إلى كتاب سيادتكم رقم 54 المؤرخ في 15/2/2004م، بشأن ... · web...

الخامس القسم

يالعرب األدبوالعثماني المملوكي العصر في

األدب مرآة في العرب حياة

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب: األهداف

من خالل دراستنا لهذين الفصلين ينبغي أننكون أحطنا بما يلي :

أن يتعرف الدارس على مالمح هذا العصر سياسيا-1وثقافيا وأدبيا.

أن يقف على طبيعة الصراع الذي عاشه المسلمون-2على مدى هذين العصرين.

أن يقدر مدى الجهد الذي بذله اآلباء لصيانة حدود-3األمة اإلسالمية.

أن يدرك مدى الجهد الذي بذله كتاب ديوان اإلنشاء-4للمحافظة على اللغة العربية وآدابها.

أن نرد شبهة شاعت عن العصر المملوكي أنه عهد-5انحطاط أدبي وفكري وسياسي.

أن نبرز ألبناء األمة عظمة الدور الذي قدمه اآلباء في-6 مواجهة الطغيان الخارجي ممثال في الصليبيين والتتار

ومواجهة الطغيان الداخلي متمثال في مظالمالمماليك.

أن نزيل شبهة الظالم عن هذا العصر وتؤكد أنه عصر-7دوائر المعارف وعصر الموسوعات الشاملة.

أن تتعرف على الجديد في األغراض والموضوعات-8واألساليب في مجالس الشعر والنثر.

أن نقف على أحوال أهل هذين العصرين من خالل-9إبداعاتهم األدبية.

أن يثق الدارس في ميراث آبائه من العلم والحكمة-10 واألخالق، وأن يضيف الدارس جديدا من األفكار واألذواق وشواهد الشعر والنثر بما يثري حياته

العملية.

276

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب

تمهيدسياسيا والعثماني المملوكي العصر حالة

عرفنا كيف امتد العصر العباسي زمانيا حتى زاد عن الخمسة قرون وكيف امتد مكانيا حتى شمل مساحة

العالم العربي واإلسالمي في دولة واحدة عاصمتها بغداد، وكيف تحولت به األوضاع من عصور قوة وتوحد على

مدى القرنين األولي، إلى بداية ظهور دويالت بداخله ـ من ، وظهور دولة334خالل القرون الثالثة األخيرة منذ سنة

بني بويه ـ ثم الدولة الفاطمية في مصر بعد الطولونية واإلخشيدية، والدولة الحمدانية في حلب، والغزنوية في

بالد األفغان، وكيف احتفظت الدولة العباسية بأرض اإلسالم والثقافة اإلسالمية وظلت عاصمة للشعر

والشعراء على مدى تلك القرون حتى داهمها المغول. 656سنة

277


كما لمسنا أن ضعف السلطان السياسي لم ينعكس بالضرورة ليحدث ضعفا في المجال األدبي والثقافي، بل إن التنافس بين الدويالت اإلسالمية حملهم على اصطناع الشعراء واألدباء وبناء المدارس وتشجيع األدب كما رأينا

في اصطناع المتنبي علي يد الحمدانيين واإلخشيديين وابن سناء الملك والقاضي الفاضل على يد األيوبيين،

وامتد هذا الزخم األدبي والثقافي على عهد األتراك من المماليك والعثمانيين، الذين آلت إليهم مقاليد األمور. بعد

معركة المنصورة التي أظهرت بطوالت المماليك، وأبرزت شجاعتهم مع الصليبين بقيادة »لويس التاسع «

عندما استطاعوا أن يهزموه ويأسروه وينتزعوا النصر المظفر تحت قيادة تورانشاه بن الملك الصالح األيوبي،

الذي لم يحسن استثمار هذا االنتصار، ولم يحسن التعامل 27مع قادة المماليك الكبار فانقلبوا عليه وقتلوه في

هـ، وعاد أمر البالد إلى »شجرة الدر«648محرم سنة زوج الملك الصالح األيوبي لبضعة أشهر ظهرت خاللها

حالة من المعارضة والرفض من قبل الخليفة المستعصم في بغداد، وكذلك اعترض الشيخ عز الدين بن عبد السالم فخلعت شجرة الدر نفسها من مملكة مصر، وتنازلت عن الحكم لزوجها »عز الدين أيبك« فكانت مدة دولتها ثمانين

. (1)يوما لكن مصر ظلت ترفض نفسيا أن يحكمها ملك مسه

الرق كما رفضت من قبل أن تحكم بامرأة، لكن األمور لم تكن تجري في مصر على رغبة الشعب المحكوم ؛ ألن

والية الملك في ذلك الوقت لم تعد شورى، ولم يعد يؤخذ فيها رأي الشعب وال حتى رأي أهل الحل والعقد وإنما هو وضع استثنائي جديد خالصته »الحكم لألقوى« وكانت تلك

أبرز خاصية تميز الحياة السياسية في عصر المماليك، ولعل هذا يفسر لنا ظاهرة الخلع والقتل التي لم ينج منه

إال القليل من حكام هذا العصر. وبرغم كل ما سبق فقد ظل هذا العصر، منفردا بقدرته الفائقة على التحدي وصموده العسكري، بل

وانتصاره على جيوش الحقد الصليبي والدمار المغوليفي وقت واحد.

.368، ص2( السلوك إلى معرفة دول الملوك للمقريزي ، ق(1

278


فمن أين استمد هذا العصر قوته ؟ وكيف استطاع الصمود واالنتصار على أعتى قوتين باغيتين بكل

وحشيتهما وجبروتهما ؟ وهل اقتصرت مقومات الصمود، وعزيمة التصدي على الجانب العسكري وحده، أم إن وراء هذا الصمود روح حفزته للمواجهة ودفعته للقتال

وأمدته بالثبات ؟ إن هذه الروح وهذا الوقود الذي حظيت به األمة في هذا العصر هو موضوع دراستنا لهذا القسم

الذي سيستمر معنا على مدى ستة قرون متواصلة سنرى فيها كيف كان األدب واألدباء، والشعر والشعراء والعلم والعلماء، هم فرسان هذا الميدان الحقيقيون بما قدموه

لألمة من حوافز التصدي وعوامل الثبات، كما سنرى فيهذه الدراسة.

: واقتصاديا اجتماعيا المجتمع حالة يقسم المقريزي المجتمع في عصر المماليك

سبع طبقات فيقول : »اعلم ـ حرسك الله بعينه التي ال تنام أن الناس بإقليم

مصر في الجملة على سبعة أقسام : أهل الدولة. القسم األول : أهل اليسار من التجار وأولى النعمةالقسم الثاني :

من ذوي الرفاهية. الباعة، وهم متوسطو الحال منوالقسم الثالث :

التجار ويقال لهم أصحاب البز، ويلحق بهم أصحابالمعايش وهم السوقة. أهل الفلح، وهم أهل الزراعاتوالقسم الرابع :

والحرث وسكان القرى والريف. الفقراء وهم جل الفقهاءوالقسم الخامس :

وطالب العلم والكثير من األجناد. أرباب الصنائع واألجراء. والقسم السادس :

ذوو الحاجة والمسكنة وهموالقسم السابع :. (1)السؤال الذين يتكففون الناس ويعيشون بينهم«

.7( إغاثة األمة بكشف الغمة للمقريزي، ص(1

279


وأبناء الطبقة األولى هم طبقة الحكام، وقد فازوا بكل شيء، وشاركهم التجار وأثرياء الناس، ولم يدعوا لغيرهم

من سائر الناس سوى ما يتصدقون به عليهم أو مايكسبونه من عرق جبينهم.

وكان المجتمع المملوكي يقوم على ما يمكن تسميته باإلقطاع العسكري فاألرض مقسمة على قادة الجند كل بحسب درجته، وليس ألحد سواهم حق في شيء، إال ما

كان فضلة منهم على سبيل اإلحسان وهكذا أصبح المماليك هم أصحاب السلطة والسيف والثروة وعرف

في المجتمع طبقة يسمون »أبناء الناس« وهم أبناء كباراألمراء والقادة والتجار.

وكان المماليك أجناسا، أكثرهم من الترك، وفيهم منالجراكسة واألكراد والتتار والروم والفرنجة.

وعندما أراد السلطان الناصر محمد بن قالوون أن يستخدم المصريين ثار عليه خاصيته وقتلوه، فلم يجرؤ

سلطان على فعل ذلك بأن يولي المصريين مناصب عليافي الجيش أبدا.

وقد أكثر الصالح نجم الدين أيوب من جلب هؤالء المماليك حتى استطار شرهم وتأذى الناس من أفعالهم فضج الناس منهم، وقال بعض الشعراء

يصور ضيق الناس بهم : الصالح المرتضي

أيوب أكثر من قد آخذ الله أيوبا

بفعلته

ترك بدولته يا شرمجلوب

فالناس قد أصبحوافي ضر أيوب

280


وكان اإلسراف والبذخ طابع حياة المماليك وقد بلغ بهم البذخ والترف حد السفه يقول ابن حجر »إن المظفر حاجي أنفق في عصبة حظيته »اتفاق« التي على رأسها مائة ألف دينار، وبلغت النفقة على عمل حظير للحمام

. (1)سبعين ألف درهم« والغريب في أمر المماليك أنهم برغم سيطرتهم على موارد الدولة من إقطاعاتهم، ومن المرتبات المخصصة

لهم وما يحصلونه من المصادرات واألسالب والفيء وغنائم الحروب وغيره، كانوا ال يتورعون عن أخذ الرشوة والهدايا، حتى بلغ األمر بهم أنهم خصصوا ديوانا مستقال

يسمى »ديوان البذل« وبلغ أمر التهالك على الرشوة والمعالنة بها حدا جعلهم يضعون لكل وظيفة سعرا فوالية

السلطنة بكذا، ووالية القضاء بكذا، وهذا جعل الوظيفةمغنما حتى يعوض ما أنفقه لكي يحصل عليها.

ما تزال بعض القرى تحمل أسماء لبعض المماليك الذين كانوا يملكونها، مثل »محلة إنجاق« و»سرسق«

التي ينطقها العوام »سرسو« »وفارسكور « والكور هو المحلة أو العزبة وهذا الرفه الزائد أدى إلى انتشار

الفسوق والتجرؤ على األعراض حتى صار الفسق ببناتالناس ديدن بعضهم.

وفي سبيل اقتناء الثروات الطائلة والهائلة، والتمتع بكل لذائذ الحياة المشروعة والمحرمة، ارتكب هؤالء

المماليك المظالم وتعسفوا في جمع الضرائب، ونكلوا بالناس من فالحين وتجار، حتى جأر العلماء بالشكوى من

تلك الحال مثل اإلمام السبكي الذي يقول : »من حق الله سبحانه وتعالى على األجناد شكر نعمته باللطف

بالفالحين، فلو شاء الله تعالى لقلب الجندي فالحا والفالح جنديا، فإذا كان ال يشكر نعمة الله تعالى على أن رفعه

على درجة الفالح، فال أقل من أن يكفي الفالح شرهوظلمه «.

.361 ص 4( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ـ البن حجر جـ (1

281


ومهما أنقسم المماليك إلى شيع وأحزاب بانقسام زعمائهم؛ فإنهم كانوا يشعرون بأن رابطة االرستقراطية

الحاكمة تربطهم جميعا، وكان والء المملوك ألسياده أكبر من والئه لعائلته، فإذا مات المملوك ترك لسيده جميع ممتلكاته، ومنها نساؤه ومماليكه، وكان لباس المماليك

مختلفا عن عامة الشعب، فقد كان مزينا بالزركشة والفخامة وكانت للماليك قصور خاصه تختلف عن بيوت عامة الشعب وكان للسلطان زوجات من المماليك من

بنات األمراء ونواب السالطين. وكان بعض السالطين واألمراء يتخذون الغلمان الصباحمن المماليك للخدمة والمتعة، وهؤالء يسمون الجمدارية. وخالصة القول أنهم قدموا لألمة ولإلسالم أعظم خدمة

في المجال العسكري بانتصارهم على الصليبيين والتتار، لكنهم في مقابل ذلك حرموا األمة من غالب حقوقها وآثروا أنفسهم بجميع متع الحياة، واستقر لدى الكثير

منهم أن هذه المظالم ترفع عنهم بعمل الصدقات الجارية، وبناء المساجد والمستشفيات، فأكثروا من بناء

المساجد واألسبلة والتكايا حتى وإن كانت أموالها من حقوق الرعية، ولبناتها ورخامها من بعض الدور والقصور

التي يصادرونها، وهذا يفسر كثرة وجود المساجد التيتحمل أسماء سالطينهم في القاهرة إلى اليوم.

: العصريين هذين في الشعر أغراض أبرز نظرت إلى غالب الدراسات األدبية التي تناولت أدب

العصور التاريخية فرأيت أكثرها يجمع هذين العصرين في دراسة واحدة وبالتدقيق رأيت ذلك أدق وأحكم وذلك

ألسباب ثالثة : أن طبيعة الحكام في العصرين واحدة وهيأوال :

أنهم جميعا من األتراك. هو استغراقهم وتفوقهم في الجانبوثانيهما :

العسكري وعدم اهتمامهم بالجوانب األدبية والثقافية بالقدر الكافي نظرا لعجمتهم وعدم تذوقهم للشعر

واألدب خالفا لما رأينا عند الخلفاء العباسيين.

282


ما رأيناه من استقاللهم بحياتهم وعدموثالثهما : اندماجهم بأبناء شعوبهم والنظر إليهم باستعالء وعدم إشراكهم في أمور الحكم أو التمتع بالمناصب العليا،

واعتبار الرعية مصدر إنتاج إلسعادهم وما هم إال عبيدإحساناتهم في غالب األحيان.

وسنرى من خالل استعراض الشعر كيف استطاع الشعر أن يكون مرآة حقيقية لطبيعة الحياة في هذين

العصرين.

283


األولى الوحدةوالعثماني المملوكي العصر في الشعر

شعرهم وأغراض المملوكي العصر : شعراء أوال هـ648يطالعنا العصر المملوكي في بدايات سنة

على وجه الدقة في السابع والعشرين من شهر المحرم،بحدثين عظيمين، وجليلين ومتناقضين في وقت واحد.

