ﻞﻳوﺄﺘﻟا لﺎﻜﺷأو ﻲﻘﻠﺘﻟا رﻮﻜﻳر لﻮﺑ …...ﺮـــﻜﺷ...

223
ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻫﺮان2 ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻃﺮوﺣﺔ ـــــــ ﻨﻴ ـــــ ﻞ ﺷﻬﺎدة اﻟﺪﻛﺘﻮراﻩ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ إﻋﺪاد اﻟﻄﺎﻟﺒ: ﻋﻮاد ﻧﺠﺎة ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﻟﺠﻨﺔ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ: ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﺼﻔﺔ اﻟﺮﺗﺒﺔ اﺳﻢ و ﻟﻘﺐ اﻻﺳﺘﺎذ ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان2 رﺋﯿﺴﺎ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ دراس ﺷﮭﺮزاد ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان2 ﻣﺸﺮﻓﺎ و ﻣﻘﺮرا أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﺑﻦ ﻣﺰﯾﺎن ﺑﻦ ﺷﺮﻗﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان2 ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ ﺳﻮارﯾﺖ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﯿﺪي ﺑﻠﻌﺒﺎس ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ أﺳﺘﺎذ ﻣﺤﺎﺿﺮ أ ﻣﺨﻠﻮف ﺳﯿﺪ أﺣﻤﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺸﻠﻒ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ أﺳﺘﺎذ ﻣﺤﺎﺿﺮ أ ﺑﻠﻌﺎﻟﯿﺔ دوﻣﺔ ﻣﯿﻠﻮد ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺴﺘﻐﺎﻧﻢ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ أﺳﺘﺎذ ﻣﺤﺎﺿﺮ أ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﯿﻠﻮد اﻟﻤﻮﺳﻢ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ2015 - 2016 اﻟﺘﻠﻘﻲ وأﺷﻜﺎل اﻟﺘﺄوﻳﻞ ﻋﻨﺪ ﺑﻮل رﻳﻜﻮر

Upload: others

Post on 23-Jan-2020

19 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

2جامعة وهران

كلية العلوم االجتماعية

اطروحة

ل شهادة الدكتوراه ـــــنيـــــــل

الفلسفة في

:ةالطالب إعدادمن

عواد نجاة كريمة

:تشكيلة لجنة المناقشة

مؤسسة االنتماء الصفة الرتبة اسم و لقب االستاذ2جامعة وھران رئیسا أستاذ التعلیم العالي دراس شھرزاد2جامعة وھران مشرفا و مقررا أستاذ التعلیم العالي بن مزیان بن شرقي2جامعة وھران مناقشا أستاذ التعلیم العالي سواریت بن عمر

جامعة سیدي بلعباس مناقشا أأستاذ محاضر مخلوف سید أحمدالشلفجامعة مناقشا محاضر أأستاذ بلعالیة دومة میلود

جامعة مستغانم مناقشا أستاذ محاضر أ العربي میلود

الموسم الجامعي2015-2016

التلقي وأشكال التأويل

عند بول ريكور

رـــة شكلمك

م� ˰ ȓǫ�˅ ࠄ� �˲˺ȓǫȇࠃ� ˅ �˒߷ �˰ .املتواضع متام هذا العملال من عزمية وارصارȓǫݔ

�ȅ �ȅȓǫܩ� ȓǫ�ȉ Ǫȇː �ǪǴ لغريي.

�ǵ ˕ Ǫ�Ǵ˅ ˕˷ ȓҡǪࠃ� ȔǪ� ˴Ǫ�˲ ˻ Դ�Ȅ˰ ˒ȓǫ"߇ ݾ � �ȅԹ˴ � ˊ"

� ݾ �ȉ Ǫ ߦ يف بتوجهياته˅˷ ˲ Ǫ�˱.

�ː x �۸ ˲Ǫ�ǭ ߐ �˅ ȓǫ� ˴Ǫ�˲ ˻ Դ� ˡ ȓ˒ǫࠄ�ناقشةامل ࠇ� �Ǫ Ǫȇ� Ǫȇ

ː Ǫ� ؛ ˅ ˧Ҡ ȇ� ؛ Ҡ ˭˰˕�˅ǤǪ˲ ȔǪȇ�˅د ˠǪ˲.

ߘ� �˲ ˺ȓǫمن ࠇ�ǭ˰ ˅˸ Ǫȇ�ː ˪˾ Դم� ˰ ȓǫ.

:داءـــــاهــࠅاىل �Ǫ˰ ˷ �˅ ǧ˅dz�ȅ�ߐ Ǫ......

˲˅ ߆� �߷ �ȃ˅ ȓǫࠒ� ȓǫ

�اىل ˲ Ǫߺ� ˅ ࠅ� �ǵԷȓǫ� .....

߷ � ǵ�ݔ ǿǿǿȓǫ

�اىل Ǫ�Ǫ˱ �Ȅ˅ ȔǪܧ� ˧�Էࠅ� �ȅߐȇ�Ǚم ˰˅˷ �ȉ Ǫݭ�ȇǶ

ȉ dzҟȇȓǫࠃ� ȔǪ:˰ࠉȇ� Ǫ�dzࠇ �Ǚ Ǫٸ�˭

Ǫ Ǫ� Ǫ�Ǫ˱ �ȉ ˰ȓǫ...

......................................................................................................................:...........مقدمة

أ

ةـــــمقدم

الشك أن اخلاصية املميزة للفكر الفلسفي الغريب يف الفرتات املعاصرة هي اجتاهه حنو

وأطلق عليه " شالير ماخر"هذا االجتاه الذي بدأ مع . تأويل واستغالل ارثه الكالسيكي

" غادامري"و" هيدغر"و" دالتاي"ليصبح مع كل من " اهلريمينوطيقا"فالسفة األملان اسم

فرنسا، تقليدا ال يعرب عن جمال أو نظام معريف، بقدر ما يدل على يف" بول ريكور"وكذا

توجه فكري، فأصبحت التأويلية املعاصرة، قادرة على أن تشق طريقها لتؤسس صرحا يتخذ

شكل نظرية فلسفية، تنظر إىل التفسري باعتباره مطلبا وتوجها فكريا ضروريا، يف عصر

وض جيعلنا عاجزين عن استيعاب داللة يغلب عليه طابع التعقيد والغموض، وهو غم

يفسر حضور التأويلية يف مجيع مسارب الفكر -بطبيعة احلال–الشيء بصورة واضحة وهذا

.الفلسفي املعاصر

يف ظل هذا الفضاء املعريف، ميكن احلديث عن فيلسوف فرنسي، هو أحد أقطاب

التأويلية يف حقل العلوم و " الفينومينولوجيا"املعاصرة الذين طوروا " التأويلية"وأعالم

، ركز أحباثه على الوجودية، املسيحية والالهوت الربوتستاين، وأعطى واإلنسانيةاالجتماعية

DzưǷ�ƨȈƥ®ȋ¦Â�ƨȈǨLjǴǨdz¦�ǶȈǿƢǨŭ¦�ǺǷ�ƨǟȂǸĐ�ǞLJ¦Ȃdz¦�¿ƢǸƬǿȏ¦" املعىن، الذاتية، التخيل، :

". ةالتاريخ، االستعارة، الذاكرة، احلقيقية، اهلوية، القصدية، اإلحال

......................................................................................................................:...........مقدمة

ب

تتجاوز كل تفسري علمي داخلي، لتنتقل إىل الفهم " بول ريكور"جاءت مقاربة

والتأويل اخلارجي، لذلك جنده يتعدى داللة الشكل إىل البحث عن اإلحالة واملرجع

.واالنفتاح على اخلارج، مبعىن أنه يتجاوز الظاهر إىل الباطن

تغل حول أمهية التأويل عند ميكن ألي حبدث يف حق التأويلية الفرنسية إال ويش ال

باعتبار أنه يتميز حبثه املنهجي اجلديد الذي ميزج بني دقة الفينومينولوجيا" بول ريكور"

:، ميكن إمجال دوافع اختيارنا إىل هذا املوضوع إىل اآليتوعمق األنتولوجيا

اإلبداعية، دوافع ذاتية، متصلة بالباحثة وهي تنبع من رغبتنا يف البحث عن األعمال : أوال

.اليت اشتغل فيها الفالسفة الغربيون املعاصرون

دوافع موضوعية، ترجع إىل عدة أسباب منها أمهية املوضوع، ومنها الطريقة املتميزة : ثانيا

�Ƣđ�¿ƾǫ�Ŗdz¦�ƨǨǴƬƼŭ¦Â"تفسري إشكالية التلقي والتأويل" بول ريكور .

واحلديث عن فلسفته هو سفر املعاصرة، " التأويلية"هو احد أساطني " بول ريكور"

يف مسريته الفكرية اليت متيزت بالعطاء، يف مناحي فلسفية متعددة، وبالتايل فأي حماولة

للبحث يف فلسفته، تعرج بنا لتناول نظريته حول النص والقراءة والتأويل، أي ميكن اعتبارها

.نتيجة حواراته مع التيارات الفكرية األدبية والبنيوية اللسانية

من خالل هذه النظرية الفلسفية إعادة االعتبار للنصر باعتباره " بول ريكور"اول ح

حيمل دالالت متعددة ومقاربات فلسفية خمتلفة، كما أنه حاول تأسيس نظريته حول النص

اعتمادا على ثالثة مراحل أساسية، أوهلا االهتمام بالنص باعتباره بنية ما قبل الفهم،

......................................................................................................................:...........مقدمة

ت

لنص، انطالقا من التداخل بني التفسري والفهم وثالثهما فهم النص ويل عناصر اوثانيهما تأ

.بعامل النص) املتلقي(اعتمادا على انصهار عامل القارئ

إن مسألة التأويل يف الفلسفة، حتمل أمهية كربى، شغلت اهتمام الفالسفة قدميا

ƢȈNjȋ¦�Ǻǟ�Ʈ ŞÂ��¾¦ƚLjǴdz�¦°ƾǐǷ�ƨǨLjǴǨdz¦�ƪ Ƿ¦®ƢǷ�ȄǬƦƬLJ�ƨdzƘLjǷ�ƢĔ¤��ƢưȇƾƷ ء وحقائق

النصوص، فإذا كانت التأويلية قدميا قد ارتبطت بتأويل الكتب املقدسة، فإن التأويلية

واألدبيةاألملانية، وأصبحت تعين بالنصوص الفلسفية بالرومانسيةاملعاصرة ، قد ارتبطت

والدينية على حد سواء، وعطفا على ذلك ميكن القول أن التأويلية يف داللتها املعاصرة

رمزية تأويلية تعين بتفسري املعاين الباطنية اخلفية، مع جتاوز املقاربة النحوية والبالغية قراءة

التقليدية، إىل قراءة تأويلية استكشافية، واالنتقال من الظاهر إىل الباطن والعمل على تأويل

. الدالالت احلرفية الظاهرية املباشرة بدالالت رمزية أو إحيائية

عن مكونات الدائرة التأويلية عند : واملنهجية توحلنا أن تساءلوالضرورة املعرفية

جلته املنهجية ، عن خطواته املنهجية اليت تبىن عليها قراءاته التأويلية، عن معا"بول ريكور"

التلقي والتأويل، عن أصالة هذا املنهج وعن القيمة العلمية : والفلسفية لعملييت

.واالبستمولوجية هلذه الطروحات

اإلجابة عن هذه التساؤالت، وضعتنا يف عمق اإلشكالية، اليت احتلت حيزا كبريا إن

ومة الفكر الغريب املعاصر، وملعاجلة هذه اإلشكالية املطروحة كان لزاما أن نتبع ترتيبا ظيف من

.منطقيا يف حبثنا، فاتبعنا املنهج التحليلي سبيال إىل تفكيك املفاهيم واستخالص املعاين

......................................................................................................................:...........مقدمة

ث

:ا عملنا هذا إىل أربعة فصول كانت على النحو اآليتوقد قسمن

الظاهراتية وجماليات القراءة: الفصل األول

�ƾǬǧ��©ƢǼȈƬLjdz¦�ƨȇƢĔ�Ŀ�ȆǬǴƬdz¦�ƨȈdzƢŦ�ÄǂǜǼǷ�Ƕǿ¢�ń¤�DzǐǨdz¦�¦ǀǿ�Ŀ�ƢǼǓǂǠƫ

أهم ما مييز القراءة من االهتمام والنقاش واملعاجلة، ألن حظيت نظرية التلقي بقسط وافر

�Ǯ ǧ�ȄǴǟ�Ǯ dzǀƥ�DzǸǠƫÂ�¾Ȃdzƾŭ¦Â�¾¦ƾdz¦�śƥ�ƨǴǏƢǨdz¦�ƨǧƢLjŭ¦�Ŀ�Ʈ ƸƦdz¦�¾ÂƢŢ�ƢĔ¢�ƨȈƥ®ȋ¦

مفهومني لقراءة النص ظال "ريكور"رموز التعدد الداليل الذي مييز النص األديب، وقد وضع

عليق توقعات القراءة البنيوية، أين يتم عزل النص عن حميطه اخلارجي وتمتعارضني أال ومها

الداللية للنص، أما القراءة الثانية، وهي قراءة تأويلية يتم القارئ، وذلك قصد وصف البنية

"ريكور"فيها فك العزلة عن النص قصد ربطه مبحيطه اخلارجي، وبأفق القارئ، حبكم أن

.يرفض عقم دعاوي انغالق النص

نابعة من ،ستجابة القارئنظرية أخرى يف القراءة، تؤكد على ا إجياد "ريكور"حاول

، وذلك من خالل القارئ املفرد واستجابته يف عملية القراءة كما "البالغة"ال من " اجلمالية"

أو مبعىن استجابة اجلمهور على صعيد التوقعات اجلماعية " فولفغانغ آيزر"يتضح ذلك عند

يف نقطة واحدة حبيث هذين النوعني من اجلمالية تتقاطعان " هانز روبرت ياوس"كما لدى

أما . ، ويصبح بذلك فعل القراءة حلقة رابطة يف سلسلة تاريخ مجالية التلقي"اجلمالية"وهي

أول من طور اجلانب الناقص من النص األديب والذي "ريكور"فيعترب حسب "أنغاردن"

كان حسب رأيه غري مكتمل وناقص؛ مملوء بالفجوات والفراغات واليت جيب ملؤها حىت

.ن جتسيد موضوع النص األديب القصدي عن طريق القارئنتمكن م

......................................................................................................................:...........مقدمة

ج

الهيرمينوطيقا في مدارس الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر :الفصل الثاني

تناولنا يف هذا الفصل بالدراسة والتحليل مسار اهلريمينوطيقا التارخيية يف الفكر

م باعتبار أن من املعاين اجلامعة للهريمينوطيقا التأويل مبا 17الغريب احلديث ابتداء من القرن

أو أدبية تارخيية باعتبارها كشفا " شالير ماخر"مع هو قراءة فلسفية للنصوص الدينية كانت

اين احلياة وداللتها عري موضعة الذات داخل حيزها التارخيي، كما هو كذلك تأويل عن مع

بذلك . ��Ȇź°ƢƬdz¦�Ǫǧȋ¦Â�ǂǐǠdz¦�¬Âǂdz�DŽǷǂƫ�©ƢǷȐǟ�ƢĔ¢�ȄǴǟ"غادامري"اآلثار الفنية عند

.¦ǀǴdz�ǶȀǧ�ń¤�Dzǐȇ�ŕƷ�ƨȈǻƢLjǻȍ¦�¿ȂǴǠdz¦�Ƣđ�ƢȀƳ¦ȂǷ�ƨǤǴdz¦© "ريكور"حيلل

فقط بتفسري �ǶƬē�ƨLJ°ƾǷ�ǺǷ�¾ƢǬƬǻȏ¦�ƨƦƬǟ�Őيعت "شالير ماخر فريديريك"إن

الكتب القدمية الالتينية واليونانية؛ أو الكتب املقدسة إىل منهجية عامة هلا قواعدها اليت

وبذلك فقد ختطى عتبة . "ريكور وغادامري"تطبق على كل الرتاث اإلنساين كما أكد ذلك

وال الرفع من مستوى التأويل واللغة؛ النص املقدس إىل عامل النصوص األدبية والفلسفية، حما

فهو ال يقتصر على جمرد جتميع املعلومات وإمنا على فهم املوضوع ومعايشته، وبذلك فهو

مييز بني نوعني من التأويل لغوي يعاجل النص ومنهج تأويل نفسي يعتمد على املؤلف أي

هو ذات املؤلف سياق حياته وسياق التاريخ الذي ينتمي إليه، فما جيب فهمه يف النص

اليت باستطاعتها أن تفهم احلقيقة املخفية يف النص عرب الرجوع إىل أصل الفكرة وذلك

ȆǬȈǬū¦�ǶȀǨdz¦�¹ȂǴƦdz�ǪƦLjǷ�¶ǂNj�ƢĔȋ�ƨǤdz�ǖLJÂ�ª ƾŹ.

فقد حاول أن يبحث عن منهج من شأنه أن يكشف احلياة يف ضوء "هيدغر"أما

Ƣē¦�ƢȈū¦ على واقعية مينوطيقا ال على الذاتية وإمنا؛ فحاول من خالل ذلك تأسيس اهلري

وفاء . العامل وتارخيية الفهم؛ فهو زماين، قصدي، تارخيي وليس عملية عقلية وإمنا وجودية

......................................................................................................................:...........مقدمة

ح

هيدغر ألنطولوجيا الفهم جعله يرى يف هذا املشكل جمرد املعضالت اإلبستمولوجية

يق مناذج العلوم الدقيقة على واملعيارية اليت كانت تتخبط فيها التارخيانية حبرصها على تطب

دراسة املشكالت اإلنسانية، كما ركز على فكرة التناهي وبنية األحكام املسبقة باعتبارها

�ƨūƢǏÂ�ƨǴǷƢNj�ƾǟƢǫ�dž ȈLJƘƫ�ń¤�ȄǠLjƫ�ȏ�ǶȀǨdz¦�ƢǬȈǗȂǼȈǷŚȀǧ�¦ǀđÂ��ǶȀǨǴdz�ƨȈƥƢŸ¤�ƾǟƢǫ

".اينالداز "لكل مستويات الفهم؛ وإمنا تسعى إىل تشكيل وعي نقدي لتناهي

الذي أكد على ضرورة تدخل الذات الواعية يف عملية التأويل، ألنه "غادامري"أما

الفهم ال يكون فهما حقيقيا إال من خالل احلوار بني الذات واملوضوع، والوعي التأويلي

يعكس ظهور الرتاث وانصهار آفاق املاضي ليتماشى مع احلاضر، فالنصوص اليت تشكلت

رؤها املؤول ليست مواضيع أو نصوص مستقلة، ومعطيات مطلقة وإمنا يف التاريخ واليت يق

هي آفاق منصهرة من تأويالت وقراءات قد تشكلت يف احلاضر، وأخرى تأسست يف

فقد . املاضي وعملت على فهم الرتاث، واللغة هي الوسط الكلي الذي حيدث فيه الفهم

"ريكور"هاته التأويلية حسب هو أن يقيم تأويلية كلية عامة مثل "غادامري"كان هدف

غري أن هاته املعرفة لن تكون من دون . هي اليت ستشكل اخلطوة اهلامة لفهم اإلنسان لذاته

فهمنا لذاتنا مير حتما عرب متازج اآلفاق الداللية "ريكور"معرفة سابقة، ألن كما يرى

.املختلفة

انسية األملانية، احتفظت إن العلوم اإلنسانية التارخيية، كما نشأت من النزعة الروم

بإرث مييزها عن مجيع ضروب البحث احلديث األخرى، فمنذ ميالد الوعي التارخيي، الذي

يتضمن مسافة أساسية بني احلاضر والرتاث التارخيي برمته، كان الفهم مهمة أساسية،

.فعنصر التاريخ الفعال يؤثر يف فهم الرتاث برمته

......................................................................................................................:...........مقدمة

خ

واليت كانت نقطة ؛ "ريكور"عند ونيطيقا الرموز رمزية الشر وهريممث تعرضنا إىل

مقدففي كتاب رمزية الشر . الهريمينوطيقلالبداية، أو باألحرى املدخل احلقيقي لريكور

، باعتبارها تعبريات ذات لرموزأول تعريف للهريمينوطيقا، فاعتربها طريقة لفك ا "ريكور"

. دوجمز معىن

) النص الديين(للوظيفة التأويلية أصوهلا "ريكور"تواصال وتغايرا هلذه املعاين أرجع

باحث عن الذات وسط السرديات الكربى أساطريا فرأى أن وجودها –حىت يفهم الشر

.حاضر زمانيا مبيزة سردية تتطور وتنمو تارخييا

بإعادة بناء هيكل األساطري مع نسيجها السردي على هيكل الرموز "ريكور"قام

ǏƢŬ¦�ƨdzȂȀЦ�ńÂȋ¦هو ما لقد كان الوضع العام لفهم الذات، . ة باحلكايات األسطورية

إشكالية ولوج الشر يف العامل وبذلك فقد ىلوضع يف رمزية الشر موضع التساؤل إضافة إ

بلغة "كل الرموز اليت تكلمت عن الشر عرب األساطري والتواريخ أن يؤول "ريكور"حاول

ذي يستدعي قواعد لفك الرموز أي لتأويل للرمز ا ففهم هاته اللغة يعين إجراء" االعرتاف

.إىل اهلريمينوطيقا

فقد " تأويل التاريخ من املدرسة األملانية إىل الفرنسية"واملعنون بـ الفصل الثالثأما

فلسفة التاريخ يف املدرسة األملانية وكيف عاجلت النزعة الكانطية تعرضنا فيه إىل مفهوم

وبعض الذين عاصروه، مث املدرسة الفرنسية وموقفها "دلتايوليام "اجلديدة املتمثلة يف

املعاكس للمدرسة األملانية، وبالتايل رفض كل ما ميثل فلسفة التاريخ، فاملدرسة الفرنسية

التارخيية اجلديدة أي مدرسة احلوليات قد أدارت ظهرها للحدث التارخيي وغيبته من

التارخيي ويربط بينه وبني احلبكة القصصية، يعود إىل احلدث "ريكور"اعتبارها، يف حني أن

......................................................................................................................:...........مقدمة

د

وبذلك يعيد االعتبار إىل التاريخ التقليدي السابق ملدرسة احلوليات والذي كان يقوم على

. سرد ما يسمى بالوقائع أو األحداث التارخيية

�ƪ ŪƢǟ�Ʈ ȈƷ�ƺȇ°ƢƬǴdz�ȆƳȂdzȂǼȈǸȈǼȈǨdz¦�¾ÂƢǼƬdz¦�ȂǿÂ�ǶȀǷ�Ʈ ƸƦŠ�DzǐǨdz¦�ƪ ȈĔ¢�ƢǸǯ

لتأويل التاريخ؛ وهو مبحث "هوسرل"�ƾǼǟ�ƨǏƢƻ�ƢȈƳȂdzȂǼȈǷȂǼȈǨdz¦�Ƣđ�ǂǜǼƫ فيه الكيفية اليت

رأيت من األفضل أن يكون ضمن مباحث الفصل الثاين لكي ميهد للفصل الثالث، حيث

بتناوله للتأويل التارخيي سيكون منطلقه كما سنوضح ذلك الطرح "ريكور"أن

."هوسرل"الفينومينولوجي حمتذيا بعمل

تلقي وتأويل التاريخ: بعالفصل الرا

، تعلق "ريكور"حيث تعرضت بالتحليل لثالث مسائل مهمة يف تأويل التاريخ عند

¦�Ƣđ�­°ƚǻÂ�¢ǂǬǻ�Ŗdz¦�ƨȈǨȈǰdz "ريكور"املبحث األول مبشكلة تلقي التاريخ حبيث يطرح علينا

التاريخ، ألن ما نرجوه من التاريخ ليس دائما بلوغ املوضوعية كموضوعية للتاريخ نفسه بل

فمن . موضوعية القارئ، حبيث أن تاريخ املؤرخ هو مؤلف مكتوب ال يكتمل إىل بالقراءة

املتعددة لتاريخ بتحليل القراءات "بول ريكور"خالل عملية التلقي أو نظرية التلقي يقوم

.الفلسفة

مث عاجلت يف نفس الفصل نقطة ثانية ضمنتها يف مبحث ثاين وهي الزمن التارخيي؛

�ǺǷDŽdz¦�» ƢnjƬǯȏ�ȄǴǔǨdz¦�ƨȈŷȋ¦�ƨȈǟ¦ƾƥȍ¦�ƨȈǴȈƼƬdz¦�ƢēƢȈdzƖƥ�ƨȇ®ǂLjdz¦�ƨȈǴǟƢǨǴdz�ƪ ǻƢǯ�ƾǬǧ

هلذه "ريكور"فقد تطرق . اإلنساين بوصفه تأليفا شعريا بني املاضي، احلاضر واملستقبل

......................................................................................................................:...........مقدمة

ذ

املسألة بتصور أوغسطني ملفهوم الزمن وأرسطو ملفهوم احلبكة وحتليله ألفول الصراع بني

.التحليل اإلبستمولوجي واللغوي

بذلك أن يضع فهما جديدا ملفهوم احلكي يف داللته التارخيية أي "ريكور"حاول

فالنص التارخيي . الداللة املرتبطة بالزمن واليت تدفع بالتاريخ ألن يكون يف مستوى السرد

باعتباره نتاجا مكتوبا يعتمد السرد شكال مصاغا وحكايات تتألف فيها األحداث، وما

حداث الذاتية واملوضوعية وبذلك فقد كانت إال واضع للحبكة يصف فيها األ املؤرخ

ňƢLjǻȍ¦�ǺǷDŽdz¦�» ƢnjƬǯȏ�ÃŐǰdz¦�ƨȈŷȋ¦�ƨȈǟ¦ƾƥȍ¦�ƨȈǴȈƼƬdz¦�ƢēƢȈdzƖƥ�ƨȇ®ǂLjdz¦�ƨȈǴǟƢǨǴdz.

يف هذا "ريكور"ختمت هذا الفصل مببحث تطرقت فيه إىل املبادرة، إذ يطرح

"ريكور"قوم املضمار صيغة أخرى ملعاجلة التنقل احلاصل بني املاضي واملستقبل إذ ي

ملفهوم فضاء التجربة وأفق االنتظار من اجل "رينات كوزيليك"مفهوم باستحضار

.استحضار هريمينوطيقا التاريخ أو كتأويل للزمان التارخيي

مث يف األخري تأيت اخلامتة، وهي تلخيص لكل ما جاء يف هذه الرسالة حول التأويل

�ƪ"بول ريكور"عند ȇ¢°�Ŗdz¦�©ȏƢǰNjȍ¦�ǒ ǠƥÂ��ȆǟȂǓȂŭ�ŅÂƢǼƫ�Ŀ�ƨǬdzƢǟ�ƪ dz¦±ƢǷ�ƢĔƘƥ.

يبقى أن أشري إىل أنه مل يكن اختياري هلذا املوضوع بدافع االحنياز األعمى للفكر

الغريب، وإمنا كان اختيارنا قائما على قناعتنا بضرورة املسامهة ولو بالقليل يف مد جسر

مكانية اإلطالع على املنتجات التواصل والتحاور املعريف الذي مينح القارئ والباحث العريب إ

الفكرية النامجة عن احلركة الغنية للفكر الفلسفي التنظريي والنقدي يف الساحة الثقافية

.الغربية

......................................................................................................................:...........مقدمة

ر

كما أن هذا البحث املتواضع ال يدعي الشمولية يف تناوله للموضوع، سواء من

تعلقة بالتلقي يطرح كل اإلشكاالت واملسائل امل حيث املوضوع أو من حيث العمق، فهو ال

فقد كنا جند . ، وذلك نظرا لعمق املوضوع واتساعه"ريكور"وأشكال التأويل عند بول

أنفسنا يف كل مرة يف مواجهة فكر فلسفي معقد وأفكار جمردة وحقل معريف واسع

.ومتداخل، ولكن التحدي واإلصرار ومعاجلة الذات كانت تدفعنا إىل جتاوز العقبة

املوضوع ملا له من ارتباط بالتخصص الذي أنتمي إليه، لقد قمت باختيار هذا و

وأعين بذلك فلسفة التاريخ، والعامل الثاين وهو أنين أردت أن أبني من خالل األمنوذج

الذي اخرتته أمهية املعاجلة الريكورية للموضوع وأمتىن أنين قد توصلت إىل توضيح البعض منه

.ضمن فصول هذه املذكرة

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

11

:الفصل األول

الظاهراتية وجماليات القراءة

.تمهيد-

.وضعية الفعل الجماعي:رومان إنغاردن-1

.التوقعوأفق :هانز روبرت ياوس-2

.فعل القراءة:فولفغانغ آيزر -3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

12

:تمهيد

إن نظرية مجالية التلقي هي نظرية يف العلم والفلسفة والتاريخ واألدب؛ متثل بذلك

من أفالطون وأرسطو مرورا بفلسفة عصر ملختلف الثقافات الغربية، ابتداءتركيبية خالصة

فأملانيا كانت مهيأة أكثر من غري ها الحتضان هاته النظرية وذلك قصد . النهضة واألنوار

إعادة االعتبار إىل الذات والتاريخ والرتاث الفلسفي، إثر اهلزمية اليت تعرضت هلا أملانيا يف

LjǴǨdz¦�ª ¦ŗdz¦�Řǣ�ń¤�ƨǧƢǓ¤��ňƢưdz¦�ƨȈŭƢǠdz¦�§ǂū¦Ƣđ� ƢŬ¦�°®Ƣǐŭ¦�ȂǼƬŭ¦�ȆǨ.

أما اخللفيات اإلبستمولوجية جلمالية التلقي، فقد اتسعت يف ظل هامش الذات

املتداخلة يف بناء موضوعات املعرفة من بارث يف أعماله األخرية، ودريدا، ومع نظرية

ري، التفاعل اليت متنح الذات املتلقية مركز الصدارة يف إنتاج اخلطاب، ومع جورج غادام

وريكور وهيدجر، وغريهم، مث مع ظاهراتية هوسرل وإنغاردن واليت ميكن اعتبارها كرد فعل

.ضد النزعة التجريبية والنزعة الذاتية املثالية

لقد ركزت الدراسات النقدية، وكل املناهج النقدية وخاصة منها األدبية، اهتمامها

، ومن خالل ذلك أعطيت السلطة الكامل على املؤلف باعتباره أساس العملية اإلبداعية

للنص مع عزله عن كل مرجعية خارجية، فحاول بذلك النقد البنيوي أن يكشف عن أهم

البنيات واألنظمة اليت تتبعها النصوص، خارج نطاق اللغة باعتبار النص كيان لغوي مغلق

.على نصه يف إنتاج املعىن

الت مبوته، حماولة منها صب البنيوية بإزاحة كاملة ألمهية الكاتب وقلقد قامت

االهتمام الكلي يف سلطة النص يف بنيته الرئيسية كنص كامل متكون من بنيات فرعية

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

13

فأصبحت بذلك منهجا يشمل مجيع حقوق املعرفة . كتناسق فيما بينها لتكون نصا

ƢȀǼǷ�ƢȀƴȀǼǷ�Ŀ�ƢȀȈǴǟ�ƾǸƬǠƫ�©ƢƸǴǘǐǷ�ƢēƢȈǗ�Ŀ�ƨǴǷƢƷ�ƨȈǸǴǠdz¦Â�ƨȈǻƢLjǻȍ¦: ،النسق

.��¦ƨȈǻƢLjǻȍ¦�ƨǧǂǠŭ¦�¾ȂǬƷ�ǞȈŦ�Ŀ�ƨȈǟȂǓȂŭ¦Â�ƨȈǸǴǠdz¦�ǪǬŹ�Äǀdz¦�ƲȀǼŭ¦�ƢĔƘǯ��¿ƢǜǼdzالبنية

غري أن جتاهلها للفرد؛ ورؤيتها مبوت الكاتب وإمهاله، وعزله النص، عن القراء

��ȄǴǟ�Ǯ dz�Ŀ�ǺȇƾǸƬǠǷ��ƾȇƾƳ�®ƾǠƬǷ� Ȃǐǻ� ¦ƾƥ¤�ǶēȐȇÂƘƬƥ�ǶĔƢǰǷƜƥ�Ǻȇǀdz¦�śǬǴƬŭ¦

سلبيات أدت باإلطاحة باألدب حينما نقلت األمهية من سلطة . كل النصوص املقروءة

.الكاتب إىل سلطة النص

بعد منتصف القرن العشرين، ظهرت حتوالت كربى يف مجيع املناهج وحقوق املعرفة،

فأعطيت بذلك السلطة للقارئ، فبدأ القارئ يف تأويل النصوص حبرية، وتفكيكها معتمدين

ة مجالية التلقي، فهي مناهج اعتربت مبناهج ما بعد يف ذلك على دالالت خاصة، وخاص

وبذلك خطى منهج القراءة، ومجالية التلقي خطوات عميقة يف . البنيوية وما بعد احلداثة

تشييد مجالية من نوع خاص، انتقلت من الفلسفة الظاهراتية اليت جعلت من الذات مصدرا

ج النص بواسطة فعل الفهم للفهم، فأصبحت بذلك الذات املتلقية قادرة على إنتا

.واإلدراك

�ȂȀǧ��¥°ƢǬǴdz�°ƢƦƬǟȏ¦�ƾȈǠƫ�ŕƷ�ƨȈǬǴƬŭ¦�©¦ǀǴdz�¾ƢЦ�ȆǬǴƬdz¦�ƨȇǂǜǻ�ƪ ƸLjǧ�ƢǸǯ

مفتاح األثر األديب وأحد أبرز عناصر التخاطب األديب، وشكلت بذلك القراءة املهمة

.ة عمومااملركزية للنقد املتمحور حول القارئ وهذا ما أحدث تطورا يف النظرية األدبي

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

14

فالقراءة مفتوحة وال ميكن هلا أن تنتهي ومتعددة، وال ميكن لنا أن نقرأ قراءة أو

يتجدد باستمرار يف كل قراءة، فهي تبحث دائما يف تعدد قراءتني فقط؛ وإمنا النص

هذا التفاعل أساسه من جهة موضوعي يكمن ،الدالالت املختلفة اليت تكون داخل النص

. ومن جهة أخرى ذايت يعتمد على الذات القارئة ،ن عالمات ودواليف ما يطرحه النص م

: العمل األديب كما يراه ريكورو . ألن القارئ باستقباله النص فإنه يتلقاه حسب فهمه هو

بتحقيق داللته الكاملة إال عن طريق وساطة القراءة وهذا ما جيعلنا نقدم (...) ال حيظى "

ǂǬdzƢǧ�ŅƢƬdzƢƥÂ��Ƣē¦ǀdzÂ�Ƣē¦�Ŀ�ƨȈǼƥ�Ȃǿ�ǎ¦ 1�"التاريخعن -النص مبا تقوم به النيابة ǼdzƢǧ

.حتدث للنص بوصفها حدثا خارجيا وعرضيا

أو على آخره، " خارجه"يشري إىل انفتاح النص على ": فعامل النص كما يراه ريكور

ففي عزل " 2"النص موضوعا قصديا أصيال يف عالقته ببنيته الداخليةحبيث يشكل عامل

.3"عن القراءة يبقى بذلك تعاليا يف الكمونالنص

يزر يف وصفه لعالقة التداخل بني القارئ والنص، فامليزة آ وهذا ما نلمسه عند

األساسية للموضوع اجلمايل األديب يتم إدراكها داخل النص، وسريورة القراءة ال تضع

ر واملستويات القارئ يف مواجهة النص، وإمنا تقحمه يف الداخل فينتقل من وجهات النظ

الداللية املختلفة حىت يصل إىل تنسيقها على شكل داليل متماسك كما رأينا ذلك عند

.ريكور

، 1،2006، ط3ج ،جورج زينايت. راجعه عن الفرنسية د ،تر سعيد الغامني ،الزمان املرويالزمان والسرد، ،بول ريكور - 1

.237ص.نفسها الصفحة ،نفسه املصدر - 2.نفسها والصفحةنفسه، املصدر - 3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

15

وهذا ما أطلق عليها آيزر بوجهة النظر اجلوالة اليت أخذها من هوسرل عن طريق

فوجه النظر اجلوالة تنسجم 1"أخضعها لتطوير ملحوظ يف ظاهراتية فعل القراءة"إنغاردن

هوسرل لتفاعل االستدعاء واالستبقاء؛ حبيث هناك عملية تفاعل مستمر بني مبفهوم

التوقعات والذكريات طوال عملية القراءة فيتوصل بذلك النص إىل التأليف حىت يشكل

بقدر ما يكون العمل (...) فالقارئ عند ريكور هو الذي يكمل "بذلك نفسه مجلة مجلة،

.2"املكتوب ختطيطا للقراءة

باعتبارها كما يرى ذلك مأل الفجوات العب املتلقي بالقيود السردية، و ءة يتففي القرا

تتعدى قدرة القارئ على تصور ما عجز املؤلف عند تصويره، فيحتمل بذلك ،ريكور

. القارئ عبء احلبك

ستمرارية املفقودة والقراءة هي اليت متنحه االبه ثغرات، ن النص كما يراه إنغاردن إ

�ȌŤ�ƢĔȋت وتربط بني عناصره املفصولة عن بعضها البعض فتقوم بذلك برتكيبها الثغرا

دالليا حىت متأل البياض بني كل العناصر النصية، وهذا يرتبط خبربة املتلقي، وطريقته يف فهم

.العمل وتأويله

إن موقف إنغاردن هذا يتموضع متاما مع موقف روالن بارث حني يرى أن القارئ ال

ر غري عبور النص متنزها يف أرجاءه مستعمال قدراته الداللية، وبذلك تغدو يقوم بشيء آخ

.252ص ،السابق املصدر ،3ج ،الزمان املرويالزمان والسرد، ،بول ريكور - 1.131ص ،1ج ،نفسه املصدر - 2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

16

القراءة جمرد نزهة داللية يعيش القارئ خالهلا النص ومعانيه الداللية اليت أثارها يف خميلته؛

.1"باللذة اليت أمساها روالن بارث بلذة النص -القارئ –يتمتع "كما يرى ريكور فهو

وس جتديد تاريخ األدب، أي يقرتح مدخال جديدا لكتابة من جهة أخرى حياول يا

وجيعله بذلك يف قلب االهتمام يف الدراسات التاريخ األديب حىت يرد له أمهيته املفقودة

فحاول بذلك أن يعاجل النقص القائم بدءا من التاريخ األديب إىل الشكالنية مث . األدبية

ية باعتبار أن التاريخ العام يربط الظاهرة ضعرخيانية والو املاركسية مرورا باملثالية األملانية، والتا

حيث قيل يف مطلع هاته . األدبية باألحداث التارخيية دون أن يهتم يف مجاليتها اخلاصة

ȐǗȍ¦�ȄǴǟ�Ƥ¼"احملاولة إن ƦLJ�Ȑƥ�dž Ȉdz�ǺǰdzÂ��©ÂƢē�ǾƬǠũ"2.

املتلقني لكن األدب ال ميكنه أن يصبح سريورة تارخيية ملموسة إال بفضل جتربة

Ƣđ�ÀȂǠƬǸƬLjȈǧ�ƨȈƥ®ȋ¦�¾ƢǸǟȋ¦�ÀȂǴƦǬƬLjȇ�Ǻȇǀdz¦ . فليس القار ئ واجلمهور املتلقي جمرد

"عنصر سليب، وإمنا يعترب عنصر أساسي يف صنع التاريخ كما يرى ذلك ريكور إن معىن :

الراسخة بني العمل ومجهوره يف كل " dialogisch"العمل األديب يعتمد على العالقة احلوارية

.3"صرع

وحىت نستطيع أن نفهم األعمال األدبية ضمن تاريخ أديب فعلينا أن ننفتح على

، 4"ولكن ليس التأثري الفعلي احلايل وحده؛ بل تاريخ التأثريات. "مجالية التلقي والتأثري

وهو ما يتطلب . مستعملني تعبريا من التأويلية الفلسفية الغادامريية كما يرى ذلك ريكور

.131ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1.256ص ،3ج ،نفسه املصدر - 2.256، ص 3ج ، نفسه املصدر - 3.257، ص 3ج ، نفسه املصدر - 4

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

17

فبفضل أفق التوقع تتمكن النظرية من التمييز بني األعمال األدبية يف 1"التوقعاستعادة أفق "

. زمن ظهورها وتلقيها يف الزمن احلاضر مرورا بسلسلة التلقيات املتتالية اليت كانت من قبل

توقع موجود سابق وعمل التماهي مع مسافات مجالية متتابعة بني أفق"وبالتايل فإن

منطق السؤال واجلواب لفلسفة غادامري؛ فهو الذي يسمح لنا معتمدين يف ذلك 2"جديد

بإعادة بناء التوقعات للمتلقني األوائل للنص ومها خطوتان يف إعادة القراء ة ألننا عندما

نطرح سؤال فإن النص هو الذي يقدم لنا اجلواب عن طريق القراءة، فنصل بذلك إىل فهم

.صة بهأويل، فيسمح للنص بأن يطور توقعاته اخلا

أن يوسع مدار اهتمامه األويل يف " حنو مجالية التلقي"لقد حاول ياوس يف كتابه

فالتأويلية األدبية حىت . جهة وتشكيل تأويلية أدبية من جهة أخرىجتديد تاريخ األدب من

عن الفهم "تكون جديرة بامسها كما يرى ذلك ريكور جيب أن تتصدى ملهمة ثالثية

(subtilitas inteligendi) والتفسري(subtilitas interpretandi) والتطبيق(subtilitas

applicandi)"3.

فالتفسري هو الشكل : وبذلك أخذ ياوس بعني االعتبار وحدة اللحظات الثالث

الظاهر للفهم، فهو يقوم على الفهم؛ وكل واحد منهما هو تطبيق للنص يف الوضع

�Ǫǧ¢�DzǔǨƥ�ǂǓƢū¦�ń¤�ʼnƾǬdz¦�ǎ Ǽdz¦�¦ǀđ�®ȂǠdz¦�ǺǷ� Ȃǻ�ƢǸƟ¦®�½ƢǼǿ�Ǿǻ¢�ŘǠŠ��ǂǓƢū¦

وهكذا فإن التأويلية األدبية كما . عله معاصرا كذلكالتوقع ليس فقط جلعله مفهوما وإمنا جل

.257ص ، سابقالصدر امل، 3الزمان والسرد، ج،بول ريكور - 1.املصدر نفسه، والصفحة نفسها-2.260، ص املصدر نفسه - 3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

18

تتوجه حنو التطبيق ويوجهها الفهم على السواء، ومنطق السؤال واجلواب هو : "يراها ريكور

.1"الذي يضمن نقلة التفسري

فال ميكن أن يكون هناك تفسري أو تأويل دون فهم، أما التطبيق فهو املفهوم الذي

.يف الواقع للمفسر ويف نظرته إىل العامل وإىل ذاته يبني لنا مدى تأثري النص

.260ص ، السابق املصدر - 1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

19

Roman’‘)1960-1893(رومان إنغاردن-1 Ingarden’’

أكثر موضوعية وبعدا عن املثالية فيما طرحه من تعديل على بدا رومان إنغاردن

عن املعىن اخلالص الذي أشار " هوسرل"مفهوم القصدية املتعالية، وانتقد فلسفة أستاذه

إليه، واكتفاءه بطرحه املتعايل الذي ينظر إىل حقيقة املوضوع باعتبارها الكيفية اليت يتجلى

ƨȈǟ¦Ȃdz¦�©¦ǀǴdz�ǎ dzƢŬ¦�°ȂǠnjdz¦�Ŀ�Ƣđ وإمهاهلا الكلي ملوضوع اإلدراك، فمثالية هوسرل ترى

العامل الواقعي وعناصره وموضوعاته قصدية خالصة قوامها الوعي اخلالص الذي يشكلها،

وركز على أمهية فهم بنية العمل نفسه حىت تتحقق املوضوعية، فإدراك العمل األديب

اجتاه مجالية التلقي، وأسلوب وجوده ينطبق عليه املوضوع القصدي مما سيؤثر على

هنا نلمس الفرق بني . وخصوصا يف حبثه عن القيم اجلمالية اليت ينطوي عليها العمل األديب

العمل األديب يف حد ذاته، " بنية"هوسرل وإنغاردن الذي كان مييز متييزا حامسا بني إدراك

.الناجم عن حتقيق هذه البنية" املوضوع اجلمايل"وإدراك

ن مفهوم القصدية من طابعه املثايل اهلوسريل الذي كان يرى أن فقد حول إنغارد

العامل الواقعي، وموضوعاته قصدية خالصة قوامها الوعي اخلالص الذي يؤسسها، حوله إىل

حقيقة مادية، فأدرج بذلك اإلدراك والفهم ضمن بنية العمل األديب، فإدراك هاته الظاهرة

.¦ƨȈǬǴƬŭ¦�Ƣē¦�«°Ƣƻ�ƾƳȂȇ�ǂƻ¡Â�Ƣē بقصدية إنغاردن قائم على عامل يوجد يف

- 1960-1893(رومان إنغاردن(‘’Roman Ingarden’’: فيلسوف روماين تتلمذ على يد هوسرل، ولكنه جدد يف

استفاد إنغاردن من فكرة هوسرل اليت تنظر إىل الفينومينولوجيا . تعاطيه للفريمينولوجيا ووجهها حنو آفاق أخرى كالفن واألدب

. باعتبارها علما صارما

Controverses’‘)1947-1984(أهم مؤلفاته مطارحات حول وجود العامل sur l’existence du monde’’ وفيه

.يعرض أهم مبادئ فلسفته بدراسة نسقية صارمة لكربى املقوالت الفلسفية

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

20

كما أنه يستبعد ذاتية القارئ يف املوضوع األديب من أجل وجود العمل األديب نفسه،

والذي يتضمن عدة مستويات أصوات الكلمات، واجلمل أو الوحدات الداللية،

.1"أي مظاهر الواقع اليت ميكن أن تصور يف النص(...) واملوضوعات املمثلة

يكون العمل األديب مستقل عند حتديد وجوده وذاته باعتبار أن ذاته متنقلة بذلك

يكون العمل األديب فعند أي موضوع من مواضع القراءة اليت يرى أن وجودها سابق عليها،

سابق عن القراءة اليت يعمل على إيصاهلا، ألنه يقوم بوضع جوانب خمتلفة حول املوضوع

ال هاته اجلوانب من جهة ومن جهة أخرى حناول تركيبها الذي حتتويه، حناول بذلك إكم

.للوصول إىل حتقيق موضوع مجايل

" الفراغات"من جهة أخرى فموضوع بنية النص هو عبارة عن جمموعة من

املنتشرة داخل النص واليت حتتاج إىل سد هذه الثغرات للوصول إىل نص " الفجوات"و

".أنغاردن"قصدي كما يراه

une’‘إىل النص على أنه نوع من الالاستمرارية ينظر إنغاردن discontinuité’’ وهذا

راجع إىل االنقطاعات والتفكيكات اليت حيتوي عليها النص؛ والنامجة عن الفراغات

والفجوات اليت تشكل جزء ال يتجزأ من تكوينه املادي؛ وبذلك تعترب القراءة هي الوسيلة

�ƨȈdzȏƾdz¦�ƨǴǐdz¦�ƾšاليت متنحه االستمرارية اليت كانت مف �Ŗdz¦�ȆȀǧ�ǾƫƢǣ¦ǂǧ�ȌŤ�ƢĔȋ��®ȂǬ

.الفاصل بني العناصر النصية" البياض"بواسطة الرتكيب فتمأل

.237ص ، 2007، 1بيان سلطة القارئ يف األدب، حممد عزام، دار الينابيع، دمشق، طحممد عزام، التلقي والتأويل، -1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

21

غري أن ملئ هاته الفجوات يعتمد على عملية تلقائية من قبل القارئ بشرط أن

ا تكون معروفة، لكن املشكل يتمثل يف املواضع الغري واضحة يف النص واليت يكون عليه

النص صامتا حبيث أنه ال يوضح أي احتماالت ومن خالل ذلك يبقى املوضوع األديب

هو فارغ، وخيلق بفعله دائما حيتاج إىل قارئ حياول إكمال وتركيب ما هو ناقص ومأل ما

.هذا النوع من االستمرارية أثناء القراءة

بالضرورة على خربة أن حتقيق املوضوع اجلمايل يعتمد " أنغاردن"اعتبارا من هذا يرى

املتلقي أي القارئ وعن منهجه وطريقته يف التعامل مع النص ومن ذلك التوصل إىل تأويله

حبيث " هوسرل"ويكون بذلك قد أعطى مفهوم القصدية مفهوما آخر غري الذي أعطاه

وضعه على أساس مادي دون الوضع املتعايل اهلوسريل، وألن عملية اإلدراك أو عملية

. كن هلا أن جتود بصيغ خمتلفة داخل وجود املوضوع اجلمايلالقراءة مي

تقوم أساس على ، 1"يقدم العمل األديب، على أفعال قصدية من قبل مؤلفه"

لتجربة القرائية، وبني املؤلف والقارئ، قراءة واعية حتاول مأل فجوات لالتداخل املتباين

.الذاتالنص، من جهة أخرى يرى أنه يعتمد يف وجوده على

، فهو 2"يكون غري مكتمل ومنقوص ؛ عند إنغاردن؛النصأن " من هنا يرى ريكور

منقوص من جهة ألنه يقدم وجهات ختطيطية خمتلفة يطلب من القراء معانيها ويقدمون

.بذلك توضيح الشخصيات كما األحداث املنقولة يف النص

.237سابق، ص الرجع املحممد عزام، التلقي والتأويل، -1.251ص ،سابقالصدر امل ، 3ج ،الزمان والسرد، الزمان املروي،بول ريكور - 2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

22

حه، يتحدد بوصفه وهو من جهة أخرى غري مكتمل باعتبار أن العامل الذي يقرت

معادال قصديا ملتوالية من اجلمل تظل حباجة دائما إل االنضمام للوصول إىل كلية العامل

إىل االستدعاء يف استنباق أي "" هوسرل"املقصود، وهذا ما دفعه إىل تطبيق مبنظور

حبيث يقوم القارئ استدراج النص 1"تلوى األخرىواحدة املتوالية، لتتواىل بذلك اجلملة

.ضمن توقعاته، وبذلك ينجم تفاعل النص والقارئ

لك الفلسفي أنطولوجي حول معرفة بنية العمل األديب، وبذ" أنغاردن"إن مشروع

للفهم، من خالل موضوعه القصدي عن فقد سعى إىل البحث عن األساس املوضوعي

ا لنص هويته األصلية وبذلك نستطيع أن نربطهاة اليت تضمن يطريق اجلوانب اخلطاط

بالفهم، لكن كل موضوع هو عبارة عن جمموعة من اجلوانب ال ميكننا اإلملام جبميع هاته

اجلوانب دفعة واحدة، ما نقوم به هو بفهم عدد حمدود من اجلوانب اليت تفهم جمتمعة

.وبالتايل تكون مرتاكمة

فاحليز الظاهر من هذا املوضوع، أي هذا اجلزء الظاهر فقط هو الذي يسمح لنا

راك املوضوع، أي الذات الفاعلة هي اليت تقوم بعملية اإلدراك هاته من خالل ما هو بإد

يستطيع العمل األديب وبفضل األوجه اخلطاطية اليت يعرضها، "حاضر أمامها، وبذلك

أن يثري ...) الوحدات الصوتية الرتكيبية والداللية والتصويرية(وبفضل عناصر معينة يف بنيته

دراسة حتليلية نقدية يف النظريات الغربية احلديثة، منشورات : من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة ،عبد الكرمي شريف - 1

.120، ص 1،2007ط ،االختالف، الدار العربية للعلوم

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

23

تبقى جاهزة أو متأهبة للتحقيق والتعيني، كما لو كانت لتفرض "رى اليت أوجه املوضوع األخ

.1"نفسها عليه أثناء القراءة

فهاته الطبقات تؤطر بنية النص اليت حتتاج إىل قارئ يتمم مواضعها املبهمة، فمعرفة

أهم مقومات العمل األديب هي اليت تسمح لنا بعملية اإلدراك اليت يعتمد عليها اجلانب

املوضوعي ، ألن البنية األساسية للنص هي اليت تكون قاعدة للفهم والتأويل؛ والقراءة هي

وبالتايل فاملعىن هو أساس التفاعل بني بنية . اليت توصلنا إىل حتقيق القصدية املخططة للعمل

.العمل األديب وفعل الفهم

طوي على ثالث تن" الكاملة"إىل حد القول أن القراءة " أنغاردن"بتميزه هذا ذهب

خلق أو بناء املوضوع اجلمايل، وتقومي املوضوع اجلمايل الناتج، وتقومي "فعاليات متميزة

.2"العمل الذي نتج بالتعاون معه ذلك املوضوع اجلمايل، أي تقومي العمل األديب نفسه

وبتميزه بني البنية األصلية للنص وما بني املوضوع اجلمايل يبني أن " أنغاردن"فإن

ه القراءة هي اليت حتفظ الذات من التماهي من جهة ومن جهة أخرى تبعدها بذلك هات

.وتفصلها عن اإلدراك الواعي واملوضوع اجلمايل

أن يضع جتربة القراءة يف موضع حبيث تسمح مبعرفة املوضوع " أنغاردن"قد حاول ف

تأملية، وهي اجلمايل والعمل األديب معرفة صادقة، من خالل نوعني من املعرفة، معرفة

خمتلفة عن النظرة التخيلية اليت كانت سائدة تتمثل يف التحليل التأملي للوصول إىل طبيعة

هذا العمل األديب، أي الوصول إىل حتديد قيمته اجلوهرية، أما املعرفة الثانية تتمثل يف

.120ص دراسة حتليلية نقدية يف النظريات الغربية احلديثة،: من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة ،عبد الكرمي شريف - 1.122، ص نفسهاملرجع - 2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

24

كونات املعرفة قبل مجالية واليت ختص بنية العمل األديب اليت ترتكز أساسا من جهة على امل

النصية ومن جهة أخرى طريقة حتديد هاته املكونات اليت توصلنا إىل تعدد القراءات

.واختالفها

، هي معرفة مزدوجة حتاول من جهة "أنغاردن"وبالتايل فهاته املعرفة اليت يتطرق إليها

حتليل املوضوع اجلمايل والوصول إىل فهمه ومن جهة أخرى التوغل يف بنيته القاعدية

مث تأيت بعد ذلك عملية إعادة الرتكيب، ويتمثل يف إعادة حتليل .ل إىل امللموسللوصو

.وإعادة بناء تام وعميق وبذلك إعادة تأليف شامل

عملية تقوم بتحقيق موضوعي غري "هي ضرورة إعادة الرتكيب أن " أنغاردن"يرى

�¿ȂȀǨŭ¦�¦ǀđ�ȆǿÂ��ȆǘȈǘƼƬdz¦�ǾǴǰNj�Ŀ�DzǸǠǴdz�ŅƢŦ (...) لعمل أكثر قيمة اوسيلة لتثمني

.1"سيلة لتثمني املوضوع اجلمايلو مما هي

لقد حاول أنغاردن من خالل هذا أن يبني أن النص األديب ميلك بنية ثابتة، وتتكون

غري أن .من خطاطات حناول إدراكها مبحاولة ملئها، فتختلف بذلك باختالف القراء

طاطات وطرق ملئها، وإمنا اختالف املوضوعات اجلمالية ال يرجع إىل اختالف هذه اخل

يكون كذلك نتيجة الختالف املكونات البنيوية واملادية اليت تبىن عليها هاته البىن النصية،

.أي أن إعادة الرتكيب هاته تتطلب هذا االختالف

.125املرجع السابق، ص -1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

25

مهما جدا يف هذا املوضوع، ألنه من جهة اكتشف أن " أنغاردن"لقد كان فضل

مواضع من عدم "ثغرات وفراغات أي ون منبارة عن هيكل عظمي وأنه يتكالنص ع

.اليت يسعى قارئه إىل ملئها كما يرى ذلك ريكور 1"التحدد

.251ص ، سابقالصدر امل ،3ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

26

Gans*هانز روبرت ياوس-2 Robert Juss)1921-1997(:

حني تناول فولفغانغ آيزر هذه املالحظات اليت قدمها أنغاردن أخضعها لتطوير

.ملحوظ يف ظاهراتية القراءة

لقد حاول ياوس لفت االنتباه إىل أن السمة املميزة للظاهرة األدبية إمنا تكمن يف

.املسافة، التوقعأفق : وهو ما يعين طبيعة القضايا املركزية عنده: "بعدها التارخيي

لذا عمل على حتويل اهتمام التاريخ األديب إىل موضوعات وقضايا جديدة باستبدال

ى أكثر قوة وأكثر تأسيسا لكن قبل ذلك حاول القيام باستعراض األسئلة القدمية بأمثلة أخر

