوم القيامة ال ينصرون أتباع فرعون أوال إىل أال مييزوا بني ما

بني اخلالق حيبه اهللا ويرضاه وبني ما قدر اهللا وقضاه بل ينظرون إىل املشيئة املطلقة الشاملة مث يف آخر األمر ال مييزون .واملخلوق بل جيعلون وجود هذا وجود هذا

. الشريعة فيها طاعة ومعصية واحلقيقة فيها معصية بال طاعة والتحقيق ليس فيه طاعة وال معصية : ويقول حمققوهم

Page 30: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ي وهذا حتقيق مذهب فرعون وقومه الذين أنكروا اخلالق وأنكروا تكليمه لعبده موسى وما أرسله به من األمر والنه.

وأما إبراهيم وآل إبراهيم احلنفاء من األنبياء واملؤمنني هبم فهم يعلمون أنه ال بد من الفرق بني اخلالق واملخلوق وال بد من الفرق بني الطاعة واملعصية وأن العبد كلما ازداد حتقيقا هلذا الفرق ازدادت حمبته هللا وعبوديته له وطاعته له

.ريه وطاعة غريه وإعراضه عن عبادة غريه وحمبة غأفرأيتم ما كنتم { ] : الشعراء ٧٧-٧٥[ وهؤالء املشركون الضالون يسوون بني اهللا وبني خلقه واخلليل يقول

ويتمسكون باملتشابه من كالم املشايخ كما } فإهنم عدو يل إال رب العاملني * أنتم وآباؤكم األقدمون * تعبدون .فعلت النصارى

فإن ) اء الفن( اسم : مثال ذلك

الفناء ثالثة أنواع

: .نوع للكاملني من األنبياء واألولياء

.ونوع للقاصدين من األولياء والصاحلني .ونوع للمنافقني امللحدين املشبهني

فهو الفناء عن إرادة ما سوى اهللا ، حبيث ال : فأما األول

من غريه وهو املعىن الذي جيب أن يقصد بقول الشيخ حيب إال اهللا وال يعبد إال إياه وال يتوكل إال عليه وال يطلب أي املراد احملبوب املرضي وهو املراد باإلرادة الدينية وكمال العبد ) أريد أال أريد إال ما يريد : ( أيب يزيد حيث قال

حيب إال ما أال يريد وال حيب وال يرضى إال ما أراده اهللا ورضيه وأحبه وهو ما أمر به أمر إجياب أو استحباب وال} إال من أتى اهللا بقلب سليم { ] : الشعراء ٨٩[ حيبه اهللا كاملالئكة واألنبياء والصاحلني وهذا معىن قوهلم يف قوله

هو السليم مما سوى اهللا أو مما سوى عبادة اهللا أو مما سوى إرادة اهللا أو مما سوى حمبة اهللا فاملعىن واحد وهذا : قالوا .أو مل يسم هو أول اإلسالم وآخره وباطن الدين وظاهره املعىن إن مسي فناء فهو الفناء عن شهود السوى ، وهذا حيصل لكثري من السالكني فإهنم لفرط اجنذاب قلوهبم إىل : وأما النوع الثاين

بل ذكر اهللا وعبادته وحمبته وضعف قلوهبم عن أن تشهد غري ما تعبد وترى غري ما تقصد ال خيطر بقلوهبم غري اهللا وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن{ ] : القصص ١٠[ وال يشعرون إال به كما قيل يف قوله تعاىل

وهذا كثريا ما يعرض ملن . قالوا فارغا من كل شيء إال من ذكر موسى } كادت لتبدي به لوال أن ربطنا على قلبها عن كل شيء إال عما قد أحبه أو خافه أو إما حب وإما خوف وإما رجاء يبقى قلبه منصرفا : دمهه أمر من األمور

.طلبه حبيث يكون عند استغراقه يف ذلك ال يشعر بغريه فإذا قوي على صاحب الفناء هذا فإنه يغيب مبوجوده عن وجوده ومبشهوده عن شهوده ومبذكوره عن ذكره

يزل وهو الرب تعاىل واملراد ومبعروفه عن معرفته حىت يفىن من مل يكن وهي املخلوقات العبد فمن سواه ويبقى من ملفناؤها يف شهود العبد وذكره وفناؤه عن أن يدركها أو يشهدها وإذا قوي هذا ضعف احملب حىت يضطرب يف متييزه