الحدث األول هو انتصار المسلمين على الصليبين في معركة المنصور لقيادة المعظم تورانشاه بن الملك

الصالح نجم الدين أيوب وأسر ملك الصليبيين »لويس التاسع« في بيت ابن لقمان بالمنصورة والحدث اآلخر هو

قتل المعظم تورانشاه على يد كبار قادة المماليك من أمثال ركن الدين بيبرس وفارس الدين أقطاي وعز الدين أيبك، عندما أحسوا منه استعالء عليهم، وشعروا أنه يريد أن يقدم عليهم مماليكه الذين جاؤوا معه من حصن كيفا

في العراق. وهذا ما يفسر لنا قلة أو ندرة ما وصلنا من شعر يليق

بحدث عظيم مثل معركة المنصورة، فقد أطفأ مقتل السلطان، وهج الفرحة بالنصر، وأسكت ألسنة الشعراء

عن اإلشادة بالبطوالت الرائعة، والتضحيات الجسيمة وهي حالة سنرى مثيلها عند انتصار عين جالوت وقتل السلطان سيف الدين قطز في نفس الوقت، وبرغم وجود أسماء كبيرة لشعراء عظام في هذه اآلونة من

أمثال : شرف الدين األنصاري، الذي وقف شعره على ملوك األيوبيين والصاحب جمال الدين بن مطروح، الذي

بقي مصاحبا للملك الصالح نجم الدين أيوب إلى آخر لحظة من عمره، والصاحب بهاء الدين زهير أشهر شعراء

عصره، فإننا لم نسمع من أحد منهم ذكرا لهذه األحداثالعظام.

إال بعض أبيات للصاحب جمال الدين بن مطروح قالها على استحياء يرثى آخر ملوك األيوبيين وكأنما يرثي نفسه فمن هو الشاعر جمال الدين بن مطروح وما أهم أغراض

شعره :

284


مطروح بن الدين جمال الشاعر: ونسبه اسمه

هو الوزير جمال الدين يحي بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين بن علي ابن حمزة بن مطروح ويكنى أبا الحسين، وقيل أبا الحسن ولقبه الصاحب، وتصفه

المصادر والمراجع بالمصري أو الصعيدي. : ونشأته مولده

ولد ابن مطروح بمدينة أسيوط من صعيد مصر يوم هـ في عهد الملك592االثنين الثامن من رجب سنة

العزيز عثمان بن صالح الدين األيوبي، وبها قضى طفولته المبكرة، فتعلم بها قراءة القرآن والحديث والخط وجملة

من المعارف اإلسالمية والعربية، ثم انتقل إلى مدينة قوص ليكمل تعليمه بها، والمرجح أنه لم يذهب إلى

القاهرة إال في سن متقدمة، وكانت »قوص« عامرة بالعلم رائجة بالتجارة، نظرا لكونها تمثل ملتقى الحجاج من المغاربة والمصريين واإلسكندريين ومن يتصل بهم، وكان قريبا منها ميناء »عيذاب« الذي تجتمع فيه قوافل

الحجاج. وفي قوص التقى ابن مطروح بصديق عمره، ورفيق حياته، البهاء زهير

وضمهما معا بالط حاكمها األمير مجد الدين بن اللمطي، الذي كان نائبا للملك الكامل على قوص، ولم يكن ابن مطروح قد بلغ السابعة عشرة من

عمره ثم سافر إلى القاهرة وبدأ يطرق أبواب األمراء، وشاء الله له أن هـ، وكان يعمل نائبا ألبيه626يلتقي باألمير الصالح نجم الدين أيوب سنة

هـ وأخذ629الملك الكامل على مصر، ثم انتقل إلى نياية بالد الجزيرة سنة مات الملك الكامل،635معه ابن مطروح وبهاء الدين زهير، وفي سنة

وطمع الصالح نجم الدين أيوب في حكم مصر ووقع بينه وبين أخيه صراع انتهى باستيالء الملك الصالح على حكم مصر وبصحبته وزيره ابن مطروح،

وما أن ملك الصالح دمشق بعد مصر حتى سير إليها وزيره ابن مطروح هـ، وتوافد الشعراء على ابن مطروح643ليكون نائبا له على دمشق سنة

يمدحونه مثل الشاعر أبو الحسين الجزار، وظلت العالقة قائمة بين الشاعر وبين الملك الصالح رغم تغير الصالح عليه في أخريات حياته، وعندما مات

قام فخر الدين بن شيخ الشيوخ647الصالح في النصف من شعبان سنة بتدبير المملكة حتى قتل بطعنة في حربه مع الصليبيين في المنصورة وتولى

قيادة المعركة الملك المعظم »تورانشاه ابن الملك الصالح الذي لم يلبث هـ فقال ابن مطروح648 محرم سنة 29طويال حتى قتله مماليك أبيه في

يرثيه وكأنما كان يرثي نفسه أو يرثى غروب أيام عزه في صحية هؤالءالملوك العظام فيقول في رثاء المعظم تورنشاه.

يا بعيد الليل منسحره

خل ذا واندب معيملكا

دائما يبكي على قمرهولت الدنيا على أثرهبين باديه ومحتضره واستووا غدرا على

285


كانت الدنيا تطيب لناسلبته الملك أسرتهحسدوه حين فاتهم

سرره في الشباب الغض

(1)من عمره

.30، ص1989سنة ،1( ديوان الصاحب جمال الدين بن مطروح، دار الثقافة العربية طـ.(1

286

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب وأما األثر الوحيد الذي وجدناه يسجل النتصار المسلمين في المنصورة فهو أبيات للصاحب جمال الدين أيضا كتبها للمعظم تورانشاه عندما انتصر على جيش الفرنسيس واعتقل ملكهم في دار فخر الدين بن لقمان وقيده

بقيد من ذهب، ووكل به خادما يسمى صبيحا فقال : قل للفرنسيس إذا

اجئته آجرك الله على ما

جرى قد جئت مصرا تبتغى

ملكها فساقك الحين إلى

أدهم رحت وأصحابك

أودعتهم

مقال صدق من قئولفصيح

من قتل عباد يسوعالمسيح

تحسب أن الزمر ياطبل ريح

ضاق به عن ناظريكالفسيح

بقبح أفعالك بطنالضريح

خمسون ألفا ال يرىمنهم

فردك الله إلى مثلها إن كان باباكم بذا

راضيافاتخذوه كاهنا إنه

وقل لهم إن أضمرواعودة

دار ابن لقمان علىحالها

إال قتيل أو أسيرجريح

لعل عيسى منكميستريح

فرب غبن قد أتى منفصيح

أنصح من شق لكم أوسطح

ألخذ ثأر أو لقصدصحيح

والقيد باق(1)والطواشي صبيح

وبعد مقتل تورانشاه لزم الشاعر ابن مطروح بيته، معتزال الناس ولم يلبث سوى سبعة عشر شهرا حتى

هـ ـ تاركا رفيق649وافاه األجل في شهر شعبان سنة عمره بهاء الدين زهير ليكمل المشوار فمن هو بهاء الدين

زهير؟

.105ـ104( جمال الدين بن مطرح، ص(1

287


زهير الدين ( بهاء2): نسبه

هو صديق ابن مطروح وزميل دراسته ورفيق صباه فقد وفد البهاء زهير من مكة إلى )قوص( إحدى مدن

الصعيد ومسقط رأس ابن مطروح فتأكدت بينهما. (1)الروابط، وتوثقت الصالت حتى صارا كاألخوين

وبرغم أن البهاء زهير عاش بعد ابن مطروح قرابة الست سنوات فإننا لم نر له أثرا أو نسمع له صوتا خالل تلك األحداث العظيمة؛ ألن غرابة

األحداث وبشاعتها كانت جديرة بإلجام األلسنة، وتكميم األفواه، فضال عن استنكاف هؤالء الكبار من أن ينزلوا بمدائحهم ليغدقوها على أناس كانوا

باألمس عبيدا عند ملوك بني أيوب بينما هؤالء الشعراء كانوا مناومين ووزراء، ويدل على ذلك أن بهاء الدين زهير لم يجد له مكانا مناسبا في مصر بعد

موت الملك الصالح، بالرغم من محاولة »شجرة الدر« تقريبه إليها، وإعادته إلى منصبه فغادر مصر إلى الشام، حيث اتصل بصاحبه الناصر يوسف بن

العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صالح الدين األيوبي، ومدحه بقصيدة طويلة تفيض بالمودة وإظهار الوالء وإبداء التفاؤل الشديد، واألمل الكبير في أن

ينال عنده ما يؤمل من مكانة الئقة وحياة رغدة سعيدة؛ لكنه لم يجد لديه ماكان يؤمله برغم ما أبداه من تلطف واستعطاف بقوله :

ووالله إني في والئكمخلص

أجلك أن أنهي إليكشكايتي

ولوال أمور ليسيحسن ذكرها

تبشرني األمال منكبنظرة

شكوت وما الشكوىإليك مذلة

ووالله ما أحتاج أنيأحلف

فها أنا فيها مقدممتوقف

لكنت عن الشكوىأصد وأصرف

ترق لي الدنيا بهاوتزخرف

وإن كنت منها دائماأتأنف

.306، ص5( وفيان األعيان البن خلطان ج(1

288


والظاهر أن الشاعر لم يجد لدى الناصر ما كان يؤمله، فآثر أن ينقطع في داره بالقاهرة، يالزمه بؤسه الذي ألم

به في آخر عمره كما ألم بصديقه ورفيق عمره جمال الدين بن مطروح؛ لتنقضي صفحتهما مع العصر األيوبي،

وتطوي صفحة أعظم شاعرين مع بداية العصر المملوكي.: شعره أغراض

وشعر البهاء زهير قد تناول ما تناوله شعراء العربية من فنون الشعر كالمديح والرثاء، والهجاء والعتاب والغزل

والوصف والخمريات والفخر. وهو في تناوله لتلك األغراض ال يخرج عما ألفه

الشعراء منها ما في األساليب والمعاني واألخيلة والصور والمحسنات البديعية، لكن أخص ما يوصف به شعر البهاء زهير أنه شعر مصري، يحمل سمات الشخصية المصرية من حيث البساطة والعفوية والسهولة والرقة والسخرية

والظرف، حتى ال تكاد تفرق بين شعره وكالم الناس العادي، وأنت تستطيع أن تقرأ ديوان البهاء زهير من أوله

إلى آخره دون أن تحتاج إلى معجم يفسر لك األلفاظ الغريبة والمفردات النادرة أو الصعبة، فكأنه شعر كتب

اليوم برغم مرور أكثر من سبعة قرون على وفاة صاحبه هـ ـ وهو العام الذي سقطت فيه656الذي توفي سنة

بغداد في أيدي التتار. ومن مظاهر البساطة في شعر البهاء اقترابه

:من العامية المصرية الدارجة كقولهسيدي، قلبي عندك

سيدي، قل لي،وحدثني

أترى تذكر عهديأم ترى تحفظ ودي

قم بنا إن شئت عندي

سيدي، أوحشت عبدكمتى تنجز وعدك

مثلما أذكر عهدكمثل ما أحفظ ودك

أو أكن، إن شئت(1)عندك

.279( الحياة األدبية في عصر الحروب الصليبية أحمد بدوي ص (1

289


ويمتاز شعر البهاء زهير بجانب ما سبق بوحدة الموضوع في قصيدته حتى تبدو القصيدة لحمة واحدة، ال تجد فيها

استطرادا، أو فكرة نابية ونستطيع أن نرى الكثير من عادات العصر وتقاليده في شعر البهاء زهير حتى عادة

قراءة الكف وضرب الرمل، وقراءة الفنجان، التي شاعت بين العوام، وما تزال آثارها باقية في حياة العوام وأهل

الريف في بعض الدول العربية. يقول البهاء زهير في ذلك : تعلمت علم الرمل،

لما هجرتم فرغبني فيه بياض

وحمرة وقالوا : طريقا،

قلت : يا رب للقا

لعلي أرى فيه دليالعلى الوصل

عهدتهما في وجنةسلبت عقلي

وقالوا: اجتماعا، قلت،يا رب للشمل

ونستطيع أن نستنتج مما سبق أن أبرز أغراض الشعر عند البهاء زهير غرضان رئيسان هما الغزل ووصف مجالس المتعة واألنس باألصدقاء وبينهما غرض المديح ويالحظ غياب غرض الشكوى من الزمان، ألنه عاش حياة رغد وترف، وعندما احتاج إلى الشكوى، لم ينس أن يعبر عن ضيقه بهاء وتأففه

منها فقال في قصيدته التي يمدح بها الناصر األيوبي : شكوت وما الشكوى

إليك مذلة وإن كنت منها دائما

أتأنف

290


الجزار الحسن ( أبو3) ويشترك الشاعر أبو الحسين الجزار مع بهاء الدين

زهير في خاصتيه السهولة وبساطة التعبير وخفة الظل والروح المصرية وكذلك مع الشاعر جمال الدين بن

مطروح ومن ذلك قوله، يصف بعض أنواع المأكوالت في:(1)عصره فيقول

تالله ما لثم المراشفبألذ وقعا في حشا بالصوم واإلفالس

تبتحتام أمشي في طال

كال وال ضم المعاطف ي من الكنافة

والقطائف عن السالفة

والسوالف ب معيشتي والرزق

واقف

هـ(.679الفسطاط )وتوفي سنة بمدينة601( ولد الشاعر يحيى بن عبد العظيم أبو الحسن الجزار سنة (1

291

األدب مرآة في العرب حياةومنها كذلك قوله :

سقى الله أكنافالكنافة بالقطر

وتبا ألوقات المخللإنها

ولي زوجة إن تشتهيقاهريه

وجاد عليها سكرا دائمالدر

تمر بال نفع وتحسبمن عمري

أقول لها ما(1))القاهرية( في مصر

ومن فكاهاته التي تشف عن نزعته الساخرة المرحة قوله يصف دارا لهتهدمت :

ودار خراب بها قدنزلت

فال فرق ما بين أنيأكون

تساورها هفواتالنسيم

وأخشى بها أن أقيمالصالة

إذا ما قرأت إذازلزلت

ولكن نزلت إلىالسابعة

بها أو أكون علىالقارعة

فتصغي بال أذنسامعة

فتسجد حيطانهاالراكعة

خشيت بأن تقرأالواقعة

وإذا أردنا أن نحدد أبرز أغراض الشعر عند أبي الحسين الجزار فسنجد شعر الشكوى من الفقر ومن ألم الدهر ومن ضيق الحال، هو أبرز تلك األغراض ويأتي بعده

المديح الذي ال يخلو من خلطه بالشكوى دائما. وإذا كنا من خالل الحديث عن جمال الدين بن مطروح

والبهاء زهير وأبي الحسين الجزار قد وقفنا على غرض الغزل والشكوى، وأنبسطت أمام أعيننا صورة البيئة

المصرية من خالل شعر هؤالء الشعراء، فإننا سنلتقي اآلن بشاعر اشتهر بغرض شعري كان فيه علما بين

شعراء أدبنا العربي على مدى عصوره المختلفة وهو شعر المدائح النبوية إنه الشاعر البوصيري فمن هو هذا الشاعر

؟

( القاهرية نوع من الحلوى والتورية واضحة في البيت .(1

292


( البوصيري4): مولده

هو شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد البوصيري وبعض الباحثين يلقبه بالدالصي نسبة إلى قرية الدالص

التي استوطنها آباؤه، وقد يلقب بالدالصيري ـ والمشهور هو البوصيري نسبة إلى قرية »بوصير« وقد ولد سنة

هـ. 608 اشتهر بنظم المدائح النبوية، لكنه ليس من شعراء

التصوف المعروفين أمثال ابن الفارض وابن عربي وابن سبعين، وإنما هو أحد تالميذ أبي العباس المرسي كما

تتلمذ على الشيخ أبي الحسن الشاذلي. وأشهر قصائد المديح النبوي قصيدة البردة التي نالت شهرة واسعة في

العالم اإلسالمي، وكانت هي سبب معرفة الناس بالبوصيري وهي التي يبدأهاالبوصيري بقوله :

أمن تذكر جيران بذيسلم

أم هبت الريح منتلقاء كاظمة

مزجت دمعا جرى منمقلة بدم

وأومض البرق فيالظلماء من إضم

293


والقصيدة طويلة مكونة من مائة وستين بيتا، وتشتملعلى عشرة أقسام.

