هكذا تكلم لقمان · web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن...

338
0

Upload: others

Post on 02-Jan-2020

6 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

0

Page 2: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

1

هذا الكتاب يحاول هذا الكتاب توضيح الكثير من الحقائق

والقيم التي قد يقع الخطأ فيها، بسبب عدم اعتماد الرؤية الكونية التوحيدية التي يدل عليها العقل، كما

تدل عليها النصوص المقدسة. وهو يناقش تلك المغالطات التي تقع فيها أمثال

تلك العقول، بطريقة تجمع بين الخطاب العقلي والتأثير العاطفي.. فالكتاب عبارة عن وصايا من أب

البنه، وال يمكن لألب أن يبلغ وصاياه من دون أن يمزج بين العقل والعاطفة.. فالعاطفة تيسر للعقل استقبال

األفكار، حتى ال يقابلها بالجدل. وذلك ال يعني ما يمارس في التأثير الخطابي من

االكتفاء التأثير العاطفي المجرد، فمعاذ الله أن تبلغ الحقائق بعيدة عن أدلتها.. ولكن المراد من ذلك

إبعادها عن الجدل الذي يبحث على االنتصار، ال علىالوصول إلى الحقيقة.

وهو يعتمد نفس منهج لقمان عليه السالم في موعظته البنه، والتي وردت في القرآن الكريم.. وورد

فيها الكثير من الحقائق التي تم عرضها بطريقةممتلئة بالحكمة.

ولذلك يحاول إحياء سنة لقمان في الموعظة، حتى ينتهجه اآلباء في تربيتهم ألبنائهم، واألساتذة في

توجيهاتهم لتالميذهم وطلبتهم، ذلك أن المناهجالخاطئة في تبليغ الحقائق قد تكون سببا للنفور منها.

Page 3: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

رسائل السالم

( 14)

مان لم ل ا ت ق ك هكذمة علمية وعملية كأربعون ح

د. نور الدين أبو لحية

www.aboulahia.com

بعة األول ىال ط

Page 4: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

120 ـ 1440 9

دار األنوار للنشر والتوزيع

1

Page 5: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى
Page 6: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فهرس المحتويات5المقدمة

7التجديد

9الحكمة

13شبهات

19شهوات

24الفناء

27دجل

32أماني

37عرفان

41الموت

47الشيب

51المرض

59البصيرة

62الشيطان

66الفقر

70همم

75سموم

79نيران

3

Page 7: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

84الغراس

88مضمار

92لهو

97صور

102أرزاق

107أجواء

113حجب

116سياسة

120اقتصاد

126فنون

130السياحة

134الحداثة

139الحرية

143التنوير

147العبودية

151الورع

156الطهارة

160العزة

165الذلة

4

Page 8: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

171الشقاوة

177السعادة

182الدنيا

187اآلخرة

5

Page 9: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

المقدمة يحاول ه__ذا الكت__اب توض__يح الكث__ير من الحق__ائق والقيم التي قد يقع الخطأ فيها، بسبب ع__دم اعتم__اد الرؤي__ة الكوني__ة التوحيدية التي يدل عليه__ا العق__ل، كم__ا ت__دل عليه__ا النص__وص

المقدسة. وهو يناقش تلك المغالطات ال__تي تق__ع فيه__ا أمث__ال تل__ك العق___ول، بطريق___ة تجم___ع بين الخط___اب العقلي والت___أثير العاطفي.. فالكتاب عبارة عن وصايا من أب البن__ه، وال يمكن لألب أن يبلغ وصاياه من دون أن يمزج بين العقل والعاطفة.. فالعاطف__ة تيس__ر للعق__ل اس__تقبال األفك__ار، ح__تى ال يقابله__ا

بالجدل. وذل__ك ال يع__ني م__ا يم__ارس في الت__أثير الخط__ابي من االكتفاء التأثير العاطفي المجرد، فمعاذ الله أن تبلغ الحق__ائق بعيدة عن أدلتها.. ولكن الم__راد من ذل__ك إبعاده__ا عن الج__دل

الذي يبحث على االنتصار، ال على الوصول إلى الحقيقة. وهو يعتمد نفس منهج لقمان عليه السالم في موعظت__ه البنه، والتي وردت في القرآن الكريم.. وورد فيه__ا الكث__ير من

الحقائق التي تم عرضها بطريقة ممتلئة بالحكمة. ول__ذلك يح__اول إحي__اء س__نة لقم__ان علي__ه الس__الم في الموعظة، حتى ينتهجه اآلباء في تربيتهم ألبن__ائهم، واألس__اتذة في توجيهاتهم لتالميذهم وطلبتهم، ذلك أن المن__اهج الخاطئ__ة

في تبليغ الحقائق قد تكون سببا للنفور منها. وه__و يتم__يز بتناول__ه ألك__ثر المس__ائل ال__تي له__ا عالق__ة بالجوانب المختلفة من الحي__اة الفكري__ة والديني__ة والسياس__ية واالقتصادية والفنية وغيرها.. والتي على ض__وئها جميع__ا يمكن

6

Page 10: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تش__كيل رؤي__ة تس__اعد على اتخ__اذ المواق__ف والق__رارات منالقضايا المختلفة.

ويتميز بتناول تلك القض__ايا من زواي_ا مختلف__ة تجم_ع بين الرؤية الواقعي__ة، والرؤي__ة المثالي__ة، وتح__اول أن ترف__ع الواق__ع ليصل إلى عالم المثال الذي دعت إليه رسل الله، وتنزلت به

هدايته لخلقه. وهو يضع لذلك الكثير من المناهج العملية البسيطة التي تيس__ر تحقي__ق ذل__ك التح__ول من الواق__ع اآلس__ن إلى الواق__ع

المثالي، الذي تتحقق فيه هداية الله لعباده. وهو من ]األربعيني__ات[ ال__تي نعتم__د فيه__ا ع__ادة على م__ا يحي__ط بالمس__ائل المختلف__ة المرتبط__ة بالموض__وع، وبطريق__ة يمكن أن يس__تفيد منه__ا عام__ة الن__اس وخاص__تهم، وباختص__ار

شديد. فالكتاب يحوي أربعين حكم__ة، ك__ل حكم__ة خصص__ت له__ا مقالة قصيرة، يمكن أن تكون خطبة أو موعظ_ة أو رس_الة أو منشورا.. حتى تصل إلى أكبر ع__دد من الق__راء، م__ع العلم أن أكثر ما ورد فيها من مع__ان، وباختص__ار، ورد مثل__ه أو م__ا ي__دل عليه مط__وال ومفص__ال في كتب أخ__رى من ه__ذه السلس__لة أو

غيرها.

7

Page 11: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

التجديد يا بني.. ربما تلومني ألني لم أحدثك من س__نين طويل__ة،

بل من آماد ممتدة، وعهود عراها البلى.. ال تلمني يا بني، فأنا لم أكن أتكلم كل تلك الف__ترة، ألني كنت متفرغ__ا للس__ماع.. وال يمكن ألح__د أن يجم__ع بين الكالم

والسماع. نعم يا بني.. فقد كنت أستمع للحياة، وهي تغ__ني أغانيه__ا المطرب__ة أو المحزن__ة.. وكنت أس__تمع لألحي__اء وهم يرقص__ون على نغماتها.. وقد تلقيت من تلك الرؤية وذلك السماع حكما كثيرة.. فال يمكن للحكيم أن يتلقى الحكم_ة إال بع_د أن ي_دمن الص___مت، وي___دمن مع___ه اإلص___غاء، وي___دمن معهم___ا الرؤي___ة

واالعتبار.. وم__ع ذل__ك، فال يمكن للحكيم أن يظ__ل ص__امتا، ف__أعظم الظلم أن نحبس الحكم__ة بين زواي__ا أفواهن__ا وص__دورنا.. إنن__ا بذلك نقيدها كما نقيد العصفور الذي خلقه الل__ه ح__را طليق__ا.. ب__ل نقي__دها كم__ا نقي__د قط__رات الغيث، لنح__ول بينه__ا وبين أن

تروي األرض، وتروي معها ظمأ اإلنسان، وجوع الحياة. بعد كل ذلك الزمن الذي نضجت فيه الحكمة في كياني، وتغلغلت معانيها في وجداني أذن لي أن أحدثك، كم__ا أذن لي

أن أحدثك من قبل.. وسأحدثك عن أشياء كثيرة.. منها بعض ما ذكرته لك من قبل.. ولكني أحتاج اآلن إلى ص__ياغة جدي__دة ل__ه.. فلك__ل زمن أسلوبه في الوع__ظ، ولك__ل زمن موس__يقاه ال__تي يط__رب له__ا

السامعون..

8

Page 12: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وبم__ا أن__ك اآلن س__تنزل إلى زمن غ__ير ال__ذي كنت في__ه، وستعيش مع ناس غير الذين كنت تعيش معهم.. فإني أحت__اج أن أؤهلك لهذه الحياة الجدي__دة.. فال يمكن أن تعيش الس__الم مع الحياة الجديدة، ومع األحياء الجدد ما لم تحفظ م__واعظي

وتعيها كما وعيتها أول مرة. لن أح__دثك عن الق__ديم المع__اد ص__ياغته فق__ط.. وإنم__ا سأحدثك معه عن جديد كثير.. جديد يتج__دد ك__ل ي__وم.. فأص__خ

سمعك لي كل يوم. فنحن اآلن في عص__ر يختل__ف كث__يرا عن العص__ر ال__ذي

حدثتك فيه أول مرة.. نحن اآلن في عص__ر يمل__ك ش__يئا اس__مه )التلفزي__ون(.. وآخر اسمه )اإلنترنت(.. وآخر اسمه )الصحافة(.. وآخر اسمه

)المذياع(.. وغيرها كثير. وك__ل ه__ذه األش__ياء لم تكن موج__ودة حين وعظت__ك أول مرة.. وله_ذا لم أذكره_ا ل_ك.. ول_و ك_انت موج__ودة ل_ذكرتها..

فهي أخطر من أن تخلو موعظتي عنها. أمام هذه األشياء الجديدة الغريبة وبين يديها يجث__و آالف آالف آالف البشر، بل يركعون جميع__ا كم__ا يركع__ون أم__ام رع وعشتار وأم__ون والالت والع__زى.. وهم يتلق__ون منه__ا فك__رهم وسلوكهم وحياتهم.. وهم يسلمونها في أحيان كثيرة نفوسهم

لتتصرف في توجيهها كما تشاء.. وله__ذا ف__إن الكث__ير منهم نس__ي م__واعظي القديم__ة.. واستبدلني بدجالين كثيرين.. ولوال ذلك الصياح المتواصل من الحياة الجميلة، ومن أولئك األحي_اء ال_ذين ال زال_وا يحتفظ_ون بقيم الحي__اة الجميل__ة م__ا كنت ح__دثتك.. فأص__خ س__معك لي..

فإني سأحدثك كما حدثتك أول مرة.9

Page 13: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الحكمة س__ألتني ___ ب__ني ___ عن الحكم__ة، ونعم م__ا س__ألت عن__ه.. فالحكمة ثمرة كل علم، ونتيجة كل بحث، وخالصة كل فك__ر.. ومن لم ينل من علمه وبحثه وفكره الحكم__ة، لم ين__ل ش__يئا..

وكان كالذي زرع ولم يحصد، أو حصد ولم يأكل. ف__إن أردت أن تحص__ل عليه__ا، فاش__حذ ذهن__ك، ونش__ط عقلك، واستعمل كل ما آت__اك الل__ه من لط__ائف.. فالحكم__ة ال ينالها الكسالى، وال يتحقق بها المقعدون.. بل هي هدي__ة الل__ه للذين أعملوا عقولهم ولم يعطلوها، وأعمل__وا ج__وارحهم، فلم

تقعد بهم عن أي خير. والحكمة ثمرة التأمل العميق ال__ذي ال يستس__لم ص__احبه ألي هوى، وال يجري م__ع أي نزغ__ة، ب__ل يتثبت ويت__أنى، إلى أن يظهر الحق.. فلك__ل ح__ق عالم__ات، ولك__ل باط__ل راي__ات.. وال يمكن للحكيم أن يستس__لم ألي راي__ة، م__ا لم ي__ر عالئم الح__ق

عليها. والحكمة ثمرة التجرب__ة والتواص__ل والتع__ارف والح__وار.. فالحكيم ليس ذلك المستكبر الذي ال يقن__ع إال بم__ا عن__ده، ب__ل هو الذي يستفيد من كل رأي، ويضم إلى عقل__ه ك__ل العق__ول، فال يقع فيما وقع في__ه غ__يره من الش__باك، وال يل__دغ من نفس

الجحور التي لدغوا بها. والحكمة ثمرة اإلخالص والصدق، ذلك أنها هبة من الله، والله ال يهب فض__له إال الص__ادقين المخلص__ين ال__ذين تخلص__وا من كل أنانياتهم وأهوائهم، فص__اروا رم__وزا للح__ق، ومص__اديق

للهدى، ومنارات للسراط المستقيم. والحكمة ثمرة المحبة.. ذلك أنك لن تص__ل للح__ق م__ا لم

10

Page 14: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تحبه.. فالحب هو الذي يجعلك مثل تلك الصفحة البيضاء التي تتقبل كل ما يكتب__ه عليه__ا الح__بيب.. والل__ه ال يكتب في قلب__ك

الحكمة حتى تمتلئ محبة له، وتفنى به عمن سواه. والحكمة ثمرة االتباع الصادق للذين جعلهم الله وس__ائط الهدى لعباده.. فيستحيل على الحكم__ة أن تت__نزل على ال__ذين أبوا الس_جود آلدم.. ذل_ك أن آدم لم يكن س__وى رم_ز للهداي_ة والكم__ال.. فمن س__جد ل__ه تحق__ق بالكم__ال، ومن تك__بر علي__ه

حصل له ما حصل إلبليس. والحكم____ة ثم____رة الص____مت والس____كون .. ذل____ك أن المض__طربين ال__ذين مألوا الك__ون ص__راخا لن يص__لوا لش__يء.. فأص__واتهم تحجب عنهم الحق__ائق، واض__طرابهم يمن__ع عنهم

استقرارها. هذه _ بني _ منابع الحكمة .. فإن شئت أن تكون حكيم__ا، فاعم__ل به__ا، وال تغرن__ك ك__ثرة العل__وم، ف__العلم ال__ذي ال ينتج حكم__ة، وال يفي__د تربي__ة، وال يثم__ر ترفع__ا وس__موا، لن يفي__دك

شيئا.. بل هو الجهل عينه. وقد روي في األخبار أن بعض__هم ص__حب بعض المش__ايخ مدة طويل__ة، وبع__د أن كتب الل__ه لهم__ا الف__راق، س__أل الش__يخ تلميذه: منذ متى صحبتني؟.. فقال التلميذ: من__ذ ثالث__ة وثالثين سنة.. فقال الشيخ: فم__اذا تعلمت م__ني في ه__ذه الف__ترة؟.. فقال التلميذ: ثماني مسائل.. فقال الشيخ: إنا لل__ه وإن__ا إلي__ه راجع__ون ذهب عم__ري مع__ك ولم تتعلم إال ثم__اني مس__ائل؟ ! ق__ال التلمي__ذ: ي__ا أس__تاذ لم أتعلم غيره__ا وال أحب أن أك__ذب..

فقال األستاذ: هات ما عندك ألسمع . قال التلميذ: أما األولى، فإني نظرت إلى الخلق ف__رأيت كل واحد يحب محبوب__ا ف__إذا ذهب إلى الق__بر فارق__ه محبوب__ه،

11

Page 15: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فجعلت الحسنات محبوبي فإذا دخلت القبر دخلت معي. أما الثانية، فنظرت في ق__ول الل__ه ع__ز وج__ل: }وأما من

فس عن الهوى ) ه ونهى الن ة هي40خاف مقام رب ( ف__إن الجن ({ )النازعات(، فعلمت أن قوله س__بحانه وتع__الى41المأوى )

هو الحق، فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت علىطاعة الله تعالى.

وأما الثالثة، فنظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ثم نظرت إلى قول الل__ه

__اق{ )النح__ل: ه ب __د الل (،96عز وجل: }ما عندكم ينفد وما عن فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته إلى الل__ه ليبقى

عنده محفوظا. وأما الرابعة، فنظرت إلى هذا الخلق، فرأيت ك__ل واح__د منهم يرج__ع إلى الم__ال وإلى الحس__ب والش__رف والنس__ب، فنظ__رت فيه__ا ف__إذا هي ال ش__يء ثم نظ__رت إلى ق__ول الل__ه

ه أتق__اكم{ )الحج__رات: __د الل __رمكم عن (،13تع__الى: }إن أكفعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريما.

وأم__ا الخامس__ة، فنظ__رت إلى ه__ذا الخل__ق وهم يطعن بعض__هم في بعض، ويلعن بعض__هم بعض__ا، وأص__ل ه__ذا كل__همنا الحس__د، ثم نظ__رت إلى ق__ول الل__ه ع__ز وج__ل: }نحن قس__

__اة ال__دنيا{ )الزخ__رف: (، ف__تركت32بينهم معيشتهم في الحي الحس__د، وعلمت أن القس__مة من عن__د الل__ه س__بحانه وتع__الى

فتركت عداوة الخلق عني. وأما السادس__ة، فنظ__رت إلى ه__ذا الخل__ق يبغي بعض__هم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضا ف__رجعت إلى ق__ول الل__ه ع__ز

خ_ذوه ع_دوا{ )ف__اطر: يطان لكم ع_دو فات (،6وجل: }إن الش فعاديته وحده واجتهدت في أخذ ح__ذري من__ه ألن الل__ه تع__الى

12

Page 16: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

شهد عليه أنه عدو لي، فتركت عداوة الخلق غيره. وأما السابعة، فنظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واح__د منهم يطلب هذه الكسرة، فيذل فيها نفس__ه، وي__دخل فيم__ا الة في يح__ل ل__ه، ثم نظ__رت إلى قول__ه تع__الى: }وم__ا من داب

ه رزقها{ )ه__ود: (، فعلمت أني واح__د من6األرض إال على الل هذه الدواب التي على الله رزقها، فاش__تغلت بم__ا لل__ه تع__الى

علي وتركت ما لي عنده. وأم__ا الثامن__ة، فنظ__رت إلى ه__ذا الخل__ق ف__رأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق .. هذا على ض_يعته .. وه_ذا على ص__حة بدنه .. وكل مخلوق متوكل على مخل__وق مثل__ه، ف__رجعت إلىبه{ )الطالق: ه فه__و حس__ ل على الل قول__ه تع__الى: }ومن يتوك

(، فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.3 هذه _ بني _ بعض ثمار الحكمة التي قطفها ه__ذا التلمي__ذ النجيب من خالل صحبته لشيخه، فاحرص على أن يك__ون ل_ك مثلها، أو احرص على أن تزي__د عليه__ا، ف__العلم ال__ذي ال يطه__ر

نفسك، وال يسمو بروحك لن يزيدك من حقيقتك إال بعدا. وإياك _ بني _ أن تتصور ني أحرض__ك على ت__رك العلم أو ترك االستكثار منه.. معاذ الله أن أفعل ذلك.. فالحكمة ثم__رة للعلم، وكلما استكثرت منه كثرت لديك ثمار الحكمة.. ولكني أحذرك من أن يكون مرادك من العلم االستكثار المجرد، فهو لن ينفعك.. بل ال ينفعك منه إال م__ا أردت ب__ه الح__ق والخ__ير.. فبهما وح__دهما تتحق__ق بحقيقت__ك، وبهم__ا وح__دهما ت__رقى إلى

مراتب الكمال التي هيئت لك.

13

Page 17: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

شبهات س__ألتني ___ ب__ني ___ فيم__ا مض__ى من األي__ام والس__نين عن الكثير من الش__بهات، وق__د أجبت__ك عنه__ا بم__ا أط__اق عقلي أن يجيب، ولس__ت أدري ه__ل ك__انت إج__ابتي كافي__ة لعقل__ك أم لم تكن؛ فمن الصعب لعقلي أن ي__درك بدق__ة م__ا في عقل__ك، وال

محل الشبهة فيه، وال المفاتيح التي تحلها. لذلك أذكر لك شيئا قد ينفع__ك في إزال__ة تل__ك الش__بهات من أساس__ها، ولن تع__ود حينه__ا بحاج__ة لي وال لغ__يري.. فالل__ه الذي أتاح لتلك الشبهات أن تجد محال لها في عقلك، أتاح لك كذلك الكث__ير من األدوي__ة ال__تي تزي__ل مادته__ا، وتطه__ر عقل__ك

وقلبك منها ومن آثارها، ومن غير مصدر خارجي. وأول تلك األدوية أن تعلم مصدر الشبهات.. فإذا عرفت__ه عرفت األدوية التي تقاومه، فنحن ال يمكنن__ا أن نع__رف كيفي__ة مقاومة الداء في أجسادنا م__ا لم نع__رف ن__وع الج__راثيم ال__تي

تغزوه، والفيروسات التي تحول بينه وبين التمتع بالصحة. وق_د أخبرن_ا ربن_ا ب_أن المص_در األك_بر للغواي_ة والض_الل والش__قاء ه__و إبليس، ذل__ك ال__ذي يبحث في قلوبن__ا عن مح__ل ليرسل من خالله الوساوس والشبهات ال__تي ق__د نتص__ور أنه__ا ولي__دة عقلن__ا الب__احث، بينم__ا هي في الحقيق__ة ليس__ت س__وى

إمالءات شيطانية كتبها في قلوبنا. لقد ق__ال تع__الى يص__ف تهدي__د الش__يطان بتحقي__ق ذل__ك:هم نن لهم في األرض وألغ__وين } ق__ال رب بم__ا أغ__ويتني ألزي

[40، 39( إال عبادك منهم المخلصين{ ]الحجر: 39أجمعين ) فهاتان اآليتان الكريمتان تصفان بدقة ك__ل المن__ابع ال__تي تصدر منها الشبهات، سواء كانت ش__بهات علمي__ة أو فلس__فية

14

Page 18: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أو نفسية أو اجتماعية.. أو لمعت بأي بري__ق، أو ض__مخت ب__أي عط__ر.. فهي جميع__ا وس__اوس ش__يطانية، اس__تطاع الش__يطان بحيله ودهائه وخبرته باإلنسان أن يحولها إلى أمور مستساغة يمكن لمن لم يس__تعمل عقل__ه بالطريق__ة الص__حيحة أن تم__ر

عليه، وتؤثر فيه. واآليت___ان الكريمت___ان تبين___ان أن المنهج ال___ذي اعتم___ده الشيطان لترسيخ تلك الش__بهات ه__و منهج ال__تزيين واإلغ__واء، وه__و ال يع__ني أن الش__يء الم__زين يحم__ل أي حقيق__ة جمالي__ة، ولكنه يعني أن ذلك الم__زين وض__ع بص__ورة بحيث تقب__ل علي__ه العين، أو يقبل عليه الذوق، ثم يقع اإلنس__ان فريس__ة ل__ه بع__د ذل__ك، مثلم__ا يق__ع الم__دمن فريس__ة ل__ذلك الش__راب، أو تل__ك المخ__درات ال__تي اس__تعملها م__رات عدي__دة إلى أن ص__ارت

متحكمة فيه. ول__ذلك أخ__بر الل__ه تع__الى أن من تزيين__ات الش__يطان__ير من ن لكث للمشركين قتل أوالدهم، قال تعالى: }وكذلك زيوا عليهم __ردوهم وليلبس__ المشركين قتل أوالدهم شركاؤهم لي__رون { ]األنع__ام: ه ما فعلوه فذرهم وما يفت دينهم ولو شاء الل

137] فمع أن هذه الظاهرة ال تتناسب أبدا م__ع م__ا جب__ل علي__ه اإلنسان من قيم الرحم__ة والحن__ان، وخصوص__ا على األوالد إال أن الشيطان عبر أدواته المختلفة، استطاع أن يجعل من ذلك التصرف سلوكا عاديا طبيعي__ا، أق__ره المجتم__ع، وراح يج__د من

يدافع عنه. وال نستغرب هذا، فهن__اك من راح__وا يض__عون النظري__ات العلمية التي تس__اند التمي__يز العنص__ري، أو تحض على العن__ف واإلرهاب وكل أنواع الجرائم.. وكل ذلك بش__بهات ينش__رونها،

سرعان ما تجد العقول التي تصدقها، وتعتقد بما فيها.15

Page 19: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وأنت تع__رف ي__ا ب__ني م__ا فع__ل الن__ازيون والمس__تعمرون والمجرمون على مدار التاريخ.. فهم لم يتحركوا وفق العق__ل اإلنساني السليم الذي جبلنا الله عليه، وإنما تحركوا وفق تلك التع__ديالت ال__تي أجراه__ا الش__يطان بفع__ل الوس__اوس ال__تي يوسوس بها، والتزيينات التي يزخرف بها الباطل ليحول__ه إلى

حق. ولذلك ال تنظ__ر ي__ا ب__ني لتل__ك التزيين__ات ال__تي زينت به__ا الشبهات، وال الزخارف ال__تي طليت به__ا، فهي ليس__ت س__وى زخارف أملتها الشياطين على أوليائها.. لقد ق__ال الل__ه تع__الىياطين اإلنس __ل نبي ع__دوا ش__ _ا لك _ذلك جعلن ي_ذكر ذل_ك: }وكاء والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو ش__

__رون{ ]األنع__ام: ك ما فعلوه فذرهم وم__ا يفت [، وق__ال:112رب___ائهم ليج___ادلوكم وإن ياطين ليوح___ون إلى أولي } وإن الش___

كم لمشركون{ ]األنعام: [121أطعتموهم إن لذلك أدعوك يا بني بدل أن تج__ري وراء الش__بهات لل__رد عليها، أن تعيد عقلك إلى وعيه وإنس_انيته وفطرت_ه الس_ليمة، ألن بعض من اس___تحوذ الش___يطان على عق___ولهم، ص___اروا منغلقين تمام___ا، ي___رون الحجج أم___امهم رأي العين، لكنهم ال يبصرونها، ألن الشيطان سد مناف__ذ بص__ائرهم، وأخ__رجهم من

إنسانيتهم، واستحوذ عليهم.تحوذ عليهم لق__د ذك__ر الل__ه تع__الى ذل__ك، فق__ال: }اس__

ه{ ]المجادل__ة: __ر الل اهم ذك يطان فأنس__ [، ثم ذك__ر أن19الش__ هؤالء لم يعد فيهم ش__يء من اإلنس__انية، وإنم__ا تحول__وا تح__واليطان أال إن ح__زب تاما إال شياطين، فقال: }أولئك حزب الش__

يطان هم الخاسرون { ]المجادلة: [19الش ثم ذكر صفاتهم الكبرى التي يعرفون من خاللها، فق__ال:ين { وله أولئك في األذل ه ورس______ ذين يح______ادون الل } إن ال

16

Page 20: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

[20]المجادلة: فالص__فة الك__برى له__ؤالء ال__ذين خرج__وا من إنس__انيتهم، وتحول__وا إلى ح__زب الش__يطان، ه__و مح__ادة الل__ه ورس__وله.. واالع___تراض على الل___ه ورس___وله.. وس___وء األدب م___ع الل___ه ورس___وله.. وت___وهم أن عق___ولهم أعلم بالحق___ائق من الل___ه

ورسوله.. __ا وهم في الحقيقة يرددون نفس مقول__ة الش__يطان: }أن

__ه{ ]األع__راف: __ر من [، ولكنهم ال يقولونه__ا آلدم علي__ه12خيالسالم، وإنما يقولونها لله ورسوله.

لذلك أنصحك يا بني أن تعيد مداركك إليك، وأن تخلص__ها من استحواذ الش__يطان عليه__ا، ألن__ك يمكن أن ت__رى الحق__ائق من غير بص__ر، وال أن تس__معها من غ__ير أذن، وأول م__ا يفعل__ه الش__يطان ه__و االس__تيالء على ه__ذه الم__دارك، ح__تى يص__بحم __ا لجهن اإلنسان أضل من األنعام، كما قال تعالى: }ولقد ذرأن كثيرا من الجن واإلنس لهم قلوب ال يفقه__ون به__ا ولهم أعين__ل معون به__ا أولئك كاألنع__ام ب ال يبصرون بها ولهم آذان ال يس__

[179هم أضل أولئك هم الغافلون{ ]األعراف: هذه يا بني حقيقة كل تلك الش__بهات ال__تي كنت تورده__ا علي كل حين.. لذلك أوصيك بأن تترك االنشغال بها، وانشغل بما يبعد الشيطان عن__ك، ويجعل__ه يه__رب بجن__وده من احتالل__ه

لمراكز اإلدراك فيك. وقد ذكر القرآن الكريم طريقة ذلك، وهي ذكر الله، ألن الشيطان ال يستحوذ على اإلنسان إال بعد نس__يانه ل__ذكر الل__ه،ه __ر الل يطان فأنساهم ذك كما قال تعالى: }استحوذ عليهم الش

[19{ ]المجادلة: ولذلك فإن الناسي لله، ليس ناسيا له فقط، وإنما ناسيا

17

Page 21: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لنفسه أيضا، ذلك أنه ال قيام له إال بالله، وال حف__ظ ل_ه إال ب__ه، ف__إذا ابتع__د عن__ه ص__ار غرض__ا لك__ل الس__هام.. وأوله__ا س__هامذين __وا كال شياطين اإلنس والجن، كما ق__ال تع__الى: }وال تكونقون{ ]الحش__ر: ه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاس__ نسوا الل

19] ولذلك كان الطريق الص__حيح لله__رب من الش__يطان ه__و__ذير مبين{ ي لكم منه ن ه إن وا إلى الل الهرب إلى الله.. } ففر

[50]الذاريات: فال يمكن__ك مدافع__ة الش__يطان بنفس__ك، وال بعقل__ك، وال بحزبك، وال بأي جهة.. فالشيطان قد توع__د أن يأتي__ك من ك__ل الجهات، حتى تلك الجهات التي تتصور أنها مع__ك ض__ده، ق__التقيم ) تعالى: } قال فبما أغويتني ألقعدن لهم صراطك المس__

____ديهم ومن خلفهم وعن أيم____انهم16 هم من بين أي ( ثم آلتين[17، 16وعن شمائلهم وال تجد أكثرهم شاكرين{ ]األعراف:

لذلك كان الحل األجدى لك هو الرجوع إلى الله والف__رار__ه إلي__ه، والتوك__ل علي__ه، فق__د أخ__بر الل__ه تع__الى أن__ه }ليس ل

__ون ) ل هم يتوك __وا وعلى رب ذين آمن لطان على ال م__ا99س__ ( إنركون { ___ه مش___ ذين هم ب ___ه وال ون ذين يتول لطانه على ال س___

[100، 99]النحل: وق__د كتب بعض المري__دين لش__يخه ي__ذكر ل__ه بعض تل__ك الوس__اوس ال__تي كنت تش__كو لي منه__ا ك__ل حين، فكتب ل__ه

شيخه يقول: )ال تشتغل بها.. واشتغل بالله يردها عنك( ثم قال له: )لقد غلط في هذا األمر خلق كثير، واشتغلوا__ه بمن آذاهم، فطال األذى مع اإلثم، ول__و أنهم رجع__وا إلى الل

لكفاهم أمرهم ولردهم عنهم( وق___ال آخ___ر لمري___ده: )الش___يطان كلب، إن اش___تغلت

18

Page 22: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بمقاومته م__زق اإله__اب وقط__ع الثي__اب، وإن رجعت إلى رب__كصرفه عنك برفق(

وقال آخر: )إن كان هو يرانا من حيث ال نراه، فالله يراهمن حيث ال يرى الله، فاستعن بالله عليه(

__ه ذاب الش__يطان من ن__وره وقال آخ__ر: )ومن ع__رف اللفلم يبق يعرف إال الله(

وقال آخر: )نحن قوم ال نعرف الشيطان(، فقي__ل ل__ه: أو ليس قد ذكره الله في كتابه؟ قال: )أجل، ولكن اشتغلنا بالله

فكفانا أمره حتى نسيناه( وق__ال آخ__ر: )ع__داوة الع__دو حق__ا هي اش__تغالك بمحب__ة الحبيب حقا، فإذا اشتغلت بعداوة العدو فاتتك محب__ة الح__بيب

ونال عدوك مراده منك( وهكذا افعل يا بني .. فكلما خطر عليك خ__اطر س__وء، أو وردت عليك شبهة.. اجلس بين يدي الله، واسأله أن يص__رفها عنك، وأن يردك إليه ردا جميال، وأن يصرف عن__ك ال__ذي يري__د أن يحجبك عن الله، وعن حقيقته.. وسترى حينها كي__ف ت__زال الشبهة، ال بدليل عقلي، وال بنص نقلي، وإنما بنور يقذفه الل__ه في قلب__ك ت__رى ب__ه الحقيق__ة رأي العين.. وال يمكن لمن ي__رى

شيئا أن يطلب الدليل عليه.

19

Page 23: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

شهوات سألتني _ بني _ عن الشهوات، وذكرت لي أنها المص__يدة التي أوقع بها الشيطان سهمه من بني آدم، فغ__واهم وأرداهم وأهلكهم، وأنس__اهم إنس__انيتهم، كم__ا أنس__اهم ربهم، فتحول__وا مثل تلك الشاة التي يجرها الجزار إلى المذبح بحفن__ة ش__عير،

أو حزمة حشيش. ثم طلبت مني أن أعطيك الترياق الذي تقضي به عليها، حتى ال يطمع فيك الشيطان وجنوده الذين حولهم إلى ص__فه،

فأصبحوا سدنة لمعبده، وعبيدا لسلطانه. وكما أوافقك يا بني في ح__ديثك األول، ف__إني ال أوافق__ك في الثاني، ذلك أن محال الشهوات ال__تي اس__تغلها الش__يطان ليست سوى تل__ك اللط__ائف الجميل__ة ال__تي زود الل__ه به_ا روح

اإلنسان، ليرتقي بها في سلم الكمال. ولذلك ك__ان القض__اء عليه__ا قض__اء على حقيق__ة اإلنس__ان نفسه، ونحن لم نطالب بقتل حقائقن__ا، وإنم__ا طولبن__ا ب__الرقي

بها.. نحن لم نطالب بوقف أجهزة هضمنا عن عمله__ا، لكونه__ا سببا في شهوة المطعم، ولكنا طولبنا بأن نعرف نوع الطعام ال__ذي نأكل__ه، وم__واقيت ذل__ك وآداب__ه ومق__اديره ليتناس__ب م__ع إنسانيتنا وكرامتنا وحقيقتنا.. حتى ال تصبح تلك األجه__زة حب__اال

نخنق بها أنفسنا، ونقضي بها على وجودنا. وهذا ما يفعله الشيطان الذي يضع أغالله في أعناق بني آدم عن__دما ال يحس__نون التعام__ل م__ع الش__هوات، أو عن__دما

يوجهونها خالف الوجهة التي تقتضيها طبيعتهم.

20

Page 24: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فالله تعالى وضع فينا الح_رص، وجبلن_ا علي_ه، لنس_تعمله في الحف__اظ على أنفس__نا، وع__دم ال__زج به__ا في المهال__ك، ولنستعمله في حفظ من كلفنا بحفظه، وتوفير كل ما يحتاجه

له.. ول__ذلك ك__ان الح__رص وس__يلة من وس__ائل الص__الح وأداء التك__اليف، فال يمكن أن يجاه__د نفس__ه من لم يكن حريص__ا

عليها وعلى مصالحها.. ولكن الح__رص نفس__ه ق__د يتح__ول إلى غ__ل يقت__ل روح اإلنسان، مثلما يتحول الطعام إلى سم يقض__ي علي__ه.. وذل__ك إذا خ__رج عن غايت__ه، وتح__ول من ح__رص إلى ش__ره وبخ__ل وأناني__ة .. حينه__ا ال يكتفي الح__ريص بتحقي__ق مص__الحه، وإنم__ا

يذهب إلى مصالح غيره، ليضمها إلى مصالحه. ولذلك فإن المشكلة ليست فيما وهبنا الله من طاق__ات، وإنما في ذلك االستخدام السيء لها، وقد أش__ار رس__ول الل__ه

إلى ذلك في بعض مواعظ__ه، فق__ال: )إنم__ا أخش__ى عليكم من بع__دي م__ا يفتح عليكم من برك__ات األرض(، فق__ام رج__ل فقال: يا رسول الله، أويأتي الخير بالش__ر؟ فق__ال ل__ه رس__ول

: )إن الخير ال يأتي إال بالخير، وإنه كلما ينبت الربيع ماالله يقتل حبطا أو يلم إال آكلة الخضر، كلما أكلت حتى إذا امتألت خاص__رتاها، اس__تقبلت الش__مس، فثلطت، ثم رتعت، وإن ه__ذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المس__لم لمن أخ__ذه بحق__ه، فجعله في س__بيل الل__ه، واليت__امى والمس__اكين وابن الس__بيل، ومن لم يأخذه بحقه، فهو كاآلكل الذي ال يشبع، ويك__ون علي__ه

(1)شهيدا يوم القيامة(

وهكذا _ يا بني _ كل الشهوات، فمن عرف كيف يتعام__ل

(.2842 ح)4/26)( صحيح البخاري 1

12

Page 25: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

معها ارتقى به__ا إلى الم__راتب العلي__ا في الكم__ال، ومن قص__رفي ذلك نزلت به إلى الدركات.

أال ترى أن الحب ش__يء واح__د، ولذت__ه واح__دة.. لكن من الناس من يوجهه إلى صور المخلوقين يفنى فيه__ا، ويس__تغرق في عبوديته لها.. ويتعذب بذلك كل أصناف العذاب، كما ق__ال

بعضهم يصف ذلك: أال ما الهوى والحب

بالشيء هكذا يذل به طوع اللسان

فيوصف ولكنه شيء قضىالله أنه

هو الموت أو شيءمن الموت أعنف فأوله سقم وآخره

ضنى وأوسطه شوق يشف

ويتلف وروع وتسهيد وهموحسرة

ووجد على وجد يزيد لكن من الن___اس من ي___ترفع عن أن يص___ير مغل___وال فيويضعف

سجون الصور، ب__ل ي__رتقي ببص__يرته إلى المص__ور، ل__يرى من عوالم الكمال والجمال ما ال يخطر على بال المس__جونين في

سجون الشهوات الدنية. وحين ي__رتقي إلى ذل__ك يكتش__ف ل__ذة الحب الحقيقي، ويشرب من كأسه، فتجتم__ع لدي__ه الل__ذة من أص__فى منابعه__ا، ويتجنب ك____ل ذل____ك الهم والحس____رة ال____تي يع____اني منه____ا المس__تغرقون في الش__هوات ال__تي تفرض__ها عليهم أبص__ارهم،

وتحجبهم بها عن بصائرهم. والغ__افلون عن__دما ي__رون أولئ__ك الم__ترفعين بش__هواتهم، يحزن___ون عليهم، ويتص___ورون أنهم يت___ألمون ل___ذلك، وهم ال يعلمون أنه ال يمكن مقارنة ما هم فيه من لذة وس__عادة، ب__أي

لذة أخرى. وقد ق__ال ش__اعرهم مقارن__ا بين تل__ك الل__ذات المح__دودة القص__يرة ال__تي ك__ان يج__دها في س__جن األن__ا، وتل__ك الل__ذات

22

Page 26: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الجديدة التي صار يعيشها عندما رحل إلى عالم الحقائق: كانت لقلبي أهواء

مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين

أهوائي فصار يحسدني منكنت أحسده

وصرت مولى الورى مذصرت موالئي تركت للناس دنياهم

ودينهم شغال بذكرك يا ديني

وقال آخر معبرا عن ذل__ك، وعن معانات__ه م__ع الش__هواتودنيائي المنغص__ة، وتنعم__ه بالش__هوات الحقيقي__ة الص__افية ال__تي لم

تكدرها أيادي الشياطين: كان يسبى القلب فى

كل ليله ثمانون بل تسعون نفسا

وأرجح يهيم بهذا ثم يألفغيره

ويسلوهم من فورهحين يصبح وقد كان قلبى ضائعا

قبل حبكم فكان بحب الخلق

يلهو ويمرح فلما دعا قلبى هواكأجابه

فلست أراه عنخبائك يبرح حرمت األمانى منك إن

كنت كاذبا وإن كنت فى الدنيا

بغيرك أفرح وإن كان شيء فىالوجود سواكم

يقر به القلب وله__ذا ك__انت معرف__ة الل__ه والتواص__ل مع__ه، من أعظمالجريح ويفرح

اللذات التي ال يمكن مقارنته__ا بتل__ك اللعب ال__تي يش__تغل به__ااألطفال:

من عرف اللهفلم تغنه

معرفة اللهفذاك الشقي ما يصنع العبد

بعز الغنى والعز كل العز

ولذلك قال ذلك الص__الح: )نحن والل__ه المل__وك األغني__اء،للمتقي نحن الذين قد تعجلنا الراحة في الدنيا، ال نبالي على أي ح__ال

أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله عز وجل(وقال آخر: )ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله(

23

Page 27: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وقال بعضهم لبعض الملوك، عندما طلب منه أن يس__أله بعض حاج__ات ال__دنيا: )أو تق__ول لي ه__ذا ولي عب__دان هم__ا سيداك(، فقال الملك متعجب__ا: )ومن هم__ا؟(، ق__ال: )الح__رص

والهوى، فقد غلبتهما وغلباك، وملكتهما وملكاك( وطلب بعض المري__دين من ش__يخه أن يوص__يه، فق__ال: ) كن ملكا في ال__دنيا تكن ملك__ا في اآلخ__رة(، فق__ال المري__د: )وكيف أفع_ل ذل_ك؟( فق_ال: )ازه_د في ال_دنيا تكن ملك_ا في

اآلخرة( هذه وصيتي بني إليك، لتعلم كيف تتعام__ل م__ع لطائف__ك، وترتقي بها إلى تلك العوالم الجميلة ال__تي ه__يئت له__ا.. فنحن لم ننزل إلى ه__ذه األرض، لننغمس في مس__تنقعاتها، ون__ذوب في طينها، لنتحول حجارة من حجارتها، وإنما نزلنا إليها لنشم عطر نسيمها، ونهتدي بها إلى عوالم الجمال، بع__د أن نتح__ول إلى أزه__ار عط__رة، فال يس__كن الجن__ان غ__ير الزه__ور.. أم__ا الحجارة، فقد أخبر الله تع__الى عن محله__ا، فق__ال: } ف__إن لماس والحج__ارة تي وقوده__ا الن ار ال قوا الن تفعلوا ولن تفعلوا فات

[24أعدت للكافرين { ]البقرة: والبشر ال__ذين أدمن__وا على الش__هوات الدني__ة، واختلطت بدمائهم وعروقهم، ليسوا أقل قس__وة من الحج__ارة، ذل__ك أن تلك الشهوات هي الغشاوة ال__تي غش__ت على بص__يرتهم، فلم يروا الحقائق، ولم يشموا عطورها الجميلة.. ول__ذلك ب__دل أن يسيروا إلى جنة الل__ذات الحقيقي__ة، س__اروا إلى جهنم الل__ذات

المزيفة.

24

Page 28: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الفناء ي__ا ب__ني .. ال يمكن__ك أن تجم__ع بين دعوت__ك للحقيق__ة ودعوت__ك لنفس__ك.. وال دفاع__ك عن الحقيق__ة ودفاع__ك عن نفسك.. فعالمة صدقك مع الحقيقة ذوبانك فيها، وفناؤك فناء تاما في جمالها وكمالها وبهائها بحيث ال ترى غيرها، ول_و ك_ان

ذلك المرئي نفسك. ل__ذلك الرج__لألم تعلم يا ب__ني م__ا قال__ه رس__ول الل__ه

الذي ذكر له حبه له، وأنه يتجاوز كل شيء إال نفسه؟

لقد قال له: )ال! وال__ذي نفس__ي بي__ده، ح__تى أك__ون أحب (1)إليك من نفسك(

إلى أن يتج__اوز فيأرأيت .. لق__د دع__اه رس__ول الل__ه حبه له نفسه أيضا، ألنه ال يمكن أن يجمع أحد بين ذلك الحب

المقدس، وحب النفس.. فال يمكن رؤي__ة الجم__ال المحم__دي ورؤي__ة النفس في

وقت واحد.. فرؤي__ة النفس حج__اب، والتعل__ق به__ا قي__د، والرك__ون له__ا س__جن، واالنش__غال به__ا وبمطالبه__ا هم__ة دني__ة تمن__ع من تل__ك الرحل__ة الجميل__ة ال__تي تط__ير به__ا ال__روح إلى ع__والم الكم__ال

المهيأة لها. يا بني .. ال تظنن أن الفناء عن نفسك، ه__روب منه__ا، أو

تحقير لها، أو نزول بها إلى عوالم العدم المظلمة.. من محبي__ه أنكال .. فمعاذ الله أن يطلب رسول الله

(6257 )2445/ 6)( رواه البخاري 1

25

Page 29: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يفعلوا ذلك.. وإنما الفناء عن النفس ارتقاء بها.. ذلك أن__ه ال يمكن أن يرتقي أحد، وهو ينظر إلى مرآة نفسه، بكل نرجسية وعش__ق

وإعجاب .. فهل رأيت في الدنيا من وصل إلى الكمال، وه__و معجب

بنفسه، يجثو أمام محرابها مصليا خاشعا؟ وه___ل رأيت أح___دا ارتقى في م___راتب الكم___ال العلمي والعملي، وه__و ف__رح بم__ا عن__ده من العلم، مزه__و بأعمال__ه،

مستغرق في اإلعجاب بها؟ كال .. ومعاذ الله أن تتاح تلك المراتب الرفيعة لمن ه__ذا حاله.. فأول ما يتجاوزه الصديقون أنفسهم، حيث يلقونها في

عوالم الفناء، ليرتدوا حلة الحقيقة، ويذوبوا في جمالها. وحين ذاك تكس__ر أوانيهم لتظه__ر مع__انيهم.. ف__األواني حجاب عن المعاني، وال يمكن أن تصل للمعاني، وأنت متعلق

باألواني.. وأول األواني نفسك. لقد قال بعض الحكماء معبرا عن الجرائم ال__تي يرتكبه__ا من ينظر إلى نفسه، وينشغل بها عن النظر للحقيق__ة والفن__اء فيها: )أص__ل ك_ل معص__ية وغفل__ة وش__هوة الرض__ا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة ع__دم الرض__ا من__ك عنه__ا، وألن تصحب ج__اهال ال يرض__ى عن نفس__ه خ__ير ل__ك من أن تص__حب عالما يرضى عن نفسه فأي علم لع__الم يرض__ى عن نفس__ه ؟

وأي جهل لجاهل ال يرضى عن نفسه ؟( هذا ما قاله هذا الحكيم، وهذا ما يقوله عقلك وفطرتك.. فنفس__ك حجاب__ك.. وال يمكن أن تص__ل إلى روح__ك ال__تي هي

محل سرك، وأنت مشغول بالنظر إلى نفسك.

26

Page 30: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يا بني .. ال تظنن أني أدعوك ألن تفعل ما فعله الرهب__ان الذين راحوا يعذبون أجسادهم، ليقمعوا أنفسهم.. فمعاذ الل__ه أن أدعوك لتزدري نعم الله عليك، أو تخون أمانة هذا الجس__د الذي أودعه الله عندك، فال يمكن لحياتك أن تستقر أو تستمر

وأنت تعذب جسدك.. ما أردت يا بني إال شيئا واحدا، وهو أال تنش__غل بجس__دك ومطالب__ه، وال بنفس__ك ومطالبه__ا، فمط__الب نفس__ك ال تنتهي،

: )لو ك__ان البن آدم وادي__ان من م__ال،وقد قال رسول الله (1)البتغى لهما ثالثا، وال يمأل جوف ابن آدم إال التراب(

وله_ذا ف_إن أول م__ا تس_د ب__ه تل__ك المط_الب الدني__ة هي الترفع للمراقي العالية، ال__تي تجعل__ك تنظ__ر بس__خرية ألولئ__ك ال__ذين يقض__ون أعم__ارهم في ملء دالء أنفس__هم المثقوب__ة،

والتي لن تمألها بحار الدنيا. ي__ا ب__ني .. ه__ل تتص__ور أن أولئ__ك الس__حرة ال__ذين آث__روا

الصلبان على عزة فرعون كانوا ينظرون إلى أنفسهم؟ كال فل__و فعل__وا ذل__ك، لم__ا ق__الوا لفرع__ون بتل__ك الع__زة__ا نات والذي فطرن اإليمانية: }لن نؤثرك على ما جاءنا من البي

__اة ال__دنيا ) ي ه__ذه الحي م__ا تقض__ ا72فاقض ما أنت قاض إن ( إنه حر والل نا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من الس ا برب آمن

[73، 72خير وأبقى { ]طه: لقد قالوها بكل عزة، وفي مواجهة أك__بر ط__اغوت، ألنهم حينها لم ينظروا إلى نفوسهم وض__عفها وش__هواتها وقص__ورها، وإنما كانوا ينظرون لمن هو خير وأبقى، فلذلك استطاعوا أن

يتحولوا إلى بركان ثائر، هز أركان الطاغوت.

(.1808(، مسلم )6436 ح)8/92)(صحيح البخاري 1

27

Page 31: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ل__ذلك لم يكن النظ__ر إلى النفس حجاب__ا عن الحقيق__ةفقط، بل كان أيضا حجابا عن القيم العظيمة المرتبطة بها..

فالتضحية واإليث__ار هي أول المط__الب ال__تي تطالب__ك به__ا القيم.. وال يمكن لمن ي__رى نفس__ه، ويعجب به__ا، وي__دعو له__ا، ويدافع عنها، أن يق_دم أي تض_حية، أو أي إيث_ار، وكي_ف يفع_ل ذل_ك، وه_و ال يتق__دم وال يت__أخر إال تنفي__ذا لمطالبه_ا، ورض__وخا

ألهوائها.

28

Page 32: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

دجل سألتني ب_ني عن ال_دجال ال_ذي ح_ذر من_ه ك_ل األنبي_اء.. وعن زمان__ه، وعن الخ__وارق ال__تي ي__أتي به__ا، والبش__ر ال__ذين

يضلهم. وأنا ال أدعوك لتك_ف عن س_ؤالك عن__ه، وال ل_ترك الح_ذر منه، فمعاذ الله أن أتجرأ؛ ف__أعقب على م__ا ذك__روه، أو أه__ون

منه، أو أحقر من شأنك. ولك__ني أنبئ__ك ب__أن أولئ__ك األنبي__اء ال__ذين ح__ذروك من الدجال، الذي قد يدركك زمانه، وقد ال يدركك، ح__ذروك أيض__ا

..(1)من دجالين كثيرين ال يخلو منهم عصر من العصور

ول___ذلك ك___ان األهم من الس___ؤال عن ال___دجال وزمان___ه والخوارق التي يأتي بها، الس__ؤال عن المس__الك ال__تي يس__لك بها أولئك الدجالون الكثيرون إلى قلبك ودين__ك، ليبع__دوك عن

ربك، وعن حقيقتك. فاس__مع ___ ب__ني ___ لتح__ذيراتي.. فأن__ا لم أقله__ا من عن__د نفس__ي، وإنم__ا س__معتها من كلم__ات األنبي__اء والص__ديقين .. وقرأته__ا في كلم__ات ربي المقدس__ة ال__تي امتألت بالتح__ذير

منهم، ومن فتنهم. اسمع يا بني .. إن أول الدجالين، وأخط_رهم ذل_ك ال_ذي يشوه الل__ه في عقل__ك وقلب__ك، ويمل__ؤك بالخي__االت الفاس__دة،

: )ال تقوم الساعة حتى)( من األمثلة على ذلك ما ورد في الحديث من قوله 1

يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة وال تقوم الساعة حتى يبعث ،3609دجالون كذابون قريبا من ثالثين كلهم يزعم أنه رسول الله( )رواه البخاري

(7187، وأحمد 2218، والترمذي 4333، وأبو داود 157ومسلم

29

Page 33: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فتتوهم الله جرما من األجرام، أو وثنا من األوثان.. فتق__ع في الشرك.. فالله ال تحده الحدود، وال يحل في مكان، وال يش__به

خلقه بأي وجه من الوجوه. وق__د روي أن بعض الص__ديقين ذك__ر ل__ه بعض م__ا يقول__ه الدجالون الذين يتبعون المتشابه، وينش__رون الوثني__ة في أم__ة

، فقال: )س__بحان من ال يعلم أح_د كي__ف ه_و إالرسول الله ير ]الش__ورى: ميع البص__ يء وه__و الس__ __ه ش__ ليس كمثل ﴾ه__و، ﴿

[ ،ال يح____د وال يحس وال يجس وال تدرك____ه األبص____ار وال11 الحواس وال يحيط به شيء وال جس__م وال ص__ورة وال تخطي__ط

(1)وال تحديد(

وقال: )إن الله تعالى ال يشبهه شيء، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق األش__ياء بجس__م أو ص__ورة أو

(2)بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا(

ولذلك احذر بني من هؤالء.. واعتصم بكت__اب الل__ه، فق__د تجلى الل__ه تع__الى لخلق__ه في كتاب__ه ليعرف__وه.. وال تبحث عن معرفة الذات، فإنك لن تقدر قدرها.. واكتف بم__ا ذك__ره رب__ك

من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ففيها الغنى والكفاية. وال تبحث _ بني _ عن تلك األسرار التي ال يطيقها عقلك، فأنت لم تنزل في هذه الدنيا، لتبحث عن أسرار رب__ك، وإنم__ا نزلت إليها لتطهر نفسك، وتمألها باألخالق الرفيع_ة.. ف_إذا م_ا تطهرت، وارتقت، صارت قابلة لتنزل الحق__ائق من غ__ير جه__د منك، فمعرفة الله هبة إلهية، ال تحل إال في القلوب الط__اهرة

الممتلئة بالصدق واإلخالص.

