أخـافالصبــاح يدركــني أن

كنفاني عدنان

:االلكتروني البريدunecriv@net.sy E-mail:

aru@net.syاإلنترنت شبكة على العرب الكتاب اتحاد موقع

http://www.awu-dam.o rg

العيسمي : شادي للفنان الغالف تصميم

مـحــــفــــوظـة كافة الحقوق الـكـتـاب التـحــاد

الــعـرب

أخـاف يدركــني أن

الصبــاح* قصــص*

العرب الكتاب اتحاد منشورات من2001- دمشق

-2-

ـداءـاإلهـ بمشكاة وجراحهم جباههم مهروا الذين إلى

النور..خلودنا.. وثيقة القاني باألحمر وسطروا

قاموس إلى االنتفاضة مفردة أضاف شعب إلىالكالم

فأضاءت شيء".. كمثله "ليس وهجاوأطفال ونساء رجال إلى

المستقبل. ألق لنا يصنعوناليراعات.. خفقات كل أهدي

كنفاني عدنان

-3-

الصبـــــاح يدركني أن أخاف

عرب" "أبو صديقي إلى مهداةاألسر.. في زال ما الذي

العناء.؟ هذا كل يستحق األمر كان هلالحكاية..! فأنا شهرزاد، يا عني تحدثي

قنبــاز تطـوي المخنوقة، وأغنياتها أمي أذكرب أبي ــ ــ ــاء، كل قبيل عودته عند المقصـ ــ مسـ

فــوق حكاياتــك، من قطعة كأنه برفق وتســجيهمحدب. خشبي صندوقــة، البيضــاء حطته تغسل ثم وتبقى الحريريــة ــاب عتبة على واقف ــدار ب وجه في تنفضــها الــريح ــمار.. على تعلقها تجـــف، حـــتى الـ المسـمسرور.. سيف شفرة مثل براقة فتنصب

مساء.. كل كذلك تفعل عريض، أسود حجر على والدي يجلس

الدار.. باب خارج مكانه في قرون منذ مزروع تمأل حمام، رفوف فتهبط بيديه، يصفق

حبوب ينثر الترابية، الساحة الزاهية ألوانها األليفة، الطيور بين حميم صراع الذرة.. ويبدأ

الهديل.. بصوت الفضاء ويضج حماس يأخذنا بعضنا وراء متراكضين نخرج

مرتفعة، تقفز حين، إلى الطيور فتفزع اللعب، يديه.. بين ثانية تحط يستحق، ال األمر أن تدرك

األجش.. صوته يتبعناترضع.. تقلب - اقلب

حتى البعيدة الخروب أشجار بين فنتوارى -4-

داخل يغيب باألبيض المسربل شبحه نرى يحمص المضافة، سيدخل أنه ندرك الدار،

الرجال.. الستقبال ويستعد القهوة، عمره وسنوات سعيد أخي يديه بين يحمل

أن يحرص رقيق، فراش على يسجيه الثالث، جسده على ويهيل الجنوب، وجهه يستقبل

األخيرة الغرفة باب يغلق البيضاء، حطته صدرها، على تضرب أمي تلحقه بالمفتاح،الكبيرة.. يده بكف صوتها يكتم يمسكها،طالق.. واحدة.. أنت صرخة سمعت - إذا القيد كان شهرزاد.. يا ثقيال

فجأة، جن حسن" الذي "أبو ثور كأننيسبيل.. عابر كل بقرنيه يطعن وراح

واحد. أربعة بقيد قوائمه شدوا يومهاقصيرة. جنازير تجمعها حديد، من أساور

المحدب.. أمي صندوق على مطوي وتبصق تتوجع، األربعة أطرافي دما وصديدا

اللون.. أصفر غرفة نافذة تحت قطة.. أنطوي مثل كنت

أنينها أسمع أذني، إلى لهاثها أمي.. يتسرب واألخرى الفينة بين وتلفحني المكبوت،

الحرة.. أنفاسهاالحزن.. على حتى تجرؤ وال تهمس يحضروا ما يما.. بدال مات - سعيد

جنازته.. يحضروا طهوره، رأيت ما دموع وجهها صفحة على وتنهال

رائحها عمري.. شممت كل غزارتها مثل "مناسف" البرغل من سخية تنبعث ممسكةوالرز..

أبك.. لم يومها صوت شق وحين أنم، صاحيا.. لم بقيت

أمام الطريق يفسح العتمة، حلكة المؤذن ستستبيح الشمس أن أدركت جديد، فجر زحف

كما والبيادر والدور الساحات الصفراء بأشعتهاصباح.. كل في

اللحظات في أذني يضرب صوته -5-

الحالكات..يابا.. للنسوان - البكا

أعطيه واحدة، آه قلت لو له ليس انتصارامثيل..

ولم المعركة، سبل ضاقت لقد صدقيني،هو.. أو وهو.. أنا أنا إال ساحتها في يتبق

ماسورتها على أعلق بارودة، أحمل كنت انتصاري تركب حكاياتك، كما وتحدثني صبوتي،

فأراه ليلة إثر ليلة همي مشعا.. وتحمل بارقاوحلمي..قيدي.. أحمل اليوم

من بقية فيها فوجدت أطرافي تحسستلي: تقول حياة،

والمعركة هنا، زال وما هنا، زلت - مامفتوحة.. الصغير وفمه الغائرتان، الزرقاوان عيناه

يرجوني، كأنه الشفتين من الخالي الصارم من ليخلصني واحدة، آه أقول لو علي يقسم

العذاب.. النصر.؟ وذلك المتعة، تلك أعطيه كيف القيد كان شهرزاد.. يا ثقيال

مني.. مثل قطعة صار يوما، ثالثين حملتهورأسي.. وساقي يدي

بين لتفصل بالخرق، خلسة يحشونه رفاقيولحمي.. الحادة حوافيه عني ينزعونه لو تصدقي، لن لك قلت لو سأفقد رائعا.. إحساسا

خطواتي يتابع وهو خيبته يعتصر أراه شفتاه لي تقول جسدي، ثقل تحت المطوية

االختفاء.. حتى المعصورتانواحدة.. آه تقول - لو جمالك الوريد، من إليك أقرب النطع كان

السيف.. شفرة تحت بك ألقى شهرزاد يا رقاب حتى شيء كل يملك المأفون ذلك ورهبتك الشفيف، ثوبك في وأنت الناس،

-6-

وخوفك.. خالصك.. وأيقظت سبيل خلقت كيف

عليه.. أجهزت ثم وليلة.؟ ليلة ألف شهوته النهار تودع والشمس مساء الوقت كان

أن يحس بفرح، يركض األفق، حدود على خطواته تتعثر يعنيه، الجمهور وهذا الحفل

لشواء المعدة الحفرة في يسقط الصغيرة،ويموت.. الجمر يأكله الذبائح،العناء.؟ ذلك كل األمر يستحق هل دمي، واستهلك القيد نزيف غلبني يوم يحسبون وهم المستشفى.. قالوا إلى حملوني

بمدير استبدلوا إنهم البشرى، لي يزفون بأنهم الترويض، يحسن ال الذي السجن ضابطاجديدا..

ليقتلعوه جاهدوا أطرافي، من القيد نزعوا حتى مكانه وترك فيه، انغرز الذي لحمي من

اليوم ندبا وسوداء.. زرقاء وبثورا على القصيرة بعصاه ينقر قبالتي جلس غيظه، ويقضم بقلق، وجهي في ينظر الطاولة،

همهم: ثم اإلضراب.. أرسلنا إعالن عن - تراجعا

إلى الرملة.. ومحمود سجن إلى طاهرالهداسا.. مستشفى

الطاولة، على عصاه نقرات سرعة ازدادت واعدة.. ثم رسالة لهفتي إلى يوصل كأنه

صدري.. المست حتى بقوة دفعهاعنك..؟ - ماذا

نسمع "لألوادم"، الرملة سجن إن يقولون المعتقلون يعيشها التي الترف حياة عن كثيرا فيه ونعرف األخرى، المعتقالت إلى قياسا أيضامستشفى.. في اعتقال مدة قضاء يعني ماذا

الصبي.. ليطهر البلد شيخ تنتظر الناس بانكسار مرة ألول يمشي أبي رأيت يومها

تحت المقصب قنبازه يخفي سعيد، نعش وراء بحطة وجهه ونصف رأسه ويلف سميكة، عباءة

اللون.. غامقة منقطة

-7-

كنت المعتقلين، أقدم من ألنني من واحدا إضراب إعالن على اتفقنا حركتهم، ننظم ثالثة

شامل الخامس في القواويش داخل واعتصام بها يقوم زيارة ألول المصادف القادم، أيار من

والمحافظ السجون، ومدير األمن، وزيرمرافقيهم.. من ومجموعة أرسل كما يرسلني تراجعي أن أعلم كنت

إلى نجوم.." أو "خمس سجن إلى رفيقي ناصعة، بيضاء بمالءات مكتظ مستشفى

وحسناوات.. وردية، وستائر ألف قيمة ما شهرزاد.؟ يا لياليك قيمة ما ألف في جسدك، على انسفحت هوان جرعةليلة.. تموتين.. حكاياتك، توقفت إن

واختياري قدري عن التراجع أستطيع كيفومعركتي.؟

المخنوقة أمي وأغنيات أفعل أن أجرؤ هلتستحلفني.؟ الجارحة ببحتها

انتشار مع هطلت التالي، اليوم ظهيرة رؤوس فوق ذهول غيمات المفجع الخبر

إال بتالبيبهم تمسك والدهشة لهم وليس الناس، ثم الثرى، الجنازة.. يوارونه مرافقة ثواب

وقراهم بيوتهم إلى الحزن ينفضون.. يعصرهمالقريبة.. قلبه.. انفطر أبي.. قالوا مات أيام بعدوقتله..

يدي، أكتافهم.. رفعت فوق حملونيوصرخت:

المشروع سقوط حتى - صامدونالصهيوني..

شهرزاد.. يا بانتظاري القيد كان األبدي، صمتك من شهرزاد يا أخرجي

الحكاية.. فأنا عني، وتحدثي وراء المشرعة مسرور سيف شفرة أناخرافاتك.. نبع نضب إذا اآلتي القدر أنا الحلم،

في الساكنة قبيلتك على انقضوا مثلما -8-

خنت من أنت وانتزعوك.. قالوا السحاب، قلب أطهر وأنت سواه، فحولة واستبحت فراشه،

ثم العظم، حتى بكر.. عروك مهرة صهيل منغيرك.؟ خيانة عن تدفعينه ثمن صلبوك.. أي الشفاء، رحلة بعد المعتقل إلى أعادوني

الوثير.. مكتبه إلى مباشرة قادوني سمرتي، يحمل العمومة، أبناء من حسبته

أسنانه: بين من يقول لغتي.. بادرني ويتحدثالهيجا" إذن..؟ "أبو - أنت وأطلق بخيالء، صدره على ضرب صوتا

أفعى: كفحيحاألفضل.. إنني - يقولون

حاجبيه، يعصر أن يحاول بثقة، يتحدث كان على الثقيلة بيده يضرب كعقرب، فيلتويان عن وينفرج الكث، شاربه فيهتز الطاولة،

غليظتين: شفتين جهنم.. هكذا.. إلى أقذفك أن - أستطيع

قبل أفعل لن فوق(.. لكنني إلى العصا )وقذف بإصبعه الرأس.. )وطعن هذا أحطم أن

أمثولة.. منك صدغي(.. وأجعل رجال علينا مسبقا.. دخل األمر رتب وكأنه

"خمسة".. رقم الزنزانة إلى قادوني غالظ، مطوي شهرزاد.. وأنا يا ليلة، وتسعين تسع

أبي.. قنباز مثل كتفي.. مستوى إلى أقرب السقف لغفوتي، تتسع تكاد التي الضيقة والمساحة وبالوعة معطوبة ماء حنفية فيها تشاركني أعلى في ثقوب ثالثة من لونها عرفت صفراء،

وأراقبهم.. منها، يراقبونني الحديدي، الباب ال أسفله في مربعة شهرزاد.. وفتحة يا الطافح أأللمنيوم صحن دائرة من ألكثر تتسع

نحوي يزحف مقدد، برغيف والمغطى بالبرغل، منه تعرفت ضوء بصيص معه يحمل مساء، كل

أصابعي تفاصيل ليلة وتسعون تسع مدى على أطرافي تتعربش قبيحة وقشور المتصلبة،

القديم.. القيد مقابض خلفتها

-9-

على بقوة يدقها خطواته، وقع أسمع حتى الثقوب من فأقفز.. أراقبه األرض، إلى ينظر أنه رأسي.. أعرف فأخفي يقترب، بعصاه، الباب شيئا.. يضرب يرى وال الداخلصوتي.. له فأرسل حيا، وجودي على ليطمئن مويليا.. ضرب يما الهوى مويل - يمافيا.. النذل حكم وال الخناجر

تقبل انتصار بنسمة فأحس خطواته، تبتعدوجهي..

المكان تعودت كيف شهرزاد يا صدقت يسترسل األفاق وليلة.. وذلك ليلة ألف طيلةمسلط.. والسيف الخاتمة، بوعد

ليلة.. إثر ليلة نصرك تراكمين كيف صدقتالزنزانة: حارس لي همس

لك.. - زيارة فأرسل السميك، الباب فتح فجأة صريرا

جفني.. فأطبقت مبهرا، الضوء كان كثيفا، بذلته غير منه أرى ال أكاد أمامه، جلست

تتعلق ابتسامة بطيف المبرقعة.. وأشعرالغزير: وشاربه المتوردتين، وجنتيهب

بزيارة.. لك - سأسمح سكت تابع: ثم فرحي، ينتظر وكأنه قليال

ذلك.. بتكرار "آدمي" أعدك صرت - إذاأمي.. سنة.. تزورني عشرة ثالث بعد شهرزاد.؟ يا تفرحين هل

المعتقلين، جداول بين اسمي تسرب حين عتبات على فرحتها إليها.. نزفت الحياة ردتني األمن، وضباط األحمر، الصليب مراكز

زيارة.. تصريح على وحصلت ما أنني وجدت ورأسي، أطرافي تحسست

والمعركة أيضا، زال ما أنه ورأيت زلت،مفتوحة..شهرزاد.. يا وقفت

كنت بالقصب.. الموشى الحلم مثل مطويا في خطوتين ووقفت.. خطوت جاهدت لكنني

-10-

الباب.. إلى طريقي لساني، فوق ينزلق صوتي كأنني صلبا أبدأ

اآلن..زمان.. من ماتت - أمي

ويتمتم: كتفي على يربت أبي يابا.. للنسوان - البكا ورائي الباب.. ركض وراء أغيب أن وقبل

صوته والدهشة: بالشك المعبأالزينات.؟ صايل بنت - آمنة ما قدر قامتي رفع حاولت لحظة، تريثت صوتي يصل أن على وحرصت أستطيع، ال نقيا بطعمها أحسست عبرات، من قطرات تخالطه

حلقي.. يجرح المر الزينات.. أمي.. ماتت صايل بنت - آمنة

زمان.. من* * * *

وغابة الحمام وبرج دارنا وبين بيني وحقل وشريط، سعيد.. جدار، وقبر الخروبألغام..

ثقيلة وبواريد مبرقعة، بزات جانبيه علىخطوة.. تقدمت إن تترصدني

طليق.. وأناالجديد.! وطنك حدود قالوا.. هنا

الهراء.؟ هذا أفهم كيف دارنا نافذة من المقصب أبي قنباز لي يلوح

أغنية يزف المبحوح أمي وصوت الشرقية، الحمام وهديل الحريرية، حطته تنفض وهياألفق.. صمت يشقشهرزاد.. يا دليني

االختناق.؟ هذا من أنجو كيف

-11-

أخـرى ومقاييــس ريخـتــر،

يروح السرير أن بي. أحسب الغرفة تدورالوسادة.. في وجهي فأغرز ويجيء،

ــامي تقفز ــات أم ــمعتها كلم ــدفة س من ص تلفزيونية محطة استضـــــافته ألمعي عـــــالم الطبيعة الظــواهر عن علمية ندوة في ليتحدث

الكبير.. الكسوف يوم بمناسبة وذلك المختلفة،ــتفاض ــاحبنا فاس ــرد في ص ــيل س دقيقة تفاص

ــيب أن يمكن التي المضار عن وصغيرة من تص نــــادر الكســــوف منظر إلى للحظة ولو ينظر

ــاة في معــدودة مــرات من ألكــثر الحــدوث حياإلنسان..

ــرج وقد بحديثه عـ ــا ــدث متطوعـ عن للتحـالزالزل.. ــيرة معلومـــــات ذكر على أتى يومها ــ ــ كث في أكــثر وتعليمــات بنصــائح وأدلى ودقيقــة،

لم لكنه والحــذر، الحيطة أســباب اتخــاذ ســبيل يعطي أن يســتطع وال محــددا، تعريفــا تفســيرا مــتى منهــا، يســتدل واحــدة معلومة وال مقبوال،زلزال. حدوث توقع يمكن

المســــــــتمعين انتبــــــــاه لفت يفته ولمــات بعض أن إلى الكــرام والمشــاهدين الحيوان

مجهولة وألسباب خاص" تشعر بشكل "الطيورــوع على "غريزية ــالب" بوقـ ــزال الغـ قبيل زلـ أكثر، وليس وقوعه، من لحظات نظريته داعما

ذلك، على تدلل التي اإلشارات من الكثير بذكرــطربة كالحركة ــ ــير المض ــ ــتي المألوفة وغ ــ ال وكأن الطير يفتعلها أفقــده الشــيطان من مسا

-12-

صوابه.. عقله، برجاحة اإلنسان يستطيع ال بينما التكهن المخلوقات، بين األرقى وتصنيفه

فيها تهتز التي اللحظة في إال زلزال، بوقوعبيته.. سقف في "الثريا" المعلقة

في فوقهما المعلقة الثمينة الثريا إلى أشارالفخم.. االستديو

سخيفة.. ضحكة أطلق ثم في المعلق السلك إلى أنظر أنني لو ماذا

على مشنقة كحبل آخره يطبق غرفتي، سقف 60 عن تزيد ال إشعاعه قوة مصباح عنق

إبليس.! كذيل يهتز وهو شمعة.. أراقبهأفعل.. ال أن صممت لكنني

وغرزت جفني، على أكثر بقوة أطبقتالوسادة.. في وجهي

على درجات ستة سجل قوي زلزالالمكسيك.. ساحل ضرب ريختر مقياس

يعلن "لم أعلى درجة سجل آخر زلزال الغالب" ضرب على سياحية ألسباب عنها

القرى.. عشرات على وأتى تركيا، وسط بماليين تقدر والخسائر بالمئات، الضحاياالدوالرات..