جوانب النقص فيها، بدءا حتليل ملناهج والنظريات اليت عاجلت نظرية التلقي يف التاريخ و ا

من الرتاث األديب وذلك يف شكله التفكريي والبدائي من الشكالنية واملاركسية مرورا باملثالية

ألنوار كذلك التارخيية والوضعية وتاريخ الفكر، وذلك حماولة منها األملانية اليت عرفتها عصر ا

ملناقشة مجيع جوانب النقص فيها، هاته النقائص اليت جعلت النظرية األدبية تعرتض على

.التاريخ يف كل مرة

سبتمرب 21يف نظرية التلقي واألدب الفرنسي عامة، ولد يف أستاذ ومنظر أملاين ):1997-1921(هانز روبرت ياوس - *

ويف سن السابعة والعشرين بدأ 1948بدأ دراسته ألول فصل يف براغ يف نوفمرب 1944بأملانيا، وخالل هذه السنوات 1921

يف هايدلربغ وقام 1952اه يف ، نال الدكتور )التاريخ األملاين(دراسته يف الفيلولوجيا الرومانسية والفلسفة والتاريخ واجلرمانية

مع هانز ) الشعر واهلريمينوطقا(كان دوره معروضا على جمموعة أحباث حول 1962برحالت دراسية يف باريس يوبروجيا، ويف عام

، وجامعة السوربون 1973، مث جامعة كولومبيا )1968-1967(بني ) Zurich(بلومربغ، وكان بروفسور يف جامعة زيريخ

من أجل مجالية التلقي، من أجل هريمينوطيقا أدبية، ونظرية األجناس مع :، من أعماله1982ة كاليفورنيا ، وجامع1978

.1997مارس 1وتويف يف كونسطنس 1987أفريل 01تزفطان تودوروف وكارل فيتور، تقاعد يف

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

27

إن إعطاء تصور جديد ملعىن التاريخ األديب، يدخل يف صميم املشروع النقدي

عن مجالية التلقي يكمن يف تكملة نظرية ظاهراتية " ياوس"ف جلمالية التلقي، فلم يكن هد

: لقول ريكورعن فعل القراءة، وإمنا هدفه األساسي كان كمحاولة منه جتديد تاريخ األدب

مل يكن اهلدف من مجالية التلقي عند ياوس يف صياغتها األوىل أن تكمل نظرية ظاهراتية "

، ومن جهة أخرى هذا من جهة 1"خ األدبعن فعل القراءة، بل كانت تريد جتديد تاري

�ȄǴǟ�Ƣđ�ƾǸƬǠȇ�À¢�ǞȈǘƬLjȇ�ƨƦƫǂǷ�ń¤�ĺ®ȋ¦�DzǸǠdzƢƥ�DzǏȂȇ�À¢�Ǿǧƾǿ�ÀƢǯ " العالقة احلوارية

(dialogisch) أي بني النص وما بني قارئه أي 2"بني العمل ومجهوره يف كل عصرالراسخة ،

بالتلقي إلعطاء أمهية كربى للقارئ متلقيه وذلك هدفا منه للوصول إىل مساواة املعىن الفعلي

.ولتاريخ القراءة بعد ما كانت مهملة من قبل

باعتبارها األداة املثلى التوقعإىل مفهوم أفق " ياوس"جلأ : ولفهم هاته الصريورة

والسهلة للوصول إىل فهم هاته الصريورة القائمة على فهم هلاته الظاهرة األدبية سواء يف

ارخيية، حيث ال يكون متة حتقق خارج زمانية الكائن اليت تسمح أبعادها اجلمالية والت

باندماج األفق احلاضر بأفق املاضي فتعطي املاضي قيمة حضورية راهنة، جتعلها قابلة

.3"للفهم

إن تلقي تاريخ األدب يف زمن ظهوره وتلقيه يف الزمن احلاضر مرورا بسلسلة التقنيات

سبب بناء تاريخ األدب يف نظر ياوس الذي يدعو إليه، املتتالية اليت عرفتها من قبل هو

.256ص ، سابقالصدر امل ،،3ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1.نفسها الصفحة ،نفسه املصدر - 2.257ص ،نفسه املصدر - 3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

28

دور القارئ يف التوسط بني كيفية إدراك النص يف املاضي من جهة ومن جهة "يتمثل يف

.1"أخرى إدراكه يف احلاضر

�Ǧ ǘǠǼŭ¦�¦ǀđÂ��ƾȇƾƳ�Ǫǧ¢Â�ƾȇƾƳ�ȆǟÂ�§ ƢLjƬǯ¦�ń¤�ȄǠLjȇ�ÀƢǯ�¦ǀǿ�ǺǷ�¦°ƢƦƬǟ¦

ترتبط باملنعطفات التارخيية الكربى اليت تقدم قصة مغايرة التارخيي يعين أن األعمال اجلديدة

وال تتوافق ألفاق االنتظار السابقة وذلك من خالل ما حتمله من تطورات جديدة للعامل

.املعاصر

ياوس، يرجع يف أصله إىل هوسرل، الذي استعمل هالذي حيدد التوقعإن مفهوم أفق

ة الزمنية، أي الفينومينولوجية، كما يشري معناه مفهوم األفق وذلك للوصول إىل حتديد التجرب

إن املعيش الذي أصبح موضوعا يف نظر : "إىل رؤى أخرى متنوعة مل تتحقق حسب قوله

األنا، والذي سيظهر باعتباره منظورا إليه من زاوية معينة، ميلك أفقا يتحدد يف اإلمكانية

ا يتكون من واجهة خلفية من غري احملققة، إن ما يدركه وفق انتباه معني، ميتلك أفق

الالاانتباه أو الالاهتمام تعرض نسب خمتلفة من الوضوح والغموض ومن الربوز وعدم

.2"الربوز

كارل "كذلك من خالل فيلسوف العلوم " توقعأفق ال"املفهوم كما استخدم هذا

.)1893-1947("ʼnƢĔƢǷ�¾°Ƣǯ"وعامل االجتماع )1994-1902(" بوبرب

كل : ياةيف فهمه للنظرية العلمية وجتربة احل التوقعارل بوبرب على أفق لقد اعتمد ك

اليت يعتربها من أهم " خيبة االنتظار"كما تطرق إىل مفهوم توقعمنهما يتمحور على أفق ال

.91سابق، ص الرجع املحممد عزام، التلقي والتأويل، -1.163سابق، ص الرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

29

العوامل الذي تدفع بالعلم إىل األمام، حبيث كلما اصطدمنا خبيبة األمل استطعنا أن نتقدم

وخيبته، تبني اجلانب السليب لتجربة التوقعن املصطلحني أي أفق إىل األمام، وتفاعل هذي

احلياة وبذلك تتحرر الذات حنو جتربة أخرى ليحصل بذلك التطور يف العلوم املتعددة يف

. الواقع

والذي اعتمد عليه ياوس الذي استعمل قبله ياوس التوقعوبذلك فإن مفهوم أفق

من حتليالت خمتلفة، فإن سلسلة التلقيات املتتالية من طرف الكثري من الفالسفة األملان وض

اليت اعتمد عليها ياوس عرب التاريخ ال ميكن هلا أن تكون منفصلة عن اجلمهور املتلقي

فلن نتمكن من فهم ووصف الرتاث األديب، يف "الذي مينحها يف األخري شكلها اخلاص،

. اخلاص بكل مجهور 1"التوقعفق أي بناء أ التوقعخصوصيته، إال إذا متكنا من موضعة أفق

اخلاص الذي ميكن أن يكون مسايرا النتظارات التوقعوبالتايل فكل عمل إذن، حيمل أفق

.اجلمهور؛ ولعاداته يف التلقي

مبا أن النص األديب هو جمموعة من املعايري والقواعد اليت يتبعها القارئ حىت يستطيع

فهم ما يتلقاه، فهو بذلك يتأسس على حسب كل فهم فردي للنص، فعن طريق أفق

القابل للتموضع، نفهم التجربة اجلمالية التارخيية اليت حتكم الفهم والتلقي، من جهة التوقع

.ة للرتاث العريب تكون متغرية كلما تغري األفقأخرى فالقيمة اجلمالي

جتدر اإلشارة أن هاته التغريات النامجة عن التأثري األديب توصلنا إىل أن مفهوم أفق

. وتغري األفق يكون يف األخري مقياسا للتحليل التارخيي التوقع

.164املرجع السابق، ص ، عبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة-1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

30

من ناحية أخرى، ومن خالل مفهوم األفق الذي اختذه ياوس يف حتليله لألدب

ارخيي، تطرق كما يرى ذلك ريكور إىل التماهي مع املسافات اجلمالية حبيث يفرق ياوس الت

اجلمالية األصلية األوىل واليت متيز موقف املتلقني األوائل؛ : بني نوعني من املسافة اجلمالية

اجلمهور عن عمل من أعمال املاضي، أي التوقعواملسافة اجلمالية الراهنة اليت تفصل أفق

الذي ينتمي للحاضر؛ فيكمن اهلم توقع أفق الو التوقع النابع من املاضي ق بني أف"

.1"لتاريخ األدب يف هذه الوساطة التارخيية(...) املوضوعايت

يعترب ريكور أن هاته اخلطوات هلا أمهية كربى يف تطور التوقعات للنص، والوصول

السؤال، هذا التوقع يعترب كتأويل إىل فهمه فهما أوليا، ألننا بطرح السؤال نتوقع اإلجابة عن

، وهاته املتعة هي اليت "متعة"أويل للنص؛ وبالتايل يعترب ريكور أن هاته العالقة هي عالقة

�¾ȂǏȂdz¦�¾ÂƢŴ�ƢŮȐƻ�ǺǷÂ�ƪ ƷǂǗ�ƢǸǴǯ�ƨǫȐǠdz¦�ǾƫƢđ�ǞƬǸƬǻ�Ǯ dzǀƥ�ƢǼǻȋ��ƨǧǂǠŭ¦�ń¤�ƢǼǴǏȂƫ

.إىل املعرفة اليت نريد الوصول إليها

اليت تساعده على بناء اخلطوات التوقعألن القارئ قد يتمكن من متثل معامل أفق

التأويلية املرتبطة باملسافة اجلمالية ومبنطق السؤال واجلواب، اعتمادا على التاريخ اليت يوفر لنا

. مصادر الرتاث العريب القدمي

نتلقى أي عن طريق منطق السؤال واجلواب، فعن طريق مساءلة التاريخ للماضي

عمل ما الستجابة ووساطة بني املاضي واحلاضر، أي بني أفق التوقع النابع من املاضي وأفق

كما ذكرنا التوقع الذي ينتمي إىل احلاضر واليت أطلق عليها ريكور بالوساطة التارخيية

.سابقا

.258ص ، سابقالصدر امل ،3ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

31

احلقيقة (اليت استعارها من كتاب غادامري " السؤال واجلواب"يؤكد ياوس أن منطق

ميثل بعدا إسرتاتيجيا بالنسبة ألية عملية تستهدف وصف تلقيات القراء املتعاقبني ) املنهجو

¦�ȆǬǴƬŭ¦�ǾȈǧ�ƾƳÂ�¦¤�ȏ¤� ȆNj�¾ȂǬȇ�ȏ�DzǸǠdz¦�Àȋ��Ƕđ�ƨǏƢŬ التوقعحملاولة تشكيل آفاق

.جوابا ضمنيا عن سؤال ميكنه طرحه يف احلاضر

كما أن ؛إىل طبيعته وداللته بيسر إن األفق ليس شيئا ثابتا ميكن حتليله والوصول

األسئلة اليت تطرحها النصوص على قرائها ليست ثابتة وحمددة يف كل عصر وبالتايل تكون

املعاين والدالالت اليت تكتسبها النصوص من خالل القراء املتعاقبني عرب التاريخ متغرية

.ومتجددة

ستمرار، وهاته املراجعة لذلك أصبح من الضروري الرجوع إىل املسلمات السابقة با

تدفعنا إىل االلتقاء باملاضي أي املسلمات املاضية، مث أن أفق احلاضر الذي تكلم عنه

) املاضي(ياوس؛ ال ميكن أن يتواجد معزوال عن املاضي فيكون قد أخضع مفهوم التاريخ

ال فنصل إىل أن الفهم عن طريق انصهار آفاق املاضي مع آفاق احلاضر . كمفهوم للفهم

ميكن الفصل بينهما باعتبار أن األفق التارخيي هو طريق التعامل مع املاضي يف اللحظة

.اآلنية

من "ومن خالل ذلك حاول ياوس تشكيل تأويلية أدبية، وهذا ما جنده يف كتابه

حيث مت الرتكيز يف هذا الكتاب على تكامل مبادئ الفهم والتفسري " أجل تأويلية أدبية

لقراءة أن جتتاز هذه لال بد "مراحل متداخلة لتحليل النص األديب، والتطبيق بوصفها

إن التأويلية األدبية تتوجه حنو التطبيق ويوجهها الفهم على . ""املراحل الثالث التالية

.1"السواء، ومنطق السؤال واجلواب هو الذي يضمن نقلة التفسري

.258السابق، ص املصدر ، 3ريكور، الزمان والسرد، ج-1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

32

مفهوم جديد أخذه من جلأ إىل " تاريخ التلقي"ولكي يوضح ياوس كيفية فهمه لـ

Fusion’‘" انصهار اآلفاق"غادامري وهو مفهوم des horizons’’ وهذا من أجل الوصول إىل

وبذلك االختالف اهلريمينوطيقية اليت يعرفها العمل األديب خالل " تراكم الفهم"تغيري ظاهرة

".صريورة التلقيات املتتالية

الضروري أن نراجع مسلماتنا املسبقة إن أفق احلاضر يف تشكل مستمر، ألنه من "

إن أفق احلاضر ال ... باستمرار، وعلى أساس مثل هذه املراجعة يقوم التقاؤنا باملاضي أيضا

ميكن أن يتواجد معزوال عن املاضي، كما ال توجد آفاق تارخيية ميكن بلوغها، واألحرى أن

.1"عن بعضها البعض الفهم يكمن يف سريورة اندماج هذه اآلفاق الذي يدعى فصلها

نظرية التلقي قد أعادت االعتبار إىل املتلقي فأكسبته بذلك مصداقية وبذلك تكون

مبسافاته التوقععلمية وتارخيية خاصة مع ياوس الذي أحاط مفهوم التلقي مبفهوم أفق

.وتغرياته واندماجاته للنصوص واملؤلفات

لذايت واملوضوعي؛ املادي واملثايل؛ كما وفقت هاته النظرية بني اجلمايل والتارخيي؛ ا

.اخل... احلسي والعقلي؛ الفكري والواقعي؛ البنيوي والتارخيي

لذلك أصبح من الضروري الرجوع إىل املسلمات املسبقة باستمرار، وهاته املراجعة

تدفعنا إىل االلتقاء باملاضي أي املسلمات املاضية، مث إن أفق احلاضر الذي يتكلم عليه

ميكن له أن يتواجد معزوال عن املاضي، وبذلك يكون قد أخضع مفهوم التاريخ ياوس، ال

.، كمفهوم الفهم)املاضي(

.169-168سابق، ص ص الرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

33

من هنا نصل إىل الفهم عن طريق انصهار آفاق املاضي مع آفاق احلاضر، واليت ال

ميكننا الفصل بينهما، باعتبار أن األفق التارخيي هو طريقة التعامل مع املاضي يف اللحظة

.ة املتجلية يف الفناآلني

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

34

1فولفغانغ آيزر-3)1926-2007" (Wolfgang Iser"

أحد أقطاب جامعة كونستانس الذي ساهم يف تطوير نظرية التلقي ويعترب بعد

ياوس أكثر املنظرين األملان أمهية وأشد النقاد الذين ظهروا يف السبعينات ومثانينيات القرن

فاعتمد على مفاهيم "مرجعيات متنوعة غذت فرضياته العشرين، فقد اعتمد على

" إنغاردن"الظاهراتية وعلى علم النفس، واللسانيات واألنثروبولوجيا، واستفاد من أعمال

2"الفيلسوف البولندي∙

يف التمييز بني النص يف وضعه " إنغاردن"لقد اقرتب آيزر بذلك من طروحات

ا أنشطة معرفية ينتهي القارئ بواسطتها إىل نتاج األنطولوجي وبني أفعال التحقيق باعتباره

∙املوضوع اجلمايل

كما تأثر بنموذجه الفينومينولوجي، الذي جعله يرى أن املوضوع اجلمايل أو العمل

الفين، ال ميتلك وجوده الكامل إال بوجود عالقة بني الذات واملوضوع، وفرض عليه ضرورة

التمييز بني الوضع األنطولوجي للعمل الفين والوضع اإلبستيمولوجي لألنشطة املعرفية اليت

�¥°ƢǬdz¦�ǪǬŹ�Ƣđ 3العمل الفين∙

يف ماربنغ بأملانيا، درس جبامعة ليزيج وتوبنغن منظر أملاين وناقد فيلسوف، ولد):2007–1926(فولفغانغ آيزر -1

"Tubungen" كان أستاذا 1952وبعدها بعام أصبح مكون جبامعة هايدلبونغ، ويف 1950، مث أصبح دكتورا يف الفلسفة

، 1972وجبامعة كاليفورنيا وجامعة فروزبوغ، كما عمل جبامعة كوسنطنس برفقة ياوس عام )Glasgow(حماضرا يف غالسكو

.2000، جمال التأويل 1993، القارئ الضمين، التوقع، التييلي واخليايل 1985فعل القراءة، نظرية التجاوب : ومن مؤلفاته.48، ص 1،2001أصول وتطبيقات، املركز الثقايف العريب، طحل موسى، نظرية التلقي، بشرى صا -2.181سابق، ص الرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

35

، وباعتبار أن عملية 1"بناء للنص يف وعي القارئ"باعتبار أن املوضوع اجلمايل هو

أعمال فهمه تكون وفقا ملا تفرتضه بنية القراءة فاعلية تواصلية تربط بني النص والقارئ، وأن

أثناء النص من وجهات نظر ومستويات داللية خمتلفة اليت متنحها األجزاء النصية املتتالية

هو الذي يساهم يف إنتاج املعىن وبتوجيه من بنيات النص الداخلية بذلك القراءة، فالقارئ

ŘǠŭ¦�«ƢƬǻȍ�¥°ƢǬdz¦�Dzƻƾƫ�DzƦǫ�ǎ Ǽdz¦�Dzƻ¦®�ƢǬƦLjǷ�ƨȈǼƦǷ�ƢĔ¢�°ƢƦƬǟƢƥ.

حاول التأكيد على مشاركة التجربة الذاتية لدى القارئ يف بناء املعىن، فعملية ف

فرة شروطة باالستعدادات الفردية لدى القارئ والشتبقى م"حتقيق فعلية للمعىن

وهذه العوامل هي اليت توجه يف كل مرة عملية االنتقاء اليت ؛السوسيوثقافية اليت خيضع هلا

đ�¿ȂǬȇاتجانسم ا القارئ واليت متنح املعىن شكال.

النص عند آيزر كامال ال ميكن أن يفهم وحياط به مرة واحدة؛ "كما يرى ريكور أن

.2"وأننا حني نضع أنفسنا داخل النص األديب نتجول ونسوح فيه كلما تواصلت قراءاتنا

القراءة باعتبار أن افظ على القارئ دائما داخل النصأن حيعلى فهو بذلك يسعى

وجهة النظر "والذي يطلق عليها مفهوم . موجودة وحاضرة دائما بني شقوق النص وشروخه

.3"اجلوالة

يزة، وهذا املنظور النصي اجلديد الذي تنتقل إليه وجهة النظر فهذه اخلاصية املم

اجلوالة سوف يعطي للذات طبعة فردية؛ باعتبارها شطر دائم يف تشكيل دالالت جديدة

.182، ص سابقالرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -1.252ص ،سابقالصدر ، امل3ج ،الزمان والسرد ،ريكور،-2.نفسها الصفحةو نفسه، املصدر - 3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

36

يف النص تتماشى واملوضوع، حبيث أن القارئ هنا جمرب على التنسيق يف كل مرة بني

�ǂǯ¦�Ŀ�Ƣđ�ǚǨƬŹ�Ʈ ȈŞ�ƨǬƥƢLjdz¦�ƨȈǐǼdz¦�©¦°ȂǜǼŭ¦فطوال عملية القراءة هناك تفاعل . ته

طوال عملية القراءة هناك تفاعل : " مستمر بني التوقعات والذكريات كما يرى ذلك ريكور

فيندمج بذلك املفهوم يف ظاهراتية القراءة 1"مستمر بني التوقعات احملورة والذكريات احملولة

".بعد مجلةوالعملية التأليفية اليت يشكل من خالهلا النص نفسه مجلة

أن التوافق ليصل إىلرة على منح النص مسة التوافق آيزر أن مينح القارئ القد ةاولحم

ألن الفهم عملية وظيفية وعملية "ليس مبعطى نصي وإمنا هو بنية مسبقة من بنيات الفهم،

.2"دالة تساهم مسامهة أساسية يف بناء املعىن

النص وبنية الفهم عند القارئ، باعتبار ول آيزر املقاربة بني بنيةامن هذا املنطلق ح

القراءة عملية جدلية تبادلية مستمرة ذات اجتاهني، من القارئ إىل النص ومن النص إىل "

ال ميكن تعديلها إال يف إطار تأويل فتكافؤ املعىن تتضاءل فرص الفهم ، فبغياب3"القارئ

حبيث يقوم القارئ بتأويل ،تأويلوم نظرية التلقي على المتعدد األبعاد، فمن البداهة أن تق

د التلقي اعأخلربة على ما حيمله النص وهنا املعىن الغامض داخل النص وذلك بقياس ا

للقارئ قيمته، وأعاد أمهية السياق التارخيي واالجتماعي كأنه نفي لتطرف الشكالنية

ظلمة التعايل "وصرف للبنيوية اليت أنكرت وجود الذات الفاعلة، وهذا ما يطلق عليه ريكور

، ألن البنيوية والسيميائية، حاولوا التوغل يف النصوص بناءا على أفق متعالية بال "بال ذات

.252السابق، ص املصدر - 1.133سابق، ص الرجع املناظم عودة صاحل، األصول املعرفية لنظرية التلقي، -2.100، ص 2002، 1بيان سلطة القارئ يف األدب، دار الينابيع، دمشق، طعزام، التلقي والتأويل، حممد - 3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

37

ذات؛ وهو نفس ما قامت به التأويلية األملانية واليت حاولت العثور على لغتها السرية

.للخروج من االنغالق على الذات ومن املنطق املتحجب

ل والتداخل القائم بني النص والقارئ جعله يبحث عن إن اهتمام آيزر بعملية التفاع

املفاهيم اإلجرائية اليت تشمل يف الوقت نفسه بنية النص الباطنية وعمليات الفهم اليت يقوم

ǒ ǠƦdz¦�ǶȀǔǠƥ�ǞǷ�ƢǸȀǘƥ¦ǂƫÂ�ƢǸȀǴǐǨŤ�Ŀ�¥°ƢǬdz¦�Ƣđ.

يبني والذي يعترب فكرة مقدسة يف نظرية التلقي، ألنه " ملفهوم القارئ الضمين"لجأ ف

ويبني كيفية توجيه النص للقارئ أثناء بنائه ؛من خالله ارتباط القارئ بالعامل الداخلي للنص

. للمعىن اجلمايل بفعل القراءة

األخرى اليت عرفتها النظريات األخرى مثل القارئ املثايل اتالقراءوعلى عكس

إخل الذين عجزوا حسب آيزر عن وصف العالقة ...واملعاصر، واجلامع واملخرب واملستهدف

، ومن 1جذوره املغروسة يف بنية النصاث التارخيي، فالقارئ الضمين له بني املتلقي والرت

عامل النص، إذ ال يكاد يعرب بقراءاته خالل استجابات فنية، يعمل القارئ كي حيقق

ملفوظات نصه حىت يوغل يف قاع النص ويتأمل ذلك العامل الصامت ويفصح عن

فالقارئ الضمين هو . 2"ألن املعىن أصبح بذلك عند آيزر بنية يشيدها التلقي"مسكوتاته،

عيد الذي يعرب عن االستجابات اليت يتطلبها فعل التلقي يف النص حىت يستطيع أن ي

.للمعىن مكانته يف كل قراءة بواسطة التأويل

.185سابق، ص الرجع املمن فلسفات التأـويل إىل نظريات القراءة، عبد الكرمي شريف، -1.51سابق، ص الرجع املنظرية التلقي، -2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

38

إن هدف القراءة هو االنفتاح على العامل، مبا أن القراءة تدفع القارئ إىل الكشف

عن املعىن، من قبل الذهن وهو ذهن املؤلف الذي يكون مؤوال لنصه، ومتعة القارئ تبدأ

ويرتك هذا املعىن تهذهنياملعىن باألساس يف ينبين ، ف1حني يصبح هو نفسه منتجا لنصه

للقارئ ليكتشفه وفق فرضية سابقة، فبعدما يالئم القارئ خرباته يف النص، فإنه يدعم

خرباته السابقة، ويستوعب خربة جديدة فيساعد على تشكيل ذوات القراء فتصبح بذلك

�» ƾē�DzȇÂƘƬdz¦�ƨǘLJ¦Ȃƥ� ¦ǂǫ�Dzǰǧ��Ǿƫ¦�½¦°®¤�ƢŮȐƻ�ǺǷ�ȆǟȂdz¦�ǞȈǘƬLjȇ�ƢǘȈLJÂ� ¦ǂǬdz¦ إىل

ترجيح املعىن اخلاص بالفهم واإلدراك من خالل حماورة النص وذلك لسد ثغرات النص

. وتقدمي تأويلية جديدة

يفرض شروط فهمه وبناء معناه حىت يتمكن الرتاث العريب التارخييفأصبح بذلك

بعد ذلك أن يتحكم يف جتربة العامل ويتجاوز بذلك أفكاره املسبقة، فيتوصل إىل بناء ذات

الفة للذات القارئة هلذا الرتاث، وإعادة بنائه من جديد وهنا يتبني لنا من خالل ذلك أننا خم

.تغرينا

إن املؤلف الواقعي حينما خيفي نفسه وراء املؤلف الضمين فيكتب هذا الـأخري

جوهره املادي خالل القارئ الواقعي، الذي يعرب بذلك القطب الذي ) القارئ الضمين(

.ملية التفاعل يف معىن هذا الرتاثيقابل النص يف ع

.106سابق، ص الرجع املحممد عزام، التلقي والتأويل، -1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

39

القارئ الضمين هو األداة اإلجرائية املناسبة "أن حني رأى وهذا ما أكده آيزر

.1"لوصف التفاعل بني النص والقارئ

كل أنواع القراء للوصول إىل بناء معىن نصي، ووصف خالل ذلك ذلكفلقد جتاوز ب

خالهلا، والذي وجده يف القارئ الضمين البنية النصية اليت يتأسس من خالهلا ويقوم من

ىن البنية النصية خالصة، ومن خالله تب، اسهة التأثري اليت تقوم على أسالذي يتماشى ونظري

.التلقي واملتلقي يتماشى وفق النص فيصبح بذلك

ديد مل نكن النص عند آيزر هو الذي يوصل لنا شيئا عن الواقع شيء ج باعتبار

بنية تواصلية يهدف إىل تبليغ رد فعل "كن اعتباره كما يراه آيزر مينعلمه من قبل، وبذلك

حيتاج إىل معايري وموضوعات مشرتكة ما بني القارئ ألنه، 2"النص على واقعه اخلارجي

.والنص حىت يتمكن املتلقي من استيعاب ما يتلقاه من النص

ت اليت النص لكي يصل إىل توجيه القارئ جيب أن يعتمد يف ذلك على السياقاف

وذلك ببناء خطة حمكمة إلسرتاتيجية يستطيع ارجي الذي يتموضع فيهيبين عليها واقعه اخل

من خالهلا توجيه القارئ أثناء بناءه للمعىن النصي، هاته السياقات يطلق عليها آيزر

هكذا يتضح لنا أن العناصر املكونة للسجل النصي تشكل : "إذ يقول" السجل النصي"بـ

Ĕ¢Â��ƢǿƾȈǬǠƫ�ƨƳ°®�ƪ ǻƢǯ�ƢǸȀǷ�ƢȀȈǴǟ�» ǂǠƬdz¦�ǞȈǘƬLjƫ�ƨǬȈǫ®�©ƢȈǘǠǷ ا هي اليت حتيلنا على

.3"الواقع اخلارجي للنص أو أفقه املرجعي الذي يتموقف منه ويرد عليه بالفعل

.185، ص السابق املرجعحممد عزام، التلقي والتأويل، -1.192سابق، ص الرجع املمن فلسفات التأـويل إىل نظريات القراءة، عبد الكرمي شريف، -2.194ص املرجع نفسه،-3

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

40

يتموقع من خالل األنساق الداللية باعتباره فهم وتأويل للواقع الذي نعيشه،

وباعتباره حيدد سجل النص بكيفية أساسية، ومن خالل هاته العالقة أي بني النص األديب

فيصل ارج النص من قيم مدجمة يف النص، ما هو خ يصبح كلوتلك األنساق الداللية

.إىل املصداقية بذلك

من جهة أخرى ختضع هاته املعايري إىل تنظيم أفقي حبيث جتمع بني كل األنساق

املتبعثرة يف احلياة اليومية لتصبح بذلك متجانسة داخل النص، ويتمم كل نسق ما مل يفهمه

.وذلك يتماشى والقدرة املعرفية للقارئ وكفاءته خر، أو املعايري األخرىالنسق اآل

فالتحاور بني النص والقارئ، بفضل السجل النصي يعيد بناء الوضعية التارخيية من

فال يستطيع النص حتديد أفقه التارخيي، ال يتطرق إىل املسألة وال إىل . خالل النص والفعل

.األنساق، بل تبىن هاته النقائص من خالل معىن النصمشكلة األنساق وال إىل نقائص

فبناء أي نص سوف مير عرب وعي القارئ أثناء عملية القراءة؛ فيختلف بذلك املعىن

.من قارئ إىل آخر، باعتبار أن هذا البناء املعنوي أو القراءة تعتمد على ذات موضوعية

جمموعة من األنساق تتكون م التنظيم الداخلي للوضعية التارخيية عند آيزر علىو يق

"من منظورات، تسمح ببناء املوضوع اجلمايل، وهي منظور السارد، ومنظور الشخصيات، :

، وبناء أي موضوع مجايل يبقى 1"ومنظور احلدث أو احلبكة، ومنظور القارئ املتخيل

.مشروعا بتكامل كل هذه املنظورات جمتمعة

.204، ص السابقاملرجع - 1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

41

ليه هو أنه وبفضل البنية الزمنية لفعل املنظور اجلمايل الذي يقصد آيزر الوصول إف

القراءة فإن كل مرحلة من هاته املراحل تعترب تكملة لألخرى أي مع اللحظات اليت سبقتها

un"ومن خالل ذلك تظهر سريورة القراءة حمورا زمنيا . بفعل تفاعلهما من خالل القارئ

axe temporel" يتكون من خالل الدالالت يف تعاقبها.

ألن املعىن ريان املستمر وتعينها، الصعب عزل أي مرحلة من مراحل هذا السفمن "

النصي ال ميكن اختزاله يف نقطة معزولة داخل استمرارية معينة، بل إنه ميتد على كامل هذه

.1"االستمرارية

ال حد ذاته، األمكنة الزمنية اليت تشكل احملور الزمين للقراءة يف"من جهة ثانية فإن

تتكرر أبدا حىت ولو أعاد القارئ نفسه قراءة النص نفسه، ألن املعىن الناجم عن ميكن أن

ية، إنه سيؤثر على القراءة األوىل سوف يؤثر باعتباره أفقا دالليا على سريورة القراءة الثان

. "ت أو سريورة القراءة نفسهالية، ومن مث على متتالية التشكالالت الداليمتتالية التشك

نية ال ميكن حتديدها باعتبارها تتميز بسريورة يف كل قراءة وإمنا يف اعتمادها من طبيعة الزمفال

.جهة أخرى على فردانيتها يف هاته السريورة للقراءة

وكمحاولة منه بناء الذات القارئة حاول آيزر أن يتخذ من الفينومينولوجيا إطار عاما

من أن الفينومينولوجيا تعارض كل ونقطة مشاركة معهم يف حتليل سريورة القراءة، اعتبارا

عالقة بني الذات واملوضوع يف الوعي، حبيث أنه أنكر وجود املوضوعات املتنقلة عن الذات

.214سابق، ص الرجع املمن فلسفات التأـويل إىل نظريات القراءة، عبد الكرمي شريف، -1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

42

��½°ƾŭ¦�ȂǓȂŭ¦�ń¤�¾ȂǏȂǴdz�½¦°®ȍ¦Â�ǶȀǨdz¦�DzǠǧ�ȄǴǟ�ƢLJƢLJ¢�¿ƾǬƫ�ƢĔ¢Â��ƢŮ�ǶȀǯ¦°®¤�Ŀ

".النص والقارئ"ويف نفس الوقت إىل فاعله أي

ر فإن القارئ أثناء قراءته للنص، فإنه يرمي بأفكاره وجتاربه وبفعل هاته األفكا

اخلاصة إىل الواجهة اخللفية أي يبعد ذاته عن الواجهة، ويقوم بتحليل وفهم جتارب اآلخر،

�ǽ°Ƣǰǧ¢�ȄǴǟ�Ǯ dz�Ŀ�¦ƾǸƬǠǷ��ƨȀƳ¦Ȃdz¦�ń¤�ƨƦȇǂǣ�ƢĔ¢�Ãǂȇ�Ŗdz¦�Ãǂƻȋ¦�©¦ǀdz¦�¿ƾǬȇ�Ä¢

وهذا ما يشعرنا أثناء القراءة . م كما ذكرنا ذلك سابقااملسبقة اليت تعتمد على اإلدراك والفه

.بالتحول اليت تعرفها الذات يف عمقها، وهذا ما ينجم عنه التحرر كما يراه آيزر

يف اإلحساس واإلرادة واملمارسة " التلقائية"التحرر الذي يثري لدى الذات نوعا من "

ت جديدة للرؤية والتجربة، ومينحها ، فيمنحها بذلك إمكانا(...)والقرار والتقييم واحلكم

´ ƢŬ¦�ƢȀȈǟÂÂ�Ƣē¦�±ÂƢš �ƨȈǻƢǰǷ¤�ǾLjǨǻ�DzǠǨdzƢƥ"1.

يتضح لنا مما ذكر، أنه لكي يكون املعىن يف النص جيب أن يسبق ذلك، ملئ تلك

الفراغات من طرف القارئ حيدثه ذلك التداخل القائم بني النص وبني قارئه، باعتبار أن

.ل بداخله لكي يشارك بذاته يف بناء املعىنالنص يسمح للقارئ بالتجو

��ŅƢǸŪ¦�ǾǟȂǓȂǷ�ǪȈǬƸƬdz�°DŽȇ¡�Ƣđ�ƾȈǬƬȇ�Ŗdz¦�©Ƣǣ¦ǂǨdz¦�ń¤�Ä¢��Ǯ dz�ń¤�ƨǧƢǓ¤

هاته البياضات هي عبارة عن ". بياضات النصية"يتطرق إىل فراغ آخر والذي يعرفه بـ

ت، ومن خالهلا تفككات حتدث داخل املنظومات النصية وبالذات بني أجزاء هاته املنظوما

217سابق، ص الرجع امل - 1

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

43

أن وجودها داخل النص يشري إىل سكوت النص عن ارتباطات أو عالقات "يرى آيزر

.1"داللية معينة ميكن أن تقدم بني خمتلف أجزائه وخطاطاته وجيب على القارئ أن يتمثلها

فالقارئ مقيد مبا حيصل يف النص من تناثر أجزاءه النصية، ولذلك فهو مدعو إىل

عتمدا يف ذلك على جمموعة من الدالالت وبذلك يكون قد مجع كل ملئ ذلك البياض م

األجزاء النصية عن طريق جتانس الدالالت النصية، وكلما كثرت هاته الفراغات تعقد األمر

بالنسبة للقارئ بتعقد عملية الرتكيب بني خمتلف هاته األجزاء ملا هلا من أمهية كربى يف

لبياضات ظهور تشكالت داللية من الدرجة األوىل تثري ا"سريورة القراءة من جهة أخرى

ńÂȋ¦�ȄǴǟ�Ƣđ�®ǂǻ�Ŗdz¦�©ȐȈǰnjƬdz¦�Ǯ Ǵƫ�Śƻȋ¦�ǽǀǿ�DzưŤ�Ʈ ȈŞ��ƨȈǻƢưdz¦�ƨƳ°ƾdz¦�ǺǷÂ"2.

فهي تقوم بازدواجية الوظيفة، فمن جهة تقوم بتقدمي أفعال البناء إىل القارئ والتحكم فيها،

.عاملهومن جهة أخرى تساهم يف تطوير معرفته بذاته وب

على ذلك يتخلص آيزر أن أمهية هذا التداخل بني حموري الرتكيب واالستبدال اوبناء

خالل سريورة القراءة ،يتمثل يف أن من جهة تنظيم تلك األجزاء املتناثرة يف النص أثناء

القراءة ومن جهة أخرى تقوم هاته البياضات بتنظيم حمكم لكل حمتويات عمليات التوليف،

القارئ املعىن الذي يقصده يف النص وذلك من خالل تلك ومن خالل هذا الرتكيب يبىن

البياضات اليت حاول ملؤها، أي أنه وبفضل هذا الرتكيب ينجم فعل القراءة، وبفضل

تفاعل العالمات النصية والتشكيالت الداللية اليت ينتجها القارئ واليت بذلك مل تكن

.لمرسومة يف النص، واليت تشكل العناصر األساسية للتواص

.225، ص سابق الرجع املمن فلسفات التأـويل إىل نظريات القراءة، عبد الكرمي شريف، -1.226، ص املرجع نفسه - 2

الظاهراتية وجماليات القراءة...................................................................:..........ولالفصل األ

44

نستنتج من هنا أن آيزر وبفضل منوذجه النظري استطاع أن يقدم لنا تصور عامل

حول طبيعة الرتاث العريب، وحول عمليات فهمه وتأويله، فقد حاصر كل احلاالت الذاتية

واليت هلا عالقة بفعل القراءة، ومسح لنا من معرفة سريورة القراءة وذلك بفضل منوذجه

لنص وكيفية التواصل معه يف أدق التفاصيل واعتبارا من هنا تكمن النظري وربطنا مع عامل ا

عن املوضوع اجلمايل، رغم االنتقادات الكثرية اليت أدائه املتنوعو نظرية آيزر وقيمتها الكربى

.وجهت إليه

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

45

:الفصل الثاني

الهيرمينوطيقـا في مدارس الفكر الفـلسفي

الحديث والمعاصر

.تمهيد-

.وفن الفهم /شالير ماخر-1

.والوجود الزماني/ هيدغر-2

.والتراث /غادامير-3

.زو وهيرمينوطيقا الرم /ريكور-4

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

46

:تمهيد

’’Hermeneutique’‘لقد كانت معضلة تفسري النص قضية تطرحها اهلريمينوطيقا

.يف أوساط الدوائر الالهوتية، فاهتمت بذلك مبعاجلة النصوص املقدسة

فواقع اهلريمينوطيقا يشهد على حماوالت احلركات اإلصالحية الربوتستانية لتأويل

عترب اإلطار املعريف الذي حيتضن التأويل النصوص املقدسة، وإن كانت اهلريمينوطيقا نفسها ت

ك تكون قد ظهرت كفن له لوبذ. ل األديان السماوية وتغيريهاالذي ظهر حتت تأم

يف أوساط الالهوت اليهودي واملسيحي، وخاصة فيما خيص حتديد العالقة بني استقالليته

.العقل والوحي

فن التأويل، ويف اشتقاقها أي ’’Hermenéutiké’‘تيين اهلريمينوطيقا يف أصلها الال

اإلله الوسيط، من هنا :Hermés’’1’‘من هرمس ’’Hermania’‘األصلية جاءت من لفظ

ط بشرح أوامر اإلله اعتمادا على اهلريمينوطيقي ذو طابع تقديسي مرتبكان املعىن القدمي

الذي مل يعد فهمه ) اإلجنيل(تأويل الكتاب املقدس "المات نصية كونية طبيعية، من أجل ع

وفق الرؤية الدينية الربوتستانية -الكتاب املقدس –، ليبقى بذلك تأويله "املباشر ممكنا

حسب مسلمات رجال الدين، فأكرب فعل للقراءة اإلغريقية تأسس مع تالوة مالمح

هي أشعار حتمل املعاين املتعددة تنزل فيها اآلهلة إىل اإلنسان، وحتتاج اإللياذة واألوديسيا، ف

.2"فاملؤول يقوم بداللة الوساطة بني الرسالة اإلهلية والبشر"املؤولني لفك الرموز والشفرات؛

لبنان، دامري، الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت، نهج التأويلي من أفالطون إىل غاالفهم والنص، دراسة يف امل،بومدين بوزيد - 1

.13، ص 1ط.26، ص 1مدخل إىل اهلريمينوطيقا، نظرية التأويل من أفالطون إىل غادامري، ط،فهم الفهم ،عادل مصطفى - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

47

لقد تطرقت اهلريمينوطيقا الالهوتية، أي من دعاة اإلصالح الديين وعن فهم للكتاب

الهوتيني، فقد كان كتاب الكنيسة املقدس يقرأ، لكنه مل املقدس ضد معظم هجمات ال

�ƨȈǴȇÂƘƫ�DzƦǫ�ƢǷ�ń¤�®ȂǠƫ�ƢĔ¢�ȄǴǟ�².يكن ليفهم ƾǬŭ¦�§ ƢƬǰdz¦�ƨȈǴȇÂƘƫ�ń¤�ǂǜǼȇ�ƢǷ�°ƾǬƦǧ

¬ȐǏȍ¦�Ŀ�² ƾǬŭ¦�§ ƢƬǰdz¦�¢ƾƦǷ�ȄǴǟ�ƨȈǼƦǷ�Ǯ dz�Ƕǣ°�ƢĔƜǧ��ƨưȇƾū¦�ƨȈǻƢLjǻȍ¦�¿ȂǴǠdz¦.

كمعىن أحادي يف كل مكان وكل زمان، معىن الكتاب املقدس احلريف يتعذر فهمه ف

فهو مكون من عدة فقرات جيب التطرق بذلك لكل فقرة مث مجع هاته الفقرات للوصول إىل

ل واجلزء كانت معروفة من قبل يف البالغة الفهم، وبذلك فإن حقيقة هاته الدائرة بني الك

تاب املقدس رغم أنه قد اعتمد اإلصالح الديين على هذا املبدأ يف تأويل الك. الكالسيكية

مقيد بالقول القائل بأن الكتاب املقدس هو نفسه وحدة واحدة، ألنه وحماولة منه إلصالحه

أي تأويل فردي يعتمد يف تأويله على السياق النصي والغرض منه ،فهو بذلك يقضي

.وأسلوبه

هذا التحليل الدوغمائي، هو نفسه اليت حاولت التأويلية جاهدة للتخلص منه

ال تبلغ التأويلية استقالهلا، إال حني : "كما يرى دلتاي .Ƣē¦�ǪȈǬŢ�ń¤�¾ȂǏȂǴdz وذلك

.1"تكف عن خدمة أي غرض دوغمائي

ذا الكتاب املقدس له مؤلفه تغريت النظرة يف القرن الثامن عشر عندما أدركوا أن ه

لينظر بعد برأيهم هذا فقد حاولوا حترير التأويل من السمة الدوغمائية اليت كانت حتصره

��DzȇÂƘƬǴdz�Ǟǔţ�ƨȈź°Ƣƫ�°®ƢǐǷÂ�Ƥ Ƭǯ�ƢĔ¢�ȄǴǟ�ƨLJƾǬŭ¦�ƨȈƸȈLjŭ¦�Ƥ Ƭǰdz¦�ń¤�Ǯ dzوبذلك

راجعه عن ،حني ناظم، علي حاكم صاحل. د: احلقيقة واملنهج، اخلطوط األساسية لتأويلية فلسفية، تر،هانز جورج غادامري - 1

.262ص ،2007،دار أويا للطباعة والنشر ،جورج كتوره. األملانية د

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

48

فمحاولة فهم هاته الكتب جيربنا على الرجوع إىل السياق التارخيي الذي تنتمي إليه هاته

.الوثائق

ىل ألن التعمق يف تاريخ اهلريمينوطيقا من خالل أصوله ومراحله، من العصر اليوناين إ

العصر احلديث مرورا بالعصر الوسيط أين سيطر النشاط الفكري الذي اعتمد على القراءة

هو ما دفع مباتياس فالسيوس إىل الثورة على سلطة "والتفسري وتأويل النصوص املقدسة؛

الكنيسة يف مسألة مصادرة حرية قراءة النص املقدس لتأويل بعض املقاطع الغامضة من

مينوطيقا ظلت يف مراحلها األوىل مقتصرة على تفسري النصوص فمهمة اهلري ؛1"النص

فاهلريمينوطيقي بفضل معارفه اللسانية جيعل الغامض قابال "وتوضيح الغموض، وبذلك

.2"للفهم بتوظيفه فقه اللغة

قراءة األساطري اليونانية هريمينوطيقيا جد خمتلفة ألن تأويل العهد القدمي يعطي إن

املتأمل يف نص عربي أو يوناين أو التيين يسبح يف كيان بالتايل فإن و قراءة أخرى لألحداث

.معريف خمتلف، من هنا كان التأويل يكشف عن التباعد الثقايف وذلك بواسطة القارئ

ومن خالل هذا فإن النظرة إىل التأويل قد اختلفت باعتبار أنه مل يعد هناك تأويل

وية، أي أصبح هناك تأويلي واحد؛ وبالتايل الفهم الكتابات الدينية وتأويل الكتابات الدني

.املضمونعلى السياق ومن جهة أخرى على سيطبق من جهة

، 1ط ،الدار البيضاء، املغرب،تأويالت وتفكيكات، فصول يف الفكر العريب املعاصر، املركز الثقايف العريب،حممد شوقي الزين - 1

.30، ص 2002.24سابق، ص الرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

49

أن نستمد معىن املؤلفني من املعطيات التارخيية، إذا اعتربنا أن ما بذلك يتعني علينا ف

يروى يف تلك الكتب ال ميكن أن تستمد بطريقة أخرى، وخاصة الكتب املقدسة باعتبارها

مقدسة إذا مل تستطع الوصول إىل فهم هاته الكتب، فنحاول أن نعود إىل ما نفهمه من

.أي ما كان املؤلف بصدد التفكري فيه عندما كتب هذا الكتاب "تارخييا"عقل املؤلف

فالتأويل التارخيي يف ضوء روح الكاتب يكون مهما إذا اعتربنا أن مضمون أو حمتوى

الرسالة اليت يتعني على املرء أن يؤوهلا هي مذاهب و .للفهم الكتاب غري مفهوم وغري قابل

�ȆƟƢĔȐdz¦�DzȇÂƘƬdz¦�ƨǴLjǴLJ�Ŀ�ǶǿƢLjƫ�ÃŐǰdz¦� ȂǐǼdz¦�Ŀ�ƾLjƴƬǷ�Ȃǿ�ƢǸǯ�ǶǿŚǰǨƫÂ�ǾǧȐLJ¢

.الذي يشكل تاريخ فهم الوجود

االنشغال اإلبستمولوجي يف القرن التاسع عشر انصب خصوصا على إعطاء العلوم ف

DŽǯ°�ŚǷ¦®ƢǣÂ�ǂǣƾȈđ�¦°ÂǂǷ�ǂƻƢǷ�ǂȇȐNj�ǺǷ�ƲȀǼŭ¦�ƨǷ¦ǂǏ�À¢�ƢǸǯ©�اإلنسانية صبغة علمية

ن آثار فلسفية وأدبية وفنية والنص املكتوب وما فيه م) اخلطاب(على قراءة النص املنطوق

، وفق عقل منهجي موضوعي، تأويل أي عمل موضوع بإدراك أجزاءه يف ةتارخييوأحداث

اضر بإدراك موضوعي ألشياء الرتاث وحدة منسجمة وبناء موضوعات الرتاث يف احل

.والتاريخ، وربط الفهم املدرك حبقيقة ما يكشف عن الرتاث

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

50

Friedrich فريديريك شاليرماخر-1 Ernest Daniel Schleirmacher)1768-1834(

وقد .إىل مدرسة تأويلية أملانية، بدأت يف العهد الرومنطيقيينتمي شاليرماخر

املركزية واحملورية عند شالير ماخر يف جهده املبذول إلبراز مشكل عام اإلشكالية متيزت

يتعلق كما يرى ذلك ريكور، حبركة التأويل وخاصة فيما خيص فقه لغة النصوص

ومن ناحية أخرى حماولة تفسري النصني " الالتينية القدمية-العصور اإلغريقية"الكالسيكية

يل خيتلف عمل التأويل بذلك باختالف وتنوع املقدسني، العهد القدمي واجلديد، وبالتا

.النصوص

�Ƥ Ƭǰdz¦�ŚLjǨƬƥ�ǖǬǧ�ǶƬē�ƨLJ°ƾǷ�ǺǷ�ƨȈǴȇÂƘƬdzƢƥ�¾ƢǬƬǻȏƢƥ�ǂƻƢǷǂȇȐNj�ń¤�DzǔǨdz¦�®ȂǠȇ

القدمية الالتينية واليونانية، والكتب املقدسة إىل منهجية عامة هلا قواعدها اليت تطبق على

.ور وغادامريكل الرتاث اإلنساين كما أكد على ذلك كل من ريك

- إىل ) أو التأويلية(فيلسوف أملاين شهري، يعد مؤسس ما صار يعرف باهلريمينوطيقا ):1768-1834(شاليرماخر دنيال

بأملانيا من عائلة بروتستانتية، تلقى تعليمه على (Barsleau)ولد يف بارسلو . جانب إسهامات دلتاي، غادامري، ريكور وهيدغر

، حيث درس فلسفة كانط وأرسطو Hall، ذو روح منفتحة، التحق جبامعة هال وهو الهويت (Moraves)يد اإلخوة موراف

-1781(، أحاديث النفس )1799(واضطلع على كل الفلسفات الرومانية األملانية بربلني، أهم أعماله خطاب يف الدين

نوطيقا ، كتاب اهلرميي1802، اإلميان املسيحي جزءان )1811-1792(، خطة موجزة لدراسة الالهوت )1810

Herméneutique)1987( يف ترمجته الفرنسية، أو)1959(Hermeneutik يف طبعته األملانية نشر بعد وفاته سنوات

.1829-1806طويلة، وهي عبارة عن مقاالت وكتابات خمتلفة يف الفرتة املمتدة بني

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

51

حيمل يف طياته : "فقد كان الربنامج التأويلي لشالير ماخر كما يؤكد ذلك ريكور

البصمة املزدوجة الرومانسية والنقدية، الرومانسية بدعوته إىل عالمة حية مع سريورة اإلبداع،

.1"والنقدية بإرادته يف بناء قواعد فهم صاحلة كونيا

اهلريمينوطيقا بوصفها فن الفهم؛ س تأسيس الرئي) شالير ماخر(بذلك كان هدفه

أو النص الديين أو يف النص التشريعيذلك كان أكلما اقتضت احلاجة إىل الفهم سواء

فلم يكتفي بذلك باملمارسة اهلريمينوطيقية، داخل الدائرة الالهوتية لتشمل .العمل األديب

".ري الدينيةالنصوص الفلسفية والقانونية والتارخيية وغريها من النصوص غ

نصوص توسيع حركة التأويل من قراءة النص املقدس إىل عامل ال ةاولحم هدفه كان

جهدا يف رفع مستوى التأويل وفقه اللغة؛ كما يرى بذلك بذل فاألدبية والفلسفية وغريها،

لقد ولد التأويل يف سبيل رفع تفسري النصوص املقدسة وفقه اللغة إىل : "ريكور يف ذلك

.2"ال تقتصر على جمرد جتميع معلومات ال رابط بينها" تكنولوجيا"التقنية، أي مصاف

تقتصر على فهم مضمون هاته املعلومات اليت مجعت و على حماولة معايشتها بل

وإعادة معايشتها، وهذا يرجعنا إىل تأثري كانط يف إشكالية العالقة بني الطبيعة والعقل، وما

هذا ما جيعله يتجاوز بذلك احليز الضيق الذي كان يتعامل لية، بني الفلسفة النظرية والعم

.الدينية، ويتعامل مع الفكر ككل معه يف النصوص

أحباث التأويل، تر حممد برادة، حسان بورقيبة، عني للدراسات والبحوث اإلنسانية بول ريكور، من النص إىل الفعل، -1

.11ص ، 1986، 1واالجتماعية، ط.40ص املصدر نفسه، بول ريكور، من النص إىل الفعل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

52

ومن دون شك فالذي قام به شالير ماخر؛ يعترب منعرجا حامسا وحقيقيا يف تاريخ

ومن اهلريمينوطيقا اعتمادا على الفصل بني اهلريمينوطيقا احلديثة والتقليدية هذا من جهة،

فيما خيص ما هو مكتوب وفهم بذلك التأويليةجهة أخرى يعترب كتوسع للمشكلة

فما جيب أن يفهم ليس فقط الكلمات : " كما يرى ذلك غادامري يف قوله. اخلطاب

.1"املضبوطة ومعانيها املوضوعية؛ وإمنا أيضا فردية املتكلم أو املؤلف

فهم اخلطاب كما يفهمه مؤلفه، لذا يرى شالير ماخر أن ما على املؤرخ إال أن ي

ويفهمه بعد ذلك أحسن منه إذا أمكن ذلك، ألن املؤلف باستطاعته أن يفهمه فهما

حقيقيا اعتمادا فقط على أصل فكره الذايت، فمن هذا املنطلق جعل الفهم قائما بذاته، فما

ملدفونة جيب فهمه هو ذات املؤلف اليت بتوغله يف النص يستطيع أن يفهم تلك احلقيقة، ا

فهم األفضل لواخلفية، عرب الرجوع إىل أصل الفكرة واليت كانت مهملة ومتجاهلة، أي

.للنص وما يعرب عنه مؤلفه وأبدعه ومل يتمكن رغم ذلك من إدراكه

ألن اهلريمينوطيقا أساسا نشأت حني ظهر االختالف حول كيفية تفسري النصوص

ذلك أن كل نص حيمل أكثر من تفسري، الدينية كما ذكرنا سابقا، فاكتشفوا من خالل

فانتقلت بذلك اهلريمينوطيقا أو التأويلية إىل الفلسفة لتصبح فن إجياد املعىن األعمق ألي

.نص، أو أي عمل فين قام اإلنسان به حىت يصل إىل فهم أفضل لذاته

ń¤�ǾȈdz¤�¾ȂǏȂdz¦�¾ÂƢŴ�Äǀdz¦�ǂǰǨdz¦�ÃȂƬŰ�Ǻǟ�řǤƫ�ƨǬȇǂǘdz¦�ǽǀđ�ǶȀǨdz¦�±ǂǧ�ƨȈǴǸǠǧ

، ألن الشرط "عمال فنيا"فهمه سواء كان قوال أو نصا يعتمد على الفهم اجلمايل أي

.272ص ، اخلطوط األساسية لتأويلية فلسفية، املرجع السابق، جورج غادامري، احلقيقة واملنهج هانز - 1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

53

املسبق لوجود أي فهم كان، عندما يعرب عن نفسه ويكون فردي ويكون من حيث طبيعته

خلق إنتاجا حرا؛ وبالتايل يتجاهل، وال يهتم مبضمونه ": ألنه يعترب أن ما يف النص بناء حرا

تنظيم التأويلية اليت تعتمد على اللغة كأساس للوصول إىل الفهم، فهم املعريف، ليصل إىل

لكل ما تعرب عنه تلك اللغة، ألنه يرى يف النص جيب أن يفهم لغة؛ مبا هو مكون لغوي

فهمه يف سياق السرية والتاريخ هو أن يتقمص املؤول ذهنيا جتارب (...) للرتاث والتاريخ

