مالحظة: هـ.1407 عام لبنان بيروت العلوم دار في المطبوع الكتاب حسب يكون الصفحات * ترتيب

)) ((. بين ما جعلت أضيفت التي * العناوين

الفقهالمائة بعد الخامس الجزء

1

2

الفقهاإلسالمي الفقه في استداللية موسوعة

المائة بعد الخامس الجزء

العظمى الله آيةالشيرازي الحسيني محمد السيد

ظله دام

السياسة كتاباألول الجزء

3

السادسة الطبعةم1987 ـ هـ1407

العلوم: طباعة. نشر. توزيع. دار اللبناني البنك مقابل العبد، بئر حريك، العنوان: حارة

الفرنسي

4

السياسة كتاباألول الجزء

5

الرحيم الرحمن الله بسم

الحمد لله رب العالمين، والصــالة والســالم على أشــرف خلقــه سيدنا محمــد وعلى آلــه الطيــبين الطــاهرين، واللعنــة الدائمــة على

أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

6

تمهيدبسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان من الجدير أن يكون للفقه السياسي باب مســتقل في الفقــه، بعــد أن كــانت لــه مســائل متشــتتة في أبــواب الجهــاد والمكاسب والقضاء والشهادات والحدود والقصاص والديات وإحياء

الموات وما أشبه ذلك. إن الفقهاء قلمــا ألفــوا كتابــا خاصــا في هــذا الشــأن ومــا يتبعــهــة ــة( و)الحكوم ــه األم ــاج( و)تنبي ــة اللج ــال )قاطع ــه، أمث بخصوصــك الكتب ــوه في تل ــا دون ــائهم بم ــك الكتف ــا، وذل اإلســالمية( وغيره المذكورة من المسائل المتشتتة، مما استنبطوه من الكتاب العزيــز

.(1)إني جاعل في األرض خليفةحيث قال سبحانه: .(2)اللهم ارحم خلفائيوالسنة المطهرة، حيث ورد

واإلجمــاع في كثــير من مســائلها، كمــا ال يخفى على من راجــعكتب الفقه االستداللية.

ــه دل على وجــوب تنظيم أمــر البشــر عامــة، والعقــل: حيث إن واألمة اإلسالمية خاصة، وقبح ترك النــاس فوضــى ال نظــام لهم، أو لهم نظام غير صــحيح، إذ ثبت قبح الــترك بال راع، ووجــوب تشــكيل

الحكومة الرشيدة عقال

.29( سورة البقرة: ?)1.50من صفات القاضي ح 8 الباب65ص 18( الوسائل: ج?)2

7

ــه ثبت ذلك شرعا، للتالزم في القاعدة المعروفة: )كلمــا حكم ب العقل حكم به الشرع( إذا كان األمر في سلسلة العلل، كمــا حقــقفي األصول، مما يقتضي التدوين المستقل ألنه أسهل إلى التناول. لكن الفقهاء اكتفــوا بمــا ذكــروه في تلــك الكتب الفقهيــة، وبمــا نقحوه في مسألة اإلمامــة والخالفــة في الكتب األصــولية، فجــزاهم

الله خير جزاء المحسنين. وقد كتبت في سالف الزمــان كتــاب )الحكم في اإلســالم( على األسلوب الفقهي، ثم رأيت أن أكتب كتابا أوســع ليشــمل جملــة منــه المسائل المرتبطة بالحكم بصورة أشمل، لعل الله ســبحانه يجعل مقدمة إلقامة حكم إسالمي زاهر، يضــم تحت أجنحتــه ألــف مليــون مسلم، حيث قد فرقت األهواء من الداخل والكفار من الخــارج بينــة ــات متشــتتة، ومتحارب ــوا منهم حكوم صــفوف المســلمين، فجعل

أحيانا، وذلك خالف كونهم أمة واحدة. .(1)وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكمقال سبحانه:

ــه(: ــه وآل ــه علي ــلى الل ــال )ص ــنان وق ــية كأس ــاس سواس النــدود ،(2)المشط مما دل على أنه ال يحق أي تفرقة بينهم بسبب الح

الجغرافية أو األلوان أو اللغات أو غير تلك. ــني على ــذي نحن بصــدده اآلن مب ــاب ال ــذا الكت وال يخفى أن هــان في الحــال تنقيح الموضــوعات السياســية حســب متطلب الزم الحاضر، ليعــرف انطبــاق األحكــام الشــرعية عليهــا، وجوبــا وحرمــة

واستحبابا وكراهة وإباحة، كما هو شأن سائر

. 92 :( سورة األنبياء?)1. 321( االختصاص: ص?)2

8

الكتب الفقهية، مثال تنقح أقسام المكاســب والنكــاح والجــرائم،ثم يذكر أحكامها المستقاة من األدلة األربعة.

والله سبحانه المسؤول أن يجعله ســببا لفهم األحكــام ويصــيرهمقدمة لتوحيد بالد اإلسالم، وما ذلك على الله بعزيز.

9

للحكومة الثالثة العناصرــة:(:1)مســألة ــة ثالث ــر الحكوم ــام( عناص ــان( و)النظ )اإلنس

و)األرض(. وقد خلق الله اإلنسان إبداعا كما يستفاد من اآليات والروايــات،

ال تكامليا كما ذهب إليه )دارون( وأتباعه. .(1)وعلم آدم األسماء كلهاوألهمه النظام كما قال سبحانه:

ــةو ــس األولي ــاملت األس ــد تك ــك األرض، فق ــل ذل ــق من قب خل للحكومة منذ أول إنسان، بالنســبة إلى آدمنــا )عليــه الســالم(، ولــذا

ــهلقد كانت الخليفة قبل الخليقةورد: ، وإليه يشير ما ورد من قولــبحانه: ــل في األرض خليفةس ــهورة:(2)إني جاع ــة المش ، والرواي

لوال الحجة لساخت األرض بأهلها(3)، ــا فإن الحجة سياســيا، منزلتهمنزلة الحجة عباديا واقتصاديا واجتماعيا وغيرها، على ما ال يخفى.

نعم لقد تطورت الحكومات حسب تطور االحتياجات، كما تطوراالقتصاد حسب تطور اآللة واالحتياج وسعة أبعاد اإلنسان.

ــل ــتيعاب ك ــة الس ــة الكفيل ــس الكلي ــالم األس ــل اإلس ــد جع وقالمسائل المحتاج إليها، مهما تطورت األوضاع.

أما اإلنسـان منــذ أن وجـد على األرض، وال يعلم قبــل كم وجـد،ولعله قبل

. 30 :( سورة البقرة?)1. 29 :( سورة البقرة?)2. 11ح 17ص 1( الكافي: ج?)3

10

ــه ــل إن مليارات من السنوات، حيث قد عثر على بقايا إنسان قي كان يعيش قبل سبعين مليــون ســنة، فمنهم من هــدى اللــه، ومنهم

من حقت عليه الضاللة. حيث كان األول يتبع قوانين السماء في كــل شــيء والــتي منهــا

)قوانين الحكم(. وكان الثاني يضع بنفسه القــوانين أو يتبــع الجــاهلين، حيث كــان

.(1)إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدونيقول: ولم يكن فرق من جهة أصل أسس الحكم، سواء كانوا يعيشون كجماعــات صــغيرة وفي الخيــام، كمــا هــو المشــاهد اآلن في بعض القبائل وأهل األرياف والقرى الصغيرة حتى التي تحتــوى منهــا علىــل اآلالف أو ــيرة، مث ــات كب ــبه، أو كجماع ــا اش ــان أو م ــة إنس مائ

الماليين، كما هو الحال في المدن الكبار. نعم ال شك أن )الحكومة( في البدائيين ال مؤسسات لهــا، بينمــا الحكومة في المــدن والتجمعــات الكبــيرة لهــا مؤسســات، فهي في القسم الثاني عبــارة عن مجموعــة من مؤسســات اجتماعيــة تنشــأ لتأمين الروابط وحفــظ نظم المجتمــع أوال، وألجــل تقــديم المجتمــع

إلى األمام ثانيا.وعليه فشأن الحكومة:

: إرساء النظام. 1: وحفظ العدل. 2: وتوفير الرفاه للجميع. 3: والتقديم بالمجتمع إلى األمام. 4

نعم في التجمعات الصغيرة مما تسمى بالبدائيــة، يكــون لشــيخالقبيلة ونحوه

. 23 :( سورة الزخرف?)111

صفة األمر والنهي، والحل والفصــل، والوقــوف أمــام العــدوان، وإذا حــدث حــادث من ســيل أو حريــق أو عــدو أو مــا أشــبه، كــان االلتفاف حوله أكثر، وتكون كلمتــه أقــرب إلى الســماع، ووضــع لهــا ضوابط وقتية، ثم لما يذهب الخوف ويندفع الشر رجع أفراد األسرة

والقبيلة إلى حالتهم السابقة.

غنى الجماعات الصغيرة عن الحكومة وممــا تقــدم ظهــر أن غــنى الجماعــات الصــغيرة عن الحكومــة

بمعناها الحضاري، لعدة أسباب أهمها: : قلة أفراد الجماعة، فمثال الجماعــة المكونــة من عشــرين أو1

مائــة أو مــا أشــبه، غالبــا ال مســاكن ثابتــة لهم، ألنهم يكونــون رحال يطلبـــون المـــاء والكأل، وال اقتصـــاد لهم بـــل هم يعيشـــون على الحيوانـات والـزرع الطـبيعي، فال تحـدث فيهم منازعـات، وال يكـون

لهم ما يكون للجماعات الكثيرة من الشؤون. والغالب أن المناسبات بينهم كالزواج والموت أو نزاع أخ وأخ ال يعــدو أن تكــون كالمناســبات بين العائلــة الواحــدة، فكمــا ال تحتــاج العائلة الواحدة إلى الحكومة، كذلك الجماعة الصــغيرة وإن تكــونت

من عوائل، بل الغالب أن تكون الجماعة الصغيرة عائلة واحدة. : الملكيــة الخاصــة توجــد في الجماعــات الصــغيرة في نطــاق2

ضــيق ال في النطــاق الواســع الــذي يوجــد في المــدن والجماعــاتــه أو الكبيرة، فاإلنسان البدائي ال يملك إال كوخه وأثاث منزله وخيمت بيته المبني من الطين، وأغنامه وأرضه القليلــة المزروعــة، وشــبكة صيده ونحو ذلــك، ومن الواضــح أن مثــل هــذه األمــور ال تحتــاج إلى كتب المتاجر وإحياء الموات والرهن واإلجارة وغيرها من المعامالت

خصوصا المعقدة منها.

12

: قلة الجــرائم، ألن األفــراد القليلين والعائلـة الصــغيرة ال تقــع3 بينهم جرائم كثــيرة، بــل الجريمــة تكــون نــادرة جــدا، ولــذا فليســوا محتاجين إلى كتب القضاء والشهادات والحدود والقصاص والديات،

وما يتبع ذلك من الشرطة والنجدة واألمن. وحيث إن التعدي عليهم أو تعديهم على غيرهم ال يعدو أن يكون

شيئا طفيفا سريعا، لم يكن احتياج إلى الجيش وما يتبع ذلك. : إن الجماعــة الصــغيرة ال تتبــع اآلداب والرســوم الكثـــيرة،4

وليست لها مدارس ومكتبات وكتب ومؤسسات ومساجد وما أشبه، بل إنهم يتبعون في أمــورهم العــادات القليلــة الموروثــة، وعبــادتهم تؤدى بصورة بدائية، أي يجعلون خيمة مثال مسجدا، وغالبــا ينظــرون إلى الكبــــــار في األعمــــــال واآلداب، فال حاجــــــة لهم إلى كتب المعاشرات وصنوف القوانين الموضوعة لهــذه األمــور حــتى تحتــاج

إلى الحكومة الحامية والمنظمة لها. ومن نظــر إلى القــرى واألريــاف والجماعــات الرحــل حــتى في البالد المتحضــرة يلمس كيــف أنهم ال يحتــاجون إلى الحكومــة مثــل احتياج المدينة، وأن الحكومة فيها لــو كــانت تكــون بدائيــة إلى أبعــد

حد. ــانت موجــودة، وقد تبين مما ذكرناه أن قوانين الحكومة مهما ك ال تكون محل استفادة الجماعات الصغيرة، فاألمر من باب الســالبة

بانتفاء الموضوع، ال أن الحكم والمحمول منتفيان. وكلما كانت الجماعة أكبر كانت قوانين الحكومة أوسع وأشمل،ــرائم ــانون، وللقضــاء والج ــف ق ــة أل ــامالت مائ ــانت للمع مثال إذا ك عشرون ألف قانون، تكون كــل تلــك القــوانين محــل االبتالء واألخــذ والعطاء في بالد نفوسها مائة مليون، بينما ال تكون إال خمسها محل

االبتالء في بالد نفوسها عشرون مليونا.

13

الكبيرة والجماعة الحكومة المؤسسات الحكوميــة إنمــا توجــد في الجماعــات(:2)مسألة

الكبيرة، وكلما كـانت الجماعـة أكـبر تكــون الحكومـة أوسـع، وأكـثردائرة وأعمق، وتكون صعوبتها أكثر.

كما أنه كلما تقــدم العلم والصــناعة، تكــون صــعوبات الحكومــة ودوائرها أكثر، فكما أن األمــور األربعــة الــتي تقــدمت في المســألة السابقة مما تسبب عدم االحتيــاج إلى الحكومــة، إال بصــورة بدائيــة أحيانا، كذلك تكون في الجماعات الكبيرة واألمم المتمدنة بالعكس،ــزداد بقــدر فالجماعة كبيرة، واألمالك الخصوصية وفيرة، والجرائم ت سعة الجماعة، واآلداب والرسوم والسنن والمراكز التي يكون فيهــا التجمع كالمساجد والمدارس والحدائق والحمامات والمصحات ومــا أشبه تكــثر عنــد الجماعــة الكبــيرة، ممــا تحتــاج كلهــا إلى الضــوابط

والموازين وهي بدورها تحتاج إلى الحكومة. ومن الواضح أن اإلسالم جعل لكل ذلك قــوانين وأنظمــة عامــة تشمل كل القضايا المتجددة، أو خاصة بالنسبة إلى األمور المتكررة لكل البشر، بــدائيا كــان أو متحضــرا، وقــد قســم األحكــام فيهــا إلى

واجب وحرام ومستحب ومكروه ومباح. وكــذلك تنقســم أعمــال الحكومــة فيهــا، كانقســام دوائرهــا إلى

األحكام

14

الخمسة، مثال دائــرة جمــع المعلومــات والحيلولــة دون الجــرائم )األمن والمحتسب والقضاء( واجبة التكوين، بينمــا دائــرة التجسـس

والكبت واإلرهاب حرام، وهكذا.

اختالف المواهب واألهواء واالستجابة ثم إن اإلنسان لما اختلفت مواهبــه وأهــواؤه واســتجاباته، فيقــع في أفــراده وجماعاتــه التقــدم والتــأخر، والظلم واالســتغالل، ويقــع االحتكاك والثــورات والحــروب، وكلهــا تحتــاج إلى ضــوابط وقــوانين

ال تظلمون والإلدارة دفة العدل، وإلعطاء كل ذي حق حقه، بحيث .(1)تظلمون

واإلدارة ال تكــون إال بســبب الحكومــة، ولــذا احتــاج البشــر إلى)القوانين( أوال، وإلى )الحكومة( المديرة لها في االجتماع ثانيا.

بيان ذلك:

: المواهب1 إن اإلنسان تختلف مواهبه فطرة وخلقة، فهناك الذكي والغــبي، والنشــيط والخامــل، والســريع والبطيء، وقــوي الجســم وضــعيفه،ــك ــة يتقــدم على المال ــك للصــفات المتقدم ومن الواضــح أن المال

للصفات المتأخرة. بل مثل هذه االختالفات توجد في الحيــوان والنبــات أيضــا، ولــذاــف ــان إال وتختل ــروخ، ال يمضــي زم ــرخت الدجاجــة عشــرة ف إذا فــون مواهبها، أي تظهر ما أودع فيها من الصفات، فكما أن بعضها يك

ذكرا وبعضها أنثى، كذلك يكون بعضها مسيطرا

. 279( سورة البقرة: ?)115

على بعض. أما لماذا خلق الله اإلنسان كــذلك، ولنــترك الكالم في الحيــوان

والنبات؟فالجواب إنه:

أوال: ألنه سبحانه فياض، فالالزم إعطاء كل قابل حقه. ــان نقص في ــال، حيث إذا لم يكن ك ــوع من الجم ــه ن ــا: ألن ثاني الخلق، فكما أنه لم يكن من الجميل تســاوى األشــكال والصــور، لم

يكن من الجميل تساوي الصفات والمعاني والمحتويات.

: األهواء2 واألهواء في البشر مختلفة، فإن اإلنسان خلق مختارا، والمختار ال يسلك طريقــا واحــدا، وإنمــا يســلك مــا يشــاء من الطــرق، ولــوالــق ــدو الطري االختيار في البشر لم يكن بشرا، وإنما كان جمادا ال يعالمسلوك له، وحينئذ لم يكن حسن وقبح وثواب وعقاب وجنة ونار.ــتغالل ــوجب ظلم بعض لبعض، واس ــة ت ــواء المختلف ــذه األه وه

بعض آلخر.

: االستجابة الجسدية والنفسية3 وكذلك البشر يختلف في االستجابة جسديا ونفسيا، مثال إذا كان هناك ماء فاتر، وكان ثالثة أشخاص، أحدهم وضع يده في مــاء حــار، واآلخــر في المــاء البــارد، والثــالث في المــاء الفــاتر، فــإذا أخرجــوا

أيديهم من تلك المياه ووضعوها

16

في المـــاء الفـــاتر، أحس األول بـــالبرودة، والثـــاني بـــالحرارة، والثالث بالمالئمة، فــإن المــاء الواحــد ينعكس إلى حــاالت مختلفــة، حسب االستجابات الجســدية، ومثال يخــاف إنســان من الميت بينمــاــه كمجــاورة الحي، يكون الميت لآلخر عاديا، بحيث يكون مجاورته لــب اختالف ــردين حس ــيين لف ــالين نفس ــد أعطي ح ــالميت الواح ف

استجاباتهم النفسية، إلى غير ذلك من األمثلة في البابين. ولهذه األمور الثالثــة يقــع التقــدم والتــأخر، واالحتكــاك بمختلــف

أقسامه بين أفراد الجماعات، خصوصا الكبيرة منها.

خطأ الماركسيةــة على ــة المبني ــه من الطبقي ــاركس وأتباع ــه م ــا توهم ــا م أمــتين فقــط، فليس إال من جهــة ــة في اثن االقتصــاد، وحصــره الطبقي

البدائية في التفكير. فأوال: الناس ال ينقسمون إلى طبقتين فحسب، بل إلى طبقات. وثانيا: اليكون االقتصاد فحسب محركهم إلى الظلم واالستغالل،ــالمون ــ ــال، والظ ــ ــاء والجه ــ ــراء، والعلم ــ ــاء والفق ــ ــاك األغني ــ فهن والمظلومون، واألقوياء والضعفاء إلى غــير ذلــك، كمــا أن السياســة

والمرأة واالقتصاد والدين والغنى وغيرها يحرك الناس. ومنه يعلم أن ما رتب الماركسيون على ذلك الوهم من انقسام

المجتمع

17

إلى طبقتين، طبقة مســتغلة بالكسـر، وطبقــة مسـتغلة بــالفتح، والطبقة المستغلة بالكسر تولد الحكومة لتأمين مصــالحها، ولكســر ــالفتح، ليس إال شوكة المقاومين وتحطيمهم من الطبقة المستغلة ب

غاية في السذاجة والسطحية في التفكير.

))الحكومات العصرية((ــيرة، ثم إن حكومــات العصــر الحــديث قــد تعقــدت بصــورة كب وتتحمل وظائف خطيرة، بحيث إن كل حكومــة ال تتمكن من الســير في المسارب الملتوية المتعقدة، الموصل إلى األهداف المطروحة، أو لم تتمكن من تحمل الوظائف الخطيرة الملقاة على عاتقها، البد عليها من أن تخلي مكانها لحكومة أكثر عصــرية وأعــرف بمســارب

الحياة. وعدم عرفان الحكومــة اإلســالمية لمثــل ذلــك، أو عــدم تحملهــا

لعن اللــهللوظائف محرم شرعا، حيث قال )صلى الله عليه وآله(: ،(2)وقد ذكر الفقهــاء وجــوب تعلم الصــناعات ،(1)من ضيع من يعول

غير ذلك. إلى

وجوب تقديم اإلسالم ــاويا ــه مس ــل حفظ ــام، ب ــالم إلى األم ــديم اإلس ــواجب تق ثم الــد لمستوى الدنيا في مختلف المجاالت، والتي من أهمها الحكم، فق

.(3)اإلسالم يعلو وال يعلى عليهقال )صلى الله عليه وآله(:

. 6من مقدمات النكاح ح 18 الباب122ص 14( الوسائل: ج?)1. 50 ص:( انظر المكاسب المحرمة?)2. 11رث حإمن موانع ال 1 الباب376ص 17( الوسائل: ج?)3

18

.(1)عارفا بأهل زمانهوفي حديث بصدد ذكر صفات المؤمن: غيرها من األحاديث الواردة التي تلمح أو تصرح بما يفيد ماإلى ذكرناه.

أسباب تعقد الحكومات المعاصرة وإنما تعقدت الحكومات العصرية وكثرت وظائفها الشاقة، لعدة

أمور:

: استيعاب األقوام المختلفة1 سعة أراضي الحكومات واستيعابها لعدة أقــوام يختلــفاألول:

بعضها عن بعض في اللغــة والــدين والرســوم والتقاليــد، وفي مثــل هـــذه الحالـــة يجب على الحكومـــة تنظيم أمـــور هـــذه األمم غـــير

المتجانسة والتنسبق بينها.ــلمين ــيها على المسـ ــمل أراضـ ــة تشـ ــرض أن حكومـ فمثال نفـــل والمسيحيين، ومن يتكلم بلغة العرب ومن يتكلم بلغة أخــرى، فه تضع الدولة الكتب المدرسية حسب تاريخ ومعطيــات هــذا الــدين أو ذاك، أو تكون الكتب المدرسية ووسائل اإلعالم حسب هذه اللغة أو

تلك. وإذا وضعت حسب الدينين واللغتين كان ذلك هدرا ألوقــات كــلــة طائفة بالنسبة إلى ما يوضع بالنسبة إلى الطائفة األخرى، فاإلذاع لما تذيع باللغة العربية تهــدر أوقــات الطائفــة الــذين يريــدون اللغــة األردية، وحيثما تذيع مراسيم دين المسيح )عليه الســالم( كــان غــيرمالئم للمسلمين الذين يريدون االستماع إلى مراسيم اإلسالم مثال.

. 12ـ 11ـ 10 األبواب418وص 410ص 8( انظر الوسائل: ج?)119

: تقدم العلم والصناعة2 تعقد الحياة االجتماعية الذي سببه تقــدم العلم وتــدخلالثاني:

ــل الصناعة في الحياة، فمثال كانت الوسيلة في الزمان السابق الخي والبغــال والحمــير، بينمــا صــارت الوســيلة اآلن الســيارة والطيــارة

والقطار.ومن المعلوم أن كال من الوسائل المذكورة بحاجة إلى:

سلسلة من األمور المتقدمة، كالمعامــل ومصــانع صــهر الحديــدــاجم إلى والعمال، والمكان الذي يسكنونه إلى جنب المعامل، والمن

غير ذلك. وسلسلة من األمور المتأخرة عنها، مثل سعة الطــرق، ومحالت

وقوف السيارات والمطارات، ومحطات القطار، وإلى غير ذلك. ثم الكل بحاجــة إلى قــوانين خاصــة للمــرور والحركــة والهبــوط

والطيران، وإلى غيرها.

: التحول الدائم في المجتمع3 الثالث: التحول الدائم الذي حدث للمجتمعــات اإلنســانية، فكــل يــوم صــناعة جديــدة ونظــام جديــد ومكتشــفات حديثــة، فقــد كــان اإلنسان يغط في سبات عميق قبل ظهور اإلســالم، حــتى أن إيــران مثال لم تجد طوال ألف سنة، منــذ مــا حفــظ التــاريخ عنهم إلى حين فتح اإلسالم لها، علماء أو مكتشفين أو مــا أشــبه بحيث يشــار إليهم أو إليهــا بالبنــان، وكــان العلم خاصــا في مراكــز صــغيرة، ولمــا جــاءــلم ــل مس ــوا العلم على ك ــلمون البالد، وأوجب ــالم وفتح المس اإلس ومســلمة وهيــؤوا ســبل العلم والمعرفــة، تفتقت الحيــاة عن أزهــار

المعرفة، وقد قال علي

20

ــاء: ) ــة األنبي ــل بعث ــه الســالم( في عل ــائنعلي ــيروا لهم دف وليث بذلك أخذت الحياة في الصــعود، ومن الواضــح أن هــذا و،(1)العقول

ــاة وهم ــائمين بالحي ــات الق ــد واجب ــبب تعق ــاعد س ــول المتص التحالحكومات، وكثر وظائفهم.

ونتيجة هذه األمور الثالثة تضطر الحكومات إلى أمرين: : تكثـــير المؤسســـات الحكوميـــة حـــتى تتمكن بســـبب تلـــك1

ــق أمــام سلســلة المؤسســات من فســح المجــال وتســهيل الطريالصناعة، سابقة عليها والحقه لها، كما تقدم في أمثلة المواصالت.

: زيادة الموظفين في كل مؤسسة، ولو كانت تلك المؤسســة2ــرطة ــة الش ــابرة، كمؤسس ــات الغ ــتى في الحكوم ــابقة ح ــا س له

ومؤسسة الجيش وما أشبه ذلك.

خطأ الحكومات المعاصرة وال يخفى أن الحكومــات الحاضــرة، قــد أخطــأت إلى جنب كــلــك ــيرة، حيث أوجبت تل ــا، خطــأة كب ــاج إليه ــك من األمــور المحت ذل الغلطــة لهــا إضــافة مؤسســات هي في غــنى عنهــا في طبيعــة الحكومة، وإنما غلطت بهذه الغلطة لعاملين: عامل الجهــل وعامــل

االستبداد. بيان ذلــك: إن قيــادات الســماء لمــا انحســرت عن المجتمــع لمــرة ــيق دائ ــة تض ــذت الحكوم ــوازين الحكم واإلدارة، فأخ ــدرك م ت

الحريات بتكثير المؤسسات

. 2( نهج البالغة: الخطبة ?)121

ــات ــذلك كبتت الحري ــا، وب ــنى عنه ــتي هي في غ ــة ال الحكوميوخنقت الحركات.

ــدائرة وبين تقليص ــثرة ال ومن الواضــح التالزم الطــبيعي بين كــا الحرية، مثال إدارة البلدية فرضت على من يريد أن يعمر دارا أو م أشبه تحصيل الرخصة من الدولة، ولماذا. بينما الالزم إعطاء الحرية

للناس في التعمير. وهكذا قد كبتوا حريــة الســفر واإلقامــة والعمــل، وإبــداء الــرأي باللسان والكتابة، وحرية الزراعــة، والتجــارة، والصــناعة، والثقافــة، والزواج، والطالق، وغيرها، كما ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب )نريدها حكومة إسالمية( وغيره، ولم يكن ذلك في األغلب إال نتيجــة الجهــل

بموازين اإلنسان ومتطلبات الحكم الرشيد. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فرضت الفرديــة واألنانيــة علىــا، على ــة، أو غيره الحكومات الحاضرة ـ مهما كان لونها، ديمقراطي ما سيأتي في بعض المسـائل اآلتيــة من أن الديمقراطيـة الحاضـرة

ثوب مهلهل على الديكتاتورية ـ تكثير الموظفين.ــاس، حيث إن الديكتاتور ال يتمكن أن يعيش إال في جو خانق للن ليبدي شخصــيته وقدرتــه، ولـذا كـثر أفـراد الجيش ألجــل السـيطرة على األمم المظلومــة، كمــا كــثر الموظفــون في الــداخل ألجــل الســيطرة على النــاس، كالشــرطة الســرية ونحــوه، فألمريكــا ألفــا قاعــدة عســكرية في العــالم، كمــا أنــه كــان لعبــد الناصــر أكــثر من مليون موظف، بينما الخــبراء ذكـروا احتيــاج مصــر إلى مــائتي ألــف

موظف فقط.

نتائج زيادة المؤسساتــة من وهذه الزيادات، مؤسسة وأفرادا، في نظر اإلسالم محرم

جهات:

22

: تعطيل األفــراد، فبينمــا كــان الالزم أن يكــون هــؤالء األفــراد1منتجين، تعطلوا عن اإلنتاج إلى االستهالك.

: خنق حريات الناس، بينما يقرر اإلسالم أن )الناس مسلطون2 .(1)على أنفسهم وأموالهم(

: تثقيل كاهل بيت المال بالمعاشات والرواتب. 3 : التخـــريب الـــذي هـــو الزم كـــثرة المؤسســـات الحكوميـــة4

وال تفســـدوا في األرض بعـــدوأفرادهـــا، وقـــد قـــال ســـبحانه: .(2)إصالحها

.(3)وكل ما فيه الفسادفي حديث تحف العقول: وغير ذلك من الحاذير.إلى

ونتيجة لزيادة الموظفين والوظــائف تتعقــد الحركــات اإلنتاجيــة، ألن كــل موظــف بقــدره يعقــد األمــر، كمــا يتجمــد الموظــف ويبتلى بالروتين، بالنتيجــة تكــون زيادتهمــا سـدا في قبــال تكامــل المجتمــع

وتقدم البشر إلى األمام. ولنمثــل لــذلك بــزارع يريــد زرع أرضــه، ففي عــالم الحريــات ال يحتاج هذا الزرع إلى أكثر من وسائل الــزرع، كــالثور أو )الــتراكتور( والبذر والسماد ونحــو ذلــك من الضــروريات األوليــة. أمــا في عــالمــاك مؤسســة كبت الحريــات وكــثرة المــوظفين والمؤسســات، فهن لألرض، ومؤسسة للــري، ومؤسســة للحيــوان، ومؤسســة للســماد، و... والالزم على هذا الزارع أن يمر بكل هذه المؤسسات لتحصــيل الرخصــة، ولتحصــيل هــذه اآلالت والوســائل، وإذا انضــم إلى ذلــك: المؤسسات التي تالحق الزارع ألجــل تحصــيل وســائل نقــل ثمــاره،

وألجل التسويق، وألجل تحصيل بدل ثمره

. 7ح 272ص 2نوار: جأ( بحار ال?)1. 56 :عرافأ( سورة ال?)2. 246( تحف العقول: ص?)3

23

عند البيع، و... ظهر قدر كبت الدولة وتمجيدها للــزارع، بمــا لــو لم تكن تلك المؤسســات وأولئــك الموظفــون، ألمكن أن ينتج بقــدرــك ــره الضــائع بين أولئ ــك المؤسســات وعم ــدور بين تل ــه المه مال الموظفين، ما ال يقل من زيادة قدر ربع إنتاجه في الحــال الحاضــر،

فيجعل األربعة خمسة، والثمانية عشرة مثال.

جمود الموظفين ثم إن الموظف ال يكون في هذه المؤسسات الكابتة، إال جامــدا متحجرا، فبدل أن يكون له اإلبداع واالبتكار، واإلنتاج والتكثير، يكون آلة جامدة تدور حــول نفســها، فهــو حجــر في نفســه ويــوجب تعــثر اآلخرين، ويكون بمنزلة الحجــر الملقى في الشــارع المبلــط فبينمــا كان الالزم أن يكــون بالطــا في الشــارع ينفــع وينتفــع، يكــون ملقى على مكان مبلــط، جامــد في نفســه غــير نــافع باالضــافة إلى كونــه

موجبا لعثرة المارة. وباآلخرة يكون ما جعــل ألجــل رفــاه المجتمــع من المؤسســات

والموظفين سببا لتكثير مشاكل المجتمع. وال يتوهم أنه إذا كان كذلك، فلماذا نرى تقدم العالم في العصر

الحاضر؟إذ يجاب عن ذلك:

أوال: بأنه رفاه بعض على حساب بعض، فألف مليــون جــائع في العالم الثالث، وألف وخمسمائة مليون جـائع في العـالم الشـيوعي، على حساب ترفيه ألفي مليون في العالم الصــناعي ومــا يــدور في فلكــه، وممــا يــدور في فلكــه األحــزاب الشــيوعية المســتولية على

روسيا والصين وأروبا الشرقية ونحوها.