.1/104)( الكافي 1

. 1/105)( الكافي2

30

Page 34: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

واح__ذر ___ ب__ني ___ بع__د ه__ذا من أولئ__ك ال__دجالين ال__ذين يدعونك لترك العمل، ويمألونك باألمان الكاذب، فالل__ه تع__الى نهان__ا أن نتع__دى ح__دوده، أو نقص__ر في تنفي__ذ عهودن__ا مع__ه، وتوعدنا بالعذاب إن فعلن__ا ذل__ك، وم__ا ك__ان لن__ا أن نتع__دى م__ا ذكره ربنا، أو نتجاوزه، أو نهون من__ه.. لق__د ق__ال تع__الى: } إن__ا قليال أولئك ال خالق ه وأيم__انهم ثمن ترون بعه__د الل ذين يش__ ال__وم القيام__ة __ر إليهم ي ه وال ينظ مهم الل لهم في اآلخ__رة وال يكل

يهم ولهم عذاب أليم{ ]آل عمران: [77وال يزك وأخبر أن الدجالين من هذه األمة الذين يمألونك بالغرور الك__اذب، ال يختلف__ون عن أولئ__ك ال__دجالين من أه__ل األدي__انار نا الن األخرى، والذين كذبوا على أقوامهم، }وقالوا لن تمس__

ام__ا مع__دودة { ]البق__رة: [، ف__رد الل__ه تع__الى عليهم80إال أيه عه__ده أم __ف الل ه عه__دا فلن يخل __د الل خ__ذتم عن بقول__ه: }أت

ه ما ال تعلمون { ]البقرة: [، ثم أخ__بر عن80تقولون على الل قانون الجزاء والعقوبة الذي شرعه الله لخلقه جميعا، فق__ال:حاب __ه فأولئك أص__ ئة وأحاطت به خطيئت } بلى من كسب سي

ار هم فيها خالدون ) الحات81الن __وا الص__ __وا وعمل ذين آمن ( والة هم فيها خالدون{ ]البقرة: [82، 81أولئك أصحاب الجن

ول__ذلك إذا ص__حبت شخص__ا، فحول__ك من الطاع__ة إلى المعصية، أو من الذكر إلى الغفلة، أو من العمل إلى الكسل، فاعلم أنه دجال.. فالعارف بربه من أكثر الن__اس خش__ية لل__ه،ن ل أحس__ __ز ه ن وعبودية له، وقد قال تعالى في وصفهم: } اللون ذين يخش__ الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود اله __ك ه__دى الل ه ذل __ر الل هم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذك ربه فما له من هاد { ]الزم__ر: يهدي به من يشاء ومن يضلل الل

23] فهؤالء الذين ترتعش قلوبهم، وهم يق__رؤون كت__اب الل__ه،

13

Page 35: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

هم ال__ذين يفهم__ون مقاص__د كالم ربهم، ألن__ه ال يفهمه__ا ذل__ك ال__دجال المت__اجر به__ا، وإنم__ا يفهمه__ا من امتأل باإليم__ان بالل__ه وتعظيم__ه ومحبت__ه وخش__يته، فل__ذلك ال يتح__رك أي حرك__ة إال

وكان الله دليله عليها. واحذر _ بني _ بعد هذا من أولئك الذين يتبعون ما تش__ابه من الكتاب، ويتركون محكمه.. أولئ__ك ال__ذين ترك__وا الحق__ائق الجلية، وراحوا يجادلون في األلف__اظ والمع__اني، ومألوا دينهم بالفتنة والزيغ، أولئك الذين حجبوا عن كالم ربهم، ألنهم مألوهذي بالجدل والخصومة، لقد قال تع__الى في وص__فهم: }ه__و ال__اب وأخ__ر __ات محكم__ات هن أم الكت أنزل عليك الكتاب منه آي__ه ابه من بعون ما تش__ ذين في قلوبهم زيغ فيت متشابهات فأما الاسخون ه والر ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إال الل__و ر إال أول __ذك نا وم__ا ي ا به كل من عند رب في العلم يقولون آمن

[ 7األلباب{ ]آل عمران: وهكذا يا ب__ني اح__ذر من أولئ__ك ال__دجالين ال__ذين يمألون قلبك أحقادا على المسلمين أو غيرهم، فمعاذ الله أن يجتم__ع الحقد مع اإليمان في محل واحد.. فاإليم__ان طمأنين__ة وس__الم

ومحبة.. ومن دعاك إلى الحقد دعاك إلى الكفر والضاللة.__انوا ق__وا دينهم وك ذين فر واحذر ___ ب__ني ___ من أولئ__ك }ال

_ديهم فرح_ون { ]ال_روم: [.. أولئ_ك32شيعا كل ح_زب بم_ا ل الط__ائفيين ال__ذين ترك__وا ال__دعوة إلى الل__ه ورس__وله والقيم

النبيلة، وراحوا يدعونك إلى أنفسهم، وشيوخهم.. وأول عالم___اتهم دعوت___ك للص___راع م___ع المس___لمين، وتكف__يرهم، وقتلهم، ومأل القل__وب حق__دا عليهم.. فك__ل من

دعاك إلى ذلك شيطان. ول__ذلك ك__ان من أول عالم__ات الص__ديقين دعوت__ك إلى

32

Page 36: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الوحدة بين المسلمين، والسالم بين الع__المين.. فالل__ه تع__الى لم يخلقنا مختلفين ليصارع بعض__نا بعض__ا، وإنم__ا خلقن__ا ك__ذلك

ليعرف بعضنا بعضا، ويستفيد بعضنا من بعض. وهكذا، احذر _ بني _ من أولئك الدجالين ال__ذين يمألون__ك بالخراف__ة وال__دجل والش__عوذة.. ف__دين الل__ه دين علم، ومن اعتقد بأن العلم يخالف ال__دين فإن__ه جاه__ل بكليهم__ا.. ف__العلم يعرفك بخلق الله، وسننه في كونه.. والدين يعرف__ك بش__ريعة الله، وسننه في الحي__اة.. وكالهم__ا يخ__دم اآلخ__ر.. ب__ل كالهم__ا

دين.. وكالهما علم. وهك__ذا، اح__ذر ___ ب__ني ___ من أولئ__ك ال__دجالين ال__ذين يتس__ابقون إلى وس__ائل اإلعالم، وينش__رون ص__ورهم في ك__ل محل، فهؤالء ال يدعونك إلى الله، وإنما يدعونك إلى أنفسهم، فأول عالمات العالم فن__اؤه عن نفس__ه ب__الحق ال__ذي يحمل__ه.. ولذلك يمتلئ خجال إن ذك_ر في المج_الس.. ألن_ه لم ي_دع إلى

ذكر اسمه، وإنما دعا إلى ذكر اسم الله. هذه _ بني _ بعض صفات ال__دجالين.. فاحفظه__ا.. واح__ذر من أن يتسللوا إليك، وإلى قلبك وعقلك.. ف__دينك رأس__مالك، وب__ه نجات__ك وس__عادتك، فال تس__لمه إال لمن تث__ق في ص__دقه

وإخالصه وتقواه. ف__إن فعلت ذل__ك أمنت من ش__ر ك__ل ال__دجالين .. ليس ال__ذين يعاص__رونك فق__ط.. وإنم__ا من جميعهم ح__تى من ذل__ك ال__ذي ال ي__زال يخت__بئ في ع__والم الغيب، ينتظ__ر من رس__له الصغار أن يمهدوا له العقول والقلوب، لينش__ر فتنت__ه الك__برى

في األرض.

33

Page 37: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أماني سألتني بني عن األماني.. وق__د ذك__رت ل__ك أنه__ا ثنت__ان.. أوالهم__ا ممل__وءة بالك__ذب وال__دجل والخراف__ة، ألن__ه يغ__ذيها

الشيطان، ويسقيها الهوى، ويربيها الكذب على النفس. وأما الثانية، فمملوءة بالصدق والعقالنية والحقيقة، ألن__ه

يغذيها الله، ويسقيها العقل، ويربيها الصدق والوفاء. أما أوالهما، فتلك التي ذكره__ا الل__ه تع__الى، وح__ذر منه__ا،وءا كم وال أماني أهل الكتاب من يعمل س__ فقال: }ليس بأمانييرا{ ]النس__اء: ا وال نص__ ه ولي __ه من دون الل __ه وال يج__د ل يج__ز ب

123] وهي تخاطب ك__ل البش__ر وت__دعوهم لع__دم الك__ذب على أنفسهم، فلن ينفعهم عند الل__ه إال الس__ير وف__ق الس__نن ال__تي رتبها، والنظم التي وضعها.. ال السنن التي عجنوها بأهوائهم، ورتبوها بعقولهم، ثم راح_وا يفرض_ونها على الل__ه، وك_أن الل__ه

تعالى في عزه عبد من عبيدهم أو خادم من خدمهم. مع أنهم هم أنفسهم يترفعون أن يتأمر عليهم أح__د فيم__ا يملكون، أو يتدخل في الشؤون التي يرونها خاصة بهم، والتي يعتقدون ملكيتهم لها، مع أنها ليست ملكي__ة حقيقي__ة، ب__ل هي

مجرد إعارة سرعان ما تخرج من أيديهم. وفوق ذلك، فإن العقول كله__ا تس__لم أن__ه ال يمل__ك وض__ع ق__وانين الج__زاء والعقوب__ة إال ص__احب المل__ك والحكم واألم__ر، وهل هناك مزاحم لله في ملكه أو حكمه أو أمره، حتى يض__ع

معه القوانين، أو يقترح عليه ما يهوى، وما ال يهوى؟ والعقول كله_ا تس_لم أن من أحي__ا أرض__ا موات__ا فهي ل__ه،

34

Page 38: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ومن اخ__ترع ش__يئا ن__ال ب__راءة اختراع__ه، وال يح__ق ألح__د أن يش__اركه في__ه.. وهك__ذا األم__ر م__ع ه__ذه األك__وان ال__تي لم تكن لتوج__د ل__وال الل__ه.. فالل__ه باريه__ا.. وم__ا ك__انت لتحي__ا.. فالل__ه محييها.. وما كانت لتنال أرزاقها.. فالله هو ال__رزاق ذو الق__وة

المتين. ولذلك كان العقل السليم داعية للبحث عن ق__وانين ه__ذا اإلله المبدع المحيي الرزاق.. التباعها بدقة، والثق__ة فيه__ا ثق__ة مطلقة.. ذلك أنه يستحيل أن يب__دع ك__ل ه__ذا اإلب__داع، ويفيض كل هذه الفيوض__ات، ثم يقص__ر بع__د ذل__ك في وض__ع الق__وانين التي تناسبها.. وهو نفسه ال__ذي وض__ع ق__وانين ال_ذرة والخلي__ة

والمجرة وكل شيء. ل__ذلك ك__ان اله__رب من الل__ه إلى النفس، ك__الهرب من الس__هول والتالل الممل__وءة بأص__ناف األزه__ار والثم__ار.. إلى

الفيافي القاحلة المملوءة بالحيات والعقارب. وال__ذي يفع__ل ذل__ك.. ثم يرج__و النج__اة والف__وز.. يك__ون صاحب أماني كاذبة.. فاألزهار ال تنبت في الفيافي الج__رداء.. وإنما تنبت في األراضي الطيبة اللينة الهين__ة.. ال__تي يتعاه__دها

أصحابها بالسقي كل حين.لقد قال الشاعر عن ذلك الغرور الذي يصيب هؤالء:

فينة ال تجري ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السعلى اليبس

وصدق في ذلك، فسنة الله تعالى في السفن أال تج__ري إال في البحار واألنهار.. والعقول ال__تي تري__دها أن تجريه__ا في

الجبال والتالل عقول واهمة، ال تعيش إال في الخيال. لذلك كان من مقتضى العق__ل والحكم__ة أن نتعام__ل م__ع

35

Page 39: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الملك__وت بنفس تعاملن__ا م__ع المل__ك.. ونتعام__ل م__ع ق__وانين اآلخرة بنفس تعاملنا مع قوانين الدنيا، حتى ال نق__ع في حب__ال

األوهام الكاذبة. وحينها يمكننا أن نتمنى األم__اني الص__ادقة ال__تي يص__دقها الحال والعمل.. فالفالح ال__ذي يح__رث األرض، ثم يزرعه__ا، ثم يسقيها، ثم يتعاهدها بكل ما تحتاجه من ص__نوف الرعاي__ة ه__والوحيد الذي يحق له أن يتمنى رؤية الثمار، واالستفادة منها.

أم__ا ذل__ك الك__اذب ال__ذي ينظ__ر إلى األرض، ويتم__نى أن تخرج له خيره__ا من غ__ير أن يب__ذل أي جه__د، وال أن يق__دم أي عمل، فهو كاذب على نفسه، وعلى رب__ه.. فالل__ه ال__رزاق ه__و نفسه الذي أمرنا ببذل الجهد، حتى ننال الثمار التي نرجوه__ا،

وفي كل المجاالت. وقد قال مبينا سبل الهداية، وأنها ال تن__ال إال بالمجاه__دة:ه لم____ع بلنا وإن الل هم س____ ____ا لنه____دين ذين جاه____دوا فين }وال

نين{ ]العنكب____وت: [، فق____د رتب الهداي____ة على69المحس____ المجاه___دة، وال يمكن ألح___د ن___ائم وكس___ول أن ين___ال أج___ر

المجاهدين. هو القي__ام، ألنولذلك كان أول ما أمر به رسول الله

مل ) ه__ا المز القاعد ال يمكن أن يفعل شيئا، قال تع__الى: }ياأييل إال قليال { ]المزمل: 1 ر2، 1( قم الل ها المدث [، وقال: }ياأير )2( قم فأنذر )1) ك فكب __ك فطهر )3( ورب ج__ز4( وثياب ( والر

ك فاصبر { ]الم__دثر: 6( وال تمنن تستكثر )5فاهجر ) 1( ولرب -7]

ولذلك فإن الذي ال يقوم، بل يظ__ل مت__دثرا، وم__تزمال لن كل م_ا أوتي من طاق_ة،ينال شيئا.. ولهذا بذل رسول الله

وتحرك في ك__ل المج__االت إلى أن أدى الرس__الة ال__تي وكلت

36

Page 40: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

إليه أحسن أداء. وم__ع ذل__ك كل__ه ك__ان يك__ثر من االس__تغفار، الستش__عاره التقصير في حق الله، وكان يردد كل حين: ، وه__ذا من كم__ال عبوديته، وعظم مقام األلوهي__ة عن__ده، وفي ه__ذا ك__ان يق__ول: )إن__ه ليغ__ان على قل__بي، وإني الس__تغفر الل__ه في الي__وم مائ__ة

، وكان يقول: )يا أيه__ا الن__اس توب__وا إلى ربكم، ف__إني(1)مرة( (2)أتوب إلى الله عز وجل في اليوم مائة مرة(

بل إن الله تعالى أمره أن يقول بعد ذلك كله: }ق__ل م__ا__ع ب سل وما أدري ما يفع__ل بي وال بكم إن أت كنت بدعا من الر

[، فاآلي__ة9إال ما يوحى إلي وما أنا إال نذير مبين { ]األحقاف: ك__ان يك__ل علم مص__يرهالكريمة تنص على أن رسول الله

إلى الله تعالى. بل ورد في الحديث الشريف ما يدل على ه__ذا، فعن أم العالء أنه__ا ق__الت بع__د وف__اة عثم__ان بن مظع__ون ___ وه__و من

في ك__ل المحنالصحابة األوائل الذين ثبتوا مع رسول الله التي مر بها _: )رحمة الله عليك أبا الس__ائب ش__هادتي علي__ك،

__ه مص__ححالقد أكرمك الله تع__الى(، فق__ال له__ا رس__ول الل وموجها: )وما يدريك أن الله أكرمه؟(، فقالت: )ال أدري ب__أبي

: )أم__ا عثم__انأنت وأمي يا رسول الله(، فقال رسول الله فقد جاءه والله اليقين، وإني ألرجو له الخ__ير، والل__ه م__ا أدري وأنا رسول الله م__ا يفع__ل ب__ه( ، ق__الت: فوالل__ه ال أزكي أح__دا بعده أبدا، وأحزنني ذلك، ق__الت: فنمت، ف__أريت لعثم__ان عين__ا

، فأخبرت__ه، فق__ال: )ذاكتج__ري، فجئت إلى رس__ول الل__ه (2702 ح)4/2075)(صحيح مسلم 1

( و )446( ، والنسائي في عمل اليوم والليلة )42( )2702)( رواه مسلم )2

( وغيرهما.447

37

Page 41: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1)عمله(

ثم يأتي بعد ذلك أصحاب األماني الكاذبة ليوهموا الناس أن األم__ر يس__ير، وأن__ه ليس عليهم ش__يء.. ب__ل بمج__رد أن يخرجوا من هذه الدنيا يدخلون الجنان، من غير أن يب__ذلوا أي

جهد في غرس أشجارها، أو بناء قصورها، أو تنقية أرضها. مع أن الجنة ليست سوى ثمرة لألعمال.. فمن لم يعمل في دنياه لم يجد في آخرته.. وقد ذكر الله تع__الى ذل__ك، وبين

اس أشتاتا ليروا أعمالهم ) (6قوانينه، فقال: }يومئذ يصدر الن__ره ) ة خيرا ي ة7فمن يعمل مثقال ذر ( ومن يعم__ل مثق__ال ذر

ا يره ) [8 - 6({ ]الزلزلة: 8شر هذه نصيحتي إليك، وألن تلقى قوما يخوفونك حتى تج__د

األمان، خير من أن تلقى قوا يؤمنونك حتى تجد المخافة.. فاعمل صالحا _ يا بني ___ في دني__اك، واس__تغفر الل__ه من التقصير، وخذ العبرة بذلك الطاهر الذي قدم كل ش__يء لل__ه، لكنه عندما س_أل الل_ه في عرف_ات ق_ال وال_دموع تنهم_ر من

: )يا أسمع السامعين، وي__ا أبص__ر الن__اظرين، وي__ا أس__رععينيه الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد و آل محم__د، وأسألك اللهم ]إلهي[ حاجتي ال__تي إن أعطيتنيه__ا لم يض__رني ما منعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك

(2)رقبتي من النار (

وال تكن كأولئك المغرورين ال__ذين وزع__وا على أنفس__هم وأص__حابهم قص__ور الجن__ة وجنانه__ا وأنهاره__ا، ووزع__وا على

(2687 ح)3/181)( صحيح البخاري 1

.52)( من دعاء اإلمام الحسين في عرفة، إقبال األعمال ص : 2

38

Page 42: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أعدائهم دركات جهنم وحره__ا وزمهريره__ا، من غ__ير س__لطان،سوى تلك االدعاءات الكاذبة واألماني الزائفة.

وق__د أخ__بر الل__ه تع__الى عن انكش__اف الحقيق__ة لهم فيا نع__دهم من __رى رج__اال كن __ا ال ن اآلخرة، فق__ال: }وق__الوا م__ا لن

ار )62األشرار ) ا أم زاغت عنهم األبص__ خذناهم سخري (63( أتار ) [64 - 62({ ]ص: 64إن ذلك لحق تخاصم أهل الن

هذه وصيتي _ بني _ إليك، فاحفظها.. فهي ليست س__وى شرح لكلم__ات رب__ك المقدس__ة، وال__تي وض__ع رس__ول الل__ه

س من دان نفسه وعمل لما بعد قانونا جامعا لها، فقال: )الكي الم__وت، واألحم__ق من أتب__ع نفس__ه وهواه__ا وتم__نى على الل__ه

(1)األماني(

(2459 ح)4/219)( سنن الترمذي 1

39

Page 43: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

عرفان رأيتك _ بني _ وأنت تمسك كتابا ذك__رت لي أن__ه من كتب العرفان.. وقد مألني ذل__ك س__رورا، كم__ا مألني مخاف__ة.. وأن__ا أحب أن أذكر لك في هذه الوصية ما س__رني من فعل__ك، وم__ا

خشيت عليك منه.. أما ما سرني، فهو اهتمامك بمعرفة الله تع__الى، وبحث__ك عنها، فليس في الوجود م__ا ه__و أغلى وأع__ز منه__ا، وليس في

الوجود كذلك زهد أعظم من الزهد فيها.. ولذلك كان االهتمام به__ا عالم__ة اكتم__ال العق__ل، وت__رقي الروح.. وقد روي أن موسى عليه الس__الم ق__ال: )ي__ا رب! أي العباد أك__ثر حس__نة، وأرف__ع عن__دك درج__ة ؟(، فق__ال الل__ه ل__ه:

)أعلمهم بي( و روي أن الله تعالى أوحى إلى داود علي__ه الس__الم: )ي__ا داود! تعلم العلم النافع(، فق__ال: ي__ا إلهي! وم__ا العلم الن__افع؟ قال: )أن تعرف جاللي، وعظمتي، وكبريائي، وكم__ال ق__درتي على ك__ل ش__يء، ف__إن ه__ذا ال__ذي يقرب__ك إلي، وإني ال أع__ذر

بالجهالة من لقيني( ولذلك أمرنا الله تع_الى ب__أن نبحث عن_ه، ونتع_رف علي_هه ال في كل شيء، حتى ال نجهله في شيء، فقال: } فاعلم أن

ه واستغفر لذنبك وللمؤمنين { ]محمد: [، وقال:19إله إال الل__و العلم قائم__ا __ة وأول __ه إال ه__و والمالئك ه ال إل ه أن هد الل }ش__

[18بالقسط ال إله إال هو العزيز الحكيم{ ]آل عمران: أما ما خشيت عليك منه؛ فهو أن تتوهم أنك بقراءة كتب العرفان تصل إلى معرفة الله، وهيه__ات.. ف__الكتب ق__د ت__دلك على الطريق، أو قد تقطع عنك بعض العقبات، أو ق__د تفي__دك

40

Page 44: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ببعض التجارب، أو قد تحل ل__ك بعض اإلش__كاالت، ولكنه__ا لنتوصلك وحدها إلى الطريق..

فطريق معرفة الل__ه يحت__اج من__ك إلى مجاه__دات كث__يرة، فق__د رب__ط الل__ه بين الهداي__ة إلي__ه وبين المجاه__دة، فق__ال:ه لم____ع بلنا وإن الل هم س____ ____ا لنه____دين ذين جاه____دوا فين }وال

[69المحسنين { ]العنكبوت: والمجاهدة تستدعي منك مراع__اة قلب__ك، ح__تى ال يمتلئ باألغيار، فالله غيور ال يرضى بالش__ريك.. وتس__تدعي الص__فاء، فالله ك__ريم، وال يح__ل الك__ريم في ال__بيت الممل__وء بال__دنس.. وتستدعي الهمة العالية، فهي السلم الوحيد ال__ذي ت__رتقي ب__ه إلى الله، وقد وصف الله بها الصادقين من عباده، فقال: }والي يري__دون وجه__ه { هم بالغ__داة والعش__ ذين يدعون رب تطرد ال

[52]األنعام: وتستدعي بعد ذلك كله وقبله الذكر الكثير.. فالغافل لن يصل إلى شيء.. ولهذا وص__ف الل__ه عب__اده الص__الحين بك__ثرة__يرا وال__ذاكرات{ ه كث ذك__رهم لل__ه، فق__ال: }وال__ذاكرين الل

[35]األحزاب: وتستدعي الترفع عن األك__وان، ألن حض__رة الل__ه حض__رة مقدسة، وال يصح أن ندخل إليه__ا بنع__ال األك__وان.. وق__د س__ئل بعض الحكماء: كم بين الحق و العبد؟، فق__ال: )أربع_ة أق__دام: يرفع قدما من ال_دنيا، وق__دما من الخل__ق، وق__دما من النفس،

وقدما من اآلخرة؛ فإذا هو عند الله( ولهذا قد ال تحتاج يا بني للكثير مم__ا ت__ذكره تل__ك الكتب، ذل__ك أن العم__دة على اإلرادة والهم__ة العالي__ة والص__فاء، وق__د سأل بعض المريدين ش__يخه أن يعطي__ه االس__م األعظم ال__ذي يختصر به الطريق إلى معرف__ة الل__ه، فق__ال ل__ه: )ليس الس__م

14

Page 45: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الله حد محدود، ولكنه فراغ قلبك لوحدانيته، وت__رك االلتف__ات إلى غيره؛ فإذا كنت كذلك، فخذ أي اسم شئت، تسير ب__ه من

المشرق إلى المغرب، في ساعة ثم تجيء( وإياك يا بني من أن تقع فيما يق__ع فيم__ا نص علي__ه قول__هى ول وال نبي إال إذا تمن تعالى: }وما أرسلنا من قبلك من رس__يطان ثم ه م__ا يلقي الش__ ته فينسخ الل يطان في أمني ألقى الش

ه عليم حكيم{ ]الحج: ه آياته والل [52يحكم الل ذلك أن الشيطان لن يترك الحق مجردا عن الباطل، بل هو يسعى لخلطه به، حتى يكون ذلك فتنة.. ولذلك فإن__ه كم__ا أن في تلك الكتب عسل كثير، فإن فيها أيضا من السموم ماقد يقتلك.. فاجتهد في أن تستفيد من عسلها، وإياك وسمها.

ولن تتحصن من سمها حتى تتحصن بكتاب رب__ك، وه__دي نبيك وورثته الذين أوصى بهم، فهم الحكم الذي يرد إلي__ه ك__ل

: )إن النكتة لتقع في قلبي منشيء، وقد قال بعض المشايخجهة الكشف فال أقبلها إال بشاهدي عدل من الكتاب والسنة(

: )ك__ل حقيق__ة ال تش__هد له__ا الش__ريعة فهيوق__ال آخر زندقة.. ط__ر إلى الح__ق ع__ز وج__ل بجن__احي الكت__اب والس__نة،

)(1)ادخل عليه ويدك في يد الرسول

وقال آخر: )إذا عارض كشفك الص__حيح الكت__اب والس__نة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف، وق__ل لنفس__ك: إن الل__ه تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يض__منها لي

(2)في جانب الكشف واإللهام(

. 29)( الفتح الرباني والفيض الرحماني، ص1

( 2/302)( انظر: إيقاظ الهمم، )2

42

Page 46: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ولهذا اشتد الصالحون على أصحاب الطامات وال__دعاوى الذين ال يعط__ون للربوبي__ة حقه__ا من التعظيم، فاح__ذر ه__ؤالء، فهم مستدرجون، وليسوا عارفين، فأول عالم__ات الع__ارف أن_اد يتحقق بما وص__ف الل_ه تع_الى ب__ه عب__اده حين ق_ال: } وعب___ا وإذا خ___اطبهم ون على األرض هون ذين يمش___ حمن ال ال___ر

الما ) جدا63الج__اهلون ق__الوا س__ هم س__ __رب __ون ل ذين يبيت ( والم إن64وقياما ) ا ع__ذاب جهن رف عن نا اص__ ذين يقولون رب ( وال

__ان غرام__ا ) ا ومقام__ا )65عذابها ك تقر اءت مس__ ه__ا س__ (66( إنذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وال

[67 - 63( { ]الفرقان: 67)ر المخبتين ) ذين34وقال في وصف المخبتين: }وبش ( ال

ابهم ابرين على م___ا أص___ ___وبهم والص___ ه وجلت قل ___ر الل إذا ذك__اهم ينفق__ون ) ،34({ ]الحج: 35والمقيمي الصالة ومما رزقن

35]__ون ) (1وق__ال في وص__ف المفلحين: }ق__د أفلح المؤمن

عون ) التهم خاش___ ذين هم في ص___ غ___و2ال ذين هم عن الل ( والون ) ___اة ف___اعلون )3معرض___ ك ذين هم للز ذين هم4( وال ( وال

( إال على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم5لفروجهم حافظون )__ومين ) __ر مل هم غي __ك فأولئك هم6ف__إن ( فمن ابتغى وراء ذل

ذين هم ألماناتهم وعهدهم راعون )7العادون ) ذين8( وال ( واللواتهم يح__افظون ) __ون )9هم على ص__ (10( أولئك هم الوارث

_دون ) ذين يرثون الفردوس هم فيه__ا خال ({ ]المؤمن__ون:11ال1 - 11]

فاجعل هذه اآليات نص__ب عيني__ك.. فمعرف__ة الل__ه أعظم من أن تحل في القل__وب المدنس_ة ب_األهواء والك_بر والتع_الي

: )إني ألعلمهم بالل__هوالغ__رور، وق__د ق__ال رس__ول الل__ه

43

Page 47: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1 )وأشدهم له خشية(

(2356(، ومسلم )6101)(رواه البخاري )1

44

Page 48: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الموت رأيتك _ يا بني _ حزينا على موت ذلك الصديق الذي كان يمأل حيات__ك بالس__عادة.. وأن__ا ال أري__د أن أمس__ح ذل__ك الح__زن الجميل الذي كسا وجه__ك، فمأله ب__البراءة والص__دق والوف__اء، ولكني أريد أن أذكر لك الحقائق التي ترتبط بالموت.. وال__تي

نتألم ونحزن عندما ال نستعملها أحوج ما نكون إليها. فليس الم__وت ي__ا ب__ني ذل__ك الش__بح ال__ذي ص__ورته لن__ا األوهام، أو تلك العقول ال__تي لم تتطه__ر في مطه__رة ال__وحي

المقدس.. وإنما هو شيء آخر أجمل بكثير. إنه موعد لقاء الله.. وهل هن__اك قلب أو عق__ل أو روح ال تشتاق ألجمل لقاء لها في حياتها جميعا.. فبالموت ت__زاح ك__ل تلك العالئق والعوائق والحجب التي ك__انت تفص__ل ال__روح عن

بارئها، وتملؤها بالكدورات والمنغصات. ولهذا تحدى الله تعالى أولئك الذين زعم__وا ك__اذبين أنهمذين ه_ا ال أولياء الله ومحبوه، حيث قال لهم وعنهم: } ق_ل ياأيوا اس فتمن ه من دون الن _____اء لل كم أولي ه_____ادوا إن زعمتم أن

ادقين ) __دا بم__ا ق__دمت6الم__وت إن كنتم ص__ __ه أب ون ( وال يتمنه عليم بالظالمين{ ]الجمعة: [7، 6أيديهم والل

وهكذا تحداهم عندما ادعوا أن لهم الدار اآلخرة خالص__ة__د من دون الناس، فقال: }قل إن كانت لكم الدار اآلخ__رة عنوا الموت إن كنتم صادقين { اس فتمن ه خالصة من دون الن الل

[ 94]البقرة: وه أبدا بم__ا ثم ذكر كذبهم في ادعائهم، فقال: }ولن يتمن

ه عليم بالظالمين{ ]البقرة: [ 95قدمت أيديهم والل

45

Page 49: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ثم ذكر السبب في ذلك، وهو الحرص على الحياة الدنيا،ذين ___اة ومن ال اس على حي هم أح___رص الن فق___ال: } ولتج___دن أحدهم لو يعمر ألف سنة وم__ا ه__و بمزحزح__ه من أشركوا يود

ه بصير بما يعملون{ ]البقرة: [96العذاب أن يعمر والل واآليات الكريم__ة تش__ير إلى ن__وعين من الحي__اة.. الحي__اة الدنيا التي نعيشها بهذه األجساد الممتلئة باآلفات والمنغصات والك___دورات.. والحي___اة ال___تي يحياه___ا الم___وتى الص___ادقون،

والممتلئة بالسعادة والقوة والفرح. ولو أنك ي__ا ب__ني رأيت ذل__ك الص__ديق ال__ذي ح__زنت على وفات_ه، بع_د أن خل__ع عن__ه جلب_اب جس_ده، لف_رحت ل_ه فرح_ا عظيم__ا.. ولعلمت أن الل__ه تع__الى م__ا اخت__ار ل__ه الم__وت إال ليريح__ه، ويبدل__ه جس__دا خ__يرا من جس__ده، وحي__اة خ__يرا من

حياته.. والله ال يريد لنا إال الخير. إن مثل ذلك يا بني مثل رجل يملك مطية متهالكة فاني__ة ال تكاد تقطع ب__ه الطري__ق.. ثم أب__دل ب__أخرى أق__وى وأس__رع.. فهل يحزن على مطيته القديمة، أم يغم__ره الس__رور لمطيت__ه

الجديد؟ وهكذا أجس_ادنا __ ي_ا ب_ني __ فإنه_ا ليس_ت س_وى مطاي_ا ألرواحن__ا تس__تعملها في ه__ذه الحي__اة ال__دنيا.. لت__ؤدي خ__دمتها اإللزامية، وتكليفها الشرعي، وبع__دها تمتطي من المطاي__ا م__ا

يفوق تلك المطية المتهالكة بكثير. إن أجسادنا يا بني ال تختلف عن أظافرن__ا وش__عرنا ال__ذي نلقيه عن__دما نتض__ايق من طول_ه.. وهك__ذا عن__دما نتض__ايق من علل جسدنا يرميه الله عنا، ويبدلنا جسدا أقوى وأصح وأجمل

وأكمل من أجسادنا. وال تح___زن ي___ا ب___ني على األرزاق ال___تي ك___ان ص___ديقك

46

Page 50: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يتناولها .. فهي موجودة هناك أيضا .. فيس__تحيل على ال__رزاقالذي رزق عالم الحياة الدنيا أال يرزق عالم الحياة األخرى.

واألرزاق هناك أجم__ل وأفض__ل وأكم__ل.. وأين هي أرزاق هذه الحياة من أرزاق تل__ك الحي__اة.. لق__د وص__فها الل__ه تع__الى__ل __ا ب ه أموات بيل الل __وا في س__ ذين قتل بن ال فق__ال: }وال تحس__

هم يرزق__ون ) __د رب ه من169أحياء عن __اهم الل ( ف__رحين بم__ا آتذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أال خوف فضله ويستبشرون بال

___ون ) ه170عليهم وال هم يحزن رون بنعم___ة من الل ( يستبش___ه ال يضيع أجر المؤمنين{ ]آل عم__ران: -169وفضل وأن الل

171] إن هذه اآليات الكريمة تصور بعض حسنات تلك الحي__اة، وتشير إلى مجامع نعمها.. ويمكنك بالتدبر فيها أن ترى عوالم

كثيرة تختزنها كلماتها المقدسة. إن أهل تلك الحياة بحسب تلك اآلي__ات الكريم__ة يحي__ون حياة حقيقية ال حياة األشباح والخياالت التي تصورها األوهام.. ويرزق__ون رزق__ا حقيقي__ا يلت__ذون ل__ه .. ال رزق__ا وهمي__ا أو معنوي__ا.. ب__ل ه__و رزق ش__امل لك__ل متطلب__ات تل__ك األجس__اد الجدي__دة ال__تي أنعم الل__ه به__ا عليهم، وال__تي أتيح لهم به__ا من

الطاقات ما لم يتح ألجسادهم الدونية والدنيوية. واآليات تذكر أيض__ا حي__اتهم االجتماعي__ة.. فهم مجتمع__ات مثل هذه المجتمعات.. بل هي أفض__ل من ه__ذه المجتمع__ات، ألنها مجتمعات للمتجانسين والمتش__اكلين من أص__حاب الهمم

الواحدة. واآلي__ات ت__ذكر اتص__الهم به__ذه الحي__اة ال__دنيا، وأنهم وإن خرجوا منها بأجسادهم إال أن لهم تواصال تاما معها، يس__معون أخبارها، ب_ل يش_اهدونها مثلم_ا نش_اهد على شاش_ات التلف_از

47

Page 51: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أخبار العالم.. ب__ل إنهم ال يش__اهدونها فق__ط، وإنم__ا يتف__اعلون معه__ا،

ويمكنهم أن يقدموا خدماتهم لها في حال الحاجة إلى ذلك. لذلك يا ب__ني على تح__زن على ص__ديقك.. فق__د كنت أراه كثير الذكر لربه، كثير العمل الصالح، وكنت أس__تمع لح__ديثكما فأمتلئ سعادة وس__رورا.. وأعلم أن الل__ه الك__ريم لن يخيب__ه.. فك__ل أعمال__ه الص__الحة ال__تي عمله__ا س__يجني ثماره__ا هن__اك،

وسيراها رأي العين.. فالله ال يضيع عنده شيء. ومع هذا يا بني ال أدعوك لتم__ني الم__وت، فق_د نهين__ا عن ذلك، واألدب مع الله يجعلنا نترك األم__ر ل__ه، فه__و ال__ذي ح__دد

اآلجال، وهو األعلم بمصالحنا. ومثل من يتمنى الموت قبل أن يكمل ما علي_ه مث__ل من يطلب الخ__روج من االمتح__ان قب__ل أن يكم__ل اإلجاب__ة على

: )ال يتمنين أحدكماألسئلة التي طرحت عليه.. ولذلك قال الموت لضر نزل به، وال يدع ب__ه قب__ل أن يأتي__ه، إن__ه إذا م__ات

،(1)أحدكم انقطع عمله، وإنه ال يزيد المؤمن عمره إال خ__يرا( وقال: )ال تمنوا الم__وت، فإن__ه يقط__ع العم__ل، وال ي__رد الرج__ل

(2)فيستعتب(

ووضح سبب ذلك في حديث آخ__ر، أك__ثر تفص__يال، فق__ال: )ما من أحد يموت إال ندم(، قيل: وما ندامته يا رس__ول الل__ه؟ قال: )إن كان محسنا ندم أن ال يكون ازداد، وإن ك__ان مس__يئا

.2682)( رواه مسلم ح 1

.3/49)( رواه أحمد 2

48

Page 52: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1)ندم أن ال يكون نزع(

مر النبي بق__بر دفن ص__احبه ح__ديثا، فق__ال:وروي أنه )لركعتان خفيفتان مم__ا تحق__رون أو تنفل__ون يراهم__ا ه__ذا في

(2)عمله أحب إليه من بقية دنياكم(

وروي أن بعض__هم خ__رج في جن__ازة، ف__انتهى إلى ق__بر، فصلى ركعتين، ثم اتكأ عليه، فسمع ص__وتا يق__ول ل__ه: )إلي__ك، وال تؤذني، فإنكم قوم تعملون وال تعلمون، وإنا ق__وم نعلم وال نعم__ل، ألن يك_ون لي مث__ل ركعتي__ك أحب إلي من ال_دنيا وم__ا فيه__ا(، ثم ق__ال: )ج__زى الل__ه أه__ل ال__دنيا خ__يرا، أق__رئهم من__ا

السالم، فإنه يدخل علينا من دعائهم نور مثل الجبال( أعلم ي__ا ب__ني أن__ك س__تعترض علي، وت__ذكر لي أن ه__ذا مخ__الف لم__ا ذك__ره الل__ه تع__الى من دع__وة اليه__ود إلى تم__ني

الموت.. واألمر ليس كما فهمت. ف__اليهود اخت__بروا لحبهم لل__دنيا، وحرص__هم عليه__ا، ولم يختبروا إليمانهم وتق__واهم.. ذل__ك أن__ه ليس ك__ل من ال يتم__نى الموت راغبا عن لق__اء الل__ه.. ب__ل ق__د يك__ون من أك__ثر الن__اس

رغبة في ذلك اللقاء المقدس.. ولكن__ه يتم__نى تأجيل__ه، ال لطلب ش__هوات ال__دنيا، وإنم__التطهير نفسه، والرقي بروحه حتى تصبح أهال للقاء الحبيب.. وإن شئت مثاال يقرب ل__ك ذل__ك، فاس__مع لم__ا قال__ه ه__ذا الحكيم، فق__د ض__رب مثال ل__ه ب___ )المحب ال__ذي وص__له الخ__بر بقدوم حبيبه عليه، فأحب أن يت__أخر قدوم__ه س__اعة ليهيء ل__ه

.2403)( رواه الترمذي ح 1

(.31 ح)1/10)(الزهد والرقائق البن المبارك والزهد لنعيم بن حماد 2

49

Page 53: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

داره، ويع__د ل__ه أس__بابه، فيلق__اه كم__ا يه__واه ف__ارغ القلب عن (1)الشواغل، خفيف الظهر عن العوائق(

وعالمة صدق هذا، هو حرص__ه على الطاع__ات، وإكث__اره منها، حتى ال يعاجله الموت، وهو ممتلئ بالكدورات، وقد رئي بعض الموتى في المنام فقال: )ما عن__دكم أك__ثر من الغفل__ة،

وما عندنا أكثر من الحسرة( لذلك اجتهد يا بني في أن تعم__ل من العم__ل الص__الح م__ا يؤهلك للقاء صديقك، وإياك أن تفتنك ال__دنيا، فال ت__راه بع__دها أبدا.. فقد سمعته وهو يوصيك في آخر أنفاس__ه بطاع__ة الل__ه،

ألنكما لم تجتمعا إال على ذلك، ولم تفترقا إال عليه. ف_إن كنت حقيق_ة حزين_ا علي__ه ومحب_ا للقائ_ه، فس__ر في حياتك مثلما كنت تسير مع__ه، وحاف__ظ على عه__دك مع__ه، والتنسى أن ترسل له من الهدايا ما تحفظ به وفاءك وصدقك.

واعلم أن الله الش__كور الك__ريم كم__ا يوص__ل ل__ه ه__ديتك، يحفظ لك أجرها أيضا، ب__ل يض__يف له__ا أج__ر وفائ__ك وص__دقك وأخوت__ك.. ف__اإلخوان في الل__ه على )من__ابر من ن__ور يغبطهم

(2)النبيون والشهداء(

(330/ 4)(إحياء علوم الدين )1

(2390 ح)4/175)( سنن الترمذي، 2

50

Page 54: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الشيب رأيتك _ يا بني _ تنظر إلى الش__يب ال__ذي اش__تعل ب__رأس أبيك كاشتعال النار في الهشيم بألم وحزن.. فال تفعل ذل__ك.. واألمر ال يحتاج من__ك إلى ذل__ك؛ فال ينبغي أن نقاب__ل نعم الل__ه باأللم، وال بالحزن، بل ينبغي أن نقابلها باالبتسامة المص__حوبة

بالحمد والشكر واالعتراف. وله___ذا ب___دل أن تنظ___ر إلى م___ا بقي ألبي___ك من عم___ر، فتستقله وتحتقره، أن تنظر إلى ما مضى له منه، وتحمد الله على أن الله أضاف له الكثير من األيام والسنين ال__تي تمكن__ه

من تدارك التقصير، وإصالح ما أفسده، أو فرط فيه. فالشيب _ يا بني _ ليس مجرما اقتحم رأسي، وإنم__ا ه__و رسول كريم من رب العالمين يبش__رني بق__رب لقائ__ه، ولق__اء رسوله، ولقاء األولياء والصالحين، وهل هن__اك من ي__رغب عن

لقاء من يحبه؟ وهو أيضا نذير لي ألحضر نفسي لذلك اللقاء المق__دس.. بتطهيرها، وتصحيح أخطائها، وتقويم سلوكها، حتى ألقى الله،

وهو راض عني. وهو فوق ذلك كله مجرد تغير طفي__ف في ل__ون الش__عر، وال عالقة له بالعقل، وال ب__القلب، وال ب__الروح.. ف__روح أبي__ك ال تزال في ريعان شبابها.. لم يحطم الش__يب همته__ا، ولم يقع__د

بها، ولم يجتث أشجار اآلمال التي ال تزال متعلقة بها.. وكيف يفعل ذلك، وهو يعلم أن الروح الصادقة المرتبطة ببارئه__ا ال تزي__دها األي__ام إال ق__وة وص__البة وهم__ة.. والقلب

المملتئ باإليمان ال تزيده األيام إال صفاء وطهرا ورقيا.

15

Page 55: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فلذلك ال تح__زن على م__ا ألم بع__الم األجس__اد، فه_و ليس سوى تراب، وسيعود للتراب طال الزمن أو قص__ر.. وبع__دها.. لن يبقى هناك ش__يء اس__مه الش__يب، وال الم__رض، وال األلم.. ب_ل س__يعود ألبي__ك بفض_ل الل__ه وكرم_ه ش__بابه ال_دائم ظ_اهرا

وباطنا.. فكن واثقا في فضل الله، راجيا رحم__ة الل__ه، ن__اظرا إلى نعمه، وال تنظ__ر إلى األش__ياء بم__يزان ه__واك، ب__ل انظ__ر إليه__ا بميزان الحق، وسترى كيف يتحول الكدر إلى صفاء، والح__زن

إلى سعادة، واأللم إلى راحة. واسمع له__ذا الش__يخ من مش__ايخ الحكم__ة، وال__ذي وق__ف يخاطب من اشتعل الشيب برؤوسهم، فمألهم ألما قائال لهم

: )أيها الشيوخ، ويا أيتها العجائز.. ما دام لن__ا خ__الق رحيم،(1) فال غرب__ة لن__ا.. وم__ا دام الل__ه س__بحانه موج__ودا فك__ل ش__يء

موجود.. فال تحزنوا، وال تتألموا( ثم قال لهم: )نعم إننا راحلون وال مناص من ذل__ك.. ولن يسمح لنا بالمكوث هن__ا.. ولكن ع__الم ال__برزخ، ليس ه__و كم__ا ي__تراءى لن__ا بظلم__ات األوه__ام الناش__ئة من الغفل__ة، وبم__ا ق__د يص__وره أه__ل الض__اللة، فليس ه__و بع__الم الف__راق، وال بع__الم مظلم، ب__ل ه__و مجم__ع األحب__اب، وع__الم اللق__اء م__ع األحب__ة واألخالء، وفي طليعتهم حبيب رب العامين وشفيعنا عنده يوم

.. أج__ل ي__ا إخ__واني الش__يوخ، فم__ا دامت اآلخ__رةالقيام__ة موجودة، وما دامت هي باقي__ة خال__دة، وم__ا دامت هي أجم__ل من الدنيا، وما دام الذي خلقنا حكيما ورحيما؛ فم__ا علين__ا إذن

)( هذه نصوص مفرقة من )رسالة الشيوخ(، لبديع الزمان النورسي، وهي من1

، فما بعدها، وبتصرف كبير، لتتناسب مع المقال.313كتاب ]اللمعات[، ص

52

Page 56: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

إال عدم الشكوى من الشيخوخة، وع__دم التض__جر منه__ا؛ ذل__ك ألن الش__يخوخة المش__ربة باإليم__ان والعب__ادة، والموص__لة إلى سن الكمال، ما هي إال عالمة انتهاء واجبات الحياة ووظائفها، وإشارة ارتحال إلى عالم الرحم__ة للخل__ود إلى الراح__ة. فالب__د

(1)إذن من الرضا بها أشد الرضا(

وق___ال لهم: )إن اإليم___ان ق___د أظه___ر بعلم اليقين أن المستقبل الذي يتراءى لنا بنظر الغفلة، كقبر واس__ع كب__ير م__ا ه__و إال مجلس ض__يافة رحماني__ة أع__دت في قص__ور الس__عادة الخال__دة.. و إن اإليم__ان ق__د حطم ص__ورة الت__ابوت والنعش للزمن الحاض__ر ال__تي تب__دو هك__ذا بنظ__ر الغفل__ة، وأش__هدنا أن الي__وم الحاض__ر إنم__ا ه__و متج__ر أخ__روي، ودار ض__يافة رائع__ة للرحمن.. وإن اإليمان قد بصرنا بعلم اليقين أن ما يبدو بنظر الغفلة من الثمرة الوحيدة التي هي فوق ش__جرة العم__ر على ش__كل نعش وجن__ازة. أنه__ا ليس__ت ك__ذلك، وإنم__ا هي انطالق ألرواحنا من وكرها الق__ديم إلى حيث آف__اق النج__وم للس__ياحة واالرتياد.. وإن اإليمان قد بين بأسراره أن عظامن__ا ورميمه__ا، ليسا عظام__ا حق__يرة فاني__ة ت__داس تحت األق__دام، وإنم__ا ذل__ك

(2)التراب باب للرحمة، وستار لسرادق الجنة..(

هكذا ينبغي أن تنظر يا بني إلى ه__ذا الش__يب، وإلى ك__ل شيء.. فالله تعالى ال يرسل لنا في كتب مقاديره إال الرحم__ة والسالم.. ونحن نحزن ونتألم ألننا ال نق__رأ تل__ك الكتب ق__راءة ص_حيحة، وإنم__ا نقرؤه_ا بحس__ب نظرتن__ا القاص_رة المح__دودة

الممتلئة بالضعف والعجز.

.319)( اللمعات، ص1

.324)( المرجع السابق، ص2

53

Page 57: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ولذلك راح الجهلة يحجب__ون بالش__يب والم__رض والم__وت عن رحمة الله، بل عن وج__ود الل__ه نفس__ه، ألنهم يري__دون من ال__دنيا أن تك__ون س__احة أله__وائهم، وليس م__درجا ومدرس__ة

لالبتالء واالختبار. فدع عنك يا بني ذلك الحزن واأللم.. فهو ال يليق بك، وال يليق بعبوديتك.. فالمؤمن هو الذي يفرح لكل شيء يف__د إلي__ه من الل__ه، ألن__ه يعلم أن ال__رحمن ال__رحيم الج__واد الك__ريم ال

يرسل إال ما هو من مقتضيات صفاته وأسمائه.

54

Page 58: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

المرض سألتني _ بني ___ عن الم__رض وأس__راره والحكم__ة من__ه.. وذكرت لي أثناء ذلك ما يتفوه ب__ه المعترض__ون على الل__ه من كونه شرا وألما ال مبرر له، وال حاجة إلي__ه، وأن ال_ذي ق_دره _ إن كان موجودا _ ليس ل__ه عالق__ة بالرحم__ة، وال ب__اللطف، وال

بأي معنى من المعاني النبيلة. وأنا ال أريد أن أقنع هؤالء بما يختزن__ه الم__رض واأللم من الرحمة واللطف.. فأن__ا أعلم أن ال_ذي يتج__رأ على رب__ه بمث__ل تلك الوقاحة والبذاءة يستحيل عليه أن يفهم وصيتي، أو يقتنع

بها، أو يعتقد بما فيها. ذلك أنه ال ينطلق من عبوديته لله، وافتقاره إلي__ه، وإنم__ا ينطلق من شعوره بالندي__ة ل__ه، ب__ل من تعالي__ه علي__ه، ول__ذلك يطلب منه حتى يثبت وج__وده أن يتخلى عن حكمت__ه وقوانين__ه

وسننه، ويلتفت لما يمليه عليه. وهؤالء هم الذين واجهوا الرسل عليهم الصالة والس__الم، وطلب__وا منهم اآلي__ات الكث__يرة، وعن__دما رأوه__ا ب__أم العين، لم يخضعوا لها، وإنما راحوا يلتمسون أعذارا جديدة ليتهرب__وا من

التكاليف التي يمليها عليهم اإليمان.. اعة __ربت الس__ لق__د ذك__ر الل__ه تع__الى ذل__ك، فق__ال: }اقت

( وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر1وانشق القمر )تقر )2) __ل أم__ر مس__ بع__وا أه__واءهم وك __ذبوا وات ( ولق__د3( وك

( حكم__ة بالغ__ة فم__ا تغن4جاءهم من األنباء ما في__ه مزدج__ر )ذر { ]القمر: [5 - 1الن

ول__ذلك س__يكون خط__ابي ل__ك.. وألولئ__ك الص__ادقين من المؤمنين الذين خضعوا لما أوصلتهم إليه عقولهم التي أحالت

55

Page 59: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أن يكون ه__ذا الك__ون بتص__ميمه الب__ديع خالي__ا من م__دبر حكيمممتلئ بكل أصناف العظمة.

وأول م__ا دلتهم عق__ولهم علي__ه بع__د ذل__ك، البحث عن الرس__ول ال__ذي يرس__له ذل__ك اإلل__ه الحكيم ليرش__د خلق__ه إلى حقائق الحي__اة.. فيس__تحيل على الص__انع الحكيم أال يض__ع دليال

لعباده يهديهم إلى أسرار صنعته، وأغراضه منها. وقد أوصلتهم هذه المعاني العقلية الضرورية إلى البحث عن أس___رار الحي___اة، وس___ننها، وال___تي ال تس___تطيع عق___ولهم

المجردة أن تعرفها.. وأول تلك األسرار وأهمه__ا س__ر االبتالء.. فق__د عرف__وا أن هذه الحي__اة ليس__ت هي الغاي__ة وال المقص__د، وإنم__ا هي حي__اة دنيا.. وهناك حياة أعلى وأكمل وأجمل منها بكثير، وقد وصف الله تعالى كليهما، فقال: }وما هذه الحياة الدنيا إال لهو ولعب وإن الدار اآلخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون{ ]العنكب__وت:

64] ول__ذلك عرف__وا أن الثغ__رات الموج__ودة في ه__ذه الحي__اة كالمرض والفقر والحاجة وكل أصناف البالء ليست مقص__ودة بذاتها، وإنما المقصود منها التمحيص والتمييز والتربية.. مثلما يفع_ل الم_دربون في مخيم_ات الت_دريب م__ع العس_اكر ال__ذين يريدون تأهيلهم للحياة العسكرية، فال يمكن أن تس__تقيم تل__ك

التدريبات مع الرخاء والرفاه. ولذلك لم ينظر الصادقون إلى البالء إال كما ينظر الجنود إلى فترة التدريب، باعتبارها مرحلة ضرورية لتأهيلهم وتوف__ير اللياقة لهم لممارسة وظيفتهم.. ول__ذلك لم تكن ش__را، وإنم__ا هي وسيلة إلى الخير.. وأداة للحياة األبدي__ة ال__تي ال يمكن أن

يتخيل أحد مدى جمالها وكمالها.