سبع سجل يابانية، جزيرة في زلزال مادية ريختر.. الخسائر مقياس على درجاتفقط..

الفقراء.! تحارب الطبيعة حتى أسمع لم فأنا أن يوما ابتلع فيضانا قصرا صالة التهمت البراكين أحد حمم أن أو لملك،

ضربت صاعقة وال رسمي، مجلس اجتماعات أخبار الساعة مدار على تبث إذاعة هوائي

أو الزعيم هذا حققها التي الخرافية اإلنجازاتذاك.. بأشكاله الطبيعة غضب أن أسمع لم

أو رشوة من أثروا أغنياء طال المختلفة من أحد على قضى أنه أسمع ولم سرقة،

وال الشعوب، لدمار االستراتيجيين المخططين -13-

السياسة مالعب في الالعبين من أحد علىوالخبيثة.. العجيبة وتصاريفها

الحصانة.؟ تلك يملكون هل ترى األخبار، ناقلي بين السباق سيحتدم اآلن

وملوك العالمية، األنباء وكاالت ومراسلي التلفزيونية المحطات أصحاب اإلعالم،

العالم.. في االنتشار واسعة الفضائية السرعة، أجنحة على رجالهم يرسلون

والفتيات المتطورة، الكاميرات يحملونهم ميكروفوناتهم، مع المغناجات، الجميالت

يتقاطرون الدعايات، وأفالم خفافا إلى وثقاال الطازج، الحدث موقع سعيا لتحقيق محموما على لحظات بعد يبثونه إعالمي، سبق

والصورة.. بالصوت العالمية الشاشات الفضية الشاشة زاوية على تبرز إشارة

الوسيم المذيع عاجل" ويبدأ "خبر تقول بقعة اجتاحت أرضية هزة حدوث عن باإلعالن

الواسعة، الله أرض من فقيرة أرضريختر.! مقياس على سجلت......... درجة

علينا، الجدران ستتهاوى لحظات بعد البيت أغراض وتتناثر فوقنا، السقف ويسقطولحمنا.. مزقنا تحمل وحجارته الغرفة من زوجتي تأتي عندما أفعل ماذا

المجاورة.؟ من ينضح والرعب الثالثة أطفالها تحمل الفزع ويقفز أطرافها، مع لسانها على مختلطا

شيئا.! أفعل أن ترجوني متلعثمة كلمات فيضاألخبار.. نشرة سمعت قليل قبل

ريفية، وقصور ومنتزهات، حدائق ورأيتوردهات.. وقاعات

كاميرات عدسات وكأن بعد عن رأيت فروع بين من رؤوسهم تسرق المصورين

باالبتسام، طافحة الكثيفة.. وجوه األشجار وبروتوكوالت، بعضها، على تشتد وسواعد

ومجامالت..لساني.. تعقد تكاد والدهشة تساءلت

-14-

أمر أي وعلى يفعلون، ماذا ترى ومن يتحدثون، من وبلسان يتفاوضون،

يمثلون.؟ أحد.؟ يسألني لم لماذا أترقب شاسع، بعد على هنا، ركني في وأنا أسوأ أو أفضل عالم إلى يشحنني زلزاالشيئا.. أمري من لي وليس اآلن، أنتظره يشرح أن المعجز، اإلعالم هذا يستطيع أال

يجري.؟ ما حقيقة لي نبش على المدهشة بوسائله القادر هذا على والحريص الصلد، الحجر قلب من الدودة

عليها يحصي ورخيصة، جميلة راقصة مطاردة آخر وعشاقها، سهراتها وسكناتها، حركاتها

المالبس صرعات وأحدث تلبسه، مثير مايوه صالونات أرقى تبتكرها التي الفاضحة

العالم.. "الفضيلة" في ما يقول أن على يحرص لماذا اإلعالم هذا أعيش يجعلني الدوام على جديدة هموما األولى بمشكلتي أو بهمي عالقة لها ليست

وإفرازاتها..رهائن.! يحتجز سياف أبو

تقصف وبريطانية أمريكية طائرات رادارا سمائه في تحركها ورصد تجرأ عراقياالخاصة.!

من عائلة يذبحون إسالميون متطرفونالجزائر.! ريف في أشخاص سبعة

يطالب ديمقراطي سوداني فصيلالسودان.! عن باالنفصال

إفريقية.! متحدة واليات إلقامة تدعو ليبيا العاشر لليوم تواصل المستوى رفيعة وفود

الحرية.! مشعل تحت المكثفة اجتماعاتهاأفضل.! قلت.. النوم

فيضانات وبدأت رأسي، الوسادة حملت تهزني كاسحة فشيئا.. شيئاقادم.. الزلزال كأن بي، تدور األرض كأن

المساعد صورة ذاكرتي من قفزت فجأة -15-

حينا، في السابق المخفر سري" رئيس "أبو االبتسام، دائم السمين القصير الرجل ذلك ابتدع الذي أسلوبا النزاعات لفض عجيبا

عائالت أفراد بين والعميقة المستفحلةمخفره. سلطان تحت تقع التي المنطقة

وآخر طرف بين مشاجرة حصلت فكلما عائالت رؤوس على للقبض دورياته يرسل

باألصل.. بمتخاصمين ليسوا وهم المتخاصمين، سراحهم يطلق ولن النظارة، في يزجهم

فيما الشوارب وتقبيل المصالحة يعلنوا حتى والمشاجرات الخالفات تبقى بينما بينهم،

المتشاجرين بين أشدها على مستمرةأنفسهم.. مرة.. كل في وهكذا

سلوكه أن استغرابي، دائرة في يقع كان ما واالستحسان الرضا يلقى الدوام على كان ذاكأنفسهم..! العائالت أرباب وعند رؤسائه، عند

الـ الحلقة تتابع قليل قبل زوجتي تركت فاقت مكسيكي تلفزيوني مسلسل من120

في متابعته على تعودنا ما العجائبية أحداثهوالهندية.. العربية المسلسالت

فياضة عالمية إعالمية موجة أنها يبدو إلى لحظات في وتحملهم الفقراء، عالم تجتاح أمل على دقائقها يعيشون حريرية، أحالم

ورقة إليها تحملهم واسعة سحرية نقلة انتظاررابحة.. يانصيب

يمكن حية يتحسسونها معجزة حصول أو المسلسل، أحداث سير مع ثانية في تقفز أن

أيديهم.. بين بألقها وتنبسط السلسة األحداث متابعة في يستسلمون

يأتي لقدر مفاجآت انتظار متعة إلى والشيقة أم من بثروة أو غائبا، كان غني بأب فجأة

حراما.. أنجبت ينقض يكاد السقف، طقطقة أسمع كأنني

بي.. تدور والغرفة اآلخر، هوأفعل.؟ ماذا

بهم وأخرج أوال.! أحملهم األطفال - أنقذ -16-

عن بعيد أمين مكان عن لهم أبحث زوجتي، معالعمران..

مخيلتي.. عن الفكرة أبعدت لحظة بعد أقصده أن يمكن مكان أقرب إن

تنقذني لن دقائق، عشر من أكثر سيستغرقني البيوت جدران إطباق من حال بأي وأسرتي

وتكاد ضيقة، فيه أقيم الذي الحي شوارع علينا،تتشابك.. أن البيوت أسقف

إلى األمر بهم يبلغ النهمون، الفقراء هؤالء لبناء واستعماله األرض من الشبر استغالل

خشة، وعلى ليل، ظالم في تقوم ما غالبا مخالفات منطقة تعتبر كلها فالمنطقة عجل،

المدينة، تجميل ورسومات التنظيم، لخرائط الصباح تباشير مع لتجدها البلدية، وتعليمات

قرارات من حين إلى تنقذهم بالسكان، مأهولةيوم.. ذات وحدها لتسقط الفوري، الهدم

بالجدار.. فأتشبث تحتي، السرير يهتز اضطر كيف البيت بناء في بدأنا عندما أذكر كتلة لحفر الديناميت الستخدام العمال

الصخرية.. األساس من يطلب الله رحمه والدي كان وكيف

فوق زيادة اإلسمنت من كيس إضافة العمال كل بين الحديد من قضيب وإضافة جبلة، كل

شبكة.. التراب، برخص والحديد اإلسمنت كان

مرة.. سأجعله كل في يردد والدي وكانقلعة..

الصخرية الجدران هذه تستطيع هل ترىالعاتي.؟ القادم وجه في الصمود خط لتبديل العمال أحد استقدمت يوم

داخل المهترئة الكهرباء ألشرطة قصير سير في للحفر به جاءت التي الساعة لعن الجدار،

بحسرة ينظر وهو قال "كما الحديد، من كتلة سيل ويلقط المكسور، الرابع إزميله إلى

فيه.." جزء كل من الناضح العرق اتفقنا التي األجرة أضعاف أعطيتني - لو

قادني الذي السيء حظي ألعن سأبقى عليها -17-

إليك.. أجرته.. يتقاضى وهو بنزق قال

أسرتي مع إليه ألجأ مكان آمن أن أعتقد السقف سقط فلو بالذات، الركن هذا هو

التي المتينة والزوايا العتيدة األعمدة ستبقىتحملها.

ضيقة مساحة لنا وتؤمن تكفينا لكنها جدا الحماية.. من حدا شيء.؟ كل نخسر هل - ترى

طالما كثيرة أشياء اللحظة تلك في تذكرتبها.. االحتفاظ على حرصت مال من توفيره استطعت ما جانب إلى

األيام أن السوداء.. العجيب لأليام أبيض االستعداد على عمرنا كل نحرص التي السوداء

نوفره شيء كل قدومها طريق في تأخذ لها،لها..

عند المال قيمة ما األحوال كل - علىالمصيبة.. وقوع

اآلن.. ذلك في أفكر لن واستقبلنا حزيران، حرب اندلعت عندما

أننا قالوا من مع قلت بالبشر، األولى ساعاتها نكون تنتهي أن وقبل هنا، السيجارة نشعل

يافا.. بحر شاطئ على أغراضها تحزم الناس بدأت األول اليوم بعدالشرق.. إلى يمكن ما بأسرع لالنطالق القليلة

أحد.. البيت يترك أال يومها والدي قال أتحفنا األمور فلسفة في وكعادته

رحيله تجربة فيها سحب طويلة بمحاضرة إلى بنا وقفز الفراخ، مثل حملنا وكيف األول،

السالمة.. برالبطيء.. الموت مسيرة بدأ ثم

قال: ال احتماالن له المكان في والصمود - البقاء

الموت إما لهما، ثالث وإما األنقاض، تحت قتالالنجاة..

أحد يستطيع ال قدرية حالة فهو الموت أما -18-

الرساالت تقول هكذا وجهها، في الوقوفالسماوية..

فتبقيك المحتملة الخسائر رغم النجاة وأما بناءها تعيد أشيائك، جانب إلى يوم.. بعد يوما

البيت.. يترك أحد ال أن أيضا، أنا سأقول الموت إما أيضا، احتماالن أمامنا خرجنا إذا

ندركه.. أن يجب الذي السؤال النجاة، وإما النجاة.؟ بعد نفعل أن يمكن ماذايحمينا.. الحصين الركن هذاالبيت.. أحد يغادر لن

وأنهض شجاعتي استجمع أن حاولت قليال التي األغراض من أستطيع ما قدر ألجمع

في تراجعت لكنني بها، االحتفاظ على أحرص السقف يسقط أن خفت األخيرة، اللحظةفوقي..

بالخطر اآلن حتى تشعر لم زوجتي أن يبدويدهمنا.. الذي

تشعر.! ال ليتها وال فجأة هكذا اإلنسان يموت أن ممتع

الموت.. أتاه كيف يعرف ليس الموت أن يردد جدي كان ما كثيرا هز يتطلب إنه بل لكم، يتصور كما سهالاألكتاف.!

طائرات كانت وبينما1937 العام في سماء في قوتها تستعرض البريطاني االنتداب

من قصد عن أو "قازان" سهوا أفلت عكا وسقط إحداها جدي.. بيت فوق تماما

كان الله يرحمه وجدي فحول من رجال الرجال، صالحا وتقيا الدينية بواجباته وقائما

يرام.. ما خير على والدنيوية سريره عل واستلقى العصر، صلى لحظات بعد النحاسية، القوائم ذي المرتفع

القيلولة.. أخذتهالبيت.. وسقط المرعب، القازان انفجر

-19-

االنفجار قوة أن حصلت التي المعجزة ووضعتها الثقيلة، الخزانة قلبت الهائلة تماما

بوضعها شكلت كأنها السرير، قوائم فوق غطاء الجديد لما الكاملة الحماية أمن متينا جدي ونجا فوقها، الركام فانهال تحته،

فراشه.. على بطمأنينة المستلقي األنقاض، تحت من واحد خدش بال أخرجوه

في السمع غشاء أفقدته االنفجار قوة لكنأذنيه.. إحدى

البيت عن بعيدة كانت التي الرابعة زوجته االنفجار، صوت وسمعت الوقت، ذلك في

جدي.. فوق آخره عن المنهار بيتها وشاهدتعقلها.. فقدت

غرفة داخل منسية سنوات بعد وماتتالعقلية.. لألمراض مستشفى في حقيرة

العمر من بلغ أن بعد اآلخر هو جدي وماتعتيا..

بناءه أعاد الذي بيته وخارج بلده خارج مات وأبهى.. أجمل حلة في وبدا العفوية، الغارة بعد

أنه لو صالة، كل بعد يردد سمعته مرة ألفاالنفجار.. ساعة مات

سيأتيني الموت بأن أضمن أن أستطيع هل هنا.؟ ها من

بالنجاة.. الحلم في أستمر أن أستطيع هل إلى رفاته ننقل أن يوصينا وهو والدي مات

عودتنا حانت متى عكا في صالح النبي مقبرةهناك.. إلى

قال: يومها

أن علينا األولى المرة في غادرنا - ألننااالنتظار.. فن نتقن

النسيان.. فن نتقن أن اآلن منا يطلبون ما الهشة، سريري قوائم تحت تميد الغرفة

يحمل الذي الشريط إلى النظر أرفض زلتيهتز.. وهو أراقبه أن أخاف المصباح،

صوت رأسي، يدخل االرتجاج ذلك بدأ -20-

كل من آتية كثيرة أصوات سمعي، يقتحماالتجاهات..

تصرخ.؟ ال لماذا قلت ماذا أفهم لم صرخت، ربما لحظتها

صرخت.. أنني أذكره ما كل صرختي، في بيدها أحسست فزعة، زوجتي دخلت

وهي بوضوح كلماتها سمعت يدي، تمسكتقول:

على وتنام السرير تترك أخرى - مرة يحتمل يعد لم األمر الركن.؟ ذات في األرض

تزداد حالتك عنه، السكوت سوءا بعد يوما لمعالجة مختص طبيب إلى نذهب يوم.. غداأذنيك.. أمر

-21-

السابع.! الطابق

يهدأ طائر مثل كفيها بين مستكينة راحتيطويلة.. سفر رحلة من

قرن.. ربع قبل التقيتها أنني - لو كحفيف همسها فجاءني نفسي، حدثت

الشجر.. أوراقيرضيني.. ذلك أن أدراك - ومن

مثل شفتيها بين من الكلمات واندلقتعطر.. قارورة انسفاح خلفها وركض صدري، من قلبي قفز كلماتها مني.. تلحقه يسخر عاد ثم خطوتينالعذبة:

الدهليز يسار إلى غرفة أول - مكتبيوقت.. أي في لتزورني العريض.. أتطلع

بجنة أحدق وأنا أكثر الصمود على أقو لم بين من بذبول المطلتين الخضراوين عينيها

جبينها على بفوضى المنسكبة شعرها خصالت على باطمئنان لتستقر وجهها، وأطرافكتفيها.. مع تطلق وهي موعد إلى تغمز كانت هل سهم مثل اشتعلت ابتسامة المقتضبة كلماتها

ثم لحظة، الخاطف وميضه أذهلني ناري اختفى.؟

انفلتت.. ومضت.. الساخنة، يدي أفلتت كحية تتلوى جسدها ثنيات لي تراءت

تنزلق البحري، بنطالها قماش داخل استوائية شاطئ إلى بسكون لتصل موجة إثر موجة

-22-

عنه، تنفض ثم برقة، تلمسه تقبله، رملي، من المعروقة يدي تنسحب كما برفق تنسحبراحتيها..

اللولبي.. الدرج وأخذني المصعد، تجاهلت "حاتم" األستاذ وبين بيني الفارق ما

الثقافية.؟ الصفحة مسؤول بذاءته.. يجتر كما خيبتي، أجتر اآلن ذا أنا ها

من تقتلعني مراهقة، رغبات تقتحمني خطيئة درب سلوك على وتحرضني وقاري،

المختلفة، وصورها بأشكالها أرفضها كنت فلسفتي فيها وأعملت الكثير، عنها وكتبت

ونقدي.. حاربتها من مئات على وشرحتها قديما المكدسة أكوامها اعتلت الورقية، الصفحات

منها وانبعثت باهتة، صفرة مكتبي أدراج فيفجة.. رطوبة رائحة

التهبت حمراء لحظة في مشروعة، أضحت إن أحسبها كنت لحظة وراء جموحي أمام

ومزرية.. بل غيري.. سخيفة، صدر من قفزتثمني.؟ من أقترب تراني هل

ثمن.؟ رجل لكل أليس أحد أو العظماء، الحكماء ألحد قول

أذكر.! أعد لم المخمورين،صاعق.. جمال وراء ألهث

أن الكثيرة.. أشعر عمري سنوات أتجاوز الوراء إلى تعيدني مستعرة انشداد لهفة

رغبة شفا على بي وتحط وسنوات، سنواتمتوقدة..

