بين إقبال وبن نبي

35
ي م ل ع ل ر ا سي ف ت ل وا ة ي ف و لص ا ة ي ف س ل ف ل ا رة ظ ن ل ن! ا# ي% ب د دي% ج+ ت ل .. ا ي% ب ن! ن% ب ال و% ب ف4 ن! ا# ي% بPDF اعة% ب ط ق ي ى صد ل4 ل ا رسا4 ا عاء,% ب رB الأ29 س سط غB ا2012 18:54 : ة ي ن ب د رة كU ف ارة ض ح ل ل ا صB ا- B ا ر ي# \ ي ع ت ل ! ا ج ه ا ب\ م \لأح و ص4 الأ ل بc ن\ س ل م ه د جدي\ ت ي ف ، و اة ب\ ح ل \ى ا ل4 م ا ه ت را \ ظ ن ي ف م\اء عل لن! وا و ح ل\ ض م ل \رون! وا ك ف م ل ا ق \ ف ت ن! نB ا ا% ب\# ن ر غ س لي ه\ دافB ل وا% ب\ س م و \ وار ل روط و \ ش ش ف ا ب\+ ن و ث ح% ت ن ة ي\ ف ح\ د، وB ي ا عل \ را حك س لي م عل ل \ لأح وا ص4 \ ر والأ ك ف ل م ا ل ن! ع\اB د. لأ دي\% ج+ ت ل وا م ل ع\ا ل ا ا ر ه\د ي\ ص ن ا ه\د% ت ، و اة ب\ ح ل ا الأت% ج\ م ع \ ت م% ج ي ف وى \ قB والأ ل \ ض فB الأ وغ لc ي ى ل4 ار ا ر م ت س ا% ي ي م را ل عة ا% طاب% ن ر مي ت ن ما ك د، دي% ج+ ت ل لأح وا ص4 الأ ي م \ لأ س4 م الأ ل ع\ ا ل ا ي ف د دي\% ج+ ت ل \ لأح وا ص4 م الأ ل . وع\ ا رضB و اB ا \ رق غ وB \ون! ا ل وB ن! ا ب ة د ي\ ف ص+ ن ح ت ع\ اء، لأ م% ج ة ي ن س\ ا ن4 الأ% ث ي\ ص ن! ن م ة ات\ ف ل ط ن م ي ف واح\ دا ي ح \لأ ص4 الأ ع ف لر ا ا% ب\ ت ع ا% ، ي ي ح \لأ ص4 \ ل ا ع ف ىB ا ه\ ا مل ح ت ي ب\ ل ص اB ن ض\ا ح ل وا ى ل و م \ ش ل ع ا% بلط\ ا س ا عك ب ث ي ج\ د ل ا ه \ل م\ا ك ي ق% ت# ن د. و دي\% ج+ ت ل \لأح وا ص4 الأ ه\ا ي ف رى% \ ج ت وB ، ا ي ح \لأ ص4 \ر الأ ك ف ل ا ها ي ف ر ه ظ ن ي لب ا ة ي ح ت ار ب ل ا روف لظ ا% ث\ س ح% ت وعا ن+ من ة، و هدافB وا! ن م ر \ ف ت نار و ك ب ل اّ م ي ع\ة% ت ط% ن! س\ان ن4 ن! الأB ، لأ \ان! ك م ىB ا ي ف و ث ف \ل و ك ي ف ورى ر \ ض و% \وت ل مط د دي\% ج+ ت ل \لأح وا ص4 ن! الأ م% \وت ل مطار. ر م ت س ا% لأحة ي ص4 عة وا م وض ي و ف ت% ن% ث ل و مطا ه ف! سان ن4 الأ اة ب ح ى ل4 ا% رت س ي ب ساد ف ل دام ا د. وما دي% ج ل ى ا ل4 اح! دوما ا ت ح ت ف، ة% ات ري ل ا ة رت \ س% ليء ا ا ب\% نB \ع ا م% ح ت م، و ه% ت و ع \ ش م% ح ت م، و ه ع م% ح ت م\ا ل، ج ت ار ب\ ل ر ا% ي\ ع م، و ل ع\ا ل ا ي ف د دي\% ج+ ت ل \لأح وا ص4 الأ ن! دع\اة# ي% ب ا ب\ ع تc ت ط اق ف\ بن! الأ كا ا د4 ا ي ف ، و ة ي\ ن جد ل ا ة ي\c ن وروB الأ ة ص\ ه لي ا ة دات\% ي ي ف \لأم، س4 ص\در الأ ي ف م، و ي د ف\ لن! ا ا وي\ ن ل ا ي ف د دي\% ج+ ت ل \لأح وا ص4 الأ ن! دع\اة# ي% ب ل\ك د د% ج\U ت ف \ل، ك ض ح ت لأ ف \ ت كU ف وعط\ اء، د ح\B ا ي ه ي ب\ ل ا ارة ض\ ح ل ر ا ه ا ومط\ روط \ ش م هB ن! ا م د دي\% ج+ ت ل \ لأح وا ص4 . والأ ث ي ج\د ل ا ي م \لأ س4 \ ع الأ م ت% ح م ل ا ة ن! كاف\# ي% ب وة ف% ب م وB ي ا ل ف ب ما ت ل ا ن! واحد، ف ب ود ع واحد م ت% ح م ر واحد و عص! ن م لأح ص4 الأ ن! دعاة# ي% ب ي ح لأ ص4 ر الأ ك ف ل ا ي ف ل ب ما ت ل وا اق ف ب الأ د ل\ دى دي\% ج+ ت ل \ لأح وا ص4 م الأ ل ع\ ا ي ف ر \ خÆ \ و الأ هّ ح\ ال لأف ت ح د الأ% ج\ ت م\ ا ك، ث ي ج\د ل ا ي م \لأ س4 م الأ ل ع\ ا ل ا ي ف د دي\% ج+ ت ل ا ن! ودع\ اة جي ل\ ض م ل ا! ن ب ال\د م\ال% ج وB ا% وه\ات ل د ا% ب\ غ م\د ح م د ب\ غ ة دت\ دي% ج+ ت ل وا ة ي ح \لأ ص4 الأ ج\اولأت م ل اB را \ ف ب دما ب\ غ ، و ث ي ج\د ل ا ي م \لأ س4 \ع الأ م ت% ح م ل ا ي ف! ن ب ك ف م ل ا

Upload: binamir

Post on 11-Jan-2016

223 views

Category:

Documents


1 download

DESCRIPTION

Antara Muhamad Iqbal dan Malik bin Nabi

TRANSCRIPT

Page 1: بين إقبال وبن نبي

إرسال إلى صديقطباعةPDFبين إقبال وبن نبي.. التجديد بين النظرة الفلسفية الصوفية والتفسير العلمي18:54 2012 أغسطس 29الأربعاء,

أ- أصل الحضارة فكرة دينية: ليس غريبPPا أن يتفPPق المفكرون والمصPلحون والعلمPPاء في نظPPراتهم إلـPPى الحيPPاة، وفي تحديدهم لسبيل الإصPلاح ومنPPاهج التغيPPير والتجديد. لأن عالم الفكر والإصPPPلاح والعلم ليس حكرا على أحد، وفيPPPه تبحث وتنPPPاقش شروط ولPPPوازم وسPPPبل وأهPPPداف الإصلاح والتجديد، كما يتميز بطابعه الرامي باستمرار إلى بلوغ الأفضل والأقوى في جميع مجالات الحياة، وبهذا يصير هذا العالم من نصيب الإنسPPانية جمعPPاء، لا يختص فيPPه دين أو لPPون أو عرق أو أرض. وعالم الإصPPلاح والتجديد في العPPالم الإسPPلامي الحديث يعكس الطابع الشمولي والخصائص الPPتي يحملهPPا أي فعPPل إصPPلاحي، باعتبPPار الفعPPل الإصPPلاحي واحدا في منطلقاتPPه وأهدافه، ومتنوعا بحسب الظروف التاريخية التي يظهر فيها الفكر الإصلاحي، أو يجري فيها الإصلاح والتجديد. ويبقى كل ما هو مطلوب من الإصلاح والتجديد مطلوب وضروري في كل وقت وفي أي مكان، لأن الإنسPPان بطبعPPه يمPPلÀ التكرار وينفPPر من الرتابPPة، فيحتPPاج دومPPا إلى الجديد. ومPPا دام الفسPPاد يتسرب إلى حيPPاة الإنسPPان فهPPو مطPPالب بتقPPويم وضPPعه وإصPPلاحه

باستمرار. إذا كان الاتفاق طبيعيا بين دعاة الإصلاح والتجديد في العالم، وعبر التاريخ، لما يجمعهم، ويجمع شPPعوبهم، ويجمPPع أبنPPاء البشرية ككل، فنجد ذلك بين دعاة الإصلاح والتجديد في اليونان القديم، وفي صدر الإسلام، في بدايPPة النهضPPة الأوروبيPPة الحديثPPة، وفي المجتمع الإسPPلامي الحPديث. والإصPلاح والتجديد من أهم شروط ومظPPاهر الحضPارة الPPتي هي أخذ وعطPPاء، فكيPPف لا يحصPPل الاتفPPاق والتماثPPل في الفكر الإصPPلاحي بين دعاة الإصPPلاح من عصر واحد ومجتمPPع واحد ودين واحد، فالتماثPPل قPPائم وبقوة بين كافة المصلحين ودعاة التجديد في العالم الإسلامي الحPPديث، كما نجPPد الاختلاف حالÀ هPPو الآخر في عالم الإصPPلاح والتجديد لدى المفكرين في المجتمع الإسلامي الحديث، وعندما نقرأ المحاولات الإصلاحية والتجديدية عند محمPPد عبPPد الوهPPاب أو جمال الدين الأفغاني أو محمد عبده أو محمد إقبال أو عبد الحميد بن باديس أو مالك بن نبي وغيرهم نجد النقPPاط الPPتي تجمعهPPا أكثر من النقاط التي تفرقها، فهي تلتقي في نقPاط كثPيرة، حPتى أن القPارئ يعجPز أحيانا عن التميPيز بين فكرة الأفغPاني وفكرة تلميPPذه محمPPد عبPPده، ولا يسPPتطيع أن يمPPيز بين رأي ابن باديس وغيره، حPPتى هPPؤلاء الذين بالغوا في التجديد، ونادوا بالتمرد على

القديم يلتقون في أكثر من نقطة مع غيرهم من أهل الاعتدال، أو حتى من أهل التشديد على القديم. إذا كان محمد إقبال ومالك بن نبي من دعاة الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، ولهمPPا مرجعيPPة دينيPPة وفكرية وتاريخية واحدة، فما يجمع بين محاولتهما أكثر مما يفصل ويفرق بينهما، عاشPPا في عصر واحد، وعاصر كل منهمPPا الآخر،

Page 2: بين إقبال وبن نبي

فبين ميلاد محمد إقبال وميلاد مالك بن نبي اثنين وثلاثين سنة، وبين وفاة محمد إقبال ووفاة مالك بن نبي خمس وثلاثين سنة، فشPPاهد كل منهمPPا نفس الظPPروف والأحداث والتغPPيرات الفكريPPة والدينيPPة والاجتماعيPPة والاقتصPPادية والسياسPPية في العPPالمÀفPPات الحضPPارة المختلPPف، والعPPالم الإسPPلامي جزء منPPه بصPPفة خاصPPة وفي العPPالم ككل بصPPفة عامPPة كما عاشPPا معPPا مظPPاهر ومخل الأوروبية الحديثPPة والفكر الغPربي، وقاسPPا محنPPة الاسPPتعمار الأوروبي للأقطPPار العربيPPة والإسPPلامية ولشPPعوبها. فكان كل منهمPا

شاهدا على العصر الحديث و على الحياة في العالم الإسلامي في هذا العصر. وبما أن كل واحد منهما نشأ في أسرة دينية إسPلامية محافظPة، لم تسPتطع الظPروف المحيطPة بهمPا ومPا فيهPا من تيPارات فكريPة ومذاهب دينية واتجاهات فلسفية، ودعوات علمية، ومنتجات حضارية بّرÀاقة ومغرية أن تنال من انتمائهما الديني وعقيPPدتهما، وحبهما للإسلام وللوطن الإسلامي، إذ أنÀ الواحد منهما يزداد تمسPPكا بدينPPه وبعقيدتPPه وبّرسPPالته كلمPPا ازداد اطلاعا على الفكر الغربي أو غيره، وكلما ازداد الاستعمار شراسة في سلب ونــهب واغتصاب خيرات الشعوب المستعمرة، وكلما ازداد شراسة في محاولات طمس مقوÀمات الأمPPة الإسPPلامية بسياسPPة التبشPPير المسPPيحي، وبنشر الفكر المPPادي الإلحPPادي، وبفPPرض التبعيPPة الحضارية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا على تلك الشعوب المظلومPPة. ونجPPد أن الواحد منهمPPا يزداد وعيPPا وفهمPPا للدين وإدراكا للحقيقة، وإدراكا لواقع العالم الإسلامي وهمومPه ومشPاكله في الدين والاجتمPاع والاقتصPاد والسياسPة والحضPارة بشPكل عام، فزداه ذلك ارتباطا، وتثبتا بّرسالته وحرصا على تبليغها بعيدا عن التردد والتراجع والخوف، وفي ظروف تتربص به الدوائّر من

كل جهة وجانب. لقد كشف كل منهما الضعف الديني الذي آل إليه العالم الإسلامي، ولم يبق من الإسلام سPPوى الاسم، ومن القPPرآن سPPوىÀفظ، وسPعى الاسPتعمار إلى تزييPف تعPاليم الإسPلام ومبادئPه، مسPتخدما طرقPا عديدة وأسPاليب الرسم، ومن الإيمان سوى الّل مختلفة، واستخدم في ذلك أبنPاء العPالم الإسPلامي أنفسهم، مسPتغلا فيهم الجهPل والأميPة والتخلPف، فكPثر الدÀجل، وانتشرت

الشعوذة والأباطيل والأساطير والأوثان المختلفة، والفهوم الخاطئة لأمور الدين والدنيا، ولم يعد المسلمون يعرفون حقيقة دينهم وحقيقة دنياهم، فهم بقوا على المPPدارس الفقهيPPةالموروثة بعيدا عن محاولات الاجتهاد الجادة والسليمة، وعلى تّراث فكري وأدبي تّركه الأولون، بعيدا عن محاولات التجديد

والإبداع في مجال الفكر والفلسفة والأدب وغيرها، فصاروا في وضع فكري وديني ضعيف يسمح لّلغير بغPPزوهم، ويجعPPل منهملقمة سائغة في يد أعدائهم، ويقوي فيهم التخلف والتبعية لغيرهم.

وحال المسلمين في حياتهم النفسية والاجتماعية نجده كحالهم في الحياة الدينية حسب إقبال ومالك. فلم يعPPرف المسPPلمون قPPوة الإرادة والعزيمة، ولا الثقة بالنفس، ولا الشعور بالمسؤولية تجاه الذات والPPوطن والدين، بPPل عاشPPوا خيبPPة الأمPPل، والشPPعور

Page 3: بين إقبال وبن نبي

باليأس والقنوط، وكراهية الواقع، لما كانوا يلقوه فيه من بPؤس وشPPقاء وتعاسPPة وحرمPان، بسبب الجهPل والفقPPر والأمراض،وسيطرة العادات والتقاليد الفاسدة.