أنا وقعت فما أوقعك : فقد يظن أنه هو حمبوبه كما يذكر أن رجال ألقى نفسه يف اليم فألقى حمبه نفسه خلفه فقال

Page 31: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.فظننت أنك أين غبت بك عين: خلفي ؟ قال وهذا املوضع زلت فيه أقوام وظنوا أنه احتاد وأن احملب يتحد باحملبوب حىت ال يكون بينهما فرق يف نفس وجودمها

وهذا غلط فإن اخلالق ال يتحد به شيء أصال بل ال ميكن يتحد شيء بشيء إال إذا استحاال وفسدت حقيقة كل ذامنهما وحصل من احتادمها أمر ثالث ال هو ه

وال هذا كما إذا احتد املاء واللنب واملاء واخلمر وحنو ذلك ولكن يتحد املراد واحملبوب واملراد واملكروه ويتفقان يف نوع اإلرادة والكراهة فيحب هذا ما حيب هذا ويبغض هذا ما يبغض هذا ويرضى ما يرضى ويسخط ما يسخط

.ويكره ما يكره ويوايل من يوايل ويعادي من يعادي .ا الفناء كله فيه نقص وهذ

مل يقعوا يف هذا الفناء فضال عمن -كأيب بكر وعمر والسابقني األولني من املهاجرين واألنصار -وأكابر األولياء .هو فوقهم من األنبياء وإمنا وقع شيء من هذا بعد الصحابة

.ى القلب من أحوال اإلميان وكذلك كل ما كان من هذا النمط مما فيه غيبة العقل وعدم التمييز ملا يرد علفإن الصحابة رضي اهللا عنهم كانوا أكمل وأقوى وأثبت يف األحوال اإلميانية من أن تغيب عقوهلم أو حيصل هلم

.غشي أو صعق أو سكر أو فناء أو وله أو جنون ع القرآن ومنهم من وإمنا كان مبادئ هذه األمور يف التابعني من عباد البصرة فإنه كان فيهم من يغشى عليه إذا مس

ميوت كأيب جهري الضرير

.وزرارة بن أوىف قاضي البصرة وكذلك صار يف شيوخ الصوفية من يعرض له من الفناء والسكر ما يضعف معه متييزه حىت يقول يف تلك احلال من

وأيب بكر الشبلي األقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه كما حيكى حنو ذلك عن مثل أيب يزيد وأيب احلسني النوري وأمثاهلم خبالف أيب سليمان الداراين ومعروف الكرخي والفضيل بن

عياض بل وخبالف اجلنيد وأمثاله ممن كانت عقوهلم ومتييزهم يصحبهم يف أحواهلم فال يقعون يف مثل هذا الفناء من سعة العلم والتمييز ما والسكر وحنوه بل الكمل تكون قلوهبم ليس فيها سوى حمبة اهللا وإرادته وعبادته وعندهم

األمور على ما هي عليه بل يشهدون املخلوقات قائمة بأمر اهللا مدبرة مبشيئته بل مستجيبة له قانتة ] به [ يشهدون له فيكون هلم فيها تبصرة وذكرى ويكون ما يشهدونه من ذلك مؤيدا وممدا ملا يف قلوهبم من إخالص الدين وجتريد

.وحده ال شريك له التوحيد له والعبادة لهوهذه هي احلقيقة اليت دعا إليها القرآن وقام هبا أهل حتقيق اإلميان والكمل من أهل العرفان ونبينا صلى اهللا عليه وسلم إمام هؤالء وأكملهم وهلذا ملا عرج به إىل السماوات وعاين ما هناك من اآليات وأوحي إليه ما أوحي من

مل يتغري حاله وال ظهر عليه ذلك خبالفأنواع املناجاة أصبح فيهم وهو

.ما كان يظهر على موسى من التغشي صلى اهللا عليهم وسلم أمجعني فهو أن يشهد أن ال موجود إال اهللا وأن وجود اخلالق هو وجود املخلوق فال : وأما النوع الثالث مما قد يسمى فناء

اقعني يف احللول واالحتاد وهذا يربأ منه املشايخ ، إذا قال فرق بني الرب والعبد فهذا فناء أهل الضالل واإلحلاد الوما أرى غري اهللا أو ال أنظر إىل غري اهللا وحنو ذلك ، فمرادهم بذلك ما أرى ربا غريه وال خالقا وال مدبرا : أحدهم