24

ثانيا: إنــه لــو لم يكن هــذا التعقيــد المتولــد من كــثرة الوظــائفــاج الــذي ينتجــه اآلن، والمــوظفين ألعطى العلم أضــعاف هــذا اإلنت فبينما كــان الالزم أن يرفــه العلم حيــاة ثمانيــة مليــارات من البشــر مثال، ال يرفــه اآلن إال حيــاة مليــارين فقــط، إن صــح أن نســمي مــا يتلقــاه المليــاران رفاهــا، حيث إن الرفــاه ذو أبعــاد، والحــال أن مــا يتلقــاه المليــاران من الرفــاه اآلن ذو بعــد واحــد، هــو البعــد المــادي

المحدود، أي المشوب بالقلق والتوتر، ال الروحي.

جمود المجتمعــع جمــود المــوظفين جمــود المجتمــع، وذلــك ألن اإلنســان ويتب الجامد يكون حجر عثرة أمام كل انطالق، حيث يعلم الجامد أنــه لــو حــدث في المجتمــع حركــة وتيــار ســيال البــد وأن يجــرف الجامــد،

فتكون المؤسسات والموظفين سدا أمام تقدم االجتماع وتكامله.ــام رواج الســيارات، ــارون أم ــف المك ــان يق ــذا المنطــق ك وبه وأصحاب الســيارات أمــام رواج الطــائرات، وأصــحاب النفــط أمــام

تقدم الكهرباء ورواج البرق، إلى غير ذلك. إذا: فالمؤسسات والموظفون الكثيرون يضرون المجتمع ضررا مثلثا، ضرر وجودهم بأنفسـهم، وضـرر تجميـد األمــة حيث يوقعونهـا في الروتين ويصرفون أموالها وطاقاتها هدرا، وضـرر الحيلولـة دون

التقدم والتكامل. ال ضــرر وال ضــرارومن الواضح أن اإلسالم يخالف كل ذلك، فـ

،(1)في اإلسالم

. 8 ح292 ص5( الكافي: ج?)125

اإلسالم تقدمي ومتصاعد: واإلسالم يعلو وال يعلى عليه(1)..(2)من ساوى يوماه فهو مغبون: و عن عمـره فيم أفنــاه، وعن شـبابه فيماإلنسـان يسـأل غــدا: و.(3)أباله

.(4)ساع سريع نجاو: .(5)استبقوا الخيراتو: .(6)سارعوا إلى مغفرة من ربكمو:

غيرها من النصوص اإلسالمية الكثيرة. إلى

. 11رث حإمن موانع ال 1 الباب376ص 17( الوسائل: ج?)1. 5من جهاد النفس ح 95الباب 376ص 11( الوسائل: ج?)2ــدما وفيه: 162 ح7 ب162 ص74بحار األنوار: ج(ــ ?)3 ــزل ق إذا كان يوم القيامة لم ت

ى يسأل عن أربع وعما اكتسبه من، وعن شبابه فيم أباله، عن عمره فيم أفناه،عبد حتنا أهل البيت،أين اكتسبه وفيم أنفقه . وعن حب

. 16( نهج البالغة: الخطبة ?)4. 148 :( سورة البقرة?)5. 133 :( سورة عمران?)6

26

الشخصية الشؤون في الحكومة تدخلــاس(:3)مســألة ــة في شــؤون الشخصــية للن ــدخل الحكوم ت

محرم شرعا، لكن الحكومات الحاضــرة أخــذت تتــدخل في شــؤونالناس من غير مبرر، إال الجهل والديكتاتورية.

ــة لكــل أمــا الحكومــات الشــيوعية، فهي ليســت إال أدوات كابت الناس، وبالدها ليست إال سجونا كبــارا، فالكــل في الســجن، والكــل مكبل، فاإلنسان في تلك الحكومات مقيد في أكلــه وشــربه ولبســه

وسفره وبنائه وزواجه وسائر شؤونه. وما يقال: إن االتحاد السوفياتي أو الصــين أو... ســجن كبــير، ال يراد به حتى معنى السجن الكبــير، حيث ينطلــق اإلنســان في ذلــك السجن الكبير، بل يراد به أن اإلنسان في هذا السجن محدود أيضــا ــر، فمثال بسجون أخرى، كألقشار البصل حيث الواحد منها على اآلخ اإلنسان في موسكو مســجون في جملــة كبــيرة من القيــود، ثم منــوفياتي موسكو حيث ال يتمكن السفر إال بإجازة، ثم في االتحاد الس ككل، حيث ال يؤذن له في الخــروج منهــا، ولــو حــاول الخــروج رمي

بالرصاص. ــار وأما الحكومات الرأسمالية االستعمارية، فهي تنافق في إظه نوع من الحرية، وابطان االســتبداد واالســتعالء بســبب المؤسســات

والموظفين، والدعايات

27

وغيرها من األجهزة التي تجعل اإلنســان في الســجن، وإن زعمأنه مطلق ومنطلق.

أمــا ســائر الحكومــات فهي أســيرة في يــد هــاتين، أو خاصــعة،ــك شاءت أو أبت، للضغوط المتزايدة الواردة عليها منهما. وليس ذل إال ألجل توسعة الحكومة، مؤسسات وموظفين، فاإلنسان وإن كانــا له نوع من الحرية مثال في البالد التي تسمى بالديمقراطية، إال أنه

حرية محاطة بأسوار القانون وأغلفة الدعاية. ــام وقد نقل عن بعض اإلحصاءات أن إمريكا كانت تتدخل في ع

( نوعا من األمــور االجتماعيــة، ثم أخــذ يتصــاعد14( م في )1858)ــل123( ثم )91( ثم )58( ثم )36( ثم )19تدخلها إلى ) ( حتى وص

ــنة ) ــة األولى س ــرب العاملي ــان الح ــدخلها إب (،155( إلى )1918ت وعلى هــذا المقيــاس أخــذ يتصــاعد تــدخلها إلى الحــال، بمــا ال قبــل

للشعب اإلمريكي به، فالشعب لم تبق له إال حريات ضئيلة. وهكذا القياس في بريطانيا وفرنســا وألمانيــا واليابــان وغيرهــا،

بما لسنا نحن اآلن بصدد سردها. وبالجملـة، ففي البالد الصـناعية أخــذ تـدخل الدولـة ــ بواســطة مؤسساتها وموظفيها ـــ في األمــور الخاصــة يكــثر ويتصــاعد، بــذلك تحولت الدولة من كونها سياســية للنظم واإلدارة والعــدل، إلى دول مــا يســمى بالرفــاه، وليس الرفــاه فيهــا إال على حســاب اإلنســانية

واالنطالق والحرية. فالدول الحاضرة هي دول )اإلصر واألغالل( الــتي جــاء اإلســالم

يضــع عنهم إصــرهم واألغاللألجل رفعها وكســرها، قــال ســبحانه: التي كانت

28

.(1)عليهم وأصــبح اإلنســان في هــذه الــدول كمثــل دود القــز، يفــرز حــول نفسه على طول الزمان اللعاب الذي كلمــا زاد ازداد متانــة ســجنه، حتى يأتي يوم ال يجد الهواء والخالص فيمــوت داخــل الســجن الــذي

بناه حول نفسه. وحيث إن الصبغة العامة في هذه الحكومات التي بقي لها بقايــاــي ــتبداد السياسـ ــتبداد، أعم من االسـ ــل واالسـ ــة الجهـ من الحريـ واالقتصــادي واالجتمــاعي، ال ينفــك أن تكــون في الحكومــة جهــات ضاغطة لمصادرة الحريات، وتدخل الدولــة في كــل الشــؤون، وقــد يعللون ذلك بمختلف العلل واألســباب، بينمــا الجــوهر هــو مزيـد من الديكتاتوريــة والتسـلط المــادي والمعنــوي على الشــعوب، من غــير

فرق بين شعب نفس البالد أو شعوب سائر البلدان.

تأميم التجارة والمؤسسات مثال تأميم مطلق التجارة، أو التجارة الخارجية، وتــأميم الغابــات والمنابع الطبيعية العامة، وتأميم منابع الــثروة الصـناعية، كالمعامــلــدارس ــأميم الم ــات اإلعالم، وت ــارات ومؤسس ــارات والقط والمطــتيالء على ــا، واالس ــي كال أو بعض ــة لألراض ــة الدول ــة، وملكي األهلي األوقــاف حــتى الخاصــة منهــا، وتــأميم المستشــفيات األهليــة، ودورــد ــا مــا بي العجــزة، والمؤسســات الخاصــة، إلى غــير ذلــك من بقاي الشعب وله الحرية في إنجازها وإدارتها، كل ذلك ليس إال خطــوات

إلى االستبداد المطلق

. 156 :عرافأ( سورة ال?)129

ــلحة ــة، من مص ــة براق ــا تحت أغطي ــعوب حرياته ــلب الش وسالشعب، ومن قطع يد االستغالل وغيرهما من األغطية الكاذبة.

))نتيجة تدخالت الدولة(( والنتيجة الحتمية لمثل هذه التدخالت من الحكومــات الحاضــرة،

في مختلف شؤون الناس أمران: األول: تقليص الحريات وكبت األعمال والحيلولة دون االنطالق. الثــاني: الوقــوف دون صــحة العمــل ونمــو الحيــاة، حيث إن اإلنسان إذا كان حرا اندفع للعمل، وألجل جلبه للنــاس حــول نفســه يعمل أحسن ما يمكن، وأكثر مــا يمكن، وأجمــل مــا يمكن، وأرخصــثرة ــدوه إلى الك ــي يح ــدفاع النفس ــافة إلى االن ــا يمكن، وباإلض مــه وبين ســائر والجمال واإلتقان والرخص سائق المنافسة الحرة بين من يعمل عمله، سواء كان صنع السيارات أو عالج المرضى أو بنــاء

الدور وما أشبه أو غير ذلك. ــاس، وجعلت مكــانهم أما إذا أخذت الدولة األعمال من أيدي الن الموظفين، مات االندفاع ومات التنافس، وبذلك ال يهم الموظف أياــأخر ــاة إلى الت ــدل الحي ــذلك تتب ــذكورة، وب ــة الم ــور األربع من األم

فالجمود فالموت..(1)استبقواولذا قال سبحانه:

.(2)سارعواو: .(3)و: )فليتنافس

.(4)ساع سريع نجاقال اإلمام علي )عليه السالم(: و.(5)استبقوا األعمارقال: و

غير ذلك من األدلة الشرعية. إلى وتشــتد قبضــة الحكومــة على مختلــف مرافــق الحيــاة في أيــام

الحرب، ألن

. 148 :( سورة البقرة?)1. 133 :( سورة آل عمران?)2. 26 :( سورة المطففين?)3. 16 الخطبة:( نهج البالغة?)4. 16 خطبةال :( نهج البالغة?)5

30

الدولــة في أيــام الحــرب تريــد توجيــه كــل الطاقــات ألجــل ربح الحرب، مع الحفاظ على سالمة المجتمــع، فتأخــذ كــل شــيء بيــدها حتى ال تختل أمور األمة، وحتى تتمكن أن تستفيد من كل اإلمكانات

بقدر احتياجات الحرب. مثال إذا كــان الحديــد بيــد النــاس، اســتولت عليــه الدولــة إبــان الحــرب، ألجــل أن توجــه قســما منــه إلى الجبهــة، كأســلحة وكبنــاء الخطوط الدفاعية وما أشبه ذلــك، ولــذا تتحــول البالد إبــان الحــرب إلى شبه قاعدة عسكرية كل شيء فيها بانتظام وتوجيه وقدر، فــإذا وضـــعت الحـــرب أوزارهـــا لم تتنـــازل الحكومـــة عن مكاســـبها

االستبدادية. ولذا لم ترجع حالة إمريكا وإنكلترا وفرنسا وغيرها بعــد الحــرب العالمية الثانية كحالتها قبل الحــرب، بــل االســتعداد للحــرب الثالثــة أوجب تضييق النطاق اإلداري أكثر فــأكثر، حيث حــولت تلــك الــدولــتولت جملة من أعمال الناس إلى عملها، استعدادا للحرب، مثال اس على جملة من الصنائع والمخازن وما أشــبه لتوجيهمــا إلى مــا ينفــع

الحرب المستقبلة حتى ال تقع في الحرج إذا فوجئت بالحرب.

خطأ استيالء الدولة على األعمال وكال االمرين ـ االستيالء أبان الحرب، واالستيالء قبلهــا اســتعداداــدر الضــروري ــأكثر من ق ــات ب ــ خطــأ، حيث إن تقليص الحري ــا ـ لهــات ــدت الطاق ــدم، وإذا جم ــا تق ــات على م ــد الطاق ــاوي تجمي يس والكفاءات كان التــنزل فالسـقوط، وال فــرق في ذلــك بين مــا قبــل

الحرب أو ما بعد الحرب أو في حالة الحرب، وقد ورد

31

في الشريعة المطهــرة: )الضــرورات تقــدر بقــدرها(، فمــا كــان فوق القدر ال يكون إال محرما، ألنه تخصيص للقانون األولي من غير

مخصص. فالالزم أن تحذر الدولــة أن تكــون دولــة إنتاجيــة، بــل الالزم أن تكون دولة سياســة فحســب، بــأن تكــون كــل األعمــال والمهن بيــد الناس، وإنما الدولة تنظم وتحفظ العدل وتمنع اإلجحاف وتوجه إلى

النقائص لتكمل. إن الدولة وظيفتها أن تضع النظام العام، وتقوي جهــاز القضــاء، وتقــف دون إجحــاف أصــحاب المهن كــالطبيب والمهنــدس، وتوجــه

أصحاب الكفاءات إلى سد النقائص الموجودة في البالد. ولذا نرى بعض الحكومات التي لهــا نــوع من االعتــدال، إذا رأت نقصــا في المــدارس والمستشــفيات والمطــارات والقطــارات ومــا أشــبه، وجهت الشــركات واألثريــاء إلى بنائهــا، فــإذا لم يبنوهــا بنتهــا بنفسها ثم باعتها إلى الناس، وتشــرف على صــحة وعدالــة ســيرها،ــلية ــور األص ــة وتتمكن من إدارة األم ــل الحكوم ــف كاه ــذلك تخ وب الموكلة إليهــا، وتظهــر الكفــاءات الــتي يتوقــف ظهورهــا على كــون الناس أحرارا فيما يفعلون، باإلضافة إلى ما تقدم من الرفاه وعــدم

اإلجحاف.

أدلة جواز التسعيرــا في كتــاب )االقتصــاد( و)التجــارة( أن للدولــة حــق وقــد ذكرن التسعير، وحق الوقــوف أمــام اإلجحــاف، وذلــك تبعــا للمقنعــة وابن

حمزة والعالمة وولده

32

والشهيد وغيرهم، خالفا آلخرين حيث لم يجوزوا ذلك، واستدللناعليه: : بأن الدولة وضعت لمصلحة المســلمين، فــإذا كــان في تــرك1

التسعير ضرر عليهم كان عليها أن تفعل ذلك. ــدليل 2 ــرر: وب ــة،(1)ال ض ــرار الخاص ــمل األض ــام يش ــو ع وه

ــولهم أن ــة، وق ــا ينفي الحكمال ضــرروالعام ال يثبت الحكم، وإنم خالف مــورد دليــل ال ضــرر، حيث رتب الرســول )صــلى اللــه عليــهوآله( عليه قلع الشجرة، ولذا رتب الفقهاء عليه خيار الغبن ونحوه.

: وببعض الروايات الخاصــة، مثــل كتــاب علي )عليــه الســالم(3 إلى مالك األشتر المروي في نهج البالغة، الــذي قــوة مؤلفــه الــذيــال أسنده إليه )عليه السالم( يغني عن الفحص عن سنده، فحاله ح الفقيه والكافي في مراســيلهما، على مــا ذكرنــاه في بعض مبــاحث

)الفقه( ـ وليكن البيع بيعا ســمحا بمــوازين عــدلقال علي عليه السالم:

.(2)وأسعار ال تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع غير ذلك من األدلة الممكن االستدالل بها لوجــوب التســعيرإلى

والمنع عن اإلجحاف. ،(3)وإن استدل لعدم جوازه بقاعدة: تسلط الناس على أموالهم

بعض الروايــات الخاصــة المــذكورة في الجــواهر وغــيره في بــابو االحتكار مما ال حجية في سندها أو ال داللة لها أو ال مقاومة لها لمــا

ذكرناه من األدلة. كما أن اإلشكال في األدلة التي ذكرناها غــير تــام، كمــا ال يخفى

على من راجعه في مظانه. وحيث إن هذا البحث خارج عن مهمــة الكتــاب نكتفي منــه بهــذا

القدر، والله سبحانه العالم.

. 8 ح292ص 5( الكافي: ج?)1. 53 رسالة رقم ال438( نهج البالغة: ص?)2. 7ح 292ص 2نوار: جأبحار الراجع ( ?)3

33

اإلسالم في دكتاتورية ال ليس للحاكم حق الديكتاتورية إطالقا، وكــل حــاكم(:4)مسألة

يستبد يعــزل عن منصــبه في نظــر اإلســالم تلقائيــا، ألن من شــرط الحاكم العدالــة، واالســتبداد )الــذي معنــاه التصــرف خــارج النطــاق اإلســالمي، أو خــارج نطــاق رضــى األمــة في تصــرف الحــاكم في

شؤونها الشخصية( ظلم مسقط له عن العدالة. وقد انقسم عالم اليوم إلى أكبر حكومتين في الشرق والغرب: األولى: تمارس أبشع أنــواع الديكتاتوريــة، وبكــل صــراحة، حيث

تسميه ديكتاتورية البروليتاريا. ــانت تعطي ــة تحت غطــاء، وإن ك ــة: تمــارس الديكتاتوري والثاني

بعض أقسام الحرية النسبية. وعليه فكلتا الحكومتين خالف موازين اإلســالم، كمــا أنهــا خالف موازين العقل والمنطق، وال يجوز لحكومــة بالد اإلســالم احتــذاء أي

منهما.

دكتاتورية الشيوعية(())وقد كذبت الحكومات الشيوعية كذبتين:

ــاريخ ــاريخ، حيث زعمت أن الحكومــة في الت ــف الت األولى: تزيي مــرت بمراحــل الشــيوعية األولى، ثم الــرق، ثم اإلقطــاع، ثم رأس المــال، واآلن أخــذت ترجــع إلى الشــيوعية أيضــا، وذلــك ألن تجعــل

لنفسها سندا تاريخيا، وتبرر

34

وجودها بأنها من طبيعة اإلنسان، ولم تقتنع بذلك بل جعلت كــل شيء من االجتماع والسياســة والــدين والعلم والفن وغيرهــا وليــدة

االقتصاد، الذي زعمت أنه أساس الحكومات والتحوالت. ، فمن أين أنه األكذوبةوالكل يعلم أنه ال سند تــاريخي لكــل هذ

اإلنسان في أول أمره كان شيوعيا ثم صار كذا وكذا.والذي يراجع أدلتهم يجدها في غاية الوهن والبدائية.

الثانية: تزييفهم إلرادة اإلنسان، حيث جعلوا الشيوعية الــتي هي أسوأ أنواع الديكتاتورية التي عرفها تاريخ اإلنسان الطويــل، هي من إرادة الطبقة العاملة، وأي عامل يريد االستبداد من حكامه، وكل ما في األمر أن جملة من زعماء الشيوعية رأوا أن هذا التزييف أحسن سلم للتسلط على رقاب العباد وأزمة البالد، كما جعــل فرعــون من ذي قبل خوف تغيير الدين سلما للتســلط، قــائال في موســى )عليــه

وهذا هو شــأن كــل مســتبد ،(1)إني أخاف أن يبدل دينكمالسالم(: ــاس بمــا يفهمــون ليغفلهم ويتســلط عليهم بمــا ــأتي إلى الن حيث ي

أخفاه من جوهر مآربه.

ديكتاتورية الرأسمالية أمــا الحكومــات الرأســمالية، فــإن عملهــا مــع الشــعوب أشــبه باالستعمار الفكري الذي يتبع المستعمر بالفتح المســتعمر بالكســر، ألنه أصابه غسل المخ، فإن تلــك الحكومــات أقنعت شــعوبها بصــحة

االنتخابات وهي غالبا مزيفة، حيث

. 27 :( سورة المؤمن?)135

إن المـــال المتمركـــز في أيـــدي القلـــة، يجمـــع حـــول نفســـه الجماعــات الضــاغطة واإلعالم والضــمائر المشــتراة، وبــذلك يكــون الحكم بيد من يريده رأس المــال ال بيــد من يريــده الشــعب، وهــذه ديكتاتورية مغلفة بغالف من الديمقراطية والحريــة، وتكــون النتيجــة

االستبداد لكن مشوبا بشيء من الحرية الصورية. وال عالج للشعب في مثل هــذه الحكومــات إال أن يــراقب عــدم تجمع المال، وإنما ينتفي التجمــع، إذا كــان المــال في قبــال خمســة أشياء فحسب: العمل الجسدي، والعمل الفكري، وشــرائط الزمــان

والمكان، والعالقات االجتماعية، والمواد األصلية. كما ذكرنا تفصيل ذلـك في كتـاب )الفقـه: االقتصـاد(، وحينـذاك يكون المال بيد الكل، كل بقدر حقه الطبيعي، وال يكون هناك تجمعــال قبضــة على اإلعالم ــون للم ــذلك ال يك ــال، وب ــير مشــروع للم غ والجماعات الضاغطة والضــمائر، ويكــون الــدور إلرادة الشــعب في

من ينتخبه. ــوم أن المنتخب الطــبيعي للشــعب، ال يقــدم بضــرر ومن المعل

الشعب بتقليص حرياته، وبتسليط المؤسسات والموظفين عليه. ــد وأن وإذا تحررت شعوب الرأسمالية من الحكام المزيفين، الب تحرر سائر الشعوب المضطهدة، إذ الشعوب ال تفكر في االستعالء، وإنما الذي يفكر في االســتعالء هم الحكــام المزيفــون، حيث تتــوفرــا ــد منه في أيديهم األموال واألسلحة والسلطة، فيفكرون في المزي

حيث ال رقيب عليهم.

نتائج أنانية الحكام وحيث يجري دم التزييف واألنانية في عروق الحكــام، ال ينعكس

االضطهاد

36

الذي يمارسونه على الشعوب المستضعفة فحسب، بل ينعكس ذلك على شعوب أنفسهم أيضا، وإنمــا يختلــف األمــر بين الشــعبين، من جهــة الرقابــة في الجملــة عليهم في داخــل بالدهم من الحــزبــائر ــبة إلى س ــيء بالنس ــذا الش ــل ه ــد مث ــا ال يوج ــارض، بينم المع الشعوب، فإن الطبيعة إذا انحرفت تكون منحرفــة مــع الكــل، ولــذا

ــه عليهورد: ــا ســلطه الل ــان ظالم ــذي من ،(1)من أع فالظــالم الــانوا من ــومين، أك ــرق بين المظل ــير ف ــه الظلم، يظلم من غ طبيعتــة إذا ــة الديكتاتوري ــل: )عجل ــر، وفي المث ــعب آخ ــعبه أم من ش ش

تحركت تسحق حتى أقرب المقربين إلى الديكتاتور(. وحيث إن الشعوب في البالد التي تسمى بالديمقراطية، تعــرفــواب ــاتوريون في أث ــاس، وأنهم ديكت ــدرات الن تالعب الساســة بمق مهلهلــة من الديمقراطيــة، وأنهــا تعــرف أن الرؤســاء إنمــا يعملــونــوازم ألجل أنفسهم أكثر مما يعملون ألجل شعوبهم، فإن ذلك من ل الديكتاتورية، إذ الديكتاتور أناني يريد نفسه ال غيره، وأنها تعــرف أن

الضرر عليه، والنفع ليس له. مثال فضــائح حكــام إمريكــا وبريطانيــا تــؤدي بســمعة الشــعبين، وذلــك أكــبر ضــرر على الشــعب، وال فوائــد ملموســة للشــعب، إن الشــعب يعطي الضــرائب، ويخضــع لنظــام الجنديــة، وتقلص من

حريته، بينما ال يعود بمقدار ذلك نفع إليه.

. 18ح 224ص 2( الكافي: ج?)137

الشعوب تعرف المرارات أقــول: حيث إن الشــعب يعــرف هــذه الحقــائق الثالثــة المــرة، اشــتهرت بينهــا أن السياســة لعب وخــداع وجــر نفــع للحكــام على

حساب الشعوب، كما أنها ال تهتم باالنتخابات كما ينبغي. ( م كــان الــذين حــق لهم االنتخــاب في1956فمثال: في عــام )

( بينمــا لم يقــدم لالنتخــاب منهم إال اثنــان000/700/102إمريكــا )وستون مليونا.

أما في روسيا فال انتخابات إال ألعضــاء الحــزب، والنــاس بعــد ال شيء، يساقون أســوأ ممــا يســاق األغنــام، حيث إن األغنــام تســاق قسرا في قبال شبع بطونها والعنايــة بهــا، أمــا الشــعب الروســي أو

الصيني وما أشبه فعليهم الغرم وليس لهم حتى شبعة بطونهم. ونتيجة للخداع السياسي الذي فهمتــه شـعوب الحكومــات الـتي تسمى بالديمقراطية ال يهتم الشعب بالسياســة، وال يهمــه مــا يــدور

في فلك الحكومة ألن القضية ال تعنيه. وإني ألذكر كيف أن األمة في العراق إبان حكم الملكيين ـ حيث كــان بعض الديمقراطيــة ســائدا في العــراق، وإنمــا نقــول بعض الديمقراطية ألن الديمقراطية هي أن يتبدل كل جهــاز الحكم، بينمــا في العراق كانت الملكية الوراثية هي التي تسود وتحكم، وإنما كانــانت ال تهتم ــ ك ــئيلة ـ ــة الض ــام الحري ــعب بعض أقس ــار الش باختي باالنتخابات، مع أنهم كانوا يغلفونها بأغلفة كثيفة من الدعاية، وكيف أن الشــعب لم يكن يهتم بــأي حــدث يحــدث في العــراق، حــتى أن الشــعب مــا كــان يهتم بوجــود القاعــدة العســكرية البريطانيــة فيــه خالف االســتقالل، كــان يتلقى الكالم ــه إن ــل ل ــة(، وإذا قي )الحباني بالسخرية قائال: وهل نحن مستقلون، وهــل إن إرادتنــا بأيــدينا حــتى

نفكر في دفع هذا الخطر، وقد نظم أحد الشعراء: إن الوزارة ال أبا لك عندنا

ثوب يفصل في معامل لندنا

38

اإلسالم صميم من السياسة السياسة من صميم اإلسالم، وهنا سؤاالن: (:5)مسألة

األول: ما هي السياسة؟الثاني: بأي دليل هي من صميم اإلسالم؟

ما هي السياسة؟ والجــــواب عن األول: إن السياســــة عبــــارة عن )إدارة البالد والعباد(، وهي وإن عرفت في كتب السياســة بتعــاريف مختلفــة، إال

أن الجامع أو األجمع لخصوصياتها هي ما ذكرناه. نعم ال شك في أن حدود هذا التعريـف أمـر غـير مـبين، إذ لكـل صاحب نظر أن يوسع أو يضيق حدود هذا التعريف بما يالئم نظــره،ــل ــية من مأك ــاس الشخص ــور الن ــتى أم ــمل ح ــد تش ألن اإلدارة ق ومشرب ومسكن وزواج وما أشبه، كما تفعله الحكومات الشيوعية،ــارة عن ولذا عرف بعض علماء الشرق الروسي السياسة: بأنهــا عبــرهم إدارة األمور اليومية للناس، وعليه فإدارة البالد والعباد في نظ

كل شؤون البالد والعباد، بما ال يبقى للناس حرية في أي شأن.

39

كما أن اإلدارة في مثــل اليابــان البلــد األكــثر رأســمالية، أضــيق دائرة من اإلدارة في مثل بريطانيا األكــثر ميال إلى االشــتراكية، إلى

غير ذلك. وهذا التهلهل في التعريف للسياسة ليس بــدعا، فــإن أي شــيء متوسط بين المفهوم الوضعي والحقيقة الخارجية يصاب بمثل هــذا التهلهل، لوضوح أن األشياء الخارجية لهــا حــدود خاصــة بقــدر ســعة وجودها، والمفاهيم الوضــعية لهــا حــدود ضــيقة بقــدر الوضــع الــذي

وضعه واضع المفهوم. مثال اإلنســان لــه مفهــوم خــاص بقــدر ســعة وجــوده الخارجيــة. والصالة لها مفهوم خاص بقــدر مــا وضــع الشــارع هــذا االســم على الذي قصده من المسمى. أمــا السياســة واالقتصــاد واالجتمــاع ومــا أشبه منها، فتعريفاتها تكون مهلهلة، ألنها ليست مفاهيم وضعية، وال حقائق خارجية، وإنما يراد بها الجامع بين األفراد الخارجيــة، حيث ال

يعلم ما هي األفراد الخارجية لها بالضبط حتى يعلم حدودها. ولـذا فإنـك إذا راجعت كتب السياسـة أو االقتصـاد أو االجتمـاع،ترى اختالف التعاريف، والبحث والنقاش حول حدود تلك التعاريف.

تهلهل حدود السياسة والسياســة إنمــا أصــابها مــا أصــابها من عــدم وضــوح حــدودها

الدقيقة ألمرين: األول: إنها تشمل بنحو كل أفراد اإلنسان، سواء عاشوا فــرادى أو جماعات، في حكومات بدائية أو متحضرة، ومن الواضح أنه كلما

كان استيعاب

40

معنى لفظ أكثر، كان جعل تعريف جامع مــانع لــه أصــعب، ألنــه تكون األفراد المشكوك دخولها وخروجهــا عن ذلــك المفهــوم الــذي يــراد جعــل التعريــف لــه كثــيرة، وبقــدر هــذه الكــثرة يصــعب جعــل التعريف الجامع لألفراد الطارد لألغيار، ممــا يصــطلح عليــه بــالطرد

والعكس، لذلك المفهوم. الثاني: إن المسائل المرتبطة بالسياسة كثيرة، وكثرة المســائلــل مســألة ــإن ك ــف، ف ــوجب صــعوبة التعري ــة المتشــعبة ت المتنوع اقتصــادية أو اجتماعيــة أو تربويــة أو عســكرية أو غيرهــا تصــبغ عنــدــوجب صــعوبة التأمل بالسياسة، ومن المعلوم أن تشتت المسائل ي

التعريف. وعلى هذا، فالتعريف المتقدم الــذي ذكرنــاه للسياســة، لم يكنــديلها تعريفا يطمئن فيه إلى العبارة، بل هو أشبه بشــرح اللفــظ، بت بلفظ لعله أوضـح في أذهــان غــير المطلعين من لفــظ: )السياســة( ذاتها، وهــذا هــو مــراد من قــال في بعض تعريفــات السياســة: إنهــا

نسبية.

إطالقات النسبيةفإن النسبية لها إطالقات:

ــه بعض المفكــرين،1 : إطالق على كــل األشــياء، كمــا ذهب إلي فقالوا بأن كل أشياء العالم نسبية، فليس لــدينا شــيء ثــابت، وهــذا اإلطالق باعتقادنا خطــأ، لوضــوح أن من األشــياء ثابتــة أبديــة، فهــل )أربعة زوج( و)المثلث لــه ثالثــة أضــالع( و)الكــل أعظم من الجــزء(

و)مزج الخل بالعسل يولد شيئا ثالثا( وغيرها أمور نسبية.

41

: وإطالق على بعض األشــياء ممــا أنهــا نســبية حقيقيــة، مثــل2 نســبة زيــد، فهــو بالنســبة إلى عمــرو أب، وبالنســبة إلى خالــد ابن، ومثل السقف المتوسط بين العلو والسفل، فهو تحت بالنســبة إلى األول، وفوق بالنسبة إلى الثاني، ومثل: الدينار، فهــو كثــير بالنســبة

إلى فلس، وقليل بالنسبة إلى ألف دينار. : وإطالق على التعريــف غــير الجــامع والمــانع، فمثــل هــذا3

التعريف نسبي، أي يعرف المعرف في الجملــة، فليس بــأجنبي عن المعرف، وليس بمطرد منعكس، جامع لكل األفــراد ومــانع عن كــل

األغيار. هذا إلماع إلى معنى السياسة وتعريفها في الجملة.