56

Page 60: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لقد سمعوا قوله تعالى في كلمات_ه المقدس__ة: : )إن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالغنى، ول__و أفقرت__ه لكف__ر، وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالقلة، ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من ال يص__ح إيمان__ه إال بالص__حة، ول__و أس__قمته

(1)لكفر(

فل__ذلك س__لموا األم__ر لل__ه، ولم يعترض__وا علي__ه.. وكي__ف يعترضون، وهم يرون بأم أعينهم كيف يبط__ر األغني__اء، وكي__ف يستبد األصحاء، وكيف يتح__ول المس__تكبر الع__اتي إلى إنس__ان

بسيط متواضع بسبب مرض ألم به، أو فقر وحاجة اعترته؟ هم يعلمون أن الحياة الدنيا حياة قص__يرة، وال قيم__ة له__ا في سجل الزمن الال نهائي.. ول_ذلك لم يب_الوا بك__ل م_ا ي_نزل فيها من البالء.. وكيف يبالون، وقد ق__ال الل__ه تع__الى مخاطب__ا

__ك من األولى { ]الض__حى: رسوله __ر ل [،4: } ولآلخ__رة خي[؟17وقال: }واآلخرة خير وأبقى{ ]األعلى:

وكيف يبالون، وق__د أخ__برهم الل__ه تع__الى أن__ه س__يبتليهم، ولفترة محدودة، ال لعقابهم، وإنما لتمحيصهم وت__ربيتهم، فق__د

ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من﴿ قال تعالى: األم___وال واألنفس والثم___رات وبش___ر الص___ابرين ال___ذين إذا أص_ابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإن_ا إليه راجعون أول___ئك عليهم__دون )البق__رة: لوات من ربهم ورحم__ة وأول___ئك هم المهت ﴾ص__

(؟155-157 ولذلك لم يلتفتوا لأللم، وإنما التفتوا للبش__ارة المرتبط__ة

باأللم، فحولوه من ألم إلى أمل..

/377( و الكالباذي في المعاني )1 ح:1/ 9)( رواه ابن ابي الدنيا في االولياء )1

(.319 - 8/ 318( و ابو نعيم في الحلية )1

57

Page 61: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وكيف ال يأملون، والذي وعدهم بذلك هو الله، خالق كل ش__يء.. وق__د وع__دهم بالرحم__ة الش__املة ال__تي ال تمت__د إلى أجس__ادهم فق__ط، وإنم__ا ألرواحهم أيض__ا.. وال تمت__د لحي__اتهم

القصيرة فقط، وإنما للحياة األبدية.. ول__ذلك غ__ابوا عن آالمهم بآم__الهم، ولم يع__د ذل__ك ال__داء الذي ينهش أجسادهم بقادر على الوصول إلى أرواحهم.. ب__ل بقي محصورا في محله الضيق من أجسادهم، والتي يعلم__ون أنها ستعود ال محالة إلى التراب الذي جاءت منه، ألن الع__برة

ليست به، وإنما بالروح التي تمتطيه.. لذلك نظروا إلى الج__انب الممل__وء من ك__أس البالء، ولم ينظروا إلى الجانب الفارغ منها، وقد ق__ال تع__الى ي__بين ك__ثرة

﴿:الخير المخزن في طيات ما نكره يئا ى أن تكره__وا ش__ فعس__ )النساء: ه فيه خيرا كثيرا (19﴾ويجعل الل

ول__ذلك ن__رى تل__ك التع__ازي الكث__يرة من رس__ول الل__ه للمرض___ى والمبتلين ت___دعوهم إلى األم___ل في فض___ل الل___ه الواسع.. وأال تشغلهم آالمهم عن الخير الكثير الذي ينتظ__رهم

في هذه الدار، وتلك الدار. مخ__برا عن اإلكرام__ات العظيم__ةلقد قال رسول الله

التي أكرم الله بها الص__ابرين على بالئ__ه، والراض__ين بقض__ائه: ) ما من مصيبة تص__يب المس__لم إال كف__ر الل__ه به__ا عن__ه ح__تى

(1)الشوكة يشاكها(

كم وال أم__اني أه__ل﴿تعالى:وعندما نزل قوله ليس بأم__اني __ا ه ولي __ه من دون الل الكتاب من يعمل سوءا يجز به وال يجد ل

)النساء: ( تأثر الكث__ير من الن__اس، خوف__ا على123﴾وال نصيرا أنفسهم من صرامة المحكمة اإللهية، فق__ال لهم رس__ول الل__ه

(.5640 ح)7/114)( صحيح البخاري 1

58

Page 62: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

مخففا: )قاربوا وسددوا، ففي كل م__ا يص__اب ب__ه المس__لم (1)كفارة حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها(

ولهذا كان المرض _ إذا ما صوحب بالصبر والرضا وعدم االع__تراض على الل__ه ___ من أك__بر وس__ائل التطه__ير.. تطه__ير النفس من األمراض، وتطه__ير الص__حيفة من الس__يئات.. ففي

: ) إنما مثل المريض إذا برأ وصح كالبردة تقعالحديث قال (2)من السماء في صفائها ولونها(

فيوعندما دخ__ل عب__د الل__ه بن مس__عود على الن__بي مرضه وجده وهو يوعك وعكا شديدا، فقال: إنك لتوعك وعكا

: )أجل ما من مس__لمشديدا، إن ذاك بأن لك أجرين، فقال يصيبه أذى إال حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الش__جر(

(3)

عاد امرأة مريضة يقال له__ا أمويروى أن رسول الله السائب، فقال _ يسألها عن صحتها _ : )ما لك ي__ا أم الس__ائب

: )التزفزفين؟(، فقالت: )الحمى، ال بارك الله فيها(، فقال تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا ب__ني آدم كم__ا ي__ذهب الك__ير

(4 )خبث الحديد(

ويروى أنه عاد امرأة أخرى يقال لها أم العالء، فقال لها: )أبشري يا أم العالء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه

(2574 ح)4/1993)( صحيح مسلم 1

(2086 ح)3/481)( سنن الترمذي 2

(5647 ح)7/115)( صحيح البخاري 3

(2575 ح)4/1993)( صحيح مسلم 4

59

Page 63: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1)كما تذهب النار خبث الذهب والفضة(

: )أبش__ر،ويروى أنه عاد رجال من وعك كان به، فقال فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المذنب لتك__ون

(2)حظه من النار(

هذه _ بني _ بعض البشارات النبوي__ة، ال__تي تمس__ح اآلالم عن المرضى، وتدعوهم إلى عدم االع__تراض على الل__ه، وهي ال تعني أبدا ما يفهمه الجاحدون من أنه__ا دع__وة لع__دم العالج؛

إلى ذلك، وكيف ذلك، وهوفمعاذ الله أن يدعو رسول الله كان يعالج من األمراض التي تصيبه، بل ك__ان يرش__دنفسه

.(3)إلى بعض العالجات التي يهديه إليها ربه

بل كان فوق ذلك كله يدعو المؤمنين إلى استعمال ك__ل وسائل البحث للتعرف على األدوية، ويخبرهم أنه يستحيل أن يك__ون هن__اك داء من غ__ير أال يك__ون هن__اك دواء يعالج__ه، ففي

: )تداووا، فإن الله لم ي__نزل داء إال أن__زل ل__هالحديث، قال (4)شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله(

وهو يشير إلى أن رحمة الله تعالى ت__أبى أن ت__نزل البالء من دون أن تنزل معه العافية، أو تنزل المرض دون أن ت__نزل معه العالج المناسب له.. ولذلك استطاع البشر _ بإلهام الل__ه

(3092 ح)3/184)( سنن أبي داود 1

(2088 ح)3/482)( سنن الترمذي 2

)( ذكرنا هذا بتفصيل في كتاب ]أدوية من السماء[ من سلسلة ]رسائل3

السالم[

(18455 ح)30/398)( مسند أحمد 4

60

Page 64: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وتوفيقه _ أن يكتشفوا الكثير من األدوية لألمراض ال__تي ك__انالجهل يصور أنها مستحيلة الشفاء.

لذلك يا بني بشر المرضى به__ذه المع__اني، وأخ__برهم أن الله تعالى لم يتخ__ل عنهم بس__بب مرض__هم، وإنم__ا ه__و معهم،

وقريب منهم، ودعاؤهم مستجاب. وأخبرهم أن الرحمن الرحيم الذي ابتالهم بذلك، لم ي__رد

أن يعذبهم، وإنما أراد أن يربيهم، ويمحصهم ويصلحهم. وأخ__برهم أن الل__ه تع__الى س__يعوض ك__ل آالمهم ب__الفرح

والسعادة والسرور في هذه الدار، وفي تلك الدار.. وأخبرهم أن ذلك الخط__اب ال__ذي ق__ال الل__ه تع__الى في__ه

ك وم__ا قلى )مخاطبا رس__وله (3 ق__ائال ل__ه: }م__ا ودع__ك رب___ك من األولى ) ___ر ل ك4ولآلخ___رة خي وف يعطي___ك رب ( ولس___

-__ 3فترضى{ ]الضحى: [، يمكن أن يسمعوه أيض__ا إذا م__ا5 سلموا أمورهم لله، واكتفوا بفضل الل__ه، ولم ي__دعوا الم__رض الذي أصاب أجسادهم يتسلل إلى أرواحهم ليمألها باالعتراض

والكدورة. وأخبرهم خبر تلك المرأة الص__الحة ال__تي قط__ع أص__بعها، فضحكت، فقيل له__ا: أيقط__ع أص__بعك، وتض__حكين؟.. فق__الت: )أح__دثكم على ق__در عق__ولكم: حالوة أجره__ا أنس__تني م__رارة

قطعها( وأخ__برهم عن ذل__ك الرج__ل الص__الح ال__ذي ق__ال: )إني ألصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أرب__ع م__رات: أحم__ده إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحم__ده إذ وفقني لالسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحم__ده إذ لم

يجعلها في ديني(

16

Page 65: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فبشر أولئك المرضى أنهم إن نظروا إلى الخير المخزن في البالء، فسينسون المعاناة التي يعانونها، ألنهم سيقبض__ون ثمنها عاجال وآجال.. وسيرون يوم القيامة مص__داق م__ا ورد في

)يؤتى بالش__هيد، والذي يقول فيه: الحديث عن رسول الله يوم القيامة، فينص__ب للحس__اب، وي__ؤتى بالمتص__دق، فينص__ب للحس__اب، ثم ي__ؤتى بأه__ل البالء، فال ينص__ب لهم م__يزان وال ينش__ر لهم دي__وان، ويص__ب عليهم األج__ر ص__با، ح__تى إن أه__ل العافي____ة ليتمن____ون في الموق____ف أن أجس____ادهم قرض____ت

، ويقول: ) يود أهل (1)بالمقاريض، من حسن ثواب الله لهم( العافي__ة ي__وم القيام__ة حين يعطى أه__ل البالء الث__واب ل__و أن

(2)جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض(

بش__ر ي__ا ب__ني به__ذه التس__ليات المرض__ى إن زرتهم أو جلست معهم، وامألهم باألمل، فال عالج كاألمل.. وال تنس أن تع____رض ه____ذه التس____ليات اإللهي____ة للمبتلين على أولئ____ك

المعترضين، لتنظر ما عندهم من عزاء للمتألمين.. فإنهم يا بني ال يملكون شيئا.. ولذلك ال تت__ألم أجس__ادهم فقط، ب__ل تت__ألم أرواحهم أيض__ا.. وآالم ال__روح أعظم وأخط__ر

وأدوم من آالم الجسد.

(12829 ح)12/182)( المعجم الكبير للطبراني 1

( 2402 ح)4/181)( سنن الترمذي 2

62

Page 66: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

البصيرة أعلم ___ ي__ا ب__ني ___ أن__ك ص__ادق ومخلص، وأن__ك لم ت__رد بحركت__ك ري__اء وال س__معة، وال ج__زاء وال ش__كورا.. وأعلم أن__ك

ضحيت بالكثير من أجل تلك الحركة.. ولكن كل ذلك ال يكفي ليجع__ل من عمل__ك عمال ص__الحا،

وال يكفي ألن يضعك في عداد الصالحين.. فأنت مهما بذلت من جه__د، وق__دمت من تض__حيات، فلن تك__ون كأولئ__ك الرهب__ان ال__ذين زج بهم الخ__وف إلى الجب__ال، وراح__وا هن__اك يجاه__دون أنفس__هم بك__ل أل__وان المجاه__دات، ويقمعونها بك__ل أل__وان القم__ع.. لكنهم م__ع ك__ل ذل__ك اإلخالص

والصدق والتضحية .. كانوا من الضالين، ال من المهتدين. ولم يكن ذلك بسبب نقص إخالص_هم وال ص_دقهم، وإنم_ا

كان بسبب نقص بصيرتهم. فلذلك أنت محتاج في كل حركة تقوم بها إلى البصيرة.. حتى ال تتخطف__ك ش__ياطين اإلنس والجن، ل__تزج ب__ك في ك__ل

المهالك. وال تكتفي بذلك، بل تذهب إلى ما في قلبك من طه__ارة لتمأله بالدنس.. وتذهب إلى ما في نفسك من النق__اء، لتمأله

باألحقاد. تأمل كل من حولك، لترى كيف تتالعب الش__ياطين بهم، ال بإخالص___هم وص___دقهم، فالك___ل ي___زعم لنفس___ه اإلخالص والصدق.. ولكنها تتالعب بتلك المنافذ التي ي__رون من خالله__ا الحقائق، حيث تحولها في أعينهم إلى الصورة ال__تي يرغب__ون،

ال إلى الصورة التي هي عليها.

63

Page 67: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ال تحسب أني أدعوك بهذه الوصية إلى السكون والن__وم والكسل.. فمعاذ الله أن أدعوك إلى ذلك، وكيف أدعوك إليه، وق__د وص__ف الل__ه تع__الى المن__افقين بالكس__ل، فق__ال: } إنالة ه وهو خادعهم وإذا ق__اموا إلى الص__ المنافقين يخادعون الله إال قليال { ___ذكرون الل اس وال ي ___راءون الن الى ي ق___اموا كس___

الى {142]النساء: الة إال وهم كس__ [، وقال: }وال يأتون الص__[54]التوبة:

وكيف أدعوك إلى ذلك، وقد فضل الله تعالى المتحركينه المجاه___دين على ل الل على الس___اكنين، فق___ال: } وفض___

[95القاعدين أجرا عظيما{ ]النساء: وكي___ف أدع___وك إلى ذل___ك، وق___د ع___اتب الل___ه تع___الى المستض__عفين ال__ذين رض__وا بض__عفهم، وس__كنوا إلي__ه، فق__ال:

ه واسعة فتهاجروا فيها{ ]النساء: [97} ألم تكن أرض الل وكيف أدعوك إلى ذلك، وقد وبخ الله تعالى الذين ركن__واذين ظلموا فتمسكم إلى الظالمين، فقال: } وال تركنوا إلى ال

ار{ ]هود: [113الن وكيف أدعوك إلى ذلك، وق__د رمى الل__ه تع__الى بالفس__قتخف أولئك الذين اس__تخف حك__امهم بعق__ولهم، فق__ال: }فاس__

هم كانوا قوما فاسقين { ]الزخرف: [54قومه فأطاعوه إن ولك__ني م__ع ذل__ك كل__ه أق__ول ل__ك: إن س__كونك ونوم__ك وكسلك قد يكون خيرا من تلك الحركة التي لم تعرض__ها على عقلك.. فالعاقل هو الذي يستبصر الع__واقب، ال ال__ذي تحرك__ه

األهواء. والعاقل هو الذي ال يقرر في حال حماسته، وال يتص__رف في حال غضبه، وال يسلم فكره لعواطفه، بل يجعل عقله ه__و

المتحكم في كل دوائر ذاته.64

Page 68: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وبذلك يا بني لن تقع في شباك اإلنس والجن.. ألن الل__ه تعالى يعصمك بالعقل الذي أنرته بنور الحقيق__ة من أن تص__بح

عبدا ألحد من الناس. ال أقول لك: اع__تزل الن__اس.. ولك__ني أق__ول ل__ك: ال تكن عبدا لهم.. وال إمعة تابعا تتحرك مثلما يتحرك القطي__ع.. ت__ردد

ما يرددون من غير أن تعرف نهاية الطريق. أما أولئك الذين يزعمون لك أنهم يخاطبونك باسم الله.. فال تردهم، ولكن ال تستسلم لهم قبل أن تعرف سر دعواهم، ومبتدأها وخبرها، وأولها ونهايتها، وموردها ومص__درها.. ف__أكثر من ترى من رج__ال ال__دين يتلق__ون عل__ومهم من الش__ياطين.. فاحذر منهم، وس__ر على بص__يرة.. وال تقب__ل ش__يئا أو ترفض__ه، دون أن تمرره على تلك الحجج التي وض__عها الل__ه تع__الى في

عقلك. يا بني.. ال أدعوك إلى السكون، وال إلى الحركة.. ولكني أدعوك إلى البصيرة، وتقليب األمور وفق موازين الحق ح__تى ال تصبح أداة من أدوات الشيطان، وأنت تعلم أنه لم يوسوس

ألبيك آدم إال بعد أن أقسم له، وغره بكل ألوان الغرور. فإن هدتك بص__يرتك إلى ه__ذه الحرك__ة، فس__ر فيه__ا على بركة الله.. متوكال على الله.. مخلص__ا لرب__ك.. وحينه__ا س__ترى بركاته__ا علي__ك.. ألن__ك ط__رت بكال الجن__احين: جن__اح اإلخالص، وجناح البصيرة.. ذلك أن__ه ال يمكن لط__ير في ال__دنيا أن يط__ير

بجناح واحد.

65

Page 69: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

66

Page 70: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الشيطان أعلم _ يا بني _ أن للشيطان دوره الكبير في غواية ب__ني آدم.. وأنه لواله لكان شأنهم مختلفا تماما.. لكني م__ع ذل__ك ال أس__تطيع أن أعل__ق ك__ل م__ا يحص__ل من م__آس وانحراف__ات وضالالت علي__ه.. ذل__ك أن__ه البداي__ة، لكن__ه ليس النهاي__ة.. وه__و المح__رض، لكن__ه ليس الفاع__ل.. وه__و ال__دافع، لكن__ه ال ي__دفع بشدة، وال بقهر، وال يهيمن على من يدفعهم.. بل يفع__ل ذل__ك بلطف.. والمدفوعون هم الذين يختارونه، وك_ان في إمك__انهم

أال يفعلوا. فلذلك ال أستطيع أن ألقي كل الل__وم علي__ه.. ول__و فعلت ذلك لحاجني، وغلبني، وأول ما يحاجني به أولئ__ك المخلص__ين الذين استطاعوا أن يتخلص__وا من أس__ره، وينفلت__وا من كي__ده، م___ع أن لهم ك___ل م___ا إلخ___وانهم من ب___ني آدم من اس___تعداد

للسقوط، وقدرة على تلقي الكيد الشيطاني. لقد ذكر الشيطان نفسه هذا، وأخبر أن من اس__تطاع أن يسيطر على نفسه، فستكون له القدرة على الس__يطرة على مكامن الوسوسة، وب__ذلك لن يتمكن من إض__الله، وال غوايت__ه،نن لهم قال تعالى يذكر قوله هذا: }قال رب بما أغ__ويتني ألزي

هم أجمعين ) _______ادك منهم39في األرض وألغ_______وين ( إال عب[40، 39المخلصين{ ]الحجر:

راط بل إن الله تعالى أقره على ذلك، وق__ال: } ه__ذا ص__ ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إال من41علي مستقيم )

بعك من الغاوين{ ]الحجر: [42، 41ات وب__ذلك، ف__إن الش__يطان ت__ابع لإلنس__ان قب__ل أن يك__ون اإلنسان تابع_ا ل_ه.. فل__وال تل__ك القابلي__ة اإلنس__انية، لم_ا ك_انت

67

Page 71: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الوسوسة الشيطانية.. ولذلك كان اإلنس__ان بادئ__ا، ومس__ؤوال، وال يس____تطيع أن يف____ر عن مس____ؤوليته بس____بب وس____اوس

الشياطين. وكيف له أن يفر عن مسؤوليته، وهو يعلم أن الله تعالى ال__ذي مكن الش__يطان من الوسوس__ة ل__ه ق__د مكن مع__ه من المالئكة من يعمل مقابل عمله.. فالشيطان يوسوس والملكيعظ ويوجه ويحذر.. وهو ال يكف كل حين من إبداء مواعظه.

والمشكلة أن الذي رض__ي وسوس__ة الش__يطان فتح آذان قلبه ل_ه، وص__مها عن س__ماع مالك_ه.. ول_و س__مع لمالك_ه لف__ر

شيطانه عنه. إن األمر يا بني يشبه شخصا يملك تلفازا يح__وي قن__وات كثيرة.. منها قنوات هداية، ومنه__ا قن__وات تض__ليل وانح__راف.. وبدل أن يختار قنوات الهداية ليستمع له__ا، راح يخت__ار قن__وات

الضاللة. نعم .. قنوات الضاللة ملومة فيم__ا تنش__ره من تض__ليل.. ولها دور في ذلك.. وتحاس__ب علي__ه.. لكن المس__ؤولية ال تق__ع عليها وحدها.. بل تقع على ذلك المختار الذي اختاره__ا، وك__ان

في إمكانه أن يختار غيرها. أق__ول ل__ك ه__ذا ي__ا ب__ني ح__تى ال تق__ع فيم__ا يق__ع فيه__ا المعارضون ل__ربهم، المس__تدركون علي__ه، ال__ذين جعلهم س__وء أدبهم، يتص___ورون أن الل___ه م___ا خل___ق الش___يطان إال ليض___ل

اإلنسان.. ومعاذ الله أن يكون الهادي الذي وفر كل أسباب الهداية

ساعيا لتضليل الخلق.. وال منتقما منهم بذلك. وإنما خلق الل__ه الش__يطان، أو مكن للش__يطان أن ي__ؤدي

68

Page 72: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

دوره ح__تى يمحص العب__اد، وي__ربيهم، بع__د أن وهبهم ك__ل م__ا يريدونه من الحري__ة واالختي__ار.. وال يمكن لمن يطلب الحري__ة

أن يجد طريقا واحدا.. وإال كان مضطرا إليه. لذلك كان الشيطان، قائد طريق الضاللة، وداعيها.. وه__و ال يلزم أحدا بسلوكها، وإنما اإلنس__ان ه__و ال__ذي يخت__ار ذل__ك.. وبملء إرادته ورغبته.. بعد أن يرى كال الطريقين، ويشاهد كال

النجدين. وأنت تعلم يا بني أن الش__يطان، وإن ك__ان ش__را محض__ا، فالله لم يخلقه كذلك، فتقدس الله أن يخلق الش__ر المج__رد.. ولكن الشيطان هو الذي اختار لنفسه ذلك.. وهو ال__ذي طلب من الله _ بعد أن علم قدرته على كل ش__يء، وأن__ه ال ي__رفض من سأله _ أن ي__تيح ل__ه اس__تخالص من يش__بهه من ب__ني آدم..

حتى ال يعاقب دونهم. واقتضى عدل الله أن يتيح له ذلك.. فما ك__ان للش__يطان وحده أن يعاقب على خطئه في نفس الوقت الذي يوجد في__ه

من يمكن أن يصير مثله. ال أقول هذا يا بني دفاع__ا عن الش__يطان.. فه__و ال يحت__اج إلى دف__اعي.. ولك__ني أقول__ه ألق__رر ل__ك الحقيق__ة، ولتتحم__ل مسؤولية أفعال__ك، وال تلقيه__ا على أح__د من الن__اس، ح__تى ل__و

كان من شياطين اإلنس والجن.. فما دمت مختارا وحرا وليس هن_اك من يكره_ك.. ف_أنت مسؤول عن كل تصرفاتك.. ومحاسب عليه__ا.. وليس ل__ك أن تبررها بأي شيء.. ذلك أن أي تبرير تذكره سيسقط في ك__ير

االمتحان اإللهي. لقد ذكر الله تعالى ذلك عن الشيطان، وأقره عليه، فقد أخبر أنه س__يقف ي__وم القيام__ة أم__ام من أض__لهم ليق__ول لهم:

69

Page 73: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

_ان لي ه وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما ك } إن الل عليكم من سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم لي فال تلوم__ونيي رخي إن رخكم وم__ا أنتم بمص__ __ا بمص__ كم م__ا أن ولوم__وا أنفس__ كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم{

[22]إبراهيم: بل إن الله تعالى أخبر أن براءت__ه من ب__ني آدم ال ترتب__ط بذلك اليوم فقط، ب__ل في ك__ل األي__ام.. فه__و بع__د أن يم__ارس دوره في التض__ليل والغواي__ة، يف__ر تارك__ا لهم، غ__ير متحم__ليطان إذ ق__ال __ل الش_ مسؤولية جري_رتهم، ق_ال تع_الى: } كمثه ي أخ__اف الل __ك إن __ريء من ي ب لإلنسان اكفر فلما كفر ق__ال إن

[16رب العالمين{ ]الحشر: وذكر موقفا من مواقفه، وهو يشبه كل مواقف__ه، فق__ال:__وم يطان أعم__الهم وق__ال ال غ__الب لكم الي ن لهم الش } وإذ زي___ان نكص على ___راءت الفئت ي ج___ار لكم فلما ت اس وإن من الني أخ__اف __رون إن ي أرى م__ا ال ت ي بريء منكم إن عقبيه وقال إن

ه شديد العقاب{ ]األنفال: ه والل [48الل فلهذا يا بني يمكنك أن تستعيذ من الشيطان ووساوسه، لكن ذل__ك وح__ده ال يكفي.. فم__ا دمت تس__تمع إلي__ه، وتحن لحديثه، وتتلقاه بكل أريحي__ة، وال تنف__ر عن__ه، وال ت__ولي وجه__ك ل__ذلك المالك الطيب ال__ذي يب__الغ في تح__ذيرك.. ف__اعلم أن__ك

على خطر، وأن االستعاذة وحدها ال تكفي. ومث__ل من يكتفي باالس__تعاذة دون أن يص__د نفس__ه عن الغواي___ة، مث___ل ال___ذي يش___رب المس___كرات، وي___دمن على المحرمات، ثم يقول عند بداية شربه لها وإدمانه عليها: بس__م

الله. فذكرك لله، واستعاذتك به تنبيه لك ح__تى ت__راعي ج__انب

70

Page 74: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

األلوهية، وليس مجرد لقلقة لسان، وال طقطقة مسبحة.ق__وا إذا ذين ات لقد ذكر الل__ه تع__الى ذل__ك، فق__ال: } إن الرون{ روا ف__إذا هم مبص__ __ذك يطان ت هم ط__ائف من الش__ مس__

[.. وذك__ر من يحن__ون لوس__اوس الش__يطان،201]األع__راف: ويستجلبونها، ويرتاحون لها، فق__ال: }وإخ__وانهم يم__دونهم في

[202الغي ثم ال يقصرون { ]األعراف: فلذلك اتف__ق جمي__ع الحكم__اء على أن__ه ال يمكن ألح__د أن يل__زم الس__راط المس__تقيم من غ__ير أن ي__دقق في ك__ل عم__ل يعمله، أو خاطر يخطر على قلبه، وهل هو من إله__ام المالك، أو من وسوس__ة الش__ياطين.. فال ينج__و من الش__يطان إال من

حاسب نفسه، وحذرها من االستماع له أو لوساوسه..

17

Page 75: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الفقر سمعتك اليوم _ يا بني _ تحدث بعض الناس عن الفق__ر.. وقد كنت قاس__يا في ح__ديثك لهم.. ف__أنت لم ت__راع ح__الهم وال وض__عهم وال ذل__ك األم__ل ال__ذي ك__ان يغم__ر قل__وبهم، وال تل__ك

السكينة التي كانت تمتلئ بها نفوسهم. لق__د اعت__برت في ح__ديثك لهم الفق__ر ص__نما ينبغي أن يكسر.. وطاغوتا ينبغي أن يقتل.. وأن من رضي ب__الفقر كمن

رضي بالكفر.. وم__ا ك__ان لي أن أجادل__ك في ذل__ك.. ولكن لك__ل مق__ام مقاال.. ولكل حديث رج__اال.. فالمس__اكين ال__ذين كنت تح__دثهم لم يكن بيدهم من الحيلة ما يخرجون به من الح__ال ال__ذي هم علي__ه.. ول__ذلك رض__وا ب__أن يعب__دوا الل__ه بعبودي__ة الرض__ى والتسليم.. ويعتبروا فقرهم اختبارا إلهيا.. نجاحهم فيه من__وط

بعفافهم ورضاهم وتسليمهم لله. فلذلك سلموا .. ورضوا.. وعاشوا مطمئنين ف__رحين بم__ا آتاهم الل__ه من فض__له، ح__تى ل__و ك__ان قليال.. م__ؤملين النفسباألجر العظيم الذي يلقونه بصبرهم ورضاهم وتسليمهم لله.

وقد كان في إمكانهم _ لو س__معوا تل__ك الص__يحات ال__تي ت_دعوهم إلى تحطيم ص_نم الفق_ر __ أن يهرع_وا إلى األغني_اء، فيسلبوهم، أو يسرقوهم، أو يختلسوا أموالهم.. مثلم__ا حص__ل في تلك البالد التي ثار فقراؤها على أغنيائه_ا.. ثم ص__ار الك__ل

يصارع بعضهم بعضا، ويحارب بعضهم بعضا. وكان في إمكانهم أن يتحولوا إلى مختلس__ين ومرتش__ين ولص__وص وقط__اع ط__رق.. لكنهم لم يفعل__وا.. ورض__وا ب__أن يعيش___وا الس___الم.. مكتفين بأك___ل الحالل، ول___و ك___ان قليال..

72

Page 76: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

معتقدين بركته وفضله، ومطمئنين بأن العطاء الذي كتب لهم لم يرسل لهم جميعا، وإنما ادخر لهم هناك عند الله.. ول__ذلك

رضوا بحالهم، وسعدوا بما ينتظرهم من فضل الله. هكذا هذا هو حالهم ي__ا ب__ني .. فهم ليس__وا كس__الى.. وال مقع__دين.. وال مف__رطين فيم__ا آت__اهم الل__ه من أس__باب.. لكن ليس كل من س__عى كس__ب.. وال ك__ل من ت__اجر ربح.. وال ك__ل من ألقى سنارته صادت له.. فالمؤمن يسعى، والله هو ال__ذي

يكتب ما شاء لمن شاء كيف شاء. ك__ان في إمكان__ك ي__ا ب__ني أن تجلس بين أي__ديهم مجلس التلميذ ال األستاذ.. والمري__د ال الش__يخ.. ف__أنت وإن كنت أك__ثر منهم علما إال أنهم أكثر منك رضا.. وأنت وإن كنت أكثر منهم

قراءة للكتب، فهم أكثر منك قراءة للحياة. ل__و جلس__ت إليهم ي__ا ب__ني مجلس التلمي__ذ من األس__تاذ لرأيت الغنى الحقيقي الذي تخفيه أسمالهم البالية، ووجوههم الش__احبة.. ففي قل__وبهم من كن__وز القناع__ة، وج__واهر الرض__ا، وأكاسير االستعفاف واالستغناء ما ال تج__ده في جمي__ع قص__ور

المترفين. هل رأيت يا بني تل__ك االبتس__امة الهادئ__ة ال__تي تش__ع به__ا وج__وههم.. إنه__ا أغلى من ج__واهر ال__دنيا.. فلمعانه__ا لمع__ان

الرضى عن الله.. وهو أغلى من كل شيء. ليتك يا بني _ قبل جلوسك لهم _ قرأت قوله تعالى: }وال__ه ذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ال أجد ما أحملكم علي على ال__ا أال يج__دوا م__ا ينفق__ون{ وا وأعينهم تفيض من ال__دمع حزن تول

[92]التوبة: إنها تصور تل__ك النف__وس الط__اهرة ال__تي ك__انت مش__تاقة

ومشاركته جهاده في سبيل الل__ه..للذهاب مع رسول الله 73

Page 77: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لكن فاقتها وفقرها وحاجتها منعتها من ذلك.. فصارت دموعها تفيض حزن___ا .. ال على فقره___ا وحاجته___ا، وإنم___ا على ع___دم

.. خروجها مع رسول الله هل رأيت الله تعالى في كتابه الكريم ي__ذم ه__ذه العي__ون الباكي__ة.. أم ت__راه يث__ني عليه__ا، ويعظمه__ا، ويعتبره__ا األس__وة

والقدوة؟ فأولئك _ وإن قعدت بهم ف__اقتهم دون االلتح__اق برس__ول

_ إال أن قلوبهم كانت معه.. وأروحهم كان تسير خلف_هالله في كل محل يذهب إلي__ه.. وهم ل__ذلك أغ__نى األغني__اء، وأث__رى األثرياء.. وأين غنى األغنياء أو ثراهم أمام تلك الج__واهر ال__تي

.سقطت من عيونهم عند فراقهم لرسول الله ، وهو بعيد عنهم، وهم بعيدونلقد ذكرهم رسول الله

عنه، فقال: )إن بالمدينة لقوما ما س__رتم مس__يرا، وال قطعتم وادي__ا، إال ك__انوا معكم في__ه(، ق__الوا: ي__ا رس__ول الل__ه، وهم

(1)بالمدينة؟ قال: )وهم بالمدينة، حبسهم العذر(

كان يمكنك يا بني أن تقرأ تلك اآليات قبل ذهاب__ك إليهم، ل__تراهم بص__ورتهم الحقيقي__ة.. تل__ك الص__ورة ال__تي لم يره__ا

ب__أن يط__ردهم،المستكبرون، فراحوا يطالبون رسول الل__ه وأال يمكنهم من مجلس__ه ح__تى يحطم__وا ص__نم الفق__ر ال__ذي

طالبتهم بتحطيمه.هم __دعون رب ذين ي __رد ال اقرأ يا بني قوله تع__الى: }وال تطابهم من __ك من حس__ ي يري__دون وجه__ه م__ا علي بالغ__داة والعش_ شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من

( لتعرف قيمتهم وفضلهم عند الله.. 52الظالمين{ )األنعام:

(67/ 19)( رواه أحمد )1

74

Page 78: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فأولئ__ك ال__ذين س__خر المش__ركون من لباس__هم وه__يئتهم ومطعمهم ومش__ربهم ك__انوا مري__دين لل__ه.. ومت__وجهين بك__ل كيانهم إليه.. وكان في إمكانهم أن ينالوا من حظوظ الدنيا ما

تشاؤه األهواء.. لكنهم رضوا باختي__ار الل__ه لهم.. وق__د ق__ال يذكرهم: )أال أخبركم بأهل النار وأهل الجنة؟ أما أه__ل الجن__ة، فكل ض_عيف متض_عف، أش__عث ذي طم_رين، ل_و أقس_م على الله ألبره، وأما أهل النار، فكل جعظري جواظ، جم__اع من__اع،

(1)ذي تبع(

هل رأيت يا بني منزلتهم عند الله، ومكانتهم عنده، وعند رسوله، بل عند رسله جميعا.. فأولئك الذين ح__دثتهم ك__انوا ال يختلفون عن صحابة الرسل عليهم السالم.. ومع ذلك ص__بروا معهم، ورض__وا بهم، وأثن__وا عليهم.. ب__ل لم يق__ف معهم في

المواقف الصادقة إالهم. ارج__ع ي__ا ب__ني إليهم، فلعل__ك أح__زنتهم، أو مألت قل__وبهمباألسى، أو أخرجت من قلوبهم ذلك الرضى، وتلك السكينة.

ارجع إليهم تلميذا ال أستاذا.. ومريدا ال شيخا.. ومريضا ال طبيبا.. والتمس دعواتهم، وتذكر عند رجوعك لهم رسول الله

وحرصه عليهم، فقد روي أن سلمان، وص__هيبا، وبالال ك__انوا قعودا في أناس، فمر بهم أبو س__فيان بن ح__رب، فق__الوا: م__ا أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بع__د، فق__ال أب__و بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وس__يدها؟ ق__ال: ف__أخبر ب__ذلك

، فق__ال: )ي__ا أب__ا بك__ر، لعل__ك أغض__بتهم، فلئن كنتالن__بي أغضبتهم، لقد أغضبت رب__ك(، فرج_ع إليهم، فق__ال: أي إخوتن__ا

.(2)لعلكم غضبتم، فقالوا: ال يا أبا بكر، يغفر الله لك (459/ 19)( رواه أحمد )1

(2504)( رواه مسلم )2

75

Page 79: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وال تكتف يا بني ب__أن تعت__ذر لهم بلس__انك.. ب__ل ش__اركهم حديثهم، واجلس معهم كواحد منهم، فالبركات تت__نزل عليهم،

وعلى من جلس معهم.. فهم القوم ال يشقى بهم جليسهم.

76

Page 80: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

همم لقد رأيتك اليوم يا بني تح__دث قوم__ا عن الهم__ة العالي__ة، وأعجبني حديثك كثيرا، لكن ما ذكرت__ه من مص__اديق عن تل__ك الهمة لم يعجبني.. وربم__ا لن يعجب__ك أيض__ا إن ع__رفت س__بب

ذلك، وحدثتك عما ورد في النصوص المقدسة عنه. ال أريد أن أعيد علي__ك م__ا ذكرت__ه؛ ف__أنت أدرى ب__ه م__ني، وأحسبك أخذت ما ذكرته من تلك الكتب الكثيرة التي تتحدث عن الهمم، وت__ذكر خالل ح__ديثها عنه_ا الفق__راء ال__ذين اغتن__وا، والبسطاء الذين اش__تهروا، والمهملين ال__ذين ص__ار لهم قيم__ة

وجاه. وك__ان له__ا أن تك__ون ذات قيم__ة علمي__ة أك__ثر ل__و ذك__رت أولئك الذين افتقروا بسبب حرص__هم على الح__ق والخ__ير.. أو أولئك الذين آثروا الخمول على الش__هرة حرص__ا على دينهم.. أو أولئك الذين آثروا المناصب الوض_يعة على الرفيع_ة حرص_ا

على طهارة نفوسهم، وخوفا من تدنسها. كان لها أن تذكر أولئك الذين آثروا الحق على الباط__ل.. فأصابهم من إيثارهم له ما أصاب األنبي__اء واألولي__اء من ض__يق

العيش وكدر الدنيا وتغير الناس.. كان لها أن تذكر موس__ى علي__ه الس__الم ال_ذي ت__رك ج__اه فرعون، وراح يبحث عن جاهه عند الله.. وترك قصر فرعون، وما فيه من الخدم والحشم، ليسير خائفا مترقب__ا إلى م__دين، ويصبح راعي غنم، بع__د أن ك__ان مع_دودا في حاش__ية فرع_ون

المقربين. وك__ان له__ا أن ت__ذكر ذل__ك الص__حابي الجلي__ل مص__عب بن عمير الذي ترك العز الذي يعيشه، ليلتحق باإلسالم، وهو في

77

Page 81: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

عز شبابه، ويتحمل األذى بس__ببه، ومن أق__رب الن__اس إلي__ه .. ذلك الذي كان يبالغ في اهتمامه بمظهره وزينته وشعره قب__ل اإلسالم، وك__انت أم__ه الثري__ة تكس__وه أحس__ن الثي__اب وأرقه__ا،

يق__ولوتعطره بأجمل العط_ور وأغاله، وك_ان رس__ول الل__ه عند ذكره له: )ما رأيت بمكة أحدا أحسن لم__ة، وال أرق حل__ة،

(1 )وال أنعم نعمة من مصعب بن عمير(

لكن ذلك كله فارقه بعد إسالمه، فقد جه__د ___ كم__ا ي__ذكر الرواة عنه _ جهدا ش__ديدا ح__تى إن جل__ده ك__ان يتحش__ف كم__ا

يتحشف جلد الحية.. وقد روي أنه أقبل ذات ي__وم، والن__بي جالس في أصحابه، عليه قطعة نمرة قد وصلها بإه_اب، فلم_ا

نكسوا رؤوس__هم رحم__ة ل__ه، ليسرآه أصحاب رسول الله ، وأحس_نعندهم ما يغيرون عنه، فس_لم ف_رد علي_ه الن_بي

عليه الثناء وقال: )الحمد لل__ه ليقلب ال_دنيا بأهله_ا، لق_د رأيت هذا )يعني مصعبا( وما بمكة فتى من قريش أنعم عن__د أبوي__ه نعيما منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير، في حب الله

(2 )ورسوله(

وكان لها أن تذكر س__لمان المحم__دي.. ذل__ك ال__ذي ت__رك العز والجاه الذي كان يعيش__ه في ظالل وال__ده ال__دهقان.. ثم س__ار في األرض باحث__ا عن الحقيق__ة إلى أن وج__دها، بع__د أن ابتلي بالعبودية في سبيلها.. وبعد أن وصل إليها ع__اش زاه__دا متواضعا.. ولم يتاجر بالحق الذي ضحى في سبيله.. ولم ين__ل من المكاسب إال م__ا امتأل ب__ه قلب__ه من اإليم__ان، ولس__انه من

الحكمة.

116/ 3)( ابن سعد، الطبقات الكبرى: 1

. 82/ 3)( المرجع السابق، 2

78

Page 82: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وقد روي أن سعدا دخل علي__ه يع__وده في م__رض موت__ه، فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك؟ تلقى أصحابك، وترد

وهو عن__ك الحوض، وتوفي رسول الله على رسول الله راض، فق__ال: )م__ا أبكى جزع__ا من الم__وت وال حرص__ا على

عه__د إلين__ا فق__ال: )ليكن بلغ__ةال__دنيا؛ ولكن رس__ول الل__ه أحدكم من الدنيا كزاد الراكب(، وه__ذه األس__اود ح__ولي ___ ولم يكن حوله حينها سوى مطهرة أو إنجانة ونحوها.. عن__دما رأى سعد ذلك تأثر كثيرا، ثم طلب منه أن ينص__حه، فق__ال: )اذك__رك عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك رب

(3 )إذا قسمت(

هذه هي نماذج الهمم العالية التي افتق__رت بع__د الغ__نى، وذلت بعد الع__ز، وض__حت في س__بيل روحه__ا بك__ل م__ا يتطلب__ه

جسدها من الراحة والعافية والسكون. أما تل__ك ال__تي اغتنت بع__د فاق__ة.. أو ع__زت بع__د ذل.. أو اشتهرت بعد خمول.. فقد ال يكون الح__ق أو الخ__ير ه__و ال__ذي أوصلها لذلك.. وإنما وصلت إليه بمعاندة الحق، واتباع س__لوكأهل الباطل، ولذلك لم تكن جديرة بأن تكون أسوة لغيرها..

،وقد ورد في الحديث أن رجال م__ر على رس__ول الل__ه فق__ال لبعض من عن__ده يخت__بره: م__ا رأي__ك في ه__ذا؟ فق__ال

__اس، ه__ذا والل_ه ح_ري إن)الرجل: هذا رج_ل من أش__راف الن ،فسكت رسول الل__ه ، (خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع : )م_ا رأي_ك في ه_ذا؟(ثم مر رجل، فقال ل_ه رس_ول الل_ه

قال: )يا رسول الل__ه، ه__ذا رج__ل من فق__راء المس__لمين، ه__ذا حري إن خطب أن ال ينكح، وإن ش__فع أن ال يش__فع، وإن ق__ال

( 545/ 2، وأبو نعيم في الحلية، حياة الصحابة )4104)( رواه ابن ماجة، 3

79

Page 83: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

: )هذا خ__ير من ملء فقال رسول الله ،(أن ال يسمع لقوله(1 )األرض من مثل هذا(

قصة تبين معايير الهمم، وم__دىوفي حديث آخر ذكر األخطاء التي يقع الناس فيه__ا، فق__ال: )بين__ا ص__بي يرض__ع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فق__الت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم ال تجعلني مثله، ثم أقب__ل على ثدي__ه فجع__ل يرتض___ع.. وم___روا بجاري___ة وهم يض___ربونها ويقول___ون: زنيت، سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكي__ل، فق__الت أم__ه: اللهم ال تجعل ابني مثلها، فترك الرض__اع ونظ__ر إليه__ا، فق__ال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث، فقالت: مر رج__ل حسن الهيئ__ة فقلت: اللهم اجع__ل اب__ني مثل__ه، فقلت: اللهم ال تجعل__ني مثل__ه، وم__روا به__ذه األم__ة وهم يض__ربونها ويقول__ون زنيت، س__رقت، فقلت: اللهم ال تجع__ل اب__ني مثله__ا، فقلت:__ارا، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، ق__ال إن ذاك الرج__ل ك__ان جب اللهم ال تجعلني مثله، وإن ه__ذه يقول__ون له__ا زنيت ولم ت__زن،

(2)وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها(

لذلك كان المعيار الحاكم في الهمم ه__و الص__الح، وليس تلك المناص__ب الرفيع__ة ال__تي ال تغ__ني عن أص__حابها ش__يئا إن افتق__رت أرواحهم إلى اإليم__ان أو األخالق أو التوج__ه بالكلي__ة

لعالم الحق والخير. ذكر أن أولئك الذين ت__وهم الن__اسبل إن رسول الله

( ، وق__ال: رواه الط__برانى561/_ 3(: رواه البزار واسناده حسن، وقال المن_ذرى فى ال__ترغيب )83/_ 8)( قال الهيثمى فى مجمع الزوائد )1

والبزار وإسنادهما حسن.

( واللفظ له. 2550( ، مسلم )3436 )6)( البخاري- الفتح 2

80

Page 84: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

رفعة مناصبهم ليس__وا س__وى عبي__د له__ا، انتكس__وا عن حقيق__ة إنس__انيتهم، والكرام__ة المرتبط__ة به__ا، ليقع__وا في ذل__ة ال__روح

: )تعس عب__د ال__دينار وعب__دوهوانه__ا، ففي الح__ديث ق__ال الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يع_ط س__خط، تعس وانتكس وإذا شيك فال انتقش، ط_وبى لعب_د آخ_ذ بعن_ان فرسه في سبيل الله، أشعث رأس__ه مغ__برة ق__دماه، إن ك__اناقة ك_ان في الحراسة ك_ان في الحراس__ة، وإن ك_ان في الس__

(1)في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع(

نموذج_ا عن ه_ؤالء ال_ذين ارتفعتوذكر رس_ول الل__ه هممهم إلى إنسانيتهم الرفيعة المكرمة، فق__ال: )رب أش__عث

(2 )مدفوع باألبواب لو أقسم على الله ألبره(

فصحح يا بني نظرتك إلى الهمم، وال يستخفنك ال__ذين ال يوقن__ون، أولئ__ك ال_ذين ي_رون ظ__واهر األش__ياء، ويغفل__ون عن بواطنها، وينظرون إلى الدنيا، ويغفلون عن اآلخرة، ويكتف__ون بالعاج__ل عن اآلج__ل.. م__ع أن العاق__ل ه__و ال__ذي يبحث في النهايات، وال تغره البدايات.. والمنتصر هو من يضحك أخيرا.. ال ذلك الذي يدفع في هزيمته كل م_ا كس_به فيم_ا توهم_ه من

انتصارات.

( 2887 )6)( البخاري- الفتح 1

( 2622)( مسلم )2

18

Page 85: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

سموم ليتك كنت معي اليوم _ ي__ا ب__ني ___ عن__د زي__ارتي للحديق__ة الجدي__دة ال__تي أقيمت في بل__دتنا.. هي حديق__ة ممل__وء بك__ل أصناف األزهار الجميلة التي تريك جمال الحياة، وجمال صانع

الحياة، وتجعلك ترتبط بالجمال بجميع أبعاده ودرجاته. لك__ني ___ أثن__اء ذل__ك اإلعج__اب الش__ديد ___ الحظت قس__ما مكتوب__ا علي__ه ]قس__م األزه__ار الس__امة[، فتعجبت أن تك__ون

األزهار التي ترمز للجمال والحياة، وسيلة للموت والفناء. دخلت القس___م فوج___دت ]نبت___ة الش___وكران[ بأزهاره___ا الجميلة، مودع_ة في قفص ص_لب من الزج_اج، ح__تى ال تمت__د إليها األي__ادي.. وق__د كتب أمامه__ا: )ه__ذه الزه__رات هي ال__تي قتلت الفيلس___وف الكب___ير س___قراط بع___د تناوله___ا بلحظ___ات

معدودة( ووجدت من بينها ]زهرة الزنب__ق[ ال__تي تع__ود الكث__ير أن يزرعه___ا في الح___دائق، أو يض___عها في المزهري___ات، متمتع___ا بجمالها من غير أن يدرك السموم التي تحويها، هي وفصيلتها

جميعا. ووج__دت من بينه__ا ]زه__رة ال__دفلى[، وهي زه__رة جميل__ة تع__ودت أن أراه__ا في الح__دائق، ولم أعلم إال حينئ__ذ بأنه__ا م__ع جمالها تقتل الجمال، ومع حياتها تقتل الحياة.. ب__ل إنه__ا ح__تى

بعد حرقها تنتج بدخانها المنتشر سموما قاتلة. ووج__دت من بينه__ا أزه__ار ]الت__وت األبيض[، وهي أزه__ار تشبه العيون الجميلة.. لكنها مع جمالها، وجمال العي_ون ال_تي

تشبهها شديدة السمية، تقتل كل من يقترب منها.

82

Page 86: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ووجدت من بينها الزهرة التي نس__ميها ]س__ت الحس__ن[، ووجدت مكتوب__ا أمامه__ا ه__ذا التح__ذير الخط__ير: )تحت__وي ه__ذه الزه__رة على م__ادة ت__ؤدي إلى هلوس__ة وص__عوبة في التنفس وتشنجات عضلية، ثم تتحول إلى توت سام ي__ؤدي إلى مقت__ل

األطفال الصغار في حال تناولهم لها( وهكذا مررت على الكثير من األزهار التي تمتلئ العيون

بجمال منظرها، لكن تمتلئ النفوس بخبث مخبرها.. وقد جعلني ذلك أبحث عن الحكمة اإللهي__ة ال__تي أودعت تلك الزهور تلك السموم.. وبما أن عقلي أقصر وأض__عف من أن يعلم الحكم اإللهية جميع__ا.. فق__د اقتص__رت منه__ا على م__ا

ينفعني، وينفعك.. لقد علمت أن الله ما خلق لن__ا الجم__ال في ه__ذا الع__الم لنعبر من__ه فق__ط إلي__ه، وإلى حق__ائق الك__ون، فنمتلئ بالمحب__ة والسمو الروحي الذي يجعلنا نعيش إنس__انيتنا الحقيقي__ة ال__تي سجدت لها المالئكة.. وإنما خلقه أيضا ليختبرنا، ويبتلينا، ح__تى ال نقع فرائس لتلك السموم التي ق__د يختزنه__ا بعض م__ا ن__راه

من جمال. فذلك الذي أخذت بعقله الخمر، وانتشى بل__ذتها، وس__كر بجم__ال عبيقه__ا.. قتلت__ه وقتلت عقل__ه وروح__ه ودم__رت معه__ا إنسانيته.. ألنه الحظ ذلك الجمال المؤقت الذي اصطادته ب__ه، ولم يالحظ تلك السموم المودعة فيها.. ولو أنه وثق في ربه، كما وثق فيمن يحدثه عن السموم المودعة في أزهار الدنيا.. لعلم أن الله ما خلق تلك اللذة إال ليخت__بره، ه__ل يختاره__ا، أم

يختاره؟ فالله الذي خلق الخمر مملوءة بالسموم في الدنيا.. ه__و

الذي خلقها وبأضعاف لذاتها خالية من السموم في اآلخرة.