Page 32: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

ما يتعلق به القلب فمن غريه وال إهلا يل غريه وال أنظر إىل غريه حمبة له أو خوفا منه أو رجاء له ؛ فإن العني تنظر إىلأحب شيئا أو رجاه أو خافه التفت إليه وإذا مل يكن يف القلب حمبة له وال رجاء له وال خوف منه وال بغض له وال

غري ذلك من تعلق القلب له مل يقصد القلب أن يلتفت إليه وال أن ينظر إليه وال أن يراه وإن رآه اتفاقا رؤية جمردة .وحنوه مما ليس يف قلبه تعلق به كان كمن لو رأى حائطا

واملشايخ الصاحلون رضي اهللا عنهم يذكرون شيئا من جتريد التوحيد وحتقيق إخالص الدين كله حبيث ال يكون العبد ملتفتا إىل غري اهللا وال ناظرا إىل ما سواه ال حبا له وال خوفا منه وال رجاء له بل يكون القلب فارغا من املخلوقات

ال ينظر إليها إال بنور اهللا ، فباحلق يسمع وباحلقخاليا منها

وباحلق يبصر ، وباحلق يبطش وباحلق ميشي فيحب منها ما حيبه اهللا ويبغض منها ما يبغضه اهللا ويوايل منها ما وااله فهذا هو القلب اهللا ويعادي منها ما عاداه اهللا وخياف اهللا فيها وال خيافها يف اهللا ويرجو اهللا فيها وال يرجوها يف اهللا .السليم احلنيف املوحد املسلم املؤمن احملقق العارف مبعرفة األنبياء واملرسلني وحتقيقهم وتوحيدهم

.فهذا النوع الثالث الذي هو الفناء يف الوجود هو حتقيق آل فرعون ومعرفتهم وتوحيدهم كالقرامطة وأمثاهلم احملمود الذي يكون صاحبه به ممن أثىن اهللا عليهم من أوليائه املتقني وأما النوع الذي عليه أتباع األنبياء فهو الفناء

.وحزبه املفلحني وجنده الغالبني وليس مراد املشايخ والصاحلني هبذا القول أن الذي أراه بعيين من املخلوقات هو رب األرض والسماوات فإن هذا

.وإما فساد االعتقاد فهو متردد بني اجلنون واإلحلاد ال يقوله إال من هو يف غاية الضالل والفساد إما فساد العقل وكل املشايخ الذين يقتدى هبم يف الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف األمة وأئمتها من أن اخلالق سبحانه مباين

ومتييز للمخلوقات وليس يف خملوقاته شيء من ذاته وال يف ذاته شيء من خملوقاته وأنه جيب إفراد القدمي عن احلادث .اخلالق عن املخلوق وهذا يف كالمهم أكثر من أن ميكن ذكره هنا

وهم قد تكلموا على ما يعرض للقلوب من األمراض والشبهات فإن بعض الناس قد يشهد وجود املخلوقات فيظنه مس خالق األرض والسماوات لعدم التمييز والفرقان يف قلبه مبنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أن ذلك هو الش

.اليت يف السماء .وهم قد يتكلمون يف الفرق واجلمع ويدخل يف ذلك من العبارات املختلفة نظري ما دخل يف الفناء

فإن العبد إذا شهد التفرقة والكثرة يف املخلوقات يبقى قلبه متعلقا هبا مشتتا ناظرا إليها وتعلقه هبا إما حمبة وإما خوفا اجتمع قلبه على توحيد اهللا وعبادته وحده ال شريك له فالتفت قلبه إىل اهللا بعد وإما رجاء فإذا انتقل إىل اجلمع

التفاته إىل املخلوقني فصارت حمبته إىل ربه وخوفه من ربه ورجاؤه لربه واستعانته بربه وهو يف هذا احلال قد ال يسع ق معرضا عن اخللق نظرا وقصدا وهو قلبه النظر إىل املخلوق ليفرق بني اخلالق واملخلوق فقد يكون جمتمعا على احل

.نظري النوع الثاين من الفناء ولكن بعد ذلك الفرق الثاين وهو أن يشهد أن املخلوقات

قائمة باهللا مدبره بأمره ويشهد كثرهتا معدومة بوحدانية اهللا سبحانه وتعاىل وأنه سبحانه رب املصنوعات وإهلها على اهللا إخالصا وحمبة وخوفا ورجاء واستعانة وتوكال على اهللا مع اجتماع قلبه -وخالقها ومالكها فيكون