ولم يكن لّلشعوب الإسلامية شيء في الاقتصاد والسياسة وهي تحت الاحتلال، فثرواتها وخيراتها الطبيعيPPة، وطاقاتهPا البشريةكانت تستغل من قبل الاستعمار، كما كانت خاضعة له سياسيا وعسكريا،

وكان الاستعمار يعمل جاهدا على فرض سلطانـPه وهيمنتPه على هPذه الشPعوب، لضPمان استمراره واسPتغلالها ونهب خيراتهPا وثّرواتها من خلال ضمان أسPPباب القPPوة لديPPه، وأسPPباب ضPPعفها وتخلفهPPا. وفعلا ازدادت تخلفPPا وانحطاطPPا في كافPPة ميPPادين الحيPاة، وصPارت في تبعيPة حضPارية تامPة لغيرهPا. ويصPف إقبPال وضPع المسPلم الذي تحPول من “المسPلم القPوي الذي أنشPأته_!!! … والذي كان يمضي على الصحراء، وأحكمته رياحها الهوجاء، أضPPعفته رياح «العجم»، فصPPار فيهPPا كالنPPاي نحPPولا ونواحا

الدهر حكمه، ويقف الملوك على بابه، رضي من السعي بالقنوع، ولذÀ له الاستجداء والخشوع!!”.ا أن العPالم الإسPلامي ـ إبان هPذه الحقبPة ـ قPد استسPلم ÀPه “من المحزن حقÀ ويصف مالك بن نبي العالم الإسلامي وما آل إليه بأن

لرقاد طويل، لم يفطن لساعات التاريخ الفاصلة، ولم يحاول انتهاز فرصتها السانحة، ليتخلص من الاستعمـار”. لقد صنعت إقبال الفيلسPPوف، ومالك بن نبي الفكر، ظPPروف تاريخيPPة واحدة. استمد كل منهمPPا فلسPPفته، وفكره، من مصPPادر واحدة وروافد متماثلة تماما. فكل منهما ابن بيئة إسلامية ومحيط ديني محافظ، ارتبط بالإسلام وفهمه عقيدة وشريعة، وكانÀا له، ودفاعا عنه، وتزيده تخلقا حبه لله ولرسوله كبير، لم تؤثّر فيه دعوات الإلحاد بل كانت تلك تزيده تمسكا بالإسلام، وحب بأخلاق الإسلام لرفع التحدي والتصدي لدعاة التغريب من أبناء العPPالم الإسPPلامي ومن غيره. كما اطلPPع كل منهمPPا على الفكرسPPلامي القPPديم والحPPديث كل العنايPPة، وكل mدهما الفكر الإPPكل خاص، ونال عنPPلامي بشPPس mكل عام والفكر الإPPاني بشPPالإنس الاهتمام بالمتابعة والدراسة والتقPPويم والمراجعPPة، كما نال الفكر الغPPربي القPPديم والحPPديث نفس العنايPPة والاهتمPPام، وكان لّلفكر الغPPربي والحضPPارة الغربيPPة بشPPكل عام الأثّر البPPارز في فلسPPفة إقبPPال وفكر مالك بن نبي. لأن الفكر الإصPPلاحي الحPPديث لدى المفكرين هو مجرد استجابة لفكر غربي، وحضارة غربية غزت العالم الإسلامي، فكانت أمام قيم دينية وتاريخية موروثPة، حملهPاه ليPPل الاسPPتعمار، فهPPو يعPPاني ÀPPزو عشPPف مغPPود عالمين اثنين: عالم متخلPPيز بوجPPع تمPPدعاة الإصلاح، وأصحاب التجديد، في واق الجهل والفقر والبؤس والحرمان، والعالم الإسلامي جزء منه. وعالم متحضر، غازي، يعيش الحضPPارة والمدنيPPة والرفPPاء المPPادي والتنظيم الاجتماعي، وهو العالم الأوروبي. فكان واقPPع المسPPلمين المتمPPيز بالتخلف والانحطPPاط من جهPPة وواقPPع أوروبا المتمPPيز بالتقدم والرقي العلمي والتكنولPوجي والاقتصPادي من جهPة أخرى، لهمPا الأثّر البPارز في تكPوين فلسPفة إقبPال وفكر مالك بن

نبي.

Page 4: بين إقبال وبن نبي

الدكتور جيلالي بوبكرإرسال إلى صديقطباعةPDF-2بين إقبال وبن نبي.. التجديد بين النظرة الفلسفية الصوفية والتفسير العلمي -

17:14 2012 أغسطس 31الجمعة, أ- أصل الحضارة فكرة دينية:

إجتمعت دوافع الإصلاح والحاجة إلى التجديد لدى الشخصيتين، أمام وضع المسلم المزري دينيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا وسياسPPيا، بسبب التخلPPف والاسPPتعمار، وأمPPام روح إسPPلامية مهPPزوزة ومهزومPPة وروح غربيPPة غازيPPة، بكل مPPا تملـكه الروح الإسلامية من قيم وتّراث ومبادئ قوية وسمحى، وما تملـكه الروح الغربية وحضارتها من قيم ومنتجات مغريPPة وبّرÀاقPPة، وأمPPام محاولات إصلاحية داخل العPPالم الإسPPلامي، بعضها يقلد الغPPرب ويدعو إلى الانغمPPاس في جديده، وبعضها يعPPرض عن ذلك ويطلب الحياة على القديم، وبعضها يسعى إلى ضمان التوفيPق والانسPجام بين القPديم والجديد، كل ينقPد الآخر ويبحث عمPا يPبرÀر

موقفه وينشر دعوته. ولمPPPا كانت نفس الدوافع والأسPPPباب دفعت الشخصيتين إلى التمسPPPك بالإسPPPلام، والاطلاع على الفكر الإسPPPلامي القPPPديم والحديث، والاتصال بالغرب وبحضارته والإلمام بالفكر الغربي وفلسفاته، والنظر إلى واقع الإنسان المعاصر، المسPPلم والأوروبي، فهي الظPPروف الPPتي جعلت كلا منهمPPا يفكر في الإصPPلاح والتجديد، ويقيÀم عالم الفكر وعالم الواقPPع، وينتج فكرا وفلسPPفة، وهي التي جعلت المحاولتين الإصلاحيتين لّلفيلسوفين أكثر تشابها وأكثر تماثلا، والنقاط التي تجمعهما أكثر من النقاط التي تفرقهمPPا. فعالم الواقع في نظر المحاولتين مريض يحتاج إلى العلاج، فواقPع المسPلمين مزري والواقPع الأوروبي تسPيطر عليPه حضPارة ذاتÀفPPه طPPابع مPPادي، وذات فكر إلحPPادي أفقPPد الحيPPاة معناهPPا، وأفقPPد الوجPPود الإنسPPاني قيمتPPه، وصPPار المسPPلم ضPPالا بسبب تخل وانحطاطه، وصار الأوربي شاردا بسبب طغيان الاتجاه الإلحادي المادي على حياتPPه، فالاسPPتعمار والتخلPPف والطPPابع المPPاديياة الأوروبية الغربية التي انتقلت إلى العالم الإسلامي... كل هذا صنع نظرة المفكرين الواحدة إلى عالم الواقع، وصنع الحاجة للح إلى الإصلاح والتغيPير والتجديد. أمPا عالم الفكر فهPو واحد في النظPرتين. فPالفكر الإسPلامي القPديم ومPا تمPيز بPه من قPدرة على الاستيعاب ومن دقPPة وعمPPق ويقين، سPPواء تعلق الأمر بالفلسPPفة الإسPPلامية بمختلPPف فروعهPPا أو بعلوم الدين، وعلوم الطبيعPPةÀد حضارة إسلامية زاهرة كانت ـ دون شك ـ رافPدا رئيسPيا لّلفكر الغPربي الحPديث، وللحضPارة الغربيPة والإنسان، كل هذا شي

الحديثة. إن الازدهار الفكري والنماء الحضاري الذي شهده المسلمون قPPديما لم يعPPد لهم في العصر الحPPديث مPPا يجعلهم قPPادرين على فعPPل أدنى مما فعله الأولون، نظرا لظروفهم المزرية وأوضاعهم الفاسدة، حPPتى أن الفكر الإصPPلاحي الحPPديث في العPPالم الإسPPلامي لم

Page 5: بين إقبال وبن نبي

يكن قائمPPا على رؤيPPة فلسPPفية دقيقPPة وواضحة وسPPليمة إلى تاريخ والحضPPارة والإنسPPان والوجPPود، وتعPPدد مPPذاهب واتجاهPPات الإصلاح والتجديد، والأحادية في الحل والمعالجة لدى الاتجاه أو ذلك، يدل على قصPور المحPاولات الإصPلاحية الPPتي شهدها العالم الإسلامي الحPPديث، وعجزهPPا عن تقPPديم منهج متكامPPل، وأسPPلوب كاف لإنقPPاذ المجتمPPع الإسPPلامي من أزمتPPه الخانقPPة، ومحنته العميقة، لذا حاول كل من إقبال ومالك تقديم رؤية فلسفية لّلتPاريخ ووضPع نظريPة إصPلاحية تعPالج الأوضPاع وتقضي على المشاكل، لم تكن تلك الخطة مستمدة مما وصPPل إليPPه الغPPرب الأوروبي من أفكار وعلوم ومنPPاهج في الإصPPلاح والتجديد، لأن الفكر الغPPربي في نظرهمPPا قصPPوره الروحي جعله ينتج حضPPارة ويصPPنع إنسPPانا خاليPPا من القيم الروحيPPة المثلى، تسPPيطر عليPPه الغرائز والشهوات والأنانيPPة، إنسPPان لا يفكر إلا في بهيميتPPه، ولا يعطي وزنا إلا للمPPادة خارج القيم الأخلاقيPPة العليPPا ـ الشرف والـكرامة والعدل ـ التي لم تعد تهمه، في حياته الفردية أو الاجتماعية، أو في تعامله مPPع غيره. أمPPام ضPPعف الفكر الإصPPلاحي الحديث في العالم الإسلامي، وأمام قصور الفكر الغربي وقصور الحضارة الغربيPPة عن بلوغ مبتغي الإنسPPان والحيPPاة ومPPع وجPPودÀمPPه وتعاليمPPه السPPمحة، قPPامت الحاجة ـ عنPPد إقبPPال ومالك ـ إلى الإصPPلاح والتجديد، و إلى السPPعي نحPPو النهضPPة الإسPPلام وقي

والحضارة والتقدم. يقول محمد إقبال في ضرورة قيام المحاولة الإصPPلاحية، والظPPروف مناسPPبة لقيامهPPا: “أحاول بنPPاء الفلسPPفة الدينيPPة بنPPاء جديدا، آخذا بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطوÀر في نواحيها المختلفة. واللحظةÀسPPلـكي… لم تعPPد تجPPذبني الراهنة مناسبة كل المناسبة لعمل كهـذا”. ويؤيده مالك بن نبي قائلا: “فلما دخلت إلى المدرسPPة اللاÀلت جميPع أثام مجتمPع يبحث عن أحلام الآفاق البعيPدة، ولم يسPتملني مركزا اجتمPاعي مرمPوق… وأصPبحت أشPعر كأنني ح�مÀله من مسPPؤوليات ومحن وآمPPال لتحقPPق له الخلاص من بؤسه، كأنني بالنسبة لذلك المجتمع كبش فداء، شاعر بثقPPل مPPا حم الخـلاص بفضـل دراستـه”. ويقول كذلك حول دور الحركة الإصلاحية في الجزائّر، كنموذج في العالم العPربي والإسPلامي: “فالحركة الإصلاحية، والحركة الوطنية قد ظهرتا إلى النور في هذه الفترة بالذات. وقد بدأت غشاوة الأوشاب التي سPPادت ما بعد عهد الموحدين في الانفراط والتفتت، تحت تأثير جهPPد هPPذا النشPPاط الأخلاقي والسياسي المPPزدوج، الذي حررÀ الPPوعي الجزائّري، ورده إلى جادة التاريخ. كما بدأ تاريخ النهضة الجزائّرية، في هPذه الفPترة بالذات، مPع تزايد ضPغط الاسPتعمار الذي كان يّرمي إلى استبقاء الطاقات المستيقظة تحت مراقبته”. إن التخلPPف حسPPب إقبPPال ومالك، ظPPاهرة أملتهPPا ظPPروف عديدة، وأسPPباب كثPPيرة، بعضها موضPوعي وبعضها ذاتي، وهي ليسPPت طبيعيPPة في الفPPرد والمجتمPع والأمPة والإنسPPانية جمعPا. لمPا يملك الإنسPPان من قPPوة وقPPدرة على التغيPPير والتجديد والنهضPPة والتحضر، فPPالمجتمع الإسPPلامي عرف في وقت مضى كل مظPPاهر الازدهار الثقافي والحضاري ، وهو يعيش في العصر الحديث ظلمات الجهل والتخلف، لأنه فقPPد أسPPباب النهضPة والحضPارة، وتقـيد بعوامل الضعف والانحطاط في المجال الفكري والديني والاجتماعي. وسبيل النهضPة هPو القضPاء على أسPباب التخلPف

Page 6: بين إقبال وبن نبي

Àاء في مختلPPف قطاعات الحيPPاة وفي شPPعوب من خلال مناهج ووسائل ثقافية وفكرية واجتماعية تكفل الوعي السليم والعمل البنأوروبا الحديثة القدوة والعبرة، وفي شعب اليابان المعاصر المثال الحي لذلك.