83

Page 87: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وهك__ذا ح__ال ال__ذي ي__بيع قلب__ه للص__ور الجميل__ة، فيمتلئ عشقا لها، وتمتلئ قتال له.. فتس__قيه من خالل ك__ؤوس عيني__ه التي لم يغضهما عما حرم الل__ه علي__ه ك__ل أل__وان البالء، وك__ل

أنواع السموم.. وقد صدق الشاعر حين قال: كل الحوادث مبداها

من النظر ومعظم النار منمستصغر الشرر كم نظرة فتكت في

قلب صاحبها فتك السهام بال قوس

وال وتر والمرء ما دام ذا عينيقلبها

في أعين الغيدموقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر

مهجته ال مرحبا بسرور عاد

ولذلك كان من رحم__ة الل__ه تع__الى بعب__اده أن دع__ا تل__كبالضرر األزهار الجميلة أن تستر بعض جماله__ا رحم__ة ب__الخلق، فليس كلهم يطيق غض بصره، وال كلهم يستطيع أن يمنع نفس__ه من

السموم التي تقتلها.. لقد قال الشاعر يصف ذلك: يا راميا بسهام اللحظ

مجتهدا أنت القتيل بما ترمي

فال تصب وباعث الطرف يرتادالشفاء له

توقه إنه يأتيك وقال آخر يصف ما حصل لعيني__ه من آث__ار تل__ك األزه__اربالعطب

الجميلة الممتلئة بكل أنواع السموم: يا راميا بسهام اللحظ

مجتهدا أنت القتيل بما ترمي

فال تصب وباعث الطرف يرتادالشفاء له

توقه إنه يأتيكبالعطب وقال آخر:

ومن كان يؤتى منعدو وحاسد

فإني من عيني أتيتومن قلبي هما اعتوراني نظرة ثم

فكرة فما أبقيا لي كل من

رقاد وال لب وقال آخر:

84

Page 88: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وأنا الذي اجتلبالمنية طرفه

فمن المطالب أخ__بر عن ذل__ك، ب__ل إن س__يد الحكم__اء رس__ول الل__ه والقتيل القاتل

وحذر منه، واعتبره سما قاتال، فقال: )النظرة س__هم مس_موم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يج__د ل__ه

(1 )حالوته في قلبه(

ب__ل إن الل__ه تع__الى ح__ذرنا من ذل__ك، وأخبرن__ا أن غض الطرف عن أمثال تلك السموم التي يصل ص__داها إلى القلبوا من أزكى وأطهر لإلنسان، قال تعالى: }قل للمؤمنين يغض____ير بم__ا ه خب أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الل

[30يصنعون { ]النور: بل إن الله تعالى حذرنا أن نكتفي بجم__ال المظه__ر، م__ع الغفل__ة عن جم__ال المخ__بر في ك__ل ش__يء، ق__ال تع__الى عنمع __وا تس__ المنافقين: }وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقوليحة عليهم هم __ل ص__ بون ك دة يحس__ هم خشب مسن لقولهم كأن

ى يؤفكون { ]المنافقون: ه أن [4العدو فاحذرهم قاتلهم الل فاحذر يا بني أن تأسرك تلك التقاسيم الجميلة، وال تل__ك األصوات العذبة، أو ال__روائح العط__رة، فتس__جنك في س__جونها القاتلة.. فأنت لم تنزل لهذه الدنيا لتسجن في الزن__ازن، وفي جماله__ا المقي__د المح__دود.. وإنم__ا ن__زلت ل__ترتقي في فض__اء الجم__ال المطل__ق.. ذل__ك ال__ذي ال يظف__ر ب__ه إال من نظ__ر إلى الجمال الحقيقي، ولم يغره ذلك الجمال المزيف الذي قد يلذ العين أو األذن أو الحواس.. لكنه يقتل الروح، ويقتل معها كل

لطائف اإلنسان.

:رواه الطبراني. 63 ص 8)( قال في مجمع الزوائد ج 1

85

Page 89: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

86

Page 90: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

نيران ال شك أنك _ يا ب__ني ___ رأيت تل__ك الن__يران ال__تي التهمت غابات كثيرة، وفي مناطق مختلفة من الع__الم ه__ذا الص__يف.. والش__ك أن__ك ع__رفت أن س__ببها يع__ود إلى بعض أع__واد ثق__اب أش___علها بعض المس___تهترين لطع___ام يأكلون___ه، ثم نس___وا أن

يطفئوه؛ فتحول إلى خراب ودمار. هك__ذا تفع__ل ال__ذنوب ال__تي يق__وم به__ا المس__تهترون، ثم يغفل__ون عن إطفائه__ا ب__دموع الن__دم والتوب__ة.. فتس__رع ري__اح اإلص__رار لتح__ول منه__ا حرائ__ق هائل__ة ت__دمر الش__جر والحج__ر

والبشر.. وتدمر معها كل المعاني النبيلة. لذلك ال تستهن يا بني بتلك النيران الخفية ال__تي توق__دها أعواد ثقاب المعاصي، فكما أن نفس اإلنسان يمكن تطهيرها ببعض المجاه__دات البس__يطة، يمكن ك__ذلك أن نحرقه__ا ببعض

المعاصي التي قد نحتقرها. فال تحتقر الذنوب، فاحتقارك لها احتقار لمن تعصيه بها..

واحتقارك لها أخطر منها.. وقد قال الشاعر: كل الحوادث مبداها

من النظر ومعظم النار منمستصغر الشرر كم نظرة فتكت في

قلب صاحبها فتك السهام بال قوس

وال وتر والمرء ما دام ذا عينيقلبها

في أعين الغيدموقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر

مهجته ال مرحبا بسرور عاد

لمن وقد قال _ قبل ذلك _ سيد الحكماء رسول الل__ه بالضرر استصغر الذنوب التي يقوم بها اللسان: )ثكلت__ك أم__ك.. وه__ل

87

Page 91: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1)يكب الناس في النار على وجوههم إال حصائد ألسنتهم؟(

وقال لعائشة عندما أشارت بيدها إلى قصر صفية: )لق__د قلت كلمة لو مزجت بماء البح__ر لمزجت__ه(، وق__ال له__ا عن__دما حكت إنسانا: )ما أحب أني حكيت إنس__انا وأن لي ك__ذا وك__ذا(

(2)

ه__ل رأيت ___ ي__ا ب__ني ___ كي__ف تفع__ل أع__واد الثق__اب في الغابات.. كذلك تفع__ل ال__ذنوب بحقيق__ة اإلنس__ان.. فك__ل ذنب يطبع طابعه في القلب والنفس والروح.. ليمأله__ا بالغش__اوة.. ثم تتراكم الذنوب لتتحول بصيرة اإلنسان إلى العمى المطبق ال__ذي ال يبص__ر الحق__ائق، وكي__ف يبص__ر من وض__ع على عين__ه

الغشاوة، وعلى قلبه الحجب؟ لقد أشار الله تع__الى إلى ذل__ك، عن__دما أخ__بر رس__وله

عن نف__وس المش__ركين والمج__ادلين والمعترض__ين.. وأنه__ا ال تمل__ك من األدل__ة على اعتراض__ها أي أث__ارة من عق__ل أو علم، وإنما ك__ل م__ا حص__ل له__ا بس__بب ال__ذنوب ال__تي ك__درت ص__فو

بصيرتها، فامتألت بالعمى، وهل يمكن لألعمى أن يبصر؟__ل ران على لق__د ذك__ر الل__ه تع__الى ذل__ك، فق__ال: }كال ب

[، ثم بين آثار ذلك14قلوبهم ما كانوا يكسبون{ ]المطففين: هم هم عن رب الران على العالقة بين العبد وربه، فقال: }كال إن

___ون{ ]المطففين: [، فالس___بب في ذل___ك15يومئذ لمحجوب الحجاب ليس من الله، وإنما من عند من مألوا قلوبهم بأنواع

الشبه التي تحول بينهم وبين ربهم.__ذبين ) (10وقد سبق ذلك قوله تعالى: }ويل يومئذ للمك

( 20303(، و عبد الرزاق )345/ 36)( رواه أحمد )1

( 2633( )2632( ، والترمذي )4875)( رواه أبو داود )2

88

Page 92: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بون بيوم ال__دين ) ذين يكذ __د11ال __ل معت __ه إال ك __ذب ب ( وم__ا يكاطير األولين{12أثيم ) ____ا ق____ال أس____ ____ه آياتن ( إذا تتلى علي

-__ 10]المطففين: [، وهي تبين أن ذلك الحجاب كان ق__د13 ص__نع في ال__دنيا بس__بب التك__ذيب والتلفي__ق وال__تزوير ال__ذي مارسه المسيئون مع الحقائق والقيم التي جاءتهم بها الرسل

عليهم السالم. كيفي__ة ذل__ك، وعالقت__ه ب__أعوادلقد وضح رس__ول الل__ه

ثق__اب ال__ذنوب، فق__ال: )إن العب__د إذا أذنب ذنب__ا ك__انت نكت__ة(1)سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت(

لذلك احذر يا بني من ال__ذنوب، ف__إن فيه__ا م__واد س__ريعة االشتعال، وفيه__ا م__ا يش__به القناب__ل النووي__ة ال__تي تحب__ط ك__لذين آمنوا ال ترفعوا ها ال األعمال.. كما قال تعالى محذرا: }ياأي__القول كجه__ر __ه ب بي وال تجه__روا ل وت الن واتكم ف__وق ص__ أص__عرون { ___ط أعم___الكم وأنتم ال تش___ كم لبعض أن تحب بعض___

[2]الحجرات: هل رأيت يا بني كي__ف يفع__ل مج__رد رف__ع الص__وت أم__ام

.. فكيف بمعارض__ته أو الس__خرية مم__ا ذك__ره أورسول الله دع__ا إلي__ه.. فاح__ذر أن تغلب__ك نفس__ك وأه__واؤك، فتق__ع في المعارضة، فيحترق ك__ل م__ا بنيت__ه في نفس__ك من مك__ارم، أو

وفرته لنفسك من األجور. فالمشكلة يا بني .. ليست في كثرة األعمال، وإنم__ا في الحرص عليها.. والذي يبني المصانع والمتاجر.. ثم ال يوفر لها الحماية الكافية، ستكون عرض_ة للص__وص ينتهبونه_ا، فيتح__ول

من الغنى إلى الفقر.. ومن الثراء إلى الحاجة. لقد ذكر الله تعالى ذلك، وحذر من__ه، فق__ال: } ق__ل ه__ل

( 3334( ، والترمذي )4244( وابن ماجه )333/ 13)( رواه أحمد )1

89

Page 93: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

رين أعم___اال ) ئكم باألخس___ عيهم في103ننب ل س___ ذين ض___ ( النعا ) هم يحسنون ص__ ( أولئك104الحياة الدنيا وهم يحسبون أن

هم ولقائه فحبطت أعم__الهم فال نقيم __ات رب ذين كف__روا بآي ال[105 - 103لهم يوم القيامة وزنا{ ]الكهف:

له__ذا كن ورع__ا ي__ا ب__ني .. وأس__رع ك__ل حين إلى تفق__د مصانعك ومتاجرك وأعمالك حتى ال تتسلل إليها أعواد الثقاب التي تحرقها.. أو الفيروسات الدقيقة التي تقتلها.. فالله الذي اختبرك بما يحبط األعمال، وفر لك ما يحفظها.. والل__ه ال__ذي خلق أعواد الثقاب، وفر الماء الذي يطفئها.. والله الذي خل__ق

الفيروسات والميكروبات وفر لها ما يقتلها. أن__ه ق__ال:وق__د ورد في الح__ديث عن رس__ول الل__ه

)تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الفجر غسلتها، ثم تح__ترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تح__ترقون، ف__إذا ص__ليتم العص__ر غس__لتها، ثم تح__ترقون تح__ترقون، ف__إذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تح__ترقون، ف__إذا ص__ليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون، فال يكتب عليكم حتى تستيقظوا(

(1)

: )إن لل__ه ملك__ا ين__ادى عن ك__لوفي حديث آخر ق__ال صالة، يا بنى آدم قوم__وا إلى ن__يرانكم ال__تي أوق__دتموها، على

(2 )أنفسكم فأطفئوها(

وإياك يا ب__ني أن تفهم من ه__ذه األح__اديث حروفه__ا دون معانيها.. فتتوهم أن كل الجرائر والذنوب تكف__ر بالص__الة.. كال

فالنصوص المقدسة يفهم بعضها من خالل مجموعها..

( 2224، رقم 2/358)( رواه الطبرانى فى األوسط )1

: رواه الطبراني في األوسط والصغير. 299 ص 1)( قال في مجمع الزوائد ج 2

90

Page 94: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أن شر الناس من يكثر من الصالة والصياموقد أخبر وقراءة القرآن الكريم، لكنه يس__تعملها جميع__ا ك__أعواد ثق__اب

: )يخ__رج في ه__ذه األم__ة ق__ومليحرق بها كل شيء.. قال يحقر أحدكم صالته مع صالتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن، ال يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق الس__هم

(3 )من الرمية(

لذلك الزم الورع في كل شيء.. واصغ لمن يحذرك، وال تصغ لمن يمألك بالغرور الكاذب.. فألن تلقى من يخوفك إلى أن تج___د األمن خ___ير من أن تلقى من يؤمن___ك إلى أن تج___د

المخافة.. فالشيطان والدنيا واألهواء كله__ا ت__تربص ب__ك.. وتري__د أن تحرقك.. فكن حذرا.. فم__ا هي إال أي__ام مع__دودة.. لتلقى الل__ه من غ__يرك أن تحرق__ك تل__ك ال__ذنوب ال__تي ال تح__رق إال من

يستهين بها، ويستصغر شأنها.

( 112/ 3( ومسلم )47/ 8( وفي )243/ 4)( رواه البخاري )3

19

Page 95: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الغراس رأيتك _ يا بني __ مهتم_ا بحديق_ة ال_بيت، تتعه_د أش_جارها وأزهارها، وتسقيها كل حين بما تحتاجه من ماء، وتزودها ك__ل حين بما تحتاجه من سماد، وتضيف لها كل حين ما يزينها في

عينك، وعين كل من يدخل إليها. وأن__ا أش__جعك على ه__ذا، وأدع__وك إلى الح__رص علي__ه، فالنبات عالم من العوالم الحية التي أمرنا باالهتمام بها، وق__د

__زرعقال رسول الله : )م__ا من مس__لم يغ__رس غرس__ا أو ي كان له به ص__دقة( زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إال

(1)

، ونتيج__ة حرص__ه على ه__ذا الع__الم، دع__ا إلىب__ل إن__ه غرس األشجار حتى ل__و لم يكن هن__اك أم__ل في االنتف__اع به__ا،

: )إن ق__امت علىففي نفس غرسها الثواب العظيم، ق__ال (2 )أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها(

لكني أدعوك إلى العبور من حديقة ال__بيت إلى نفس__ك.. ففيها حديقة ال تختلف عن حديقة البيت.. ويمكنك أن تغ__رس فيها م__ا ش__ئت من أزه__ار الفض__ائل.. ويمكن__ك أن تش__ذب م__ا

شئت من أشواك الرذائل.. ويمكنك أن تحوله_ا إلى جن__ة فيح__اء، يعجب به_ا ك_ل من

رآها، ويشم أريجها العطر كل من اقترب منها. كما يمكنك أن تحولها إلى غابة للسباع.. ومأوى للحي__ات

. 1552 رقم 1188/ 3. صحيح مسلم 2320 رقم 226/ 1)( رواه البخاري 1

( 479( ، والبخاري في األدب المفرد )1216( ، وعبد بن حميد )2068)( الطيالسي )2

92

Page 96: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

والعقارب.. يلتهمون كل ما وهبك الله من الكرامة.. ويقضونعلى كل ما هيئ لك من الفضائل.

فابذل جهدك يا بني في مراقبة حديق__ة نفس__ك.. واح__ذر من كل خلق سيء.. فإنه قد يقتل ما تعاهدته في نفسك من األخالق الطيب__ة.. فالرذائ__ل تق__اوم الفض__ائل.. مثلم__ا تق__اوم

النباتات الضارة النباتات النافعة، وتقضي عليها. واعلم يا ب_ني أن ك_ل م_ا تغرس_ه في نفس_ك من أزه_ار الفض__ائل وأش__جارها س__يظهر ل__ك هن__اك في الحديق__ة ال__تي تنتظرك.. وهي التي تتجلى لك فيها حقائق نفسك التي كانت

مخفية عنك. فإنك يا ب__ني في ذل__ك الع__الم لن تش__اهد إال م__ا غرس__ته بيديك هنا.. فالله أكرم من أن يظلم أح__دا، أو يجازي__ه بم__ا لم

تعمل يداه.. مر ليلة اإلس__راءوقد ورد في الحديث أن رسول الله

بإبراهيم عليه الس_الم، وه_و ج_الس عن_د ب_اب الجن_ة، فس_لم عليه، فرد عليه السالم، وقال: )مرحبا ب__النبي الص__الح، واالبن الص__الح، م__ر أمت__ك فليك__ثروا من غ__راس الجن__ة، ف__إن تربته__ا

: )وم__ا غ__راس الجن__ة؟(،طيبة، وأرضها واسعة(، فق__ال ل__ه قال: )ال ح__ول وال ق__وة إال بالل__ه العلي العظيم(، وفي رواي__ة: )أق__رئ على أمت__ك م__ني الس__الم، وأخ__برهم أن الجن__ة طيب__ة التربة عذبة الماء وأن غراسها؟ سبحان الل__ه والحم__د لل__ه وال

(1 )إله إال الله والله أكبر(

بل إن القرآن الكريم كله يشير إلى ذل__ك.. فك__ل آي__ات الجزاء تدل على أن اإلنسان لن يجد في دار المعاد غ__ير تل__ك البذور التي سقاها بنفسه في عالم ال__دنيا، ق__ال تع__الى: }وال

( 3462)( الترمذي )1

93

Page 97: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

_را لهم له ه_و خي ذين يبخلون بما آتاهم الله من فض_ يحسبن اله __وم القيام__ة ولل __ه ي __وا ب يطوقون م__ا بخل ر لهم س__ بل ه__و ش____ير{ ]آل __ون خب ماوات واألرض والل__ه بم__ا تعمل م__يراث الس__

[، فهذه اآلية الكريمة تبين أن ما ك_ان يبخ_ل ب_ه180عمران: اإلنس__ان من ال__ذهب والفض__ة وغيرهم__ا يظه__ر في النش__أة األخ__رى بهيئ__ة سلس__لة من ن__ار تط__وق عنق__ه وتلت__ف حول__ه،

وتقحمه النار. وهك__ذا ص__ور الق__رآن الك__ريم ص__ورة ال__ذين يك__نزونذين األموال، ويحرم__ون الخل__ق من االنتف__اع به__ا، فق__ال: }والرهم يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها في سبيل الل__ه فبش__

_وى به_ا34بعذاب أليم ) م فتك _ار جهن ( يوم يحمى عليه_ا في ن جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ألنفسكم فذوقوا ما

[، فاآليات الكريمة ت__دل على35،__ 34كنتم تكنزون{ ]التوبة: أن الذهب والفضة التي بخل بها أصحابها في الدنيا، وكنزوها،

هي التي تكوى بها جباه المكنزين وجلودهم وظهورهم. وهك___ذا، ف___إن ك___ل الحي___ات والعق___ارب والس___موم والمفازات.. وكل ما ورد في أه__وال جهنم ليس س__وى ثم__رة لتلك البذور التي غرسها أصحابها في نفوس__هم، فتح__ولت عن إنسانيتها.. وغرسوها في دار األبدية فتحولت إلى تلك الص__ور

التي تتناسب مع نفوسهم. ومثل ذلك النعيم الذي جعله الله للذين جاهدوا نفوسهم في الله، وقطعوا كل أش__جار الرذائ__ل، وغرس__وا ك__ل أش__جار الفضائل.. ف__إنهم ال ينعم__ون فق__ط بتل__ك النف__وس المطمئن__ة الطيبة، وإنما ينعم__ون معه__ا أيض__ا ب__ذلك النعيم العظيم ال__ذي يتناس__ب م__ع نفوس__هم، ف__الطيبون للطيب__ات.. والخ__بيثون

للخبيثات. فاجتهد يا بني أن تعبر من حديقة بيت__ك .. لتعم__ر حديق__ة

94

Page 98: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

نفسك.. واجتهد لتعبر حديقة نفسك إلى عمارة تلك الح__دائق الغن__اء ال__تي س__ترحل إليه__ا في رحل__ة األب__د.. وعن__دها س__تجد

األزهار التي ال تذبل.. والثمار الدانية التي ال تنقطع. واعلم ي__ا ب__ني أن رحلت__ك في ه__ذه ال__دار أقص__ر من أن تضيعها في الجدل، أو في الم__راء، أو في الريب__ة.. فس__ارع .. ففي كل نفس من األنفاس من المكاسب ما ال يمكن لعقل__ك تخيله.. وفي كل نفس من األنفاس ما يمكنك أن تبني به ع__ز

األبد. وأحسن ظنك بربك، فهو لم يرد لك إال خ__ير.. وق__د ك__ان في إمك__ان فض__له أن يرزق__ك من غ__ير أن تب__ذل جه__دا.. لكن عدله ورحمته بك هي التي استدعت أن تتيح لك تل__ك الحري__ة ال__تي تجعل__ك تخت__ار م__ا يتناس__ب مع__ك.. فالفض__ائل ال يمكن

فرضها.. وال يمكن أن يجبر أحد عليها.. وإال لم تكن فضائل. لذلك أت__اح ل__ك ب__ذلك البالء ال__ذي أنزل__ه علي__ك أن ت__وفر السماد لبذور الصبر والرضا.. ول__وال البالء م__ا ع__رفت الص__بر، وال ذقت طعم الرض__ا.. وال تم__يزت عن أولئ__ك ال__ذين جزع__وا واض__طربوا وراح__وا يعارض__ون ربهم عن__د ن__زول البالء عليهم؛ فغرس__وا في نفوس__هم بتل__ك المواق__ف ك__ل أش__جار الرذيل__ة، وقلع__وا ك__ل ثم__ار الفض__يلة.. ول__ذلك لن ي__روا في مس__تقبلهم

الحقيقي غير ما غرسوه بأيديهم.

95

Page 99: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

مضمار رأيتك ___ ي__ا ب__ني ___ مث__ل الكث__ير من أتراب__ك مهتم__ا بتل__ك المسابقات والمنافسات الكثيرة التي تج__ري في الع__الم ك__ل

حين، وحول ألعاب مختلفة، منها الرياضية والفكرية وغيرها. وأنا ال أعاتبك في ذلك؛ فاالهتمام بمثل هذه المنافس__ات ق__ديم ج__دا.. والبش__ر ___ س__واء أولئ__ك ال__ذين يمارس__ون تل__ك األلعاب نفسها، أو من يقف معهم فيه__ا ___ يحب__ون أن يتف__ردوا

بالفوز على منافسيهم، وأن يكون النصر حليفهم فيها. ولكني أعاتبك عندما تتوقف همتك على ذل__ك، أو عن__دما يكون دورك في تلك المنافسات مثل ذلك المشاهد الكس__ول الذي يفرح لنصر غيره، وينسى أن يخ__رج من كس__له، ليحق__ق

لنفسه فوزها في مضمار الحياة الذي أقامه الله لعباده. فالحياة يا بني _ بكل مجاالتها ومعانيها _ مضمار يتس__ابق فيه العباد، لتحقيق الكماالت التي هيأه__ا الل__ه لهم.. وأك__ثرهم ف__وزا فيه__ا من ن__ال من تل__ك القيم م__ا ترف__ع ب__ه عن ك__ل

السفاسف، ونال بدلها كل المكارم. وأكثرهم فوزا فيها من تجاوز العقب__ات والمطب__ات ال__تي وض__عت في الطري__ق.. وال__تي ال يجاوزه__ا إال أص__حاب الهمم العالية، واالجتهاد الصادق.. لقد ذكر الله تع__الى ذل__ك، فق__ال:

__ة12( وما أدراك ما العقبة )11}فال اقتحم العقبة ) ( فك رقبغبة )13) _وم ذي مس_ _ة )14( أو إطع_ام في ي ( يتيم_ا ذا مقرب

___ة )15 كينا ذا مترب ___وا16( أو مس___ ذين آمن ___ان من ال ( ثم كوا بالمرحم__ة ) بر وتواص__ وا بالص__ حاب17وتواص__ ( أولئك أص__

[18 - 11( { ]البلد: 18الميمنة ) وذكر كذلك الجوائز القيمة التي ينالها السابقون، وال__تي

96

Page 100: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تختلف كث__يرا عن ج__وائز المت__أخرين المتخلفين، فق__ال: } إن ( تعرف في23( على األرائك ينظرون )22األبرار لفي نعيم )

عيم ) __وم )24وجوههم نضرة الن (25( يسقون من رحي__ق مختون ) ( ومزاج__ه26ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافس__

نيم ) __ون { ]المطففين:27من تس__ ب رب به__ا المقر __ا يش__ ( عين22 - 28]

ف__العين ال__تي يش__رب به__ا المقرب__ون، تختل__ف عن العين التي يشرب بها األبرار، والنعيم الذي يج__ده أه__ل اليمين غ__ير النعيم الذي يجده المقربون.. وإن كان كالهما في الجنة، ذلك أن الجن__ة درج__ات كث__يرة، والتف__اوت بينه__ا عظيم، وق__د ق__ال

: )إن أه__ل الجن__ة لي__تراءون في الجن__ة أه__لرس__ول الل__ه الغرف، كما تراءون الكوكب الدري الغارب في األفق الطالع، في تفاضل أه__ل ال__درجات(، فق__الوا: ي__ا رس__ول الل__ه، أولئ__ك النبيون؟ فقال: )بلى، والذي نفسي بيده، وأقوام آمن__وا بالل__ه

(1) وصدقوا الرسل(

بل إن الله تعالى ذكر ذل__ك في الق__رآن الك__ريم، وأش__ار إلى أن التنافس في درج__ات اآلخ_رة أعظم من التن__افس فيهم على بعض لنا بعض__ __ف فض__ درجات الدنيا، فقال: }انظر كي

[21ولآلخرة أكبر درجات وأكبر تفضيال{ ]اإلسراء: فارفع همتك يا ب__ني ألن تك__ون من أولئ__ك المنعم عليهم الذين تحق__ق لهم الف__وز بال_درجات العالي__ة في ال_وقت ال_ذي ظفر فيه غيرهم بما هو دونها بكثير.. لقد ذكرهم الل__ه تع__الى،ه ذين أنعم الل ول فأولئك م__ع ال س__ ه والر فقال: }ومن يطع الل

(2556(، والترمذي برقم )339/ 2)( رواه أحمد )1

97

Page 101: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ن الحين وحس_ هداء والص_ ديقين والش_ ين والص__ بي عليهم من الن[69أولئك رفيقا{ ]النساء:

وأول عالمات هؤالء أن تكون منازلهم قريب__ة من من__ازل المكرمين بالقرب اإللهي من الرسل واألنبياء واألولياء.. وق__د

، فق__ال: ي__اورد في الحديث أن رجال جاء إلى رس__ول الل__ه إلى الص__الة،رسول الله متى قيام الس__اعة؟ فق__ام الن__بي

فلما قضى صالته قال: أين السائل عن قيام الساعة؟، فق__ال الرجل: أنا يا رسول الله قال: ما أعددت لها؟ قال: يا رس__ول الل__ه م__ا أع__ددت له__ا كب__ير ص__الة وال ص__وم إال أني أحب الل__ه

: )المرء مع من أحب، وأنت معورسوله، فقال رسول الله (1 )من أحببت(

ف__انظر إلى ه__ذه الهم__ة العالي__ة ال__تي جعلت الرج__ل ال يكتفي بأداء شعائر الدين التي كل__ف به__ا، وإنم__ا يض__يف إليه__ا تلك المحبة المقدسة التي جعلته مرتبطا بالدين بقلبه وروح__ه

ووجدانه، وليس بجسده فقط. وانظر معه__ا إلى هم__ة ذل__ك الص__حابي ال__ذي ق__دم بعض

، فأراد أن يكافئ__ه عليه__ا، فق__ال ل__ه:الخدمات لرسول الله اسألني.. وكان في إمكان__ه أن يس__أله عم__ا يش__اء من ش__ؤون الدنيا، لكنه قال له: إني أسألك مرافقتك في الجنة.. فقال له

: متثبتا: أو غير ذل__ك، ق__ال: ه__و ذاك، فق__ال رسول الله (2 ))فأعني على نفسك بكثرة السجود(

همت__ه العالي__ة، لكن__هأرأيت كي__ف أك__بر رس__ول الل__ه أخ__بره أن تل__ك الهم__ة تحت__اج إلى المزي__د من العم__ل، مثلم__ا

( 2639(، ومسلم )3688)( رواه البخاري )1

. 227/ 2(، و النسائي 1320(، وأبو داود رقم )489( )52/ 2)( رواه مسلم )2

98

Page 102: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يحتاج من يريد الفوز بالريادة في المسابقات إلى بذل الكث__يرمن الجهد.

هو التحق__ق ب__الفوز األعظم،فالقرب من رسول الله هو أول الف__ائزين في س__باق الحي__اة.. ومن ق__ربذلك أنه

أولئ__كمنه كان حريا بالفوز فيها، وقد وص_ف رس__ول الل__ه الذين نالوا القرب منه، ودرجاتهم، فقال: )إن من أحبكم إلي، وأق__ربكم م__ني مجلس__ا ي__وم القيام__ة: أحاس__نكم أخالق__ا، وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلس__ا ي__وم القيام__ة: الثرث__ارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رس__ول الل__ه، ق__د علمن__ا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ ق__ال: المتك__برون(

(1)

فلذلك يمكنك أن تتجاوز ي__ا ب__ني ك__ل األزمن__ة واألمكن__ة، ، والقرب منه، فهو ليس محصورالتظفر بمعية رسول الله

في زم__ان دون زم__ان، وال في مك__ان دون مك__ان، وق__د ق__ال لمن س___أله: )أرأيت من آمن ب___ك ولم ي___ركرس___ول الله

: )ط__وبى لهم، ثم ط__وبى لهم،وصدقك ولم يرك؟(، فق__ال (2 )أولئك منا، أولئك معنا(

ذكر م__ا ه__و أعظم من ذل__ك، حيث ق__ال: )منبل إنه أشد أمتي لي حبا ناس يكون__ون بع__دي، ي__ود أح__دهم ل__و رآني

، وقال: )إن أشد أمتي لي حبا قوم يكون__ون(3 )بأهله وماله(

( 2018)( رواه الترمذي )1

( 67/ 10)( رواه الطبراني في األوسط والكبير بنحوه، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد )2

170/ 5)( رواه أحمد 3

99

Page 103: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(4 )بعدي يود أحدهم أنه أعطى أهله وماله وأنه رآني(

فارفع همتك يا بني ألن تكون من ه__ؤالء، لتف__وز ب__أعظم جائزة في الحياة جميعا.. حياة ال__دنيا واآلخ__رة.. وهي الق__رب

.. فه__و البط__ل الحقيقي.. ب__ل ه__و أعظممن رس__ول الل__ه أبطال الدنيا.. ومن الغريب أن تتعلق بجميع أبطال ال__دنيا، ثم

ال تتعلق به، فال ينال المكارم إال من تعلق به بكل كيانه..

170/ 5)( رواه أحمد 4

100

Page 104: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لهو ال تتوهم يا ب__ني أني عن__دما أدع__وك إلى الج__د واالجته__اد وأخذ كتاب حياتك بقوة، أني أنهاك عما فطرت عليه من حب الله__و واللعب واالس__تجمام والراح__ة.. فمع__اذ الل__ه أن أح__رم عليك م__ا أحل__ه الل__ه ل__ك.. ومع__اذ الل__ه أن أت__دخل به__واي في الفطرة التي فطرك الله عليها؛ فأغيرها وأب__دلها، فم__ا ص__ارع الفط__رة أح__د إال ص__رعته، وال غالبه__ا إال غلبت__ه، وال ش__اد أح__د

الدين إال غلبه. ولكني يا بني أدع_وك إلى أم__رين يحمي__ان له_وك من أن يصبح حبال من حبال الشيطان يدلي_ه ل_ك ليج_رك إلى حزب__ه.. فاسمع حديثهما من أبيك الحريص عليك.. فه__و لم يس__تفدهما بالبحث والنظر، وإنما استفادهما من كلمات رب__ك المقدس__ة،

ومن الحكماء الذين عبروا عن مقاصدها، وبينوا أغراضها. أم__ا أوله__ا.. ف__أن تعطي لله__وك بعض وقت__ك .. ال ك__ل وقتك.. فإن الله تعالى ما خلق__ك لتله__و وتلعب، وإنم__ا خلق__ك لتجاهد نفسك في سبيله، حتى تحقق لها مكارمها، وترقى بها

إلى الكماالت التي أتاحها لها. فلذلك اجعل لهوك مثل نومك، ال تلجأ إليه إال بعد تعبك.. ومثل طعامك ال تلجأ إلي__ه إال بع__د جوع__ك.. ومث__ل ش__رابك ال تلجأ إليه إال بعد ظمئك.. فليس النوم وال الطعام وال الشراب إال من ضرورات الحياة التي من تناولها بقدرها اس__تفاد منه__ا،

ومن أسرف فيها أضرت بحياته وصحته. ولهذا قال الله تعالى آمرا باألك__ل والش__رب، وناهي__ا عنجد __ل مس__ __د ك __ابني آدم خ__ذوا زينتكم عن اإلسراف فيهم__ا: }يه ال يحب المسرفين{ ]األعراف: وكلوا واشربوا وال تسرفوا إن

1 10

Page 105: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

31] ولو أنك تأملت يا بني معنى هذه اآلية، ومعنى النهي عن اإلسراف لوجدت رحمة الله تعالى في نهيه عنه.. فاإلس__راف يرفع من األشياء بركتها وقيمتها، ومن أسرف في أكل شيء ذهبت عنه لذته، لزوال بركت__ه عن__ه.. ول__ذلك ك__ان األك__ل بع__د

الجوع ألذ للطعام من األكل بعد األكل، ومن غير حاجة. وهكذا األمر بالنسبة للهو واللعب؛ فإنه إن اس__تغرق ك__ل أوقاتك، لم تخسر أوقاتك فقط، وإنما خسرت لذتك في ذل__ك اللهو واللعب، حيث يصبح شيئا ال قيم__ة ل__ه، وال ت__أثير ل__ه في نفسك، مثل ذلك الطعام الزائ__د ال__ذي ق__د يض__رك أك__ثر مم__ا

ينفعك. ولهذا ورد في حكم األنبياء واألولياء برامج تحدد مواقيت الجد واللعب، فاس__تفد منه_ا، ونظم حيات_ك على أساس__ها، وال تدعها لكل أولئك الغافلين الذين يريدون أن تخرج من ال__دنيا، وأنت خالي الوفاض من كل المكارم، ف__ارغ الجي__وب من ك__ل

األجور. فقد ورد في صحف إبراهيم عليه السالم: )على العاق__ل م__ا لم يكن مغلوب__ا على عقل__ه أن يك__ون ل__ه أرب__ع س__اعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيه__ا نفس__ه، وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه، وساعة يخلو فيه__ا بحظ نفسه من الحالل فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات

(1 )واستجمام للقلوب وتوزيع لها(

وورد في حكم__ة آل داود علي__ه الس__الم: )ع__برة للعاق__ل اللبيب أن ال يشغل نفسه إال في أربع ساعات: س__اعة ين__اجي فيه__ا رب__ه، وس__اعة يحاس__ب فيه__ا نفس__ه، وس__اعة يلقى فيه__ا

. ٥٢٥ / ٢)( الخصال: 1

102

Page 106: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

إخوانه الذين ينصحونه في نفس__ه ويخبرون__ه بعيوب__ه، وس__اعة يخلو بين نفسه وبين ربه__ا فيم__ا يح__ل ويجم__ل ف__إن في ه__ذه

(1 )الساعة عونا على هذه الساعات(

وحدث اإلم__ام الحس__ين أن__ه س__أل أب__اه اإلم__ام علي عن ، فقال: )كان دخول__ه لنفس__ه مأذون__ا ل__همدخل رسول الله

في ذلك، فإذا آوى إلى منزله ج_زأ دخول_ه ثالث_ة أج_زاء: ج_زء لله، وجزء ألهله، وجزء لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فيرد ذل__ك بالخاص__ة على العام__ة، وال ي__دخر عنهم من__ه ش__يئا، وك_ان من س_يرته في ج_زء األم_ة، إيث_ار أه_ل الفض_ل بإذن_ه، وقس__مه على ق__در فض__لهم في ال__دين، فمنهم ذو الحاج__ة،

(2 )ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج(

وهكذا نرى كل الحكماء وأئمة الهدى يدعون إلى تقسيم األوقات، وتنظيمها، حتى ال يستحوذ الشيطان عليها، ف__الوقت ه__و الحي__اة، ومن ض__يع وقت__ه في الله__و واللعب، لم يج__د في آخرته ما يأنس به، وال ما يأنس له، وكان ندمه على التفري__ط

أعظم من كل تلك اللذات التي توهم أنه عاشها. وق__د ق__ال اإلم__ام علي: )للم__ؤمن ثالث س__اعات: س__اعة يناجي فيها رب__ه، وس__اعة يحاس__ب نفس__ه، وس__اعة يخلي بين

، وق__ال: )إن ليل__ك( 3 )نفس__ه ول__ذتها فيم__ا يح__ل ويجم__ل( ونه__ارك ال يس__توعبان لجمي__ع حاجات__ك فاقس__مها بين عمل__ك

(4 )وراحتك(

. 5381)( كنز العمال: 1

. 4 / 150 / 16)( بحار األنوار: 2

. 7370)( غرر الحكم: 3

103

Page 107: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

واجته__د ي__ا ب__ني في أن تخت__ار لج__دك أفض__ل األوق__ات وأحسنها، فأنت بج__دك ال بهزل__ك، وباجته__ادك ال بله__وك، وق__د قال اإلمام علي في كتابه لألشتر : )اجعل لنفسك فيم__ا بين__ك وبين الله أفض__ل تل__ك الم__واقيت وأج__زل تل__ك األقس__ام، وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيه_ا الني__ة، وس_لمت منه_ا الرعي_ة(

(5)

وأما الثاني.. فاحذر أن يخ__الف ج__دك هزل__ك، ف__إن ذل__ك مثل أكلك للطع__ام ال__ذي يض__رك.. والش__راب ال__ذي يؤذي__ك.. ول__ذلك جنب هزل__ك الح__رام والش__بهات، واحرس__ه بح__دود

الشرع، فما جعل الله دواء راحتك فيما حرم عليك. واعلم يا بني أن الشيطان إن لم يطق أن يوس__وس ل__ك في جدك، فإنه يطيق أن يوسوس لك في هزل__ك، فاح__ذر أن تدع له الفرصة لذلك، فإن قوما من الناس راح__وا يس__تمعون

إلى وساوسه، فحول دينهم لهوا ولعبا. وقد ذكر الله تعالى ما قاله موسى عليه الس__الم لقوم__هى حين خلطوا لهوهم ولعبهم بدينهم، فق__ال: }وإذ ق__ال موس__خذنا هزوا قال ه يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتت لقومه إن الل

ه أن أكون من الجاهلين{ )البقرة: (67أعوذ بالل ب___ل إن الل___ه تع___الى ح___ذرنا من اتب___اع س___بل أولئ___ك المستهزئين بدين الله، الذين راحوا يستعملونه مادة للض__حكخ__ذوا ذين ات خ__ذوا ال __وا ال تت ذين آمن ه__ا ال __ا أي واللعب، فقال: }ي__اب من قبلكم والكفار __وا الكت ذين أو ت دينكم هزوا ولعبا من الالة __اديتم إلى الص__ ه إن كنتم م__ؤمنين وإذا ن ق__وا الل __اء وات أو لي

. ٣٦٤١)( غرر الحكم: 4

. ٥٣)( نهج البالغة: الكتاب 5

104

Page 108: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

هم قوم ال يعقلون{ )المائ__دة: خذوها هزوا ولعبا ذلك بأن _57ات58)

وأخبر عن المصير الذي أعده لهؤالء المستهزئين، فقال:خذوا آياتي ورسلي ه__زوا{ م بما كفروا وات }ذلك جزاؤهم جهن

(106)الكهف: ال تحسب أن هذا خاصا بأقوام األنبياء، ب__ل ه__و ع__ام في كل العصور.. فأنت ترى تلك األساطير التي وض__عت في ح__ق األنبياء لتشوه حي__اتهم وقيمهم ودينهم، ولم يكن القص__د منه__ااس إال اللهو واللعب، وقد قال تع__الى مح__ذرا منه__ا: }ومن الن __ر علم ه بغي بيل الل ل عن س__ تري له__و الح__ديث ليض__ من يش__

خذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين { ]لقمان: [6ويت وهكذا تلك المسلسالت واألفالم والرواي_ات ال_تي تش_وه النبوة، أو تشوه قيم الدين، أو تسخر منه.. فاحذر منه__ا، فهي مادة الوسوسة التي ينطلق منها الشيطان ليح__ول دين__ك إلى دينه، ويصرفك عن دين الله الذي جاءت به رس__له، لق__د ق__الا نخ__وض ما كن الله تعالى يذكر هؤالء: }ولئن سألتهم ليقولن إنتهزئون{ )التوب__ة: وله كنتم تس__ __ه ورس__ ه وآيات ونلعب ق__ل أبالل

65) واحذر يا ب__ني من ك__ل له__و يس__يء إلى أخالق__ك، ويرف__ع عنك الحياء، أو يجعل__ك ت__رى م__ا ح__رم علي__ك النظ__ر إلي__ه، أو تستمع إلى ما حرم عليك االستماع له.. فإن ذلك اللهو سيمر على ك__ل القيم النبيل__ة ال__تي اكتس__بتها في س__اعات ج__دك، فيحرقها، ويدمرها، ويصبح له__وك حينه__ا ع__دوك ال__ذي يقض__ي

عليك. وال تذكر بعد هذا يا بني ما ي__ذكره الغ__افلون من أن ه__ذا تضييق لمجال الله__و واللعب.. فيس__تحيل على فض__ل الل__ه أن

105

Page 109: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يضيق.. ولكن الشيطان هو الذي ي__وهمهم ذل__ك، ويص__ور لهمأن اللهو ال يكون إال في الحرام وبالحرام.

م__ع أن__ك ل__و بحثت ي__ا ب__ني عن مج__االت الله__و المب__اح لوجدتها كثيرة جدا، يمكنك اقتناص_ها واالس__تفادة منه_ا لج__دك وهزل___ك.. وإال فس___يغير هزل___ك على ج___دك، ويحطم ك___لالمكاسب التي كسبتها، أو القيم التي اجتهدت في تحصيلها.

106

Page 110: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

صور لعلك _ يا بني _ شاهدت ذلك االهتمام الشديد من البشر بع__الم الص__ور.. وه__و من الع__والم ال__تي اقتض__اها اس__م الل__ه المصور.. ولواله لم يكن لهذا العالم وجود.. فك__ل ص__ورة في الكون من تصوير الله.. كان ذلك في البشر أو في الحج__ر أو في الشجر.. وكان ذلك التصوير جميال أو دميما.. فكل ص__ورة في الكون ترجع للبارئ المصور الذي اختار لها ذلك الش__كل،

وتلك التقاسيم. ولذلك احذر أن تحجبك الصور عن المص__ور.. أو تحجب__ك األشكال عن مبدعها ال__ذي أب__دعها على ذل__ك الش__كل، وك__ان في إمكانه وال يزال تحويلها إلى أي شكل شاء، أو أي ص__ورة

أراد. لعلك قرأت في ذلك قوله تعالى، وهو يخ__اطب اإلنس__ان

__ريم ) ك الك ك برب ها اإلنسان ما غ__ر (6الممتلئ بالغرور: }يا أيواك فع__دلك ) ذي خلق__ك فس__ اء7ال ورة م__ا ش__ ( في أي ص__

بك{ ]االنفطار: [8 - 6رك أتدري يا بني لم ربط الل__ه تع__الى الص__ور ب__الغرور.. ولم نبه أولئك المغترين إلى أن عالم الصور بيده.. وأنه ه__و ال__ذي

يصور من يشاء كيف يشاء؟ إن الله ربط ذلك ب_ذلك تنبيه_ا إلى تل_ك الجاهلي__ة األولى ال__تي ك__انت تم__يز الن__اس على أس__اس أش__كالهم وأل__وانهم وهيئ___ات أب___دانهم.. وهي نفس الجاهلي___ة ال___تي نش___أ عنه___ا االس__تعمار واالس__تكبار وك__ل أص__ناف الظلم.. وهي ال ت__زال سارية في أولئك الذين يعبدون الصور، ويمألون به__ا ص__فحات الجرائد والمجالت وواجهات المحالت.. لتعب__د جميع__ا من دون

107

Page 111: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الله. وهي ال ت__زال س__ارية في تل__ك المحالت الكث__يرة ال__تي أنشئت لتغيير خلق الله، والتي اس__تغل بس_ببها الطب وعل__وم كث__يرة، لتحوي__ل الش__يوخ إلى ش__باب، والعج__ائز إلى ص__بايا.. وكأن الحياة ليس سوى تلك الصورة الحسية ال__تي اختص__رت

فيها، وجثا الخلق راكعين وساجدين بين يديها. فل__ذلك ارح__ل ي__ا ب__ني من ك__ل ه__ذه الع__والم الممتلئ__ة بالعق__د.. ل__ترى حقيق__ة ع__الم الص__ور.. وتخ__رج من األوه__ام

المرتبطة بها.. فما تراه من صور ليس سوى أقنعة للروح.. وهي أقنع__ة قد تكون متناسبة معها، أو ال تكون متناسبة معه__ا.. فل__ذلك ال يغرن__ك جم__ال المظه__ر، فتغف__ل عن المخ__بر.. وت__ذكر ق__ول

الشاعر: على وجه مي مسحة

من مالحة وتحت الثياب العار لو

كان باديا ألم تر أن الماء يخبثطعمه

وإن كان لون الماء ب__ل ت__ذكر قول__ه تع__الى، وه__و يص__ف المن__افقين: }وإذاأبيض صافيا

هم __أن مع لق__ولهم ك __وا تس__ امهم وإن يقول __ك أجس__ رأيتهم تعجبدة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاح__ذرهم خشب مسن

ى يؤفكون { ]المنافقون: ه أن [4قاتلهم الل والمنافقون ليسوا أولئك الذين عاص_روا رس__ول الل__ه

فقط.. بل هم موجودون في كل األزمنة.. فكم س__عى الخل__ق خل__ف خطب__اء النف__اق والفتن__ة، أو علم__اء ال__دجل والبهت__ان، ال ألث___ارة من علم، أو بقي___ة من حكم___ة، وإنم___ا لص___باحة في وجوههم، وفصاحة في ألس__نتهم.. فس__قوهم منه__ا ك__ل أل__وان

الكدر والضاللة.

108

Page 112: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فاحذر أن تغفل بالصورة عن الحقيق__ة.. فالل__ه م__ا خل__ق الصور في ه__ذا الع_الم إال ليختبرن__ا به_ا.. ه__ل ن__رى الحق__ائق، ونكتفي بها.. أم نس__عى بأهوائن__ا إلى تل__ك الص__ور ال__تي زينت

لعيوننا، فنحجب بها عما يختبئ خلفها من الحقيقة؟ احذر يا بني أن تفقد آخرتك بتلك الزين__ة ال__تي زينت به__ا تلك الصور.. أو الفتنة التي وضعت فيها.. فهي كيد الش__يطان

األعظم، وأحبولته الكبرى، ومصيدته العظمى. تذكر عند ك__ل ص__ورة جميل__ة تراه__ا، وتخ__اف أن تس__لب عقلك منك أنها ليست س__وى قن__اع، س__تذهب ب__ه األي__ام، وأن

صورة الحقيقة هي التي تبقى، وما عداها سيفنى. وتذكر معه__ا أن ع__الم الص__ور الحقيقي لن يب__دأ في ه__ذا العالم، وال في ه__ذه النش__أة.. فهي نش__أة اختب__ار وبالء.. ومن مقتضياتها ع__دم انس__جام الص__ور م__ع الحق__ائق، ح__تى يتحق__ق االمتحان.. أما في العالم اآلخر.. والنش__أة األخ__رى.. فالص__ور منسجمة مع حقائقها، واألشكال منس__جمة م__ع الطب__ائع ال__تي

اكتسبها أصحابها. ولتعرف حقيقة ذلك يا بني اقرأ ما ورد في كلم__ات الل__ه المقدسة، لتعلم أن االنسجام بين الحق__ائق واألش__كال ق__انون

من قوانين اآلخرة.. أن__ه وص__فوق__د ورد في الح__ديث عن رس__ول الل__ه

المستكبرين الظلمة، أولئك الذين قد تك__ون أقنعتهم الجميل__ة في ال___دنيا هي س___بب ك___برهم وغ___رورهم وظلمهم، فق___ال:

في ص__ور(1))يحش__ر المتك__برون ي__وم القيام__ة أمث__ال ال__ذر

ل بالنملة الصغيرة أو برأس النملة أو الهباءة1 )( قدر ضئيل جدا، بالغ الصغر، مث

المنبثة في الهواء ويمكن رؤيتها في شعاع الشمس الداخل من النافذة.

109

Page 113: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

، وفي رواي__ة: )يبعث(1)الرجال، يغشاهم الذل من كل مك__ان( الله يوم القيامة ناسا في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، فيقال: ما هؤالء في صور الذر؟ فيقال: هؤالء المتك__برون في

(2 )الدنيا(

هل رأيت يا بني هذه الص__ورة البش__عة ال__تي هي حقيق__ة كل مغ__تر ومتك__بر بجمال__ه أو ص__ورته أو أي ش__يء من__ه.. إن__ه سيكون قصيرا حقيرا يشبه ذلك النمل الذي كان يدوس__ه في

الدنيا بقدميه. فلذلك كن موقنا أن كل أولئك الذين يتب__اهون بجم__الهم، ويسخرون من دمامة غيرهم، سيكون هذا هو حالهم في تل__ك الحياة األبدية.. فلذلك ال تنتظر حتى ت__راهم على تل__ك الح__ال في اآلخ_رة.. ب__ل انظ__ر إليهم به__ا في ال__دنيا، ح_تى ال يجعلهم

الشيطان مصايد يصطاد بها عقلك وقلبك وحقيقتك. وهكذا يذكر القرآن الكريم أولئك الذين عب__دوا وج__وههم في الدنيا من دون الله.. ووقفوا أمام المرائي خاشعين له__ا.. مكتفين بالصالة له__ا عن الص__الة لل__ه، ب__أنهم سيس__يرون ي__وم القيامة على تلك الوجوه.. ألنها كانت سبب الحسرة العظيمةرون على ذين يحش___ ال ﴿ال___تي حص___لت لهم.. ق___ال تع___الى: م أولئك شر مكانا وأضل سبيال ]الفرق__ان: ﴾وجوههم إلى جهن

34] _ بع__د أن رأى اس__تغرابوق__د فس__رها رس__ول الل__ه

بعضهم في ذلك _ فق__ال: )أليس ال__ذي أمش__اه على ال__رجلين

(. قال الترمذي: حسن صحيح557(، والبخاري في )األدب المفرد( )6677( )179/ 2(، وأحمد )2492)( رواه الترمذي )1

(337/ 10)( رواه البزار كما في )مجمع الزوائد( )2

110

Page 114: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(3)في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟(

فاحذر يا بني أن تكون وجهتك وجهك، وقبلت__ك ص__ورتك، فيحصل لك م__ا حص__ل له__ؤالء.. ب__ل اجع__ل وجهت__ك الحقيق__ة، وقبلت__ك نح__و رب__ك.. فه__و المص__ور ال__ذي اخت__برك بالص__ور.. وص__ورتك من بين الص__ور.. وإن لم تعجب__ك في ه__ذا الع__الم، فيمكنك أن تجد ما هو أجمل منها في ذلك العالم.. وفي تل__ك

الحياة األبدية. فالصور في ذل__ك الع__الم، وفي الحي__اة األبدي__ة من ص__نع البشر.. فعلى أساس حقائقهم تكون ص__ورهم، وعلى أس__اس أخالقهم تكون خلقتهم.. فاسع ألن تكون صورتك هناك أجم__ل الصور.. فذلك الع__الم ه__و الحقي__ق بجه__دك واهتمام__ك.. ألن__ه مستقبلك، وما الدنيا سوى مرحلة ستجتازها بأي صورة تكون

عليها.رة ) لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال: }وج__وه يومئذ ناض__

__اظرة )22 ها ن رة )23( إلى رب ( تظن24( ووج__وه يومئذ باس__[25 - 22أن يفعل بها فاقرة{ ]القيامة:

رة )38وقال: }وجوه يومئذ مسفرة ) ( ضاحكة مستبش____رة )40( ووجوه يومئذ عليها غبرة )39 ( أولئك41( ترهقها قت

[40 - 38({ ]عبس: 42هم الكفرة الفجرة )ذين ود وج__وه فأما ال __وم تبيض وج__وه وتس__ وق__ال: }ي اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم

ذين ابيضت وجوههم ففي رحم__ة الل__ه106تكفرون ) ( وأما ال[107، 106هم فيها خالدون{ ]آل عمران:

أخ__بر أن في الجن__ة س__وقا خاص__ةبل إن رسول الل__ه

(7265(، ومسلم )6158)( رواه البخاري )3

111

Page 115: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بالصور، وأن أي شخص يرغب في أي ص__ورة يري__د أن يك__ون عليها، يحقق له طلبه من غير أطباء، وال عمليات تجميل.. بل مجرد الرغبة في الصورة تجعله مصورا بها.. وكي__ف ال تجعل__ه

كذلك، وهو يرى تجليات اسم الله المصور في كل شيء. فلذلك اعرف الله المص__ور.. واح__ذر من فتن الش__يطانخ__ذن من المرتبطة بالص__ور، فق__د ه__دد ب__ني آدم فق__ال: } ألت

ا ) هم118عبادك نصيبا مفروض__ هم وآلم__رن ين هم وألمن ن ل ( وألض__ه { ]النس_اء: _ق الل رن خل هم فليغي كن آذان األنعام وآلمرن فليبت

118 ،119] ولن يك__ون ل__ك ذل__ك إال إذا ع__رفت حق__ائق األش__ياء.. وانشغلت بمعرفتها عن األشكال التي تكون عليها.. فالش__كل

قد يمثل الحقيقة، وقد يكون حجابا دونها.