.1"، ليدرك قصده، قصد املؤلفاملؤول بأفكاره اليت ولدت النص

حقل تعبريي، فأولويتها يف حقل التأويلية، باعتبار أن اليت تعترب اللغة عن طريق

ألن "النص هو عبارة عن جمموعة من الظواهر التعبريية اليت بواسطتها نصل إىل الفهم؛ و

ن طريق الفهم برمته تأويل، والتأويل برمته حيدث يف وسط لغة تتيح للموضوع أن يفهم ع

ƨǏƢŬ¦�¾Âƚŭ¦�ƨǤdz�ǾLjǨǻ�ƪ ǫȂdz¦�Ŀ�ƢĔ¢�ǞǷ�©ƢǸǴǯ"2 . تكون بذلك اللغة شرط مسبق لبلوغ

أي فهم يف أي حمادثة كانت للوصول إىل الفهم احلقيقي، فالتأويل عند شالير ماخر هو

بذلك فن إجياد املعىن الدقيق ألي خطاب معني انطالقا ومبساعدة اللغة باعتبارها عنصر ذو

«�¢Ȑƻ�ǺǷ�ȏ¤�ǾƬȈǻ¦®ǂǧ�Ŀ�ÀƢLjǻ¤�ľ�أمهية ǂǠǻ�ȏ�ǺƸǼǧ��ǾƬȇƢĔ�ń¤�DzȇÂƘƬdz¦�ƨȇ¦ƾƥ�ǺǷ�ÃŐǯ

.أسلوبه الذي يتماشى ولغته

.17سابق، ص الرجع املاحلقيقة واملنهج، ،هانز جورج غادامري - 1.511، ص نفسهرجع امل - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

54

أن اهلريمينوطيقا هي نظرية عمليات : " وهذا ما نلمسه عند ريكور حينما يقول

الفهم يف عالقتها مع تفسري النصوص هكذا ستكون الفكرة املوجهة هي فكرة إجناز

.1"اخلطاب

األول موضوعي يتعلق باللغة املشرتكة بني : يعترب شالير ماخر النص بأنه جانبني

اجلميع واليت يفهمها الكل، والثاين خاص بتجربة املؤلف واليت يعطي القارئ إىل إعادة

.2"بنائها بغية فهم املؤلف

فالتأويل بذلك ينجم عن تفاعل حلظتني لغوية وسيكولوجية باعتبار أن النص نصا

إبداعيا مرتبط باملؤلف وحياته الباطنية، لذلك فالفهم جيب أن مير بتوسطية الذاتية

�ƨǸǐƦdz¦�ń¤�¼ǂǘƫ�ƢǸǼȈƷ�°Ȃǰȇ°�ǽƾǯ¢�ƢǷ�¦ǀǿÂ��ǶƟ¦®Â�ǂǸƬLjǷ�DzǟƢǨƫ�Ŀ�ƢǸĔȋ�ƨȈǟȂǓȂŭ¦Â

البصمة الرومانسية هي اليت توحي بفهم الكاتب كما فهم : " الرومانسية والنقدية بقوله

نه، وأما البصمة النقدية تتمثل يف مقاومته لسوء الفهم حيث يوجد نفسه ورمبا أحسن م

.3"التأويل، يكون سوء الفهم

إننا حناول للوصول إىل فهم النص من جهة فهم احلديث بوصفه مستمدا من اللغة،

ومن جهة أخرى فهمه بوصفه واقعة يف تفكري املتحدث، وذلك باالندماج وجدانيا باملؤلف

أفكار املؤلف، هذا من جهة ومن جهة أخرى رغبة منا إىل فهم للتحقق من مصداقية

.01سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -1.21، ص 2003زيد، إشكالية القراءة وآليات التأويل، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، ط نصر حامد أبو - 2.41سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

55

أفضل سنجعل من حجج هذا املؤلف أقوى ألن مهمة التأويل تسعى إىل حماولة لتوضيح

.معجزة الفهم عنده

إعادة البناء، مبساءلة النص يف "ومن خالل بذلكإن هريمينوطيقا شالير ماخر تقدم

ألنه . 1"ودة إىل االنسجام املطلق عكس التفكيكيةكل جوانبه، وغرضها من هذا هو الع

الذهنية ملؤلف اخلربةحياول أن يوصل إلينا أن التأويل هدفه األول واآلخر هو إعادة بناء

.النص وذلك من خالل تأويل حديثه حىت نتوصل إىل ما يعنيه ويقصده

شرنا إليها، من جهة أخرى على أساس امليتافيزيقا اجلمالية عن الفردية اليت سبق وأ

نلمس تغري مهم عند شالير ماخر؛ يف فكرة أن املبدأ األساسي للفهم هو أن معىن اجلزء

.2"ميكن أن يكشف من خالل السياق فقط، أي من خالل الكل

اعتمادا على هذه احلجاجة الدائرية؛ اليت خلص إليها شالير ماخر ومن حيث

اء والعكس بالعكس، أي الرجوع إىل املبدأ األساس؛ أي العودة املتكررة من الكل إىل األجز

التأويلي القدمي عن الكل واجلزء؛ فهاته احلركة الدائرية ضرورية حسب شالير ماخر باعتبار

أن القارئ حىت عندما " أننا ال نستطيع أن نأول أي عمل ونفهمه من الوهلة األوىل باعتبار

ية املؤلف، واألهم فرادة ما يقول، يقرأ نصا يف لغته، عليه أن يتمثل كليا كال من معجم

ويرتتب عن تلك العبارات اليت يقوهلا شالير ماخر نفسه؛ التماهي بالقارئ األصلي ال

.272سابق، ص الرجع امل هانز جورج غادامري، احلقيقة واملنهج،-1.277املرجع نفسه، ص -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

56

ميكن أن يفصل عن اجلهد الفعلي الفعلي من أجل الفهم؛ الذي يراه شالير ماخر متاهي

.1"بالكاتب

دائم يف حركة دائرية، مهمة كلية، باعتبار أن الفهم هو كفمهمة التأويلية تظهر له

بين ماخر واليت من هنا كان مبدأ الدائرة اهلريمينوطيقية يف مشروع شالير" دائرة التأويل"

نفهم اجلملة باعتبار أننا. ب األساس التأويلي يف الفهمعلى أساسها من خالل إعادة الرتكي

ه اجلملة املفردة داخل هات ةمن كلمات، حنن نفهم معىن الكلم ةيف وحدة كلية مكون

بإحالتها إىل اجلملة الكلية غري أننا ال ميكن أن نفهم هاته اجلملة بدون فهم معىن الكلمات

وبالتايل فهاته العالقة التبادلية هي اليت أراد شالير ماخر أن يوضحها لنا يف الدائرة . املفردة

. التأويلية حىت نصل بذلك إىل الفهم

عملية الفهم هي نقطة البدء يف لقد كان مشروع شالير ماخر يف جعل

اهلريمينوطيقا، إسهاما مفيدا يف نظرية التأويل، ألن قوانني الفهم كما رآها شالير ماخر من

زاوية علمية ميكن النظر إليها من زاوية تارخيية كذلك وذلك بالنظر إىل البنية التارخيية

توصل إليه شالير ماخر احلميمة للفهم أي إىل الفهم املسبق يف كل عمليات الفهم، فما

ه يعد األساس الذي تقوم عليه الفلسفة احلديثة، ويدين له بذلك كل من اختذ من منهج

�ƨȇǂǰǨdz¦�ǶēƢǿƢšهلوأفكاره أساسا ¦�Dzǰƥ�ǂnjǟ�ǞLJƢƬdz¦�ÀǂǬdz¦�Ŀ�DzȇÂƘƬdz¦�ÄǂǰǨǷ�ǺǷ��

".غادامريهيدغر و " كل من مة واملختلفة وعلى رأسهاملتنوع

.279املرجع السابق، ص -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

57

Martin’‘)1976-1889(هيدغر -2 Heidegger’’:

شأنه يف ذلك شأن دلتاي، يبحث عن منهج جديد من شأنه أن لقد كان هيدغر

�ƨǣƢȈǏ�Ŀ�ƢǯŗNj¦�ƪ ǻȂǯÂ�ÄƢƬdz®�ǺǷ�Dzǯ�À¢�Ʈ ȈŞ��Ƣē¦�ƢȈū¦�Dzƻ¦®�ƢȈū¦�Ǻǟ�Ǧ njǰȇ

واليت حاول من خالهلا هوسرل أن يشرح ذلك ويرده إىل ما " الفهم مبقتضى احلياة"مفهوم

.Ƣē¦�ƢȈū¦�ȂŴ�Ä¢�ŃƢǠdz¦�ƨȈوراء موضوع

هاته الفينومينولوجيا اهلوسرلية، واليت ال تؤمن بأي وجود للعامل إال من خالل معرفة

الذات عنه؛ لقد أعطت للوجود دورا ثانويا مقارنة مع الذات، أي أن هذا الوجود يأيت ما

.وراء الذاتية

رته أو صياغته على شكل جاء هيدجر ليؤكد أن الوجود أو العامل، هو هدفه لبلو

معريف متاما، فحاول أن يقيم منهجا يقني ظاهرة الوجود اإلنساين، فانطلقت أفكاره من

.بدايتها على السؤال عن معرفة هذا الوجود

- 1976-1889(هيدجر مارتن(‘’Heidgger Martin’’ : ماسكريش، يف 1889فيلسوف أملاين ولد يف سبتمرب

، مث تابع دراسة الالهوت لكنه )1908-1903(بادن، ترعرع يف وسط كاثوليكي حمافظ جدا، زاول تعليمه يف مدرسة يسوعية

برسالتني يف فلسفة املنطق، )1915(مث التأهيل ) 1913(إىل دراسة الفلسفة، حصل على الدكتوراه )1911(انصرف عنه

تويف هيدجر . أصبح أستاذا مشاركا يف جامعة ماربورغ)1923(ويف ) 1919(ايبورغ سنة عني مساعدا يف الفلسفة يف جامعة فر

، رسالة يف )1938-1936(إسهامات يف الفلسفة ،)1930('' يف ماهية احلقيقة''، من أهم كتبه 1976ماي 26يف

).1928(وأهم كتبه الكينونة والزمان ) 1954(، السؤال عن التقنية )1946(اإلنساوية

.اخل...على جمموعة كبرية من املفاهيم الفلسفية ذات العمق الوجودي واملرتبطة أساسا بقضايا الكائن والزمن واللغة'' هيجر''عتمد ا

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

58

ة ـــــوأبدهلما بكلم" الشعور"أو " ذاتــــــال"يكون هيدجر بذلك قد ختلى عن

’’Desein’‘ "الدزاين" هناك"استعملها هيدجر للداللة على الوجود ، هاته الداللة اليت."

الوجود هو منط من الكينونة، ختتص به الدزاين الذي هو أنفسنا يف كل مرة، هو ما

ميكننا من بسط كينونتنا على حنو خاص ومن خالل ذلك خنتلف عن باقي الكائنات،

ن هو يف كينونته، ائوفهم الكينونة إمنا ينتمي إىل البنية األنطولوجية للدزاين من حيث هو ك

، وأن الوجدان والفهم من خالل ذلك يشكالن منط الكينونة الذي يسعى منفتح أمام ذات

.إىل االنفتاح

أو املتعايل، ألن " املطلق" "األنا"من هذا املنطلق أيضا كان هيدجر يرفض مقولة

فقد تطرق . ’’Desein’‘اإلنسان ليس ذاتا مطلقة، بل تتحدد ذاته دائما وفقا لكينونة اهلنا

اآلنية يف اجتاهها إىل املوجودات وإدراكها هلا، " إىل أن " الوجود والزمان"هيدجر يف كتابه

ال حتتاج إىل مغادرة جماهلا الداخلي اليت نتصورها حبيسة فيه، وإمنا هي حبسب طبيعة

امل مت موجودة دائما يف اخلارج، بالقرب من املوجود الذي نلتقي به يف ع"وجودها األولية،

.1"اكتشافه بالفعل

2"فإن مركزية الوجود اإلنساين، هي مركزية الكائن الذي يفهم كينونته"من هنا

فكان هيدجر ليعلن أن كل فهم هو فهم . وبالتايل يكون له فهم أنطولوجي مسبق للكينونة

- الدزاين(Desein): ،الوجود احلقيقي املتعني، ويستخدم للداللة على أي أنواع خمتلفة من الوجود، وخباصة الوجود اإلهلي

هامش (دامه على الوجود اإلنساين، فيستخدمه كمصطلح أنطولوجي يشري إىل اإلنسان من زاوية وجوده وهيدجر يقتصر يف استخ

).82كتاب إبراهيم أمحد، أنطولوجيا اللغة ملارتن هيدجر، ص عادل مصطفى، :نظرية التأويل من أفالطون إىل غادامري، ترعادل مصطفى، فهم الفهم، مدخل على اهلريمينوطيقا، -1

.224ص ، 2007.68سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

59

فكل فهم عن العامل " زماين، قصدي، تارخيي، وليس عملية عقلية بل عملية وجودية،

الوجود هو أيضا، ألن العامل والفهم أجزاء ال انفصام هلا من البنية األنطولوجية لوجود يكون

.1)"الدازاين(اآلنية

ميزة الكائن الذي يشعر أنه ليس جمرد كائن هواإلنساين عند هيدغر " الوجود"إن

من بني الكائنات األخرى يف العامل، بل إنه كائن مسئول عن نفسه، باعتباره كملك فهم

يرى أن الكائن الذي يكون على منط "ألن هيدجر 2"ما لكينونة الكائن فيه ومن حوله

الوجود هو اإلنسان وحده، اإلنسان يوجد، فالصخر يكون، لكنه ال يوجد، واملالك يكون،

والرب يكون لكنه ال يوجد، بيد أن (...)لكنه ال يوجد، واحلصان يكون، لكنه ال يوجد

.3" "يوجدوحده اإلنسان "القضية

فوجد نفسه مضطرا أن يعيش مع كل ما حييط به، " فاإلنسان ألقي به يف هذا العامل"

وبفضل وعيه الذي يتشكل من فهم العامل يستطيع بذلك أن يتماشى مع الزمان يف هذا

العامل أي أنه يف عالقة ألفة مع -يف –هو دائما وبكيفية مسبقة كائن "العامل، باعتباره

.4"العالقة ال تنشأ بقرار منه، بل هي حمدد أساسي لوجودهالعامل، وهذه

.227سابق، ص الرجع امللفهم، عادل مصطفى، فهم ا-1.781ص ،12012تر فتحي املسكيين، م إمساعيل املصدق، الكتاب اجلديد، طمارتن هيدجر، الكينونة والزمان، -2.772، ص نفسه املرجع - 3، 2008، 1منشورات االختالف، الدار العربية للعلوم ناشرون، طأنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدجر، إبراهيم أمحد، -4

.94ص

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

60

على . ƨȈź°Ƣƫ�ƢĔȋ"1" تتكامل"بل " ال تستقر"وحقيقة الوجود كما يراها هيدجر

Ƣē¦�ƢŮȐƻ�ǺǷ�ƾǐǬǻ�Ŗdz¦Â�ƾǟ�©ƢǻƢǰǷ¤.

ميلك ما مت فهمه، ألن فهويؤدي يف ذاته إمكانية التفسري، عند هيدغر فالفهم

فهو "ساسه إال عن طريق أساس وجوداين داخل الفهم وداخل هذا العامل، التفسري ال جيد أ

يؤسس ماهيته عرب مكسب سابق ورؤية سابقة وتصور سابق فليس بذلك التفسري بأي وجه

.هذا من جهة 2"إمساكا خاليا من أي مسبقات

يف الفهم " السابق"من جهة أخرى جيدر بنا أن نبحث كما يرى هيدجر يف حدود

والتصور، يكمن هذا السابق عند هيدغر يف ماهية اإلنسان نفسها من حيث هو والرؤية

دزاين ويعين ذلك القدرة األصلية على كينونة اهلناك واليت يعتربها هيدغر منط انفتاح لكينونة

.ذاتنا من حيث هي كينونة يف العامل

سابق ال ميكن بذلك أن نفهم ما يف النص، بأنه مكسب سابق ورؤية سابقة وتصور

�ǽ¦ǂȇ�ƢǷ�ǖŶ�ń¤�ƨȈǴȇÂƘƬdz¦�ǂǏƢǼǠdz¦�Ǯ Ǵƫ�ǞǸš �Ŗdz¦�ƨǬƥƢLjdz¦�ƨȈǼƦdz¦�ń¤�ÄƾƬĔ�ƢǷ�°ƾǬƥ�ȏ¤

أن حتقيق الشروط : " وبذلك يرى هيدغر. هيدجر كينونة اإلنسان من حيث هو دزاين

ذلك بأن (...) يف أال نتجاهل مسبقا هذا التفسري (...) األساسية لتفسري ممكن يتمثل

أن خنرج من الدور، بل أن نلج إليه بالطريقة املناسبة، فهذا الدور يف فصل اخلطاب ليس

.3"بل هو تعبري عن نية السبق الوجودانية يف الدزاين ذاته(...) الفهم ليس دائرة

.108سابق، ص الرجع املعبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، -1.294سابق، ص الرجع املمارتن هيدجر، الكينونة والزمان، -2.299، ص نفسه رجعامل - 3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

61

�ŘƦdz¦�ƨǟȂǸĐ�ȆƳȂdzȂǘǻȋ¦�DzȈǴƸƬdz¦�ǪȇǂǗ�Ǻǟ�ǂǣƾȈǿ�ǽƢǼƥ�Äǀdz¦�ň¦®ȂƳȂdz¦�ÃȂƬLjŭƢǧ

اليت يقوم على أساسها وجودنا، واليت حتكم سلفا اختياراتنا الوجودية هو يعترب كتفسري ما

وعلى هذا األساس تقوم مستوى التحليلية الوجودانية للدزاين كما يراها . به قوام الوجود

ى ذلك حيتاج الفهم إىل توقعات حبيث أننا ال نستطيع أن نفسر شيئا إال بناء عل. هيدجر

هيدجر إىل الفهم ومن هذا املنطلق ينظرإذا فهمناه مستقبال أي عرب نظر مستقبلي،

القدرة على إدراك االحتماالت الوجودية يف حياته ووجوده لذلك ظهرت بنية "باعتباره

ولكي يفسر بذلك احلالة التأويلية لسؤال الوجود من . 1"الزمانية حتديدا ألنطولوجيا الذاتية

.خالل الرؤية املسبقة، والتصور املسبق، اخترب سؤاله، اختبارا نقديا وهو موجه إىل امليتافيزيقا

الدزاين جتديدا ملفهوم الوجود بشكل عام، –ينحصر هدفه التأويلي وحتليله التارخيي

اولة دلتاي كتزويد للعلوم اإلنسانية بأساس ومل يعد بذلك مفهوم الفهم كما كان يف حم

تأويلي، فأصبح بذلك الفهم عند هيدجر هو اخلاصية األصلية لوجود احلياة اإلنسانية

.نفسها

يف تطرقه للدائرة التأويلية، يصف هيدغر الطريقة اليت ينجز فيها الفهم التأويلي،

فكل تأويل صحيح جيب أن . ويوضح بذلك الداللة األنطولوجية اإلجيابية هلذه الدائرة

وبفعل الفهم نستطيع تفادي ذلك ألنه حيقق . حيرتس من األوهام االعتباطية الغري مالئمة

.ممكناته حتقيقا تاما عندما ال تكون املعاين املسبقة اليت يبدأ منها اعتباطية

.357سابق، ص الرجع املهانز جورج غادامري، احلقيقة واملنهج، -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

62

على املؤول أن ال يعتمد على املعاين املسبقة دون أن يفحصها، ويعرف فما جيب

ا وصحتها، لتفادي سوء الفهم من جهة ومن جهة أخرى حلماية هذا النص من سوء أصله

فاملهم أن يعي املرء احنيازه اخلاص، وبذلك يستطيع النص أن يقدم نفسه من . " الفهم

.1"حيث آخريته، وهكذا يؤكد حقيقته اخلاصة مبقابل معاين املرء املسبقة

تفيد أن فهم النص يظل يتحدد من خالل ذلك فإن هيدغر يصف الدائرة بطريقة

على الدوام حبركة توقعية للفهم املسبق، فدائرة الكل واجلزء ال تنحل من خالل الفهم وإمنا

تدرك كليا، فتوقع النص الذي حيكم فهمنا للنص ال يكون ذاتيا وإمنا مرتبط بالرتاث الذي

.نفهمه ونشارك يف تطوره مث حندده

إن عنصرا يف بنية الفهم األنطولوجي ا، فتصف دائرة الفهم ليست منهجية دائمف

تبقى كذلك طاملا احنصرت يف اإلشكالية املعرفية بني الذات واملوضوع، وما "الدائرة املفرغة

عليها إال التقدم حنو البنية الزمانية املسبقة للفهم هو تاريخ السؤال حول معىن الوجود كما

.ذلك ريكوركما يرى 2"يتجلى يف امليتافيزيقا الغربية

تكون هاته املسألة حامسة بالنسبة ففأطروحة هيدجر ترى أن الوجود ذاته زمان،

حتليله للدزاين ال تكمن خارج و عن مجيع بقية الكائنات األخرى، للدزاين الذي مييز الفهم

ليس جمرد زمن بل هو زمن " الزمن، فالزمن عند هيدجر أو مبعىن آخر الزمن الوجودي

، 3"تعي وجودها وبذلك يكون الزمن هو اآلن احملوري يف الزمن الوجوديالذات اليت

.372سابق، ص الرجع املهانز جورج غادامري، احلقيقة واملنهج، -12

.341ريكور، من النص إىل الفعل، املصدر السابق، ص -

.89سابق، ص الرجع املإبراهيم أمحد، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدجر، -3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

63

وبذلك فكل إدراك ملعىن يكون إدراكا متناهيا من داخل املوقف التارخيي لإلنسان، الذي "

.1"يكون معطى بشكل سابق على التنظري

س، بيت حقيقة الوجود والكينونة، وهلذا البيت حار "ينظر هيدجر إىل اللغة باعتبارها

إنه اإلنسان، الذي ال يقوم باحلراسة فقط بل ويؤول أيضا، ومن هنا ميكن القول أن

¢�Äǀdz¦Â�ǾȈǧ�ƾǫǂƫ�Äǀdz¦�¾ƢЦ�¢�ÀƢǰŭ¦�Ƣǿ°ƢƦƬǟƢƥ�Ä.2"اإلنسان هو حارس الوجود ومؤوله

تتجلى من خالله حقيقة العامل، فال ميكن اعتبارها أداة للتواصل، أو اعتبارها جمرد وسيلة

عبري عن الفكر اإلنساين، إمنا هي الكيان احلقيقي الذي يأيت بالعامل إىل الوجود ثانوية للت

.ليكشف بذلك عن ذاته

فليس اإلنسان هو الذي يستعمل اللغة حسب هيدغر وإمنا اللغة هي اليت تتكلم من

فاإلنسان عند هيدجر كائن أنطولوجي، وأهم ما مييز هذا اإلنسان هو الكالم "خالله،

ن اللغة هي اليت حتدد ماهية اإلنسان باعتباره املوجود القادر على الكالم أو باعتبار أ

أي أن الوجود ذاته هو . 3"األنطولوجي للغة هو الكالم -التحدث وبأن األساس الوجوداين

الذي خياطب اإلنسان من خالهلا، فاإلنسان حسب هيدغر ال يصنع الكلمة، وليس هو

Ȑƻ�ǺǷ�Ƣē¦�¾ȂǬƫ�Äǀdz¦�ÃǂƷȋƢƥ�ȆǿÂ�ǾǠǼǐƫ�Ȇǿ¾� الذي يقول الكلمات وإمنا الكلمة

فلم يعد أساس اللغة اإلنسانية النحو أو النطق، إمنا الكالم من ناحية . اإلنسان نفسه

وجودية، فيتحول بذلك الوجود اإلنساين إىل حوار بالضرورة، كما يتحول الكالم إىل عنصر

.89سابق، ص الرجع املسعيد توفيق، يف ماهية اللغة وفلسفة التأويل، -1.35، ص نفسه املرجع - 2.311سابق، ص الرجع املمارتن هيدغر، الكينونة والزمان، -3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

64

ده على االنفتاح على موجودات أساسي حناول تركيب ذلك الوجود، وهذا بالذات ما يساع

.العامل

والسؤال عن الوجود هو الوحيد الذي يضمن لنا هذا االنفتاح عن العامل من جهة

إن كان هذا السؤال ال : " وعن نظام معني من املعىن من جهة ثانية حسب رأي هيدجر

.1"ية الداللةخيرج من الدائرة اهلريمينوطيقية حىت يضعنا السؤال أمام اللغة الرمزية وإشكال

تتجه حنو عمق أشكاهلا الداللية، عندما متارس وظائفها يف التمظهر والرتاتيب " باعتبارها

.2"داخل ميدان الكائن

هذا الوجود يف العامل، ال يعرب فيه عن فهمه الذايت لألشياء، بل –فالوجود اإلنساين

العامل، ليس بواسطتها هي اليت تكشف نفسها عن طريق اللغة وبذلك فاإلنسان يفهم هذا

بل داخلها ومن خالهلا، واعتبارا من ذلك يرفض كل شكل من أشكال التفسري النفساين

.والذايت باعتبار أن اللغة جتل حلقيقة العامل كما هو كذلك

بعدا فينومينولوجيا أو أنطولوجيا بعدما أرسى "لقد اختذت اهلريمينوطيقا عند هيدجر

ومينولوجية باعتبارها تكشف عن احلقيقة أو معىن ظواهر الوجود دعائم اهلريمينوطيقا الفين

.اإلنساين، وبالتايل توضيح أن املعىن الوجودي ال ندركه إال من خالل اهلريمينوطيقا

حتليله هذا الذي يربط بني اهلريمينوطيقا األنطولوجية الوجودية وبني اهلريمينوطيقا

ǼȈǷŚŮ¦�dž ȈLJƘƫ�» ƾđ�ÀƢǯ�ƢȈƳȂdzȂǼȈǷȂǼȈǨdz¦Â وطيقا ال على الذاتية بل على وقائعية العامل

.85سابق، ص الرجع املإبراهيم أمحد، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدجر، -1،1،2007ت يف اهلريمينوطيقا الغربية والتأويل العريب اإلسالمي، منشورات االختالف، طمقارباعمارة ناصر، اللغة والتأويل، -2

.57ص

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

65

وتارخيية الفهم، فالوجود ال يكتشف إال عرب اللحظة اليت يتم تعامل العامل فيها، أي يتأسس

س املشكل ابذلك على مبدأ تارخيية الفهم لوقائعية العامل، ألن حسب ريكور أس

ال من جهة العالقة مع األنطولوجي جيب البحث عنها من ناحية عالقة الكينونة بالعامل

مركزية الوجود اإلنساين، هي "ألن 1"يف الفهم األساسي لوضعيته يف الكينونة(...) الغري

.2"مركزية الكائن الذي يفهم الكينونة

من هو الكائن الذي : " وهذا ما نلمسه عند ريكور عندما يطرح السؤال التايل

نوطيقا إقليما من أقاليم حتليل هذا يتكون الكائن من فهمه؟ وهكذا تصبح قضية اهلريمي

.3"الذي يوجد وهو يفهم" فهو الوجود هنا. "الكائن

�ƢĔ¤��ƨǻȂǼȈǰdz¦�¼ǂǗ�ǺǷ�ƨǬȇǂǗ�ǾǼǰdzÂ��ƨǧǂǠŭ¦�¼ǂǗ�ǺǷ�ƨǬȇǂǗ�ǶȀǨdz¦�ƾǠȇ�Ń�Ǯ dzǀƥÂ

.طريقة هذا الكائن الذي يوجد وهو يفهم

يف -كينونةميس دوما مجلة ال –، إمنا "اهلناك"كما أن الفهم من حيث هو انفتاح

العامل، ففي كل فهم عن العامل يكون الوجود هو أيضا فهم والعكس صحيح، باعتبار أن

الوجود سريورة زمنية بذلك تبقى مشروطة دوما بالوضعية الوجودية التارخيية للدزاين، ألن

الدزاين من حيث هو فهم إمنا يستشرق كينونته

.69-68سابق، ص ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -1.68، ص نفسه املصدر - 2، يناير 1زينايت، الكتاب اجلديد، طجورج : منذر عياشي، مراجعة:اع التأويالت، دراسة هريمينوطيقية، تربول ريكور، صر -3

.36، ص 2005

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

66

هو أن يشرح فقط بنية الفهم املسبقة غرضه يف املشكالت التأويلية والنقد التارخييني

ألغراضه األنطولوجية، ألن عمل اهلريمينوطيقا ليس حمدودا بعمل تأويل مبعناه البحث عن

املعاين الباطنية للنصوص، بل إن مهمتها تكمن باألساس يف فك رموز النص لتحرير الكالم

.1"يت يعنيها النصبسط إمكانية الكينونة ال"املكبوت من داخل الكتابة، وبالتايل

مبا أن العمل اهلريمينوطيقي يصبغ الذات بصبغة الكتابة حىت تتمكن من فك الرموز

داخلها وحىت يظل النص يفهم كينونته، أي الرموز واإلشارات اليت تقوم اهلريمينوطيقا بفكها

ار ، باعتب2"أن السؤال املنسي، هو سؤال الكينونة"وأن تقوم بتأويلها لذلك الحظ ريكور

.أن سؤال الكينونة هو القاعدة األساسية اليت يقوم عليها الفهم والوجود الداخلي

3"أننا يف هذه الذات منلك حظا للتعرف عن الوجود: " وباعتبار كما يرى ريكور

.لذلك فقد اقرتح ربط اللغة الرمزية بفهم الذات

ختبارنا، وإمنا فاللحظة األنطولوجية أال يصبح الكالم يف هذه اللحظة موضوعا ال"

لنظام الكينونة " دال"هلذه الظاهرة جذورها يف التشكيل الوجودي واخلطاب تلفظ ما فهم

.4"يف العامل املمكن فهمه

.70سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -1.44، ص نفسه املصدر - 2.48سابق، ص الصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، -3.72-71، ص ص نفسه املصدر - 4

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

67

ومن هنا، فإن هاته الرموز واإلشارات اليت ينبغي للهريمينوطيقا أن تفكها لفهم

حمركة العامل "هي ، و 1"تعرب عن صميم الوجود"الوجود، تكون عن طريق اللغة، فهي اليت

.2"وكاشفة الوجود

أن الفهم الذي هو نتيجة من نتائج حتليل : " وهذا ما أشار إليه ريكور حينما قال

الوجود هنا، هو ذاته الذي يفهم به ومن خالله هذا الكائن نفسه بوصفه كائنا، وملرة

À¤�ǶȀǨdz¦�ÀƘƥ�ƨdz¦ƾdz¦�ƨǷȐǠdz¦�Ǻǟ�Ƣē¦�ƨǤǴdz¦�Ŀ�Ʈ ƸƦǻ�À¢�Ƥ Ÿ�ȏ¢��ƨȈǧƢǓ¤ هو إال طريقة

.3"من طرق الكينونة

كان هدف ريكور من ذلك أن ختتصر الطريق الطويل الذي انتهجته التحليالت

الكالم هو من الناحية الوجودانية لغة، وذلك ف .اللغوية إىل طريق موجز بتحليل الوجود هنا

ط كينونة متفصل انفتاحه على حنو مطابق للداللة، إمنا له من قدالكائن يكون من قبل أن

.يف العامل -الكينونة

جمال يف يفهم إال ال ن الكائن ألومن هنا اعترب التأويل املرحلة اللغوية للفهم باعتبار

فمنذ اللحظة اهليدجرية تتماثل اهلريمينوطيقا مع وجود الكائن، هذا الوجود "التكلم باللغة

.4" الذي يصدرههنا واملعىن -الوجود –ينتقل حامال لتارخيية الفهم عرب دائرية

.63سابق، ص الرجع املإبراهيم أمحد، أنطولوجيا اللغة عند مارتن هيدجر، -1.نفسها الصفحةو ، نفسه املرجع - 2.41سابق، ص الصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، -3.72سابق، ص الرجع املعمارة ناصر، مقاربات يف اهلريمينوطيقا الغربية والتأويل الغريب، -4

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

68

قد استطاع ترك أثرا واسعا ومهما يف نظرية " الوجود والزمان"إن هيدجر يف كتابه

التأويل، فقد نقل اهلريمينوطيقا نقلة كربى واستطاع أن يعطي الفهم مفهوما جديدا متاما

، ، وأن الفهم هو فهم زماين"الوجود"فصارت بذلك اهلريمينوطيقا طريقة يف . عما كان عليه

ذلك الكائن الذي يعرب الفجوة بني خفاء "وأن اإلنسان هو . قصدي، تارخيي ووجودي

الوجود وجتليه، بني حتجب الوجود وانكشافه، بني العدم والوجود، واإلنسان إذ يتكلم، إمنا

.1"الوجود" يؤول"

فجوهر وجود اإلنسان يكمن ويقوم أساسا على تلك العملية التأويلية ليصل على

.ملخفي وجيعل منه بذلك حدثا تارخيياالوجود ا

مشروعه التأويلي يقوم أساسا على حماولة استعادة فهم الوجود وإعادة الوعي فأصبح

به وهذا ما فقدانه يف األزمنة احلديثة ألن اهلريمينوطيقا تعين بفك رموز األقوال اليت تكون

.أو تصنيفاته الذهنية يف أزمنة وأمكنة ولغة أخرى، دون أن يفرض عليها املرء مقوالته

.251سابق، ص الرجع املعادل مصطفى، فهم الفهم، -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

69

Hans هانز جورج غادامير-3 Georg Gadamer)1900-2002(:

بعدا مغايرا متاما لتصور كل من شاليرماخر، دلتاي "لقد أخذ التأويل عند غادامري

الفهم والتفسري أو : فاملمارسة التأويلية يف نظره متر عرب ثالث مراحل(...) وهيدغر وريكور

1."(Application)والتطبيق (Interprétation)التأويل

وبالتايل فهاته املراحل جمتمعة تشكل عملية التأويل وال ميكن فصل أي جزء عن

.اجلزء اآلخر

فغادامري يعد الوريث الفكري هليدجر، الذي حاول من خالل منهجه تأسيس نظرية

،هوسريل من أخطاء تتفادى كل ما جاء من فينومينولوجيا"تأويلية جديدة حتاول أن

وبذلك كان له الفضل يف تفجري قضايا التفكري الفلسفي وذلك من خالل النظرية التأويلية

رشح نفسه "أي أنه . 2"اليت كانت املنعطف األنطولوجي احلاسم الذي أطلق شرارته هيدجر

. كما يرى ريكور 3"اهليدجرية"إلنعاش جدل علوم العقل وذلك انطالقا من األنطولوجية

- درس يف برسالو، ومابورغ، وميونخ، حصل على الدكتوراه األوىل بإشراف باول ):2002-1900(هانز جورج غادامري

، وصار أستاذ كرسي 1929وعلى الدكتوراه املؤهلة للتدريس يف اجلامعة بإشراف هيدغر يف جامعة ماربورغ سنة Natropناتورب

، 1949، فإىل جامعة هيدلربج يف سنة 1943إىل جامعة فرانكفورت يف سنة ، مث انتقل 1939للفلسفة يف جامعة ليبتسج سنة

.''¦ƨȈǨLjǴǨdz¦�ƨǴĐ''رئاسة حتري 1953وشغل منذ سنة

، الشعب والتاريخ يف تفكري هيدغر 1934، أفالطون والشعراء 1931األخالق الدياليكتية عند أفالطون : أهم مؤلفاته

.اخل...، طرق هيدغر1963احلركة الفينومينولوجية ، 1963، التفسري والنزعة التارخيية 1942

.21سابق، ص الرجع املغادامري، من فهم الوجود إىل فهم الفهم، -1.113، ص السابق املرجع - 2.74سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

70

تركيب بني اهلريمينوطيقات اإلقليمية إىل اهلريمينوطيقا العامة، "غادامري وبذلك تعترب فلسفة

.1"ومن إبستمولوجيا علوم العقل إىل األنطولوجيا

وجدير بالذكر أن نفس هاته األنطولوجية كانت حتاول أن تتخطى الوجود وذلك

وشكل الكينونة . د اإلنسان نفسهعن طريق فهم الفهم، باعتبار أن الفهم يعترب أسلوبا لوجو

نفسها للوجود يف العامل، وذلك لعدم انفصال الذات عن املوضوع والوعي عن عامله الذي

الوعي "حتيا فيه، من خالل خربة سابقة على كل تفكري منهجي لريى غادامري يف ذلك أن

ة لتارخيه، ال يرتبط بشيء، وأن وعي القارئ مكون يف حالة امتالك بالقو -يف كينونته –

.2"وقراءة تاريخ ذاته

ليبقى بذلك الفهم منفتحا على معرفتنا بالعامل ألنه ال يبلغ حسب غادامري اليقني

يكون الدور اهلريمينوطيقي عنده يتمثل يف أنه ما يسعى إىل تفسريه وفهمه و وال االحتمال

.ينبغي أن يكون معروفا سلفا من خالل وعي مسبق

مري مسألة املمارسة التأويلية النفسانية للمؤلف والقارئ من جهة أخرى يعارض غادا

األصلي، إذ تفصل كتابة النص عن مؤلفه، ألننا ال نفهم النص من خالل حياة املؤلف

"وعواطفه الذاتية النفسانية، فيقول غادامري ليس الفهم عملية نفسانية، وال ميكن ألفق :

بأفق املرسل إليه الذي كتب النص أساسا معىن الفهم أن حيدد ال مبا يقصده املؤلف، وال

.74ص ، السابق املصدر - 1.74سابق، ص الرجع املعمارة ناصر، اللغة والتأويل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

71

وإمنا نفهم أي نص من خالل إدراك املعىن أو الداللة، أو القصد واعتماد على 1"من أجله

.كل ما تقدم لنا من معطيات فعلية

فبعدما كانت اهلريمينوطيقا تعتمد على البعد النفسي لدى شاليرماخر، دلتاي،

ولوجيا اهلوسرلية، صارت قائمة على حلقة الفهم وأنطولوجيا هيدجر، وأسرية الفينومين

.والتفسري أو التأويل نقطة البداية لعملية التأويل

�ƾǯƚȇ�Ǿƥ�ǾLjǨǻ�ŚǷ¦®Ƣǣ�¿DŽdz¢�Äǀdz¦Â�DzȇȂǘdz¦�Ȇź°ƢƬdz¦�ÃǂЦ�» ǂǟ�ƢǷƾǠƥ " أن على

الفلسفة اهلريمينوطيقية أوال أن تراجع باختصار مقاومة الفلسفة الرومانسية لعصر األنوار،

.2"ومة دلتاي للوضعية وهيدغر للكانطية اجلديدةمقا

إذا كانت هريمينوطيقا غادامري قد ما وهذا ما كان يهدف إليه ريكور يف معرفة

واليت يرى فيها الرومانسية (...) جتاوزت بالفعل نقطة انطالق اهلريمينوطيقا الرومانسية

.3"الفلسفية متغلقة إزاء ادعاءات كل فلسفة نقدية

املشروع اهلريمينوطيقي يهدف إىل تأسيس تأويلية عاملية، تعمل على " أصبح بذلك

، 4"نشر أدبيات احلوار بني الثقافات واحلضارات من خالل فعل الفهم كممارسة تأويلية

كما اعترب بذلك الفهم والتفسري حلقتني أساسيتني يف املمارسة التأويلية، فال وجود لتفسري

، 1988، 3هانس جورج غادامري، اللغة كوسيط للتجربة اإلنسانية، تر أمال أيب سليمان، جملة العرب والفكر العاملي، العدد -1

.29-28ص ص .75سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -2.75، ص نفسهصدر امل - 3.148سابق، ص الرجع املهم، غادامري، من فهم الوجود إىل فهم الف-4

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

72

فنحن نفسر أوال وأخريا ما "الشكل الظاهر للفهم وبالتايل بدون فهم باعتبار أن التغري هو

.الفهم والتفسري شيئا واحدا فيصبح بذلك، 1"نكون قد فهمناه

ومن ناحية أخرى هذا الفهم ال يكون فهما حقيقيا إال عن طريق احلوار، حوار بني

قواعد اخلاصة الذات واملوضوع، أين حتاول هاته الذات التغلب على املوضوع فتقوده إىل ال

Ƣđ.

هذا ما دفع بغادامري أن يضع األساس األول لنشاط التأويل والقائم على عملية

مع –اجلمع بني الذايت واملوضوعي، للوصول إىل توسيع حلقه الفهم ليصبح بذلك الوجود

عرب جتربة التواصل الذايت، اعتبارا من ذلك يكون االهتمام منحصرا ما بني الذات -اآلخر

ر، ومبا أن هاته الذات موجودة داخل التاريخ وال ميكن أن توجد خارجه كما أكد واآلخ

وألن املؤول ال . 2"إن الذات موجودة دائما داخل التاريخ تعيشه وتعانيه: " ذلك غادامري

ميكن له أن يضع ذاته جانبا وهو حياول فهم أي نص وتأويله، ألنه وبفضل هاته الذات

.فهماملؤولة نصل إىل عملية ال

إن أساس احلوار عند غادامري هو السؤال، مبعىن التبادل والتداول للوصول إىل إنشاء

�¾ȂǏȂǴdz�ǂǓƢū¦Â�ª ¦ŗdz¦�śƥ�ƢǷ��ǾƟ°ƢǫÂ�ǎ Ǽdz¦�śƥ�ƢǷ�°¦ȂƷ�Ä¢��ƢǿŚǤƥÂ�Ƣē¦ǀƥ�©¦ǀdz¦�ƨǫȐǟ

إىل جتربة تأويلية والوصول إىل فضاء تأويلي؛ ألن اهلريمينوطيقا الفلسفية تقوم على أساس

الفهم واحلوار، فالتفسري يتطلب الفهم، الذي بدوره ال ميكن أن يكون فهما التفسري و

حقيقيا إال من خالل احلوار؛ وعن طريق اللغة اليت تعترب فضاء التواصل واحلوار بني املاضي

.22، ص السابق املرجع، غادامري، من فهم الوجود إىل فهم الفهم -1.31، ص نفسهاملرجع - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

73

الرتاث اللغوي هو تراث باملعىن اخلالص، ألنه ينتقل من جيل إىل آخر ويتماشى فواحلاضر،

.لية والرمزية والتأويلية والتارخيية يف احلاضرمع كل املكونات الدال

لقد عثرنا، يف حتليل الظاهرة التأويلية، على وظيفة كلية : " وهذا ما أكده غادامري

للغة، ورأيناه يف كشف الطبيعة اللغوية للظاهرة التأويلية أن هلا داللة كلية؛ وأن الفهم

ما يصدق على الفهم يصدق كذلك ف(...) والتأويل مرتبطان برتاث لغوي بطريقة حمددة

.1"على اللغة

فالفهم والتأويل عند غادامري شيء واحد، كما تعترب اللغة هي الوسيط الكلي الذي

حيدث فيه الفهم؛ ومبا أن الفهم حيدث يف التأويل، فإن مشكالت التعبري اللفظي اليت تعين

��Ǿƫ¦�ǶȀǨdz¦�©ȐǰnjǷ�ƢȀLjǨǻ�Ȇǿ�ƨǤǴdz¦�Ƣđ"ويل، والتأويل برمته حيدث ألن الفهم برمته تأ

�¾Âƚŭ¦�ƨǤdz�ǾLjǨǻ�ƪ ǫȂdz¦�Ŀ�ƢĔ¢�ǞǷ�©ƢǸǴǰƥ�ȄƫƘƬȇ�À¢� ȂǓȂǸǴdz�ƶȈƬƫ�ƨǤdz�ǖLJÂ�Ŀ

.2"اخلاصة

من هنا يتبني لنا أن التأويل هو احلقل الفضائي أو السياق الفين والتارخيي واللغوي

ية واألصلية اخلاصة الذي تنبثق فيه التجربة اإلنسانية، إذ ميكننا الولوج إىل املقاصد األساس

باملؤلف وإعادة تأسيسها عن طريق الفهم اعتبارا من نصوصه وما كتبه ويف ضوء حياته

.وما جيعل هاته املسألة ممكنة هي اللغة. الفكرية

.529سابق، ص الرجع املهانس جورج غادامري، احلقيقة واملنهج، -1.511، ص نفسهاملرجع - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

74

ألن ما يسعى إليه التأويل التارخيي هو توضيح أن هذا اإلنسان املنشغل أو املؤول

الرتاث الذي يتكلم فيه النص، باللغة اليت خياطبنا للرتاث، جيب أن تكون له عالقة ارتباط ب

�ƨƥ¦ǂǣ�śƥ��śƬȈǔǫ�śƥ�DzȇÂƘƬdz¦�ÀȂǰȇ�Ǯ dzǀƥÂ��Ƣđ�ƢǻŐź�Ŗdz¦�ƨǐǬdz¦�ÃȂƬŰ�ǺǟÂ��ǎ Ǽdz¦�Ƣđ

النص الرتاثي وألفته وبني املوضوع التارخيي املقصود البعيد عنا واالنتماء إىل الرتاث، أي بني

ي والذي هو بعيد عنا من جهة وانتمائنا له من جهة املوضوع الذي يتكلم فيه النص التارخي

.أخرى هذا ما جيعل من التأويلية تأخذ املكان التوسطي فيما بينهما

هذا ما دفع بنا إىل الرجوع إىل املسافة الزمنية وداللتها للفهم، أي أن تعطي األسبقية

مانسية التأويلية؛ واليت ملا كان هامشيا يف التأويلية السابقة، ومتكن مقارنتها بنظرية الرو

تصورت الفهم إعادة إنتاج لإلنتاج األصلي، فالقول بأن الفهم الالحق أمسى من اإلنتاج

يعترب فهم أمسى، هو قول ال يعتمد على اإلدراك الواعي الذي يضع املؤول ما األصلي، و

ية اليت بني يف مستوى املؤلف كما قال شالير ماخر؛ إمنا هو يدل على توضيح املسافة الزمان

املؤول واملؤلف، فال بد لكل عصر أن يفهم النص بطريقته اخلاصة، واملربوطة بذلك العصر،

ألن النص يف جممله ينتمي إىل ذلك الذي حيتويه العصر أي تراث العصر، ومن خالله

املعىن احلقيقي ألي نص كان والذي يتحدث إىل املؤول فيسعى هذا العصر إىل فهم نفسه،

ƺȇ°ƢƬǴdz�ȆǟȂǓȂŭ¦�ÃǂЦ�ȄǴǟ�ƢŶ¤Â�ȆǴǏȋ¦�ǾƟ°ƢǫÂ�Ǧ ال يعتمد dzƚŭ¦�ȄǴǟ . وهذا ما أكده

�śƥ�ƾǠƥ�Ǻǟ�DzǏ¦ȂƬdz¦�ÀƘƥ�ƨȈǓƢǬdz¦��¦ƾƳ�ƨƦǐŬ¦�ǂǰǨdz¦�ǽǀđ�ŚǷ¦®ƢǤdz�ÀȂǼȇƾǷ�ǺŴ: "ريكور

.1"وعيني خمتلفني من حيث املوقع، يتم بواسطة التحام أفقيهما

.77سابق، ص الصدر املريكور، من النص إىل الفعل، -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

75

املؤرخ أو املؤول، بل على العكس هي فاملسافة الزمنية ليست نقطة سوداء يتحاشاه

األساس الذي يدعم جمرى األحداث اليت ميد فيها احلاضر جذوره، أي األساس الذي تقوم

فإن –عليه األحداث التارخيية لدعم احلاضر؛ وباعتبارنا كائنات تارخيية باملاضي، بأي حال

ل إننا باألحرى متموقعون ضمن عالقتنا باملاضي ال تتميز بابتعادنا عن الرتاث، وحتررنا منه ب

فنحن ال نتصور الرتاث شيء آخر، أو شيئا غريبا عنا؛ فالرتاث دائما جزء (...) الرتاث

.1"منا

اعتمادنا على فهم أي ظاهرة تارخيية من املسافة التارخيية يقوم أساسا على تأثرنا و

ȇƾƳ�ƢǼdz�ÂƾƦȇ�ƢǷ�ƢǨǴLJ�®ƾŹ�ȂȀǧ��Ȇź°ƢƬdz¦�ª ¦ŗdzƢƥ�¢�ƺȇ°ƢƬdz¦�¦ǀđ�» ȂLJ�ƢǷÂ��Ʈ ƸƦdzƢƥ�¦ǂ

.يظهر موضوعا للبحث

ال حرية له للوقوف هإن وعينا حمدد بصريورة تارخيية حقيقية حبيث أن: " يقول ريكور

فنحن يف مواجهة مستمرة للماضي ألننا . 2"يف وجه املاضي، ألننا دائما قائمون يف التاريخ

ي املتأثر بالتاريخ هو يف وبذلك فإن الوع .ننحدر من هذا املاضي ومن هذا الرتاث للماضي

.املقام األول وعي باملوقف التأويلي الذي تسعى للوصول إليه

املوضوعية التارخيية اليت تعول على منهجها النقدي ختفي حقيقة أن الوعي التارخيي و

هو نفسه متوقع ضمن شبكة التأثريات التارخيية، وبذلك فقراءة الرتاث تستدعي تشكيل

.388سابق، ص الرجع املهانز جورج غادامري، احلقيقة واملنهج، -1.76سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

76

احلس التارخيي والنقدي يف معاجلة موضوعاته باعتبار أن الشيء أساسه "وعي تأويلي

.1"نفسه املسلم من طرف الرتاث باعتباره موضوع تساؤل

ومن مث فإن هذا الرتاث يتوسط دائما عملية التأويل، إذ يف عملية التوسط هذه يبقى

التاريخ عند فالرتاث على قيد احلياة، وبذلك تصبح قراءة النص هي عبارة عن قراءة تراثية

.غادامري حياول أن يؤطر عملية الفهم أو التأويل من القارئ إىل املقروء

النصوص اليت شكلت يف التاريخ، واليت يقرأها املؤول ليست مبواضيع أو نصوص و

من قراءات تشكلت يف احلاضر " آفاق منصهرة"مستقلة، ومعطيات مطلقة، وإمنا هي

.2"هم بنية الرتاث واستقصاء وظيفتهوأخرى تأسست يف املاضي وعملت على ف

فنحن نتحدث بذلك عن ميدان الفهم التارخيي، عن اآلفاق، وخصوصا فيما يتصل

باعتبار أن الفهم هو دائما انصهار تلك . بالوعي التارخيي إىل رؤية املاضي مبا هو كذلك

�ƢĔ¢�µ ŗǨȇ�Ŗdz¦�¼Ƣǧȉ¦�śǬǧȋ¦�¿ƢƸƬdz¦�Ŀ�°Ȃǰȇ°�ǞǷ�Ǯ dz�ƢǼȇ¢°�ƢǸǯ�¼Ƣǧȉ¦���Ƣē¦ǀƥ�®ȂƳȂǷ

كموقف تأويلي فمهمة الفهم التارخيي تتضمن اكتساب أفق تارخيي مالئم، حىت نتمكن

من رؤية ما حناول فهمه من حيث أبعاده احلقيقية؛ ألننا إذا مل نتمكن من نقل أنفسنا

داخل األفق التارخيي الذي يتكلم عنه النص الرتاثي، فسوف نسيء فهم ما حياول أن

كلما نواجه الرتاث ضمن الوعي التارخيي فإننا بذلك نواجه جتربة تؤثر ف وبالتايل .يوصله إلينا

بني النص واحلاضر؛ وما على التأويلية إال أن تظهر وحتل هذا التأثر بوعي كامل حىت تصبح

.53-52سابق، ص ص الرجع املهانس جورج غادامري، من فهم الوجود إىل فهم الفهم، -1، 1،2011مسائل فلسفية، منشورات االختالف، طعبد العزيز بوالشعري،غادامري، من فهم الوجود إىل فهم الفهم، -2

.81ص

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

77

العالقات بالرتاث كما يريدها غادامري، هي عالقة تطبيق لقضايا ومسائل الرتاث على

ونا، وال فنحن مقيدون بتقاليد من سبق. 1"عقل نقدي ووعي تارخيياللحظة الراهنة، وفق

تقتصر على فهمه وحتديد معناهدراستنا هلذا املوروث التارخيي الو نستطيع أن نتخلى عنها،

من خالل خربتنا وإمنا الظواهر الروحية للرتاث والتاريخ ال ختضع ألننا ينبغي أن نفهمها ألن

Ǽƫ�Ƣǿ°ƢƦƬǟƢƥ��Ƣđ�ǂNjƢƦŭ¦تمي إىل سياق عاملنا الذي حتيا فيه."