تصدق.. ال بسرعة يكبرن البنات- كثيرة.. مناسبات في جدتي رددتها جملة هي اآلن أمامي تقف من أن أصدق فهل

بعيد.. من لي صديق ابنة النحيلة الفتاة تلك أراقبها وبدأت صغيرة، كانت عندما عرفتها

وأكثر.. أذكر أكثر تكبر القليلة زياراتي في شريطة في مجدولة الشقراء، ضفائرها

وكلسات المدرسة، مريلة حمراء.. ترتدي -23-

جلدية محفظة يديها بين وتحمل طويلة، بيضاء وممثلين لمطربين كثيرة صور عليها سوداء

شباب.. ورياضيين فجأة، مرة، ألول عرفتها يوم علينا دخلت لهاثها ثنيات بين من وأطلقت تشفعه ال طلبا

ليرات.. تناولتها عشرة إلى بحاجتها حجة مريلتها فتنحسر تقفز وانطلقت بسرعة،الماعز.. كقوائم ساقين عن الزرقاء

تنسى ال أنها قالت أتذكرها، ولم تذكرتنيأبيها.. أصدقاء وجوه أشكال

شديدة.. حمرة وجنتاها واعتلت* * * * *

أربع وحاتم أنا الدراسة مقاعد جمعتني في اإلعدادية، دراستنا مرحلة هي سنوات، تحتل فقيرة، مدرسة دمشق بيوت من بيتا نهاية في مستقرة شعبي، حي في القديمة

طنابر غير تدخلها وال منفذ، لها ليس حارةالجوالين.. الباعة وحمير المازوت، موزعي اللغة مدرس بجائزة الفوز على نتنافس كنا

ماله من يقدمها دفتر، أو قلم أو كتاب العربية، اإلنشاء موضوع كتابة في يتفوق لمن الخاصجميعا.. أحصدها وكنت العربي،

جملة اللوح على ويكتب الصف إلى يدخلتشاء.. ما واحدة.. الموضوع: أكتب

أصبحت ذلك بعد كاتبا ما أكتب وصحفيايشاؤون..

فقد قدرية، صيرورة إلى األمر وأخذني الضيق.. رزقي باب وحدها الكتابة أصبحت والمجالت الصحف مكاتب بين التسكع وأضحى الثقافة بقدر الممسكين واسترضاء ديدني،

هاجسي.. والناشرين أرتاده شعبي مقهى في به جمعتني صدفة

هموم من لالقتراب الرغبة تدعوني حين وفقرهم همومهم يطوون كيف أراقبهم الناس،

اللعب أوراق وبين الطاوالت حجارة تحتمباالتهم.. ال ويعلنون الملونة،

ال الذي الكالم وتبادلنا بحرارة، تعانقنا -24-

الصبا.. وأيام الذكريات عن ينتهيزهوا: كتفيه ينفض وهو قال في الثقافية الصفحة عن المسؤول إنه بين من عام.. وأردف قطاع أسبوعية مجلة

أسنانه:تكتب.؟ زلت ما أنك - أعتقد

مهنتي.. - إنها بأن لهفتي كلماتي بين أدفع وأنا أجبت

في النشر القديم صديقه أنا علي يعرضتوقعته.. ما حصل مجلته.. وقد

باب على أقف كنت التالي اليوم صباح في إبطي تحت مكتبه.. أحمل مقاال معقوال رصينا

باهتمام.. ومراجعته كتابته على حرصت طقم خضراء، وسجادة وثير، مكتب

هاتف أجهزة وثالثة نجوم، خمس كراسي وفنجان ومكيف، وتلكس، وفاكس وكمبيوتر

أجلس.. أن قبل احتسيته مرة قهوة وذقنه النحيل مكتبه مدير وجه ذكرني مدرستنا آذن كايد بأبي الكث وشاربه العريضة، ذلك منذ حاتم صديقي استطاع وكيف القديمة،

عشرة بخس، بثمن شراءه البعيد الزمن باب أمر سبيلها في يتناسى فقط، قروش

إذا حرمها من خروجه عن ويتغاضى المدرسة، في فالفل.. ليس شطيرة بسطته من اشترى والبقدونس الفالفل، غير الممسوخ رغيفها

والملح.. زمن منذ كايد" مات "أبا أن يقيني ولوال

هو.. أنه لقلتطموحي.. إلى وعبرت األمر، تجاهلت

موقع على مقالي وجدت قليلة، أيام بعد الثقافية، الصفحة في ساطع باسمي متوجا

حقيقية.. وحرضتني سعادة فغمرتني الكامل، في جهودي مضاعفة على تلك النشر فرصة

الكتابة.. ولم طريقها كتاباتي ضلت ثالثة، شهران،

األمر في راجعت وكلما واحد، حرف منها ينشر

-25-

شتى.. أعذار تقابلني نشرت المجلة أن أو المادة، فقدت مقاال

أكتب ما لصالحية المقرر القارئ أن أو مماثال، على القدرية موافقته بيان في تأخر ويكتبونالنص.. كل في أبحث وأنا الغيظ من أنفجر أكاد

ويزداد أجده، وال اسمي عن يصدر جديد عدد ال "مختار. م" .. الذي اسم قرأت كلما غيظي

من بفيض يكتبها.! وأحس مقالة من عدد يخلوسري.. في أتساءل آن، في والحسرة الحسد هذه يمتلك الذي األلمعي الشخص ذلك من

الجدار ذلك وحظه اسمه ويخترق الغزارة،أنملة.. قيد عليه التسلق أستطع لم الذي

* * * * * بيدي أقبض سنديان، شجرة تحملني

بي فيرتفع اآلن، ولد طري فرع على الشابة بي ويحط السابع الطابق إلى يزفني عاليا، وراء من طيفها فأرى شرفة، رواق على

الزجاج.. برفق نسيماتها تعبث كسولة مروحة بيدها

بخيالء.. فتنفضها بجدائلها، والفينة الفينة بين العاريين كتفيها على الخروبي شعرها تفرد

جلدتها، على نزفت ياسمين باقة من إالفأزهرت..

بأوراق أخضر بقلم الممسكة أصابعها تعبث تجلس أنيق مكتب على بفوضى مفرودة كثيرة

خلفه.. فتقف.! وجودي إلى تنتبه

إلهي.. يا ذاكرتي، في تعيش سنديانة مثل باسقة

في شامخة تقف ، طل سحابات فوقي تهطل جعلناها ساحة ركن تحت أتظلل "للرنة"، ملعبا

قائظ.. تناديني يوم ظهيرة في الوارفة أغصانها أشم عروسة تحمل الخطى، تجد وهي أمي منها.. فتهطل تنضح وزيت زعتر رائحة بعد عن

وأستكين.. صدري، لها أفتح باردة نسيمات

-26-

ابتسامتها تختصر اآلن، كذلك تفعل كأنها بيننا.. أكاد تمتد التي الكثيرة السنوات تلك

أنسى صدري.. أكاد إلى وأضمها يدي، أرسل وغزوات مفاصلي، وآالم شيبي، خطوط صدري على المتعاقبة المرض وعلى حينا أحشائي ينبض العشرين، فتى آخر.. كأنني حينا

قلبي ومضت كلما عيناي وتلتمع متالحقا، وجيباالرائع.. جسدها تفاصيل من ثنية

حقا.؟ أحببتها هل ضالتها.. أنني قالت يدي، أمسكت

األشياء، قيمة يقدرون فقط الناضجون نادرة.. ثم مزايا الواحد شخصهم في ويجمعون

ألكتشف غرفتها.. تدعوني نافذة إلى قادتنيالمنظر..

البيوت أسطحة تحتل مجوفة، صحون واإلسطبالت، الخربة، والدكاكين والبنايات،

تمتد المتسولين، من قبيلة أكف كأنها صفوفا واحدة، جهة وإلى واحد، نسق على متراصة، في معلق فوالذي قمر من المعرفة تستجدي

قدر أنه والصوت بالصورة يعلن ما، مكانالجديد. العالم

على وكزت فابتسمت، ببالهة، إليها نظرتملونة.. شهب عينيها من فانطلقت أسنانها

* * * * * المصعد ركوب وشك على كنت من نازال صديقي مع فاشلة مقابلة بعد السابع الطابق

تقابلنا. عندما الثقافية الصفحة مسؤول حاتم أمسكت ثم طويلة، نظرة وجهي في نظرت

يدي:صالح.؟ - األستاذ

تابعت: ظنونها لتأكيد فرصة أجد أن وقبل والدي أصدقاء وجوه وال أسماء أنسى - الالله.. رحمه

رقيقة.. ضحكة وأطلقت يدي، على شدتالرائعة.! كتاباتك أتابع أنني تعلم - هل

وهمست: بدالل، أصابعي إلى نظرت

-27-

الرقيقة.؟ األصابع لهذه - يا عينيها خضرة من وأرسلت أصاب بريقا عششت سامية وقيم مثل مجموعة في مقتال

عاشت نسيجي، في طويل عمر مسار على رسمتها والكبيرة، الصغيرة ممارساتي في

إليها.. أسعى مثاليةالتفاهة.. من قدر على اآلن أراها العمر يمضي كيف رخيصا فقيرا وال جافا

الدفق بهذا تأتي وعندما هذه، مثل فرصة تأتيه السفينة تكون األمواج، ممتطية والعنفوان،

األخير.. الشاطئ قبالةحقا.؟ أحببتها هل

شاسعة وديان إلى السؤال ويأخذني التحدث إلى حتى أجرؤ ال بوحي، تلجم واسعة

نفسي.. مع عن بعيدة شقة في نلتقي، أن يمكن هل

الفضوليين.؟ عيون في عنه أبحث عام.؟ مكان يجمعنا هل أم وأختار الناس، يرتاده مكان أقصى في مقعدا

قبالة أو الفراغ، قبالة وجهي أضع قصي، ركن رف كلما فرائصي وتنتفض ثخين، شجرة جذع

ذبابة.. جانبنا من عبرت أو طائر، فوقنا ورغم لي، يحق ال ما أستبيح أنني أشعر

الشوط. أسخر نهاية إلى غروري يأخذني ذلك الهالكين قصص وتضحكني العشق، قصائد منسبيله.. في

المجرب.. الراشد، أنا يدي، متناول في هي أصابعي وتحت أمامي ووضعت الحياة، حنكتني وإرضاء فائر، جسد أمام فحولتي لتجربة فرصة

إن يستطيع الذي النهم الشيطان وذلك غروريشيء.. كل تدمير وانطلق، تمرد

يتغامزون، ابنتي.؟ أم حبيبتي.؟ يقولون هل يدركون وهم ضحكاتهم ويتهامسون.! تفرقع

صخب من أصغر المطحون، الهيكل هذا أنالصارخ.. أنوثتها

كتفيها ألمس صدري.؟ إلى أضمها هلاليابستين.؟ براحتي الرخامي وعنقها

-28-

قرن..؟ ربع قبل التقيتك أنني - لو خضرة وتدعوني برفق، كفي على تمسح

تهمس: الحلم، الفتراش عينيها أفضل.. نشكل - اآلن استثنائيا، فريقا

نؤسس قيود، تكبله ال فريد، طراز من حبا العطاء في نصبح حتى وتعطيني أعطيكسواء..

إلهي.. ياأصدق.. وال نفسي إلى أنظر

حقا.؟ أحبتني هل األزلية المساحة تلك وتردم تفعل وكيف

براعة تكفي والخريف.. هل الربيع بين شفاه إلى الشعر شيطان يحملها التي الكلمات

بمثلها.؟ لإليقاع األدباء أكثرها كلمات على الحياة تقتصر وهل

ويعلنون يفعلون، ال ما يقولون شعراء، ترهاتيخفون.؟ ما غير

الجوفاء، المتسولة الصحون تلك - أتذكر وتدرك كذلك.؟ أليس مكتملة تراها دوائر هي مرتهن ونفعها وجودها قدر أن تحزن أن دون

ببرود تقتل قلب، لها ليس صماء فوالذية بكتلةمنازع.. إلرادتها وليس أرادت، هي إن

موجات فحملتني وجهي، من اقتربت رأيت بعيدة، ساحة إلى أنفاسها يركض صبيا

فيستلقي والتعب الجهد يأخذه أرجائها، في رطبة، نسيمات عليه تهطل سنديانة تحت

والزعتر.. الخبز روائح ريحها مع تحملفيستكين..

همست: األقفال مفاتيح على أعثر كيف - تعلمت

أخترق أصابعي. وكيف بين طيعة وأجعلها مكتبه.. نشكل ومدير حاتم األستاذ عصابة

على المركونة الرائعة كتاباتك فريقا.. فتنتقلاألولى.. الصفحة صدر "للحفظ" إلى مكتبي

ضيقة.. حارة دخلت الصفراء بابتسامته كايد" يقف "أبو كان

-29-

أرغفة ويحمل عتيق، باب مقبض يمسك أسنانه منه، االقتراب على يحثني ممسوخة، شاربه تحت قبيحة فرجة من تطل المتباعدة

أصابعي.. يلتهم يكاد مفترس فك كأنها الكث، العدد صدر التالي، اليوم صبيحة في

عام.. رأيت قطاع المجلة من األسبوعي عنوانا الثقافية، الصفحة على كتاباتي إلحدى عريضا"مختار. م" اسم واضح بخط يزينه

ليحملني المصعد طلب وشك على كنت مطبوعة صورتي رأيت السابع، الطابق إلى

فيها فرأيت تأملتها الصقيل، الباب زجاج على مني.. فابتسمت.. يسخر آخر شخصاالبناء.. خارج إلى الخائبة خطواتي حملتني متشابكة أشرطة غير أر فلم رأسي رفعت

المجوفة، الصحون قيعان من بفوضى تتدلىالناس.. رؤوس في وتدخل

الفرجة تلك المتقاطعة أسالكها تغلق رؤية وحدها خاللها من يمكنني التي الضيقة تحتل زالت ما غرفة شرفة الطابق في ركنا

السابع.. والنساء الرجال قامات في تفرست كايد".. "أبو شطائر يحملون رأيتهم ووجوههم، نحوي الغليظة بأصابعهم ويشيرون

ويتهامسون.. شدقي.. ملء فضحكت

مني.. تفلت كادت صاعقة صرخة كتمت ثم

-30-

األصفــر الكيـس سـرق من

لئيمة ابتسامات صباح كل تستقبلني الرجال وجوه على بالغ بنفاق مرسومة

والمكتظة الضيقة دكاكينهم أمام المحنطينالمعة.. ومزيفة.. شتى.. براقة ببضائع

الشارع من مساحة يسرقون أنهم حتى األثرية، معروضاتهم يفرشون باألصل، الضيق زاهية بألوان والملونة والمذهبة الفضية

ويتشاجرون.. ويتزاحمون رصفت الذي الضيق، السوق ذلك في ومستطيلة مربعة سوداء بحجارة أرضيته الضيقة الدكاكين جميل. تتراكم بتناسق

العصير وباعة الشعبية، والمطاعم والمقاهيوالجرابات.. والكعك والمرطبات أنغام ضجيج مع النابحة أصواتهم تختلط

وجوه في الكاسيت أشرطة تلفظها رديئة المهلهلة، القديمة البيوت سكان الناس

المتشابكة أزقته خالل من والعابرينالمحيطة.. المدينة أحياء أكثر إلى والمنخفضة

األجانب السائحين من متتالية أفواج وبين القاصدين والزائرين المختلفة بجنسياتهم

األولياء وقبور مقامات بحجارة التبركالسلف.. من والصالحين الضيق دكاني إلى وصلت عندما قصدت مطعم صاحب إلى النظر أتجاهل أن أيضا

تماما.. محلي قبالة )الشاورما( القائم وراء منخفض كرسي على يجلس تراه

صندوق تحمل ما مع تحمل صغيرة طاولةاآللي. المال

-31-

كل بفضول يراقب األصلع برأسه يطلأمامه.. يتحرك شيء

"نزار" فبادرني النظيف متجري دخلت بجملته معي، يعمل الذي النحيل الشاب

المعهودة.. جديد.! شيء - ال

بسخرية: المرة هذه أضاف هاتف.. قال دليل عن وسأل ياسر - جاء

فقد أنه ليرة..؟ ألف فيه كيسا رقم أن أعلم كنت اهتماما، األمر أعر لم يدركها، التي األرقام نهاية هو ياسر عند األلف

عقله.. تالفيف في المدون المعرفة وسقف سيجارة، ألف على حصلت يقول ما غالبا

فارغة. علبة ألف أو ينشد كأنه خياله ينسجه جلل ألمر تهويالسخريتي.. أكتم وكنت المعتوه،

وأشاركه أدعوه معه، وأجلس أالطفه يحبه، الذي المحلى الشاي من كأس شرب قدر أحاول والساخر، الغريب خياله عالم أدخلسواه.. يدركها ال التي الرؤى استخالص جهدي

العقل.؟ جدارة نقيس تساءلت.. كيف عاقل بين الفصل في الحق يملك من

ومخبول.؟ أصال.؟ العقالنية هي ما بل رسمناها التي المطلقة الصورة تكون هل اآلخر سحق إلى مطلق بغرور وأوصلتنا لعقولنا

وضعناها.؟ وبمعايير أطلقناها بمسميات أقف الدائم، تساؤلي محور ياسر كان المضحكة وتصرفاته حركاته أمام مشدوها

أو يعيشه موقف عن خاللها من يعبر والتي التعبير على القدرة يملك ال حالة أو يحسه،

آخر، بشكل عنها يطرحها آراء أمام وأحيانا العقالنية كمال فيها رأيت وبساطة بسالسةوالحكمة.. والسداد

عن الكثير وعرفت زمن، منذ عرفته يوم فيها مفصل أهم يكون قد حياته، ظروف

-32-

نادرة، مثالية شكل إلى الحياة به قفزت في مثيل له ليس بتفان وقدراته نفسه فكرس مات الذي الوحيد شقيقه وأبناء زوجة رعاية

فجأة.. نوع من ولكن حقيقة هذه مجذوبا، كانفريد..

كيف مذهلة بسرعة يتعلم أن استطاع من يستطيع ما قدر يجمع ورزقه، قوته ينتزع البالستيكية والعبوات "الكوال" الفارغة علب

يقع شيء وأي واألخشاب، والمعادن والنايلونثمن.. شيء فلكل يديه، تحت

الجحور أصحاب إلى يتعرف أن واستطاعالنفايات.. هذه وتبيع تشتري التي

تعلم رزق من يلقطه ما يسوق كيف سريعا يطعم الكبيرة، األسرة إلى شتى، بوسائل سواه دون تنتظره التي القاصرة األفواه واحدة لقمة يتذوق ولن الحياة، على ليقيمها

الكفاية.. لهم يزجي أن قبل من يهرب كيف كله ذلك فوق وتعلم

والتشرد.. التسول، مكافحة دوريات مسافات ويختصر الحياة يقبل كيف تعلم لنا اآلخرين فهم وقلة الحظ قلة عن السؤال

كل أتونها في نتعذب التي القائمة آخر إلىألننا.. عقالء.. لحظة

العمر به مضى وهكذا دوامة وسط كائنا تدور قلب في تشكل حتى يوم بعد يوما

الصورة إلى المزدحم، المكان لهيكل مكمال المعوقين من قليلة ليست مجموعة جانب عقليا تزيد وجسديا مثل في ما لسبب عدداالمغيبة.. األحياء هذه

جوانحه بين يمتلك االبتسام، دائم كان روحا ويحس الرائقة للكلمة يطرب ووديعة، حلوة

ويستسيغها.. بالدعابة يبدو أليفا محببا قربته الصفات وهذه ودودا

وعرفوه، عاشروه الذين الناس قلوب إلى صداقة ترسيخ في كبير حد إلى وأسهمت

الشاحنة صاحب القادر عبد وبين بينه حميمة -33-

والعجالت الداكن األخضر اللون ذات الصغيرة يقيم والذي الثالث جانب إلى بيت في أيضا

ذاته.. الزقاق في ياسر بيت الطيبة عالقاته في الوحيد االستثناء ولعل

وبين بينه الموتورة العالقة تلك اآلخرين، مع عندما ضربه الذي الشاورما راشد( بائع )أبودكانه.. أمام من فارغة كوال علبة والتقط تجرأ

كيسه من وأخرج غضبه، ياسر ابتلع يومها فارغتين علبتين ظهره على المعلق الكبير

ابتعد راشد" وحين "أبو أمام بهدوء وضعهما بصوت وصرخ يحمله، الذي الكيس أنزل عنه،غضبه: جام فيه صب

ابن…….. يا راشد - أبو

وهرب، كيسه حمل بسخرية، ضحك ثمأرنب.. مثل يقفز

فجوة بينهما اتسعت اليوم ذلك ومنذ كنت متبادلة كراهية إلى وتحولت الجفاء، وحرصه ياسر نظرات من وألمسها أحسها

خطوط عن يستطيع ما قدر االبتعاد علىبينهما.. التماس

يصطحبه النقيض، على القادر عبد وكان جولة في يقصدها التي األماكن معظم إلى

من حموالت نقل على المقتصرة اليومية عملهآخر.. إلى مكان من مختلفة بضائع

والكبار األطفال مضايقات من وينقذه يحبه ياسر تفوق على مرة من أكثر أحيانا.. مؤكدا عليهم في يجري األقل( بما )على جميعا

مثلها يحمل قلما نادرة زمرته دم من شرايينهالكثيرون.. رفقته إلى يرتاح الحب، يبادله ياسر وكان

مشاعر وأقصى عمره ساعات أحلى ويعيش يركب عندما سعادته صندوق في واقفا

تضرب الريح تجعل التي السريعة الشاحنة المهملة ولحيته رأسه بشعر وتعبث وجهه،

يرتديه الذي الفضفاض الثوب وتنفخ الكثيفة،كرشه.. قمة فوق بخيط وسطه من ويحزمه

-34-

أمام القرفصاء يجلس رأيته عندما ذهلت بيته باب قبل.. من أره لم كما حزينا

تأبى دمعة ويعتصر راحتيه، بين رأسه يدفنمآقيه.. مغادرة بحنان إلي نظر واقفا، هب حتى رآني أن ما

وابتسم القصيرين ذراعيه بين وضمني جمطفل.. بفرح

الحزن موجة من إخراجه أحاول سألتهتجتاحه.. التي

الهاتف.. دليل على تفتش أنك - سمعتوتمتم.. بحسرة رأسه لوىمهما.؟ األمر يعد - لم

وأردف. وجهي في نظر ثم أرقام رقم.. كلها ألف فيه الهاتف - دليلالحكومة..

واحدة.. مرة - الحكومة منهم، هربت الحكومة.؟ تعرف ال - أنت

سيارة.! في شرطي ألف من أكثر جاؤوا وتيرة على وتابع بدهشة عينيه فتح

ذاتها: الحماس هربت.. ركضت الناس.. وأنا كل - حبسوا

الزقاق.. وضحكت وصلت حتى وركضتعليهم.؟

تذكر كأنه بحسرة صدره على ضرب أمرا بحزن: وتمتم مهما - سرقوا ليرة.. بألف أغراض فيه كيساالحكومة.؟ - من.؟

على بيده وضرب باستخفاف إلي نظر وأجاب األخرى يده ساعد في نافر عرق

باقتضاب:مهما.. األمر يعد - لم عبد مع ياسر انطلق الباكر الصباح ذلك في تحتوي صناديق لنقل ذاتها الشاحنة في القادر المتنزهات أحد إلى مختلفة أطعمة على

-35-

المدينة.. من القريبة العادة بحكم الخبيرة عينه اكتشفت وهناك الفارغة الكوال علب من به يستهان ال عددا

ويدسها يلتقطها فاندفع الطاوالت، بين ملقاةالكبير.. كيسه في األخرى بعد واحدة

أمام الشاحنة توقفت العودة طريق وفي وأشجار غناء حدائق حوله القصر يشبه بيت

باسقة.. فقد متوقعة غير بسرعة األحداث تتالت ثم انتظاره( في كانت أنها )يبدو سيدة أخذته إلى به ومضت الجمال، من قدر وعلى متأنقة وعندما ساعة، من أكثر فيه غاب البيت، داخل يديه بين يحمل كان خرج اللون، أصفر كيسا طبي قطن وقطعة واللحم، الخبز من كثير فيه

األيسر.. ساعده في نافر عرق على ملتصقة الباب إلى ترافقه وهي السيدة قالت

الخارجي: مثل كيس على ستحصل طلبناك - كلما

هذا، تتردد ال شيء، شيئا.. أي احتجت وكلما

الحكومة.. بنا.. نحن باالتصال األصفر الكيس في المعبأة ثروته حمل

في بالغ بحرص وركنه جديدة، دنيا امتلك وكأنهالشاحنة.. صندوق من أمينة زاوية

القادر: عبد له قال تفرح.. ربحت أن - لك ألف فيه كيسا

ليرة.! يدم لم الكبير فرحه لكن الحقته فقد طويال

من مجموعة الضيق السوق ذلك ولوجه لحظة ومكافحة المخالفات قمع المكلفين الرجال

التسول.. أوتي ما بكل وانطلق الطويل جلبابه شد

كيس ألقى والزواريب، األزقة بين قوة من وقبض ظهره، على المعلق الكبير النفايات هاربا.. يركض وهو األصفر الكيس على بإصرار

وتارة المتخبطة، بخطواته تارة يتعثر في المتزاحمين الناس وأقدام بأكتاف

-36-

السوق.. أمامه يغلق راشد بأبي فوجئ وقد

يجد ولم عليه، لإلطباق ذراعيه ويفتح الطريق، يحمله الذي األصفر بالكيس يقذفه أن إال من وينطلق ليتجاوزه المفاجأة فرصة مغتنما

وعزم.. بقوة جديد منه حانت األخيرة االنعطاف لحظة في األصفر كيسه بحزن ليشاهد الوراء، إلى التفاته

المطاردين.. أيدي بين يغتصبونجا.. األخير الضيق الزقاق دخل

ومختلطة كثيرة صور عينيه أمام تراكمت القرفصاء يجلس يديه، بين وجهه يطوي وهو

مقلتيه.. من تفيض كادت دمعة ويحبس الوجوه تفاصيل نفسها اللحظة في تذكر

األصفر.. كيسه واغتصبت طاردته التي سرقت التي الوجوه ذات أنها واكتشف النادر.. دمه من بعضا

القصيرين ذراعيه وأرسل ببالهة، ابتسمعصفور.. مثل يقفز وراح الهواء، في

ممارسة عن فجأة توقف أن يلبث ولممعنى.. لها ليس مضحكة حركات

ربط كيسا جديدا وانطلق ظهره، إلى كبيرا أسرة رزق عن القمامة حاويات في يبحث

سواه.. دون تنتظرهالضيق.. الزقاق نهاية إلى وصل قد كان الهواء في يديه ورفع بعيد من إلي نظر

يقول: كأنهمهما..؟ األمر يعد - لم

وسلكت المساء، في متجري غادرت عندما إلى تقود كبيرة ساحة على آخره يطل زقاقا التي المنطقة عالم إلى بصلة يمت ال عالم

يعيش. من مع ياسر فيها يعيش راشد، وأبو القادر عبد رأيت أنني لي شبه عجالت ثالث من شاحنة صندوق في يجلسان

من تبقى ما وتلذذ بنهم يأكالن داكن أخضرأصفر. كيس قاع من انتزع لحم فتات

-37-

-38-

حـروف أرقــام.. وكومــة

المدينة.. قاع في الغائصة األرصفة حملته الفخمة المحالت واجهات اهتمامه تلفت لم

الصور، بعشرات المتأللئة الجدران وال البراقة، الغريبة اإلعالنات عشرات مع بفوضى متداخلة

البضــائع وال شــتى، وعبــارات بــألوان المشطبةاألقدام.. بين المفروشة والمهربة المزركشة

الشدة متفاوتة األصوات ضجيج يزعجه ولمــرطة على المطبوعة والغريبة ــيت" أشـ "كاسـ وســباب الســيارات، أبــواق زعيق وال رخيصــة،

ــرة باصطدامه يكترث ولم الجوالين، الباعة المالمتسكعين.. الناس وأكتاف بأقدام المرة تلو

المغلف على وغاضبة خاطفة نظرة ألقى صفقه ثم أصابعه، بين المعلق السميك األسمر

بغضب.. فخذه على الصيفي النهار هذا في يعرف.؟ أنه لو جانبه.. على إلى تسير عاهرة كم الدبق،

ذاته.؟ الطريق أقل.؟ أو خمسة.. عشرة.. أكثر

كان بين الخطوات بالحساب.. يعد مولعا وأخرى.. يعد مكتبة وآخر.. بين سجائر كشك

واحدة.. بعد واحدة الساللم درجاتاألول.. الثاني.. الرابع.. الطابق

الماء وسبل المأجورة، المراحيض يعد على المشوية الفراريج بيع تومحال القليلة،وهناك.. هنا الفحم،

كم يحصي بين صدره استنزف شهيقا -39-

الخلفية..! البيوت وشارع الصحافة، شارعهمسا.. حسن أخبره العمارات هذه في األقبية أكثر - إن

دعارة".! الضخمة.. "بيوت )ال( كم يحصي أن اآلن يستطيع أنه لو بقدر الممسكة األبواب خلف من له قيلت

الثقافة..؟ فارغ، بكالم المحشو األسمر، المغلف هذاسمعها.. )الالءات( التي كل شك دون يستحق

درس تشرح وهي بغضب، هدى له قالتيديها.. بين بشرحه استفاض الذي القيم

والشرف األخالق عن تحدثني أن - إياك قطعة أصغر لي تحمل لم و.... كلها والعيبألبسها.! قماش

عنوان أمام الناس من نفر بين تسمر وجلي واضح لكنه رديء بخط كتبه صارخ، واألشياء والمجالت الصحف بيع كشك صاحبالكرتون.. من كبيرة لوحة على األخرى

ويسلبه.. عامة سيارة سائق يقتل "مجرمليرة.. فقط.!" مائة

على التالية.. "لينفقها الجملة أن - أراهنالدنيئة".. ملذاته

بسخرية.. ابتسم يورثون.. وال فقراء، يموتون - الشرفاء

فنادق يرتادون الكبار والقوادون اللصوص ويضاجعون نجوم، خمس ومالهي ومطاعم

النساء.. أجمل مرة فخذه على األسمر المغلف ضرب

ثانية.. ساعة رفقة تكفي ليرة.. ال المائة - حتى

عاهرة.. معحسن.. قال

المكان..! تدبير وعليك ليرة، - خمسمائة رأسه.. كان في األرقام تراكمت مولعابالحساب..

-40-

الشهر... نحسم اليوم... في في زبونانالسنة..؟ الطمث.... في أيام

علقها التي اللعينة العارية الفتاة صورة سريره قبالة الحائط على بعناية يوم ذات

بامتياز.. الدفاقة أنوثتها تماما.. تستثمر تغطي قصد عن خبيرة.. تكاد عاهرة

حلمة الطويل األصفر شعرها من سائبة بخصلة نومها قميص تترك أكثر.. بينما ليس نهدها

فخذيها.. عن ينحسر الحريري الشهية.. نظراتها مع أطلقت أمس، مساء

فيه.! الكامن الحيوان األزرق.. تزايدت الباب أمام بوجل وقف

قلبه.. نبضات بعيد.. قدها من بصمت.. عشقها أحبها

كم نشوة، ألف صدره في أثار الممشوق ويسكت ذراعيه، بين يعصرها لو اشتهى

الزمجرة.. عن يكف ال الذي اللعين الحيوان صديقه أحبت القدر فجأة مثل لكنها

تزوجا.. أن يلبثا الوحيد.. ولم ورفيقه الذي حبيبها أن "هدى" بخيالء أعلنت يومها

اختارته اللحظة يملك العالمين عن دوناوالمستقبل..

عينيها: من يطفح والبشر قالتقضية..! أنبل جوانحه بين يحمل - حبيبي

طفال.. واختفى.؟ رحمها في زرع الشمالية.. المدن بالليع في سقط قالوا

ذباب صحراوي.. قتله معتقل مستنقع في ذابالمحيط..ففتحت.. خفيفة، طرقات الباب طرق

ألف وبريق هدى، ودمها، هدى.! بلحمها وسادته داعب حلم الزمن.. من ردحا

األبيض صدرها لحم على عيناه سقطت شفيف.. أحمر نوم قميص فرجة من الطافح

وجهه على وألقت المرتجفة، يده أمسكت أصفر، بصباغ المعجون شعرها شهوة من فيضابهدوء.. الباب أغلقت ثم

-41-

أذنه.. شحمة تداعب وشفتاها همست ذلك أجل تشتهيني.. من كم - أعرف

دعوتك..!وتمتمت.. أكثر صدره على التصقت

خاص..! خاصة.. وسعر معاملة - لكالوثير.. السرير فوق ارتمت

مع عيناه اقتنصت نفسها اللحظة وفي صغيرة قماش قطعة الزهري، لحمها فحيح

أحمر.! فاخرة.. لونهارأسه.. في تدوي األرقام عادت

الليلة.. في في زبونان متى..؟ منذالطمث..؟ أيام الشهر.. نحسم

مبادئ نسي جديد، من األرقام اختلطتوالقسمة.. والضرب الجمع

ويقعدون يقومون الرجال عشرات رأى الغرفة فضاء في ينشرون السرير، فوق

النتن.. وهداياهم عرقهم روائح الضيقةالفاخرة.. الحمراء الوحيد وصديقه رفيقه بينهم يكن لمبالغثيان.. المستقبل.. فأحس صاحب

أسف.. بال األزرق الباب وراءه أغلقومضى..!

حسن.. قال عن تسأل الشارع، آخر المقهى - في

فريد..! السيد واحد.. اثنان.. خمسة.. سبعون.. ومغلف

تحمل بأوراق محشو ثقيل أسمر جوفاء، حروفاوالمستقبل.. والوطن الظلم عن تتحدثقالوا... الناس.. هكذا تهم ال

واحد.. اثنان.. خمسة.. سبعون.. يتلقفه آخر في المقهى إلى الرصيف الشارع.. يقوده

الخلفي.. الشارعــارعت ــ ــه.. البد تسـ ــ إلى يصل أن خطواتـ

من رتل فــــــوق المحشــــــورة اللعينة غرفته -42-

الدكاكين.. النــــاس، أدمغة تلسع الشــــمس أشــــعة

ــفلت على وتطبعها ــ ــارع، إس ــ ــوان الش ــ والحيويزمجر.. يزعق زال ما اللعين

باهتمام يتابع وراح العاشرة، اللفافة أشعل من المنبعث الثقيل الدخان حلقات تصاعد إلى النظر تجاهل على أصر الجاف، حلقه

قبالته.. المعلقة الصورة تنشر السمينة جارته لمح على ماء تنز ثيابا

غرفته.. رفعت لنافذة المقابلة شرفتها حبال عن به المتقبعة الغطاء فانحسر ذراعيها

األبيض ذراعها حقيقية بمتعة كتفها.. شاهدالنظيف.. وإبطها الزهري،

عجل.. على الستارة أسدلالباب.. على طرقات ثالث

فريد..! السيد - أرسلنيردا.. تنتظر ولم

وألقته الطويل الصيفي معطفها خلعت دلقت ثم السرير، طرف على جلست بعيدا، واستلقت واحدة، دفعة القميص خارج نهديها

ساقيها.. بين وباعدت البقية، تخلع أن دونوحمراء.. فاخرة أخرى قماش قطعة منها.. نظر اقترب وجهها.. في مليا

فوقهما.. المعلقة الصورة فتاة تشبه كأنها"هدى".. تشبه كأنهاالـ…... تمارسين متى - منذ

بالتمام.. أشهر - عشرةيتمتم.. راح

أيام الشهر.. نحسم اليوم.. في في زبونانالطمث..

قاطعته.. تحت عددهم أطوي ذاكرتك.. أنا ترهق - ال

الرقم مفاصلي.. أنت تتخلل جلدي.. رائحتهم242..

الضبابية.. الدخان سحابات مع رأسه دارت -43-

األزرق. الباب وراء تقف هدى ثوب في وشهوتها ودمها جسدها تغلفشفيف.. الحروف كومة بقرف )ال( تمتص ألف تحت الملقى األسمر، المغلف داخل المكتظةالسرير.. من الباقي الفراغ تحتل نتنة عرق رائحة

الغرفة.. فضاء فوق يجره صليبه، يحمل زال ما رجل وعتبات الصحراوية والمعتقالت األرصفة

المقاهي.. أحزانه درب في تخفق حمراء قطعة ألفالثيران.. من قبيلة تثير وآالمه،

ليرة.. خمسمائة جيبه من أخرجاألزرقين.. الفخذين على سفحها

ومضى.. أعماقه.. قد في القابع الحيوان بأن أحس

واستكان..! هدأ،

-44-

أليفـــة حيــوانـات

واحد، وقت في علي انقضوا رجال ثالثة وجهي قريب.. غرزوا بناء مدخل إلى دفعوني

وفتشوني ساقي، بين وباعدوا الحائط، في جيوبي.. من شيء كل انتزعوا دقيقا، تفتيشا تحمل التي المفاتيح وعالقة ونقودي أوراقي

فلسطين. لخريطة صورة صفحتها على تقف سوداء نوافذها سيارة إلى بينهم ودفعوني

الشارع.. طرف على الخلفي المقعد في جلست بين محشورا

كلمة عن أسنانهما تنفرج لم منهم، اثنين الشاب رأيت نفسها اللحظة في واحدة،

العريضة الجبهة ذو األسمر، المتوسطي يجلس الدقيق، األسود والشارب متوترا قلقا

عينه بطرف إلي ينظر األمامي، المقعد علىوالحين.. الحين بين

اآلن.؟ أمامي الصور تلك تقفز كيف تراءت أشباح أشكال تحمل فجأة، تحركت

فيه، أجلس الذي الدامس الظالم قلب من لي رغم ودمها، بلحمها اللحظة تتشكل كأنها

عليها.. تراكمت كثيرة سنوات انقضاء أذكره قصير الفرنسي الضابط ذلك جيداالقامة..

كان أنه بينهما الفارق أنيقا ويرتدي وحليقا تغطي براقة، نحاسية بأزرار مليئة زرقاء بزة

الحليب، بائع كوز تشبه مربعة قبعة رأسه وهو رائقة إنسانية بابتسامة االحتفاظ يحاول

ال فرنسية لغة ويلثغ وجهي، في التحديق يتابع -45-

فاستبدلها حين، بعد ذلك اكتشف أفهمها، ال أن قصدت بها يرطن راح رديئة بإنكليزيةأفهمها.. ببالهة، رأسي أحرك أفهم ال بأنني متظاهرا

شيئا..* * * *

على اعترفت أكثر وركالت كثيرة، صفعاتذلك.. فعلت أنني إثرها

حالك مكان إلى قذفوني لحظات بعدالحديد.. صفيحة ورائي الظلمة.. وأغلقوا

جربت بي، تحيط التي تلك جدران أنها البد استطعت لكنني أفلح، فلم يدي كف أشاهد أن حاسة على أطمئن أن كثيرة محاوالت بعد

بخير. زالت ما عندي، اللمس يحمل كأنه رطوبة، ينز منخفض السقف

تكاد حتى قريبة الجدران ماء، ساقية فوقه مستوية ليست واألرض بعضها، على تطبققدمي.. تحت

تلمست عندما الركن.. تحرك في نتوءا أو سطل ويوقعني، يقع وكاد عليه اتكأت

ال آسن ماء رائحة ينضح وعاء مثل علبة.! شيء عليه أريح ككرسي الستخدامه حتى يصلح

المتعبة.. أعضائي لجسدي تتسع فسحة وجدت أخيرا ربما النوم، في غبت أن ألبث ولم فجلست،

لحظات.. وربما ساعات أصوات على صحوت أنني أذكره ما كل كما رؤوسها وتخرج وتستغيث، تصرخ مرعبة، عليها تصب صنابير تحت من أفعل أن أحاول مثلج.. ماء من سيال

الحرام.. أوالد يا تخريب - عصابة بصاق رذاذ شحنة تطاير مع كلماته تطايرت

يرفع أن واستطاع جميعا، وجوهنا على انتشر أسود كثيف بشعر المغطاة القصيرة قامته في المحشوة قدميه أصابع أطراف على

شعر بعنف يمسك وأن أسود، جلدي شاروخ توقعه بقوة ويجذبه جانبي إلى الواقف الشاب

-46-

وجهه.. على- إرهابيون.!

سنا، أكبرهم أنني أعتقد أشخاص، أربعة كناقبل.. من رأيتهم أو عرفتهم أكن ولم

وحدي.. كنت اليوم ذلك في أنني أذكر لم بعناية المرسومة النظيف وجهه تقاطيع

الوجه ذلك حسبت حتى االبتسام، عن تتوقف الثنائي بين السمين للشق صورة الطفولي

التحدث. عن يتوقف وهاردي" ولم "لوريل أفهم ال أنني أدرك لحظات بعد مما شيئايقول..

نصف وحدي وتركني الغرفة من خرج قاسي أسمر، رجل برفقة ليعود ساعة

في عينيه.. نظر من اللؤم يقفز المالمح، وجهي وهو سليمة عربية بلغة أردف ثم طويال

بإصبعه: يلكزني- إرهابي.. هاه.!

األولى المرة هي باستغراب، رأسي حركت فيها أسمع التي ماذا أفهم وال كهذا مصطلحا

يعني.! على أجلس شرحة، واسعة غرفة في كبير، شاي فنجان أمامي مريح، جلدي كرسي رأسي وفوق سجاير، وعلبة قوي مصباح تماما

ويرسل ويسرة، يمنة يتحرك في مختلطة ظالالاتجاه.. كل

يتحدث اللئيم األسمر الرجل إلى همساالنحاسية.. األزرار ذو البدين، القصير الرجل

الطاولة على الملقاة أوراقي من له يقرأ عدة ضربه الصغير، دفتري أمسك أمامهما،

بسخرية: سألني الطاولة، على مراتهذا...؟ - ما

سفر.. - جواز أطلق يديه بين يقلب وهو طويال صفيرا

بادية.. بسخرية الدفتر ذلك في حقوقي وتجاوزت تماديت أنني أدركت

سفر وثيقة إنها قلت أنني لو الصفات، اختيار -47-

ممهورة نظامية تأشيرة مؤقتة.. تحمل لي سمحتا دولتين من رسميين بخاتمين بشكل أخرى إلى والدخول دولة من بالخروجنظامي.

دعوة على النادرة الموافقات تلك مؤسسة في فرعها مع عملت كبرى فرنسية شركة من

وأثبت الزمن، من فترة فيه أقيم الذي البلد بالترويج أسهمت مهنية جدارة عملي خالل

واآلالت. كافؤوني المعدات من لمنتجاتهمواالطالع. للزيارة الكاملة نفقتهم على بدعوة

أحد باريس أورلي مطار في استقبلني يحمل الناس، بين يقف رأيته الشركة، مندوبي

بحروف اسمي عليها مكتوب لوحة صدره على فندق إلى مباشرة رافقني كبيرة، التينية

ورقة وسلمني األربع، النجمات ذي اإلمبراطور مدى على زيارتي برنامج تفاصيل تحمل طويلةكامل.. شهر

* * * * مجموعة أن الباكر الصباح في أعلموني

في الغداء طعام ستتناول األجانب السياح من زمن منذ افتتحته الذي المتواضع مطعميقريب. يعمل أقربائي أحد من دولة في مدرسا

لي قدم الخليج، دول بقصد المال من مبلغا نبدأ أن على االستثمار مثمرا.. مشروعا

المال.. ولم برأس وهو العضلي، بجهدي أنا نفضت أن وبعد والتمحيص، البحث بعد أجد

أفضل أتقنها، التي المهنة عباءة صحية ألسباب والغذاء، الطعام عالم في االستثمار من

معقولة، أرباح لتحقيق مضمونة فرصة وجدتها يمكن ال ما اإلنسان حاجات بين وحده فالطعام وفي العام، المنظور في ويبقى عنه، االستغناء

الضروريات. أهم ومن بل ضرورة السلم على ريفية، منطقة في المطعم افتتحت

مناطق إلى يؤدي ومطروق، عام طريق "األنباط" قبل قبائل لنا تركتها وأثرية، سياحية

تنقرض.. أن

-48-

من المجموعات بعض نستقبل كنا الحين بين السائحين ألق على والحين،اعتمادا أن أعترف أن لي والبد السياحية، المواسم

لي حقق فقد استهواني، المطعم في العمل وألسرتي فسحة أمامي وفتح معقوال، دخال

اآلخرين. مع طيبة عالقات إلقامة العمل أي أنه األمر في ما أهم وجدته وما

بالخيبة الشعور كاهلي عن أزاح المطعم في وكل اهتمامي أخذ فقد والفراغ، والمللوقتي..

أن وما وساق، قدم على استعداداتنا أجرينا جاهزية أتم على كنا حتى النهار انتصف

الموعودة.. المجموعة الستقبال كما مزدهرة تعد لم األعمال أن أعترف

كانت. البلد أهل الناس من أفواجا نستقبل كنا

في مرة طعامهم يتناولون بالتنزه الراغبين افتقدنا وقد بيوتهم، خارج األقل على الشهر

ليست مدة منذ ذاتها بالكثافة حضورهم المطلق شبه لالعتماد دعانا ما وهذا قصيرة،

السائحين.. أفواج على المطعم، أمام الطويلة الحافلة وقفت

النوافذ، من تطل كثيرة رؤوس وبدت كثيرة آالت وعدسات فالشات تطلق أيضا

اتجاه.. كل في مضيئة زرقاء سداسية نجمة للحظة بينها رأيت

صوابي.. فطار بيضاء، لوحة على وتوارينا عجل، على المطعم باب أغلقنا

األنظار.. عن مبتعدين المطبخ في كبيرة، برتبة ضابط المكان واقتحم لحظات

بصفات فصيحة، عربية بلغة يذكرنا أن حاول نشتهر التي الضيافة وحسن والشهامة الكرمبها..

بسرعة.. األحداث جرت وأنا نفسي زمام أملك لم أنني حقيقة

صوتي: بأعلى وأصرخ الخارج، إلى أندفع مطعمي في أستقبل - لن إال منهم أحدا

-49-

جثتي.. على من أرهم ولم أعرفهم ال برجال فوجئت

جانبي. إلى يقفون قبل رجال وثالثة والضابط نحن نتدافع ورحنا أن واستطعنا الرسمية، ببزاتهم يرافقونه مبتعدة انطلقت التي الحافلة في نحشرهم

وسبابنا.. حجارتنا بسرعة.. تالحقهم* * * *

مسؤول كلفها فرنسية زنجية صبية في مرافقتي الشركة في العامة العالقات

المعالم وأهم باريس أحياء على اطالع جولةفيها..

أطلقت الالتيني الحي من اقتربنا عندما من مظاهرة إلى تشير وهي صاخبة ضحكة شعارات يحملون منا، مقربة على تسير الناس

قالت: عليها كتب ما أفهم لم والفتات المعلبة القطط غذاء بتحسين - يطالبون

اكتشفوا أن بعد البروتينات نسبة في تالعبا بدقة، مراعاتها المفترض صحة على حرصا

األليفة.. الحيوانات تلك في وحدي أتجول أن حاولت أيام بعد التجوال أن رغم العظيمة المدينة في وحيدا ال ألنك فائقة، بسعادة يشعرك ال جميلة أمكنة

لتعيش محكيا، انطباعك تعطي أن تستطيع تشير وأنت سواء حد على الفعل ورد الفعل

بل يشاركك انتباهك، تشد التي المعالم إلىآخر. طرف إليها ويضيف

برغبة شعرت أنني إال بذلك إيماني ورغمالتجول.. في

باسم بطاقة وحملت أجرة، سيارة طلبتهاتفه.. ورقم وعنوانه الفندق

أعطي أعود وحين أشاء، أين أذهب قلتأتيت.. حيث من فيعيدني السائق إلى البطاقة جانبيه على طويل، عريض شارع في من طلبت كثيرة ومعالم كبيرة، محالت شارع دائرة في أننا أعلمني التوقف، السائقالهال..

-50-

ما أراقب وأنا جميلة جولة وبدأت نزلت في يتسكعن وغانيات وحجر بشر من حولي

ركن. كل عندما نظيف عريض رصيف على أتمشى

أمامي وقف لوجه.. وجها لفتت إلي، ونظر بدهشة إليه نظرت

العريض، وجبينه بشرته، سمرة انتباهيالدقيق. األسود وشاربه

في قلت لي، فابتسم برقة، له ابتسمتنفسي:

- وجدت أخيرا ويبادلني إليه أتحدث رفيقاالحديث.. وجهه إلى فأشرت وجهي إلى بيده أشار

خفيض: بصوت سألني أيضا، إيست.؟ - ميدل

األبيض.. البحر حوض - وي.. نعم، ففتح عربية، بلغة فمي من الكلمات افلتت

دهشة.. فمهأيضا: عربية بلغة أجابني

- عربي.؟- فلسطيني..!

غير لقاء صورة خيالي تمأل تركيز، بال أجبت بالد في واحدة بالد من شخصين بين متوقعطيب.. أثر من لذلك وما غريبة،

نظراته تنقلب أن واحدة للحظة أتوقع ولم خوف آخر، شكل من نظرات إلى الهادئة،متوقعة.. غير ومفاجأة ورعب

على يعدو انطلق ثم للوراء، خطوتين ارتد هدى غير يستطيع. ما قدر مبتعدا

أقف وأنا السيارات، بين الشارع إلى نزل الناس نظرات تلسعني واجما، مكاني في

بالشكوك.. الطافحة ابتعدت قد أكن لم دقائق بعد انقض كثيرا

بناء. مدخل إلى ودفعوني رجال، ثالثة علي بين وباعدوا الحائط، في وجهي غرزوا

-51-

مخفر إلى بدقة.. وقادوني فتشوني ساقي،قريب.. العربية يتكلم الذي األسمر الرجل قال الطاولة، على رتيبة نقرات ينقر وهو بطالقة المبتسم السمين يرددها كلمات ترجمة وينقل

النحاسية: األزرار ذات األنيقة الزرقاء بزته في نحن األمر، لنا تشرح أن األفضل - من

نفهم نهاية في يحدث أن يمكن ماذا تماما من أكثر )رددها فلسطيني عربي بين مطاردة

صدري( وبين على بإصبعه ينقر وهو مرة ذو األسمر الرجل إلى )وأشار تونسي يهوديالباب(.. أمام الواقف العريضة الجبهة

شديدة.. حيرة تملكتني وغير غريبة بسرعة األحداث جرت

وال الثالثة، بين ناظري أنقل متوقعة.. ورحتأقول.. ماذا أدري

قبالتي جلس ركبتاه التصقت حتى تمامابركبتي.. معرفة خاللها من يبدي ابتسامة ابتسم

هادئ: بصوت وقال األمور، بخفايا خارقة حسابات تصفية تجري أن نسمح ال - نحن

األفضل من لذلك أرضنا، على إرهابية همجية كيف تدلنا أن األحوال كل في ولمصلحتك

في أشهرته الذي المسدس من تخلصتوجهه.. مسؤول تدخل كثيرة، ساعات بعد

استضافتني، التي الشركة في العامة العالقات من مجموعة بعد المخفر من وأخرجني مختلفة، بأوضاع تصويري شملت اإلجراءات

وإجراءات العشرة، أصابعي بصمات وأخذأخرى.

اإلمبراطور فندق إلى مباشرة ليرافقني أورلي مطار إلى ومنه األربع، النجمات ذي

البلد إلى مباشرة بي وتعود طائرة، لتحملنيمنه.. أتيت الذي

* * * * الشرطة، برجال المكان اكتظ لحظات بعد

-52-

أنفسنا وألفينا عنوة، حملونا السري، والبوليس جانبي إلى وقفوا الذين الثالثة واألشخاص أنا

رأيتهم قد أكن ولم اليهود، قافلة طردنا ساعة األسود الشعر يكسو قصير، رجل أمام قبل من ينتعل المتهدل، لحمه من ينكشف ما شاروخا أسود. جلديا

فجأة ثم والركالت، بالصفعات استقبلنا فاترة، ابتسامة على الصفراء أسنانه انفرجت

ألقى مقصودة، شماتة من بفيض شحنهابسخرية: يردد وهو الصور من مجموعة أمامي

شيء.. بكل لنا تعترف أن اآلن - تستطيعذلك.. فعلت أنني - أعترف

ال أعضائي أن شعرت باستسالم، قلتتحملت.. مما أكثر تتحمل أن يمكنها

مجموعة من صورة سحب بانتصار، ابتسم أمام ودفعها أمامنا، الطاولة على منثورة صور

بخيالء: وأردف به، تلتصق كادت حتى وجهيهاه.. دولي، - إرهابي

نفسها اللحظة في الصورة، إلى نظرت على السيطرة أستطع لم ضحكة مني أفلتت

صورتي إنها وأقول أصرخ أن أوشكت كتمانها، تطالب مظاهرة على نتفرج فرنسية وزنجية

فقد أفعل، لم القطط.. لكنني طعام بتحسين لي يفسر وهو األجش صوته شرودي قاطع مظاهرة وسط أقف أن معنى ما بذكاء

حاشدة، عليها مكتوب الفتة تحت تماماالجحيم(.. إلى الحكومة )لتذهب لها ليس بلهاء ضحكة إال ساعتها أملك لم زنزانتي إلى أساق وأنا أطلقتها معنى،

الظلمة.. شديدة المنفردة

-53-

السنــابل بريــق

الســــــــــــنابل، رؤوس داعبت غربية ريح ســيقان فــوق مشــتدات ويسرة، يمنة فتمايلتــها متراصة ــفحاتهن بعض.. ذهبت إلى بعضـ صـ تقبله الشاطئ، إلى أمواج.. موجة وراء أمواجا العمق إلى شــــقيقاتها وترتــــد. ترافق بعشقــأنهن شفير على معهن وتحط البعيد األفــق.. ك

البحــر، لحم في تغــوص وهي الشــمس يضربنــالوردي تلونه ــالم، بـ ــيف الحـ جمالها إلى فيضـ األخاذ شبيه.. له ليس بريقا

فتناثرت الخبيرتين، راحتيه بين سنبلة فرك تنتظر ناضجة كفيه، مألت قمح حبات منها

الصباح، في ذلك فعل يبدأ أن وعليه الحصاد، حبيبات الدافئة الشمس خيوط تعلك أن بعد

إليها.. الراحلة الندى من ممتدة أرض فوق حقل، وراء حقل

الغزاة، موجات ابتلع شرقي، نهر ضفاف تاريخ من عرم سيل حروف قاعه في وغرقت بحوافر وتطهر اغتسل نهر لجة إلى طويل، قمح ميادين بينهما الله.. تضيء سيوف خيول

وزعفران.. وشعير فوقها آدمية وعظام حقول، خلفها حقول

عظام.. غاربة وتجري النهار، هالة تودع الشمس

ودفق ودفأها أشعتها تجر لها، مستقر إلى صباح انتظار موعد على تعطيه، الذي الحياة مع فيها هوادة ال حركة وتشتد فيه تدب جديد، السنابل عباب تمخر حديثة حصادات هدير

-54-

أصله.. عن القمح حب تفصل سنة.. بعد موسم.. وسنة وراء موسما

وال تجود.. وتعطي تعودت، ما على واألرضتتعب..

الخير.. مواسم تدفن الجحور، هذه - فيواألفخاذ..! النهود بين الزاهي بريقها يخبو

يحطان وهما أذنه "مختار" في همس الليلي الملهى درجات أول على الخطى شارع ضفاف على شاهق، بناء قبو في الملقىالصاخبة.. المدينة في خلفي،

والبراقة الملونة الصور حرارة بهرته أنيقة، إطارات داخل بالغة بعناية المرصوفة

الزهور، عمر في لصبايا سميك، زجاج وراء على تتنافسن السنابل، بريق يضاهي جمالهن

المشبعة ونظراتهن وأفخاذهن، نهودهن إبرازوالدعوة.. والشبق باللهفة

على المترامية الشاسعة األراضي - هذه )اإلقطاعيون( يزرعها مازالوا النظر، امتداد

برعايتها.. السماء تتكفل وشعير قمح مواسم صغار إلى الممنوحة التسهيالت من يستفيدون

بخسة، بأثمان أراضيهم الفالحين.. يستأجرون من القيمة مخفضة مخصصاتهم ويقتنصون

التسويق، وأفضلية واألدوية واألسمدة البذار في األرض تنتج ما معظم ويبيعون يراوغون ثم

الفالحين، صغار مع السوداء.. ويلتقون السوق هذه، المدينة جحور في الفتات قابضينالخير.. ومواسم وعارهم جوعهم فيها يدفنون

على فيه الموسيقى تندلق صاخب، المكان غيوم الكثيرة زواياه في تعشش متعب، إيقاع

عجيبة كثافة الملونة األضواء إليها تضيف ضبابية وتارة األعلى، إلى تارة مقيت، بكسل وتحركها

التبغ روائح مع الناس.. تختلط أنوف إلى وسط الخمور، وأبخرة الرجال وعرق والعطور

حول وخفة بدراية المتحركين القوادين جلبة المسفوحة طلباتهن تلبية يتابعون الغانيات،

يطرحن بغنج، يتمايلن وهن الطاوالت، على في المكتظين الرجال أصابع بين لحومهن يعتمرون الفضفاضة، بمالبسهم المكان،

-55-

أنيقة.. وعقاالت هفهافة، بيضاء كوفيات الباب قرب الجالس الرجل ذلك عدا

المكان يدخالن وهما يتعثران كادا الرئيس، اللياقة، تقتضي مما أكثر الممدودة بساقه على ببالدة يسترخي األخرى، فوق يعلقها تكاد صغيرة طاولة وراء الضيق، الجلدي المقعد

ذهبية، ووالعة فاخرة، سجاير لعلبة تتسعالعنق.. طويلة خمر وزجاجة

بها يلف ، بيضاء كوفية اآلخر هو يعتمر يحملق واسعتين، بعينين الممتلئ الصغير وجهه كفأر وحركاتهم الناس وجوه يراقب حوله،

متحفز.. اللون، فاقعة صفراء بذلة يرتدي وحده

فيبدو أخضر، قميص فوق نموذجا عن مختلفا الجميع، شكال سيرك في فاشل لمهرج سخيفارخيص..

اختارا بجالء يطل قريب، ركن في مكانا مرتفعة مدورة ساحة على تتوسط قليال

األضواء طعنات صفحتها وتستقبل الصالة، تلبث لم اتجاه، كل من عليها المصوبة الملونة

من الثالث العقد تجاوزت امرأة اعتلتها أن على تتمايل مقدمات دون وراحت عمرها،

تستطيع، ما قدر كتفيها تهز صاخبة، أغنية أنغام ثوب خارج مدلوقتان لحميتان كتلتان فتتالطم

أيضا، أسفله من طيبة فسحة يترك فاضح بين بكفيها عليهما تضرب أبيضين فخذين ويبرز دعوات بأصابعها وتشير والفينة، الفينة

صرخاتهم.. تصاعد وسط للمتفرجين جلست لحظة )حسان( إليها ينتبه لم كان بينهما، جديد طاقم على بالتفرج مأخوذاالمسرح.. خشبة اعتلى

الضباب، بالد من مستوردات فتيات ثالث يتحركن طويالت، نحيالت شقراوات، بيضاوات

صغيرة توت وريقة من إال عاريات كالنسمات، بعضهن، وفوق بعضهن، حول يتقافزن صغيرة، همسا صورة مستشرفات وفحيحا، ولمسا

النشوة.. يتبادلن لسحاقيات مثيرة

-56-

من إال مطبق، سكون المكان ساد تأوهاتهن في مفرط مشهد على انسحابااإلثارة..

كذلك.؟ أليس - مثيرات، شديد.. اشتم قرب من أذنه في همست

سخونة مع أنفه اخترقت قوية تبغ رائحةأنفاسها..

أيضا..! - ونحن مترعة نظرة عينيه في ترمي وهي تابعت

ودفنت براحتيها رقبته ودعوة.. وأحاطت رغبةنهديها. بين رأسه

يصدق.؟ لم لوهلة متابعة في )مختار( مساعده استطاع كيف

الحصادات عمل فنيا أن الموسم لهذا وإداريا يغريه ثم مدهشة.؟ صورة على األمر هـل يزينأخالقه.. عن غريب عالم ولوج على

وحاول جبينه، من العرق انتفض.. وتصببيستطيع.. ما قدر عنها يبتعد أن

األولى.. هه.؟ - المرة تحرك وهي إجابة، تنتظر أن دون سألته

فخذه.. على يدها ألقت ثم وجهه، أمام إصبعها في وهمس منها، "مختار" بوجهه اقترب

ضحكة بعدها تبادال قليلة، كلمات أذنهاساخرة.. لحظة فيها يعيش التي األولى المرة إنها ملحة.. رغبة تحقيق من تقربة حقيقية

ومحرمة.. واجهات بها تزخر التي الدمى مثل صبية جانبه.. جميلة إلى تجلس الراقية المحالت مسحة وجهها صفحة وشهية.. على وصغيرة داعبت رحلة من لتوها عادت كموجة بحرية، السمراء.. يعرف السنابل قامات خاللها

تعود.. ثم وتطفو تغوص، كيف ويعرف بريقها، أصابعه يترك ذراعيه، بين يعتصرها لو

األحمر فستانها فخذيها.. ينتزع بريق تمشطالقصير.. و.......

-57-

لو تمنى يوم، ذات مماثلة رغبة اجتاحته األحمر الثوب ذلك الرائع زوجته جسد يحمل

أحد واجهة على المعروض الفاضح الشفيف عليه سيطرت وحين واحدة، لليلة ولو المحالت

إليها.. وحمله ثمنه الرغبة.. دفع تلكاألمور..! هذه مثل عن - كبرنا الثوب ألقت ثم جادة، بنبرة زوجته قالت

تغط وراحت رأسها، إلى الغطاء ورفعت جانبا،عميق.. نوم في

جبينه.. من ينضح يكاد بارد عرق نزيز أحس يركض مراهق صبي عليه يصبه خجل وشالل

وحاول الفراش، في ظهره أضالعه.. أدار بين عنه ينحي أن بالخيبة.. ونام.. شعورا

اسمك.؟ - ماشجاعته.. شتات استجمع أن بعد سألها

سواء.. عندي شئت.. األسماء ما - سمني ركبته تطعن وهي اكتراث دون أجابته

"مختار" بحيرة، إلى ساقها.. نظر بطرفله.. فابتسم

مكان في السهرة سنكمل أننا - أراهنآخر.!

لها، يغمز وهو "مختار" بثقة، أردفمستسلمة.. فابتسمت

معها.. تتفق أن إذن - عليك وهي معلوكة شفتيها من الكلمات خرجت

في المحشوة )المدام( السمينة إلى تشيربعيد.. كرسي

تستيقظ.. ما الصباح.. أول في سيضاجعها تماما. مختلفة صورة على تبدو أنها يكتشف

حتى ممصوصة زرقاء صفراء الجيفة، تشبه مرة إليها الحكاية".. نظر تقول النخاع.."هكذا

أخرى.. عينيها، خضرة في الساكن الصفاء هذا

الوجنات هذه تفتحها، أول دفلى كوريقات الشعر هذا المحتقنة، والشفاه المشدودة،

جسد سارية على يخفق المجنون، الوحشي -58-

إلى يصير ريان.. هل رمان كقضيب ممشوق تتبدل هل مترهلة..؟ جيفة في صفراء هاالت

ليلة..؟ ظالم في المعالم جميلة.. هي صديقتي.. كم - اصطحب

وجديدة.! وهي أردفت ثم لحظة، وسكتت بغنج قالت

إليهما: تشيراثنان.! - أنتما

كبيرة نقد وأوراق تترنح، بدأت الرؤوس وتحت الراقصات أجساد فوق ترش وكثيرة

وحول صدورهن على قالئد أقدامهن.. ترص جمعها إلى الطبلة ضارب أعناقهن.. فيسارع

بين ومن والطاوالت الكراسي تحت من بلهفة وفرقعات والمرج، الهرج األقدام.. يسود

الحلوق.. ترتفع قاع من مقلوعة خليعة ضحكات صفق وتيرة تصاعد تواكب النشوة وتيرة

األرض.. على العقاالت يزال ال الفاقعة، الصفراء البذلة صاحب إال

الناس وجوه في يتطلع الهادئة، جلسته في والفينة الفينة بين ويعب متحجرة، بعيون شرابا

أمامه.. كأس من يأخذ مساء، كل - يحضر خلف مكانا

بالنساء.. يبقى يعبأ ال ذاتها، الطاولة جالسا اإلقفال، ساعة وحتى يبدله ال واحد وضع على ليلة ينقطع لم أيام ثمانية ليلة.. منذ كل هكذا

وال وأردافهم، الناس وجوه في واحدة.. يحدقلوطي..! أنه امرأة.. البد رفقة يستسيغ

عن تتحدث متواصل، بشكل تتكلم كانت ومثيالتها أنها شيء.. قالت كل وفي شيء أي يتقاضين ال لمن فقط منتظما.. األجر أجرا

أغنيات.. أو رقصات ويقدمن المسرح، يعتلين الزبون يدفعه مما نسبة فهو أجرهن أما أو الخمر، لزجاجات ثمنا فسحة لقضاء ثمنا ترتب أن بعد إحداهن مع الوقت من محددة

من تصيده على يقدرن ما أو )المدام( األمر،السكارى.. جيوب

أو لصوص، إما المكان رواد معظم أن قالت -59-

أنها يحسبون محرمة، متعة عن أغبياء.. يبحثون مستنقع في يغوصون أنهم يدرون وال مختلفة،

يقودون أمثالهم.. ثم النتنة الرجال بعرق مليءمجهولة.. مصائر إلى وعائالتهم أسرهم

الرجال وغدر والحاجة الفقر إن قالت الجحور.. هذه إلى بأخرى أو بطريقة أوصلهن

قالت: إلى تعودون الحصاد، موسم ينتهي - عندما

أخرى.. مواسم انتظار في نبقى ونحن بيوتكم، والفستق والقطن والشعير القمح مواسم

والخضراوات.. ومواسم والبطاطا والشوندر المواسم جادت والصوف.. وكلما السمنأعمالنا.. ازدهرت كلما بالخير،

ابنة أنها رأسها الخمرة أدارت أن بعد قالت حافة على بينهم عاشت وطيبين، بسطاء ناس

جائعة تكن لم لكنها سعيدة، تكن الدنيا.. لم غيرها.. تتقن مثل المواسم خير أيضا.. تنتظر

هدهدة على والتعب والعوز الحرمان فنون جناحه يشرق وحين الخالص، سبيل انتظار

هذه مثل في المجتبى خيره يدفن األخضر،الجحور..

تحدثت يستمع وحده كثيرا، وبكت كثيرا لحظات في باهتمام.. يغيب إليها إلى عائدا

بيته حيث البعيد.. هناك الجنوبي عالمهوزوجته.. فريقه مع يخوض سنة، كل في أشهر ثالثة

وهديرها اآلالت سكاكين بين الحصاد، حرب وغبار تطاق، ال شمس حرارة تحت المرعب،

ونوع.. شكل كل من الصفراء الحقول تقوده العراء، في ينام وغربا، شرقا حقل وراء جنوبا.. حقل أو شماال

اإلمارات عاصر نهر من ممتدة أرض على اإلمارات ابتلع نهر ضفاف إلى والممالك،

والممالك.. قدره هذا أن أدرك يوم، أي في يشتك لم

صورته.. على فارتضاه إلى بهما نخرج صديقتها، مع تعود - عندما

-60-

الفندق.. يزال ال بينما أذنه، "مختار" في همس

الطاولة خلف هناك المركون الرجل في يحدق على الملونة الخافتة األضواء تضيف ذاتها، تختلط متقطعة، بريق موجات المضحك شكله

يرتدي أمرد، شيطان صورة إلى لتصير معهفاقعة.. صفراء بذلة

األحمر ثوبها في المتألقة فتاتهم ظهرت الصالة، ركن في منخفض باب من القصير

في تحمل سنا، أصغر تبدو صبية جانبها وإلى منذ ارتدت ذهبية موجة األسمر وجهها تقاطيع

رمال وقبلت طقوسها، مارست أن بعد قليلما.. شاطئ

عليهما مقبلة وهي متهيبة وجلة كانتمتعثرة.. بخطوات

براءة أكثر الصبية وجه بدا أكثر، اقتربتاوجماال.. البذلة صاحب نهض التالية، اللحظة في

أو متر مسافة حتى منهما اقترب الصفراء، فوق عاصفة، صيحة كأنه بصوت وصرخ أقل،

راكد: ماء صفحة- نوف...

تخفي كفيها مدت مذعورة، الصبية التفتت بهما تتقي كأنها وجهها، يكونا ولم توقعته، شيئا ستارا رصاصات لخمس الكفاية فيه بما واقيا

طرشت توقف، دون فائقة بسرعة انطلقتالمكان.. أرجاء في دمها

رؤوس فوق رهبة هطلت صمت سحابة الموسيقى توقفت أرضا، المنبطحين الناس

الرجال، وشهوة النسوة وتأوهات والضجيج ترسل الخافتة األضواء بقيت بينما ملونة أنوارا

صاحب اعتالها التي المسرح دائرة تطعنالفاقعة.. الصفراء البذلة

يبتسم بوضوح.. كان مرة ألول رأيته على شديد بهدوء مسدسه بانتصار.. وضع

األرض.. يضحك، انفجر ثم للحظات، حوله نظر

-61-

ذراعيه قفاه.. فرد على يقلب أن كاد حتى أطلقها صدئة، كلمات فمه ونضح القصيرين،

كلمة: وراء كلمة واضح، بصوتعاري..! فقطعته.. غسلت عاب - إصبعي

يخوض حياته في واألخيرة األولى المرةإليه.. يلتفت وال يعرفه يكن لم عالم مجاهل

السكاكين توقفت الحصاد، حرب انتهت وبدأت السنابل، عاليات قضم عن المجنونة المتبقي الفتات تغزو الفقيرة الماشية قطعان

الحقول.. قاع في الغياب.. كانت بعد األولى لقائهما ليلة في ترتدي بشوق، تنتظره زوجته ثوبا أحمرا شفيفا

وفاضحا..الغرفة.. باب أغلق

المراهق صبيه صدره من وأطلق يداعب وراح فراشها، إلى معه الحبيس.. قفز

الرائع.. كما جسدها تضاريس الراغبة بأصابعهاألوقات.. كل في

-62-

يــوم كـان

المستوطنة العصافير زقزقات أيقظتني يطاول التي العمالقة السرو شجرة أغصان

الثالث.. الطابق في بيتي شرفة ارتفاعها بائعي زمامير بزعيق مختلطة تكن لم

الكرشات لبائع الحاد الصوت مع وال المازوت، مع وال الشمس، طلوع قبل المتجول والمقادم

بائعي من المبكرين النشطاء أصوات ظهور على المحمولة الطازجة الخضراوات

وروثها.. فاستبشرت ونهيقها والبغال الحميرخيرا..

قبيلة إليه حملتني الذي الصباح أن شعرت يحمل مرة، ألول أسمعها كأنني عصافير،

كاأليام.. ليس يوم تباشير بانت عندما حقيقة هذا شعوري واصبح

حمراء وردة وزر الصبوح، بوجهها زوجتي مع تحمل المسرح، شعرها في بأناقة مغروز

محياها على مرسومة عريضة صافية ابتسامة بهمسات وتدعوني ساخنة، قهوة ركوة الصبوحالشرفة.. على سوية لنحتسيها رقيقة

حولنا شيء كل الحديث، أجمل تبادلنا روائح السماء علينا تفيض وهادئ، صامت السيارات، عوادم دخان فحيح يشوبها ال عطرة

المفتوحة.. والريجارات القمامة روائح وال من خال أمه، ولدته كيوم بريء الشارع

الطوابق من عادة تلقى التي السوداء األكياس وقشور فضالت ومن البهيم، الليل في العلوية أراها أن تعودت التي والخس والبازلياء الفول

-63-

القمامة.. حاويات حول مفروشة أخذت ثيابي، ارتديت نفسا حشوته عميقا

التفاؤل.. من اكبر شحنة مع صدري في الرصيف فضاء في أطير كأنني أحسست والفينة الفينة بين تصافحني النظيف،

المحالت وأصحاب الجيران ابتساماتالمخلصة.. ودعواتهم الطيبة، وتمنياتهم فتتوقف السيارات، موقف إلى أصل

أمامي تفوتني ال نظيفة، سرفيس سيارة تماما باش الذقن، حليق المؤدب، السائق مالحظة بذلته في أنيق التقاطيع، سهل الوجه،

ينطلق وال عذبة، بابتسامة يستقبلني الرسمية، المقعد على باطمئنان أستقر حتى بمركبتهالوثير.. أتمتع البراق النافذة زجاج خالل من

المرور تنظيم شرطة جميل، كل بمشاهدة الصغيرة، الجيوب ذوات الزاهية بمالبسهم

السيارات سائقي إلى الطيبة تحياتهم يزجون المخالفات دفاتر يحملون وال والخاصة، العامة

تعمل الضوئية الصافرات.. اإلشارات وال باالحترام تحظى المشاة معابر رائع، بشكل

األطفال من تخلو الشوارع وعقد والتقدير، الورقية، والمحارم المهربة السجاير بائعي بين المتفاوتة بشرائحهم المتسولين ومن

على بتوجع يبرزها جسدية عاهة صاحبعورته.. يبدي عقلية عاهة صاحب وبين الناس، عدة السائق توقف انتباهي لفت وقد

يدعوهم أمين، بعبور للمشاة ليسمح مرات الحضاري التصرف وهذا حبا، تفيض بابتسامة التي السيارات سائقي مجمل على انسحب

ورفق بليونة تنساب جميعها كانت رأيتها، أصواتها تتدرج أبواق زعيق دون وهدوء، صعودا

وحتى أوله من الموسيقي السلم درجات على متعدد وسباب وتلبيط تشفيط ودون آخره،

األبواق منزوعة أنها حسبت حتى الطبقات، الحفر من خالية والكوابح.. الشوارع

الرحلة في رفاقي الناس وجوه والمطبات، يدس لم والسعادة، السماحة من قدر على

-64-

من أحد ينتزعني ولم قدمي، أصابع على أحد ينقر ولم خروجه، أو دخوله طريق في مقعدي يده يمد وهو يسخرني كتفي على أحدهم للسائق، أناولها ليرة المائة فئة من بورقة

وأنتظر يتناوله الباقي، له أعيد حتى مقرفصاذنبا.. ارتكبت وكأنني بقرف يدي من

ممتعة.. لكنها قصيرة، رحلة كانت حقا السعيدة، الوجوه قابلتني السوق في

الباعة، بسطات من خالية عريضة، األرصفة وأصواتها الكاسيت أشرطة بائعي عربات ومن

واألكشاك السيارات تزاحم ومن الصداحة،عليها.. والمحارس

خضراء، نظيفة.. األشجار الشوارع من خالية الجانبين على البنايات وحيطان

الملونة والكتابات والحفريات التشطيباتالوفيات.. وإعالنات في حائط على عبارة أقرأ كنت أنني أذكر

أفهمنيها حتى األمر أول أفهمها لم الشارع ركن قليل يا هنا تبول "ال تقول األصدقاء، أحد

أثرا.. لها أجد ولم عنها الذوق" بحثت تحمل وال ومحفوظة مرتبة الكهرباء أعمدة

أسماء يافطات وال سخيفة، إعالنات وال لوحات دعايات وال واختصاصاتهم، والمهندسين األطباء ومطاعم والمالهي األعمال رجال مكاتب

الفحم.. على المشوية والكبة الفراريج أكون وحتى إعالنات شاهدت فقد دقيقا

وأماكن زوايا وفي خاصة، لوحات على ولكن عربية بلغة ومكتوبة وملفتة، أنيقة أيضا، خاصة

سليمة.. فصحى

بشكل جاهزة العمومية الهاتف أكشاك الفراطة فيها المعلقة األجهزة تأكل وال ممتاز،

الناس رأيت أنني حتى للترجيع، المفترضة وليس الضرورية حاجاتهم لقضاء يستعملونها

الحنك.. لطق

-65-

فقد والمجالت الصحف باعة أكشاك أما االنتصارات أنباء عريضة بخطوط تبرز كانت

األصعدة كل على المتواصلة الوطنية واالقتصادية والسياسية العسكرية

من الخروج وشك على وأننا واالجتماعية، األول العالم صف إلى الثالث العالم حظيرة

مباشرة.. الرئيسة العناوين تركيز انتباهي لفت وقد لوحدتنا المرتفعة الشرائية القوة على للصحف السلع أسعار تدني على والمحافظة النقدية، المتنامي لالرتفاع وتهلل المختلفة، بأنواعها

الموظفين رواتب خاصة األفراد، لدخل تدرس الدولة أن حتى المختلفة، بمواقعهم

يوم من األسبوعية العطل أيام زيادة مشروع والسنوية، الفصلية للعطل إضافة يومين، إلى ونظافة مستوى وتحسين زيادة فرض مما

والمطاعم والفنادق المنتجعات وخدمة الناس لتشجيع واألثرية السياحية والمواقع

التضخم.. شبح إلبعاد والبذخ الصرف على وتزداد صدري، تغزو التفاؤل من شحنات ال ساعة.. وأكاد بعد ساعة يقيني في رسوخا

أطير وكدت المجردتين، بعيني أرى ما أصدق يتجاوز لم قياسي بزمن أنجزت عندما فرحا الهامة األعمال من مجموعة الساعة

والضرورية.. تستغرقني أحسبها وكنت أقل لم إذا أياما

فواتير وجيز وقت خالل دفعت فقد أكثر، الترابية، وضريبة والماء والكهرباء الهاتف

الضريبة هذه أن أعلموني فقد بالمناسبة التحصيل زيادة بسبب انخفضت للزيادة تبعا

للسكن، المعدة البيوت عدد في الهائلة الحزام ابتلعت التي العمرانية والمساحات

البادية.. حدود إلى ووصلت األخضر فاتورة لدفع توجهت عندما وفوجئت

أصلها، من ألغيت قد الضريبة هذه أن الخدمات عنها ويفيض متخمة الدولة خزينة أن أخبروني

والكناسة الترابية ضريبة أموال من يردها ما من يضاف وما الدخل، وضريبة والحراسة،

-66-

الحربي والمجهود المدارس لصالح رسوم الشرائح ونظام والوصل والقطع والخدمات

والماء الكهرباء فواتير على االستهالك في واإليميل واإلنترنيت والخليوي العادي والهاتف

الوالدات تسجيل ورسوم والتلكس، والفاكس الدفن( وأجور القبور أثمان فيها )بما والوفيات

األخرى.. المختلفة والوقوعات اإليجارات عقود توثيق رسوم ومن

ممارسة أو البناء رخص ورسوم السياحية، ومصانع ومعامل منشآت تأسيس أو المهن

صاالت إقامة أو كبيرة، أو صغيرة وورشات والكباريهات والمالهي واألتراح لألفراح

السيارات استيراد ورسوم العائلية، والمسابح والرقائق الكمبيوتر وأجهزة والحديد

وخالفه.. اإللكترونية طائلة أموال من الخزينة إلى يدخل وما الوطنية منتجاتنا تصدير على شكلية كرسوم

والالنجري الداخلية، القطنية المالبس من ومن الطهو تعليم كتب تصدير ومن النسائي،

والعلكة البسكويت من الزاهرة معاملنا إنتاج واألميرية البريدية الطوابع قيمة ومن وخالفه، الرسمية األوراق في عليها للدمغ الالزمة

في أو المحاكم في للمعامالت المطلوبةاألخرى.. الحكومية الدوائر

المخالفات من المحصلة الرسوم ومن والجمركية والتموينية والصحية المرورية الغابات وحماية والبلدية، والعقارية والمالية

والحق الدعارة ومكافحة التسول ومكافحةو..الخ.. العام

معاملة طريقة صدري أثلج ومما المواطنين.. من وألمثالي لي الموظفين

لي قدم ثم عذبة، بابتسامة استقبلني أحدهم اآلخر أما بارد، ماء وكأس عليه، أستريح كرسيا القهوة، من فنجان إلى يدعوني أن أصر فقد

من جئت ما أنجز احتسائه، من أفرغ أن وقبلأجله..

-67-

أنتظر، المريح الكرسي على وأنا قرأت الدوائر أبواب على ملصقة كثيرة يافطاتتقول: إعجاب.. واحدة أيما أعجبتني الرسمية

الموظف راتب تدفع أنت المواطن، - أخيمعامالتك.. وإنجاز مساعدتك على ليقوم

أخرى: وتقول الخطوات أول بالمسؤولية، األفراد - شعور

الحضارة.. طريق علىتقول: وثالثة

وجهدك.. وقتك ونوفر بابتسامة، - نلقاك جعلتني المنوال هذا على كثيرة وشعارات

بالمستقبل.. وثقة بنفسي، ثقة أزدادــة، أوراقي حملت في أتجــول ورحت القليل

أغصــان على يتنقل طــير كأنني المدينة شوارع كنت كالجنــة، غابة في شــجرة ســعيدا منطلقــا

منزلي.. قصدت الظهيرة وعند ومنشرحا،ــادف ــ ــان أن تص ــ ــراف وقت ك ــ طلبة انص طريق في المحبب وانتشــــارهم المــــدارس،

رأيت دراسي، يوم جهد بعد بيوتهم إلى عودتهمــيارات ــرعاتها من تبطئ الس وتتوقف س ــا غالب

أســمع لم األمين، بالعبور لهم لتسمح تشــفيطا وال مســجالت من صــاخبة موســيقى وال تزميرا

ــات أر ولم السيارات، ــبي من بهلوانية حرك راك وال النارية، الدراجات ــان بالصبايا، تحرشا كل ك

الساعة.. تسير كما يسير شيء صوته كان الذي المسلوقة الذرة بائع حتى

ــات وصــوت البغيض طــرف على ملقطه طرقــباح الحي يمأل الحلة ــاء، صـ مع يقف رأيته مســـدي ركن، في النظيفة عربته يرت ــا أبيض معطف

نظيفا.. ــاء والحظت القصــير الخــبيث الرجل اختف

منزوعة الصــغيرة النارية الـدراجات يؤجر الذيالمراهقين.. الفتيان إلى العوادم أنابيب

ــان ــتي إلى الموصل الطريق كـ ــا، بيـ هادئـ لهم أثر ال بيوتهم، في الصغار والصبية األطفال

وال النوافــذ، تضرب التي الثقيلة كراتهم إلى وال "السبع بها يلعبون كانوا التي البالط لشقف أثر

-68-

ــار" كنت ــمع حجـ ــوت أسـ ــواتي صـ على خطـ وال الصـــــبية، ألصـــــوات أثر وال الرصـــــيف،لصفيرهم.. تناولت فياضة، سعادة تملؤني بيتي دخلت

الحديث وتبادلنا أسرتي مع الغذاء طعام والحلويات الفاكهة أصناف تناولنا ثم الممتع، برغبة أحسست بعدها الشاي، من وكؤوسا

للقيلولة.. على استلقيت التي نفسها اللحظة في

من طرقات الحي فضاء في فرقعت الفراش، انطلق ثم حديدي، جسم على حديدية، مطرقة ينبح.. غاز.. قديم بخاري قطار كصفير صوتغاز..

أنني اكتشفت فزعا، فراشي من قفزتالصباحي.. عملي دوام عن تأخرت

-69-

الوظيفة ثمن

البراقة، النحاسية اللوحة أمام وقفت قلقةالثمين.. البني الباب على بأناقة المثبتة

وتصدير[.. ممتاز.. استيراد ]الدكتور خفيفتين، نقرتين بإصبعها الباب نقرت

شيئا.. تسمع وانتظرت. فلم "كاميرا" أكثر.. الحظت الباب من اقتربت

عليها مصوبة الزاوية، أعلى على منصوبةتماما.. فارتدت..!

الباب.. فدخلت فتح نفسها اللحظة في غرفة إلى "الموكيت" األحمر بحذر.. قادها

صغيرة..أخدمك.؟ أن أستطيع - ماذا في الهمس.. شابة يشبه بصوت سألت

المساحيق أضافت الزهور.. بيضاء، عمر البريق من مسحة وجهها على الكثيرة

الشهي.. بشأن الصباح، في "ندى".. تهاتفنا - أنا"الخدمات.." صحيفة في اإلعالن

الطاولة.. وراء من الشابة خرجت الناصع األبيض صدرها يكاد كرمح، ممشوقة

الضيق األسود القميص فسحة من يقفز تفاصيل إلبراز كافية مسافة يترك القصير،

والصرة البض، األملس والظهر العاجي، البطنمقلوبة.. نهد كحلمة المغروزة،

- تفضلي..! المقعد إلى الرفيعة بأصابعها أشارت

-70-

بخطوات تتثنى المنخفض.. وراحت الجلدي "الفيزون" المخطط داخل كالنسمات أن تلبث ولم الممتلئين، بفخذيها الملتصق

الكبير... الباب وراء غابت صدور سبت كل صباح تنتظر الصبر بفارغالخدمات"... "صحيفة

الصفحات تقلب عجل، على تلتقطهاالهشة...

عمل.. هه.. عمل... فرص فرص بتسويق للعمل تجارة خريج - مطلوب

غذائية... مواد أسرة لخدمة مقيمة سيدة - مطلوب

فاضلة... سنة22-18 بين العمر آنسة، - مطلوب

غير "سكرتيرة"، للعمل المظهر، حسنةمغري... والراتب ضرورية، غير الخبرة محجبة،

بقرف.. وتمتمت: عينيها أغمضتوعاهرة.." يقول، أن - "بقي

+ راتب "ـة" تسويق، مندوب - مطلوب تسويق مندوبة جيدة.. مطلوب نسبة

تجميل.. "النجري".. ومواد مندوب "ـة".. مطلوب مندوب - مطلوب

"ـة".. مندوبة.. "ـة".. مطلوب.. مندوبمندوب...

تجارية شركة في للعمل موظفة - مطلوب إلمام الثانوية، الشهادة تحمل كبرى،

بالحاسوب.. اإلعالن وأحاطت بلهفة، القلم أمسكت

واضحة... سوداء بحلقة األخير من العديد تجمع أن بعد سبت يوم كل

مع أخرى جولة تبدأ المعقولة، الطلباتوالمقابالت.. الهاتف،

األعمال أرباب أن األمر في العجيب يتبعون يكون قد نظاما عاما فيما عليه ومتفقابينهم..

على "استمارة" تحتوي مطبوعة نشرة -71-

أسئلة.. االسم.. العمر.. الشهادة.. الخبرة..

األخير.. الراتب المدير، غرفة من البيضاء الشابة خرجت

"استمارة" بغنج تتلوى وهي إليها وقدمت شفتيها بين من الحروف تسقط وهي أضافت

المكتنزتين..األهم.. هي األخيرة - الفقرة الملون الطويل ظفرها بطرف وأشارت

الورقة.. ذيل إلى باألسود العمر.. الشهادة.. الخبرة.. الوضع

الذاتية.. السيرة عن ولمحة العائلي، هذه مثل تمأل أن تعودت القلم، أمسكت

تستعد لم "االستمارات" لكنها عن لإلجابة أبداالخصوصية.. من القدر هذا على أسئلة

مطلقة.؟ أم متزوجة تكتب هل أم متزوجة كانت إذا فيما أحد يعني وهل

مطلقة..؟الحقيقة..؟ تكتب هل أي في حياته ملف يفتح أن يستطيع من

وما خلفت التي الجروح تلك كان..؟ وألي وقت تزال كل تصرخ العمق، في غائصة قروحا

واإلحباط "الفشل وتؤكد وتتهم لحظةوالخيبة.."

ذلك.؟ كل معرفة في الحق يملك من ممن تزوجت تحب.. شابا ووسيما، صغيرا

الحياة، معترك إلى الدخول بوابة على يقف رغم اختيارها، لنصرة وقاتلت به، رضيت

وتحمل بصبر قاتلت األقربين.. ثم اعتراضكاملة.. سنوات ست التصور يفوق

واحد، بيت في الكثر أهله مع عاشت وغالبا أهلها، بيت في متتالية أسابيع تقضي كانت ما

وتكاليفها. الحياة مصاريف عنهما يحملون وحين األول، طفلها أنجبت أن بعد خاصةالثاني.. طلقها.. طفلها أنجبت

الشابة تشبه واحدة مع حب عالقة أقام -72-

بالمساحيق ولكن الخلقة، بشكل ليس البيضاء، "والفيزون" وتعرف والقميص كيف أيضا

عمليات أول به بدأ الذي المال على تتحصل أوصلته واالحتيال، النصب مغادرة إلى أخيرا

البالد عليهم" ومالحقاتهم "المنصوب من هرباله.. والشخصية القضائية

الشهرية المبالغ انقطعت وبهروبه يدفعها كان التي المتواضعة عن إليها قسرا

عن نفقة المحكمة في التنفيذ دائرة طريقولديه..

حكم حيثيات إلى يومها القاضي أضافالطالق.. "كونه طالقا حجة إلى يستند ال تعسفيا

كافية" كتبت:

الثانوية، الشهادة على وحصلت "درست واحتاج الله، خلق مثل وأنجبت تزوجت

للعمل.." الجميلة، الشابة إلى نظرة اختطفت

بالعمل.. منهمكة وجدتها تبدو المقابلة، الردهة عبر رأسها أطلت

للحي الخلفي الشارع على ومطلة واسعة، عليها وأنيقة طويلة طاولة الراقي.. الحظت

ابتسامة.. أخفت "حاسوب"، جهازاهاهنا.. سيكون عملها أن شك - ال

الطفالن للعمل، بحاجة هي إيه.. كم تزداد والطلبات يكبران، وعلى عليها ثقالالمسن.. والدها

بلوحات المزينة الجدران إلى نظرتورصينة.. صغيرة، الجميل الهادئ المكان هذا في ما كل نسمة واالطمئنان.. حتى بالدعة يوحي الوثير، فضائه على تضفي المميزة الخفيفة العطر"األكابرية".. من مسحة

نظرة عليها وألقت "االستمارة"، حملت الشابة إلى جم بأدب ناولتها ثم أخيرة،

-73-

البيضاء..المنخفض.. الجلدي المقعد على استرخت الباب فوق "كاميرا" أخرى وجود الحظت

تهتم.. عليها.. فلم مصوبة العريض على "لمبة" خضراء أضاءت قليل بعدالبيضاء.. الشابة طاولة

بصفاء.. لها ابتسمت- تفضلي..

العريض.. الباب إلى وأشارت نافذتها تطل مريحة، واسعة الغرفة

وحدائقه الراقي، الحي شارع على العريضةمنعشة.. ناعمة برائحة فضاؤها ينضح الجميلة، كبيرة طاولة خلف بوقار يجلس رجل

واألدوات.. باألوراق تعج فخمة طلب "االستمارة" بل عن ناظريه يرفع لم

بأربعة جلدي مقعد إلى وأشار الجلوس إليهادواليب..

على مثبتة صغيرة عرض شاشة الحظت والحظت الطاولة، زاوية متوسطة صورة أيضا

الباب فوق المقابل الحائط على معلقة الحجمعارية..! جميلة.. نصف لسيدة العريض

اللغة..؟ عن - ماذا في يقرأ يزال ال وهو الرجل قال

"االستمارة" اإلنكليزية.. ما في المتوسط من - أقل

"البكالوريا" فقط..! من تعلمتهيهم.. - ال

قليال: سكت"الكمبيوتر"..؟ عن - وماذاالمتوسط.. - فوقعنه..؟ تعرفين - ماذا

و.. أكسل، "األوفيس" وورد، - برامجيهم..! - ال

أكبر بدا المرة، هذه إليها نظر من سنا

-74-

المعلقة الكثيرة الشهادات في المذكور العمر تجارة، ليسانس هندسة، "دبلوم الجدران على

أعمال.." إدارة دكتوراةزوجك..؟ يشتغل - ماذا عليها السؤال وقع فجأة.. وقد الرجل سأل

تمالكت.. لكنها كالصاعقة،حرة.. - أعمال

يدها.. بحقيبة تعبث وهي أجابت يتجاوز توقعت، مما أقصر بدا الرجل، وقف

الكتفين، ضيق أصلعا، نحيال، العمر، من الستينالذقن.. حاد الشارب، حليق

المتبقية المساحة في خطوات بضع خطا طاولة إلى الوسط.. أشار وطاولة المقاعد بين

جهاز عليها الركن، في أخرى صغيرة"حاسوب"..

- تفضلي.. بأربع وكان اآلخر المقعد على جلست

أيضا.. عجالت"دوور".. - اكتبي

"دوور".. كتبت المحي.. إصبع على وضغط النحيلة يده مد

قصد.. عن صدرها لمس كوعه أن أحست كأنها المقعد جرت اليمين.. إلى قليال

"فلوور" - اكتبي"فلوور" كتبت

هو جلس قد كان كتبت، ما ومحى يده مد دفعة لنفسه وأعطى متحرك، مقعد على اآلخر

فخذها.. تصدم ركبته جعلتيمتحنها..! أنه بد ال

بالجدار.. التصقت حتى مقعدها جرتنفسها.. على وتكورت

إز" نيم - اكتبي.. "مايواحد.. "ماي.. بإصبع كتبت

مكان.. أي إلى المقعد لجر متسع يبق لمكتفها. على يده وضع

-75-

الحجاب..؟ لبس على مصرة أنت - هل سامة، حشرة قرصتها كمن قفزت

المتحرك.. المقعد وراء من وانسلتممتاز..؟ - دكتورتصدق.. تكاد وال سألت

ما وكأن يقول وتابع بدهشة، إليها نظريعنيه.. ال حدث

واحد، لدوام ليرة آالف خمسة - مبدئيا عندي العمل ترين كامل.. كما لدوام وعشرةسهل..!

باب فتحت بهدوء، يدها حقيبة حملت على مباشرة نظرها وقع العريض، الغرفةبخبث.. ابتسمت التي البيضاء الشابة انحسر الضيق األسود قميصها أن لها بدا

والتصق األبيض، صدرها من أوسع مساحة عنفخذيها.. على أكثر المثير "الفيزون" المخطط

بينهما.. وبصقت الغاضبة نظراتها نقلتاألحمر.. الموكيت على

وقبل الخارجي، الباب إلى الخطى شدت البيضاء، الشابة إلى ثانية نظرت تغيب أن

ثم تحت إلى فوق من إليها بإصبعها أشارتومسموع: مرتفع بصوت قالت

مجتمع "بنا" إلى تنزلين هذا أجل - منالقرود..

إلى بقوة.. نظرت خلفها الباب صفقت من تطل أنها أيقنت "الكاميرا" بحقد، عدسة

وجهه على الطاولة زاوية المحتلة الشاشةوصرخت: أسنانها، المسخ.. صكت

الـ.. ابن ممتاز".. يا - "دكتور صارت وحين عجل، على الدرج نزلت

تافه سؤال تسرب الراقي الحي شارع وسطالمتعب.. رأسها إلى

السبت..؟ يوم يأتي - متى

-76-

-77-

المكــان هــو وجعـــي

أتسألني.؟ لحظة في سبحت عندما تفعل حسبتك

سحرية والحدق.. جفني بين ودم لحم من كائنا في رأيتك.! تحملني أنني أقسم رأيتك.؟

في كنت )كما وتحمل المتعبتين عينيك بياض كل يخصنا.. األوقات( إرثا

وشيبي وغربتي وحدتي من تقتلعني زمن إلى نفسها اللحظة في وتردني ونزيفي،أنهكنا. سحيق

تبكي ثم صدرك، فوق وجعي يا تحملني تستغفرني، محرابنا، في تركع يدي، بين

فأغفر.. عرفت، الذي المحراب هو زال ما أتذكر.؟

كلما ويصفر الصراصير، حتى تقتل رطوبة ينزالريح. بصفائحه عبثت زال ما معلقا لهما ليس ضفتين بين صامدا

مالمح.. وكنت إليك، قدري ساقني يوم أتذكر.؟ خلقك لحظات بك تجاوزت تزل، لم طفال

بطيئة زحفت لحظات من لها ويا األولى،مستحيلة..

ثماني تخطت ما طفلة يصدق.؟ من ترعى عمرها من سنوات أمه وضعته طفال

تتخلص أن قبل بيضاء غاللة وراء وغابت للتو، إليها.؟ يربطك سري حبل من

ماتت.! قالوا -78-

الفزع.! ولد فجأة تتوقف.؟ أم بنا الحياة تمضي هل بين المعلق المحراب صمت في هنا

في وجدت وعليها، عليك صحوت فضائين وكان واألم، األب مداد واحدة دفعة شراييني

المستحيل.! الحاجز نخترق أن يجب كما يصرعني والخوف حين بعد حملتك ثم

بحبيبات المشحون المتواصل، نزيزه صرعكأتلفت.. فيما رئتيك أتلفت رطبة غبار

ما، مكان إلى بك ومضيت عمري يا حملتكما.. سماء تحت ما، ركن إلى

غيرها أر لم الطريق في أحذية صعقتنيطويلة. طويلة رحلة وأنهكتني الزحام، في

سنوات وغرزت كتفي، على خاللها غرزتكالثاني.. كتفي فوق العشر عمري

أتذكر.؟ فأنام، النعاس يغلبني أن أخاف كنت كم أن يجب أدوية أكوام عن ويداي عيناي وتغفل

قالوا: تتجرعها،حياتك.. سر يكمن خليطها معجزة - في

إلى بخيط الصغيرة ضفيرتي فأربط نعاس يغلبني وعندما الجدار، أعلى في مسمار

الخيط، يشدني رأسي، يميل ويكاد طفولتي،فأصحو.. الصغير جسدك خلجات أراقب إليك، أنظر

بين ما أقيس أعدها، أنفاسك، تردد أتابع بوجل، تنقص تارة أحسبها واألخرى، الواحدة

فأعتصره.. أقوم تزيد وتارة قلبي، فيعتصرني نسيجي، في أخيطه ويهبط، يعلو صدرك فوق

داخله يعتمل ما أحصي مني، قطعة فيغدوخفقة.. خفقة

نعود أن قبل وتكرر المقام بنا طال كم محرابنا.. إلى دائما بكفيك تشبثت أكثر، كبرت رأيتك يومها أنك مرة ألول عيناك لي قالت بي، وركبتيك

دنيا إلى نوارس رفوف فحملتني تعرفني، اآلن -79-

تنبض حقيقة فرأيتها أحالمي، في تزينتبالروح. جبينك، صفاء تداعب وضفيرتي لي، قلت

األولى رجفاتك مع يبدأ والحزن تعرف اآلن أنكسواك.. لي يبق ولم سواي، لك ليس أن

جسدي، أضنى الذي غيابك بعد فقط اليوم عظامي من تبقى فيما وأعمل وتمزيقا، تفتيتا فجأة اآلخر، بعضها وأرجف بعضها، فقوس ربما قصد، عن محرابنا الشمس أشعة تقتحم

اآلن فيه أنت مكان من آخر، مكان من أشرقت رائقة شمس أشعة تذكرني، ال أو تذكرني بها وحطت ذاتها، النوارس رفوف حملتها تماما

النزيف.. موقع فوق فأطبقت جلدي، من أقوى الضوء كانجفني.. أنني أقسم رأيتك.؟ نفسها، اللحظة في

رأيتك.! تمد تغرق، تكاد رأيتك وتتخبط، تسبح كنت

ورشقات المتواصل، وسعالك النحيلة، يدك لي وعمري، يدي لك مددت القاني، دمك من

وانتشلتك. الوادي من انتشلتك عمري.؟ يا أتدري ذات هاتين بيدي إليه قذفتك الذي ذاته السحيق

كنت ابتسامة.. كما وجهك يوم.. فأضاءت أتيت كلما تفعل العقاب.. لك وأردت ذنبا

أتذكر.؟ تسألني، قسرا، المدرسة إلى أقودك

لماذا.؟ أكثر، بإصرار أقودك أعرف، ال وألنني

موعد حتى طوال ساعات البوابة أمام وأنتظر أطعمك المحراب، إلى بك ألعود االنصراف

بلحظة لحظة وأراقب بكفي، وأسقيك بيدي السوداء الحروف فوق يغفو يكاد عينيك بريق

بعمري.. وأغطيك صدري فأوسدك الحين وبين وتكبر، تكبر، وأنت وجعي يا

ذلك مرض خلفها سعال نوبات تصرعك والحين المحراب، سطح إلى فوق، إلى فأحملك اليوم،

-80-

أصابعي بين أجمع أقرب، السماء حيث هناك أعطيك رئتيك، في أحشوها هواء كومات

لحظة في أنتشلك أنني أحسب أنفاسي،الموت.. براثن من سحرية

الطريق، تعرف صرت كبرت عندما حتى تستطيع ما قدر تعب وحدك، فوق إلى تزحف

رائعة ابتسامة وجهك تضيء بعدها الهواء، منالصفاء..

المنهك، والعمل واألمل الصبر إال أملك وال الصناديق تغليف مستودعات في مرات

أقبية في الحلوى من بأصناف المحشوة األلبسة كي آلة على عاملة ومرات المرتزقين،

حقير. مشغل في الجاهزة وينساب عمري، يجترني هؤالء وبيناستسلم.. وال بضراوة ضعفي أقاوم شبابي،

وال رغبة تخترقها ال صفائح وبيني بيني بنيت حين، كل في الحاضر وحدك وكنت هوى،

تكبر.. وأنت يمضي، والعمر أتذكر.؟

من سألتني، وأمي..؟ أبي أين سألتني يوم أنت..؟ ومن أنا

أجوبة.. ألسئلتك أجد أكن لم أتذكر..؟الجواب.. أملك أكن وجعي.. لم يا

أنت..؟ أو أنا من واحدة.. وقد رحم رفيقا أننا أعرفه ما كل مثلنا كانت أحببتها، معها، عشت عرفتها، بين األخرى هي معصورة العمر، هذا لقيطة في ليلة كل ليلة كل مصهورة والطباق، الرحى

صغيرة كنت طويال، عنه حدثتني محرق أتونأدرك.. ولم

كبرت عندما نبتنا وأنت أنا أننا أدركت قليال من جئنا أصم، صلد حجر من قاتمة لحظة في

منذ أذكر أعد لم التاريخ، خارطة على مكانأين. من وال متى

مثل تبخر أب فتات أننا مرة ألف قالت المكان وال هو ال يفارق ولم الندى، قطرات

-81-

لفظتك.. وماتت.. ليلة إال حلمها ضيعتها عاشت، وحزينة كانت، مسكينة

طواحين وجرفتها مجهولة، ضبابية ذكرى والمكان المحراب من أكثر لها تبق ولم الحياة،بنا.. والحلمفقط.. أجلنا من أجلنا، من

الهين. السبيل فسلكت يومها، سألتني وماتا.! وأغلقت عظيمين ماتا.. كانا قلت

السؤال.. باب سمعت الرجال، كل ورفضت بك، تشبثت

رأسي.. في تضج زالت ما ألمي نصيحة في الرجال.. كلهم كل وال أخوك - أخوك

يزفون ويمضون، يصهرون سواء، المصيبة وراءهم ويخلفون جوفاء، فارغة شعارات

الفجيعة.. وبذور الفتات أن قالت الطريق، ظلمة أخاف أن علمتني

يستحق.. شيء ال عندما أدرك، فلم األمر أول صغيرة كنت

إالك.. الرجال كل رفضت كبرت عمري تبقى العالمين دون أنت حسبتك

وشبابي.. ورفيقي أن أدرك لم فيه تفزعني سيأتي يوما

عمري، يا كبرت جوابا، لها أجد وال أسئلتكالسؤال.. وكبر

هذا في نحن من أنت.؟ ومن أنا.؟ من سطح فوق الطيف بألوان الزاخر العالم

تملكنا لم الذي اإلرث هذا بابه، ووراء المحراب على ما، فضاء في المعلق هذا سواه الدنيا )ليس ربما غريب عالم وسط الزمن، من رقعة

أتعذب.! لنا( وكنت الغزير المعرفة نبع أكون أن أقدر ال كيف

عندما حتى صدقني، طفولتك، تفتح رؤيا أمام أصنع وأقوله، نفسي من به أسخر ما جوابا للمعرفة، مساحة لي يترك لم العمر أن أدرك اهتمامك شد الذي الكبير هذا العالم وأن

أكثر ويجعلني يريدني الجبال.! ماعز من جهال

-82-

أدركت السؤال، لسانك على توقف فجأةصدرك. في فكتمته يعذبني أنه

ألشياء صدرك يتسع هل مرة ألف تساءلتأخرى.؟

أتذكر.؟ أسميه كنت محرابا، أنت أسميته الذي هذاأمنا.. أسمته كما جحرا،

محرابا.. أسميته عمري يا كبرت عندما الموتى.. ألكتاف يتسع ال الجحر أن قلت

رغم وحده المحراب أن بعد فيما وأدركت يموت لمن يتسع قد قدسيته جالسا، أو راكعا

لكنه الموت إرادة يملك لمن يتسع لن أبداواقفا..

لك بنيته الذي حاضرك لفظت بعد إصبعا لك ورضيت همي، دون همك وحملت إصبع،

الرحيل.. قلت: وأختي أمي أعود.. أنت ثم سنوات - بضع أحملك ورفيقتي، أبيض حصان على عرفانا

العالم، مجاهل عليه نخوض القارات، بين يخب معك وأجد أثرا، فيه معلم كل فوق نترك

ونجعله بالنقاء، نزينه المغيب، المكان محرابا ويقدر ساجدين، أو واقفين لكلينا يتسع حقيقيا هواء من نحتاج ما قدر صدورنا في يشحن أن

يطهرنا.. يطهرنا، نقي،ومضيت.. وأغريتني، لي، زينت أحفظها يوم، ألف في رسالة ألف لي كتبت

أخطها ساعة، كل زلت ما أفردها جلدي، تحت مدادها من وأصبغ عيوني، جهد حول كحالشيبي.. حلة األسود

منذ أذكر أعد لم شيء، كل توقف فجأة الصفائح وأطبقت الدنيا ضاقت متى ومنذ متى،

الحياة ونزفت شيء، كل حولي.. صمت من جوفي في صدئا.. صريرا

صداها، على عشت سعال نبضات توقفت منذ أذكر أعد الدامية.. لم البقع مناديل وجفتمتى.؟

-83-

أتذكر.؟ نملك ال ألننا المشفى من اقتلعوك عندما

المدرسة من اقتلعوك العالج.! وعندما ثمن فيه عليك محرم شيء عن سألت ألنك

المكان صلب من اقتلعوك السؤال.! وعندما وزرعوك الجديد، ذلك حتى تحمل وأنت قسرا

اإلرث" تحمل أنك مساء صباح "يقولون اإلرث رديء بخط عليها مكتوب كبيرة يافطة تحت

األجانب".. "شعبة حملت التي الزوايا تلك عمري يا أتذكر

الخطيئة، خفافيش باللحم نصارع ونحن بكاءنا أكثر.. ليس الحياة في لنا حق عن ندافع

أتذكر.؟المحراب. من اقتالعي يحاولون اآلن

الضئيل هذا حتى عمري، يا المحرابالضئيل..

أتذكر.؟ ظالمة.. فيه ليلة في تبخر لنا أب فتات فيه

يربطها سري حبل وراء تئن مازالت أمنا، ريحوإليك.. إلي

شبابي سفحت الخشنة أرضيته على بشظايا المذبوحة جدرانه وعمري.. وعلى

وحيرتك أسئلتك تنزف زالت ما سعالكوآهاتك..

ــان في المخبأ وجعي يا ــا.. في مكـ زمن مـ رغم اللحظة حتى ما.. صمدت سماء ما.. تحت

بعنف.. القاع إلى تشدني شيخوختيوأسناني.. بأظافري تشبثت

بين من المحراب يقتلعون أنهم لو ترى،نمضي..؟ أصابعنا.. أين

ما سمه أو جحر أو المكان.. محراب هولي.. تبقى لك.. وما تبقى ما اآلن شئت.. وحده

عليه أملك الذي الوحيد اإلرث هو أن أستطيع الذي الوحيد وهو السلطان،

عليك.. فيه أطمئنأعلمك.. أمي.. وهكذا علمتني هكذا

-84-

-85-

المحتـــوى

7...................الصباح يدركني أن أخاف19..................أخـرى ومقاييس ريختر،33.............................السابع.! الطابق

46..............األصفــر الكيـس سرق من57.................حـروف أرقام.. وكومــة

66..............................أليفـة حيوانـات79.................................السنابل بريق91........................................يـوم كان101...............................الوظيفة ثمن

112........................المكان هــو وجعي123.....................................المحتـــوى

-86-

كنفاني المؤلف: عدنان اتحاد في القصة جمعية سر وأمين عضو

سورية" "فرع- الفلسطينيين والصحفيين الكتاب

له: درــص مطوية.. كانت صفحات كنفاني، غسان- سيرةالسالح.. قصص يصدأ حين- الغرباء.. قصص قبور- قاصين مجموعة مع رؤى.. مشاركة- قاصين مجموعة مع بروق.. مشاركة- بدو.. رواية- قصص المزامير.. مجموعة هامش على-

قصيرةالصباح.. قصص يدركني أن أخاف-

-87-

األسد مكتبة في اإليداع رقمالوطنية

/ قصص: الصباح يدركني أن أخاف الكتاب دمشق: اتحاد –كنفاني عدنان

– 2002 العرب،سم.20 ؛ص124

-2 أ ف ن ك813.01- 1أ ف ن ك813.009564

- كنفاني4 العنوان – 3

األسد مكتبة21/1/2002ع-

-88-