112

Page 116: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أرزاق مالي يا بني كلما حدثتك عن ال_رزق انص_رف ذهن__ك إلى المال.. فهل ترى الرزق محص__ورا في الم__ال؟ .. أم ت__رى أن الذي لم يرزق ماال لم ينل حظه من اسم الل__ه ال__رزاق ال__ذي تجلى لك__ل ش__يء؟.. أم ت__رى أن الم__ال ه__و أس__اس األرزاق

ولبها، وأن من فقده كان كمن فقدها جميعا؟ ليس األمر كذلك يا بني .. فما الم__ال إال رزق من أرزاق الل__ه.. وفض__ل من فض__له.. وق__د ي__رى الل__ه بفض__له وكرم__ه ورحمته بعب__اده أن في إعطائ__ه منع__ا، فيمنع__ه، ال بخال، وإنم__ا كرما.. فالكريم الحقيقي هو الذي يمنعك مما يضرك حتى ل__و

اشتاقت له نفسك، أو حن إليه طبعك.. في الحديث القدس__ي حاكي__ا عنلقد قال رسول الله

ربه سبحانه وتعالى ه__ذا المع__نى: )وإن من عب__ادي المؤم__نين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عن__ه، ول__و أعطيت__ه إي__اه لدخله العجب وأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤم__نين لمن ال يصلحه إال الغنى ول__و أفقرت__ه ألفس__ده ذل__ك، وإن من عب__ادي المؤمنين لمن ال يصلح له إال الفقر، ولو أغنيت__ه ألفس__ده ذل__ك وإن من عب___ادي المؤم___نين لمن ال يص___لحه إال الس___قم ول___و أصححته ألفسده ذل__ك، إنى أدب__ر عب__ادي بعلمي بقل__وبهم إنى

(1 )عليم خبير(

ول__ذلك انص__رف ب__ذهنك عن__د ذك__ر األرزاق إلى روح__ك وعقلك وقلبك وكل لطائفك .. فهي كلها تحتاج أرزاق__ا خاص__ة به__ا، وأقوات__ا ال يمكن للم__ال أن يل__بي مطالبه__ا، وال أن يس__د

حاجاتها.

( 7/95( ، وابن عساكر )8/318( ، وأبو نعيم في الحلية )2/232( ، والحكيم )1، رقم 9)( ابن أبى الدنيا في األولياء )ص 1

113

Page 117: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وال تختصر اإلنسان في ذل__ك الجس__د ال__ذي ال يش__كل إال جزءا ضئيال فاني__ا من حقيقت__ه.. فاإلنس__ان روح وجس__د.. وفي الروح كل أنواع اللط__ائف ال__تي ال حاج__ة له__ا للم__ال، ب__ل ق__د يفسدها، ويؤثر فيها، ويحولها عن عالمه__ا إلى الع__والم ال__دنيا، حين تترك رحلتها األبدية في العالم األسنى لتجعل ك__ل همه__املء خزائنها من اليواقيت والجواهر، ال من الخالل والمكارم. لقد ذك__ر الل__ه تع__الى ذل__ك حين أخ__بر عن أولئ__ك ال__ذين تثاقلوا إلى الدنيا، وباعوا كلم__ات الل__ه ب__أجور مح__دودة، وثمن__اب ه من الكت __زل الل ذين يكتم__ون م__ا أن قليل، فق__ال: } إن الار __ونهم إال الن __أكلون في بط ويشترون به ثمنا قليال أولئك ما ييهم ولهم ع__ذاب أليم{ __زك __وم القيام__ة وال ي ه ي مهم الل وال يكل

[، ثم بين الج___زاء ال___ذي ينتظ___رهم، أو ثمن174]البق___رة: اللة تروا الض__ ذين اش__ السلعة ال__تي باعوه__ا، فق__ال: }أولئك الار{ ]البق__رة: برهم على الن بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أص__

175] ولذلك اجعل ك__ل هم__ك ي__ا ب__ني في أرزاق ال__روح، تل__ك

، فقال: )إن الل__ه قس_ماألرزاق التي أخبر عنها رسول الله بينكم أخالقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله ع__ز وج__ل يعطي الدنيا من يحب ومن ال يحب، وال يعطي ال__دين إال لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين، فقد أحبه، والذي نفسي بي__ده، ال يسلم عبد حتى يسلم قلب__ه ولس_انه، وال ي__ؤمن ح_تى ي_أمن جاره بوائقه(، قالوا: وما بوائقه ي__ا ن__بي الل__ه؟ ق__ال: )غش__مه وظلمه، وال يكسب عبد ماال من حرام، فينفق منه فيبارك ل__ه فيه، وال يتصدق به فيقبل منه، وال يترك خلف ظه__ره إال ك__ان زاده إلى الن__ار، إن الل__ه ع_ز وج_ل ال يمح__و الس__يئ بالس__يئ،

(1 )ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث ال يمحو الخبيث(

( 189/ 6)( رواه أحمد )1

114

Page 118: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

إن هذا الحديث، وفي كل ح__رف من حروف__ه ي__بين ل__ك حقيقة الرزق ومجاالت_ه، وأنه_ا أعظم من أن تحص__ر في ذل_ك المال، وخاصة إن كان حراما.. فهو حينه__ا وب__ال على ص__احبه ح__تى ل__و تص__دق من__ه، فتل__ك اآلث__ار ال__تي يتركه__ا في القلب

والروح ال يمكن عالجها ال بالصدقات، وال بغيرها. عن بعض آث__ار ذل__ك الش__غفلق__د أخ__بر رس__ول الل__ه

بالمال، واختصار الرزق فيه، فقال: )اتق__وا الظلم ف__إن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الش__ح أهل__ك من ك__ان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واس__تحلوا مح__ارمهم(

(1)

وإي__اك ي__ا ب__ني أن ت__ترك م__ا ذكرت__ه ل__ك من النص__وص المقدسة لتردد علي ما يذكره الغ__افلون من أق__وال الش__عراء

الذين يهيمون في كل الوديان، فتذكر لي قول من قال: المال يستر كل عيب

في الفتى والمال يرفع كل وغد

ساقط فعليك باألموالفاقصد جمعها و

اضرب بكتب العلمبطن الحائط أو قول اآلخر:

إذا قل مال المرء قلبهاؤه

وضاقت عليه أرضهوسماؤه وأصبح ال يدري وإن

كان حازما أقدامه خير له أم

فما ص__دقوا فيم__ا ذك__روا.. فم__ا أك__ثر أص__حاب األم__والوراؤه ال__ذين ذهب جهلهم بش__رفهم، وص__اروا مح__ل س__خرية من

الناس.. توهم يا بني لو أن الله أعطاك من كل أموال ال__دنيا، ثم أخذ ما أعطاك من العلوم أو األخالق، فصرت ج__اهال س__فيها..

( 6668 )18/ 8 ومسلم 483 والبخاري، في )األدب المفرد( 1143( وعبد بن حميد 14515 )323/ 3)( رواه أحمد 1

115

Page 119: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فما تنفعك تلك األم_وال حينئ_ذ؟ وه_ل يمكن أن تفع_ل ب_ك إالمثلما فعل الدب بصاحبه حين قتله، وهو يتوهم أنه يذب عنه؟ فكذلك األموال عندما تقع بيد الجاهلين، والذين يبحث__ون عن مص__ادر يص__درونها به__ا، ح__تى يك__ون انتف__اعهم به__ا ك__امال شامال.. فيقعوا حينذاك في اإلسراف وال__ترف، ومن وق__ع في__ك __ا أن نهل اإلسراف والترف هلك، كما قال تعالى: }وإذا أردن قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول ف__دمرناها

[16تدميرا { ]اإلسراء: ول__ذلك ال تح__زن ي__ا ب__ني عن تل__ك األرزاق ال__تي فاتت__ك، فأنت وأغنى أغنياء الدنيا، تأكلون بفم واح__د.. وتس__توي معهم في الرؤية والس__مع وك__ل الم__دارك.. وإذا أويتم إلى فرش__كم أويتم إلى ف__رش بق__در أجس__امكم.. فل__ذلك ك__ان ك__ل ذل__ك الطع__ام والقص__ور ال__تي يملكه__ا األثري__اء أش__ياء زائ__دة أنت

مستغن عنها، وأنت مستو معهم في المصالح المرتبطة بها. بل إن الله تعالى قد يرزقك من لذة الطعام البسيط م__ا ال يرزقهم في الطع_ام الف__اره ال__ذي يتناولون__ه.. ويرزق__ك من الراحة والسعادة في الفراش الخشن ال__ذي ت__أوي إلي__ه م__ا ال يجدون مثله في الفرش الناعمة التي يستلقون عليها.. فالل__ه الذي رزق الطعام هو نفسه ال__ذي ي__رزق لذت__ه.. وال__ذي رزق الف__راش ه__و ال__ذي ي__رزق الراح__ة والس__كينة.. وال ارتب__اط

ألحدهما باآلخر. فل__ذلك ال تت__وهم ي__ا ب__ني أن الل__ه تع__الى رزق األغني__اء وتركك.. بل إنه ربما يكون قد رزق__ك من راح__ة الب__ال م__ا لم يرزقهم.. مع أن ك__ل م__ا رزقهم سيص__ل إلي__ك، فهم ينتفع__ون بأموالهم، لكن ال يملكونها، بل ال يملكون منه__ا إال م__ا يأكلون__ه

أو يشربونه .. وأنت ال تختلف معهم فيه.

116

Page 120: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فلذلك ال يصح أن تذل لهم ألجل غناهم، أو ت__رى نفس__ك أهون منهم ألجل أم__والهم، ب__ل افع__ل م__ا فعل__ه ذل__ك الص__الح الذي قال له بعض األمراء: سلني حاجتك؟ فقال الصالح بك__ل ع__زة: )أولي تق__ول ه__ذا، ولي عب__دان هم__ا س__يداك(، فق__ال

األمير: ومن هما؟ قال : )الحرص واألمل( هل رأيت يا بني النظرة الثاقبة لهذا الحكيم الصالح، فهو لم ينظر إلى ما في خزائن األمير من أموال، وإنم__ا نظ__ر إلى ما في خزائن قلب_ه ونفس_ه من األخالق.. فتل_ك األخالق ال_تي يج__دها اإلنس__ان في نفس__ه، أو ييس__ر الل__ه علي__ه اكتس__ابها ال

يمكن ألموال الدنيا جميعا أن تعوضها. لذلك افرح بنعمة الله عليك، وتذكر أولئك ال__ذين يحن__ون إلى ما عندك من فضل الله.. فإن__ك إن نظ__رت إليهم عظمت

: )إذانعم الله عليك، ولم تحتقرها، وق__د ق__ال رس__ول الل__ه نظر أحدكم إلى من فضل عليه في الم__ال والخل__ق، فلينظ__ر إلى من ه__و أس__فل من__ه(، وفي رواي__ة: )انظ__روا إلى من ه__و أسفل منكم، وال تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أج__در أن ال تزدروا نعمة الل__ه عليكم(، وفي رواي__ة: )انظ__روا إلى من ه__و أسفل منكم في الدنيا، وفوقكم في الدين، فذلك أج__در أن ال

(1 )تزدروا نعمة الله عليكم(

وقد قال بعض الصالحين مع__برا عن ت__أثير العالج ال__وارد في هذا الحديث في نفسه: )كنت أص__حب األغني__اء فم__ا ك__ان أحد أكثر هما مني، كنت أرى دابة خيرا من دابتي، وثوبا خ__يرا من ث__وبي، فلم__ا س__معت ه__ذا الح__ديث ص__حبت الفق__راء

فاسترحت( وصدق في ذلك، فأكثر الفقراء الممتلئين بالهم والحزن،

( 2515( ، والترمذي رقم )2963 ، ومسلم رقم )276 / 11)( رواه البخاري 1

117

Page 121: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لم يكن همهم بسبب قلة رزقهم، وإنما همهم بس__بب األغني__اء الذين يرونهم، ولو أنهم كفوا عن النظ__ر إليهم، أو نظ__روا إلى من هو دونهم، لعاشوا أغنياء، ولو في أثواب الفقراء، والعبرة

بما نعيشه، ال بما يقوله الناس.

118

Page 122: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أجواء أنت تسمع اآلن يا بني إلى حديثي، وتسمع معه أص__وات الرياح الشديدة التي تكاد تقلع سقف بيتنا، وتت_ألم ل_ذلك.. فال تت__ألم ل__ه.. فم__ا ه__ذه الري__اح بري__اح ع__ذاب، وإنم__ا هي ري__اح رحم__ة.. وأنت محت__اج إلى العب__ور منه__ا إلى مع__ارف كث__يرة، وحقائق سامية، وقيم مقدسة.. لن تص__ل إليه_ا من دون ذل__ك

العبور. فالله تعالى ما خلق لنا األش__ياء، وال نوعه__ا لن__ا، لنس__كن إليها، وإنما لنرحل إلى الحقائق المختفية خلفه__ا، ونفتش عن

المعاني المرتبطة برموزها. وأول تلك األسرار معرفتك بق__درة الل__ه المطلق__ة، وأن__ه الخالق البديع الذي ال يعجزه شيء.. ففي الوقت الذي تس__مع في__ه ه__ذه األص__وات، وتف__زع له__ا، هن__اك من يس__تمتع بهب__وب النس__يم العلي__ل، وفي الح__دائق الغن__اء.. وهن__اك من ي__رى العواصف الثلجي__ة.. وهن__اك من يعيش بين الزواب__ع الرملي__ة.. وهناك من يعيش تحت فيح الحر الش__ديد.. وهن__اك من يعيش

تحت البرد الزمهرير. وكل هذه الظواهر من إله واح__د بي__ده الق__درة على ك__ل شيء.. وقد ك_ان في إمكان_ه أن يجع_ل الجمي__ع ش_يئا واح_دا،

لكن حكمته أبت إال التنوع.. رحمة بعباده، ولطفا بهم. فل_و أن الل_ه م_ا خل__ق الك_ون إال بص_ورة واح_دة لت_وهم الخلق عجزه عن غيرها.. ولذلك ك__ان التن__وع في الك__ون دليال على القدرة المطلقة.. وأن الل__ه ه__و الخالق ال__ذي لدي__ه ك__ل التصاميم، وأن قدرته المطلقة تمتد إليها جميع__ا، من غ__ير أن

تفرق بين تصميم وتصميم.

119

Page 123: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وهذه المعرفة وحدها من يحميك من آث__ار ه__ذا التن__وع.. فمن الخلق من راح يزدهي ب__ه ويفتخ__ر، ويت__وهم أن الل__ه م__ا اخت__ار ل__ه أفض__ل البق__اع، وأكثره__ا لطف__ا إال لكون__ه األفض__ل واألكرم.. معاذ الله أن يفرق الله بين عباده.. ولو أنه تواض__ع، وعلم أن ذلك فضل من الله عليه، ليشكره، ويحمده، ويجعله وسيلة لرحمة من ابتلي بغ_ير م_ا ابتلي ب_ه، لك__ان ذل_ك نافع_ا

له.. لكن الكبر الذي جع__ل إبليس يق__ول آلدم علي__ه الس__الم:

__ه من طين{ ]ص: __ار وخلقت __ه خلقتني من ن [76} أنا خير من هو نفس__ه ال_ذي جع_ل تالمي__ذه من المس__تكبرين، ال يفخ__رون بأعمالهم الص__الحة ال__تي عملوه__ا، وال ب__القيم الط__اهرة ال__تي امتألت بها نفوسهم، وإنما يفخرون بلطف الجو الذي يعيشون

فيه، وحدائقه الغناء، ونسيمه العليل. وقد نسوا أن ك_ل ذل_ك ليس س__وى عاري_ة أع_يرت لهم، وأنها مجرد دار يوشك أن يفارقوه__ا، وأنهم بع__د ف__راقهم له__ا، سيلقون ما يتناسب مع كبرهم وضاللهم وغرورهم، وأنهم في تلك ال__دار ال__تي تنتظ__رهم، لن يج__دوا ذل__ك النس__يم ال__ذي لم يحسنوا التعام__ل مع__ه، وإنم__ا يج__دون م__ا وص__فه الل__ه تع__الى موم مال في س__ حاب الش__ مال م__ا أص__ بقوله: }وأصحاب الش__

__ريم{ ]الواقع__ة: __ارد وال ك ب __ل من يحم__وم ال -41وحميم وظ ( ال ظليل30[، وقال: }انطلقوا إلى ظل ذي ثالث شعب )44

هب ) ها ترمي بشرر كالقصر )31وال يغني من الل ه32( إن ( كأن[33 - 30جمالت صفر{ ]المرسالت:

وقال للذين نفروا من التكاليف التي كلفوا به__ا هرب__ا منه ول الل ف__ون بمقع__دهم خالف رس__ الحر الشديد: }فرح المخله وق__الوا بيل الل وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في س____انوا يفقه__ون{ __و ك ا ل م أشد حر ال تنفروا في الحر قل نار جهن

120

Page 124: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

[، ثم رد عليهم ببي__ان م__دى ته__افت الخي__ار ال__ذي81]التوب__ة: اختاروه، فقال: }فليضحكوا قليال وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا

[82يكسبون{ ]التوبة: لذلك يا بني .. ال تنظر إلى ه__ذه األج__واء القاس__ية ال__تي تعيش__ها في ه__ذه البل__دة.. وال إلى تل__ك األج__واء الجميل__ة في غيره__ا.. وانظ__ر إلى األج__واء ال__تي تنتظ__رك إن أنت أحس__نت التعامل مع البيئة التي وضعك الله فيها.. فإن أنت رضيت بما قدره الله لك، وحم_دت الل__ه علي_ه، ولم تع_ترض، ولم يص__بك الغرور وال الكبرياء.. حينها ستنقل إلى األجواء الصالحة ل__ك..

والتي تكون كلها ربيعا لجسدك وروحك. لقد قال الله تعالى يصف الجنة وجوها المعتدل ال__ذي ال__رون كئين فيه__ا على األرائك ال ي يضطرب، وال يتغير أب__دا: }مت

ا وال زمهري__را{ ]اإلنس__ان: [، أي أنهم ال ي__رون13فيها شمس__شمسا يتأذون بحرها، وال زمهريرا يتأذون ببرده.

وهك__ذا وص__ف الل__ه ظالل الجن__ة، وال__تي ال تع__ني وج__ود__دخلهم ظال حرارة فيها، وإنما تعني جماله__ا، ق__ال تع__الى: }ون

ق__ون57ظليال{ ]النساء: تي وع__د المت ة ال [، وقال: }مثل الجنها{ ]الرعد: [ 35تجري من تحتها األنهار أكلها دائم وظل

ولذلك فكر في ذلك العالم الجميل، فقد وض__ع الل__ه ل__ك من النماذج في الدنيا م__ا ي__دل علي__ه.. وم__ا ت__راه ليس س__وى نماذج ال يساوي معها جمال فضل الله في تل__ك ال__دار ش__يئا.. فاألزهار هنا تذبل.. لكنه__ا هن__اك متفتح__ة دائم__ا.. والثم__ار هن__ا تنقطع .. لكنها هناك دانية متدلية ال تنقطع أبدا.. والنسيم هن__ا قد يتحول إلى أعاصير.. أما هناك فسيبقى نسيما دائما أب__دا.. وهنا قد تحتاج إلى المكيفات والمواقد.. أما هناك فلن تحت__اج لش__يء من ذل__ك؛ فك__ل ش__يء ه__يئ ل__ك خصوص__ا لتنعم، وال

تبأس، وتفرح وال تحزن.1 12

Page 125: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لذلك ال تنزعج له__ذه األص__وات.. واس__مع منه__ا تس__بيحها وحمدها وتكبيرها لله.. وانظر فيها قدرته الباهرة التي تح__رك

ما تشاء، كيف تشاء. واعلم يا بني أني ال أدعوك إلى أن تغ__الب طبع__ك ال__ذي ينفر من الحر الشديد، وال من البرد القارس.. وال أدع_وك ألن تسكن لذلك من غير أن تواجه__ه بم__ا يص__د أذاه عن__ك.. لك__ني أحذرك من أن تعترض على رب__ك ال__ذي خل__ق ذل__ك، فه__و م__ا خلقه ليعذبك، وإنما ليربيك، ولتتعلم من ه__ذه األج__واء علوم__ا

كثيرة ال يمكنك أن تتعلمها في المدارس، وال من األساتذة. ولذلك كان من اختبار الله لعباده أن جع__ل بيت__ه الح__رام في تلك البلدة التي وصفها الل__ه تع__الى بقول__ه ___ على لس__ان__واد تي ب ي كنت من ذر ي أس__ __ا إن ن إبراهيم عليه الس__الم ___: } ربالة فاجع_ل __ا ليقيم__وا الص__ ن م رب _ك المح_ر غير ذي زرع عند بيتهم م____رات لعل اس ته____وي إليهم وارزقهم من الث أفئدة من الن

[37يشكرون{ ]إبراهيم: وقد ذكر اإلمام علي سر ذلك، وعالقته باالختب__ار اإللهي، فقال: )أال ترون أن الله س__بحانه اخت__بر األولين من ل__دن آدم صلوات الل__ه علي__ه، إلى اآلخ__رين من ه__ذا الع__الم، بأحج__ار ال تضر وال تنفع، وال تبصر وال تسمع، فجعلها بيت__ه الح__رام ال__ذي جعله للناس قياما، ثم وضعه بأوعر بقاع األرض حج__را، وأق__ل نتائق ال__دنيا م__درا، وأض__يق بط__ون األودي__ة قط__را، بين جب__ال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وق__رى منقطع__ة، ال يزك__و بها خف، وال حافر وال ظلف، ثم أمر آدم عليه الس__الم وول__ده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاي__ة لملقى رح__الهم، ته__وي إلي__ه ثم__ار األفئ__دة من مف__اوز قف__ار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائ__ر بح__ار منقطع__ة، ح__تى يهزوا مناكبهم ذلال يهللون لله حوله، ويرمل__ون على أق__دامهم

122

Page 126: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

شعثا غبرا ل__ه، ق__د نب__ذوا الس__رابيل وراء ظه__ورهم، وش__وهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم ابتالء عظيما، وامتحانا شديدا، واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا، جعله الله سببا لرحمته، ووصلة

(1 )إلى جنته(

ثم ذكر قدرة الله المطلقة على أن يجعل بيته في محل آخر، أكثر راحة، وأفضل جوا، لكنه لم يفع__ل، اختب__ارا لعب__اده، فق__ال: )ول__و أراد س__بحانه أن يض__ع بيت__ه الح__رام، ومش__اعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وق__رار، جم األش__جار، داني الثمار، ملتف البنى، متصل القرى، بين برة س__مراء، وروض__ة خضراء، وأري_اف محدق__ة، وع_راص مغدق_ة، وري__اض ناض_رة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ض__عف البالء، ولو كان األساس ال_محمول عليها، واألحج__ار المرف__وع بها، بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وض__ياء، لخف__ف ذلك مضارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاه__دة إبليس عن القل__وب، ولنفى معتلج ال__ريب من الن__اس، ولكن الل__ه يخت__بر عباده ب__أنواع الش__دائد، ويتعب__دهم ب__ألوان ال___مجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتكبر من قلوبهم، وإس__كانا للت__ذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله، وأسبابا ذلال

(2)لعفوه(

ثم بين موض__ع الع__برة من ه__ذا، فق__ال: )فالل__ه الل__ه في عاجل البغي، وآجل وخامة الظلم، وسوء عاقب__ة الك__بر، فإنه__ا مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته الكبرى، التي تساور قل__وب الرجال، مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أب__دا، وال تش__وي أحدا، ال عالما لعلمه، وال مقال في طمره، وعن ذلك ما حرس

. 2/147)( نهج البالغة: 1

. 2/148)( نهج البالغة: 2

123

Page 127: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الله عباده المؤمنين بالصلوات والزك__وات، ومجاه__دة الص__يام في األي___ام المفروض___ات، تس___كينا ألط___رافهم، وتخش___يعا ألبص__ارهم، وت__ذليال لنفوس__هم، وتخفيض__ا لقل__وبهم، وإذهاب__ا للخيالء عنهم، لما في ذلك من تعفير عت__اق الوج__وه، ب__التراب تواضعا، والتص__اق ك__رائم الج__وارح ب__األرض تص__اغرا، ولح__وق البط__ون ب__المتون من الص__يام ت__ذلال، م__ع م__ا في الزك__اة من صرف ثمرات األرض، وغير ذلك إلى أه__ل المس__كنة والفق__ر(

(1)

فاستفد يا بني من هذه الحكمة، واعبر منها إلى غيره__ا.. فالل__ه م__ا خلق__ك في ه__ذه ال__دنيا لتس__كن إليه__ا، وإنم__ا لتع__بر منها .. أما الجزاء فهو بقدر عبورك، وحفظك لدروسك.. وه__و بقدر المكارم التي تمأل بها نفسك.. والمواجي__د ال__تي تمأل به__ا

قلبك.. والحقائق التي تعمر بها عقلك وروحك.

. 2/149)( نهج البالغة: 1

124

Page 128: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

حجب أعلم يا بني أنك ت__ألمت كث__يرا من ذل__ك الس__ير الطوي__ل الذي سرناه حتى نصل إلى ذل__ك الم__دير طلب__ا لتل__ك الحاج__ة التي حالت بيننا وبينها الحوائل.. وأعلم أنك تألمت أكثر عندما رفض المدير اإلذن لنا بالدخول علي__ه، لتوض__يح طلبن__ا، وبي__ان

مدى حاجتنا.__ر مم__ا حص__ل ل__ك، لك__ني أنص__حك ب__أال تت__ألم.. وأن تعب وتستفيد منه فنون الحكمة.. فالله م__ا وض__ع لن__ا العوائ__ق في

حياتنا الدنيا ليعذبنا، وإنما خلقها لنا ليربينا ويعلمنا. وأول تلك العبر أن تعلم عظيم فض__ل الل__ه علين__ا بإتاح__ة الفرص لنا لنحدثه م__تى نش__اء، وكي__ف نش__اء، وفي أي حاج__ة نش__اء من غ__ير أن تح__ول بينن__ا وبين__ه الحجب، وال أن نتعب

أقدامنا بالحركة، وال أنفسنا بالهوان والذلة. واعلم _ يا بني _ أن ذلك المدير ال__ذي لم تتح لن__ا فرص__ة اللقاء به بعد ذلك الجهد الشديد، ليس سوى ذرة في مملك__ة الله الواسعة، وأنه ال يقدم وال يؤخر لوال إذن الله له.. فل__ذلك انظر _ من خالل تلك الحجب _ إلى فضل الله علي__ك بطرق__ك لبابه، ولجوئك إليه، فهو ما حرم__ك من خلق__ك إال لتض__طر ل__ه

وحده، وسترى عند ذلك عظيم فضله عليك. وث__اني تل__ك الع__بر أن تتعلم فن__ون رف__ع الحجب.. وأن__ك تحتاج فيها إلى بذل الجهد، فما وصل إلى غرض__ه كس__ول، وال ارتفع إلى تلك اآلفاق السامية ص__احب هم__ة دني__ة، وق__د ق__ال الل__ه تع__الى ي__بين الطري__ق لرف__ع الحجب بين__ه وبين خلق__ه:ه لم____ع بلنا وإن الل هم س____ ____ا لنه____دين ذين جاه____دوا فين }وال

[69المحسنين{ ]العنكبوت:

125

Page 129: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فإياك أن تركن للكسل، أو تتوهم أن المطالب العظيم__ة يمكنك أن تنالها ب__التعب البس__يط.. فبق__در همم األرواح تتعب

األجساد. واعلم يا بني أن الذي خل__ق ه__ذه الحجب في ال__دنيا ق__د وض__ع بين__ه وبين عزت__ه من الحجب م__ا يحمي جنابه__ا من أن يكون مثابة لكل قاصد، أو شرعة لكل وارد، فالله قد يعطي__ك األشياء التي تريدها.. أما معرفته والتواصل معه، فيحتاج همة أعظم، ولذلك أسدلت الحجب بين الخلق وبينها حتى ال يص__ل

إال الصادقون. وقد روي أن رجال من العب__اد ق__ال مخاطب__ا رب__ه: )إلهي!__ه إلى ن__بي ذل__ك إلى كم أعصيك، وال تعاقبني؟!(، ف__أوحى الل الزمان، وطلب من__ه أن يق__ول ل__ه: )إلى كم أعاقب__ك و أنت ال ت__دري؟!.. ألم أحجب__ك عن لط__ائف أنس__ي!.. ألم أخ__رج عن

قلبك حالوة مناجاتي!( هل علمت يا ب__ني الحجب الحقيقي__ة.. فهي ليس__ت تل__ك ال__تي ح__الت بينن__ا وبين ذل__ك الرج__ل ال__ذي يوش__ك أن ي__ترك منصبه، ويترك الدنيا جميعا.. ولكن الحجب الحقيقية هي التي تحول بين__ك وبين رب_ك.. ف_ذلك ه_و الحج__اب األعظم ال__ذي العقوبة أشد منه.. فما وجد من فقد الله.. وما فقد من وجده. واعلم يا ب_ني أن تل_ك الحجب الحائل__ة بين الل_ه وخلق_ه، ليست من الله، وإنما من الخلق، فالل__ه أعظم من أن يحجب__ه ش__يء.. ولكن الخل__ق هم ال__ذين يس__دلون بينهم وبين ربهم الحجب.. ألم تسمع قوله تعالى، وهو يحكي ما يحص__ل لل__ذينهم يومئذ هم عن رب آث______روا الحج______اب عن الل______ه: }كال إن

[، وبين سبب ذلك، وهو وضعهم15لمحجوبون{ ]المطففين: للحجب في الدنيا، وإيثارهم له__ا، فق__د ق__ال تع__الى قب__ل تل__كبون{ __انوا يكس__ اآلية الكريمة: }كال بل ران على قلوبهم م__ا ك

126

Page 130: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

[، لي__بين أن الس__بب في ذل__ك الحج__اب ليس14]المطففين: من الله، وإنما من عند أنفسهم، بعد أن مألوا قل__وبهم ب__أنواع

الشبه التي تحول بينهم وبين ربهم. ولم يكن ذلك ه_و حج__ابهم الوحي__د، ب__ل إن__ه يح__ال بينهم وبين الكالم مع الله، أو بثهم شكاواهم إليه.. فقد ق__ال تع__الى يصف حال الجاحدين الظالمين الذين وضعوا بينهم وبين ربهم

مون ) __ان فري__ق من108الحجب:}اخسئوا فيها وال تكل ه ك ( إن__ر __ا وأنت خي __ا وارحمن ا ف__اغفر لن __ا آمن ن __ون رب __ادي يقول عب

احمين ) __ري109ال_ر وكم ذك ى أنس__ ا حت خري خ__ذتموهم س__ ( فاتبروا110وكنتم منهم تضحكون ) __وم بم__ا ص__ ي ج__زيتهم الي ( إن

هم هم الفائزون{ ]المؤمنون: [111 - 108أن فاحذر يا بني من هذه الحجب .. فهي الحجب الحقيقي__ة، وما عداها أوهام وسراب ال قيم__ة ل__ه.. فم__ا قيم__ة أن يحجبن__ا ذلك المدير إن أذن لنا الله؟.. وما قيمة أن يأذن لنا إن حجبنا

الله؟ لقد دخل بعض الصالحين مدينة، فتبعه خلق كث__ير، فلم__ا نظر إليهم وإلى ازدحامهم عليه، قال: )اللهم إني أعوذ بك أن

تحجبني عنك بهم، و أعوذ بك أن تحجبهم عنك بي( هكذا يا بني فليكن حالك.. فاحذر من أن تس__كن لش__يء فتحجب به عن ربك، فيك__ون وب__اال علي__ك، فال خ__ير في راح__ة تكون معها القطيعة، وال خ__ير في دني__ا تح__رم من اآلخ__رة، وال

خير في مال أو جاه تتبعه خسارة األبد. وقد قال بعض الصالحين: )لو أن رجال دخ__ل إلى بس__تان فيه من جمي__ع م__ا خل__ق الل__ه تع__الى من األش__جار، عليه__ا من جميع ما خلق الله تعالى من األطيار، فخاطبه كل ط__ائر منه__ا بلغته، وقال: السالم عليك ي__ا ولي الل__ه، فس__كنت نفس__ه إلى

127

Page 131: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ذلك كان في يدها أسيرا( فلذلك اف_رح ي_ا ب_ني بفض_ل الل_ه علي__ك أن حجب عن_ك بعض المص__الح، فه__و م__ا حجبه__ا عن__ك ليع__ذبك، وإنم__ا حجبه__ا

ليرفعك، ويربيك، ويلقنك فنون الحكمة.

128

Page 132: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

سياسة سألتني _ بني _ عن السياسة.. فاسمعني جيدا.. فليست السياسة التي علمتك إياها في ذلك الزمن البعي_د هي نفس_ها

التي يتحدث عنها الناس اليوم. في الق__ديم.. في ذل__ك ال__زمن الغ__ابر.. ذك__رت ل__ك أن السياسة هي أن يصير عقلك ملكا على هواك، وعفافك ملك__ا على شهوتك، وعدلك ملكا على جورك، وحقائق__ك ملك__ا على

دعاواك. وفي ذلك الزمن ذكرت لك أن السياسي الناجح ه__و من لجم نزوات___ه ونزغات___ه.. وس___يطر على ش___هواته وأهوائ___ه.. واستطاع أن يحبس في قماقم سليمان كل عف_اريت الباط__ل

التي تنتجها كل حين نفسه األمارة. وذكرت لك أنه ال يسوس الناس من ال يس__وس نفس__ه.. وال يحكم الناس من لم يتحكم في ه__واه.. وال يق__ود أي رعي__ة

ما لم تنقد له رعايا دولته التي تسكن ذاته.هذا ما ذكرته لك.. وهذا ما سميته لك سياسة.

لكن السياسة اليوم شيء مختلف تماما.. فاحذر أن تقعفي حبائلها، وتستبدل بها ما علمتك إياه أول مرة.

في هذه األيام يشتري الساسة ألبسة كثيرة تتلون بتلون األيام، وتتغير بتغ__ير الفص__ول.. ويركب__ون معه__ا في أف__واههم ألسنة كثيرة تتقن المدح والهجاء.. وتتقن معها قلب الحق__ائق

والتالعب بها.. ويستبدل الساسة في هذه األيام قلوبهم التي خلقها الله لهم بقل__وب جدي__دة ال تع__رف لين__ا وال رحم__ة وال ش__فقة.. ق__د

129

Page 133: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تتصنعها، ولكنها ال تتقن التعامل معها. وفي هذه األيام صنع الناس صناديق كثيرة.. كث__يرة ج__دا يملؤونه__ا ك__ل حين بأس__ماء قديم__ة أو جدي__دة له__ؤالء ال__ذين

ذكرتهم لك.. وكل الناس يتطلعون إلى تلك الص__ناديق بلهف__ة وش__وق، ولكنهم س__رعان م__ا ي__دركون الحقيق__ة وم__دى التالعب بهم.. لكنهم يأبون إال إع__ادة تجرب__ة م__ا جرب__وه، والوق__وع في نفس

المصايد التي وقعوا فيها. وأن__ا ال أل__وم من وق__ع في ش__باك ه__ذه الص__ناديق ممن

هم{ ]الحش__ر: اهم أنفس__ ه فأنس__ وا الل [، ف__ذلك ه__و19}نس__ شأنهم ودأبهم وديدنهم.. ولك__ني أل__وم أولئ__ك ال__ذين تص__وروا

أنهم عرفوا الله، وعرفوا السبيل إليه.. لقد تعجبت كيف يقعون في تلك الشباك، وكيف ينب__ذون ذلك الهدي الجميل ال__ذي ورث__وه من الحكم__اء، ب__ل من أحكم الحكم__اء ليعرض__وا ب__ه دين الل__ه، ويمألوا ب__ه الحي__اة بجمي__ع جوانيها.. لكنهم بدل أن يس_تنوا بس_نة الرس_ل عليهم الس_الم في ذل__ك، راح__وا يس__تنون بس__نة من يس__مونهم ]سياس__يين[، في__دخلون معهم في تل__ك الص__ناديق، ويس__قطون معهم في

مستنقعاتها. أن___ا ال أري___د منهم، وال من___ك، أن ت___تركوا السياس___ة.. فالسياس__ة دين.. وال__دين سياس__ة.. ومع__اذ الل__ه أن نع__زل الشريعة الممتلئة بالعدل عن حكم كل جوانب الحياة.. وال أننعزل الصالحين عن قيادتها.. ولكن الطريق إلى ذلك مختلفة. فليس دين الل___ه مث___ل تل___ك البض___اعة ال___تي يعرض___ها المرجف__ون والمتالعب__ون والمحت__الون ح__تى توض__ع معه__ا في محل واحد.. وإنما هي بضاعة مقدسة، ال يمكن تمريرها ع__بر

130

Page 134: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تل__ك الص__ناديق، وإنم__ا تم__رر إلى عق__ول الن__اس وقل__وبهم [ والجدال بالتي125}بالحكمة والموعظة الحسنة{ ]النحل:

هي أحسن. فإذا ما اقتنعت بها عقولهم، وتأثرت لها قل__وبهم، تقبلته__ا بع__د ذل__ك ذواتهم، وص__اروا هم المط__البين به__ا، ال يرتض__ون غيره___ا.. وحينه___ا يمكن أن تطب___ق عليهم بقيمه___ا الرفيع___ة، وأحكامها العظيمة، وش__رائعها الس__امية، ال ي__دخلون في ذل__ك أه___واءهم، وال آراءهم، وال يلغ___ون أي ش___ريعة بحج___ة ع___دم تناسبها معهم، وهل يمكن أن يأمر الله بشيء ال يتناس__ب م__ع

خلقه؟ ه__ذا ه__و المنهج الوحي__د ال__ذي يمكن أن تم__ارس ب__ه السياسة لتبلغ دين الله، وتحققه على األرض.. أم__ا األس__اليب األخرى، فق__د رأيته__ا ي__ا ب__ني، ورأيت كي__ف وق__ع أص__حابها في الصراع، وكيف راح_وا يتن_ازلون __ إلرض_اء األه_واء __ عن ك_ل

شريعة، حتى يرضوا من يريدون أصواتهم. ولم يكتفوا بكل ذلك التشويه، وإنم_ا راح بعض__هم يحم__ل السالح ليح__ول دين الل__ه، وش__ريعته الس__محة إلى دين عن__ف

وصراع وإرهاب.. وك__ل ه__ؤالء يش__وهون ال__دين، وهم أبع__د الن__اس عن تبليغ__ه .. فسياس__ة األمم تب__دأ بسياس__ة النف__وس وسياس__ة المجتمعات.. وبعدها يمكن للصالحين أن يقيموا دولتهم ال__تي

ال تحكمها إال المبادئ السامية، والشريعة الحكيمة. وال أع__ني به__ذا ي__ا ب__ني أن تتوق__ف عن الح__ديث في السياس___ة، فمع___اذ الل___ه أن أنه___اك عن االهتم___ام ب___أمور

المسلمين.. أو الوقوف إلى جانب المستضعفين. فالبش___ر اآلن.. مث___ل ك___ل العص___ور.. منقس___مون إلى

1 13

Page 135: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

قسمين: المستكبرين والمستض__عفين.. ونحن مط__البون ب__أن نقف في وجه المستكبرين.. وأن نق__ف في نفس ال__وقت م__ع المستض__عفين المظل__ومين.. من غ__ير تفري__ق في ذل__ك بين

أعراقهم ولغاتهم وأديانهم ومذاهبهم. لقد أمرن__ا الل__ه ب__ذلك.. ب__ل أمرن__ا بنص__رتهم بك__ل أن__واع النصرة حتى العسكرية منها، فقال: }وما لكم ال تق__اتلون في__دان اء والول س__ ج__ال والن عفين من الر ه والمستض__ بيل الل س____ة الظالم أهله__ا __ا من ه__ذه القري __ا أخرجن ن __ون رب ذين يقول اليرا{ __دنك نص__ __ا من ل ا واجع__ل لن __دنك ولي __ا من ل واجع__ل لن

[75]النساء: فاآلي___ة الكريم___ة تجع___ل الم___ؤمن جن___ديا في نص___رة المستض___عفين المظل___ومين في أي أرض، وفي مواجه___ة أي

عدو.. بغض النظر عن دينه وعرقه وبلده. وكم_ا ينص__ر الم__ؤمن المستض__عفين بتل__ك الط__رق ال_تي ذكرتها اآلية الكريمة ينص__رهم بغيره__ا أيض__ا.. فك__ل س__بيل أو وس__يلة يمكن__ك به__ا أن تق__ف في وج__ه االس__تكبار والظلم، فمارسها.. وال تس__مع ألولئ__ك ال__ذين ينهون__ك عن الت__دخل في مثل هذه السياس__ة.. فمن لم يق__ف م__ع المظل__وم وق__ف م__ع الظ__الم ال محال__ة.. ومن س__كت عن الظلم، فه__و ش__يطان

أخرس. وأنبهك يا بني إلى أن أخطر ما في السياسة اليوم ذل__ك التالعب بالحق___ائق، ع___بر التالعب ب___العواطف.. حيث ت___رى رؤوس االس___تكبار وأئم___ة الكف___ر ينش___رون الخ___راب فيمن يخالفونهم بحجة تحرير الشعوب، م__ع أنهم ال يقوم__ون س__وى بإث___ارة الفتن بينه___ا، واس___تعمال من ب___اعوا دينهم وذممهم

وأخالقهم لذلك.. فاحذر أن تقع ضحية مكرهم.

132

Page 136: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وإن شئت أن تركب س__فينة النج__اة في ذل__ك.. أو تح__دد بوصلة الحق وأهل__ه.. ف__ابحث عن رؤوس االس__تكبار والظلم، فحيثم__ا وج__دتهم فخ__الفهم.. وحيث س__اروا ال تس__ر.. وفي أي

جبهة قاتلوا.. فقاتل خالف قتالهم. هذه هي السياسة يا بني.. فاحذر أن تتركها، أو تق__ع في حبائلها، أو تس__مع لمن ي__دعوك إلى اعتزاله__ا.. ف__أنت ممتحن في كل موقف من مواقفك.. والخطأ فيها كب__يرة.. والخطيئ__ة

فيها جريمة.

133

Page 137: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

اقتصاد طلبت م__ني ___ ب__ني ___ أن أح__دثك عن االقتص__اد بع__د أن حدثتك عن السياسة، وأخبرت__ني أنهم__ا أخ__وان ش__قيقان، وأن عالمة نجاح الساس__ة، واس__تمرارهم في الحكم، نج__احهم في االقتصاد، وق__د ح__اولت أن ت__برر لي ذل__ك بم__ا قرأت__ه في علم

االقتصاد، وارتباطه بعلوم كثيرة. وأنا ال أجادلك في ذلك، وال أناقشك فيه؛ فأن__ا أعلم أن__ك درسته، بل كدت تتخص__ص في__ه.. وأعلم أن بعض__ه مم__ا يك__اد يعت__بر من العل__وم المحض__ة الرتباط__ه بالحس__اب والرياض__يات

وغيرها. ولك_ني م_ع ذل_ك س__أحدثك عن ع_الم الحكم_ة، وعالقت__ه بعالم االقتصاد.. فالحكمة ال تنظ__ر إلى األش__ياء.. وإنم__ا تنظ__ر إلى حقائقه__ا وأرواحه__ا والقيم المرتبط__ة به__ا.. وتنظ__ر إلى

المصير الذي تصير إليه، وال تحجب بالواقع الذي تعيشه. ل___ذلك ت___دعوك الحكم___ة إلى ع___دم االكتف___اء ب___احترام السياسي الذي عرف كيف يدير اقتصاد بلده، قب__ل أن تس__أله عن مناهجه التي استعملها في ذل__ك، وه__ل هي متوافق__ة م__ع األخالق والقيم الرفيعة وكرامة اإلنسان، أم أنه__ا تخالفه__ا في

ذلك؟__در فق__د رأيت من الساس__ة من راح يش__جع الس__ياحة، لت على بلده الثروات الضخمة، وقد أدرت بالفعل على بلده ك__ل عمالت الع__الم.. ولكنه__ا أدرت معه__ا ك__ل فجوره__ا وفس__وقها وانحرافها.. حيث حول من أرض بل__ده إلى بل__د ال تختل__ف عن س__دوم وعموري__ة .. وتل__ك األق__وام ال__تي ش__نع عليه__ا األنبي__اء

بسبب الرذائل التي أتاحوها، والمنكرات التي أشاعوها.

134

Page 138: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

نعم .. لقد نجح في إدخ__ال العمل__ة ال__تي يس__ميها ص__عبة إلى بلده، وأدخل معها الكثير من الرذائل ال__تي يص__عب علي__ه أن ينزعها.. ولذلك كان جوع قومه قبله__ا أحس__ن من ش__بعهم

الذي أدخله عليهم، وأدخل معه كل المنكرات والرذائل. ورأيت مثل__ه من راح يش__جع الش__ركات والمص__انع على إنتاج كل شيء، من غير نظر في جدوى ذلك على أه__ل بل__ده أو على غيرهم.. فراح الكثير منها ينتج السموم ال__تي يس__ميها أغذية أو أدوية، ال يراعي في ذلك إال ما يدخل جيبه من ثروة، وم__ا ي__دخل بل__ده من رف__اه.. وأي قيم__ة لرف__اه وث__روة تقت__ل الص__حة، وت__نزل أن__واع البالء.. وأي قيم__ة لجي__وب ممتلئ__ة م__ع

صحة معتلة، وجسد متهالك؟ ورأيت مثله من ي__تيح للقن__وات والص__حف أن تنش__ر ك__ل ش__يء.. وتبث ك__ل األك__اذيب والرذائ__ل في س__بيل أن ينش__ط االقتصاد، ولو على حساب األخالق والقيم الرفيعة.. فأنش__ئت األفالم والمسلسالت واألشرطة وال__برامج ال__تي ال هم له__ا إال تحطيم اإلنس__ان، وتحويل__ه إلى بهيم__ة ال يهمه__ا من الحي__اة إال

تلك المتع الدنية التي تتمتع بها. ورأيت قبلهم جميعا أولئ__ك المس__تكبرين ال__ذين أرس__لوا جيوش__هم للمستض__عفين ليس__رقوا ث__رواتهم، ويس__تولوا على خيراتهم، في سبيل أن ترضى عنهم شعوبهم، بسبب األم__وال

التي يدخلونها لهم. إن هؤالء جميعا يا بني لصوص وقطاع طرق ومجرم__ون، وإن تصور الخلق أنهم قد نجحوا في عالم االقتصاد، أو حول_وا بالدهم من التخلف إلى التقدم، ومن الفاقة إلى الرفاه.. فأي قيمة للمال الح__رام.. أي برك__ة لتل__ك األرزاق ال__تي يه__ان به__ا

القيم واألخالق والدين.

135

Page 139: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لذلك ال تنظر ي__ا ب__ني إلى االقتص__اد بتل__ك العين الع__وراء التي تقتصر على الحسابات، فتقع فيما وقع فيه قارون عندما راح يع__د أموال__ه وكن__وزه، ويفتخ__ر به__ا، وينس__ى أن يحاس__ب

نفسه عليها. أن نس__أل عنولذلك علمنا سيد الحكماء رسول الله

القيم قبل أن نسأل عن األموال، وأن نبحث عن األخالق قب_ل أن نبحث عن الرفاه.. فليس الشأن أن نغت__ني بالم__ال، وإنم__ا الشأن أن نغتني باألخالق.. ألنها هي ال__تي تص__حبنا إلى ربن__ا..

أما األموال، فسنحاسب عليها من غير أن نأخذها معنا. ي_بين أهم المس_ائل ال_تي يس_أللقد قال رسول الله

عنه__ا اإلنس__ان في ذل__ك الع__الم ال__ذي يم__يز في__ه الطيب من الخبيث: )ما تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن ش__بابه فيم__ا أباله، وعن مال__ه من

أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه( وحذر من أن يكون هدف اإلنسان تنمية ثروته، ولو على حساب أخالقه، فقال: )الدنيا خضرة حلوة، من اكتس__ب فيه__ا ماال من حله وأنفقه في حق__ه أثاب__ه الل__ه علي__ه وأورده جنت__ه، ومن اكتس_ب فيه_ا م_اال من غ_ير حل_ه وأنفق_ه في غ_ير حق_ه أورده الله دار الهوان، ورب متخوض في م__ال الل__ه ورس__وله_اهم م_ا خبت زدن له النار يوم القيامة، يق_ول الل__ه تع_الى: }كل

( 97سعيرا{ )االسراء: وأخبر أن النار تنتظر كل اللحوم التي نبتت من الس__حت والم__ال الح__رام ال__ذي حقق__ه الرف__اه االقتص__ادي الممتلئ

: )ال يدخل الجنة لحم ودم نبتا من س__حتبالشبهات، فقال والنار أولى به(، وقال: )ال يربو لحم نبت من سحت إال ك__انت

النار أولى به(

136

Page 140: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وأخ__بر أن من رض__ي باالس__تفادة من الح__رام، ول__و لم :يساهم فيه، ك__ان ش__ريكا للمج__رمين في ج__ريمتهم، ق__ال

)من اشترى س__رقة وه__و يعلم أنه__ا س__رقة فق__د اش__ترك فيعارها وإثمها(

ول__ذلك، ف__إن ك__ل تل__ك الش__عوب ال__تي تط__الب حكامه__ا بالرفاه، ولو على حساب األخالق، شريكة لها في كل جريم__ة ترتكبها.. ولو بسكوتها عن الباطل، أو ع_دم وقوفه_ا م__ع أه__ل

الحق. فق__د رأيت من السياس__يين من يش__ترون ص__متهم عن الجرائم ال__تي يرتكبه__ا معس__كر الطغي__ان بس__بب خ__وفهم من العقوبات االقتص__ادية، أو خ__وفهم على بعض مص__الحهم، وهم بذلك شركاء في الجريمة، وهم بذلك آكل__ون للم__ال الح__رام،والشعوب التي ترضى عنهم بسبب ذلك ال تختلف عنهم فيه.

لذلك يا بني .. ال تقع فيما يقع فيه أولئ__ك ال__ذين يع__دون األم__وال دون أن يبحث__وا في مص__ادرها.. ف__إن تل__ك األم__وال

ستنقلب وباال عليهم.. وإياك أن تفعل ما يفعله أولئك الذين فصلوا بين األخالق واالقتصاد والسياس__ة، فتح__ول اإلنس__ان عن__دهم إلى ش__يطان رجيم.. ال هم له إال ملء بطنه من األك__ل الح__رام ال__ذي يرت__د

وباال عليه في الدنيا واآلخرة. لعلك يا بني ت__رى تل__ك الوحش__ة ال__تي تكس__و وج__وههم، وذلك الضنك ال__ذي تمتلئ ب__ه معيش__تهم، م__ع أن لهم ك__ل م__ا يقتضيه الترف والرفاه.. وسبب ذلك غفلتهم عن تلك األموال الح____رام ال____تي اختلطت بطع____امهم وش____رابهم ولباس____هم ومسكنهم، فحولته إلى تلك الحال.. فبركة الله أعظم من أن

تحل في محل ممتلئ بالحرام.

137

Page 141: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وكي__ف تح__ل البرك__ة بي__وتهم أو نفوس__هم، وق__د وض__عوا الحجب بينهم وبين ربهم بتن__اولهم للم__ال الح__رام، وق__د ذك__ر

الرجل )يطيل السفر أش__عث أغ__بر، يم__د يدي__هرسول الله إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه ح__رام،

(1)وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟(

: )من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهموقال (2 )حرام، لم يقبل الله له صالة ما كان عليه(

وعندما س__أله بعض الص__حابة أن ي__دعو الل__ه ب__أن يجعل__ه مس_تجاب ال_دعوة، ق__ال ل_ه: )أطب مطعم_ك تكن مس_تجاب الدعوة، وال__ذي نفس محم__د بي__ده، إن العب__د ليق__ذف اللقم__ة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عمل أربعين يوم__ا، وأيم__ا

(3 )عبد نبت لحمه من سحت، فالنار أولى به(

وال يغرنك يا بني ما يفعله بعض أولئك بتلك األم__وال من أعمال قد تبدو ل__ك ص__الحة، ف__إن الل__ه أك__رم من أن يقبله__ا..