. 12 إلى 1القسم األول : النسب النبوي من .28 ـ 13القسم الثاني : التحذير من هوى النفس من

. 58 ـ 29القسم الثالث : مدح الرسول الكريم ه . 71 ـ 59القسم الرابع : التحدث عن مولده من

. 87 ـ 72القسم الخامس : التحدث عن معجزاته من ـ88القسم السادس : التحدث عن القرآن الكريم

104 . ـ105القسم السابع : التحدث عن اإلسراء والمعراج

117 . القسم الثامن : التحدث عن جهاد الرسول وغزواته

. 139 ـ 118. 151 ـ 140القسم التاسع : التوسل والتشفع

. 160 ـ 152القسم العاشر : المناجاة والتضرع وقد عرفت قصائد المدائح النبوية منذ عصر النبوة على لسان حسان بن ثابت وكعب بن زهير ـ لكنها استوت فنا أصيال وغرضا ثابتا على يد البوصيري،

بعد أن أضاف إلى البردة قصيدة الهمزية المشهورة التي يبدؤها بقوله : كيف ترقى رقيك

األنبياء لم يساووك في عالك

وقد

يا سماء ما طاولتهاسماء

حال سنا منك دونهموسناء

294


ونستطيع أن نرجع اتجاه البوصيري إلىالمدائح النبوية إلى أسباب منها:

طبيعة العصر الصليبي واستهداف اإلسالم عسكريا-1 وتنصيريا، ومحاولة النصارى الطعن في عقيدة اإلسالم

مما جعل البوصيري ينبري للرد عليهم. نزعة التدين لدى البوصيري وتكوينه النفسي الذي-2

يعتمد على رقة المشاعر ورهافة الحس. شيوع تيار التصوف وانتشاره حتى وصل إلى سالطين-3

المماليك أنفسهم، واالعتقاد في المقامات والرؤىواإللهام.

وبرغم اشتهار البوصيري بشعر المدائح النبوية فإن المدائح ال تمثل غالب شعر البوصيري وإنما هي غرض من مجموعة أغراض ونستطيع أن نقسم شعر البوصيري إلى

قسمين رئيسين. وقد سبق الحديث عنها. ـ المدائح النبوية :1 ويشمل المديح والهجاءـ الشعر االجتماعي :2

وشكوى الحال وهو في هذا النوع يمثل امتدادا للبهاء زهير وابن مطروح والجزار وسراج الوراق، في البساطة

والسهولة ـ وخفة الروح والميل إلى السخرية والدعابةوتمثيل الروح المصرية.

ومن أمثلة هذا القسم قصيدته في شكوى حاله وفقره وكثرة عياله : يا أيها المولي الوزير

الذي ومن له منزلة في

العالإليك نشكو حالنا إننا

في قلة نحن ولكن لنا وأقبل العيد وما

عندهم

أيامه طائعة آمره تكل عن أوصافها

الفكرة حاشاك من قوم أولى

عسرةعائلة في غاية الكثرة

قمح وال خبز والفطرة

295

األدب مرآة في العرب حياة ومن ذلك قصائده الكثيرة في نقد أحوال الموظفين وكشف انحرافهم

وتظاهرهم بالزهد والورع، وهم يقبلون الرشوة وغير ذلك فيقول : بلوت طوائفالمستخدمينا

فلم أر فيهمو أحداأمينا

296


وهي قصيدة طويلة أوردها ابن شاكر الكتبي في كتابه)فوات الوفيات( أبياتا منها وعقب عليها قائال :

»وهي قصيدة طويلة للغاية، وقد اختصرت من أبياتها كثيرا وله رائيةطويلة يحرض فيها أحد أمراء المماليك على هؤالء الموظفين فيقول :

فال تدن منهم واحدامنك ساعة

وبرد فؤادي بانتقامكمنهمو

ولو فاح من برويهمسك وعنبر

فقد كاد قلبي منهمويتفطر

297

األدب مرآة في العرب حياةوله في هجائهم والثورة عليهم قصيدة جمية أخرى يقول فيها :

أرى المستخدمينمشوا جميعا

معاشر لو ولوا جناتعدن

فما من بلدة إالومنهم

فلو كان النجوم لهارجوما

على غير الصراطالمستقيم

لصارت منهم نارالحميم

عليها كل شيطانرجيم

إذن خلت السماء من(1)النجوم

: شعره خصائص نستطيع أن نقسم شعر البوصيري من حيث

الصياغة إلى قسمين : قسم يعتمد السهولة والبساطة وعفوية التعبير حتى-1

يكاد يصل في سهولته إلى األسلوب العامي وهذايختص بشعره االجتماعي.

وقسم يعتمد على قوة الصياغة وجزالة األلفاظ والميل-2 إلى األسلوب البدوي الفخم، واالستمداد من المعجم

الشعري لعصور األدب القوية كالعصر اإلسالمي واألموي والعباسي وغيره، وهذا نجده في مدائحه

النبوية وحتى ال يظن أن أدب العصر المملوكي والعثماني كان يتجه كله إلى طريقة المدرسة المصرية التي يمثلها البر ياء زهير الذين تقدمت تراجمهم، فإننا

سنقدم صورة لمدرسة الشعر الرصين، الذي يمثل الشعر بصورته متمثال في الشاعر جمال الدين بن نباتة

وشاعرين من العصر العثماني وهما :حسن البدري الحجازي، والشاعر عبد الله الشبراوي.

لنكون قد أحطنا علما بحالة الشعر من خالل رموزه بنوعيه السهل والجزل، وبأغراضه المختلفة الدينية

واالجتماعية.

.186( ديوان البوصيري / تحقيق محمد سيد الكيالني ص (1

298


المصري نباتة ( ابن5): ونشأته مولده

هو أبو بكر جمال الدين محمد بن شمس الدين محمد بن شرف الدين محمد الجذامي الفارقي وهو عربي أصيل من قبيلة جذام، وكان أجداده يقيمون في بالد الشام لكن

والده نزح إلى مصر، وصار من علمائها وتوفي بها سنةهـ.730

وقد ولد جمال الدين بن نباتة بمنزل أسرته بمنشيةهـ.686المهراني بزقاق القناديل بالقاهرة سنة

كانت والدته في حياة والده وجده وكالهما من العلماء،وقد اهتما بتربيته وتعليمه.

: األدبية بداياته ويروي ابن بناته عن نفسه أنه دخل على العالم الجليل

تقي الدين بن دقيق العيد وهو يافع لم يتجاوز الرابعة عشرة قال ابن بناته : »فناولني ابن دقيق العيد جزءا من كتاب الذخيرة البن بسام، فنظرت فيه فاستغرقت، فجاء

أبي فلم أشعر بمجيئه، فتعجب من تمكين الشيخ إياي بالنظر في كتبه، قال ابن نباتة وتولعت بالنظم من ذلك

الحين «. فهو ينظم الشعر منذ وعي على الحياة : وهذا ال

يستغرب من شاب أتيحت له بيئة أدبية، ومكتبة عامرة،وعوامل وراثية كما أتيحت البن نباتة.

: وشيوخه أساتذته أتاحت صداقات والده لكبار علماء العصر وأدبائه فرصة سانحة لجمال الدين أن يلتقي بهؤالء األعالم

ويتتلمذ عليهم ومن هؤالء األعالم : القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، والشيخ بهاء الدين بن النحاس الحلبي،

واألمير شمس الدين بن الصاحب شرف الدين إسماعيل، والشيخ شهاب الدين المعروف بابن المفسر والشاعر

المعروف سراج الدين الوراق، والشاعر نصير الدينالحمامي.

: حياته يقسم الدكتور محمد زغلول سالم حياة ابن بناته إلى

مراحل ثالثة : المرحلتان األولى والثانية في مصر.

299


منوالثانية : من والدته إلى باكورة شبابه األولى :مرحلة الشباب إلى بلوغه الثالثين.

كهولته وهرمه وقضاها بالشام حتىوالمرحلة الثالثة :هـ. 786توفي سنة

ومن الباحثين من قسم مراحل حياته إلى ستة مراحل وهو الدكتور : عمر موسى باشا، وال نرى وجها للخالف

بين التقسيمين ألن األخير قسم كل مرحلة إلى قسمين، نظرا لتالحق األحداث، وتطور العطاء وما رزقه الشاعر

من طول العمر. : شعره أغراض أهم

ـ المديح : 1 وكانت أولى قصائده التي قالها مبكرا قصائد مدح في أساتذته ابن

الزملكاني، وابن صصري، وتقي الدين السبكي وابنه تاج الدين السبكي، وهؤالء كانوا في مصر في مراحل شبابه األولى، أما المرحلة الثانية التي

مدائحه في الشام ومنها مدحه في دمشق للكاتب ابن فضل الله العمري فيقصيدة طويلة مطلعها :

أندى البرية واألنواءما حلة

وأسبق الناسوالسادات تزدحم

300


وأكثر مدائحه وأشهرها مدائحه في الملك سيف الدولة األيوبي المعروف بالملك المؤيد أبي الغداء صاحب حماة، وهو من السالطين العلماء، الذين يتذوقون الشعر واألدب

وقد ظل وفيا للملك المؤيد طول حياته، فلما توفى ظلوفيا لولده الملك المنصور بعد وفاة والده.

ومن شعره يمدح الملك المنصور قوله : أغنيتني عن كل ذي

مال فلم أيام مالي غير قصدك

حيلة ال زلت مقصود الحمى

بقصائد

أفتح يدا لسوى نداكوال لها

تنجي وتنجع في(1)الورى نطالها

أصبحت عصمة أمرها(2)وثمالها

( فطال : جمع ناطل وهو عاصر الخمر .(1( ثمالها : غياثها .(2

301


ثم انتقل إلى مدح الملك األفضل بقصيدة جمع فيها بين الرثاء للمنصور والمدح لألفضل فجاءت من أعجب القصائد

حتى قال فيها النقاد إنها من عجائب الدهر. وقد استهلها بقوله :

هناء محا ذاك العزاءالمقدما

ثغور ابتسام في ثغورمدامع

نرد مجاري الدمعوالبشر واضح

فما عبس المحزونحتى تبسما

شبيهان ال يمتاز ذوالسبق منهما

كوابل غيث في ضحىالشمس قد همي

302

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب 768 وتنتهي سنة 762وفي المرحلة السادسة من حياته وهي التي تبدأ،

بوفاته، أكثر الشاعر من مدح السلطان الناصر حسن ألنه حقق له حلم العودة إلى وطنه مصر بعد هذا الغياب الطويل، وزيادة على ذلك فإن الناصر

حسن هو من نصب ابن بناته أمير شعراء المشرق، بل أمير شعراء العربجميعا ومن شعره يمدح الملك الناصر حسن قوله :

يا أيها الناصرالسلطان ال غمضت أمرت شعري يا خير

الملوك على

عين لها عن سنامرآك سلوان

أشعار قوم فلى أمروديوان

303


ـ الرثاء :2 الرثاء غرض إنساني أصيل ال يخلو منه عصر من

عصور األدب، وتتسع مساحته في حياة الشعراء أو تضيق تبعا للظروف الخاصة لحياة كل شاعر، وقد رأينا كيف برع

، ولك أنابن الرومي في فن الرثاء عندما كان يرثي ولده تتصور كيف يكون الرثاء حرارة وصدقا إن كان المفقود ليس ولدا واحدا وإنما

ستة عشر ولدا، ودعهم الشاعر جمال الدين بن نباتة ووسدهم التراب على مدى حياته، وأمر آخر كان له أكبر األثر في إضفاء مسحة الحزن على حياة

ابن نباتة رغم ما كان يتقلب فيه من رغد في العيش بسبب قربه من سالطين عصره، وهو وفاة الملك المؤيد، وكان الشاعر صادق الوالء له،

شديد التعلق به، فلما مات رثاه رثاء حارا كقوله : نعى المؤيد ناعيه فيا

أسفي واروعتا لصباح عند

رؤيته واحسرتاه لنظمي

في مدائحه أذيل ماء جفوني بعده

أسفا جار من الدمع ال ينفك

يطلقه كيف السلو وعندي

من صنائعه

للغيث كيف غدت عناغواديه

أظن أن صباح الحشرثانيه

كيف استحال لنظميفي مراثيه

لماء وجهي الذي قدكان يحميه

من كان يطلقباإلنعام جاريه

ما يمنع الصخر منأدنى تسليه

304

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدبويقول في رثاء ولده عبد الرحيم :

يا لهف قلبي علىعبد الرحيم ويا

في شهر كانون وافاهالحمام لقد

شوقي إليه وياشجوي ويا دائي أحرقت بالنار ياكانون أحشائي

305


ـ الغزل :3 وهو غرض قديم رأيناه في العصر الجاهلي في مقدمة

القصائد وكذلك كان في صدر اإلسالم لكنه تحول في العصر األموي إلى غرض مستقل له شعراؤه وأعالمه، سواء منه الغزل الحضري الحسي ـ أو الغزل البدوي العفيف، الذي عرف بالغزل العدري ورأينا كيف خفت

التيار العذري وأفسح المجال للغزل الحضري إال هامشاصغيرا مثله عباس بن األحنف وآخرين.

أما في هذا العصر فقد اتسع نطاق الغزل وتعددت ألوانه وغلب عليه وصف المجالس، والشراب والغناء، ودخل فيه نوع لم يعرف إال في العصر العباسي على يدي أبي نواس وهو الغزل بالمذكر أما الغزل عند ابن نباتة

فقد جمع بين منهج األقدمين في الوقوف باألطالل وبكاء الديار، وبين الجديد الذي نهج فيه نهج أبي نواس بالحديث عن الخمر ولذاتها وأثرها في العقول

والقلوب ويكثر من التحسر على مشيبه، وفراق حبيبه، ويحمل البرقوالنسيم أشواقه إلى أحبابه، ويتحدث عن ذكرياته وأيام صباه فيقول:

أذكى سنا البرق فيأحشائه لهبا

واستخرج الحب كنزامن محاجره

يا ساري البرق فيآفاق مصر لقد

وجاذبته يد األشواقفانجذبا

فقام يبكي علىأحبابه ذهبا

أذكرتني من زمانالنيل ما عذبا

306


وغالب شعره الغزلي مقطعات وهي تمثل أكثر منثلث ديوانه.