فاالنصهار الداخلي للفهم والتأويل الذي أوصلنا إىل العنصر الثالث يف املشكلة

يرى غادامري أن . التأويلية أال وهو التطبيق، والذي يعترب عنصرا مكمال للعملية التأويلية

ر الوعي التارخيي يف الفهم يعتمد على العلوم اإلنسانية ألنه فهم تارخيي؛ فنتيجة لظهو

القرنني الثامن عشر والتاسع عشر، قطعت التأويلية الفيلولوجية والدراسات التارخيية روابطها

بالتأويالت األخرى كالالهوتية على سبيل املثال؛ وبذلك أقامت لنفسها مناهج للبحث يف

.العلوم اإلنسانية

ارخيي أساسا، مبعىن أن فالفهم بالشكل الذي يتخذه يف العلوم اإلنسانية، فهم ت

النص ال يفهم إال بطريقة خمتلفة إذا قارناه بعلوم أخرى؛ وألننا من خالل املهمة التأويلية

التارخيية، نأخذ بعني االعتبار التوتر القائم بني املوضوع وما جيب أن يفهم فيه، وذلك

.يلية الرومانسيةاعتمادا على حركة الفهم التارخيية اليت أوضحناها، واليت مهشتها التأو

هو ليس ممارسة منتجة؛ وإمنا هو فعالية منتجة للعلم "إن التطبيق حسب غادامري

التارخيي والوعي النقدي يف سبيل فتح مغالق الرتاث واآلثار؛ وإنارة متاهات احلقائق

.59سابق، ص الرجع املحممد شوقي، تأويالت وتفكيكات، -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

78

الفن هو فن ترمجة حقائق الرتاث وتطبيقها وصهرها يف بوتقة القضايا (...) واألفكار

.1"الراهنة

من خالل ذلك فإن التطبيق هو استعمال املعىن يف احلاضر، أي الوضعية الراهنة،

وهو بذلك فاعلية منتجة للفهم التارخيي والوعي النقدي للوصول إىل سبيل حلل مشكالت

.الرتاث

إن مشروع اهلريمينوطيقا عند غادامري يتمثل يف أنه حاول أن يؤسس تأويلية عاملية

ارسة تأويلية، وجعل اإلنسان يهتم بذاته وبالعامل الذي حوله تعتمد على الفهم كمم

للوصول إىل الفهم اعتمادا يف ذلك على اللغة ملا هلا من عالقة بالتأويل، اعتمادا على

التفسري والفهم واحلوار، باعتبارمها مرتابطان، فالفهم يتحقق من خالل حوار تنفتح فيه

Ǩƫ¦�ń¤�¾ȂǏȂdz¦�» ƾđ�ȂǓȂŭ¦�ȄǴǟ�©¦ǀdz¦�ǶȀǨȇ�Ȇź°Ƣƫ�ǺƟƢǯ�Ȃǿ�ÀƢLjǻȍ¦�À¢�°ƢƦƬǟƢƥ��¼Ƣ

بشروط تارخيية ال تفصل بني النص ذاته ) اهلريمينوطيقا(فربطها . ما يف الزمان واملكان

وبذلك كان الكلي واجلزئي، املوضوعي . والشروط التارخيية للمؤول أو الواضع النص

اعتمادا على املسافة الزمانية والذايت، والفهم والتفسري مها ما تقوم عليه الذات والتاريخ

.واحلياة التارخيية للرتاث هي مؤولة باستمرار

.92سابق، ص الرجع املغادامري، فهم الفهم، -1

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

79

:ريكوربول -4

إن احلديث عن بول ريكور هو احلديث عن مشروع يف الفلسفة التأويلية، فقد جاء

ن بالفينومينولوجيا خلدمة ريكور من الفينومينولوجيا أوال مث حتول إىل التأويلية، وقد استعا

، هذين احلقلني مل جيدا حسب ريكور يف الفكر العريب اهتماما يناسب أمهيتهما، تهتأويلي

فحاول بذلك تطوير الفينومينولوجيا والتأويلية يف حقل العلوم االجتماعية بصفة خاصة

.والعلوم اإلنسانية بصفة عامة

إن كل هذا الغىن والتنوع الذي عرفته فلسفة ريكور، راجع إىل حواره املستمر مع

خمتلف املذاهب والفلسفات احلديثة واملعاصرة وقام بإدخال تعديالت تتماشى مع تغري

األحوال، ألنه شاهد على عصره وعلى كل ما جاء به، فحبه للتجديد واالنفتاح واحلوار

املستمر دفعه للبحث عن آفاق واسعة ومتنوعة للتفرد والتميز عن باقي الفالسفة، وذلك

وهذا ما ساعده على إغناء مشروعه "تلف احملاوالت األخرى، عن طريق التالمس مع خم

.1"الطموح وقدرته على حماورة معظم املناهج الفكرية احلديثة

�ƨǨLjǴǨdz¦�ǺǷ�ǽŚǰǨƫ�Ŀ�ǪǴǘǻ¦�ƢǷƾǼǟ��ƢēƢȇ¦ƾƥ�ǀǼǷ�ǾƬǨLjǴǧ�Ŀ�ǾLjǸǴǻ�ƢǷ�¦ǀǿÂ

وبفضل منهجه الظاهرايت التأويلي املنشغل بالوعي والقصدية متكن ريكور من "الظاهراتية،

وهوسرل " يامربز"، كما تأثر بتفكري 2"التفاعل مع أمناط متنوعة من الوعي التفسريي"

التأثر (ة، وبالقراءات التأويلية اإلجنيلية، والتحليل البنيوي السردي والفينومينولوجيا األملاني

، دون أن ننسى فضال أرسطو وأوغسطني، وكانط )دي سوسري(واللسانيات ...) بكرمياص

.08سابق، ص الصدر امل، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.08، ص نفسه املصدر - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

80

وغريهم، وبالتايل ميكن االستنتاج مما ذكرنا أن حياة ريكور هي انعكاس تارخيي ملشروعه

بناء نسق فلسفي فريد من نوعه، استفادت منه كل إىل من خالله توصل والذيالفلسفي،

.االجتاهات الفلسفية ليطور مشروعا اعتربه البعض أهم حماولة يف القرن العشرين

فحبه للتجديد واالنفتاح، جعل من فلسفته أو منهجه حوار مفتوح مع كل التيارات

ينا أن منر عربالفكرية والعلمية، لذلك ولكي نستطيع أن نفهم فلسفة بول ريكور جيب عل

الفلسفة جمرد حوار بني الفلسفة "كي ال جنعل من كل هاته العلوم اإلنسانية وذلك

وما ȂǴǠdz¦�Dzǯ�ǞǷ�°¦ȂūƢƥ�¿ȂǬƫ�ȆǿÂ�ƢēƘnjǻÂ�Ƣǿ®ȂƳÂ�ǀǼǷÂ�ƨǨLjǴǨdz¦�ÀȋÂ"2¿"1"والفلسفة

على الفيلسوف إال أن يقوم بزياراته مليادين من حقول املعرفة املختلفة من حتليل نفسي،

.اخل...يوي وماركسي واللسانياتوبن

وقد كان اهتمام ريكور بكل هاته املناهج، ليوضح النقلة احلركية املدهشة للفكر بني

.نص وجتربة معيشة

فهذا التحول من الطبيعة املعاشة إىل النص، هو من أجل التعامل مع معطيات

ن اخلطاب وضمن العامل، للوصول إىل املعطى األساسي يف فهم وشرح وتفسري العامل ضم

فنصل إىل أن هناك عالقة . قراءات منهجية تكون عن طريق اللغة، اليت تعترب احلاملة للمعىن

.بني القارئ والنص، القراءة والكتابة، بني الكالم واإلصغاء

.348الكتاب اجلديد، ص ، 2002، 1جورج زينايت، الفلسفة يف مسارها، دار الكتاب اجلديد املتحدة، ط-1.نفسها والصفحةنفسه، املرجع - 2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

81

فالفهم عند ريكور، حيمل يف طياته إرثا حضاريا عريقا، وما على التفسري إال أن

. دات الفكر وإبستيمولوجيا التفاعل مع العامل الذي تعيش فيهيفتح الباب واسعا أمام اجتها

ففهم العامل وتأويله من خالل اللغة اليت حتمله، يعتمد دوما على ذات واعية

بوجودها يف هذا العامل أي التفكري يف الوجود كفعل للفهم والتأويل، كفكر وليس ببساطة

باعتبار أن الذات هي من 1"لوعيألن املوضوعية تكون مبنية على ذاتية ا" كموضوع،

.تنتج موضوعها وتتمثله

أن الوجود ال يصل إىل الكالم، إىل : " فكانت بذلك اهلريمينوطيقا هي إثبات أن

مث إن الوجود (...) املعىن، وإىل التفكري، إال بالصدور عن تفسري متواصل جلميع الدالالت

حيث (...) عىن الذي يكون خارجا إال بامتالك هذا امل(...) ال يصبح ذاتا إنسانية

.2"تتموضع حياة الفكر

كتصور " الفهم"أو مبعىن آخر كينونة " الفهم"إن اهتمام التأويل بإشكالية وجود

فينومينولوجي، يهتم بالدرجة األوىل بانفتاح الكائن على ذاته وعلى الوجود، بالتفسري

"، وقوله3"التعرف على موجودففي الذات يكو ن لدينا فرصة : " والفهم كما يرى ريكور :

ميكن حتديد التأويلية ليس بوصفها حبثا يف النوايا النفسية املتخفية حتت سطح األرض، بل

.20سابق، ص الرجع املعمارة ناصر، اللغة والتأويل، -1.26بول ريكور، صراع التأويالت، املصدر السابق، ص -2.44ص نفسه، صدر امل - 3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

82

العامل معروضا يف النص، ما جيب تأويله يف النص –باألحرى بوصفها تفسريا للوجود يف

.1" اخلاصةهو العامل املقرتح الذي ميكن أن أسكنه وفيه ميكنين أن أشرع إمكانيايت

فكانت بداية جدلية لتفسري والفهم املنتشرة على مدار النص، صارت قضية التأويل

.الكربى، وأصبحت بذلك تشكل من مثة الرهان األكرب للهريمينوطيقا

لقد كانت النظريات الرومانسية يف التأويل، خاصة مع دلتاي وشالير ماخر؛ حتاول

لفهم، ففرضت األولوية ملقاصد املؤلف وبذلك فقد أن جتعل مطابقة بني التأويل ومقولة ا

تغاضت الرومانسية كما يرى ذلك ريكور عن الوضعية اخلاصة اليت خلقها انفصال املعىن

حترير التأويلية مما اعرتاها من : " لف، وقد حاول ريكورؤ اللفظي عن القصد العقلي للم

التأويل يكمن يف طبيعة ؛ ألن السبب يف مشكلة2"احنيازات ذات طابع نفسي أو وجودي

القصد اللفظي للنص وليس يف التجربة النفسية للمؤلف؛ ألن الفهم بذلك يتم يف فضاء

فقصد . غري نفسي، بل داليل فيكون بذلك النص منفصال عن القصد العقلي للمؤلف

املؤلف، من حيث هو واقعة نفسية، غري منعدم، وقصد الكتابة يعرب عن املعىن اللفظي

ه؛ وبالتايل فكل املعلومات املتعلقة بسرية الكاتب ونفسيته ليست مبعيارية فيما للنص نفس

.يتعلق بوظيفة التأويل

إن التأويل مير عرب اإلشارات واإلحاالت، وبذلك فقد اختذ أمهية كربى ابتداء من

اإلشارات بانتظامها تشكل نسقا يكون خارج فات من القرن املنصرم، الستينات والسبعين

1سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء، ط:فلسفة بول ريكور، تربول ريكور، الوجود والزمان والسرد، -1

.82، ص 1999.53، ص 2003، 1سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، ط:اخلطاب وفائض املعىن، تربول ريكور، نظرية التأويل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

83

وقائم بغض النظر عن مستعمليه؛ وهذا ما نلمسه عند البنيوية اليت أنكرت وجود الزمان

، باعتبار أن البنيوية 1"ظلمة التعايل بال ذات"الذات الفاعلة، وهذا ما أطلق عليه ريكور

والسيميائية والتفكيكية حاولوا التوغل يف النصوص بناء على أفق متعالية بال ذات، وهو

أويلية األملانية واليت حاولت العثور على لغتها السرية للخروج من نفس ما قامت به الت

.االنغالق على الذات ومن املنطق املتحجب

��Ƣē¦�ȄǴǟ�ƨǬǴǤŭ¦�©¦ǀdz¦�Ǫǧ¢�ȄǴǟ�ńÂȋ¦� ȂǐǼdz¦�ƶƬǧ�ƢƬdzÂƢƷ�śƬȈǴȇÂƘƬdz¦�ƢƬǴǯ

رفضا قاطعا متحيزا "واألخرى على أفق البىن املتعالية بال ذات، لذلك رفض ريكور

.ǪǴǤǷ�¿ƢǜǼǯ�ƨǤǴdzƢƥ�¾ƢǤnjǻȏ¦�ń¤��ƨȈƟƢȈǸȈLjdz¦�ƢȀƬǼȇǂǫÂ�ƨȇȂȈǼƦdz¦�Ƣē®Ƣǫ�Ŗdz¦�©¦Ȃ"2الدع

مع مرور الزمن استطاع ريكور أن يغري مسار التأويليتني معا لكن مع إعادة النظر يف

.األنطولوجيا كاملة؛ ألن هاته األخرية تقوم أساسا من التأويلية بدءا من التأويلية اللغوية

حاول ريكور أن يبني أن ما ذهب إليه هيدغر عندما أقام أنطولوجيا من جهة أخرى

مباشرة للدزاين أو للوجود البشري مث جعله مير عرب الطريق الطويل ليتمكن من كشف

أن أفهم ذايت هو أن أقوم بالدورة األكرب؛ وهي الدورة اخلاصة : " حقيقة اآلخرين لقوله

.3"ح ذا داللة بالنسبة إىل جمموع البشربالذاكرة الكربى اليت تتحفظ بكل ما أصب

فقد أراد بذلك ريكور أن يبني أن الدورة اليت تطرق إليها تسعى إىل فهم أفضل

للذات باعتبار أن كل فهم للذات مير عرب توسط اآلخرين؛ ومن بني هاته امليادين اليت

53املصدر السابق، ص ، املقدمة، 3السرد، جبول ريكور، الزمان و -1.08ص ، سابق الصدر امل، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-23

.86سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

84

��ƨǤǴdz¦�Ȇǿ�©¦ǀdz¦�Ƣđ�ǖƥǂȇ�À¢�ȄǠLjȇ"�ƾǟƢƦƬdz¦�ƨǘLJ¦Ȃƥ�Ƣē¦�ǶȀǨƫ�©¦ǀdzƢǧ ،هذا من جهة

وعن طريق داخل التأمل الذايت املباشر "ومن جهة أخرى ال ميكن أن يتحقق ذلك إال

.1"الرموز والعالقات باآلثار الثقافية املكتوبة يف نصوص خمتلفة

فتكون بذلك كل جتربة إنسانية هي من األصل جتربة لسانية، وهذا ما نلمسه عند

والرغبة يف كون كل جتربة عاطفية خيرجها التحليل فرويد الذي برهن على الصلة بني اللغة

.إىل الوضوح عن طريق اللغة

فالرمزية هي الوساطة الكونية للفكر؛ فهي تعرب قبل كل شيء عن ال مباشرة فهمنا

للواقع؛ فإذا كان العامل ال يفهم إال ما منتلكه عنه من اللغة وليست لدينا إمكانية حدسية

اتية للوعي فإن بذلك الرمزية تعترب القاسم املشرتك أو الوساطة لتمييز خمتلف األشكال الذ

أن الرمزي هو : بني كل طرف، بني الذات أو العامل من خالل رمزية لغته، لذا يرى ريكور

الوساطة الشاملة للفكر بيننا وبني الواقع، إنه يعرب قبل كل شيء عن ال مباشرية فهمنا

وتأويله؛ وفهم الذات وتأويلها وبني تأسيس املعىن للواقع؛ فهو بذلك يربط بني فهم النص

بتملك قصدية النص ذاته "وتأسيس الذات عن طريق الرموز، ألننا حسب ريكور مطالبون

.3"هو أن يلقي بنا بداخله"؛ وما يريده النص حسب ريكور 2"وتطابقه مع ما يريده النص

.75من النص إىل الفعل، املصدر السابق، ص بول ريكور، -1.48ص ،1988، 3جملة العرب والفكر العاملي، العدد منصف عبد احلق، : تربول ريكور، النص والتأويل، -2.50، ص نفسه املصدر - 3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

85

ب؛ وعملية التأويل مطابقة آلية بني البنية الداخلية للنص بوصفه خطاب الكات"

.1"بوصفها خطاب القارئ

ألن كلمة النص تطلق حسب ريكور على كل خطاب مث تثبيته بواسطة الكتابة

حبيث تكون هاته التأويالت املتعددة واملختلفة، واملتجددة باستمرار تكون هلا عالقة وطيدة

ول إىل حتليل بالنص املقروء وبالعمل الذي ميارسه النص على ذاته، وذلك من أجل الوص

املعىن واسرتجاعه على أساس ما حيمله النص من إحاالت ودالالت وهذا ما كان يهدف

.ريكور للوصول إليه، فوجده يف علم الداللة واللسانيات

مشروعيته، ومصداقيته، وعلميته وموضوعيته يف التأويل شريطة جتاوز االنغالق

ة، وذلك للوصول إىل تفسري النصوص النصي الذي كان رهينة البحث يف البنيات الداخلي

وتأويلها، وهذا ما كان يدعو إليه ريكور يف استقاللية النص يف معناه عن مقاصد املؤلف

فالفهم ميثل للقراءة ما متثله واقعة اخلطاب بالنسبة لنطق اخلطاب؛ وإن التفسري . "السابقة

هذا ما يؤدي 2"وعي للخطابللقراءة ميثل ما ميثله االستقالل النصي واللفظي للمعىن املوض

.حسب ريكور إىل تطابق البنية اجلدلية للقراءة مع البنية اجلدلية للخطاب

��ŘǠŭ¦�ŃƢǟ�ń¤�Ƣđ�Dzǐǻ�À¢�¾ÂƢŴ�Ŗdz¦�±ȂǷǂdz¦�ŚLjǨƫ�ȄǴǟ�°Ȃǰȇ°�DŽǯ°�ƾǬǧ�Ǯ dzǀƥÂ

باعتبار أن القارئ هو املسئول عن الفهم والتفسري الذي يتماشى ولغة النص، فكلما ازددنا

، وألن فهم النص 3"ريا ألية ظاهرة إنسانية أو نص، استطعنا أن نذهب أبعد يف الفهمتفس

.118سابق، ص الصدر املنظرية التأويل، ،بول ريكور - 1.118، ص املصدر نفسه - 2.348سابق، ص الرجع املجورج زينايت، الفلسفة يف مسارها، -3

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

86

يسمح لنا تفسريه وتنظيم فضائه الداليل، وهنا يتبدى تأويله مبعىن يف جدلية الفهم والتفسري

، وبذلك صارت هاته اجلدلية قضية التأويل الكربى 1"على مستوى املعىن احملايث للنص

.كرب للهريمينوطيقاوصارت الربهان األ

ففتح النص على إمكانيات الفهم والتفسري، ال ميكن أن تأخذ بعدا تأويليا إال

بتوسط الرموز، ألن هذا الفضاء الداليل الذي ذكرناه، له معىن مزدوج يتطلب التأويل

.لتوضيحه، كما أن التأويل هو من جهته يعرب عن عمل الفهم الذي يسعى إىل فك الرموز

تح هاته الرموز هي املسار اإلبستيمولوجي ما بني الفهم والشرح من جهة وما بني وبذلك تف

.التفسري والتأويل من جهة أخرى

فوظيفة الرمز تسعى إىل فتح عامل النص على تعدد تلك التأويالت املتعارضة

هذا من جهة ومن جهة . للوصول إىل فهم أفضل ليس للنص وإمنا للذات اليت تقرأه كذلك

اول أن يربط مشكلة تعدد املعاين مبصطلحات دي سوسري الذي أعطى ثالث أخرى ح

مستويات من التحليل كما حاول تفسري هاته التعددية الرمزية يف كل الكلمات وأشكال

.اخلطاب

يكون التثبيت بالكتابة مؤسسا للنص نفسه، النص هو املكان الذي : "يقول ريكور

من طرف نصه اخلاص هو ظاهرة القراءة األوىل اليت يأيت إليه املؤلف، إن إبعاد املؤلف

تطرح، دفعة واحدة، جمموع القضايا املتعلقة بعالقات الشرح والتأويل، وهذه العالقات تولد

، فبفضل القراءة نقوم بفك الرموز للدخول إىل عامل الكتابة، أي أن هناك 2"مبناسبة القراءة

.72سابق، ص الرجع املحممد شوقي الزين، تأويالت وتفكيكات، -1.10سابق، ص الرجع املريكور، من النص إىل الفعل، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

87

ت هذا يزية، فمن جهة تعمل الكتابة على تثبجدل بني القراءة والكتابة اعتمادا على الرم

قراءة تسعى إىل فك هاته الرموز فال ومن جهة أخرى،العامل عن طريق رموز يف نص يقرأ،

حماولة الدخول إىل ذلك العامل اليت سعت الكتابة بتثبيته، من هنا تقوم الذات باالنفتاح و

وسيلة لتأويله، يسعى من خالهلا على نفسها لفهم هذا العامل، ألن قراءة نص تعترب أفضل

املبدع أو القارئ إىل كشف أسراره وحتليله لكي يستطيع أن يصل ماضيه حباضره، بفعل

التفاعل املتواجد بني ما وجد قدميا وما يوجد حديثا وبني املبدع واملتلقي تكون هناك

عن املعاين تأويالت متعددة وهذا ما حتاول أن تصل إليه التأويلية حسب ريكور أي البحث

الباطنية يف النصوص من جهة، وفك رموز النص لتحرير الكالم، الذي يكون غري واضح

.ومدفون وجممد داخل الكتابة

تعد القراءة هي ما ينصح به النص، ويوجه إليه بل هي ما حيمل بنية النص إىل "فلم

يمولوجي، أو فالتأويل ليس اخلطأ والصواب باملعىن اإلبست"، 1النور من خالل التأويل

الكذب والصدق باملعىن األخالقي ولكنه الوهم لغياب القراءة بفعل التخيل وإعادة

.2التشكيل

:رمزية الشر -

من جهة أخرى وجل ريكور اهلريمينوطيقا من منطلق أحباثه حول مشكلة الشر

.وهريمينوطيقا الرموز

.248ص املصدر السابق، ، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.54سابق، ص الصدر املبول ريكور، اهلوية والسرد، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

88

تربها بذلك طريقة يف كتابه رمزية الشر قدم ريكور أول تعريف للهريمينوطيقا، فاع

لفك الرموز، باعتبارها تعبريات ذات معىن مزدوج فقد كان الوضع العام لفهم الذات هو ما

.وضع يف رمزية الشر موضع التساؤل فضال عن اإلشكالية اجلانبية لولوج الشر يف العامل

اعتبارا من ذلك قام ريكور ببناء هيكل األساطري مع نسيجها السردي على هيكل

.األوىل واليت كانت جمهولة للحكايات األسطورية، وعدم االكتفاء باملعىن السطحي الرموز

حبيث يوجد معىن باطن وظاهر يف كل نص أو رمز وما على املؤول إال اكتشاف املعىن

الباطين باعتباره املعىن احلقيقي، فالرمز يعطينا فرصة حل شيفرة كل األساطري القدمية اليت

هدف ريكور من ذلك هو ولوج عامل اخلطيئة وعامل . تعددةورثناها من حضارات م

.النجاسة حىت يصل إىل مفهوم اإلمث وفقدان اإلنسان براءته األوىل

مقاربة مسألة الشر "إن اهلدف الذي وضعه ريكور يف فلسفة حتليل األمل واهلوى؛ هو

انطالقا من تأويل رموز أولية كاخلطيئة والذنب، 1"اليت تعرب عن ذلك الظالم املبهم لإلرادة

وذلك 2"والدنس آمال جعل اخلطأ وفعل الشر عند اإلنسان خارج نطاق التجريد الوصفي

إبراز مسالة جديدة تطرح افرتاضات جديدة للعمل ومنهجيته يف التعاطي معها، من خالل

.فمن هنا كان املدخل احلقيقي لريكور للهريمينوطيقا

الذات أي األنا والشعور، هاته األنا اليت حتتوي على أضداد متضاربة فيما يف باطن

بينها، بني اإلرادي والالإرادي، بني الوجود والعدم، بني اخلري والشر، فال ميكن فهم الشر

،1منشورات االختالف، الدار العربية للعلوم، ط،عمر مهيبل: تر ،جان غرندان، املنعرج اهلريمينوطيقي للفينومينولوجيا-1

.142، ص 2007، 1املغرب، ط،تر عدنان جنيب الدين، املركز الثقايف العريب، الدار البيضاء،ريكور، فلسفة اإلرادة، اإلنسان اخلطاءبول -2

.08، ص 2003

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

89

والنفوذ إىل عمقه ومعرفة حقيقته إال بواسطة الفعل أو املمارسة اليت تصدر عن اإلنسان،

.بقدر ما هو جتسيد للفعل اإلنساين فهو ليس حقيقة نظرية

غري أن الفقر األنطولوجي يف البنية النفسية لإلنسان جيعل إمكانية الوقوع يف الشر

ممكن يف كل حلظة عند كل إنسان باعتبار أن اخلطأ عند ريكور جسما غريبا يف جوهرية

.1"اخلطيئة قدر مستبطن" اإلنسان

قة الشر وأصوله األنثروبولوجية واألخالقية إن الفضول الذي يدفعنا إىل معرفة حقي

جيعلنا نقتنع أوال بالفعل اإلنساين يف الوجود، ألن الشر ليس حقيقة نظرية، بقدر ما هو

جتسيد للفعل اإلنساين، فال ميكن فهم الشر والنفوذ إىل عمقه إال بواسطة الفعل أو

والقول بأن اإلنسان . املمارسة اليت تصدر عن اإلنسان وهو قرار ناتج عن حرية ووعي

أن احملدودية اخلاصة بالكائن الذي ال يتطابق مع نفسه، هي الضعف "خطاء، يعين

األصلي الذي ينبثق منه الشر، ومع ذلك فإن الشر ال ينبثق من هذا الضعف إال ألنه

.2"يتموضع

وبالتايل فوقوع اإلنسان يف اخلطأ ناتج عن ضعفه وحمدوديته فهو نسيب يف تقرير

امه، والشر يتواجد أينما يتواجد اإلنسان رغم أن اخلطأ حقيقة أنطولوجية ال ميكن أحك

إنكارها، إال أن اخلطأ ليس العالمة األنطولوجية األساسية اليت هي جمانسة لبقية العوامل

.322سابق، ص الصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، دراسات هرمونوطيقية، -1.217سابق، ص الصدر املبول ريكور، اإلنسان اخلطاء، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

90

التنقل من الرباءة إىل اخلطأ ليس متاحا أمام "اليت يكتشفها الوصف اخلالص، وبالتايل فإن

.1"اإلمربيقي بل أمام األسطوري احملسوسالوصف

ينطلق ريكور من املستوى األول للفكر أإلنساين وهي األسطورة اليت متثل ذلك البعد

القصصي، أو السرد الذي ميتد إىل البعد التارخيني فالبحث يف أنثروبولوجيا الشر تستدعي

قع املوضوعي الذي ميثل لنا األسطورة كحالة رمزية تتجاوز حدود الزمان واملكان وتتعدى الوا

ال ميكن فهم هاته األساطري إال بصفة التهيئة الثانوية اليت حتيل "االعرتاف باخلطيئة، وبالتايل

.2"الذي أوله لنا تاريخ األديان لنا لغة أكثر جوهرية والذي يسميها ريكور بلغة االعرتاف

أفعاله عند اعرتافه إن اإلنسان يف هذا الرمز األسطوري للخطيئة يكون مسئوال عن

.باخلطأ ويف نفس الوقت مقيد بالشر الذي هو خارج عن طبيعته وبعيد عن كل اختياراته

لقد اعترب ريكور الرمز أكثر جذرية من األسطورة فنحن نأخذ األسطورة كنوع من

.الرمز أو كرمز ليصبح على شكل سرد

السرد وبداية دراسة كل األساطري حول وقوع اإلنسان يف"لذلك حاول ريكور

كان ال بد له من االنتقال من منهجية جديدة، تتمثل يف حماولة فك ف. 3"خطاب املقدس

.شيفرة الرموز اليت حتملها األساطري، وعدم االكتفاء باملعىن السطحي املألوف واملباشر

.14سابق، ص الصدر املإلرادة، ابول ريكور، فلسفة -1.15، ص نفسه بول ريكور، املصدر-2

، 1جورج زينايت، املنظمة العربية للرتمجة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، ط. د: بول ريكور، الذات عينها كآخر، تر-3

.15، ص 2005

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

91

عن املكان األصلي للشر وعن نقطة اتصاله بالواقع اإلنساين، بذلك يتساءل ريكور

الدراسات األخالقية للشر تقر أن اإلنسان هو ضحية هذه احلالة اليت اجتاحت عامله مبا أن

.سواء بتربير أنطولوجي عقائدي أو أسطوري رمزي

، فكيف ميكنه أن ينفذ تهتوم على اإلنسان ملتصق بأنطولوجيفإذا كان الشر قدر حم

.سانيةمن هذا الشر؟ فيجيب ريكور على ذلك بنظرية الالعصمة واهلشاشة اإلن

، فمن خالل الالعصمة فإن 1أي اهلشاشة التكوينية لإلنسان اليت جعلت الشر ممكنا

األنثروبولوجية الفلسفية تلتقي بطريقة ما برمزية الشر، ويشكل مفهوم الالعصمة فرصة

فتسرب الشر إىل العامل اإلنساين سبب العصمته وهشاشته مما .للتوسع يف الواقع اإلنساين

اليت تؤدي به إىل قبول يتمثل يف الوساطةبني املتناهي والالمتناهي، وحبثه أدى إىل وقوعه

.حالة الشر واقتناعه بالعصمته

إن ريكور جيد صعوبة يف إدراج رمزية الشر يف اخلطاب الفلسفي فهو يضع فرضيتني

تظهر األوىل من خالل مفهوم الالعصمة حيث يفرتض مسبقا أن كيفية "ملقاربته الفلسفية،

الفهم وفهم الذات ال تنطبق على رمز أو أسطورة ميكن أن تبلغ عتبة املعقولية، أي

إمكانية الشر تبدو حمفورة يف البنية الداخلية لإلنسان، أما الفرضية الثانية فرتتكز على عدم "

.2"تطابق اإلنسان مع نفسه

.16، ص السابق املصدر، بول ريكور، الذات عينها كآخر -1.10سابق، ص الصدر املبول ريكور، فلسفة اإلرادة، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

92

لة الالتناسب اليت تكون بني الذات والذات، ونعين بذلك الصراع أي مشك

الوجودي الكامن يف باطن الذات أي األنا والشعور فهات هالنا حتتوي على أضداد

متضاربة فيما بينها، أي بني اإلرادي والالإرادي، بني الوجود والعدم، وبالتايل فهذا

لشر قد دخل العامل مع اإلنسان، ن االالتناسب هو نسبة الالعصمة وبذلك يرى ريكور أ

.فه احلقيقة الوحيدة اليت تقدم هذا التكوين األنطولوجي لغري الثابتصو ب

الكالم "رور اإلنسانية، كذلك ألن ش ميكنه أن خيرتع سوى الفوضى والفاإلنسان ال"

.1"هو قدرة، فشرور الثرثرة والكذب واخلداع واملرء الكاذب تصبح مجيعها ممكنة

قواعد تفكيك "الذي يتم على حساب ثورة املنهج املتمثل باللجوء إىل التأويلية إىل

الذي أدى إىل التأمليالرموز املطبقة على عامل الرموز، فهذه التأويلية ليست جمانسة للفكر

.2"مفهوم الالعصمة

فالالعصمة هي شرط تواجد الشر، واحلقيقة املنطقية تفرض علينا االعرتاف بتلك

وينكشف ضعفه من يعيش يف تصارع األهواء والرغبات شاشة اليت تعين أن اإلنساناهل

خالل عدم قدرته على إشباع رغباته ألنه حمدود بقدراته، وهذا ما دفع بريكور إىل اإلقرار

هشاشة اإلنسان "بأن هذا الالتناسب القائم بني اللذة والسعادة يكشف بدوره عن

وبالتايل فعدم قدرة اإلنسان على التغري والتحرر . سية للصراعالعاطفية وعن اإلمكانية األسا

بني خمتلف حتميات الواقع وضعف نفسيته تبني على أنه غري قادر على إحداث التناسب

فاإلنسان اخلطاء هو الكائن الذي ال ". املطلوب بينه وبني ذاته، وبينه وبني العامل اخلارجي

.213سابق، ص الصدر املبول ريكور، اإلنسان اخلطاء، -1.17سابق، ص الصدر املبول ريكور، فلسفة اإلرادة، اإلنسان اخلطاء، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

93

الذي ينبثق منه الشر مع ذلك فالشر ال ينبثق يتطابق مع ذاته يؤدي إىل الضعف األصلي

.1"من هذا الضعف إال ألنه يتموضع

فأصول الشر األنثروبولوجية واألخالقية جيعلنا نقتنع أوال بالفعل اإلنساين يف الوجود،

.باعتبار الشر حقيقة نظرية بقدر ما هو جتسيد للفعل اإلنساين

الفلسفي، سيؤدي إىل رؤية أخالقية للعامل، واألخذ برمزية الشر اليت متتد إىل التفكري

.لذلك يسعى إىل فهم مشكلة الشر كجهد حصري للحرية والشر، وارتباط أحدمها باآلخر

ويقصد ريكور بالرؤية األخالقية للشر ذلك التأويل الذي مينح اإلنسان قدرا مهما من احلرية

، فاالعرتاف باخلطيئة يقتضي باعتبارها متثل اإلرادة والقدرة على الفعل وسلطة الكينونة

منطقيا تواجد احلرية كشرط أساسي للفعل األخالقي وهذا االعرتاف هو الذي يربط الشر

.باإلنسان ليس فقط بصفته مكان ظهوره بل كفاعل له

، ومبا 2"ية والعقالنية تقومان على التأويل نفسه للشرئفاملعرفة الكاذبة واإلميا"وبالتايل

الشر بالنسبة إىل ن أل" فإن غنوصية الشر متثل حتويل الرمز إىل عامل، فةاألسطورة هي معر أن

فاملعرفة الكاذبة واالميائية "، ومفهوم اخلطيئة األصلية ميثل معرفة كاذبة 3"الغنوصية هو خارج

واهلدف من النقد اهلدام حسب ريكور هو ، 4"والعقالنية تقومان على التأويل نفسه للشر

والنقد ميثل فشل املعرفة يف اسرتجاع املعىن والذي املزورة متثل رمزا حقيقياإظهار أن املعرفة

.217سابق، ص الصدر املبول ريكور، اإلنسان اخلطاء، -1.322سابق، ص الصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، -2

3.353املصدر نفسه، ص -

4.323املصدر نفسه، ص -

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

94

بواسطته يتم استعادة املعىن احلقيقي للخطيئة األصلية، وبالتايل أصبح الرمز عقالنيا يف

.االعرتاف باخلطأ

، وهو مفتاح كل فهم أنطولوجي أو 1"يطلق التفكري"فالرمز عند ريكور

يف حقيقة الرمز من خالل الشر جيعل من األسطورة األرض اخلصبة إبستيمولوجي، فالبحث

لتأسيس الفهم وحتديدها كنقطة بداية الستخراج معىن الشر من مستوى اجلمود واخليال إىل

.مستوى الفهم والفعل

من هنا قام ريكور بتقسيم الرموز اليت يغلفها االعرتاف بالشر إىل ثالث مستويات،

للخطيئة وللذنب ومستوى القصص األسطورية الكربى للسقوط فاملستوى الرمزي األول

ومستوى الدوغمائيات األسطورية للمعرفة الالهوتية للخطيئة األوىل أي الرجوع إىل الرموز

، حيث كانوا يستعملون رموز وصفية أكثر منها )كتاب التوراثيون(قالنية السابقة عن الع

من هنا فنحن منر من الرموز إىل . سانية للشرتفسريية، فهي السمات الغامضة للتجربة اإلن

.األسطورة إىل علم األساطري فإننا منر من زمن خمتبئ إىل زمن مشتق

ألن احلقيقة األنطولوجية خللق اإلنسان تؤكد أن النفس حني جتهل أو تنسى غايتها

�ƨdzƢū¦�ǽǀǿ�Ǻǟ�°Ȃǰȇ°�Őǟ�ƾǫÂ��Ńȋ¦Â�² ƚƦdz¦�½ƢƦLJ�Ŀ�Ǯ Nj�À®�ǞǬƫ�ƢĔƜǧ�ƨȇ®ȂƳȂdz¦ من

فتظلم النفس بنسيان احلقيقة وجيرد اإلنسان من "الوليمة"حتليله ألسطورة أفالطون خالل"

.2"الرأي يف هذا االنزالق من اهلشاشة إىل الغثيان ومن الغثيان إىل السقوط

1.340سابق، صالصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، دراسة هرمينوطيقية، -

.38سابق، ص الصدر املبول ريكور، اإلنسان اخلطاء، -2

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

95

�ȆǘLJÂ�ǺƟƢǯ�ȂȀǧ�śȈƟƢĔȏ�śƥ�ǾǟȂǫÂ�Ŀ�ǎ ƼǴƬƫ�ƨȈdz±ȋ¦�ƨǴǰnjǸǧ�À¤'' هو يعين

، فنجد 1''فكري ما معىن أن أكون ملكا أو أن أكون إنساناالعودة إىل الذات من أجل الت

إلنسان مشاكل وآالم دائمة، لذلك يذهب شوبنهاور إىل اعتبار احلياة أن الشر يسبب ل

كلها شر ألن اإلنسان ما ينتهي به الشعور بالراحة إال ويأيت األمل ومتتلئ نفسه باألمل والقلق

والعذاب، لذلك فالشر جيعل اإلنسان يتلقى األمل، وينفذ يف أعماق نفسه، فيقوده بذلك

يكون التأنيب ضروري للحكم باإلدانة الذي بفعله يكون إىل ارتكاب األخطاء وبذلك

التأمل مل يطع الندب مقابل التأنيب، ألنه إذا كان اخلطأ يصنع من "، فإن 2"معلنا كمذنب

.3"اإلنسان مذنبا، فإن التأمل جيعله ضحية

فأثناء االنتقال من رموز اخلطيئة إىل رمز الذنب، فمن جهة متيل التجربة الذاتية

فعقدة الذنب يقيسها الوعي "لخطيئة إىل استبدال نفسها بالتأكيد الواقعي وبالتايل احملظة ل

4".الذي يأخذه اإلنسان حني يصبح مؤلفا خلطئه اخلاص

فاحلكمة الفلسفية تدعونا على جتاوز أفق املأساة وذلك بتطويع الشر، فإذا كان

بإمكانه أن يتعايش معه اإلنسان ال يستطيع مهما حاول أن يستأصل الشر من وجوده فإنه

وفقا لظروف ومعطيات يوفرها اإلنسان لنفسه، كي يؤكد جوهره وفطرته اخلرية، وذلك

فأزمة اإلنسانية بكل مظاهرها من .بالتخلي عن اللذات والشهوات اليت تقوده حنو اخلطيئة

.39سابق، ص الصدر املبول ريكور، اإلنسان اخلطاء، -12

221، ص سابقالصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، دراسة هرمينوطيقية، -.221، ص نفسه املصدر - 34

.344املصدر نفسه، ص -

مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصرالهيرمينوطيقـا في ...............................: ثانيالفصل ال

96

عنف وعنصرية وظلم، ما هي إال نتيجة لذلك الغموض الذي يفقد الذات معناها

.يف متاهات الالمعىن ويقحمها

وإذا كان السبب احملوري لكل هذا الضياع هو الشر الذي يقف خلف كل ما تعاين

منه البشرية، وإن كان قدر حمتوم على اإلنسان وأنه ال ينفصل عن كينونته، فما على الذات

إال فهم هذا الشر بصورته املاثلة أمامه أو برمزيته األسطورية وأن تتجاوز جحيم األمل

�¼ǂǤdz¦Â�¶ȂǬLjdz¦�ń¤�Ƣđ�Ä®ƚȇ�ƢŲ�ÀƢLjǻȍ¦�Ƣđ�ǂŻ�Ŗdz¦�ƨȈǨǗƢǠdz¦�ƨNjƢnj٦�©Ƣǜū�Ƕǣ°�² ƚƦdz¦Â

.يف حبر العدمية

لست دوغمائيا وال مؤرخا فأنا أريد بدقة شديدة أن أساهم ": ويف هذا يقول ريكور

تزايل عقيدة اخلطيئة األصلية، وأن هذا التأويل اخ) دوغمة(مبا سأمسيه ما يقال أنه التأويل

.1"عن مستوى املعرفة واالسرتجاعي على مستوى الرمز

األساطري القدمية اليت ورثناها عن مفالرمز يعطينا الفرصة للتفكري وحلل شيفرة عل

.احلضارات املتعددة، فهو مفتاح كل فهم أنطولوجي أو إبستيمولوجي

.320سابق، ص الصدر املبول ريكور، صراع التأويالت، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

97

الفصل الثالث

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل

.تمهيد-

.دلتاي/ المدرسة األلمانية-1

.بروديل/ المدرسة الفرنسية-2

.هوسرل/ الفينومينولوجيا والتاريخ -3

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

98

:تمهيد

يف االهتمام بالتاريخ ترتكز باألساس على حماولة نقد بعد هيجل حدث منعطف كبري

أو تطبيق املناهج العلمية خاصة ما ذهبت إليه املدرسة الوضعية من تطبيقات ملناهج العلوم

ميكننا أن نعترب . الطبيعية على العلوم اإلنسانية واالجتماعية، فواجهت بذلك عدة انتقادات

ما وجه له من انتقادات حيث تلخص هذا الدفاع هذا الوضع مبثابة دفاع عن التاريخ رغم

نفسه يف حماولة إعادة فهم الصيغ البديلة لفلسفة التاريخ خارج الرؤية اهليجلية، وهذا ما

�ƨǻƢǰǷ�Ƣđ�®ƾƸƬƫ�ƾȇƾƳ�ƨȈǧǂǠǷ�ƨǸǜǻ¢�Ǻǟ�Ʈ ƸƦƫ�À¢�ƪ dzÂƢƷ�Ŗdz¦�² °¦ƾǷ�ƾǟ�Ŀ�ǽƾų

¦�ƢēƢǬǴǘǼǷÂ�ƨǏƢŬ¦�ƢȀƬǨLjǴǧ�ƨLJ°ƾǷ�DzǰǴǧ�ǾǴȇÂƘƫÂ�ƺȇ°ƢƬdz¦لفكرية املختصة.

فقد عرف التفكري التارخيي يف حدود القرن العشرين وبالضبط يف ثالثينياته، أي بداية

من ثالث حركات أساسية يف الفكر الفلسفي والتارخيي ونعين بذلك الفلسفة

.الفينومينولوجية والفلسفة النيوكانطية واملعاجلة احلولية للتاريخ يف فرنسا

الثالث يف تاريخ الفكر املعاصر مواقف متباينة أحيانا فقد تبنت هاته احلركات

ومتكاملة أحيانا أخرى من مسألة التأويل التارخيي؛ ولعل هذا التبيان والتكامل جنده واضحا

مثال يف احلوليات واملدرسة النيوكانطية، ما جند هذا واضحا بني هذه األخري والفينومينولوجيا

تدم أين صار االعتقاد بأن التاريخ كمفهوم أوال هو الذي أسهم يف ذلك النقاش احمل

.وكموضوع ثانيا جيب إعادة التفكري فيه

فقد اختلفت املعاجلة هلاتني املسألتني، إذ رأت احلوليات وخاصة يف بدايتها أن التاريخ

ال ميكن أن يكون كذلك إال إذا نزح حنو العلمية وهذا ما نلمسه عند مارك بلوخ ولوفيفر،

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

99

وذج األكثر حضورا لديهم هو ذلك االنقالب الذي عملت الوضعية، ولظروف وكان النم

تارخيية، على ترسيخ االعتقاد به رغم أن هذا التفكري كما سأوضح لن يدوم طويال إذ

سرعان ما تغري التوجه داخل املدرسة نفسها مع بروديل و من خالل ما الحظه ريكور

األول كتابه الزمان : ن ذكر نصني هنانفسه حينما أشاد بذلك يف أكثر من نص، ميك

والسرد اجلزء األول والثاين كتاب الذاكرة والتاريخ والنسيان، من أن بروديل ومن خالل الفرتة

الطويلة اليت ضمنها أطروحته حول املتوسطية والعامل املتوسطي يف عهد فليب الثاين قد أعاد

الل حبثني مهمني األول حول أحباث التفكري ولو من خالل اللغة إىل التاريخ، وذلك من خ

�ǽǀǿ�ƪ ǔǧ¢�ƾǫÂ��ƨȈź°ƢƬdz¦�©ƢǠǸƬЦ�¾ȂƷ�² ¦ŗLJ�ȆǨȈdz�¾ȂƷ�ňƢưdz¦Â�ƨǤǴdz¦�¾ȂƷ�ŚLJȂLJ®

.األحباث جمتمعة إىل ما يسمى باملنهج البنيوي

لكن مع ذلك بقيت جمموعة من املؤرخني داخل احلوليات حمتفظني بتلك النزعة األوىل

ه األمور إىل استحداث مسارات جديدة داخل موضوع التاريخ لعملية التاريخ بل ذهبت ب

".لوغوف"و" الدوريي"كما هو احلال مع

لكن ما شد انتباه ريكور داخل اخلطاب التارخيي الفرنسي وليس امتداد للحوليات جند

، هاته األمساء حاولت من خالل مقاربات "هنري مارو"و" رميون آرون"كل من

وضوع التاريخ من حيث املفهوم ومن حيث املوضوع ولعل املقاربة إبستمولوجية أن تعاجل م

اليت كان هلا احلظ أن تتزامن مع موجة من التفكري الفلسفي داخل فرنسا بداية من ظهور

، حيث سامهت هذه التيارات يف ظهور جمموعة من "املاركسية والوجودية"تيارين أساسيني

نهم سارتر حول نقد العقل اجلديل، وأطروحة الفالسفة تبنت مواقف من تأويل التاريخ وم

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

100

ميشال فوكو حول التاريخ أو كتاب دريدا حول مشكلة النشأة يف الفلسفة الفينومينولوجية

فهاته املؤلفات حلقتها تلك احملاوالت اإلبستمولوجية حول التفكري يف التاريخ كان هلا أثر

.على الفلسفات الالحقة

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

101

:انيةالمدرسة األلم-1

إشكالية العالقة بني التاريخ والعلم، أي مكانة التاريخ األملانيةلقد عاجلت املدرسة

تسميته باملدرسة ضمن العلم، ولعل املدرسة األكثر ظهورا يف هذا املضمار ما اصطلح على

دة اليت تأخذ غالبا أسلوب تفكريها من كانط واليت يندرج حتتها دلتاي الكانطية اجلدي

‘’Dilthey’’.

من أبرز الفالسفة الذين تركوا تأثريا واسعا يف الفلسفة املعاصرة؛ وبذلك يعد دلتاي

فقد ترك صدى على أهم الفالسفة املعاصرين من بينهم هوسرل؛ هيدغر؛ غادامري وريكور،

.وخاصة ما يعرف بفلسفة التأويل

للعلوم اإلنسانية، لقد حاول دلتاي بداية من ذلك تفسري وشرح الوضع العلمي

وذلك كمحاولة منه توفري أساس فلسفي للعلوم اإلنسانية تسعى للوصول إىل نتائج معرفية

باعتباره عامل " علوم الروح"هذا الوضع اإلبستيمولوجي الذي أطلق عليه دلتاي .دقيقة

.منهجي من ممثلي املدرسة األملانية التارخيية

- دالتاي فلهلم(Wilhelm Dilthy))1833-1911:( فيلسوف أملاين يعد من أهم رموز اهلريمينوطيقا، تركزت جهوده

العلوم الطبيعية، هذا باإلضافة إىل حماولة إدخاله البعد على ضرورة حتقيق التقاء التأويل الفيللوجي بالفهم القابل للتفسري املطبق يف

اهلريمينوطيقي يف العلوم اإلنسانية، ومن مث التأكيد على تارخيانية الوجود اإلنساين، وضرورة فهم اإلنسان بوصفه موجودا تارخييا،

وح يف ثالثة أجزاء؛ نقد العقل التارخيي؛ مدخل عامل الر : فهو عامل منهجي من أبرز ممثلي املدرسة األملانية التارخيية، من أهم كتبه

.إىل علوم الروح وحماوالت أخرى

عني أستاذ 1867، ويف عام 1864دخل جامعة هيديليربيج لدراسة الالهوت، وانتقل إىل جامعة برلني ليحصل على الدكتوراه

.مث جامعة بارسلوKielيف جامعة بازل يف سويسرا مث انتقل إىل جامعة كييل

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

102

ذي كان ميس املدرسة التارخيية نتيجة وكمحاولة منه إىل تسديد ذلك الضعف ال

الفتقارها وافتقار فكرها يف التماسك املنطقي، فرأى أنه من الضروري حماولة بناء أساس

معريف جديد وهذا ما ملسناه يف املسحة الكانطية واليت عاجل من خالهلا وبطرح

سياسي وبني إبستيمولوجي العالقة اليت ختص اإلنسان يف بعده األخالقي واالجتماعي وال

. الشيء الذي دفعه ملعاجلة قضايا التاريخ وتاريخ العلوم العلوم الطبيعية

لقد خصص دلتاي مهمته يف الدفاع ضد كل توجه علموي يريد أن يفصل بني

التاريخ والعلم؛ ولكن من املفهوم الذي حيمله هو من معىن العلم، الذي يرفض من البداية

إن عالقة علوم الروح باملعرفة الطبيعية ال : " ل املتعايل، فريىبأن يكون حمصورا يف معىن العق

�ǺǸǓ�ƨǠȈƦǘdz¦�Ƣđ�ƪ ƷǂǗ�Ŗdz¦�ƨȈdzƢǠƬŭ¦�ǂǜǼdz¦�śƥ�µ °ƢǠƬdz¦�Ǯ ǧ�Ļ�¦¤�ȏ¤�DzŢ�À¢�ƢȀǼǰŻ

شروط الوعي والنظرة اإلمربيقية املوضوعية اليت بفضلها طرحت تطور علوم الروح يف إطار

قصود هنا وحتت هذا احلكم هو البحث عن كيفية لبناء عل امللو . 1"شروط العامل الطبيعي

.توجه نقدي يف حدود الفهم الذي يريده دلتاي

حماوال بذلك توفري أساس فلسفي للمعرفة " نقد العقل التارخيي"لقد خصص كتاب

التارخيية، مثل الذي أسسه كانط ملعرفة الطبيعة، فوضع بذلك األسس اإلبستمولوجية واليت

Ƭǰƫ�ƢĔƘƥ�â°سب ضرورة ملحة للدراسات اإلنسانية يف العلوم التارخيية.

فقد جتاوز الثنائية امليتافيزقية بني الروح وامليتافيزيقا، بني النفس واملادة واملادة املوروثة

إن : " عند ديكارت وكانط اليت حاولت نقل مناهج الطبيعة إىل علوم الروح، فريى دلتاي

.72سابق، ص الرجع املعادل مصطفى، فهم الفهم، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

103

النقدي كله، ولكن يف مقولة التأويل الذايت بدال من نظرية املسألة تطوير لالجتاه الكانطي

.1"إنه نقد للعقل التارخيي بدال من العقل اخلالص(...) املعرفة

لذا بدا التناظر بني دلتاي والتساؤل الكانطي واضحا؛ فحينما يتساءل املنهج

للتجربة الكانطي عن كيف يكون العقل النظري ممكنا؟ فريد عليه دلتاي بذلك كيف ميكن

التارخيية أن تكون ممكنة؟ وبذلك توصل إىل احلقيقة اليت تكشف عن مقوالت العامل

.التارخيي اليت ميكن أن تدعم بذلك العلوم اإلنسانية

ما الشروط اليت : (استعادة املشكلة"فكانطية دلتاي ال تظهر كما يقول آرون يف

حىت يف استعادة املسألة، مسألة وال). جتعل باإلمكان قيام علم موضوعي للعلم اإلنساين

�ȄǴǟ�ƾȈǯƘƬdz¦�Ŀ�ǂȀǜƬdz��ǖLjƥ¢�Dzǰnjƥ��ƢĔ¤�Dzƥ) أهو ممكن قيام ميتافيزياء وفلسفة للتاريخ؟(

الفكر الفلسفي، كي يبلغ احلقيقة، أن يستند إىل يقينه املباشر الوحيد وهو التجربة

الشعور الربغسوين ، فهي هلذا تبدو من استبطان العقل لنفسه أي هو نوع من 2"الداخلية

.كما يصفه أرون

ولغرض حتقيق مثل هذا الطموح حصر مشكلته يف اإلنسان متسائال عن الكيفية

اليت يتمكن من خالهلا املؤرخ أن يكون صورة عن املاضي، لذلك وجد يف االستبطان احلل،

ألن هذا األخري والتحليل الوصفي للوعي جيدان حدودمها بالضبط يف الالوعي اجلمعي

.119، ص السابق املرجع - 1، منشورات وزارة الثقافة، 1حافظ اجلمايل، ط:رميون أرون، فلسفة التاريخ النقدية، حبث يف النظرية األملانية للتاريخ، تر-2

.15، ص 1999سوريا،

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

104

ويسمون حتليل تارخيي، أي الدراسة املوازية للروح املوضوعية هذا املصطلح اهليجلي يعين

.عند دلتاي كل الفضاء الثقايف والتارخيي

إن موضوع الفضاء الثقايف والتارخيي ومقاربتهما من خالل املعاجلة السيكولوجية

دراسة ما يسمى للوعي هو ما حيدد مشروع دلتاي ال للتحليل هذين احلقلني بل لغرض

.عنده مبسألة الوعي التارخيي من خالل النقد التارخيي

لذا ملا كان من املهام األوىل ملشروع دلتاي صياغة نظرة جديدة على معىن اإلنسان،

كواقعة "فاإلنسان . أي اإلنسان مفندا كل النظرات السابقة اليت عاجلت مثل هذه املسألة

شرح التكويين، اإلنسان الذي تأخذه العلوم التحليلية أولية للتاريخ وللمجتمع هو توهم لل

ǞǸƬЦ�Ŀ�ƲǷƾǼǷ� DŽƴǯ�®ǂǨdz¦�Ȃǿ��ȂǓȂǸǯ . املشكل العويص الذي عاجله علم النفس هو

�ƨȈƳȂdzȂƥÂǂưǻȋ¦Â�dž. املعرفة التحليلية للطبائع العامة هلذا اإلنسان ǨǼdz¦�ǶǴǟ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ

.1"يغدوان قاعدة لكل معرفة للحياة التارخيية

ال شك أن عملية حتليل الطبائع اليت يسعى إليها دلتاي هنا، تقوم يف جانبها

التارخيي خاصة، على إحياء املاضي، ولبلوغ هذه السمة، يسعى املؤرخ لعملية اإلحياء أي

عملية دمج جتاربه اخلاصة بتجارب املاضيني بنوع من التواصل التارخيي، كما سيسميه

حييا "يقوم بإحياء مادة ويبعث فيها احلياة فاملؤرخ الذي الحقا بول ريكور، فهو لذلك

1- Dilthey, W., Aperçu sur l’ensemble des sciences particulières de l’esprit in critique de la

raison historique œuvre, Ed. Cerf, 1992, p 189.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

105

جيب أن يفهم هذا املاضي الذي حياول -إذا أراد أن يكون مؤرخا حقا –املاضي يف ذهنه

.1"إحياءه

�³ ƢǠŭ¦�¿ȂȀǨŭ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ�ÄƢƬdz®�®Ƣǟ¢�ƾǬdzle vécu كمفهوم مركزي قاعدة ألن

.يصبح ربطا أو وصال للعلوم

Ƣȇ¦ƾƦdz¦�ȄǴǟ�Ǧ©�ففي داخل هذه ا Ǭǻ�À¢�ƢǼǼǰŻ��Ƣē¦�ǞǷ�©¦ǀǴdz�ƨȈǴƻ¦ƾdz¦�ƨƥǂƴƬdz

األوىل الستدراج التأويل، أو نقل التفسري ملستوى التأويل يف دراسة التجربة احلقيقية

�ƺȇ°ƢƬdz¦�À¢�ȂǿÂ�DzȇÂƘƬǴdz�¦ƾȇƾƳ�¦ƾǠƥ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ�Ǧ. للماضي كتجربة حية njǯ�ÄƢƬdz®�Àȋ

ي، ومن جهة ثانية من خالل التفسري تاريخ وحده يؤكد لإلنسان من جهة ككائن تارخي

السؤال القدمي لسقراط اعرف نفسك Diltheyاإلنسان يصبح حرا، هكذا أعاد دلتاي

.بنفسك إىل حيز الدراسة

، ومن سعيه لوضع املعرفة التارخيية يف مستوى Diltheyبرهن دلتاي من جهة أخرى

بعضهما ببعض هذا ما دفعه للتأكيد على أن العلوم الروحية عن أن احلرية والتفكري مرتبطان

�ǂƷ� ¦ƾƥȍ�ƢȈƟƢĔ�¦ ƢǼƥ�ƢǿƢǻŐƬǟ¦�¦¤�ȏ¤�ǽƢǼǠǷ�ǂȀǜƫ�ȏ�ǂnjƦdz¦�¾ƢǸǟ¢" وهذا اإلبداع احلر ال

يتأتى إال من خالل املفهوم اجلديد الذي يعطيه دالتاي ملعىن التأويل كإمكانية للتفتح

لتاي نفسه حتقيقها من خالل إعادة املنهجي والذي يتجسد يف هذه العالقة اليت يريد دا

.ترتيب العلوم كلها من منظور ما يسميه هو بعلوم الروح

.117سابق، ص الرجع املبومدين بوزيد، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

106

وهذا ما تسعى إىل حتقيقه يف عصر الفلسفة الوضعية، فقد حاول أن يعطي علوم

.الروح صالحية كربى، إذا ما قرناها بصالحيات علوم الطبيعة

عملية املعرفية الداخلية لإلنسان ولذا يبدو بأن دلتاي وضع التاريخ يف وسط حمور ال

وعليه .أوال من حيث هي استبطان وثانيا من حيث هي وقوف على األخبار واألحداث

إن هذه العملية يف . أتعلم وأفهم التاريخ أكثر مما أعلم للتاريخ"فإن مشروعه يتلخص يف أن

األملانية باألمساء اليت سبق فلسفة التاريخ النقدية باجتاه التأويلي للتاريخ، واليت كانت املدرسة

.ذكرها مسرحا هلا

لقد انتبهت هذه املدرسة ملوضوع التاريخ، وملنهجية تغري التاريخ، دون اخلوض يف

اللغة التارخيية أي يف حتليل الرتاكيب املنطقية للغة كما هو احلال مثال مع املدرسة الوضعية

.املنطقية

مفهوم أنه أول من وظف ى ذلك غادامرييبقى أن نشري إىل أن دلتاي؛ كما يؤكد عل

األول الذي : "لقد كان دلتاي كما يقول غادامري. املعاش والذي تستعني به الفينومينولوجيا

ولذا بديهيا أن كثري من اللغات (...) أعطى توظيف مفهومي للمصطلح والذي أصبح

وهي من النقاط األساسية اليت تشد هوسرل لفلسفة دلتاي 1"األوربية أخذته دون ترمجة

خاصة بعدما يتوجه هوسرل نفسه لدراسة البعد الثقايف والتارخيي أو ما يسم ى بالوعي

.األوريب

.78سابق، ص الرجع امل ،غادامري؛ احلقيقة واملنهج - 1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

107

�ƨǬȇǂǘdz¦�ƢĔƜǧ��DzǠǨǴdz�ƢȈǴš �ƨǠȈƦǘdz¦�ǺǷ�ǂưǯ¢�dž Ȉdz�Ǿǻ¢�ȄǴǟ�ƺȇ°ƢƬǴdz�Ƣǻǂǜǻ�ƢǷ�¦¤�ƢǼǻȋ

�Ǻǿǀdz¦�Ƣđ�» ǂǠȇ�À¢�ǞȈǘƬLjȇ�Ŗdz¦اين التاريخ تصبح طريقة إشكالية، فإذا أصبح الرتاث اإلنس