: )إذافالله طيب ال يقب__ل إال طيب__ا، وق__د ق_ال رس__ول الل__ه خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبي__ك اللهم لبي__ك، ن__اداه من__اد من الس__ماء: لبي__ك وس__عديك وزادك حالل، وراحلتك حالل، وحجك م__برور غ__ير م__أزور، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة، فوض__ع رجل__ه في الغ__رز، فن__ادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: ال لبي__ك وال س__عديك،

(4 )زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور(

( 1015)( مسلم: )1

. 98/ 2)( أحمد: 2

( 6495)( المعجم األوسط )3

138

Page 142: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

: )إن__ه ال دينوق__د ورد في الح__ديث عن رس__ول الل__ه لمن ال أمانة ل__ه وال ص__الة وال زك__اة، إن__ه من أص__اب م__اال من حرام فلبس جلبابا _ يعني قميصا _ لم تقبل صالته ح__تى ينحي ذلك الجلباب عنه؛ إن الله تبارك وتع__الى أك__رم وأج__ل من أن

(1 )يقبل عمل رجل أو صالته وعليه جلباب من حرام(

: )من اش__ترى ثوب__ا بعش__رة دراهم وفي__ه درهموقال (2 )من حرام لم يقبل الله عز وجل له صالة ما دام عليه(

: )من جمع ماال حراما ثم تصدق به لم يكن ل__هوقال (3)فيه أجر، وكان إصره عليه(

تعلم ي__ا ب__ني من ه__ذه األح__اديث وغيره__ا من النص__وص المقدسة فنون االقتصاد الرباني الذي يحمي اإلنسان من آثار نفسه األمارة بالسوء، والتي ال تري__د من__ه إال أن يمأل خزائن__ه، ولو على حساب الفقراء والمستضعفين والمحرومين؛ فيأك__ل الرب____ا، ويغش ويحتك____ر، ويغبن، وي____بيع ال____وهم والرذيل____ة والفحش__اء.. في س__بيل أن تزي__د ثروت__ه، وتزي__د معه__ا ذنوب__ه

وجرائمه وأوزاره.

( 5228)( المعجم األوسط )4

( 819، رقم 3/61)( البزار )1

( 6114(، والبيهقي في الشعب )849)( رواه عبد بن حميد في المنتخب )2

( 3367، رقم 8/153)( ابن حبان )3

139

Page 143: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

140

Page 144: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فنون سألتني _ ب_ني __ عن الفن_ون، وأخبرت_ني أنه_ا ركن ركين من الحياة، وأن أكثر الخلق يتوجهون بأكثر أوقاتهم إليها، فهم بين فلم يشاهدونه، أو مسلس__ل يتابعون__ه، أو أغ__ان ينتش__ون،

ويطربون لها.. أو صور ومشاهد يمتعون أنظارهم بها. وأخبرت___ني أنهم ال يكتف___ون بتل__ك المش___اهدات، وإنم__ا يضمون إليها متابعة حياة الفنانين بأص__نافهم المختلف__ة، حيث حولوهم إلى أبطال يبحثون عن أسرار حياتهم، ويقت__دون بهم

فيها. وأن__ا أعلم الكث__ير مم__ا ذكرت__ه لي، وأتأس__ف ل__ه أس__فا

: )إذا س__اد القبيل__ةش__ديدا.. فم__ا ذكرت__ه ي__ذكرني بقول__ه فاس__قهم، وك__ان زعيم الق__وم أرذلهم، وأك__رم الرج__ل مخاف__ة شره، وظهرت القين__ات والمع__ازف، وش__ربت الخم__ور، ولعن آخر هذه األمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحا حم__راء، وزلزل_ة وخسفا ومسخا وق__ذفا وآي__ات تت__ابع كنظ__ام آلل قط__ع س__لكه

(1 )فتتابع(

فهذا الحديث يصف بدق__ة االنتكاس__ة ال__تي وص__لت إليه__ا البشرية عن__دما أس__ندت أموره__ا لغ__ير أهله__ا.. فكم__ا تح__ولت السياسة إلى وسيلة للخداع واالنتهازية.. وتحول االقتصاد إلى وسيلة البتزاز األموال.. فقد تحول ما يسمونه فنون__ا إلى أداة لنش__ر الرذيل__ة والف__واحش والمنك__رات وتحقي__ق االنتكاس__ة

اإلنسانية الكبرى. وك__ل ذل__ك سلس__لة واح__دة تب__دأ بالساس__ة االنته__ازيين، واالقتص__اديين الجش__عين، ال__ذين علم__وا أنهم لن يص__لوا إلى

( 2211)( الترمذي )1

1 14

Page 145: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أغراضهم من تحويل الش__عوب إلى أداة طيع__ة لهم، إال بنش__ر تلك القيم التي تولت الفنون نش__رها، وال__دعوة له__ا، وص__رف

القلوب إليها. لقد أشار القرآن الكريم إلى استعمال المستبدين له__ذه__انوا قوم__ا هم ك __اعوه إن الوسائل، فقال: }فاستخف قومه فأط

قين { ]الزخ_رف: [، فاآلي_ة الكريم_ة تش_ير إال أن_ه ال54فاس__ ينفع المس_تبدين ش__يء مثلم_ا تنفعهم خف_ة عق_ول ش_عوبهم، والتي تعيش األوه__ام ال__تي تس__ربها لهم تل__ك ال__تي يس__مونها

فنونا. ال تحسب أني _ يا بني ___ ض__د الفن__ون وجماله__ا.. ف__الفن نعم__ة من نعم الل__ه العظمى على عب__اده، ألن__ه وس__يلة من وسائل البيان التي نعرف بها الحقائق، وننش__رها، ونت__بين به__ا

القيم، ونحققها وندعو إليها. لكن البش__ر أو أك__ثرهم، ب__دل أن يس__تعملوا ه__ذا البي__ان الذي أتاحه الله لهم في نش__ر قيم الفض__يلة، راح__وا ينش__رون

قيم الرذيلة.. وراح الخلق يتبعهم فيها، ويتأثر بهم بسببها. ومثلهم في ذل__ك مث__ل تل__ك األس__لحة ال__تي أم__ر الل__ه باإلع__داد له__ا، واالهتم__ام به__ا، لتحص__ين جبه__ة المستض__عفين، فتح__ولت في أي__دي المس__تكبرين إلى وس__يلة للقه__ر والظلم

واالستبداد واالستعمار. وهكذا كان الفن نوعا من أنواع االستعمار.. ألنه يستعمر حقيق__ة اإلنس__ان، وي__دمر ملكاته__ا، والقيم ال__تي فطره__ا الل__ه

عليها. أال ت__رى المش__اهدين ال__ذي يزعم__ون ألنفس__هم االل__تزام يتجنب___ون في حي___اتهم ك___ل م___ا يس___يء إليه___ا.. لكنهم عن___د مشاهدتهم لتلك األفالم والمسلسالت، يتخلون عن ك__ل القيم

142

Page 146: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

التي يؤمنون بها.. ويص__بح ك__ل ش__يء عن__دهم بس__يطا يس__يرا عاديا.. فالخمر تشرب أمامهم، وال يتغيرون له__ا.. والمنك__رات تق__ع أم__ام أعينهم، وال تتح__رك قل__وبهم إلنكاره__ا.. ب__ل ق__د

تعجبهم.. وقد يشجعون البطل الذي يمارسها. إن ذل__ك ___ ي__ا ب__ني ___ ه__و مقدم__ة إلخ__راج الح__رج من المعاصي من القلوب، وتحويلها إلى أشياء عادية.. فالشيطان ال يدخل اإلنسان عالمه دخ__وال مفاجئ__ا، وإنم__ا يدخل__ه بت__درج.. فيبدأ معه مشوار االنتكاسة بأمثال تلك المشاهد.. ثم ال ي__زال يضيف له__ا أمثاله__ا إلى أن يص__بح المع__روف منك__را، والمنك__ر

معروفا. ل__ذلك ك__ان ال__ورع ي__ا ب__ني في ت__رك ك__ل تل__ك الفن__ون الممتلئة ب__المجون.. والبحث عن الفن__ون الملتزم__ة المراعي__ة لآلداب واألخالق والقيم الرفيع__ة.. وهي ال محال__ة موج__ودة..

فيستحيل على الشر أن يتفرد وحده.. وإي__اك ي__ا ب__ني أن تق__ع فريس__ة فيم__ا يق__ع في__ه أولئ__ك المطبلون للرذيلة، حين يكرمون كل فن__ان أو أديب ال ي__راعي األخالق واآلداب في أعمال__ه، فيش__جعونه، ويعطون__ه الج__وائز الضخمة، لتنتشر أفكاره بتل__ك الدعاي__ة ال__تي تنطلي على من

يريد الشيطان أن يغويهم. فهم ال يفعلون ذلك حبا فيه، وال تعظيما له، وإنما ليسنوا من خالل__ه ك__ل الس__نن الس__يئة.. فال تس__مع لهم.. وال تتب__ع أه__واءهم.. وال ت__دعهم يق__ررون ل__ك الحق__ائق.. وال ت__دعهم يميزون لك بين الجيد والرديء.. فهم ليسوا أهال لذلك.. فمن يتبع هواه يستحيل عليه أن يميز بين الحق والباطل، والجميل

والرديء. وقد ذكر القرآن الك__ريم نم__اذج عن أولئ__ك ال__ذين ك__انوا

143

Page 147: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يسخرون من القرآن الكريم، وقصص__ه، وي__دعون إلى قص__ص_ا ق_الوا ق_د أكثر إثارة وغراب_ة، فق_ال: } وإذا تتلى عليهم آياتناطير األولين{ __ل ه__ذا إن ه__ذا إال أس__ __ا مث سمعنا لو نشاء لقلن

[31]األنفال: أنا ال أدعي يا بني أنهم يتعمدون ذلك.. أو أنهم ال يعبرون عن أذواقهم فيه__ا.. فهم يع__برون عنه__ا.. ولكن أذواقهم فيه__ا أذواق منتكس___ة، فمن أدمن على الباط___ل ص___عب علي___ه أن يشرب من نبع الحقيقة، وقد قال تعالى عن أمثالهم من أه__لاس من يشتري لهو الحديث ليضل الجاهلية األولى: }ومن النخ__ذها ه__زوا أولئك لهم ع__ذاب __ر علم ويت ه بغي بيل الل عن س__

معها6مهين ) ى مستكبرا كأن لم يس__ ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولره بعذاب أليم{ ]لقمان: [7، 6كأن في أذنيه وقرا فبش

فاستمع نصيحتي يا بني .. وإياك أن تقع في حبائل الفن الماجن.. فما يبعدك عن حقيقتك ال خ__ير في__ه.. وم__ا يص__رفك

عن ربك لن يمأل حياتك إال بالكدر. فالزم الورع، وابحث عن الفنون الجميل__ة ال__تي حس__نت في شكلها وأدائها، كما حسنت في معانيها وقيمه__ا.. فال خ__ير في الشر الذي تزين ظ__اهره بالجم__ال، وال في المنك__ر ال__ذي

حسنت صورته للعيان.

144

Page 148: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

السياحة أخبرت__ني ___ ب__ني ___ عن الس__ياحة، وأنه__ا أص__بحت من ضرورات الحي__اة المعاص__رة، وأن أك__ثر الن__اس اس__تووا فيه__ا، سواء كانوا من البسطاء المتواض__عين، أو األغني__اء الم__ترفين، وأنهم _ جميعا، بسبب ما أتاحه التطور الكبير في مجال النقل _ يتنقلون إلى مواطن كثيرة في العالم، ليقضوا أك__ثر أوق__ات

حياتهم متعة. وأنا ال أريد أن أحرم عليك وال عليهم هذا ال__ترف الجدي__د الذي أضافوه إلى حياتهم، وكيف أفعل ذلك، وق__د أمرن__ا الل__هيروا في األرض تع__الى بالس__ير في األرض، فق__ال: }ق__ل س__ه شأة اآلخ__رة إن الل ه ينشئ الن فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الل

[20على كل شيء قدير{ ]العنكبوت: وبين أن من مقتض__يات األمن ال__تي وفره__ا لعب__اده أن يحت___ك بعض___هم ببعض، ويس___ير بعض___هم إلى بعض، فق___ال:__ا فيه__ا ق__رى ظ__اهرة تي باركن __ا بينهم وبين الق__رى ال }وجعلنام__ا آمنين { ]س__بأ: _الي وأي يروا فيه__ا لي ير س__ رنا فيها الس_ وقد

18] وكيف أحرمها، ولوالها لم يخرج سلمان من مجوس__يته.. فقد كان سيره في األرض، وحركته فيه__ا س__بيله إلى الهداي__ة

بعد الضاللة؟ وكيف أحرمها، ولوالها لم يهتد أولئك األنصار إلى رسول

، ويستنيروا بنور اإليمان، ثم يجلبونه إلى بالدهم؟الله إلى الس__ير فيوكيف أحرمها، وقد دع__ا رس__ول الل__ه

األرض، والبحث عن مواض__ع العلم والهداي__ة واالس__تنارة به__ا، واالستفادة منها، فقال: )من سلك طريق_ا يلتمس في_ه علم_ا،

145

Page 149: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1 )سهل الله له به طريقا إلى الجنة(

لك__ني م__ع ذل_ك ال أس__تطيع أن أطب__ق ك_ل ه__ذا على م__ا يفعله قومك من السياحة، ذلك أن قصد أك__ثرهم ليس س__وى اللهو المجرد، وهو ما قد يصب في ال__ترف المحض، ذل__ك أن تلك األم__وال الكث__يرة ال__تي يص__رفونها في س__بيل م__ا يمكنهم

االستغناء عنه بالكثير من البدائل ترف غير مشروع.. فمن ك__ان قص__ده من الس__ياحة االس__تجمام والراح__ة، فيمكنه الذهاب إلى أي ش__اطئ أو جب__ل في أي مح__ل ق_ريب منه، وال حاجة له لصرف األموال الكثيرة، والتنقل للمسافات الطويلة في سبيل ذلك.. ولو فعل ذلك كان مترفا، ب__ل متلف__ا

لماله فيما ال فائدة فيه. وهكذا، فإن من زار تل__ك اآلث__ار ال__تي تركه__ا الس__ابقون، ف__إن علي__ه أن يت__أثر لم__ا حص__ل لهم، ويعت__بر بهم، وال يجع__ل سياحته مجرد فرجة ال أثر لها في حياته، وله__ذا تحض كلم__ات الله المقدسة على االعتبار بتلك المشاهد.. قال تعالى: }ق__د__ان __ف ك خلت من قبلكم سنن فسيروا في األرض فانظروا كي

__ذبين{ ]آل عم__ران: يروا137عاقبة المك [، وق__ال: } ق__ل س____ذبين { ]األنع__ام: __ة المك في األرض ثم انظروا كيف كان عاقب

11] وبين القرآن الكريم أن من لط__ف الل__ه بعب__اده أن ت__رك لهم بعض تلك اآلثار حتى تكون ع__برة لهم، يس__تفيدون منه__ا، وال يقعوا فيما وقع فيه الهالكون من الفس__اد واإلفس__اد، ق__ال__وحي إليهم من أه__ل __ك إال رج__اال ن تعالى:}وما أرسلنا من قبل__ة __ان عاقب __ف ك __روا كي يروا في األرض فينظ الق__رى أفلم يس____ون{ ق__وا أفال تعقل ذين ات ذين من قبلهم ولدار اآلخرة خير لل ال

( 4946( و )1455( ، وأبو داود )2699)( مسلم )1

146

Page 150: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

[109]يوسف: وهك___ذا، ف___إن من خلت س___ياحته من العلم واالعتب___ار والفائدة واالستجمام المباح ك__ان مفس__دا ومترف__ا، ولم ت__زده

سياحته إال بعدا عن نفسه، وخسارة لها. والعاقل ي__ا ب__ني ه__و ال_ذي ال يكتفي بإره__اق جس__ده في الس___ير في األرض، والتج___ول في البل___دان، فك___ل بالد الل___ه متشابهة، والخالف بينها يسير، ولكن العاقل ه__و ال__ذي يس__ير بعقله ويس__يح بروح__ه في ع__والم المل__ك والملك__وت، فيرح__ل منه__ا إلى تل__ك الع__والم المقدس__ة ال__تي ال يمكن أن يكتش__ف

حقيقته من دون رحلة عقله إليها. لقد ق__ال بعض الحكم__اء يش__ير إلى ذل__ك: )ال ترح__ل من كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى يسير، والذي ارتحل إليه

هو الذي ارتحل منه، ولكن ارحل من األكوان إلى المكون( ولذلك، فإن الحكمة تستدعي السؤال عن سر أي حركة ودافعها وآثارها في النفس وآثاره__ا بع__د ذل__ك على المجتم__ع، لتحكم بعد ذلك عليه__ا وعلى ج__دواها ومش__روعيتها.. فال خ__ير

في حركة ال ينال صاحبها منها إال التعب. ولهذا، فإن الله تع__الى ي__وبخ أولئ__ك ال__ذين يس__يرون في األرض من غير عقول تت__دبر، وال بص__ائر تتبص__ر، ق__ال تع__الى:__ون به__ا أو __وب يعقل } أفلم يسيروا في األرض فتكون لهم قل__وب ار ولكن تعمى القل ها ال تعمى األبص__ آذان يسمعون بها فإن

تي في الصدور{ ]الحج: [46ال فهذه اآلية الكريمة تعبر عن أكثر ما يفعل__ه قوم__ك فيم__ا يسمونه سياحة، فهم ي__ذهبون إلى الم__واطن ال__تي ت__دل على الطغيان والجبروت، وب__دل أن تك__ون لهم ع__برة، وأن يت__أثروا لح__ال المستض__عفين ال__ذين بنوه__ا، وال__ذين ينتش__ر ع__رقهم

147

Page 151: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ودم__اؤهم تحت ك__ل ص__خرة من ص__خورها، تج__دهم يله__ونويلعبون ويضحكون.

عن أن ي__دخلولهذا نهى س__يد الحكم__اء رس__ول الل__ه إلى تل___ك المن___اطق من دون ت___أثر وال ألم وال ح___زن، ففي

: )ال ت__دخلوا على ه__ؤالء المع__ذبين إال أنالح__ديث، ق__ال تكون__وا ب__اكين، ف__إن لم تكون__وا ب__اكين فال ت__دخلوا عليهم ال

(1 )يصيبكم ما أصابهم(

بل ورد النهي عن االستقاء بمائهم أو استعماله، فعن__دما بالحجر في غزوة تبوك وقد كان منازل لثمود، أمرهمنزل

أن ال يشربوا من بئرها وال يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها واستقينا، ف__أمرهم أن يطرح__وا ذل__ك العجين، ويهريق__وا ذل__ك

.(2)الماء

وليس هذا النهي من باب التحذير من التل__وث ال__ذي ق__د يضر الصحة، بدليل إجازته أن يعلفوا اإلبل ذلك العجين، ولكن أن__واع التل__وث ال تقتص__ر على التل__وث الظ__اهر ال__ذي ي__ؤذي الجسد، فهن__اك التل__وث ال_ذي يخ__رب ال__روح ويك__در الص__فاء،

إليه، وحذر منه.والذي نبه النبي

( 4561 )9/ 2 وأحمد 653( و )الحميدي( 2119)( رواه مالك الموطأ )1

( 2981 ، ومسلم رقم )269 / 6)( رواه البخاري 2

148

Page 152: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الحداثة ذكرت لي بني _ متأسفا _ الحداث__ة والح__داثيين، وتالعبهم بحق__ائق ال__دين وش__عائره، وأن منهم من راح يعي__د ق__راءة القرآن الك__ريم وفهم_ه بعي_دا عن ك_ل أص_ول الفهم وفروع_ه التي يقتضيها ظاهر لغته، وما فهم__ه الع__رب س__لفهم وخلفهم

منه على ضوئها. وذكرت لي أنهم يستعملون لذلك من_اهج كث_يرة، تنطل_ق من نزع القداس__ة عن المق__دس، ثم النص__وص عن أص__حابها، وظاهر ما أرادوه منها، ليتيحوا ألنفسهم الفهم المتناس__ب م__ع

عقولهم وأهوائهم وبيئاتهم ومدارسهم. وذكرت لي أنهم ال يحملون في قلوبهم، وال في ألسنتهم

، ب__ل إنهم في أحس__ن أح__والهمأي تق__ديس لرس__ول الل__ه يعتبرون__ه مج__رد مبل__غ أدى م__ا علي__ه، وأنهم ال يحت__اجون لفهم

، ألن__ه في تص__ورهم ال يع__دو أنكتاب الله مطابقته لفهم__ه يكون ابن بيئته، يع__بر عنه__ا، وعن علومه__ا وثقافته__ا، وال يع__بر

بلسان النبوة الممتد عبر األزمنة واألمكنة. وذك__رت لي أن أس__وأهم ح__اال من راح يمتهن النب__وة، أو يص__ور أنه__ا مج__رد عبقري__ة، أنتجت منتوج__ا أدبي__ا وثقافي__ا وفلسفيا.. وأنه كما تخضع تلك المنتوجات لكير النقد العلمي،

فمثلها ذلك المنتوج المقدس. وذك__رت لي أمثل__ة ونم__اذج كث__يرة عن ذل__ك، تجع__ل من القرآن الكريم حروفا ال معنى لها في ذاتها، وإنما هي أس__يرة لدى ذلك الذي يحسب نفسه صاحب مشروع فكري، يتيح ل__ه أن يفسر الدين من خالل تفس__يره للق__رآن، فيقب__ل م__ا يش__اء

منه، ويرفض ما يشاء.

149

Page 153: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وذكرت لي أن أخطر ما قام به هؤالء ال__ذين أتيحت لهم ك__ل المن__ابر اإلعالمي__ة ذل__ك التزهي__د في ك__ل الفه__وم، ب__ل السخرية منها، وإتاحة الفرصة للعق__ل، ب__ل لله__وى ليفهم من القرآن الكريم م__ا ش__اء، ومن النب__وة م__ا ش__اء.. وبج__رة قلم،

يمحو كل ما ال يريده، ويثبت كل ما يريده. وقد تألمت _ ي__ا ب__ني ___ كث__يرا لم__ا ذك__رت لي، وتأس__فت عليه، لكني لم أتأسف على الق__رآن الك__ريم، وال على النب__وة؛ فهما ال يزاالن في محلهما المقدس، ولو اجتمع الخلق جميعا، أولهم وآخرهم على أن يزيلوا حرفا واحدة عن قداس__تهما م__اه __ور الل أطاقوا، وقد ق__ال الل__ه تع__الى: }يري__دون أن يطفئوا ن__افرون { __ره الك __و ك __وره ول ه إال أن يتم ن __أبى الل __أفواههم وي ب

[32]التوبة: ولكني أحزن على أولئك الذين يقولون ه__ذا، ويفعلون__ه.. فهم في عيني ال يختلفون عن الوليد بن المغيرة، ذل__ك ال__ذي عرف عظمة القرآن، وع__رف من خالله__ا النب__وة، وع__رف من خاللهما المصدر المقدس لهما.. لكن__ه خش__ية على مش__روعه الجاهلي، والذي كان هو رئيسه ومرجع__ه، راح يعت__بره س__حرا

مأثورا.. وليس حقائق مطلقة. وهؤالء الذي ذك__رتهم ممن تس__ميهم ]ح__داثيين[ يقول__ون هذا، ويفعلون__ه.. فهم يعت__برون الق_رآن الك__ريم مج__رد أخيل_ة، يتاح لكل شخص أن يتخيلها كما يشاء، ويتالعب بص__ورها كم__ا

يحلو له.. فيفهم من الدين ما لم يقل به أحد. ول__ذلك ف__إن الق__رآن الك__ريم اعت__بر س__لوك الولي__د بن المغيرة نوعا من التفكير.. لكنه ليس تفكيرا حرا نزيها، وإنم__ا هو تفكير مقيد بالمصلحة، ومغلول ب__الهوى، ول__ذلك لم ي__ترك لنتائج تفكيره أن تصب في محلها الصحيح، وإنما تدخل، وراح

يقدر ما هو المتناسب معها.. 150

Page 154: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لق__د ق__ال الق__رآن الك__ريم يص__فه، ويص__ف مع__ه جاهلي__ةه الحداثة التي لم تخ__رج عن جاهلي__ة التفك__ير األولى: } كال إن

عودا )16كان آلياتنا عنيدا ) ر وق__در )17( سأرهقه ص__ ه فك ( إن ( ثم نظ__ر20( ثم قتل كيف ق__در )19( }فقتل كيف قدر )18

تكبر )22( ثم عبس وبسر )21) ( فق__ال إن23( ثم أدبر واس__ 16( إن هذا إال قول البشر{ ]الم__دثر: 24هذا إال سحر يؤثر )

-25 ] إن هذه اآليات الكريم__ة ___ ي__ا ب__ني ___ ال تص__ف الولي__د بن المغيرة فقط، وال تصف تفكير المعاندين من قوم رسول الله

فقط، وإنم_ا تص__ف ك_ذلك ومع_ه ك_ل المعان_دين من أه_ل الجاهلية األولى، أو الجاهلية األخرى.

فأول صفات هؤالء العناد.. الذي ال يبتغي ص__احبه الح__ق، وإنما الجدال في الحق، حتى يصور الحقائق الظاهرة للعي__ان بالصور التي تتناسب معه، والتي يريدها، حتى لو جحدت ك__ل ش__يء، ألن هدف__ه ليس االستبص__ار، وإنم__ا التض__ليل.. وليس

الحقيقة، وإنما الهوى. وقد أخبر الله تع__الى أن من مقتض__يات االبتالء واالختب__ار اإللهي أن يمد لهذا العنيد كل األسباب ال__تي تم__د عن__اده، وأن يعطى الحرية المطلقة ليقوم بدوره في التضليل، حتى يكون دوره كدور الش__يطان ال__ذي يم__يز ب__ه بين الطي__بين والخبث__اء،

والمحقين والمبطلين. إن آفة ه__ؤالء ي__ا ب__ني ال ترتب__ط ب__العلم، وال ب__البحث، وال بالحقيقة، وإنما ترتبط بالعناد.. فالحداثة التي ذكرتها لي ليس س__وى المعان__دة.. ال__تي تجعلهم ي__تركون الحقيق__ة الواض__حة، لكونها لم تص__در عنهم، وإنم__ا ص__درت عن غ__يرهم.. ولكونه__ا صدرت بالشكل الذي ال يريدونه، وهم يري__دون من ال__دين أن

يكون وفق مرادهم، أو أال يخرج عن مرادهم.1 15

Page 155: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لقد قال المعان_دون من الق__دامى ذل_ك، فق__د حكى الل__هل هذا القرآن على رجل على ألسنتهم قولهم: }وقالوا لوال نز

[31من القريتين عظيم { ]الزخرف: وهكذا هؤالء.. لكنهم بدل أن يقولوا قولة أه__ل الجاهلي__ة األولى، ف__يربطوا النب__وة بأمكن__ة يختارونه__ا، راح__وا يربط__ون النبوة بأزمنة يختارونها.. ويتصورون أن__ه ___ ح__تى ل__و لم ي__نزل القرآن الكريم _ في هذا العصر، فيمكن التحايل على ألفاظ__ه لتحويلها إلى ه__ذا العص__ر، ال باألحك__ام والقيم ال__تي ج__اء به__ا،

وإنما بأحكام جديدة وقيم جديدة، تفرض عليه فرضا. إن هؤالء يا بني ليسوا سوى أف__راد من أولئ__ك ال__دجالين

عنهم، وحذر منهم، واعتبرهم فتن__ةالذين أخبر رسول الله للخلق يص__رفونهم عن الح__ق.. وأن مثلهم ال يخل__ف عن ذل__ك الس__امري ال__ذي راح يق__وم بتح__ديثات في دين موس__ى علي__ه الس__الم، أو أولئ__ك األحب__ار والرهب__ان ال__ذي راح__وا يقيم__ون

تحديثات على أديانهم لتتناسب مع أهوائهم. ولذلك فإن هؤالء _ ي__ا ب__ني ___ ال عالق__ة لهم بالحداث__ة وال بالعص__ر.. وإنم__ا هم مرتبط__ون بأفك__ار ومن__اهج ردده__ا أه__ل الجاهليات من قبلهم.. أما ذلك اللقب الذي نسبوه ألنفس__هم، فه__و مج__رد حيل__ة يحت__الون به__ا على العق__ول، كأولئ__ك ال__ذين

يشربون الخمر، ويسمونها بغير اسمها. والدليل على ذلك أنهم يطنبون في التحذير من التقلي__د، وهم مقلدون ألساتذتهم من أصحاب الم__دارس الغربي__ة.. م__ع أنه كان في إمكانهم أن يس__تفيدوا من ك__ل الم__دارس، لكنهم

أبوا إلى التقليد. وهم ك____ذلك يطنب____ون في رمي العلم____اء والفقه____اء والمفسرين بالبالدة، وأنهم لم يقدموا لعص__ورهم أي خ__دمات

152

Page 156: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

علمية، وينسون أنهم يرمونهم بالحج__ارة، م__ع أن بني__انهم من الزج__اج، فه__ل وج__دت ح__داثيا اس__تطاع أن يكتش__ف اكتش__افا

علميا، أو يخترع ما يعاتب غيره على التفريط فيه. هم يا ب__ني ال يتقن__ون س__وى بض__اعة النق__د، وال يحمل__ون س__وى س__يوف اله__دم.. م__ع أن__ه ك__ان يمكنهم أن ينق__دوا م__ا يس__تحق النق__د، ويكتف__وا ب__ه.. ويه__دموا م__ا يس__تحق اله__دم، ويعوضوا بدله البنيان الصالح.. لكنهم بع__د التفك__ير والتق__دير.. وبعد أن منحت لهم كل فرص الهداي__ة أب__وا إال رك__وب أم__واج أه___وائهم، والتالعب بالحق___ائق والقيم، ثم إش___اعة ذل___ك في المجتمعات، حتى يقال: لفالن مشروع فكري حداثي.. ليكون ذلك فرصة له للظهور بعد الخمول، والغنى بعد الفق__ر.. وه__و نفس ما ذكره الل__ه تع__الى عن أولئ__ك ال__ذين حرف__وا وب__دلوا،ذين __ل لل وباعوا دينهم بمتاع من الدنيا قليل، قال تعالى: }فويتروا ه ليش__ __د الل يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عن__ل لهم مما __ديهم ووي __ل لهم مما كتبت أي __ا قليال فوي __ه ثمن ب

[79يكسبون{ ]البقرة: وه__ؤالء ك__ذلك، فهم يكتب__ون م__ا يفهمون__ه ب__أهوائهم من القرآن الكريم، ثم ينس__بوه لل__ه ورس__وله، ليش__تروا ب__ذلك م__ا ش__اءت لهم نفوس__هم من المنزل__ة والج__اه والس__لطان، وم__ا

يتبعها من الثروات واألموال.

153

Page 157: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الحرية ما أكثر أوهام الخلق في الحرية ي__ا ب__ني .. إنه__ا الس__بب األكبر في كل م__ا يحص__ل لحي__اتهم وحق__ائقهم ولط__ائفهم من

مآس.. فإبليس لم يمتنع للسجود آلدم عليه الس__الم، ولم يتج__رأ على مخالف__ة رب__ه، إال طلب__ا لحريت__ه ال__تي بل__غ ب__ه س__عيه في الحص__ول عليه__ا أن يس__تكبر على الل__ه، وي__أبى الخض__وع ل__ه، ويتم__رد على من طلب من__ه أن يب__دي ل__ه احترام__ه وتق__ديره،

ويحييه بالتحية التي تليق به.كم األعلى{ ___ا رب وفرع___ون عن___دما ص___اح ق___ائال:} أن

[ لم يكن دافع__ه ل__ذلك إال تل__ك الحري__ة ال__تي24]النازع__ات: شعر بها، وجعلته يحاول الخ__روج من ك__ل الك__ون ونواميس__ه،

لينشئ لنفسه كونا خاصا يكون هو إلهه. وأقوام األنبياء، والمأل ال__ذين اس__تكبروا منهم لم يتك__بروا على تلك الجواهر المقدسة التي أرسلها الله لهم لهدايتهم إال طلب__ا لتل__ك الحري__ة الوهمي__ة المزيف__ة ال__تي ص__ورت لهم أن االنتس__اب لل__ه، س__يلغي انتس__ابهم ألنفس__هم، وس__يمنعهم من حرية التحرك وف__ق م__ا تقتض__يه أه__واؤهم ونفوس__هم األم__ارة

بالسوء. وسارتر _ ذلك الذي يزعمون أن__ه حكيم، وال__ذي ح__دثتني عن أنبائه _ لم يتمرد على ربه إال بعد أن شعر أن وج__ود الل__ه يلغي وج__وده، وأن__ه كي يتح__رر يحت__اج إلى أن يلغي الل__ه من

حياته. وهكذا غيره ممن يسمونهم فالس__فة وحكم__اء وأص__حاب__ر.. كلهم واهم__ون.. ألنهم تعلق__وا بوس__اوس ش__يطانية فكر ني

154

Page 158: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

زينت لهم التمرد، وسمته حرية. وهم في ذل__ك مث__ل الرض__يع ال__ذي يعتق__د أن اكتف__اءه بالحليب الذي تدره رحمة أمه عليه، قيود تحد دون حريته في

الغذاء.. فيتركها.. ويلقى كل أصناف البالء بذلك. وهذا المثل ي__ا ب__ني ليس بعي__دا .. ب__ل ه__و عين الحقيق__ة التي رآها الع__ارفون رأي العين.. ف__الخلق جميع__ا ___ كم__ا ق__ال

.. والله _ بكرمه ولطفه _(1)الحكماء _ أطفال في حجر الحق يتعامل معهم بكل ألوان الحنان.. ويغدق عليهم كل ما ينفعهم من ألوان الفضل.. وإن ح__رمهم من ش__يء، فإن__ه ال يح__رمهم منه إال رحمة بهم، مثلم__ا تفع__ل األم عن__دما تح__رم ول__دها من الطعام الذي يضر بمعدته؛ فإن تم__رد الول__د عليه__ا، وأك__ل م__ا

يضره، طلبا لحريته، لم ينل من ذلك إال الضرر لنفسه. والخلق _ يا ب__ني ___ أطف__ال في مدرس__ة رب الع__المين.. والل__ه يس__ير بهم وبهممهم.. ويعلمهم من االختب__ارات ال__تي يضعهم فيها، كيف يرتقون إلى أعلى العليين، وكيف يخرجون من مستنقعات أس__فل س__افلين.. ف__إن هم تم__ردوا على تل__ك االختبارات، وعصوا من أمروا بطاعت__ه، وتج__اوزوا ح__دود الل__ه طلبا لحريتهم، لم ينالوا إال ما يناله أولئك المشاغبون الذين ال ترض___ي ن___زواتهم إال التم___رد على أس___اتذتهم ومق___رراتهم ودروس____هم، ثم ال ين____الون بع____دها إال الفش____ل .. ليس في

رأى)( وقد ورد في الحديث ما يشير إلى هذا، فقد روي أن رس__ول الل__ه 1

امرأة قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلم__ا وج__دت ص__بيا أخذت__ه فألص__قته بص__درها :وهي تبحث على ولدها، فلما وجدته ضمته إليه وألقمته ث__ديها، فق__ال رس__ول الل__ه

)أت_رون ه_ذه طارح_ة ول__دها في الن_ار وهي تق_در على أن ال تطرح_ه؟(، ق_الوا: )ال ي_ا ،5/2235رسول الله(، ق__ال: )فوالل__ه، لله أرحم بعب__اده من ه_ذه بول__دها( )البخ_ارى )

(2754، رقم 4/2109( ، ومسلم )5653رقم

155

Page 159: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

مدارسهم فقط، وإنما في حياتهم جميعا. والخلق _ يا بني _ مثل أولئ__ك األطف__ال ال__ذين يحت__اجون إلى رعاية خاصة، تحمي نفوس__هم من العق__د، وتلقي بهم في الحياة إلقاء جميال.. فإن هم تمردوا على ذلك طلب__ا لح__ريتهم الوهمي___ة، امتألت نفوس___هم بالعق___د، وامتألت حي___اتهم في

مجتمعاتهم بالصراع. والخلق _ يا بني _ مثل المرضى أم__ام األطب__اء، ف__إن هم تمردوا على األدوية التي أمروا بشربها، والحمي_ة ال_تي أم_روا باستعمالهم، فإن األمراض ستفتك بهم ال محالة إلى أن يصبح

الدواء نفسه غير ذي جدوى فيهم. ل_ذلك كل__ه، ف__إن الحري__ة ال__تي ين__ادي به_ا ك_ل أولئ__ك .. ليست سوى تمرد على سنن الكون ونظامه الذي أسسه الله علي__ه، لتمتلئ الحي__اة بالس__الم، وتمتلئ النف__وس بالطمأنين__ة، وتمتلئ المجتمعات باحترام بعضها بعض__ا، وس__عي بعض__ها في

مصالح بعض. ول__ذلك ف__إن الحري__ة الحقيقي__ة ي__ا ب__ني .. هي أن تش__عر بصلتك بربك، وأنك بعبوديتك له، تكس_ب ك_ل الكم_االت ال_تي تحتاجه__ا.. وتن__ال ك__ل الفض__ائل ال__تي تهيء روح__ك للم__راتب العالي__ة.. تل__ك الم__راتب ال__تي يس__تحيل على المتم__ردين أن

يصلوا إليها، أو يدركوا مدى جمالها ورقتها وعذوبتها. لذلك كانت الحرية هي عين العبودية.. فمن لم يعبد رب__ه سقط في عبادة الش__يطان.. وبعبادت__ه للش__يطان يس__قط في عبادة نفسه وهواه.. وعندما ي__ؤول األم__ر ب__ه إلى ذل__ك تغل__ق

عليه جميع أبواب الخير، وتفتح عليه جميع أبواب الشر. لقد ضرب الله لنا المثال على ذل__ك في الق__رآن الك__ريم بنهي الله تعالى آلدم علي__ه الس__الم عن األك__ل من الش__جرة..

156

Page 160: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بينما أت__اح ل__ه الحري__ة في األك__ل من غيره__ا.. لكن الش__يطان بوساوسه لم ينظر إلى كل ما أتيح لإلنس__ان، وأبيح ل_ه، وإنم__ا راح يلفت انتباهه إلى ما حرم علي__ه، ليجعل__ه متوهم__ا أن ك__ل

الجمال والكمال في ذلك الممنوع. وعندما أكل اإلنسان من الش__جرة ال__تي من__ع من األك__ل منها، عرف أن الله تعالى م__ا نه__اه عن األك_ل منه_ا إال رحم__ة به.. فاآلكل من تلك الشجرة ال يمكن أن يبقى في الجن__ة، وال

يمكن أن يظل في ذلك الرفاه الذي وفر له. وك__ذلك ___ ي__ا ب__ني ___ ك__ل تل__ك المحظ__ورات ال__تي أمرن__ا باجتنابها، فتوهم دعاة الحرية أنها ليست سوى قيود تح__د من حرية اإلنس_ان، بينم_ا هي في حقيقته_ا ليس_ت س__وى س__موم تقضي على الحياة.. والل__ه تع_الى م__ا قي__دنا به_ا إال لمص__لحتنا ورحمته بنا.. وهي مثل تلك القيود التي يفرضها الطبيب على مريضه حرصا على ص__حته.. أو تل__ك الواجب__ات ال__تي يفرض__ها األستاذ على تلميذه حرصا على نجاحه.. أو تل__ك الممارس__ات الرياض__ية ال__تي يفرض__ها الم__درب على من ينتس__ب لفريق__ه

تقوية لعضالته.. فه___ل يمكن لعاق___ل أن يعت___بر الط___بيب أو األس___تاذ أو الم__درب أو غ__يرهم يقوم__ون بممارس__ات تح__د من حري__ة

اإلنسان؟ ولو كان األم__ر ك__ذلك، فلم يب__ذل الن__اس أم__والهم طلب__ا

لتلك القيود التي يقيدونهم بها ألجل مصلحتهم؟ ولو أنهم نظروا إلى الرسل عليهم الصالة والسالم بتل__ك العين التي ينظ__رون به__ا ألولئ__ك ال__ذين يح__دون من ح__ريتهم، لعرفوا أن نصائح الرسل ووصاياهم ال تق__ل عن تل__ك النص__ائح

والوصايا إن لم تتفوق عليها.

157

Page 161: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فالرس__ل عليهم الس__الم ال يكتف__ون ب__دعوتهم إلص__الح ظ__واهرهم، وإنم__ا ي__دعونهم إلص__الح ب__واطنهم.. وال يكتف__ون بإصالح دنياهم، بل يبذلون كل جهودهم إلصالح آخرتهم.. فهل يمكن اعتبار هؤالء مقيدين لحرية اإلنسان؟ وهل يمكن اعتبار

تعاليمهم السامية أغالال تحد من حريته؟

158

Page 162: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

التنوير إنهم واهمون يا بني، فال هم تنويريون، وال هم من__ورون.. بل هم قوم غارقون في الظلمات، وكل م__ا ت__راه ح__ولهم من أضواء، وكل ما تمتلئ به مدنهم من مصابيح لن يشعل شمعة واحدة في قل__وبهم.. والن__ور ال__ذي ال يش__ع من القلب ظالم.. والمص__ابيح ال__تي ال تقتبس نوره__ا من مش__كاة النب__وة مج__رد زجاج معتم مظلم، ال يتيح ألصحابه إال تلك الرؤية التي توهمها المن__افقون ي__وم القيام__ة، ثم أظلمت عليهم أح__وج م__ا ك__انوا

إليها. لقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن الكريم، وبين لنا من خالله حقيق__ة الن__ور، وحقيق__ة الممس__كين بمص__ابيحه، فق__ال:__ا __وا انظرون ذين آمن __افقون والمنافق__ات لل __وم يق__ول المن }ي نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب_ه _اهره من قبل حم_ة وظ _ه في_ه الر _اب باطن _ه ب ور ل بينهم بس_

[13العذاب{ ]الحديد: إن ه__ذه اآلي__ة الكريم__ة تلخص حقيق__ة الن__ور، فه__و ليس نابعا من داخل اإلنسان، وال ناشئا عن عقله وهواه.. وإنما ه__و هبة إلهية ألولئك الذين اجتهدوا صادقين في التماسه.. وكانت مشكاتهم ومصابيحهم جاهزة بتواض__عها وأدبه__ا لالقتب__اس من

نور الله.. الذي ال نور في الكون غيره. لقد قال تعالى يوضح ه__ذه الحقيق__ة العظيم__ة ال__تي ت__اهماوات __ور الس__ ه ن عنه__ا أولئ__ك ال__ذين ي__دعون التن__وير: }اللباح في زجاج__ة واألرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المص____ة ال __ة زيتون جرة مبارك ي يوقد من ش__ ها كوكب در جاجة كأن الز__ور __ار ن ه ن __و لم تمسس__ يء ول ة يكاد زيتها يض__ ة وال غربي شرقي__ال ه األمث رب الل اء ويض__ __وره من يش__ ه لن __ور يه__دي الل على ن

159

Page 163: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ه بكل شيء عليم{ ]النور: اس والل [ 35للن فاآلي__ة الكريم__ة توض__ح أن الن__ور ص__فة إلهي__ة، وأن__ه في خزائن الله وحده، وأنه الواهب الوحي__د ل__ه.. ول__ذلك ف__إن من لم يتن__ور بن__ور الل__ه، واس__تكبر أن يقتبس من تل__ك الس__رج المنيرة التي أرسلها الله لعباده ليشعلوا مص__ابيح الهداي__ة في قل___وبهم، لن يص___لوا إلى ش___يء، وس___يظلون غ___ارقين في__ور{ __ه من ن __ورا فم__ا ل __ه ن ه ل الظلمات.. ف_ }من لم يجعل الل

[40]النور: ولذلك فإن أولئ__ك التن__ويريين وإن أش__علوا ك__ل مص__ابيح بيوتهم ومدنهم، إال أنهم بغفلتهم عن إشعال مص__ابيح قل__وبهم من مشكاة النبوة صاروا ظالم_يين، وغ__ارقين في الظلم_ات..راب ذين كف_روا أعم_الهم كس_ كما بين ذلك قوله تع_الى: }والى إذا جاءه لم يجده شيئا ووج__د بقيعة يحسبه الظمآن ماء حت

اب ) ريع الحس___ ه س___ ابه والل ___ده فوفاه حس___ ه عن ( أو39الل كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه م__وج من فوق__ه__د يراه__ا سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يك

ه له نورا فما له من نور { ]النور: [40، 39ومن لم يجعل الل ال تتوهم يا بني أنني أبالغ حين أذكر هذا.. أو أن__ني أدع__و إلى التخلف، ونبذ كل تقدم علمي.. أو أقف ضد ك__ل حض__ارة ورقي وتطور.. أنا ال أفع__ل ذل__ك.. وإنم__ا أق__ف ض__د اس__تغالل

النور والتنوير في ذلك كله. فأولئ__ك الواهم__ون يتص__ورون أن__ه ال يمكن أن نش__عل مصابيح المدن إال بعد إطف__اء مص__ابيح القل__وب.. أو يتوهم__ون أن مصابيح القلوب يمكنها أن تنير لهم من غير السرج اإللهية

التي ال يمكن ألحد أن يبصر الحقائق من دونها. لذلك كان ادع_اؤهم للتن__وير ك_ذبا وزورا وخ_داعا.. فالل__ه

160

Page 164: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تعالى ما حرم علينا أن نضيء مصابيح م__دننا، وال ح__رم علين__ا السعي في األرض، وال حرم علينا كل مظاهر التقدم والتطور والرفاه المتناسب مع اإلنس__ان.. وإنم__ا ح__رم علين__ا الس__قوط في أوح___ال اله___وى، واإلع___راض عن النب___وة، واالستض___اءة

بمصابيح الشياطين. لقد كان سليمان علي__ه الس__الم نبي__ا تنويري__ا.. ك__ان قلب__ه يضيء بالهداية اإللهية، وكانت أخالقه أخالق الصديقين.. لكن__ه م__ع ذل__ك ك__ان ص__احب مدني__ة وحض__ارة لم تص__ل إليه__ا أرقى حض__ارات من ي__دعون التن__وير.. ف__التنوير ال يجعل__ك تطفئ

مصابيح مدينتك، وإنما يجعلك تشعل مصابيح قلبك. وذو القرنين .. ذلك الحاكم الص__الح .. تعلم ك__ل العل__وم، وأتقن كل الصنائع، وسار في األرض، ليخلص الخلق من ك__در العيش وض__يقه، ويق__ف م__ع المستض__عفين ض__د الظ__المين.. ولكنه لم يكن يهتدي في ذلك كله إال بذلك النور الذي امتأل به

قلبه، فأبصر الحقائق كما هي ال كما تمليها عليه الشياطين. وهكذا فإن كل األنبياء واألولي__اء .. ك__ان همهم األك__بر أن يش__علوا مص__ابيح القل__وب ب__أنوار الهداي__ة، ف__إذا اهت__دت إلى الحقيقة، وتحققت باإلنسانية، واستنارت بنور الل__ه.. ك__ان له__ا أن تتبع سنن الله في تحقيق كل مظاهر الرف__اه ال__تي لم تن__ه

الشريعة عنها. وعدم وجود مظاهر الرفاه، أو تحققها في حياة الن__بي أو الولي، ال يعني أبدا أن__ه ليس تنويري__ا، وال من__ورا، فق__د وص__ف

بأنه ليس ن_ورا فق_ط، وإنم_ا س_راجالله تعالى رسول الله را اهدا ومبش__ لناك ش__ ا أرس__ بي إن ه__ا الن لألن__وار، فق__ال: }ياأي

__ذيرا ) __يرا )45ون راجا من __ه وس__ ه بإذن __ا إلى الل {46( وداعي _) -__ 45]األحزاب: [ م__ع أن الب__داوة ك__انت غالب__ة في ذل__ك47

الحين.. 1 16

Page 165: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لكن أنوار القلوب والعقول التي ال يمكن ألي حضارة أن تقوم بدونها كانت كلها مقتبسة من ذلك السراج الذي ال يزال يض__يء.. ب__ل لن ينطفئ أب__دا، كم__ا ق__ال تع__الى: }يري__دون___ره ___و ك ___وره ول ه متم ن ___أفواههم والل ه ب ___ور الل ليطفئوا ن

[، ثم عقب عليه__ا بقول__ه: } ه__و الذي8الكافرون { ]الصف: ه ولو أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كل

[9كره المشركون { ]الصف: وله__ذا، ف__إن من يس__تكبر على تل__ك الس__رج المن__يرة، ويت__وهم أن__ه يمكن__ه أن يص__ل إلى الحق__ائق من دونه__ا، ثم يستعلي عندما يرى مصابيح مدينته مشتعلة، فإن__ه واهم، ولن

يعيش إال السراب. أال ترى يا بني أن كل الحروب التي حصلت في الق__رون األخيرة قام بها تنويري__ون ودع__اة تن__وير.. ومثله__ا االس__تعمار.. واالستكبار.. وكل مظاهر التمييز العنص__ري.. كله__ا ب__رزت من لدن أولئك الذين توهموا أنهم األفضل واألقدر واألقوى.. وق__د وصل بهم عتوهم إلى إلغ__اء الل__ه لت__وهمهم أنهم ق__د اس__تغنوا

باختراعاتهم عنه. لقد ذكر الله تعالى ه__ؤالء.. لكن__ه لم يس__مهم تن__ويريين،

ان ليطغى ) ( أن6وإنما سماهم طغاة، فقال: } كال إن اإلنس__[7، 6رآه استغنى { ]العلق:

وك__ل أولئ__ك التن__ويريين ال يجتمع__ون على ش__يء، كم__ا يجتمع___ون على الش___عور باالس___تغناء عن الل___ه.. ب___ل إنهم يتص__ورون أن الحاج__ة لل__ه ق__د زالت بع__د أن وص__ل اإلنس__ان بعقل__ه إلى المص__ابيح الكهربائي__ة ال__تي توهم__وا أنه__ا يمكن أن

تلغي المصابيح الربانية. هذه صفات التنويريين يا بني .. فاحذر منها، ومن الدجل

162

Page 166: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

المرتبط به__ا.. فإن__ك لن تص__ل إلى الل__ه إال بع__د وص__ولك إلى أن__واره.. ولن تص__ل إلى أن__واره إال من خالل تل__ك المص__ابيح والسرج المنيرة التي جعلها الله منابع للهداية، ومصادر له__ا.. وال يمكن ألحد أن يقتبس نوره، وهو مستعل عليه__ا، مس__تكبر

على تعاليمها.

163

Page 167: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

العبودية العبودية لله _ يا ب__ني ___ هي أش__رف م__راتب اإلنس__انية.. فمن تحقق بها نال الكمال اإلنساني.. ومن لم يتحقق به__ا، أو نفر منها، أو كان فيه بعض النفور من مقتضياتها، حل فيه من النقص بقدر نفوره.. ثم تعذب ب__ذلك النقص إلى أن يتدارك__ه،

أو يبقى في العذاب أبد اآلبدين. هذه هي الحكمة التي خلص إليها كل العقالء المت__ذوقين للحقائق من منابعها التي لم تكدر، المستنيرين بالسرج ال__تي ال تنطفئ.. لق__د رأوا ذل__ك رأي العين.. وكش__ف لهم الحج__اب

عنها، فصارت من الوضوح بحيث يكادون يرونها بأعينهم. أم__ا غ__يرهم ممن لم يكش__ف لهم الحج__اب، فيمكن أن يشرح لهم معناها بوسائل التقريب واإليضاح، ليعلموا أن هذه الحقيقة ليس__ت ذوقي__ة وال ش__هودية فق_ط، وإنم_ا هي حقيق__ة

عقلية أيضا. والمب___دأ ال___ذي تس___تند إلي___ه مب___دأ تس___تند إلي___ه ك___ل الموج__ودات.. فكله__ا عب__د لل__ه.. وكله__ا ال تن__ال حقيقته__ا، وال سعادتها، وال سالمها من دون عبوديتها لله، كم__ا ق__ال تع__الى:__ا ماء وهي دخ__ان فق__ال له__ا ولألرض ائتي }ثم استوى إلى الس

[11طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين{ ]فصلت: فالعبودية هي تل__ك األرض المعب__دة الطيب__ة ال__تي يت__نزل عليه__ا الفض__ل اإللهي المتناس__ب معه__ا.. ف__إن ك__انت األرض صخورا صماء، أو رمال قاحلة، أو مستنقعات أس__نة.. لم تكن أهال الستقبال الفضل اإللهي.. بل كانت أهال الس__تقبال الج__وع

والعطش والحشرات السامة. أم__ا من ك__انت أرض قلب__ه كله__ا معب__دة مهي__أة ص__الحة

164

Page 168: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

التربة.. فإن كل قطرة مطر تنزل عليه__ا، س__تنبت ك__ل أن__واع الثم__ار النافع__ة، واألزه__ار الجميل__ة، ح__تى تتح__ول نفس__ه إلى

حديقة غناء، أو جنة زاهية.. ومن ك__انت أرض قلب__ه مختلط__ة بين الص__خور الص__ماء، والمستنقعات األس__نة، والترب_ة الطيب_ة الط_اهرة.. لم ين_ل إال حظ__ا مح__دودا من تل__ك الجن__ان، فيس__عد ببعض__ه، ويش__قى ببعضه.. ولذلك كان ألمه بنفس القدر الذي ضيع فيه عبوديته،

أو عبودية أرض نفسه. أظن أنك فهمت يا بني م__ا أقص__د.. فالعبودي__ة هي ذل__ك اللين الذي يبديه العبد لربه.. وتلك الطمأنينة ال__تي تمتلئ به__ا ج__وانح النفس عن__دما يت__نزل عليه__ا الم__دد اإللهي.. وذل__ك التسليم لله وألمره.. والذي يجعل اإلنسان ك__الميت بين ي__دي

الغسال، أو كالريشة في مهب الريح.. حينه__ا فق__ط يمكن أن يس__تقبل اإلنس__ان الم__دد اإللهي، ويتشبع به، ويستفيد منه، ويسعد معه.. ف__إن اس__تكبر أو طغ__ا أو تعنت أو امتأل باألناني__ة، فإن__ه س__يظل حبيس__ا في س__جن

نفسه.. ولن ينال الفضل اإللهي حتى يخرج من سجونه. فالفض____ل اإللهي رس____الة ال يمكن أن تت____نزل إال على األوعي_ة ال_تي تس__تعد الس__تقبالها.. وذل_ك االس__تعداد ه_و عين العبودية.. ولذلك فإن من لم يتوفر له ذلك االستعداد، أو تلك القابلية عاش ممتلئا بالشقاء.. ظمآنا مع أن الماء أقرب إلي__همن فمه.. فالماء ال يمكنه أن يزور فما غير مستعد الستقباله. لق__د ذك_ر الل__ه تع_الى ذل__ك في الق__رآن الك__ريم، فق__ال:

ه خالق كل شيء وهو الواحد القهار ) __زل من16} قل الل ( أن__ا __دا رابي يل زب ماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتم__ل الس__ الس_ه _د مثل _اع زب _ة أو مت ار ابتغ_اء حلي _ه في الن ومما يوق_دون علي

165

Page 169: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بد فيذهب جفاء وأما ه الحق والباطل فأما الز كذلك يضرب الله رب الل ____ذلك يض____ اس فيمكث في األرض ك م____ا ينف____ع الن

[17، 16األمثال { ]الرعد: فهذا المث__ل ي__ا ب__ني إن ت__أملت في__ه يختص__ر ل__ك حقيق__ة العبودية ال__تي ال تخ__رج عن كونه__ا توف__يرا ألدوات االس__تقبال، وتص__حيحا له__ا، فمن اتس__ع وادي قلب__ه، ك__ان ل__ه من الم__دد بحس__ب اتس__اعه.. ومن ض__اق ض__يق علي__ه.. وله__ذا اختلفت درجات السعادة في الدنيا واآلخ__رة.. وكله__ا ترج__ع للعبودي__ة..