ناظرا إىل الفرق بني اخلالق واملخلوق مميزا بني هذا وهذا يشهد تفرق -ومواالة فيه ومعاداة فيه وأمثال ذلك

Page 33: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.املخلوقات وكثرهتا مع شهادته أن اهللا رب كل شيء ومليكه وخالقه وأنه هو اهللا ال إله إال هو و الشهود الصحيح املستقيم وذلك واجب يف علم القلب وشهادته وذكره ومعرفته ويف حال القلب وعبادته وهذا ه

.وقصده وإرادته وحمبته ومواالته وطاعته .وذلك حتقيق شهادة أن ال إله إال اهللا فإهنا تنفي عن قلبه ألوهية ما سوى احلق وتثبت يف قلبه ألوهية احلق

شيء من املخلوقات مثبتا أللوهية رب العاملني ورب األرض والسماوات وذلك يتضمن فيكون نافيا أللوهية كل اجتماع القلب على اهللا وعلى مفارقة ما سواه فيكون مفرقا يف علمه وقصده يف شهادته وإرادته يف معرفته وحمبته

مل مبباينته خللقه وانفراده عنهم بني اخلالق واملخلوق حبيث يكون عاملا باهللا تعاىل ذاكرا له عارفا به وهو مع ذلك عاوتوحده دوهنم ويكون حمبا هللا معظما له عابدا له راجيا له خائفا منه حمبا فيه مواليا فيه معاديا فيه مستعينا به متوكال

عليه ممتنعا عن عبادة غريه والتوكل عليه

ألمره وأمثال ذلك مما هو من خصائص إهلية واالستعانة به واخلوف منه والرجاء له واملواالة فيه واملعاداة فيه والطاعة .اهللا سبحانه وتعاىل

وإقراره بإلوهية اهللا تعاىل دون ما سواه يتضمن إقراره بربوبيته وهو أنه رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره .فحينئذ يكون موحدا هللا

ويبني ذلك أن

أفضل الذكر ال إله إال اهللا

أفضل الذكر ال إله إال : " يا وغريمها مرفوعا إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال كما رواه الترمذي وابن أيب الدنوغريه عن طلحة بن عبيد اهللا بن كريز أن النيب صلى اهللا عليه " املوطأ " ويف " . اهللا وأفضل الدعاء احلمد اهللا

ال شريك له له امللك وله احلمد وهو على ال إله إال اهللا وحده : أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : " وسلم قال " . كل شيء قدير

ومن زعم أن هذا ذكر العامة وأن ذكر اخلاصة هو االسم املفرد وذكر خاصة اخلاصة هو االسم املضمر فهم ضالون من أبني } قل اهللا مث ذرهم يف خوضهم يلعبون { ] : األنعام ٩١[ غالطون واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله

قل { ] : األنعام ٩١[ مذكور يف األمر جبواب االستفهام يف اآلية قبله وهو قوله ] اهللا [ ؤالء فإن االسم غلط همن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس جتعلونه قراطيس تبدوهنا وختفون كثريا وعلمتم ما مل تعلموا

مبتدأ وخربه قد دل ] اهللا [ كتاب الذي جاء به موسى فاالسم اهللا هو الذي أنزل ال: أي } أنتم وال آباؤكم قل اهللا .زيد : من جاره ؟ فيقول : عليه االستفهام كما يف نظائر ذلك ؛ تقول

.وأما االسم املفرد مظهرا أو مضمرا فليس بكالم تام وال مجلة مفيدة وال يتعلق به إميان وال كفر وال أمر وال هني مة وال شرع ذلك رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وال يعطي القلب بنفسه معرفة ومل يذكر ذلك أحد من سلف األ

مفيدة وال حاال نافعا وإمنا يعطيه تصورا مطلقا وال يحكم عليه بنفي وال إثبات فإن مل يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد

Page 34: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

.د بنفسه ال ما تكون الفائدة حاصلة بغريه بنفسه وإال مل يكن فيه فائدة والشريعة إمنا تشرع من األذكار ما يفيوقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر يف فنون من اإلحلاد وأنواع من االحتاد كما قد بسط يف غري هذا

.املوضوع أخاف أن أموت بني النفي واإلثبات ، حال ال يقتدى فيها بصاحبها فإن : وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال

غلط ما ال خفاء به إذ لو مات العبد يف هذه احلال مل ميت إال على ما قصده ونواه إذ األعمال بالنيات يف ذلك من الال إله : من كان آخر كالمه : " وقال " ال إله إال اهللا : " وقد ثبت أن النيب صلى اهللا عليه وسلم أمر يتلقني امليت

امليت كلمة خياف أن ميوت يف أثنائها موتا غري حممود بل كان ولو كان ما ذكره حمذورا مل يلقن" إال اهللا دخل اجلنة .يلقن ما اختاره من ذكر االسم املفرد

يا هو يا: والذكر باالسم املضمر املفرد أبعد عن السنة وأدخل يف البدعة وأقرب إىل ضالل الشيطان فإن من قال

.قلبه والقلب قد يهتدي وقد يضل هو أو هو هو وحنو ذلك مل يكن الضمري عائدا إال إىل ما يصوره وما يعلم { ] : آل عمران ٧[ وزعم بعضهم أن قوله " اهلو " كتابا مساه كتاب " الفصوص " وقد صنف صاحب

وما يعلم تأويل هذا االسم الذي هو اهلو ، وإن كان هذا مما اتفق املسلمون بل العقالء على : معناه } تأويله إال اهللا لو كان هذا : فقد يظن ذلك من يظنه من هؤالء ، حىت قلت مرة لبعض من قال شيئا من ذلك انه من أبني الباطل

.منفصلة ) هو ( وما يعلم تأويل : ما قلته لكتبت اآلية } قل اهللا مث ذرهم { ] : األنعام ٩١[ بقوله ) اهللا : ( مث كثريا ما يذكر بعض الشيوخ أنه حيتج على قول القائل

اهللا الذي : معناه } قل اهللا { : مر نبيه بأن يقول االسم املفرد وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله ويظن أن اهللا أقل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى { : أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله

اهللا الذي أنزل : أي } وال آباؤكم قل اهللا للناس جتعلونه قراطيس تبدوهنا وختفون كثريا وعلمتم ما مل تعلموا أنتممن أنزل { : فقال } ما أنزل اهللا على بشر من شيء { : الكتاب الذي جاء به موسى ، رد بذلك قول من قال

الكتاب

.} يف خوضهم يلعبون { أنزله مث ذر هؤالء املكذبني } قل اهللا { : مث قال } الذي جاء به موسى أن العرب حيكون بالقول ما كان كالما ال حيكون به ما : كره سيبويه وغريه من أئمة النحو ومما يبني ما تقدم ما ذ

إذا جاءت بعد القول ) إن ( فالقول ال حيكى به إال كالم تام أو مجلة امسية أو مجلة فعلية وهلذا يكسرون . كان قوال .وال شرع للمسلمني ، فالقول ال حيكى به اسم ؛ واهللا تعاىل ال يأمر أحدا بذكر اسم مفرد

واالسم اجملرد ال يفيد شيئا من اإلميان باتفاق أهل اإلسالم وال يؤمر به يف شيء من العبادات وال يف شيء من .املخاطبات

) أشهد أن حممدا رسول اهللا : ( أن بعض األعراب مر مبؤذن يقول : ونظري من اقتصر على االسم املفرد ما يذكر قول هذا ؟ هذا االسم ، فأين اخلرب عنه الذي يتم به الكالم ؟ماذا ي: بالنصب فقال

سبح اسم { ] : األعلى ١[ وقوله } واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيال { ] : املزمل ٨[ وما يف القرآن من قوله عة الواق ٧٤[ وقوله } وذكر اسم ربه فصلى * قد أفلح من تزكى { ] : األعلى ١٥-١٤[ وقوله } ربك األعلى

.وحنو ذلك ال يقتضى ذكره مفردا } فسبح باسم ربك العظيم { ] :

Page 35: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

{ : وملا نزل قوله " اجعلوها يف ركوعكم : " قال } فسبح باسم ربك العظيم { : أنه ملا نزل قوله " السنن " بل يف ان ريب سبح: ( فشرع هلم أن يقولوا يف الركوع " . اجعلوها يف سجودكم : " قال } سبح اسم ربك األعلى

" سبحان ريب العظيم : " أنه كان يقول يف ركوعه " الصحيح " ويف ) . سبحان ريب األعلى ( ويف السجود ) العظيم .باتفاق املسلمني " اجعلوها يف ركوعكم وسجودكم : " وهذا هو معىن قوله " سبحان ريب األعلى " ويف سجوده