والبن نباتة بجانب المدح والرثاء والغزل قصائد في وصف الخمرو الشراب ومجالس الغناء، وهي عادة

موصولة بموضوع الغزل، وبجانب الخمريات والغنائيات، نالحظ البن نباتة فنا جديدا من الشعر هو الموشحات، وقد

استخدمها ابن نباتة في غزلياته ومدائحه. : نباتة ابن شعر خصائص

إذا كان الصاحب جمال بن مطروح وبهاء الدين زهير، وأبو حسين الجزار، وسراج الدين الوراق يمثلون مدرسة السهولة العفوية والبساطة في التعبير حتى تصل األلفاظ

إلى العامية أو ما يقرب منها، فإن شعر ابن نباتة يمثل لونا مختلفا، فهو يجمع بين البساطة والسهولة وبين

الجزالة والفصاحة في كثير من أحيانه، إلى استعمالالبديع بصورة واضحة تصل إلى التكلف أحيانا.

وأكثر ما يستعمله ابن نباتة من البديع »التورية«و»التضمين« واالقتباس.

ونستطيع أن نجمل خصائص شعر ابن نباتةفي اآلتي :

تتجلى في شعره طبيعة الثقافة الدينية الواسعة من-1خالل تضمين شعره لآليات القرآنية واألحاديث النبوية.

استخدامه للمصطلحات النحوية والعروضية. -2استخدام المصطلحات الشيعية والصوفية والفلسفية. -3استخدام الصور واألخيلة التقليدية. -4 استخدام التورية والتضمين واإلشارة والرمز بصورة-5

واضحة. : األدبية نباتة ابن منزلة

بلغ ابن نباتة في الشعر منزلة جعلت السلطان الناصر حسن يمنحه لقب »أمير شعراء العصر« وأمر أن ينسخ ديوانه ويوزع على الناس كما رأى فيه من متعة ومقدرة

فنية. وقال عنه معاصره اإلمام تاج الدين السبكي : »هو حامل لواء الشعراء في زمانه، ما رأينا أشعر منه، وال

أحسن نثرا، وال أبدع خطا. . « وقال ابن رافع : »حدثوبرع في األدب «.

307


وقال ابن كثير : »كان حامل لواء الشعر في زمانه،وله تصانيف رائقة«.

وقال الشوكاني : »الشاعر المشهور المجيد المبدع الفائق في جميع أنواع النظم ألهل عصره ولمن جاء

بعدهم، بل والكثير ممن كان قبله ... وديوان شعره كله غرر، وهو موجود بأيدي الناس، وهو أشعر المتأخرين على

. (1)اإلطالق فيما اعتقد وال سيما في الغزليات «

: وفاته توفي الشاعر جمال الدين بن نباتة في منزله بزقاق

هـ،768القناديل يوم الثالثاء السابع من شهر صفر سنة بعد فترة مرض قضاها يعالج في المارستان المنصوري

بمصر بعد عمر جاوز الثمانين عاما. وهكذا كان ابن نباتة يمثل لنا الجانب الموسوعي

المعتمد على استعمال البديع والتفنن في تطويع تلك الفنون للشعر بصورة عفوية كما يمثل لنا المستوى

الجامع يبن سهولة األلفاظ وبساطة التعبير الذي لمسناه،لدى زهير والجزار وابن مطروح وغيره.

وبين الجزالة والفصاحة التي يمثلها القاضي الفاضلوصفي الدين الحلي وغيرهم.

.252 ص 2( البدر الطالع ـ محمد بن علي الشوكاني جـ(1

308


العثماني العصر في : الشعر ثانيا لما كان العصر العثماني يمثل امتدادا طبيعيا للعصر

المملوكي فإننا سنجد أن مالمح األدب لم تتغير كثيرا إال بمقدار ما طرأ علي البيئة األدبية من نضوب وجفاف، وما

غرقت فيه من ظالم وجهاالت، وبدع وخرافات مما نزلبمستوى األدب والشعر في األلفاظ والمعاني.

وأعظم من أرخ لهذه الفترة من تاريخ الدولة العثمانية هو المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي ومن شعراء

هذا العصر الشيخ حسن البدري الحجاز والشيخ عبد الغني النابلسي، والشيخ مصطفى الدمياطي، وابن رضوان

السيوطي، والشيخ عبد الله اإلدكاوي. والشاعر عبد اللهالشبراوى.

: الفنية وأغراضه الشعر أعالم أبرز من يستعرض حالة الشعر في العصر العثماني يرى

فارقا كبيرا بين شعر العصور المتقدمة، وبين الشعر العثماني، فقد شغل الشعراء واألدباء بالبحث عن لقمة

العيش بعد أن أدركوا أنها لن تأتي من خالل بالط الخلفاء أو موائد األمراء، فالخلفاء مشغولون بالمعارك العسكرية

مع أوربا الصليبية أو الفتوحات التوسعية مع العالم العربي، فضال عن كونهم أعاجم ال يتذوقون الشعر

واألدب، ولهذا فقد رأينا منابع الشعر واألدب يسيطر عليها حالة من الجفاف والسطحية والضحالة وغلبة العامية،

ومع ذلك فقد ظهرت ومضات في هذا العصر فيها بقيةمن نضارة، ومسحة من اإلبداع.

وسنكتفي بالتعريف بشاعرين من العصرالعثماني هما :

ـ حسن البدري الحجازي. 1 ـ عبد الله الشبراوي. 2

309


الحجازي البدري حسن ( الشاعر 6 )يقول الجبرتي في ترجمته :

»كان عالما فصيحا مفوها متكلما منتقدا على أهل عصره وأبناء مصره، ويقول: »كان مالزما لقراءة كتب

الصحاح الستة، البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة،والنسائي وأبى داوود وجامع الترمذي.

وقد انتفع الشيخ حسن البدري بهذه البيئة المشجعة على طلب العلم فتفتحت مواهبه في سن مبكرة، وغنى

بنظم كثير من المتون العلمية. : شعره

يصف الجبرتي شعره فيقول : »له في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة، على غيره رفيعة، وقلما تجد في

شعره حشوا، وتكملة وله أرجوزة في التصوف في نحو1500 بيت على طريقة الصادح والباغم ضمنها أمثاال

ونوادر وحكايات. وله ديوان شعر رتبه على حروف المعجم سماه »تنبيه

األفكار للنافع الضار، وإجماع اإلياس من الوثوق بالناس .»

وقد أكثر الجبرتي النقل عنه واالستشهاد بشعره في غالب أحداثه، مما يشهد بأن الشيخ حسن البدري كان شاعر زمانه، وواحد عصره، بدليل قبول الناس بشعره وذيوع ذلك الشعر في وقته، رغم قلة الصحف، وتواضع

إمكانيات الطباعة. ومن يقرأ أشعار الشيخ يستطيع أن يقف على أبرز

حوادث زمانه، ويدرك مدى اإليجابية التي يتمتع بهابمشاركته في متابعة األحداث.

ومن أمثلة ذلك : قوله بعد قتل يهودي حاول النصب واالحتيال على المصريين ليأخذ أموالهم : وكان يعمل ملتزما ببيت المال في دولة على باشا

المنفصل، والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد فكتب حسن البدريالحجازي يقول :

310


بمصر حل يهوديفظ غليظ عنيفلعشر صوم أتانا

والناس تشتد سعياومعه أمر وفيه

من أن دينار مصروالقرش يبدل نقش

ليأخذ المال قهرافحين قص عليهم

أخفى عليه اإللهسوء كريه لقاه

له جواد عالهأمامه ووراه

ما قاده لرداهيغيرون حاله

فيه بنقش سواهبالنقص مما حواه

ما قص قصوا قفاه

311


وينهي قصيدته بجملة تؤرخ لمقتله على طريقة حساب الجمل وهي طريقة تقوم على اختيار الشاعر لمجموعة

حروف لكل حرف رمز إلى رقم، مجموعها يعطي التاريخ:المطلوب

قد ذاق ما قد جناهوموته أرخوه

312

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب وكان من عادتهم أيضا أن يضمنوا أسماءهم في بيت شعر في أخر

القصيدة فيما يشبه التوقيع، فيقول مثال في آخر القصيدة :إلى الحجاز انتماهوقال ذا حسن من

313


وفي واقعة أخرى يسجلها الشاعر حسن البدري بقلمه عندما اجتمع الناس حول رجل يدعى الوالية، واختلط

الرجال بالنساء وأقبل الناس عليه من كل جهة، وحصلبسببه فساد كبير فقامت عليه العسكر وقتلوه.

وفي ذلك يقول الشيخ حسن الحجازي :جاء دجال بمصرهرع الناس إليهوعليه قد أكبواجاءه أهل نفاق

عقدوا مجلس ذكرونساء مع رجالطول ليل ونهارسلط الله عليهقتلوه مع ثالث

وادعى ما يدعيهمن وضيع ووجيه

يرتجون الخير فيهوقفوا مما يليه

بينما رقص وتيهجالسات بالبديه

أجل فسق تبتغيهبعد هذا حاكميهبحسام صالتيه

314

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدبثم يؤرخ لقتله كعادته بروف يعطى مجموعها سنة قتله وهي قوله :

قتل الشر لديهقتله قد أرخوه

315


ثم يضمن اسمه بيت شعر في صورة تشبه التوقيع فيأيامنا بقوله :

حسن فانظر إليهقاله البدر الحجازي

وعندما يتوقف النيل عن الزيادة ويضج الناس بالدعاء واالبتهال ويخرجون لصالة االستسقاء فيستجيب الله لهم

(1)ويفيض النيل يسجل الشيخ حسن البدري ذلك الحدثفيقول :

النيل في مصر وافيفي مصر قد أرخوه

في توت جاديوعاشر

لله جبر الخواطر

م .1704سبتمبر سنة 19 ق الموافق 1421( كان ذلك في شهر توت في الحادي عشر سنة (1

316

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب وله أشعار كثيرة قليلها فصيح جزيل وكثيرها ردئ هزيل ومن كثيره ما

قدمنا من أمثلة ومن قليلة الجيد قوله ناصحا: كن جار كلب وجار

رة اجتنب الش ما جار كلب شكا يوما

بوائقه وجانب الدار إنضاقت مرافقها

ولو أخا لك من أميرى وأب

إذا شكا غيره منوصمة الوصب

والمرأة السوء لومعروفة النسب

وقوله أيضا : وسبعة إن هواها

الشخص ساد على علم وحلم وبذل مع

شجاعته

جميع أقرانه من غيرما ريب

والنصح والنسبالزاكي مع األدب

: شعره أغراض يغلب على شعره النصح واإلرشاد فهو أقرب إلى أن

يكون مصلحا اجتماعيا أو واعظا إسالميا منه إلى الشعر، ولعل ذلك راجع إلى طبيعة تربيته األولى، التي طبعته

يطابع الجد واالستقامة وااللتزام بأدب اإلسالم وأخالقه. فشعره كله قائم على النقد وهو نقد يشوبه كثير من

الذم لسلوك الناس، كما يغلب على شعر الشاعر التحذير من األقارب، والثقة فيهم أو الركون إليهم، فهم في نظره

طماعون، حاقدون، ال يقتربون منه إال لمغنم ينشدونه،وأنهم يتمنون موته ليرثوه.

وهو كثير الذم للصوفية أو من يسميهم العوام باألولياء أو المجذوبين وينكر عليهم طقوسهم ومالبسهم وهيئاتهم،

ولكنه مع ذلك لم يكن صاحب مدرسة دعوية أو اتجاهإصالحي معروف وإنما اكتفى بتوجيه النقد فقط.

:وفاته توفي الشيخ حسن البدري الحجازي األزهري سنة

هـ - رحمه الله،1130إحدى وثالثين ومائة وألف سنة م. 718 نوفمبر سنة 24الموافق

317


( هـ1171 ـ هـ1092) الشبراوي الله عبد ( الشيخ7): ونشأته مولده

هو اإلمام الفقيه المحدث المتكلم األديب الشاعر عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي، ولد سنة

هـ ونشأ في بيت علم وأدب، وقد انتهت إليه رئاسة1092 المذهب الشافعي في حياة كبار العلماء الذين حضر

عليهم كان صاحب جاه ومنزلة لدى أمراء الدولة وعظمائها وكانت له دار عظيمة عامرة ببركة األزبكية

قرب الجهة التي يقال لها الرويعي، وله مجموعة كتب في »كتاب مفتاح األلطاف في مدائح العلوم الشرعية منها :

األشراف « ومنها »شرح الصدر في غزوة بدر«.

: شعره له ديوان شعر يحتوي غالب أشعاره وغالبه من الشعر االجتماعي وله

أبيات مشهورة تجرى على ألسنة الناس، كما أن أشعار المناسبات االجتماعية تمثل جانبا كبيرا منه، وخاصة شعر المجامالت واإلخوانيات ومن

هذا النوع قوله، يدعو المولي عبد الغفور أفندي نائب عبد الله باشا الكبوريوالي مصر إلى زيارته فيقول :

محبك يا شقيق الروحيرجو

وينهى أنه لك ذواشتياق

ويأمل منك في ذااليوم تأتي

فإن تك قد أخذتاليوم إذنا

فخير البر عاجله وإال وإن الحب يستر كل

عيبوإن الله موالنا غفور

مجيئك للتأنسوالسرور

تضيق له فسيحاتالسطور

وتنعم بالجلوس أوالمرور

من المولي الوزيرابن الوزير

فخذ إذنا وعجلبالحضور

خصوصا وهو من خلستور

وأنت كما ترى عبد(1)الغفور

.248 ص1( عجائب اآلثار في التراجم واألخبار ـ عبد الرحمن الجبرتي جـ(1

318

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب وواضح ما في هذه المقطوعة من سهولة وعفوية تصل بها إلى مستوى العامية، وهذه المدرسة تمثل امتدادا المدرسة البهاء زهير التي ألمحنا إليها

في بداية حديثنا عن الشعر في العصر المملوكي، كما نالحظ تضمين المقطوعة لبعض المأثورات الشعبية من مثل قوله : »خير البر عاجلة «وقصيدة الشبراوي في الشوق إلى مصر تؤكد نفس االتجاه وفيها يقول :

أعد ذكر مصر إنقلبي مولع

وكرر على سمعيأحاديث نيلها

بالد بها مد السماحجناحه

رويدا إذا حدثتني عنربوعها

إذا صاح شحرور علىغصن بانة

عسى نحوها يلوىالزمان مطيتي

لقد كان لي فيهامعاهد لذة

بمصر وهل لي أن ترىمقلتي مصر

فقد ردت األمواجسائله نهرا

وأظهر فيها المجدآيته الكبرى

فتطويل أخبار الهوىلذة أخرى

تذكرت فيها اللحظمرا والصعدة الس

وأشهد بعد الكسر مننيلها جبرا

تقضت وأبقت بعدهاأنفسا حسرى

319


وبجانب شعر اإلخوانيات، والتشوق والغزل بأن للشيخ عبد الله الشبراوي قصائد في المديح تعد من غرر

قصائده، ومن هذه القصائد قصيدته في مدح الوزير عبد:الله الكبوري يقول الشبراوي في مدح الكبوري

سليل المكرمات ابنالكبوري

أقام العدل في مصروأحيا

وإن لمعت صواريهبأرض

وإن حادثته في العلمتلقى

وإن ساومته شعرافحدث

كريم الطبع واألصلالشهير

معالمه بها بعد الدثور تسارعت العصاة إلى

القبور بحورا موجها در

النحور عن ابن أبي ربيعة أو

جرير

320


يقول د. شوفي ضيف معلقا على هذا الشعر: »وواضح أن صياغة الشبراوي جيدة وفي شعره وشعر

أمثاله ما يدل على أن الشعر في العصر العثماني كانت. (1)فيه بقية من حيوية وحياة «

وقد استقر لدى النقاد والدارسين أن العصر العثماني لم يكن عصر ازدهار وتطور في مجاالت الشعر واألدب،

وذلك صحيح إلى حد بعيد، لكن المتأمل في ثقافة هذا العصر والمطلع على دقائقه، يستطيع أن يلمس نماذج

فصيحة وجزلة من شعراء مجهولين لم تساعدهم ظروف العصر على اشتهار شعرهم أو نشره نظرا لعدم وجود

وسائل الطباعة والنشر، وعدم اشتهارهم كشعراء، وغالب هؤالء الشعراء كانوا من علماء األزهر وطالبه وربما اكتفى

بعضهم بإلقائه في مناسبات دينية أو اجتماعية، وتركه أوراقا مبعثرة أو دواوين مخطوطة ثم مات وتركها نهبا

للضياع.