فال سعادة من دون تحقيق العبودية. إلى م__ا يق__رب ذل__ك المث__ل،لق__د أش__ار رس__ول الل__ه

فقال: )إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فك__انت منه__ا طائف__ة طيب__ة، قبلت الم__اء ف__أنبتت الكأل والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنف__ع الله بها الناس فشربوا منها وس__قوا وزرع_وا. وأص__اب طائف_ة منها أخرى، إنما هي قيعان ال تمسك م__اء وال تنبت كأل. ف__ذلك مثل من فقه في دين الله، ونفع__ه بم__ا بعث__ني الل__ه ب__ه، فعلم وعلم، ومثل من لم يرف_ع ب__ذلك رأس__ا، ولم يقب__ل ه__دى الل__ه

(1 )الذي أرسلت به(

لذلك كان أسعد الناس بالعبودية أس__عدهم بفض__ل الل__ه، وأكثرهم قربا منه، وأكثرهم س__الما وطمأنين__ة.. وله__ذا وص__ف

، وفي أشرف المقام__ات ب__ذلك، فق__ال:الله تعالى رسوله جد الح__رام إلى __ده ليال من المس__ رى بعب ذي أس__ بحان ال }س__ه ه__و __ا إن __ه من آياتن __ه لنري __ا حول ذي باركن ى ال المسجد األقص__

ميع البصير{ )االسراء: ه1الس __د الل ه لما قام عب (، وقال: }وأن(19يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا{ )الجن:

( 2282)( رواه مسلم )1

166

Page 170: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

هذه هي العبودية يا بني .. والتي ال تنال الحرية الحقيقية من دونها.. ذلك أن الذي يتحقق بها يخرج من سلطان ه__واه، وي__دخل في س_لطان الح__ق، ويتح__رر حينه_ا من ك_ل س__لطان للشيطان عليه، ألنه ال يقترب إال ممن فيه حظ منه، كما ق__اليطان ه من الش__ تعذ بالل تع__الى: }ف__إذا ق__رأت الق__رآن فاس__

جيم ) __وا وعلى98ال__ر ذين آمن لطان على ال __ه س__ ه ليس ل ( إنلون ) هم يتوك ذين99رب __ه وال ون ذين يتول لطانه على ال ما س__ ( إن

[100 - 98هم به مشركون{ ]النحل: ولهذا وصف الل__ه تع__الى المتح__ررين من كي__د الش__يطان واس__تعماره وس__لطانه بك__ونهم عبي__دا لل__ه، ق__ال تع__الى: }إنبع__ك من الغ__اوين { لطان إال من ات عبادي ليس لك عليهم س__

[42]الحجر: فمن وق__ع في الغواي__ة خ__رج من العبودي__ة، وص__ار في__هتحوذ استعداد الستحواذ الشيطان عليه، كما قال تعالى: }اس__

ه { ]المجادلة: يطان فأنساهم ذكر الل [19عليهم الش فإن نسي العب__د ذك__ر الل__ه، نس__ي عبوديت__ه، وتح__ول من حزب الله إلى ح__زب الش__يطان، ق__ال تع__الى: }أولئك ح__زبرون{ ]المجادل__ة: يطان هم الخاس__ يطان أال إن حزب الش الش

19] فإن حصل ل__ه ذل__ك انتكس__ت حقيقت__ه اإلنس__انية لتص__بح حقيقة ش__يطانية.. وحينه__ا يمتلئ بالع__ذاب.. فك__ل من خ__الف حقيقت__ه وفطرت__ه ال__تي فط__ر عليه__ا امتأل بالع__ذاب، بق__در

مخالفته. فاحرص يا بني بعد س__ماعك له__ذه الحكم__ة القرآني__ة أن تجتهد في تحقيق العبودية لله، والتسليم المطلق له.. فالخير

كله عنده.. والحرية كلها لديه.. والسعادة كلها في خزائنه.

167

Page 171: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

168

Page 172: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الورع ال .. ولن يكون ذلك أبدا.. ف__الورع ي__ا ب__ني ليس عق__دة.. وال مرض__ا نفس__يا.. وال تش__ددا.. وال ك__ل تل__ك األوص__اف ال__تي

ذكرها لك من يزعم أنه أستاذك.. فأنا مع احترامي له إال أني ال أقب__ل ه__ذا الموق__ف من__ه.. فالورع عالمة حياة القلب الطاهر، وس__مة النفس المطمئن__ة،

، وه__ووصفة الروح الزكية.. ولوال ذلك ما قال رسول الل__ه سيد الط__اهرين العاب__دين الع__ارفين: )إن__ه ليغ__ان على قل__بي،

(1 )وإني ألستغفر الله في اليوم مائة مرة(

ه__ذا؟.. إن االس__تغفارأت__دري لم ق__ال رس__ول الل__ه الكث__ير، وألدنى ش__يء، عالم__ة على ش__دة ال__ورع والتق__وى

كلما تطلع إلى أعماله، وقارنها بح__ق الل__هوالطهارة.. فهو علي__ه ش__عر بالتقص__ير، وأن ح__ق الل__ه أعظم من أن ي__ؤدى، فلذلك يسارع إلى االستغفار، ويطلب العفو من رب__ه ال__ذي ال

يستطيع أن يؤدي حق عبوديته. قارن ه__ذه النفس الط__اهرة واألدب العظيم ___ ي__ا ب__ني _ بأولئ__ك المغ__رورين المس__تكبرين ال__ذين ص__رفهم النظ__ر إلى أنفس__هم وأعم__الهم عن النظ__ر إلى الح__ق وعظمت__ه، ول__ذلك توهم___وا أعم___الهم عظيم___ة، ألنهم قارنوه___ا بأنفس___هم، ولم

يقارنوها بالله. ولذلك لم يكن الورع عقدة نفسية، وال دليال على التشدد

والتنطع، وإنما كان عالمة على األدب والطهارة والمعرفة.. فاألدب ه__و ال__ذي يجع__ل ال__ورع يحت__اط في ك__ل س__لوك

( 1515( ، وأبو داود )41( )2702)( رواه مسلم )1

169

Page 173: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

يقوم به خشية أن يكون فيه أذى أو مضرة لم ي__دركها.. له__ذا تجده يسارع كل حين إلى طلب الصفح وإب__راء الذم__ة خش__ية

أن يكون قد وقع في التقصير، أو وقع منه ما ال يليق. ذلك، وه__و س__يد ال__ورعين، فق__دلقد فعل رسول الله

روي أنه عندما كان يقوم بتسوية ص__فوف أص__حابه ي__وم أح__د تهيئة لهم للمعركة، وكان في ي__ده ق__دح يع__دل ب__ه الص__فوف، فمر ببعض الص__حابة، وه__و خ__ارج من الص__ف، فطعن رس__ول

في بطنه بالقدح، وقال: استو يا س__واد، وك__ان اس__مهالله سوادا، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالع__دل،

، وهو في ذلك المحل ينتظ__رفأقدني، فقال له رسول الله بدء المعركة: )استقد(، أي اقتص مني، فقال: يا رس__ول الل__ه

عنإنك طعنتني وليس علي قميص، فكشف رس__ول الل__ه بطنه، وقال: استقد، فاعتنقه سواد، وقبل بطن__ه، وق__ال: إنم__ا

: م__ا حمل__ك على ه__ذا ي__اأردت هذا يا رس__ول الل__ه، فق__ال سواد؟ فقال: يا رسول الله، حضر م__ا ت__رى، فلم آمن القت__ل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جل__دك، ف__دعا

.(1) بخيرله رسول الله

ه__ل رأيت ي__ا ب__ني آداب__ا أعظم من ه__ذه اآلداب؟.. وه__ل شاهدت في حياتك، وفي مثل هذه المواقف عالق__ات ممتلئ__ة

بالطيبة مثل هذه العالقات؟ إنها لم تكن لتحصل لوال الورع .. فالورع هو ال__ذي جع__ل

في ذل__ك الموق__ف الش__ديد ال__ذي يحض__ر في__هرسول الله ألرض المعركة التي تريد أن تستأص__ل اإلس__الم والمس__لمين، ي__ترك تس__وية الص__فوف، ثم يكش__ف عن بطن__ه ليقتص ذل__ك

الجندي منه.

. 3133)( معرفة الصحابة ألبي نعيم األصبهاني: 1

170

Page 174: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

أال ترى يا بني أن هذا السلوك سلوك حض__اري، ال يق__وم به إال أص__حاب النف__وس المهذب__ة المتحض__رة ال__ذين يل__تزمون بك__ل م__ا تل__زمهم ب__ه اآلداب، ثم يعت__ذرون بك__ل حي__اء عن أي

تقصير يكون قد وقع منهم؟ مثال األدب الرفيع، ألن__ه ك__انولذلك كان رسول الله

س__يد ال__ورعين، وك__ان حساس__ا إلى درج__ة كب__يرة، خش__ية أن ي__ؤذي أي أح__د من الن__اس، ح__تى أن__ه ق__ال: )إني ألق__وم في الصالة أريد أن أطول فيها فأسمع بك__اء الص__بي، ف__أتجوز في

(1 )صالتي كراهية أن أشق على أمه(

والورع _ يا بني _ عالمة الطهارة.. أال ترى الث__وب األبيض النظي__ف كي__ف تظه__ر في__ه أدنى األوس__اخ.. بخالف الث__وب الممتلئ باألوس__اخ، وال__ذي ك__ثرت علي__ه، فص__ار ال يف__رق بين

الجديد منها والقديم. أما الورع.. الذي يراعي قلبه كل حين، فيتفقد كل الفتن ال__تي ت__رد علي__ه، والس__هام ال__تي تص__وب نح__وه، فينزعه__ا، ويعالجها، ويعقم الموضع الذي أصيب فيه، فإن هذا حري ب__أن

يكون طاهرا سليما، متحققا بإنسانيته في صورتها الكاملة. والورع _ يا بني ___ عالم__ة المعرف__ة.. ذل__ك أن القلب ه__و المرصد الموجه لعالم الحقيق_ة، ف_إن ك_انت عدس__ته ملطخ_ة ممتلئة بالضباب، امتنعت عليه الرؤية.. بل ربما تختلط علي__ه،

فيرى المنكر معروفا، والمعروف منكرا. لقد أشار الله تعالى إلى ذلك، وبين دور الذنوب صغيرها وكبيره___ا في تش___كيل البق___ع الحائل___ة بين القلب والمعرف___ة___انوا ___وبهم م___ا ك ___ل ران على قل الص___حيحة، فق___ال: }كال ب

[14يكسبون{ ]المطففين: ( 991( ، وابن ماجه )789( ، وأبو داود )868( و )707)( البخاري )1

1 17

Page 175: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

، فق__ال: )إن العب__د إذا أذنبوقد فس__ره رس__ول الل__ه ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، ف__إن ت__اب منه__ا ص__قل قلب__ه،

(2 )وإن زاد زادت(

هل رأيت يا بني خط__ر ال__ذنوب، فآثاره__ا ال تقتص__ر على تل__ك األوزار ال__تي ت__ؤخر عقوبته__ا لآلخ__رة، ب__ل إن من أخط__ر آثارها تلك العقوبات المرتبطة بالعاجل قبل اآلجل، وأخطره__ا ذل__ك ال__ران ال__ذي يح__ول بين القلب وبين إدراك الحق__ائق أو

التسليم لها. ولذلك ف__إن أك__ثر المج__ادلين في ال__دين، أو المعترض__ين على الرسل، أو المحتالين على الشرائع، لم يدعهم إلى ذل__ك حجج قاطع__ة، وال ب__راهين ناص__عة، وإنم__ا دع__اهم إلي__ه تل__ك الق___اذورات ال___تي طغت على قل___وبهم؛ فمنعتهم من رؤي___ة

الحقائق بجمالها وطهارتها. ال ش__ك أن__ك تري__د م__ني مث__اال على ذل__ك.. ول__ك ذل__ك.. فلقمان لم يكن ي__ربي ول__ده إال باألمثل__ة.. واألمثل__ة جن__د الل__ه

التي تنقذ عباده من الغموض واإلشكال. إن مثل ذلك يا بني مثل العس__ل ال__ذي يوض__ع في وع__اء مملوء بالقذارة والسموم، أو يخلط به.. حينها سيصبح العسل مس__موما.. وق__د يص__بح مذاق__ه م__را.. والمش__كلة ليس__ت في العسل، ولكن في الوع__اء ال__ذي وض__ع في__ه.. أو الم__واد ال__تي

خلطت به. ولذلك ت__رى الحق__ائق واح__دة.. لكن بعض__هم يس__لم له__ا، ويفرح بها، وتؤثر في س__لوكه وأخالق__ه، وحيات__ه جميع__ا.. لكن

منهم من تكون فتنة له.

( 418( ، والنسائي في عمل اليوم والليلة )3334( ، والترمذي )4244)( ابن ماجه )2

172

Page 176: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ورة __زلت س__ لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال: }وإذا م__ا أن__وا ذين آمن __ا فأما ال __ه ه__ذه إيمان كم زادت فمنهم من يق__ول أي

رون ) ____ا وهم يستبش____ ذين في124ف____زادتهم إيمان ( وأما الهم وم__اتوا وهم ا إلى رجس__ __وبهم م__رض ف__زادتهم رجس__ قل

[125، 124كافرون { ]التوبة: وقد ضرب الله مثاال على ذلك بالم__اء ال__ذي يت__نزل على األرض، لكن الوعاء المستقبل له هو الذي يح__دد ن__وع النب__ات الذي ينبت به.. فالماء واح__د، والثم__ار مختلف__ة.. ق__ال تع__الى:ات من أعناب وزرع ونخيل }وفي األرض قطع متجاورات وجنها على ل بعض__ صنوان وغير صنوان يسقى بم__اء واح__د ونفض__

[4بعض في األكل إن في ذلك آليات لقوم يعقلون{ ]الرعد: لذلك كان الورع يا بني هو المنجل الذي تطه__ر ب__ه أرض نفسك من ك_ل الحش_ائش الض__ارة ال_تي تعتم عليه_ا الرؤي_ة،

وتحول بينها وبين الترقي، أو تصرفها عن السير إلى الله. والورع يا بني هو التقوى ال__تي تجع__ل بين__ك وبين غض__ب الل___ه آالف الح___واجز.. وهي ال___تي تقي قلب___ك من أن يمتلئ

بالكدورات التي تغمسه في مستنقعات األهواء والرذيلة. ولذلك كان عالم__ة الكم__ال، ال عالم__ة النقص.. فالن__اقص هو المستسلم لنفسه وأهوائه وش__يطانه، والكام__ل ه__و ال__ذي

يواجه كل ذلك، ويقاومه. ولست أقصد يا بني بالورع الوسوس__ة.. فهي م__رض من األمراض، أو هي ورع بارد ال قيمة له.. ألنها تنطل__ق من نفسمريضة تختصر الدين في بعض شرائعه ومظاهره وطقوسه.. وإنما الورع ذل__ك الس__لوك المرتب__ط ب__العلم، فنحن نعب__د الله بما شرع، ال بأهوائنا.. ولذلك إن رفع الل__ه تع__الى الح__رج عنا في الطهارة، فرحن__ا نب__الغ فيه__ا كن__ا مناقض__ين لم__ا طلب

173

Page 177: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

منا..

174

Page 178: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الطهارة يعجبني فيك يا بني حرص__ك على طهارت__ك.. ف__أنت من__ذ صغرك تلتزم بكل ما تس__تدعيه النظاف__ة من س__لوكات وآداب

، فق__د ك__ان حريض__ا علىرفيعة.. وتل__ك س__نة رس__ول الل__ه نظافة بدنه وثيابه وفراشه وكل ما يرتب__ط ب__ه، ول__ه في ذل__ك األحاديث الكثيرة، والس__نن العظيم__ة، فق__د ق__ال في ال__دعوة

(1 )لطهارة الفم: )السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب(

وق__ال في ال__دعوة للمحافظ__ة على الوض__وء، وفي ك__ل ، وق__ال: )إذا(2 )األوقات: )ال يحافظ على الوضوء إال مؤمن(

(3 )أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصالة(

بل إنه اعتبر الوضوء ش__طرا وج_زءا من أج__زاء اإليم_ان،(4 )فقال: )الوضوء شطر اإليمان(

بذلك، بل دعا إلى تطهير البيئةولم يكتف رسول الله والمحيط ال__ذي يعيش في__ه اإلنس__ان، فق__ال: )إن الل__ه تع__الى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الك__رم،

،(5 )جواد يحب الجود؛ فنظفوا أفنيتكم، وال تشبهوا ب__اليهود(

( 110( و )109( ، وأبو يعلى )110( و )108)( رواه أحمد، والمروزي )1

( 155(، والبغوي )61/ 37)( رواه أحمد )2

( 2710 ، ومسلم رقم )97 / 11)( رواه البخاري 3

( 3512( ، والترمذي رقم )223)( رواه مسلم رقم )4

( 2799)( الترمذي )5

175

Page 179: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وقال: )طيبوا ساحاتكم، فإن أنتن الساحات س__احات اليه__ود((6)

وهك__ذا ت__رى الق__رآن الك__ريم يث__ني على الطه__ارة ال__تي__دا يتسم بها المؤمنون، فيق__ول في وص__فهم: } ال تقم في__ه أبقوى من أول يوم أح__ق أن تق__وم في__ه لمسجد أسس على الته يحب المطهرين { ون أن يتطهروا والل في______ه رج______ال يحب

[108]التوبة: ويكفيك من هذه اآلي__ة الكريم__ة حب الل__ه للمتطه__رين.. وحب الله أعظم الهدايا، وال جائزة يجازى عليها اإلنسان مث__ل

حب الله له.. وهي مقدمة لكل فضل، وباب لكل خير.. ، وفي أول أي__ام البعث__ةبل إن الله تعالى أمر رس__وله

بالحرص على طهارة ثياب__ه، وق__رن ذل__ك ب__أوامر عظيم__ة منر ) ها المدث __ذر )1الدين، فقال: }يا أي ر )2( قم فأن ك فكب ( ورب

ج__ز ف__اهجر )4( وثيابك فطهر )3 تكثر )5( والر ( وال تمنن تس__ك فاصبر )6 [7 - 1({ ]المدثر: 7( ولرب

اقرأ هذه اآليات، وتمعن فيها.. وستجد فيه_ا أن الطه_ارة التي أمر بها الله تعالى ليست طه_ارة الثي__اب فق__ط، ب__ل هي طهارة ترتبط بكل حق__ائق اإلنس__ان ولطائف__ه.. فليس ط__اهرا من اكتفى بتطهير ثيابه، وترك عقله مملوءا بالجه__ل وال__دجل

والخرافة. وليس ط__اهرا من طه__ر ثياب__ه، وت__رك نفس__ه ممل__وءة

بالحسد والحقد والكبرياء والغرور، وكل العقد النفسية. وليس طاهرا من طهر ثيابه، وترك قلبه أسيرا في أيدي أهوائ__ه وش__هواته تقلب__ه كي__ف يش__اء، وتجعل__ه طريح__ا في

( 389/ 15)( رواه الطبراني في األوسط، كنز العمال )6

176

Page 180: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

مستنقعاتها األسنة. وليس ط__اهرا من طه__ر ثياب__ه، ثم ت__رك ج__وارح روح__ه ممتلئة بالق__اذورات والنجاس__ات، ال__تي تجعل__ه منبع__ا لل__روائح

الكريهة المنتنة. فليس طاهرا من ترك لسانه يعبث في أع__راض الن__اس، وينشر اإلش__اعات بينهم.. وال من ت__رك لرجل__ه حري__ة الحرك__ة لتسير في كل ما يحلو للهوى دعوته إليه.. وال من ت__رك لي__ده

حرية البطش لتنفذ مآرب غضبه. وهك__ذا.. ف_إن الطه_ارة الحقيقي_ة ___ ي__ا ب_ني __ هي ال_تي تشمل ك__ل ش__يء.. ال تل__ك ال__تي تقتص__ر على تطه__ير الطالء والقناع والزجاج الخارجي.. وتترك الحقيقة والب__اطن ممل__وءا

بكل أنواع القذارة. ول__ذلك رب__ط الل__ه تع__الى بين ال__دعوة لتطه__ير الثي__اب، والتطهير من الرج__ز.. ودع__ا إلى هج__ره واجتناب__ه.. ودع__ا إلى تكب__ير الل__ه ح__تى ت__زاح تل__ك الخراف__ات ال__تي تمأل العق__ل بالك__دورة.. ودع__ا إلى الص__بر ح__تى تتخلص النفس من آث__ار العجل___ة .. ودع___ا إلى ع___دم المن ح___تى ال يس___اء للعالق___ات

االجتماعية، وتمتلئ بما يكدرها. ه__ذه هي النظ__رة القرآني__ة واإليماني__ة للطه__ارة.. فهي تنطل__ق من الجس__د وال__بيوت، واألحي__اء والش__وارع، لكنه__ا ال تكتفي بها.. بل تنتقل إلى باطن اإلنس__ان وحقيقت__ه.. فتمأله__ا

بالطهارة والنظافة والجمال. ولذلك فإن المعجبين بأولئ__ك ال__ذين ينظف__ون ثي__ابهم، أو يملؤون شوارعهم بأصناف الزينة، ويغفلون عن تلك الحان__ات والمراقص ونوادي الرذيل__ة ال__تي تمأل تل__ك األحي__اء، ينظ__رون بعين ال__دجال الواح__دة.. فالطه__ارة مث__ل األخالق جميع__ا ال

177

Page 181: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تنقسم، فمن طه_ر بعض_ه، وأع_رض عن تطه_ير الب__اقي ك_اننجسا وقذرا.

تص___ور ل___و أن___ك دخلت بيت أح___دهم، فوج___دت غرف___ة االستقبال طاهرة نظيفة.. لكن__ك عن__دما م__ررت على غيره__ا، شممت كل أنواع ال__روائح المنتن__ة، ه__ل يمكن__ك بع_د ذل_ك أن

تصف صاحب البيت بالطهارة والنظافة؟ هك___ذا األم___ر ببيوتن___ا ال___تي نس___كنها.. وهي حقائقن___ا ولطائفن__ا.. فمن نظ__ف جس_ده وثياب__ه، ثم ت__رك قلب__ه وعقل__ه ونفسه أسيرة لتلك القاذورات الحاجبة عن الله .. ك__ان حري__ا

بأن يوصف بالنجاسة، حتى لو امتأل ظاهره بالنظافة. لقد ذكر القرآن الكريم ذلك، وصرح به، وأخبر أن كل ماه__ا يحول بين العقل ومعرفة الله نجاسة ورجس، فقال: }يا أي

ركون نجس { ]التوب__ة: م__ا المش__ __وا إن ذين آمن [، وق__ال:28ال__رد أن الم ومن ي دره لإلس__ ه أن يهديه يشرح ص__ }فمن يرد الل__ذلك ماء ك ما يصعد في الس قا حرجا كأن ه يجعل صدره ضي يضل

__ون{ ]األنع__ام: ذين ال يؤمن جس على ال ه ال__ر [،125يجع__ل اللا إلى __وبهم م__رض ف__زادتهم رجس__ ذين في قل وق__ال: } وأما ال

[125رجسهم وماتوا وهم كافرون { ]التوبة: واعتبر أن كل المعاصي التي أمر الله باجتنابها، لم ي__أمره__ا بذلك إال بسبب كونها نجاسة ورجس وقذارة، فقال: } يا أيما الخمر والميسر واألنصاب واألزالم رجس من ذين آمنوا إن ال

كم تفلحون{ ]المائدة: يطان فاجتنبوه لعل [90عمل الش لذلك ال تكتفي يا بني ب__النظر إلى الظ__واهر، فتعمى عن رؤي__ة الحقيق__ة الكامل__ة.. ب__ل انظ__ر إلى األش__ياء من جمي__ع جهاتها.. وق__ل ألولئ__ك المتن__ورين ال__ذين مألوا قل__وبهم انبه__ارا بالشرق والغرب: ال تنظروا إلى تل__ك الش__وارع النظيف__ة.. وال

178

Page 182: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

إلى تلك األجساد الطاهرة.. بل انظروا معها إلى تلك العق__ول الممتلئة بالش__بهات، والمعرض__ة عن الحقيق__ة.. وانظ__روا إلى تل__ك النف__وس ال__تي ك__انت س__ببا في ي__وم من األي__ام في االس_تعمار والتس__لط واألحق__اد.. وانظ_روا إلى تل__ك الش_وارع الممل___وءة بالص___ور الحاض___ة على الف___واحش والمنك___رات..

وانظروا إلى كل ما يمأل تلك الشوارع مما يغضب الله. واعلم ي__ا ب__ني أن أك__ثر تل__ك الش__وارع ال__تي ي__دعو من يزعم__ون ألنفس__هم التن__وير إلى االقت__داء به__ا، ال تختل__ف عن ش__وارع ق__وم ل__وط، أولئ__ك ال__ذين وص__فهم الل__ه ب__الرجس والنجاس__ة، ألن عق__ولهم وقل__وبهم ونفوس__هم، ك__انت ك__ذلك، ولذلك أنفوا من أن يتبعوا لوطا عليه الس__الم، ودافعهم ل__ذلك__اس هم أن هو ما عبروا عنه بقولهم: }أخرجوهم من قريتكم إن

[82يتطهرون{ ]األعراف:

179

Page 183: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

العزة إياك يا ب_ني أن تنخ__دع بتل__ك ال_دعاوى ال_تي ينش_رونها.. فالعزة لله وحده.. وال ع__زة وال كرام__ة وال ش__رف وال نب__ل إال

لمن عرف الله، وسلك الطريق إليه.. لقد ذكر الله تعالى ذلك بصيغة مؤكدة محكم__ة ال مج__ال لتأويلها أو التالعب بألفاظها، فق_د ق__ال في كلمات__ه المقدس__ةه ة فلل __ان يري__د الع__ز التي ال يعتريها التب__ديل والتغي__ير: }من ك

ة جميعا{ ]فاطر: [10العز فالعزة مكرمة إلهية، وهي من تجليات اسم الله العزيز، وال يهبه___ا إال لمن ت___وفر في___ه اإليم___ان واليقين والطه___ارة والصدق.. ولذلك رد على المنافقين الذين قالوا: } لئن رجعنا

__ة ليخ__رجن األع__ز منه__ا األذل { ]المن__افقون: [8إلى المدين__افقين ال وله وللم__ؤمنين ولكن المن ة ولرس__ ه العز بقوله: }ولل

[8يعلمون { ]المنافقون: ف__العزة لل__ه وح__ده، وهي في خزائن__ه ال__تي ال يمل__ك مفاتيحها غيره، وهو قد كتبها لمن انتسب إليه بقدر انتس__ابه.. فيستحيل على من عارض الله، أو تحداه، أو جح__ده، أو غف__ل

عنه، أن ينال هذا الوسام الرفيع. ول__ذلك يكتش__ف ك__ل من طلب الع__زة من غ__ير طرق__ه ألبواب الله أن الذلة مصيره ونهايته المحتومة.. فمن عز بغير

الله ذل.. ومن استنصر بغير الله هزم. لق__د أش__ار إلى ذل__ك الق__رآن الك__ريم عن__د حديث__ه عن الس__حرة، وكي__ف ك__انوا يس__تعزون بفرع__ون، ثم عرف__وا أن فرعون أذل من أن يستعز ب__ه أح__د.. فلج__أوا إلى الل__ه.. لق__دهم وق__الوا ي __الهم وعص__ قال تعالى ي__ذكر قص__تهم: }ف__ألقوا حب

180

Page 184: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ا لنحن الغالبون { ]الشعراء: ة فرعون إن [44بعز لكن موسى عليه السالم الذي استند إلى عزة الله ألقى

_أفكون { ]الش_عراء: [، حينه_ا45}عصاه فإذا هي تلقف م__ا ي عرف السحرة أن سند موسى عليه السالم أكبر من سندهم،ا برب العالمين ) فراحوا يجثون ساجدين، وهم يرددون: } آمن

[48، 47( رب موسى وهارون{ ]الشعراء: 47 حاول فرعون حينها أن يس__تعمل بطش__ه ال__ذي تع__ود أن يذل به رعيته، لكنه ف__وجئ بتل__ك األن__وف الش__امخة، والجب__اه المرتفعة، والنفوس األبية.. لقد قالوا جميع_ا، وبص_وت واح_د،

نا منقلبون ) ا إلى رب ا نطمع أن50وبعزة نادرة: }ال ضير إن ( إنا أول الم__ؤمنين { ]الش__عراء: نا خطايانا أن كن ،50يغفر لنا رب

51] وفي مقابل هذا، ينبئنا الله تعالى عن الذلة ال__تي تنتظ__ر كل من استند إلى ع__ز غ__ير ع__زه، فق__د ق__ال عن المن__افقين:

__أن لهم ع__ذابا أليم__ا{ ]النس__اء: __افقين ب ر المن [، ثم138}بش__اء من دون __افرين أولي خ__ذون الك ذين يت وص__فهم بقول__ه: }اله جميع__ا { ة لل ة ف__إن الع__ز __دهم الع__ز الم__ؤمنين أيبتغ__ون عن

[139]النساء: إن هذه اآلية الكريمة تصف بدقة من ذكرتهم لي يا ب__ني من أولئ__ك ال__ذين راح__وا يح__ذفون اإليم__ان عن__د تق__ييمهم اإلنسان.. فصار الملحد عندهم أفض__ل من الم__ؤمن.. والغ__ني

أفضل من الفقير.. والمترف أفضل من الزاهد.. وص__ار تق__ييمهم للش__عوب وال__دول على أس__اس ثرواته__اوأموالها وأسلحتها وتطورها.. ال على أساس أخالقها وقيمها.

وصار حلم أحدهم أن يظفر بالتأشيرة ال__تي تنقل__ه لتل__ك البالد ال___تي يراه___ا عزي___زة، ليص___ور نفس___ه في س___احاتها

1 18

Page 185: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وشوارعها، ثم يرسل صوره ألهل بلده الذين يحتقرهم، وكأنهفي الجنة، وهم في الجحيم.

لق__د أخ__بر الل__ه تع__الى أن ه__ذا الص__نف من المنه__زمين نفس_يا، وأنهم وإن ع_زوا في ظ__اهرهم إال أن ب_اطنهم ممل_وء بالذلة والخض__وع واله__وان.. وله_ذا يتوهم__ون أن الغلب__ة دائم__ا

ألهل الباطل.. وأن سوق أهل الحق لن تقوم أبدا. وفي مقابل ذلك أثنى الله تعالى على الذين نالوا حظهم من الع__زة اإللهي__ة، فق__ال عنهم، وهم في أش__د أن__واع البالء:وهم اس ق_د جمع_وا لكم فاخش_ اس إن الن ذين قال لهم الن }اله ونعم الوكي__ل{ ]آل عم__ران: بنا الل فزادهم إيمانا وقالوا حس_

173] وق__د بين الل__ه تع__الى الج__زاء ال__ذي أع__ده لهم بس__ببل لم ه وفض__ ركونهم إلى الله، فقال: }ف__انقلبوا بنعم__ة من اللل عظيم{ ه ذو فض__ ه والل وان الل بع__وا رض__ وء وات يمسسهم س__

[174]آل عمران: ثم بين أن تلك الذلة التي تعتري أولئك ال__ذين يخض__عون أمام األقوياء، وينحن__ون أم__ام المس__تكبرين ليس__ت إال أوهام__ا__اءه فال يطان يخ__وف أولي م__ا ذلكم الش__ ش__يطانية، فق__ال: }إن

[175تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين { ]آل عمران: ولذلك، فإن العزة _ يا بني _ ال تك__ون إال لمن اقتن__ع ب__أن الله أكبر من كل شيء.. وردد ذلك بقلبه ولسانه.. ليمحو ك__ل أدعياء الكبر والتعالي.. ويتحول__وا أمام__ه إلى مج__رد أص__فار ال

قيمة لها.. وهل يمكن لشيء أن يقوم أمام الله؟ لقد كان اإلمام الحسين ينظر بهذه النظ__رة عن__دما وج__د نفسه وحيدا إال مع فئة قليلة من المؤمنين.. وق__د دعي حينه__ا إلى التسليم للطواغيت، لينال حظه من الدنيا، لكنه آثر البقاء

182

Page 186: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

على العهد.. واختار الله.. فأكسبه الله عز األبد.. لقد قال يعبر عن نفس__ه واالختي__ارات ال__تي وض__عت بين يدي__ه: )أال وإن ال__دعي ابن ال__دعي ق__د رك__ز بين اثن__تين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذل__ك ورس__وله،__ة من أن ن__ؤثر طاع__ة اللئ__ام على __ة وأن__وف حمي ونف__وس أبي

(1 )مصارع الكرام(

وقال مخاطبا أولئ__ك الجبن__اء ال__ذين قع__دوا عن مواجه__ة الباطل، واستسلموا للدنيا وأهوائها: )إنه قد نزل من األمر ما ق__د ت__رون، وإن ال__دنيا ق__د تغ__يرت وتنك__رت وأدب__ر معروفه__ا، واس__تمرت ج__دا ولم يب__ق منه__ا إال ص__بابة كص__بابة اإلن__اء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، أال ترون إلى الحق ال يعمل به، وإلى الباطل ال يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لق__اء رب__ه حق__ا حق__ا، ف__اني ال أرى الم__وت إال س__عادة، والحي__اة م__ع الظالمين إال برما، وإن الناس عبيد ال__دنيا، وال__دين لع__ق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبالء ق__ل

(2 )الديانون(

ه__ذا ه__و س__يد ش__باب أه__ل الجن__ة.. وه__ذا ه__و أس__وة الصالحين الذين ال ت__رهبهم الجحاف__ل وال الجي__وش وال الق__وى العظمى، وال الق__وى الص__غرى.. وال يخ__افون لوم__ة الئم عن__د

قولهم للحق، وصدعهم به. وهذه العزة الحقيقية ي__ا ب__ني.. وك__ل من اس__تعز بغيره__ا ذل.. فل__ذلك ال تنح__ني أم__ام المتك__برين.. وال ت__ذل نفس__ك للمترفين.. فإن ربك هو األك__بر.. ولن يزي__دك تملق__ك وت__ذللك

. 83:45)( بحار األنوار 1

. 307: 3)( تاريخ الطبري 2

183

Page 187: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

لهم إال مهان__ة.. ولن ي__ذيقوك بإهانت__ك لنفس__ك بين أي__ديهم إالألوان الخسف والذلة.

أم__ا أولئ__ك ال__ذين ي__ذكرون أنهم يتواض__عون ب__ذلك، فهم : )منواهم__ون، وق__د ورد في الح__ديث عن رس__ول الل__ه

(1 )تواضع لغني ألجل غناه ذهب ثلثا دينه(

وروي أن بعضهم سئل عن التواضع، فق__ال: )ه__و التك__برعلى المتكبرين(

وروي أن س___ليمان بن عب___د المل___ك أتى طاووس___ا فلم يكلمه فقيل له في ذلك، فق__ال: )أردت أن يعلم أن في عب__اد

الله من يستصغر ما يستعظم ذلك من نفسه(وقال الشاعر معبرا عن هذا المعنى:

إذا تاه الصديقعليك كبرا

فته كبرا على ذاكالصديق فإيجاب الحقوق

لغير راع حقوقك رأس تضييع

فاح__ذر ي__ا ب__ني أن ت__ذل نفس__ك، أو تت__وهم أن من ك__ثرالحقوق ماله، أو جاهه، أو سلطانه، أفضل منك.. فالفض__ل في عب__ادة الله وتقواه ومعرفت__ه.. وليس في تل__ك الش__ؤون ال__تي ت__زول

بزوال الحياة الدنيا، بل قد تزول قبلها. وإن ش__ئت أن ت__ذل نفس__ك ألح__د، فاجعله__ا ذليل__ة أم__ام أولئك الطيبين الصادقين المتواض__عين ال__ذين ال تزي__دك ذلت__ك لهم إال ع__زة وكرام__ة وش__رفا.. لق__د ذك__ر الل__ه تع__الى ذل__ك،__وا ذين آمن ه__ا ال ودعاك إليه، فقال في وصف المؤمنين: }يا أيهم ه بق___وم يحب ___أتي الل وف ي ___ه فس___ ___د منكم عن دين من يرت__افرين يجاه__دون ة على الك ة على الم__ؤمنين أع__ز ونه أذل ويحب

( 639)( رواه البيهقي في الشعب المقاصد الحسنة )ص: 1

184

Page 188: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ه يؤتيه من ه وال يخافون لومة الئم ذلك فضل الل في سبيل الله واسع عليم{ ]المائدة: [ 54يشاء والل

ف__أنت حين ت__ذل لهم ت__ذل لرب__ك.. ألن__ك لم ت__ذل لهم ل__ذواتهم، وإنم__ا إليم__انهم وتق__واهم وص__الحهم، فل__ذلك ك__ان تواضعك لهم، تواضعا وذل__ة لل__ه.. ومن ذل لل__ه مأله ب__العزة..

ومن تواضع لله مأله بالكرامة.

185

Page 189: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الذلة أعلم _ يا بني _ أنك كنت تنوي أن تسألني عن سر اعتبار الذلة وصفا من أوصاف المؤمنين، مع كونها _ حسب ما يب__دو

_ وصفا قبيحا ال يليق بالمؤمن، وال غير المؤمن. وسأجيبك على ذلك، ال وفق ما يريده عقلك وعقول ك__ل

الناس فقط، بل وفق ما تريده الحقيقة نفسها. فالذلة يا بني ليست وص__فا قبيح__ا مطلق__ا، وإنم__ا قبحه__ا يرتب__ط بالجه__ة ال__تي وجهت له__ا.. ف__إن وض__عت في محله__ا الصحيح، واستقبلت به__ا الجه__ة ال__تي هي أهله__ا ك__انت وص__فا صحيحا س__ليما، ب__ل وص__فا كريم__ا طيب__ا، يم__يز الص__الحين عن

غيرهم. ذلك أنها تدل في أصل وضعها على الخضوع واالس__تكانة واللين، والذي قد يكون بسيطا قاصرا، فيسمى تواضعا، وق__د يزي__د إلى درج__ات عالي__ة، فيس__مى ذل__ة، أو ق__د ي__راه الن__اس

كذلك. وهي به__ذا الوص__ف ال تم__دح، وال ت__ذم، ولكن ينظ__ر إلى الجهة التي ص__رفت إليه__ا تل__ك االس__تكانة واللين، ف__إن ك__انت جديرة بذلك كان الوصف مدحا، وإن وجهت لغ__ير أهله__ا ك__ان

الوصف ذما. وح__تى أق__رب ل__ك ه__ذا أع__ود إلى اللغ__ة نفس__ها، وال__تي اس__تعملت ه__ذه الكلم__ة للدالل__ة على الحس والمع__نى.. فهمديدة، لبة الش__ ي__ذكرون أن األرض العزي__زة هي األرض الص__

.(1)واألرض الذليلة هي األرض اللينة السهلة

( 345/ 2)( مقاييس اللغة )1

186

Page 190: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وأنت ترى أن الوص__ف المرتب__ط بكال األرض__ين ال يحم__ل م__دحا وال ذم__ا.. ذل__ك أن األرض الص__لبة نحت__اج إليه__ا لبن__اء المس__اكن القوي__ة، أو الط__رق الص__الحة، أو غيره__ا.. واألرض الذليلة نحتاج إليها في الزراعة.. فل_وال ذله_ا م_ا قبلت ال_زرع،

وال أنبتته. ولهذا ذكر الله تعالى أن من نعمه على خلق__ه ت__ذليل م__ا يحتاجون__ه من مراف__ق لييس__ر لهم التعام__ل معه__ا، فق__د ق__ال__روا تعالى عن األنعام، وتذليلها في مصلحة اإلنس__ان: }أولم ي

ا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعام__ا فهم له__ا م__الكون ) (71أن__أكلون ) __وبهم ومنه__ا ي لناه__ا لهم فمنه__ا رك ( ولهم فيه__ا72وذل

[73 - 71منافع ومشارب أفال يشكرون{ ]يس: فهذه اآليات الكريمة تشير إلى أن الله تعالى كان ق__ادرا على أن يجع__ل ك__ل الحيوان__ات ص__احبة ع__زة وأنف__ة كاألس__ود والنمور وغيرها من الحيوان__ات المتوحش__ة، لكن__ه رحم عب__اده بتلك الحيوانات األليف__ة الذليل__ة لهم، ليتمكن__وا من االس__تفادة

منها. وهكذا وصف الل__ه تع__الى فاكه__ة الجن__ة ونعيمه__ا بتذليل__ه

لت قطوفها تذليال{ ]اإلنسان: [، وه__ذا14ألهلها ، فقال: }وذل يع__ني أن ت__وفر النعم__ة وح__دها ال يكفي، م__ا لم تكن مذلل__ة

ميسرة يمكن الحصول عليها. ولهذا فإن الله تعالى عن__دما أم__ر األبن__اء بمقابل__ة رحم__ة الوالدين وتضحيتهما بالذل، كان يقصد هذا المعنى، فق__د ق__الحم__ة وق__ل رب __اح ال__ذل من الر تع__الى: } واخفض لهم__ا جن

ياني صغيرا { ]اإلسراء: [24ارحمهما كما رب ذل__ك أن الوال__دين ال يمكن أن يربي__ا أو يوجه__ا أو يعطي__ا ثم___رة تجاربهم___ا لألوالد إال بع___د أن يك___ون فيهم من اليس___ر

187

Page 191: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

والس__هولة والتواض__ع واالس__تكانة م__ا يتمكن__ون ب__ه من ذل__ك.. ولذلك كان الذل لهما في محله الص__حيح.. فهم ال يس__تثمرون تلك الذلة إال في مصلحة األوالد، بحكم الفطرة ال__تي فط__روا

عليها. وهكذا كانت الذلة للمعلم واألستاذ والمربي، في محله__ا الصحيح، ألنها تعطيه الفرصة ألن يلقي ثمرة علومه لتلمي__ذه، وقد أشار إلى ذلك ابن عباس، فق__ال: )ذللت طالب__ا، فع_ززت

(1 )مطلوبا (

وأشار إلى ذلك الشاعر بقوله:

العلم حرب للفتى المتعالي كالسيلحرب للمكان العالي

بل أشار إلى ذلك القرآن الكريم عندما أخ__بر أن حق__ائق العلم ال تصل إال لمن توفرت فيهم ه__ذه الص__فة، فق__ال: }إنمع وه__و __ه قلب أو ألقى الس__ __ان ل __ذكرى لمن ك __ك ل في ذل

[37شهيد { ]ق: ولذلك، فإن أولئك المعترضين المجادلين الذين يق__ابلون

بالتكبر، لن ينالوا ش__يئا منه__ا، فالحق__ائق عزي__زة، والالحقائق يستقبلها إال من كان فيهم من اللين والسهولة ما ييسر تلقيها

وقبولها. لقد أشار الله تعالى إلى ذلك، وبين سببه، فق_ال: }ومنه على م__ا هد الل اس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويش__ الن

عى في األرض204في قلبه وهو ألد الخصام ) ى س__ ( وإذا تولاد ) ه ال يحب الفس__ ل والل س__ __ك الح__رث والن ليفسد فيه__ا ويهل

م205 به جهن __اإلثم فحس__ ة ب ه أخذته العز ق الل ( وإذا قيل له ات( 9/ 1)( إحياء علوم الدين )1

188

Page 192: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

[206 - 204ولبئس المهاد{ ]البقرة: فالله تعالى ذكر في هذه اآليات الس__بب في فس__اد ه__ذا المس___تكبر.. وه___و تك___بره على الح___ق، واس___تعالؤه على الناصحين، بل استعالؤه على الله.. ول__ذلك ك__انت عاقبت__ه هي

الهوان العظيم والذلة الكبرى. وفي مقابل ه__ذا العت__ل الج__واظ المس__تكبر وص__ف الل__ه المؤم__نين بالذل__ة بعض__هم لبعض، ذل__ك أنهم ال يحمل__ون في قل__وبهم أي ك__بر أو اس__تعالء، ب__ل يلين__ون للح__ق وأهل__ه، ق__الوف __ه فس__ __د منكم عن دين ذين آمنوا من يرت ها ال تعالى: }يا أية على ة على المؤمنين أع__ز ونه أذل هم ويحب ه بقوم يحب يأتي الل__ك ه وال يخافون لومة الئم ذل الكافرين يجاهدون في سبيل الل

ه واسع عليم{ ]المائدة: ه يؤتيه من يشاء والل [54فضل الل ولذلك ك__انت الذل__ة لل__ه أعظم ص__فات المؤم__نين، وهي أشرف مراتبهم وأكرمها.. فالل__ه تع__الى ه__و ال__رحيم اللطي__ف بعباده.. ولذلك كانت الذل__ة ل__ه الس__بيل الوحي__د الجتن__اء ثم__ار

أسمائه الحسنى. فالذي يظهر بمظهر الفقر لل__ه، س__تمطر علي__ه ص__دقاتاس أنتم ه__ا الن __ا أي الله التي ال حدود لها.. كما قال تع__الى: } ي

ه هو الغني الحميد{ ]فاطر: ه والل [15الفقراء إلى الل والذي ال يفعل ذلك، ويظهر بمظهر المستغني عن الل__ه، فإن الله تع__الى لن يمن علي__ه من فض__له، وكي__ف يمن علي__ه، وهو من حرم نفسه من التعرض لصدقات الل__ه، ق__ال تع__الى:

ما الصدقات للفقراء والمساكين{ ]التوبة: [60}إن ولهذا أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه كل حين، وأخ__بر أن__ه ي__نزل علين__ا من البالء م__ا يجعلن__ا نحت__اج إلى ذل__ك التض__رعلنا إلى أمم من والت__ذلل بين يدي__ه، ق__ال تع__الى: }ولق__د أرس__

189

Page 193: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

عون ) هم يتضر اء لعل ( فلوال42قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرن لهم __وبهم وزي ت قل عوا ولكن قس__ ر نا تض__ إذ ج__اءهم بأس__

يطان ما كانوا يعملون{ ]األنعام: [43، 42الش فهات__ان اآليت__ان الكريمت__ان تبين__ان ع__واقب المس__تكبرين على الل__ه، أولئ__ك ال__ذي اس__تقبلوا أم__واج البالء ب__التعنت، ال بالتضرع، ولذلك ك__ان ج__زاؤهم مض__اعفة البالء، والوق__وع في

الذلة للخلق الذين يسومونهم الخسف. وقد ضرب الل__ه تع__الى المث__ال على ذل__ك ب__اليهود ال__ذي أنفوا من أن يذلوا لله، فوقعوا في الذلة لخلقه، ق__ال تع__الى:__ل ه وحب __ل من الل ة أين م__ا ثقف__وا إال بحب ربت عليهم الذل }ض__كنة ربت عليهم المس__ ه وض__ ب من الل __اءوا بغض__ اس وب من الن__ر ح__ق ه ويقتلون األنبياء بغي هم كانوا يكفرون بآيات الل ذلك بأن

[112ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون{ ]آل عمران: فهؤالء الذين استكبروا على الله وعلى أنبيائه، بل راحوا يقتلونهم، عوقبوا من جنس عملهم، حيث ضربت عليهم الذلة

والهوان، والتعرض لكل أصناف القتل والتشريد. وضرب مثاال آخر لهم عن ذلك العز الذي وفره الل__ه في ف__ترة تيههم، لكنهم راح__وا يتك__برون عن__ه، فعوقب__وا ب__الهوان والذلة، قال تعالى: }وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طع__ام__ا مما تنبت األرض من بقله__ا ك يخ__رج لن __ا رب واح__د ف__ادع لنذي هو أدنى ائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون ال وقثربت ألتم وض__ را ف__إن لكم م__ا س__ __ر اهبط__وا مص__ ذي هو خي بالهم كانوا ه ذلك بأن ة والمسكنة وباءوا بغضب من الل عليهم الذلوا ين بغير الحق ذلك بما عص__ بي ه ويقتلون الن يكفرون بآيات الل

[61وكانوا يعتدون { ]البقرة: وهكذا ذكر عاقبة تكبرهم على عبادة الله، وس__وء ظنهم

190

Page 194: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ب__ه، وال__ذي جعلهم ي__ذلون لعب__ادة العج__ل، ق__ال تع__الى: } إنة في الحياة هم وذل خذوا العجل سينالهم غضب من رب ذين ات ال

[152الدنيا وكذلك نجزي المفترين{ ]األعراف: وهكذا، فإن عقوبة ك__ل من يع__رض عن الت__ذلل لل__ه، أن يذل لغيره.. وأن يسقيه ذلك الغ__ير ك__ل أص__ناف اله__وان، في مقابل تلك العزة التي يكرم الله بها من ذل ل__ه.. فال__ذل لل__ه

عز.. والتكبر على الله ذل. لقد ذكر الله تع__الى ذل__ك، وبين المن__ازل العظيم__ة ال__تي ينالها أولئك الذين النوا لله، وسلموا له، واس__تكانوا بين يدي__ه،ذين أحسنوا الحسنى وقضوا حياتهم أذلة على بابه، فقال: }للة حاب الجن ة أولئك أص__ __ر وال ذل وزيادة وال يره__ق وج__وههم قت

[26هم فيها خالدون { ]يونس: وفي مق__ابلهم ذك__ر أولئ__ك ال__ذين أب__وا الس__جود لل__ه، واعت__بروه ذل__ة ال تلي__ق بمق__امهم، وال بع__زتهم، وال بك__رامتهم، فعاشوا حياتهم ممتلئين بالذلة، ثم انته__وا إلى المص__ير ال__ذينذين يصير إليه كل المس__تكبرين على الل__ه، ق__ال تع__الى: }والة م_ا لهم من _رهقهم ذل ئة بمثله_ا وت ي ئات جزاء س__ ي كسبوا السيل مظلما ما أغشيت وجوههم قطعا من الل ه من عاصم كأن الل

ار هم فيها خالدون{ ]يونس: [27أولئك أصحاب الن ووصف خروجهم إلى المعاد، وإلى الدار األبدي__ة، فق__ال:هم إلى نصب يوفضون }يوم يخرجون من األجداث سراعا كأن

__انوا43) ذي ك __وم ال __ك الي ة ذل __رهقهم ذل ارهم ت عة أبص__ ( خاش__[44، 43يوعدون{ ]المعارج:

ووصف عدم قدرتهم على السجود لله في تلك المواقف__وم بعد أن استكبروا على الس__جود ل__ه في ال__دنيا، فق__ال: } ي

تطيعون ) جود فال يس__ (42يكشف عن ساق ويدعون إلى الس__

1 19

Page 195: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

جود __دعون إلى الس__ ة وقد كانوا ي خاشعة أبصارهم ترهقهم ذل[43- 42وهم سالمون{ ]القلم:

ولهذا كله تحتاج ي__ا ب__ني للتفري__ق بين الذل__ة المحم__ودة، وهي الذل__ة للح__ق وأهل__ه.. والذل__ة المذموم__ة، وهي الذل__ة للباط__ل وأهل__ه.. فمن ذل للح__ق ع_ز، وارتقى إلى ك_ل من__ابر الكمال والجمال والعلو.. ومن ذل للباطل أذاقه الباطل الذيذل له كل ألوان الهوان في الدنيا واآلخر وفي حياته جميعا.