عنه صلى اهللا عليه " الصحيح " بالكالم التام املفيد كما يف فتسبيح اسم ربه األعلى وذكر اسم ربه وحنو ذلك هو سبحان اهللا واحلمد هللا وال إله إال اهللا واهللا : أفضل الكالم بعد القرآن أربع وهن من القرآن : " أنه قال : وسلم "الصحيح " ويف " . أكرب

سبحان : ن يف امليزان حبيبتان إىل الرمحن كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتا: " عنه صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " .اهللا وحبمده سبحان اهللا العظيم

ال إله إال اهللا وحده ال شريك : من قال يف يومه مائة مرة : " عنه صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " الصحيحني " ويف ه ذلك حىت ميسي ومل يأت أحد له له امللك وله احلمد وهو على كل شيء قدير ، كتب اهللا له حرزا من الشيطان يوم

سبحان اهللا وحبمده : من قال يف يومه مائة مرة " و " . بأفضل مما جاء به إال رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه وغريه عن النيب صلى اهللا عليه " املوطأ " ويف " . سبحان اهللا العظيم ، حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر

ال إله إال اهللا وحده ال شريك له له امللك وله احلمد وهو : ضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي أف: " وسلم أنه قال "على كل شيء قدير

أفضل الذكر ال إله إال اهللا وأفضل الدعاء احلمد : " وغريه عنه صلى اهللا عليه وسلم أنه قال " سنن ابن ماجه " ويف " .هللا

.ما يقال من الذكر والدعاء ومثل هذه األحاديث كثرية يف أنواع املائدة ٤[ وقوله } وال تأكلوا مما مل يذكر اسم اهللا عليه { ] : األنعام ١٢١[ وكذلك ما يف القرآن من قوله تعاىل

بسم اهللا ، وهذه مجلة تامة ، إما امسية على : إمنا هو قول } فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم اهللا عليه { ] : بسم اهللا الرمحن : وكذلك قول القارئ . ذحبي بسم اهللا أو أذبح بسم اهللا : لنحاة ، أو فعلية والتقدير أظهر قويل ا

ابتدائي بسم اهللا أو ابتدأت : ومن الناس من يضمر يف مثل هذا . الرحيم ، فتقديره قراءيت بسم اهللا أو اقرأ باسم اهللا ١[ اهللا ليس جمرد ابتدائه ، كما أظهر املضمر يف قوله بسم اهللا ، واألول أحسن ؛ ألن الفعل كله مفعول باسم

] :العلق

ويف قول النيب صلى اهللا } بسم اهللا جمريها ومرساها { ] : هود ٤١[ ويف قوله } اقرأ باسم ربك الذي خلق { ن هذا وم" . من كان ذبح قبل الصالة فليذبح مكاهنا أخرى ومن مل يكن ذبح فليذبح باسم اهللا : " عليه وسلم

يا غالم سم اهللا وكل : " الباب قول النيب صلى اهللا عليه وسلم يف احلديث الصحيح لربيبه عمر بن أىب سلمة باسم اهللا ، ليس املراد أن يذكر االسم جمردا وكذلك قوله يف احلديث : فاملراد أن يقول " بيمينك وكل مما يليك

: وكذلك قوله صلى اهللا عليه وسلم " ذكرت اسم اهللا فكل إذا أرسلت كلبك املعلم و: " الصحيح لعدي بن حامت ال مبيت لكم وال : إذا دخل الرجل منزله فذكر اسم اهللا عند دخوله وعند خروجه وعند طعامه قال الشيطان "

.وأمثال ذلك كثري " عشاء

Page 36: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

باجلملة التامة كقول وكذلك ما شرع للمسلمني يف صالهتم وأذاهنم وحجهم وأعيادهم من ذكر اهللا تعاىل إمنا هو اهللا أكرب سبحان : ( وقول املصلي ) اهللا أكرب اهللا أكرب أشهد أن ال إله إال اهللا أشهد أن حممدا رسول اهللا : ( املؤذن ريب

) لبيك اللهم لبيك : ( وقول املليب ) العظيم سبحان ريب األعلى مسع اهللا ملن محده ربنا ولك احلمد التحيات هللا .وأمثال ذلك