فالحضارة من إنتاج الإنسان لا غير، لها شروطها وأسبابها، وهي شروط وأسباب كامنة في الإنسPPان وفي محيطPPه، فهي ليسPPتÀده من الطبيعPة، ويضPاف إليهPا، وبمPا أن الإنسPان كائن هبة من الطبيعة، أو تنشأ بفعل الصدفة، فهي عالم يبنيه الإنسان ويشيÀن له صلة بالوجود والذات الكلية، فإن شروط النهضة والحضارة تّرتبPPط بكل مPPا عاقل فيه جانب الروح وجانب المادة، ومتدي يتصPPPل بالإنسPPPان وبحياتPPPه ككائن نفسPPPاني، عاقPPPل، اجتمPPPاعي، روحاني، ككائن له شيء من الدنيا، وله في العPPPالم الآخر. فالحضارة في فلسفة إقبال تعني بنPاء الإنسPان أولا، الذي يبني حيPاة في عالم الدنيا، ويكPون العPالم الآخر استمرارا للحيPاة الدنيا. وشروط بناء الإنسان ذاتية، وفردية، ونفسية، وروحية، بناء لّلعالم الداخلي للذات وفق معايير روحية، ثم بناء المجتمPPع والحيPPاة والتاريخ وفق المعايير نفسها، وتكون الحياة بّرمتها تخدم المبادئ والغايات التي لأجلها تقوم الحياة، وهي مقPررة، وبدقPة وبعمPق كبيرين في روح الإسلام والنصوص القرآنية. فالحضارة الحقة، أساسها روحي، وطابعها روحي، ومقاصدها وغاياتهPPا روحيPPة،

وما الجانب المادي فيها إلا لخدمة الجانب الروحي. وينبذ إقبال أي نهضة وكل حضارة تعبد الجانب المادي من الحياة وتستبد بالروح، والإسلام في نظره هو الذي “يكفPPل له ـ للمسلم ـ آخر الأمر الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي، وعلى حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليPPه من صراع بين القيم الدينية والقيم السياسية”. ويكاد يتفق مالك بن نبي على نفس المفهوم والمعنى، فالحضارة عنده هي: “مجمPPوع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمPPع معين أن يقPPدم لكل فPPرد من أفPPراده في كل طPPور من أطPPوار وجPPوده، منPPذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطوار نموه”. فالانطلاق والنهضة والحضPPارة كل هPPذا يتم بالتغير الذي يحصل في ذات الفرد، وفي حياتPPه، وفي مجتمعPPه وفي العPPالم، لغPPرض الوصPPول إلى السPPمو الروحي والأخلاقي والفكري، وهذا يشترط معايير أخلاقية فضPPلى، وهي ذات أصPPل روحي، وبلوغ الازدهPPار الاقتصPPادي والانسPPجام الاجتمPPاعي يشPPترط مناهج وأدوات متطورة لبلوغ التوازن بين المجال الروحي والمجال المادي، ويشترط هذا التوازن تطور العوامل الروحيPPة والماديـPPة

وتكاملها. يتفق محمPPد إقبPPال ومالك بن نبي اتفاقPPا تامPPا على أن أيPPة حركة نهضPPوية في التPPاريخ، وأيPPة حضPPارة يشهدها الإنسPPان في مرحلةÀر الذي يطرأ على الإنسPPان باعتبPPاره الكائن الوحيPPد الذي يتحضر، وكتب له “الله” تاريخية ما تكون حاصل فعل التغيير أو التغي الاستخلاف في الأرض. والتغيير له طابعه الخاص، كما له مجالاتPه، فطابعPه روحي في الأصPل، ومجاله ذات الإنسPPان ونفسÀر عنهPا القPPرآن في قوله تعPالى: “إن الله الفرد، أولا، ثم المحيط الطبيعي والاجتماعي ثانيا، وتلك سنة سنÀها الله في مخلوقاتPه، ويعبÀر التقPPدمي، لا يكPPون الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. ويقول محمد إقبال في هذه السنة: “وفي هPPذا المنهج من التغي

Page 7: بين إقبال وبن نبي

في عPPون المPPرء على شريطة أن يبPPدأ هPPو بتغيPPير مPPا في نفسPPه”. ويؤكد مالك بن نبي ذلك بقوله: “هPPذه حقيقPPة علميPPة يجب أن نتصورها كقانون إنساني وضعه الله عز وجل في القرآن، كسنة من سنن الله التي تسير عليها حيPPاة البشر”. والتغيPPير في داخل النفس يمس المفاهيم والتصورات والمعاني، معنى الإنسان ومعPPنى الحيPPاة ومعPPنى الوجPPود وواجبPPات وحقPPوق البشر، كما يمس أنماط وطرق التفكير، ومناهج وأساليب العمل، ويمس القيÀم والدلالات التي يؤمن بها الإنسان والمبادئ التي تقوم عليها حياتPPه والغايات التي لأجلها يحيا، هذا يخص التغيير في معطيPPات الذات الإنسPPانية، يجPPرى التغيPPير بعPPد ذلك في الواقPPع الاجتمPPاعي والطبيعي، ومتى كان التغيير سليما ومتوازنا كانت الحضارة، ودخل صاحبها التاريخ، ومتى كان التغيير ضعيفا ومختلا فسPPدت الحياة، وازداد الإنسان انحطاطا وتخلفا. فالتغيير بالنسبة لّلفرد هو تبدÀل في الفكر والثقافة والأخلاق، أما بالنسبة للمجتمPPع فهPPو تحوÀل في النظام الاجتماعي العام، بعاداته وتقاليده وقوانينPPه، أمPPا بالنسPPبة لّلطبيعPPة فيتجسPPد في تسPPخير ظواهرهPPا وتحويلهPPا من صورة غير نافعة إلى صورة نافعة، بواسطة أدوات ومعارف ومناهج معينة، والتغيPير في هPذه المجPالات ككل متحدة هPو تغيPير

في حياة الإنسان ككل، بدونه لا نهضة ولا حضارة ولا تقدم.يتبع

17:26 2012 سبتمبر 01السبت, أ- أصل الحضارة فكرة دينية:

يتضPPح ممPPا سPPبق أن مPPا يتفPPق عليPPه المفكران أن الحضPPارة يبلغهPPا الإنسPPان عنPPدما يصPPل إلى درجة السPPمو الروحي والأخلاقيÀ بفعPل التغيPير الذي يشهده والفكري، هذا السمو الذي يطوÀر الحيPاة في مختلPف جوانبهPا، والحضPارة بهPذا المعPنى لا تتكPون إلا الإنسPPان في حياتPPه الذاتيPPة الفرديPPة الداخليPPة أولا، ثم خارج هPPذه الحيPPاة ثانيPPا. والتغيPPير بهPPذا المعPPنى هPPو مPPا يعPPرف بالتجديد الحضاري، وهذا الأخير له شروطه وميادينه ومراحله وأهدافه ومراميPه، ويكPون وراء أيPة نهضPة تاريخيPة، ومحPرك أيPة دفعPة حضارية. ومثال ذلك الحضارة الإسلامية، فكان وراءها التغيير الذي شهده المسPPلمون الأوائPPل في أنفسهم وفجÀPPر التغيPPير الذي شهدته حياتهم، فشهدوا تجديدا لا مثيل له في عصرهم، هذا التجديد التي أنتج حضارة راقية عامرة بالإيمPPان، وزاخرة بالعلوم والفنون والصناعات، كان ذلك بفعل الإسلام الذي بنى ذاتا إنسانية إسلامية، دخلت التاريخ من بابه الواسع بعد العزلة، كما بنى مجتمعPPا إسPPلاميا قويا عرف الحضPPارة والمدنيPPة بعPPد سPPذاجة وبداوة، وهPPذا يدلنا إلى أن التغيPPير السPPابق على كل صحوة

Page 8: بين إقبال وبن نبي

حضارية يستهدف بناء الإنسان، وقولبة ذاته ووجPPوده الفPPردي أولا وقبPPل كل شيء، ثم بنPPاء المجتمPPع وتحويPPل الواقPPع لخدمPPةمرامي الإنسان وغاياته القريبة والبعيدة.

ولا نستطيع أن نميز بين فلسفة إقبال ونظرية مالك بن نبي حول دور الدين في بناء الإنسان والحضPPارة والتPPاريخ، فإقبPPال يعتPPبر الإنسان المسلم، المتحلي بأخلاق الله هو الإنسPان الكامPل، لأجله وجد كل شيء، هPو إنسPان القPوة والحضPارة والتPاريخ، ومPاÀن إقبPPال الدور الذي يلعبPPه سواه زيف وباطل. والحياة في أصPPلها روحيPPة وفي مصPPيرها روحيPPة ذلك مPPا قPPرره الإسPPلام، ويبّي الدين، وتلعبPPه الفكرة الدينيPPة في تحريPك التPPاريخ، وتشPPكيل الحضPارة من خلال الدور الذي لعبPPه الإسPPلام في التPPاريخ فيقPPول: الإسلام بوصفه حركة ثقافية… ونظاما عاطفيا يقول بوحدة الكلمPة، يدرك قيمPة الفPرد، من حيث هPو فPرد، ويّرفض اعتبPار قرابة الدم أساسا لوحدة الإنسانية… ولا يتيسر التماس أساس نفساني بحت لوحدة إنسانية إلا إذا أدركنا الحياة الإنسانية جميعا روحيا في أصلها ومنشئها… ولهذا كان أمرا جدÀ طبيعي أن يشرف نور الإسPPلام بين قPPوم سPPذج لا يعرفPPون شيئا من ثقافPPات العالم القديم، وتقع بلادهم في رقعة من الأرض تلتقي فيها قارات ثلاث، وتجPPد الثقافPPة الجديدة في مبPPدأ “التوحيـPPد” أساسPPاا في حيPPاة البشر العقليPPة ÀPPدأ عاملا حيPPذا المبPPلوحدة العالم كله. والإسلام بوصفه دستورا سياسيا ليس إلا أداة عملية لجعل هـ والوجدانية”. ويؤكد مالك بن نبي أفكار محمد إقبال حول دور الدين في بناء الإنسان والتاريخ والحضارة، بأسلوبه، ومعجميته، وفي إطار منهجه، ونظريتPه الPتي تعتPبر الحضPارة حاصPل جمPع العناصر الثلاثPة، وهي الإنسPان والPتراب والPوقت. ولـكن هPذهب فيما بينها، إذ يقول في ذلك: “فPPدورة الحضPPارة إذن تتم على Àالعناصر لا تجتمع وتتآلف وتتكامل إلا بفعل الدين الذي يّرك

” على حدEthosهذا المنوال، إذ تبدأ حينما تدخل التاريخ فكرة دينيPPة معينPPة أو “عنPPدما يدخل التPPاريخ مبPPدأ أخلاقي معين قوله كيسرلنج، كما تنتهي حينمPPا تفقPPد الروح نهائيPPا الهيمنPPة الPPتي كانت لهPPا على الغرائز المكبوتPPة والمكبوحة الجمPPاح”، ويقPPول كذلك: “فالفكرة الدينية تتدخل إما بطريقة مباشرة، وإما بواسطة بديلاتها اللادينيPPة نفسها، في التركيبPPة المتآلفPPة لحضPارة مPا.

وفي تشكيل إرادتها”.À منهمPPا مهم وأساسي في الحضPPارة، فPPالعلم لا يختلPPف محمPPد إقبPPال عن مالك بن نبي في نظرتPPه إلى العلم والتPPاريخ، باعتبPPار كلا والتجارب العلمية عند الأول ميدانها الواقع والتجربة الواقعية، وهي وسيلة لبلوغ الحقيقة. أمPPا الدين والتجربPPة الدينيPPة ميPPدانها الروح، وهي وسيلة لبلوغ الحقيقة، فهما معا لا يتعارضان بل يتكاملان ولهما الهدف نفسه، هو الـكشPPف عن الحقيقPPة، الPPتي هي في أصلها روحية. أما التاريخ فهPو مصPدر من مصPادر المعرفPPة إلى جانب الرياضPة الروحيPPة والطبيعPة. والتPPاريخ أو بتعبPPير القرآن أيام الله، هو ثالث مصادر المعرفة الإنسPPانية بنPPاء على مPPا جاء في القPPرآن. ويشPPكل العلم بمفهومPPه الواسPPع محPPرك النهضPPة وصانع الحضارة عند مالك بن نبي، والطPابع الذي تتمPيز بPه الحضPارة الغربيPة الحديثPة والمعاصرة علمي محض. أمPا التPاريخ فهPو عنده الإطار الشامل لكل فعل حضاري ولكل حركة نهضة تدخله، فالتاريخ هو الإنسان والمجتمPPع والحضPPارة والتقPPدم والرقي

في الحياة.

Page 9: بين إقبال وبن نبي

قام كل من محمد إقبال ومالك بن نبي بفحص وتمحيص واقعPPه المعيش، فكريا واجتماعيPPا واقتصPPاديا ودينيPPا، وقPPام بالمراجعPPة والتقويم لّلفكر الإصلاحي الذي شهده عصره، وانتهى إلى غيPPاب الرؤيPPة الفلسPPفية إلى الإنسPPان والتPPاريخ والحضPPارة، وانصبت فكرة الإصلاح والتجديد عنده على مراجعPPة وتقPPويم ونقPPد جPPوانب عديدة من الفكر الإسPPلامي القPPديم، مثPPل فكر ابن خلدون ونظريتPPه في الدولة، وعلى المحPPاولات الإصPPلاحية لزعمPPاء الإصPPلاح والتجديد في العصر الحPPديث، مثPPل دعPPوة جمPPال الدين الأفغاني، ودعوة محمد عبده... وغيرهما، خاصة دعاة المسالمة مع الاستعمار والفكر الغربي. قام محمد إقبال بنقد جوانب كثPPيرة من الفكر الإسPPلامي وأخرى في الفكر الغPPربي، كما انتقPPد الحركة الإصPPلاحية الحديثPPة وفي العPPالم الإسPPلامي، وكتابPPه “تجديد التفكير الديني في الإسPPلام” يدل على ذلك وكان يقتبس من الفكر الغPPربي ولا يّرى في ذلك حرجا، مPPادام لا يتعPPارض مPPع القيم والمبادئ التي يؤمن بها، ولا تتعارض مع الإسPPلام كما انتقPPد بشPPدة الفكر الإلحPادي الغPربي، وسPPار في طريقPPه فيلسPPوف

الحضارة مالك بن نبي. كلاهما استطاع بمحاولته الفكرية الإصلاحية ونظريته الفلسفية أن يقدم رؤية فلسفية للإنسPPان والتPPاريخ والحضPPارة، وكلاهمPPا له فكر قوي، وفلسفة تميزت بالمتانة والدقPة والعمPق. ففلسPفتهما تلتقيPان في الفضPاء النظPري والمنبت والمبتغي. هPذا المبتغى الذي يحدده إقبPPال بقوله: “فعلى المسPPلم اليPPوم أن يقPPدÀر موقفPPه، وأن يعيPPد بنPPاء حياتPه الاجتماعيPPة على ضPوء المبPPادئ النهائيPPة، وأن يستنبط من أهداف الإسلام، التي لم تتكشف بعد إلا تكشفا جزئيا، تلك الديمقراطية الروحية الPتي هي منتهى غايPة الإسPلام

ومقصده”. وهو مبتغى ومقصد مالك بن نبي الذي يقPPول فيPPه: “وإنمPا لا يجPوز لنPPا أن يظPPل سPPيرنا نحPو الحضPارة فوضPويا، يسPPتغله الرجل الواحد، أو يظلله الشيء الواحد، بل ليكن سيرنا علميا، عقليا، حتى نّرى أن الحضارة ليست أجزاء مبعثرة ملففPPة، ولا مظPPاهرÀبة، وليست الشيء الوحيد، بل هي جوهر ينتظم جميPPع أشPPيائها وأفكارهPPا وروحهPPا ومظاهرهPPا، و قطب يتجPPه نحPPوه تاريخ خلا

الإنسانية”.ب- الحضارة بين النظرة الفلسفية الصوفية والتفسير العلمي المعاصر:

إذا كان فكر محمد إقبPPال قPPد التقى في أكPPثر من نقطPPة مPع أفكار مالك بن نبي، ومPع رؤيتPPه إلى التPPاريخ والحضPارة، وهPPو أمر طPPبيعي جـPPدا له أسPPبابه وظروفPPه الموضPPوعية، لأن الأمر يتعلق بمحPPاولتين فكريتين فلسPPفيتين لمفكرين من عصر واحد، ولهمPPا مشاكل وهموم واحدة، ولهما انتماء ديني وتاريخي واحد، ولهما تطلعات وآمال واحدة. وإذا كان المحيط الثقافي والاجتمPPاعي الذي يظهر فيه فكر المفكر أو فلسفة الفيلسوف يترك بصماته وبقPPوة، في الاتجPPاه المؤيد أو في المسPPار المعPPارض على ذلك الفكر، وعلى تلك الفلسفة، فإن الفكر الإصلاحي في العصر الحديث في العالم الإسلامي، وفي أيامنا هذه من إنتPPاج البيئPPة الذي يعيش فيها زعماء الإصلاح ودعاة التجديد. ويّرتبط هذا الفكر كذلك بزعمائه ودعاته، وبشخصPPياتهم ومPPواهبهم وعبقرياتهم في دراسPPة