كيف أن السياسة من صميم اإلسالم وأما أن السياسة من صـميم اإلسـالم، فألن اإلسـالم هـو الـدين المستوعب ألحكام مــا يفعلــه اإلنســان، ســواء كــان فعــل الجــوارح الظاهرة أو فعل الجوانح، فكــل أفعــال اإلنســان مشــمولة لألحكــام الخمسة، حتى أن تفكيره السيء منهي عنه نهي تحــريم أو كراهــة، وتفكيره الحسن مأمور به أمر وجوب أو استحباب، ولذا قال الســيد

بحر العلوم: موضوعه فعل مكلفينا

غايته الفوز بعليينا

نصوص شرعية عامة وقد روى الكافي، عن حماد، عن أبي عبد اللــه )عليــه الســالم(،

قال: سمعته يقول:

42

ما من شيء إال وفيه كتاب وسنة(1).ــا، عن ســـماعة، عن أبي الحســـن موســـى )عليـــه وروي أيضـ السالم( في حديث، قال: قلت أصلحك الله، أتى رسول الله )صــلى الله عليه وآله( الناس بما يكتفون في عهده، قــال )عليــه الســالم(:

نعم وما يحتــاجون إليــه إلى يــوم القيامةفقلت: فضــاع من ذلــك ، .(2)ال هو عند أهلهشيء، فقال )عليه السالم(:

وروي أيضا عن مرازم، عن أبي عبد اللــه )عليــه الســالم( قــال:ــه إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والل

ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد، حــتى ال يســتطيع عبــد أن يقــول: لــو.(3)كان هذا أنزل في القرآن، إال وقد أنزل الله فيه

أقول: المراد الحكم العام والخاص كمــا حقــق في محلــه، ولــذا ما من أمر يختلــفقال الصادق )عليه السالم( في حديث المعلى:

ــول ــه عق ــه، ولكن ال تبلغ ــاب الل ــل في كت ــه أص ــان إال ول ــه اثن في.(4)الرجال

ــه ــز، عن الرضــا )علي ــد العزي وفي الكــافي في حــديث، عن عب شيئا يحتـاج أي الرسول )صلى الله عليه وآله( وما تركالسالم(:

إليه األمة إال بينه، فمن زعم أن اللــه لم يكمــل دينــه فقــد رد كتــاب.(5)الله

اليــومأقول: قد ذكــر )عليــه الســالم( قبــل ذلــك آيــة اإلكمــال: .(6)أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي

غيرهــا من الروايــات العامــة المتــواترة الشــاملة للسياســةإلى وغيرها.

. 4ح 59ص 1( الكافي: ج?)1. 9ح 61ص 1ج: الكافي( ?)2. 1 باب فضل العلم ح59ص 1( الكافي: ج?)3. 6ح 62ص 1ج: الكافي( ?)4. 10ح 62ص 1ج: الكافي( ?)5. 3 :( سورة المائدة?)6

43

نصوص خاصة وهناك روايات خاصـة بالسياسـة، مثـل مـا ذكـره اإلمـام الرضـاــه )عليه السالم( كما في الكافي، في أوصاف اإلمام، من قوله )علي

.(1)عالم بالسياسةالسالم(: في زيارة الجامعة الكبيرة في أوصاف األئمة )عليهم السالم(:و

وساسة العباد. وقــال علي )عليــه الســالم( في كتابــه لمالــك األشــتر، كمــا في

فاصـــطف لواليـــة أعمالـــك أهـــل الـــورع والعلمتحـــف العقـــول: .(2)والسياسة

فـولقال )عليـه السـالم( في نفس الكتــاب في مكـان آخـر: و جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله وإلمامك... وأجمعهم علما

.(3)وسياسة .(4)خير السياسات العدلوقال )عليه السالم( كما في الغرر:

عليه السالم( في كتابه إلى معاوية، كما في نهج البالغة:)وكتب مــتى كنتم يــا معاويــة ساســة الرعية(5)، مفهومــه أن غــيرهم فــإن

الساسة، وليس إال اإلمام بعد الرسول )عليهمــا الســالم(، ومن بعــداإلمام نوابه.

إلى غير ذلك من ألفاظ السياسة الواردة في الروايات.

األنبياء سياسيون أما األنبياء )عليهم السالم( كانوا ساسة، فقد ورد في جملة من

الروايات، كما يراها الطالب

. 1 ذيل ح202ص 1 ج:( الكافي?)1. 97( تحف العقول: ص?)2. 93( تحف العقول: ص?)3. 5037رقم ال( غرر الحكم: ?)4. 10 ( نهج البالغة: الكتاب?)5

44

في )مجمع البحرين( وغيره في هذه المادة، باإلضافة إلى داللة يـاو ،(1)إني جاعــل في األرض خليفةاآليات عليه، كمـا في قولـه:

غيرهما. إلى .(2)داود إنا جعلناك خليفة اللهم ارحمبضــميمة قــول الرســول )صــلى اللــه عليــه وآلــه(:

خلفائي، قيل يا رسول اللــه ومن خلفــاؤك، قــال: الــذين يــأتون من.(3)بعدى ويروون حديثي وسنتي

ــد(، ــابي )التقلي ــة على ذلــك في كت ــة من األدل ــا جمل وقــد ذكرنو)القضاء( وكتابي )الحكم في اإلسالم( و)االقتصاد( فراجع.

وممــا تقــدم ظهــر أن السياســة من صــميم اإلســالم، وأن كــل محاولــة لفصــل الــدين عن السياســة هي من قبيــل محاولــة فصــل العبادة عن اإلسالم، وقد كان دأب األنبيــاء واألئمــة )عليهم الســالم( والعلماء أخذ زمام السياسة بأيديهم ما قدروا، فــإن لم يتمكنــوا من ذلــك وجهــوا النــاس إلى وجــوب ذلــك مهمــا قــدروا، وكــانوا )عليهم السالم( يرجعون الناس إلى علماء األمة ونواب األئمة، كقوله )عليه

السالم(: غير ذلك. و،(4)فإني قد جعلته عليكم حاكما وقــد وقــع الخصــام بين األئمــة )عليهم الســالم( والعلمــاء وبينــويين وعباســيين، ومن حــذى حــذوهم في ــواء من أم أصــحاب األه التصدي لمرجعية األمة، وأخــذ زمــام السياســة منــذ وفــاة الرســول)صلى الله عليه وآله(، فتارة حكم األئمة )عليهم السالم( والعلماء

. 30 :( سورة البقرة?)1. 26 :( سورة ص?)2. 5من صفات القاضي ح 8 الباب 65ص 18( الوسائل: ج?)3. 9 من صفات القاضي ح11 الباب 101ص 18( الوسائل: ج?)4

45

ــل في ــتعمر، فأدخ ــاء دور المس ــتى ج ــب حقهم، ح ــارة غص وت الميــدان عنصــرا جديــدا هــو عنصــر انفصــال الــدين عن السياســة، وأشاع بواسطة عمالئه: أن العالم الــديني الخــير هــو الــذي يشــتغلــك ألنهم رأوا بالعبادة واإلرشاد، وال يتدخل في شؤون السياسة، وذل أن العلماء هم السد المحكم أمام استعمارهم للبالد وتسلطهم على

رقاب العباد. وأقــل نظــرة إلى المــذاكرات المعنيــة بهــذا الشــأن أمثــال: )مذكرات المس بل( و)كينيــاز الكــوركي( و)مســتر همفــر( وغيرهــا

يجلي هذه الحقيقة.

واجب العالم الديني وعلى هــذا، فــالواجب الشــرعي على العــالم الــديني، كوجــوب الصـــالة والصـــيام، أن يهتم إلبعـــاد الحكـــام الظلمـــة عن الســـاحة اإلسالمية، ليقبض زمام األمة العلماء الراشــدون، فيســيرون باألمــة

كما أراد الله سبحانه. وهــذا مــا فعلــه العلمــاء في هــذا القــرن األخــير مــع الغض عن القرون السابقة، أمثال السيد المجاهد، والميرزا الكبــير الشــيرازي،

واآلخوند صاحب الكفاية، والميرزا الثاني وغيرهم. فإن في ترك األمر بيد الحكام الظلمة هدم اإلسالم كله، وأحياء

لوال حضــور الحاضــرالكفر والفسق كله، قال علي )عليه السالم(: وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلمــاء أن ال يقــاروا

.(1)على كظة ظالم، وال سغب مظلوم، أللقيت حبلها على غاربها

. 3( نهج البالغة: الخطبة ?)146

ــالم أنوقال )صلى الله عليه وآله(: إذا ظهرت البدع فعلى الع .(1)يظهر علمه وإال فعليه لعنة الله

. 2 باب فضل العلم ح54ص 1( الكافي: ج?)147

واجب بالسياسة االضطالع يجب اضطالع العالم الديني بالعلم السياسي، بل(:6)مسألة

ذلك وظيفة كل متدين، على نحو الوجوب الكفائي.ــاذ ــل إنق ــلمين، ب ــور المس ــه إدارة أم ــف علي ــه يتوق ــك ألن وذل المستضعفين من براثن المستكبرين، ونشر اإلسالم، وهداية الناس

من الظلمات إلى النور، اللذان هما واجبان أيضا. وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستضعفينقال سبحانه:

(1). ادع إلى ســبيل ربــك بالحكمــة والموعظــةوقال تبارك وتعالى:

.(2)الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن غيرهما من األدلة األربعة الدالة نصا أو بالمناط على اإلنقاذإلى

والهداية. ومعرفة السياسة ال تكون إال بمعرفة ما ال يقل من أمــور ســتة: معرفة الدين، واالقتصاد، والحقــوق، واالجتمــاع، والنفس، والتــاريخ،

وذلك ألن معرفة السياسة ال يمكن إال بهذه المعارف الستة.

. 75 :( سورة النساء?)1. 125 :( سورة النحل?)2

48

: االرتباط بين السياسة والدين((1)) : فالـــدين داخـــل في تركيبـــة األمم والشـــعوب بمـــا ال يمكن1

فصلهم عنها، أمــا البالد اإلســالمية والمســيحية والبرهميــة والبوذيــةونحوها، فتدخل الدين في شؤونها واضح.

وأما البالد الشيوعية، فالشيوعية على مسيرتها أكــثر من نصــفــه، لم تتمكن أن ــدين وأهل ــد ال ــتها ض ــتي مارس ــوة ال ــرن والقس قــير ــوس غ ــدين عن نف ــذور ال ــع ج ــدينين، وال أن تقل ــل المت تستأص المتــدينين، ففي االتحــاد الســوفياتى زعميــة الديكتاتوريــة واإللحــاد العالميين زهاء مائة مليون مسلم، كما في مجلــة اكتــوبر، باإلضــافةــان إلى األعداد الكبيرة من المسيحيين وقلة من اليهود وســائر األدي والمبادئ، والصين الشيوعي فيه بقدر ذلك من المســلمين، وماليينــه من ــوذيين، باإلضــافة إلى وجــود قــدر ال يســتهان ب ــيرة من الب كب

المسيحيين. أما الذين ألقوا عن كاهلهم شــرف الــدين وانخرطــوا في ســلك ــا اإللحاد، فحيث إن االلحاد ال يملؤ الروح والفكر، فإن لإلنســان جانبــات، بقــوا ــؤه إال الروحي ــا ال يمل ــا روحي ــؤه المــادة، وجانب ــا تمل مادي مرتبطين إلى الــدين، والــدين يــوجههم من طــرف خفي، شــاؤوا أمــوا، اعــترفوا أ، أنكــروا، وحيث إن الشــعوب موجهــة بالتوجيهــات أب الدينية علنا أو خفية، البــد لمعرفــة السياســة الــتي هي إدارة عامــة للشعوب، من معرفة الدين واألمواج التي يحدثها الــدين في النــاس على طــول الزمــان، فــإن اإلنســان ال يتمكن أن يــدير إذا لم يعــرفطبيعة الذين يريد إدارتهم، والتيارات التي توجههم وتأخذ بأزمتهم.

ولــذا فــالالزم أن يعــرف اإلنســان السياســة من خالل معرفتــه بالدين، وكيفية أخذه لزمام الحياة في األفــراد والشــعوب، هــذا منــان ال يفهم ــإن اإلنس ــددها اآلن، ف ــتي نحن بص ــة ال ــة العلمي الناحي

السياسة إذا لم يفهم الدين.وكذلك من

49

الناحية العملية، والتي لسنا نحن بصددها اآلن، فإن السياسي الــه ــه وقرارات ــار في أعمال ــذ باالعتب ــدير البالد إن لم يأخ يتمكن أن ي الناحية الدينية في الشــعب، ولــذا فشــل ناصــر مصــر وشــاه إيــران وقاسم العراق وأيوب باكســتان وســوكارنو إندنوســيا، وإلى آخــرهم في إدارة البالد، وكانوا في صراع دائم مــع شــعوب هــذه في البالد، إلى أن سقطوا غير مأسوف عليهم متحملين سخط الناس وكرههم وازدراءهم، بينما كانوا قد جعلوا أنفسهم في دعاياتهم أنصاف آلهة، بل عبر خطيب في العراق في اإلذاعــة عن قاســم: بإلــه الكائنــات،

وقال شاعر البعث: آمنت بالبعث ربا ال شريك له.

الدين العلمي والعملي ومما تقدم تبين أن المراد بالدين العلمي الذي البد للساسة من معرفتـــه، وأن المـــراد بالـــدين العملي في األوســـاط الـــذي البـــد للسياسي من رعايته، هو الدين الذي له تيار في االجتماع، يعتقد به الناس ويعملون ـ قليال أو كثيرا ـ على طبقه، ال الدين المزيف الــذي يزيفه الحكام ويريدون أن يكون وسيلة لهم إلى مــآربهم السياســية واالقتصادية، فمعرفة الدين المزيف ال تعطي معرف السياسة، كمــاــه في المجتمــع ال يســبب ــف وإرادة إجرائ ــدين المزي أن العمــل بال عالقة الشعب بالحكام، بل بالعكس يــوجب انفصــالهم عن الحكــام،ــديث ــد ورد في ح ــدجل والنفــاق، وق حيث يصــفونهم حينــذاك بال

. إن الحيلة في ترك الحيلةشريف: فعلم السياسة يعطي لإلنسان علم كيفيــة اإلدارة، ومــا لم يعلم

اإلنسان الدين

50

الســـائد في االجتمـــاع كيـــف يعلم كيفيـــة اإلدارة، وإذا لم يعلمكيفية اإلدارة لم يكن عالما بالسياسة، هذا بالنسبة إلى العلم.

أما بالنســبة إلى العمــل، فــإن االجتمــاع الســائر في تيــار ديــنيخاص يرفض كل ما يقاوم ذلك التيار.

جولة الباطل فالسياسي الــذي يريــد تزييــف الــدين معنــاه أنــه يقــاوم التيــار، وســرعان مــا يلفظــه االجتمــاع وإن تمكن أن يخــدعهم أو يســيطر

للباطــل جولــة وللحــقعليهم بالقوة برهــة من الزمــان، ولــذا ورد: ال يغرنــك تقلب الــذين كفــروا في، وقبل ذلك قــال ســبحانه: دولة

.(1)البالد متاع قليل

: االرتباط بين السياسة واالقتصاد((2)) : واالقتصاد يتفاعل مع السياســة، فكــل منهمــا يرتبــط بــاآلخر2

ويتداخل فيه، فإن المال يـأتي بالسياسـة كمـا أن الساسـة يضــعون ضوابط للمال، فالسياســة في اإلســالم يتوقــف على فهم االقتصــاد اإلسالمي السليم الذي هو عبارة عن: )كون المال في قبال خمسة أشياء: العمل الفكري، والجسدي، والمواد األولية، وشرائط الزمــانــك في كتــاب ــلنا ذل ــة(، كمــا فص ــات االجتماعي والمكــان، والعالق

)االقتصاد(. كما أن المراد بالتفاعل التفاعل السليم، مثال منتخب األمة يجب أن يكون مثقفا، والمثقف ال يتكــون إال بالمــال، فـإن المثقــف ثمــرة المعاهد والمدارس والمكتبــات والمختــبرات ومــا أشــبه، وكـل ذلــك

يتوقف على االقتصاد، وإذا أخذ

. 196 :( سورة آل عمران?)151

المثقفون أزمة البالد تصــرفوا في كيفيــة تســيير االقتصــاد، ولــوــنزل إلى الســاحة ــات اإلســالمية ت في إطــار اإلســالم مثال، إذ الكلي العلمية حسب االجتهادات الخاصة في حدود الشريعة، فــإذا لم يكن اقتصاد لم يكن مثقفون صالحون إلدارة البالد، وإذا صــار المثقفــون الصالحون تأثر بهم االقتصاد، وإذا لم ينظر السياسي إلى السياســة من زاوية االقتصاد أيضا لم يستوعب السياسة، كما أن السياسة إذا

لم تأخذ باالعتبار االقتصاد، لم تكن سياسة متكاملة. هذا إذا الحظنا السياسة واالقتصاد بالنظر اإلسالمي في كليهما.

السياسة في الرأسمالية أما إذا الحظنا السياسة واالقتصاد بالمفهوم الرأسمالي لكليهما،ــاد في فهم ــزوم فهم االقتصـ ــا، ولـ ــرين خارجـ ــل بين األمـ فالتفاعـ السياســة واضــح، إذ الديمقراطيــة ال تكــون إال باالنتخابــات، وهي ال تكون إال بالمال الذي يحركه رأس المال النتخــاب الــذين ســيكونون عونه في حفــظ ثــروة األثريــاء وفتح الطريــق أمــامهم بالتشــريعاتــون إلى ــاء المنتخب ــثروة، وإذا ج ــديس ال ــد تك ــل مزي ــة ألج القانوني مجالس التشريع أو إلى مناصب التنفيذ مثال رئاسة الجمهورية، كان أكبر همهم الوفاء لمن أوصلوهم إلى تلك المراكز، فكل الئحة تقدم إلى مجلس األمة تريد إنصاف الفقــراء من األثريــاء تجمــد، كمــا أن

كل الئحة تقدم ألجل زيادة من رأس مال األثرياء تصدق بسرعة. وهكذا تكون السياسة في خدمة االقتصاد، واالقتصاد في خدمــة السياسة، وهل يمكن فهم السياسة إال بفهم أسسها وثمارهــا وهمــا

االقتصاد.

52

وفي النظرة الماركسية واخيرا يـأتي الـدور إلى لـزوم فهم االقتصــاد في فهم السياسـة بالنظر الماركسي، بعد الغض عن النظر إلى االقتصــادين اآلخــيرين، وهما االقتصاد االشتراكي واالقتصاد التوزيعي، ووجــه الغض وضــوح كليهمـــا من فهم تـــدخل فهم االقتصـــاد بأقســـامه الثالثـــة في فهم

السياسة. ــيء، من ــل ش ــاس ك ــاد أس ــرى أن االقتص ــية ت ــإن الماركس ف السياسة واالجتماع والدين واألخالق والحقــوق والفن وغيرهــا، فــإن كل ذلك في هذا المنطق البنــاء الفــوقي لالقتصــاد الــذي هــو البنــاء التحتي، فإذا كــان االقتصــاد بيــد الجميــع كــان البنــاء الفــوقي شــكال خاصا، وإذا كان االقتصاد بيد الرأســمالي كــان البنــاء الفــوقي شــكال آخر، إذ لــو كــانت وســائل اإلنتــاج بيــد زمــرة خاصــة اضــطرت تلــك الزمرة أن تنظم السياسة واألخالق والــدين وغيرهــا بشــكل يضــمن

بقاء االقتصاد بأيديهم. أما إذا كانت وسائل اإلنتاج بيد المجموع، كانت السياسة وغيرها بحيث تقدم المجموع ال زمرة خاصـة، مثال إذا كـان المـال بيـد عــدة خاصة من التجار صرفوه ليأتوا بأناس يخــدمونهم في مجلس األمــة وفي الســلطة التنفيذيــة وفي الســلطة القضــائية وفي اإلعالم وفي غيرها، فتكون السياسة والقضاء واإلعالم وغيرهــا ذات لــون خــاص، بينما لو كــان المــال بيــد المجمــوع، كمــا في الشــيوعية على ادعــاء الشيوعيين، صرفوه بحيث تكون السياسة والقضاء واإلعالم وغيرها تخدم المجموع على زعمهم، ال أن تخدم طبقة خاصه على حســاب

المجموع.

53

تقسيم األدوار المزيفوقد قسم الشيوعيون أدوار التاريخ إلى أربعة:

ــاج،األول: ــاج وال أدوات إنت ــيوعية األولى، حيث ال إنت دور الش وإنما كان الناس يعيشــون رحال، يقتــاتون ثمــار الغابــات وصــيد الــبرــة وال حكومــة، إذ ال نظــام وال ــة فردي ــاك ملكي والبحــر، ولم تكن هن

سياسة وال غيرها من الدين واألخالق والفن والجيش ونحوها. ــاني: ــارالث ــيد والن ــرت بعض آالت الص ــد، حيث ظه دور العبي

ونحوهما، فاستولى عليها جماعة من الناس وأخــذوا يســتولون على آخرين لقاء شبع بطون اآلخــرين بمــا يصـطادونه من الصـيد بـآالتهم ووسائلهم، وحينذاك أخــذت تظهـر بعض األنظمـة المرتبطـة للربـط

بين السيد والعبيد. ــالث: ــة وتعلمالث ــفت أدوات الزراع ــة، حيث اكتش دور الزراع

البشر كيف يــزرع، وأخــذ البشـر في هــذا الــدور يسـتقر في أمــاكن خاصة من األرض، كسيف البحــار وشــطوط األنهــار وقــرب مجــاري العيون والسيول، وهنا استولى جماعة خاصــة على أدوات الزراعــة، مما قسم المجتمع إلى طبقتين، وظهرت الملكيــة الفرديــة للطبقــة المالكة ألدوات الزراعــة ولألرض، وحينــذاك وضــعت القــوانين الــتي تربط المالك بالزارع، وأنظمة القضاء وما أشــبه، وذلــك ألن تحفــظ تلك القوانين واألنظمة أدوات الزراعــة واألرض في أيــدي المالكين. وفي هذا الدور ظهرت الســلطة الديكتاتوريــة، حيث كــان المالكــون يجمعون حول أنفســهم كــل وســائل بقــاء الســلطة في أيــديهم، لئال تنفلت من أيديهم الملكية الفردية الوسيعة، فوضعوا الــدين وخلقــوا

اإلله ـ بزعمهم ـ ألن يقولوا للفالحين إنهم يستمدون سلطتهم

54

ــالفتهم، ألن ــق للفالح في مخ ــون، فال ح ــالق للك ــه الخ من اللــل أن المخالفة تثير على الفالح غضب اإلله، كما وضعوا األخالق، مث الخيانة قبيحة، حيث أرادوا بذلك أن ال يخــونهم الفالح في االســتيالء

على قدر من الحاصل، وكذلك وضعوا قوانين القضاء بما يخدمهم. وهكذا إلى أن جاء الدور الرابع وهــو دور الصــناعة، والــذي كــان اإلنتاج بسبب المكــائن الكبــار، وحينــذاك تنــازل المالكــون عن بعض الديكتاتوريات الموجودة في زمان الزراعة، في قبال االستيالء على ــو إال ــال ال ينم ــال، حيث رأوا أن رأس الم ــدر من رأس الم ــبر ق أك بإشراك أكبر عدد ممكن من الشعب في الرأي، لتكــوين المجــالس التشــريعية والتنفيذيــة حــتى تشــرع مــا يفيــد توســيع العمــل وغــزو األسواق، بحماية جيش من الشعب يحفظ األســواق العالميــة الــذي يريد رأس المال غزوهــا، إذ من دون اشــتراك الشــعب في الحفــظــال من امتصــاص ــا ال يتمكن رأس الم ــة والحراســة ونحوه والرعاي خيرات ســائر الشــعوب، ومن فتح األســواق لمنتجــات الرأســمالي،

ولذلك فقد عمل رأس المال في ميدانين: أ: ميدان حصر أدوات اإلنتاج بيده مما بسببه يتمكن من المزيــد

من تملك الربح. ب: ميدان الديمقراطية المزيفــة، ليتمكن بــذلك من جلب أكــثر عدد من الشعب في خدمته، وبــذلك نــافق رأس المــال في إعطــاءــد ــه أوج ــال أن ــاس، في ح ــة للن ــات مزيف ــات صــورية، وانتخاب حري الجماعات الضاغطة واإلعالم المزيف الذي يحتوش الشعب، وصــب قسما من المال الشتراء الضــمائر، كــل ذلــك لكي يــأتي إلى الحكم بمن يريده مشــرعا ومنفــذا وقاضــيا، ليكونــوا جميعــا في خدمــة مــا احتوى عليه من رأس المال، كما تقدم بيــان ذلــك في بيــان معرفــة

السياسة من خالل معرفة االقتصاد، في األسلوب الرأسمالي.قالوا: وحيث

55

ــمالية في ــ ــون ومن إليهم دور الرأسـ ــ ــال والفالحـ ــ وعى العمـ امتصاص حق الطبقة الكادحة، أخــذوا يرفضــون ســيادة الرأســمالية عليهم، وأخـذوا بـالقوة في روسـيا الشـيوعية بأزمـة البالد، وأعــادوا الدور األول للبشر الذي كــان الشــيوعية، وهكــذا تتوســع الشــيوعية حتى تشمل كل أقطار العـالم، وإذا ســادت الشـيوعية زالت الدولـة

عن الوجود، ألنه ال يبقى حينئذ االحتياج إلى الدولة. هكذا قالوا.

تفنيد األدوار األربعة وبهذا االستدالل المبني على ادعــاءات فقــط، جعلت الشــيوعية لالقتصــاد الــدور األساســي في كــل شــيء، والــتي منهــا السياســة،ــدرس ــذا فالشــيوعي إذا أراد أن ي ــاد، ول ــدة االقتص ــة ولي فالسياس

السياسة البد وأن ينظر إليها من زاوية االقتصاد. وحيث ذكرنــا في كتــاب )الفقــه: االقتصــاد( و)مــاركس ينهــزم( وغيرهما من الكتب نقد النظرية الشيوعية بشــيء من التفصــيل، ال

نرى حاجة إلى تكراره هنا، وإن كان ال بأس باإللماع إلى: : إنه ال دليل على أدوار التاريخ المذكورة. 1: وإنه ال دليل على أن االقتصاد هو المحرك للتاريخ. 2ــدين3 ــل على أن االقتصــاد أســاس للسياســة وال ــه ال دلي : وإن

واألخالق وغيرها، بل الدليل في كل ذلك بالعكس. : ثم لم تكن رأسمالية في بالد روسـيا بــل كـانت بالد زراعيـة،4

فكيف قفزت إلى الشيوعية طافرة دور الرأسمالي.

56

: باإلضــافة إلى أن الشــيوعية لم تطبــق في روســيا وال في5غيرها إلى اآلن.

ــة من بالد الرأســمالية،6 : وإن بالد الشيوعية أسوأ من كل ناحيعلى أنها سيئة أيضا.

إلى غيرها من اإلشكاالت الكثيرة الــتي أوردت على الشــيوعية،ولم يجدوا حتى عن أحدها جوابا.

ارتباط الحقوق بالسياسةــة السياسة3 ــوق في معرف ــة الحق ــة معرف ــا مدخلي فألن،: أم

السياســة تنبــع عن األنظمــة الحقوقيــة في الجملــة، فــإن األنظمــة الحقوقية والتي تدرس في كلية الحقــوق، هي قــوانين عامــة توضــع ألجل إجرائهــا على المجتمــع في االرتباطــات الفرديــة واالجتماعيــة، سواء في االجتماعية ربط الفرد بالدولة أو العكس، أو ربــط الدولــة بدولة أخرى أو ما أشــبه ذلــك، فمثال الحقــوق تضــع القــوانين ألجــل القــوى الثالثــة )المقننــة والمنفــذة والقضــائية( وألجــل روابــط هــذه القوى بعضها إلى بعض، وألجل الحريات العامة، واألمور التي تجري في البلــد واألحــزاب والمنظمــات والصــحف وســائر وســائل اإلعالم

وغيرها. واإلنسان إذا أراد معرفة السياسة، البد وأن يعرف هــذه األمــور الحقوقية، والسياسي غالبا يجعل الحقوق إطارا لما يريد تطلبــه من الدولــة أو األمــة، فــالالزم أن يعــترف السياســي بهــذا اإلطــار، وأن يجتهد في كيفية التطبيق على الخــارج، وأحيانــا يختلــف االجتهــادات

حتى إلى طرفي النقيض. إن االتكــاء السياســي إلى القــوانين الحقوقيــة حــتى في مــورد

تناقض االحتماالت، يظهر بالمثال

57

اآلتي، حيث إنه ال إشكال أن األدلة األربعــة هي معتمــد الفقهــاءــاقض االجتهــادات ال في ــك فقــد تن في اســتنباط األحكــام، ومــع ذل

الحكم فحسب، بل وحتى في االستفادة من مدرك واحد. مثال يرى أحد الفقهاء بطالن المعاطــاة أو جوازهــا، اســتنادا إلى

حيث يقول: إنها ،(1)يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقودقوله سبحانه: ليست عقدا فهي باطلة، أو ال أقل من كونها جائزة وليست بالزمــة، بينما يرى الفقيه اآلخر صحة المعاطــاة ولزومهــا اســتنادا إلى نفس هذه اآلية، حيث يقول: إنه عقد عرفي، إذ ال يلزم في العقــد اللفــظ

فيشمله قوله سبحانه. وكما أن اإلطار لم يختلف في المســألة المــذكورة وإن اختلفتــوقي ال ــار الحق ــذلك اإلط ــرفي النقيض، ك ــد ط ــادات إلى ح االجتهيختلف في االجتهادات السياسية وإن وصلت إلى طرفي النقيض.

وكـــذلك يتوقـــف العرفـــان السياســـي على عرفـــان القـــانونــوانين البالد األساسي، والقانون األساسي في الحقيقة موجز لكل ق الموضــوعة، أو الــتي ستوضــع، فبينمــا قــوانين االقتصــاد واالجتمــاع والقضاء وغيرها قد تكون مئــات األلــوف، يكــون القـانون األساسـي في نفس الــوقت أقــل من ألــف، مثلهمــا في ذلــك مثــل )الكتــاب(

و)السنة(، حيث إن الثاني شرح لألول وتفسير وتبيين له. وعليــه، فــالالزم لمن يريــد عرفــان السياســة معرفتــه للقــانون األساسي، كما يلزم عليــه إن أراد إدارة سياســة البالد، أن ال يخــرج

من إطاره وإن كان له الحق في أن يجتهد في هذا اإلطار.

. 1المائدة: سورة ( ?)158

األدلة األربعة فقط المصدر للدستورــزم وحيث انجر بنا الكالم إلى هنا، البد من اإللماع إلى حقيقة يلــانون األساســي ـ أن ال يغفل السياسي اإلسالمي عنها، وهي أن الق الدستور، الذي يدون ألجل بلــد إســالمي البــد وأن يؤخــذ من األدلــة األربعة حســب األحكــام األوليــة، فــإذا تــدخلت في الدســتور أحكــامــة كاالضــطرار والعســر واألهم والمهم ونحوهــا ســقطت تلــك ثانوي

المادة عن صالحية كونها ضمن الدستور. كما أن الدستور إذا وجدت فيها مادة ملفقة من اإلسالمي وغير اإلسالمي كانت تلــك المــادة غــير صــالحة، وهكــذا الحــال إذا تغافــل

الدستور عن شيء إسالمي وان كان التغافل لمصلحة ثانوية. ــون بعض ــا، ينبغي أن يك ــتي ذكرناه ــة ال ــذه األســباب الثالث وله المواد في )دستور الجمهورية اإلسالمية في إيــران( موقتــا ال دائمــاــد أن حســب الظــروف االضــطرارية الخاصــة، ويجب حــذفها إذ أري

يكون القانون إسالميا بحتا ودائما. فمثال: النص على أن الــرئيس يلــزم أن يكــون إيــراني الجنســية إنما هـو وقـتي للظـروف الطارئـة المعاصـرة، وإال فـإن المسـلمين أخوة، ال فـرق بين عــربهم وعجمهم وسـائر جنسـياتهم في صــالحية تسنم أي منصب رفيع من المناصب، فإن اشتراط الجنسية الخاصة من مخلفات القومية التي لم يعترف بها اإلســالم من أول يــوم، بــل

ــاسفيما ورد على لسان رسوله الكريم )صلى الله عليه وآله(: الن سواســـية كأســـنان المشـــط، ال فضـــل لعـــربي على عجمي إال

.(1)بالتقوىال شك أن مجلس و

. 341( االختصاص: ص?)159

الخبراء الذين وضعوا هذه المــادة كــانوا يعلمــون كــل العلم بمــا ذكرناه، لكنهم آثروا إقحام هذه المادة مراعاة لظروف طــارءة، ألن الظروف الطارءة االستثنائية الـتي تمـر بهـا البالد في حـال الثـورة،

تفرض مالحظة مثل هذا الشرط اضطرارا. ومثال آخر: مسألة جعل التجارة )تعاونيــا، فرديــا، شــعبيا( بينمــا هــذه المــادة ملتقطــة من حكم أولي ومن حكم ثــانوي، بينمــا كــانالالزم )جعل التجارة حرة بشروطها المقررة في اإلسالم فحسب(. والمثال الثالث: حــذف )المضــاربة ونحوهــا( من القــانون وذلــك

مراعاة لظروف خاصة. والمثال الرابع: فصل السلطات بعضــها عن بعض، مــع أن ذلــك ليس حكمــا أوليــا، وإنمــا هــو مــأخوذ من الغــرب، وأي مــانع من أن يكون نائب المجلس قاضيا، أو الوزير نائبا إذا كان صــالحا، إلى غــير

ذلك. ــذ ــذه المآخ ــل ه ــواب عن ك ــان من الممكن الج ــه وإن ك ثم إن بالحكم الثانوي، إال أن الحكم الثانوي ال يصلح أن يكون مــادة دائمــة في الدستور إال بعنوانه حكما ثانويا، فهل يصــح أن يجعــل من مــادة الدســتور )منــع التجــول في الليــالي( لظــرف خــاص اكتنفت وضــعــك بين الســلطات القانون األساسي، ومجرد االستحسان في التفكي

الثالث ال يكفي في التشريع األساسي الدائم.