.ميع ما شرعه اهللا من الذكر إمنا هو كالم تام ال اسم مفرد وال مظهر وال مضمر فجكلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف امليزان حبيبتان إىل : " كقوله ) كلمة ( وهذا هو الذي يسمى يف اللغة

أال كل شيء ما : ر كلمة لبيد أفضل كلمة قاهلا الشاع: " وقوله " سبحان اهللا وحبمده سبحان اهللا العظيم : الرمحن ] األنعام ١١٥[ اآلية وقوله } كربت كلمة خترج من أفواههم { ] : الكهف ٥[ ومنه قوله تعاىل " خال اهللا باطل

.} ومتت كلمة ربك صدقا وعدال { : اجلملة التامة من الكتاب والسنة بل وسائر كالم العرب فإمنا يراد به) الكلمة ( وأمثال ذلك مما استعمل فيه لفظ

.هذا حرف غريب أي لفظ االسم غريب : كما كانوا يستعملون احلرف يف االسم فيقولون وقسم سيبويه الكالم إىل اسم وفعل وحرف جاء ملعىن ليس باسم وال فعل ، وكل من هذه األقسام يسمى حرفا

.لكن خاصة الثالث أنه حرف جاء ملعىن ليس باسم وال فعل .باسم احلرف وهي أمساء ومسى حروف اهلجاء

من قرأ القرآن فأعربه فله بكل : " ولفظ احلرف يتناول هذه األمساء وغريها كما قال النيب صلى اهللا عليه وسلم وقد سأل اخلليل " حرف ولكن ألف حرف والم حرف وميم حرف } أمل { حرف عشر حسنات أما إين ال أقول

) .ز ( جئتم باالسم وإمنا احلرف : فقال ) زاي : ( يد ؟ فقالوا بن أمحد أصحابه عن النطق حبرف الزاي من ز مث إن النحاة اصطلحوا على أن هذا املسمى يف اللغة

.باحلرف يسمى كلمة وأن لفظ احلرف خيص ملا جاء ملعىن ليس باسم وال فعل كحروف اجلر وحنوهاظ وتارة باسم ذلك احلرف وملا غلب هذا وأما ألفاظ حروف اهلجاء فيعرب تارة باحلرف عن نفس احلرف من اللف

االصطالح صار يتوهم من اعتاده أنه هكذا يف لغة العرب ومنم من جيعل لفظ الكلمة يف اللغة لفظا مشتركا بني .إال اجلملة التامة ) الكلمة ( االسم مثال وبني اجلملة وال يعرف يف صريح اللغة من لفظ

سبحانه هو ذكره جبملة تامة وهو املسمى بالكالم والواحد منه بالكلمة وهو واملقصود هنا أن املشروع يف ذكر اهللا الذي ينفع القلوب وحيصل به الثواب واألجر وجيذب القلوب إىل اهللا ومعرفته وحمبته وخشيته وغري ذلك من

.املطالب العالية واملقاصد السامية .فضال عن أن يكون من ذكر اخلاصة والعارفني وأما االقتصار على االسم املفرد مظهرا أو مضمرا فال أصل له

بل هو وسيلة إىل أنواع من البدع والضالالت وذريعة إىل تصورات وأحوال فاسدة من أحوال أهل اإلحلاد وأهل .االحتاد

.كما قد بسط الكالم عليه يف غري هذا املوضع

Page 37: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

فصل .ع ال نعبده بالبدع أال نعبد إال اهللا وال نعبده إال مبا شر: ومجاع الدين أصالن

.} فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمال صاحلا وال يشرك بعبادة ربه أحدا { ] : الكهف ١١٠[ كما قال تعاىل .شهادة أن ال إله إال اهللا وشهادة أن حممد رسول اهللا : وذلك حتقيق الشهادتني

.أال نعبد إال إياه : ففي األوىل .سوله املبلغ عنه فعلينا أن نصدق خربه ونطيع أمره أن حممدا هو ر: ويف الثانية

بلى من أسلم { ] : البقرة ١١٢[ وقد بني لنا ما نعبد اهللا به وهنانا عن حمدثات األمور وأخرب أهنا ضاللة قال تعاىل .} وجهه هللا وهو حمسن فله أجره عند ربه وال خوف عليهم وال هم حيزنون