.219 ص2( عصر الدول واإلمارات ـ مصر ـ وشوقي ضيف ، دار المعارف ط (1

321


والعثماني المملوكي العصر في الشعر خصائص نستطيع أن نقسم الشعر في العصرين

المملوكي والعثماني إلى ثالثة مدارس :األولى : يتزعمها بهاء الدين زهير.

والثانية : يتزعمها شرف الدين األنصاري. والثالثة : ينزعها جمال الدين بن نباتة.

: األولى المدرسة خصائصسهولة األلفاظ ووضوحها واقترابها من العامية. -1 الواقعية واالمتزاج بالروح المصرية وتضمين القصائد-2

كثيرا من األمثال والتعبيرات الدارجة. غلبة روح السخرية والفكاهة ووصف مجالس-3

والشراب والغناء. : الثانية المدرسة خصائص

من يتأمل شعر القاضي شرف الدين عبد العزيز األنصاري يقف على بعض الخصائص

منها : ما يمكن تسميته بمذهب اإلنسجام في الشعر-1

ويظهر في ثالثة أمور. االنسجام في المبنى فيحسن اختيار الحروفا-

واأللفاظ والتراكيب. االنسجام في المعنى : ويظهر في حسن اختيارهب-

والمواءمة بينه وبين العاطفة. انسجام في المنهج الشعري من حيث االلتزامج-

باألوزان والقوافي ـ والجمع بين غرضين متباينين وهما الغزل والزهد، واستخدام التورية العامة

باإلضافة إلى التورية الخاصة. وقد أعجب صالح الدين الصفدي بعبقرية األنصاري

وبمذهبه الشعري.خصائص المدرسة الثالثة :

ـ العناية بالبديع وبراعة استخدامه وخاصة التورية1والطباق.

ـ جزالة األلفاظ وقوتها. 2 ـ اتباع أساليب القدماء في استعمال الصور والخيال.3

322

323والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب

األدب مرآة في العرب حياة 324


الثانية الوحدةوالعثماني المملوكي العصر في النثر

رأينا في العصور السابقة كيف أخذ النثر األدبي في التطور والوضوح واالزدهار فمنذ أواخر العصر األموي رأينا أسماء تسطع في سماء الكتابة األدبية أمثال، عبد الحميد

بن يحيى الكاتب، وعبد الله بن المقفع وأبان الالصقي وآخرين ومع دخول العصر العباسي كان النثر األدبي قد

وضحت مالمحة وظهرت معالمه وصار له رجاله وكاتبوه. ورأينا كيف تفوق فن الكتابة حتى حل تدريجيا محل

منزلة الخطابة ارتفعت منزلة الكتاب فصار وزراء وندماء مجالسين للخلفاء والسالطين، كما رأينا في العصر

العباسي أن الكتاب أصبحوا يمثلوا طبقات أربعة لكل طبقة خصائصها وطريقة أدائها ورأينا كيف تعددت فنون

النثر ما بين خطابة وكتابة ومقامات وتوقيعات. وإذا كان كثير من الباحثين قد اصطلحوا على تقسيم

عصور األدب تقسيما تاريخيا بالسنين فإن الدراسة المنصفة والمتأنية توقفنا على أن الفصل بين العصور

األدبية ال يصلح فيه هذا التقسيم الحسابي الدقيق، ألن كثيرا من األدباء والكتاب قد يولدون في عصر وينتجون

في العصر الذي يليه كابن المقفع الذي عاش عشر سنوات في العصر العباس أبدع خاللها أعظم أعماله

وبرغم ذلك فإن الدارسين يصنفونه كاتبا أمويا، واألمر كذلك مع آخرين في العصر العباسي، والعصر المملوكي، وألن الفترة التي استغرقها العصر العباسي األول والثاني

132قد امتدت إلى ما يزيد عن خمسمائة عام من عام ) ( وامتدت مكانيا حتى شملت العالم اإلسالمي كله،656ـ

فإن التنوع والخصوبة والتطور، واالزدهار كان البد أن يحدث وهو ما رأيناه من أسماء طبقات الكتاب األربعة،

التي المحنا إليها في بداية العصر العباسي.

325


بداية بابن المقفع ومرورا بالجاحظ والتوحيدي، وابن قتيبة وابن العميد والصاحب بن عباد، وبديع الزمان

الهمداني والخوارزمي ووصوال إلى القاضي الفاضل، وابن األثير، والعماد األصفهاني الذين طلعوا نحو ما زاهرة في

سماء العصر األيوبي الذي يصنفه النقاد ضمن العصر العباسي الثاني زمانيا ومن يدقق النظر يالحظ أن كثيرا

من كتاب العصر األيوبي هم نجوم العصر المملوكي. والنثر في العصر المملوكي والعثماني ينقسم إلى

نوعين. أوال : النثر التأليفي.

ثانيا : النثر اإلبداعي. وسنلقى الضوء على كال النوعين بشيء من اإليجاز.

326

والعثماني المملوكي العصر في العربي األدب التأليفي : النثر أوال

ال نبالغ إذا قلنا إن العصر المملوكي كان أزهى عصورنا األدبية في إنتاج الموسوعات العلمية واألدبية والشرعية

والتاريخية وذلك راجع إلى سببين : هجوم التتار الهمجي على العالم اإلسالميأولهما :

وإحراقه لمكتبة بغداد، وإلقائها في نهر دجلة مما حفز همم العلماء والكتاب لكتابة تلك الموسوعات مدفوعين برغبة عارمة إلى ضرورة إثبات التراث وجمعه وحفظه،

وتعويض األمة ما احترق منه على يد التتار. رغبة العلماء فيما ادخره الله لهموالسبب الثاني :

من أجر، واستشعارهم أنهم يؤدون واجبا دينيا ال يقل عن أرفع مقامات الجهاد في سبيل الله، ولك أن تتصور عصرا ضم هذه القائمة من األسماء الخالدة والرائدة كيف يكون

مستواه، ومن هذه األسماء ما يلي : اإلمام العز بن عبد السالم، واإلمام النووي واإلمام ابن تيمية واإلمام السبكي واإلمام ابن القيم واإلمام ابن كثير،

واإلمام الذهبي، واإلمام ابن حجر العسقالني واإلمام السيوطي، كل هؤالء في مجال العلوم الشرعية يضاف

إليهم أدباء مثل :

327


القاضي الفاضل ـ وابن األثير ـ والعماد األصفهاني ـ ومحيي الدين ابن عبد الظاهر ـ وشهاب الدين محمود، وفخر الدين بن لقمان، وولي الدين بن خلدون وياقوت

الحموي، وابن حجة الحموي ـ والقلقشندي ـ وغيرهم كثيرون، وفي مجال اللغة وعلومها نجد اإلمام ابن مالك،

وابن عقيل في النحو واإلمام ابن منظور صاحب لسان العرب، وغيرهم وغيرهم فإذا أضفنا إلى هؤالء اإلمام

شهاب الدين النوبري صاحب موسوعة : نهاية األرب في مجلدا، واإلمام تقي الدين33فنون األدب في أكثر من

أحمد بن علي المقريزي وموسوعته التاريخية السلوك لمعرفة دول الملوك في اثني عشر مجلدا، وفي التاريخ

أيضا كتاب المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، وكتاب النجوم الزاهرة في أخبار مصر وملوك القاهرة

وكالهما للمؤرخ المصري، أبو المحاسن جمال الدين ابن تغري بردي وأصله من المماليك، وكتاب عقد الجمان في

تواريخ أهل الزمان لإلمام العيني، وعشرات الكتب الموسوعية التي رصدت تاريخ األمة العربية واإلسالمية

يوما بيوم كأنك ترى وتسمع، وهذه أمثلة سريعة لما أنتجه هذا العصر من المعارف والعلوم، والموسوعات التاريخية

والعلمية. إن عصرا ضم في جنباته هؤالء األعالم وتزينت صفحاته

بهؤالء األفذاذ الكرام لجدير بأن يوصف بالقوة واالزدهاربدال من أن يوصف بالضعف واالنهيار فإذا أضفنا.

إلى هذا الزخم الرائع من الكتب والموسوعات ما خطته أقالم أدباء هذا العصر من الرسائل األدبية،

والكتابات الديوانية والخطب المنبرية، فإننا نكون إمام عصر متفرد في عطائه وثرائه وقوته على األقل في نصفه المملوكي ال العثماني وهذا ما سنراه في النوع

الثاني من النثر.

328


( اإليداعي ) أو األدبي : النثر ثانيا إذا ذكر النثر األدبي في العصر المملوكي برزت أمام

أعيننا بقوة شخصيتين بارزتين إحداهما مصرية وهو الكاتب األديب الشاعر محي الدين عبد الله بن عبد

الظاهر والشخصية الثانية شامية وهي لألديب الكاتب الشاعر شهاب الدين محمود الحلبي صاحب ديوان

اإلنشاء. والنثر األدبي نوعان : خطابة وكتابه،

وسنعرف بالنوعين فيما يلي : : الخطابة أوال

الخطابة فن أدبي شفوي راق يعتمد على االرتجال وحسن التصوير، وسالمة المنطق، وعمومية المناسبة

والموضوع، وقوة التعبير عن المعاني مع ترتيبها، مقرونة بأدلتها لتكون مؤثرة ومقنعة، ومن هنا فإننا نرى أن

الخطيب ينبغي أن يكون محيطا بموضوعه مقتنعا به، خبيرا بنفوس سامعيه، حتى يضرب لهم على الوتر الحساس،

وبذلك يملك زمامهم ويؤثر فيهم. أنواع الخطابة :

تتنوع الخطابة تبعا لموضوعاتها ومناسباتها إلى ثالثةأنواع :

ـ خطب سياسية. 1 ـ خطب اجتماعية. 2 ـ خطب دينية. 3

329


السياسية الخطب تزدهر الخطابة السياسية عند وجود دواعيها واألسباب

المؤدية إليها، ومن هذه األسباب والدواعي :انفتاح األجواء السياسية وإتاحة الفرصة للمنافسة

وتعدد وجهات النظر، دون مصادرة آلراء اآلخرين. اإليمان بمبدأ التداول السلمي للسلطة والوعي

بأساليب الممارسة السياسية بعيدا عن االستبدادوالتسلط واالنفراد باألمر.

اإليمان بأن مسئولية الحكم مغرم ال مغنم، وأن الحاكم ال يتميز عن بقية الرعية إال بما يحمل من

مسئولية وله الحق في أن يعان عليها بالسمعوالطاعة، للوصول إلى الصالح العام.

والخطب السياسية بهذا المعنى لم تعرف وتزدهر بقوةإال في صدر اإلسالم.

وفي العصر األموي وبقية من العصر العباسي خاصة عند قيام دول وإمارات خالل العصر العباسي كالدولة الطولونية واإلخشيدية والفاطمية، واأليوبية في مصر. والدولة الحمدانية في حلب والدولة الغزنوية في غزنة بأفغانستان، والسالجقة والزنكيين وغيرهم، وال شك أن

هذه التغيرات المتالحقة صحبتها حركة تمهيد، ودعوةإلظهار جدارة هؤالء القادة بهذه البالد.

ومن الخطب السياسية التي عرفت في هذا العصر خطب الخليفة العباسي بمناسبة توليه الخالفة في مصر

وإليك نموذجا من هذه الخطب :

330


خطبة الخليفة العباسي الحاكم بأمر اللهالعباسي :

محرم9وقد خطب الخليفة هذه الخطبة المنبرية يوم هـ غداة مبايعته بالخالفة ومبايعة السلطان661سنة

الظاهر بالسلطنة وفيها يقول : »الحمد لله الذي أقام آلل العباس ركنا وظهيرا، وجعل لهم من لدنه سلطانا نصيرا، أحمد على السراء والضراء، وأستعينه على شكر ما أسبغ من النعماء، وأستنصره على األعداء، وأشهد أن ال إله إال

ملسو هيلع هللا ىلصالله وحده ال شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، نجوم االهتداء، دائمة االقتداء األربعة

الخلفاء، وعلى العباس عمه، وكاشف غمه، وعلى السادة الخلفاء الراشدين واألئمة المهديين وعلى بقية الصحابة

والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أيها الناس :

اعلموا أن اإلمامة فرض من فروض اإلسالم، والجهاد محتوم على جميع األنام، وال يقوم علم الجهاد إال باجتماع

كلمة العباد، وال سبيت الحرم إال بانتهاك المحارم، وال سفكت الدماء إال بارتكاب المآثم، فلو شاهدتم أهل

اإلسالم حين دخلوا دار السالم، واستباحوا الدماء واألموال، وقتلوا الرجال واألطفال، وهتكوا حرم الخالفة

والحريم، وأذاقوا من استبقوا العذاب األليم، فارتفعت األصوات بالبكاء والعويل، وعلت الضجات من هول ذلك اليوم الطويل، فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه، وكم من طفل بكى فلم يرحم لبكائه فشمروا ساق االجتهاد،

فاتقوا الله ما استطعتم في إحياء فرض الجهاد واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا ألنفسكم ومن

فلم تبق يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون معذرة في القعود عن أعداء الدين، والمحاماة عن

المسلمين.