انتهاك الساسة للنظم الحقوقيةــة ــزوم معرف ــان ل ــدم من بي ــا تق ــدفع بم ــد ان ــان، فق ــف ك وكي السياسي للقوانين الحقوقية، اإلشكال الــذي ربمــا يتبــادر إلى بعض

األذهان، من أنه ال فائدة في هذه

60

المعرفة بعد أن كانت القــوانين الحقوقيــة ال تطبــق غالبــا، فــإن الشعوب بما فيهم الحكام يتجاوزون القوانين في أعمالهم، والغالب

أنها تكون ذريعة للوصول إلى مآربهم. فمثال القـــوانين الديمقراطيـــة، أول من ينتهكهـــا هم الحكـــام والنواب، حيث إن المهم لديهم الوصول إلى الكراسـي، سـواء كـان ذلك الوصول عن الطرق القانونية، أو عن طريق اإلرشــاء واشــتراء

الضمائر وتزييف االنتخابات. وكذلك الكالم في القضاة وسائر قطاعــات الدولــة، والشــعب ال يشذ عن ذلك، حيث إن أسهل شيء عنــدهم انتهــاك القــانون، وفي مثل هذا الجو الذي فيــه القــانون أهــون شــيء، أيــة فائــدة لمعرفــة

السياسي للحقوق، وأي احتياج للسياسة إلى القانون الحقوقي. وجه االندفاع: إن االنتهاك شيء، والمسلمية لدى الجميع ليكون مورد األخذ والعطاء ومرجعا لدى االختالف والتنازع شيء آخر، وهل يتمكن أن تعيش أمة بدون مسلميات تجعل المرجع والمنطق، فــإن الفرد يحتــاج في حياتــه الشخصــية واالجتماعيــة إلى مــا يبــني عليــه أمـره من األصـول والمقـررات، وإال كـانت حياتـه فرطــا، كمـا قـال

وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكــان أمــرهسبحانه: .(1)فرطا

واإلنســان المفــرط ال يصــلح للبقــاء ألنــه هــادم، فكيــف يصــلح للعشرة وأن يكون لالجتماع الذي يــراد إصــالحه، وإذا صــارت األمــة

مفرطة فأجدر بها أن تزول، كما قال الشاعر: وإنما األمم األخالق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخالقهم ذهبوا

. 28 :( سورة الكهف?)161

التدقيق في المجتمع ومما تقدم ظهر أمر آخر أيضا، وهو أن السياسي ليس بإمكانــهــرف أن يكتفي بمعرفة القوانين الحقوقية بما فيها الدستور، إذ ال يعــانون االجتماع من خالل مطالعة القانون، وذلك لما تقدم من أن القــا، ألن ينتهك دائما، بل الالزم عليه أن يدقق النظر في االجتماع أيضــاع، وإذا لم ــالح االجتم ــاع إلص ــد االنطالق من االجتم ــي يري السياس يعرف المجتمع وقدر تطبيقه للقانون وهتكــه للقــانون، كيــف يمكنــه

إصالح المجتمع. فإن الطبيب الذي ال يعرف الداء ال يمكنه إعطاء الدواء، ومجرد معرفة الطــبيب بــالقوانين الطيبــة واألمــراض واألدويــة ال يكفي في

اعطائه الدواء المالئم، إذا لم يشخص مواضع العطب والخلل.

االرتباط بين السياسة وبين علم االجتماع : أما احتياج السياســة إلى علم االجتمــاع، واحتيــاج السياســي4

إلى أن يكــون عالمــا باالجتمــاع، فألن السياســة شــكل من أشــكالالروابط االجتماعية.

ــة ــة، وعالق ــة اجتماعي ــهم إلى بعض رابط ــة بعض ــة العائل فعالق المتعاملين أحدهم باآلخر رابطة اجتماعية، وعالقة التالميذ باألســتاذ،ــا من ــة، وإلى غيرهـ ــه الجريمـ ــرم بمن وقعت عليـ ــة المجـ وعالقـ العالقــات، كلهــا روابــط اجتماعيــة، والسياســة وهي عالقــة مجمــوعــة، ــالعكس من أكــبر الروابــط االجتماعي ــة حكامــه، وب الشــعب بهيئ لوضوح أن ما عداها محدود بقطاعات خاصة، بينما هذه )السياســة(

تشمل كل األمة بمختلف قطاعاتها.فإن بحوث علم االجتماع من أمثال: االرتباط بين الطبيعة

62

والمجتمع، وبين العلم والمجتمــع، وكيفيــة الســلوك االجتمــاعي، وتقســيم المجتمــع إلى طبقــات، واألمــور المرتبطــة بالشخصــية والمؤسسات االجتماعية، والطوارئ على المجتمع كالحرب والسلم والتقدم والجمود، والتكامل االجتماعي، وغيرهـا ممـا يـذكر في علم االجتمــاع من المســائل، ترتبــط بالسياســة مباشــرة، حــتى إن علم السياسة )وهو علم اإلدارة العامة( ال يتم إال به، وحتى إن السياسي

ال يتمكن من اإلدارة إال بالعلم بتلك المواضيع.

تبادل االحتياج بين العلمينــاج، ــادالن االحتيـ ــة( يتبـ ــاع( و)علم السياسـ ثم إن )علم االجتمـ فالسياسة بدون االجتماع ناقصة، كمــا أن علم االجتمــاع بــدون علم

فإجماال كل داخل في كلي اآلخر، فالسياســة تأخــذ،السياسة ناقصــار، كمــا أن عينات من علم االجتماع لتجعلها موضع الدراسة واالعتبــا ويفهم على ــذ جمال من علم السياســة ليطالعه ــاع يأخ علم االجتمــدد فهم ضوئها بعض الروابط االجتماعية، حيث إن علم االجتماع بص

الروابط االجتماعية. ــة المفهــوم، ــدون معرفــة السياســي علم االجتمــاع من ناحي وب ومطالعتــه لـذات المجتمـع من ناحيــة االنطبــاق، ال يتمكن أن يكـون منطلقا عن المجتمع، كما ال يتمكن أن يكون موجهــا للمجتمــع، فهــوــه من كما ذكرنا في الموضوع الثالث المتقدم، كالطبيب الذي البد ل

علم الطب مفهوما وانطباقا ليتمكن من العالج.

63

االرتباط بين علم النفس والسياسة : ومن هنا يظهر وجه احتيــاج السياسـة إلى علم النفس، حيث5

إن مهمة السياسة اإلدارة، واإلدارة ال تكــون إال على البشــر وألجــل البشـــر، وبـــدون أن يتعـــرف السياســـي على النفســـيات لألفـــراد

والفئات، كيف يتمكن من اإلدارة. فان حجر الزاوية في كل شيء إنساني هو فرد اإلنسان، وفــرد اإلنسان )جسد( و)نفس( و)روح(، فالجسد هذا المشــاهد الســفلي،

،(1)ونفخت فيــه من روحيوالــروح نفحــة قدســية، قــال ســبحانه: ــا ــا الســمو باإلنســان، والنفس شــيء بين ذين الشــيئين يجره همه

الجسد تارة إلى السفل، وتجرها الروح تارة إلى العلو. ولذا نشاهد االزدواجيــة في اإلنســان، حيث إن شــيئا في داخلــه يــأمره بالحســن، وشــيئا آخــر في داخلــه أيضــا ينهــاه عن الحســن، وكذلك يأمره أحدهما بالقبيح وينهاه اآلخر عنه، مما يظهر منه أنهمــا قوتان في داخل اإلنسان، فإن القوة الواحــدة ال يصـدر منــه إال أمــر

واحد، وإال لصدر كل شيء من كل شيء، كما قالوا في الفلسفة. ومن جهة توسط النفس بين السمو واالنحطــاط، بخالف الــروح التي هي سامية أبدا، نرى في القرآن الحكيم أنه إذا جــاء فيــه ذكــر )الــروح( قــورن بــاالحترام، بينمــا إذا جــاء فيــه ذكــر النفس قــورن

ونفس ومــا ســواها * فألهمهــا فجورهــاباالحتمالية، قــال ســبحانه: . (2)وتقواها

وإذ ظهر أن مهمة السياســي اإلنســان، واإلنســان جســد ونفسوروح، والروح سامية أبدا فهو مكفي المؤونة،

. 72، سورة ص29الحجر: ( سورة ?)1. 8 ـ 7( سورة الشمس: ?)2

64

ــه، ــبيب عالج عطب ــأن الط ــذي من ش ــد( ال ــا يبقى )الجس وإنم و)النفس( الــتي يجب على السياســي وغــيره تقويمهــا، ظهــر وجــه

احتياج السياسة إلى علم النفس. ــويم ــه تق ــده علي ــا ال نقصــد أن السياســي وح ومن الواضــح أن النفس، بل القصد مدخليــة السياســة في ذلــك، فــإن المقــوم األهمــر ــاب ذك ــدين من ب ــد ال ــر األخالق بع ــدين واألخالق، وذك للنفس ال

الخاص بعد العام.

جوهر النفس يؤثر في أمور أربعةــوهر النفس ــيء، حيث إن ج ــل ش ــوم ك ــومت تق والنفس إذا ق

يحيط به أربعة أمور: ــل1 ــؤثر في عمـ ــوهر النفس يـ ــة، حيث إن جـ : النفس العاملـ

النفس أيضا، ولذا جعلناهما شيئين. : والبدن. 2 : والمحيط االجتماعي بكال شــقيه، المجتمــع الصــغير كالعائلــة3

والمدرسة، والمجتمع الكبير وهي األمة كلها. : والمحيــط الطــبيعي من األرض ومــا فيهــا ومــا عليهــا، ومن4

الواضح أنه إذا صلح جــوهر النفس قــامت النفس بإصــالح كــل تلــكــك ــد تل ــد وأفس ــأنه فس ــوهر النفس وش ــرك ج ــات، وإذا ت المحيط

المحيطات. والساسة يجب أن تعرف االجتمــاع، ومعرفــة االجتمــاع ال يمكن إال بمعرفة النفس، وإصــالح جــوهر النفس أهم مهمــات السياســي، لما قد عرفت من أن االجتماع من األمــور المحيطــة بــالنفس، فــإذا

صلح جوهر النفس صلح، وإال لم يصلح.

65

احتياج السياسي إلى التاريخ : وأخيرا تحتاج السياسة إلى علم التاريخ، فالسياسي ال يكــون6

سياسيا بمعنى الكلمة إال إذا عــرف التــاريخ، ألن مــا يجــده اإلنســان اآلن في الحال الحاضر ليس وليد نفسه، وإنمـا التـاريخ الطويـل لـه مدخليـــة في تكوينـــه، وإذا لم يعـــرف اإلنســـان العلـــة لم يعـــرف

المعلول، ولم يتمكن أن يعالج األمر المطلوب عالجه. ــه من العمــل ــد ل ــذي يهمــه أمــر العــراق، الب مثال السياســي ال إلسقاط حزب البعث الذين طغــوا في البالد فــأكثروا فيهــا الفســاد، وإســقاط حــزب البعث إنمــا يتســنى لإلنســان إذا عــرف الظــروف السياسية واألحوال االجتماعية واألسباب االقتصادية التي كــانت فيــة ــة فقهي العراق مما ساعدت على تكون هذا الحزب، معرفة تحليلي ال ســردية، إذ لــو ال معرفــة تلــك الظــروف واألحــوال واألســباب لمــرف مكمن ــة، واذا لم يع ــرض في األم ــان مكمن الم ــرف اإلنس يع

المرض لم يتمكن من إزالته، لتعود الحالة الطبيعية إلى البالد.

المعرفة الفقهية وإنمــا قلنــا يجب أن تكــون المعرفــة فقهيــة ال ســردية، إذ العلم بمسلســل التــاريخ ال يوصــل اإلنســان إلى جــوهر المشــكلة، فمثــلــه(، فاإلنســان )سرد التاريخ( و)فقه التاريخ( مثل )األحاديث( و)الفق ال يعرف األحكام والمسائل بمجــرد معرفــة الروايــات ســردا، وإنمــا

الفقيه بحاجة إلى جمع الروايات ومعرفة عامها وخاصها،

66

ومحكومها وحاكمها، ومطلقها ومقيدها، وجهــات الصــدور فيهــا،إلى غير ذلك من قواعد الدراية والرجال واألصول.

التاريخ المعاصر والسياسة وبذلك يعرف أنه ال يكفي للسياسـي معرفـة التــاريخ فقـط، بـل الالزم عليه عرفان مجريــات األحــداث والتيــارات الــتي تتفاعــل في البالد من الخارج، إذ كل بلد مهمــا كــان معــتزال عن العــالم بالســتار الحديدي، كبالد الشــيوعيين مثال، البــد لــه من الفعــل واالنفعــال في ســائر بالد العــالم، اقتصــاديا وسياســيا واجتماعيــا وغيرهــا، فــإذا لم يعرف السياسي أحوال العالم المعاصر ال يتمكن فهم ما يجــري في

بالده. وهذا نوع من التاريخ أيضا، فإن الزمان ســيال يســتوعب الكــل، وينقضي عن الكل، وما يخفى في باطنه يسمى )تاريخــا(، فــإن كــل لحظة ســابقة على )الحــال( تــاريخ، ســواء لوحــظ بالنسـبة إلى بلـد

السياسي، أو بالنسبة إلى سائر البالد. والتاريخ الذي يجب أن يعرفه السياســي، بعضــه أهم من بعض، فالتاريخ السياسي واالجتماعي واالقتصادي أهم من غيرهــا، كمــا أنــة التـــاريخ ــني عن معرفـ ــورة أعم ال يغـ ــي بصـ ــاريخ السياسـ التـ

الدبلوماسي، وتاريخ الروابط بين األمم.

معرفة تاريخ استيعابي ثم إن التاريخ الذي يجب على السياسي معرفته يجب أن يكون اســـتيعابيا تصـــاعديا، وكالهمـــا فيـــه قـــدر كبـــير من الصـــعوبة، إذ

)االستيعابي( بحاجة إلى معرفة

67

كدس كبير من التاريخ عموديا، أي بامتــداد الزمــان، وأفقيــا، أيبسعة األمم والمكان.

مثال من يريــد إعــادة حكم اإلســالم وتوحيــد المســلمين تحت حكومة واحدة كما أمر اإلسالم، بحاجة إلى معرفة التاريخ منذ ميالد المسيح عليه السالم عموديا، كما أنه بحاجــة إلى معرفــة كــل األمم واألمكنة التي تفــاعلت بعضــها في بعض منــذ عشــرين قرنــا أفقيــا، وحيث إن ذلــك ال يتســنى إلنســان واحــد، يحتــاج إلى االعتمــاد على جماعات تخصص كل واحد في قطعة من التاريخ، قطعــة زمانيــة أو

مكانية. ومن الواضــح أن القطعــة ال تكــون حينئــذ متفاعلــة حــتى تعطي وحــدة شــاملة هي مهمــة السياســي، فــالالزم أن يعتمــد السياســي حينئذ على ذكائه في استنتاج الوحدة من تلك القطع المتعــددة، وإال لم يعرف الروح العامــة للتــاريخ، وقــد فــرض أن الــروح العامــة في

الغابر هي المؤثرة في العالم الحاضر. أمــا التصــاعدي، فألن االســتنتاجات عن األحــداث، تختلــف كلمــا تقــدم الزمــان وظهــرت معــالم الحــق أكــثر فــأكثر، فمثال قــد ينظــر التــاريخ إلى هــارون كــأمير المؤمــنين، ثم كملــك عــادل، ثم كملــك عادي، ثم كديكتاتور سفاك فــاجر، فإنــه كلمــا جلى التــاريخ ظهــرت الحقائق أكثر فأكثر، ومن المعلوم أن التاريخ الحقيقي هو المؤثر، ال

التاريخ المزيف. ولــذا يجب على السياســي أن يتصــاعد مــع التــاريخ، وإال كــانت النتائج عكسية، فإن الرئيس العادل غير الــرئيس الجــائر، في جعلــهــاة في كــل أسوة واتباعه في السيرة، فإن التاريخ يتجدد بتجدد الحي زمـــان، بســـبب مـــؤرخين جـــدد، يســـتندون إلى مـــدارك جديـــدة

واستنتاجات جديدة، فإذا لم يكن السياسي تصاعديا في فهمه

68

ــباب، ــه في األس ــاعد فهم ــاريخ، لم يتص ــة من خالل الت السياس وبذلك يفشــل في عالجــه للمســببات، العالج الــذي هــو مكلــف بــه،

باعتباره رجل سياسة عليه إدارة األمور على النحو األفضل. وحيث إن المؤرخين ينقسمون إلى مجموعــات، وكــل مجموعــة تخالف المجموعة األخرى في النظريات، فالالزم على السياسي أن ال يؤطر تفكيره بإحدى تلك اإلطــارات، وإال لم يكن اســتيعابيا يصــل

أعقــل النــاس من جمــع عقــلإلى أفضــل النتــائج، وفي الحــديث: . الناس إلى عقله

مثال المؤرخون الماركســيون يجعلــون أدوار التــاريخ أربعــة كمــا تقدم، ويستخلصون من ذلك أن األساس لكل شيء االقتصــاد، ولــذا يبنون تفكيرهم المســتقبلي على االقتصــاد، بينمــا المــؤرخ )توينــبي( يقسم أدوار التمدن البشري إلى واحد وعشرين قسما، ويجعل لكل تمــدن أربــع مراحــل، كمراحــل الفــرد من والدة ورشــد وشــيخوخة وموت، كما يرى أن حجر األساس في تسيير الفــرد الــدين، وكــذلك هو حجر األسـاس في التحـوالت االجتماعيـة، في كـل أدوار التـاريخــون المحــرك ــديون ويجعل ــأتي المؤرخــون الفروي ــه ي ــده... ولعل عن األساسي في التاريخ الجنس، قياسا على كــون المحــرك األساســي في الفرد الجنس، حســب نظريــة فرويــد، وكــذلك تــأتي فئــة رابعــة

يجعلون حجر األساس الزعامة وحب السيطرة، وهكذا.

ترجمة التاريخ وتطبيقه وقد تبين مما تقدم أن الالزم على السياسي أن ال يجعل التاريخ

كالميت

69

ــار من متحــف إلى متحــف، ــه أصــحاب اآلث ــذي ينقل المحنــط الفالزمان ليس متحفا، والتاريخ ليس ميتا.

بل الالزم أن يترجم التاريخ ـ الذي يريد أن يجعلــه أســوة ـــ إلى روح تالئم عصره، ليستفيد منه سياسيا في حال كونه يتخــذه أســوة

أيضا. فمثال انتصارات اإلسالم، يجب أن ال يغفـل عنهـا جسـما وروحــا، ألجــل نهضــة إســالمية جديــدة، وفي نفس الــوقت يجب أن ال تتخــذــا إلى الزمــان جســما هامــدا يــراد نقلهــا بأبعادهــا المعلومــة تاريخي الحاضر، فإنه يكون حينئــذ من قبيــل المحاربــة في عصــر الصــاروخ بالسهم، واالستطالع في عصر األواكس بالــدخان الــذي كــان يعتمــد عليه في إرســال األخبــار المهمــة إلى البالد البعيــدة بســبب المنــائر

المنصوبة لذلك.

70

ومعرفة وفن علم السياسة قد يتــوهم أن السياســة ليســت علمــا، وإنمــا هي(:7)مسألة

إدارة، واإلدارة عمل، وذلك يعتمد على ذكــاء اإلنســان وتجاربــه ومــايأخذه من المحيط.

وقد يتــوهم أن السياســة ليســت إال إتقــان فن الكــذب والــدجلوالنفاق.

وقد يتوهم أن السياسة ليست من اإلسالم، وأن العــالم الــدينيهو العارف بالتفسير والتاريخ اإلسالمي والفقه وما أشبه.

وكــل هــذه االوهــام ال أســاس لهــا من الصــحة، فالسياســة علم كســائر العلــوم، ولعــل هــذا التــوهم نشــأ من أن البريطــانيين قلمــاــانت يطلقون العلم على السياسة، وكثير من بالد الشرق األوسط ك

خاضعة لالستعمار البريطاني وسرت إليها ثقافتهم. ولـــذا زعم جمـــع من المثقفين في هـــذه البالد تبعـــا لهم، أن السياســة ليســت علمــا، ومــاذا هــو العلم، إن العلم هــو مجموعــة كشوف للحقائق الكونيــة، ســواء كــانت حقــائق خارجيــة، أو حقــائقــور ــيرين أن األم ــرق بين األخ ــة، والف ــائق اعتباري ــة، أو حق انتزاعي االنتزاعية له تقرر في ظــرف مــا، ســواء كــان إنســانا أو عينــا أو لم يكن أحدهما، أمثال أن )األربعة زوج( و)الكــل يســاوي أجــزاءه( إلى

غير

71

ذلك، حيث إنه إذا فرض عدم وجود مفكر كــانت األربعــة زوجــا، والكل يساوي أجــزاءه، وكــذلك إذا لم يكن مخلــوق أصــال لم تخــرجــان عن واقعهمــا، فاألربعــة كلمــا وجــدت فهي زوج، ــان الحقيقت هات

وهكذا. أما األمـور االعتباريـة فهي الـتي ال حقيقـة لهـا في عــالم مــا، ال عالم الخارج والعين، وال عالم االنتزاع، بل وجودهــا باعتبــار المعتــبرــار الماليــة، حتى إذا لم يكن معتبر لم تكن، مثل كون الدينار له اعتب فإن الدينار )الورق( ال يسوى فلسا واحدا، وإذا كان بدون اعتبار من بيده االعتبار ال يعطى في قبال مائــة منــه حــتى قــرص خــبز واحــد،

بينما إذا اعتبره المعتبر كان كل دينار في قبال مائة خبز مثال. واذا تحقــق أن العلم عبــارة عن مجموعــة كشــوف، فالسياســة علم، حيث إنه كشوف لكيفية اإلدارة العامــة، ولكيفيــة االرتباطــات، وأنهــا عبــارة عن مجموعــة أغصــان علــوم، كعلم التــاريخ واالجتمــاع

واالقتصاد وغيره. ولعل الذين نشروا أن السياسة ليست بعلم في البالد اإلسالميةــو كانوا عامدين، حتى ينسحب المسلمون عن تعلم السياســة، فيخل لهم الجو في أن يستغلوا جهــل النــاس، فيفعلــوا مــا يشــاؤون، كمــا

حدث ذلك بالفعل.

تركيز اليهود النعدام الوعي السياسي إن عدم الوعي السياسي ركز إســرائيل في المنطقــة، واقتطــع لبنان اإلسالمي وأعطاه للصليبية، وجــاء بحكومــات االنقالبــات الــتي ليس لها أي سند من العقل والمنطق حتى قدر قالمة ظفر، وشتت بالد اإلسالم إلى دويالت ال حول لهــا وال طــول، وجــاء المســتعمرون

إلى البالد تارة بالقومية، وأخرى

72

ــذا، ــة، وهك ــة بالوجودي ــتراكية، ورابع ــة باالش ــيوعية، وثالث بالش وجعلــوا )القــانون( مكــان أحكــام اإلســالم، إلى غيرهــا وغيرهــا من المآسي التي لم يكن يمكن أن تقع حتى جزء منهــا لــو كــان الــوعي

السياسي موجودا.

))هل السياسة ملوثة(( ــا ــد لعمــل المســتعمرين، مفهوم ــو ولي ــاني: فه ــوهم الث أمــا التــالمعنى ــة ب ــير السياس ــروا تفس ــذين نش ــإنهم هم ال ــداقا، ف ومص المذكور، حتى يأباها أصحاب الضمائر والدين، وبذلك يتسنى لهم أن يأتوا بعمالئهم إلى الحكم، وفي غياب من الرشــد الفكــري والــوعيــدجل ــة وال ــه باالنتهازي ــة في ــمت السياس ــو وص ــي وفي ج السياس والنفاق، مما سبب انسحاب األخيــار من الميــادين، جــاء االســتعمار بأتــاتورك تركيــا، وبهلــوي إيــران، وســادات مصــر، وقاســم العــراق،

وغيرهم في سائر بالد اإلسالم، هذا من جهة المفهوم. وأما من جهــة المصــداق، فــإن الــذين دفــع بهم المســتعمر إلى سدة الحكم في بالد اإلسالم كان كل منهم مصدقا لمــا نشــروه منــائعي األوطـــان المفهـــوم اآلنـــف، حيث لم يـــر النـــاس فيهم إال بـ والمبتغين للشهوات الرخيصة والمنافقين والدجالين، إلى آخر قائمةــالحون ــبر( تجنب الص ــبر الخ ــدق الخ ــة، وإذ )ص ــفاتهم المعروف صــتعمرين ــام المس ــال أم ــح المج ــا فس ــأكثر، مم ــثر ف ــة أك السياس

وعمالئهم.

))هل السياسة ليست من اإلسالم(( وأمــا التــوهم الثــالث، فقــد كــان من نشــر المســتعمر، حيث إن علماء اإلسالم إذا انزووا عن الميدان تســنى للمســتعمر أخــذ أزمــة البالد، وجعل القوانين التي تخدم الكفر والكفار عوض اإلسالم الذي فيــه العــزة واالســتقالل والنجــاة، وإال فقــد كــان الرســول واالئمــةــأن )عليهم الصالة والسالم( كلهم يزاولون السياسة، وكذلك كان ش

العلماء قبل دخول المستعمر البالد. وهــذه كتبهم الفقهيــة وصــفحات تــاريخهم المشــرق، تنــبي عن

بيانهم المسائل

73

السياســة وتــدخلهم في األمــور، كمــا ينــبي عن تــدخلهم أحــوال الشريفين والفاضلين والمجلسيين والعامليين والشيرازيين وغيرهم

ممن سردت أحوالهم في كتب مفصلة. ثم نرجع إلى الذين قالوا إن السياسة ليســت بعلم ونقــول لهم:

ما هي ميزات العلم، لنرى هل أن السياسة علم أم ال.

ميزات العلم الثالثوإذا الحظنا ميزات العلم، نجد أنها ثالث ميزات رئيسية:

األولى: ميزة الضبط والمحاسبة. الثانية: ميزة الرؤية المستقبلية.

الثالثة: ميزة االنفالت عن الخرافة ومشاكل الحياة.ونرى أن كل هذه الميزات الثالث موجودة في علم السياسة.

))الضبط والمحاسبة((ــه ــل ل ــاع، وتجع ــيزة األولى: فالسياســة تضــبط االجتم ــا الم أم الحسابات الدقيقة أو التقريبيــة، فمثال السياســة تــبين الروابــط بين الفرد والدولة، والدوائر بعضها ببعض، والدول بعضها ببعض، وتجعل لالنتخابات واألكثرية والحريــات وســائر األمــور السياســية حســابات

وضوابط. وليس معنى ذلك أنها كالمحاســبات الرياضــية والهندســية بتلــك الدقة المتناهية، وعدم التخلـف حــتى في كـل ألــف واحــد، كمــا هــوــة من العلــوم كــالعلمين الســابقين، وكــالمنطق والكالم شــأن جمل والفلسفة والفيزياء والكيمياء ونحوها، فإن من العلــوم مــا ال تخــرم قواعدها إطالقا، ومن العلوم ما تجعل القواعــد األكثريــة والضــوابط األغلبيــة، فمن القســم األول الضــرب حســابا، والمثلث هندســة،

واألشكال األربعة منطقا، وأصول

74

الــدين كالمــا، ومبــاحث الوجــود والعــدم فلســفة، وآثــار المــادة بنفسها أو تفاعلها في غيرها فيزياء وكيمياء، حيث ال تخلــف لقواعــد

هذه العلوم إطالقا. كما أن من القســم الثــاني مبــاحث علم االجتمــاع وعلم النفس

وعلم االقتصاد وعلم الطب ونحوها، حيث إنها غالبية ال تدقيقية. مثال )االجتماع( يقــول: الحــرب تســرع عجلــة العلم إلى األمــام. وهذه القاعدة ليست صادقة على كل الحروب، إذ منهــا مــا تســتنفذ

قوى الشعب فتسقطه إلى الحضيض. و)النفس( يقــول: اإليحــاء النفســي تلـون النفس بلــون اإليحــاء.ــع اإليحــاء في بعض الســفهاء ــا ال ينف ــا، إذ ربم ــك إال أغلبي وليس ذل

وأصحاب االتجاهات القوية. و)االقتصاد( يقول: بقاعدة العرض والطلب في الرخص والغالء. بينما قد يتدخل شيء آخر مما يأخذ الزمام عن القاعــدة المــذكورة،

فيقل العرض مع الرخص أو يكثر مع الغالء. و)الطب( يقــول: إن الطعــام الفالني يــوجب إســهاال. بينمــا قــد

يتدخل عامل آخر فيورث الطعام المذكور إمساكا. ولــذا تــرى أن علمــاء هــذه العلــوم يعــترفون بأغلبيــة قواعــدهم الموضوعة لتلك العلوم، بينما ترى العلماء من القسم األول يقولون

بدقة قواعدهم المقررة دقة متناهية. وعلم السياسة من القسم الثــاني، فقواعــدها أغلبيــة ال دائميــة، ومجرد ذلك ال يخرج السياسة عن كونه علما، وهذا ما يعبر عنه عند بعض بأن أسبابها بالنسبة إلى مسبباتها من بــاب )المقتضــي( ال من

باب )العلة التامة(. ثم إن ما ذكرناه من أغلبية قواعد بعض العلوم، ال يراد بها أنه ال ضوابط دقيقة لقواعد تلــك العلم إطالقــا، بــل المــراد أن البشــر لم يصل في معرفته إلى تلك القواعد بشــرائطها وموانعهــا، وإال فاللــه

سبحانه جعل لكل شيء قاعدة دقيقة

75

ال يمكن التخلف عنها قيــد شــعرة، وإنمــا يصــل علم البشــر إلى بعض تلك القواعد بكل شرائطها وموانعها، فتكون القاعدة مكتشفة بدقة كقاعدة أرخميــدس في الســوائل، وبعض قواعــد نصــير الــدين

في الفلك، وقواعد رسطاليس في المنطق. وقــد ال يبلــغ علم البشــر إلى كــل تلــك القواعــد في شــرائطها وموانعها، فيضــع القاعــدة األغلبيــة، كقواعــد الطب، إنــه ال شــك أن سقمونيا مثال إذا اجتمع فيه الشرائط الواقعية كان مسهال للصفراء.ــه أن لكن حيث ال يعرف الطبيب كل تلك الشرائط بدقة، كان البد ل يقول: إنه مسهل أغلبي، إذ ربما يصادف فقد شــرط أو وجــود مــانع

فال يؤثر األثر المذكور. وهكذا بالنسبة إلى كل علم له قواعــد أغلبيــة ال قواعــد دقيقــة، ولذا كلما تقدم العلم في أمــر تقــدم الضــبط في قواعــده، حيث إن

معنى تقدم العلم المزيد من معرفة الشرائط والموانع. وإنما ادعينا أن كل القواعد الواقعية دقيقة غاية الدقة، للقاعــدة ــه إال العقلية المعروفة: )الواحد ال يصدر إال من الواحد، وال يصدر من الواحد( بالنسبة إلى الفاعل بالجبر، وإال لصــدر كــل شــيء عن كــل

شيء. وإن شــئت قلت: )قاعــدة العلــل والمعاليــل( عقليــة بكــل دقــة،ــدعي وتلك ال تدع مجاال لعدم االنضباط ولو بقدر شعرة، وإن الذي نــرائطها ــل ش ــدة لك ــف القاع ــان حين كش ــف اإلنس ــدم كش ــو ع هــؤثر ــد وأن ت وموانعها، وإال فمع اجتماع الشرائط وفقدان الموانع الب

العلة في المعلول بدون التخلف.