192

Page 196: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الشقاوة هل رأيت _ ي__ا ب__ني ___ ذل__ك الط__بيب ال__ذي يمس__ك بي__ده السيجارة، وهو يحذر الناس من التدخين، أو ذلك ال__ذي يكتب الدراسات العلمية عن أضرار الكحول، في نفس الوقت الذي

ال يستطيع أن يكف نفسه عن تناوله؟ هكذا األمر بالنسبة للشقاء.. فهو مك__روه عن__د الجمي__ع.. وال أحد إال ويتصور أنه ينفر منه، ويستعمل كل الوسائل ح__تى ال يصبح في زمرة األشقياء.. لكن النفرة النفس__ية، أو التعب__ير

عنها شيء، والواقع شيء آخر.. ف_أكثر من ينف_رون من الش_قاوة، أو يزعم__ون ألنفس_هم أنهم ال يريدونها، تجدهم يضحون بكل ش__يء في س__بيلها، ب__ل

يبذلون كل أموالهم وعرقهم ودمائهم في سبيل تحصيلها. هم يفعلون مثل ذلك المدمن والمدخن تمام__ا.. ف__النفرة النفسية، والكالم الدال عليها، والفلسفة المرتبطة بها شيء..

والواقع شيء آخر. أتدري ما سبب ذلك يا بني.. إن__ه يع__ود ألم__رين.. كالهم__ا من الض___رورات ال___تي ال ينج___و من الش___قاوة إال من تعلم

علمهما. .. ف__العلم بحقيق__ة الش__قاوة، ومص__درها،أولهماأم__ا

ومجاالته__ا.. فال يف__ر من الش__قاوة، من ال يعرفه__ا.. ألنه__ا ق__د تتزين أحيانا بمالبس الس__عادة، ثم تخ__دع من ينبه__ر بص__ورتها،

لتسقيه سمومها. هي تفعل تمام__ا مثلم__ا فع_ل إبليس حين راح ي__زين آلدم علي__ه الس__الم األك__ل من الش__جرة، م__ع العلم أنه__ا الش__جرة

193

Page 197: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الوحيدة التي قد يشقى من أك__ل منه__ا.. أم__ا س__ائر األش__جار،فكانت كل ثمارها نافعة صالحة.

__ا آدم لقد قال له الشيطان، وهو يدعوه لألكل منه__ا: } ي__ك ال يبلى{ ]ط__ه: __د ومل جرة الخل ك على ش__ [،120ه__ل أدل

اصحين{ ]األعراف: ي لكما لمن الن [21}وقاسمهما إن لكنهم__ا بمج__رد أن أكال من الش__جرة ال__تي توهم__ا أنه__ا ش__جرة الس__عادة علم__ا بمق__دار الغ__رور ال__ذي حص__ل لهم__ا.. فالشجرة لم تكن شجرة سعادة.. ولو كانت كذلك م__ا نهاهم_ا الله عنها، وإنما كانت شجرة تعري كل من أكل منها، وتجعل__ه

غير جدير بتلك الجنان، وال بالنعيم الذي وفر فيها. لقد أكال منها على الرغم من التحذير الصريح ال__وارد من الحضرة المقدسة، فق__د ق__ال الل__ه تع__الى آلدم علي__ه الس__المكم__ا من __ك ولزوج__ك فال يخرجن ناصحا: } يا آدم إن هذا عدو ل

ة فتشقى ) (118( إن لك أال تج__وع فيه__ا وال تع__رى )117الجنك ال تظمأ فيها وال تضحى{ ]طه: [119 - 117وأن

لكن__ه في غم__رة الغفل__ة عن ه__ذه النص__يحة اإللهي__ة، والمعارف المرتبطة به_ا وق_ع في المعلوم_ات الخاطئ_ة ال_تي س__ربها ل__ه الش__يطان، وال__تي جعلت__ه يعطي الش__جرة من

األوصاف ما لم يكن لها. هذه القصة يا بني تتك__رر ك_ل حين.. وم__ع ك_ل الن__اس.. ومع كل التعاليم اإللهية.. فالله تع__الى ال__ذي اخت__بر آدم علي__ه الس__الم بتل__ك الش__جرة، اختبرن__ا بأش__جار كث__يرة نهان__ا عنه__ا، وح__ذرنا من االق__تراب منه__ا، وبين الع__واقب الخط__يرة ال__تي

تنتظر من يفعل ذلك. لذلك كان العلم بتلك األشجار، وتصحيح المفاهيم حولها، هو األساس ال__ذي ال يمكن أن ينج__و من الش__قاوة إال من ب__دأ

194

Page 198: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

به، واهتم له. فالكثير من األشجار المنهي عنه__ا اختلطت م__ع األش__جار المباحة، أو المرغب فيها؛ فأصبح المع__روف منك__را، والمنك__ر معروفا، بفعل التلبيسات اإلبليسية، واألوهام الشيطانية ال__تي

وسوس بها للبشر كما وسوس بها من قبل ألبيهم. لذلك كان الرجوع لكلمات الله المقدسة، والبحث فيه__ا، وفي القيم التي جاءت بها، هو األساس الذي يفرق بين الحق والباطل، والخ__ير والش__ر، واألش__جار المنهي عنه__ا، واألش__جار

المباحة أو المرغب فيها. والوصول إلى التحقيق في ذل__ك يس__تدعي تطه__ير أرض النفس، ح__تى ال تختل__ط عليه__ا إلهام__ات المالئك__ة بوس__اوس الشياطين.. فال يمكن أن يهتدي للحق من عبد نفس__ه وعقل__ه وه__واه، ولم يس__لم لرب__ه، ولم يكن خاض__عا ل__ه وللحق__ائق،

يستقبلها من غير جدال، وال صراع. واألم__ر في ذل__ك ___ ي__ا ب__ني ___ يس__ير .. وال يحت__اج إال إلى الص__دق.. فالل__ه تع__الى نص__ب في ك__ل عص__ر من يق__وم ل__ه بالحجة، ويدل على الحقيقة، ويمثلها.. فمن رغب عنهم ض__ل،

ومن اتبع غيرهم شقي باتباعه. ويوم القيامة ال ينفعه تبرؤه ممن دعاه للش_قاوة، كم_ا ال ينفع من وقع في اإلدمان اتهامه لمن س__قاه الك__أس األولى..بع__وا من ذين ات أ ال __ر لقد ذكر الل__ه تع__الى ذل__ك، فق__ال: }إذ تب

باب ) بع___وا ورأوا الع___ذاب وتقطعت بهم األس___ ذين ات (166الا ءوا من _ر أ منهم كم_ا تب _ر ة فنتب __ر بعوا لو أن لنا ك ذين ات وقال الرات عليهم وم_ا هم بخ__ارجين ه أعم__الهم حس_ كذلك يريهم الل

ار { ]البقرة: [167، 166من الن والوهم الذي يستعمله الشيطان وأتباعه لص__رف الن__اس

195

Page 199: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

عن الحق، إيهامهم لهم أن الشقاوة في الحق، والسعادة في الباطل.. وهذا كله وهم.. فالله تعالى ما أن__زل علين__ا ش__ريعته

__ا1لنشقى، وإنما أنزلها لنسعد.. قال تعالى: }طه ) ( م__ا أنزلن[2، 1عليك القرآن لتشقى{ ]طه:

بل أخبر القرآن الكريم أن الله كتب الس_عادة في ال_دنياالحا من واآلخرة لمن اتبع الحق، قال تع__الى: } من عم__ل ص__هم أجرهم بة ولنجزين ه حياة طي ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيين

[97بأحسن ما كانوا يعملون{ ]النحل: هذا هو السبب األول _ يا بني _ للنفور من الش__قاء، وه__و العلم بأسبابه ومسالكه وس__دنته.. ح__تى ال تختل__ط المس__الك، فيس__ير الن__افر من الش__قاء م__ع األش__قياء، ويحش__ر معهم، لتجانس صفاته مع صفاتهم.. ولذلك فإن عالمة الس__عادة هيين بي ه عليهم من الن الك___ون م___ع الس___عداء ال___ذين } أنعم اللن أولئك رفيق__ا { الحين وحس__ هداء والص__ ديقين والش__ والص__

[، وعالمة الشقاوة هي الكون مع األش__قياء، كم__ا69]النساء: قال تع_الى عن ذل_ك ال_ذي يص__يح في الن__ار بس__بب أص__دقائه

خذ فالنا خليال ) ني28وقرنائه: } يا ويلتا ليتني لم أت ل ( لقد أض__ان خ__ذوال { يطان لإلنس__ __ان الش__ عن الذكر بع__د إذ ج__اءني وك

[29، 28]الفرقان: أم__ا األم__ر الث__اني، وه__و ال يق__ل عن األول.. فه__و العم__ل ب__العلم، والخض__وع ل__ه، وتس__ليم ك__ل الج__وارح واللط__ائف لمقتض__ياته.. فال ينتف__ع بال__دواء من اكتفى بق__راءة مركبات__ه وآثاره، دون أن يتيح له الفرص__ة للتغلغ__ل بين خالي__اه للقض__اء

على أدوائه. وهكذا الدين.. فه_و ليس علم__ا فق_ط.. ب__ل ه__و علم م__ع عم____ل.. وال يمكن للعم____ل أن يتم من دون علم.. وال يمكن للعلم أن يثمر من دون عمل.. وإال أصبح اإلنس__ان مث__ل ذل__ك

196

Page 200: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الطبيب الذي يحذر من اإلدمان، وهو مدمن.. ألنه لم يس__تطع أن يحول من معلوماته إلى أدوي__ة يش__ربها، لتتغلغ__ل في ك__ل

خاليا ذاته. والعمل بالعلم _ يا بني _ ال يحتاج منك سوى الصدق م__ع الله.. فالله هو الذي يلهمك بأن تعمل، ويقوي__ك على العم__ل، عندما يراك ص__ادقا م__ع الح__ق، ومس__لما ل__ه، ومتهم__ا نفس__ك

األمارة بالسوء. ولذلك سعد آدم بعد خروجه من الجنة، وعادت إليه تل__ك السكينة التي غادرته بع__د األك__ل من الش__جرة، ذل__ك أن__ه راح يتهم نفس__ه بالتقص__ير، وراح يس__أل الل__ه أن يمنح__ه الف__رص الجديدة حتى يصحح ما وقع في__ه من أخط__اء.. لق__د ذك__ر الل__هنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تعالى ذلك، فقال حاكيا قوله: }قاال رب

[ 23تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين{ ]األعراف: وهذه الكلمة هي دليل السعداء.. فالسعيد من لم ي__ركن إلى نفسه، ولم يتوان معها، ب__ل ت__راه دائم__ا ينف__ر من هواه__ا،

ومن الوساوس التي يلقيها الشيطان عبرها.. وهو عندما يفعل ذل__ك، ينظ__ر الل__ه إلي__ه بنظ__ر الرحم__ة، ويزكي روحه، وتكون تزكية روحه مقدمة لقدرته على التحكم

أن نق__ولفي نفسه، وفي أهوائها.. وقد علمنا رسول الل__ه في ال__دعاء: )اللهم آت نفس__ي تقواه__ا، وزكه__ا أنت خ__ير من

(1 )زكاها، أنت وليها وموالها(

وعلمنا حفيده اإلمام زين العابدين أن نقول مبتهلين هذا الدعاء الرقيق الذي يشكو في__ه اإلم__ام من التقص__ير في ح__ق الله: )إلهي مالي كلما قلت: قد صلحت سريرتي، وق__رب من مج__الس الت__وابين مجلس__ي، عرض__ت لي بلي__ة أزالت ق__دمي،

( 2722)( رواه مسلم )1

197

Page 201: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وحالت بيني وبين خدمتك.. سيدي لعل__ك عن باب__ك طردت__ني، وعن خ___دمتك نحيت___ني، أو لعل___ك رأيت___ني مس___تخفا بحق___ك فأقصيتني، أو لعل__ك رأيت__ني معرض__ا عن__ك فقليت__ني، أو لعل__ك وجدتني في مقام الك__اذبين فرفض__تني، أو لعل__ك رأيت__ني غ__ير ش__اكر لنعمائ__ك فحرمت__ني، أو لعل__ك فق__دتني من مج__الس العلماء فخذلتني، أو لعلك رأيت__ني في الغ__افلين فمن رحمت__ك آيستني، أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبي__ني وبينهم خليتني، أو لعلك لم تحب أن تسمع دعائي فباعدتني، أو لعلك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلك بقلة حيائي منك جازيتني(

(1)

وبعد أن علمنا كيف نشكو لله تقصيرنا في حقه، وحزنن__ا بس__بب ذل__ك، علمن__ا أن نطلب من__ه أن ي__دلنا على الهداي__ة لسبيله، حتى ال يس__لب دع__اة الش__قاوة اإليم__ان والهداي__ة من قلوبن__ا، فق__ال: )إلهي أنت أوس__ع فض__ال وأعظم حلم__ا من أن تقايسني بعملي، أو أن تستزلني بخطيئتي، وما أن__ا ي__ا س__يدي وما خطري، هب__ني بفض__لك ي__ا س__يدي، وتص__دق علي بعف__وك وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك.. س__يدي أن__ا الصغير الذي ربيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضال الذي هديته، وأنا الوض__يع ال__ذي رفعت__ه، وأن__ا الخ__ائف ال__ذي آمنت__ه، والجائع الذي أشبعته، والعطشان الذي أرويته، والعاري ال__ذي كسوته، والفقير الذي أغنيته، والضعيف الذي قويت__ه، وال__ذليل الذي أعززته، والسقيم الذي شفيته، والسائل ال__ذي أعطيت__ه، والمذنب الذي سترته، والخاطئ ال__ذي أقلت__ه، والقلي__ل ال__ذي كثرته، والمستضعف الذي نصرته، والطريد الذي آويت__ه، فل__ك

الحمد( إلى آخر ال__دعاء ال__ذي يعلمن__ا كي__ف نلج__أ إلى الل__ه.. فال

. 1/165)( إقبال األعمال: 1

198

Page 202: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ينجينا من الشقاوة، ومن دعاتها الكثيرين إال اللجوء إلى الل__ه، والتضرع إليه، حتى تخنس عنا الشياطين ال__تي ال تتوق__ف عن

بث سمومها في نفوسنا األمارة بالسوء.

199

Page 203: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

السعادة ال يمكن _ يا بني _ للحكيم أن يكون حكيما، وهو ال يعرف السعادة، وال حقيقتها، وال كيفي__ة الحص__ول عليه__ا.. فالس__عادة هي الغاية العظمى التي من قصر في معرفتها، أو ت__اه عنه__ا، ابتلي بالشقاء، وعاش محروما من أفض__ل م__ا خل__ق الل__ه من

النعم على عباده. ولذلك كان العلم بها ليس مستحبا وال فرضا فق__ط.. ب__ل كان من الضرورات التي تم__يز العقالء عن غ__يرهم.. فالعاق__ل ه__و ال__ذي يبحث عن الس__عادة في محله__ا الص__حيح، ح__تى ال تسلبه الشياطين عن نفسه؛ فتسقيه السموم المغلفة بغالف

السعادة، فيعيش شقيا، وإن ظن أو توهم أنه سعيد. ف__األمر في ذل__ك يش_به تل__ك المخ__درات ال__تي يتناوله_ا المدمن عليها؛ فيشعر للحظات بنشوتها ولذتها، ويعيش بعض السعادة بتلك النشوة، لكن سمومها س__رعان م_ا ترت_د علي__ه، فيتحول إلى شقاء عظيم ال يكاد يفلت منه إال بتزويد جرع__ات

السم.. وتزويد جرعات الشقاء. واألمر يا بني ليس قاصرا على المخدرات.. بل على كل ال__ذنوب والمعاص__ي ال__تي ال دور له__ا س__وى حجب حقيق__ة اإلنس__ان عن قبل__ة الس__عادة األبدي__ة.. فيعيش بعض لحظ__ات

الوهم، ثم يشقى بعده الشقاء الذي ال يمكن لذاته تحمله. وحتى تستوعب هذا _ يا بني _ فاعلم أن حقيقة اإلنس__ان هي روحه، ال جس__ده، فالل__ه م__ا خل__ق لن__ا ه__ذا الجس__د ال__ذي نعيش ب__ه على ه__ذه األرض إال لف__ترة مح__دودة، ولض__رورة االبتالء، فلذلك كان معرضا لكل ألوان البالء والفساد.. ونهاي__ة البالء هي تحوله إلى حالة ال يصلح معها الستعمال الروح ل__ه..

200

Page 204: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وحينها يعود اإلنسان من جديد إلى حقيقته المجردة. ف__إن انش__غل اإلنس__ان به__ذا الجس__د، وراح يعطي__ه ك__ل هموم__ه، ويقض__ي ل__ه ك__ل مآرب__ه، وت__اه عن روح__ه، وعن متطلباتها، شعر بألوان من المشاعر.. بعض__ها يش__به النش__وة الوقتية المحدودة ال__تي ق__د يس__ميها س__عادة.. وبعض__ها اآلخ__ر يشبه األلم العظيم، والوحشة الش__ديدة ال__تي يح__اول س__ترها

بالمزيد من جرعات النشوة المحدودة. أما األولى، فسبب لذتها ونشوتها هو كون السموم ال__تي يتجرعها ص__احبها ليس__ت س__موما مج__ردة، وإنم__ا هي س__موم تشبه السم المختلط بالعسل.. فهو _ عند تناوله ___ لذي__ذ مثل__ه مث__ل س__ائر العس__ل.. لكن عمل__ه في الجس__م ال يختل__ف عن

عمل السموم.. وقد عبر القرآن الكريم عن تل__ك النش__وة بكونه__ا مج__رد ت___زيين لض___رورة االبتالء، فمن انش___غل ب___التزيين والنش___وةذين ال المرتبطة به سقط في بحر الشقاء، قال تعالى: }إن ال

ا لهم أعمالهم فهم يعمهون { ]النمل: ن [،4يؤمنون باآلخرة زي ثم بين المص__ير ال_ذي يص__يرون إلي__ه بع__د زوال ذل__ك ال__تزيينوء الع__ذاب وهم في ذين لهم س__ ونش__وته، فق__ال: }أولئك ال

[5اآلخرة هم األخسرون{ ]النمل: وسر ذلك يعود إلى أن أولئك الذي شقوا بعد س__عادتهم، عاش__وا حي__اتهم يطعم_ون أجس_ادهم، ويغفل_ون عن أرواحهم، ول___ذلك عن___دما ت___زول أجس___ادهم عنهم، ومعه___ا ك___ل تل___ك االرتباطات التي عقدوها مع البيئة التي عاشوا فيها، يشعرون بالشقاء واأللم، ألنهم يقدمون على عالم جديد، لم يه__يئوا ل__ه

أنفسهم. وأما الثانية.. فسببها أنه عند انطفاء تلك الل__ذة الوقتي__ة،

120

Page 205: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

وعودة اإلنسان إلى حقيقت__ه، يش__عر أن م__ا ك__ان يتوهم__ه من سعادة، لم يكن حقيقة، وإنما كان سرابا، أو كذبة كبيرة كذبها

على نفسه، أو خدعة كبيرة وقع فيها. وهن__ا يف__ترق العقالء.. فال__ذين ي__دركون ذل__ك، ي__تركون األوهام والسراب، ويبحثون عن الحقائق.. وأم__ا غ__يرهم، وم__ا أكثرهم، فيذهبون إلى السراب يستزيدون منه، وهم يتوهمون

أنه قد يتحول إلى ماء.. ولن يتحول أبدا. أظن أنك تطلب م__ني م__ا تع__ودت أن تطلب__ه من ض__رب

األمثلة، ولك ذلك.. ولعل أحسن األمثل__ة على ذل__ك، ع__الم جلي__ل ع__اش في قرون سابقة، وأتيحت له كل أسباب الج__اه والس__لطان، وفي وقت مبكر من عمره.. لكنه شعر بعد فترة أن ه__ذا الطري__ق، وإن كان لذيذا، لكن لذته وقتية ومحدودة، وق__د تنتهي ب__ه إلى الش___قاء األب___دي؛ فل___ذلك راح يس___تعمل ك___ل الوس___ائل في

الحصول على السعادة الحقيقية إلى أن وجدها. لقد عبر عن نفسه، فقال: )ك_ان ق_د ظه_ر عن_دي أن_ه ال مطمع لي في س__عادة اآلخ_رة إال ب__التقوى، وك__ف النفس عن اله__وى، وأن رأس ذل__ك كل__ه، قط__ع عالق__ة القلب عن ال__دنيا، بالتج__افي عن دار الغ_رور، واإلناب__ة إلى دار الخل__ود، واإلقب__ال بكنه الهمة على الله تعالى. وأن ذلك ال يتم إال ب__اإلعراض عن الج__اه والم__ال، واله__رب من الش__واغل والعالئ__ق. ثم الحظت أحوالي، ف__إذا أن__ا منغمس في العالئ__ق، وق__د أح__دقت بي من الج__وانب، والحظت أعم__الي - وأحس__نها الت__دريس والتعليم - فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، وال نافعة في طريق اآلخ__رة.. ثم تفك__رت في ني__تي في الت__دريس، ف__إذا هي غ__ير خالصة لوج__ه الل__ه تع__الى، ب__ل باعثه__ا ومحركه__ا طلب الج__اه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا ج__رف ه__ار، وأني ق__د

202

Page 206: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(1 )أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتالفي األحوال(

وبعد ذلك التفكير قرر بأن يس__لك الس__بيل ال__ذي تطلب__ه الس__عادة الحقيقي__ة، ول__و ب__التخلي عن الس__بل ال__تي تحققه__ا السعادة الوهمية، وقد حقق الله له م__ا أراد، فوص_ل إلى ك_ل ما يبتغيه من تل__ك الس__عادة، ولم يخس__ر معه__ا تل__ك الس__عادة المحدودة المؤقتة، ألن الله تعالى بكرمه، يع__وض عب__اده ك__ل

ما تركه من أجله. وهكذا يا بني فعل أولئك السحرة الذين ذك__رهم الق__رآن الكريم؛ فق__د ك__انوا يعيش__ون في بالط فرع__ون منعمين بك__ل أن__واع النعيم الحس__ي، لكنهم عن__دما اكتش__فوا منب__ع الس__عادة الحقيقية الدائمة هرعوا إليها، وتركوا تلك السموم التي ك__انوا

يتناولونها. وهك__ذا ي__ا ب__ني فع__ل ك__ل أتب__اع األنبي__اء ال__ذين نش__روا بالمناشير، وعلقت رؤوسهم على الرماح، وص__لبت أجس__ادهم على الص__لبان.. نعم ربم__ا يكون__ون ق__د فق__دوا بعض نش__وة الجسد.. لكنهم نعموا بالسعادة األبدية، تلك التي وصفها الل__ه__ا ه أموات بيل الل ذين قتلوا في س__ تعالى، فقال: }وال تحسبن ال

هم يرزقون ) ه من169بل أحياء عند رب __اهم الل ( فرحين بما آتذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أال خوف فضله ويستبشرون بال

___ون ) ه170عليهم وال هم يحزن رون بنعم___ة من الل ( يستبش___ه ال يضيع أجر المؤمنين { ]آل عمران: -169وفضل وأن الل

171] قارن ه__ؤالء ي__ا ب__ني بأولئ__ك ال__ذين اس__تعجلوا.. فراح__وا يتوهم__ون أن الس__عادة في تل__ك األم__وال ال__تي يكس__بونها، أو القص__ور ال__تي يبنونه__ا، أو الل__ذات ال__تي يتجرعونه__ا، وال__تي

( 173)( المنقذ من الضالل )ص: 1

203

Page 207: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

سرعان ما يرتد عليهم سمها، ليسقيهم كل ألوان الشقاء. لقد ذكر الله تع__الى ذل__ك، ليك__ون ع__برة للعقالء، فق__ال:

نين ) __اهم س__ عن __انوا205} أف__رأيت إن مت ( ثم ج__اءهم م__ا كع__ون{ ]الش__عراء:206يوعدون ) __انوا يمت ( ما أغنى عنهم ما ك

205 _ 207] فتلك المتع المحدودة التي تمتعوا بها لسنين مع__دودة، ال تفي__دهم ش__يئا، وال تغ__ني عنهم عن__دما يع__ودون إلى حقيقتهم،

فيجدونها مملوءة بالكدورات، ومستعدة لكل ألوان العذاب. ال تحسب _ يا بني _ أن العذاب الذي يسلط عليهم يكون من طرف خ__ارجي.. كال.. ب__ل إن أرواحهم هي ال__تي تع__ذب.. ألن ال__روح نفخ__ة من الل__ه .. وهي ال تس__عد إال بلق__اء الل__ه والتواصل معه ومعرفته.. فمن ح__رم روح__ه من ه__ذه النعم__ة

العظمى، والسعادة الكبرى، شقيت في الدنيا قبل اآلخرة. بل إنك يا ب_ني ل_و ت_أملت ك_ل مط_الب أولئ__ك الغ_افلين لوجدتها أنهم في حقيقتهم يبحثون عن الل__ه.. ولكنهم ي__تيهون

عنه بتلك األصنام التي يعبدونها من دونه.. فهم يبحث__ون عن الخل__ود األب__دي.. وليس ذل__ك إال لل__ه، وبالله، ومع الله.. فكل ما عداه وهم وس__راب.. وهم يبحث__ون عن الراح__ة والس__الم والطمأنين__ة، وليس ذل__ك إال في ص__حبة

الله.. وهكذا، فإن__ك ل__و ت__أملت ك__ل ش__يء وجدت__ه عن__د الل__ه.. ولذلك كانت السعادة في أن تكون مع الله، وفي كل األوقات

واألحوال.. وق__د روي أن معروف__ا الك__رخي س__ئل عن الهم__ة ال__تي دفعته إلى اإلرادة والمجاهدة والتبتل، فسكت معروف، ليترك

204

Page 208: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

للس__ائل مج__اال للتخمين، ق__ال الس__ائل: ذك__ر الم__وت، فق__ال معروف: وأي شيء الموت؟ فقال: ذكر القبر والبرزخ، فقال: وأي شيء القبر؟ فقال: خوف النار ورجاء الجنة، فقال: )وأي شيء هذا؟ إن ملكا هذا كله بيده إن أحببته أنساك جميع ذلك

وإن كانت بينك وبينه معرفة كفاك جميع هذا( لقد ذكر الله تعالى ذل_ك، وبش_ر ب_ه، فق_ال: }من عم_ل__ة ب __اة طي ه حي __ر أو أنثى وه__و م__ؤمن فلنحيين الحا من ذك ص__

هم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون{ ]النحل: [97ولنجزين وذكر الطمأنينة التي يج__دها المؤمن__ون في ص__حبة الل__ه،ه __ذكر الل ه أال ب __ذكر الل __وبهم ب ذين آمنوا وتطمئن قل فقال: }ال

[28تطمئن القلوب{ ]الرعد: وذكر المصير السعيد الذي يصيرون إليه، فقال مبين__ا م__اتها تقوله المالئكة للنفوس التي عاشت في صحبة الله: }يا أي

ة ) فس المطمئن ة )27الن ي ك راضية مرض__ (28( ارجعي إلى ربتي{ ]الفجر: 29فادخلي في عبادي ) [30 - 27( وادخلي جن

هذه يا ب__ني هي الس__عادة الحقيقي__ة.. وهي س__عادة ع__بر عنها كل من وجدها وذاقها.. ومما يدلك على كونها األكمل أن أك__ثر من ذاق__وا ه__ذا الن__وع من الس__عادة ذاق__وا قبله__ا تل__ك

السعادة الوهمية، وقد تبين لهم مدى الفرق الكبير بينهما. لقد حدث بعضهم قال: وخ__رجت أن__ا وإب__راهيم بن أدهم، وأب__و يوس__ف الغس__ولي، وأب__و عب__د الل__ه الس__نجاري، نري__د اإلسكندرية فمررنا بنهر يقال له نه__ر األردن فقع__دنا تس__تريح وكان م__ع أبي يوس__ف كس__يرات يابس__ات، فألقاه__ا بين أي__دينا فأكلناه__ا وحم__دنا الل__ه ع__ز وج__ل، فقمت أس__عى أتن__اول م__اء إلبراهيم فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء إلى ركبتيه. فقال بكفيه في الماء فمألهم__ا ثم ق__ال: بس__م الل__ه، وش__رب

205

Page 209: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الماء ثم قال: الحمد لله، ثم إنه خرج من النهر فمد رجليه ثم قال: )يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن في__ه من النعيم والس__رور لجال__دونا علي__ه بالس__يوف أي__ام الحي__اة(، فقلت: ي__ا أب__ا إس__حاق طلب الق__وم الراح__ة والنعيم فأخط__أواالطريق المستقيم. فتبسم وقال: )من أين ل__ك ه__ذا الكالم؟(

(1)

لق__د ك_ان ه_ذا الرج_ل ال_ذي تح__دث به_ذه الكلم_ات من أصحاب الجاه والمال والس__لطان، ولكن__ه ع__رف أن الس__عادة

الحقيقية في صحبة الله.. وقد قال آخر معبرا عن ذلك شعرا:

إذا تاه الصديقعليك كبرا

فته كبرا على ذاكالصديق فإيجاب الحقوق

لغير راع حقوقك رأس تضييع

الحقوق

( 335/ 2)( صفة الصفوة )1

206

Page 210: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

الدنيا هل تع__رف ___ ي__ا ب__ني ___ الس__ر ال__ذي جع__ل أك__ثر الخل__ق يتثاقلون إلى الدنيا، ويضيعون طاقاتهم كلها في س__بيلها.. إن__ه سبب بسيط، لكنه مع ذلك ضروري، ال تكتم__ل حكم__ة الحكيم

من دونه.. إنه الغفلة عن كونها دنيا.. فهم يسمونها حياة فقط.. وال يص__فونها بكونه__ا حي__اة دني__ا.. ويتص__ورون ل__ذلك أنه__ا البداي__ة والنهاي___ة.. وأنه___ا الحي___اة الوحي___دة المتاح___ة لهم.. ول___ذلك يتنافسون فيها، ويتصارعون من أجل متاعها.. ويح__اولون ك__ل

جهدهم أن يمألوا بطونهم من شهواتها التي ال تنتهي. وهم في ذل__ك يش__بهون الطف__ل الص__غير ال__ذي يختص__ر الحياة في لعبه؛ فيشغل كل وقته بها، وقد يصارع ك__ل ش__يء من أجله__ا.. وق__د تع__رض علي__ه الكن__وز في س__بيل أن يبيعه__ا،

فيرفض ذلك، ألنه يتوهم أن لعبه أغلى من كل شيء. وهكذا كل من تراهم مستغرقين في الدنيا، ويتص__ارعون من أج__ل متاعه__ا الزائ__ل.. إنهم ال يختلف__ون كث__يرا عن ذل__ك الطفل الصغير، فعق__ولهم ال تختل__ف عن عقل__ه، وإن ب__دا لهم

أنهم كبار، وأن لهم من حدة الذهن والذكاء ما ال يملكه.اء والبنين س__ هوات من الن ولذلك تراهم يحنون إلى }الشومة __ل المس__ ة والخي والقناطير المقنطرة من ال__ذهب والفض__

[، ويغفلون عن الص__دقات14واألنعام والحرث{ ]آل عمران: والصلوات واألعمال الصالحات.. لتوهمهم أن في ذلك المت__اع

السعادة، وأن في تلك التكاليف المشقة. م__ع أن تل__ك التك__اليف تحتض__ن ك__ل أل__وان الس__عادة والكمال.. فلوالها ما تحقق اإلنس__ان بحقيقت__ه، وال ت__رقى في

207

Page 211: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

سلم الكماالت الذي أتيح له.. وال نال فضل ربه من ال__درجات والحسنات التي ال يمكنه أن ين__ال س__عادة ال__دنيا واآلخ__رة من

دونها. لذلك كانت الشهوات عن__دهم أغلى من الحس__نات.. م__ع أن جميع كنوز ال_دنيا ومتاعه_ا ولهوه_ا ولعبه_ا ال يع_دل حس_نة

واحدة. ولذلك لم يختلفوا عن ذلك الطفل الصغير ال__ذي ي__رفض أن يبيع لعبه ب__األموال الكث__يرة، ألن__ه ال يع__رف قيم__ة األم__وال بقدر معرفته بقيمة لعبه.. بل إن عقول أولئك أدنى من عق__ل ذلك الطفل الصغير؛ فالمسافة بين لعبه واألموال المعروض__ة علي__ه، وإن ك__انت كب__يرة إال أن__ه يمكن تق__ديرها، وتحدي__دها، وضبطها.. أما المس__افة بين الش__هوات والحس__نات، فال يمكن

ضبطها وال تحديدها بأي مقياس من المقاييس.. وهذه المعرفة _ يا بني _ ليست معرفة علمية فقط.. بل إن لها آثارها الكثيرة في الحياة جميعا.. بل ال يمكن أن يكون للحياة أي طعم دون معرفة كونها مجرد بداي__ة، ومج__رد حي__اة

دنيا. إن هذا يهون من شأنها كثيرا، ويجعل التعامل معها سهال يسيرا.. وذلك يشبه من جند للخدمة العسكرية اإللزامية؛ فهو ق__د يوض__ع في بعض المح__ال الص__عبة، وي__درب بالت__دريبات الشاقة، لكنه م__ع ذل__ك ال يص__يبه األلم الكب__ير، ألن__ه يعلم أنه__ا مج__رد مرحل__ة مح__دودة، وس__يتجاوزها عن ق__ريب، لتع__ود ل__ه حريته، وحياته الطبيعية.. بخالف من كان يرى أن بدايته فيها،

ونهايته عندها. ولذلك كان اعتقاد كون الدنيا مجرد حياة دنيا وحده كافيا للتهوين من ش__أنها، وتقب__ل االختب__ارات ال__تي توض__ع لإلنس__ان

208

Page 212: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

فيها. وهي نعم__ة عظمى ال يج__دها أولئ__ك الغ__افلون ال__ذين ينهارون ألدنى شيء يقعون فيه، ألنهم يتوهم__ون أن في ذل__ك

حتفهم، ونهايتهم المحتومة. ال تتوق__ف آث__ار ه__ذه المعرف__ة على ه__ذا الج__زاء العظيم فقط.. بل إن لها آثارها الكثيرة في التربية والترقية والتهذيب والتصفية.. فالذي يعتقد أن ه_ذه الحي_اة مج_رد حي_اة دني_ا لن يتك__الب عليه__ا، ولن يص__ارع من أجله__ا، ولن يض__حي بأخالق__ه

وقيمه في سبيلها.. ولن يضحي بآخرته ألجل متاعها الزائل. ولذلك قال تعالى ___ بع__د ذك__ره لمت__اع الحي__اة ال__دنيا ___ :

ن الم__آب ) __ده حس__ ه عن ( ق__ل14}ذلك متاع الحياة الدنيا واللات تجري من هم جن قوا عند رب ذين ات ئكم بخير من ذلكم لل أؤنبه وان من الل __دين فيه__ا وأزواج مطهرة ورض__ تحتها األنه__ار خال

ه بصير بالعباد{ ]آل عمران: [15، 14والل وهذه المعرفة _ يا بني _ هي التي تحمي المجتمعات من التفكك، وتحمي الدول من الص__راع، ألن الص__راع ال يك__ون إال بين من ضاقت عليهم الحياة، فاختصروها في ال__دنيا.. ومثلهم في ذلك مثل من يتصارعون على قط__ع مح__دودة من األرض،

ولو أنه أتيح لهم منها ما ال حدود له، لما تصارعوا. وهذه المعرفة _ يا بني _ هي ال__تي تمأل الحي__اة بالس__الم، وبس__بب ه__ذه المعرف__ة ق__ال ابن آدم الص__الح ألخي__ه ال__ذي__دك لتقتلني م__ا استولى عليه حب الدنيا: } لئن بسطت إلي يه رب الع__المين { ي أخ__اف الل __ك إن __ك ألقتل أنا بباسط يدي إلي

[28]المائدة: وهذه المعرفة _ يا بني _ هي التي تحمي الفق__ير من أن يحسد الغني، وكيف يحسده، وهو يرى في أمواله ومتاع_ه م_ا

209

Page 213: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ي__راه الكب__ار في لعب األطف__ال.. ب__ل إن__ه ق__د يس__أل الل__ه أن يحميه من الثراء الذي يصرفه عنه، أو الترف الذي يبع__ده عن

حقيقته. وهذه المعرفة _ يا بني ___ هي ال__تي تمأل قل__وب أص__حابها س__عادة.. فهم ينظ__رون إلى الحي__اة بنظ__رة تف__اؤل وأم__ل.. ويعتقدون أن المستقبل الذي ينتظرهم أجمل بكثير.. وأن م__ا ف__اتهم من مت__اع ال__دنيا ال يس__تحق أن يحزن__وا علي__ه، ألن م__ا

ينتظرهم أفضل منه. وهذه المعرفة _ يا بني ___ هي ال__تي تمأل قل__وب أص__حابها بالهمة العالية، ليقتنصوا كل فرص الخير، ويقتنصوا معه__ا ك__ل ألوان الحس__نات وال__درجات ال__تي هي أغلى من ك__ل العمالت الص__عبة.. ب__ل هي أص__عب عمل__ة في الع__الم.. ول__ذلك ت__رتقي نفوس__هم وأرواحهم وعق__ولهم إلى الم__راتب العالي__ة ال__تي ال يمكن للمستغرقين في الحياة ال__دنيا أن يتوهموه__ا، أو يص__لوا

إليها. ول__ذلك ينتق__ل التن__افس بين ه__ؤالء من التن__افس على المتاع الزائل إلى التنافس على المتاع الحقيقي ال__ذي ينتظ__ر كل من تمكن من تهذيب نفسه وتطهيرها والترقي به__ا، ق__ال

___رار لفي نعيم ) ( على األرائك22تع___الى في ذل___ك: }إن األبعيم )23ينظرون ) ( يسقون24( تعرف في وجوههم نضرة الن

__وم ) __افس25من رحي__ق مخت __ك فليتن ك وفي ذل ( ختام__ه مس__[26 - 22المتنافسون { ]المطففين:

هذه بعض ثمار معرفة كون هذه الحي__اة البس__يطة ال__تي نعيشها حياة دني__ا.. فهي دني_ا بك_ل معانيه_ا.. فنعيمه_ا مح__دود بسيط مختلط بالكدورات.. والزم__ان فيه__ا قص__ير.. واإلنس__ان فيها متردد بين القوة والضعف، والصحة والمرض، ال يكاد يهنأ

به عيش، أو يستقر له حال.12 0

Page 214: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ول__ذلك ك__ان أس__عد الن__اس فيه__ا من ع__اش بين جنباته__ا بقلب مملوء بالتعلق باآلخرة.. فجسده في ال__دنيا، وقلب__ه في المأل األعلى، يقتنص المكارم والفضائل، ويعيش ع__الم األنس

الذي ال يمكن أن يظفر به من انشغل بلهو الدنيا وعبثها.

112

Page 215: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

اآلخرة ال أعجب من شيء يا بني، عجبي من ه__وان اآلخ__رة في نفوس من سمع بش__أنها، م__ع أن__ه ال يوج__د نب__أ عظيم أهم وال أخطر على البشر منها.. لكنهم مع ذلك يذكرونها من دون أن

يتأثروا لها، أو تحدث شيئا جديدا في حياتهم. وما ذلك إال لضعف اليقين واإليمان، وإال فإنهم لو عرفوا ش__أنها، وم__ا ينتظ__رهم فيه_ا لش__مروا عن ك_ل س__واعد الج__د، وأخذوا كتاب دينهم بقوة، وسعوا لتجنب كل ما ينتظرهم فيها من أهوال، وسعوا إلى االستفادة من ك_ل ف_رص النعيم ال_تي

تنتظر المجدين في شأنها. مع أنهم في شؤون حياتهم القاص__رة المح__دودة يب__ذلون كل جهودهم لتفادي أي شيء يضرهم، حتى لو ك__ان العلم ب__ه

وهمي، أو الخوف منه وسوسة.. أال ترى الدول كيف تش_تري األس__لحة أو تص__نعها، وتض_ع ميزانيات ضخمة لذلك، وته__يئ جن__ودا كث__يرين لمهم__ة ال__دفاع عن نفس__ها، م__ع أن ذل__ك ق__د ال يحص__ل أب__دا.. وم__ع أن تل__ك األسلحة قد تصبح بمرور الوقت غير ذات فاعلية، ومع ذلك ال

تبالي في أن تصرف أموالها ألجل كل جديد يردع أعداءها. وهكذا ترى األفراد إذا م__ا علم__وا بانتش__ار وب__اء س__ارعوا لتلقيح أنفس__هم عن__ه، وإبعاده__ا عن ك__ل مص__در ق__د يجعلهم مصابين ب__ه.. وت__راهم إذا مرض__وا يس__رعون إلى األطب__اء، وال يبالون باألموال ال__تي يص__رفونها، وال بالراح__ة ال__تي يب__ذلونها،

ألجل تفادي أمراض قد ال يصابون بها أصال. لكنه إن ذكرت لهم اآلخرة، وما فيها من العذاب الشديد الذي ينتظر المفرطين والمقصرين والمتجاوزين لحدود الل__ه،

12 2

Page 216: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

تج__دهم ال يب__الون ب__ذلك، م__ع أن آالم اآلخ__رة أش__د، وع__ذابها أدوم.. ومع أن االلتزام بالش__ريعة ال يكلفهم بمث__ل م__ا تكلفهم به تلك المص__الح البس__يطة ال__تي يح__اولون به__ا الح__رص على

حياتهم. وهكذا ترى أحدهم يسافر المسافات الطويل__ة، ويتغ__رب عن أهله الس__نوات العدي__دة، وي__ذوق في ذل__ك ك__ل اآلالم من أجل توفير مال لبيت يسكنه، أو محل صالح يعمل فيه.. لكن__ه إن ذكرت ل__ه قص__ور الجن__ة، وأنه__ا ق__د تن__ال بأعم__ال ص__الحة

بسيطة يقوم بها تجده يتهاون في ذلك، وال يهتم به. وما ذلك كله يا ب_ني إال بس_بب ض_عف اإليم_ان واليقين.. وإال فلو أيقنوا باآلخرة، وعلم__وا م__ا ينتظ__رهم فيه__ا من األج__ر العظيم، أو الع__ذاب األليم، لج__رت أعم__ال الخ__ير في أي__ديهم بكل سهولة ويسر، ولتحولت حياتهم إلى تلك الحياة الكريم__ة التي جاء الرسل عليهم الصالة والسالم للدعوة إليه__ا، وال__تي

ال يمكن تحقيقها إال بتحقيق اإليمان. فالفرق بين دعوات األنبياء ودعوات غيرهم هي في ه__ذا الجانب العظيم الذي يفتقده كل من لم يؤمن بالل__ه ورس__له.. فهم ق__د ي__دعون إلى األخالق والقيم النبيل__ة، وق__د يكون__ون مثاليين في دعواتهم، لكنهم عندما يطالبون بذكر العوض عن تلك الجهود والمثاليات ال يجدون ما يذكرون؛ فلذلك يصادرون

من يطالبهم بكلمات جوفاء ال تسمن وال تغني من جوع. لذلك حقق اإليمان باآلخرة في نفسك _ ي__ا ب__ني ___ ح__تى

[،17تستقيم كل شؤونك.. ف_ }اآلخرة خير وأبقى{ ]األعلى: قون{ ]يوسف: ذين آمنوا وكانوا يت [57}وألجر اآلخرة خير لل

واجعلها من__ك رأي العين، ح__تى تعيش في ال__دنيا بنفس متطلع__ة لآلخ__رة.. ف__إن عملت أي عم__ل، رأيت م__ا ينتظ__رك

12 3

Page 217: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

بسببه هناك.. فأنت تزرع هنا ما ستحص__ده هن__اك، وق__د روي في الحديث عن عائشة قالت: ذبحنا شاة، فقال رس__ول الل__ه

ما بقي منه__ا؟ فقلت: م__ا بقي منه__ا إال كتفه__ا، فق__ال :: (1 ))بقي كلها غير كتفها(

يش__ير في ه__ذا الح__ديث إلى أن تل__كفرس__ول الل__ه الشاة التي تصدقوا بها جميعا إال كتفها، قد بقيت م__دخرة لهم في اآلخ__رة، وأن__ه لم يفتهم منه__ا إال كتفه__ا ال__ذي أكل__وه في

الدنيا. إن الذي يعتقد هذا االعتقاد يا بني يجعل من حياته كله__ا مزرعة اآلخرة، ليدخر هناك ما ينفعه.. وب__ذلك تس__تقيم حيات__ه الدنيا بالبعد عن ال__ترف واإلس__راف.. وت__زداد عالقت__ه ب__الخلق رسوخا لمساهمته في كل مش__اريع الخ__ير.. وه__ذا م__ا يجع__ل

من اإليمان باليوم اآلخر أكبر أداة للتنمية واإلصالح. واعلم _ يا ب_ني __ أن الع_ارفين ب_ربهم يعيش_ون اآلخ_رة، قب__ل ق__دومهم عليه__ا؛ فأجس__ادهم م__ع الخل__ق، وأرواحهم م__ع الله.. يعاينون كل م__ا حجب الخل__ق عن معاينت__ه بس__بب ذل__ك

الران الذي طغى على قلوبهم. وقد ورد في الح__ديث عن الح__ارث بن مال__ك األنص__اري،

، فقال: )كيف أصبحت يا حارث؟( قال:قال: مررت بالنبي أصبحت مؤمنا حقا. فقال: )انظر ما تقول؟ ف__إن لك__ل ش__يء حقيقة، فما حقيق__ة إيمان__ك؟( فق__ال: ق__د ع__زفت نفس__ي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلي، واطمأن نهاري، وكأني أنظ_ر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيه__ا، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيه__ا. فق__ال: )ي__ا ح__ارث

( 2470، رقم 4/644)( الترمذى )1

12 4

Page 218: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

(2)عرفت فالزم(

ولذلك تخاطب المالئكة أولئ__ك ال__ذين غفل__وا أن ي__دركوافنا _ة من ه_ذا فكش_ هذه المعاني بقولها: }لق_د كنت في غفل

[22عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد{ ]ق: فالغفلة التي سببها ضعف اإليمان، والحج__اب ال__ذي ران على القلوب بسبب المعاصي هي التي تمنع من تلك الرؤي__ة، وذلك الشهود.. وإال فإن كل من امتأل قلبه بصدق م__ا ج__اء ب__ه الرسل، وعلم أنه يستحيل على من دبر هذا الكون بك__ل ه__ذا النظام المحكم أال يخصص دارا يجازي فيه__ا عب__اده.. من علم هذا علم اليقين، يستحيل عليه أال يعيش بقلبه ونفس__ه روح__ه

عالم اآلخرة قبل أن يقدم عليها. وإن شئت مثاال لذلك يقرب لك ذلك يا بني.. فلك ذلك.. أال ترى أن كل منشغل بش_يء، يض_عه دائم_ا بين عيني_ه، حتى يشجعه ذلك على تحقيقه؟.. أال ترى الطالب الذي يب__ذل ك__ل جه__وده في دراس__ته، ويتخلى عن الكث__ير من حظوظ__ه وأهوائه وراحته، وكل ذلك ألنه يضع النجاح بين عينيه، ويعت__بر مكس__با عظيم__ا من مكاس__به.. ومث__ل ذل__ك الت__اجر والفالح والعامل.. وك__ل أص__ناف الن__اس.. فهم يض__عون أه__دافهم بين أعينهم، وكأنهم يروا رأي العين، حتى يتيسر عليهم بذل الجهد

في سبيلها. وهكذا األم__ر بالنس_بة لآلخ__رة، فمن اعتق__د أنه_ا مص__يره ومستقبله.. وأن حياته فيها هي الحياة الحقيقي__ة.. فسيس__عى بك__ل جه__ده لتحقي__ق م__ا تتطلب__ه الحي__اة الجميل__ة فيه__ا من

مطالب.

( 3367 ح )266/ 3(، المعجم الكبير للطبراني 30425 ح )170/ 6)( مصنف ابن أبي شيبة 2

12 5

Page 219: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

ولذلك فإني مهتم بمستقبلك يا ب__ني.. ال بمس__تقبلك في الدنيا فقط، بل بمستقبلك في اآلخرة أيضا.. فه__و المس__تقبل

الحقيقي.. أما ما عداه فمكاسب محدودة. والعجب من ذل___ك الوال___د ال___ذي يهتم بمس___تقبل ابن___ه ال___دنيوي، ثم ال يهتم بص___الته وال بدين___ه وال بتق___واه، م___ع أن

التفريط في ذلك سيحول بينهما في تلك الحياة الحقيقية.. ذلك أن الله تعالى أخ__بر أن الص__الحين يع__ودون ألهلهم، وهم ممتلئون بالسعادة، لتستمر حياتهم هناك بمثل م__ا ك__انت علي__ه في ال__دنيا من الس__الم والطمأنين__ة، بخالف غ__يرهم من الذين قصروا نظرتهم على الحي__اة ال__دنيا، واكتف__وا به__ا، ق__ال

ك كدحا فمالقي__ه ) ك كادح إلى رب ها اإلنسان إن (6تعالى: } ياأييرا7فأما من أوتي كتابه بيمينه ) ( فسوف يحاسب حسابا يس__

رورا )8) __ه وراء9( وينقلب إلى أهله مس__ ( وأما من أوتي كتاب__ورا )10ظهره ) __دعو ثب عيرا )11( فسوف ي لى س__ (12( ويص__

رورا ) __ه مس__ __ان في أهل ه ك ه ظن أن لن يح__ور )13إن (14( إنه كان به بصيرا{ ]االنشقاق: [15 – 6بلى إن رب

وقد أخبر الله تعالى أن أولئك األقارب واألصدقاء ال__ذين كانت تجمعهم عالقات المودة في الدنيا، س__تنهار جميع__ا، ب__ل

(33يفر بعضهم من بعض، قال تعالى: }فإذا جاءت الصاخة ) ( وصاحبته وبنيه35( وأمه وأبيه )34يوم يفر المرء من أخيه )

[37 - 33( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه{ ]عبس: 36) فإن شئت أن نلتقي هناك يا ب__ني في مقع__د ص__دق عن__د مليك مقتدر، فعاهدني على أن تلتزم طاعة ربك، وتبتع__د عن كل م__ا يبع__دك عن__ه.. ف__إن في ذل__ك س__عادتك وس__عادتي في

الدنيا، وفي اآلخرة.

12 6

Page 220: هكذا تكلم لقمان · Web viewولكن المراد من ذلك إبعادها عن الجدل الذي يبحث على الانتصار، لا على الوصول إلى

هذا الكتاب يحاول ه__ذا الكت__اب توض__يح الكث__ير من الحق__ائق والقيم التي قد يقع الخطأ فيها، بسبب ع__دم اعتم__اد الرؤي__ة الكوني__ة التوحيدية التي يدل عليه__ا العق__ل، كم__ا ت__دل عليه__ا النص__وص

المقدسة. وهو يناقش تلك المغالطات ال__تي تق__ع فيه__ا أمث__ال تل__ك العق___ول، بطريق___ة تجم___ع بين الخط___اب العقلي والت___أثير العاطفي.. فالكتاب عبارة عن وصايا من أب البن__ه، وال يمكن لألب أن يبلغ وصاياه من دون أن يمزج بين العقل والعاطفة.. فالعاطف__ة تيس__ر للعق__ل اس__تقبال األفك__ار، ح__تى ال يقابله__ا

بالجدل. وذل__ك ال يع__ني م__ا يم__ارس في الت__أثير الخط__ابي من االكتفاء بالتأثير العاطفي المجرد، فمعاذ الله أن تبلغ الحقائق بعيدة عن أدلتها.. ولكن الم__راد من ذل__ك إبعاده__ا عن الج__دل

الذي يبحث على االنتصار، ال على الوصول إلى الحقيقة. وهو يعتمد نفس منهج لقمان عليه السالم في موعظت__ه البنه، والتي وردت في القرآن الكريم.. وورد فيه__ا الكث__ير من

الحقائق التي تم عرضها بطريقة ممتلئة بالحكمة. ول__ذلك يح__اول إحي__اء س__نة لقم__ان علي__ه الس__الم في الموعظة، حتى ينتهجه اآلباء في تربيتهم ألبن__ائهم، واألس__اتذة في توجيهاتهم لتالميذهم وطلبتهم، ذلك أن المن__اهج الخاطئ__ة

في تبليغ الحقائق قد تكون سببا للنفور منها.

12 7