ككل بالنسبة للوعي التارخيي املوجه حنو العقل اإلنساين، فنستطيع بذلك أن منيز الوعي

.التارخيي والروح التارخيي من مجيع النواحي

هذا الوعي التارخيي الذي يرى فيه دلتاي أن مجيع ظواهر العامل اإلنساين اخلارجي

وعات من خالهلا يستطيع أن يعرف ذاته معرفة تامة، باعتبار أن الوعي يتخذ جمرد موض

وضعا تأسيسيا اجتاه نفسه واجتاه الرتاث الذي يتموقع فيه، وبذلك يفهم نفسه بتارخيه

فمشكلة اإلنسان هي . "اخلاص، وبالتايل ميكن أن نعتربه شكل من أشكال املعرفة الذاتية

خيية وجودنا اخلاص فيضم املاضي وأفق التوقعات مشكلة استعادة ذلك الوعي بتار

.1"املستقبلية، وبذلك ال يتم فهم إال تارخييا

وألن كما يقول دلتاي ليس هناك ذات كلية، إمنا فقط أفراد تارخييون، والطبعة "

املثالية للمعىن مل تكن لتتموضع يف ذات متعالية؛ إمنا هي بزغت من الواقع التارخيي للحياة،

نفسها هي اليت تظهر، وتشكل نفسها يف وحدات واضحة، والفرد هو من يفهم فاحلياة

، فإن العلوم التارخيية تقوم بدفعنا دائما إىل األمام، وتقوم بتوسيع الفكر 2"هذه الوحدات

ومن جهة أخرى إن احلياة ال تتمسك باحلياة إال بواسطة وحدات . بذلك يف جتربة احلياة

.التارخيياملعىن اليت تسمو على املر

.119سابق، ص الرجع املعادل مصطفى، فهم الفهم، -1.317سابق، ص الرجع املغادامري، احلقيقة واملنهج، -2

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

108

فأصبح بذلك التاريخ حقله املعريف املفضل ملمارسة اهلريمينوطيقا حبيث أنه فرض

املشكلة الفلسفية املتمثلة بوضع اخلربة الفردية التارخيية يف فهم عام واضح يفرتض أن "

.1تكون الطبيعة اإلنسانية فيه الوعي الشمويل التارخيي، أي منط املعرفة

مشروع دلتاي لفهم احلياة وتعميق اجلانب التارخيي ومهما يكن من شيء، فإن

للفهم خالفا للنزعة العلمية املتطرفة، كل ذلك لعب دورا هاما فيما خيص التأويل الذي

.يقوم أساسا عند دلتاي على اخلربة واملعىن والفهم

لقد وجد دلتاي يف اهلريمينوطيقا بوصفها مبحثا معنيا بالتأويل وبالتجديد، بتأويل

موضوع تارخيي دائم هو النص ألنه اعتقد أنه بتصوره العامل التارخيي نصا يستطيع فك

شفرته، حىت يتسىن له فهم كل شيء يف التاريخ باعتباره نصا، فطبق بذلك مبدأ التأويلي

النصي على العامل التارخيي، هذا املبدأ الذي يفيد أن نصا ما جيب أن يفهم من خالل

.لغته

غة توضح لنا ذلك التفاعل املتبادل بني الكل واألجزاء وعلى أمهية باعتبار أن الل

الطرفني يف عملية الفهم، فالعالمات اللغوية باعتبارها أساسا عاما تتموضع من خالله احلياة

أو األحداث الباطنية، بذلك ميكننا فهم أي عمل باعتباره تعبريا عن احلياة الروحية أو

.رات على هيئة عالماتالباطنية من خالل رموز أو شف

فوجد بذلك يف النص األساس األكثر إنسانية وتارخيية، وبذلك ال يكف موضوع

التأويل عن االنتقال من النص، من معناه ومرجعيته إىل املعيش الذي يعرب عنه؛ فالتأويلية

.122، ص 2008، 1اللغة عند مارتن هيدغر، تر إبراهيم أمحد، منشورات االختالف، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط-1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

109

�ȆǟȂǴdz�ȆǴǰdz¦�ǖȈLJȂdz¦�ƢĔ¤��ƨǴȈLJÂ�ǺǷ�ǂưǯ¢�Ȇǿ�ƨȈǻƢLjǻȍ¦�¿ȂǴǠǴdz�ǾLjȈLJƘƫ�Ŀ��ÄƢƬdz®�Ãƾdz

.تارخيي، فال وجود ألي معرفة حقيقية سوى فهم للتعبري للوصول إىل فهم احلياةال

ǺǷ�ƢēȏȂǬǷ�ƾǸƬLjƫ�ƨȈƷÂǂdz¦�¿ȂǴǠdz¦�À¢�Ãǂȇ�¦ǀǿ�ǾƴȀǼǷ�¾Ȑƻ�ǺǷÂ�ÄƢƬdz®"اخلربة

االفرتاض املسبق األساسي ملعرفة العامل التارخيي، هذا من ) اخلربة(، فهو يعتربها "املعاشة

مبفهوم احلياة، باعتبار أن فهم احلياة ينطلق أساسا من اخلربة جهة ومن جهة أخرى يربطها

احلياتية، والعودة إىل احلياة يعين بذلك الرجوع إىل اخلربة، وذلك عن طريق إعادة معايشة

املاضي، وتوقع املستقبل، يف السياق الكلي للمعىن؛ وبذلك فاملاضي واملستقبل يشكالن

.1"بذلك وحدة بنائية مع حاضر كل خربة

وبذلك فالتحليل الزماين ملسار اخلربة يف احلاضر، هو الذي يشكل داخله تأويل

وعلى هذا األساس وباعتماده على زمانية اخلربة، قد وضع األساس لكل . حيدث يف احلاضر

العامل أي أننا ال نفهم احلاضر إال داخل أفق -يف –احملاوالت فذلك لتأكيد تارخيية الوجود

وهي بذلك ال تعتمد على الوعي الذايت بل موجودة داخل بنية اخلربة .املاضي واملستقبل

.نفسها

- تستخدم الكلمة األملانية : اخلربة‘’erlebmis’’ وتعين اخلربة املعاشة، وهي هنا تعين وحدة قائمة مدجمة، واخلربة ليست

�ȏƢǐƫ¦�DzưŤ�ƢĔ¤��ǶȀǨdz¦Â�½¦°®ȍ¦�Ǻǟ�DŽȈǸƬǷ�ƪ) املوضوع -الذات(معطى من معطيات الوعي؛ اخلربة توجد قبل انفصال LjȈdz�ȆǿÂ

.مباشرات للحياة.143سابق، ص الرجع املعادل مصطفى، فهم الفهم، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

110

وإذا كانت هاته احلياة اليت حتياها وتعتمد عليها غري دالة يف أصلها، فإن الفهم

هذا الفهم مثبتا جيب أن "سوف يكون غري ممكن ومستحيل، ولكي يستطيع أن يكون

.1""املفهوم"عليه بـ أطلقر احملايث الذي حيمل على احلياة نفسها، هذا املنطق للتصو

فهم تعبريات "ألن التاريخ عنده ليس غاية مطلقة أو جتل لروح مطلقة، بل هو

Ƣē¦�ƢȈū¦�ǺǷ�ƢȈū¦"2 فاحلياة هي اليت تكون عن طريق التجربة والفهم كما التاريخ يعترب ،

ȏ¤�ƨȈƷÂǂdz¦�¿ȂǴǠdz¦�ȄǴǟ�ƢǷÂ�ǎ ƟƢǐƻ�ŅƢƬdzƢƥ�ǾdzÂ�Ƣē¦�ƢȈū¦�ŐŬ¦�ǺǷ�ƢēȏȂǬǷ�ǶƬƫ�À¢

فاملعىن ليس من صنع العقل وإمنا هو عالقة موجودة بداخل احلياة "املعاشة من املعىن،

وبذلك فاحلياة تأول نفسها، باعتبارها بنية تأويلية ومتثل األساس احلقيقي للعلوم .3"نفسها

.اإلنسانية

، فلكي نؤول أي تعبري وهو الصيغة الثانية لدلتاي عن مفهومه للتأويل التعبري

عظيم، يكون هنا انعكاس لبصمة احلياة الداخلية لإلنسان، فهو ليس زمن للشعور، يلزمنا

حسب دلتاي فعل من الفهم التارخيي؛ أي معرفة شخصية مبا يعنيه كائن إنساين آخر،

عادة وبذلك فقد كانت مهمة التأويل ال تسعى إلعادة احلياة ملفهومها العام واملشرتك وال بإ

.بناء جتربة النص، وإمنا كانت مهمتها تسعى إلعادة إنتاج التجربة احلية كما عاشها اآلخر

.36ص املصدر السابق، بول ريكور، صراع التأويالت، -1.94، ص نفسه املصدر - 2.118سابق، ص الرجع املبومدين بوزيد، الفهم والنص، -3 - هناك عالقة بني الفهم والتعبري، والتعبريات ليست اإلشارات والرموز فحسب ولكنها أيضا جتليات مضمون عقلي : التعبري

.والرموز مفهوما، والتعبريات هي الوسيط الذي عن طريقه نعرف اآلخرين جتعله هذه اإلشارات

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

111

هاته األجزاء، منها ما ميكننا من فهم املعىن الكلي داخل كل جزء يفرتض األجزاء

فال مناص من أفقنا اخلاص الذي " املسبقة، يعين ذلك استحالة الفهم بال فروض مسبقة

.1"الدائرةهو جزء من

إن البناء املنطقي، يعتمد أساسا على معىن لكلمة أو مجلة أو عبارة، وبذلك فكل

هاته املعاين املختلفة تشكل نسقا يساعدنا على الفهم، ففهم كتاب على ضوء كتب

أخرى، يرجع إىل شخصية املؤلف وحياته وعصره الذي ينتمي إليه، أي فهم هذا النسق،

.التأويل اهلريمينوطيقا وهنا تتمثل عالقة الفهم باهلريمينوطيقاهذا هو خاصية من خصائص

.105، ص السابق املرجعبومدين بوزيد، الفهم والنص، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

112

:المدرسة الفرنسية والتاريخ-2

امليزة األوىل هي الشروع يف بناء منهجية : لقد كان هلذه املدرسة على التقريب ميزتني

جديدة لدراسة التاريخ تستوحي مما وصلت إليه العلوم اجلديدة، أي ما يعرف باملقاربة

وامليزة الثانية هي املوقف املضاد لكل مقاربة فلسفية للتاريخ، . العلمية ملوضوع التاريخ

Leولوسيان لوفيفر Blochسني األوائل مارك بلوخ خاصة مع املؤس Febvre ألن بروديل

.ومن خالل مفهوم البنية والزمن دفع بالدراسة التارخيية إلمكانية املقاربة الفلسفية

ألن ال عالقة لفكرة 1"منهجية جمردة ذات طابع أملاين"ولذا جند لديهم رفض لكل

Leلوفيفر تارخيية إال من التاريخ نفسه، لذا يؤكد Febvre على هذا املوقف املعارض لكل

.فلسفة للتاريخ أو للفلسفة األملانية للتاريخ

هذا املوقف ال يوجد قط لدى لوفيفر، وإمنا جند كذلك لدى مارك بلوخ حينما يؤكد

ال ميكن أبدا لظاهرة تارخيية أن تفسر خارج زمانيته، األمر هذا ينطبق على كل : " بأنه

.2"اليت حنياها مثل اآلخرينمراحل التطور

مما يعين أن مدرسة احلوليات انبنت أساسا على التخلص من األطروحة األملانية أو

Leولوفيفر Blochاألطروحات األملانية حول التاريخ، جند كل من بلوخ Febvre بدءا

Lesعملهما بتأسيس جملة التارخيي اليت محلت اسم احلوليات annales . يشكل كتاب بلوخ

Bloch‘’Le métier de l’historien ou apologie de l’historien’’ جمموع املقاالت اليت

1 - Dosse, F., L’histoire en miettes, Ed. La découverte, 1987, p. 54.2 - Bloch, M., Apologie pour l’historien, Ed. A. Colin, 1962, p. 9.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

113

تتوجيا نظريا "كان يقوم بنشرها أو بكتابتها بلوخ حيث مجعت يف الكتاب املذكور لتكون

.ǖȈLJȂdz¦�ǂǐǠdz¦�Ŀ�ĺ°Âȋ¦�ǞǸƬЦ�¾Ȑƻ�ǺǷ"1) بلوخ(ملنهج جديد يف التاريخ مارسه

ويف جانب آخر يعد كتاب لوفيفر معارك من أجل التاريخ تتمة للمهمة نفسها مع

.Jكتب كل من جاك لوغوف Le Goff ولوروا الديوريle Roy Ladurie امتدادا طبيعيا

.لتوجهات نفس املدرسة

املثقفون يف القرون "، و"الذاكرة والتاريخ"توحي لنا على سبيل املثال كتب لوغوف

بصياغة " من أجل قرون وسطى أخرى"و" احلضارة الغربية يف القرون الوسطى"و" الوسطى

ولقد تعدى هذا . أمنوذج جديد يف اخلطاب التارخيي الفرنسي نابع من اهتمامات اجلديدة

املستوى من الكتابة جليل من املفكرين واملؤرخني الفرنسيني اجلدد ميكن أن نذكر منهم

.Mميشال دي سارتو Certeau لوغوف وجاكJ. Le Goff وبيار نوراP. Nora ورميون أرون

R. Aron وهنري ماروH. Marou وبول فاييانP. Veyne واملعروف أساسا بعنوان كيف

commentنكتب التاريخ on écrit l’histoire مقابل اهتمام فلسفي حمض كما هو احلال

وليفي سرتاوس يف الفكر مع سارتر يف نقد العقل اجلديل وميشال فوكو يف تاريخ اجلنون

.املتوحش

ما من أحد يستطيع أن يفند القول بأن خطاب املدرسة الفرنسية يف بدايته أي يف

§��ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ�ÄƾȈǴǬƬdz¦�ƺȇ°ƢƬdz¦�ǞǷ�ƨǠȈǘǫ"بداية التفكري حول املسألة التارخيية كان Ƣǘƻ

ثلت يف قطع يفتح ويشكل ثورة يف األسطوغرافيا، وأن أحد هذه التجديدات األساسية مت

.164، ص 1،2000طكوثراين وجيه، الذاكرة والتاريخ، دار الطليعة، بريوت، لبنان، -1

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

114

الصلة مع الفهم املاضوي للخطاب التارخيي، ونعين باملاضوي هنا مسألتني، أي أعمال كل

.من ألجنلو وسيبنبوص من جهة وأعمال الفالسفة األملان من جهة ثانية

مما ترك املدرسة أي مدرسة احلوليات تنفتح على مقاربات جديدة من حيث

ما جند أنفسنا أمام سلسلة من الدراسات املواضيع ومن حيث املناهج لذلك سرعان

l’histoire-problèmeاجلديدة كما هو احلال مثال مع ما يسمى عنده بالتاريخ املشكل

مبعىن أن دور املؤرخ حتول، أو جيب أن يتحول من باحث يف الوثائق ومسجل لألحداث،

Ȉǰdz¦�ǺǟÂ�ƪ ǠǫÂ�Ŗdz¦�ª ¦ƾƷȋ¦�Ǻǟ�­°ƚŭ¦�¾ ƢLjƬȇ�À¢�Ä¢��Ƥ ȈůÂ�DzƟƢLJ�ń¤�Ƣđ�Ļ�Ŗdz¦�ƨȈǨ

�ǶĔ¢�ƾų�Ǯ dzǀdz��Ǯ dz�ǺǷ�ǪǬƸƬdz¦�ƨȈǨȈǯÂ�ƢȀǫƾǏ�ÃƾǷÂ�ƢȀLjǨǻ�ǞƟƢǫȂdz¦�ǽǀǿ�DzȈƴLjƫ

ال جيب أن يكتفي فقط بالكتابة حتت وقع الوثائق بل جيب أن " يؤكدون على أن املؤرخ

يطرح أسئلة ويضعها يف إشكالية على العكس من التاريخ السردي الذي وضعه الجنلو

.1"وسينيبوص

هو ما جتلى يف احلكمة الشهرية للوفيفر l’histoire-problèmeإن التاريخ املشكل

Le Febvre معاجلة حدث هو بناءه"القائلة "Elaborer un fait, c’est construire.

كما استحدث جتربة جديدة عرفت بالتاريخ املقارن حيث أشاد بل نادى مارك بلوخ

ث التارخيي مع ما حيدث يف علم االجتماع مما دفعه بأوسلو بضرورة متاثل البح1928سنة

�ȄǘLJȂdz¦�°ȂǐǠdz¦�Ŀ�®ȂƳȂŭ¦�Ǯ Ǵƫ�¢�ƨưȇƾū¦�ƨȈƥ°Âȋ¦�©ƢǠǸƬĐƢƥ�ʼnƾǬdz¦�Ƣƥ°¢�ƺȇ°Ƣƫ�ƨǻ°ƢǬŭ

.مما فتح له آفاق جديدة

1 - Dosse, F., L’histoire en miettes., op cit, p 70.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

115

.Chوتطعم البحث التارخيي بعلم النفس متأثرا بأحباث أعمال بلوندال Blondel

كما تطعم البحث التارخيي Psychohistoireكوتاريخ واستحدث ما أصبح يعرف بسي

.داخل احلوليات باألحباث السوسيولوجية لدوركهامي

لذا سرعان ما نالحظ بأن أعمال لوفيفر بدأ أفقها يتحدد بعلم النفس، حيث أن

l’introspectionالنقطة املركزية يف حبثه توجد يف علم النفس التاريخ ألجل حتقيق استبطان "

على خالف بلوخ 1"فكري ونفسي، يأخذ أكثر فأكثر الفرد كمجال للتحليل لفضاء

Bloch أكثر مما هو من علم النفس لكي "الذي أراد االستفادة من دوركايهم بتطعيم

يقتحم تاريخ األفكار، ولذا فإن خطته تتقدم حنو البنيوية وتعلن طرائق التاريخ

.2"األنثربولوجي

Ǡdz¦�§ǂū¦�ƾǠƥ�ƨǴЦ�ƪ dzȂŢ املية الثانية من احلولياتAnnales إىل حوليات االقتصاد

�©¦°Ƣǔū¦Â�ǞǸƬЦÂAnnales : économies, sociétés et civilisations . لتأخذ بعدا

ومساحة أكثر مما كانت عليه، حيث يغدو التاريخ يف هذه اللحظة مزيج بني الدميغرافيا

الذي سجلته العلوم االجتماعية على واالقتصاد وجمال لدراسة األزمات خاصة بعد الضغط

العلوم االجتماعية ويف تقدمها بدأت تستبعد أكثر فأكثر سيطرة هذه "التاريخ ألن

التخصصات أي أن علم االجتماع بدأ يتحرر من الفلسفة والتاريخ أراد أن ينفلت من هذه

الجتماعية أكثر القبضة ويظهر كعلم مركزي وسط العلوم االجتماعية، وهلذا كان رد العلوم ا

.Fراديكالية من رد Simand أوDurkheim وكأننا حنضر مليالد مدرسة تصبح مسيطرة على

1 - Dosse, L’histoire en miettes, Op cit., p 78.2 - Ibid., p 79.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

116

�ƾšÂ�ƨȈǻƢź°ƢƬǴdz�Ƣē¦®ƢǠŠ�» ǂǠƫ�Śƻȋ¦�ǽǀǿ��ƨȇȂȈǼƦdz¦�ƢĔ¤��§ ¦®ȉ¦�ƢȀȈǧ�ƢŠ�ƨȈǟƢǸƬƳȏ¦�¿ȂǴǠdz¦

.Cجماهلا يف األحباث األنثروبولوجية لكلود ليفي سرتاوس Levi Strauss"1 ويف خضم هذا ،

.التوتر كذلك اشتهرت أحباث دي سوير حول اللغة

أن يدفع التاريخ احلويل حنو Braudelوسط هذا التوجه اجلديد حاول بروديل

توجهات جديدة تستفيد من اجلو العام للعلوم االجتماعية ليحتفظ ببعد الزمن والفضاء

.ل به األنثربولوجياالتارخيي وحياول من خالهلا أن يعطي تارخيا شامال مياث

يريد أن يكون قبل كل شيء تركيب مثله مثل "Braudelإن التاريخ عند بروديل

األنثربولوجيا، ولكن بتفوق لبعدي الزمن واملكان، فهو لذلك يأخذ من تراث احلوليني

فالزمن واملدة والتاريخ يقفان يف وجه بل " األوائل حيث أن الزمن يهب للتاريخ الدور احملوري

.2"جيب أن يقفان يف وجه كل علوم اإلنسان

خلف مفهوم التاريخ الكلي لربوديل يوجد تصور ملا يسمى بالتاريخ بالبالزما، كما

فالكلمة األساسية للخطاب الربوديل هو أن الكل يؤثر يف الكل Blochيصفها مارك بلوخ

.Jأو العكس، كما اهتم جاك لوغوف Le Goff ولوروا الديوريLe Roy Ladurie بالتاريخ

الكلي وجعال جماال ملا يسمى األنثربولوجية التارخيية من خالل اهتمامه بدراسة تاريخ

.األفكار

le’‘" إقليم املؤرخ"حيث يتوزع كتاب الدوري territoire de l’historien’’ على

ȇ�ƢǸǯ��ÀƢƦLjū¦�Ŀ�¦ǀƻ¢�­°ƚǸǴdz�ƾȇƾŪ¦�¾ƢЦ�ƢŮȐƻ�ǺǷ�®ƾŹ�ƨȈLJƢLJ¢�¿ƢLjǫ¢�ƨƯȐƯ ؤكد ما

1 - Dosse, L’histoire en miettes, Op cit, p 102.2 - Ibid., p 107.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

117

l’histoireجيري يف أمريكا اعتبارا مبا جيري يف أمريكا من أحباث حول التاريخ الكمي

quantitative والتاريخ املناخl’histoire climat.

ببسط مساحة التاريخ على هذا املستوى، بل تعداه إىل Ladurieمل يكتف الدوري

لى سبيل املثال تاريخ املوت كعمل من مواضيع مل تكن من املقاربة التارخيية، ونعين بذلك ع

أعمال املؤرخ، وذلك إلعجابه بدراسة بيار شانوا وميشال فوفال، وكيف كانت تقام حمافل

–دفن امليت، وكيف تراجعت وفق تنميط طبقي، فبفضل فوفال علم االجتماع الديين

حضروا حساب الذين ... انتقل من النمط القدمي مستوى العد واحلساب -اخلاص باملوت

.1"مراسيم الدفن وانتهت إىل تاريخ فعلي تسلسلي وأكيد للعقلية الدينية

كما كان للتحليالت اإلبستمولوجية دوره يف رسم معامل تاريخ جديد فالتحول حنو

املقاربة اإلبستمولوجية للتاريخ يف اخلطاب التارخيي الفرنسي على اخلصوص جندها يف بول

.Pفايني Veyneا حتت عنوان كيف نكتب التاريخ واملعروف أساسComment on écrit

l’histoire حيث يقوم من خالله بدراسة نقدية للمعرفة التارخيية بداية من سؤال أساسي

.حول تصورنا للتاريخ

فالتاريخ ومنذ أتباع أرسطو واملؤرخون ما زالوا يسردون األحداث اليت يكون اإلنسان

فتحديد مفاهيمي لتصور التاريخ يف مقابل الرواية من بطلها، التاريخ هو رواية حقيقية،

اإلشكال يقوم هنا على أساسحيث أن هذه األخرية تقوم على ما يسمى بالسرد، ولعل

تصورنا للسرد من حيث أنه مرتبط بعملية وضع األحداث يف قالب تسلسلي، ولكن حىت

1 - Dosse, L’histoire en miettes, Op cit., p 403.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

118

ألنه من اآلن سيكون هو سرد لألحداث، كل ما تبقي ينجر على ذلك "وإن كان التاريخ

املعاش بعدما تعاد صياغته بني يدي . ضمن هذا السرد وال يعاش مرة ثانية ليس كالرواية

.1"املؤرخ ال يبقى مثلما كان، إنه سرد مما يسمح حبذف بعض املسائل اخلاطئة

إن هذه التفرقة األساسية بني التاريخ والرواية على أساس احلدث واحلبكة من حيث

ƢǠǔź�ƢǸĔ¢�À¢�ǺǰŻ�ȏ�Ǿǻ¢�Ŀ�ǎ ƼǴƬƫ�Ŗdz¦Â��śƬȈǴǸǠdz¦�ǾȈǴǟ�řƦǼƫ�½ŗnjǷ�ǶLJƢǬǯ�®ǂLjǴdz�À

املؤرخ يهتم باألحداث لسبب : " مياثل التاريخ الرواية رغم وجود هذا القاسم، ولذا فإن

śǻ¦ȂǬdz¦�Ǻǟ�Ǧ njǰǴdz�ƨǏǂǧ�dž ȈdzÂ�Ʈ ȇƾƷ�ƢĔ¢�ȂǿÂ�ƾȈƷÂ"2.

سينبيوس، وحىت الوضعيني يف إن حماولة املدرسة الفرنسية يف بدايتها، ونقصد ألجنلو و

�¿ȂǴǠdz¦�Ŀ�ƢēŚǜǻ�Ƣđ�ÀȂǰƫ�ƢŠ�śǻ¦ȂǬǴdz�ƾȇƾƳ�ƨǠȈƦǗ�Ǻǟ�ƨȈź°ƢƬdz¦�ª ¦ƾƷȋ¦� ¦°Â�Ʈ ƸƦdz¦

.الطبيعية مل يكن سوى عالمة على عدم فهم جيد خلصوصية فهمنا للتاريخ

1 - Dosse, L’histoire en miettes, Op cit, p 14.2 - Ibid, p 125.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

119

:الفينومينولوجية والتاريخ-3

ارا واسعا باملنهج التجرييب عرف تاريخ الفلسفة يف حدود القرن التاسع عشر انبه

وكذلك الفلسفة الفينومينولوجية، هذه احملطات الثالث Darwinالوضعي، وأحباث داروين

التاريخ رمبا من زوايا خمتلفة أو متضادة ولكن مل تكن لتفرتق يف تأويل قاربت كلها موضع

�©¦ǀdz¦�Ä¢�ÀƢLjǻȍ¦�Ǿƥ�řǠǻÂ�½ŗnjǷ� ȂǓȂŠ�řƬǠƫ�ƪ ǻƢǯ�ƢĔ¢�ƨdzƘLjǷle sujet ومشكلة

.البدء أو األصل

فلقد اشتغلت الوضعية بداية من أوغست كونت على أن يكون اإلنسان موضع

دراستها من خالل إعادة فهمها ملكونات الصيغ املوضوعية والذاتية يف املعرفة ومل جتد طريقا

وضع لذلك سوى تغليب املنهج العلمي على أي طريقة معرفية أو منهج يريد مقاربة هذا امل

كما قاربت الداروينية وبفضل الوضعية منذ البداية مسألة اإلنسان ومشكلة البدء لتنزع

ذلك عن هذه املشكلة كل معاجلة دينية أو أخرى شبيهة، وتضع املوضع داخل البناء

العلمي له كما أتت بعد ذلك الفينومينولوجية وإن كان هدفها يف البداية الرتكيز على

 �Ƣǟ¤�ƨȇ¦±�ǺǷ�ǾƬƥ°ƢǬŭ�ǂǘǔǷ�ƢȀLjǨǻ�©ƾƳÂ�ƢĔ¢�ȏ¤�Ǿƫ¦�Ŀ®�املوضوع أي على الشي

.فهم العالقة بني الذات واملوضوع ولذلك وضعت القصدية كحل هلذه املقاربة

Berkleyباركلي Lockeكما عاجلت حماوالت فلسفية أخرى جندها مثال لدى لوك

1755سنة " عرفة اإلنسانيةمقالة يف أصل امل"يف كتابه Condaillacوكوندياك Humeهيوم

.مشكلة األصل)1900-1844(ونيتشه

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

120

لقد استحدثت املعاجلة النيتشوية ملسألة الذات واألصل ما يسمى بالتاريخ الفعلي

. منبع احلس التارخيي والذي يرفض كل تأهلية للتاريخ أي رفض التاريخ املغلف بامليتافيزيقا

ن التاريخ سرعان ما حتولت لديه لتعرية مماثلة لبلوغ هدفه قام نيتشه بتعرية هذا النوع م

لتاريخ الفلسفة نفسه، العتقاده بوهم امليتافيزيقا اليت شغلت حيز املقوالت يف شكل

استعارات متأل خطاب الفلسفة منذ القدم، لذا استعار من الفيلولوجيا مفهوم اجلينولوجيا

كان يرى بأنه من الواجب ليقارب به موضوعه وموضع األخالق خاصة، أي امليدان الذي

.بداية الشروع يف إنشاء جدل حوله

ما هي اإلرشادات اليت توفرها لنا : ففي كتاب جينالوجيا األخالق يصرح قائال

اللسانيات بالضبط من خالل الدراسة اإليتمولوجيا لتاريخ تطور املفاهيم األخالقية؟

- تاريخ الفلسفة -يتافيزيقالقد حاول نيتشه أن ينقل مفهوم اجلينولوجيا من جمال امل

إىل جمال اإلحساس واخليال أي جمال اإلستطيقا باستعماله إسرتاتيجية القلب والتعرية لكل

.التاريخ والفلسفة واألخالق: ما له عالقة بالتاريخ

هذه املسائل والتحوالت عرفت تأثريا بالغا على توجهات التفكري يف الفلسفة

لفى اهتماما خاصا من قبل الفالسفة املعاصرين من أمثال املعاصرة الشيء الذي جعلها ت

فوكو، دريدا، غادامري وريكور، وذلك القرتان املقاربة باالنزياح الذي عرفه مفهوم الفهم،

والتفسري، والشرح اجتاه التأويل مستحدثا ما أصبح يعرف عندنا باهلريمينوطيقا

Herméneutiqueكما يؤكد على ذلك ريكور.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

121

وبغية مقاربة املسألة بكيفية جديدة جند أنفسنا مشدودين أكثر للفينومينولوجيا لذا

.باعتباره منطلقا مشرتكا هلذه القراءات

:هوسرل-

الذي بدأ التفكري فيه genèseتناول هوسرل مشكلة التاريخ من خالل مفهوم النشأة

حيث Weierestrassمنذ تناوله ألصل األعداد الرياضية الذي نقله من تصور وسرتايس

تكون املواضيع الرياضية ليست بالتحديد مهمة رياضية ولكن "اعترب هوسرل أن مسألة

، حيث كتب بعد ذلك l’expérienceفلسفية، وهو ما دفع به الحقا لدراسة مسألة اخلربة

نصا متميزا حول أصل اهلندسة ملقاربة مفهوم النشأة الذي سيطر على األحباث األوىل هذا

تعاصر مع كتاب أزمة العلوم األوروبية وأتى بعد التأمالت الديكارتية واألفكار أي النص

الكتب األوىل اليت شكلت االهتمام الفينومينولوجي البحث هلوسرل دومنا التطرق ملسألة

يف هذا النص من عشرين صفحة وهو من : " التاريخ هذا ما يؤكد جاك دريدا حينما يقول

يطرح نفسه لطرح أصل قصدي للهندسة وحتديده من خالل هذا النصوص اجلملية هلوسرل

املثال نوع التحليل الذي من خالله ميكننا إعادة فهم نسبة التعايل ملنتوج تارخيي للوعي يف

.1"ميالده

- إدموند هوسرلHusserl Edmund)1859-1938 :( ولد يف برسيتز(Prossitz) يف مورايف(Moravie) حاليا ،

؛ درس الفلسفة والرياضيات يف جامعة لينربيج مث يف برلني وفيينا؛ بدأ يف االهتمام باألسس 1859أفريل 08مجهورية التشيك، يف

، بعد عام ''1891فلسفة احلساب ''النفسية والرياضية، وعمل أستاذا يف الفلسفة جبامعة هال، ونشر كتابه األول املعنون بـ

ر الواسع على زمالئه، على كل من مارتن هيدجر وجان بول سارتر، درس يف جامعة فريبورغ، وكانت لفينومينولوجيته األث1916

.1938أفريل 26تويف يف فرايبورغ يف . وأيضا الوجودية الفرنسية1 - Dastur, F. Husserl, Des mathématiques à l’histoire, 2 Ed , P.U.F., 1990, p 260.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

122

عاجل هوسرل مسألة التاريخ من خالل النشأة اليت حتولت عنده بعد نص يف األزمة

الزاوية األوىل : والتأمل الديكاريت اخلامس وأصل اهلندسة ملفهوم األصل من خالل زاويتني

ومن زاوية Ideenاعتىن فقط مبفهوم األثل من منطلق مفهوم النشأة خاصة يف نصه األفكار

" يف مالحظة له معلقا على ريكور حول تصور التاريخ عند هوسرل أخرى ما يثريه دريدا

رغم أن هذه املالحظات ال حتمل أية طرافة ولكنها ختفي غالبا التواصل العميق الذي يربط

فلسفة التاريخ عند هوسرل مع فلسفته األوىل ومتنعنا بذلك من أن نتعرف كيف أنه مبجرد

.1"تأسيسها أصبحت هذه تستلزم األخرى

��Ǯ dzǀdzÂ��ƢǠǷ�ƢǸđ�ǞǼƬǬƫ�Ń�ƢĔȋ�ƨǨLjǴǨdz¦Â�ǶǴǠǴdz�ƾǬǼdz¦�ƢȈƳȂdzȂǼȈǷȂǼȈǨdz¦�ƪ ȀƳÂ�ƾǬdz

أن يزحزح البناء القدمي عن موضعه ليحفر حتته منقبا عن جذور، " كان هدف هوسرل

.2"وعن بدايات، أي عن أساس متني ميكن أن يقوم عليه هذا البناء فلسفيا كان أو علميا

دراسة : نومينولوجيا عند هوسرل عملها على جهتنيلبلوغ هذا اهلدف قسمت الفي

فكرة البدء بالبدايات أي بدايات األشياء واليت أحالته يف النصوص املتأخرة على مفهومي

expérience، وكذلك مفهوم اخلربة مبعىن devenirواملصري مبعىن origineالنشأة مبعىن

.formation/buildingالتكوين مبعىن /والتكوين

مستعينا برناتانو الذي Weierstrassه هوسرل لدراسة األعداد لدى ويسرتايس لذا اجت

.مييز بني علم النفس التكويين وعلم النفس الشارح

1 - Derrida J., Le problème de la genèse dans la philosophie de Husserl, P.U.F., 1990, p 260.، )ط.د(سعيد توفيق، اخلربة اجلمالية، دراسة يف فلسفة اجلمال الظاهرتية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر،-2

.23، ص 2002

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

123

وهو األمر الذي مل يكن خيطر بباله أن ما يقوم به هو ما سيسمى الحقا

).الفينومينولوجياأحباث من أجل (بالفينومينولوجيا إال يف عنوان اجلزء الثاين من

leوعليه تتحدد مهمة الفينومينولوجيا يف حتليل املعاش vécu أي الظواهر -

.كما هي دون التصورات اليت حنملها عنها -الفينومان

Idéesلذلك يقول يف مقدمة كتابه directrices pour une phénoménologie

يد وضعها اخلاص قياسا بالعلوم الفينومينولوجيا اخلالصة اليت نريد أن نطرقها هنا بتحد"

تسمى علم (...) هي العلم األساسي للفلسفة، وهي علم باألساس جديد (...)األخرى،

الفينومينولوجيا (...) ليست علم النفس، (...) الفينومينولوجيا ... -الفينومان –الظواهر

řǠƫ�ǺǰdzÂ�ª ¦ƾƷȋ¦�ǎ ź�ǶǴǟ�ƢĔ¢�² ƢLJ¢�ȄǴǟ�ǶȀǨƫ�ȏ�ƨȈdzƢǠƬŭ¦�¢�ƨǐdzƢŬ¦1" باجلواهر

.وهو ما ميكن اعتباره يف حد ذاته جتاوزا لتصور كانط لعامل الظواهر

عامل الظواهر مقابل عامل الشيء يف ذاته، فنحن وفقا للتصور "فلقد وضع كانط

�ƢǼƫ¦°Ȃǐƫ�¾Ȑƻ�ǺǷ� ƢȈNjȋ¦�ǂǿ¦ȂǛ�Ȃǿ�ǖǬǧ�ƢŶ¤Â��Ƣē¦�Ŀ� ƢȈNjȋ¦�» ǂǠǻ�ȏ�ȆǘǻƢǰdz¦

أي تلك ) ¦Ƣē¦� ƢȈNjȋ(مينولوجيا تريد أن تبدأ من ويف مقابل ذلك فإن الفينو (...)

�®ǂů�ÀȂǰƫ�ȏÂ�Ƣē¦�Ŀ� ƢȈNj¢�ÀȂǰƫ�Ŗdz¦� ƢȈNjȋ¦)مظهر حلقيقة عليا.(

تنطوي على معناها يف نفسها وعليه تكون عبارة العودة إىل -الفينومان–فالظواهر

�řǠƫ�Ƣē¦�Ŀ� ƢȈNjȋ¦" من : من اجلذورالدعوة إىل توجيه مسار البحث الفلسفي ليبدأ

لتؤسس ما يسمى بعلم النفس (...) األشياء ال التصورات، من املعطيات ال من النظريات

1 - Husserl E., Idées directrices pour une phénoménologie, Ed. Gallimard, 1950, p 57.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

124

املاهوي، وهو وصف خلربتنا خيتلف عن االستبطان الذي هو جمرد مالحظة حلالة املرء

.1"ملاهية أو معىن تلك اخلربات القصدية للوعي"الباطنية

�Ƥ كما أن هذه العملية أي عملية إدراك ǴǘƬƫ�ƢĔȋ�ƨȈǧƢǯ�ƢǿƾƷȂdz�ƾǠƫ�ȏ�©¦ǀdz¦

إشراك اآلخرين، ألن فعل التفكري عند هوسرل فعل مفتوح على املعرفة، وال فصل فيه بني

ألن يشرح ذلك يف : " ذايت واآلخرين لقد سعى هوسرل مثلما يقول بذلك بول ريكور

هناك تفضيل التأمل اخلامس ألن مهمته يف مستوى األفكار األوىل والثانية ال يوجد

بالعكس اإلنسان التارخيي هو حلظة ودرجة من املونادات وطبقة من العامل املتكون . للتاريخ

ǪǴǘŭ¦�ȆǟȂdz¦�Ŀ�ŅƢǠƬǷ�Dzǰǯ�ƲǷƾǼǷ�ȂȀǧ�ŘǠŭ¦�¦ǀđ"2 بينما يف التأمل اخلامس يعاجل ما

هنا يتدخل املوضوع احلاسم واملتمثل يف : "يسميه ريكور بالشرح القصدي أو كما يقول

.3"السحب التماثلي لآلخر كذات أخرى هذا املوضع هو قلب التأمل اخلامس

لقد استفادت كثريا الفينومينولوجية مما يطرحه برنتانو من مفهوم مغاير للزمن يلحق

بفضله دجما طبيعيا بني املاضي واحلاضر ضمن الوعي، مبعىن أنه ميزج وبصورة طبيعية ومن

لذلك . لذاكرة واإلدراك بدون واسطة لتكوين الوعي بالزمنخالل املفهوم اجلديد للزمن بني ا

Die)احتاج إلدراج مفهوم التخيل أو اخليال اإلبداعي Phantasie).

لذا جند أن هوسرل على خالف هيدغر، حينما يطرح مفهومه للزمن، يطرحه من

.زاوية فهمه للوعي، وليس من فهم وتصور خاص بالوجود كما حصل مع هيدغر

.22سابق، ص الرجع ، املاخلربة اجلمالية، دراسة يف فلسفة اجلمال الظاهرتيةسعيد توفيق، -12 - Ricœur. p., A l’école de la phénoménologie, Ed., Vrin, 2004, p 26.3 - Ricœur. p., Ibid., p 245.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

125

على حل يعاجل به عملية االندماج، اختار مفهومه للقصدية اليت تعرب وللوقوف

بوضوح عن مسألة االستمرارية والالاستمرارية، الشيء الذي دفع به إىل دراسة مسألة غاية

�Ǯ dzǀƥ�řǠǻÂ�ǾƬLJ¦°®�ǽƢš ¦�ŚȈǤƬdz�¾ǂLJȂǿ�ǞǧƾƬLJ�ƢĔ¢�Ŀ� ȂǐŬƢƥ�ǺǰŤ�ƢȀƬȇƢǣÂ�ƨȈŷȋ¦�Ŀ

وجتربة اآلخر intersubjectivitéة ما يسميه بتداخل الذوات أن مسألة القصدية نقلته لدراس

.التجربة الغريبةfremderfahrungكما يسميها هوسرل بـ

Théodoreلقد انتبه هوسرل يف هذه الفرتة ملعاجلة تيودور ليبز Lipps لنظرية الوجدان

وحاول انطالقا منه أن يضع مسألة إدراك Einfühlungالداخلي أو اندماج الشعور الداخلي

. الغري يف مقابل إدراك األشياء كإدراك مشارك ومتثل مشارك لآلخر

إن قيمة هذا التحول بقوة يف حتول البحث لدى هوسرل ملقاربة موضوع الوعي

مقاربة متنوعة أي أنه أحيل على التجربة اخلالصة للعامل الروحي واالجتماعي والتارخيي

. ذلك بتصور دلتايمتأثرا يف

Georgeيعرتف هوسرل بقيمة هذه اهلزة النوعية يف مراسلة لصديقه جورج ميش

Misch يف 1905أال تعرفون أن بعض املناقشات مع دلتاي يف :" حيث يقول فيها 1929

أعطت الدفعة اجلريئة اليت قادت هوسرل صاحب أحباث ) وليست هذه الكتابات(برلني

ار موجهة، وأن فينومينولوجيا األفكار املوجهة الغري كاملة واملطروحة منطقية إىل صاحب أفك

وقادت مبنهجية شكلية خمتلفة حلميمية أكثر مع 1925إىل 1913اكتملت بدقة من

.1"دلتاي

1 - Dastur, , Des mathématiques à l’histoire , Op cit., p 83.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

126

إن قيمة هذا التحول، بدأت يف هذا االتصال، رمبا املتأخر مع دلتاي، وهو ما وجهه

ية من هنا وبالضبط مما ذكره يف بداية التأمل اخلامس ألن يقوم بفلسفة حول التاريخ، بدا

ونص األزمة، حيث أوحى له التأمل اخلامس بفهم جديد ملبدأ اهلوية موضع تفكري

جتاوزا ) الكوجيتو(الكوجيتو الديكاريت، الذي جتاوزه يف التحليل اخلامس أي جتاوز األنانة

.داخليا من خالل طرحه ملفهوم الغري أو اآلخر

ألن يعاجل موضوع التاريخ رغم أن 1933وضع اجلديد دفعه بداية من هذا ال

الفينومينولوجيا بدأت بنقد كل ما هو إنساين أو نفساين أو أنثروبولوجي عامة، ولكن بداية

من أزمة العلوم األوروبية والفينومينولوجيا املتعالية، بدأ التفكري يف التاريخ، لذلك وكما يقول

ȏÂƢŰ�ǒ©�ا"أن النزعة : ريكور Ǡƥ�ȄǴǟ�ȆƟƢĔ�°ƢǐƬǻ¦�DzƴLjƫ�°ƢǰǧȌdz�ÄȂǿƢŭ¦�®ǂdz¦Â�ƨȈǬǘǼŭ

، لكننا نستطيع أن نؤكد بأن تاريخ الفكر الذي )عند هوسرل(إدخال التاريخ يف الفلسفة

تطور ) بل أن(سيكون حمل سؤال بعد ذلك، لن يكون أصال للمعىن من خالل الالمتعني

الذي بدأت منه 1"ر غري أصل املفهومالفكرة الذي يدخل التاريخ سيكون شيء آخ

.الفينومينولوجيا مهمتها األوىل

لقد متكن هوسرل ورمبا بصورة مدهشة تغيري اجتاه فلسفته بداية من األزمة حنو

املسألة التارخيية أين تتجه اإلنسانية؟ أين تتجه اإلنسانية باملفهوم األورويب؟ تلك هي املهمة

د وراء مصرينا حنن اليوم كأوروبيني أمام أزمة العلوم ومصري اجلديدة هلوسرل، أي ما هو القص

.اإلنسانية األوروبية

1 - Ricœur, L’école, , op cit, p. 24.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

127

جيب : "وهي األزمة اليت تبدأ بتحديد حمتواها بداية من مقدمة حماضرته حيث يقول

التوقف يف هذا احليز املخصص للعلوم عند عنوان احملاضرة التالية الذي يثري يف حد ذاته

لم ال تعين شيئا أكثر من أن علميتها األصلية بدأ يساورها الشك ألن أزمة الع... معارضة

ولكن كيف ميكننا أن نتحدث فعال عن أزمة يف العلوم عامة أي مبا فيها العلوم (...)

هذا . خالل هذه املهمة ال نتواىن يف توضيح أن الطابع الشكي لعلم النفس(...) الوضعية؟

له معىن (...) ذ أيامنا هذه، ولكن منذ قرون النوع من املرض الذي نعاين منه ليس من

أساسي للتحقق من بعض النقاط اخلفية ومل حيل يف العلوم احلديثة مبا فيها العلوم الرياضية

يف القرن (...) هذه ببساطة أول إشارة للمعىن العميق الذي يوجه هذه احملاضرات (...).

ت الفلسفة وكل العلوم خاصة السابع عشر، عصر الفلسفة الذي ساد دوائر واسعة شاع

كفروع هلا حيث كان االندفاع حنو الثقافة والتجديد الفلسفي للرتبية ولكل األشكال

هذه اإلنسانية اجلديدة (...) االجتماعية والسياسية لإلنسانية اليت صنعت عصر التنوير

��ƢǿƾǠƥ�©ƾǬǧ�ƢĔȋ��ǂǸƬLjƫ�Ń�Ƣē®ƢǠLJ�ƢȀȈǧ�©ƾƳÂ�Ŗdz¦Â�ƨȈdzƢǟ�¬Âǂƥ�DŽǨƄ¦Â أي اإلميان

اإلميان مبثل الفلسفة واملنهج الذي بدأ منذ احلداثة (...) بالفلسفة الكونية ومثلها وقيمها

تأيت إذن فرتة طويلة ملعركة صعبة تبدأ (...) هذا االعتقاد أصبح ضعيف . يقود كل احلركات

ة من هيوم وكانط إىل يومنا هذا ألجل احلصول على فهم صحيح ألسس هذه اهلزمية القدمي

ال ميكننا أن نفقد اإلميان يف . كفالسفة هلذا العصر وقعنا يف تناقض وجودي عسري(...)

إمكانية الفلسفة كمهمة، أي يف إمكانية معرفة كونية هلذه املهمة، نعرف بأننا وجدنا

.1"حنن إذن موظفي اإلنسانية(...) كفالسفة جديني

1 - Husserl. E., La crise des sciences européennes et la phénoménologie transcendantale, tr.

Granel G. Gallimard, 1976, pp 9- 2.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

128

ة وتشخيص األزمة أي مراجعة يشرح هذا النص إسرتاتيجية هوسرل العلمية يف معاجل

نتائج الطرح العقالين ولواحقه، لذا جيب أن نعود لتاريخ هذه العقالنية أي تاريخ أوروبا

.تاريخ تكو ن العقالنية األوروبية

�ƨŪƢǠŭ¦�ȄǴǟ�¦ǂǐƬǬǷ�ÀƢǯ�Äǀdz¦�ƨȇƾǐǬǴdz�ǾǷȂȀǨǷ�¾ǂLJȂǿ�Ƥ ƸLJ�ƨǬȇǂǘdz¦�ǽǀđ

الظاهراتية للوعي إىل جمال أوسع والذي يتمثل يف إمكانية حتديد الغايات من التاريخ أو ما

Leميكن تسميته من هنا بالقصدية التارخيية teleos de l’histoire فبالنسبة هلوسرل كما ،

جيب أن حيقق نفس املعىن الذي ميكن أن (...) التاريخ عقالين إذا كان: " يقول ريكور

يبلغه التفكري حول األنا هذا التعيني ملعىن التاريخ باملعىن الداخلي هو الذي يشد فلسفة

.1"التاريخ عند هوسرل

ملعاجلة موضوع األزمة ينطلق من معاجلة وحتليل األزمة من خالل موضوع العلم

التارخيية اليت عملت على تكوينه وتغليفه مبفهوم العقالنية املعروف ومنهجه، أي من بداياته

ما حدث هو أن العقالنية املعاصرة أصبحت استيالبا حني احندرت "اليوم يف أوروبا، ألن

.2"وانغمست يف املذاهب الطبيعية واملوضوعية

Leملعيش تتحدد املعاجلة اهلوسرلية ملسألتني األوىل تعتين بإحيائه ملفهوم العامل ا vécu

ƢēƢȇ¦ƾƥÂ�ƢĔȂǰƫ�ƺȇ°Ƣƫ�DzǷƘƫÂ�ŐŬ¦�¿ȂȀǨǷ�ƨLJ¦°®�ȄǴǟ�ǽƾǟƢLjȇ�ƢŲ.

1 - Ricœur, L’école, op cit, p. 56..119سابق، ص الرجع املسعيد توفيق، -2

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

129

اخلربة يف بعدها الذايت، أي اخلربة اخلاصة بالكائن الفرد بينما يتعدى ذلك للخربة

اجلماعية أو الكلية وذلك حينما يتجه لدراسة الرتاث والتاريخ والثقافة بالتصور الذي يعطيه

يتحدث عن هذه املسألة أي الفهم الذي يعطيه . والذي يعين به الفلسفةهوسرل للثقافة

عن ذلك البعد -أزمة اإلنسانية األوروبية والفلسفة –للثقافة يف أحد فقرات نص األزمة

¢�Ŀ�ƢȈǧ¦ǂǤƳ�ǾƦLjƬǰƫ�ƢĔ¢�¦ǀđ�řǟ¢�ȏ��®ȐȈǷ�ÀƢǰǷ�ƢŮ�ƨȈƷÂǂdz¦�Ƣƥ°Â"الروحي ملفهوم أوروبا،

ذلك صحيح، ولكن أعين مكان روحي ألمة، والذي يكون فيه بلد معني رغم أن هذا ك

�DzƦǫ�dž. الناس أفرادا مجاعة بشرية هلذه األمة ǷƢŬ¦Â�² ®ƢLjdz¦�ÀǂǬǴdz�ƨŻƾǬdz¦�ƨȈǻƢǻȂȈdz¦�ƨǷȋ¦�ƢĔ¤

وكنتيجة لذلك يكتمل . ففيها يتطور بعدا جديدا للموقف يف مواجهة العامل املتغري. امليالد

وين روحي، ويكرب حىت يكون وجها ثقافيا نسقيا مغلق ويندمج فيها نوع جديد متاما لتك

الفلسفة والعلم مها ... يف ترمجة صحيحة ملعناها األصيل. والذي يسميه اليونان الفلسفة

.1"عنوان طبقة خاصة من التكوين الثقايف

الثقافة يف معىن أكثر خصوصية تعين الفلسفة، أي ظهور العقالنية والعلم كما

.حيددها هوسرل

نص األزمة هناك تأهيل لفكرة اإلنسان، واليت تعين اإلنسان ككائن ثقايف وتراثي يف

تراثي حيمل يف ذاته ويف داخله وضمن وعيه ومقاصده وعيا / أي ككائن فلسفي تارخيي

.وبتأويله بالتاريخ

1 - Husserl, op cit., pp 354- 355.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

130

لذلك كان نص األزمة العلوم مفتاحا ملعرفة سر وقوة شهرة الفينومينولوجيا يف

Ȃưdz¦�dž°� الفلسفة املعاصرة Ǩǻ�ȄǴǟ�ĺ°Âȋ¦�ȆǟȂdz¦�Dzƻ¦®�ƢǨǴǤǷ�ÀƢǯ�ƢǷ�ƨȇǂǠƬƥ�ƪ ǷƢǫ�ƢĔȋ

اليت أحدثها نيتشه، لذلك كان مفهوم القصدية التارخيية مقاربا أو مماثال ملفهوم األركولوجيا

.الذي طرحه نيتشه

ولكن على خالف نيتشه، جند هوسرل قد بقي وفيا للتاريخ امليتافيزيقي لإلنسان

دون حماولة خلخلته كما فعل نيتشه وهذا الوفاء يرتكنا نعتقد بأن هوسرل ككائن تارخيي

اإلنسان فلسفي، ألن فكرة الفلسفة، أي مشروع علم كوين، والتاريخ "آمن بفكرة أن

بالنسبة له هو القصد، أي أن معىن التاريخ هو تاريخ الفلسفة، مثلما كان احلال مع هيجل،

ÀÂƾƥÂ�ƺȇ°ƢƬǴdz�ƨȇƢĔ�ÀÂƾƥ�Ǻǰdz 1"حتبيذ للمطلق.

حيدد هوسرل يف نص أصل اهلندسة أفق التاريخ انطالقا من صورة املعىن الذي حييل

جمموع حاضر الثقافة ككل يضع كل املاضي الثقايف " عليه مفهوم األصل ألنه يعتقد بأن

كل (...) يف كونية غري حمددة ولكن بنيويا حمددة مبعىن دقيق مما يطرح تواصال للماضي

نستطيع أن نقول بأن التاريخ ال يدخل . (...) ƨȈǓƢǷ�ƨǧƢǬƯ�ǂǓƢƷ�Ƣē¦�Ŀ�Dzǰnjوحدة ت

يف اللعبة شيئا سوى احلركة احلية لالحتاد، والدمج التضامين لتكوين املعىن وترسبات املعىن

.2"األصلي

لتاريخ يريد هوسرل نفسه أن تأويل اهذا املعىن اجلديد حييلنا بدوره على تصور مغاير ل

. طه هنايرسم خطو

1 - Husserl, E., L’origine de la géométrie, Tr. Derrida, Ed. P.U.F., 1962, p. 203.2 - Ibid., p. 206.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

131

وهو ما ميكن أن نصطلح بداية من هنا على تسميته باحلاضر التارخيي ضمن فضاء

L’expérienceجتربة املعاش vécueلكل زمرة شعبية صغرية : " ألمة أو شعب، حيث يقول

(...) يف النظام السحري األسطوري أو العقالين األورويب (...) عاملها، أي لكل جمموعة

تايل ففي التاريخ األساسي احلاضر ذاته الذي هو وعي بعاملنا احلاضر، وبال(...) منطقها

ƨƷȂƬǨŭ¦�ƨȈƟƢĔȐdzƢƥ�śǧȂǨŰ�ǾȈǧ�ƢȈŴ�Äǀdz¦Â"1.

�ǞƥƢǗ�Ŀ�¾Ȃƻƾdz¦�À®Â�Ƥ ǠNj�Dzǯ�Ƣđ�ȄǴƸƬȇ�Ŗdz¦�ƨȈǏȂǐŬƢƥ�ƢǼǿ�¾ǂLJȂǿ�ǺǷƚȇ

منطقا توتاليتاري يف تناول التاريخ، ينفلت هوسرل من القبضة اهليجلية اليت جعلت للتاريخ

�ǂǓƢū¦�ǂǰǧ�¾Ȑƻ�ǺǷ�¿ȂǬȇ�Ʈ ȈƷ�ƨȈdzȂǬǠǸǴdz�ǶLJƢū¦�¹ȂǴƦdz¦�Ǯ dzǀƥ�ǾƬȇƢĔ�» ǂǠƫ�ƢǬǴǤǷ

التارخيي بدمج املاضي يف احلاضر من خالل مفهوم املعىن الذي حييله على مفهوم األصل

وبالتايل كان تصور هوسرل للتاريخ مغلف مبنطق تصوره حول فكرة التفتح على الغري أو

.تأمل اخلامسالغريية موضوع ال

: يفرق هوسرل بني ثالث مستويات للتارخيية تتماثل مع ثالث أمناط للثقافات وهي

الوطين، يف املستوى / يف املستوى األول النماذج اإلمربيقية لإلنسانية للمجتمعات األهلية

ق الثاين واخلاص باإلنسانية األوروبية أي الثقافة العلمية والفلسفية والذي يعود إلنسانية فو

.املستوى الثالث جيب أن يتكون من حتول الفلسفة إىل فينومينولوجيا. أهلية وموحدة

مما يعين أن اإلنسانية يف هذا املستوى تكون واعية بتارخييتها وقادرة على جتاوز

هذه األمناط املستوحاة من تطور تاريخ الفلسفة أو تاريخ الثقافة . الطبيعانية والوضعانية

1 - Husserl , L’origine, p 206.

التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسيةتأويل ...............................................:........لثالفصل الثا

132

ريخ أوروبا بينما تشكل األخرية منها االحنرافات الصورية للعقالنية احلديثة األوروبية تشكل تا

.بسبب األزمة احلالية لإلنسانية األوروبية يف نظره

لذا ميكننا القول بأن العامل الثقايف مع هوسرل يبدو حصيلة التقاليد ويتطلب حياة

والتارخيية بالنسبة له يف املعىن فالثقافة. باملعىن العام هلذا املصطلحوتأويل تارخيي تارخيية

لك فإننا نتفق مع بول ريكور ذول. العام جتمع الطبقة الكاملة لإلنتاج الثقايف لكل جنس

نقول أن كل فلسفة هي تفسري لتاريخ الفلسفة هي شرح " حينما يرى بأنه ميكننا أن

�DzǠǨǴdz�Ȇź°Ƣƫ�¼ȂǨdz¦�ŘǠŭƢƥ�ƨǼǰǸŭ¦�ƢēƾƷÂ�ȄǴǟ�ÀƢǿǂƥÂ�ƢēƢǔǫƢǼƬdz الفلسفي للمشروع

الفلسفي، هذا املعىن حبث عنه هوسرل بعد ديكارت بل قبل ديكارت ببعيد يف فكرة البدء

.1"الراديكايل

1 - Ricœur, L’école , op cit., p 188.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

133

الفصل الرابع

ي عند ريكورتأويل التاريخالتلقي و ال

.تمهيد-

.التأويلالتلقي و -1

.الزمن التاريخي-2

.وغسطينأ /ريكور- أ

.هيدغر /ريكور- ب

.الزمن المروي-3

.الحكي والسرد- أ

.أفول السرد- ب

.المبادرة-4

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

134

:تمهيد

يف صيغ اإلشكاالت مستويات املعاجلة الريكورية ملشكلة تلقي وتأويل التاريختتحدد

اليت يثريها موضوع التاريخ لديه؛ ولعل أول صيغة يثريها ريكور يف هذا املضمار هو مكانة

فقد متكن بذلك . التاريخ داخل اإلشكاالت العامة للتناول الفلسفي املعاصر لتأويل التاريخ

حلاصل يف جمال التاريخ بني املوضوعية والذاتية؛ يف كل قراءة تفهم وتفسر من إبراز التقاطع ا

فوضع بذلك فواصل حتدد مهمة املؤرخ . احلدث بلغة تأرخيية يصحبها بعض الغموض

بني موضوعية مبا هي طموح : باعتباره كاشف حلدثية احلدث، وبذلك يقع املؤرخ بني أفقني

اشر املاضي قصد إحياءه من جديد، فاملؤرخ يف توتر حنو االتفاقية وذاتية مبا هي جتربة تب

.دائم ما بني هذين القطبني

يعاجل بذلك التاريخ موضوعاته بقراءة حتفظ للظواهر وجودها الكومسولوجي، وبالتايل

انتظامها الزمين حىت يتمكن بذلك املؤرخ من التموضع داخل وخارج احلدث، فيكون

ŭ¦�Ǯ ȈǰǨƫ�­°ƚǸǴdz�ȆLJƢLJȋ¦�¿ƢǸĔȏ¦ اضي للبحث يف العالقات السببية بني حدث وآخر

.عن طريق أفق يتكامل فيه التفسري والفهم

تتعني العملية التأرخيية بني الذاتية واملوضوعية غريية مؤسسة هلوية املؤرخ بفعل الوعي؛

وهذا ما سعى ريكور لتوضيحه، وذلك بإعطاء درجة من املعقولية للمؤرخ حىت يصبح املؤرخ

حامسا يف العملية التارخيية، هذا التصور هو الذي دفع ريكور ملناقشة أطروحة نفسه عامال

هذا من جهة، من جهة أخرى فإن البحث عن املوضوعية . احلوليات حول مهنة املؤرخ

خيلق ما يسميه ريكور باملسافة التارخيية أي مسألة العالقة بني احلاضر واملاضي أو ما ميكن

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

135

فهذه املسافة أو باألحرى اللقاء بني املاضي واحلاضر هو الذي .تسميته باحلاضر التارخيي

خيلق نوعا من التعاطف أو تقارب بني البشر وبالتايل فالتاريخ هو قطاع لتواصل الوعي

وللحوار، وعليه فإن مفهوم الذاتية يف التاريخ تغلب عليه صفة التشارك بني البشر هدفها

توضيحه من خالل مفهوم الذاتية وعالقتها مبفهوم التواصل التأرخيي وهذا ما سعى ريكور ل

.املوضوعية

تتأسس املعرفة التارخيية عند ريكور على ما يسميه بقصدية املعرفة التارخيية املبنية

أصال على مفهومه للزمن باعتبار أن وظيفة فكرة الزمانية العميقة يف فكر ريكور عن التاريخ

.والسردية والزمن تبدو واضحة

ولة ريكور الولوج يف ظاهرة الزمن تأخذه مباشرة إىل نقطة أساسية يف هذا إن حما

املوضوع؛ أمام معاجلة أوغسطني ملفهوم الزمن وذلك للوصول إىل فهم تأثراته على بعض

املفاهيم والتحليالت املوجودة يف الفلسفات املعاصرة عن مفهوم الزمن، حبيث يستمد الزمان

فها احلاضر الدائم فوجد بذلك نفسه صارتباطه باألبدية بو قيمته عند أوغسطني من خاصية

يف البحث يف حاضر ثالثي األبعاد أي ربط الزمن باملاضي واملستقبل باحلاضر تبعا ينساق

ملا يسميه ريكور بفكرة االمتداد، فتلك هي الضربة العبقرية حسب ريكور يف الكتاب

أبدأ قراءيت الكتاب احلادي عشر من أنين : "احلادي عشر اعرتافات ألوغسطني حني يقول

.1"، مع السؤال ما هو الزمان إذا؟)14-17(االعرتافات من الفصل

.23ص املصدر السابق، ، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

136

لقد خلص أوغسطني مفهوم احلاضر من مفهوم الدميومة، أي من مصري التالشي

والتبدد، ومصري العدم والالوجود، وبنفس الوقت يقضي عليه من حيث هو إمكان

.كما يتصوره مستقبال يصري حنو متدد ممكنللضرورة؛ أي ليس احلاضر

لعل قوة وعبقرية أوغسطني تكمن يف هذا الدوران الذي خلقه حول مفهومه

وبذلك يصبح احلاضر مركزا لألبعاد الزمانية . للحاضر نفسه مركزا، مولدا للماضي واملستقبل

.الثالث

أن يعاجله حتت يف مضمار هذا التنقل احلاصل بني املاضي واملستقبل، حاول ريكور

طائلة ما يسميه هو باملبادرة مبادرة أن يصبح احلاضر نفسه يشكل هذا التنقل بني املستقبل

.واملاضي

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

137

:والتأويلالتلقي -1

سعى ريكور على خالف كل من هيقل ودلتاي ونيتشه وهيدغر يف فلسفة التاريخ

منطلقا من سؤال شرعي هو ما يسميه ريكور بداية من هنا تأويل الوضع التارخيي

herméneutique de la condition historique حماوال بذلك تعويض فشل فلسفة التاريخ .«

ل يف جل يف احتالل املكانة الشاغرة بعد فلسفة هياهليجلية ، ولعل هذا الدافع املتمث

التاريخ هو الذي عمل على دفع بريكور إىل إجياد إمكانية جديدة وممكنة يف إعطاء فهم

.التاريخ أوال وتأويله بعد ذلك

histoire"لقد متكن ريكور، ومن خالل كتابة التاريخ واحلقيقة et vérité "من

نود اليت عاجلتها مدرسة احلوليات الفرنسية سواء يف بدايته مع التطرق إىل بند من أهم الب

املوضوعية يف التاريخ ويكون بندثالث، أي رميون آرون، أال وهو مارك بلوخ أو يف جيلها ال

التزام املؤرخ بصريورة املعرفة هذا من جهة ومن جهة ثانية التزامه الشخصي بذلك

ة للبعد االلتزام املزدوج للمؤرخ يعترب جمرد طبعواالجتماعي أي التزامه املؤسسايت وهذا

.كما يراها ريكور البينذايت لتأويل التاريخ

ƢǠǸƬЦ�ȆǓƢŭ�¼ǂǘƬȈdz�ļƘȇ�À¢�ƺȇ°ƢƬdz¦�ǺǷ�ǂǜƬǼǻ©�"يذهب ريكور إىل قول أننا

هذا ال يعين بأن هذه املوضوعية هي نفسها موضوعية الفيزياء أو . اإلنسانية مبوضوعية

د العديد من مستويات للموضوعية تبعا للمسالك املنهجية ولذلك نأمل أن يوج: البيلولوجيا

.1"يضيف التاريخ نوعا جديدا هلذا التنوع يف املوضوعية

1 Ricœur .P, Histoire et vérité, Ed, Cérès, Tunis,1995, pp25,26.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

138

فمحاولة ريكور يف إعادة فهم مستويات املوضوعية يف العلوم مبا فيها العلوم التارخيية

مبفهوم املوضوعية يف التاريخ التاريخ ليصل إىل عوائق التصور احلويل أو التصور العام أو

خاصة يف مدرسة احلوليات، لكن ريكور خالفا لذلك يشري إىل عوائق التصور احلويل أو

التصور العام ملفهوم املوضوعية يف التاريخ عند مدرسة احلوليات، والذي يرتبط ضرورة

.بالذاتية املندجمة داخل مفهومنا للتاريخ كما رأينا ذلك

ؤرخ أن يتحلى ببعض قيم الذاتية، ليست ذاتية كيفما كانت، فإننا ننتظر من امل"

يعين هذا بالضبط : ولكن ذاتية تعود بالضرورة إىل املوضوعية اليت هي من صلب التاريخ

هذا يعين أن هناك ذاتية جيدة وأخرى سيئة وهذا التقييم يقوم على (...) ذاتية مندجمة

.1مفهوم عمل املؤرخ

الرئيسية لنيل الدكتوراه كانت بعنوان ) ا يقول ريكوركم( فأطروحة رميون آرون

، وأطروحة "مقالة حول حدود املوضوعية التارخيية: " فلسفة التاريخ وقد محلت عنوان فرعي

.مارك بلوخ حول املؤرخ

فمن هاتني األطروحتني اليت حاول ريكور مناقشتها، وذلك إلعطاء درجة من

فسه عامال حامسا يف العملية التارخيية، ومن مث إن املعقولية للمؤرخ؛ حيث يصبح املؤرخ ن

هذا التصور يبعث بول ريكور حنو مناقشة أطروحة مدرسة احلوليات، وبالذات أطروحة

.مارك بلوخ حول مهمة املؤرخ

1- Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit, ., p26.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

139

هذا املستوى من التصور الذي يريد إعطاؤه ريكور ملفهوم مهنة املؤرخ على توجه

جيب أن " التاريخ"ة، أي أننا نقوم على االعتقاد بأن آخر للعالقة بني املوضوعية والذاتي

يساعد القارئ، ويكونه بفضل -تاريخ اإلنسان -يكون تاريخ اإلنسان وأن هذا التاريخ

تاريخ املؤرخني على أن يكون ذاتية من درجة راقية ليست ذاتييت فقط؛ و إمنا ذاتية

بفضل التاريخ مين إىل اإلنسان ليس اإلنسان، ولكن هذه الفائدة وهذا االنتظار االنتقايل

ما ننتظره من القارئ هو هذا التوسط بني كتابات (...) استمولوجيا بل عمل فلسفي

فهذه الفائدة ال تعين املؤرخ الذي يكتب التاريخ ولكن القارئ، وباألخص القارئ . املؤرخ

.1"الفلسفي؛ القارئ الذي عنده يكتمل كل كتاب كل مؤلف يف مغامرته

ك فقد كان سعي ريكور، رغم أنه اعتمد يف حتليله على أهم مقاربات ملدرسة وبذل

احلوليات إال أنه كان يسعى من وراء ذلك للوصول إىل حتليل آخر للتفكري الفلسفي حول

أن الفيلسوف ليس لديه من هنا من دروس بعضها : " التاريخ وهذا ما نلمسه يف قوله

لعلمية هو ما يكون الفيلسوف حينما يفكر حول مهنته للمؤرخ دائما التدريب على املهنة ا

، وبذلك يصل ويفكر 2"ألنه هو الذي يكون يف مستوى املوضوعية اليت تتوافق والتاريخ

لتوظيف مهنة املؤرخ كما يراها مارك بلوخ يف التحليل وليس يف الرتكيب وذلك بعدما

. خ مبا فيه عن طريق املالحظةاعرتف ريكور بأن مهنة املؤرخ تكمن عند بلوخ يف وصل املؤر

عادة احلياة يف شكل الوثائق أو األشياء هو إلكما يرى ريكور ليس املؤرخ يطمح إنوبذلك

. الذي يكون موضوع الدراسة إمنا تكمن مهنته أو باألحرى مهمته يف إعادة بناء احلدث

.تفسريألن ومن خالل هاته العملية فقط تكمن أمهية الفهم وال

1- Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p26.2-Ibid., p27.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

140

�ƢȀǴǔǨƥ�Ŗdz¦Â�°Ȃǰȇ°�Ƣđ�ǂǫ¢�Ŗdz¦�ƨȈź°ƢƬdz¦�ƨǧǂǠŭ¦�ǺǸǓ تفسريالفهم وال فال فرق بني

مسألة : متكن من حتليل املسائل املعرفية وذلك لعدم بلوغ املوضوعية يف التاريخ مثل

.االختيار، وأخرى بالسببية يف التاريخ ويف األخري يف املسافة التارخيية

مبادئ املوضوعية ليماهي العلوم ألن كل مؤرخ حينما يعتمد على أي مبدأ من

�¦ǀǿ�À¢�Ʈ ȈŞ��ƨȈǻȐǬǠdz¦�ȄǴǟ�ǂǘLjǷ�Ǟǔȇ�Àȋ�» Ƣǘŭ¦�ƨȇƢĔ�ĿÂ�Ǯ dzǀƥ�ȄǠLjȇ��Ãǂƻȋ¦

االختيار اآلخر والذي نعين به العقالنية يتناوهلا املؤرخ يف تناوله لألحداث سعى من ورائها

.تأسيس أو حتديد أمنوذج العقالنية املوجودة يف العلوم الفيزيائية

وبذلك فإن هذا االختيار للعقالنية يطرح اختيار آخر يف عمل املؤرخ حيث يعود ملا

ميكن تسميته باحلكم التقوميي، فتأويل التاريخ، ومن خالل املؤرخ ال حيتفظ وال حيلل وال

هنا تتدخل ذاتية املؤرخ؛ مبعىن جذري قياسا بذلك املوجود عند . يقرأ إال األحداث القيمة

النظرية تسبق : "فرميون آرون له احلق حينما قال(...) ة أشكال تفسريية الفزيائي يف صف

.1"التاريخ

وبذلك يتبني لريكور ومن خالل هذا بأن املؤرخ وباختياره للعقالنية سوف يدفعه أن

.يكون له منوذجا مسبق يف التعامل مع األحداث التارخيية

هذا وقد حاول ريكور أن يستلهم من أطروحة بروديل حل املتوسطية الذي سعى

فيها هذا األخري أن يبحث عن أسباب مشرتكة حتت منظور سبيب تتشكل من خلفه

1- Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p31 .

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

141

املنظومات العامة للحدث التارخيي ليصل بذلك إىل تأسيس مفهوم جديد للموضوعية يف

.البحث التارخيي

عن البحث عن املوضوعية يطلق عليها ريكور املسافة هذا املفهوم اجلديد لربوديل

Distanceالتارخيية historique الفهم العقالين هو حماولة للمعرفة بينما التاريخ له "مبا أن

هذا ما جيده املؤرخ مشخصا فيما ميكن تسميته باللغة التارخيية (...) مهمة تسمية ما تغري

وضعية (...) ة ويف لغة وطنية راهنة كيف ميكن وصف وفهم يف لغة معاصر (...)

.1"الزمن التارخيي حيضر هنا ليضاد الذكاء املستلهم(...) انقضت؟

هذا الصراع بني الزمن املاضي يدفع باملؤلف املعاصر الختيار أدوات حبثه التارخيية

ن هاته املعاصرة تستلزم من املؤرخ أن تتوفر لديهمبا أمن أجل فهم أفضل للماضي؛ وذلك

.املوضوعية خللق هاته املسافة التارخيية

فعندما نتطرق إىل املسافة التارخيية فنعين بذلك مسألة العالقة بني احلاضر واملاضي،

présentأو ما يسميه ريكور باحلاضر التارخيي historiquele فإن هذا التحويل حلاضر

مين إذا أردنا بذلك؛ ألنه آخر يستفيد من نوع من املوضوعية التارخيية هو خيال، خيال ز

حبيث من املؤكد أن . حاضر آخر، يعيد حضوره املؤجل يف عمق املسافة الزمانية حينا آخر

.2"هذا اخليال يسجل دخوله ملسرح الذاتية واليت تنكرها علوم الفضاء واملادة واحلياة

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 33.2- Ibid., p 33.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

142

، مبا أن التاريخ يريد أن يشرح تفسريالفهم وال فمفهوم التاريخ عند ريكور ينحصر بني

التاريخ البعيد عنا هو املاضي اإلنساين مضاف للمسافة الزمانية، "ويفهم اإلنسان ويفسر

.1"مسافة خاصة واليت تعين آن اآلخر هو إنسان

�Ŗdz¦�Ǯ تفسريهذه هي لعبة الفهم وال Ǵƫ�Ǻǟ�Ǧ ǴƬţ�ȏ�ƢĔ¢�Ʈ ȈŞ��ƺȇ°ƢƬdz¦�Ŀ�ƨƥÂƢǼƬŭ¦

ل ونظرية النص، فال تعترب النتيجة مدهشة، يف النطاق الذي ينظم فهمناها من نظرية الفع

. فيه التاريخ نظرية النص ونظرية الفعل يف نظرية حمكي حقيقة عن أفعال أناس املاضي

هو حالة من احلاالت "فدراسة التاريخ تعترب لقاء بني املاضي واحلاضر باعتبار أن التاريخ

لإلنسانية، هو قطاع للتواصل الواعي؛ قطاع حمفوف اليت يكرر من خالهلا الناس انتماءهم

.2"باملرحلية املنهجية لآلخر، والوثيقة، فهو قطاع طبيعي للحوار أين جييب اآلخر

لقد حاول ريكور أن يوصلنا إىل فهم أن مفهوم الذاتية هدفها التواصل التارخيي،

.وتصوره هذا يربطه مبفهوم املوضوعية

�ƺȇ°ƢƬǴdz�Ƣđ�­°ƚǻÂ�¢ǂǬǻ�Ŗdz¦�ƨȈǨȈǰdz¦�°Ȃǰȇ°�ƢǼȈǴǟ�¬ǂǘȇ ألن ما أي نتلقى التاريخ ونأوله

نرجوه من التاريخ ليس دائما بلوغ املوضوعية كموضوعية للتاريخ نفسه بل موضوعية القارئ

ألن تاريخ املؤرخ هو مؤلف مكتوب أو مدرس، ال يكتمل إال بالقراءة عند التلميذ أو "

االستئناف من طرف القارئ الفيلسوف للتاريخ كما كتب من طرف املؤرخ هذا. اجلمهور

بناء على هذا اهلدف املغاير لقراءة التاريخ من 3"هو ما يطرح املشاكل اليت نريد اآلن تناوهلا

1- Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 35.2- Ibid., p 35.3 -Ibid., p 38.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

143

خالل عملية التلقي أو نظرية التلقي يقوم بول ريكور بتحليل القراءات املتعددة لتاريخ

.الفلسفة

يما يسميه بول ريكور بالتاريخ الرغبة يف االستماع لقراءة أشياء وبدون اخلوض ف

خصوصية، يأخذ فقط ما هو االستعمال احملتمل الذي ميكن للفيلسوف أن يقوم به حول

.تاريخ املؤرخني

الفيلسوف له طبيعة خاصة "يؤكد بداية على أن هناك طبيعة خاصة للفيلسوف، فـ

الطبيعة اخلاصة تتمثل يف أنه يريد ربط وعيه اخلاص يف أن يكمل بداخله عمل املؤرخ هذه

1�ƢĔ¤�Dzƥ�ƾȇƾƳ�ǺǷ�ǂȀǜƬdz�ƨȈƫ¦ǀdz¦�®ȂǠƫ�ǖƥǂdz¦�ƨȈǴǸǟ�Ä¢�ƨȈǴǸǠdz¦�ǽǀǿ�ĿÂ"باستئناف التاريخ

تتقوى حينما نسعى للكشف عن مستويات الوعي بوعي يؤرخ لنفس هذه الدرجات من

.نفسه بدراسة درجات تطوره الوعي نفسه، أي أن العملية تزداد عمقا حينما يقوم العقل

رغم أن هذه الطبيعية يف نظره قد ال تتماشى وكل تاريخ لكنها مع ذلك ميكن أن

واليت جتد نقطة réflexiveجمموع الفلسفة اليت ميكن أن نسميها تفكريية "تتحقق فلكل

كل هؤالء الفالسفة 2"انطالقتها عند سقراط، وديكارت، وعند كانط أو عند هيجل

.عن مطلب حقيقي للذاتية، أي الفعل احلقيقي للوعييبحثون

�ƺȇ°Ƣƫ�Ŀ�Ä¢��ȆǟȂdz¦�ƨǯǂƷ�Ŀ�ǶēƢǨLjǴǧ�¾Ȑƻ�ǺǷÂ� ȏƚǿ�ǞǷ�ŚǰǨƬdz¦�ÀƜǧ�¦ǀdzÂ

الوعي الفلسفي هو شكل من اللقاء املتداخل داخل األنا املفكرة باألنا موضوع التفكري،

يخ املوحد، وعليه فإن بول أي يف الذات وعالقتها باملوضوع، هذا اللقاء هو نوع من التار

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 39.2 - Ibid., p 39.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

144

ما نريد الكشف عنه : "ريكور ال يتواىن يف التأكيد على هذه الصيغة املتداخلة حينما يقول

وإعادة الكشف عنه بدون هوادة هو أن هذا املسار مين إىل أناي والذي نسميه حلظة وعي

الكيفيات، مير بتأمل ما حول التاريخ، وأن هذا الدوران للتفكري بالتاريخ هو واحد من

.1"الكيفية الفلسفية الكتمال عمل املؤرخ عند القارئ

لتاريخ الفلسفة ميكن النظر إليه من تأويلمال لعمل املؤرخ من منظور إن هذا االكت

وذلك بالبحث عن " جانبني من حيث هو حبث يف منطق حيكم مسار تاريخ التفلسف

اريخ نفسه هو تاريخ حلوار ممكن ومن حيث أن هذا الت. 2"معىن متجانس من خالل التاريخ

.3"مع الفالسفة والفلسفات الفردية(...) حوار خاص يتجدد كل مرة "أي

يضعنا مثل هذا الطرح عند بول ريكور، أمام قراءة جديدة لتاريخ الفلسفة حبيث أنه

حىت وإن كانت القراءات األوىل، هي ما عهدناه لدى ريكور أو هوسرل أو إريك فيال،

.ءة الثانية هي ما سيسعى بول ريكور نفسه جاهدا لبلوغها، وتوضيح معاملهافإن القرا

وعليه يذهب بنا يف حتليل هذه الرؤى املختلفة لتاريخ الفلسفة من خالل جمموعة من

، Brunschvicg، برانشفيك Hegel، هيجل Comteكونت : الفالسفة التالية أمساؤهم وهم

Husserl�¾ƢȈǧ�Ǯوهوسرل ȇ°¢Â��ǾƫƢȈƷ�ƨȇƢĔ�ĿEric Weil فاختيار هؤالء قائم لدى بول

ريكور على ما كتبه كل واحد منهم حول التاريخ والذي يتحدد منطلقه ليس بعالقته هو

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 39.2 - Ibid., p 39.3 - Ibid., p 39.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

145

وإمنا من -موضوع الوعي –كذات مفكرة أي كوعي حبركة التاريخ نفسه أي باملوضوع

.لوعي الفلسفي أي لتاريخ الفلسفةخالل القصد الذي حيكمه يف رسم صورة حاضرة ل

من االختالف الكبري الذي حيكم تفسريهم للعقل وتارخيهم "وعليه فإنه وبالرغم

فهؤالء املفكرين هلم قناعة مشرتكة الوضوح، تتلخص يف أن ما أريده حول ذايت مير بتاريخ

ن، أنا حباجة الوعي وأن الطريق القصري ملعرفة ذايت والطريق الطويل لتاريخ الوعي يلتقيا

.1"للتاريخ لكي أختلص من ذاتييت اخلاصة وأن أبرهن بذايت أنا الكائن اإلنسان

للتدليل على هذا يقوم ريكور بإعطاء برهان على ما فعله هوسرل والذي كما يقول

، هذا املفكر الذي كان متشبعا بالذاتية كان حذرا من أن تفسر )أعرفه جيدا(ريكور

كان من الواجب أن تضع النازية كل الفلسفة "ريكور لقد األحداث تارخييا، يقول

«°ȂƥƢȇǂǧ�ƢƬLJ¢�Ʈ ƸƦȇ�Ȇǰdz�¿Ƣē¦�DzŰ�ƨȈdzƢǠƬŭ¦Â�ƨȈǗ¦ǂǬLjdz¦ وأن يستند على التقليد الكبري

احلديث يدور هنا حول نص هوسرل أزمة العلوم . 2"للفلسفة ويعرتف هلا باملعىن الغريب

.األوروبية والفينومينولوجيا املتعالية

نما نتأمل هذا النص ونعين بذلك نص هوسرل جند هذا املعىن مسيطرا على وحي

كل شكل للروح مشدود لفضاء : "يقول هوسرل. تاريخ الفلسفةتأويل تصور هوسرل ل

إذا تتبعنا التسلسل التارخيي، وكما (...) تارخيي عاملي أو هو يف وحدة خاصة لعصر تارخيي

تمرار التارخيي يوصلنا دائما ألبعد من ذلك، من هو مطلوب، ننطلق من أمتنا، بينما االس

1 - Ricœur . P, Histoire et vérité, op cit., p 39.-�ƨǠǷƢƴǴdz�ƢLjȈƟ°�Ƣđ�DzǤƬNj¦Â�¾ǂLJȂǿ�Ƣđ�² °®�ƢȈǻƢŭƘƥ�ƨǼȇƾǷمث خلفه بعد ذلك هيدغر.

2 - Ricœur . P, Histoire et vérité, op cit., p 40.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

146

يف هذا التطور لإلنسانية تبدو كحياة واحدة (...) أمتنا ألمم جماورة من عصر لعصور

ولكن إذا ما طبقنا هذا األمر من (...) للناس والشعوب، مرتبطة فقط برابطة روحية

طائلة هذه األفكار أو ما ميكن فهمه حتت . 1"الداخل نالحظ ترابطات واختالفات جديدة

غريها مما يزخر به هذا النص، هو أن هوسرل سرعان ما اندفع إلعداد تصور جديد ومغاير

تاريخ الفلسفة، األمر الذي مل يكن من إسرتاتيجيته اخلطابية يف بادئ األمر، تأويل حول

اته، حيث كان مهه ينحصر يف تفسري بعض القضايا اليت هلا عالقة بكينونة األشياء يف ذ

.ولكن قلق اللحظة دفعه ليتجه صوب مبحث التاريخ

ولعل هذا املستوى، هو ما نبه بول ريكور إىل مفهوم املعىن الذي يبحث عنه يف

فالتاريخ هو ما . 2"بالتاريخ أريد تربير معىن التاريخ والوعي: "التاريخ، حيث يقولتأويل

أي بالذات املفكرة يف املوضوع ترتسم يف أفقه جمموعة انتظارات تتحدد مبستوى الوعي،

يف عمقه، ولذا يثري التاريخ ويشك (...) الفيلسوف مهدد "ال لشيء سوى ألن ) التاريخ(

وها هو . يف نفسه، يريد تأكيد معناه اخلاص بإثارة معىن التاريخ كزوج لوعيه اخلاص

ريخ الكوجيتو الفيلسوف الذي يكتب هو يف ذاته تاريخ يصنع تارخيا أي التاريخ املتعايل، تا

.3"هذا احلكم هو ما ينتظره الفيلسوف من تاريخ للوعي

إن هذا التلقي للتاريخ يؤسس يف رأي بول ريكور ملا يسمى بقصدية التاريخ، ألنه

.التاريخ ممكناتأويل يضع يف احلسبان ويطرح أن معىن الوعي ومعىن

1 - Husserl E., La crise de l’humanité européenne et la philosophie transcendantale, in, la crise

des sciences européenne et la phénoménologie transcendantale, Tr. Gérard Granel, Ed.Gallimard, 1976, p. 353.2 - Ricœur. P., Histoire et vérité, op cit,., p 40.3 - Ibid., p 40.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

147

من "العقل فـ وهذا الطرح املمكن مزدوج يف حد ذاته من جهة التاريخ ومن جهة

جانب العقل الفيلسوف يفرتض أن العقل يطرح تاريخ ألنه من النظام الضروري أي مما

جيب أن يكون، وأن مثل هذه املهمة ال تكتمل إال يف التاريخ، ومن ناحية التاريخ

الفيلسوف يفرتض أن التاريخ يستقبل تأهيله اإلنساين اخلالص بفضل نوع من الدمج

.1" ميكن أن يأخذها ويفهمها الفيلسوف كتطور حيصل يف الوعيوالتطوير للقيم اليت

��ƺȇ°ƢƬdz¦� ¦±¤�» ȂLjǴȈǨǴdz�ƨƳ®DŽŭ¦�ƨǸȀŭ¦�ƾȇƾŢ�ń¤�°Ȃǰȇ°�¾Ȃƥ�ǎ Ǵź�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ

وهو نوع من االقرتاض املربر من قبل الفيلسوف اجتاه تارخيية العقل، واجتاه معىن التاريخ

ان والغرب مها بالنسبة إليه الشهادة والربهان الذي ميالد الفلسفة وتطورها يف اليون"ذلك أن

تاريخ الفلسفة يبدو له بأنه الرابطة املتحدة . يدل على أن هذا االفرتاض املزدوج ليس إال

.2"لتارخيية العقل ومعناه يف التاريخ

هذا ما يريده الفيلسوف السقراطي يف نظر بول ريكور، وما ينتظره، ولكن هل هذا

ق فيه مع املؤرخ احملرتف؟ما ميكن أن يتف

يعتقد بول ريكور بأن املؤرخ املهين أو احملرتف يفرتض منذ البداية ضرورة أن يقرأ

l’histoireتاريخ الفلسفة ضمن مفهوم التاريخ العام ويأول générale لذلك يؤكد على أن

"ƨǬǴǠƬǷ�ƨdzƘLjǷ�ƨǬȈǬū¦�Ŀ�ƪ LjȈdz�ƢĔ¢Â�ƨȈǴǯ�ǾǼǷ�ǂǨƫ�ǾƬȇƾǐǫ�À¢Â��ƺȇ°ƢƬdz¦�ŘǠǷ مبهنة املؤرخ

التوسع والتعمق الذي يشده للتاريخ يبحث عنه ال من جهة املعىن العقلي، ولكن ) لذا فإن(

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 41.2 - Ibid., p 41.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

148

من ناحية التعقيدات وإغناء االتصاالت بني اجلغرايف واالقتصادي واالجتماعي والثقايف،

.1"اخل

�ǂǨƫ�Ŗdz¦�ƨȈǴǸǠdz¦�ƨǤȈǏ�ǶLJǂȇ�À¢�ǂǷȋ¦�ƨǬȈǬƷ�Ŀ�°Ȃǰȇ°�¾Ȃƥ�ƾȇǂȇ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ ق بني

عمل الفيلسوف املؤرخ وبني املؤرخ املهين من جهة، ومن جهة ثانية يريد أن يبني صيغة

التخوف املوجودة لدى املؤرخ احملرتف من الفيلسوف أو كما يسميه املؤرخون احلوليون

lesباملرضي philosophes املؤرخ حيذر من الفلسفة كلية وكل فلسفة "ال لشيء سوى ألن

لذلك . د أن هذه األخرية تقتل التاريخ حتت وطأة النسق، تقتله كتاريختاريخ حيث يعتق

�Ƣđ�ƾȇǂƫ�Ŗdz¦Â�ƨȈǨLjǴǨdz¦�ƨȈƫ¦ǀdzƢƥ�­°ƚǸǯ�ǾƬȈƫ¦ǀƥ�ƢȀǼǟ�Ʈ Ş�Ŗdz¦�ƨȈǟȂǓȂŭ¦�­°ƚŭ¦�®Ƣǔȇ

.2"الفيلسوف جلب الواحد إىل اآلخر

تاريخ الفلسفة حيصل تبعا له وضعا تأويل هذا الوضع الذي يأخذه مسار التفكري يف

آخر يتمثل يف هذا التحديد للعالقة بني ثالثة مستويات أي بني ثالث مهمات كانت تبدو

لنا مشرتكة ونعين بذلك التفرقة اليت يقيمها يف هذا املضمار بول ريكور بني املؤرخ

والفيلسوف واملؤرخ الفيلسوف أي بني املؤرخ الذي يشتغل بالتاريخ كمهنة والذي يقاوم كل

الفيلسوف الذي يبحث عن تاريخ للوعي وبني املؤرخ الفيلسوف الذي تفكري فلسفي وبني

هذه املقاومات وهذا الرفض من قبل املؤرخ باألساس "يصنع من الفلسفة فضاءا له ولتارخيه

الفيلسوف ال يطلبها من املؤرخ وإذا ما . شرعيان ويبعثان املعىن الصحيح لتاريخ الوعي

احلق يف أن يرفضها، ألن تاريخ الوعي هو عمل طلبها من املؤخر فإن هذا األخري له

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 41.2 - Ibid., pp 41- 42.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

149

الفيلسوف، ومؤرخ الفلسفة إذا أردنا، ولكن تاريخ الفلسفة هي مؤسسة الفيلسوف

entreprise de philosophe"1�ǾƬǫȐǟ�Ŀ�­°ƚŭ¦�» ȂLjǴȈǨdz¦�¿ƢǷ¢�dž Ʀdz�Dzǯ�¬¦DŽǼȇ�°ȂǐƬdz¦�¦ǀđ

.مع املؤرخ احملرتف

ما مفعول مثل هذا اإلجراء؟ علما أن يتساءل بول ريكور بعد هذا التحديد األويل

الفيلسوف الذي يضع هذا النوع من التاريخ هو يف األساس عمل من درجة ثانية ألنه

يطرح من خالله بعض من أسئلته املتعلقة مثال بسلم القيم، وقيم الفعل، وقيم احلياة

.والوجود

جيعلنا نسجل بأن ولذا يف نظره يبقى الفيلسوف وفيا هلذا النوع من األطروحات مما

الفيلسوف هو من جيد يف التاريخ التصور الذي يطرحه هذا البحث عن املعىن هو الذي

نستطيع أن ننتقد خمتلف تواريخ الوعي كما "يفتح أمامنا أفق نقد تواريخ الفلسفة، حيث

هو احلال مع دروس يف الفلسفة الوضعية لكونت أو فينومينولوجيا الروح هليجل أو بيان

ي يف الفلسفة الغربية لربنشفيك أو أزمة العلوم األوروبية هلوسرل أو منطق الفلسفة ألريد الوع

ولكن (...) فيال، الطريقة الوحيدة لنقدهم هو أن نضع تاريخ آخر للوعي أفضل منهم

مبجرد أن نعرف أن هذا التاريخ هو تركيب من درجة ثانية، وهو فعل مسئول فلسفي وليس

.2"ال نرى أي اعرتاض يستطيع املؤرخ احملرتف أن يثريه(...) رخني معطى من تاريخ املؤ

�ƢǷ�ȂǿÂ�» ȂLjǴȈǨdz¦Â�» ŗƄ¦�­°ƚŭ¦�DzǸǟ�śƥ�¼ǂǨdz¦�°Ȃǰȇ°�¾Ȃƥ�®ƾŹ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ

commeيشتغل عليه الفالسفة على أساس أنه تاريخ كظهور avènement للمعىن.

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 42.2 - Ibid., pp 42- 43.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

150

على ضرورة التفرقة بني فالفرق بني العملني يتأسس يف هذا الفهم اجلديد املبين

فاملؤرخ يشتغل من موقعه على احلدث avènementوالظهور événementاحلدث

événement ال الظهور بينما الفيلسوف املؤرخ يشتغل على الظهورavènement أي على

.تتبع األصل

من ذلك فهناك نوع ثاين من التاريخ جيب االنتباه إليه إذ بدال من البحث كما يقول

يكور على النسق واالنتشار ميكن للفيلسوف املؤرخ أن يبحث عن اخلصوصية، وميكنه أن ر

عوض "ينعطف على فلسفة خاصة ويبحث كيف تعاملت مع إشكالية عصر ما، ولذلك

أن نضع هذه الفلسفة يف حركة التاريخ ميكنه اعتبار كل ماضي الفلسفة الدافع الذي

حياول أن يدخل إىل السؤال الذي يعد الفيلسوف الفيلسوف املؤرخ(...) يواجهه ويغلفه

اآلخر الوحيد من واجهة طرحه، السؤال احلي الذي يتميز به املفكر هو هذا اللقاء الطويل

مع مؤلف أو مع جمموعة صغرية من املؤلفني تتجه حنو نوع من العالقة املتبادلة اخلصوصية

.1"اليت ميكن لإلنسان أن يضعها مع أصدقائه

تاريخ تأويل إن هذا التوجه حنو ما يسمى خبلق حوار بني الفالسفة من خالل

�ƨǬǴǠƬŭ¦�ƨǬƥƢLjdz¦�ƨdzƘLjǸǴdz�ƢǧȐƻ�°Ȃǰȇ°�¾Ȃƥ�ǂǜǻ�Ŀ�» ŗƄ¦�­°ƚŭ¦�ǪǴǬȇ�ȏ�Ƣē¦�ƨǨLjǴǨdz¦

.بالذاتية وحدود املوضوعية أو خالفا لتتبع منطق حركة الوعي يف التاريخ

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 44.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

151

املقاربة بل يفرض كل فلسفة للتاريخ ألن هذا إن املؤرخ احملرتف ال يبتغي مثل هذه

النوع من التاريخ الكوين ال يبلغه املؤرخ احملرتف إال من زاوية أن يضع من الوثائق نفسها

.معطى كوين للبحث

ولذا فإن التعاطف أو اللقاء الذي يسعى خللقه الفيلسوف املؤرخ ال جند له تربيرا عند

ريخ ال يكون على اإلطالق جماال للحوار ذلك أن الشرط التا"املؤرخ احملرتف فاللقاء يف

التاريخ هو هذا القطاع من التواصل بدون تبادل، ولكن . األول للحوار هو أن جييب اآلخر

.1"مع ذلك يعد جنسا لنفس هذا احلد الذي نتصور به احلوار ولكنه من صداقة أحادية

يف التاريخ رغم أنه حوار الذي يأخذه احلواراألحداث التارخيية معىن تأويلإن

أحادي ينبين عن منطق خمتلف للحجاج حني تناول احلادث، وهو ما جيعل عمل املؤرخ

�Äǀdz¦�ƾȇƾŪ¦�ƾȇƾƸƬdz¦�¦ǀđ�DŽȈǸƬȇ�ǾǼǰdzÂ��­°ƚŭ¦�» ȂLjǴȈǨdz¦�DzǸǟ�ȄǴǟ�ÃȂƬLjŭ¦�¦ǀǿ�Ŀ�DŽȈǸƬȇ

" لتاريخ ينبعث من خالل املعىن أو الروح اجلديدة اليت مينحها التاريخ نفسه ألحداثه، فا

�Ǿdz�ƨǸǜǼŭ¦�©ȏƢЦ�ƨȇ®ƾǠƫ�¾Ȑƻ�ǺǷ�ŘǠǸǴdz� ƢǠNjƜǯÂ�ŘǠǸǴdz�ȆǠLJȂƫ�°ȂǘƬǯ�¢ǂǬȇ�À¢�ǾǼǰŻ

كل سرد يساهم يف إعطاء بعدين للمعىن كمجموعة تركيبية تراهن على النظام الكلي ) وأن(

.2"الذي فيه تتحد األحداث كحكي درامي يتجه من عقدة ألخرى

حتيلنا على تصور مغاير يأخذه كل لتاريخ لور ريكور لقة من تصإن فكرة احلوار املنط

النظام امللتبس لتاريخ الفلسفة هو نفسه التواصل الذي يدور حول نفسه وحول "تاريخ فهذا

اآلخر، حول الواحد واملتعدد هو يف النهاية املكان امللتبس لإلنسانية ألن تاريخ الفلسفة هو

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 44.2 - Ibid., pp 46- 47.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

152

Äǀdz¦�ƨǴǔǨŭ¦�¼ǂǘdz¦�ƾƷ¢�Ȃǿ�DzȈǴƸƬdz¦�ƨȇƢĔ�ƢēƾƷÂ�DzƳ¢�ǺǷ� °Ƣǐƫ�ƨȈǻƢLjǻȍ¦�ǾǴǔǨƥ

.1"وسرمديتها

laما يسميه باجتماعية املعرفة منوعليه يطرح ريكور من هذا املنطلق sociologie

de la connaissance ألن هذا الفضاء ال يبحث يف اخلصوصية تاريخالكمجال لدراسة ،

هذه النقطة بالذات فإن اليت يبتغيها املؤرخ بقدر ما يذهب لدراسة ما هو مشرتك ويف

تاريخ الفلسفة يلتحق باجتماعية املعرفة حبيث أن الفهم يتطلب من املؤرخ الفيلسوف أن "

يفارق كل منطية ويتنكر للرؤى البانورامية اجتاه التيارات الفكرية ويتواصل كل مرة مع مؤلف

داخلي هذا املعىن ولكن ملعىن املؤلف يف تناغمه ال(...) خاص ويستمع ليس لذاتية املؤلف

.2"للمؤلف وتطوره اخلالص يكون بالنسبة للمؤرخ الفيلسوف هو اجلوهر الفريد

فاملشاكل املتعلقة بتاريخ الفلسفة أو بالفهم هلذا التاريخ تتوزع على قطبني حسب

ريكور، أما القطب األول فإنه يكمن يف الفهم النسقي النابع من التصور اهليجلي لتاريخ

كل املؤرخني للفلسفة حىت أولئك الذين يتحفظون على النسق يطبقون "أن الفلسفة حبيث

هذا النوع من الفهم مثال ديكارت سبنوزا البنيتز كانط والكالسيكيون يف الفلسفة

الفرنسية، عند األملان يوجد كانط فيخته شلينج هيجل، الفهم هنا هو الفهم الكلي عن

طب األول يضرب من خالله ريكور مثال تصورنا ، هذا النموذج للق3"طريق احلركة الكلية

سلسلة "على أنه تاريخالولعل أحسن من ميثله هيجل حينما يعرف . ملفهوم اجلوهر

متالحقة من العقول النبيلة، أو هو متحف ألبطال الفكر أو العقل الذي يفكر، وعن طريق

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 67.2 - Ibid., p 71.3 - Ibid., p 75.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

153

وماهية الطبيعة، والروح، قوة هذا العقل، نفذت هذه العقول وتغلغلت يف ماهية األشياء،

، يضع مثل هذا التعريف 1"وطبيعة اهللا، وظفرت لنا بأنفس كنز، أال وهو كنز املعرفة العقلية

األمنوذج العقلي سبيال ممكنا لدراسة تاريخ الفلسفة فهو لذلك أمنوذج يقوم على منطق

.متميز يؤرخ من خالله لتاريخ الفلسفة

لثاين هو أن نقيم فهمنا للفلسفة على أساس أما التصور الذي يتحدد به القطب ا

�ÃȂƬLjŭ¦�¦ǀǿ�ȆǨǧ�ƨǏƢƻ�ƨǨLjǴǧ�ƢĔ¢" بدل الفلسفة يكون (الفلسفة تصبح جوهر خاص

أي املعىن الذي يأخذه املؤلف مبا أنه philosophèmeمن األفضل القول بالوحدة الفلسفية

يف هذا املوضع ...).فرد يعين ذلك بالضبط املؤلف كموضوع ثقايف له معناه يف ذاته

الفالسفة األفراد هم باألساس منفصلني حبيث أن كل واحد يكون عاملا كامال أين ميكننا

الولوج ببطء بفعل من األلفة اليت ال تنتهي أبدا بالضبط كما هو احلال يف فهم صديق لنا

بد ون مقارنته بآخر إذ ال يكون هنا نسق أو نظام الذي به أدخل إىل أصدقائي فكل

على العكس من األمنوذج األول الذي . 2"صديق يل بطريقة فريدة وغري قابلة للمقارنة واحد

يسعى فيه صاحبه لوضع مقاس متميز يسهم يف متيز فكر فلسفي عن آخر ليس يف صلة

.إىل ذلك

إىل حدود مزدوجة، فمن جهة مسألة النسق تاريخالن النوعني من قراءة ينتهي هذي

ميكننا أن نصل إليها كما أنه ال ميكننا بلوغ مستوى الفردانية ال ميكننا أن نبلغها أي ال

.مثلما يرى ذلك ا ملؤرخ

.95، ص 1977، )ط.د(، مكتبة مدبويل، مصر،�ƾǴЦ��¿ƢǷ¤�¬ƢƬǨdz¦�ƾƦǟ�¿ƢǷ¤3:هيجل، تاريخ الفلسفة، تر-12 - Ricœur. P., Histoire et vérité, op cit., p 75.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

154

إننا نتوقف دائما عند نوع من الفهم الواصف من خالل األنواع املشرتكة للفلسفات

هذه األنواع املشرتكة نعرفها جيدا تسمى الواقعية، والروحية، واملادية اخل، هل "يف تارخيها

(...) الفردية لنتوقف عند منطية؟ وهل صحيح أن النمطية هي وسيلة للفهم؟ نذهب لغاية

إذا دفعنا األمور إىل أكثر من النمط والنوع املشرتك ال يوجد إال طريقة واحدة لتعني فلسفة

.1"وقياسها) الصفةismeية (هي السبينوزية جيب بناء ... سبينوزا

يخ ليس من التاريخ يف صلة ليس حلظة وعليه يالحظ ريكور بأن هذا النوع من التار

له ماضيه ومستقبله املوجودان يف شكل من احلاضر "من التاريخ ألنه تشكل للتاريخ نفسه

(...) فالفهم التارخيي يعود لنموذجني (...) املطلق الذي يوضع حبق يف جوهر أبدي

.2"النسق واملاهية الفردية

فهما آخرا يتجاوز وجيمع بني الفهمني ولقصور هذين الطريقتني يقرتح علينا ريكور

الطريقة األخرى اليت أتوقعها كذلك هي اليت حتمل موناد "السابقني لتاريخ الفلسفة

وشخص يف ماهية كلها مشخصة ليس هلا معىن خارج عنها هذه املاهية اخلاصة تتطلب

جد يف نوع الفهم الذي يفرض التخلص باالندماج يف آخر كما هو احلال بالضبط حينما أ

.3"كل واحد من أصدقائي التجربة اإلنسانية الكلية يف زاوية ما

إن ما يدفع بول ريكور من أن يبسط مفهومه للتواصل التارخيي املنبعث من فكرة

التواصل يقصي كل نية يف مجع واختصار اآلخر ضمن جزء من خطايب "احلوار هو أن

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., pp 75- 76.2 - Ibid., p 75.3 - Ibid., p 78.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

155

رب عن فلسفة خاصة أمارس هنا Ǡƫ�ƨǜƸǴǯ�ƢĔƢǰŭ�ļƘƫ�ƨǨLjǴǧ�Dzǰǧ. الكلي يف النسق

سيطرة سيادية على الفالسفة أفهمهم كلحظات بينما يف موقف التواصل الفيلسوف الذي

أحاول مقاربته هو بالفعل ما يقابلنا هو ليس فقط وببساطة خطابا جزئيا ولكنه شخصية

.1"كاملة

�ŚLjǨƫÂ�ǶȀǨdz�ǂƻ¡�ÃȂƬLjǷ�ń¤�°Ȃǰȇ°�DzǬƬǼȇ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđتاريخ الأن ، حبيث ختاريال

يصبح جماال للتاريخ العام ألن شرط التواصل غائب يف ظل غياب أسس احلوار وهو وجود

طرفني الشيء الذي ال يستطيع التاريخ العام أن يوفره، وإمنا الذي يأيت به تاريخ الفلسفة أو

هو أنه "املؤرخ الفيلسوف هو هذا الشرط املالزم للتواصل التارخيي فما مييز هذا األخري

نا أن نكون واحدي اجلانب وهذا النوع من تداخل الذاتية يقضي على استحالة ميكن

يف تاريخ الفلسفة األثر هو (...) التقارب ألن الناس املاضني ليس حلضورهم سوى األثر

.l’œuvre"2املؤلف

ولذا فإن العائق املعريف الذي يصادفه املؤرخ حينما يريد تتبع األثر يف رسم خطاطة

يه الدؤوب يف خلق عالقة حوار أحادية اجلانب، ال تسعفه يف أن يصل األحداث وسع

ملستوى دفع احلوار لدرجة التواصل التارخيي، بينما الفيلسوف، ال يصادف مثل هذا العائق

أنا الذي أقرأ "رغم اقتصاره على األثر، أي أثر املؤلف، ففي املعىن العام للتواصل مبعىن أنه

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 78.2 - Ibid., p 78.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

156

ول ألكون جزءا من تارخيه داخل احلركة الشاملة للوعي يفهم وأفهم الفيلسوف اآلخر أحت

.1"وعيي وعيا آخر ال جييب

هذا الطرح ملستوى معني من تناول التاريخ على أساس أنه تاريخ تواصلي بالفهم

الذي يعطيه بول ريكور ملفهوم التواصل التارخيي حييلنا يف حقيقة األمر على فلسفة أخرى

ذه الفلسفة هو هذا التقاطع احلاصل من خالل تقاطع فهمني أو للتاريخ حيث أن منطلق ه

.تصوريني لتاريخ الفلسفة مع التاريخ العام نفسه

جيب قطع حتليل الواسطة "لذا يؤكد بول ريكور على أنه ولضرورة فهم هذا السؤال

اليت تتعلق بالرابطة نفسها بني اخلطاب الفلسفي كما هو مطروح يف واحد من بني املعاين

اليت أعطيت له والتاريخ، التاريخ الفعلي الذي حيمل هذا اخلطاب الذي يتعلق به يف هذا

املوضع مشكليت تلتقي مع كل من ال ينسى طرح فلسفة للتاريخ حينما حتاول أن تدمج يف

ƨȈǧƢǬưdz¦�ƨǟȂǸЦÂ�ƨȈLJƢȈLjdz¦�ƨǟȂǸЦÂ�ƨȇ®ƢǐƬǫȏ¦�ƨǟȂǸЦ��ƺȇ°ƢƬdz¦�ǺǷ� ƾƷ¦Â�ƨǟȂǸů.

هذا احلل اإلبستمولوجي النابع من فعل . 2"خ الفلسفة يف التاريخ العام؟كيف ندمج تاري

الدمج، هو ما جيعل ريكور يرقى بتاريخ الفلسفة أو بالتفكري يف تاريخ الفلسفة إىل مستوى

فلسفة مغايرة للتاريخ، أي فلسفة ال تسعى إىل رسم خطاطة ملنطق حركة التاريخ كما هو

لنقد حدود هذا املنطق كما هو احلال مع دلتاي بل احلال مع هيجل أو فلسفة تسعى

.فلسفة مبنية على فعل التواصل التارخيي

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 79.2 - Ibid., p 79.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

157

leهذا التصور يطرح علينا مسألة االنعكاس reflet أو ما يسميه بول ريكور نظرية

laاالنعكاس théorie du reflet حبيث أن كل فلسفة هي انعكاس لعصرها، هذا االعتقاد

laية املعرفة هو ما تؤكده اجتماع sociologie de la connaissance.

الذي يفر من سوسيولوجية املعرفة، ال ميكنه أن يسرتجع إال يف "ولكن مع ذلك فإن

تاريخ فلسفي للفلسفة هو يف احلقيقة أصل النسق مبعىن تكوين خطاب انطالقا من عدد

.1"من األسئلة األساسية

اربة فأين تكمن العالقة الوضعانية بيين وإذا كنا، مع بول ريكور، نرفض هذه املق

وبني فكر وعصره؟

laسؤال شرعي يطرحه بول ريكور على نفسه، حييله على مفهوم املوقف أو احلالة

condition واضح جدا "ذلك أن كل فلسفة هي تعبري عن هذا املوقف أو عن هذه احلالة

عة واحدة يف النص وال تسمى وال أن احلالة االجتماعية والسياسية لفلسفة كبرية ال تظهر دف

حتدد يف أي مكان، ولكن مع ذلك يعرب عنها فهي تظهر بصورة غري مباشرة من خالل ما

.2"يطرحه الفيلسوف من مشاكل

ǀđإىل مفهوم اخلطاب، مبعىن أن أفق الفلسفة تاريخه الكيفية ينقل بول ريكور ال

Ŀ�§ ƢǘŬ¦�ƨǯǂƷ�ƨLJ¦°ƾdz�ȆǠLjdz¦�¦ǀđ�ƢǠLJȂƫ�®¦®DŽȇ�Ʈ ȈƷ داخل اخلطاب "تكوناته، ففي

الفيلسوف ميكنه أن يزهر عصره، ذلك أن مؤلف الفيلسوف هو مؤلف كالمي، وكالمي

فقط، لذا مشكلتنا تطرح البعد األكثر تطرفا، وممكن األكثر وضوحا للعالقة اليت ميكن أن

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 81.2 - Ibid., p 82.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

158

ذي توجد بني التاريخ الفعلي واخلطاب، التاريخ الفعلي الذي يصنعه الناس واخلطاب ال

.1"يكونه

هذا الربط لتاريخ الفلسفة بتاريخ اخلطاب، أو إن صح التعبري باستعمال املفاهيم

اإلجرائية نفسها لبول ريكور، الربط بني الكالم والفعل ميكن أن يدفعنا للوقوف على سؤال

فاخلطاب كما يفهمه ريكور حينما جييب عن سؤال طرحه عن نفسه ما هو . اخلطاب لديه

]ƨǤǴdz¦� ƢǸǴǟ�Ƕđ�řǠȇÂ[اخلطاب هو الرأي املخالف ملا يسميه هؤالء "بأن : يقولاخلطاب؟

.2"اخلطاب يعين حدث الكالم. بالنسق أو النظام اللساين

هذا التحديد للخطاب على أساس الكالم، حييل بنفسه ريكور على جمموعة من

ية اليت نريد معاجلتها، وهو املستويات ميكننا ذكر املستوى الرابع منها ملا له من عالقة بالقض

أن حتديد اخلطاب على أساس احلدث والكالم هو حتديد لصفة اإلرسال اجلوهرية يف

اخلطاب، ذلك أن اإلرسال، أي إرسال الكالم ال يتم إال على أساس خطاب، فلذلك

اخلطاب كما يشرح ريكور، يتطلب خماطبا أي آخر يتوجه إليه وهذا الذي يتوجه إليه

.القارئ اخلطاب هو

§���ǂǔŢ�ƢǷ�ÀƢǟǂLJتاريخ لذا حينما نلجأ لتعريف Ƣǘƻ�ƢĔ¢�² ƢLJ¢�ȄǴǟ�ƨǨLjǴǨdz¦

�¿ȂȀǨŭ�ǾLjǨǻ�°Ȃǰȇ°�ǾȈǘǠȇ�Äǀdz¦�ŘǠŭƢƥ�ǺǰdzÂ��¿Ȑǯ�ƢĔ¢�ȂǿÂ��ƢŮ�ƨȇDŽǯǂŭ¦�ƨǨǐdz¦�ƢǼdz

"اخلطاب، وهلذا يقول ريكور نفسه يبدو واضحا بأن الفلسفة هي كالم، ولكن هذا لكي :

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 82.، )ط.د(حممد برادة وآخرون، عني للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية، مصر،:من النص إىل الفعل، ترريكور بول، -2

.141، ص 2001

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

159

سبب أثر وواقعة انعكاس ال ميكن ألي خطاب أن ينعكس كما هو نبتعد عن العالقة،

يوجد شيء خاص يف العالقة بني وضع وخطاب، وهذه العالقة هي ما هو معرب عنه (...)

وهذا ما يوصلنا ملركز الصعوبة والتناقض، ألن فلسفة خاصة حينما تظهر تعرب عن (...)