الرؤية المستقبلية أما المــيزة الثانيــة: وهي مــيزة الرؤيــة المســتقبلية، فــإن العلم

عبارة عن مجموعة

76

كشــوف يصــل اإلنســان بســببها إلى مناهــل الحقــائق، فيعطی العلم لإلنســان رؤيــة المســتقبل، بأنــه كلمــا تحقــق الســبب تحقــق

المسبب، وهل العلم إال ذلك. فعلم الطب مثال يعطي لإلنسان معرفة أنه كلما تعفنت األخالط كــانت الحمى، أو كلمــا دخلت الجرثومــة الفالنيــة في رئــة اإلنســان

تحقق التدرن الرئوي. وعلم الهندســة يعطي رؤيــة أنــه كلمــا تحقــق المعين من أبعــاد

ثالثة خاصة تحقق للجسم االستيعاب بالقدر الفالني. وهكذا بالنسبة إلى سائر العلوم حــتى اللفظيــة منهــا، ففي علم

النحو يقال: كلما تحقق وصف فضلة نصب على الحالية. والسياســة هكــذا تعطي الرؤيــة المســتقبلية، مثال في فصــلــة االنتخابات تعطي السياسة قاعدة أنه كلما كان المرشح أكثر نزاه

وأكبر دعاية كان فوزه أقرب من فوز خصمه. وفي فصل السياسة الدولية نرى القاعــدة العامــة القائلــة، بأنــه كلما كانت الحضارة في دولة أكمل، كانت السيادة فيها على الدول األقل حضارة منها أكثر، إلى غير ذلك من المسائل السياســية الــتي

تعطي الرؤية المستقبلية.

انعدام الرؤية للمستقبل أمــا مــا نشــاهد من عــدم تمكن السياســی من الرؤيــة الدقيقــة

للمستقبل في كثير من األحيان، فإنه يعود إلى أحد أمرين: األول: عدم اهتمامــه بالمقــدمات اهتمامــا كافيــا، وحيث غلطت

عنده المقدمات لم تكن النتيجة المتوخاة. الثــاني: عــدم دركــه لكــل األســباب والشــرائط والموانــع، ومن الواضــح أن النتـــائج تابعــة لمقــدماتها، ال لمـــا أدرك اإلنســان من

اإلدراكات الناقصة غير الواقعية،

77

وإال فحتى العلوم الرياضية إذا لم يهتم الرياضي بالمقدمات حقــة ــل إلى فهم النتيج ــق اإلدراك، لم يص ــدركها ح ــام، أو لم ي االهتم

الصحيحة.

اإلنقاذ من الخرافة والمشكلةــيزة الثالثــة للعلم: وهي مــيزة اإلنقــاذ من الخرافــة وأمــا المــوفرة أيضــا في علم السياســة، فــإن الســؤال والمشــكلة، فهي مت المطروح في كل أنواع العلوم: إنه ما فائدة العلم، وماذا ننتفــع منــه ــالغض عن كون ــا، والجــواب: إن العلم ب ــات حــول علم م التحقيق فضــيلة، وعن كونــه قــد يكــون لنفســه، فيقــال: العلم للعلم، يعطي

لإلنسان أحد شيئين: ( اإلنقاذ من الخرافة والبدائية. 1( الخالص من مشكالت الحياة.2

ــرجكمفاإلنسان يخلق خالي الذهن، كما قال سبحانه: والله أخ هذا الفراغ الذهني ينتج أول و،(1)من بطون أمهاتكم ال تعلمون شيئا

ما ينتج )البدائيــة التفكيريــة( ثم )عــدم وصــول اإلنســان إلى الحيــاة الســعيدة( وكثــيرا تصــل البدائيــة إلى الخرافــة، فــتزرع في الــذهن ــيرا ــه كث المواد الضارة وخالف الحقائق مما يسمى بالخرافة، كما أن ما ينتج الفراغ الذهني المشــكالت الجمــة، والــتي أحيانــا تــؤدي إلى

عطب اإلنسان أو فقده حياته. فمثال من ال يعتقد بوجود إلــه عــالم قــدير حكيم، البــد وأن يعبــد الصــنم أو أن ينتهي إلى أن الكــون معلــول طبيعــة جامــدة عــاجزة، وكالهما خرافة، مثلهما مثل من يعتقد بأن مجلدات دائرة المعــارف

من تأليف بقرة، أو من تأليف

. 78 :( سورة النحل?)178

الشمس والهواء والماء والتراب، وهــل الطبيعــة شــيء إال هــذهاألمور األربعة وما أشبهها.

ويأتي بعد ذلك دور المشكالت، فمن يــنزل في عينــه المــاء، وال يعرف الطب وليس هنــاك طــبيب، يعيش طــول حياتــه أعمى، ومنــوت في ــه الم ــذه، اخترم ــبيب ينق ــل، ولم يكن ط ابتلى بحمى الس ريعان شبابه، وهكذا بالنســبة إلى راكب البحــر بــدون ربــان، وبــاني الــدار بــدون قواعــد البنــاء، حيث يغــرق األول ويخــر الســقف على

الثاني فتتكسر عظامه، فيدخل في قافلة الزمنى والمعوقين.

وجود هذه الميزة في السياسة والسياسة تغترف من منهل هذه الميزة الثالثــة أيضــا، فــإن من ليس بسياســی البــد وآن يــزعم بــأن الحــاكم الــديكتاتور ظــل اللــه! وينفذ إرادة الله، وهي خرافة، باإلضافة إلى أنــه يصــبح عبــدا يســاق كما يشتهيه الــديكتاتور حســب أهوائــه، وذلــك يــوجب شــقاء حياتــه،

وأحيانا يجزره الحاكم المستبد جزر األضاحي فيكون قتيل جهله.

79

وخارجية ساحتان: داخلية للسياسة الفقيــه السياســي يجب أن يالحــظ السياســة في(:8)مسألة

ســاحتين، ســاحة الــداخل والســاحة العالميــة، وذلــك ألن السياســة بنفســها لهــا الســاحتان المــذكورتان، فــإن اإلدارة وأعمــال القــدرة والنفوذ الــتي هي عبــارة اخــرى عن السياســة، البــد وأن تكــون في

الداخل، كما البد وأن تكون في الخارج، ولكل منهما شعبتان.

للداخل شعبتان األولى: حفظ الداخل بما هو وظيفــة الدولــة في ضــبط النظــام

وأخذ زمام العدل واإلنماء، وما إلى ذلك. الثانية: الحيلولة دون تســرب السياســات األجنبيــة إلى الــداخل،

هذا بالنسبة إلى داخل البالد المحدودة بحدود هذه الدولة أو تلك.

للخارج شعبتانوأما بالنسبة إلى الخارج، فللدولة شعبتان أيضا:

األولى: وضع التأثير على سائر الشــعوب في اإلســهام بنظمهــا،وكف الظلم

80

عنها، وذلك ألن اإلنســانية وحــدة واحــدة، والالزم على اإلنســان بما هو إنسان خدمة اإلنسان اآلخر مهما كان لونه وعقيدته واتجاهــه

والنظام المسيطر عليه. وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستضعفينقال سبحانه:

(1). ــه(: ــه وآل ــه علي ــلى الل ــال )ص ــنانوق ــية كأس ــاس سواس الن

.(2)المشط وقال اإلمام أمير المؤمنين )عليه الســالم( في كتابــه إلى مالــك

.(3)إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلقاألشتر: وفي الشعر المنسوب إليه )عليه السالم(:

الناس من جهة التمثيل أكفاء (4)أبوهم آدم واألم حواء

ــاكم منوقد كان من أوليات اإلسالم ما ذكره سبحانه: إنا خلقن .(5)ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا

.(6)لكل كبد حراء أجروقال )صلى الله عليه وآله(: مما يوجب أن ينظر اإلنسان إلى أخيه اإلنسان بنظـر اإلنسـانية،

فيساعده ويخفف عنه المآسي والتي منها مأساة خرافة العقيدة. الثانية: محاولة كف حكوماتهــا عن التــأثير في البلــد اإلســالمي،ــدخل مثال بسبب )الجماعات الضاغطة( وما أشبه، حيث إنه لو لم تت الحكومة في الحيلولة عن التأثير في بلدها أثرت الحكومة الخارجية

في البلد بمختلف أنواع التأثير

. 75 :( سورة النساء?)1. 341( االختصاص: ص?)2. 53 ( نهج البالغة: الكتاب?)3 قافية األلف. 5(: صليه السالم )عي( ديوان اإلمام عل?)4. 13 :( سورة الحجرات?)5. 23 ب370 ص71، وبحار األنوار: ج99 ف139ص: جامع األخبار( ?)6

81

كما سيأتي بعض الكالم في كيفية تأثير الدول بعضها في بعض.ــال ــول: المســرح األول من مســرحي أعم ــك نق إذا عــرفت ذل

الدولة نفوذها وسياستها، هو مسرح الداخل.

ومعانيهاإطالقات الدولةوالدولة لها ثالث إطالقات:

األول: أن يراد بالدولــة )القـوة التنفيذيــة(، فيقــال: قــد صـممت الدولة على كذا أو كفت الدولة يــدها عن كــذا فــإن المــراد بالدولــة

حينئذ القوة التنفيذية. الثاني: أن يراد بالدولة كل التشكيالت الحكومية، من السياسيةوالقضائية والتنفيذية وغيرها، وهذا اإلطالق أعم من اإلطالق األول. الثالث: أن يراد بالدولة ما يشمل األمة أيضا، وذلك كما يقال إن دولة العراق محــددة بــإيران وتركيــا والخليج، فــإن الدولــة يــراد بهــا حينئذ مجموع السكان بحدودها األرضية الخاصة، وهــذا اإلطالق أعمــالقرائن ــة ب ــراد من الدول ــيين الم من اإلطالقين األولين، والالزم تع

المكتنفة بالكالم. وبذلك ظهر أن قولنا: الدولة تعمل نفوذها في مســرح الــداخل، نريد بالدولــة أحــد اإلطالقين األولين، والغـالب إرادة اإلطالق الثــاني حيث اعتاد الناس أن يريدوا بالدولة مجمــوع التشــكيالت السياســية وغيرها، فمجلس األمــة كمجلس الــوزراء كالهيئــة القضــائية وســائر

اإلدارات مسرح أعمال نفوذها مجموع األمة بما لها من األرض.

))نقد بعض التعاريف(( وانطالقــا ممــا عــرفت من معــنى الدولــة، قــد يعــرف بعض

السياسيين الدولة

82

بأنها الجبهة السياسية واالدارية المتحضــرة المســتقاة من إرادةــف األمة، والتي تعمل لنفع المجموع في المجموع. ولكن هذا التعري بقيوده المذكورة ال يمكن انطباقه على كل الدول، أو بعبــارة أخــرى

إن التعريف المذكور تقريبي وليس جامعا مانعا، إذ: ليست الدولة الجبهة السياسية واإلدارية المتحضرة دائما،أوال:

ففي الحكومات الديمقراطيــة تعمــل األقليــة غــير الفــائزة بــالحكم، أيضا في مجال الحكم مــع وجــود الشــرعية لهــا، ســواء في مجلس األمة، أو في دوائر اإلعالم، أو في سائر الدوائر. نعم كلمــة الفصــل

في مورد االختالفات، تكون للحزب الحاكم.ــة نفس ــة المعارض ــل الجبه ــة تعم ــات الديكتاتوري وفي الحكوم أعمال األقلية في الديمقراطية، ولكن ليس مع الشرعية الموجــودة

في الديمقراطية.ــل ــة ألج ــة الدول ــا في حرك ومن الواضــح أن للمعارضــة تأثيره مآربها، فالجبهة المعارضــة تقــف من الدولــة دائمــا بالمرصــاد، ممــا تخرب أحيانا، وتســبب صــرف نظــر الدولــة عن أهــدافها ومقرراتهــا

أحيانا أخرى. ليســت الدولــة مســتقاة من إرادة األمــة إال في الــدولوثانيا:

ــتقاة إال من االستشارية، وإال فالدول الديكتاتورية ليست الدولة مس السالح أحيانا، واالستعمار أحيانـا، فليسـت الدولـة ثمــرة األمــة، بــل

مفروضة عليها. وإنما قلنا: )االستشارية( ألن الدولة النابعة من إرادة األمة على

قسمين: األول: الدولة الديمقراطية، التي تنتخب األمة فيهــا نوابهــا، وهم يعينون القوة التنفيذية ويشرعون األحكام، سواء للقوة القضــائية أو

التنفيذية أو اإلدارية أو غيرها.

83

ــوا ــا، ليكون ــة نوابه ــتي تنتخب األم ــة اإلســالمية ال ــاني: الدول الث مأطرين للقانون اإللهي، ومعيــنين للقــوة التنفيذيــة، فــإن األمــة في اإلسالم ليس بيدها التشريع، وإنما بيدها التنفيذ فقط، مع فارق آخر وهو أن الفقيه الجامع للشرائط يكون المشرف األعلى على الدولةــة إن شــاء واألمة، كما سيأتي تفصيل الكالم في ذلك في مسألة آتي

الله تعالى. ــا ــدولتين )استشــارية( وان لم تكن كلتاهم ــا ال ــذا فكلت وعلى هــر ــارية( على ذكـ ــة )االستشـ ــتأثرنا كلمـ ــذا اسـ ــة( ولـ )ديمقراطيـ

)الديمقراطية(. ليس دائما تعمل الدولة لنفع المجموع، وإن كانت ترفعوثالثا:

هــذا الشــعار غالبــا، إذ في الدولــة الديكتاتوريــة إنمــا يكــون العمــل للحــاكم اآلخــذ بزمــام الحكم، ســواء كــان الحــاكم واحــدا كمــا فيالحكومات الملكية، أو جماعة خاصة كما في الحكومات اإلشرافية.

ــة، لوضــوح أن وفي الدولة االستشارية إنما يكون العمل لألكثري تعارض مصالح الجماعات وعدم ‘مكان جمعها، يجعل الدولة بين أن تعمــل على حســب مصــالح األكثريــة أو األقليــة، وإذا دار األمــر بين

االثنتين قدمت الدولة األولى.ــا حــتى في وال نريد بهذا الكالم أن الدولة ال تعمل للجميع إطالق التعليم والطب ومــا أشــبه، بــل المــراد أن العمــل ليس دائمــا لنفــع

الكل، بل العمل في كثير من األحيان يكون لنفع األكثر. نعم يكون العمل لنفــع الكــل في الحــاالت الطارئــة، مثــل حالــة الحرب من عدو خارجي، أو حالة كارثة طبيعية تهدد الكل، أو تحرك عواطف الكل، حيث إن األمة بجميع فئاتها تقف صفا واحدا، وتكــون

الدولة حينئذ عاملة

84

لمصلحة المجموع. : ليست الدولة تعمل في المجموع مطلقا. ورابعا

( فإن الدولة الفدرالية، تشترك الــدول الواقعــة تحت الوحــدة1 في أمور ثالثة فقط، وهي: )الجيش والمال والخارجية(، وإنمــا لكــل دولة نظام خــاص بهــا، وأحيانــا يكــون االختالف بين تلــك الــدول في

أنظمتها اختالفا كبيرا. ــة،2 ــة للدول ــوة المركزي ــدول، حيث تضــعف الق ( وفي بعض ال

تفوض الدولة لبعض مناطقهـا الحكم الـذاتي، ولـذا توجـد سياسـاتــوذ، صغيرة في أجزاء من الدولة، هي التي تحل القضايا وتعمل النف وإنما الدولــة المركزيــة تبــارك تلــك السياســات، إلى غــير ذلــك من األمور التي تجعــل التعريــف الســابق تعريفــا في الجملــة، ال تعريفــا

جامعا مانعا. ــالم ــو اإلس ــد، ه ــانون واح ــا ق ــالمية له ــة اإلس وحيث إن الدول المســتفاد من الكتــاب والســنة واإلجمــاع والعقــل، ويكــون رئيســها الفقيه الجامع للشرائط الــذي تنتخبــه األمــة، فالشــكل األولي لهــذه

الدولة هو الشكل المنطبق عليه التعريف المتقدم بكل قيوده. نعم إذا اضطرت الدولــة اإلســالمية لظــروف قــاهرة أن تجعلهــاــال كالدول الفدرالية أو ما أشبه تلك، جاز حسب القانون الثانوي، ق

فكلمــا كــانت قــوة ،(1)وأعدوا لهم ما اســتطعتم من قــوةسبحانه: الدولة أكثر، كانت أقرب إلى الروح اإلسالمية.

. 40نفال: أ( سورة ال?)185

ميزان وحدة األمةــراد ــل أف ــدة، وك ــالمية هي أرض واح ــة اإلس ثم إن أرض الدولــل المسلمين أخوة، وسواسية في كل شيء مرتبط بالدولة، ال يفضــدود ــراق أو الح ــة أو الع ــون أو اللغ ــهم على بعض اختالف الل بعض

الجغرافية أو غيرها، فالقانون يجري على الكل على حد سواء. فاألمــة في اإلســالم تتوحــد على هــذا المــيزان، وبهــذا ظهــر أن ميزان )األمة( عند اإلسالم هو )العقيدة( فحسب، خالفا لمــا اعتــبره

الغربيون ميزانا. فقد اختلفوا في ميزان وحدة األمة إلى قوانين:

األول: إن الميزان إرادي، وهو إحســاس الفــرد بتعلقــه باجتمــاع خاص، وتبعا لهذا اإلحساس يشترك الفرد مع اجتماع مــا في العمــل ويربــط مســيره ومصــيره بــذلك االجتمــاع، وهــذا الــرأي ذهب إليــه

جماعة من علماء السياسة في فرنسا. الثــاني: إن المــيزان قهــري، وهــو االشــتراك في اللغــة واألرضــه جماعــة من وسوابق التاريخ والثقافة العامة، وهذا الرأي ذهب إلي

علماء السياسة في ألمانيا. وهناك قول ثالث: يمــزج بين األمــرين السـابقين، فتكــون األمــة

واحدة باعتبار العناصر القهرية واإلرادية معا. ولــو أردنــا الموازنــة بين هــذه اآلراء مــع الغض عن المــيزانــاه، كــان المــيزان األول أقــرب إلى إنســانية اإلســالمي الــذي ذكرن

اإلنسان.

مسرح الخارج وتدخالت الدول المسرح الثاني من مسرحي إعمال الدولــة نفوذهــا وسياســتها:

هو مسرح

86

الخارج، فإن دول العالم منــذ القــديم كــانت تتــدخل بعضــها فيشؤون بعضها، بمختلف األسباب والعلل.

ــا ــا جناح ــتيالء، وهم ــزل يطلب العلم واالس ــان لم ي ــإن اإلنس ف اإلنسان إلى السمو إن صرفهما في الخــير، كمــا أنهمــا من أســباب شقاء اإلنسان إن صرفهما في الشر، حالهمــا حــال المــاء والنــار إن صرفهما اإلنسان في النافع نفعتا، وإال كــانت النــار محرقــة، والمــاء

مغرقا له. وقد كان التدخل في الزمان السابق قبل وجود الصــناعة واآللــة تدخال قليال، إال ما إذا كان التدخل عسكريا، أمــا في الحــال الحاضــر فالتدخل أخذ يتشكل بمختلف األشكال والوسائل التي وضعها العلم في يد اإلنسـان، وال منـاص أليـة دولـة من هـذا التــدخل، شـاءت أم

أبت.

))عوامل الحيلولة(( وأهم عامل للحيلولة أمام هــذا التــدخل ـــ بعــد مالحظــة وجــوب ترك الناس وحرياتهم في قبال ضرب الســتار الحديــدي حــول البالد مما يجعل اإلنسان أسوأ من البهيمة كمـا فعلتـه الـدول الشـيوعية ـ هو تقوية المراكز في الداخل حتى ال يكون تــأثير من الخــارج وتــأثر

من الداخل. وذلك بأن يمنح اإلنسان داخل الدولة حاجته الفكرية والجسدية، فإذا كان األمر كذلك لم يكن نقص في اإلنسان حــتى يلتمس ســده من التيارات الخارجية، فإن اإلنسان بطبيعته متطلب للكمــال، فــإذا وجد الكمال في بلده اتبعه، ولم يتأثر بالتيارات الخارجية، أما إذا لم يجده في بلده ووجده في خارج بلـده اتبعـه، ولم يمنعـه عن السـير

وراءه أي شيء. وهــذا هــو ســر مــا يعملــه االســتعمار من طمس معــالم نقــاط الكمال في البلد، ومن تزيين نقاط الكمال في بلد المستعمر، مهما

كان األمر بالعكس. وقد مثل لذلك أحد المستعمرين قائال: إن ما في اإلســالم مثلــه

كمثل ضياء

87

ساطع النور، وما عندنا مثله مثل ضياء خــافت النــور، وإذا وجــد الناس الضياء الساطع لم يلتفوا حــول الضــياء الخــافت، فــالمهم أن نطفي ذلك الضياء حتى إذا لم يجد الناس نورا أقوى من النور الذي

عندنا التفوا حول نورنا تلقائيا.ــالبالد ــا نعــود إلى تفصــيل هــذا الــذي يفعلــه المســتعمر ب ولعلن

المستعمرة في مسألة أخرى.

عوامل النفوذ وكيف كان، فعوامل تدخل الدول بعضــها في بعض، ممــا تجعــل الدولة المتنفذة الدولة األجنبية مسرحا ألعمالهــا السياســية ولنفــوذ

قدرتها، أمور:

: عامل الدين1 األول: عامل الــدين أو مــا يشــبه الــدين، فــإن ترابــط الشــعوب بعضها ببعض في الدين يجعل إمكانية تدخل دولة في دولــة تتحــدان دينا أمرا سهال، والفكر ال حـدود لـه مهمـا حـاولت الحكومــات جعـل

الحد له، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، فــإن الــدين أو مــا أشــبه الــذي لــه االســتيعاب العـالمي، البـد وأن يمهـد لجـو لنفسـه في كـل مكــان يمكنــه ذلـك، وكذلك سائر االفكار والمبادئ، ولذا تهتم الفئــات الدينيــة واألحــزابــزب السياسية بالتدخل في شؤون الدول، وإذا كان بيد الدين أو الح السياســي الدولــة كــان التــدخل أشــد، حيث تملــك الدولــة وســائل التدخل الكثيرة، من المال وأجهــزة اإلعالم وســهولة التحــرك وغــير

ذلك.

88

ومن الواضح أن الدين حيث يرتبــط بــالروح، أســهل في النفــوذ من الحزب السياسي المرتبــط بالمــادة، فــإن المــادة ليس لهــا من اإلغراء ما يكون للدين حتى الدين المزيف إطالقا، أو المنحرف عن

نبعه الصافي.

: عامل القدرات2 الثاني: عامل القــدرات الكــبرى، فــإن الــدول تنقســم إلى ثالثــة

أقسام: الكبرى والمتوسطة والصغار. والقدرات الكبرى تتدحل بشكل وبآخر في القــدرتين األخــريين،ــرى أن ــذا ن ــيرة، ول ــدخل في األخ ــطة تت ــدرة المتوس ــا أن الق كم القدرتين األخريين في اضطراب دائم، وكلما حدثت الحــروب أو مــا أشبه بين قدرتين غير كبيرتين، تدخلت القدرات الكــبرى في الحلبــة

رأسا. كما وجدنا ذلك في قصة فيتنام وفلسطين وغيرهما، فإن روسيا وقفت إلى جـــانب فيتنـــام، وإمريكـــا ضـــدها، وكـــذلك الحـــال في فلسطين في الحرب العربية اإلسرائيلية، ولو أن وقوف روســيا إلى جــانب العــرب كــان صــوريا، بينمــا كــان وقــوف إمريكــا إلى جــانب إسرائيل واقعيا، كذلك بالنسبة إلى التدخل المصــري الســعودي في اليمن، واإليـراني العـراقي في حــرب األكـراد في زمن الشـاه، إلى

غيرها. ولذا فإذا تمكنت الدولة الكبيرة من فرض سياســتها في الدولــةــة الصغيرة من وراء الستار فعلت ذلك، لتظهر نفسها بمظهر النزاه

والبراءة، وإال تدخلت علنا إعالميا ثم عسكريا.

: عامل الثقافة3 الثالث: عامل الثقافة، حيث إن الثقافة المشتركة توجب تفــاهم

الشعوب

89

وذلك يسهل تأثير بعضها في بعض.ــدة والثقافة تشمل اللغة والتقاليد والعادات وكيفية التفكير ووح األصول العقائدية والفروع الفقهية وما أشبه، ولذا يحاول االستعمارــذلك ــهل بـ ــتعمرة، ليسـ ــه في البالد المسـ ــر ثقافتـ ــا أن ينشـ دائمـ استعمارها، ويتسابق المستعمرون في جــذب طالب المــدارس إلى بالدهم ليتلونــوا بلــونهم، ويكونــوا رســلهم إلى البالد المســتعمرة بالفتح، فإن اإلنسان ال يفرز إال ما أخذ، فلو أخذ طالب إندنوسيا مثال لون الثقافة البريطانية أو الفرنسية أو الروسية، أفرزوا ذلــك اللــون

في بالدهم، مما يسهل لالستعمار أن يفتح موضع قدم هناك. ــرى أن االســتعمار لمــا ورد بالد اإلســالم فعــل ولهــذه الجهــة ن

أمرين: األول: تضعيف ثقافة اإلسالم ولغته العربية، فأعاد تقوية اللغات واآلداب والرسوم المحلية التي كانت قبل اإلســالم، كالسنســكريتيةفي الهند، والفهلوية في إيران، والبشتو في أفغان، إلى غير ذلك.

أما في البالد العربية، فقــد أحيــوا اللهجــات المحلبــة بمــا ســببــة من اندثار اللغة الفصحى، التي هي لغة القرآن والسنة، وفي جمل المستعمرات منعــوا اللغــة العربيــة إطالقــا، كمــا في الجزائــر، كمــا

منعوا الخط العربي في بعضها كما في تركيا.ــك لقطــع صــلتهم ــائهم ســوابق البالد، وذل ــانب إحي ــذا إلى ج ه باإلسالم الذي هو عامل وحدة البالد، وإحياء صالتهم بســوابق البالد،ــية في كما أحيوا الفرعونية في مصر ناصر، والشاهنشاهية المجوس إيران الشاه، والبابلية في العراق، وهكذا أحيوا الكلدانية واآلشــورية

والطورانية والبرهمية وغيرها في مختلف بالد اإلسالم. الثاني: تقوية ثقافة بالد المستعمر، من لغة وآداب ورسوم ومــا

أشبه،

90

فصار تعلم لغة المستعمر مفخــرة، والتــأدب بــآداب المســتعمرفضيلة، والدراسة في بالد المستعمر مباهاة، إلى غير ذلك.

وقد أثمــرت هــذه الثقافــة ثمارهـا المــرة حــتى بعــد االسـتقالل، فزعماء الهند الذين تعلموا ثقافة بريطانيا، ألغوا اإلسالم الــذي كــان دين الهند منذ ألف ســنة بعــد أن اســتقلوا، وزعمــاء الجزائــر الــذين تعملــوا ثقافــة فرنســا، لم يعملــوا بأحكــام اإلســالم بعــد اســتقاللها، وزعمــاء إندنوســيا الــذين تعلمــوا ثقافــة هولنــدا، حــالوا دون إحيــاء اإلسالم بعد زوال االسـتعمار الهولنــدي عن بالدهم، بـل وزعمــاء مــا يسمى باالستقالل في البالد العربية، هم الذين كانوا من أشد الناس

عداوة لإلسالم في هذه البالد.

: األمم المتحدة4 الرابع: عامــل األمم المتحــدة ومؤسســهاتها الكثــيرة، الــتي هي

زهاء مائة وخمسين مؤسسة. فإن هذه المؤسسة خلفت )عصــبة األمم( وممارســتها الوقــوفــة، ــ ــاء في المؤسس ــ ــتي هي أعض ــ ــدول ال ــ ــرب بين ال ــ دون الحــذه ــبرى، جعلت ه ــير الك ــدول غ ــاك ضــد ال ــتي تح ــؤامرات ال والم

المؤسسة ال قليلة الفعالية فحسب، بل آلة بيد الدول الكبرى. وقــد صــارت آلــة إليجــاد االضــطراب والفوضــى والحــروب في العــالم، حيث إن لهــذه المؤسســة بفروعهــا الكثــيرة، وحــدورها في مختلف شعب الحياة، الثقافيــة واالقتصــادية واالجتماعيــة والتربويــة

وغيرها، اليد الطولى في إيجاد االضطرابات. وهي تتعاون غالبا مع ســفارات الــدول الكــبرى في التــدخل في الشؤون الداخلية في البالد، وحيث إنها ملجــأ للــدول الصــغرى كــان ضرها أكثر، ألنه من قبيل االستعمار الفكري، بل إنها تنشــر بالفعــل االستعمار الفكري، فمثل الذين يلتمسون العون من هذه المؤسسة

كما قال الشاعر:

91

المستجير بعمرو عند كربتهكالمستجير من الرمضاء بالنار

ــار ــدان الكب ــائل البل ــدة من وس ــاألمم المتح ــال، ف وعلى أي حللتدخل في الشؤون الداخلية في بلدان العالم.

وأحيانا تعمل مؤسسات األمم المتحدة، ألجل توسعة االســتعمارــان الواحد، وأحيانا ألجل توسعة أكثر من استعمار، وأحيانا تتحد دولت كبيرتـــان أو أكـــثر في مقاومـــة ثـــورات الشـــعوب من خالل بث

مؤامراتهم في البالد الصغيرة. وحال )جامعــة الــدول العربيــة( و)مؤسســة الوحــدة اإلفريقيــة(ــال )األمم ــل من حـ ــاز( ليس بأفضـ ــدم االنحيـ ــة دول عـ و)مؤسسـ المتحدة(، فإنها أيضا أدوات بيد الــدول الكــبرى لتوســيع نفوذهــا في

الدول الصغيرة التي تشملها هذه األغطية البراقة. وبكلمــة واحــدة، حيث إن دول العــالم الثــالث ضــعيفة في كــل شؤونها ومحتاجة إلى الدول الكبرى في كــل شــؤونها، فهي مســرح لتدخل الدول الكــبرى فيهــا، وقــد قــال علي أمــير المؤمــنين )عليــه

واســتغن)1(، أحســن إلى من شــئت تكن أمــيرهالصالة والسالم(: .(3)واحتج إلى من شئت تكن أسيره)2(، عمن شئت تكن نظيرهوقد قال الشاعر:

كل من كان ضعيفا أكلته األقوياء.

مسرح السياسة للحكومة وكيف كان، فقد ظهر مما تقدم أن مسرح السياسة لحكومة ما

أكبر

. 2405رقم ال( غرر الحكم: ?)1. 2406رقم ال( غرر الحكم: ?)2. 2407رقم ال( غرر الحكم: ?)3

92

ــة، وفي نفس ــة من ناحي من الدولة المحدودة بالحدود الجغرافي الحال أصغر من الدولة المذكورة من ناحية أخرى، ففي ناحيــة أنهــا

أكبر من الحكومة توسع نشاطها إلى داخل الدول األخرى: ( إمــا بقصــد االســتعمار، كمــا هــو شــأن الدولــة المســتعمرة1

بالكسر. ــدول2 ــدها ال ــآمر ض ــتى ال تت ــة، ح ــظ والوقاي ــد الحف ( أو بقص

األخرى. ــة3 ــد هداي ــاذ، حيث إن الحكومــة تري ــة واإلنق ( أو بقصــد الهداي

ــا اآلخرين الذين هم تحت نفوذ سائر الدول المنحرفة، وإنقاذ أفرادهعن الخرافة والظلم، وهذا غالبا هو شأن الحكومات الدينية.