Page 10: بين إقبال وبن نبي

الواقPPع، وحصر دواعي الداء، وتحديد كيفيPPات العلاج، وأسPPلوب الدعوة ومنهج التجديد وطبيعتPPه والتحكم فيPPه، فكل هPPذا ينطبق على فلسفة إقبال وفكر مالك بن نبي، وعليه ففلسفة إقبال تختلف عن نظرية الحضارة والتجديد الحضاري عند مالك بنÀت وبوضPPوح في فكر نبي في أكثر من نقطة، رغم ما يجمع الشخصيتين من روابط تاريخية ودينية متينة، هذه الروابPPط الPPتي تجل كل منهما، من حيث مرجعيته الفكرية والتاريخية والاجتماعية والعقدية، ومن حيث المشكلات التي واجهته وعالجهPPا، ومن حيث المبPPادئ والأسPPس والمنطلقPPات الPPتي انطلق منهPPا، ومن حيث العديد من النقPPاط الPPتي تخص المنهج المتبPPع في البحث

والدراسة، أو في اقتراح الحلول للمشكلات، ومن حيث الأهداف والغايات التي كان يسعى إليها. إن التماثل الفكري والتقاطع الفلسفي بين فلسفة محمد إقبPال وفكر مالك بن نبي لم يمنPع الاختلاف بينهمPا في أكPثر من مسPألة، وفي أكثر من حل، وفي المنهج وأمور أخرى. وإذا كان فكر المفكر مرتبط بمحيط صاحبه الاجتماعي، حقيقة ثابتPPة، فPPإن بيئPPة محمد إقبال الاجتماعية في الهند تختلف بعض الشيء عن محيPPط مالك بن نبي الاجتمPPاعي في شمال إفريقيPPا، هPPذا الاختلاف في بعض العPPادات والتقاليPPد والأعراف، وعنPPد قPPراءة حيPPاة إقبPPال في الهنPPد وسPPفره إلى الخPPارج ونقPPرأ حيPPاة مالك بن نبي وتنقلاتPPه من خلال كتابPPه “مPPذكرات شPPاهد لّلقPPرن” وهPPو يّروي قصPPة حياتPPه بشيء من التفصPPيل والدقPPة يتضPPح التمPPايز بين الشخصيتين الناتج عن التباين الطفيف بين الوسطين الاجتماعين، وسط إقبال ووسط مالك. وطبيعي أن إقبPPال تأثّر بالظروف المحيطة به في الهند وباكستان، كما تأثّر كغيره بظروف العالم الإسلامي وما تميز به من ضPPعف وتخلPPف وانحطPPاط، وبظPPروف العالم الأوربي الغربي ومPا تمPيز بPه من تقPPدم علمي وتكنولPPوجي وتحضر. ومالك بن نبي هPPو الآخر تأثّر بالظروف المحيطPPة بPه في الجزائّر وفي العالم العربي والإسلامي، وبما يجرى خارج الجزائّر والعالم الإسلامي، ذلك التأثّر انعكس في فكر كل واحد منهمPPا

وبان في فلسفته.يتبع

18:04 2012 سبتمبر 02الأحد, لقد تفلسف محمد إقبال وتفلسف بعده مالك بن نبي، ولـكن لكل منهما فلسفته الخاصة به، فلسفة لها طابعها الخاص والمتميز، ولكل منهمPPا فكر طبPPع بطPPابع معين. أمPPا فلسPPفة إقبPPال جاءت في مسPPتوى الفلسPPفات القديمPPة، لـكنهPPا بمفPPاهيم ورؤيPPة جديدة مزجت بين قيم الفكر الغPربي وقيم الإسPلام الذاتيPة، ومن حيث القPوة والعمPق، ومن حيث فضPاء التفلسPف النظPري، ومن حيث النقPPد والمراجعPPة والتقPPويم في الفكر الإنسPPاني القPPديم، والحPPديث، ومن حيث الموضPPوعات وهي: الإنسPPان، النفس،

الوجود، الذات الكلية وغيرها.

Page 11: بين إقبال وبن نبي

نجد فلسفة إقبال تشبه فلسفة الـكندي أو الغزالي. فهو درس الفكر الإنساني عامة بما في ذلك الفكر الإسPلامي عبر التPاريخ، كماÀا لدينيه، راح ينسق ويوفق بين محتويات الحضPPارة الغربيPPة، والفكر الغPPربي، وبين اطلع بعمق على الفكر الغربي، وكان مسلما محب القيم الدينية والتاريخية في العالم الإسلامي لا على أساس مواءمة الإسPPلام لتلك القيم الجديدة، ولـكن على أسPPاس الاسPPتفادةمن الحضارة الغربية والفكر الغربي بما يتلاءم مع القيم الذاتية للإسلام التي تتكشف شيئا فشيئا، وكان بهذا العمPPل في كتابPPه - تجديد التفكير الديني في الإسلام-، يشبه الغPPزالي. في كتابPPه - إحيPPاء علوم الدين -، ويشPPبه الفPPارابي والـكنPPدي وابن رشPPد في محاولة التوفيق من الفلسفة اليونانية ورؤية الإسلام إلى الـكPPون. فقPPط يختلPPف إقبPPال عن هPPؤلاء في كونPPه اسPPتخدم معجميPPة هيغPPل وبّرغسPPون وهوايتPPد، وغيرهم من الفلاسPPفة والمفكرين المحPPدثين، أمPPا هPPؤلاء فاسPPتخدموا معجميPPة أفلاطPPون وأرسPPطو وأفلوطين، وغيرهم من فلاسPPفة اليونان. والمPيزة الطاغيPPة في فلسPPفته التأمPل النظPPري وسPPعة النظPPر الفلسPPفي وعمقPPه، ورحابPه التفكير الميتافيزيقي، فقارئ - إعادة تّركيب الفكر الديني في الإسلام -، لا يتمالك الشعور الطاغي بسعة علمه، وبّرحابه تأملاته

الميتافيزيقية والدينية. أما المحاولة الفكرية الإصلاحية التجديدية التي جاء بهPPا مالك بن نبي، فتمPPيزت بطابعهPPا العلمي، وهPPذا أمر طPPبيعي لأن تكPPوين صاحبها علمي، فهو خريج كلية الهندسة الـكهربائية، وهي محاولة ذات طابع اجتمPاعي. لم يتفلسPف في النفس والوجPود والله، مثلما فعل إقبال، بل ركز على الحضارة من حيث عوامل وشروط قيامها، وأسباب انهيارها، كما ركز على مPPا يسPPمح للمجتمPPع بالازدهPار والتطPور، ومPا يمنعPه من ذلك، ومPا يدفعPه إلى السPقوط في الهاويPة. وضPع جميPع مؤلفاتPه في سلسPلة - مشPكلات الحضارة -، وكتابه -شروط النهضPة- يتضPمن النظريPة الجديدة الPPتي جاء بهPا، وتخص الحضPارة من حيث شروطها وأطوارهPPا وعناصرها ومشPPكلاتها، وجميPPع الكتابات الأخرى كانت في هPPذا الاتجPPاه، على الرغم من أنهPPا ركزت على العPPالم الإسPPلامي وظروفPه وأحواله ومشPاكله، وسPبل ولPوازم الخPروج من أزمتPه. ولم تكن أفكاره تتمPيز بالعمق الفلسPفي، والتأمPل الميتPافيزيقي والنقد العميق الذي عرفتPه فلسPفة إقبPال، لـكن هPذا لا يعPني أن فكر مالك بن نبي كان خاليPا من الطPابع الفلسPفي، والدقPة والعمق والنقد، بل فلسفته تمثل رؤية ذات نسقية فلسPPفية إلى التPPاريخ والحضPPارة، والحيPPاة في جوانبهPPا الروحيPPة والاجتماعيPPة

والمادية. والطابع الفلسفي العلمي الاجتماعي الذي تميز به فكر مالك قال عنه الباحث أنور الجنPPدي: “مالك بن نبي يختلPPف كثPPيرا عن الدعاة المفكرين والكتاب، فهو فيلسوف أصيل له طابع العالم الاجتماعي الدقيق، الذي أتاحت له ثقافته العربيPPة والفرنسPPية أن يجمPPع بين علم العPPرب وفكرهم المسPPتمد من القPPرآن والسPPنة، والفلسPPفة والPPتراث العPPربي الإسPPلامي الضPPخم، وبين علم الغPPرب وفكرهم المستمد من تّراث اليونان والرومان والمسيحية”. يتضPPح ممPPا سPPبق أن إقبPPال فيلسPPوف، وفلسPPفته طابعهPPا ميتPPافيزيقي، وعلى النمط القديم لـكنه بمناهج ومقولات جديدة. أما مالك بن نبي فيلسوف اختص في الحضارة وكان شبيها بعالم الاجتماع،

لطغيان الأسلوب العلمي على فكره، ولم يمنعه ذلك من تقديم رؤية فلسفية إلى الحضارة والتاريخ والتقدم.

Page 12: بين إقبال وبن نبي

وإذا اختلف فكر إقبال الإصلاحي عن فكر مالك بن نبي في طابعه ونمطه، فجاء الأول فلسفيا ميتافيزيقيا عالج أمهPPات القضPPايا الفلسفية، وجاء الثاني علميPا اجتماعيPا عالج قضPية التخلPف والحضPارة كما همPا في المجتمPع والتPاريخ، فطPبيعي أن يكPون هنPاك

Àغة. اختلاف بينهما في المنهج والّل أما بالنسبة لمنهج إقبال فهو التأمل الفلسفي الميتافيزيقي، القائم على التحليل والنقPPد والاستنتاج، والمبPPني على المراجعPPة والتقPPويم والهدم، وإعادة البناء. وكان إقبال شاعرا، انتهج أسلوب الشPPعر لنشر دعوتPPه وتوصPPيل محاولتPPه الإصPPلاحية إلى الغPPير، وكان لشعره صدا واسعا، في البلاد الإسلامية، وغيرها. والطابع النظري الميتPPافيزيقي طبPPع طريقPPة إقبPPال في التفلسPPف بطPPابع النظPPر العقلي إلى مختلف القضايا، وطبع لغة هذا التفلسPPف، وهPPذه المحاولة الفكريPPة، ولمPPا كان صPPاحبها قPPد أخذ من روافPPد متعPPددة ومتنوعة، فجPPPاءت مقولاتPPPه متعPPPددة ومتنوعة، ففي فكره نجPPPد مقPPPولات الفكر والعلم اليونانيّين، ونجPPPد مقPPPولات الفلسPPPفةÀمPPا نجPPده عنPPد واحد من المفكرين المحPPدثين. أمPPا منهج الإسلامية، ومقولات الفكر الغربي الحديث، هPPذا التنPPوع وهPPذا الPPثراء قل مالك بن نبي فمطبوع بطابع فكره ونظريته، والموضوعات التي ركÀز عليها، وتميز هذا المنهج بارتباطه بالإسPPلام وبالفكر الإسPPلامي القديم والحديث، وبالفكر الغربي، كما ارتبط بواقPPع المسPPلمين الديني والأخلاقي والاجتمPPاعي والثقPPافي والاقتصPPادي والفكري، وقام على التحليل العلمي لحوادث التاريخ والواقع، وعلى الصرامة المنطقية في حصر المشكلات وبحثهPPا وتحديد الحلول والمخPPارج من هذه المشكلات. كما قام على النقد والتقPويم لّلفكر الإصPلاحي القPديم والحPديث من جهPة، ولفلسPفة التPاريخ عنPد مفكري الإسلام قديما وعند مفكري الغرب حديثا. وتميز هذا النقد بالفحص والتمحيص، الموضوعية والصرامة المنطقية، ونظرا لطبيعة هذا الأسلوب العلمي النقدي المنطقي، تمكن من السيطرة على جوانب المشPكلة الرئيسPية في البحPوث الPتي قPام بهPا مالك بن نبي، وتمكن من الوصول إلى نظريPة جديدة في الحضPارة، لم يسPبق لهPا مثيPل، هPذه النظريPة يتضPمنها كتاب “شروط النهضPة”

وتتضمن بعض جوانبها كتب أخرى. ولفكر مالك بن نبي معجميتPPه الPPتي تتعPPدد وتتنPPوع بتعPPدد وتنPPوع وغPPنى وثّراء فكره، وهي معجميPPة مرتبطPPة بالعلوم الإنسPPانية ومجالاتها، فهي معجمية علمية، وليست ذات طابع فلسفي محض، أي بالمعنى الكلاسيكي، مثلما هو الحPPال عنPPد إقبPPال. حيث تأخذ من علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم السياسة، وكذلك تأخذ من الفيزياء والـكيمياء والبيولوجيPPا وغيرهPPا، كما تأخذ من الإسPPلام والتPPاريخ الإسPPلامي وواقPPع المسPPلمين، وحضPPارة أوروبا الحديثPPة والفكر الغPPربي الحPPديث، وإذا كانت مقولات إقبال هي مفاهيم فلسفية غربية تعبر عن فكر إسلامي. فإن مقولات مالك بن نبي هي مقولات علمية تعبر عن نظرية

جديدة وفكر فلسفي إسلامي، جاء لإنقاذ الأمة من محنتها. ولما كان فكر إقبال يتميز بالطابع الفلسفي الميتافيزيقي، وبالمنهج الفلسفي النقدي، وبالّلغة الفلسفية القوية المتينة، نجده روحيPPا في توجهه وفي مساره، من الانطلاق إلى المبتغى، يعتبر إقبال أن الحياة في أصلها وفي مسارها وفي منتهاها روحية، وهو ما يقPPرره

Page 13: بين إقبال وبن نبي

الإسلام في النص الديني، وأسمى تجربة في حياة الإنسان تمنحه الحقيقة، وتعرفه بالذات الكلية المطلقة، هي التجربة الصPوفية، ومجالها الدين والروح والإصلاح أو التجديد إنمPPا في الحيPPاة الروحيPPة أولا وقبPPل كل شيء، وليس بإصPPلاح الأطPPر والمظPPاهر، وكل تغيير في حياة الإنسان لا ينبعث من الروح ولا يجري فيها، ولا يّرتبط بقيم الدين ومبادئه ولا بالذات الكلية، هPPو تغيPPير لا يضمن لأصحابه بلوغ السمو الروحي والفكري الذي هPPو مبتغى الإسPPلام ومقصPPده، وهPPو قمPPة التحضر والتمPPدن. وسبيل بلوغ هذا السمو، وهذه الحضارة هي التجربة الصوفية، والرياضية الدينية، التي تسمو بصاحبها فيبلغ الاتصال، بالذات الإلهية، ليس

عن طريق الفناء كما هو الحال في الفلسفة الإشراقية، وإنما عن طريق أن تصير الذات ذاتا، وليس أن تّرى الأشياء فقط. إنÀ الفكر الإصPPلاحي عنPPد مالك بن نبي، وإن كان قPPد أعطى مكانPPة كبPPيرة لّلفكرة الدينيPPة في نظريPPة الحضPPارة، وفي إنشPPاء العلاقPPات الاجتماعيPPة، وشPPبكة العلاقPPات الاجتماعيPPة، وحمايتهPPا من التفكك والتلPPف، فلم يتجPPه الاتجPPاه الروحاني الصPPوفي المعروف في فلسفة إقبال. واتجه اتجاها علميا متأثّرا بنتائج ومناهج العلوم الطبيعية والعلوم الإنسPPانية مثPPل الـكيميPPاء والبيولوجيPPا ومثل علم النفس وعلم الاقتصاد. كما نحPا منحى واقعي ليس على حسPاب البعPد الأخلاقي أو الديني، فPالأخلاق عنPده إطPار توجيهي ضروري لضمان الانسجام بين شروط ولوازم التحضر، والمحافظة عليها، والدين هو العنصر الرابPPع المPPركب بين عناصر الحضارة، فمتى كان الدين كانت الحضارة، ومتى غاب الدين فلا حضارة ولا تجديد حضاري. والواقعية الاجتماعية هي أهم ما تميز به فكر مالك بن نبي، الذي اتجه إلى واقع الفرد، البيولوجي الطبيعي، والنفساني والفكري والأخلاقي والديني.حلل هPPذا الواقPPع بشPPكل عام، وركز على واقPPع المسPPلم في عالم التخلPPف وفي عالم التحضر بشPPكل خاص، وحصر مشPPاكل هPPذا الفPPرد، وشخص أمراضه، وحدد أسPباب وسPبل وكيفيPات الوقايPة والعلاج. كما اتجPه صPوب المجتمPع الإنسPاني بشPكل عام والمجتمPع الإسلامي بشكل خاص وحلل واقعPPه الديني والفكري، والأخلاقي والاجتمPPاعي والاقتصPPادي، والسياسي، وشخص أمراضPPه

وحصر مشاكله، وقدم له سبيل الخروج من الأزمة وأسلوب الوصول إلى الحضارة، وبلوغ التقدم والازدهار.يتبع

إرسال إلى صديقطباعةPDF(5بين إقبال وبن نبي.. التجديد بين النظرة الفلسفية الصوفية والتفسير العلمي )18:42 2012 سبتمبر 04الثلاثاء,

إنÀ فكرة الإصلاح و التجديد في فلسفة إقبال تمثل جزءا من هPPذه الفلسPPفة، فهي تدخل في إطPPار نظرتPPه و رؤيتPPه إلى الحيPPاة، والإنسان و الذات و الوجPود و غيرهPا، و ليسPت فكرة مسPتقلة بذاتها، فهي ارتبطت بفلسPفته عامPة، نستشPفها من نظرتPه إلى الذات وإلى الوجود، و إلى الحياة، كما نستشفها من نظرتPه إلى الدين وإلى الإسPPلام خاصPة، و إلى الرياضPة الروحيPPة، وغيرهPPا من المسائل التي تدخل في صميم الفلسفة. كما تّرتبط كذلك بالدراسة التحليلية النقدية العميقة الPPتي قPPام بهPPا إقبPPال للاتجاهPPات

Page 14: بين إقبال وبن نبي

الفلسفية القديمة والحديثة، كالفلسفة اليونانية ،و منها بعض الجوانب في فلسفة سقراط، وأخرى في فلسفة أفلاطون، و أخرى في فلسفة أرسطو. ومثل الفلسفة الإسلامية و منها بعض الجوانب في التصPPوف، وفي فلسPPفة أبي حامPPد الغPPزالي، وفي فكر ابن خلدون و غيره. و كذلك انتقد الفكر الفلسفي الغربي و كذلك الحضارة الغربية، و ما تميز الإنسان الأوربي المعاصر، صPPاحب هPذا الفكر و هPذه الحضPارة، ذات المنتجات البراقPة و المغريPة. يظهPر من هPذه المعطيPات أن فلسPفة إقبPال ذات طPابع ديني تميزت بالشمول و العموم في عصر التخصص في البحوث و الدراسات العلمية و الفلسفية. و هي تختلPPف إلى حد مPPا بطابعهPPا هذا عن فلسفة مالك بن نبي، التي تمثل فكرا متميزا قام هو الآخر على المنهج العلمي، و على التحليل و النقد، و لواقع الشعوب المتخلفة عامة، و لّلعالم الإسلامي الذي طال تخلفه، وطالت أزمته. و لّلفكر الإصلاحي في عصره، و لحضPPارة أوربا الحديثPPة و لّلفكر الغPPربي الحPPديث، وانطلاقPPا من ذلك ظهPPرت نظريPPة الحضPPارة، كرؤيPPة جديدة إلى التPPاريخ، و كحPPل لأزمPPة التخلPPف والانحطاط في حياة الإنسان، و لم تكن هذه الدراسة و لا هذه الرؤية في مستوى الشPPمول الذي عرفتPPه فلسPPفة إقبPPال، و لا هي فلسPPفة دينيPPة، هPPدفها إصPPلاح الفكر الديني، بPPل نظريPPة خاصPPة بالحضPPارة، تدخل في إطPPار فلسPPفة التPPاريخ، غايتهPPا حل مشكلات الحضارة و هي مشكلات مرتبطPPة بحيPPاة الإنسPPان اليوميPPة في جميPPع ميادينهPPا، روحيPPا و اجتماعيPPا و ماديا. ويظهPPر التباين بين فلسفة إقبال و فكر مالك بن نبي في هذه المسألة من خلال ما يصرح بPه المفكران. يقPول محمPد إقبPال: “أحاول بنPاء الفلسفة الدينية بناء جديدا، آخذا بعين الاعتبار المأثـور من فلسفـة الإسـلام، إلى جـانب مPPا جرى على المعرفPPة الإنسPPانية من

أمPا مالك بن نبي فيقPول: “و لPو حللنPا حيPاة0تطور في نواحيها المختلفة. و اللحظة الراهنة مناسبة كل المناسPبة لعمPل كهـPذا”. مجتمعنا لوجدنا فيه ألوانا جديدة تدل في جملتها على نزعات متباينة، واستعدادات فردية متنافرة، في مجتمع فقد توازنه القPPديم، و ببحث الآن عن توازن جديد … و أنÀ قضيتنا منوطة بذلك التركيب الذي من شأنه إزالة المتناقضات و المفارقPPات المنتشرة في مجتمعنPPا اليPPوم. و ذلك بتخطيPPط ثقافPPة شPPاملة، يحملهPPا الغPPني و الفقPPير، و الجاهPPل و العPPالم، حPPتى يتم للأنفس اسPPتقرارها و

0انسجامها مع مجتمعها، ذلك المجتمع الذي سوف يكون قد استوى على توازن الجديد”. تصدى محمد إقبال لّلفكر الغربي الإلحادي، وعمل على إبّراز ما فيه من نقص و اعوجاج، له أثّر سلبي كبير على حياة الأوروبي المعاصر، وأثّره سPPلبي و أكPPبر على حيPPاة المسPPلم المعاصر، وتعمPPق في التحليPPل و النقPPد بعPPد الفهم و الاستيعاب، و تجلى ذلك بوضوح في مؤلفه “ تجديد التفكير الديني في الإسلام “. وهي محاولة فكرية رفيعة المستوى، و صيحة فيلسPPوف في وجه حاملي الفكر الغربي الإلحادي في أوربا و في العالم الإسلامي، من أبناء المجتمع الإسلامي، و دعوة إلى الإصPPلاح و التجديد وفPPق مPPا تمليه السنن الـكونية، ووفق القيم الذاتية للإسلام و مبادئه الثابتPPة و أهدافPPه القريبPPة و البعيPPدة. ويقPPول الأسPPتاذ محمPد البهي في هذه المحاولة: “إنÀ إقبال في تجديد التفكير الديني في الإسلام، كان جامعيا في محاولته … في عمله الفكري للخاصة، وفي اعتبPPار

أمPا مالك بن نبي فتصPدي لظPاهرة0هذا العمل لجيل معين، و هPو جيPل التفكPير الوضPعي، أو التفكPير المPادي الإلحPادي”. التخلف في العالم المتخلف عامة، وفي العالم الإسلامي بصفة خاصة، كما تجنPPد لوضPPع خطPPة فكريPPة و فلسPPفية وإسPPتراتيجية لبنPPاء

Page 15: بين إقبال وبن نبي

الحضارة، و التمكن من المدنية و التقدم الاجتماعي. و تمحورت فلسفته ككل على مسألتين، مسألة التخلف و الانحطاط، من حيث أسبابه و دوافعه و سبل القضاء عليها و الوقاية منها، و مسألة الحضارة من حيث شروطها وعواملها تكوينها و ازدهارها و عوامل انهيارها و أفوالها. والأسلوب الذي سلـكه في طرح المشكلات و معالجتها و مناقشPPتها و مPPا تمPPيز بPPه، من مواصPPفات علمية و موضوعية و منطقية جعل محاولته موجهة للجميع، و ليست للخاصة مثلما هو حال محاولة إعادة تّركيب الفكر الديني في الإسلام لمحمد إقبال. و عرف فكر مالك بن نبي إقبالا كبيرا من قبل القراء و المثقفين، سواء في حيPاة “مالك” و من خلال محاضراته في الجزائّر و خارج الجزائّر، خلال الاستعمار وبعد الاستقلال، أو من خلال الندوات الPتي كان يعقPدها في بيتPه، في الجزائّر العاصمة، كما نال فكره إعجاب العديد من تلاميذه و أصدقائه المقربين إليه الذين دافعPوا عنPه و ذكروه و ذكروا قوتPه في أكثر من مناسبة وفي أكثر من كتاب. و عليه، فإذا كان محمد إقبال، قد كتب للخاصة من أصحاب الفكر الوضPPعي، المPPادي الإلحادي، و جاءت فلسفته تتميز بعمق التأمل الفلسPPفي، و رحابPPة التفكPPير الميتPPافيزيقي، فPPإن الإصPPلاح و التجديد في فلسPPفة مالك بن نبي استهدف القضاء على الجهل و الجوع و المرض و الاستعمار والقابلية للاستعمار، و غيرهPا من ظPواهر التخلPف، التي يعاني منها العالم الإسلامي المعاصر، و يستهدف وضPع نظريPة في الحضPارة والتPPاريخ تضPع حدÀا لّلتخلPف ،وتفتح الآفPPاق و

المجال واسعا لبناء الحضارة و ازدهارها و استمرارها، و إن كان يلتقي في فكره هذا، مع فلسفة إقبال في أصولها و مقاصدها.Àه استمد الـكثير من المفاهيم و المناهج من الفكر الغPPربي و تأثّر بفكر و ومما يتميز به فكر محمد إقبال الإصلاحي، و بالنسبة لروافده أن أراء المستشرقين، و كان إقبال ينPPاقش كبار الفلاسPPفة و ينقPPد أفكارهم، و ينسPPق، و يجمPع بين هPPذه الأفكار حPتى قPPال عنPPه الأسPPتاذ ماجد فخPPري في كتابPPه “ تاريخ الفلسPPفة الإسPPلامية “:»فهPPو عوضPPا عن أن يستند إلى التPPاريخ في التعبPPير عن النظPPرة الإسلامية إلى الـكون تعبيرا عصريا، جريا على سنة أمير على، يعمد إلى الاقتباس من التراث الفلسPPفي الغPPربي دون تحفPPظ، و

بينما تنPPاول0لم يكن غرضه من ذلك التدليل على أصالة النظرة الغربية، بل كان بالأحرى اتفاقها مع الرؤيا القرآنية لّلـكون”. “مالك” ظPPاهرة التخلPPف وقضPPية الحضPPارة في إطPPار فلسPPفة التPPاريخ، و من خلال نقPPد فلسPPفة التPPاريخ عنPPد القPPدماء، و لدى المحدثين، و إن كان قد اقتبس ، فليس من جميع الفلسفات بل من فلسفة التاريخ ومعتمدا على ما يخPدم نظريتPه و رؤيتPه إلى

الحضارة والإنسان والتاريخ. ارتبط الإصلاح والتجديد في فلسفة إقبال، بالإسلام أولا، وبمناهج و نتائج الفكر الغربي الحPPديث، و الحضPPارة الغربيPPة الحديثPPة ثانيا. أي بمحاولة فكرية و فلسفية، بكل ما تحمله النظرة الفلسفية من ميزات و مواصفات، و بكل ما يتطلبه النسق الفلسفي من انسجام، و تكامل في بنيته، و بين عناصر و محتويات هذه البنية. وجاء هذا البناء الفلسفي يتضمن بناء الفلسفة الدينية و الفكر الديني، بناء جديدا، يّرفض الفكر الديني القائم في حياة المسلمين ولدى المفكرين المسلمين و زعماء الإصPPلاح، كما يّرفض العديد من جوانب الفكر الديني التي ورثهPPا و اسPPتقرت في مجاله، و في الPPوعي الإسPPلامي المعاصر، و يّرفض جPPوانب كثPPيرة في الفكر الغربي، خاصة الفكر الوضعي الإلحادي الذي يّرد الحياة إلى أسس و أصول مادية محضة، هذا الرفض جاء بعPPد عمليPPة النقPPد،

Page 16: بين إقبال وبن نبي

Àز كل منهمPPا بالجديد في هيكله و محتوياتPPه، كما تمPPيز بكونPPه أو الهدم التي قام بها إقبال، ثم بنى فلسفة دينية و فكرا إصPPلاحيا تمي فكرا فريدا في نوعه من حيث عمق النقد و دقته، و سعة الفهم و الاستيعاب، و قوة في طرح المشكلات و معالجتها، و رحابة التأمل الفلسفي الميتافيزيقي، ومتانة الّلغPة، هPذا من جهPة، و من جهPة أخرى، الدقPة و العمPق في حصر مشPكلات الإنسPان المسلم المعاصر الذي يعيش التخلPPف، و تحديد مشPPكلات الإنسPPان الأوربي المعاصر الذي يعيش الحضPPارة و الفPPراغ الروحي،

كما تمكن من وضع يده على الـكثير من الحلول لتلك المشكلات داعيا إلى بلوغ السمو الحضاري، الروحي و المادي معا. و إذا كان إقبال قد توصل إلى تّركيب جديد لّلفكر الديني في الإسلام، أو بناء جديد لّلفلسفة الدينيPPة في الإسPPلام، و كانت غايته المراجعة و التقويم و المتابعة أولا ثم إعادة البناء ثانيا و كانت وراء هذا الفعل الفكري وضعية المسلم و الظPPروف المحيطPPة به في الداخل والخارج، و هي الوضعية و الظروف و الدوافع التي كانت وراء فلسPPفة مالك بن نبي الPPتي تمPPيزت بأنهPPا ليسPPت محاولة لبناء التفكير الديني على منوال محاولة إقبPPال، بPPل هي محاولة جاءت بالجديد حPPول ظPPاهرتي التخلPPف و التحضر، و على ضوء التاريخ، و واقع أوروبا صاحبة الحضارة الحديثة، واقع العالم الإسلامي المتخلف.و تعلق الأمر هنPPا بتحديد تمPPيز هPPو الآخر بالموضوعية، والدقة والعمق والعلمية، والصرامة المنطقية، لمشكلات الإنسان عامة و الإنسPPان المسPPلم و الأوربي خاصPPة، و هي في أصلها مشكلات حضارة لا غير، و لحلول غاية في الموضوعية، و الدقة، و منسجمة مع مPPا تتطلبPPه حيPPاة الفPPرد، وتقتضPPيه حاجات المجتمع، و ينسجم مع سنن الحياة التي يقرها الإسلام، و شكلت أفكار مالك بن نبي و منهجه و خطته في الإصلاح و التجديد نظريPPة فلسPPفية جديدة، قائمPPة بذاتها، تحPPدد بدقPPة و بموضPPوعية أسPPباب التخلPPف و سPPبل القضPPاء عليPPه، و شروط الحضارة و أسباب انهيارها، و في نظره كل الحضارات و المPPدنيات الPPتي شهدها تاريخ الإنسPPانية لا تخPPرج عن خPPط نظريتPPه، حيث يقPPول: “تسPPتطيع أن نقPPرر أن المPPدنيات الإنسPPانية حلاقPPات متصPPلة تتشPPابه أطوارهPPا مPPع أطPPوار المدينPPة الإسPPلامية و المسPPيحية، إذ نبPPدأ الحلقPPة الأولى بظهPPور فكرة دينيPPة، ثم يبPPدأ أفولهPPا بتغلب جاذبيPPة الأرض عليهPPا، بعPPد أن تفقPPد الروح ثم

0العقل”.Àن لقد اختلف إقبال في نظرتPPه إلى الإصPPلاح و إلى الطبيعPPة التجديد، مPPع نظPPرة مالك بن نبي إلى ذلك، هPPذا الاختلاف يتبي من خلال الفرق و التبPPاين بين محتويات كتاب محمPPد إقبPPال “ تجديد التفكPPير الديني في الإسPPلام “ ومحتويات مؤلPPف مالك بن نبي “شروط النهضة” سواء من حيث طرح المسائل و تناولها، أو من حيث طبيعة المنهج المتبع، و مواصPPفاته، أو من حيث طبيعة التجديد الذي أراده كلÀ منهما. فالإصلاح دعا إليه إقبال و بمنهج فلسفي يقوم على أسس روحية، مثاليPPة دينيPPة ذاتيPPة فرديPPة، و له أهPPداف روحيPPة محضPPة، تشPPارك في أعداده التجربPPة الواقعيPPة و التجربPPة الصPPوفية الروحيPPة، ففي الطPPابع الروحي للإصلاح و فرديته يّرى إقبال أن الإنسانية “تحتاج اليوم إلى ثلاثة أمور: تأويPPل الـكPPون تأويلا روحيPPا، وتحريّر روح الفPPرد، و

و في دور الدين في بناء الإنسان0وضع مبادئ أساسية ذات أهمية عالمـية توجـه تطـور المجتمع الإنساني على أساس روحي”. و الحضارة يقول إقبال: “فلا أسلو ب التصوف في العصور الوسطى، و لا القوميPPة، و لا الاشPPتراكية، بقPPادرة على أن تشPPفي

Page 17: بين إقبال وبن نبي

علل الإنسانية، البائسة … و الدين هو في أسمى مظاهره ليس عقيدة فحسب أو كهنوتا أو شعيرة من الشعائّر. هو وحده القادر على إعداد الإنسان العصري إعدادا خلقيا يؤهله لتحمل يؤهله لتحمل التبعة العظمى التي لا بد أن يتمخض عنها التقPPدم العلمي الحديث، و أن يّرد إليه تلك النزعة من الإيمان الذي تجعله قادرا على الفوز بشخصيته في الحياة الدنيا، والاحتفاظ بهPPا في دار البقاء. إنÀ السمو إلى مستوى جديد في فهم الإنسان لأصله ومستقبله من أين جاء، و إلى أين المصير، هو وحده الذي يكفPPل له آخر الأمر، الفوز على مجتمع يحركه تنافس وحشي، و على حضارة فقدت وحدتها الروحية بما انطوت عليه من صراع بينÀنت من قبل من حيث هو سعي المPرء سPPعيا مقصPودا للوصPول إلى الغايPة النهائيPPة القيم الدينية و القيم السياسية، و الدين كما بي

وفي الطPPابع الفPPردي للحيPPاة يقPPول إقبPPال0لّلقيم، فيمكنه بذلك أن يعيد تفسير قـوى شخصيتـه هـPPو حقيقــة لا يمكن إنكارهPPا”. “فالحياة كلها فردية، وليس للحياة الكليPة وجPود خارجي، حيثمPا تجلت الحيPاة تجلت في شخص، أو فPرد أو شيء….و الخPالق

و سبيل التجديد هPPو تغيPPير الذات في الداخل ثم الانتقPPال إلى خارج الذات حيث0كذلك فرد ولـكنPPه أوحد لا مثيPPل له”. الـكون و حيث التسخير والتكيف. و التغيير والتجديد و البناء يكون بالعمPPل. “فPPإذا لم ينهض الإنسPPان إلى العمPPل، ولم يبعث

فالإصPPلاح و التجديد0ما في أعماق كيانه من غنى … أصبحت روحه جامدة جمود الحجر و هوى إلى حضيض المادة الميتPPة”. في فكر إقبال يلازم النقد و إعادة البناء، و يجري في الذات ثم الواقع، و يقوم على أسس فردية روحيPة دينيPة.و الطريPق إليPه التجربة العلمية، و مجالها الواقع، والتجربة الصوفية الدينية، و ميدانها الروح، و مبتغاه و مقصده هو مبتغى ومقصPPد الإسPPلام، و هو الوصول بالإنسان السمو الروحي والأخلاقي، وبلوغ الديمقراطية الروحية التي لم تصل إليها مثالية أوربا، التي فقدت معنى وجودها، لـكونها أنتجت ذاتا ضالة، راحت تفتش عن مكان لها، بين ديمقراطيات خالية من التسPPامح و التعPPاون و التكامPPل و التراحم، وكان كل همها هو استغلال الإنسان للإنسان و صارت تلك المثالية أكبر عائق أمام الإنسان في سعيه نحPPو الرقيPPة و

السمو في الأخلاق و الحضارة. أمPا الإصPلاح الذي دعا إليPPة مالك بن نبي فله طابعPه الخPاص، وإن كان يلتقي مPع المحاولة الإصPلاحية عنPPد إقبPPال في عدة نقاط. انطلـق فكـر مالك بن نبي من واقع العالم الإسلامي و من تخلفه ومشPPاكله اليوميPPة، في الدين و الاجتمPPاع و الثقافPPة و السياسة والأخلاق و غيرها، و هي مشكلات حضارة في الأصل و الجوهر. قام هذا الفكر بتحليل واقعه و تحليPل واقPع الأمم المتحضرة في عصره، و انتقPPدهما بطريقPPة علميPPة، كما حلل وانتقPPد الحيPPاة الفكريPPة في العPPالم الإسPPلامي المتخلPPف، وفي أوربا الحضارة. وركز على استيعاب و نقد الفكر الإصلاحي الحPPديث و المعاصر في العPPالم الإسPPلامي، و فلسPPفة التPPاريخ في أوربا من خلال رؤية سبنجلر، ومنظPPور كيسرلنج، و نظريPة توينبي، و فيكPو وغيرهم. انبثقت عن هPPذه الدراسPPة النقديPة الPPتي قPPام بهPا مالك بن نبي نظريته في الحضارة، وفي التجديد الحضاري، هذه النظرية التي تؤكد على البعPPد الروحي الديني للحضPPارة، لـكPPون الفكرة الدينية تؤلف بين عناصرها، و توجد الانسجام بين شروطها و لوازمها، كما تضPمن لهPا البقPPاء والاستمرار و الازدهPPار. و لا حضارة في غياب العدة الدائمة و تمثل عناصر الحضارة الثلاثة، الإنسان و التراب و الوقت، وهي ذات طبيعPPة اجتماعيPPة

Page 18: بين إقبال وبن نبي

تاريخية بالدرجة الأولى، وتوفر الفكرة الدينية و العدة الدائمة، يقتضي فعل التغيPPير الذي يجPرى في داخل نفس الإنسPPان، وفيÀالي: ?إنPPها الله لتسير عليها الحياة، و يقررها القرآن في قولـه تعـÀأعماق ذاته، ثم يجرى في المحيط الذي يعيش فيه، وهي سنة سن

و التغيPPير يسPPمح للإنسPPان بأن ينتج حضPPارته بنفسPPه، بعيPPدا عن الاسPPتيراد0الله لا يغير مPPا بقPPوم حPPتى يغPPيروا مPPا بأنفسهم?. والتبعية والمديونية الحضارية، فالحضارة الحقÀة هي التي تلد منتجاتها، وليس العكس. لذا يجب التميPPيز بين البنPPاء و التكديس، و الأخذ بالبناء لا التكديس، فمن السخرية و السخافة حسب مالك بن نبي عكس القاعـدة الPPتي تقPPول “الحضPPارة تلد منتجاتهPPا” ويبقى التوجيه شرطا ضروريا لكل صحوة أو نهضة حضارية، توجيه الإنسان، وتوجيه الأفكار وتوجيه الأشياء. هPPذه الحضPPارة عبPPارة عن تغPPير يجPPرى على الإنسPPان في عالمPPه النفسي الداخلي، و في العPPالم الخPPارجي، أساسPPه روحي، يظهPPر في الحيPPاة بجميPPع مجالاتهPPا. و يتجلى في النهايPPة في صPPورة تقPPدم وازدهPPار روحي، وتقPPدم و ازدهPPار مPPادي، و مPPتى حصPPل التPPوازن والانسPPجام والتكامل بين الجانب الروحي و الجانب المادي، وازدهر كل منهما، بلغ الإنسان قمة التحضر التي هي غاية التPPاريخ و المجتمPع و

مبتغى الإنسان. يتضح مما سبق أن محاولة إقبال الإصلاحية، هي عبارة عن مشروع فلسفي فكري، لبناء الفلسPPفة الدينيPPة بنPPاء جديدا. ارتبPPط هPPذا المشروع بمشروع رؤيPPة فلسPPفية شPPاملة، و منظPPور فكري شPPامل، جامع لجPPوانب حيPPاة الإنسPPان، قPPامت فيPPه إسPPتراتيجية الإصلاح والتجديد على النقد و ما يلزمه و على إعادة البناء و ما تتطلبه عملية البناء، هذا من الناحية المنهجية، أما من الناحيPPةا، و على أسPس _Pوفي معPلوب الصPة والمنهج العلمي و الأسPة الخالصPة ة الذاتيPخير، وعلى الفرديPالعلمية، فقامت على التغيير التس روحية و مبادئ وقيم سامية مقررة في مصادر الإسلام الأصلية تمثل مقاصده ومبتغياتPPه. و يتضPPح لنPPا أن فكرة الإصPPلاح و التجديد لدى مالك بن نبي ارتبطت هي الأخرى بمشروع رؤيPPة فلسPPفية إلى التPPاريخ و إلى الحضPPارة و إلى الإنسPPان،و لم يكن ذلك النقد الفلسفي أو التأمل الميتافيزيقي واردا في منهج مالك بن نبي ،فمشروع رؤيته الفلسفية إلى التPPاريخ، و مشروع خطتPPه في الإصلاح، و مشروع نظرية الحضارة و التجديد الحضاري عنده، كل هذا قام على أسس فكريPة ارتبطت بالفكر الإسPلامي و الفكر الغPPربي، و على أسPPس روحيPPة دينيPPة ارتبطت بالإسPPلام وبقيمPPه ومثله العليPPا في الدين والدنيا، وعلى أسPPس علميPPة و

منطقية،و على معايير واقعية، فردية و اجتماعية، هذه الأسس تنسجم مع ما تتطلبه الطبيعة البشرية في الحياة والوجود. إنÀ الفكر الإصلاحي عند محمPPد إقبPPال، أو عنPPد مالك بن نبي، أو عنPPد غيرهمPPا من المصPPلحين في الفكر الديني الإسPPلامي، و في المجال الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي، هو من نوع واحد، فالنقاط و الروابط التي تجمع هذه الأصناف أكثر بكثPPير من النقاط التي تفرق بينها. فهي أشكال من التفكير، تعددت و تنPPوعت حسPPب تعPPدد أصحابها، و تنPPوعت حسPPب البيئPPات الPPتي ظهرت فيها، و حسب كافة الظروف المحيطة بها. إذ لا ينفصل البتة الفكر الإصلاحي عن الواقع الذي ينمو فيه، إلى أن يكPPبر و يتبلور، فيأخذ مكانPه في الحركة الإصPلاحية القائمPة. هPذا مPا يقPال عن الحركة الإصPلاحية الحديثPة و المعاصرة في العPالم

Page 19: بين إقبال وبن نبي

الإسلامي، و عن فلسفة محمد إقبال ونظرية مالك بن نبي في الحضPPارة، باعتبPPار هPPذان النمطPPان من الفكر الإصPPلاحي جزء منالحركة الإصلاحية الإسلامية في العصر الحديث.

ارتبطت فكرة الإصلاح و التجديد عند إقبال ومالك بتاريخ المسلمين و واقعهم في العصر الحديث، حيث شهد المسPPلمون قPPديما حضارة راقيPPة في جميPPع مجPالات الحيPPاة، ففي مجPال الفكر سجل لهPا التPPاريخ ازدهPPارا كبPPيرا لا نظPPير له في الفلسPPفة و العلوم و الفنPPون والآداب، فهي اسPPتوعبت علوم و فلسPPفات القPPدماء و زادت عليهPPا، كما سجل لهPPا قPPوة كبPPيرة في التنظيم السياسي و الاجتمPاعي والعسPكري، و قPوة أكPبر في الحيPاة الاقتصPادية، ناهيPك عن التطPور الروحي و السPمو الأخلاقي، الذي يتحلى في تمسك المسلمين بتعاليم و قيم ومبادئ و أخلاق دينهم. أما واقع المسلمين في العصر الحديث فهو نموذج في الضPPعف و التخلPPف والانحطاط في جميع المجالات، ففي الحياة الثقافية و الفكرية بقي المسلمون على فكر وثقافة عهدهم القديم، فلم يعرفوا الإبداع و التجديد في ذلك. أما الحياة الاجتماعية فميزاتها التشتت و التمزق في شبكة العلاقات الاجتماعية، ناهيك عن الفقPPر و الجهPPل_ إنتPاج و لا وسPائل إنتPاج في الحيPاة الاقتصPادية تسPمح ببنPاء اقتصPاد يفي و الأمراض و انحلال الأخلاق و تفسPخها، فعلا بالحاجات الضرورية، و ببنائه على معايير علمية تضمن النمPاء و الازدهPار داخل المجتمPع، الأمر الذي سهل المهمPة على دعاة و منفذي الاستعمار للاستيلاء على كافة الأقطار الإسلامية، واستغلال شPPعوبها و نهب ثّرواتهPا، و السPPعي الحPثيث لطمس قيم وعناصر هويتها من لغPPة و دين و قيم أخرى. كل هPPذا كان يجPPري في وقت كانت فيPPه أوروبا الغPPرب تشهد نهضPPة حضPPارية، علمية و تكنولوجية، و تعرف فكرا جديدا في الأخلاق والسياسة و الاجتماع، وفلسفة طبعهPPا العصر بطابعPPه. وتسربت مظPPاهر الحضارة الغربية و انتشرت منتجاتها البرÀاقة و المغرية، وتسرب الفكر الغربي ذا الطابع الوضعي التجريبي، والمادي الإلحادي إلى حياة المسلمين من خلال الغزو و الاستعمار، بواسطة الغزاة وأبناء المجتمع الإسلامي أنفسهم، فزاد ذلك في توتّر الوضPPع العPPام واختلاله في حياة الإسلام و المسلمين. هPPذا حال الواقPPع في المجتمPPع الإسPPلامي، و في العPPالم في العصر الحPPديث، هPPذا الواقPPع الذي انطلق منه المصلحون المسلمون في هذا العصر، و كانت حركة إقبال الفكرية، كما كانت محاولة مالك بن نبي الإصلاحية تستهدف بحـث و دراسة هذا الواقع، و حصر مشاكله و همومه، و تعيين سبل و وسائل إزالة محنتPه، و توجيهPه نحPو النهضPة و