331


وهذا السلطان الملك الظاهر السيد األجل العالم المجاهد والمؤيد ركن الدنيا والدين، قد قام بنصر اإلمامة عند قلة األنصار، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خالل الديار، فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقود، والدولة العباسية به متكاثرة الجنود، فبادروا عباد الله إلى شكر

هذه النعمة، وأخلصوا نياتكم تنصروا، وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا، وال يرد عنكم ما جرى، فالحرب

سجال، والعاقبة للمتقين، والدهر يومان واآلخرةللمؤمنين.

جمع الله على التقوى أمركم، وأعز باإليمان نصركم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين،

فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم « ثم خطب الثانيةفصلى بالناس وكتبت بيعته إلى اآلفاق.

هذه خطبة منبرية يدور موضوعها حول أمور سياسية وجهادية وتشريعية، فهي نموذج للخطبة الجامعة بين أمور

. (1)الدين وأمور الدنيا فمنذ المقدمة التي بدأها بالحمد لله التزاما بالتقسيم

الشرعي للخطبة أشار إلى موضوع الخطبة بذكر آل العباس، وما أنعم الله عليهم بإعادة خالفتهم بعد

سقوطها، وبعد أن أثنى على الله بما هو أهله وصلى وعلى الخلفاء من بعده. ملسو هيلع هللا ىلص وسلم على نبيه

تحدث عن اإلمامة وضرورتها في حياة الناس، واستحث الهمم لقتال أعداء الله، ثم أفاض في وصف

فظائع التتار وجرائمه منوها بجهاد ركن الدين بيبرس فيسبيل هذا الدين.

وفي الختام دعا الناس إلى شكر نعمة الله وإخالص النية وقتال الكافرين منبها إلى سنة الله في األرض وأن

الدهر يومان والحرب سجال، ثم ختم خطبته. وأنت ال تستطيع أن تصنف هذه الخطبة تصنيفا دقيقا

ضمن نوع معين من الخطابة، فهي سياسية ودينيةوتعليمية.

.53 ص 2للسيوطي جـ ( نص الخطبة من حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ـ(1

332


وكيف ال تكون سياسية وهي تصدر عن حاكم المسلمين األعلى ؟ وكيف ال تكون دينية وهي حث

وتحريض على الجهاد في سبيل الله، وكيف ال تكون تعليمية إرشادية وهي تحدد مكانة اإلمامة في اإلسالم،

وتبين أثر وحدة األمة في اجتماع الكلمة وتحقيق النصرعلى األعداء.

وقد تكررت خطب الخليفة والخلفاء الذين جاءوا على مدى قرابة ثالثة قرون، حتى قامت الخالفة(1)بعده

العثمانية وخطب الخلفاء هي خطابة سياسية بكل المقاييس خالفا لما ذهب إليه الدكتور محمود رزق سليم

بقوله : »فال غرابة إذن، إن لم نجد في هذه القرون الثالثة، خطبا سياسية واجتماعية، تعني بالقضايا العامة

في داخل الوطن وخارجه وتسلط األضواء على مشاكل المجتمع اإلسالمي، على غرار ما نعرف في األدب

. (2)الحديث« ولعل هذا اإلنكار راجع إلى ما عرف بعد سقوط

الخالفة من الفصل بين الدين والسياسة واعتبار الدين شأنا مختلفا عن السياسة يكفي أن تنهض به وزارة

األوقاف والشئون الدينية، كما هو واقع في غالب بالد المسلمين، مما يعد تكريسا للعلمانية، والفصل بين الدين

والدولة كما نرى في بالد المسلمين اليوم مما ينكره الفهم الصحيح لإلسالم ويخالف ما استقر عليه أمر

المسلمين على مدى عصورهم المختلفة. وكما عرفت الخطابة السياسية لدى الخلفاء رأينا كثيرا

من العلماء ينتقدون الحكام نقدا مباشرا وقد يدفعونأرواحهم ومناصبهم ثمنا لذلك :

وما بعدها . ،65، ص2( انظر خطبة هؤالء الخلفاء في حسن المحاضرة للسيوطي ج(1م.1962، سنة 59( عصر سالطين المماليك د. محمود رزق سليم المجلد السادس، ص(2

333


توجه السلطان661» ففي مستهل ذي القعدة سنة الظاهر بيبرس إلى اإلسكندرية وفي السادس منه، كانت

الجمعة، وصلى السلطان بالجامع وكان خطيبه ابن أبي الفرج الحاكم، فأخذ يحذر السلطان في خطبته من الظلم

وينهاه ويذكر ما وعد الله به الملك الجائر، ويقرعه، والسلطان مطرق مصغ، فلما انقضت الجمعة أحضر

الصاحب بهاء الدين الحاكم المذكور، وأنكر عليه كونه واجه السلطان بمثل ذلك، واتفق عزله، وتولية القاضي ناصر الدين بن المنير فخطب في الجمعة التالية، فمدح

السلطان وأطراه، فلما انقضت الجمعة، قال السلطان :. (3)هذا الحاكم مرائي، وأمر بإعادته«

ـ الخطب االجتماعية :2 ما إن تذكر الناحية االجتماعية إال ويتبادر إلى الذهن

أمور الزواج وخطبة الزواج تقليد قديم عرفه العرب في الجاهلية وفي اإلسالم، وهي خطبة تطول وتقصر بحسب المقام، وأقلها ما يبدأ به القاضي أو نائبه وهو ما يعرف با

»المأذون« في بالد مصر ـ كالمه جامعا بين الزوجين. ومن الخطب االجتماعية في العصر المملوكي نختار

هذا النموذج : خطبة زواج لزين الدين بن الوردي في نكاح بعض بني

النصيبي على بنت عمه، قال : »الحمد لله الذي أطلع في منازل الشرف شمسا بصونه البهاء والضياء وأبدع لشرف تاجه البديع درة

زان به جيدمكنونة في بحر الحيا والحياء، ومنحه عقدا الوجود، وجمع الشمس والقمر في سعود الطالع وطالع

السعود«.

.1967، ط، سنة 64الكاتب، ص ( حسن المناقب السرية المنتزعة من السيرة الظاهرية ـ شافع بن علي(3

334


وبعد : فإن أولى ما بادر إليه أولو األحالم، وتنافس فيه كرام األبناء وأبناء الكرام، ما كان لتكثير األمة متضمنا،

ولفضيلة العاجل واآلجل نافعا نفعا بينا، وهي سنة النكاح التي عظمت بها المنة، وأثنى عليها لسان الكتاب وأشارت

إليها يد السنة، وخصوصا بنات العم التي ارشدت قصة »البتول« عليها السالم إليها، وحسن أن يتلى لها بطريق

األولى : »ومن أبانه أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها« فإن بنات العم أجدى بالصحبة وأجدر

وأوفى بالمودة وأوفر، وأصبى إلى العهد وأصبر، وال سيما من حازت كرم األوائل واألواخر، وجمعت عناصر الكرم

وكرم العناصر، وأصبحت سليلة األعيان واألكابر. . إلخ « وواضح ما في أسلوب الخطبة من حرص شديد على التزام السجع، وتضمين أبات من القرآن. واستعمال

الجناس في ) الحيا والحياء ( و) المنة والسنة ( )أجدى وأجدر ( و) أوفى وأوفر ( و) أصبى وأصبر ( وهو و

ما أحدث نوعا من الموسيقى تطرب لها النفس وتستريح إليها األذن وهي أمور تتناسب نفسيا مع مناسبة الزواج

والفرح. ـ الخطب الدينية :3

والخطبة الدينية هي أعرق ما لدينا من الخطب. وهي من الخطب درة العقد، وواسطته، إن غاب أي نوع من

الخطابة فالخطبة الدينية ال تغيب ألنها ارتبطت في حياة المسلمين بفريضة الجمعة، وسنة العيدين، وصالة

االستسقاء والخسوف والكسوف وغير ذلك.. وأصحاب الخطب الدينية يوجدون على عدد ما يوجد من مساجد

ومنابر، ولهذا فإنه يصعب علينا أن نحصيهم، ولكننا نقول مع كثرة الخطابة الدينية فإن النماذج الجيدة منها قليلة،

ولهذا لم نسمع بأعداد من الخطب تميزت وبقيت بصورة تتناسب وعدد الخطباء في جميع العصور، ولو ذهبت تعد ما بقي مع الزمن واستحق أن يكون له شرف الوجود لوجدت نماذج قليلة بل نادرة في تاريخنا األدبي، ولعل السبب في قلة ما وصل إلينا من خطب السابقين هو اعتماد المجيدين

من الخطباء على االرتجال وعدم وجود أدوات التسجيلفي القديم.

ومما وصلنا من دواوين، ديوان القاضي زين الدين زكريا األنصاري، وديوان اإلمام شرف الدين السيوطي

وديوان جمال الدين بن بناتة.

335


وديوان اإلمام زين الدين زكريا األنصاري يسمى » التحفة السنية في الخطب المنبرية« وهو مجموعة خطب مرتبة على شهور السنة العربية، فخطبة للجمعة األولى،

وخطبة للجمعة الثانية، وخطبة للجمعة الثالثة وهكذا... «. وإذا كانت األمة قد ابتليت على مدى تاريخها بكثير من

النكبات واالنتكاسات، وتعرضت لموجات من الفتن واالضطرابات وتسلط عليها أعداؤها من كل االتجاهات،

فقد ظلت خطبة الجمعة بمثابة صمام أمان األمة، فاألمة مطالبة بأن تجتمع مرة في كل أسبوع لتتناقش أمورها، وتستجلي غامضها وتستمع إلى توجيه أولى الرأي وذوي

البصيرة من العلماء والحكماء، ولك أن تتصور مؤتمرا يتم على مساحة العالم اإلسالمي كله، ويجتمع فيه أكثر من

مليار مسلم في ساعة واحدة كم كانت تتكلف دولة مثل أمريكا من األموال والجهود والخبراء واألدوات واإلمكانات

حتى تعد له، ثم توفر له األماكن الالزمة والمواصالت، والمكيفات والمياه ودورات المياه والفرش ومكبرات

الصوت، فإن استطاعت أن تعد لذلك مرة فهل باستطاعتها أن تفعل ذلك مرة كل أسبوع، وهل كانت مع

ذلك تملك من الضمانات ما يجعل المدعوين يقبلون وال يتكاسلون، إن هذا الجهد الخارق والرهيب يتم مع

المسلمين بعفوية وبساطة وسهولة ويسر، ويتوافد المدعوون إلى األماكن في نظام وطهارة ثياب، وطهارة

أبدان، وشوق وحب لهذا المكان، أرأيت لو أتيح لهذه الجموع الهادرة رجال مخلصون يملكون القدرة على

التعبير والتأثير واالستيعاب هل كنت تجد في بالد المسلمين فكرة أو ملة أو ثقافة تستطيع أن تنافس

اإلسالم في بالد المسلمين. إن الخطابة ما تزال هي صمام األمان وطوق النجاة وقبلة الحياة لهذه األمة التي طال نومها، وها هي اليوم

تتحرك وتفتح عينيها استعدادا للنهوض لكي تستأنفمسيرتها لتكون خير أمة أخرجت للناس.

336


والعثماني المملوكي العصرين في الخطابة خصائصأخذت الخطابة مظهرين أو صورتين :

الخطابة الدينية الرسمية. األولى : الخطابة اإلصالحية التطوعية. والثانية :

فالنوع األول مثل خطب الجمعة والعيدين والمناسبات الدينية، وهي تغلب عليها الجمل المسجوعة والعناية بالصنعة البديعية، وهذه تحولت مع الزمن إلى خطب

محفوظة ومكتوبة، ويكفي أن يحصل كل خطيب على نسخة من كتاب خطب ابن جماعة أو ابن نباتة، أو أي

ديوان مشهور ليلغي عقله ومشاعره، وينسى احتياجات عصره ويقرأ ما بين يديه من خطبة األسبوع كما أعدها

أسالفه منذ عقود أو قرون، ومثل هذا النوع من الخطابة كان يفتقد الروح وال يحدث األثر المطلوب في حياة

الناس. أما النوع الثاني : فهي الخطابة التحريضية اإلصالحية،

وهذا النوع كان يقوم على االرتجال، وحاجة المجتمع، وإثارة الحماسة ونقد الحكام، ومن فرسان هذا الميدان،

الشيخ عز الدين بن عبد السالم، واإلمام النووي وشيخ اإلسالم ابن تيمية وغيرهم، وهذه الخطب ال تعني بالصنعة

البديعية، وإنما بقوة الفكرة وصدق العاطفة وحرارةالوجدان.

وهذا النوع ظل مالزما وموازيا للنوع األول؛ لكنه كان يشبه ما يسمى اليوم بالمعارضة السياسية، وكان يحظى بثقة الشعب وعلى هؤالء الخطباء قامت حركات التغيير

ومناهج اإلصالح في عصورنا المختلفة.

337


: الكتابة ثانيا هي الشق الثاني من النثر األدبي بعد الخطابة وإذا

كانت الخطابة قد حظيت باالهتمام األكبر في العصرين اإلسالمي واألموي فإن الكتابة قد نافستها على القمة، بل

استطاعت أن تحل مكانها في العصرين العباسيوالمملوكي.

وقد رأينا في العصر العباسي كيف تنوعت الكتابة وتعددت طبقات الكتاب، كما تنوعت فنون الكتابةفشملت الرسائل والمقامات والتوقيعات وغيرها.

وألن العصر المملوكي قد تتلمذ رجاله وكتابه على أعالم العصر العباسي، فإن التشابه بين العصرين بدا

قريبا سواء في الصياغة أو في الفنون واألغراض. لكن المالحظ أن التشابه في الصياغة كان أوضح من التشابه في األغراض فإذا كان العصر العباسي قد شهد ازدهار المقامات، فإن العصر المملوكي لم يشتهر بذلك

وكما ازدهرت التوقيعات في العصر العباسي نظرا الرتفاع مستوى الخلفاء ثقافيا وأدبيا فإن العصر المملوكي لم يشتهر بذلك، بل إن العصر المملوكي قد شهد تراجعاكبيرا في هذا الفن نظرا لعجمة السالطين واألمراء.

وهكذا نرى أن الكتابة في هذا العصر قد اقتصرت على الرسائل بصورة أكبر، ونستطيع أن نقسم الرسائل في

العصر المملوكي إلى نوعين : ـ الرسائل الديوانية واإلخوانية. 1 ـ النصائح والمواعظ والوصايا والحكم. 2

ومن أشهر كتاب الرسائل الديوانية واإلخوانية محيي الدين بن عبد الظاهر المصري، وشهاب الدين محمود

الدمشقي. أما كتاب النصائح والمواعظ والحكم فستتعرف علي

علمين بارزين أحدهما اإلمام محي الدين النووي، والثانيهو اإلمام ابن عطاء الله السكندري.