ومن الواضــح الفــرق بين الحكومــات االســتعمارية والحكومــات الدينية المخلصـة، حيث إن األولى تريـد االخـذ واالسـتغالل، والثانيـة

تريد العطاء واإلنقاذ. وليس معنى هذا الكالم أن الحكومة الدينيــة دائمــا كــذلك، ولــذا قيدناها بالمخلصــة، إذ الحكومــة قــد تكــون في ســطحها دينيــة وفي باطن استعمارية، كما هو كذلك بالنسبة إلى حكومات التبشــير، بــل المراد أن الحكومة إذا كانت منطلقة عن الدين الصحيح تكــون ضــد

االستعمار في جوهرها وفي عملها. أما من ناحية أنه أصغر، فقد عرفت أن جبهات سياســية مجــازة أو محظورة تعمل دائما إلى جانب الحكومة الرسمية، والتي تسمى بالمشروعة، ولذا تتقلص سياسة الحكومة الرسمية بقدر نفــوذ تلـك السياسات الظلية، فإن كانت مجـازة عملت بصـراحة، وحــددت من السلطة السياسية الرســمية علنــا، وإن كــانت محظــورة عملت فيــة الخفاء بالدعاية والتهريج والجماعات الضاغطة مما يقلص الحكوم الرســمية، أحيانــا خوفــا، وأحيانــا من جهــة عــدم قــدرتها على تنفيــذ

مآربها. هــذا باإلضــافة إلى مــا تقــدم من انحســار نفــوذ الحكومــات

الفدرالية عن

93

الحكومــات المهضــومة في معــدنها، والحكومــات الضــعيفة فيقبال قطعات من الدولة لها حكم ذاتي في قبال الدولة المركزية.

توحيد سياسة الدولة اإلسالمية ثم إن الدولة اإلسالمية يلزم أن تكون لها وحدة سياســية، تضــمــدة، وإذا لم يمكن كل أقطار بالد اإلسالم، تحت حكومة مركزية واح جمـــع األقطـــار في وحـــدة شـــاملة، كـــان من الممكن جعلهـــا في حكومــات واليــات، لهــا انتخابــات حــرة لرؤســائها، وإن كــانت كلهــا

خاضعة لحكومة مركزية واحدة، تجمع شملها وتوحد صفوفها. كما أن الالزم أن تكون الخارجية والجيش والمــال فيهــا واحــدا، فتكون كلها مشمولة لوحــدة اقتصــادية، كمــا هــو الحــال في بلــدان قطر واحد، ال أن يغـوص قطــر في النعيم بينمــا ال يجــد البلــد اآلخــر

لقمة العيش. وقــد قــرأت في تقريــر أن بعض البلــدان اإلســالمية في الحــال الحاضر دخل الفرد فيهــا في العــام مــا يقــارب عشــرة آالف دينــار،

بينما قطر آخر دخل الفرد فيها في العام عشرون دينارا. وبالوحدة االقتصادية يحصل النمو االقتصادي أيضــا، مثال أراضــي السودان القاحلة القابلة للزراعة الــتي تعطي الكثــير من احتياجــات

البالد اإلسالمي، تزرع بواسطة البالد النفطية، وهكذا.

ال لالحتكار التجاري وسوف تكون التجــارة حــرة، كمــا هــو المنهــاج اإلســالمي، لكن

يمنع من اإلجحاف.

94

أوال: بواسطة اتجار الدولة، ومن الواضح أن بعض التجار لو بــاعالشيء رخيصا، لم يتمكن اآلخرون من االحتكار والغالء.

وثانيا: بواسطة المنافسة الحرة بين التجار. وثالثــا: بواسـطة المعاقبـة لمن ســولت لــه نفسـه بـالغالء، كمـا

ذكرنا ذلك في )الفقه: االقتصاد(، وهنا إلماعا. ــة ــدة المترامي ــالمية الواح ــة اإلس ــون للدول ــوف تك ــذلك س وك األطراف، وحدة اجتماعية، إذ وحدة الــدين ووحــدة القــانون ووحــدة

االقتصاد ووحدة السياسة البد وأن تنتهي إلى وحدة االجتماع. وال تكون البالد اإلسالمية الموحدة كالواليات المتحدة اإلمريكية،ــرق حيث لكل قطر منها سياسة خاصة وقوانين خاصة، لوضــوح الف بين الدولــة العقائديــة وبين الدولــة الململمــة، خصوصــا إذا فرضــنا وحــدة اللغــة العامــة لكــل الواليــات، وهي اللغــة العربيــة، حيث إن

الواجب على المسلم تعلمها من أجل الصالة ونحوها. وبذلك يعاد مجــد اإلســالم الغــابر، ويأخــذ الــدين بزمــام العــالم،

عنهم إصــرهمفينجي الناس من الديكتاتوريات، بقوانينه التي تضــع .(1)واألغالل التي كانت عليهم

. 157: عرافأسورة ال (?)195

المستوعبة اإلسالمية النظرة لإلســالم نظــرة واقعيــة إلى )األفــراد( الــذين لهم(:9)مسألة

شخصية علمية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها.وإلى )التاريخ( الذي يضم األفراد في رحم التيار العام.

فليس اإلســالم ممــا يخصــص بأهميتــه األول وحــده، وال الثــاني وحده، بخالف المــدارس الفكريــة العالميــة على األغلب، حيث تهتم

بأحدهما فقط. فترى اإلسالم تارة يــذكر أحــوال األشــخاص، صــالحين كــانوا أم طالحين، أمثال آدم )عليه السالم( والشيطان، وهابيل وقابيل، ونوح )عليه السالم( وولده، وإبــراهيم )عليــه الســالم( ونمــرود، وموســى)عليه السالم( وفرعون، وامرأة فرعون وامرأة لوط، إلى غير ذلك. وتارة أخرى يذكر أحوال األمم، كعاد وثمود وقــوم يــونس وبــنى

إسرائيل، إلى غير ذلك.قل سيروا في األرض فانظروا كيف بدأ الخلقفقد قال تعالى:

(1). . من ورخ مؤمنا فقد أحياهوفي الحديث:

. 20: ( سورة العنكبوت?)196

ــارهم وانظــروقال أمير المؤمنين )عليه السالم(: فســر في دي .(1)إلى آثارهم

وأنشد )عليه السالم(: باتوا على قلل األجبال تحرسهم (2)غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

إلى غير ذلك. ــة، إذ كــل وهذه النظرة اإلسالمية المزدوجة هي النظرة الواقعي واحد من الشخصيات واألحداث التاريخية، يتفاعــل بعضــها في بعضــاريخ خارجا، وكل واحد منهما يوضع نصب عين اإلنسان الالحق، والت أسوة، فــإن األخيــار تحــيى لألســوة، واألشــرار تبقى لــيرى اإلنســان كيف أن شــرهم لم يعــد إليهم وإلى غــيرهم إال بالخســران فيجتنب،

هذا بالنسبة إلى األفراد. أما بالنسبة إلى األحداث التاريخية، فالتاريخ تكاملي، إذ اإلنسان الذي هو محور التاريخ وصانعه ميال بطبعه إلى الكمــال، ولــذا يــرى التاريخ في حال التكامل، وكلمــا صــنع في التــاريخ بقي وبــني عليــه أكمــل منــه، كالمصــباح يبتــدئ بالســعف وإلى أن ينتهى إلى الــذرة، ووسيلة النقل في البحر تبتدئ بالخشبة وإلى أن تنتهى إلى الباخرة وهكذا، والزمان يسير إلى األكمل، وقد فسر بعضهم قوله ســبحانه:

لتركبن طبقا عن طبق(3) .بذلك

تفاعل اإلنسان والتاريخ واإلنسان العبقري والتاريخ المتصاعد يتفاعل أحدهما مع اآلخــر،

ويستفيد

. 224 الخطبة :( نهج البالغة?)1.321ديوان اإلمام علي )عليه السالم(: ص( ?)2. 19 :( سورة االنشقاق?)3

97

أحدهما من اآلخر، فالعبقري يستفيد من التاريخ قدر تكامله إلى زمانــه، مثال العبقــري يــركب الطــائرة بســرعة للوصــول إلى محــل

تدريسه، ويستنجد بالطابعة إليصال أفكاره إلى الطالب.ــاملي من ــه التك ــدة في بنائ ــبة جدي ــع نس ــاريخ يض ــا أن الت كم العبقري، فابن سينا يقــدم الطب، والعالمــة يقــدم الفقــه، والمجــدد

الشيرازي يقدم استقالل إيران.

نسف مدرسة ماركس وبذلك تبين أن اهتمام مدرسة ماركس بالتاريخ وعــدم االهتمــامــاريخ تكــاملي يســير إلجــل انقــاذ اإلنســان من يــد بــاألفراد، ألن الت

استثمار اإلنسان، وذلك يكون بتعميم الشيوعية، غير تام.إذ يرد عليه:

أوال: إن النظرة إلى التاريخ فقط ليست نظــرة مســتوعبة، كمــاعرفت لزوم ازدواجية النظرة.

ــون ــذوا يهتم ــذا أخ ــرة، ول ــذه النظ ــتزموا به ــا: إنهم لم يل وثاني بماركس وانجلز ولنين وستالين وماو وكاسترو وكيم، فإذا كان األمر

كما ذكروا فلماذا هذا االهتمام. وثالثا: إن التاريخ الذي قالوا بــه من أدوار أربعــة، لم يــدل عليــه دليل، بل الــدليل دل على عدمــه، كمــا ذكرنــاه ســابقا، وفي )كتــاب االقتصاد( و)ماركس ينهزم( وغيرهما، فكبراهم بتكامل التاريخ تــام،

لكن صغراهم ترقيع دل الدليل على عدمه. ورابعا: التكامل اختيــاري وليس بجــبرى، إذ اإلنســان يصــنع هــذا التكامــل، واإلنســان مخــير وليس بمســير، كمــا ثبت في علم الكالم

والفلسفة.

98

المدرسة الغربية األخرى كمــا تــبين ممــا ذكرنــاه من ازدواجيــة األمــر أن األهميــة ليســتــرب لألفراد فقط، كما تقوله المدرسة األخرى التي شــاعت في الغ

والشرق، ولها بقية إلى اآلن. ثم يشتبه غالبا بعض مناصري هذه المدرسة، بل هو اشتباه عامــالطين( ــذكرون على األغلب )السـ ــؤرخين، حيث يـ ــير من المـ لكثـــزء وليســوا ــع أنهم ج ــاتحين( ومن إليهم، م ــديكتاتوريين( و)الف و)ال بكل، بل الالزم إلى جنب أولئك ذكر العلماء والخطباء والمؤسســين

والبناة ومن اليهم ممن تعاونوا في تكميل الحياة واإلنسان. وقد تقدم أن اإلنسان يكمل نفسه وجسـده ومجتمعـه ومحيطـه الطبيعي، وقد ســار أثــرهم الشــعراء الـذين يتبعهم الغــاوون، فــترى ديوان فالن عربيا كان أو فارسيا، مليئــا بمــدح الطغــاة والمســتبدين والقتلة وممتهني كرامة اإلنســان، أمــا األمــة فال أثــر لهم في أمثــال

هذه التواريخ والدواوين. وكيف كان، فالالزم أن يكون مسرح السياسة أمور ثالثة:

: األشخاص الذين لهم مدخلية في السياسة بالمعنى العام. 1 : والتاريخ بما فيه األمم، حيث إن الفرد العبقري بدون األمة ال2

يقدر على البناء، كما أن ضده بدونها ال يتمكن من الهدم. : اإلطــارات الحقوقيــة والقــوانين الــتي لهــا مدخليــة في صــنع3

ــان اإلنسان والتاريخ، إذ في كل هذه اإلطارات ينمو أو يسقط اإلنسوالتاريخ، وإن لم تكن اإلطارات بوحدها بانية وهادمة.

ير للتــاريخ إلى اإلمــام الــذي يجب أن وإذ قــد عــرفت أن المســ يكون مسرحا للنظر السياسي، هو األفراد والقيادات جميعا، نقــول: إن هــاتين تظهــران في ثالثــة وحــدات: )الوحــدة العليــا( و)الوحــدة

الوسطى( و)الوحدة القاعدية(.

99

الوحدة العليا: الدولة فالوحدة العليا هي الدولة، حيث إنها تكون في صدد تسيير دفــة الحكم والسير بالبالد والمجتمع إلى حيث الهــدف المنشــود، وال يهم في األمر أن يكون المسير للدولــة فــردا كمــا في الــدكتاتوريات، أو جماعة كما في حكومة األشراف ونحـوهم، أو نـواب األمــة كمــا في

االستشاريات، ديمقراطية كانت أم ال. إذ المهم في كالمنــا اآلن أن الدولــة هي مركــز التصــميم الــذيــعة ــة لس ــد أن يعلم أن الدول ــي، والب ــه السياس ــر إلي يجب أن ينظ

قدراتها المادية والمعنوية من أهم عوامل تسيير المجتمع. أما قدرتها المادية فواضح، وبها توظــف النــاس رغبــا ورهبــا في مختلف الخــدمات، والــتي منهــا الجيش والشــرطة واألمن والقضــاء

وغيرها. وأما قدرتها المعنوية، فلوضوح أن الدولــة تســتمد شــرعيتها من

أمرين: القانون، فإن القانون مسلم االتباع عند قطاعات كبيرةاألول:

من األمة، والدولة تنفذ القانون، ســواء كــان القــانون موضــوعا في الدين، أو بسبب نواب األمة، أو بسبب قيادات الحزب، وحتى الدول الديكتاتوريــة تزيــف إرادة جماعــة باســم )مجلس قيــادة الثــورة( أو

)مجلس الشعب( أو ما أشبه ذلك. ومن الجدير بالذكر أن نقول بين قوســين: )إن األمم يجب أن ال تخدع بأمثال هــذه الظــواهر إطالقــا، وإال تمشــت فيهم الديكتاتوريــة المطلقة مما يوجب هالك الحرث والنسل، وقتل األبرياء وفتح بــاب الســجون والتعــذيب ومصــادرة األمــوال وخنــق األصــوات إلى آخــر األمور الديكتاتورية، بــل الالزم أن تعي األمــة، فــإن كــانت الحكومــة

دينية كان الالزم أن يكون القانون حسب دساتير الدين الموجودة

100

في منابعه، وأن يكون تطبيق الكلي على الشخصي حسب رأي أكثرية مجلس األمة المنتخبة بكل حرية وأمانة، وإن كانت دولة غير دينيــة يجب أن يكــون القــانون والتطــبيق حســب رأي أكثريــة األمــة

كذلك(. المعنويــات، فقــد تكــون هــذه بســبب أن الدولــة علىالثاني:

طبق معنويات الناس كما في الدول الدينية، والدول التي لها مبادئخاصة منطبقة على مبادئ الناس المسلم بها لديهم.

وقد تكون هــذه بســبب القــوة الخامســة، الــتي تنظمهــا الدولــة داخل صفوف النــاس بقصــد تهيئــة الــرأي العــام على وفــق أعمــال الدولة، فهذه القوة الخفيــة باإلضــافة إلى وســائل اإلعالم هي الــتي

تحتوش الناس لقبولهم أعمال الدولة. وهذه القوة قــد تتمكن من التــأثير على رأي األكثريــة إذا كــانتــد ال تتمكن غير واعية، أو إذا كانت أعمال الدولة مالئمة نوعا ما، وق إال من إيجاد رأي ثان في المجتمع، بســببه ال تكــون الدولــة منفــردة

في الميدان لتصب الجماهير عليها اللعنة والبراءة. ــة لم وإذا تمكن وعاة األمة من سلب الشرعية عن أعمال الدولــوة الخامســة من أداء رســالتها، بإضــفاء الشــرعية على تتمكن الق أعمال الدولة، وسرعان مــا ينكشــف للجمــاهير زيــف الدولــة، فــإن تمكنوا من إسقاطها بالطرق المقبولة أسقوطها كذلك، وإال توســلوا بــالقوة، ولــذا يجب على الــدول الديكتاتوريــة أن ال تطمئن بهــذه األساليب في بقائها، وأفضل لها أن تعدل سياســتها تجــاه األمــة من الســير في مثــل هــذا الخــط المنحــرف الــذي يــؤدي أخــيرا بنفســها

وسمعتها. وبما تقدم تبين أن بين )القانون( و)المعنوية( عمومــا من وجــه، حسب اصطالح المنطقيين، إذ ربمــا يكــون قــانون ومعنويــة، وربمــا يكون قانون دون معنوية، كما في حكومات االســتعمار حيث يوضــع القــانون على يــد المســتعمر وعمالئــه، إال أن النــاس ينظــرون إلى

القانون شزرا، وربما تكون معنوية دون

101

قـــانون كمـــا في الحكومـــات الدينيـــة، حيث أكثريـــة الشـــعب متــدينون، وبعــد لم توضــع القــوانين الــتي تســتند إليهــا الدولــة في

أمورها. والتجربة والمنطق يدالن على أن الحكومات الدينية أكثر دوامــاــا ــوب واألبــدان، بينم ــه القل ــبب أن الحكم تحمل من غيرهــا، والس الحكومــات غــير الدينيــة حاملهــا األبــدان فقــط، وإذا اختلــف القلب والبدن كان األجدر أن ينتهي الحكم في مــدة وجــيزة، بخالف مــا إذا

اتفقا، إذ ال مبرر لسقوط الحكم حينئذ بسرعة.

الوحدة الوسطى: الجماعاتــة في ــوذ والفعاليـ ــات ذات النفـ ــطى الجماعـ ــدة الوسـ والوحـ الجماهير، كالجمعيات والمنظمات واألحزاب، سواء تشــكلت باســمــة ــة والثقافي ــال الجميعــات االقتصــادية والطبي ــدنيا، أمث ــدين أو ال ال وغيرها، وهذه الجميعـات والجماعــات إن كـان هـدفها الوصـول إلى الحكم كانت أحزابا سياسية وما إليها، وإن لم يكن هدفها ذلك كانت

جماعات اجتماعية واقتصادية وغيرهما. وعلى أي حال، فأمثال هذه الوحدات تؤثر في السياســة دائمــا، إما تــأثيرا مباشــرا إذا هــدفت السياســة، فتطلب من الدولــة إجــراء سياسة خاصة ممــا تـوجب اضـطرار الدولـة القبـول، أو تحــول دون أعمال الدولة سياسة خاصــة ممــا تحــد مســار حركــة الدولــة، وإمــاــأثيرا غــير مباشــر إذا لم تهــدف السياســة، كمــا إذا تصــرفت في ت

االقتصاد، حيث إن االقتصاد وجه ثان للدولة. ولنفرض أن الجماعات الصــناعية عملت للتقليــل من الصــناعة، فإن الصناعة تقل ويؤثر ذلك في بيع الدولة مصنوعاتها للخارج، مما

يؤثر في ضبط

102

الدولة رقبة األسـواق الخارجيـة، وهـذه ضـربة سياسـية تتلقاهـاالدولة، وبقدر الضربة يضعف وزن الدولة في الخارج.

وعلى أي حال، فأمثــال هــذه الوحــدة الوســطى تكــون مســرحالمطالعة السياسي لها، كمسيرة لسياسة الدولة في الجملة.

وكثيرا ما تجعــل الدولــة بين بعض هــذه الوحــدات وبين وحــداتــدر ــة بالق ــا الضــغط على الدول أخــرى تنافســا بقصــد عــدم إمكانهــا، إذ ــا طبيعي ــة تنافس ــك إال إذا جعلت الدول ــبيعي، وال يمكن ذل الطــف من ــدر على التخفي ــة ال تق ــة للدول ــطنعة العميل ــة المص الجمعي

الضغط الطبيعي الذي تورده الجمعية الحقيقية على الدولة. مثال إذا كانت بعض التجمعات العمالية حول معمل تضــغط على الدولة، فبإمكان الدولة أن تكــون معمال آخــر يجتمــع حولــه العمــال، يضغطون على التجمع األول، ليكفــوا الضــغط عن الدولــة من جهــة

ضغطهم المضاد على التجمع األول.

الوحدة القاعدية: الجماهير والوحدة القاعدية هي ثــالث الوحــدات في مالحظــة السياســي، وهم جماهير الناس الذين ليسوا من الوحدتين السابقتين، ومع ذلك لهم مطــالب منبعثــة عن الــدين أو القوميــة أو االقتصــاد أو غيرهــا، توجب الضغط على الدولة في سياستها حتى تلتزم الدولــة سياســة

خاصة إيجابا أو سلبا أو تعديال.ــوا ــع أنهم ليسـ ــة، مـ ــاهير على الدولـ ــغط الجمـ ــلوب ضـ وأســـات ذات ــو ضــغطهم على الجماع بمتشــكلين في شــكل خــاص، ه النفوذ وعلى أفراد الدولة مما ينعكس الضغط على الدولـة، وأحيانـا يجتمعون في مظــاهرات وإضــرابات جماهيريــة إذا كــانت مطــالبهم قوية، والدولة في ما إذا كانت استشارية بكال شقيها، تفــادي الــرأي

العام غالبا بمختلف

103

ــة ــام إذا صــار ضــد الدول ــرأي الع األســاليب واألســباب، ألن اليسقطها.

أما في الحكومات الديكتاتورية، فهي غالبا تتجاهل الــرأي العــام وتقابله بالعنف، لكن هذا ال يدوم زمانــا طــويال، وإنمــا تتمكن الدولــة أن تقــاوم مــدة حســب قــوة المعارضــة العامــة أو ضــعفها، وأخــيرا

تسقط حيث تأخذ الجماهير مطاليبها.

: االنبعاث عن الدين((1))أ(: ) فاالنبعــاث عن الــدين، فيمــا إذا كــان عمــل الدولــة مخالفــا

للدين، حيث إن الجماهير المتدينة تأخذ في المجتمــع وإبــداء الــرأيــرطين في والضغط على الجماعات ذات النفوذ وعلى األفراد المنخ

سلك الدولة. والمثال الظاهر لمثل هــذا االنبعــاث، مــا حــدث في ايــران إبــان قصة التنباك، وإبان الدعوة إلى المشروطة: الدستور، وإبان الدعوة إلى تــأميم البــترول، وإبــان الــدعوة إلى إزالــة الملوكيــة لتأخــذــراق حيث ــذلك ماحــدث في الع ــا، وك ــة اإلســالمية مكانه الجمهوري الدعوة إلى إسقاط البعثيين الذين ثبت عمالتهم لبريطانيا وإسرائيل

وإمريكا، فقد كان االنبعاث في كل هذه الموارد دينيا بحتا. وأدل دليل على ذلك أن العلمــاء المراجــع قــادوا هــذه المعــاركــدالء، لم يكن لهم أي والجماعات الصغيرة الذين ألقوا دلوهم في ال تأثير يذكر، وإنما هم أرادوا تسجيل موقــف ليكـون لهم في المغـانم نصيب، وهذا بالنسبة إلى الجماعات الصغيرة الصادقة في الوطنية. أما غيرهم من عمالء الشرق والغرب الذين أدخلــوا أنــوفهم فيــون ــانوا يمثلـ ــؤالء كـ ــولهم، إذ هـ ــة، فليس المهم الكالم حـ المعركـ

االستعمار والثورة المضادة،

104

وإن تظاهروا في ثوب الوطنية واإلخالص.

تحطم الثورات لنقص الوعي السياسيــه إذا كــانت الجمــاهير وراء هــذه ــا باإللمــاع إلى أن ــأس هن وال ب الحركات فلماذا تبدل األمــر، إلى أن جــاء عمالء الغــرب إلى الحكم

بعد فترة وجيزة من الحركة. فالبهلويــان والملوكيــون ومن بعــدهم وهم عمالء الغــرب، كيــف

جاؤوا إثر تلك الحركات الجماهيرية الثورية. والجواب: إن الجماهير الذين وقفوا وراء العلماء لتحريــر بالدهم عن االستعمار واالستبداد، كان ينقصهم الــوعي السياســي، ولــذا لم يصنعوا التنظيم الالئق بحفظ الحكم، كما لم يهيــؤوا الجــو الصــناعي الذي يسند الحكم، فإن هــذه الثالثــة هي أســاس الحكم في الــوقت

الحاضر: )الوعي( و)التنظيم( و)الكفاءة الذاتية(. ــاهير ومن الواضح أن الوعي يستدعي األمرين اآلخرين، إذ الجم المسلمة الذين قاموا بتلك الحركات لم يشــعروا بــأن الغــرب الــذي يقف وراء التخريب قد أعد عدتــه، والثــوار الــذين قــاموا بالحركــات أمثال )اآلخوند( و)الشــيرازي( و)الشــيخ النــوري( وغــيرهم )رحمهم الله( ماتوا بالسم أو قتلوا، فلم يكن لهم زمان التوعية وإن صــرحوا بما وعوا للجماهير حتى قال )النــورى(: )المشــروطة الــتي يطبخهــاــاء من ــوانين القض ــتوردون ق ــاذا تس ــا(، )ولم ــانيون ال تنفعن البريط باريس وقوانين مجلس األمة من انكلــترا(، ولــذا أصــر على إضــافة

)المشروعة( إلى )المشروطة(. ــتعمارية، وعن ــؤامرات االس ــة عن الم ــانت غافل ــاهير ك والجم

أساليب الحكم

105

في العصر الحاضر، وكــانوا يزعمــون أن مجــرد التقــويض يكفي في رجــوع الزمــام إلى اإلسـالم، ولــذا لم ينظمــوا أنفسـهم التنظيم الالئق، ولم يسرعوا في صنع االكتفــاء الــذاتي، وجــاء المســتعمرونــاج إلى ــوع المحت ــببت خض ــة س ــا أن الحاج ــوا عمالءهم، كم ونظم

احتج إلى من شــئتالمحتاج إليه، كمــا قــال علي )عليــه الســالم(: ضاعت البالد. ، وبذلك(1)تكن أسيره

وهكذا حدث في تركيا بعد تحطيم الغرب الخالفــة الهشــة الــتي أنهكتها مخالفة الملوك ـ الذين سموا أنفسهم بالخلفاء ـ للدين، ولم يكونوا يشبهون خلفاء الرسول )صلى الله عليــه وآلــه( في قليــل أو

كثير.

واجب حركات التحرير وعلى هــذا، فــالالزم على حركــات التحريــر في بالد اإلســالم أن

يهتموا بهذه النواحي الثالث: : إيجاد الوعي السياســي واالقتصــادي واالجتمــاعي بين األمــة1

ــه ــواعي ال يســتعد للخضــوع وال تنطلي علي ــإن ال ــة، ف ــدر الكفاي بقالمكائد.

ــا أســتطعتم: التنظيم الدقيق، وقد قال تعالى: 2 وأعدوا لهم م ، والتنظيم من أهم وسائل القوة، وقــد قــال علي )عليــه(2)من قوة

. (3)ونظم أمركمالسالم(: 3 : والعمل لالكتفاء الذاتي صناعة وسالحا وأرزاقــا وغيرهــا، وإال

فبدون هذه الثالثة، ال يمكن تحرر يبقى.

. 2407( غرر الحكم: رقم?)1. 62نفال أ( سورة ال?)2 ومن وصية له )عليه السالم( للحسن والحسين )عليهمــا47نهج البالغة: الكتاب: (ــ ?)3

السالم( لما ضربه ابن ملجم لعنه الله.106

))استطالع الرأي العام((ثم إن استطالع الرأي العام له صورتان:

األولى: االســـتطالع من الجمعيـــات والمنظمـــات ومـــا أشـــبه، كاالستطالع من قراء الصحف، حيث إن نسبة انتشــار الصــحيفة بين الجماهير دليل على قدر رأي الناس، مثال لو كانت هناك صــحيفتان، إحداهما تطبع مليونا، واألخرى ربع مليــون، كــان ذلــك دليال على أن إقبال الناس على األولى أربعة أضعاف الثانيــة، فــإذا كــان لكــل من الصحيفتين خط سياسي مستقل، أو خــط اقتصــادي مســتقل، كــان ذلك دليال على أغلبية الرأي األولى عند األمــة، وإال لم يكــثر مشــترو

األولى، ولم يقل مشترو الثانية. ــة ــؤاالت في كاف ــبب الس ــرة، بس ــاهير مباش ــة: من الجم الثاني المجاالت التي يراد االستطالع بواسطتها، فينزل أعضــاء المؤسســةــدة أو غيرهمــا، إلى الشــارع االســتطالعية، مؤسســة كــانت أو جري يسألون المارة والدكاكين والدور وغيرهــا، عن رأيهم حــول القضــية الفالنية، كالحرب أو السلم، أو حول الشــخص الفالني مثــل من هــو أليق بالحكم في االنتخابات القادمة، ونتيجــة اآلراء تــدل على الــرأي

العام مائة في مائة أو أقل. ومثل تحصيل هــذا الــرأي ليس لفائــدة تنبــؤ المســتقبل، ليكــون ترفا فكريا بــل ينفــع السياســي واالقتصــادي والــديني واالجتمــاعي، فردا وموسسة ومنظمة، ليعملوا على طبــق تلــك اآلراء، مثال رجــل اقتصادي يريد معرفة نــوع الســيارة الــتي يــرغب فيهــا النــاس أكــثر ليصـنعها، أو منظمـة سياسـية تريـد اسـتطالع رأيهم حـول المنتخب المستقبل ليساومه، أو رجل يريــد أن يعقــد في داره مجلس وعــظ

فيريد استطالعهم حول الخطيب المرغوب فيه، وهكذا.

نصوص الشريعة في الرأي العامــام، ويظهر من المطالعات اإلسالمية، اهتمام اإلسالم بالرأي الع

فقد كان

107

أيها الناس أشــيروا عليالرسول )صلى الله عليه وآله( يقول: (1)،يستطلعهم حول الحرب. و

وكذلك شـاور )صـلى اللـه عليــه وآلـه( في قصـة إعطـاء التمـرلليهود، وأخذ برأي من أشار إليه بالمنع.

.(2)وأمرهم شورىوفي قرآن الحكيم: .(3)وشاورهم في األمرقال تعالى: و

ــرأ ــه: اق وورد أيضا: إن عليا )عليه السالم( إذا بعث واليا، قاله لكتابي عليهم فإذا رضوا بك كن واليا عليهم.

وقصة استشارته )عليه السالم( في صفين، والمرأة التي جاءتــا ــكايتها، وغيرهم ــوالي بش ــزل ال ــالم( فع ــه الس ــه )علي ــاكية إلي ش

.(4)معروفة فال تكفوا عن مقالــة بحــق، أووقال علي )عليه السالم( لألمة:

.(5)مشورة بعدل.(6)من استبد برأيه هلكقال )عليه السالم( أيضا: و.(7)من شاور الرجال شاركها في عقولهاقال )عليه السالم(: و

.(8)ال ظهير كالمشاورةوقال )عليه السالم(: .(9)وال مظهرة أوثق من المشاورةوقال )عليه السالم(:

،(10)خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادروفي الحديث: .(11)فإن المجمع عليه الريب فيه

. 361وص 329ص 3 ج:( شرح نهج البالغة ألبن أبي الحديد?)1. 38: ى( سورة الشور?)2. 159( سورة آل عمران: ?)3 لنصر بن مزاحم. :( انظر وقعة صفين?)4. 316 الخطبة:( نهج البالغة?)5. 161 الحكم :( نهج البالغة?)6. 161 الحكم :( نهج البالغة?)7. 54 الحكم :( نهج البالغة?)8. 113 الحكم :( نهج البالغة?)9

. 2من صفات القاضي ح 9 الباب185ص 3: ج الوسائل( مستدرك?)10. 11من صفات القاضي ح 9الباب 186ص 3جالوسائل: ( مستدرك ?)11

108

ومن هذا الباب حجية العرف العام في معــاني األلفــاظ، والــذيــه ســبحانه: ــه بقول ــا أرســلنا من رســول إال بلســانيســتدل ل وم

.(1)قومه إنــاوفي الكافي: إن رسول الله )صلى الله عليــه وآلــه( قــال:

غـير إلى ،(2)معاشر األنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقـولهمذلك.

بل اإلســالم يحبــذ اســتطالع اآلراء حــتى في األمــور الشخصــية، أمثال الزواج، كما استشار علي )عليه السالم( في زواجــه بفاطمــة

أم البنين. ، ممــا يــدل على ســبق(3)وتشــاوروالرضاع، كما قال سبحانه:

اإلسالم بقــرون مــا اكتشـفه المتـأخرون من الغربـيين من االهتمـام ( م وجعــل1930بــالرأي العــام، فــإن ذلــك حــدث عنهم في عــام )

( م. 1935)جورج كلوب( له أسسا في عام ) وقــد يســتطلع الفــرد أو المؤسســة الــرأي العــام بالنســبة إلىــرب ــأل عن الح ــتقبل، مثال يس ــبرة للمس ــه ع ــذ من ــي، ليتخ الماض العراقية القومية مع األكراد بعــد انتهائهــا، ليظهــر إيجابيــة أو ســلبية الرأي العام تجاهها، ليتخذ من ذلــك درســا لمــا إذا تهيــأت الظــروف في المستقبل لمثل تلك الحــرب، هــل األفضــل خوضــها، أو تفاديهــا

بالتنازالت وما أشبه.