اهللا وال نتوكل إال على اهللا وال نرغب إال إىل اهللا وال نستعني إال باهللا وأال تكون وكما أننا مأمورون أال خناف إال .عبادتنا إال هللا فكذلك حنن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه ونتأسى به فاحلالل ما حلله واحلرام ما حرمه

ورسوله وقالوا حسبنا اهللا سيؤتينا ولو أهنم رضوا ما آتاهم اهللا{ ] : التوبة ٥٩[ والدين ما شرعه قال اهللا تعاىل وما آتاكم { ] : احلشر ٧[ فجعل اإليتاء هللا وللرسول كما قال } اهللا من فضله ورسوله إنا إىل اهللا راغبون

: ومل يقل } وقالوا حسبنا اهللا { : وجعل التوكل على اهللا وحده بقوله } الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا الذين قال هلم { ] : آل عمران ١٧٣[ يف وصف الصحابة رضي اهللا عنهم يف اآلية األخرى كما قال -ورسوله

] األنفال ٦٤[ ومثله قوله } الناس إن الناس قد مجعوا لكم فاخشوهم فزادهم إميانا وقالوا حسبنا اهللا ونعم الوكيل { ] : الزمر ٣٦[ ؤمنني كما قال أي حسبك وحسب امل} يا أيها النيب حسبك اهللا ومن اتبعك من املؤمنني { :

فجعل اإليتاء هللا وللرسول وقدم ذكر } سيؤتينا اهللا من فضله ورسوله { : مث قال -} أليس اهللا بكاف عبده وله الفضل على رسوله وعلى املؤمنني } الفضل بيد اهللا يؤتيه من يشاء واهللا ذو الفضل العظيم { الفضل هللا ألن

فإذا فرغت فانصب { ] : الشرح ٨-٧[ فجعل الرغبة إىل اهللا وحده كما يف قوله } اغبون إنا إىل اهللا ر{ : وقال .} وإىل ربك فارغب *

والقرآن يدل على " إذا سألت فاسأل اهللا وإذا استعنت فاستعن باهللا : " وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم البن عباس .مثل هذا يف غري موضع

{ ] : نوح ٣[ وى هللا وجعل الطاعة واحملبة هللا ورسوله كما يف قول نوح عليه السالم فجعل العبادة واخلشية والتقومن يطع اهللا ورسوله وخيش اهللا ويتقه فأولئك هم { ] : النور ٥٢[ وقوله } أن اعبدوا اهللا واتقوه وأطيعون

.وأمثال ذلك } الفائزون وطاعته والطاعة هلم فأضل الشيطان النصارى وأشباههم فالرسل أمروا بعبادته وحده والرغبة إليه والتوكل عليه

فجعلوا } اختذوا أحبارهم ورهباهنم أربابا من دون اهللا واملسيح ابن مرمي { فأشركوا باهللا وعصوا الرسول فـ .يرغبون إليهم ويتوكلون عليهم يسألوهنم مع معصيتهم ألمرهم وخمالفتهم لسنتهم

وهدى اهللا املؤمنني املخلصني هللا

أهل الصراط املستقيم

Page 38: ﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﺦﻴﺷ ﻒﻟﺆﳌﺍﺔﻳﺩﻮﺒﻌﻟﺍ: ﺏﺎﺘﻛ ﺔﻴﻤﻴﺗ ﻦﺑﺍ ﻡﻼﺳﻹﺍ ﺦﻴﺷ: ﻒﻟﺆﳌﺍ ﲔﻌﺘﺴﻧ

الذين عرفوا احلق واتبعوه فلم يكونوا من املغضوب عليهم وال الضالني فأخلصوا دينهم هللا وأسلموا وجوههم هللا وأنابوا إىل رهبم وأحبوه ورجوه وخافوه وسألوه ورغبوا إليه وفوضوا أمورهم إليه وتوكلوا عليه وأطاعوا رسله

. واتبعوهم واقتفوا آثارهم واهتدوا مبنارهم وعزروهم ووقروهم وأحبوهم ووالوهم

وذلك هو دين اإلسالم الذي بعث اهللا به األولني واآلخرين من الرسل وهو الدين الذي ال يقبل اهللا من أحد دينا إال .إياه وهو حقيقة العبادة لرب العاملني

.نا املسلمني فنسأل اهللا العظيم أن يثبتنا عليه ويكمله لنا ومييتنا عليه وسائر إخوان .واحلمد هللا وحده وصلى اهللا على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي