مؤسسة التقى الثقافية204.93.193.134/book/moalfat/word/020.doc  · web viewوقد...

863
ون م و ص ع م ل ا ر ش ع ة ع ب ر الأ ة ی ا لة ل ا ى م" ظ ع ل اام م( الأ د ي س ل ا مد ح م ى0 ن ي س ح ل ا ي0 ار ر ي ش ل ا دس ق( ره س) 0 ف ي ر ش ل ا1

Upload: others

Post on 05-Aug-2020

9 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

المعصومون

الأربعة عشر(

آیة الله العظمى

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

(قدس سره الشريف)

الطبعة الأولى

1432هـ 2011م

مركز الجواد للتحقيق والنشر

قم المقدسة

المعصومون الأربعة عشر

عليهم السلام

قال رسول الله (:

(الأئمة من بعدي اثنا عشر(

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

كنت منذ فترة ـ ولا زلت ـ أدعو الآخرين إلى مطالعة سيرة المعصومين ( والكتابة فيها والتحقيق حولها، وقد استجاب بعضهم بحمد الله تعالى ووُفّق لذلك.

وقد عزمت على كتابة مختصر من سيرة المعصومين الأربعة عشر ( يضم بين طياته بعض أحوالهم وما يتعلق بهم (صلوات الله عليهم أجمعين).

فكان هذا الكتاب: (المعصومون الأربعة عشر()، وفيه نبذة مختصرة من نهجهم ( المبارك، وسيرتهم العطرة، وحياتهم الشريفة.

بالطبع سيرة المعصومين ( أشمل ممّا يكتب بكثير، ولا يمكننا أن نحيط بها أبداً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وهي كالمسك كلما كررته يتضوع عطره؛ فإن التكرار فيها ممدوح تستطيبه النفس وتسكن إليه().

أسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبله بقبول حسن، وينفع به يوم لا ينفع مال ولا بنون.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

المعصوم الأول:

النبي الأعظم (

نسبه ( :

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وآبائه الطاهرين.

في الخبر أنه ( قال: (إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا( ().

والده (:

عبد الله ( وكان مؤمناً موحداً على ملة إبراهيم (، أحد الذبيحين وقصته مشهورة، توفّي في المدينة مسموماً، ودُفن في دار النابغة الجعدي() وعمره على قول ثمان وعشرون سنة، توفي عبد الله والنبي ( حمل في بطنه أمه (.

ولا يخفى أنّ آباء النبي ( جميعهم كانوا مؤمنين موحدين، وعليه دلت الآيات والروايات، منها:

قوله (:(لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم، ولم يدنسني بدنس الجاهلية(()، مع الالتفات إلى أنّ الكافرين نجس كما في الآية المباركة().

ومنها قوله تعالى: (الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( وَتَقَلّبَكَ فِي السّاجِدِينَ(()، وفي الحديث عن ابن عباس في بيان معنى الآية، قال: (من نبي إلى نبي، ومن نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً(().

وفي الخبر عن أمير المؤمنين ( قال: (والله ما عبد أبي، ولا جدّي عبد المطلب، ولا هاشم، ولا عبد مناف صنماً قط(.

قيل له: فما كانوا يعبدون؟.

قال (: (كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم ( متمسكين به(().

والدته (:

آمنة بنت وهب الكلابية ( وهي من السيدات الشريفات المؤمنات الموحدات، ذات مقام عظيم، ويكفي في بيان منزلتها أنها حازت شرافة الولادة بالنبي ( وأمومته فيشملها حديث الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، فضلاً عن كونها زوجة لعبد الله والد النبي ( الذي تسابقت النساء للزواج منه.

وقد ترحّم النبي ( عليها، وزار قبرها، وبكاها، ومن المستحبات الواردة في أعمال المدينة المنورة هي زيارة قبرها والدعاء عنده.

ولادته (:

اتفقت الإمامية إلاّ قليلاً منهم على أنّ ولادة النبي ( كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول، عند طلوع الفجر من عام الفيل، بمكة المكرمة، في شعب أبي طالب (.

في الدار التي اشتراها بعد ذلك محمد بن يوسف أخو الحجاج من أحد ورثة عقيل بن أبي طالب ( بمائة ألف دينار()، ثم حولتها الخيزران أم هارون إلى مسجد يصلي فيه الناس ويزورنه ويتبركون به() إلى أن هدمها الوهابيون وجعلوها مربطاً للدواب.

وقد رافقت ولادته ( علامات كثيرة وإرهاصات عديدة أشار إليها الشيخ الصدوق ( في حديث له().

ألقابه (:

نقل العلامة المجلسي ( في البحار باب أسمائه وألقابه (: أنّ الباري تعالى سمّاه في القرآن بأربعمائة اسم ـ ثم ذكرها منها ـ:

العالم، الحاكم، الخاتم، العابد، الساجد، الشاهد، المجاهد، الطاهر، الشاكر، الصابر، الذاكر، القاضي، الراضي، الداعي، الهادي، القارئ، التالي، الناهي، الآمر، الصادع، الصادق، القانت، الحافظ، الغالب، العائل، الضال، الكريم.

إلى غيرها من الأسماء القرآنية التي ذكرها مع بيان الآيات الدالة عليها().

كناه (:

أبو القاسم، وأبو الطاهر، وأبو الطيب، وأبو المساكين، وأبو الدرتين، وأبو الريحانتين، وأبو السبطين.

وفي التوراة: كنيته أبو الأرامل.

وكنّاه جبرئيل ( بأبي إبراهيم لولده إبراهيم.

وكُني ( بأبي القاسم لولده القاسم، وقيل: لأنه ( يقسم الجنة يوم القيامة.

صفته (:

في الحديث عن الإمام الحسن ( قال:

(هذه صفة جدي محمد (: كث اللحية، عريض الصدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقنى الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيّب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان(().

وفي الخبر أنّ بعضهم قال لأميرالمؤمنين (: يا علي، صف لنا نبينا (كأننا نراه، فإنا مشتاقون إليه؟.

فقال ( : (كان نبي الله ( أبيض اللون، مشرباً حمرة، أدعج العين، سبط الشعر، كثف اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأنما عنقه إبريق فضة، يجري في تراقيه الذهب، له شعر من لبته() إلى سرته كقضيب خيط إلى السرة، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن() الكفين والقدمين، شثن الكعبين، إذا مشى كأنما يتقلع من صخر، إذا أقبل كأنما ينحدر من صبب، إذا التفت التفت جميعاً بأجمعه كله، ليس بالقصير المتردّد، ولا بالطويل المتمعط، وكان في الوجه تدوير، إذا كان في الناس غمرهم، كأنما عرقه في وجهه اللؤلؤ، عرفه أطيب من ريح المسك، ليس بالعاجز ولا باللئيم، أكرم الناس عشرةً، وألينهم عريكةً، وأجودهم كفّاً، من خالطه بمعرفة أحبه، ومن رآه بديهة هابه، عزه بين عينيه، يقول باغته: لم أر قبله ولا بعده مثله ( تسليماً(().

بوّابه (:

لم يكن لرسول الله ( بواب كما كان للسلاطين ومن أشبه، بل كان النبي ( يعيش بين الناس كسائر الناس، لا يعرفه من بين أصحابه الغريب إذا دخل عليه فيقول: أيكم محمد ((). نعم كان له بعض الخدم الذين يقومون بخدمته، منهم: أنس بن مالك. وهند وأسماء ابنتا خارجة الأسلمية، وأبو الحمراء، وأبو خلف.

وأنس بن مالك هو الذي كتم حديث الغدير حينما ناشد أمير المؤمنين ( كل من سمع رسول الله (يوم الغدير أن يقوم ويشهد له، فلم يقم أنس مدّعياً أنه كبر ونسى، فدعا عليه أمير المؤمنين ( بالبرص فابتلي به، حتى أنه آلى على نفسه بعد ذلك أن لا يكتم حديثاً في فضائل الإمام علي (.

وقد أشار إلى هذه القضية الزاهي() في قصيدة له قائلاً:

ذاك الذي استوحش منه أنس

أن يشهد الحق فشاهد البرص

إذ قال: من يشهد بالغدير لي؟

فبادر السامع وهو قد نكص

فقال: أنسيت! فقال: كاذب

سوف ترى ما لا تواريه القمص()

شاعره (:

حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي، كان عثمانياً.

ولما عزل أمير المؤمنين ( قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجاء إلى المدينة جاء إليه حسان شامتاً ومؤنّباً، فزجره قيس وأخرجه، وكان حسّان جباناً، وقد مدح أمير المؤمنين ( في أول أمره ولكنه تخلّف عنه في النهاية، ومنه يظهر سر تقييد دعاء النبي ( له حيث قال: (لا زلت مؤيداً بروح القدس ما دمت ناصرنا(().

خاتمه (:

في الحديث عن الإمام الصادق ( قال:

(إنّ النبي ( كان يتختّم بيمينه(().

وفي خبر آخر قال (: (كان خاتم رسول الله ( من ورق(().

وكان نقش خاتمه: (محمد رسول الله(().

مختصاته (:

هناك مجموعة من المختصات التي اختص بها النبي ( دون سواه، ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية()، منها:

أولاً: جواز العقد زيادة على أربع.

ثانياً: العقد بلفظ الهبة، ثم لا يلزمه ( بها مهر.

ثالثاً: وجوب التخيير لنسائه بين إرادته ومفارقته (.

رابعاً: تحريم نكاح الإماء عليه بالعقد.

خامساً وسادساً: حرمة الاستبدال بنسائه والزيادة عليهن بعد نزول قوله تعالى: (لا يَحِلّ لَكَ النّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أَزْوَاجٍ(()، ثم نسخ ذلك بقوله عزوجل: (يَـا أيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاّتِيَ آتَيْتَ أُجُورَهُنّ( الآية().

سابعاً: تحريم زوجاته على غيره.

ثامناً: عدم وجوب القسمة بين الأزواج.

تاسعاً: حرمة الزواج من الكتابيات.

عاشراً: إباحة الوصال في الصوم.

الحادي عشر: وجوب الوتر عليه.

الثاني عشر: وجوب الأضحية عليه.

الثالث عشر: وجوب قيام الليل بالعبادة والتهجّد عليه.

الرابع عشر: وجوب السواك عليه.

الخامس عشر: تحريم الصدقة الواجبة عليه.

السادس عشر: تحريم خائنة الأعين عليه، وهي الغمز بها بمعنى الإيماء بها().

السابع عشر: تحريم قول الشِعر عليه.

الثامن عشر: جعل زوجاته أمهات المؤمنين.

التاسع عشر: تحريم أن يسألهن أحد شيئاً إلاّ من وراء حجاب.

العشرون: تحريم رفع الصوت عليه ومناداته من وراء الحجرات.

الواحد والعشرون: وجوب الصلاة عليه في الصلاة.

الثاني والعشرون: أنه ( كان يبصر وراءه كما يبصر أمامه.

الثالث والعشرون: أنه ( كان تنام عينه ولا ينام قلبه.

الرابع والعشرون: أنه ( خاتم النبيين.

إلى غيرها مما هو مذكور في المفصلات.

النبي الأمّي (

لم يذهب النبي ( إلى أستاذ ليتعلم منه القراءة والكتابة، ولكن هل كان يحسنهما بإعجاز من الله عزوجل؟

تعدّدت الأقوال في المسألة:

( فمنهم من ذهب إلى أنه ( كان لا يحسن القراءة والكتابة، معتمدين في ذلك على أمور منها:

1. قوله تعالى: [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ]()، وعلى هذا المعنى فسروا أميته، أي أنه لا يحسن الكتابة.

2. اتخاذه كاتباً لوحيه من خاصة أهله وهو الإمام أمير المؤمنين (.

3. في صلح الحديبية وضع أمير المؤمنين ( إصبع النبي ( على اسمه ليمحوه.

( ومنهم من ذهب إلى أنه ( لم يكن يحسنها قبل البعثة أمّا بعدها فكان يحسنها، مستدلين على ذلك بـ:

1. نفس الآية المباركة حيث ورد فيها: [وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ] ().

2. قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]()، فلو أنه ( لم يكن يحسن الكتابة كيف يعلمها للآخرين.

3. عدم معرفته ( بالكتابة يستلزم النقص عليه، وامتياز الذين يحسنون الكتابة عليه، والنبي ( يكون أفضل أهل زمانه.

( والحق أن النبي ( كان يحسن القراءة والكتابة بإعجاز.

وإلا استلزم أن يفضله من كان يحسن الكتابة في زمانه، فينتقض القول بأفضلية النبي ( مطلقاً على كافة الناس.

وكان ( يعرف الكتابة قبل البعثة وبعدها بالإعجاز، ولا يصغى إلى من فرّق بين إحسانه لها بعدها دون قبلها، لأن عدم إحسانه الكتابة قبل البعثة أيضاً يستلزم النقص فيه وهو مردود عقلاً، فيكون المراد بالنبي (الأمي) نسبته ( إلى أمّ القرى وهي مكة المكرمة.

أما عدم ذهابه ( لتعلم القراءة والكتابة فلمصلحة القرآن الكريم، حتى لا يزعم البعض بأنه من تأليفه الشخصي.

مرضعة النبي (

كانت المرضعات يتسابقن لنيل شرف رضاعة النبي (، فهو يتيم عبد المطلب سيد العرب، وطفل آمنة بنت وهب من أشراف مكة، ولم تحظ بهذا الشرف العظيم سوى حليمة السعدية، وكانت مؤمنة موحدة.

عن مجاهد أنه قال: قلت لابن عباس: (وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد؟ قال: أي والله، فخص بذلك حليمة)().

وروي أنه: تطاولت النساء لرضاعته وتربيته...حتى قال: إنّ الهاتف أخبر آمنة بأنّ مرضعته في بني سعد، واسمها حليمة، فظلت تتوقع مجيئها، حتى جاءت، فأعطتها إياه().

وقد أراد الله بحليمة الخير الكثير حيث جعلها مرضعة لسيد المرسلين (فنالت بذلك الشرف وحلّت عليها وعلى أهلها كافة البركة، ومن ذلك:

1. درّ اللبن في ثدييها حتى أنها قالت: (ومعي ولد ما يجد في ثديي ما نعلله به...) ولما أخذت النبي ( قالت: (فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته وأرويت ولدي أيضاً).

2. درّ اللبن في ثديي الراحلة: حيث كانت حليمة قد قدمت مكة هي وزوجها ومعهما شارف ـ وهي المسنّة من النوق ليس فيها لبن ـ ولكن لما كفلت رضاعة النبي ( درّ اللبن فيها حتى أنّ زوجها أروى حليمة والغلمان من لبنها.

3. كانت تتقدّم النساء اللواتي كن معها بأتانها حتى قلن لها: أهذه أتانك التي خرجت علينا؟ فقالت حليمة لهن: نعم.

4. أنها كانت ببركة النبي ( تزداد كل يوم وليلة خيراً.

5. كانت البلاد بلاد قحط وكانت أغنام بني سعد تسرح وتعود وهي جياع سوى أغنام حليمة ترجع شباعاً أبطاناً حفلاء.

وكان رسول الله ( يكرم حليمة لما تفد عليه، فبعد أن تزوّج ( بخديجة ( وفدت حليمة عليه وشكت له جدب البلاد وهلاك الماشية، فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، وقدمت عليه بعد الإسلام فأسلمت هي وزجها().

وسبيت بنت حليمة يوم حنين، فوقفت على رأس النبي (، وقالت: يا محمد، أختك سبيت فيما سُبي. فنزع رسول الله (برده فبسطه لها فأجلسها عليه ثم أكبّ عليها يسايلها، وكلمته في الأسارى. فقال (: (أمّا نصيبي ونصيب بني عبد المطلب فهو لك، وأمّا ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم(. فلمّا صلّوا الظهر قامت فتكلّمت وتكلّموا فوهب لها الناس أجمعون إلا الأقرع بن حابس وعيية بن حصن().

النبي ( وشقّ الصدر

نقل البعض أنّ جبرئيل صرع النبي ( وهو يلعب مع الصبيان، وشقّ عن قلبه واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم().

والحديث يخالف معتقدات الإمامية بأنّ المعصوم ( طاهر مطهّر يتوادع الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة وليس للشيطان فيه حصة أبداً.

وقد ردّه الطبرسي ( في تفسيره، وجعله: (ممّا لا يصح ظاهره، ولا يمكن تأويله إلاّ على التعسّف البعيد، فالأولى أن لا يقبل)، وقال: (لأنه ( طاهر مطهر من كل سوء وعيب، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء)().

الزواج بالسيدة خديجة (

كان رسول الله ( يتاجر بأموال السيدة خديجة بنت خويلد ( إلى الشام برفقة غلامها ميسرة الذي أمرته أن يكون في خدمة النبي ( ولكي يخبرها عن أحواله أكثر، ولما عاد النبي ( من التجارة بالخير الكثير وعرفت أحواله وكراماته رغبت في الزواج منه، فبعثت إلى أعمامه بأن يقدموا على خطبتها لرسول الله (.

فأقبل أبو طالب ( في أهل بيته وخطبها من عمّها ورقة بن نوفل فتلجج عمّها عن الجواب، فبادرت ( بالقول: يا عماه، إنك وإن كنت أولى بنفسي منّي في الشهود فلست أولى بي من نفسي، قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر عليّ في مالي، فأمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك.

فقال أبو طالب (: اشهدوا عليها بقبولها محمداً ( وضمانها المهر في مالها.

فقال بعض قريش: يا عجباه، المهر على النساء للرجال؟

فغضب أبو طالب ( غضباً شديداً وقام على قدميه، وكان ممّن يهابه الرجال ويكره غضبه، فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوّجوا إلا بالمهر الغالي().

وهذا يدل على إيمان السيدة خديجة ( فإنها كانت مؤمنة على دين إبراهيم ( كما يدل على عظم معرفتها وكمالها وحبّها للنبي (، وقد قدمت ما تملك في نصرة الإسلام وإعلاء رايته حتى اعتزلها النساء وهجرنها لزواجها من الرسول ( ولكن الله عزّ وجلّ عوضها عن ذلك بمن يحدّثها في بطنها وهي الصديقة الزهراء (.

علماً بأن خديجة (عليها السلام) لم تتزوج قبل النبي ( وكانت بكراً()، وكان عمرها 25 سنة، على رأي بعض المحققين، وعن ابن عباس أنه تزوجها ( وهي ابنة ثماني وعشرين سنة().

ولا بأس بأن نذكر هنا بعض فضائلها (صلوات الله عليها) منها:

1: زواجها من النبي ( وعدم رغبتها بغيره وقد خطبها كبار القوم والوجهاء والسلاطين.

2: هي والدة الصديقة فاطمة الزهراء ( وكانت تحدثها في بطنها.

3: إنفاقها جميع ثروتها في سبيل الله.

4: هي أفضل زوجات النبي ( على الإطلاق.

5: إنّ الجنة تشتاق إليها.

6: إنها من أهل الأعراف.

7: إنها صدّيقة هذه الأمة.

8: إنها أول من أسلمت من النساء.

9: إنها من المصطفيات في الدنيا والآخرة.

10: إن الله عزوجل كان يقرؤها السلام، ولها مقاماتها العظيمة في الآخرة.

البشارة بالنبي (

بشّرت التوراة والإنجيل بمجيء النبي محمد ( وأشارت إلى صفاته وعلائمه، وإلى ذلك تشير الآية المباركة:

(الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ(().

وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لما بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّا جَاءَهُم بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ(().

أما إنجيل وتوراة اليوم فهو محرف، قد حذفوا منه ما يدل على نبوة نبينا محمد ( وإن كان في بعض ما تبقى منه ما يدل على نبوة رسول الله (().

العرب قبل الإسلام

كانت حالة الناس قبل بعثة النبي ( على شر حالة، فأنقذهم الله تعالى برسول الله ( الذي أخرجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الهداية، وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين ( قائلاً:

(فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة، في بلاء أزل، وإطباق جهل! من بنات موءودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة، فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولاً(().

وقال (: (بعثه ( والناس ضلال في حيرة، وخابطون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ ( في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة(().

وقال (: (وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار، تنيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة(().

وقالت الصديقة فاطمة ( في خطبتها: (وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ( بعد اللتيا والتي(().

إنّ الناس في شبه الجزيرة ـ بل في كل العالم ـ كانوا بأمس الحاجة إلى من يخلّصهم ممّا هم فيه من الظلمات، فمنّ الله عليهم بمن ينقذهم من ذلك الوضع وهو رسول الله ( الذي هذّب النفوس ونوّر العقول وحوّل أوضاعهم من شرّ حال إلى خير أمة أخرجت للناس، ثم انتشر الإسلام ليشمل سائر الأمم والملل.

نزول الوحي

كان رسول الله ( يتعبّد في غار حراء، فنزل عليه الأمين جبرئيل ( بأول آيات الوحي المبين من سورة القلم قائلاً: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ(().

وهذه الآية المباركة تكشف عن عناية الإسلام بالعلم والتعلّم وأهمية القلم، على ما ذكرناه في بعض كتبنا.

والجدير بالذكر أنّ ابن أبي الحديد() في شرحه على نهج البلاغة يصرّح أنّ أمير المؤمنين ( كان مع رسول الله ( في الغار لمّا نزل عليه الوحي، قال:

وينبغي أن نذكر الآن ما ورد في شأن رسول الله ( وعصمته بالملائكة، ليكون ذلك تقريراً وإيضاحاً لقوله (:(ولقد قرن الله به من لدن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته( وأن نذكر حديث مجاورته ( بحراء، وكون علي ( معه هناك، وأن نذكر ما ورد في أنه لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ( وعلياً ( وخديجة (، وأن نذكر ما ورد في سماعه رنّة الشيطان، وأن نذكر ما ورد في كونه ( وزيراً للمصطفى(().

بلاغة القرآن الكريم

اشتهر العرب أيام الجاهلية بالفصاحة والبلاغة بحيث إنهم كانوا يتسابقون في الشعر وأبلغه وأفصحه، وقد جعلوا لهم مكاناً خاصاً يدعي بسوق عكاظ ينشدون فيه الشعر كل سنة، كان منها المعلقات السبع المعروفة التي علقوها على الكعبة ليفتخروا بها.

وبالرغم من ذلك فقد تحدّاهم القرآن الكريم على أن يأتوا بعشر سور بل بسورة أو أقل مثل القرآن الكريم، فلم يتمكنوا.

قال تعالى: (قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(().

وقد قرّر سادة قريش وزعماء مكة المشركين أن يمنعوا الناس من سماع القرآن الكريم، قال تعالى: (وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ(().

ومع ذلك كان أسيادهم يسترقون السمع ويستمعون القرآن لشدة حلاوته وبلاغته وفصاحته، فعن الزهري قال: حدثت أنّ أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله ( وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فتلاوموا، فقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً.

ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد لانعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.

فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: والله سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتا أبا جهل فقال: ما رأيك فيما سمعت من محمد؟

قال: ماذا سمعت؟

تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجانبنا على الركب وكنا كفرسي الرهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى تدرك هذه؟

لا والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس وتركه.

ويكفي في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه ما ورد عن هشام بن الحكم قال: (اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزئون بالحاج ويطعنون بالقرآن.

فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أمّا أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: (فَلَمّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً(().

فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكر في ما سواها.

فقال عبد الملك: وأنا منذر فارقتكم مفكر في هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(() ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا(() لم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال ابن المقفع: يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية:

(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَا سَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ(() لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك، إذ مرّ بهم الإمام جعفر بن محمد الصادق ( فقال:

(قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(() فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلاّ إلى جعفر بن محمد، والله ما رأيناه قط إلاّ هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين بالعجز)().

إنذار الأقربين

كانت الدعوة الإسلامية في أوائل البعثة سرية حيث كان رسول الله ( يدعو الناس سرّاً مدة ثلاث سنين إلى أن أوحى الباري تعالى إليه بإنذار عشيرته الأقربين، فأمر أمير المؤمنين ( أن يعدّ طعاماً ويدعو آل عبد المطلب، ولكن أبا لهب بضجيجه ولغطه حال دون أن يدعوهم إلى الإسلام.

وفي اليوم الثاني عاود النبي( نفس العمل فعاود أبو لهب الضجيج واللغط، وفي اليوم الثالث وقبل أن يشرع أبو لهب بالضجيج وقف النبي (وقال: (يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟(.

فقال أمير المؤمنين ( ـ وكان أحدثهم سناً ـ: (أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه(. فأخذ برقبته وقال: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا(. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبى طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي().

وهذا أول تصريح كان من النبي ( نص فيه على ولاية أمير المؤمنين ( وخلافته من بعده، وهو نص صريح لا يقبل التأويل والتوجيه، وقد ذكر في مصادر القوم().

النبي ( وأعباء الدعوة

تحمّل النبي الأكرم ( العناء الكثير وقاسى المحن والشدائد ونزل به ما نزل، من أجل الرسالة حتى قال مقولته المشهورة: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت(() ولكنه (صمد أمام التحديات والمغريات والمشاكل والصعوبات وبلّغ الرسالة أفضل تبليغ، وأدّى ما أمر به من الله عزّ وجلّ.

وكان ممّا تعرّض ( له:

1. حبسه ومن كان معه من المسلمين في شعب أبي طالب ( ومقاطعة المشركين لهم ثلاث سنوات().

2. اتهامه بالسحر والجنون والشعر والكذب.

3. محاربته وتجيش الجيوش ضده في معارك كثيرة.

4. تسفيهه.

5. جبره على ترك موطنه مكة المكرمة والهجرة إلى يثرب.

6. تعرضه للضرب والتوهين حتى من أقرب الناس إليه، فعن أنس: أنه ( كان في سوق ذي المجاز عليه جبة حمراء وهو يقول: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتى أدمى عرقوبيه وكعبيه،فقيل: من هو؟

فقال: عمّه أبو لهب.

7. رمي سلا الناقة عليه أكثر من مرة.

8. محاولة قتله أكثر من مرة ولكن الله تعالى كان يقيه شرّهم.

9. اعتقال أصحابه ومن يؤمن به ثم تعريضهم للتعذيب القاسي والقتل.

10. مصادرة أمواله وكل ما يتعلق به وبأصحابه من دور وما أشبه.

إلى غيرها مما هو كثير.

الهجرة المباركة

لما اشتد إيذاء قريش للمسلين دعاهم رسول الله ( إلى الهجرة للحبشة حيث فيها النجاشي الحاكم المعروف بعدالته، فهاجروا برفقة جعفر بن أبي طالب (، وقد حاولت قريش أن تردّهم إلى مكة وتحرض النجاشي عليهم، ولكن حكمة جعفر ( وفطنته حالت دون ذلك فعادوا بخفّي حنين.

وبعد فترة هاجر النبي ( بأمر الله عزوجل إلى المدينة المنورة التي احتضنت المسلمين بشكل جيد، وخلّف ( أمير المؤمنين ( مكانه وأباته في فراشه ليلة المبيت، حتى لا يعلم القوم بخروجه (، ثم يؤدّي ( ودائعه ( ويقضي ديونه، ثم يهاجر ( مع الفواطم إلى المدينة.

وقد بات علي ( في فراشه ( تلك الليلة حتى باهى الله به ملائكته.

قال أبو اليقظان: حدثنا رسول الله ( ونحن معه بقباء، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت علي ( على فراشه، قال: أوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيل (:

إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟

فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: عبدَيّ ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل ـ أو قال: رقد ـ على فراشه يفديه بمهجته، اهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل ( فجلس عند رأسه، وميكائيل ( عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة!

قال: فأنزل الله عز وجل في علي (:

(وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ(()،().

وقد سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ( قائلاً: أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر، فقال: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللهَ مَعَنَا(()؟

فقال أمير المؤمنين (: ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله (، وقد طرح عليَّ ريطته() فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله ( حيث خرج، فأقبلوا عليَّ يضربونني بما في أيديهم حتى تنفط() جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمداً.

قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا منّي، ومن الباب بقفل فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت يقول: يا علي فسكن الوجع الذي كنت أجده، وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتاً آخر يقول: يا علي فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، وفتح فقمت وخرجت، وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء() لا تبصر ولا تنام تحرس الباب فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم().

حروب النبي (

لا يخفى أنّ حروب النبي ( كانت كلها دفاعية، لأنّ المشركين لم يرق لهم أن رسول الله ( تقوى شوكته وتنتشر رسالته، فعمدوا إلى محاربته والنيل منه ومن أتباعه بشتى الوسائل ومنها شن الحروب والقتال المستميت.

قال المفسرون وأهل السير: إن جميع ما غزى رسول الله ( بنفسه ست وعشرون غزوه، وأن جميع سراياه التي بعثها ولم يخرج معها ست وثلاثون سرية، وقاتل ( في تسع غزوات منها، وهي: بدر، وأحد، والخندق، وبنو قريظة، والمصطلق، وخبير، والفتح، وحنين، والطائف().

وكان رسول الله ( قبل أن يبعث أية سرية يدعوهم فيجلسهم بين يديه، ثم يقول: (سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (،لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، ثم استعينوا بالله عليه(().

وفي جميع حروب النبي ( كان لأمير المؤمنين ( دوراً هاماً في قتال الكفار والمشركين ودفعهم عن رسول الله ( والمسلمين، وإلى ذلك تشير الصديقة فاطمة ( قائلة:

(كلما أحشوا ناراً للحرب، أو نجم قرن للضلالة، أو فغرة فاغرة للمشركين، قذف أخاه علياً في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ سماكها بأخمصه، ويخمد حرّ لهبها بحده، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً(، الخطبة().

من أخلاق النبي (

ربما يكون من السهل أن يجذب الإنسان الناس العاديين بأخلاقه الحميدة، ولكن من الصعب جداً أن يؤثر على ذوي الأخلاق الفضّة ويحوّل سجاياهم وطبائعهم التي تربوا عليها وتوارثوها من أجيالهم الماضية.

ومن المعروف أن المجتمع الجاهلي في عهد النبي( كانت تطغى عليه حالة من القسوة والفضاضة والخشونة والوحشية، حتى مع أقرب الناس إليهم وهم بناتهم حيث كانوا يدفنونهن أحياءً، فذات مرّة وفد قيس بن عاصم على رسول الله (، فسأله بعض الأنصار عمّا يتحدث به عنه من الموءودات التي وأدهن من بناته، فأخبر أنه ما ولدت له بنت قط إلا وأدها.

ثم أقبل على رسول الله ( يحدّثه فقال له: كنت أخاف سوء الأحدوثة والفضيحة في البنات، فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها، وما رحمت منهن موءودة قط إلا بنية لي ولدتها أمها وأنا في سفر فدفعتها أمها إلى أخوالها فكانت فيهم، وقدمت سألت عن الحمل، فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولداً ميتاً.

ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت، فزارت أمها ذات يوم، فدخلت فرأيتها وقد ظفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئاً من خلوق ونظمت عليها ودعاً، وألبستها قلادة جزع، وجعلت في عنقها مخنقة بلح، فقلت: من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها؟ فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، كنت خبرتك أني ولدت ولداً ميتاً، وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ. فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها، ثم أخرجتها يوماً فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول: يا أبت ما تصنع بي؟!

وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول: يا أبت أمغطي أنت بالتراب؟!

أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟!

وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها، فما رحمت أحداً ممّن واريته غيرها!!

فدمعت عينا النبي ( ثم قال: (إنّ هذه لقسوة، وإن من لا يرحم لا يرحم(.

وذكر في أحوال صعصعة بن صوحان أنه استطاع أن يخلّص 360 بنتاً من الوأد، وبعد أن أسلم سأل رسول الله ( قائلاً: هل لي في ذلك ثواب؟

فقال النبي (: بيّن لي ما فعلت.

فقال صعصعة: كانت لي ناقتان قد فقدتهما وصرت أبحث عنهما في الصحراء، فرأيت داراً فتوجهت نحوها فإذا بي أرى رجلاً كبير السن، فانشغلت بالتكلم معه، وسرعان ماسمعت صوت امرأة تقول: ولدت ولدت، فسألها الرجل: ماذا ولدت؟

فأجابت المرأة بأنها بنت.

فقال الرجل: ادفنوها في التراب، فقلت: لا تقتلوها، واشتريها منهم بناقتين وجمل وخلصتها من الموت، واشتريت طول حياتي (360) بنتاً، لكل منها بناقتين وجمل، فأجاب رسول الله (: بأنه قد قام بعمل مهم وثوابه محفوظ عند الله سبحانه.

وسط مجتمع كهذا تحكمه القسوة والخشونة صدع النبي ( بدعوته الغراء رافعاً شعاره: (إنما بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق(()، فاستطاع ( بأخلاقه الحميدة التي عبّر عنها الباري تعالى: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ(()، أن يحوّل المجتمع من مجتمع تحكمه أحكام الغاب إلى خير أمة أخرجت للناس.

ومن أهم أخلاق النبي ( التي أذهلت البشرية جمعاء هي:

1. التواضع

بلغ من تواضع رسول الله ( أنّ القادم إذا قصده لا يميزه من بين المسلمين إلاّ أن يسأل عنه، يقول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (:

كان رسول الله ( يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي ( أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكاناً من طين، وكان يجلس عليه، ونجلس بجانبيه().

* وكان المسلمون إذا رأوه ( لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته().

* وكان ( يسلّم على الصبيان والنسوة.

* وذات مرة أتاه رجل يكلّمه فأرعد، فقال (: هوّن عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد().

* وقال الإمام الصادق (: (كان رسول الله ( إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل(().

* وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ( يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير على حمار مخطوم() بحبل من ليف تحته أكاف من ليف().

* وعن بحر السقا قال: قال لي أبو عبد الله (: (يا بحر حسن الخلق يسر ـ ثم قال ـ ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة(. قلت: بلى، قال: (بينا رسول الله ( ذات يوم جالس في المسجد إذا جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي ( فلم تقل شيئاً ولم يقل لها النبي ( شيئاً، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي ( في الرابعة وهي خلفه، فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل، حبست رسول الله ( ثلاث مرات، لا تقولين له شيئاً ولا هو يقول لك شيئاً، ما كانت حاجتك إليه؟

قالت: إنّ لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه، يستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها و وهو يراني وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها(().

* وعن الحسن الصيقل، قال: سمعت أبا عبد الله ( يقول: (مرت امرأة بذيّة برسول الله ( وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد، وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (: ويحك وأيّ عبد أعبد منّي؟!

قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها، فقالت: لا والله إلا التي في فيك فأخرج رسول الله ( اللقمة من فمه فناولها، فأكلتها.

قال أبو عبد الله (: فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا روحها(().

2. الرحمة

من صفات النبي ( المهمّة التي نطق بها القرآن الكريم هي الرحمة، فقال عزّ من قائل: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ(()، وفي آية وصفه الباري تعالى بأنه ( رحيم بالمؤمنين، فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ(().

والشواهد على رحمته كثيرة، منها ما ورد أنه ( في غزوة أحد عندما تخلّف الرماة الذين كانوا على الجبل عن وصيته ( وهُزم المسلمون ضُرب رسول الله ( بالسيف ستين ضربة، وعليه يومئذ درعان، وأدميت رباعيته وشج في وجهه، وفر الناس غير أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( وسبعة من بني هاشم وعصابة من الأنصار.

وكان أحدهم يقول: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، وجهي لوجهك الوفاء ونفسي لنفسك الفداء، أستودعك الله وأقرأ عليك السلام، وكان يقول بعضهم: يا نبي الله، أدع عليهم!

فقال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون(().

نعم إنه ( رغم ما صنع المشركون به لم يتخلّ عنهم بل كان يعدّهم من قومه وينسبهم إلى نفسه كي لا ينزل بهم العذاب، ودعا لهم بالهداية.

* وذات مرّة جاءه أعرابي يستعينه في شيء، فأعطاه رسول الله ( شيئاً ثم قال: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا ولا أجملت.

فغضب بعض المسلمين وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله ( إليهم أن كفّوا.

فلمّا قام رسول الله ( وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال: إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت، فزاده رسول الله ( شيئا وقال: أحسنت إليك؟

فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.

فقال النبي(: إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم، فقال: نعم.

فلما جاء الأعرابي قال رسول الله (: إنّ صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه فقال ما قال وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي كذلك يا أعرابي؟

فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.

فقال النبي (: (إنّ مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً، فقال لهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها فتوجه إليها وأخذ لها من قشام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار(.

* وفي حرب خيبر لما أسر المسلمون بعض اليهود ومن بينهم صفيّة بن حيّ بن أخطب، مرّ بلال بها على قتلاها فصاحت وصكت وجهها وحثّت التراب على رأسها وقد كادت تذهب روحها، فبلغ رسول الله ( الخبر، فقال لبلال: (أنُزعت منك الرحمة يا بلال(؟().

3. العفو

كان رسول الله ( مضرب المثل في العفو والصفح عن المسيئين حتى أمن أعداؤه من مجازاته لهم.

ففي غزوة أنمار بعد أن هزم القوم وسبي ذريتهم، أصابهم المطر في طريق رجعتهم،فنزلوا وادياً تحت الأشجار فوضع النبي ( سلاحه وذهب إلى الجانب الآخر من الوادي وحده.

فجاء السيل فحال بينه وبين أصحابه، وكان بعض المشركين على الجبل فرآه حين حال السيل بينه وبين أصحابه فجاءه واحد منهم يقال له: غورث بن الحارث وقال: أنا أقتله، فأتاه وقال: يا محمد من يمنعك منّي؟

فقال: الله تعالى يمنعني منك، فسلّ سيفه وأراد أن يضربه فدفعه النبي ( في صدره دفعة فسقط السيف من يده، فوثب رسول الله ( وأخذ سيفه وقال: من يخلّصك منّي؟

فقال: لا أحد.

فقال له: إن أسلمت أرد عليك سيفك، فقال: لا أسلم ولكن أعاهد الله تعالى ألاّ أكون عليك ولا لك أبداً، فرد عليه سيفه، فقال الرجل: يا محمد أنت خير منّي لأنك قدرت على قتلي فلم تقتلني، فرجع الكافر إلى أصحابه فأخبرهم بالقصة فآمن بعضهم().

* وعن أنس قال: كنت مع النبي ( وعليه برد غليظ الحاشية، فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك!.

فسكت النبي ( ثم قال: المال مال الله وأنا عبده ـ ثم قال ـ ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟

قال: لا.

قال: لم؟

قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة.

فضحك النبي ( ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر.

وفي رواية: أن رسول الله ( كان يمشي ومعه بعض أصحابه، فأدركه أعرابي فجذبه جذباً شديداً وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأثرت الحاشية في عنقه ( من شدة جذبه، ثم قال: يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله ( فضحك وأمر بإعطائه().

* وفي فتح مكة لمّا ظفر النبي ( واستولى على أشد أعدائه الذين فعلوا به وبالمسلمين الأفاعيل خاطبهم قائلاً: ما تظنون أني فاعل بكم؟

فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال (: (أقول كما قال أخي يوسف (: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ(() اذهبوا فأنتم الطلقاء(().

4. السخاء

كان رسول الله ( أسخى الناس، وأجود بالخير من الريح الهابة، يعطي فلا يبخل، ويمنح فلا يمنع، ففي الخبر عن أبي عبد الله ( قال: (ما منع رسول الله ( سائلاً قط إن كان عنده أعطى وإلاّ قال: يأتي الله به(().

* وفي كشف الغمة: أنه ( أعطى يوم هوازن من العطايا ما قُوّم بخمسمائة ألف ألف().

* وذات مرّة أهدته امرأة بردة، وكان محتاجاً إليها، فلبسها، فرآها رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فقال (: نعم، ونزعها وأعطاها له.

* روي عن الصادق ( أن رسول الله ( أقبل إلى الجعرانة فقسم فيها الأموال، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم حتى ألجئوه إلى الشجرة فأخذت بردة وخدشت ظهره حتى جلوه عنها وهم يسألونه. فقال: (أيها الناس، ردوا عليَّ بردي والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم ما ألفيتموني جباناً ولا بخيلاً(().

* وروي أنه: ما سُئل رسول الله ( على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنّ محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

* ولما أعطى النبي ( العطايا، قال صفوان: ما لي؟. فأومأ رسول الله ( إلى واد فيه إبل محملة فقال: (هذا لك(. فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر().

وروي أنه ( بذل جميع ماله في سبيل الله حتى قميصه، وبقي في داره عرياناً على حصير، إذ أتاه بلال وقال: يا رسول الله الصلاة، فنزلت الآية: (وَلاَتَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىَ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ(() وأتاه بحلة فردوسية().

أقول: وممّا يؤسف له حقاً أنّ المسلمين الذين ينبغي أن يتبعوا النبي الأكرم ( الذي كان يحمل هكذا أخلاق، كيف غيّرهم المجتمع الجاهلي الغارق في الضلال دون أن يتأسّوا بأخلاقه ( ويتحلّوا بسجاياه، فما أبعدنا اليوم عن أخلاق النبي ( وأهل البيت ( وهذا من أسرار تخلفنا وتأخرنا وتقدم غيرنا علينا.

وكثير من المسلمين في يومنا هذا لا يعرفون شيئاً عن أخلاق النبي (، فما أحوجنا اليوم إلى تعريف الناس بأخلاقه ( ليتأسوا به ويتحلوا بها.

خليفة النبي (

وفي يوم غدير خم صرّح رسول الله ( بأمر من الله عزوجل على أن الولاية تكون من بعده لعلي بن أبي طالب ( دون غيره، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما كان رسول الله ( كذلك، وهو الخليفة من بعده وحجة الله على أمته().

ثم ذكر رسول الله ( أسماء خلفائه الاثني عشر وهم أئمة أهل البيت ( بدءً بالإمام علي بن أبي طالب ( ثم الحسن ( ثم الحسين ( ثم الأئمة المعصومين من ذرية الحسين ( وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه).

ثم أخذ ( البيعة من جميع الصحابة، فبايعوا علياً ( على إمرة المسلمين()، ولكن القوم نكثوا بيعتهم بعد رسول الله ( وانقلبوا على أعقابهم. قال تعالى: (أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ(().

شهادة النبي (

من عقائد الإمامية أنّ رسول الله ( مات مسموماً شهيداً، وذلك في الثامن والعشرين من شهر صفر المظفّر بعد أن أوصى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( أن يغسّله ويكفّنه، ويصلي عليه ويدفنه في البيت الذي يقبض فيه وهو بيت فاطمة (سلام الله عليها).

عن الشيخ المفيد ( قال: ثم ثقل ( وحضره الموت وأمير المؤمنين ( حاضر عنده، فلما قرب خروج نفسه قال له: (ضع رأسي يا علي في حجرك، فقد جاء أمر الله عزّ وجلّ فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل عليَّ أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى(. فأخذ علي ( رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه، فأكبت فاطمة ( تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال() اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول الله ( عينيه وقال بصوت ضئيل: يا بنية، هذا قول عمك أبي طالب ( لا تقوليه، ولكن قولي: (وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ(() فبكت طويلاً، فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت فأسر إليها شيئاً تهلّل له وجهها.

ثم قضى ( ويد أمير المؤمنين ( اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه ( فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره().

من كلامه (

لا يخفى أنّ كلام المعصوم ( إمام الكلام لما فيه من الفصاحة والبلاغة والمواعظ المفيدة والحِكَم المهمة التي يعجز الآخرون عن الإتيان بمثلها، لأنّ كلامهم ( نور وهو فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق. وهذه بعض تلك الكلمات:

1. قال رسول الله (: (حسن الخلق يثبت المودة(().

2. وقال (: (من أخلاق النبيين والصديقين: البشاشة إذا تزاوروا، والمصافحة إذا تلاقوا(().

3. وقال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم، ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم((). وفي حديث قال (: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة(().

4. وقال (: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء(().

5. وقال (: (صِل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمّن ظلمك(().

6. وقال (: (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها(().

7. وقال (: (لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك(().

8. وقال (: (إنّ الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب(.

9. وقال (: (شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم(().

10. وقال (: (القناعة مال لا ينفد(().

11. وقال (: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار(().

12. وقال (: (أبعدكم بي شبهاً البخيل البذي الفاحش(().

13. وقال (: (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ(().

14. وقال (: (احثوا في وجوه المداحين التراب(().

15. وقال (: (إذا أراد الله بعبد خيراً صيّر حوائج الناس إليه(.

16. وقال (: (ارحموا عزيزاً ذلّ، وغنياً افتقر، وعالماً ضاع في زمان جهّال(()

17. وقال (: (استعينوا على أُموركم بالكتمان، فإنّ كل ذي نعمة محسود(().

18. وقال (: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه(().

19. وقال (: (أطلب العافية لغيرك ترزقها في نفسك(.

20. وقال (: (أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك(().

21. وقال (: (خير دينكم الورع(().

22. وقال (: (ذكر الله شفاء القلوب(.

23. وقال (: (الخير كثير، ومن يعمل به قليل(().

24. وقال (: (شرّ الناس المضيّق على أهله(.

25. وقال (: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة(().

26. وقال (: (خير من الخير معطيه، وشر من الشر فاعله(().

27. وقال (: (فكرة ساعة خير من عبادة سنة(().

28. وقال (: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته(().

29. وقال (: (لا تغضب فإن الغضب مفسدة(.

30. وقال (: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين(().

المعصوم الثاني:

الصديقة فاطمة

الزهراء(

نسبها (

هي السيدة فاطمة الزهراء ( بنت رسول الله محمد (.

والدها (:

خاتم الرسل محمد بن عبد الله (.

والدتها (:

السيدة خديجة بنت خويلد (.

ولادتها (:

وُلدت السيدة الزهراء ( في العشرين من شهر جمادى الآخرة سنة خمسة بعد البعثة في مكة المكرمة، ولا يعتنى بقول من ادعى أنّ ولادتها ( كانت لخمس سنوات قبل البعثة.

ألقابها (:

ألقاب السيدة الزهراء ( كثيرة، وفي الخبر عن أبي عبد الله الصادق ( قال: (لفاطمة ( تسعة أسماء عند الله عزّ وجل: فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضيّة، والمحدّثة، والزهراء(().

ومن ألقابها أيضاً: الحورية، الإنسية، العذراء، الشهيدة، الصابرة، قرة عين المصطفى، العالمة، المعصومة، حاملة البلوى، أُمّ الخيرة، حليفة العبادة، تفاحة الجنة، المطهرة، وغيرها.

وجه تسميتها بفاطمة (

ثم إن هناك وجوهاً عديدة في وجه تسميتها بفاطمة ( .. وردت في الروايات الشريفة، والتي أشرنا إلى بعضها في كتاب (من فقه الزهراء () وكتاب (من حياة فاطمة الزهراء ().

ومن ذلك: أنها فطمت الأعداء الذين طمعوا في خلافة النبي ( من الشرعية، ففضحتهم.. وأثبتت للعالم بأن الخلافة للإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) دون غيره.

روى العلامة المجلسي ( في البحار:

قال أبو الحسن ( : (لم سميت فاطمة فاطمة(؟ قلت: فرقا بينه وبين الأسماء، قال: (إن ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سميت به إن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أن رسول الله ( يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها ففطمهم عما طمعوا فبهذا سميت فاطمة فاطمة لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت قطعت(().

كنيتها(:

أُمّ الحسن، وأُمّ الحسين، وأُمّ المحسن، وأُمّ الأئمة، وأُمّ أبيها.

وقالوا: من كناها ( أيضاً أُمّ الأخيار، وأُمّ الفضائل، وأُمّ الأزهار، وأُمّ العلوم، وأُمّ الكتاب().

ووجه تكنيتها بأمّ أبيها: أنّ رسول الله ( كناها بذلك، وكان ( يظهر من محبّتها وإجلالها ما يليق بالأم، فكان ( يقبّل يديها ويخصها بالزيارة أولاً عند عودته إلى المدينة المنوّرة، وكانت ( آخر من يودعها لدى سفره (، وتكنيته ( إياها بأمّ أبيها نوع من إظهار مقامها العظيم.

أو لأنها ( كانت تبدي من المحبة والعطف على أبيها رسول الله ( كما تبدي الأم لولدها.

من أشعارها (:

مما نسب للسيدة الزهراء ( من أشعار، قولها في رثاء النبي (:

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صبّت عليّ مصائب لو أنها

صبّت على الأيام صرن لياليا

قد كنتُ ذات حمى بظل محمد

لا أخش من ضيم وكان حماً ليا

فاليوم أخضع للذليل وأتقي

ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

فإذا بكت قمرية في ليلها

شجناًً على غصن بكيت صباحيا

فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي

ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا

ماذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

خادمتها (:

هناك العديد من المؤمنات اللاتي تشرفن بخدمة الزهراء (، منهن:

* 1. السيدة فضّة (:

وقد وهبها النبي ( لها ( بعد ما كثرت الفتوح والمغانم من خيبر، فتعلمت في مدرسة الزهراء ( العلوم والآداب، فكانت لا تتكلّم إلاّ بالقرآن أكثر من عشرين سنة.

يقول أبو القاسم القشيري: انقطعت في البادية عن القافلة فوجدت امرأة، فقلت لها: من أنت؟

فقالت: (وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(() فسلّمتُ عليها، فقلت: ما تصنعين ههنا؟

قالت: (وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مّضِلّ(().

فقلت: أمن الجن أنت أم من الإنس؟

قالت: (يَا بَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ(().

فقلت: من أين أقبلت؟

قالت: (يُنَادَوْنَ مِن مّكَانٍ بَعِيدٍ(().

فقلت: أين تقصدين؟

قالت: (وَللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ(().

فقلت: متى انقطعت؟

قالت: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ(().

فقلت: أتشتهين طعاماً؟

فقالت: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاّ يَأْكُلُونَ الطّعَامَ(() فأطعمتها، ثم قلت: هرولي وتعجّلي.

قالت: (لاَ يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا(().

فقلت: أردفك؟

فقالت: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا(()، فنزلت فأركبتها.

فقالت: (سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَـَذَا(().

فلمّا أدركنا القافلة قلت لها: ألك أحد فيها؟

قالت: (يَا دَاوُودُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ(()، (وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ(()، (يَا يَحْيَىَ خُذِ الْكِتَابَ(()، (يَا مُوسَىَ إِنّيَ أَنَا اللهُ(() فصحت بهذه الأسماء، فإذا بأربعة شباب متوجهين نحوها، فقلت: من هؤلاء منك؟

قالت: (المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدّنْيَا(().

فلمّا أتوها قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأمِينُ(()، فكافوني بأشياء، فقالت: (وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ(().

فزادوا عليّ، فسألتهم عنها، فقالوا: هذه أمّنا فضة جارية الزهراء ( ما تكلّمت منذ عشرين سنة إلاّ بالقرآن().

* 2. أمّ أيمن:

يقول علي بن معمّر: خرجت أُمّ أيمن إلى مكة لمّا توفيت فاطمة (، وقالت: لا أرى المدينة بعدها، فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها، قال: فكسرت عينها نحو السماء ثم قالت: يا ربّ أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك؟

قال: فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت، ولم تجع ولم تطعم سبع سنين().

فاطمة ( عند الله عز وجل

للصديقة فاطمة ( مقام عظيم عند الله عزّ وجل وجاه رفيع، فقبل خلق البشرية شاءت إرادة الربّ أن تكون لها ( خصائص تمتاز بها عن غيرها.

فعن عن النبي ( أنه قال:

(لمّا خلق الله آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمسة أشباح سجداً وركعاً، قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟

قال: لا يا آدم.

قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟

قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الجن ولا الإنس.

فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا ذو الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين..

آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا أبالي.

يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيّهم وبهم أهلكم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسل.

فقال النبي (: نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت(().

فاطمة ( عند النبي (

تظافرت الأخبار عن النبي ( في مقامات السيدة الزهراء ( ومنزلتها العظيمة، وكثير منها تؤكد على حرمة إيذائها لأنه إيذاء النبي ( وإيذائه إيذاء الله، وهذه الروايات وردت عند الفريقين.

قال رسول الله (: (إنّ فاطمة شعرة منّي، فمن آذى شعرة منّي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والأرض(().

وقال (: (فاطمة بضعة منّي،فمن آذاها فقد آذاني(().

وقال (: (فاطمة بضعة منّي، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها(().

وقال (: (إنما فاطمة مضغة منّي، فمن آذاها فقد آذاني(().

وقال (: (فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني(().

وقال (: (إنما فاطمة ابنتي بضعة منّي، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها(().

وكان ( يقبّل رأسها ويخاطبها قائلاً: (فداك أبوك(().

وفي خبر آخر أنه ( خاطبها قائلاً: (فداك أبي وأمّي(().

وربما قبل يديها()، وصدرها().

وعن عائشة أنها قالت: إنّ النبي ( إذا قدم من سفر قبّل نحر فاطمة ( وقال: (منها أشم رائحة الجنة(().

وعن حذيفة قال: (كان رسول الله ( لا ينام حتى يقبّل عرض وجنة فاطمة ()().

فاطمة ( عند أمير المؤمنين (

كانت للصديقة الزهراء ( منزلة عظيمة لدى أمير المؤمنين ( حتى أنه ( كان يتباهى بها حيث اختاره الله زوجاً لها دون الناس أجمعين.

قال أمير المؤمنين ( في مناشدته مع ابن أبي قحافة: (فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله ( وزوّجني ابنته فاطمة ( وقال: الله زوّجك إياها في السماء، أم أنت(؟ قال: بل أنت().

وقال ( في كتاب له إلى معاوية: (منا النبي ( ومنكم المكذّب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمّالة الحطب(().

وقال (:

محمد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن اُمي

وبنت محمد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها

فأيكم له سهم كسهمي().

من معاجزها (:

ليس من سيرة أهل البيت ( الاعتماد على المعاجز والخوارق دائماً في حياتهم الشخصية والاجتماعية، نعم في بعض الأحيان ولغرض هداية الناس وإظهار أحقيّتهم في دعواهم، كان يقتضي الأمر أن يبيّنوا للناس كرامتهم على الله وصدقهم ومقاماتهم الرفيعة وذلك عبر المعاجز بإذن الله تعالى.

وفي سيرة كل معصوم من المعصومين ( هناك مجموعة كبيرة من الكرامات والمعاجز التي تشد أواصر المحبة وتقوّي المعتقدات بهم، ومن المعاجز التي ظهرت من السيدة الزهراء ( هي:

يا أبت هو من عند الله

عن أبي سعيد الخدري، قال: أهديت إلى رسول الله ( قطيفة منسوجة بالذهب أهداها له ملك الحبشة، فقال رسول الله (:لأعطيها رجلاً يحب اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه، فمد أصحاب محمد رسول الله ( أعناقهم إليها، فقال رسول الله (:أين علي (؟

قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت علياً ( فأخبرته فجاء فدفع رسول الله ( القطيفة إليه، فقال: (أنت لها(، فخرج بها إلى سوق المدينة فنقضها سلكاً سلكاً، فقسّمها في المهاجرين والأنصار ثم رجع ( إلى منزله وما معه منها دينار، فلما كان من غد استقبله رسول الله (، فقال: يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب فإنا والمهاجرون والأنصار نتغدى غداً عندك.

فقال علي (: نعم يا رسول الله، فلما كان الغد أقبل رسول الله ( في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول الله ( ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا ودخل علي وفاطمة ( فإذا هم بجفنة() مملوة ثريداً عليها عراق يفور منها ريح المسك الأزفر، فضرب علي ( بيده عليها فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة ( على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله (، فدخل ( على فاطمة ( فقال: أي بنية أنّى لك هذا؟

قالت (: يا أبت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال رسول الله (: والحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران().

الملائكة تخدم فاطمة (:

روي أنّ سلمان قال: كانت فاطمة ( جالسة، قدّامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين ( في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت() كفاك وهذه فضة!

فقالت: أوصاني رسول الله ( أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.

قال سلمان: إني مولى عتاقة ما أن أطحن الشعير، أو أُسكت لكِ الحسين (؟

فقالت: أنا بتسكيته أرفق، وأنت تطحن الشعير. فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالإقامة، فمضيت وصليت مع رسول الله (، فلما فرغت قلت لعلي (: ما رأيت؟ فبكى وخرج ثم عاد يتبسم، فسأله عن ذلك رسول الله (.

قال: دخلت على فاطمة ( وهي مستلقية لقفاها، والحسين ( نائم على صدرها، وقدّامها الرحى تدور من غير يد!

فتبسّم رسول الله ( وقال: (يا علي أما علمت أنّ لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة(().

القدر والنار

عن أنس، قال: سألني الحجّاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت فاطمة بنت رسول الله ( وهي تحركها بيدها. قلت: نعم، أصلح الله الأمير، دخلت عائشة على فاطمة ( وهي تعمل للحسن والحسين ( حريرة بدقيق ولبن وشحم في قدر، والقدر على النار يغلي، وفاطمة (صلوات الله عليها) تحرك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق()، فخرجت عائشة فزعة مذعورة حتى دخلت على أبيها. فقالت: يا أبه، إني رأيت من فاطمة الزهراء ( أمراً عجيباً رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرك ما في القدر بيدها!.

فقال لها: يا بنية، اكتمي، فإن هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول ا