الرأي العام والعاطفة العامة ومن الجدير بالذكر أن هنــاك فرقــا بين الــرأي العــام والعاطفــة العامة، فإن األول من آثار الجذور الناشبة في األنفس، والــتي تبقى

مدة طويلة في االجتماع

. 4براهيم: إ( سورة ?)1. 15 كتاب العقل والجهل ح23ص 1 ج:( الكافي?)2 .233البقرة: ( سورة ?)3

109

وأحيانا تكون كرواسب يرثها األبناء من اآلباء، أمــا الثــاني فليس إال وليد ظروف خاصة، تشتعل في النفوس كالنــار في الهشــيم، وال تلبث أن تزول بسرعة، أمثال االنقالبات العســكرية الــتي تــأتي بعــد طول الكبت واإلرهــاب، فيلتــف النــاس حولهــا عاطفيــا، بــزعم أنهــا جاءت منقذة، وحيث إن الثوار ـ على فرض إخالصــهم، وهــذا مــا لمــ ال يعرفــون إدارة البالد، نشاهده في كل االنقالبات التي شاهدناها ـــاس من ــا ينفض الن ــدرهم، ســرعان م ــاس حــق ق ــون الن وال يعرف حولهم، حتى ال يبقى إمامهم إال الســالح والســجن، وحينــذاك يظهــر الرأي العــام على حقيقتــه في كــرههم وازدرائهم والســعي للتخلص

منهم.

))مردود الرأي العام((ثم إن من الغني عن الذكر أن الرأي العام له مردودان:

األول: المردود اإليجابي، وهو في الرأي العام المتفق عليه. الثاني: السلبي، وهو في الرأي العام المتضارب بين رأيين مثال،ــر فإنه وإن لم يعط اإليجابية، إال أنه يعطي السلبية بالنسبة إلى األم المخالف لكال الــرأيين، فــإذا كــان رأيــان في انتخابــات هــذا أو ذاك، استفيد منه عدم مساعدة الرأي العام النتخاب الثالث المرشح مثال.

: االنبعاث عن القومية والوطنية((2)) )ب(: واالنبعاث عن القومية والوطنيــة، عامـل آخـر من عوامـل

تكوين الرأي العام الضاغط على الدولة من القاعدة. والمراد بوحدة القــوم أنهم من نســل واحــد وإن كــانوا مختلفي اللغات وفي أراضي ذات دول متعددة، كما أن المراد بوحدة الوطن أنهم في أرض واحدة وإن كانوا من نسل مختلف وبلغــات مختلفــة،ــد فقد اعتاد اإلنسان أن ينضم إلى اآلخرين ليقوى جانب نفســه، فق يختــار آخــرين من لغتــه، أو من قومــه، أو في أرض محــددة، أو من دين واحد، أو ما أشبه ذلك، وكثيرا ما يشتد هذا االنضمام أمام عــدو

خارجي، أو حاجة داخلية، كاالحتياج

110

إلى تكوين سد لحفظ المــاء من جهــة ري األراضــي الــتي تعــودإلى الجميع بالنفع.

ويلحق بهذا القسم االنبعاث من لون واحد.

أنواع انقسام التجمعات ثم إن هذا التجمع حول أحــد هــذه األمــور، والــذي يكــون الــرأي

العام: : قد يكون غير حاد، فيكــون مطلب الــرأي العــام المكــون من1

ذلك االنبعاث هو جلب النفع لنفسه، أو دفع الضرر عن نفسه، بدونالتعدي على اآلخرين.

: وقد يكون حادا، بأن كان معتديا على اآلخرين. 2 : وقد يكون أكثر حدة، وذلك بـأن يـرى التفـوق لجماعتـه على3

ــاؤهاآلخرين خلقة، كما كان اليهود يقولون: ،(1)نحن أبناء الله وأحب كانوا يقولون: إن سائر الناس من أوالد البغال والحمير، وكما ظهرو

في التاريخ الحديث الفاشية والنازية وغيرهما. وغالبا الدول الغالبة كاألفراد الغالبين يزعمون هذا الزعم، ولــذا كان السلطان يسمي نفسه بظل الله، إذا لم يــزعم أنــه اللــه، كمــا

كمــا قــال نمــرود: و،(2)ما علمت لكم من إلــه غــيريقال فرعون: أنا أحيي وأميت(3).

وقد جاء اإلسالم لينظر إلى الحقيقة، فينسف كل هذه المعايير،ألمرين:

إنــا خلقنــاكم مناألول: كذب هذه المعايير، فقد قال ســبحانه: ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائــل لتعــارفوا إن أكــرمكم عنــد اللــه

.(4)أتقاكم

. 18 :( سورة المائدة?)1. 38 :( سورة القصص?)2. 258 :( سورة البقرة?)3. 13 :( سورة الحجرات?)4

111

النـاس سواسـيةوقـال رسـول اللـه )صـلى اللـه عليـه وآلـه(: .(1)كأسنان المشط

وقال علي )عليه السالم( في شعر المنسوب إليه: الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهم آدم واألم حواءفإن يكن لهم من أصلهم نسب

(2)يفاخرون به فالطين والماء من تعــزىبل روى السيوطي، عنــه )عليــه الســالم( أنــه قــال:

. فمن أين له الفخر وقــدبعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه وال تكنواــادر من ــنى المتب ــو المع ــذا ه ــرتين، وه ــول م ــرج الب ــرج من مخ خ

الحديث. ودليـــل الكـــذب وضـــوح أن اللغـــة واألرض والقـــوم ال يرتبـــط

بالكمال، فإن الكمال بالنفس. يقول الشاعر:

اقبل على النفس واستكمل فضائلهافأنت بالنفس ال بالجسم إنسان

ــور ــائل، وظه ــوب الفض ــوجب نض ــايير ت ــذه المع ــاني: إن ه الث الرذائل، إذ اإلنسان الذي ال ينفتح إال على قومه أو لغته أو أرضـه، الــة يتعاون مع اآلخرين، وكثيرا ما يزدري بهم، فإن االنغالق يوجب رؤي

كــل حــزب بمــا لــديهمالنفس فــوق اآلخــرين، كمــا قــال ســبحانه: .(3)فرحون

إذ يصنع هذا اإلنسان المنغلق صمنا من قوقعتــه يعبــده من دون الله، ومن الطبيعي أن يزدري مثل هذا الشخص باآلخرين، ولذا قال

شاعرهم: بالدى وإن جارت علي عزيزةوقومي وإن جاروا علي كرام

.(4)خير البالد ما حملكخالفا للرواية التي تقول: لماذا البالد الجائرة عزيزة، والقوم الجائرون كرام؟و

. 341( االختصاص: ص?)1األلف. قافية5(: صليه السالم)ع ( ديوان اإلمام علي?)2. 53 :( سورة المؤمنون?)3. 444قصار الحكم نهج البالغة: ( ?)4

112

ومن شــعب نضــوب الفضــائل، عــدم تقــدم العلم وال العمــران،ــوم ــديس الق ــروض أن تق ــاون، والمف ــدمهما رهن التع حيث إن تق

واألرض واللغة كلها يمنع التعاون. وهكذا حــال اللــون، إن لألبيض الحــق في أن يــتزوج بمن يريــد، وكذا األسود، لكن ليس ألحدهما الحق أن يرى نفسه فوق اآلخرين،ــة، حيث إن كال من وقــد حــدث هــذا بالفعــل في األمم غــير المتدين

اللونين يرى نفسه أجمل من اآلخر وأفضل. وقــد كــان من خطــط اإلســالم الحكيمــة، نســف كــل هــذه االعتبارات، ولذا تقدم في فترة وجيزة ذلك التقدم الهائل، فقد قال

ال فضــل لعــربي على عجمي، وال ألبيض)صــلى اللــه عليــه وآلــه(: .(1)على أسود إال بالتقوى

فــالتقوى معناهــا الفضــيلة النفســية، ومن المعلــوم أن الفاضــل مقدم على المفضول، لكن ليس بمعنى األنانية ورؤية النفس خــيرا،

قيمــة كــلبل معنى القيمة الذاتية، كما قال علي )عليــه الســالم(: .(2)امرئ ما يحسن

تبعا لهــذه الفلســفة اإلنســانية الرفيعــة، نــرى رســول اإلســالمو )صلى اللــه عليــه وآلــه( يجلس إلى جنبــه أبــوذر العــربي، وســلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبالل الحبشــي، ويــتزوج ابنــه الحســين )عليه السالم( بشهربانوية الفارسية، ولما قال ذلك الرجل: من هذا العجمي المتصدر بين العرب، نهــره رســول اللــه )صــلى اللــه عليــه وآله(. ويقول علي )عليه السالم( لما أعطى لعربية وفارسية عطاءا

ــنيبالسوية: إني ال أجد في كتاب الله فضال لبني إســماعيل على بغيرها من النصوص الكثيرة إلى ،(3)إسحاق

. 341( االختصاص: ص?)1. 6831 رقمالغرر الحكم: و، 81( انظر: نهج البالغة: الحكمة?)2. 46( الغارات: ص?)3

113

والسيرة الوضاءة التي لم يصل العالم إليهــا بعــد، ولن يصــل إالإذا قبل رسالة اإلسالم، عقيدة وشريعة ونظاما.

يقظة العالم اإلسالمي ولما رآى المستعمرون يقظة العالم اإلسالمي بعد طول سبات، بفعــل الــديكتاتوريات واالبتعــاد عن تعــاليم اإلســالم، نشــروا فكــرة

القومية وتقديس القديم بين األمة الواحدة لتبديد أوصالها. فجاؤوا إلى البالد العربية بالقومية العربية، وإلى إيران بالقومية الفارسية، وهكذا في تركيا، والهند، وأفغانستان، وإندنوسيا، وغيرها، كمــا جــاؤوا بتقــديس القــديم أمثــال دين المجــوس والفرعونيــة واآلشورية والبابلية وما أشبه، وهكــذا جــاءوا بالشــيوعية والوجوديــة

والبعثية ونحوها، لقلع جذور اإلسالم، وتفتيت األمة الواحدة.ــيركزوا ــات ل ــاؤوا باالنقالب ــة ج ــة ثاني ــة، ومن ناحي ــذا من ناحي ه عمالءهم، ويفعلــوا مــا يشــاؤون باإلســالم والمســلمين، وفعلــوا مــا أرادوا، لكن المسلمين أخذوا في اليقظــة من جديــد، وذلــك بفضــل

عدة أمور: : انكشاف األمر لكثير منهم بسبب اقتطــاع فلســطين وجعلهــا1

يهودية، واقتطاع لبنان وجعلها مسيحية، واقتطاع بالد المسلمين في كــل من روســيا والصــين وجعلهــا شــيوعية، واقتطــاع الهنــد وجعلهــا

وثنية. ــة من البالد ضــد المســلمين،2 ــار الحــرب في جمل : إشــعال ن

ــان واليمن ــراق ولبن ــتان والع ــا وأفغانس ــبين وبورم ــا والفلي كإرتريوغيرها.

ــطة3 ــادن بواسـ ــائر المعـ ــط وسـ ــيرات البالد، كالنفـ : نهب خـعمالئهم، نهبا لم يسبق له مثيل طول التاريخ.

114

: كبت المســــلمين وإذاللهم وإهــــانتهم، بــــأنواع من الكبت4واإلرهاب والسجون واإلعدامات وغيرها.

: تجزئة البالد اإلسالمية إلى قطــع، وجعــل حــدود وهميــة لهــا،5 يحفظهــا عمالء لهم أمــام المســلمين، بينمــا أهــل الغــرب والشــرق

يدخلون البالد بكل حرية. : فرض التخلف الزراعي والصناعي والتجــارى والثقــافي على6

المسلمين بمختلف الوسائل والحيل. : نشــر األديــان المزيفــة بين المســلمين، كالوهابيــة والبهائيــة7

والقاديانية، بقصد تفتيتهم وتضعيف شأنهم أكثر فأكثر. : تبديل القوانين اإلسالمية بالقوانين الوضعية، بمــا في الثانيــة8

من النقص والتهافت ومخالفة طبيعة البشر.إلى غيرها من األسباب التي ال يهمنا ذكرها في هذا الكتاب.

وبذلك جدد المسلمين عــزمهم لخــوض الكفــاح من أجــل رفض المبادئ المستوردة، وإرجاع الحكومة الواحدة، ولذا أخذ يظهر زيف القوميات، وكذب المباديء المســتوردة، ولم يبــق أمــام المســتعمر للبقــاء في بالد اإلســالم وإبقــاء عمالئــه إال قــوة الســالح، وهي قــوة

ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلةضعيفة أمام عزيمة األمم ووعيها، (1).

: االنبعاث عن االقتصاد((3))ــو من ــذي ه ــاث عن االقتصــاد، ال ــأتي دور االنبع ــيرا ي )ج(: وأخ

عوامل تكون الرأي العام.ــة ــه الفرديـ ــان في حياتـ ــس اإلنسـ ــد أسـ ــاد أحـ ــإن االقتصـ فـ واالجتماعية، فــإن مــاركس وإن أخطــأ خطــأ جســيما، حيث زعم أن األساس الوحيد هو االقتصاد ـ كمــا بينــا زيفــه هنــا وفي بعض الكتب

األخر ـ إال أنه أحد األسس، ويسبب تجميع

. 123آل عمران: سورة ( ?)1115

الرأي العام، في حالتين: األولى: خــوف انهيــار االقتصــاد الموجــود، كمــا إذا كــانت األمــةــل ــذت عوام ــبه، فأخ ــا أش ــاء أو م ــدن أو زرع أو م تعيش على مع الطبيعة أو نحوها في نسف ذلك المــورد، كمــا إذا أخــذ المعــدن في االنتهــاء، أو الــزرع في عــدم الفائــدة، كمــا إذا ســدت طــرق حمــل الحاصل إلى األسواق التي يباع فيها، أو أخذ المــاء في النضــوب، أوــا تحطمت ما أشبه ذلك، فإن األمة إذا تحطم اقتصــادها تتحطم، كم

سبأ وغيرها في قصص مذكورة في القرآن الحكيم وغيره. الثانيــة: عــدم اســتقامة االقتصــاد، ممــا يســبب الجــوع والفقــر والمرض والموت، فيتجمع الرأي العام حــول حــل المشــكلة، ألجــل

إنقاذ األمة من تلك الحالة.ــاالت ــ ــاه من )أ( و)ب( و)ج( وإن لم تكن الح ــ ــا ذكرن ــ ثم إن م

الوحيدة لتكوين الرأي العام عند األمة، إال أنها أكثرها دورا.

التفاعل الثالثي بقي شيء، وهو أن القمة والقاعدة والوســط، يــؤثر بعضــها في بعض، ويتـــأثر بعضـــها من بعض، فالقاعـــدة تـــؤثر في األحـــزاب والمنظمات والجماعات، لتــؤثر هي بــدورها في القمــة في مطــالب

الرأي العام. وبــالعكس إذا أرادت القمــة شــيئا من القاعــدة، والوســط غالبــا

يكون جهاز امتصاص التعديل وامتصاص الضغط من الجانبين. ــل على ولهذه الشؤون كان الالزم على السياسي االطالع الكام

أحوال هذه األطراف بكل دقة.

116

التاريخ وشالل اإلنسانية الشخصية بين ال شــك أن للتــاريخ ســيرا تصــاعديا، يضــم تحت(:10)مسألة

جناحه كل شيء من األحداث. ومرادنا بقولنا تصــاعديا ليس على اإلطالق، فــإن التــاريخ يتعــثر في سيره أحيانا، بل احيانا كثــيرة، كمــا ليس مرادنــا حتميــة التــاريخ الــذي ذكــره مــاركس وأتباعــه، إذ ال دليــل على هــذه الحتميــة على الكيفية التي ذكروها، بل قد عرفت في هــذا الكتــاب وفي غــير هــذاــاركس، ســواء في ــة م ــة دلت على بطالن نظري ــأن األدل ــاب ب الكت

الفلسفة أو في السياسة أو في االقتصاد، بل حتى في تنبؤاته. فقد صدق في الفلسفة المقولــة القائلــة باإلثبــات والنفي ونفيــانب ــانب المـــوجب، والنقيض في الجـ النفي، أي التقريـــر في الجـ السالب، والتوفيق في الوضع الجديد المتولد من األولين، وقد ذكرنا بطالن هذه النظرية، في كتاب )الفقه: االقتصاد(، وكتــاب )مــاركس ينهزم(، وبذلك تسقط تســمية مــاركس هــذه الفكــرة بالعلميــة، في

قبال نظرية الخياليين ودعاة اإلصالح ودعاة االنقالب. حيث قال: إن األول ليس بواقعي وإنما يصلح في عالم الخيــال، والثاني ال ينفع، ألن اإلصالح الفوقي غير منتج، بل الالزم تغيــير بنيــة االجتمــاع، والثــالث غــير صــحيح إذ االنقالب بــدون وصــول المرحلــة

السابقة حد النضج ال يؤثر في تغيير البنية

117

وإنما يغير الشكل فقط. وبمــا رددنــاه في ذين الكتــابين، ظهــر أن نظريتــه أيضــا ليســت علميــة، وإنمــا هي كســائر النظريــات الخياليــة، وقــد دلت التجربــة

الشيوعية على بطالن هذه النظرية.

ماركس: ال للسياسةــاء علم السياســة، ــاركس في الحقــل السياســي: بإلغ ــال م وق بســبب اختفــاء الدولــة عــاجال أو آجال، ولــذا اليــدرس الماركســيونــة ــزاء النظري ــة أج ــا ببقي ــل يلحقونه السياســة دراســة مســتقلة، ب

الماركسية، ويدرسونها في إطارها. واستدل لهذه النظرية بــأن في المجتمــع طبقــتين متصــارعتين: المستغلون والمستغلون، بالكسر وبالفتح، فإذا كانت وسائل اإلنتـاج بيد الرأسماليين احتاج األمر إلى الدولــة لحفــظ مصــالح أولئــك إزاء الطبقة العاملة، وإذا صارت الوسائل بسبب الثورة البروليتاريــة بيــد الطبقة العاملــة احتــاج األمــر إلى الدولــة لحفــظ هــذه الطبقــة إزاء الطبقة الرأسمالية، أما إذا صـار التوزيـع واالسـتهالك عــادال، فالكــل عمــل بقــدر جهــده، والكــل اســتهلك بقــدر احتياجــه، اختفت الدولــة تلقائيا، إذ ال تكون حينذاك طبقتان حتى تحتاج إحــدى الطبقــتين إلى

الدولة في قبال الطبقة األخرى. وهذه النظرية أشــبه بالخيــال، فالدولــة إلقامــة العــدل، ولتنظيم النظـام، ولتقـديم األمـة إلى األمـام، فكيـف يتسـنى كـل ذلـك، وإن

فرض مستحيال عاديا ذهاب الطبقية. وقال ماركس في االقتصاد بنظرية فــائض القيمــة، وأن القيمــة االقتصادية للسلع هي بقدر ما بذل في إنتاجها من عمل، وقد سبقه

إلى هذا ديكارت، كما

118

سبقه إلى نظرية في الفلسفة هيجل مع تعديل. وطبقا لهذه النظرية قــال: بــأن الرأســمالي يســرق من العمــال

والفالحين ما هم مستحقون له بإزاء عملهم.ــاد ــاب )االقتص ــاد( وكت ــه: االقتص ــاب )الفق ــا في كت ــد ذكرن وقــال ــة، وأن القيمــة في قب ــارن( بطالن هــذه النظري اإلســالمي المق خمســة أشــياء: )العمــل الجســدي، والفكــري، والمــواد، وشــرائط

الزمان والمكان، والعالقات االجتماعية(.ــاه في صــحيح أن الرأســمالية الغربيــة أيضــا باطلــة، كمــا ذكرن

الكتابين، لكن ذلك ال يعني صحة نظرية ماركس. وقال ماركس في تنبؤاته: بأن العالم الصناعي سوف يهــدم إلى الشـيوعية بمعــاول هــدم الطبقــة العاملــة للرأسـمالية، ثم لم يــذكر صورة العالم الخالي عن الطبقية، وكأنه كان يفــترض أنــه على أثــر استيالء العمال على الحكم تصح األوضاع الفاســدة الـتي هي وليــدة الرأسمالية، بطريقة آليه تلقائيــة، ومن ثم يتجمــد التــاريخ إلى األبــد

ويصبح المجتمع بدون دولة. والتنبؤ األول لم يقع، بل وقع ضده، وهو انهدام العالم المتخلــف الزراعي في روسيا، ولم تصح األوضاع الفاسدة، بل إن روسيا أشد فسادا من العالم الرأسمالي، والتاريخ ال يعقل أن يتجمد، والحكومة

.(1)لم تختف، بل صارت أشد الحكومات ديكتاتورية وطمعا وإذا ظهر عدم صــحة نظريــة مــاركس السياســية، والــتي لســنا نحن بصددها اآلن، نرجــع إلى مــا كنــا بصــدده من أن للتــاريخ ســيرا تصاعديا، لكنه ليس كــل شــيء، كمــا أن للشخصــية اإلنســانية األثــر

القوي في االجتماع واالقتصاد

كتاب بيربيجو ونحوه. ،نبؤات ماركس االقتصادية ت( راجع في شأن?)1119

وغيرها، كما تقدم اإللماع إلى ذلك في المسألة السابقة.

))بين الشخصية والتاريخ((ويأتي هنا سؤاالن:

األول: هــل أن الشخصــية اإلنســانية عامــل مــؤثر في عــالمالسياسة، أم عامل بسيط في شالل التاريخ الجارف.

الثاني: وهو نتيجة جواب أول شقي السؤال األول، هل باإلمكانتغيير الشخصية العاملة ووضع غيرها مكانها، أم ال.

ــاة، لم يمكن ــير في الحي ــر الكب فــإذا كــانت الشخصــية لهــا األثــذي تغييرها إلى إنسان آخر، فليست الشخصية كالموظف العادي ال يمكن تغييره إلى موظف آخر، أما إذا لم تكن الشخصية كـذلك، بــل كــانت قطــرة في بحــر التــاريخ، وإنمــا األثــر الكبــير لشــالل التــاريخ

الجارف، كانت األهمية للتاريخ، وأمكن تبديل الشخصية. وفائدة هذا االختالف في السياســة هي هــل أن السياســي يجب أن يجعل ثقل بحثــه وعملــه على األشــخاص الســامية، أو أن يجعــل

ثقل بحثه وعمله على التاريخ. الماركسيون غالبا يذهبون إلى النظرة التاريخيــة، بينمــا جماعــة آخرون من المفكرين ذهبوا إلى النظرة الشخصية، مــع أن مقتضــىــل نقــول: إن لكــل من ــتين، ب القاعــدة أن ال نغــالي بإحــدى النظريــأثير على اآلخــر، فاإلنســان ــيرا في الت ــاريخ والشخصــية دورا كب الت الكبير يغير مجرى التاريخ بقدر، كما أن شالل التاريخ يلون اإلنســانــية الكبير بلونه، فبدون المؤهالت التاريخية ال يمكن أن تبرز الشخص الكبيرة، كما أنه بدون المؤهالت الشخصية ال يمكن أن يتغير مجرى

التاريخ.

120

أما لماذا ذهب كــل صــاحب رأي إلى رأيــه، فمــاركس حيث أراد أن يعطي كــل الــدور لالقتصــاد الصــانع للتــاريخ، لم يكن يقــدر على إعطاء الدور للشخصية اإلنسانية، ولذا جعل ثقله على التاريخ، بينماــديكتاتوريين ــوك ال ــوا أنظــارهم إلى المل ــرين وجه ــير من المفك كث والفاتحين القساة، بل وشيئا من أنظارهم إلى أمثال األنبياء )عليهم السالم( والعلماء، كأفالطون وأرسطو وأشباههم، فــرأوا أن التــاريخ مشـــى في ركـــابهم وتبعهم، ال العكس، ولـــذا جعلـــوا الثقـــل على

الشخصيات، وقد عرفت لزوم جعل الثقل على كال األمرين.

أقوال في مركزية الشخصية ثم إن الذين قــالوا بــأن مركــز الثقــل الشخصــية، انقســموا إلى

ثالث فئات: األولى: من قال بــأن الشخصــية المــؤثرة هي الطبقــة الحاكمــةــاريخ واألبطال، من غير نظر إلى أن الحاكم أو البطل المؤثر في الت

هل توفرت فيه اللياقة النفسية أم ال. الثانية: من قال بأن الشخصية المؤثرة هي أصــحاب النفســيات الغيبية، والتي استمدت القوة والشــعلة من الغيب، بــدون أن يكــون

للشخصية العملية والتربوية مدخل في تكوين شخصيته. الثالثة: من قال بأن الشخصية المؤثرة هي أصــحاب النفســيات المربـاة تربيـة قويـة جـديرة بـأن تجعـل اإلنسـان شخصـية، فال أثـر للغيب في ذلك، وإنمــا المــؤثر تقويــة النفس وتربيتهــا واإلقــدام في

األمور المهمة. وال يخفى أن الغالب عدم إنكار كل فئة رأي الفئة األخرى إنكارا

كليا،

121

وإنما الكالم في مركز الثقل حتى يكون القول الثاني قوال ثانيــا، واالختالف المذكور ليس اختالفا في مجرد العلميات، بــل لــه آثــاره، فإذا كان الثقل لشالل التاريخ، يكــون الالزم االهتمــام بصــنع التــاريخ

حسب القدر الممكن، كاألرض إذا صلحت أنبتت نباتا حسنا. أمــا إذا كــان الثقــل ألمــر غيــبي، لم يكن عالج بيــد اإلنســان، إذ

)1(، وربك يخلق من يشاءالغيب خاص به سبحانه، وما تشاؤون إال .(2)أن يشاء الله

نعم إذا كان الثقل للتربيــة واإليحــاء والتلقين واإلقــدام كــان منالممكن إيجاد كل ذلك.

وكل اآلراء الثالثة مقبولة بنسبة جزئية. أما أن الثقل ألي األقسام، فذلك بحاجــة إلى مطالعــات دقيقــة،

وإحصائيات كثيرة. ــا ال نعم، ال شك في أنه ال يستوي الكل في ذاتية النفسيات، كم تســتوي أزمنــة التــاريخ وأمكنتــه في الصــالحية لإلنمــاء وإظهــار

الكفاءات، وكذلك ال تتساوى كيفية التربية في بروز القابليات. ثم إن المراد بشالل التاريخ ألوف العوامل الــتي تحقــق اإلنمــاءــل واإلظهار، من العوامل الغيبية والطبيعية واالجتماعية وغيرها، ولع شخصا بارزا في التاريخ لم يكن يظهر لوال أي جـزئي من الجزئيـات المكتنفة بحياته، وكثيرا ما يقــرأ اإلنسـان أن صــفعة معلم، أو مــوت حبيب، أو غبطة التسامي، أو صدمة مفاجئة أثرت في تغيير مجــارى

حياة إنسان.

. 68 :( سورة القصص?)1. 30 :( سورة الدهر?)2

122

سمات الشخصية السياسيةــاريخ ــير الت ثم إنه لما كان وضع اليد على بعض الصفات التي تغ بقــدرها ممــا يســاعد السياســي في تفهم مجريــات التــاريخ في الماضــي والمســتقبل، ذكــر بعض علمــاء السياســة عــدة من هــذه الصفات، نذكرها نحن أيضا تباعا بدون اإلسهاب وذكر الخصوصيات.

: فالسياسي قد يكون بطبعه محاربا، وقد يكون مسالما.1 فــاألول يبقي النزاعــات ويهتم لتشــديدها، بــل ويخلــق عــداوات جديدة، بالعكس من القسم الثاني، حيث يقلل العداوات كما وكيفا، ويسلك الطرق األقرب إلى السلم، والقسم الثاني هــو الــذي حبــذه

اإلسالم. فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظقال سبحانه:

ــاورهم في القلب النفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وش .(1)األمر فإذا عزمت فتوكل على الله

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنةوقال سبحانه: .(2)وجادلهم بالتي هي أحسن«

.(3)وإن جنحوا للسلم فاجنح لهاوقال سبحانه: .(4)ادخلوا في السلم كافةوقال سبحانه: ادفــع الــتي هي أحســن فــإذا الــذي بينــك وبينــهوقال سـبحانه:

عداوة كأنه ولي

. 159 :( سورة آل عمران?)1. 125 :( سورة النحل?)2. 61 :نفالأ( سورة ال?)3. 208 :( سورة البقرة?)4

123

.(1)حميم وال يلقاها إال الذين صبروا وال يلقاها إال ذو حظ عظيم غيرهــا من اآليــات والروايــات الكثــيرة، والســيرة الطــاهرةإلى

لألنبياء واألئمة )عليهم الصالة والسالم(. : والسياسى قــد يكــون صـاحب نظريـة خاصـة، وقــد ال يكــون2

كذلك، بل يدور مع السياسة حيث ما دارت. فاألول يهتم لتطبيق السياسة على نظريته، سواء كــانت نظريــةــق ــل األوف ــاني حيث يعم ــا، بخالف الث ــة أو غيرهم ــة أو إلحادي دينيــربي السياســي من القســم ــوم أن اإلســالم ي ــه، ومن المعل بمزاج األول، حيث إنه دين عقائدي، وله في كل مسرح نظرية، سواء كان

اجتماعيا أو اقتصاديا أو غير ذلك. وال يخفى أن كال من القسمين من السياســي قابــل لالنعطــاف، إال أن صاحب النظرية إنما يكون انعطافه في مسائل ينطبــق عليهــا

قاعدة األهم والمهم، بخالف غيره حيث يتوخى الفائدة. وإن شئت قلت: إن الثــاني انتهــازي بخالف األول، وقــد ينطبــق

وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنــا واتبــععلى الثاني قوله سبحانه: بخالف األول الــذي ينطبــق عليــه قولــه ،(2)هواه وكــان أمــره فرطا

ــاء فليكفرسبحانه: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن ش(3).

كمــا أنــه فــرق واضــح بين )قاعــدة االهم والمهم( وبين )قاعــدة الهدف يــبرر الواســطة(، حيث إن القاعــدة األولى تقـدم األهم وهي قاعدة عقالئية، بينما القاعدة الثانيــة تقــدم الهــدف مســاويا كــان أو

مرجوحا أو راجحا. : والسياسي قد يكون ثوريا، وقد يكون مصلحا.3

فاألول يريد الثورة

. 35 ـ 34 :( سورة فصلت?)1. 38 :( سورة الكهف?)2. 39 :( سورة الكهف?)3

124

على األوضاع، ألن يقلبها إلى الصالح بنظره، بينمــا الثــاني يريــد اإلبقاء على صــالح األوضــاع وإن رأى خرابــا أراد ترميمــه وإصــالحه، مثلهما مثل من يريد هدم الدار ليبــني دارا بطــرز جديــد، ومن يريــد

تعمير بعض جوانب الدار التي وصل إليها العطب. أما ما قد يرى من تحول الثــوري إلى المصــلح وبــالعكس، فهــوــه فيهتم ــوب ل ــد يحصــل على النظــام المطل ــوري ق ــول أن الث معلــام إلصالح الفاسد من البناء الجديد، بينما قد يرى المصلح خراب تم

الدار فيريد بناءه من جديد على الطرز السابق. وبما ذكرنا ظهر أن اإلسالم يريد الثوري المصلح في كــل حــال، ثوريا بالنسبة إلى األبنية غير اإلسالمية، ومصلحا بالنسبة إلى األبنيــة

اإلسالمية التي أصابها العطب والفساد. نعم حيث إن اإلسالم دين عالمي، فهو ثوري مــا دام هنــاك بنــاء غير إسالمي، فإذا شمل اإلســالم العــالم كلــه انقلب إصــالحيا، قــال

فمــا ،(1)وما لكم ال تقاتلون في سبيل الله والمستضعفينسبحانه: دام هناك ســبيل اللــه مصــدود، ومستضــعف حقــه مهــدور، فــالثورة

مستمرة. : والسياسي قد يكون عنيدا، وقد يكون محنكا.4

فاألول يواجه المشاكل بروح التعصب والعناد، وال يعرف الطرق الدبلوماسية والحلول السياسية، أمــا المحنــك فهــو بــالعكس، يحــلــداوي المــرض المشاكل من أقرب الطرق، كالطبيب البصير الذي ي بالعالج األيسر األسلم، وقد ورد في وصف الرســول األعظم )صــلى

طبيب دوار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمى الله عليه وآله(:

. 75( سورة النساء: ?)1125

.(1)مياسمه لذا فاإلسالم يريد تكوين السياسي المحنــك الــذي يــدفع بــالتيو

لو وضــع الرفــق على شــيء زانــه، ولــوهي أحسن، وفي الحديث: .(2)وضع الخرق على شيء شانه

واإلسالم يرى القلع والقمــع والبــتر والقطــع ضــرورة، ويــرى أنــه بكم اليســرالضرورات تقدر بقدرها، وفي اآلية الكريمة: يريد الل

.(3)وال يريد بكم العسر والسياسي العنيد وإن أرضــى كبريــاءه، إال أن العاقبــة تعاكســه، بينما المحنك وإن لم يرض كبريــاءه في أول مرحلــة، إال أن العاقبــة

المحمودة تحالفه. ــا، وليس5 ــا، وقــد يكــون إقليمي : والسياســي قــد يكــون عالمي

الفارق النطق باألمرين، فما أيسر أن ينطق اإلنســان بأنــه عــالمي،بل الواقع والتخطيط.