التقدم والحضارة. كانت المصادر و الروافد التي نهل منها إقبال في التأسيس لفلسفته و تكوينها، و نهل منها مالك بن نبي في بنPPاء فكره، و نظريPPة الحضارة و التجديد الحضاري عنده، واحدة، مع قليل من التباين بين أوضاع المسلمين في الهند وهي غير دينية بPPل اجتماعيPPة وفكرية وبين أوضاعهم خارج بلاد الهند و في شمال إفريقيا، حيث ولد وعاش مالك بن نبي. تمثلت مصPPادر الفكر الإصPPلاحي عند إقبPال ومالك في الديانPة الإسPلامية في مصPادرها الأصPلية، القPرآن الـكريم والسPنة النبويPة الشريفة والاجتهPاد، وفي الفكر الإسلامي القديم والحديث، وفي الفكر الغربي والحضارة الأوروبية، وما تميزت به هذه الحضارة من تطPPور علمي و تكنولPPوجي، وتطور الاتجاه التجريبي المادي مع ذلك. و كانت هذه المصادر مرتبطة أساسا بواقعين متباينين، واقPPع أوربي غربي متطPPور و

Page 20: بين إقبال وبن نبي

متحضر و مزدهر، و واقع إسPلامي متخلPف و متPدهور و سPيئ. و جاء فكر إقبPال و مالك ليقتبس من المصPادر المPذكور، و يبدع و يجدد، لّلنهوض بالعالم الإسلامي من حالة التخلف، و دفعه نحو التقدم و التحضر، على الأقل لبلوغ الركب الحضاريÀ ازداد تخلفPPا، وازدادت الأمم المتحضرة تحضرا و ازدهPPارا. فكانت تلك هي أهPPداف فلسPPفة إقبPPال و فكر في عصره، و إلا مالك و أمال كل منهما، حيث قاما بدراسة الواقع الإسلامي و أوضاع الحضارة الغربية و الفكر الغربي، وانطلقا من الإسPPلامÀمه و مبادئPه، وضPعا منهج الإصPلاح و سPPبل التجديد في الحيPPاة الثقافيPPة الفكريPة و الروحيPPة، و في الحيPPاة الاجتماعيPPة و و قي الاقتصادية و السياسية. لغرض الوصول إلى نهضة حقيقية تنقذ العالم الإسلامي من الضياع، وتضعه في سكة الأمم المتقدمة، بما يتزود به من قيم و أفكار ومعPPارف و آليPPات منهجيPPة و عمليPPة مضPPبوطة و محPPددة في محاولة إقبPPال الفكريPPة الفلسPPفية، و في_ تنتميان إلى نفس الفضPPاء النظPPري، هPPو فضPPاء الفكر الإصPPلاحي في نظرية مالك في الحضارة و التجديد الحضاري، و هما معا

العالم الإسلامي الحديث و المعاصر. على الرغم من التماثل الـكبير بين محاولة إقبال و فكر مالك، واجتماعهمPPا في الأصPPول و الأهPPداف، و انتمائهمPPا إلى فضPPاء فكر واحد، هPPو فضPPاء الفكر الإصPPلاحي في جانبPPه النظPPري، فهمPPا مختلفPPان في أكPPثر من نقطPPة، لـكن هPPذا الاختلاف ليس في الجوهر، و لا يصل إلى مستوى التعارض و إلى درجة التناقض، فهو تباين في طبيعة المنهج الذي أفرز المحPPاولتين، و اختلاف في الرؤية إلى المشاكل والحلول، و إلى طبيعة الإصلاح و التجديد و منهجه. بالنسبة للأسلوب الذي اتبعه إقبال في دراسPPته و بحثه لواقع المسلم المعاصر وواقع الأوربي المعاصر ، أو لّلفكر الإسلامي القديم و الحديث ولّلفكر الإنسPPاني عامPPة أو لّلفكر الغPPربيÀز بعمق الفكر الفلسPفي في الطPرح الحديث و الحضارة الأوربيــة، والذي تضمÀنه كتابه: “ تجديد التفكير الديني في الإسلام “ تمي و التناول و النقPPد، كما تمPيز بسPPعة ورحابPه التأمPل الميتPPافيزيقي، و بالتنسPPيق الـكبPPير بين أنمPاط التفكPير قPPديما و حديثا، و تمPيز بالاقتباس من الفكر الغPPربي، وجاءت فلسPPفته على نمPPط الأقPPدمين في موضPPوعاتها و عمقهPPا نسPPقيتها، وإن ارتبطت بإعادة بنPPاءÀز بطابعPPه العلمي الPPواقعي ÀبعPPه مالك ونجPPده في كتاباتPPه و مؤلفاتPPه، تمي فلسPPفة الفكر الديني الإسPPلامي. أمPPا الأسPPلوب الذي ات الاجتماعي حيث قام على تحليل القضايا الفكرية و الظواهر الاجتماعية ونقدها، اعتمادا على معايير دينيه وعلميه و تاريخيه و عملية، هذه لم تكن في مستوى فلسفة إقبال، من حيث العمق الفلسفي و التأمل الميتافيزيقي بل ارتبطت بصفة مباشرة بواقPPع المسلمين المتخلف و بواقع الغرب المتحضر و بسبل وسPPائل و أدوات مباشرة تقضي على التخلPف سPPواء على مسPPتوى الفPPرد أو على مستوى المجتمع، في الجانب الروحي و الفكري أو في جانب الاجتماعي و الاقتصادي، و الطابع الذي تمPيزت بPه دراسPة مالك بن نبي التحليلية النقديPPة لواقPPع المسPPلمين و لحيPPاتهم أو لّلفكر الإنسPPاني القPPديم و الحPPديث عامPPة و الفكر الإسPPلامي بصPPفة خاصة، تميزت به منهج و أسلوب إصلاح و التجديد في نظPPره، فكانت الواقعيPPة، و العلميPPة و البرغمانيPPة في إطPPار القيم الخلقيPPة الفضلى ومبادئ الإسلام السمحة هي ما تميز به هذا المنهج و هPذا الأسPلوب، و هPو الطPابع الذي تمPيزت بPه نظPرة مالك إلى مشاكل وهموم و قضايا العالم الإسلامي، و إلى طبيعة الحلول في نظريPPة الحضPPارة، و هي نظريPPة عامPPة، أو في معالجتPPه لقضPPايا

Page 21: بين إقبال وبن نبي

جزئيPPة كقضPPية المفهوميPPة أو الأفكار في الجزائّر، و إن كانت هPPذه القضPPايا مرتبطPPة بفكره الإصPPلاحي و نظريتPPه في التجديدالحضاري بشكل عام.

أما طبيعة منهج الإصلاح و أسلوبه في فلسفة إقبال ارتبط بمحاولته نقد و إعادة بناء لفكر الديني في الإسلام، فالإصلاح عنده مرتبط أساسا بتغيير الذات، من خلال تغيير التصورات و الفهوم، والمطالب و الرغبات و المشاعر و غيرها. فتتحدد المبPPادئ والمنطلقات، و تتحدد المناهج و السبل، و تتحدد الأهداف والغايات القريبة و البعيدة كل هذا يجرى ضمن رؤية فلسفية شPPاملة وإسPPتراتيجية عامPPة أساسها روحي و مسPPارها روحي و غاياتهPPا روحيPPة، تتمثPPل في بلوغ السPPمو الروحي المطلوب، و الديمقراطيPPة الروحية، التي هي مقصـد الإسلام و مبتغPاه. ونظPرة إقبPال إلى مشPاكل الإنسPان المعاصر عامPة و الإنسPان المسPلم خاصPة، و طرحه لهPPذه المشPPاكل و معالجتPPه لهPPا كل هPPذا كان بطريقPPة فلسPPفية، تقPPوم على النقPPد العميPPق و التحليPPل الواسPPع و التأمPPل الميتافيزيقي، و ما زاده في عمق الأفكار و سعة التحليل و قوة النقد، هو اطلاعه الواسع على الثقافات القديمة، و على الإسلام و على الفكر الحPPديث و المعاصر. لذا نجPPده يدرس و يحلل و ينPPاقش أفكار غيره، ثم يستنتج و يعPPرض مواقفPPه اتجPPاه هPPذه الأفكار، و الحلول للمشكلات، فجاء أسلوبه فلسفيا متمPPيزا عن أسPPاليب و منPPاهج غيره، في عصر يPPؤمن أصحابه بفكر ذي طPPابع

تجريبي مادي يعترض على أسلوب القدماء في التفلسف. إذا كانت هناك جملة من النقاط تجمع فلسفة إقبال بفلسفة مالك بن نبي، و تّربط بين النظرتين في الإصلاح و التجديد، توجد كذلك جملة من النقاط التي تفصل بين الفلسفتين و تميز بين النظرتين، فلا نقاط الالتقاء تجعل منهما أمرا واحدا، و لا نقاط الاختلاف تفصل بينهما تماما، هPPذا من جهPPة، و من جهPPة أخرى نجPPد المحPPاولتين من أصPPول واحدة، وانتمPPاء ديني و تاريخي واحد، و من طبيعPPة واحدة، و لأجل أهPPداف و غايات واحدة. فهمPPا معPPا يمثلان فكرا فلسPPفيا، كانت السPPاحة الفكريPPة و الثقافية و الاجتماعية في أمس الحاجة إليه، و كل من الفلسفتين تمثل نظرية ذات أصPPول وأبعPPاد فلسPPفية، علميPPة، فكريPPة، و دينية، جاءت كمحاولة جدÀية وجديدة لها أسبابها و ظروفها لتغيير الفكر و الواقع في حيPPاة الإنسPPان الفرديPPة و الاجتماعيPPة في العالم الاجتمPPاعي المعاصر، و هي محاولة لم يعتبرهPPا صPPاحبها خاصPPة بالعPPالم الإسPPلامي أو بالعPPالم المتخلPPف، فهي لا تقتصر على زمن معين أو وطن بعينه أو شعب بمفرده بل هي نظرية عامة موجهة للإنسانية جمعاء، هذا بالنسبة لإسPPتراتيجية النقPPد وإعادة البناء في فلسفة إقبال، أو بالنسبة لنظرية الحضارة و التجديد الحضاري عند مالك بن نبي. و ذلك على الرغم من ارتبPPاط كل منهما بالإسلام و بواقع المسلمين و بظروف الإنسان في العصر الحديث و بأوضاعه المختلفة. لـكن الإسلام رسPPالة عالميPPة ذات مبادئ و تعاليم ثابتة، و ذات قيم ذاتية متطورة حسب تطور أحوال وظروف الإنسان عبر الزمن، و مشاكل و هموم الإنسان واحدة، وآفاقه و تطلعاته و أماله واحدة، مما يجعل النظرتين ذاتا طابع عام، لا تقتصران على فرد ما أو جماعة مPPا أو زمن مPPا. و كل واحدة منهمPPا تمثPPل رؤيPPة فلسPPفية إلى الإنسPPان و الحيPPاة و التPPاريخ و الحضPPارة. و هي رؤيPPة لم يعرفهPPا الفكر الفلسPPفي و

À مع القليل من المفكرين أمثال إقبال و مالك. الإصلاحي في العالم الإسلامي المعاصر، إلا

Page 22: بين إقبال وبن نبي

إن الارتباط القوي و الصلة المتينة بين نظرية الإصلاح عند محمد إقبPPال و بين نظريPPة الإصPPلاح عنPPد مالك بن نبي على الرغم من التباين بينهما في بعض النقاط و هي قليلة، يجعل القPPارئ لهمPا و البPPاحث فيهمPا يعتPPبر فلسPPفة إقبPPال المرجعيPPة الفكريPة، و الأرضية الفلسفية الميتافيزيقية، و الإطار النظري لفكرة الإصلاح و التجديد عند مالك بن نبي، الPPتي هي بدورها تعتPPبر المحاولة الفكرية العملية و العلمية الواقعية لفكرة و فلسPPفة إقبPPال في الإصPPلاح و التجديد. و لقPPد ذكر فيلسPPوف الحضPPارة مالك بن نبي الفيلسوف الشاعر و المفكر المصلح محمد إقبال في كتابه “ شروط النهضPPة “، وأشPPاد بمحاولتPPه الفكريPPة الإصPPلاحية الفPPذة، الPPتي خرجت عن المألوف، لما لها من دقة و عمق قي النظر و قوة في التشخيص العطب، و سPPلامة و صPPدق في التصPPور وذاك مPPا

كان مالك بن بني يسعى إليه.يتبع

إرسال إلى صديقطباعةPDF(6بين إقبال وبن نبي - التجديد بين النظرة الفلسفية الصوفية والتفسير العلمي )17:54 2012 سبتمبر 05الأربعاء,

ج- التكامل بين النظرية والتطبيق إن الفكر الإصPلاحي عنPد محمPد إقبPال، أو عنPد مالك بن نبي، أو عنPد غيرهمPا من المصPلحين في الفكر الديني الإسPلامي، وفي المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، هو من نوع واحد، فالنقاط والروابط الPPتي تجمPع هPPذه الأصPناف أكPPثر بكثPPير من النقاط التي تفرق بينها. فهي أشPPكال من التفكPPير، تعPPددت وتنPPوعت حسPPب تعPPدد أصحابها، وتنPPوعت حسPPب البيئPPات الPPتي ظهرت فيها، وحسب كافة الظروف المحيطة بها، إذ لا ينفصل البتة الفكر الإصلاحي عن الواقع الذي ينمPPو فيPPه، إلى أن يكPPبر ويتبلور، فيأخذ مكانPPه في الحركة الإصPPلاحية القائمPPة. هPPذا مPPا يقPPال عن الحركة الإصPPلاحية الحديثPPة والمعاصرة في العPPالم الإسلامي، وعن فلسفة محمد إقبPال ونظريPة مالك بن نبي في الحضPارة، باعتبPار هPذان النمطPان من الفكر الإصPلاحي جزء من