وستقدم فيما يلي تعريفا لهؤالء األعالم مع نماذج منرسائلهم :

: الديوانية الرسائل : كتاب أوال

338


وتقصد بهؤالء الكتاب الذين اتخذوا الكتابة حرفة وقاموا بها وظيفة، وتقلدوها منصبا، بين يدي الملوك وهم

الذين عرفوا بكتاب : ديوان اإلنشاء وقد وقفوا حياتهم للكتابة عن الخلفاء والسالطين بما يوجهونه إلى نظرائهم

من الملوك سواء كانوا من األصدقاء أو األعداء، تهديدا ووعيدا، أو تهنئة وبشارة بالفتح أو تحريضا لألمة وتحميسا

للجند وتثبيتا للمقاتلين وسنعرف باثنين من أشهر كتابالعصر المملوكي فيما يلي :

339


الظاهر عبد بن الدين ( محيي1): ونشأته مولده

هو الصاحب والقاضي الفاضل أبو محمد محمد محي الدين عبد الله ابن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن

السعدي، المعروف(1)عبد الظاهر الجذامي الروحي بالكاتب المصري كما وصفه ابن نباتة ولد في أسره

هـ وتولى رئاسة620عربية عرفت بالقضاء والفقه سنة ديوان اإلنشاء، في عهد المنصور قالوون بعد فخر الدين

بن لقمان. ساد في الدولة المنصورية قالوون برأيه وعقله وحسن سياسته وتقدم على والده، فكان أبوه من جملة الجماعة

. (2)الذين يصرفهم بأمره ونهيه«: ومؤلفاته أثاره

من مؤلفات محيي الدين بن عبد الظاهر : كتاب تشريف األيام والعصور في سيرة الملك-1

المنصور. كتاب )األلطاف الخفية( وهو نبذة من الجزء الثالث في-2

سيرة السلطان األشرف خليل. وسيرة الظاهر بيبرس، وهي منظومة ما زالت-3

مخطوطه. كتاب »النجوم الدرية في الشعراء المصرية. -4 كتاب الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية-5

القاهرة. كتاب )تمائم الحمائم(. -6كتاب ) رسالة في الخيل(. -7

: كتابته من نموذج

( الروحي : نسبة إلى روح بن زنباع .(1 .293 ص 7( ابن تغري يردي النجوم الزاهرة جـ(2

340


كتب محيي الدين بن عبد الظاهر عن السلطان الملك المنصور قالوون إلى صاحب اليمن يبشره بفتح مدينة

(1))صافيتا( قال :»فمن ذلك حصن األكراد الذي تاه بعطفه

على الممالك والحصون، وشمخ بأنفه عن أن تمتد إلى الشام،(3)، وغدا جاذبا بضبع(2)مثله يد الحرب الزبون

وآخذا بمخانق بالد اإلسالم، وشلال في يد البالد وشجا في صدر العباد، تنقض من عشه صقور األعداء الكاسرة وترتاع من سطوتها قلوب الجيوش الطائرة، وتربض

، وتفوق من قسيه(4)بأرباضه آساد تحمي تلك اآلجامسهام تصمى مفوقات السهام.

تعطيه الملوك الجزية عن يد وهم صاغرون، ويصطفى كرام أموالهم وهم صابرون ال مصابرون، كم شكت منه )حماة( قلة اإلنصاف وكم خافته )معرة( وما من معرة

خاف، ما زالت أيدي الممالك تمتد إلى الله بالدعاء عليه، تشكو من جور جواره تلك الحصون والصياصي، وتبكي بمدمع نهرها من تأثير آثاره مع عصيانها، وناهيك بمدمع

. (5)العاصي«: الفني ومذهبه الكاتب أسلوب

يتضح من خالل النص سمات أساسية نجددأسلوب ابن عبد الظاهر وأهمها:

اعتماده على التشخيص وإضفاء صفات األحياء على-1الجمادات.

قدرة الكاتب على الوصف ونقل الصورة في سالسة-2ويسر وامتالكه لزمام األلفاظ والجمل.

اعتماده على السجع العفوي غير المتكلف. -3 اعتماده على التورية في كلمة معرة التي هي مدينة-4

معرة النعمان وبين معرة بمعنى خوف العار. والتورية أيضا بين نهر العاصي في سورية والعاصي

الذي يرتكب المعاصي. وواضح أن تلك السمات هي معظمها سمات الكتابة عند القاضي الفاضل الذي يعد أستاذا لمحيي الدين بن

عبد الظاهر في فن كتابة الرسائل الديوانية. ( تاه بعطفه : أي مال بجنبه افتخارا .(1( الحرب الزبون : التي يدفع المقاتلون فيها بعضهم بعضا لكثرتهم .(2( ضبع الشام : أي عضد الشام .(3( اآلجام : جمع أجمة وهي الغابة الملتفة .(4( العاصي اسم نهر من انهار سورية .(5

341


أما في العصر العثماني فقد غابت بواعث اإلجادة في الكتابة، فقد كان سالطين آل عثمان ال يفهمون العربية

كما ظهر انشغالهم بالفتح والغزو والتوسع واضحا. فضال عن غياب التشجيع الذي كان يلقاه الكتاب ماديا ومعنويا

في العصور السابقة : ولهذا ال نعجب إذا رأينا خلو العصر العثماني كله منرسالة قوية تشبه تلك الرسالة أو غيرها من الرسائل.

: الظاهر عبد ابن وفاة توفي محيي الدين بن عبد الظاهر في حياة أبيه يوم

األربعاء ثالث شهر رجب، ودفن بالقرافة بتربته التي كانهـ. 692قد أنشأها قبيل وفاته وذلك في سنة

342


محمود الدين ( شهاب2): ونشأته مولده

ولد أبو الثناء شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد. (1) هـ بدمشق644بن محمود في شهر شعبان سنة

حفظ القرآن صغيرا، ولقي كبار علماء عصره فلزمهموأخذ عنهم ثقافته الدينية والعربية.

: شيوخه تتلمذ شهاب الدين محمود على يد اإلمام ابن مالك صاحب األلفية المشهورة في النحو، وتتلمذ على مجد

الدين بن ظهير الدين األديب المعروف في عصره فأخذ عنه علوم األدب. وحذا حذوه في الشعر والنثر. وتضلع

في الفقه الحنبلي حتى فاق أقرانه وهو شاب، فولىقضاء الحنابلة على الرغم من صغر سنة.

: وظائفه تولى شهاب الدين محمود كتابة ديوان اإلنشاء بدمشق

. 678في عهد السلطان المملوكي المنصور قالوون سنة وقد جاءت شهرته وسرعة ترقيه في المناصب بسبب

قصائده القوية التي كان يلقيها بحضرة السلطان خالل قدومه إلى بالد الشام، وفتحه لحصون الصليبيين مثل

»حصن المرقب« وحين فتح »طرابلس«. يقول ابن تغري بردي : »وقد عملت الشعراء في ذلك عدة قصائد فمن

ذلك ما قاله شهاب الدين محمود وهي قصيدة طنانة أولها : الله أكبر هذا النصر

والظفر هذا هو الفتح ال ما

تزعم السير

وقال ابن تغري بردي أيضا، عند فتح طرابلس : وعمل الشعراء في هذا الفتح قصائد عدة، ومن ذلك ما قاله العالمة»

شهاب الدين محمود يمدح الملك المنصور قالوون ويذكر فتحه طرابلسوالقصيدة أولها :

علينا لمن أواله نعمتهالشكر

ألنك لإلسالم يا سيفهذخر

.341 ص 2( المنهل الصافي البن تغري بردي جـ (1

343


هـ692وقد استمر كاتبا لإلنشاء بدمشق حتى سنة فانتقل إلى مصر ليتولى الديوان المنصوري للمنصورقالوون خلفا لمحيي الدين بن عبد الظاهر بعد وفاته.

وظل في ارتفاع وتقدم لدى جميع من خلف المنصور قالوون من السالطين إلى أن أعيد إلى دمشق بعد وفاة

هـ فولى708الكاتب، شرف الدين بن فضل الله سنة مكانه كتابة السر ورئاسة ديوان اإلنشاء.

: عليه العلماء ثناء ترجم له الشاعر جمال بن نباتة المصري في كتابه

سجع المطوق وأثنى على مكانته في الشام ومصر، ومما قاله فيه »كبتت األنداء براعته، وكتبت بمصر والشام

يدعون براعته، فكال اإلقليمين أثبت ألقالمه فضلها و (33الكهف: )إلى نار جهنم

ال زالت همم فضائله تبغي صعودا، وتعي جاحدا، وتتعب حسودا وتعلم الشهب من سنانه وسناه أن ليس كل

شهاب محمودا« ويقول عنه العالمة ابن حجر العسقالني : .(1)»كان محبا ألهل الخير ومواظبا على التالوة والنوافل «

ويدل على ذلك أنه ظل طوال عمره الوظيفي المديد لم يعرف عنه أنه عزل أو طرد من عمله، رغم تعاقب

الملوك والسالطين، وبرغم علو شأنه ونحن نعلم أن كل ذي نعمة محسود، لكن الرجل لم يكن يترك في نفوس

من حوله ما يوغر صدورهم عليه لحسن خلقه وطيبسريرته. : وفاته

ظل شهاب الدين محمود في منصبه الجديد بعد عودتهمن مصر لمدة ثمانية أعوام.

وفي ليلة السبت الثاني والعشرين من شعبان سنة فاضت روحه إلى ربها في منزله بدمشق، ودفن في725

تربته التي أنشأها في سفح جبل قاسيون بالقرب مناليغمورية.

: الفني وأسلوبه األدبية أثارهأشهر تصانيفه هو كتابه :

.324 ص،4( الدرر الكامنة ج(1

344


)حسن التوسل إلى صناعة الترسل( وهو كتاب لطيف-1 الحجم طبع طبعات عديدة، وكانت بداية طباعته سنة

ميالدية طبعته المطبعة1881 هـ الموافق 1298 الوهبية بمصـر، ثم أعيدت طباعته بتحقيق الدكتور /

أحمد بدوي. وقد اشتمل الكتاب على خالصة علوم البالغة الثالثة البيان والمعاني والبديع، بعد مقدمة تحدث فيها عن

مقومات األديب الناجح، وما ينبغي أن يتزود به، ثم أخذفي استعراض أبواب البالغة بفروعها المختلفة.

ومن تصانيفه التي لم تصل إلينا )مقامة العشاق( و-2 )منازل األحباب ومنازه األلباب( وهذا الثاني ما يزال

مخطوطا. وله تذييل على كتاب )الكامل ـ البن األثير(. -3 يضاف إلى ما سبق مجموع رسائله الصادرة من ديوان-4

اإلنشاء وهي آية في البراعة والبيان. ملسو هيلع هللا ىلصوله ديوان شعر في مدح النبي سماه : )أهنأ-5

المنائح في أسمى المدائح(.

: كتابته من نماذج تميزت رسائل شهاب الدين محمود باإليجاز والجزالة وقصر الجمل مع المحافظة على السجع الذي هو سمة

العصر ومن ذلك قوله على لسان الملك المنصور قالوون إلى نوابه ومقدمي جيوشه : »أصدرناها إلىه نحثه على

الركوب بطليعة أعجل من السيل، وأهول من الليل، وأيمن من نواصي الخيل، وليكن كالنجم في سراه وبعد

ذراه، إن جرى فكسهم، وإن خطر فكوهم، وإن طلب فكالليل الذي هو مدرك، وإن طلب فكالجنة التي ال يجد

ريحها مشرك، حتى يأتي على عدو الدين من كل شرف، كل طرف، وال يسرف في اإلقامة عليهويرى جمعهم من

.(1)إال إذا علم أن الخير في السرف «

.92الوهيبة ص ( حسن التوسل إلى صناعة الترسل ، شهاب الدين محمود ـ المطبعة(1

345


ومن ذلك كتابته يصف حالة العدو عند انهزامهم وشدة هجوم المسلمين عليهم : » فوثبنا إليهم وثب الليث إذا

ظفر بصيده، ونهضنا نحوهم نهوض الحازم إذا وقع عدوه في أحبولة كيده، وصدمتهم جيوشنا المنصورة صدمة فلت غربهم، وأبطلت طعنهم وضربهم، وصبغت بدمائهم تربهم،

وحكمت السيوف في مقاتلهم ومكنت الحقوف من صاحب رأيهم، وسلطت العدم على وجودهم، وحطتهم عن سروجهم إلى مصارعهم أو قيودهم، فغلبوا هنالك

وانقلبوا صاغرين، وعادوا على عادتهم خاسئين، ورجعوا. (2)على أعقابهم خاسرين «

: الفني ومذهبه أسلوبه خصائص واضح من خالل األمثلة التي قدمناها التزام الشهاب

محمود بمدرسة من سبقه من كبار الكتاب أمثال القاضي الفاضل ومحيي الدين بن عبد الظاهر والعماد األصفهاني

وابن األثير ويمكن تحديد تلك الخصائص في اآلتي : حرصه على استخدام السجع مهما كانت المناسبة-1

وقدرته على إثراء جمله وتزيينها باإلشارة والتلميح إلىالقرآن الكريم.

قدرته الفائقة على حسن التقسيم في صياغة جمله-2 وعباراته، بحيث يضمن المحافظة على اإليقاع الداخلي

للعبارة. االهتمام الزائد باستعمال أنواع البديع المختلفة في-3

براعة ومهارة. حرصه على اختيار ألفاظه ومعانيه مهما كانت المناسبة-4

لعلمه بأن األلفاظ مما يشيع ويذيع.

.97( حسن التوسل ص (2

346


: والحكم والمواعظ النصائح : كتاب ثانيا وهم الصنف الثاني الذي شهده العصر المملوكي وكان

هؤالء الكتاب ال يتخذون الكتابة حرفة أو وظيفة وإنما كانوا في الغالب علماء متجردين لله، مخلصين له،

مجاهدين في سبيله، وكانوا يريدون من الجهاد تقديم النصح والوعظ إلى الحكام، ألن في صالحهم صالح

المؤمنين ومن أمثلة هؤالء الكتاب والمصلحين، األئمة الكرام العز بن عبد السالم، ومواقفه ونصائحه للصالح

األيوبي ولسيف الدين قطز، ولركن الدين بيبرس مشهورة، معلومة، ومن هؤالء أيضا القاضي تاج الدين بن بنت األعز، والقاضي محيي الدين النووي، والقاضي تقي

الدين ابن دقيق العيد، واإلمام تقي الدين بن تيمية، واإلمام شمس الدين بن القيم، واإلمام تاج الدين

السبكي، واإلمام بدر الدين ابن جماعة، واإلمام أمين الدين األقصـرائي واإلمام ولي الدين بن خلدون وشرف

الدين السيوطي، واإلمام ابن عطاء الله السكندري. ولكل واحد من هؤالء األعالم مؤلفاته وإبداعاته

وجهوده في مواجهة الباطل، والرد عن اإلسالم، وصيانة حدود الشرع، وسنكتفي بنموذج لواحد منهم في النصيحة

وهو اإلمام محي الدين النووي، وواحد في الوصايا والحكموهو ابن عطاء الله السكندري.