م القبلي الرتكييب دشن فلسفته، عصرها يف قالب كوين، فحينما طرح كانط ما هو احلك

لذا فإن املؤلف الفلسفي يعطي الشكل الفلسفي 1"والسؤال الذي طرحه هو سؤال كوين

.الكوين للخطاب

إن مثل هذا الطرح قد جيد صعوبة ألن املؤلف غالبا ما خيفي حالته االجتماعية

mentirيكور كذب ال يعين مثلما يقول بول ر dissimulationواالقتصادية، وهذا اإلخفاء

هذا الصمت للفيلسوف عن وضعه اخلاص عن طبقته أو طبقة أخرى توضح "عن الوضع

وهذا ما يؤسس يف نظره للعالقة غري مباشرة يف ربط كل مؤلف 2"عدم اهتمامه بسؤاله

chaqueفلسفي œuvre philosophique بعصره، أي مبجال اجتماعية املعرفة، وعليه فإن

نظر ريكور، هو ما خيفى أكثر، أي ما يسميه لوكاتش وماركس بالوعي األكثر اكتماال يف

هذه العالقة بني العصر التارخيي واملؤلف الفلسفي، هذه العالقة بني الظهور "الزائف

واالختفاء هي الشكل األقصى ملكانة اللغة يف العامل، هذه األخرية اليت تريد بلوغ أكثر

§��ǺǷ�ǂǐǟ�ǂȀǜȇ�ƢǸǼȈƷ�ǞǸƬЦ�Ŀكونية تكشف عما يلحق لكل الكالم ول Ƣǘƻ�Dzǰ

ما ميكن أن تعطيه هذه القراءة 3"خالل مؤلف تكون إذن قد خرجت أدراج وضعتها

1 - Ricœur. P., Histoire et vérité, op cit., p 82.2 - Ibid., p 83.3 - Ibid., p 84.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

160

للتاريخ كتاريخ أنه مل يعد للتاريخ تأثريا أو انعكاسا، ولكن فضاء معرب عنه يسبق دائما

.سببيته التارخيية

ظهور ملعىن، ودمج خلصوصية تاريخ تأويل كل تاريخ ميكن أن يفهم على أساس أنه

التاريخ من هذا املنظور تأويل ف. هذه اخلصوصية إما أحداث أو مؤلفات أو أشخاص

يتأرجح بني تاريخ بنيوي وتاريخ حداثي يف نظر ريكور، وال حيسم يف هذا األمر إال يف

.اخلطاب الفلسفي

د تفكك يف يوحي بوجو سق والفردانية يف التاريخإن هذا التناقض احلاصل بني الن

يف "داخل التاريخ نفسه فحينما يوجد نسق ال يوجد تاريخ حبيث أننا نالحظ مثال

فينومينولوجيا الروح يوجد بعض التاريخ هو بالطبع مثالية مكونة من أشكال الروح، بينما

حينما ننتقل للمنطق عند هيجل ال توجد أشكال، ولكن مقوالت ال يوجد تاريخ الكل،

وهو ما يالحظه يف مؤلف اريك فيال، 1"لضغط على التاريخ يف النسقفحدود الفهم هي ا

.االنتقال من التاريخ إىل املنطق، يعين يف نظر ريكور موت التاريخ

هذا اإلعالن على موت التاريخ ال يعين أنه يتحدد بكل فلسفة لتاريخ الفلسفة أو

الشمولية أو الكونية يف تناول بكل فلسفة للتاريخ، بل يعين أن التوجه حنو النسق حنو

�¿ȂȀǨŭ�°Ȃǰȇ°�ǾȈǘǠȇ�Äǀdz¦�ǶȀǨdz¦� ȂǓ�Ŀ�ƺȇ°ƢƬdz¦�ƨȇƢĔ�Ǿƥ�®ƾƸƬƫ�Äǀdz¦�Ȃǿ�ƨȈź°ƢƬdz¦�ƨdzƘLjŭ¦

الفلسفة، أو باألحرى ملفهوم تاريخ الفلسفة املبين على مفهوم التواصل التارخيي املبين أساسا

.على مفهوم أمشل هو مفهوم احلاضر التارخيي

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., pp 87- 88.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

161

�ǪLjǼdzƢǧ��ƺȇ°ƢƬdz¦�ƨȇƢĔ�ǂƻ¡�ŘǠŠ�Ȇǿ�ƨǨLjǴǧ�Dzǯ"نما نقر مع ريكور بأن لذا فإننا حي

�ƨȈǏȂǐŬ¦�ȄǴǟ�ȆǔǬȇ�ǪǘǼŭ¦�Àȋ�ƺȇ°ƢƬdz¦�ƨȇƢĔ�Ȃǿ(...)�ƺȇ°ƢƬdz¦�ƨȇƢĔ�Ŀ�ƺȇ°ƢƬdz¦�®ÂƾƷ�Ŀ

، وهذه التارخيانية ال تعين سوى ذلك الفهم اجلديد 1"ميكننا فهم املؤشرات العامة للتارخيانية

laباملعاصرة ملا يسميه كروتشه contemporanéité وهذا ما يدفع ببول ريكور إىل أن ينكر

.التاريخ تارخيا عاملياتأويل على أن يكون

هلذا فإن التاريخ العاملي . التاريخ عاملي يف نظره سوى يف تاريخ النسق تأويل ال يكون

.ليس يف حقيقة األمر سوى تاريخ العقل، وأن التاريخ هو تاريخ الغري

1 - Ricœur. P, Histoire et vérité, op cit., p 88.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

162

:الزمن التاريخي-2

لقد شكلت مسألة الزمن لدى ريكور حمورا هاما من عمله الشيء سوى ألنه كان

حال إلشكاليتة األساسية واليت بدأت من فهم الذاكرة فهما فلسفيا -الزمن–يرى فيه أي

.ونعين بذلك فهما انطولوجيا خارج املعاجلة النفسية

هذا املنطلق الذي حاول ريكور أن يتبعه جند له امتدادات يف عدة نصوص ولكن

أمهها حسبما أظن هو اهتمامه بكتاب الزمن والسرد لذلك جنده يقر بأن عمله هذا ستجد

السؤال الذي أثاره هوسرل بصدد العلم الغاليلي والنيوتين أثريه "قام به هوسرل هو ذلك أن

لعلوم التارخيية، وأنا أسأل بدوري عما سأمسيه من اآلن فصاعدا بصدد ا] يقول ريكور[أنا

�ǎ(...) قصدية املعرفة التارخيية dzƢŬ¦�ƾǐǬdz¦�DzǬǠƫ�ŘǠǷ�ń¤�ŚNj¢�ƢđÂ(noetic) الذي

يشكل الطبيعة التارخيية للتاريخ؛ ومينعها من الذوبان يف أنواع املعرفة األخرى اليت يقرن

Ƭǫȏ¦�ǞǷ�ŁƢǐǷ�À¦ǂǫ�Ƣđ�ƺȇ°ƢƬdz¦ صاد واجلغرافية وعلم السكان وعلم األعراف؛ وعلم اجتماع

.1"العقليات واإليديولوجيات

ǀđ�ƢȀǠƦƬȇ�Ŗdz¦�ƨƷÂǂǗȋ¦�ǽǀǿ�ǽƾnjƫ¦�لعل كل من يتبع هذه املسألة يف الزمن والسرد

: التحديد ملشروعه؛ واليت تبىن أساسا على تتبع املفارقات داخل املعرفة التارخيية حيث يقول

استكشاف املمرات الغري مباشرة اليت تنقل من خالهلا مفارقة املعرفة التارخيية إىل أنا أقرتح "

.2"مستوى أكثر تعقيدا أال وهي املفارقة املكونة لعملية التصور السردي

.282سابق، ص الصدر امل، 1ج ،الزمان والسرد ،ريكور بول - 1.283نفسه، ص املصدر-2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

163

هذه املفارقة اليت تتشكل للتصور السردي بني ما يأيت قبل النص الشعري وما يأيت

على تقدمي أهم املالمح املضادة اليت تشحذ يف بعده؛ حبيث تقوم هذه العملية السردية

املعرفة التارخيية، هذا التحديد يضعنا يف منأى على أي تأويل آخر ممكن ملكان املعرفة

التارخيية عند ريكور مبعىن أن ما حياول توضيحه هو حماولة لرسم أفق إمكانية احلديث عن

يف عالقته التكوينية مبعىن يف عالقته التاريخ كمفهوم ممكن أوال وثانيا احلديث عن التاريخ

¾ǂLJȂǿ�DzǸǠdz�ƢđƢnjǷ�ǾǴǸǟ�ÀȂǰȇ�À¢�®¦°¢�Ǯ dzǀdz�Ǿdz�ƨǻȂǰŭ¦�ƨȈLJƢLJȋ¦�ǶȈǿƢǨŭƢƥ.

لكن املوضوع هو أن هوسرل يف رأيه حينما حبث عن العلم النيوتوين والغاليلي هذه

DzƦǫ�Ȃǿ�ƢǷ�©®ƾƷ�Ä¢�ŚǰǨƬdz¦�ǺǷ�ǖǸǼdz¦�¦ǀđ��Ǿdz�ƨǴǏ�ȏ�� ȆNj�Dzǯ�ƪ ǫ°Ƣǧ�Śƻȋ¦ العلم

وما خارج العلم وما هو ليس بعلم؛ أي أن قطع صالته مع عامل ما قبل العلم، مع ذلك

ميكن أن نستفيد من احملاوالت اهلوسرلية يف الظاهراتية التوليدية لكن ريكور مل يكن هدفه

حبثنا"الوصول إىل ذلك وإمنا الدور الذي يريده أن يقوم عمله على أولوية أخرى تتمثل يف

ة يف الظاهرة التوليدية، اليت تتوجه اهلوسرليفائدة ثانية بالنسبة للمحاوالت كون له تأن ميكن

ذلك طريق الظواهر اإلدراكية احلسية، تلك هي يف مباشرة إىل تكوين املوضوع، متخذة

فائدة العثور يف قلب املعرفة التارخيية على سلسلة من حمطات االنتقال على مراحل لتساؤلنا

.1"رجوعا

هذا العمل هو ما يقسمه ريكور نفسه إىل املعاجلة السببية واملعاجلة الزمانية للتاريخ، و

Vonففي األول يعود إىل فون رايت Right وبالتحديد مفهوم السببية حيث يرى بأن ما ،

ميكن فهمه حتت هذا الوضع ال يعين شيء سوى أن ما يقوم به من حتويل ملفهوم السببية

.284، ص السابق املصدر - 1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

164

بالقوانني، ولكن بروح سجالية على الضد من التفسري وضعه "منه واإلضافة ليس الغرض

(...) القوانني ، من أجل أن أبني داخلها البنية االنتقالية بني التفسري بواسطة العكسعلى

هذه املعاجلة اجلديدة للسببية 1"الفهممع تماهىبك الذي غالبا ما ياحلبواسطة تفسريوال

تها ضمن تصورات متعددة وهذا ما رأيناه يف تصور فون اليت يريدها ريكور تدفعه ملعاجل

رايت حول مفهوم التكون الالواقعي لألحداث الذي يدفعنا إليه أحيانا التكوين بالفكر

لألحداث املختلفة واليت يستنتج منها ريكور أن الوضع يف حبكة يشبه هذه احلالة املخالفة

بل هم : "جمرد رواة وناملؤرخفليس لعملني عمل املؤرخ وعمل الشاعريف حقيقة األمر

ƢLjŭ�ĿƢǰdz¦�Ƥ°�أسبابيعطون ƦLjdz¦�ǽŚǣ�À®�ƢǏƢƻ�ȐǷƢǟ�ÀÂŐƬǠȇ�¦Ƣŭ�Ƣđ�ÀȂƸǓȂȇ�Ƣ

معطى من األحداث؛ وخيلق الشعراء أيضا حبكات تبقى متماسكة بواسطة هياكل سببية،

.2"لكن هذه األخرية ليست موضعا لعملية جدال

�DzǏƢū¦�§°ƢǬƬdz¦�ƾȇƾŢ�ȄǴǟ�ƾǠƥ�ƢǸȈǧ�ǂƯ¢�ƢŮ�ÀȂǰȈLJ�°Ȃǰȇ°�Ƣđ�¿ȂǬȇ�ƨǫǂǨƫ�¾Â¢�ǽǀǿ

علما أن مثل هذا املشكل جنده حاضرا لدى آرون عندما يرى .بني الكتابة اخليالية والتاريخ

بأن مشكلة السببية تطرح تعقيدا استثنائيا ألسباب عدة قبل كل شيء، وميكن أن يكون

فبسبب هذا الغموض االبستمولوجي جند أن اجلربية "يسي العميق هذا هو السبب الرئ

�Dzƻ¦ƾdz¦�ǺǷ�ƪ ǬǨƬƫ�ȆƳȂdzȂȈLJȂLjdz¦�ŚLjǨƬdz¦�ȄǴǟ�ȂǴǠȇ�ÃȂƬLjǷ�¢ȂƦƬƫ�ƢĔ¢�Ȇǟƾƫ�Ŗdz¦�ƨȈź°ƢƬdz¦

.284ص املصدر السابق، ، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.292، ص نفسه املصدر - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

165

وبذلك حتتل السببية التارخيية املكانة 1بدورها بفعل العرضية املستبقاة يف السببية التارخيية

Ʈ Ş�ƢĔ¢�Ŀ�ƨǴưǸƬŭ¦�ƨƦȇǂǤdz¦ يعد قاصرا يف عالقته مع السعي إىل االنتظامات والقوانني.

لكن هناك عامل آخر مهم يطرحه إضافة إىل مفهوم السببية أال وهو عامل الزمن

وذلك للوصول إىل حتديد ما يسميه بعد ذلك بالزمن التارخيي وبالضبط احلاضر التارخيي

انات النابعة من القطيعة إن كال من اإلجراءات والكي:"وربطه بنص أوغسيطن فيقول

اإلبستمولوجية املميزة للتاريخ كعلم حتيالن رجوعا عرب ممر غري مباشرة إىل إجراءات وكيانات

هل ميكن تبيان أن الزمن الذي يكونه املؤرخ ينبع عرب تتابع من (...) املستوى السردي

لرب هنة على أن الزمن إذ ميكننا ا 2"الثغرات املتزايدة االتساع من الزمنية املختصة بالسرد

.املكون من طرف املؤرخ هو نتيجة لسلسلة فواصل للزمانية اخلاصة بالسرد

وهذا ما أراد أن يبحث عنه يف مدلول احلدث الذي يرى أنه يبىن على رؤيتنا للزم،

ميكن أن احلدث هو جاحد ذاته انطالقة ممكنة ملعرفة إحداثي الزمن الذي يدور عليه

.اضي أم احلاضر وهذا هو بداية اإلشكال عندهاحلدث التارخيي امل

فبول ريكور ال ينكر العمل الذي قام به بروديل، ألنه أدخل وحدة الزمن الطويل يف

دراسة األحداث، وهذا ما فتح أفق البحث التارخيي أمام إمكانية االستفادة من العلوم

بالبنية الفنية عند األخرى، كما أنه بذلك فقد جعل من احلدث التارخيي ضمن ما يسمى

.بروديل

.294ص ،السابق املصدر -1.323ص ،نفسه املصدر - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

166

إن األحداث التارخيية ال ختتلف جذريا عن األحداث املؤطرة باحلبكة، ويسمح لنا "

باعتقاد أن بإمكاننا (...) االشتقاق املباشر لبىن التاريخ، ابتداءا من البىن األساسية للسرد

دة صياغة املفاهيم عرب إجراءات االشتقاق املناسبة أن منر إىل فكرة احلدث التارخيي إعا

.1"اليت تفرضها فكرة احلدث احملبوك(...)

أي بناء تاريخ األحداث ليس فقط بتقسيمها لفرتات كما يفعلها املؤرخون، وإمنا

بتأصيلها يف بنيات ومتفصالت بنفس الكيفية اليت يستعدي فيها األحداث للتأكد من

.البنيات والتمفصالت

أوغسطين /ريكور- أ

حتليل أوغسطني ملفهوم الزمن وذلك لربطه إياه باملاضي واملستقبل يندهش ريكور يف

يتوجه اجلزء األخري من الكتاب الثاين : "واحلاضر، تبعا ملفهوم االمتداد واالنتشار، فهو يقول

بأسره لتأسيس هذه الرابطة بني املوضوعني األساسيني للبحث ، بني احلاضر ثالثي

لغز الكينونة اليت تفتقر إىل الكينونة وقطية انتشار األطراف، الذي حل اللغز األول، أي

ما يبقى إذن؛ هو إدراك . العقل، اليت تأيت كل اللغز الثاين، لغز امتداد شيء ليس له امتداد

احلاضر ثالثي األطراف بوصفه انتشارا، وإدراك االنتشار بوصفه انتشار احلاضر ثالثي

ألوغسطن اليت "احلادي عشر من اعرتافات األطراف، تلك هي النظرية العبقرية يف الكتاب

.2"ومريلو بونيت سيتابع أثرها كل من هوسرل وهيدغر

.325ص ، سابقالصدر امل، 1الزمان والسرد، ج،ريكوربول - 1.40ص ،نفسه املصدر -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

167

إن هاته املعاجلة األوغسطينية للزمن داخل الرتاث الفلسفي للزمن كانت من بعد

املعاجلة األفالطونية ملفهوم الزمن يف تيماوس كما يرى ريكور، وبعدها مفهوم احلركة عند

سوف من هؤالء منهجه يف حتليله ملفهوم الزمن، غري أن ما مييز أوغسطني لكل فيل. أرسطو

عند هؤالء هو االهتمام املتزايد مبفهوم احلاضر الذي دفعه إىل العودة إىل املعاجلة

) الذي يعين عزل الزمان عن التأمل(هناك معىن معني هلذا العنف "باعتبار أن . األوغسطينية

ينصرف إىل االهتمام بالزمن، فهو بذلك ال يشري إىل جنده يف تفكري أوغسطني، حيث

األبدية إال لكي يؤكد تأكيدا قطعيا طبيعة النقص األنطولوجي الزمن اإلنساين ولكي مباشرة

1"مع االلتباس الذي يشوب تصور الزمن يف ذاته

إن التحليل األوغسطيين للزمن يطفي عليه خاصية تساؤلية إىل أقصى درجة فأسلوبه

يل يفرض نفسه إن مل نقل حمل شك، مبعىن أن السؤال حول الزمن الغرض منه التساؤ

. الوصول إىل نتيجة مرضية

هذا التساؤل عند أوغسطني نلمسه يف تساؤالته لكن ليصل لتفرقة أساسية بني ما

هو الزمن وما هو الوقت بعدما تأكد بأن اهللا خالق الزمان الذي يتولد من الوقت ليسأل

الوقت إذا؟ ومن يقدر أن يشرحه بإجياز وسهولة ومن ذا يقدر أن يكون عنه نفسه فما هو

فما هو الوقت إذا؟(...) فكرة واضحة يعرب عنها باأللفاظ؟

.24ص ، السابق املصدر -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

168

إن مل يسألين أحد عنه أعرفه، أما أن أشرحه فال أستطيع ومع ذلك، أؤكد أنه، لو مل

ملستقبل ولو ال املاضي ملا يكن شيء ينقضي، ملا كان وقت ميضي؛ ولو ال املاضي ملا كان ا

1"كان احلاضر

األوىل تتعلق بالوقت فال : تكمن الوظيفة املرجعية هلذا النص يف نقطتني مهمتني

أي يف املكان وبذلك يتعذر علينا معرفته،أما النقطة الثانية ) األين(ميكن أن منسك به يف

مستوى التعريف اللغوي وتتمثل يف أن هاته االستحالة أي استحالة املعرفة تكمن فقط يف

أي على مستوى التعبري عنه، أي ما ال نستطيع أن نعرف كيف نفسره بعد، لذا فإن

االستعمال اللغوي هو الذي يضفي املقاومة مؤقتا على قضية ال وجود الزمان، فنحن "

نتحدث عن الزمان ونتحدث عنه حديثا ذا معىن، وهذا ما يدعم دعوانا بوجود الزمان

فنحن بالتأكيد نفهم ما تعين الكلمة، سواء حني نستعملها حنن؛ أو حني "2"ويرجحها

ƢĔȂǴǸǠƬLjȇ�Ǻȇǂƻȉ¦�ǞǸƬLjǻ"3 لكن مع ذلك ال ميكن أن خترج داللة الزمن سوى عن هذا

.التعبري املمكن داخل اللغة

��ƾƷ¦Ȃdz¦�ǺǷDŽdz¦�» ¦ǂǗ¢�Ŀ�ŕƷ�ƨǤǴdzƢƥ�§ǂЦ�DzǠǨdz¦�Dzƻ¦®�ƾƳȂȇ�ǺǷDŽdz¦�ÀƜǧ�Ǯ dzǀƥÂ

ن الوقتان املاضي واملستقبل؟ املاضي مضى واملستقبل آت واحلاضر لو بقي وما مها هذا"

وبالتايل إن لزم . دوما حاضرا دون أن يتالشى يف املاضي لبطل أن يكون وقتا ولكن أزال

للحاضر كي يكون وقتا؛ أن يتالشى يف املاضي؛ فكيف نقدر أن نثبت وجوده هو أيضا

.249، ص 1996، 5ط اخلوري يوحنا احللو، دار املشرق، لبنان،:أوغسطني، كتاب االعرتافات، تر-1.26سابق، ص الصدر امل، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-2.املصدر نفسه والصفحة نفسها -3

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

169

يكون ويف الواقع أن حق لنا أن نقول أن الوقت طاملا أن علة وجوده الوحيدة هي أن ال

.1"موجودة فألنه يسري حنو الالوجود

إن الربهان الشكي الذي يقوم عليه أوغسطني منهجه يقوم أساسا على نفي كامل

ليس للزمان وجود، إذا كان املاضي مل "لكل أبعاد الزمن وبدون أن تضع فاصال بينهما، ال

2"تقبل مل يوجد بعد، وإذا كان احلاضر غري موجود دائمايعد موجودا، وإذا كان املس

غري أن أوغسطني رغم ذلك يقيم برهانه من الداخل أي من داخل تصوره للزمن،

على أن الزمن غري موجود، ولكن من داخل نفس الربهان يعود ليربهن أن الذي ال يوجد

نعرب عنه يف امتداد الزمن بل تصورنا له، هذا التصور هو ما: أصال ليس الزمن يف حد ذاته

نقيس االمتداد حنو املستقبل كما يقول أوغسطني مبائة سنة كما نقيس الذي تبدى بعشرة

أيام، وبذلك فلماذا هذا التميز القياسي للزمن؟

�Ä¢��ƾƳȂȇ�ȏ�ƢǷ�dž ȈǬǻ�À¢�ǺǰŻ�Ǧ Ȉǯ��² ƢȈǬdz¦�ƨǫ°ƢǨǷ�ƨȈdzÂȋ¦�ƨǫ°ƢǨŭ¦�ǽǀđ�Dzƻ¦ƾƬƫ

؛ كما نتكلم زمان طويل وزمان قصري وبذلك فكيف نتكلم عن وجود الزمان وال وجوده

يكون طويال وقصريا ما ليس موجودا أصال؟ باعتبار أن املاضي قد مضى واملستقبل مل يصل

بل لقد كان املاضي طويال "بعد بذلك فمن غري املمكن أن نربهن عن طول الزمان

املاضي طويال ألننا لن وبالتايل فال جيوز لنا أن نقول كان(...) وسيكون املستقبل طويال

بل فلنقل كان احلاضر طويال هو . جند فيه شيئا طويال؛ وطاملا انقضى فلم يعد له وجود

ولكننا عن املستقبل ال نقول إنه (...) طويل لكونه حاضرا ولكونه مل يضع يف الالوجود

.249سابق، صالرجع املأوغسطني، -1.27سابق، ص الصدر امل، 1الزمان والسرد، ج،بول ريكور -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

170

(...)طويل إذ ال حاضر منه موجود ميكن أن يكون طويال بل نقول عنه سيكون طويال

إذا مل يكن طويال إال بانتقاله الذي مل يأت بعد إىل الوجود ومن مث يصبح حاضرا وبالتايل

1"قابال للوجود

ميكن من هذا النص أن نصل إىل أن أوغسطني كان يقوم ال على الربهنة أن األزمنة

د الثالث موجودة بقدر ما كان يقوم على أن األزمنة يف أبعادها الثالث ال ميكنها أن توج

إال يف احلاضر؛ أي يضع املاضي واملستقبل داخل احلاضر وبذلك ومن خالل هذا احلاضر

.ينطلق ريكور باالهتمام بأفق نظرته عن احلاضر التارخيي

وبذلك فإن هذا التحليل األوغسطيين؛ مبين أصال عن حتليل أنطولوجي للزمن كما

ت األنطولوجية تكمن يف رأي ذكرنا سابقا عن السؤال األنطولوجي غري أن هاته التحليال

ريكور على رؤية متاثل الشكيون، ألن عندما يدير أوغسطني ظهره لكل أبعاد الزمن فهو

يدير ظهره كذلك للزمن يف حد ذاته؛ لذا وجب ريكور أن أوغسطني من وراء ذلك كان

الزمن الوحيد الذي ميكن أن "سبيله الوحيد للخروج من هذا التطور هو أن يؤكد بأن

لو متكنا من إدراكه يف ذاته، وهو ال ينقسم إىل ) اآلن(هو ) يقول ريكور(سمى حاضرا ي

.2"وحني يكون حاضرا ال تكون له دميومة(...) أجزاء أصغر وأدق

إن قيمة هذا التحليل لريكور ال ميكن الوقوف على مغزاه إال إذا انتقلنا إىل معرفة

�°ȂǐƬdz¦�Ƣđ�ǞǨƬǼȇ�À¢�ǺǰŻ�Ŗdz¦�ƾƟƢǨdz¦�ƢȀƦǴš �Ŗdz¦�ƾƟƢǨdz¦�ƢǷ�ŘǠŠ��ƺȇ°ƢƬdz¦�¿ȂȀǨŭ�Ä°Ȃǰȇǂdz¦

نظرية أوغسطني حول الزمن للمعرفة التارخيية؟

.252-251سابق، ص ص الرجع املأوغسطني، -1.29سابق، ص الصدر امل، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

171

سؤال يبدو مشروعا يف حد ذاته، خاصة لو تتبعنا فقط نص أوغسطني دون حتليل

ملستوياته، ولعل هذا اهلدف سرعان ما يتكشف لنا حينما نفهم بأن هذا النفي من قبل

ي واملستقبل وإبقائه فقط على احلاضر، فإنه يضعهما أي املاضي أوغسطني للماض

داخل احلاضر، عن طريق استحضارمها يف الذاكرة "واملستقبل يف ما بعد كما يقول ريكور،

سيتمكن من ختليص هذا اليقني األويل من نكبته الظاهرة بتحويل ) حيث(l’attenteوالتوقع

.1"إىل توقع وذكرىفكرة املستقبل الطويل واملاضي الطويل

هذا يعين أن ال توقع وال ذاكرة بدون حاضر، احلاضر يغدو مركز األبعاد الزمانية

��ƚƦǼƬdz¦�řǠȈLJ�ǞǫȂƬdz¦�À¢Â��®ǂLjdz¦�řǠƬLJ�ǂǯ¦ǀdz¦�ÀƜǧ�¦ǀdz�� ƢȈNjȋ¦�śȈǠƫ�Ƣđ�ǶƬȇ�Ŗdz¦�ª Ȑưdz¦

ىن هذا البناء للمشكل يضعنا يف وجه دائري فمن جهة، حنن حباجة إىل سرد إلعطاء مع"

2"إنساين للزمن ومن جهة ثانية اعتبار الزمن وحده فقط، تسمح بفهم طبيعة السرد

.وبالتايل فإن السرد والتنبؤ ال ميكن أن يكونا بدون حاضر

ولذا فإن التذكر نفسه ليس إال انطباعا أي أن منلك صورة عن املاضي من خالل ما

ترتك فينا انطباعا، أي ما هو عالق يف ترتكه األحداث فينا، فنحن ال نتذكر إال األشياء اليت

ذهننا، وللتغلب على ظاهرة النسيان، أي ضد التذكر جتدنا مشدودين لالحتفاظ بالقدر

الكبري من هذه االنطباعات فاإلنسان مثال يسعى من خالل االحتفاظ بالصورة ألن ميسك

إذا كنا متيقنني أننا إننا ال نقدم على أخذ صورة فوتوغرافية إال . بكل ما هو انطباع جيد

ƨǴȈŦ�Ãǂǯǀǯ�Ƣđ�ǚǨƬƸǼLJ.

.28ص ،السابق املصدر -12- Greisch, J., Paul Ricœur l’itinérance du sens, Ed, Jérôme Million, Paris, 2001, P 181 .

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

172

هذا األمر بالنسبة للماضي، أي بالنسبة للتذكر ال خيرج عنه التنبؤ، ذلك أنه وبفضل

ولدينا إدراك . التوقع احلاضر تكون األشياء املستقبلية موجودة لدينا بوصفها أشياء ستأيت"

ƢȀǬƦƬLjǻÂ�Ƣđ�ƘƦǼƬǻ�À¢�ǺǷ�ƢǼǼǰŻ�Ƣŭ�ǪƥƢLJ"1.

ح إذن أن التوقع هو نظري الذاكرة مبعىن أن املاضي هو نظري املستقبل، حبيث أن يتض

احلاضر هو الذي يعمل على أن ال يكون تضاد بني اجلانبني، لذا وكما يؤكد على ذلك

:ريكور ميكننا تصور الزمن أو باألحرى احلاضر على الشكل التايل

.حاضر األشياء املاضية ـــــــــــ هو الذاكرة-1

.حاضر األشياء احلاضرة ــــــــــ هو اإلدراك املباشرو -2

.وحاضر األشياء املستقبلية ــــــــــ هو الواقع -3

هذا التصور يقول غريش يدعونا لالستعانة بالفينوموينولوجية التكوينية، وهو ما

.تفطن إليه بول ريكور حينما قارب مفهوم الزمن عند أوغسطني

ل أوغسطني للزمن من خالل مفهوم احلاضر الذي يالحظ بول ريكور بأن حتلي

يسوقه هنا يضع أمام مفهوم رمبا مغاير ملفهوم الزمن عند أرسطو الذي يربط مفهوم الزمن

مبفهوم احلركة أن الزمن هو قياس احلركة، ولكن هذا املفهوم عند أوغسطني ال يضعه يف

. ركةمنأى عن سؤال مهم حول عالقة اخلالق بالعامل قبل وبعد احل

... فعن سؤال ماذا كان يفعل اهللا قبل أن خيلق السماء واألرض؟ إذا كان يف راحة

وال يفعل شيئا فلم مل يستمر يف عدم الفعل إىل األبد، مثلما كان قد فعل ذلك يف املاضي؟

.31، ص سابقالصدر ، امل1ج ،الزمان والسرد ،ريكور بول -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

173

لكن إذا كانت إرادة اهللا يف إجياد اخلالق موجودة منذ األزل، فلم مل يكن إجياده اخللق أزليا

؟أيضا

هذه األسئلة اليت يطرحها أوغسطني، يراها بول ريكور ضرورية لفهم هذا اإلحلاق

.الذي يعمل من خالله أوغسطني على تفنيد سلبية احلاضر

فالسؤال عن إرادة اهللا يف خلق العامل، أي يف خلق احلركة وربطها بالزمن الذي ينبين

يف حقيقة األمر برهان يقيمه عنه مفهومنا ملعىن قدرة اهللا أو عدمها على الفعل، هو

.أوغسطني نفسه على وجود أو عدم وجود الزمان

هذا التوجه ال يعين بالضرورة أن أوغسطني ينحو حنو نظرية يف اإلحلاد، الشيء

الذي قد يفهم حتت طائلة األسئلة اليت أقامها بقدر ما أنه كان يسعى إلثبات وجود اهللا

، حتليال إميانيا بعيدا عن مفهوم احلركة والزمان عند واخللق من خالل حتليل مفهوم الزمن

حىت لو كان هناك زمان قبل الزمان فإن ذلك الزمان سيكون خملوقا بالضرورة ما "أرسطو فــ

وهكذا فإن الزمان املوجود قبل اخللق كله أمر ال ميكن التفكري . دام اهللا خالق األزمنة كلها

فالقول إن اهللا كان عاطال . عطالة اهللا قبل اخللق ويكفي هذا والربهان لطرد افرتاض. فيه

وبالتايل، .يعين القوة بوجود زمن مل يفعل اهللا فيه شيئا على اإلطالق، قبل خلقه العامل

.1"العامل –قبل –فليس من املناسب استعمال املقوالت الزمنية لوصف ما

عادة فهم فحواه هذا املستوى من التحليل للزمن عند أوغسطني ينقل بول ريكور إل

من خالل فلسفتني، تتعلق األوىل بفلسفة هوسرل والثانية بفلسفة هيدغر، ولرمبا يشدنا

.55-54ص ص ، السابق املصدر، 1ج ،الزمان والسرد ،ريكور بول -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

174

أكثر إعجاب ريكور بتحليالت هيدغر حول الزمن مفضال إياها على ما سبقها من

.فلسفات وما حلقها

هيدغر /ريكور- ب

ينبه من البداية ونظرا إلعجابه بفلسفة هيدغر، خاصة كتابه الكائن والزمن، حيث

ملا حيمله هذا الكتاب من دالالت، بل حيث القارئ على قراءة خاصة هلذا العمل مع ما

.يأيت بعده ومع تأثرياته

إن عمل ريكور على مفهوم التزمن لدى هيدغر بعثه هذا الربط بني الزمن اهلم أو

ني بل أكثر بكثري ذلك أن هيدغر يف نظر ريكور ينتقل بنا من زمانية أوغسطsouciاحلرية

لقد جعل أوغسطني هذه الوحدة " من الثالثية اليت نشرها أوغسطني حول مفهوم الزمن

يطمح هيدغر لينتقل إىل أبعد من حتليل أوغسطني " .1"تنشأ من احلاضر عن طريق التثليث

أصالة هيدغر هي يف البحث اهلم (...) للزمن الثالثي للحاضر وأكثر من حتليل هوسرل

نفسها مبدأ التعددية للزمن يف مستقبل وماضي وحاضر يف هذا االنتقال حنو )احلرية(

األكثر أصالة ينتج تطوير املستقبل يف املكان الذي كان يشغله احلاضر فهو إعادة توجيه

وهو ما جعل هيدغر ينقل مفهوم التارخيية إىل مفهوم 2"كامل للعالقات بني أبعاد الزمان

Temporalitéلزمن والذي يعين بدءا من هنا مفهوم للتزمن يبدو جديد لتعلقه مبفهوم ا

هذا التحول Historialitéليدخل مع مفهوم االندماج يف التاريخ أو ما يسميه هيدغر

ساهم يف نظر ريكور يف فتح أفق التاريخ على توسع دائرة احلدث بالنسبة للبحث التارخيي،

.95ص ،السابق املصدر - 1.102ص ، السابق املصدر، 3الزمان والسرد، ج،بول ريكور - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

175

ألنطولوجية ملفهوم الكائن بل مل يصبح مبعىن أن ما يتعلق باملاضي أصبح من الدالالت ا

املستقبل كما كان من قبل بعدا مضافا للحاضر، كما كان احلال مع أوغسطني وهذا ما

يفضي يف األخري بريكور لتوضح الغرض من عمله يف حماولته إجياد جمال آخر لفلسفة

أن االختيار يف احلالة هذه للنقاش حول فلسفة التاريخ نقبل طواعية"التاريخ، حيث يقول

الوحيد هو بني التنظري حول التاريخ بالكيفية اهليجيلية وإبستمولوجية الكتابة التارخيية

بالكيفية الفرنسية أو الفلسفة التحليلية للتاريخ واللغة االجنليزية هناك جمال آخر مفتوح

لزمن بفضل تأهيل االلتباسات الفينومينولوجية للزمن واليت تعين للتفكري حول مكانة ا

التارخيي بني الزمن الفينومينولوجي والزمن الذي ال حتصل الفينومينولوجي على تكوينه الذي

1"نسميه زمن العامل زمن موضوعي أو زمن منشور

ولعل هذا اهلدف هو الذي يسعى حتقيقه بل تأكيده من خالل الصيغ العامة اليت

يف اليومية، وفكرة تتبع أثار اآلخرين يأخذها الزمن يف صوره املتعددة واليت حيصرها ريكور

من خالل الوثيقة، واألثر حيث كانت األوىل كما الثانية الغرض منها اإلمساك بالزمن من

قد ولدت . حيث هو متدد يف اجلهتني أي مستقبال وماضيا ذلك أن اليومية مثال يف نظره

احلياة اليومية يف مفصل الزمن الفلكي، الذي لوحظ على حركة الكواكب، ويف تالحق "

فهي حتقق تناغم األعمال . أوالعيدية، الذي لوحظ على اإليقاعات البيولوجية واالجتماعية

.2"وتندمج العشرية وأعرافها يف النظام الكوين. مع األيام، األعياد مع الفصول والسنوات

.189ص ،3ج ،السابق املصدر -1.206، ص 2001ط، .د ريكور ، من النص إىل الفعل، دار عني للدراسات اإلنسانية و االجتماعية، مصر،بول -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

176

هذا العمل الضخم مل يكن ليحصل لوال هذا التغري الذي حصل ملفهوم الزمن مل يبق

الزمن حمصورا أمام أراد له أوغسطني يف احلاضر أي مل يعد الزمن جمال الالوجود املفرتض

للمستقبل واملاضي بل حصل للزمن نوع من االنتشار والتمدد إذا استعملنا اللغة

األوغسطنية نفسها، ولكن باجتاه املستقبل هذا ما مل يكن ليحصل لوال هذا الفهم اجلديد

أن الكينونة أو "ألن هيدغر خالفا ألوغسطني يرى . هوم الزمنالذي أعطاه هيدغر ملف

.1"الوجود أسبق وأكثر تأصيال من فكرة الوعي واملعرفة

هذا التوجه حنو الزمن اهليدغري ال جيعل ريكور يف منأى على أن ينتقد وبشدة

ن فلسفة هيجل حول الزمن الكوين الذي هو لصيق ملفهوم النقد لديه، لذا جنده يتساءل ع

¿ƾǬƬdz¦�¿ȂȀǨŠ�ǺǷDŽdz¦�ƢŮȐƻ�ǺǷ�ǖƥǂȇ�Ŗdz¦Â�ǺǷDŽǴdz�DzƴȈǿ�Ƣđ�ǂǜǼȇ�Ŗdz¦�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀǿ. ال ميانع

ريكور يف جتاوز الطرح اهليجلي، فهو بذلك ينقل النقاش ألرضية أكثر تأسيسا، ألنه كان

سيكون إذا وغها هيجل من خالل مفهومه للزمن يعي بأن املعرفة املطلقة اليت يسعى لبل

نقل الالزماين الذي انطالقا منه كل زمانية ميكن أن تكون موضع تفكري وتكون هذا الت

دائمة إلفراز الشروط املمكنة للتارخيية غري ممكنة التحقق إال باستحداث مفهوم جديد

للزمن يكون منطلقه هذا االندماج للكائن الفرد أو اجلماعي داخل الزمن نفسه كما أعلنه

.هيدغر

.77، ص 1،2000ط ناصف مصطفى، نظرية التأويل، النادي األديب الثقايف، جدة،-1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

177

:المروين االزم-3

:الحكي والسرد- أ

�Ŀ�ƾǸƬǠȇ�À¢�°Ȃǰȇǂdz�ǶȀŭ¦�ǺǷ�ÀȂǰȈLJ��ȂǓȂŭ¦�¦ǀđ�DzǷƢNjÂ�» Ƣǯ�¿ƢǸƬǿ¦� Ȑȇȍ

تصور أوغسطني للزمن وأرسطو ملفهوم احلبكة هذا من : دراسته على نقطتني أساسيتني مها

ي جهة ومن جهة ثانية حماولة حتليله ألفول الصراع القائم بني التحليل اإلبستمولوجي واللغو

.أو الوضعي املنطقي للمعرفة التارخيية بني املدرسة التارخيية الفرنسية واملدرسة التحليلية

لكن الرابط بني هذه اجلهات للصراع أي صراع التأويالت، ينبين على العالقة بني

احلكي والسرد؛ وما حاول الوصول إليه ريكور هو أن هذه العالقة تدور أساسا حول هذا

دة فهم مسألة الزمن يف احلكي ملستوى السرد، وذلك من أجل إعا االرتقاء يف نقل

ستمولوجيا بإعلم، إن ه اآلخرنصفو ، مبحث غامض، نصفه أديبإن التاريخ .احلقلني

هذه احلالة آسفة متوقفة عن العمل باجتاه تاريخ ال يكون أن تسجل إالتستطيع التاريخ ال

مبرارة هذه أن تسجل سوىتستطيع ال بذلك التاريخ فإبستمولوجيا 1"نوعا من السرد

.احلالة

هذه املشكلة اليت تطرق إليها ريكور ال تتوافق وطموحه وبذلك فهو ال يوافق على

�Ŀ�ǾƬȈdzƢǰNj¤�®ƾŹ�ǾȈǴǟÂ��ƾȈǨǷ�Śǣ� Ƣţ°¦�ƨdzƢƷ��ƨLjǠƫ�ǾdzƢƷ��ƢĔƘƥ�ƢȀǨǐȇ�Dzƥ��ƨdzƢū¦�ǽǀǿ

تباط بفهمنا السردي عن طريق كثريا عن الصيغة السردية يواصل االر الذي أبعد التاريخ : "أن

حوار من االشتقاق نستطيع إعادة بناءه خطوة خطوة ودرجة درجة مبنهج مناسب؛ بل من

.148ص ، سابقالصدر امل، 1ج ،الزمان والسرد ،ر ريكو بول - 1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

178

يسعى لتناسي الرابطة االنعطافية اليت تواصل والذي بغرض علمي 1"تأمل من الدرجة الثانية

.تكتيكا احلفاظ على خصوصيته كعلم تارخيي

ك اشتقاق بني التاريخ وبني السرد، هذا حياول ريكور بذلك أن يوضح أن هنا

االشتقاق الذي يرى أننا نستطيع أن نصلحه وذلك بإعادة بنائه خطوة خطوة، ودرجة

على خصوصية ) املنهج(درجة باختيار املنهج املناسب لذلك، شريطة أن حيافظ هذا األخري

يعطيه ملفهوم احلكي �À¢�ƾȇǂȇ�Äǀdz¦�ƾȇƾŪ¦�ǶȀǨdz¦�¦ǀđ�®ƾƸƬƫ�°Ȃǰȇ°�ƨƷÂǂǗƘǧ. التاريخ كعلم

.أي الداللة املرتبطة بالزمن وترقى بالتاريخ حىت يصل إىل مستوى السرد. يف داللته التارخيية

أن إنشاء الزمن التارخيي سيكون من الرهانات الكربى ملشروعي، "فر يكور يرى

.2"أنه نتيجة وحمك معا ) رهان(وتعين كلمة

هذه األطروحة هلا امتداد فوري فبناء الزمن التارخيي يغدو كذلك أحد الرهانات

تتوقف على تأكيد رابط غري مباشر لالنعطاف الذي فأطروحة ريكوراألساسية للعملي

بفضله املعرفة التارخيية تنطلق من الفهم احلكي بدون أن تفقد من طموحاته العلمية وهلذا

."فهي ليست أطروحة خمتلطة

لقد اعتمد ريكور يف حتليله هلاته املسألة على أطروحتني تعتمد األوىل على انسحاب

السرد التارخيي بدون أي عالقة أو ارتباط فيما بينه وبني السرد؛ جاعال من الزمن التارخيي

بناء ال أساس له من الزمن السردي، واألطروحة الثانية اليت تبىن أساسا على العالقة بني

148، ص 1السابق، ج املصدر - 1.148ص ،املصدر نفسه - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

179

والسرد، وهي عالقة مباشرة؛ وبذلك تعتمد أطروحة ريكور يف األخري على إثبات أنه التاريخ

توجد عالقة غري مباشرة داخل هاته املعرفة التارخيية لفهمنا للسرد لكن بدون أن نفقد من

طموحها العلمي، وبذلك فأطروحته قابلة لالمتداد؛ وبذلك يؤكد ريكور أن عمله لن يكون

املدرسة الفرنسية اليت سعت لوضع املعرفة التارخيية ضمن ما يسمى توفيقيا بني أطروحات

بالعمل االبستمولوجي، وال نفس عمل املدرسة التحليلية بداية من مدرسة فينا أو املدرسة

�Ǯ اإلجنليزية؛ وإمنا عمله سيكون جديدا dzǀƥÂ�śǴǸǠdz¦�Ǻȇǀđ�ƢLJƢȈǫ " روابط إعادة بناء يعين

يواصل اليت ؤرخقصدية فكر املاألمر إلقاء الضوء على �ƨȇƢĔيف ؛باشرة للتاريخ بالسردمغري

Ƣđ 1"يةساساإلنساين وزمانيته األعلى حنو غامض، قصد حقل الفعل التاريخ.

�ƢȀȈǘǠȇ�Ŗdz¦�ƨƯȐưdz¦�ǶȀǨdz¦�©ƢȇȂƬLjŠ�ƺȇ°ƢƬǴdz�ǾǷȂȀǨǷ�°Ȃǰȇ°�ǖƥǂƥ�ǪƸǴȇ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđ

ليتحدد أفق عمله البعيد لتصري بذلك كتابة التاريخ مسطورة يف داخل mimesisللمحاكاة

احملاكاة الكربى؛ باعتبار أن احملاكاة األوىل تعتمد على الكفاءة العملية بتناوهلا لألحداث

اليت تقع يف الزمن، ومن خالل ممارسة ذات كفاءة عاليا يف كيفية كتابة التاريخ بالزمن

ة ويف بلوغ مرتبة إعادة تصوير حقل هاته املمارسة يف احملاكاة السردي يف احملاكاة الثاني

.الثالثة

تتحدد هذه املستويات الثالثة للمحاكاة عند ريكور باملفهوم اجلديد الذي أراد أن

يعطيه للزمن اإلنساين، مبينا فعالية تالزم رواية وقعت والطبيعة الزمنية للتجربة اإلنسانية

.149ص ،1، ج السابق املصدر -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

180

ما يتم التعبري عنه، من خالل طريقة سردية؛ ويتوفر السرد على يصري الزمن إنسانيا بقدر "

.1"معناه الكامل حني يصري شرطا للوجود اإلنساين

modeالزمن يغدوا إنسانيا قياسا مبا يدور حوله من منط للحكي ف narratif ن إو

.معناه الكامل حينما يصبح شرطا للوجود الزماينبذلك يبلغ récitالسرد

اجلديد الذي حياول ريكور الوصول إليه وذلك بدمج مفهومه للزمن هذا املفهوم

الذي أخذه من أوغسطني وذلك من خالل كتاب االعرتافات بداية من الكتاب احلادي

.عشر، والثاين مبفهوم احلبكة عند أرسطو من خالل كتابه يف الشعر

ذي يأخذ فيه وال" الزمن والسرد"يشكل هذا الدمج أو البناء الوسيط حمتوى كتابه

Laكتاب الشعر poétique ألرسطو املركز الرئيسي يف املعاجلة من خالل ما يسميه بول

ويف بناء العالقة بني طرائق احملاكاة ريكور بالصور الثالث للمحاكاة كما رأيناها سابقا،

مان الثالث ، أكون الوساطة بني الزمان والسرد، أو بعبارة أخرى حلل معضلة العالقة بني الز

سبقها والسرد ينبغي أن أقيم الدور التوسطي للحبك بني مرحلة التجربة العملية واليت ت

.2"واملرحلة اليت تتبعها

ففي حمتوى هاته الطرق للمحاكاة الثالث تبىن الوساطة بني الزمان والسرد وبذلك

فريكور يقيم الدور التوسطي للحبك بني مرحلتني أساسيتني التجربة العملية اليت تسبقها

واملرحلة اليت تتبعها، وتبعا لذلك؛ يضع ريكور مفهومه للزمن وفق الداللة الثالثية للمحاكاة

.95ص ،1، ج السابق املصدر -1.97ص ،نفسه املصدر -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

181

ن نتابع مصري الزمن مصور سابقا، يتحول إىل زمن يعاد تصويره من خالل لذلك حن: "لقوله

.1"وساطة زمن متصور

’’refiguré’‘بالزمن بعد التشكل ’’préfiguré’‘أي متابعة مصري الزمن قبل التشكل

، وهذه الصيغة تنحل يف حماكاة تعكس مستويات ’’configuré’‘وبواسطة الزمن املتشكل

.الوعي بالزمن

إذ تعين احملاكاة أو متثيل الفعل يف الدرجة األوىل الفهم القبلي ملا : "يقول ريكور كما

هو الفعل اإلنساين يف داللياته ونسقه الرمزي؛ وزمانياته؛ وعلى أساس هذا الفهم القبلي،

.2"الذي يشرتك فيه الشعراء قراؤهم، تنشأ احلبك ومعه احملاكاة النصية واألدبية

نقلد أو نعرض احلركة، يعين أول ما يعين فهم أويل : من احملاكاةففي املستوى األول

ما هو العمل اإلباين يف السوميطيقا والرمزية الزمانية، فعلى هذا الفهم األويل املشرتك

.للشاعر وقراءه يثار الوضع يف حبكة وبفضله كذلك احملاكاة النصية واألدبية

ىن، واملصادر الرمزية وطبيعته الزمنية تبىن بفضل هذا الفهم القبلي حملتوى الفعل، واملع

احملاكاة األوىل مبا أن القدرة على حتديد الفعل بفضل تلك الكفاءة أو الفهم القبلي نستطيع

أن نصل إىل معناه البنيوي أو مساته البنيوية؛ حتتاج بعد ذلك إىل كفاءة تكميلية اليت حتدد

ǸƬLJ¦�ƢĔ¢�°Ȃǰȇ°�Ãǂȇ�Ŗdz¦Â�ƨȇDŽǷǂdz¦�©ƢǗƢLJȂdz¦ دته األنثربولوجيا الثقافية وأخريا فإن هاته

الصياغات الرمزية للفعل حتمل يف حمتواها عناصر زمنية تكون أكثر دقة من غريها؛ من هنا

.98ص ، 1، جالسابق املصدر -1.113ص ،نفسه املصدر -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

182

يثار هذا الوضع يف حبكة وبفضله كذلك احملاكاة النصية واألدبية وبذلك فهذا الفهم

اته لكي يصل إىل التعرف على القبلي، يعىن بالعناصر الزمانية اليت يطعمها السرد بتصور

.البىن الزمنية يقتضيها احلكي وبذلك تصل هذه املطابقة بني الزمن والسرد ضمنية

أما احملاكاة الثانية هاته احملاكاة اليت يرى فيها ريكور موضع التوسط بني احلكي وما

ية يأيت بعده، وتفضيل مصطلح احلبك على احلبكة، وبذلك متارس احلبكة، وظيفة تكامل

.وذلك يف حقلها النصي ومن مث وظيفة توسطية كما ذكرنا

توصلها هاته الوساطة إىل التوسع يف الفهم القبلي والفهم البعدي، هذا التوسع

يشمل من جهة األحداث الفردية أو العوارض والقصة؛ وبذلك فهي حتول هاته األحداث

ور باحلبكة باعتبار أن احلبكة إىل قصة مقروءة ومفهومة؛ هاته العالقة بينهما يسميها ريك

بع هي توسط بني األحداث والقصة املروية؛ وهي العملية اليت نستطيع استخراج تصور تتا

.بسيط

ومن جهة أخرى يسمح مفهوم احلبكة أن يتيح امتداد أكرب إىل ما هذا من جهة

ذلك هذا يطلق عليه أرسطو التصور باحلبكة وهذا ما يشكل الوظيفة التوسطية للحبكة؛ وب

يشكل هذا التنقل الوظيفي من التباديل إىل التتابعي النقلة من احملاكاة األوىل إىل الثانية

بفعالية التصور كما رآه أرسطو وأخريا فإن اعتبار احلبكة توسطية بطريقة ثالثة يتمثل يف

©¦ŚǤƬŭ¦�śƥ�Ǧ ȈdzƘƬǯ�ǶȈǸǠƬdz¦�ƨǘLJ¦Ȃƥ�ƨǰƦū¦�Ǧ ǛȂƫ�Śƻȋ¦�ǾƫƢǿ��ƨȈǼǷDŽdz¦�ƢēƢǨǏ . وبذلك

.Fiction: يفتح ريكور يف هاته احملاكاة ما يسميه مملكة اخليال

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

183

mimesisأما احملاكاة الثالثة يذهب إىل ما يسميه أرسطو باحملاكاة اخلالقة praxeos

غادامري يف تأويلته الفلسفية بـ التطبيق . ج. أو ما يسميه هـ"يف عدة فقرات من فن الشعر

applicationه على مفهوم الزمن يف الفلسفة الفينومينولوجية علما أنه يعلم والذي يعتمد في

ولقد . أنه ليس يف فلسفة أوغسطني أو يف الفلسفات الفينومينولوجية فلسفة خاصة بالزمن

قلت هناك أنه ال توجد ظاهراتية خالصة للزمن لدى أوغسطني، وأضفت أنه رمبا ال ميكن

.1"هلا أن توجد أبدا

مثل هذا التصور يدفع ريكور إىل النظر يف تأويله هيدغر حينما يؤسس

فينومينولوجيته على أنطولوجيا الكائن العيين والكائن يف العامل، فتأويلية هيدغر اليت حتدث

ألن ظاهرية هيدغر تقوم أساسا على أنطولوجيا . قطيعة مع التأويلية الذاتية عند أوغسطني

لوصول إىل إثبات أن الزمانية يفهمها هو هي أكثر ذاتية من أية الوجود يف العامل، وذلك ل

الوجود "عند حتليل هيدغر للزمانية يف ذات كانت، وأكثر موضوعية من أي موضوع كان؛

يستثمر اخرتاق أوغسطني بطريقة حامسة جدا، وإن كانت حتدث كما نرى؛ بدءا " والزمان

بنية احلاضر الثالثي كما لدى املوت، وليس يف -حنو–من تأمل هيدغر يف الوجود

.2"أوغسطني

ني استثمر الذي قام به أوغسط الكائن يف الزمنو التحليل اهليدغري للزمانية ف

من أجل املوت ،حىت وإن كما نقول من خالل الوساطة بالكائن ،بالكيفية األكثر صرامة

.وليس كما هو عند أوغسطني من خالل البنية الثالثية للحاضر

.141ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،ر ريكو بول - 1.143ص ،نفسه املصدر -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

184

:أفول السرد- ب

إن ما تتميز به كتابة التاريخ الفرنسية واإلبستمولوجية الوضعية اجلديدة إىل نوعني

�ƢǸǯ�ƺȇ°ƢƬdz¦�ƨǨLjǴǧÂ�ƨǨLjǴǨdz¦�ǪƥƢǘƫ�Ŀ�Ǫưƫ�ȏ�ƢĔ¢�ńÂȋ¦�ǎ ź�ƢǸǧ��§ ƢǘŬ¦�ǺǷ�ǺȇDŽȈǸƬǷ

تطرقنا إليه عند هيقل، أما الثانية فلم تتوصل إىل امتزاج حقيقي للوصول إىل كتابة التاريخ

ة وهذا ما يوصلنا إىل ذلك االفتقار حول البنية االبستمولوجية للتفكري يف التاريخ الفرنسي

.ألن هدفها كان موصول باحرتاف املؤرخ

وبذلك حتدد عند ريكور مسألتني أساسيتني يف دراسة هاته الدراسة، إذ تتمثل األوىل

وع التاريخ داخل مبا وصلت إليه مدرسة احلوليات الفرنسية من صرامة وتفتح يف دراسة موض

�ƨǧǂǠŭ¦�®ƾŢ�ƢĔ¢�µ ŗǨȇ�Ŗdz¦�«¯ƢǸǼdz¦�Őǟ�ƺȇ°ƢƬdz¦�ǾȈdz¤�DzǏÂ�ƢǷ�ȄǴǣ�Ä¢��ĿǂǠŭ¦�¿ƢǜǼdz¦

العلمية؛ والوحدة العميقة يف هذا املشروع، ومدى جناحه وبذلك تعتمد على االبستمولوجيا

املدرسة أي النظرية املعرفة أكثر من املنهجية، ومن جهة ثانية تتمثل الثانية مبا أخذته

بتوضيح معركتني يف الوقت : التحليلية من مهام لدراسة موضوع التاريخ حيث يقوم ريكور

على األستوغرافيا الفرنسية واليت تنطبع باحلذر األقصى من التاريخ احلداثي " نفسه

والسردي، ومن جهة أخرى من اإلبستمولوجيا األجنلو سكسونية، واليت شرع البعض منها

ة السردية على حساب النموذج االمسي الكالسيكي الذي دافع عنه يف إعادة اللحم

Hempelأوبنهينرoppen Heiner"1.

1- Greisch, J, Paul Ricœur , Ed. Jerome Raillion, 2001, p 218.

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

185

ينبثق أفول " :ضمن هذا التحليل يتحدث ريكور عما يسميه بأفول السرد حبيث

السرد يف األساس من استبدال موضوع التاريخ، الذي مل يعد الفرد الفاعل؛ بل الواقعة أو

.1"ية الكليةاالجتماعاحلادثة

من جهة أخرى تعترب كتابة التاريخ الفرنسية، والوضعية اجلديدة يف نظر ريكور يعود

ƾƸƬƫ�Ŗdz¦�ƨǨLjǴǨdz¦�ǽƢš®�: إىل فضائني قويني ¦��®®ǂƫ�ÀÂƾƥ�°ǀƷ�ƢŮ��¦ƾȈǴǬƫÂ��ƢĔ¢�Ȃǿ�¾Âȋ¦

شبنجليز وتوتيب، إراديا بفلسفة التاريخ وفقا لألسلوب اهليجلي وهي نفسها تقارن بتنظريات

أما الفلسفة النقدية املوروثة منذ دلتاي ريكرت ومسيل ماكس قيرب، وتواصلت لدى رميون

".آرون وهنري مارو مل تندمج يف الستار الرئيسي لألسطوغرافيا الفرنسية

هذا املوقف ذو احلدين أي املوقفني الفرنسي واألملاين وهو ما يصفه فرانسو دوس

يني هلم نوع من احلساسية املفرطة باجتاه كل فلسفة للتاريخ مما دفع بأن املؤرخني الفرنس

.باملؤرخني الفرنسيني إىل االعتماد على املقاربة امليدانية

موضوع التاريخ يف الفكر التارخيي ىاحلالة من األفول اليت غريت جمر ويف هذه

بدال من أفول السرد، إذ ينبع ظره عند االجتاه الوضعي املنطقي الفرنسي نفسها سادت يف ن

.2"بني التفسري التارخيي والفهم السردي لدينااإلبستمولوجية املعرفية القطيعة ذلك من

بول ريكور مبعاجلة هذه الظاهرة، أي أفول السرد وذلك بتحليل منطلقات كل ميقو

ظاهرة ونقدها، والغرض من ذلك التوصل مبخرج يضع فيه السرد مقابل الزمن؛ وهو ما وعد

.154سابق، ص الصدر امل، 1الزمان والسرد، ج،بول ريكور -1.نفسها الصفحةو ،نفسه املصدر -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

186

القارئ يف بداية كتابه الزمن والسرد؛ حيثما حدد هدفه الذي يكمن فيما يسميه به

l’intentionnalité’‘بالقصدية التارخيية historique’’.

حيث يسعى التأسيس للقصدية التارخيية من خالل املقابل الذي يسميه غريتش

l’intentionnalité’‘بالقصدية السردية narrative’’.

ر الوصول إليه هو ذلك التقارب بني هاتني الظاهرتني، متخذا نقطة ما حاول ريكو

ما يعد واقعة "هدي يف كليهما، وذلك مبحاولة حتليل منطلقات كل ظاهرة ونقدها؛ باعتبار

أي التوصل إىل نتيجة حىت يستطيع أن يضع 1"ومدى زمنيا تارخييا يف كل منظور منهما

.السرد مقابل الزمن

ريكور أن مدرسة احلوليات الفرنسية ومن خالل ميادين من جهة أخرى الحظ

�ǺǷDŽǴdz�ƾȇƾƳ�¿ȂȀǨǷ� Ƣǘǟ¤�¾ÂƢŢ�ƪ ǻƢǯ�Ȇź°ƢƬdz¦�Ʈ ƸƦdz¦�Ƣđ�©°ȂǗ�Ŗdz¦�ƾȇƾŪ¦�Ʈ ƸƦdz¦

التارخيي فحاول ريكور بذلك أن يدعونا إىل إطاللة سريعة إىل عمل كل من رميون آرون

قبل أن يؤسس لوسيان فيفر الذي كتب مقال يف حدود املوضوعية التارخيية، والذي ظهر

، عندآرون انساق فقد"، ففي نظر ريكور أن "حوليات التاريخ االقتصادي"ومارك بلوخ

؛ وبذلك فإن 2"إىل التصريح مبا أطلق عليه تالشي املوضوع تثبيت حدود املوضوعية التارخيية

إىل ة كانت موجهإذا "ما يطرحه من أفكار حول املسألة لقيت أكثر من سوء فهم حبيث

.3"أنطولوجية أخرىأطروحة ألجنلو وسينوبوس، أكثر من أي الوضعية املهيمنة حتت درع

.154ص ، سابقالصدر امل، 1بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.156صدر نفسه، ص امل - 2.157ص ،نفسه املصدر -3

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

187

�ǞǷ�ȄNjƢǸƬƫ�ȏ�ƢĔ¢�ȄǴǟ�ƨȈƫ¦ǀdz¦�Ŀ�ŚǰǨƬdz¦�ń¤�ƢǼǠǧ®�ǶȀǨdz¦� ȂLJ�ÀƜǧ�Ǯ dzǀdz

سجن؛ بل من هذا ال احترر سجنا، واملوضوعية ليست الذاتية ليست :"املوضوعية فالذاتية

.1"إحدامها األخرى بدال من الصراعة الذاتية واملوضوعي تعزز

فإعادة البناء هي اليت تبني الفراغ الذي يفصل مابني املوضوعية اليت يعتمد عليها

.عمل العلم وما بني التجربة املعيشة هاته التجربة اليت الغري قابلة لإلعادة

ا إن فليس الفهم هو السجن الذايت، والتفكري هو اجلانب املوضوعي ، ويف الواقع م

�ǺǷÂ��ȆǓƢŭ¦�Ǻǟ�ƨdzȂǬǼŭ¦�ƨǬȈǬū¦�ǺǷ�Ǧ dzƘƬƫ�ƢĔȋ��ǾƬǬȈǬƷ�«Â®DŽƫ�ŕƷ��ƺȇ°ƢƬdz¦�ƶǐȇ

.2"الشهادة اليت يقدمها املؤرخ

يعترب التاريخ شكل من أشكال املعرفة؛ وذلك اعتمادا على العالقة اليت يعتمد عليها

خه املؤرخ يف الوقت يف الربط بني التجربة اليت عاشها الناس يف أزمنة خمتلفة وبني ما يؤر

Ƣđ�ǶǴLjǷ�ƢĔȋ�ƨȈǻƢLjǻȍ¦�ȄǴǟ�» °ƢǠŭ¦�ǾƫƢǿ�¾ƢŢ�Ǯ dzǀƥÂ��ǂǓƢū¦ . فالتاريخ لكي يفهم

يستهدف املعرفة على أساس تام باملعاين والقيم والروايات اجلوهرية املنظمة حىت يستطيع

ىل الوثيقة، بل فاملبادرة يف التاريخ ال تنتمي إ"املؤرخ أن يقوم بعمله ويوصلها بطريقة مفهومة

.3"إىل سؤال يطرحه املؤرخ، ويتخذ هذا السؤال أسبقية منطقية يف البحث التارخيي

)DzǸǠdz¦�¦ǀđ ( إن هذا املفهوم لعمل مارو يربطه بعمل آرون يف حماولته إىل التصدي

¤�ǾƥƢƬǯ�¾Ȑƻ�ǺǷ��­ȂǴƥ�½°ƢǷ�Ƣđ�¿Ƣǫ�Ŗdz¦�ƨdzÂƢƄ¦�À. إىل فكرة التعصب للماضي يف ذاته

.158ص ،1، ج السابق املصدر -1.159ص ،نفسه املصدر -2.159ص،نفسهاملصدر -3

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

188

ؤرخ، واليت سعى من خالله أن يقوم بتغيري جذري يف موضوع التاريخ؛ غري أن مهنة امل

.التحول الذي لقي اهتماما واسعا عند ريكور يف حتليله هلذا املوضوع هو مع بروديل

البحر املتوسط، وعامل البحر املتوسط يف عهد فيليب :"إن عمل فرنان بروديل الرئيس

حبيث أصبح ". ال جذريا يف جمرى البحث التارخييالثاين فبهذا العمل أجرى بروديل حتو

.1"التاريخ جيو تاريخ ، وأصبح بذلك البطل هو املتوسط والعامل املتوسطي

فقد حاول بروديل ومن خالل ذلك أن يعوض مفهوم الزمن التارخيي الذي تطور يف

Laفهوم الفرتة الطويلة ملالفضاء النقدي longue durée كان د مفهوم احلدث كماليضا

تقليص دور ومفهوم لسياق النقدي فقد حاول منأساس فرتة قصرية، يف هذا ا ىمفهوما عل

احلدث، وحتديد الفرتة الزمانية للتاريخ أن يدخل يف معركة مع جهتني، وذلك نظرا للطرح

.املتنوع الذي حصل يف التاريخ

تشجيعها إن اهتمام الوضعية املنطقية مل يبتعد كثريا عن هذا التوجه من خالل

.لألمنوذج االمسي بدل تطوير وسيلة الفهم والتأويل

إن ما أراد مؤسسو مدرسة احلوليات خوض القتال ضده يف املقام األول هو "

االفتنان باحلدث الفريد الذي ال يتكرر مث بتحديد التاريخ من خالل إثباتات زمنية حمسنة

.2"ملعيار ممكن

.162ص ،السابق املصدر -1.173ص ،املصدر نفسه -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

189

حينما ترى بأن النموذج االقتصادي هذا الرأي جنده حاضرا يف دراسة أخرى

الدميغرايف الفرنسي كانت مسئولة عن أفول السرد يف التاريخ -املاركسي، والنموذج البيئوي

ويزداد مثل هذا الرأي تدعيما حينما نعرف . حيث غلب طابع العلمية على هذه النماذج

زادت يف قوة إبعاده من بأن هذه العالقة الكامنة واخلفية أحيانا بني حقل اآلداب والتاريخ

حقل السرديات أي أن انتماء اآلداب إىل العلوم اإلنسانية جيعله يبسط سلطانه على

.التاريخ لكونه يتخذ الصورة السردية اليت تفصل بينه وبني العلمية املوجودة

إن عالقة التاريخ بالسرد، مل تكن مباشرة موضع نقد يف الفرتة األوىل من النقاش بل

عينيات واخلمسينيات، ولكن فكرة إبعاد التاريخ عند السرد كانت قائمة على الربهنة يف األرب

األساسية املوجهة ضد أطروحة تعدي الفهم للشرح والذي وسع يف الفلسفة النقدية للتاريخ

.noniothetigueواملنهج Idiographiqueيف أملانيا التفرقة بني املنهج

وظيفة القوانني العامة "حلصر موضوع املعاجلة، ينطلق ريكور من مقال كارل هامبل

، وبالضبط أطروحته اخلاصة بالقوانني العامة واليت هلا عمل مماثل متاما يف التاريخ "يف التاريخ

والعلوم الطبيعية حبيث أن هذا املدخل يريده ريكور ملناقشة مفهوم احلدث يف الفلسفة

تويل أطروحته أمهية، إن مل نقل أمهية حامسة لكون ال : " يث أن هامبل يف رأيهالتحليلية ح

أو (...) �ƨȈũ°�°ƢƦƻ¢�Ŀ� ƾƦdz¦�Ŀ�ƨǼǸǔƬǷ�ƢĔȂǯ�ǺǷ�ƢȀƬǸȈǫ�ƾǸƬLjƫ: "األحداث يف التاريخ

إن فكرة احلدث التارخيي قد جردت من منزلتها (...) سرد قائم على ذكريات شخصية

.1"ارض بني اجلزئي والكليالسردية ووضعت يف إطار التع

.180ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،ريكوربول - 1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

190

وبالتايل ففي رأيه أنه ومنذ البداية، احلدث جرد من مكانته ومن أمهيته السردية،

.ووضع يف مقابلة بني ما هو خاص وعام

كما يرى ريكور من خالل مفهومه للقانون Drayهذه األطروحة تتسع لدى

مستوى الفهم والسبب والشرح فقد حاول ومن خالل أطروحته أن يقطع احلدث يف

ما تغفله أطروحة هامبل هو وظيفة " أن . وهذا ما أغفله هامبل وهو وظيفة الشرح. والشرح

الشرح ، فبنيته موصوفة بشكل جيد، لكن وظيفته مهملة؛ مبا يف ذلك أن الشرح هو ما

.1"يسمح مبتابعة احلكاية جمددا عندما حيصر الفهم التلقائي

مستبعدة ضمنا مبجرد "للحدث التارخيي فهي فهذه األطروحات تنفي كل خصوصية

أن ميتنع وجو د فارق مبدئي بني احلدث التارخيي واحلدث الفيزياوي، الذي حيدث ببساطة

، بل إن مؤلف مثل (...)ومبجرد أن تنقطع صلته باملنزلة التارخيية للحدث الذي يروى

تارخيي، ال يدمج بفكرة ألصالة إشكالية التأويل يف ال(...) شارلز فرانكل، متنبه جدا

أي أن التعريف املنطقي للحدث يبقى هو حالة خاصة 2"احلدث مسامهته على شكل سرد

.بدون عالقة ذاتية بالسرد

لكن هذا الوضع مل يستمر طويال؛ إذ أن سرعان ما ظهر اجتاه نقد هذا النموذج،

تاريخ والعلوم من جهة بأن الشرح الذي يقدمه املؤرخون ال يعمل بنفس الكيفية يف ال

.الطبيعية ومن جهة أخرى أنه ينبين على مفهوم االختيار وذلك للوصول إىل املوضوعية

.138سابق، ص الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -1.184-183ص ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

191

إن ريكور حياول ومن خالل كل ما ذكرناه املرافعة لصاحل السرد، ومن خالل ما

إما حاول الفكر التارخيي سواء الفرنسي أو الوضعي املنطقي، والتحليلي جتاهله من خالل

بحث التارخيي أو حصر احلدث فيما له عالقة بالعلوم الطبيعية وذلك من توسيع أفق ال

.ثدبحث يف موضوعية احلالخالل

يف األسطوغرافيا مل تكن رهان )narratif(مسألة نظام احلكي حبيث يرى ريكور أن

من مباشر الستمولوجيا العلوم التارخيية، ال يف األسطوغرافية الفرنسية؛ وال يف املرحلة األوىل

فظهور أطروحات احلكي يف حقل النقاش ظهرت بالتقاء تيارين لنقاش يف املرحلة التحليليةا

�¾ƢЦ�ƶƬǧ�Äǀdz¦�¬ǂnjdz¦�ŘǠǷ�ŚƴǨƬdz�ƨȀƳ�ǺǷ�Ȇũȋ¦�« ȂŶȋ¦�ƾǬǻ�DzǏÂ�ƾǬǧ��śȇǂǰǧ

Leملقاربة عكسية للمشكل؛ ومن جهة ثانية السرد récit أصبح موضوع إعادة تقييم ترتكز

Laباألساس على مصادره الذهنية، فالفهم احلكيي compréhension narrative وجد

.نفسه منبعث من جديد بينما الشرح التارخيي ضاع صيته

وجد فهمنا السردي نفسه يف الصدارة، بينما خسر التفسري التارخيي بعضا من "

.1"أمهيته

رافعة، حاول ريكور ويف حماولة منه إلعادة االعتبار وبغرض حتقيق نتائج هذه امل

.Wللسرد من الرجوع إىل تصور كل من وليام دراي Dray وفون رايت وآرتودانتو؛ وهيدان

�ŁƢǐdz�°Ȃǰȇ°�ƾǼǟ�ƨǠǧ¦ǂŭ¦�¾Ƣů�śȈǴȈǴƸƬdz¦�ƨǨLJȐǨdz¦�ǺǷ�ƨǟȂǸЦ�ǽǀǿ�ƪ. ويت ǴǰNj�ƾǬǧ

.اسرتجاع السرد ملكانته

.193ص ،1السابق ، ج املصدر - 1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

192

عتبة يف القانون والشرح يف التاريخ وذلك ليبني أن حبيث يعتمد دراي على أهم

هو الشيء الواجب فعله " هفعلنفسر يعين أن نظهر أن مث ما مسألة مهمة وهي أن

وهو يعين أن نفسر كيف (...) ، أن نفسر هو أن نربر مع فارق طفيف "لألسباب املعنية

ني معايرينا األخالقية نربر ليس أن نصادف على اخليار متبع) (...) مناسبا(كان الفعل

يف الفعل من خالل أفعال الفاعل وقناعاته حىت لو كانت ) تغليب الرأي(إنه يعين (...)

.1"خاطئة

من هنا ومن هذا التوازي املنطقي، يعود دراي دون معرفة منه ملفهوم احلبكة عند

ستوى من نوع من التعميم وهو ما جيعله يف نفس امل التفسريأرسطو باعتبار أنه يرى يف

االحتمال األرسطي وبذلك يرى ريكور وانطالقا من هذا املنطلق أنه يعاد االعتبار إىل

.السرد جمددا

التفسريهذا من جهة ومن جهة أخرى فاعتماد ريكور على فون رايت حول مسألة

ففيما حاول دراي خلق فصل بني الشرح . التارخيي يعيد من جديد هو اآلخر املكانة للسرد

واال السبيب يهدف بدال من ذلك إىل ضم التفسري"بواسطة القانون؛ والتفسريالسبيب

هو منوذج تفسري شبه سبيب، متوخيا يف ذلك إيضاح منط " خليط"ستدالل الغائي يف منوذج

.2"لعلوم اإلنسانية ويف التاريخالتفسري السائد يف ا

�ƪ ȇ¦°�DzǸǟ�°Ȃǰȇ°�®ƾŹ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǽǀđWright الذي يرى بأنه مجع بني التوجه الذي

يعطي اهليمنة للشرح السبيب، والتوجه الذي يرى يف الشرح القصدي، والغائي خصوصية

.206-205، ص ص 1ج ،السابق املصدر - 1.209ص ،املصدر نفسه - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

193

جي؛ فاألول يتطلب وحدة املنهج العلمي، والثاين يدافع على تنوع منه: ميتد حىت أرسطو

هذا التقاطب هو الذي وجده فون رايت يف التضاد املألوف يف التقليد األملاين بني الفهم

".والتفسري

إذ حيتاج األول إىل منهج علمي موحد؛ وينتصر الثاين لتعددية منهجية، وفون رايت "

Wright يكتشف هذه القطبية القدمية يف التضاد، املألوف يف التقليد األملاين بني الفهم

‘’verstehen’’ والتفسري‘’erklarären’’"1.

ولعل هذا التقاطب هو الذي دفع النزعة االمسية لدحض السرد من خالل إعادة

.فهم معىن احلدث كمجال للسرد أو احلكي التارخيي

.Aيبدو أن ريكور مقتنع بالعمل الذي قام به كل من دانتو Danton وهيدان

Hayden White خاصة وأنه مع دانتو مت صياغة املوضوع، أي موضوع التأويل السردي ،

أساسا إبستمولوجيا كتابة التاريخ"للتاريخ من خالل الفلسفة التحليلية، فهذا اإلحلاق يعين

معني ع منا لنو خداطار املفاهيمي الذي حيكم استاإل ؛ بقدر ما هونو ملؤرخميارسها اكما

ǀđ�ƾǐǬǻ�ƢǼǯ�¤��ƨȈǴȈǴƸƬdz¦�ƨǨLjǴǨdz¦�ǺǷ�Ʈ¦�من اجلمل يسمى مجال سردية؛ و ƸƦdz¦�¦ǀǿ�ǞƦǼȇ

املصطلح وصف طرقنا يف التفكري بالعامل والكالم عنه؛ وعلى حنو متالزم، وصف العامل كما

.2"جترنا هذه الطرق يف التفكري والكالم على أن نتصوره

.210ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1.227ص ،املصدر نفسه - 2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

194

ع فهي تطرح يف حقيقة األمر مسألة دراسة كيفيات تعاملنا الفكري والكالمي م

sujetsأشياء العامل du monde مسألة استعماالتنا اللغوية أي األفعال املتعلقة باملاضي

.واألخرى املتعلقة باملستقبل

فلسفة التاريخ التحليلية تستبعد، من حيث املبدأ "هذا الطرح يؤكد مرة أخرى أن

¦�Dzǯ�ǽǀđ�®ȂǐǬŭوميكن القول عموما أن " فلسفة تاريخ ثابتة"والفرضية ما يسميه دانتو بـ

.1"نوع هيغلي من فلسفة التاريخ

واليت يريد رسم خطة منطقية لفهم العامل أو تأويل حركة التاريخ، مما يعين أن هذه

الرغبة يف الكالم على كل التاريخ يعين وضع خمطط كلي للماضي يف اجتاه املستقبل، بينما

ماضي اجتاه املستقبل وهذا الكالم على املستقبل يعين اخرتاع تشكيالت وتسلسالت لل

.2"يتطلب الكالم على املستقبل حبدود تابعة للماضي نفسه(...) العمل

ومن مث ال ميكن احلديث عن تاريخ مستقبلي بكلمات ماضية، يعين هذا التحليل

ضرورة االهتمام بلغة السرد أي باخلطاب حول التاريخ، ذلك أن فلسفة للتاريخ باملفهوم

احلادقة هي مقاربة نظرية ’’Danto’‘فكرة دانتو "ها أن تكون سردية، اهليقلي، ال ميكن

نقد الفكرة املسبقة عن املاضي القائلة إنه مقرر، ثابت، يقف : اجلمل السردية عرب انعطافه

أي نقد األفكار ، 3"ساكنا يف وجوده على حنو أزيل بينما املستقبل مفتوح وغري مقرر بعد

.مفتوح بدي يف ذاته؛ بينما املستقبلمعني وثابت ومتوقف أاملسبقة اليت ترى أن املاضي

.227ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1.229ص ،املصدر نفسه - 2.235ص ،املصدر نفسه - 3

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

195

من : "يعين ذلك أننا سنعود ملسألة الراوي، أي من يقوم بتسجيل األحداث أي

ميتلك القدرة على أن يصف يف كل حلظة ما يقع ويستطيع أن يرفع من حدة شهادته يف

.خ لدراسة املنطوقاتلذلك سيتوجه عمل املؤر 1"الوقت الذي تزداد فيه األحداث توترا

هذا التفطن املبكر لدانتو لدراسة املنطوقات أو ما ميكن وصفه باخلطاب التارخيي

والعودة لدور املؤرخ يف كتابة األحداث جيعل من دانتو يف منأى من أن يتضاد مع هامبل

كما يقول ريكور، بل جنده يقفز على نظرية االمسيون يف موقفهم السليب من السرد، ذلك

ه املفسرات تؤدي وظيفتها يف مفسر هو بالفعل سرد؛ ومن هنا ذال يرون أن ههؤالء "أن

بوصف يعد تفسريا، ال ميكن أن يشمل حدثا ما بقانون عام إال إذا مت " مشمول"فهو

وهذا 2"تصويره يف اللغة كظاهرة حتت وصف معني؛ وبالتايل بوصفه مسطورا يف مجلة سردية

.Drayمن دراي ما جعل بول ريكور يعتقد بأن دانتو كان أكثر حرية

.235ص ، سابقالصدر امل ،1ج ،الزمان والسرد ،بول ريكور - 1.235املصدر نفسه، ص -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

196

:المبادرة -4

:كزيلكو - ريكور-

يطرح ريكور يف هذا املضمار؛ صيغة أخرى ملعاجلة هذا التنقل احلاصل بني املاضي

بزمان املبادرة، أعين الزمان الذي يستودع فيه وزن التاريخ الذي صنع من قبل؛ "واملستقبل،

.1"يصنع؛ إىل قرار مسئولويعلق؛ ويقاطع، وينتقل فيه احللم بالتاريخ الذي مل

فاملبادرة، ذلك احلاضر احلي، الفعال، العملي، الذي يرد على احلاضر املشاهد، "

، أي أن يصبح احلاضر نفسه يشكل هذا التنقل املمكن بني املستقبل 2"املتأمل واملفكر فيه

توقعاتنا هذا املاضي الذي يعاين من جتربة ألنه اعترب ماضي؛ ونتيجة للنيات بني . وماضيه

.للمستقبل وتأويالتنا للماضي؛ ومن أجل تفادي هذه النيات

يقوم ريكور باستحضار مفهوم رينات كوزيلك ملفهوم فضاء التجربة، وأفق االنتظار

.أو كتأويل للزمان التارخيي. وذلك من أجل استحضار هري مينوطيقا التاريخ

ين يف داللته األوىل؛ أن اختياره هذا يقوم على أساسات مهمة منها أن الفضاء يع

لكننا ملاذا نتحدث عن فضاء . هناك جتربة إما فردية أو مجاعية تنتقل عن طريق أجيال

التجربة وال نتحدث عن إبقاء املاضي يف احلاضر؟

ألن مصطلح فضاء يثري إمكانية اجتياز وعبور عوائق ممكنة، وعلى اخلصوص

.بتعد بنفسها مبجرد التطور التارخيي أن يتبخرجتمعات متناقدة يف بنية مورقة ترتك املاضي وت

.314سابق، ص الصدر امل، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.202ص ، سابق الصدر املبول ريكور، من النص إىل الفعل، -2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

197

فهو مكتسب أصبح عادة كما يعين كذلك وجود إمكانيات بينما أفق االنتظار فال

يوجد ما أحسن منه يقول ريكور ألنه يعكس أو يضم خمتلف احلاالت النفسية للفرد أو

ك مقرون فهو بذل. إخل...اجلماعة فهو بذلك يضم الرجاء واخلوف واألمل واإلرادة

.أي امللتفت إىل ما ليس بعد" باملستقبل وموجود فيه؛ فهو املستقبل الذي صار حاضرا

أما إذا تكلمنا عن األفق بد الفضاء، فذلك ألن التعارض املوجود بني االجتماع

. وبذلك توصلنا هاته املقابلة بني االجتماع والبسط حنو االندماج. واالنبساط يريد ذلك

فإن معىن احلاضر التارخيي، يولد من متغري ملح بني أفق االنتظار وفضاء وألن األمر كذلك،

هذه هي البنية الزمانية للتجربة وال ميكن مراكمتها من دون توقع "وألن 1"التجربة

فإن التصور اجلديد لكوزبليك ملفهوم املبادرة ميكن حسب ريكور استخالص منه 2"مرتاجع

أن العصر احلايل يفتح حنو املستقبل األمل يف التجديد ثالث دالالت، األوىل هي االعتقاد

الثانية هي االعتقاد أن التغري حنو األفضل يسري بسرعة والثالثة هي االعتقاد يف . بدون سابق

.أن الناس قادرون أكثر من قبل على ذلك عن صنع تارخيهم

عتقادات وبذلك يكون الزمان اجلديد؛ وتسارع خطى التقدم؛ وتيسر التاريخ هي اال

اليت يتصور ريكور أنه بإمكاننا أن منيزها عند كوزيلك، واليت توضح لنا قيمة احلاضر كيفما

.يريدنا كوزيلك أن نفهمها

.213، ص سابقالصدر املمن النص إىل الفعل، بول ريكور، -1316ص ، سابقالصدر امل، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-2

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

198

�DzƟƢLjŭ¦�ǒ Ǡƥ�DzƷ�ń¤�ƢǼǴǏȂƫ��ƢĔ¢�°Ȃǰȇ°�Ãǂȇ�Ǯ Ǵȇ±Ȃǯ�ƢȀǼȈƦȇ�Ŗdz¦�©¦®ƢǬƬǟȏ¦�ǾƫƢǿ

الرتاث أي كيف نعتقد من السياسية اليت هي يف عالقة مباشرة مع التاريخ أال وهي التقليد و

.خالله بأننا وبالتخلي عن التقليد والرتاث ميكننا أن نندمج فيما يسميه كوزليك باحلاضر

فمن حتليالت كوزليك الداللية فكرة الزمان اجلديد، نستطيع أن منيز يف هذا الزمان

خ أكثر من الرجوع إىل العصور الوسطى؛ اليت تدل على فرتة ماضية وحمددة، فالتاري

ألن الزمان . املفهومي هو الذي يدلنا عن سبب رفض العصور الوسطى؛ باعتبارها ماضيا

البد أن يوصف باجلديد، وبذلك فاحلاضر يعترب زمنا انتقاليا بني ضالل املاضي ونور

املستقبل اعتمادا على أفق التوقع وفضاء التجربة، فلن يكون حاضرا جديدا إال إذا افتتح

.على أزمنة جديدة

؛ ففكرة أن "تزمني التاريخ"ك ليكون التاريخ شيء جيب أن يصنع يطلق عليه كوز ف

التاريخ حاضر لإلنسان يعين أننا إذا أر دنا أن نصنع التاريخ فاستطاعتنا فعال لتسريع

.التقدم؛ وذلك مبقاومة ما يؤخره

سارع فتأولنا للجدل بني أفق التوقع وفضاء التجربة اعتمادا على األزمنة اجلديدة وت

التاريخ وسيطرة التاريخ اخلاضعة لفلسفة التنوير؛ اعتمادا على أهم املقوالت يف أفق التوقع

وفضاء التجربة غري أننا ال ميكن أن تعتمد عليها، ألن فكرة الزمان اجلديد تبدو لنا موضع

.شبهة بطرق كثرية

ǶǴǧ��¿ƾǬƬdz¦� ŚLjǷ�ǞȇǂLjƬƥ�ǪǴǠƬȇ�ƢǸȈǧ�ƢǷ¢��DzǏȋ¦�ǶǿȂƥ�ƨǘƦƫǂǷ�ƢĔƘǯ يعد

ك ال يهتم فقط بتقليص فضاء التجربة؛ بل يتسم أيضا بتزايد يلز باستطاعتنا اإلميان به، كو

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

199

فيبدو بذلك أن أفقنا جيد نفسه حماصرا بني أفقني 1"الفجوة بني فضاء جتربتنا وأفق توقعنا

.أفق املاضي املتخطى وأفق احلاضر املمزق داخل نفسه

، فال ميكننا السيطرة عليه وبالتايل فنظرية أما املوضوع الثالث عن سيطرة التاريخ

التاريخ ونظرية الفعل مل يتطابقا؛ ألننا نصل دائما إىل شيء غري متوقع؛ وتوقعنا يتغري بطرق

�ƾǸƬǠƫ�ƺȇ°ƢƬdz¦�ȄǴǟ�ǂǘȈLjdzƢǧ�ŅƢƬdzƢƥÂ�Ƣđ�ƚƦǼƬdz¦�¾¦ȂƷȋ¦�ǺǷ�¾ƢƷ�ÄƘƥ�ǞȈǘƬLjǻ�ȏ�Śưǯ

.وبالدرجة األوىل على سوء فهم ملفهوم التاريخ

تطرق إليها رى ريكور أن هاته االنتقادات هلا عالقة جيلي تلك املواضيع اليتي

عن أفق التوقع وفضاء التجربة من أكثر املوضوعات أمهية يف ) ريكور(ك وأن مقولته كوزيل

ال يتحكمان جبميع الطرق يف : "كما يرى ريكور) أي املقولتني(فلسفة التنوير، باعتبارمها

يف كل عصر بوجودها من خالل مفردات التاريخ سواء أكان تارخييا ضوئها فكرة اإلنسانية

يتضمن وضعهما "2�ƢǸĔ¢�Ŀ�Ãǂƻ¢�ƨȀƳ�ǺǷÂ�ƨȀƳ�ǺǷ�¦ǀǿ"مصنوعا أو منطوقا أو مكتوبا

�ƺȇ°ƢƬdz¦�śǷDŽƫ�Ŀ�ǂƯƚƫ�Ŗdz¦�©ƢǟȂǼƬdzƢƥ�ǪǴǠƬȇ�ƢǸȈǧ�©¦ǂNjƚǸǯ�ÀƢǠǨǼƫ�ƢǸĔ¢�¬°Ƣnjdz¦�Ȇź°ƢƬdz¦

أن أفق التوقع وفضاء التجربة جتمع بينهما عالقة وبذلك يصل ريكور إىل فكرة 3"وحتقيبه

ȂǼƬdz¦�¦ǀđ�ƨƯ¦ƾū¦�ǞȈǓ¦Ȃŭ�ȆǷȂȀǨŭ¦�ƺȇ°ƢƬdz¦�Ǧ�. تنوع ǏÂ�Ŀ�ǽƾų�°Ȃǰȇ°�Ƥ LjƷ�ȂǼƬdz¦�¦ǀǿ

.فإنه يضفي اجلانب النسيب على هاته املواضيع

.322-321ص ص ، سابقالصدر امل، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.324، ص نفسهصدر امل -2.املصدر نفسه والصفحة نفسها -3

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

200

التارخييتني الشارحتني كما يذكرمها " فضاء التجربة وأفق التوقع"إن هاتني املقولتني

كور يتأكدان من خالل املضامني األخالقية والسياسية الدائمة للفكر، وضمن عقلي ري

�¾Ȑƻ�ǺǷ�Ǯ dzÂ��ǾȈǴǟ� ƢǬƥȍ¦�Ƥ Ÿ�Äǀdz¦�Ȇź°ƢƬdz¦�ÀƢǷDŽdz¦�ȂǓȂǷ�À¦Śưƫ�ƢǸĔ¢�ƢǸǯ��ȆǴǸǟÂ

.احملافظة على التوتر القائم بني فضاء التجربة وأفق االنتظار إذا ما أريد وجود تاريخ ما

جيب، مقاومة تضييق لقضاء التجربة، وذلك من خالل النظر إىل ومن ناحية أخرى

املاضي على أنه مضى وانقضى فقط وأنه لن يستطيع أن يتغري ما يريد الربهنة عنه ريكور

إن هذا مؤثر على أن ريكور . هو أن هذا املاضي علينا أن نعيد فتحه ونقوم بتجديده

ن مها وجهان ملهمة واحدة بعينها، أن هذي"يطمح أن نصل من خالل ذلك إىل أن نتوقع

وال ميكن إال للتوقعات احملددة أن يكون هلا أثر ارجتاعي على املاضي بالكشف عنه على أنه

وذلك عن طريق إحياء املستقبل املفتوح والعرضي وإكماله بتأمل مشابه يف 1"تراث حيا

من صنعها فكانت املاضي ألن اإلنسانية بأكملها ال تضع تارخيها إال يف ظروف مل تكن

.بذلك من صنع املاضي

إن هذا التأثر باملاضي من فكرة فضاء التجربة، سوف يأخذ ريكور دليال له من

عن الشعور بالتعرض لفعالية التاريخ، "املوضوع الذي تعرض إليه غادامري يف احلقيقة واملنهج

ذكرناه عن مسألة أو يطلق عليه بفعل التاريخ فينا هذا من جهة ومن جهة أخرى؛ فإن ما

التقليد والرتاث أي ما هي الكيفية اليت نعتقد من خالهلا بأننا وبالتخلي عن التقليد

ك باحلاضر، فيصبح بذلك فضاء التجربة هو كننا أن نندمج فيما يسميه كوزيلوالرتاث مي

امري احلل لضبط أفق االنتظار وهي املعاجلة اليت يقول ريكور بأننا نعثر عليها بقوة عند غاد

.327ص، 3جاملصدر السابق، -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

201

Distanceيف احلقيقة واملنهج من خالل مفهوم املسافة التارخيية temporelle ou ab stand

فهذه ليست فارقا للفصل؛ ولكن حصيلة توسط مرفوق بسلسلة من التأويالت وإعادة

.تأويل لرتاث املاضي

فمن خالل سلسلة التأويالت اجلديدة، فكرة مسافة مقطوعة ال تتماشى وفكرة

فبذلك . الذي ينظر إليه على أنه انقضى وزال وانتهى، وفكرة املسافة اليت ال تقطعاملاضي

تشري إىل ذلك اجلدل بني النأي وإزالة املسافة؛ وجتعل الزمان على "الرتاثية حسب ريكور

.1"حد تعبري غادامري األساس الداعم للعملية اليت يتجدر فيها احلاضر

فاق اليت ميكن اعتبارها الرهان يف تأويلية ومن جهة أخرى فإن فكرة انصهار اآل

الوعي التارخيي فكرة التوتر بني أفق املاضي وأفق احلاضر من هنا ومن خالل هاته اإلطاللة

املاضي السريعة لريكور فيما خيص انصهار األفاق واليت وضح من خالهلا العالقة بني

منفصل عن أفق رخيي هواملاضي من خالل أفق تا يتبني لناواحلاضر حتت وطأة جديدة

.احلاضر ومأخوذ حنوه ومنصهر به يف الوقت نفسه

وهذا ما يوصلنا حسب ريكور إىل أن مفهوم انصهار اآلفاق فكرة أحادية اجلانب

إمنا ": "أفق تارخيي"إلقامة مشروع ) ريكور(أي فكرة التأثر باملاضي وحده ألننا وحماولة منه

اضر، فاعلية املاضي اليت يكون تأثرنا باملاضي مالزما جنرب حنن من خالل توتره مع أفق احل

وانصهار اآلفاق هو ما حناول القيام به وهنا يتبادل عمل التاريخ وعمل املؤرخ (...) هلا

.333ص ، 3جاملصدر السابق، -1

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

202

وبذلك فاملسافة الزمنية اليت تفصلنا عن املاضي ميكن أن 1"مساعدة كل منهما اآلخر

االنتقال من مفهوم إىل آخر يدفعنا إىل اللجوء باعتبار أن 2"انتقالية مولدة للمعىن"نعتربها

إىل فكريت املعىن والتأويل اعتمادا على اللغة ألننا ينبغي أن نفهم من اللغة األشياء اليت

.3"عرب سلسلة التأويل وإعادة التأويل"وذلك . قيلت يف املاضي وفهمت واستقبلت

مل الذي قام به دلتاي إن هذا العمل مؤشر على أن ريكور يريد أن يقوم بنفس الع

يوسع حقل التفسري أبعد من استعمال "يف نقده للعقل التارخيي، ألن حلم ريكور هو أنه

على : دلتاي منطلقا من فرضية أن التفسري موجود يف كل مستويات العملية التارخيية

.املستوى التوثيقي، وعلى مستوى الشرح والفهم وعلى مستوى التمثل األديب للماضي

�ƨǤǴdz¦�Ƣđ�ƲǷƾǼƫ�Ŗdz¦�ƨǬȇǂǘdz¦�ȄǴǟ�ƾȈǯƘƬdz¦Â�¿ȂȀǨǷ�Śǣ�Ǯفمفهو dzǀƥ�ƶƦǐȇ�°®ƢƦŭ¦�¿

بأنه اللحظة اليت جيعل فيها املتكلمون "يف الفعل؛ فقد سبق أن عرف إميل بنفست احلاضر

ƢĔȂǬǴǘȇ�Ŗdz¦�¿ƢǰƷȋ¦�ǞǷ�ƢǼǷ¦DŽƬǷ�¢�¦ǂǏƢǠǷ�ǶȀǬǘǻ�DzǠǧ�ǺǷ"4�À¢�ǞȈǘƬLjǻ�ƨȈǨȈǰdz¦�ǾƫƢđ

ة للحاضر من جهة ومن جهة أخرى نأخذ باالعتبار الوسط اللغوية اليت نفهم اإلجابة الذاتي

) أوكل فعل اخلطاب(وبذلك يلزم كل فعل كالمي . جتعل من هاته املبادرة فعال ذا معىن

كل حالة خطاب مسئوال عما : "املتكلم، وهو يلزمه يف احلاضر؛ على حد قول بنفست

.334، ص سابقالصدر امل، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1.نفسها والصفحةنفسه، املصدر -2.335ص املصدر نفسه،-3.350صدر نفسه، صامل -4

ي عند ريكورالتاريختأويل التلقي و ال...................................: ...............................رابعصل الالف

203

المي يلزم قائله ضمنا، فإن بعض أمناط قيل يف قويل إياه، مع ذلك، إذا كان كل فعل ك

.وبذلك يصبح هذا اإللزام معىن كالمي يقيد 1"القول تفعل ذلك صراحة

رغم شساعة فكرة املبادرة، يبقى أن نفهم من معناها عن طريق أفق التوقع وفضاء

�Ǯ NjȂƥ�°ȂǘƬƫ�ǂǓƢū¦�ǂǰǨǧ�Ȇź°ƢƬdz¦�ǂǓƢūƢƥ�Ƣē¦ÂƢLjǷ�ƢǸȀǬȇǂǗ�Ǻǟ�ǞȈǘƬLjǻ�Äǀdz¦�ƨƥǂƴƬdz¦

.د مضى وانقضى يف اللحظةث املستقبل القريب وماض قحدو

.351، ص سابقالصدر امل، 3بول ريكور، الزمان والسرد، ج-1

.....................................................................................:.............................................خاتمة

205

ةــــخاتم

لعامل، فهم اآلخر والرتاث؛ إن هدف التأويلية يدخل يف صميم التجربة اإلنسانية ل

الفكر اإلنساين ككل، وتفعيل التواصل القائم على الفهم والتفكري، والبحث عن الشرعية و

الفلسفية للحقيقة اليت تدعيها العلوم اإلنسانية والطبيعية عرب وصلها بشمولية التجربة

فتوحات دلتاي التارخيية، واألفق الذي أراده هيدغر يف فهم الوجود اإلنساين إن اإلنسانية،

بامتداده التارخيي الشامل ملة بني اإلنسان والعامل أي العاادامري ملد جسر اهلو وحماولة غ

.1نصل إىل ريكور وما توصل إليه تساؤله الفلسفي يف دائرة االهتمام التأويلي

مع ظهور جيل جديد مثل بول ريكور تغريت األضاع فبعدما كانت التأويلية قبله ف

العمق حماولة بذلك الوصول إىل احلقائق املدفونة مشغولة يف دراسة النصوص من حيث

هريمينوطيقا العلوم بداخلها، مثل التأويلية األملانية اليت كانت حماولتها األوىل منصبة على

للتعرف على ما هو مكبوت بداخلها، رغم ذلك و لوصول إىل لغتها السردية، اإلنسانية، ل

سوسري، من بينها دي رس اللغوية، ما بعد بقيت حبيسة االنغالق الذايت، بينما قامت املدا

البنيوية والسيميائية والتفكيكية باحملاولة الثانية من مهمة تأويل النصوص، وهذه املرة بعيدا

��ƨȈǻƢŭȋ¦�ƨȈǴȇÂƘƬdz¦�ƾǼǟ�ÀƘnjdz¦�ÀƢǯ�ƢǸǯ�Ƣē¦�ȄǴǟ�ƨǬǴǤŭ¦�ƢȈƳȂdzȂǘǻȋ¦�ƨǸǴǛ�Ǻǟداخل أي

حاولت . 2"التعايل بال ذات"ريكور بظلمة االنفتاح على أفق بال ذات وهي ما أطلق عليها

.77صاملرجع السابق، غادامري، احلقيقة واملنهج،هانز -1 .سابقالصدر ، امل، املقدمة3ج، رد، الزمان املروي، بول ريكور، الزمان والس-2

.....................................................................................:.............................................خاتمة

206

باألحرى االنكباب على النصوص األوىل على أفق كلتا التأويليتني التعمق يف النصوص أو

©¦�Ȑƥ�ƨȈdzƢǠƬŭ¦�ŘƦdz¦�Ǫǧ¢�ȄǴǟ�ƨȈǻƢưdz¦Â�Ƣē¦�ȄǴǟ�ƨǬǴǤŭ¦�©¦ǀdz¦.

حماوالت ريكور، ففي البداية حاول الدخول يف حوار مع التأويلية ظهرتهنا

تعالية على الذات؛ ونقصد بذلك البنيوية، لكن مع مرور الزمن؛ خلص ريكورإىل أنه عليه امل

ألن اهلريمينوطيقا مل تعد جمرد قراءة للنص وإجياد معناه اخلفي . تغيري كلتا التأويلتني معا

الكامن وراء املعىن الظاهر، بل أصبحت الطريق الوحيد لفهم اإلنسان لذاته، بل حىت

وقد استعان ريكور مبختلف التطبيقات األدبية .وجود هذه الذات الفاعلةللربهان على

واملمارسات النقدية للوصول إىل فهم أفضل للذات وعناصر وجودها من زمان وفعل وسرد

.وكتابة إىل قراءة وتأويل حىت تبقى دائما منفتحة على املمكن

عن النقد الذي قدم سعى ريكور إىل إعادة بلورة مفهوم الذاتية، بشرط أن يبتعد

للكوجيتو الديكاريت، فينتهي بذلك إىل فصل مفهوم الذات عن مفهوم األنا وإىل التمييز

بني اهلوية مبعىن الذاتية واهلوية مبعىن التماهي، أي امتالك خصائص ممتدة الزمن وبذلك فإن

السرد وال ميكن أن تتم إال بتوسط البنيات الرمزية وخمتلف صنوف: معرفة الذات تأويل

.واحلكاية

إن وعي ريكور اهلريمينوطيقي أمكنه من إدراك اخلطاب التارخيي مبا هو حلظة منتجة

للذات طاملا يسعى حنو هذا الذي بدا متباعدا يف الزمن، والكشف عن هذا التواصل بني

.احلاضر واملاضي يؤسس لوعي تارخيي باملسافة الزمنية مبا هي إمكان للفهم

.....................................................................................:.............................................خاتمة

207

يف الزمن كشرط لوجود الظواهر واستمراريتها موضوع اهتمام كما مثل التفكري

بإعادة النظر يف النظم التارخيية القائمة على املاضي " الزمان والسرد"ريكور يف ثالثية

.احلاضر واملستقبل

ملثل هكذا إشكال تطرق ريكور من خالل كتابه إىل حتليل الزمن عند أوغسطني

فقد وقف ريكور مندهشا يف احلل " يف فن الشعر وحتليل أرسطو للحبكة"االعرتافات "

الذي يعطيه أوغسطني يف ربطه للزمن املاضي واملستقبل احلاضر وانبعاثهما من خالل ما

مث هذا التحليل بالزمن عند أوغسطني ينقل بول . يسميه ريكور بفكرة االمتداد واالنتشار

صة هيدغر الذي حاول أن وخا. ريكور إلعادة حمتواه من خالل فلسفتني هوسرل وهيدغر

وتعددية الزمن ) احلرية(يذهب إىل أبعد من حتليل أوغسطني وهوسرل أي يف الربط بني اهلم

أمام هذه املعضالت للتناول الريكوري للزمن يأيت السرد ليأخذ الفكر إىل ختوم . يف ذلك

جربة فالت". 1أرحب لفهم البعد الزمين الذي قد يكون أهم بعد مؤسس لإلنساين للذات

وهي كذلك حضور للذات ،اإلنسانية بتنوعها إمكان رمزي منفتح عن األثر تأثرا وتأثريا

، فتستند على 2"وضمن أفقها التخييلي من جهة السرد والقراءة(...) داخل أفقها الواقع

عالمات داللية حنوية وأساليب خاصة لصوت سردي خاص بالذات الساردة وهذا الصوت

فالسرد يتسع ليشمل خمتلف اخلطابات، .كيل وإعادة التشكيلضروري بني حلظيت التش

يبدعه اإلنسان أينما وجد، فكانت بذلك السردية تبحث يف مكونات البنية السردية

.للخطاب من راو ومروي ومروى إليه

.11-10صص ، سابقالصدر املبول ريكور، اهلوية والسرد، -1 .136ص املصدر نفسه،-2

.....................................................................................:.............................................خاتمة

208

ماج القارئ يف التجربة السردية للذات سيكون بواسطة أنساق رمزية مؤولة بطرق اندو

.1"لقصص تروى ولكنها أيضا تعاشا"اخللق واخليال ألن

ولرمبا فكرة الرجعية أو عودة الزمن وانتشاره هي اليت أوحت لريكور بضرورة إجياد

ممسك للزمن مل جيده إال يف اللغة من خالل مفهومه للخطاب، أي كيف تتحول القصدية

. التارخيية إىل هرمينوطيقا تارخيية

136السابق، ص املصدر 1

................................................:.......................................................قـائمة المصادر والمراجع

210

:قـائمة المصادر والمراجع

المصادر باللغة العربية: أوال

سعيد الغامني، املركز :نظرية التأويل، اخلطاب وفائض املعىن، تر: بول ريكور.1

.1،2003ط الثقايف العريب، الدار البيضاء، املغرب،

جورج زينايت، مركز :قالذات عينها كآخر، ترمجة وتقدمي وتعليبول ريكور، .2

.، بريوت لبنان2005، 1دراسات الوحدة العربية، ط

سعيد الغامني وفالح : بول ريكور، الزمان والسرد، احلبكة والسرد التارخيي، تر.3

رحيم، راجعه عن الفرنسية جورج زنايت، اجلزء األول، دار الكتاب اجلديد

.2006، 1ط املتحدة،

، راجعه عن سعيد الغامني: ، ترالزمان املرويبول ريكور، الزمان والسرد، .4

.2006، 1، دار الكتاب اجلديد املتحدة، طالثالثنايت، اجلزء يالفرنسية جورج ز

منذر عياشي، مراجعة :بول ريكور، صراع التأويالت دراسات هريمينوطيقية، تر.5

.1،2005جورج زياين، دار الكتاب اجلديد املتحدة، ط

عدنان جنيب الدين، املركز :بول ريكور، فلسفة اإلرادة، اإلنسان اخلطاء، تر.6

.1،2003ط املغرب،الثقايف العريب، الدار البيضاء،

................................................:.......................................................قـائمة المصادر والمراجع

211

حممد برادة حسان بورقبة، :، من النص إىل الفعل، أحباث التأويل، تربول ريكور.7

.1،1986، طواالجتماعيةعني للدراسات والبحوث اإلنسانية

:المصادر باللغة الفرنسية: ثانيا

8. Ricœur, p., A l’école de la phénoménologie, Ed. Vrin, 2004.

9. Ricœur, p., Histoire et vérité, Ed., Cérès, Tunis,1995.

:المراجع باللغة العربية: ثالثا

، دار املشرق، 5اخلوري يوحنا احللو، ط:أوغسطني، كتاب االعرتافات، تر.10

.1996لبنان،

وتطبيقات، املركز الثقايف العريب، ...بشرى موسى صاحل، نظرية التلقي، أصول.11

.1،2001الدار البيضاء، املغرب، ط

بومدين بوزيد، الفهم والنص، دراسة يف املنهج التأويلي عند شلري ماخر .12

، 1ودلتاي، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات االختالف، بريوت، لبنان، ط

2008.

عمر مهيبل، :غراندان، املنهج اهلريمينوطيقي للفينومينولوجيا، ترمجة وتقدمي جان.13

.1،2007الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات االختالف، ط

.2013، 2نايت، الفلسفة يف مسارها، دار الكتاب اجلديد املتحدة، طيجورج ز .14

................................................:.......................................................قـائمة المصادر والمراجع

212

عة والنشر والتوزيع، حامت الورفلي، اهلوية السردية، بول ريكور، دار التنوير للطبا.15

.2009، 1ط

حافظ : رميون آرون، فلسفة التاريخ النقدية، حبث يف النظرية األملانية للتاريخ، تر.16

.1999، 1اجلمايل، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، ط

، املركز الثقايف العريب، سعيد الغامني، الوجود والزمان والسرد، فلسفة بول ريكور.17

.1999، 1البيضاء، طالدار

سعيد توفيق، اخلربة اجلمالية، دراسة يف فلسفة اجلمال الظاهراتية، دار الثقافة .18

.2002للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط

سعيد توفيق، يف ماهية اللغة وفلسفة التأويل، املؤسسة اجلامعية للدراسات .19

.2002، 1والنشر والتوزيع، بريوت، ط

ريمينوطيقا، نظرية التأويل من عادل مصطفى، فهم الفهم، مدخل إىل اهل.20

.1،2002القاهرة، طمرايا الكتاب،أفالطون إىل غادامري،

هانز جورج غادامري، عبد العزيز بو الشعري، من فهم الوجود إىل فهم الفهم،.21

.2011، 1منشورات االختالف، بريوت لبنان، ط

حتليلية نقدية عبد الكرمي شريف، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة، دراسة .22

يف النظريات الغربية احلديثة، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات االختالف،

.2007، 1ط بريوت، لبنان،

................................................:.......................................................قـائمة المصادر والمراجع

213

عمارة ناصر، اللغة والتأويل، مقاربات يف اهلريمينوطيقا الغربية والتأويل العريب .23

زائر، اجل اإلسالمي، منشورات االختالف، الدار العربية للعلوم، دار الغرايب،

.1،2007ط

:فتحي املسكيين، مراجعة:مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، ترمجة وتقدمي وتعليق.24

.2،2013ط ،1،2012إمساعيل املصدق، دار الكتاب اجلديد املتحدة، ط

مارتن هيدغر، انطولوجيا اللغة عند مارتن هيدغر ، إبراهيم أمحد، الدار العربية .25

.1،2008الف، بريوت لبنان، طللعلوم ناشرون، منشورات االخت

حممد عزام، التلقي والتأويل، بيان سلطة القارئ يف األدب، دار الينابيع، دمشق، .26

.2002، 1ط

ناصف مصطفى، نظرية التأويل، النادي األديب الثقايف، جدة، اململكة العربية .27

.2000، 1السعودية، ط

:لتأويلية فلسفية، ترهانز جورج غادامري، احلقيقة واملنهج، اخلطوط األساسية .28

حسن ناظم، علي حاكم صاحل، راجعه عن األملانية جورج كنوز، دار أويا

.2007، 1للطباعة والنشر والتوزيع والتنمية الثقافية، ط

، مكتبة مدبويل، �ƾǴЦ��¿ƢǷ¤�¬ƢƬǨdz¦�ƾƦǟ�¿ƢǷ¤3:هيجل، تاريخ الفلسفة، تر.29

.1977مصر،

................................................:.......................................................قـائمة المصادر والمراجع

214

:المراجع باللغة الفرنسية: رابعا

30. Bloch, M., Apologie pour l’historien, Ed. A. Colin, 1962.

31. Derrida J., Le problème de la genèse dans la philosophie de Husserl,

P.U.F., 1990.

32. Dilthey, W., Aperçu sur l’ensemble des sciences particulières de

l’esprit in critique de la raison historique œuvre, Ed. Cerf, 1992.

33. Dosse, F., L’histoire en miettes, Ed. La découverte, 1987.

34. Greisch, J., Paul Ricœur l’itinérance du sens, Ed, Jérôme Million,

Paris, 2001.

35. Husserl E., Idées directrices pour une phénoménologie, Ed.

Gallimard, 1950.

36. Husserl, L’origine de la géométrie, TR. , Derrida, Ed, P.U.F ,1962.

37. Husserl. E., La crise des sciences européennes et la phénoménologie

transcendantale, tr. Granel G. Gallimard.

38. Husserl. E., La crise des sciences européennes et la phénoménologie

transcendantale, tr. Granel G. Gallimard, 1976.

................................................................................................................الموضوعات هرسف

216

الموضوعات فهرس

ر-أ .........................................................مقدمة

:الفصل األول

الظاهراتية وجماليات القراءة11

12...........................................................متهيد

Roman’‘)1960-1893(رومان إنغاردن-1 Ingarden’’............19

26..............................)1997-1921(هانز روبرت ياوس -2

"2007-1926(فولفغانغ آيزر -3 (Wolfgang Iser"..................34

:الفصل الثاني

الهيرمينوطيقـا في مدارس الفكر الفـلسفي الحديث والمعاصر45

46...........................................................متهيد

50.........................)1834-1728(فريديريك شالير ماخر -1

Martin’‘)1976-1889(هيدغر -2 Heidegger’’..................57

69............................)2002-1900(جورج غادامريهانز-3

79..................................................بول ريكور -4

................................................................................................................الموضوعات هرسف

217

:الفصل الثالث

تأويل التاريخ بين المدرسة األلمانية والفرنسية97

98...........................................................متهيد

101..............................................املدرسة األملانية-1

112......................................املدرسة الفرنسية والتاريخ-2

119.......................................الفينومينولوجية والتاريخ-3

121................................................سرل هو -

:الفصل الرابع

التلقي والتأويل التاريخي عند ريكور133

134...........................................................متهيد

137..............................................التلقي والتأويل-1

162...............................................الزمن التارخيي-2

166......................................أوغسطني/ريكور-أ

174......................................هيدغر/ريكور-ب

177................................................ن املروياالزم-3

177.........................................احلكي والسرد-أ

184...........................................أفول السرد-ب

196.....................................................املبادرة-4

196..........................................كوزيلك -ريكور-

................................................................................................................الموضوعات هرسف

218

205.........................................................خاتمة

2102........................................قائمة المصادر والمراجع

216...............................................فهرس المحتويات