الحركة الإصلاحية الإسلامية في العصر الحديث. إرتبطت فكرة الإصلاح والتجديد عند إقبال ومالك بتPPاريخ المسPPلمين وواقعهم في العصر الحPPديث، حيث شهد المسPPلمون قPPديما حضارة راقية في جميع مجالات الحياة، ففي مجال الفكر سجل لها التاريخ ازدهارا كبيرا لا نظPير له في الفلسPفة والعلوم والفنPون والآداب، فهي استوعبت علوم وفلسPفات القPدماء وزادت عليهPا، كما سجل لهPا قPوة كبPيرة في التنظيم السياسي والاجتمPاعي والعسكري، وقوة أكبر في الحياة الاقتصادية، ناهيك عن التطور الروحي والسمو الأخلاقي، الذي يتحلى بتمسك المسلمين بتعPPاليم وقيم ومبادئ وأخلاق دينهم. أما واقع المسلمين في العصر الحديث، فهPPو نمPPوذج في الضPPعف والتخلPPف والانحطPPاط في جميPPع المجالات، ففي الحياة الثقافية والفكرية بقي المسلمون على فكر وثقافة عهدهم القديم، فلم يعرفPPوا الإبداع والتجديد في ذلك. أمPPا

Page 23: بين إقبال وبن نبي

الحياة الاجتماعية، فميزاتها التشتت والتمزق في شبكة العلاقات الاجتماعيPPة، ناهيPPك عن الفقPPر والجهPPل والأمراض وانحلال الأخلاق وتفسخها، فعلا إنتاج ولا وسائل إنتاج في الحياة الاقتصادية تسمح ببناء اقتصPPاد يفي بالحاجات الضرورية، وببنائPPه على معايير علمية تضمن النماء والازدهار داخل المجتمع، الأمر الذي سهل المهمة على دعاة ومنفذي الاستعمار للاستيلاء على كافة الأقطار الإسلامية، واستغلال شPPعوبها ونهب ثّرواتهPPا، والسPPعي الحPPثيث لطمس قيم وعناصر هويتهPPا من لغPPة ودين وقيم أخرى. كل هذا كان يجري في وقت كانت فيه أوروبا الغرب تشهد نهضة حضارية، علمية وتكنولوجيPة، وتعPرف فكرا جديدا في الأخلاق والسياسة والاجتماع، وفلسفة طبعها العصر بطابعه. وتسربت مظاهر الحضارة الغربيPPة وانتشرت منتجاتهPPا البرÀاقPPة والمغريPPPة، وتسرب الفكر الغPPPربي ذا الطPPPابع الوضPPPعي التجريبي، والمPPPادي الإلحPPPادي إلى حيPPPاة المسPPPلمين من خلال الغPPPزو والاستعمار، بواسطة الغزاة وأبنPاء المجتمPع الإسPلامي أنفسهم، فPزاد ذلك في تPوتّر الوضPع العPام واختلاله في حيPاة الإسPلام والمسPPلمين. هPPذا حال الواقPPع في المجتمPPع الإسPPلامي، وفي العPPالم في العصر الحPPديث، هPPذا الواقPPع الذي انطلق منPPه المصPPلحون المسلمون في هذا العصر، وكانت حركة إقبال الفكرية، كما كانت محاولة مالك بن نبي الإصلاحية تستهدف بحث ودراسة هذا

الواقع، وحصر مشاكله وهمومه، وتعيين سبل ووسائل إزالة محنته، وتوجيهه نحو النهضة والتقدم والحضارة. وكانت المصادر والروافد التي نهل منها إقبال في التأسيس لفلسPPفته وتكوينهPا، ونهPل منهPا مالك بن نبي في بنPPاء فكره، ونظريPة الحضارة والتجديد الحضاري عنده، واحدة، مع قليل من التباين بين أوضاع المسلمين في الهنPPد وهي غير دينيPPة بPPل اجتماعيPPة وفكرية وبين أوضاعهم خارج بلاد الهند وفي شمال إفريقيPPا، حيث ولد وعاش مالك بن نبي. تمثلت مصPPادر الفكر الإصPPلاحي عند إقبPال ومالك في الديانPة الإسPلامية في مصPادرها الأصPلية، القPرآن الـكريم والسPنة النبويPة الشريفة والاجتهPاد، وفي الفكر الإسلامي القديم والحديث، وفي الفكر الغربي والحضارة الأوروبية، وما تميزت به هذه الحضPPارة من تطPPور علمي وتكنولPPوجي، وتطور الاتجاه التجريبي المادي مع ذلك. وكانت هذه المصPPادر مرتبطPPة أساسPPا بPPواقعين متبPPاينين، واقPPع أوربي غربي متطPPور ومتحضر مزدهر، وواقع إسلامي متخلف ومتPPدهور وسPPيئ. وجاء فكر إقبPPال ومالك ليقتبس من المصPPادر المPPذكورة، ويبPPدع ويجدد، لّلنهوض بالعPPالم الإسPPلامي من حالة التخلPPف، ودفعPPه نحPPو التقPPدم والتحضر، على الأقPPل لبلوغ الركب الحضPPاري فيÀ ازداد تخلفPPا، وازدادت الأمم المتحضرة تحضرا وازدهPPارا. فكانت تلك هي أهPPداف فلسPPفة إقبPPال وفكر مالك عصره، وإلا وآمال كل منهما، حيث قاما بدراسة الواقع الإسلامي وأوضاع الحضارة الغربية والفكر الغربي، وانطلاقPPا من الإسPPلام وقيمPPه ومبادئPه، وضPعا منهج الإصPلاح وسPبل التجديد في الحيPاة الثقافيPة الفكريPة والروحيPة، وفي الحيPاة الاجتماعيPة والاقتصPادية والسياسية. لغرض الوصول إلى نهضة حقيقية تنقذ العالم الإسلامي من الضياع، وتضعه في سكة الأمم المتقدمة، بما يتزود بPPه من قيم وأفكار ومعPPارف وآليPPات منهجيPPة وعمليPPة مضPPبوطة ومحPPددة في محاولة إقبPPال الفكريPPة الفلسPPفية، وفي نظريPPة مالك في الحضارة والتجديد الحضاري، وهما معا تنتميPان إلى نفس الفضPاء النظPري، هPو فضPاء الفكر الإصPلاحي في العPالم الإسPلامي

الحديث والمعاصر.

Page 24: بين إقبال وبن نبي

على الرغم من التماثPPل الـكبPPير بين محاولة إقبPPال وفكر مالك، واجتماعهمPPا في الأصPPول والأهPPداف، وانتمائهمPPا إلى فضPPاء فكر واحد، هPPو فضPPاء الفكر الإصPPلاحي في جانبPPه النظPPري، فهمPPا مختلفPPان في أكPPثر من نقطPPة، لـكن هPPذا الاختلاف ليس في الجوهر، ولا يصل إلى مستوى التعارض وإلى درجة التناقض، فهو تباين في طبيعة المنهج الذي أفرز المحاولتين، واختلاف في الرؤية إلى المشاكل والحلول، وإلى طبيعة الإصلاح والتجديد ومنهجه. بالنسبة للأسلوب الذي اتبعPPه إقبPPال في دراسPPته وبحثPPه لواقع المسلم المعاصر وواقع الأوربي المعاصر، أو لّلفكر الإسلامي القديم والحديث ولّلفكر الإنساني عامة أو لّلفكر الغربي الحديثÀز بعمPPق الفكر الفلسPPفي في الطPPرح والتنPPاول والحضارة الأوربيPPة، الذي تضPPمÀنه كتابPPه: “تجديد التفكPPير الديني في الإسPPلام “تمي والنقد، كما تميز بسعة ورحابه التأمل الميتافيزيقي، وبالتنسيق الـكبير بين أنماط التفكير قديما وحديثا، وتميز بالاقتبPPاس من الفكر الغPPربي، وجاءت فلسPPفته على نمPPط الأقPPدمين في موضPPوعاتها وعمقهPPا ونسPPقيتها، وإن ارتبطت بإعادة بنPPاء فلسPPفة الفكر الدينيÀز بطابعه العلمي الواقعي الاجتمPPاعي، حيث قPPام على Àبعه مالك ونجده في كتاباته ومؤلفاته، تمي الإسلامي. أما الأسلوب الذي ات تحليPل القضPايا الفكريPة والظPواهر الاجتماعيPة ونقPدها، اعتمPادا على معPايير دينيPه وعلميPه وتاريخيPة وعمليPة، هPذه لم تكن في مستوى فلسفة إقبPال، من حيث العمPق الفلسPفي والتأمPل الميتPافيزيقي، بPل ارتبطت بصPفة مباشرة بواقPع المسPلمين المتخلPف وبواقع الغرب المتحضر وبسبل وسائل وأدوات مباشرة تقضي على التخلف سواء على مستوى الفPPرد أو على مسPPتوى المجتمPPع، في الجانب الروحي والفكري أو في جانب الاجتماعي والاقتصادي، والطPPابع الذي تمPPيزت بPPه دراسPPة مالك بن نبي التحليليPPة النقدية لواقPع المسPلمين ولحيPاتهم أو لّلفكر الإنسPاني القPديم والحPديث عامPة والفكر الإسPلامي بصPفة خاصPة، تمPيزت بPه منهجا وأسلوب إصلاح والتجديد في نظره، فكانت الواقعية، والعلميPPة والبراغمانيPPة في إطPPار القيم الخلقيPPة الفضPPلى ومبPPادئ الإسPPلام السمحة، هي ما تميز به هذا المنهج وهذا الأسلوب، وهو الطابع الذي تميزت به نظرة مالك إلى مشاكل وهمPPوم وقضPPايا العPPالم الإسPPلامي، وإلى طبيعPPة الحلول في نظريPPة الحضPPارة، وهي نظريPPة عامPPة، أو في معالجتPPه لقضPPايا جزئيPPة كقضPPية المفهوميPPة أو

الأفكار في الجزائّر، وإن كانت هذه القضايا مرتبطة بفكره الإصلاحي ونظريته في التجديد الحضاري بشكل عام. أما طبيعة منهج الإصلاح وأسلوبه في فلسفة إقبال ارتبط بمحاولته نقد وإعادة بناء الفكر الديني في الإسلام، فالإصPPلاح عنPPده مرتبط أساسا بتغيير الذات، من خلال تغيير التصورات والفهوم، والمطالب والرغبات والمشاعر... وغيرهPPا. فتتحدد المبPPادئ والمنطلقات، وتتحدد المناهج والسبل، وتتحدد الأهداف والغايات القريبة والبعيPدة، كل هPذا يجPرى ضمن رؤيPة فلسPفية شPاملة واسPPتراتيجية عامPPة أساسها روحي ومسPPارها روحي وغاياتهPPا روحيPPة، تتمثPPل في بلوغ السPPمو الروحي المطلوب، والديمقراطيPPة الروحية، التي هي مقصـد الإسلام ومبتغاه. ونظرة إقبال إلى مشاكل الإنسان المعاصر عامة والإنسان المسPPلم خاصPPة، وطرحه لهذه المشاكل ومعالجته لها، كل هذا كان بطريقة فلسفية، تقوم على النقد العميق والتحليل الواسع والتأمPPل الميتPPافيزيقي، ومPPا زاده في عمق الأفكار وسعة التحليل وقوة النقد، هو اطلاعه الواسع على الثقافات القديمة، وعلى الإسلام وعلى الفكر الحPPديث والمعاصر، لذا نجده يدرس ويحلل ويناقش أفكار غيره، ثم يستنتج ويعرض مواقفPPه تجPPاه هPPذه الأفكار، والحلول للمشPPكلات،

Page 25: بين إقبال وبن نبي

فجاء أسلوبه فلسفيا متميزا عن أساليب ومناهج غيره، في عصر يؤمن أصحابه بفكر ذي طابع تجريبي مادي يعترض على أسPPلوبالقدماء في التفلسف.

إذا كانت هناك جملة من النقاط تجمع فلسفة إقبال بفلسفة مالك بن نبي، وتّربPPط بين النظPPرتين في الإصPPلاح والتجديد، توجد كذلك جملة من النقاط التي تفصل بين الفلسفتين وتميز بين النظرتين، فلا نقاط الالتقاء تجعPPل منهمPPا أمرا واحدا، ولا نقPPاط الاختلاف تفصل بينهما تمامPPا، هPPذا من جهPPة. ومن جهPPة أخرى، نجPPد المحPPاولتين من أصPPول واحدة، وانتمPPاء ديني وتاريخي واحد، ومن طبيعة واحدة، ولأجل أهداف وغايات واحدة. فهما معا يمثلان فكرا فلسPPفيا، كانت السPPاحة الفكريPPة والثقافيPPة والاجتماعيPة في أمسÀ الحاجة إليPه، وكل من الفلسPفتين تمثPل نظريPة ذات أصPول وأبعPاد فلسPفية، علميPة، فكريPة، ودينيPة، جاءت كمحاولة جدÀيPPة وجديدة لهPPا أسPPبابها وظروفهPPا لتغيPPير الفكر والواقPPع في حيPPاة الإنسPPان الفرديPPة والاجتماعيPPة في العPPالم الاجتماعي المعاصر، وهي محاولة لم يعتبرها صاحبها خاصة بالعالم الإسلامي أو بالعالم المتخلPف، فهي لا تقتصر على زمن معين أو وطن بعينه أو شعب بمفرده بل هي نظرية عامة موجهة للإنسPPانية جمعPPاء، هPPذا بالنسPPبة لاسPPتراتيجية النقPPد وإعادة البنPPاء في فلسPفة إقبPال، أو بالنسPبة لنظريPة الحضPارة والتجديد الحضPاري عنPد مالك بن نبي، وذلك على الرغم من ارتبPاط كل منهمPا بالإسلام وبواقع المسلمين وبظروف الإنسان في العصر الحديث وبأوضاعه المختلفة. لـكن الإسPPلام رسPPالة عالميPPة ذات مبPPادئ وتعاليم ثابتة، وذات قيم ذاتية متطورة حسب تطور أحوال وظPروف الإنسPان عبر الزمن، ومشPاكل وهمPوم الإنسPان واحدة، آفاقPPه وتطلعاتPPه وآماله واحدة، ممPPا يجعPPل النظPPرتين ذاتا طPPابع عام، لا تقتصران على فPPرد مPPا أو جماعة مPPا أو زمن مPPا. وكل واحدة منهما تمثل رؤية فلسفية إلى الإنسان والحياة والتPPاريخ والحضPPارة، وهي رؤيPPة لم يعرفهPPا الفكر الفلسPPفي والإصPPلاحي في

العالم الإسلامي المعاصر، إلا مع القليل من المفكرين أمثال إقبال ومالك. إن الارتباط القوي والصلة المتينة بين نظرية الإصلاح عند محمد إقبال وبين نظرية الإصلاح عند مالك بن نبي على الرغم من التباين بينهما في بعض النقاط وهي قليلة، يجعل القارئ لهما والباحث فيهما يعتبر فلسPPفة إقبPPال المرجعيPPة الفكريPPة، والأرضPPية الفلسفية الميتافيزيقيPة، والإطPار النظPري لفكرة الإصPلاح والتجديد عنPد مالك بن نبي، الPتي هي بدورها تعتPبر المحاولة الفكريPة العملية والعلمية الواقعية لفكرة وفلسPفة إقبPال في الإصPلاح والتجديد. ولقPد ذكر فيلسPوف الحضPارة مالك بن نبي الفيلسPوف الشاعر والمفكر المصلح محمPد إقبPال في كتابPه “شروط النهضPة”، وأشPاد بمحاولتPه الفكريPة الإصPلاحية الفPذة، الPتي خرجت عن المألوف، لما لها من دقة وعمق قي النظر وقوة في تشخيص العطب، وسPلامة وصPدق في التصPور وذاك مPا كان مالك بن بني

يسعى إليه.الدكتور جيلالي بوبكر