347


النووي الدين محيي اإلمام: ونشأته مولده

هو اإلمام يحي بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة بن حزام الحازمي العالم، محيي الدين أبو زكريا

النووي ثم الدمشقي الشافعي شيخ المذهب وكبيرالفقهاء في زمانه.

هـ631ولد بقرية »نوى« إحدى قرى ]حوران[ في ، وقد حفظ القرآن، فشرع في649وقدم دمشق سنة

قراءة »التنبيه« فقرأه في أربعة أشهر ونصف، ولزمالمشايخ فكان يقرأ في كل يوم اثني عشر درسا عليهم.

: مؤلفاته عنى اإلمام النووي بالتصنيف فجمع شيئا كثيرا، منها ما

أكمله ومنها ما لم يكمله ومما أكمله : شرح صحيح مسلم، وشرح الروضة، وشرح المنهاج،

ورياض الصالحين، واألذكار، والتبيان، وتحرير التنبيه،وتهذيب األسماء، واللغات، وطبقات الفقهاء، وغير ذلك.

: وصفاته أخالقه يقول عنه ابن كثير : »وقد كان من الزهادة والعبادة

والورع والتحري واالنجماع عن الناس على جانب كبير، ال يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره، وكان يصوم الدهر وال

يجمع بين إدامين وكان غالب قوته مما يرسله له أبوه مننوى.

: وظائفه باشر التدريس في المدرسة اإلقبالية نيابة عن ابن

خلكان، وناب في الفلكية والركنية، وولى مشيخة الحديث األشرفية، وكان ال يضيع شيئا من وقته، وحج في مدة

إقامته بدمشق، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكرللملوك وغيرهم.

: وفاته هـ676توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب سنة

بنوى ودفن هناك، رحمه الله وعفا عنا وعنه. : رسائله من نماذج

كتب اإلمام النووي إلى الملك الظاهر عندمااحتيط على أمالك دمشق :

348


ر »بسم الله الرحمن الرحيم : قال الله تعالى: وذك وقال الله( 55الذاريات : ) فإن الذكرى تنفع المؤمنين

وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب تعالى : وقال(187آل عمران: ) لتبيننه للناس وال تكتمونه

ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك وال تخزنا تعالى : (194 : )آل عمران .

وقد أوجب الله على المكلفين نصيحة السلطان أعز الله أنصاره ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث

أنه قال : »الدين النصيحةملسو هيلع هللا ىلصالصحيح عن رسول الله لله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم« ومن نصيحة

السلطان وفقه الله تعالى لطاعته، وأواله كرامته، أن ننهي إليه األحكام إذا جرت على خالف قواعد اإلسالم،

وأوجب الله الشفقة على الرعية، واالهتمام بالضعفة واخفض جناحك وإزالة الضـرر عنهم قال الله تعالى :

وفي الحديث(215الشعراء: ) لمن اتبعك من المؤمنين الصحيح : »إنما تنصـرون وترزقون بضعفائكم« وقال

ملسو هيلع هللا ىلص : » من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في

عون العبد ما كان العبد في عون أخيه «. ملسو هيلع هللا ىلصوقال : »من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم

فارفق اللهم به، ومن شق عليهم فاشقق اللهم عليه« : »كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته«ملسو هيلع هللا ىلصوقال : »إن المقسطين على منابر من نور عنملسو هيلع هللا ىلصوقال

يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا«.

وقد أنعم الله علينا وعلى سائر المسلمين بالسلطان أعز الله أنصاره، فقد أقامه لنصرة الدين والذب عن

المسلمين، وأذل له األعداء من جميع الطوائف، وفتح عليه الفتوحات المشهورة في المدة اليسيرة وأوقع

الرعب منه في قلوب أعداء الدين، وسائر الماردين. .. وقد أوجب الله شكر نعمه، ووعد الزيادة للشاكرين، فقال

. لئن شكرتم ألزيدنكم تعالى :

349


وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أمالكهم أنواع من الضرر ال يمكن التعبير عنها، وطلب منهم إثبات

ما ال يلزمهم، فهذه الحوطة ال تحل عند أحد من علماء المسلمين بل من في يده شيء فهو ملكه، ال يحل

االعتراض عليه، وال يكلف بإثبات، وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يحب العمل بالشرع فيوصي نوابه، فهو أول من عمل به، والمسئول إطالق الناس من هذه الحوطة،

واإلفراج عن جميعهم. فهذه نصيحتنا الواجبة علينا للسلطان ونرجو من فضل

الله تعالى أن يلهمه فيها القبول. . (1)والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته

: النووي لإلمام الفنية الخصائص ومن يتأمل أسلوب اإلمام النووي يشعر بحرارة

العاطفة الدينية والغيرة الشديدة على حقوق الله، كما يلحظ إحساس الكاتب بأن عليه واجب النصيحة للحاكم،

وواجب اإلنصاف والدفاع عن الرعية، وفوق ذلك كله إحساسه بأنه مسئول بين يدي الله، وهذا الشعور الرباني الخالص هو الذي دفع الشيخ إلى الكالم وأمده بالشجاعة

والقوة في مواجهة السلطان وأسلوب الرسالة يغلب عليه الترسل والعفوية والبعد عن التكلف اللفظي أو

المحسنات البديعية. ويعتمد الكاتب على الحجج العقلية والشرعية، مستثيرا

في السلطان رصيد اإليمان، وعاطفة الشفقة والرحمةوالخوف من لقاء الله.

وهذا الترسل في األسلوب والبساطة في التعبير مرجعها إلى انصراف ذهن الكاتب عن مقصد الجمال

اللفظي وانشغاله بقوة بالغرض األخالقي والديني الذياستولى على قلبه واستحوذ على وجدانه.

.107، ص2( حسن المحاضرة ، السيوطي ج(1

350


السكندري الله عطاء ابن اإلمام: ونسبه اسمه

هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاجالدين أبو الفضل االسكندراني الشاذلي.

صحب الشيخ )أبو العباس المرسي( صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان

الصوفية في زمانه، وهو ممن قام على الشيخ تقي الدينابن تيمية. : له العلماء وشهادة مناقبه

قال الذهبي كانت له جاللة عجيبة ووقع في النفوسومشاركة في الفضائل.

وقال عنه اإلمام ابن حجر العسقالني : »رأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظما لوعظه

وإشارته، وكان يتكلم بالجامع األزهر فوق كرسي بكالم يروح النفوس، ويمزج كالم القوم بآثار السلف وفنون

. (1)العلم فكثر أتباعه وكانت عليه سيما الخير «: مؤلفاته

واشتهرت عنه حكمه التي اصطلح على تسميتها حكم ابن عطاء الله السكندري ولعلها هي كتابه المسمى »تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس« وموضوع الكتاب جملة

من الحكم واآليات البينات المزودة باألحاديث وباألمثال الرائعة والقصص الرادعة، التي تدعو اإلنسان إلى التزود

من الدنيا لآلخرة.: وفاته

هـ709توفي في النصف من جمادي اآلخرة سنة بالمدرسة المنصورية كهال، وكانت جنازته حافلة رحمه

الله تعالى. : حكمه من نماذج

قال ناصحا بالتوبة داعيا إليها مبينا سبيلها :

.291 ص1( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ـ البن حجر العسقالني جـ (1

352


»أيها العبد : اطلب التوبة من الله في كل وقت، فإن وتوبوا إلى الله الله تعالى قد ندبك إليها فقال تعالى:

وقال(النور) جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحونرين تعالى : ابين ويحب المتطه إن الله يحب التو

(البقرة) وقال رسول الله : » إني ليغان على قلبي، وإني ألستغفر الله في اليوم سبعين مرة «.

وقال في المعصية وآثارها : » واعلم أن المعصية تتضمن نقض العهد، وتحليل عقد

الود واإليثار على المولي، والطاعة للهوى، وخلع جلباب الحياء، والمبادرة لله بما ال يرضى، مع ما في ذلك من

اآلثار الظاهرة من ظهور الكدورة في األعضاء، والجمود في العين، والكسل في الخدمة، وترك الحفظ للحرمة،

وظهور حب الشهوات، وذهاب بهجة الطاعات، وأما اآلثار الباطنة فالقساوة في القلب ومعاندة النفس، وضيق الصدر بالشهوات، وفقدان حالوة الطاعات، وترادف

األغيار المانعة من بروق شوارق األنوار واستيالء دولة الهوى، إلى غير ذلك من ترادف االرتياب، ونسيان المآب،

وطول الحساب «. وواضح من الرسالة مدى انشغال الكاتب بفكرته،

وانصرافه عن العناية باأللفاظ وألوانه البديعة إال ما جاءعفوا مثل الجمل الثالثة األخيرة.

353


العثماني العصر في األدب حالة أما عن حالة األدب بشقية الشعري والنثري في العصر

العثماني فإني أجد أجمل تصور في أوجز عبارة ما خطه قلم أستاذنا الدكتور أحمد هيكل في مقدمة كتابه : »تطور األدب الحديث في مصر« قال: كانت القرون الثالثة التي سيطر فيها الحكم التركي على مصـر، قد عملت عملها

في إغماض العيون، وتكبيل العقول، وعقل اإلرادات، وعقد األلسنة فقد فرض األتراك على البالد ونوعا من

االحتالل هو في حقيقته محاولة لقتل البالد ماديا وأدبيا، وذلك أن احتاللهم قد عمل على امتصاص كل خيرات الشعب، ومصادرة جميع موارده وسجن أروع قدراته، وتعويق أعظم ملكاته ـ وفي سبيل تنفيذ ذلك قد نقل األتراك من مصـر ـ أول احتاللهم ـ كثيرا من العلماء

والفنانين، وعديدا من الكتب والنفائس، ثم تركوا الدواوين وجعلوا أهم الرياسات واألعمال اإلدارية في أيدي األتراك

وأذنابهم من المماليك، ثم أكثروا من فرض الضرائب، وأهملوا كل إصالح، ولم يوجهوا أية رعاية إلى التعليم، حتى لقد أغلقت المدارس بل هدمت وانتهبت، وكانت النتيجة أن انطفأت شعلة الحياة العلمية في البالد، إال وميضا ينبعث من األزهر، الذي ظل مالذا لما بقي من

علوم الدين واللغة وإن كان يعاني في تلك اآلونة كثيرا من الجمود، لكل مظاهر الحياة في ذلك العهد.. كذلك

تعطلت الحركة األدبية بل تحجرت، وانحرفت اللغة العربية بل فسدت، فكثر فيها التركي والعامي وحادت عن

قواعد اإلعراب، وابتعدت عن سالمة التركيب العربي األصيل، وعندما تقرأ »بدائع الزهور في عجائب الدهور«

البن إياس وهو يمثل بداية العصر التركي، وتقرأ »عجائب اآلثار في التراجم واألخبار« للشيخ عبد الرحمن الجبرتي

ستجد مصداق ذلك. ويكفي لتصور المستوى العلمي وما بلغه من تخلف

حينذاك أن تقرأ ما حكاه الجبرتي عن دهشته البالغة هو وبعض إخوانه خالل زيارتهم لمعمل علمي من معامل

الفرنسيين، وحضورهم لبعض التجارب هناك، فقد تحدث الجبرتي عن ذلك كله وكأنه يتحدث عن عمل من أعمال

السحر فيقول:

354


» .. وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركسي لصناعة الحكمة والطب الكيماوي، ومن غريب ما رأيته في ذلك المكان أن بعض المستفيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوعة فيها بعض المياه المستخرجة،

فصب منها شيئا في كأس، ثم صب عليها شيئا من زجاجة أخرى، فغال الماء وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف ما في الكأس، وصار حجرا أصفر، فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه، ثم فعل

كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا ياقوتيا، ثم أخذ مرة شيئا قليال جدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه

بالمطرقة بلطف فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة، فيه أمور وأحوالانزعجنا منه فضحكوا منا... ولهم

.(1)وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج ال يسعها عقول أمثالنا« وهذا النص الذي أوردناه كاف للداللة على تواضع المستوى العلمي ألهل

هذا العصر حتى اعتبروا هذه العملية الكيميائية البسيطة نوعا من فعل السحرة أو أفعال الجان، والنص يشهد من جانب آخر على مدى ضحالة

الحس البالغي واللغوي، فضال عن غياب الجانب الجمالي الذي هو مطلب رئيسي من مطالب األدباء، هذا من ناحية النثر، أما من ناحية الشعر، فيكفي لتصور حال الشعر، وما مضى به من هزال وتستر وراء المحسنات أن تقرأ

مثل هذين البيتين لبعض الشعراء في وفاء النيل :النيل في مصـر أوفى

والناس قد أرخوه في توت حادي

وعاشر(2)لله جبر الخواطر

.36 ـ 35 ص 1( انظر عجائب اآلثار للجبرتي جـ (1 .21( تطور األدب الحديث في مصر ، د . أحمد هيكل ص (2

355


يقول الدكتور أحمد هيكل تعليقا على هذينالبيتين :

فالشاعر ليس عنده شيء يقوله إال التأريخ للعام الذي هـ، وهو ما أجهد الشاعر1117أوفى فيه النيل، وكان عام

نفسه ـ وأجهدنا معه ـ ليرمز إليه بحروف الشطر األخير. (1)من البيتين

على أن بعض نماذج الشعر كانت تخلو من المحسنات التي في مقدمتها التاريخ: وقد أشرنا إلى ذلك بأمثلة من

شعر الشيخ حسن البدري الحجازي، والشيخ عبد اللهالشبراوي.

( كانت عملية التأريخ لدى شعراء هذا العصر تتم على الوجه التالي :(1 ، ي =9 ، ط = 8 ، ح = 7 ، ز = 6 ، و = 5 ، هـ = 4 ، د = 3ج= ،2 ، ب =1لكل حرف من الحروف الهجائية رقم يقابله هكذا : أ =

،70 ، ع = 60 ، س = 50 ، ن = 40 ، م = 30 ، ل = 20 ، ك = 10 400 ، ت = 300 ، ش = 200 ، ر = 100 ، ق = 90 ، ص =80ف =

، غ =900، ظ = 800 ، ض = 700 ، ذ = 600 ، خ = 500، ث = +65 ، وعلى هذا تكون حروف كلمات الشعر األخير مقابلة بـ 1000205 + 847 = 1117.

356

إلى كتاب سيادتكم رقم 54 المؤرخ في 15/2/2004م، بشأن ... · web...

Documents