ــة حســب الممكن، ــل في نطــاق العالمي ــاألول يخطــط ويعم فوالثاني يعمل في نطاق اإلقليمية، واإلسالم يرى األول.

الناس إما أخ لك في الدين، أو نظــيرقال علي )عليه السالم(: ، إلى غــير(5)أحب لغيرك ما تحب لنفسكقال: و،(4)لك في الخلق

ذلك من المعايير العالمية التي زخرت بها الشريعة اإلسالمية. : إلى غيرهم من أقسام السياســيين الموجــودين في الخــارج،6

كالمقدام والمحجم، والعميق والسطحي، وغيرهم.وال يخفى أن هذه التقسيمات إنما

. 108( نهج البالغة: الخطبة ?)1وحكمه. )صلى الله عليه وآله( باب مواعظ النبي 39( تحف العقول: ص?)2. 185 :( سورة البقرة?)3. 53نهج البالغة: الخطبة انظر ( ?)4. 31( نهج البالغة: كتاب ?)5

126

ــار ــردا عن اعتبـ ــة، مجـ ــة والساسـ ــبة إلى السياسـ هي بالنسـالشريعة.

))من أقسام السياسة والسياسي((ــدنيا أما إذا الحظنا هذا االعتبار، فالسياسة إما شرعية تالحــظ ال والدين، وإما عقلية تالحظ الدنيا الموزونة، وإما مادية تالحــظ الــدنيا

الشهوانية. والسياسي ينقسم بهذا االعتبار إلى األقسام الثالثة.

: فالسياسة الشرعية تخطط لسالمة الدنيا والــدين، كمــا قــال1 ومنهم من يقول ربنــا آتنــا في الــدنيا حســنة وفي اآلخــرةسبحانه:

.(1)حسنة وقنا عذاب النار ليس منــا من تــرك آخرتــه لــدنياه،كما قــال )عليــه الســالم(: و

.(2)وليس منا من ترك دنياه آلخرته اعمــل لــدنياك كانــكفي كلمــة أخــرى قــال )عليــه الســالم(: و

.(3)تعيش أبدا، واعمل آلخرتك كأنك تموت غداــا الفالســفة2 ــتي ينظــر إليه ــة الفلســفية، أي ال ــا السياس : أم

وأصحاب العقول المجردة عن الشريعة، فإنها تخطط لسالمة الدنياــاه، عن األخطار والمكاره، والتي يعيش كل إنسان فيها بســالم ورف

وبذلك تسقط الشهوات العاجلة ألجل العافية. : وأخيرا يأتي دور السياسة المادية التي ال تهتم إال بالشهوات،3

ومن الطــبيعي أن يــرتطم اإلنســان تحت ظــل هــذه السياســة، في أوحال المشاكل واألمراض والمنازعات، إذ الدنيا محدودة فــإذا أراد اإلنســان أن يســير فيهــا بــدون ضــوابط ومــوازين ارتطم بالحــدود،

ونشب الخالف بين األفراد الذين يريدون االنتهاز

. 20 :( سورة البقرة?)1. 1حة مات التجارد من مق28 الباب 49ص12( الوسائل: ج?)2. 2حة مات التجارد من مق28 الباب 49ص12الوسائل: ج (?)3

127

من مناهلها المحدودة، والنيل من فرضها القليلة. ولعل إلى ما ذكرناه أشار بعض علمـاء المسـلمين في تقسـيمه

السياسة، إلى )طبيعية وعقلية وشرعية(:فاألولى: ما تحمل الناس إلى مقتضى الغرض والشهوة.

والثانية: ما تحملهم إلى مقتضى جلب المصــالح الدنيويــة ودفــعمضارها.

والثالثة: تحملهم إلى ما يصــلحهم في دنيــاهم وأخــراهم. وذلــك لما هو واضح من أن اإلسالم دين ودنيا، أو باألحرى إن اإلسالم يرى األولى واألخرى مملكــة واحــدة لــرب واحــد، والكــل عبيــده، وبهــذه النظرة وضع الخطط العامة لصالح العبيد في أرجــاء هــذه المملكــة

الواحدة، العاجلة منها واآلجلة. وكيف كان، فالسياسي اإلسالمي هو الذي يضــيف إلى المحامــد التي ذكرت في األقســام الســتة الســابقة، المنهجيــة اإلســالمية في

أسلوبه السياسي.

128

علوم أم علم السياسة فرق بين )العلم( و)العلوم(، فاألول لــه موضــوع(:11)مسألة

ــه موضــوعات متعــددة، والعلم الواحــد ليس ــاني ل واحــد، بينمــا الث علوما، وكذلك العكس، فعلم النحو علم واحد، وكذلك علم االقتصاد

وغيرهما. وأمــا إذ الحظنــا األدب، قلنــا العلــوم األدبيــة، الشــاملة للصــرف

والنحو والمعاني وغيرها. وبهــذا المــيزان يظهــر أن مــا اصــطلح عليــه جماعــة من علمــاء السياسة القدامى بتســمية هــذا العلم بــالعلوم السياســية، كــان فيــوم ــة أو العل ــوم النحوي ــول: العل ــة أن نق ــو بمثاب ــه، إذ ه ــير محل غ

االقتصادية، إذ السياسة موضوع واحد له مسائل كسائر العلوم. أما أولئك الذين جعلوا هذه التسمية، فكان منطلق تفكيرهم أن جميع العلوم اإلنسانية تهتم بالحياة السياسية، بوجه أو بـآخر، فليس للسياســة ميــدان خــاص، بــل لكــل علم من العلــوم اإلنســانية فــرعــية، ــا السياس ــي، والجغرافي ــاريخ السياس ــة، كالت ــط بالسياس مرتبــاع ــي، وعلم االجتمـ ــي، وعلم النفس السياسـ ــاد السياسـ واالقتصـ

السياسي، وإلى غير ذلك. لكن هذا المنطق ال يكفي لرفض وحدة العلم السياســي، فهــذه

فروع من السياسة، أخذتها سائر العلوم، ال أن كل فرع علم.

129

ــا وصــححوا ولذا جاء جمع من المتأخرين قبل أربعين عاما تقريب هذا االنحراف، وأرجعوا األمر إلى مــا أشــار إليــه القــدماء من كــون

السياسة علما ال علوما، فقالوا: )علم السياسة(.ــان اصــطالحيا والمشــاحة في االصــطالح، إال أن ــر وإن ك واألم التحديد الواقعي في األمور االعتبارية أجدر بأن ال يخطأ اإلنسان في مسارب تلــك األمــور االعتباريــة، كمــا التحديــد الــواقعي في األمــور

الخارجية يحفظ اإلنسان من التيه.

))أقسام موضوع السياسية((ــذا العلم ــددوا موضــوع ه ــاء السياســة ح ــا من علم ثم إن جمع بالنظر وبالعمل، والعمل قسموه إلى الداخلية والدولية، فالموضــوع

له أربعة فروع أساسية: : يشمل: األول

: النظرية السياسية. 1: وتاريخ األفكار السياسية.2

وإنما جعلوا التاريخ من العمل، ألجــل مســاعدة العلم بــذلك في تعليم السياســة، وفي تمــرين الــذهن إلعــداد العــالم على التطــبيق

الخارجي. المؤسسات السياسية الشاملة: الثاني:

: للمؤسسات السياسية المقارنة. 1: والمؤسسات التشريعية كالدستور. 2: والمؤسسات التنفيذية كالحكومة.3

وهـــذه الثالثـــة بمجموعهـــا تتحلـــل إلى ســـت مؤسســـات هي )الدستور( و)الحكومــة المركزيــة( و)الحكومــة اإلقليميــة والمحليــة( و)اإلدارة العامــة( و)وظــائف الحكومــة االقتصــادية واالجتماعيــة(

و)المؤسسات السياسية المقارنة(. ــة، حيثالثالث: األمور التي هي بمنزلة النسبة األولى للسياس

إن منها منطلق السياسة، وفيها يكــون النضــج السياســي، ومــا إلىذلك.

130

وقد قسم علماء السياسة الجدد هذا إلى أربعة أمور: : الرأي العام. 1: الفئات أو الجميعات. 2: األحزاب السياسية. 3: مشاركة اإلنسان في اإلدارة أو الحكومة.4

وقد تقدم في المسألة السابقة أن هذه الثالثة ـــ بتوحيــد الثــاني والثالث ـ بمنزلــة القمــة والوســط والقاعــدة، وعليــه يكــون التــدرجــذا أو ــة إلى الــدخول في الحكم تنفي السياســي من الــرأي إلى الفئ

تشريعا. ال يقال: فأين مكان القضاء؟

ألنه يقال: القضاء داخل في قسم التنفيذ، وإن لم يصطلح عليـهبذلك.

وأخيرا يأتي دور العالقات الدولية التي هي عبارة: الرابع:: عن السياسة الدولية. 1: والتنظيمات واإلدارات الدولية. 2: والقانون الدولي. 3

ــأن ــه ب ــد من يعرف ــر نقص علم السياســة عن ــدم يظه ــا تق ومم السياســة علم الدولــة، اللهم إال إذا أراد الســعة في معــنى تعريفــه ذلك، حتى يشمل مثل الرأي العــام والفئــات الضــاغطة ومــا أشــبه، لكن مثل هذا المعــرف للسياســة بــذلك إنمــا يشــرح السياســة بمــا يخص الدولة فقــط، فيكــون حالــه حــال من يخصــص علم االقتصــاد

بالنقد مثال، أو علم البالغة بالبيان فقط. نعم، ال شك أن أهم فروع علم السياسة علم الدولــة، ومن هــذا

المنطق انطلق

131

ــانيون والمســيحيون والمســلمون في ســالف الزمــان في اليونمحور دراساتهم للسياسة.

: فالفالسفة اليونانيون الــذين تعرضــوا للسياســة، كــان محــور1 كالمهم الدولة المثلى، وال يخفى أن تخطئة بعض لهم بأنهم مثاليون ال واقعيــون، غــير جــدير باالعتنــاء، إذ هم أرادوا التخطيــط لســعادة اإلنسان، فمهما وصل اإلنسان إلى ذلــك المخطــط كــان أقــرب إلى الســعادة، مثــالهم في ذلــك مثــال كــل عــالم وبــاحث يهــدف أخــير

المطاف، وصل إليه اإلنسان بسرعة أو بطء. 2 : والمسيحيون تعرضوا للعالقة بين الدولة والكنيســة، انطالقــا

مما أثر عنهم )ما لله لله، وما لقصير لقيصر(. : والمسلمون انطلقــوا من فكــرة الدولــة الشــرعية والخالفــة3

اإللهية. فالمحور عند األولين )اإلنسان(، وعند المســيحين )اللــه(، وعنــد المســلمين )كالهمــا(، حــتى جــاء الساســة المحــدثون فنظــروا إلى السياسة بما أنها سياسة مبتدئا بنشأة الدولة وسياســتها، وهــذا وإنــاني، إال أن لكــل وجهــة كان خطأ عند المسلمين، كالرأي األول والث

نظر منطلقه من خلفياته الفكرية.

132

واألمة الدولة في بحوثــدم الكالم حــول الشخصــية السياســية(:12)مســألة ــد تق لق

والمسرح السياسي، وأن المسرح السياســي هــو الــذي يظهــر فيــه السياســي كرجــل سياســة، كمــا أن المســرح السياســي قــد يكــون محصــورا في حــدود البالد الــذي هــو مــوطن رجــل السياســة، وقــد

يتعداه إلى سائر األمم والبلدان. ــدي حــدود بالده، ثم إن السياسي القدير هو الذي يتمكن من تع وإعمال السياسة في البلدان األخر، وذلـك ألن السياسـة كالشـجرة لها جذور، وكلما قلت جذور الشــجرة كــانت عرضــة للســقوط أكـثرــاد السياســيون ــذا اعت ــوب العواصــف، ول ــد هب فــأكثر، خصوصــا عن األقوياء على تحصيل الصداقات خــارج حــدود بالدهم، والنفــع حينئــذ يكون متبادال بين الجانبين، فيشد أحــدهما أزر اآلخــر، هــذا باإلضــافة

إلى أن بعضهم يشتري الصحف والرجال وما أشبه خارج البالد. وكيف كان، فموضع الكالم حول السياسة، في أمرين:

أ: الدولة. ب: األمة.

ــة هي المتصــرفة في فاألمــة تكــون موضــعها المملكــة، والدولكلتيهما، وربما

133

يتعدى السياسي حدود بالد إلى سائر البالد واألمم كما ذكرنا. كما أن السياسة قد يكــون مســرحها بين األمم، كمــا تقــدم في

المسألة السابقة.

))الحاجة إلى الدولة(( أما الدولة، فهي أرقى التشــكالت البشــرية إلدارة أمــور جماعــة

كبيرة في مختلف شؤونها. وكلما تقدم العلم والصـناعة وكـثر البشـر في منطقـة وتعقـدت أحــوال األمم، كــان االحتيــاج إلى الدولــة أكــثر، حيث إن العلم يزيــد حاجات البشر، والكثرة توجب تبادل العالقــات أكــثر، وتعقــد أحــوالــة ــع درج ــك يرف ــل ذل ــيرهم، وك ــوال غ ــا على أح ــؤثر تلقائي األمم ي االحتياجات، وبارتفاع درجــة االحتياجــات يكــون االحتيــاج إلى الدولــةالمنظمة لهذه االحتياجات، والمملية لفراغات الحاجات أكثر فأكثر.

ــاء والمواصــالت1 : مثال بعد أن تدخلت في الحياة الماء والكهربــاء ــاس إلى معامــل التصــفية، ومكــائن الكهرب ــاج الن ــة، واحت الحديث والمطارات والمحطات وما أشبه، زادت وظيفة الدولة باعطاء هذه

الحاجات، بينما لم تكن من ذى قبل. : والفرق واضح بين الدولة الــتي تشــرف على إصــالح شــؤون2

مليون إنسان، وبين الدولة الــتي تشــرف على إصــالح شــؤون مائــة مليون، حيث إن األولى تعالج مشاكل عالقات مليــون، بينمــا الثانيــةــاعف ــات، حيث إن التض ــات الماليين من العالق ــاكل مئ ــالج مش تع العددي في األفراد ال يــوجب التضــاعف العــددي في العالقــات، بــل

يوجب التضاعف الهندسي. مثال: عالقة إنسان واحد بآخر عالقتان من الطرفين، أما إذا وجد إنسان ثالث صارت العالقات ستا، فإذا وجـد رابـع صـارت العالقـات

اثنتي عشرة، وهكذا كلما زاد فرد زادت العالئق بالقياس السابق.وبذلك يعرف وجه كثرة

134

االحتياج إلى الدولة فيمــا إذا تعــددت األمم، وتعقــدت الظــروف لكل أمة، حيث إن تعدد األمم حاله حال الثاني، وتعقد ظروفها حاله

حال األول. وبما تقدم ظهرت شدة االحتياج إلى الدولــة، كلمــا تقــدم العلم،

وكثر أفراد البشر.

النظرية الماركسية في الدولة ونقدها لكن الماركسيين خالفوا ذلك، فهم يرون الدولة أمرا عارضا، لمــد تكن في أول أزمنة البشر، حيث ال وسائل لإلنتاج، وإنما حدثت عن ظهور الملكية وبروز وسائل اإلنتاج، حيث أخذ بعض البشــر يســتغل البعض تبعا للطبقيــة، فظهـور الدولـة إنمـا هـو انحــراف في طبيعــة البشر، والدولة هي الحافظة لمصــالح األقليــة المســتغلين بالكســر،ــة من االســتيالء ــالفتح، وإذا تمكنت األكثري ضد األكثرية المستغلين بــاج ــل في االنت ــاوى الك ــاج زالت الطبقيــة، وتس ــائل اإلنت على وس واالستهالك، كــل يعمــل بقــدر طاقتــه، ويســتهلك بقــدر حاجتــه، وإذا

زالت الطبقية زالت االحتياج إلى الدولة. وهذه النظرية يرد عليها أمور:

ما تقدم من وجــه الحاجــة إلى الدولــة، فليس االحتيــاجاألول: إلى الدولة من جهة مــا ذكــروا، بــل من جهــة مــا ذكرنــا من األمــور

(، وهذه الثالثة التي هي مبعث االحتياج إلى الدولة3 ـ 2 ـ 1الثالثة )باقية ما بقي اإلنسان إنسانا.

وقد ذكرنــا في بعض المســائل الســابقة زيــف نظريــة اإلنســان المتوحش األول التي ذكرهــا دارون، وتبعــه عليهــا مــاركس وغــيره،

فإن العقل والنقل متطابقان

135

على تحضر اإلنسان منذ أن وجد وسيبقبى متحضرا إلى النهاية. إن قولهم: )إن الدولة وليدة الطبقات المتضادة( الزمهالثاني:

اختفاء الدولة إذا اختفت الطبقات المتضادة، مع أنا نجد عدم اختفاء الدولة في ذلك الحال، كما إذا توحدت الطبقات أمــام خطــر داخلي كالسيول واألوبئة، أو خارجي كالحرب، ففي الحرب العالمية األولى والثانية اتحدت الطبقات، ولم تختف الدولة، بل كــان االحتيــاج إليهــا أكثر، ولماذا حاربت طبقة العمال األلمان طبقة العمــال الفرنســيينــة، وكــذا حــارب المســلمون اليهــود في فهــل الحــرب كــانت طبقي فلسطين والفرنسيين في الجزائر، وقد سببت هذه الحروب توحيــد طبقات المســلمين، ومــع ذلــك لم تختــف الدولــة، باإلضــافة إلى أن

الشغيلة حاربت الشغلية ولم تحارب طبقة طبقة. ــالث: ــ إن الــــنزاع ليس بين الطبقــــتين االقتصــــاديتين،الث

المســتغلون بالكســر، والمســتغلون بــالفتح فقــط، حــتى إذا اختفت اختفت الدولة، بل النزاع له منطلقات متعــددة، كالقوميــة والثقافــة والدين والرئاسة وغيرها، والدولة حيث إنها الحافظــة للعــدل وعــدم تعــدي بعض على بعض تبقى، مــا دامت هــذه المنطلقــات موجــودة

وإن اختفت الطبقية االقتصادية. الدولة ال تحفظ مصالح طبقة ضــد طبقــة، حــتى يكــونالرابع:

وجودها رهن وجود المصالح، فــإذا اختفت المصــالح اختفت الدولــة،نعم ذلك ممكن في الدولة المنحرفة.

إذ الدولة غالبا تــراعي كــل الجــوانب، وإن كــانت رعايتهــا لبعض الجــوانب أكــثر في بعض األحــوال، فالماركســيون نظــروا إلى بعضــات المنطــق الدول ثم عمموا أحوالها إلى كل دولة، مع أن من أولي

أن )الجزئي اليكون كاسبا وال مكتسبا(. وسنذكر في آخر هذا الفصل النظريــة اإلســالمية حــول الدولــة،

لمزيد توضيح هذا األمر.

136

لو كان تسلم العمال لوسائل اإلنتــاج يــوجب اختفــاءالخامس:ــل البالد ــرى في ك ــاذا ن ــة، فلم ــاء الدول ــوجب الختف ــات الم الطبق الشيوعية وجود الطبقات وقد مر على بعضها زهاء ثلثي قرن، حيث

ــك العمــال1917إن ثورة اكتوبر في روسيا كانت سنة ) م(، وقد ملكل شيء حسب زعمهم.

ــادس: ــائر بالدالس ــيا وس ــة في روس ــف الدول ــه لم تخت ال أنالشيوعية فقط، بل ازدادت شدة وصالبة ومؤسسات ودوائر.

ــوه من التالزمين ــا ادع ــر بطالن م ــامس ظه ــادس والخ وبالســاء ــات الختف )تأميم وسائل اإلنتاج الختفاء الطبقات( و)اختفاء الطبق

الدولة(.

الدولة في منظار علي عليه السالم قال علي أمير المؤمــنين )عليــه الســالم( كمــا في نهج البالغــة:

البد للناس من أمير بر أو فاجر. ـ الظاهر أن المراد حاكم بر في بالد األبــرار، وحــاكم فــاجر في

كيفمــابالد الفجار، ألن كل طائفــة تنتخب من نفســها، أو كمــا ورد: ـ .تكونوا يولى عليكم

ــا يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيه األجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به الســبل، ويؤخــذ

،(1)به للضعيف من القوي، حــتى يســتريح بــر، ويســتراح من فــاجرانتهى كالمه )عليه السالم(.

وقــال عبــد اللــه بن عبــاس: دخلت على أمــير المؤمــنين )عليــهــذه النعلالسالم( بذي قار، وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة ه

فقلت: ال قيمة لها، فقال )عليه ،

. 41 الخطبة :( نهج البالغة?)1137

ــا أوالسالم(: والله لهي أحب إلي من إمــرتكم، إال أن أقيم حق .(1)أدفع باطال

فقد جعل الله لي عليكم حقا بوالية أمركم،وقال عليه السالم: ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، والحق أوسع األشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، ال يجري ألحــد إال جــرى عليــه، وال يجري له إال جرى عليه، ولو كان ألحد أن يجري لــه وال يجــري عليــهــه لكان ذلك خاصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدل في كل ما جرت عليـه صـروف قضـائه، ولكنــه سـبحانه جعـل حقـه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب، تفضال

.وتوسعا بما هو من المزيد أهلهثم جعــل ســبحانه من حقوقــه، حقوقــا افترضــها لبعض النــاس

ــا، ــها بعض ــوجب بعض ــا، وي ــأ في وجوهه ــا تتكاف على بعض، فجعله. واليستوجب بعضها إال ببعض

وأعظم ما افترض الله سبحانه من تلك الحقــوق، حــق الــوالي على الرعية، وحق الرعية على الــوالي، فريضــة اللــه ســبحانه لكــل على كل، فجعلها نظاما أللفتهم، وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إال بصالح الــوالة، وال تصــلح الــوالة إال باســتقامة الرعيــة، فــإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليهــا حقهــا، عــز الحــق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتــدلت معــالم العــدل، وجــرت على إذاللهــا السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع

. األعداءوإذا غلبت الرعيــة واليهــا، أو أجحــف الــوالي برعيتــه، اختلفت

هنالك

. 33 الخطبة :( نهج البالغة?)1138

ــركت الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر األوغال في الدين، وتــل ــثرت عل ــام، وك ــالهوى، وعطلت األحك ــل ب ــنن، فعم ــاج الس مح النفوس، فال يستوحش بعظيم حــق عطــل، وال بعظيم باطــل فعــل، فهناك تذل األبرار، وتعز األشرار، وتعظم تبعــات اللــه ســبحانه عنــد

. (1)العباد وسأله )عليه السالم( رجل: العدل أفضل أم الجود، فقال )عليه

العدل يضع األمور مواضعها، والجــود يخرجهــا من جهتهــا،السالم(: ــدل أشــرفهما ــاص، فالع ــارض خ ــام والجــود ع ــدل ســائس ع والع

.(2)وأفضلها الحق القــديم ال يبطلــه شــيء، واللــه لــووقال )عليه السالم(:

ــاء ـ أي المال المغصوب ـ وجدته قد تزوج به النساء وملك به اإلم لرددته، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العــدل فــالجور عليــه

.(3)أضيق أما والذي فلق الحبة وبــرأ النســمة، لــوالعليه السالم(: )وقال

حضــور الحاضــر وقيــام الحجــة بوجــود الناصــر، ومــا أخــذ اللـه على العلمــاء أن ال يقــاروا على كظــة ظــالم، وال سـغب مظلــوم، أللقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، وأللفيتم دنياكم هذه

.(4)أزهد عندي من عفطة عنزــدة ــب القاع ــل حس ــالم( بعض أن يعم ــه الس ــه )علي وطلب من

أتــأمروننيالمعروفة: )الغاية تبرر الوسيلة( فقال )عليــه الســالم(: أن أطلب النصر بالجور، والله ما أطور به ما سمر ســمير، وأم نجم في السماء نجمــا، لــو كــان المــال لي لسـويت بينهم، فكيــف وإنمــا

.(5)المال مال الله

. 34( نهج البالغة: الكتاب ?)1. 437 الحكمة :( نهج البالغة?)2. 15( نهج البالغة: الخطبة ?)3. 3 ( نهج البالغة: الخطبة?)4. 126 ( نهج البالغة: الخطبة?)5

139

وليس امــرؤ ـــ وإن عظمت في الحــقوقــال )عليــه الســالم(: منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته ـ بفوق أن يعــان على مــا حملــه الله من حقه، وال امرؤ ـــ وإن صــغرته النفــوس واقتحمتــه العيــون ـ

.(1)بدون أن يعين على ذلك، أو يعان عليه فال تكلمــوني بمــا تكلم بــه الجبــابرة، والوقال )عليه الســالم(:

تتحفظــوا مــني بمــا يتحفــظ عنــد أهــل البــادرة، وال تخــالطونيــل لي، وال التمــاس ــوا بي اســتثقاال في حــق قي بالمصــانعة، والتظن إعظام لنفسي، فإنــه من اســتثقل الحــق أن يقــال لــه أو العــدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فال تكفوا عن مقالــة بحــق،

.(2)أو مشورة بعدل وإنوقــال )عليــه الســالم( في كتابــه إلى عاملــه بأذربايجــان:

عملك ليس لــك بطعمــة، ولكنــه في عنقــك أمانــة، وأنت مســترعى .(3)لمن فوقك، ليس لك أن تفتات في رعيته

فأنصــفوا النــاس منوقال )عليه السالم( في مرسومه العــام: أنفســكم، اصــبروا لحــوائجهم، فــإنكم خــزان الرعيــة، ووكالء األمــة،

.(4)وسفراء األئمة وفي عهــد اإلمــام )عليــه الســالم( إلى مالــك األشــتر حين واله

مصر: )وأشعر قلبك الرحمــة للرعيــة، والمحبــة لهم واللطــف بهم، وال تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق... وال تقــولن إني مــؤمر آمــر فأطــاع، فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقــرب من الغــير... فــإن حقا على الوالي أن ال يغيره على رعيته فضل نالــه، وال طــول خص

به، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمة دنوا من عباده، وعطفا

. 216 ( نهج البالغة: الخطبة?)1. 216( نهج البالغة: الخطبة ?)2. 5( نهج البالغة: الكتاب ?)3. 51( نهج البالغة: الكتاب ?)4

140

.(1)على إخوانه وهنا نكتفي بهذا المقدار من كالم اإلمام )عليه السالم(، لكفايته في عرض النماذج الذي نحن بصــدده، وإن كــانت جملــة من اآليــات والروايــات الــواردة عن الرســول األعظم )صــلى اللــه عليــه وآلــه( واألئمــة الطــاهرين )عليهم الصــالة والســالم( بهــذا المعــنى كثــيرة،

وسيأتي الكالم حول بعضها.

. 53( نهج البالغة: الكتاب?)1141

األمة في بحوث وأما )األمة( فهي الجماعة الــتي ربطت أنفســها(:13)مسألة

بعضا ببعض لمصير واحد، فلهم عالئق متبادلة، سواء كانت لهم لغــة واحدة أو عدة لغات، ودين واحد أو عدة أديــان، وهكــذا، وقــد تقــدم في بعض المسائل السابقة وجه توحيد األمــة وســبب تمــايز بعضــها عن بعض، وأن لعلماء السياسة األلمان والفرنسيين رأيين مختلفين

في هذا السبب.وسيكون الكالم في هذا الصدد في أربعة أمور:

األول: الفرق بين األمة والناس. الثاني: ظهور األمم في طول التاريخ واختفاؤها.

الثالث: العناصر التي تشكل األمم. الرابع: المكان الجغرافي المحدود الذي تعيش فيه كل أمــة بمــا

أنها أمة واحدة.

))الفرق بين األمة والناس(( أمــا األول: فالنــاس أعم من األمــة، ألن األمــة ال تطلــق إال على مجموعة ربطت مصالحها بعض ببعض، بحيث توحدت في وحدة ما، وتمكنت أن يتفاعـــل بعضــها في بعض بنــوع من التفاعـــل وجعـــل

العالئق بينها، ولها إطالقان باعتبارين: : اإلطالق المرتبط بالحدود الجغرافية، فيقال: األمة الهندية، 1

142

في قبال األمة التركية مثال. : اإلطالق المرتبط بالحدود الدينيــة، فيقــال: األمــة اإلســالمية،2

في قبال األمة المسيحية مثال. ومن الواضــح أن األمــة بــأي من االعتبــارين يالحــظ فيهــا وحــدة خاصــة، ويكــون بينهمــا عمــوم من وجــه، على االصــطالح المنطقي، فاألمة الهنديــة تشــمل األمــة اإلســالمية وغيرهــا، واألمــة اإلســالمية

تشمل األمة الهندية وغيرها. أما بين الناس واألمة فعموم مطلــق، إذ النــاس أوســع مفهومــا من األمة، نعم قد يتحــدان مفهومــا بســبب اإلضــافة، فيقــال: األمــة

العربية، والناس العرب. وحيث إن الغالب صياغة كل شــيء من فلســفة نظريــة خاصــة، اختلفت االصــطالحات في األمــة أيضــا، مثال االجتمــاع واالقتصــاد والسياســة قــد تصــاغ من فلســفة الــدين، وقــد تصــاغ من فلســفة القومية، وقد تصاغ من فلسفة الجغرافيا، فــإن المفكــرين يجعلــون

فلسفة ألنفسهم ويرجعون كل األنظمة إلى تلك الفلسفة. فالمتدين مثال يالحظ في المسائل االقتصــادية الحالل والحــرام، بينما القومي يالحظ ماذا ينفع قومه، وماذا ال ينفع، ومن ينطلــق من الفلسفة الجغرافية يالحظ ما ينفع الذين يعيشـون في هـذا القطعــة

الخاصة من األرض. وأما من وضع فلسفته على اللون ـ كمــا في إفريقيــا وإمريكــا ـ فإنه ينطلق من فلسفة وجوب االهتمام بهذا اللون دون ذاك، فيضع اقتصاده على طبق تلك الفلسفة، ولذا تجد أفكارا اقتصادية متعددة في مكــان واحــد، فالمســلم في العــراق مثال ينطلــق من االقتصــاد اإلسالمي، بينما القومي ينطلق من االقتصاد لألمــة العربيــة، وهكــذا

المالحظ للحدود الجغرافية الخاصة ينطلق من االقتصاد العراقي.

143

أقول: حيث إن الغــالب اختالف صــياغة المســائل من فلســفات خاصة، كان اصطالح )األمة( أيضــا ممــا تــأثر بهــذه الصــياغات، فقــدــة يالحظ فيها الدين فيقال: )األمة اإلسالمية( من دون نظر إلى اللغ والحدود األرضية، وقد يالحظ فيها اللغة فيقــال )األمــة العربيــة( من دون نظــر إلى الــدين والحــدود األرضــية، وقــد يالحــظ فيهــا األرض

فيقال: )األمة المصرية( من دون نظر إلى الدين واللغة. وقــد ظهــر بمــا تقــدم أن اإلطالقــات المختلفــة ليســت مجــردــنى على اصطالحات، وإنما يترتب على ذلك األبنية الفوقيــة الــتي تب هذه الفلسفات التي انطلقت منها الصــياغات المتعــددة، وكثــيرا مــا يقــع الخلــط والمغالطــة، لعــدم اهتمــام الشــخص في صــياغاته

بالمنطلقات واألسس الفكرية.

تكون األمة المسلمةــة بين ــال الرابطـ ــ في مثـ ــير ــ ــام أن نشـ ــأس في المقـ وال بـ المنطلقات الفكرية وبين العمــل في تكــوين األمــة في قبــال ســائر األمم ـــ إلى األمــة اإلســالمية، والــتي يقــاس عليهــا ســائر األمم في كيفية االرتباط بين المنطلق الفكــري لهــا، وبين تكونهــا أمــة واحــدة

ألجل ذلك المنطلق. فاإلسالم بنى أمته على العقيدة بالتوحيد، إذا فاألرض ومــا فيهــا كلها الله، والناس مخلوقون لله، والتشريع لله، والجــزاء على اللــه، حيث يجازي المحسن باإلحسان، وأما المسيء فإن شاء عفى عنــه

وإن شاء عذبه، والمشيئة حسب المصلحة ال اعتباطية فيهما. ومن هــذا المنطلــق بــني اإلســالم على الصــالة والصــوم والحج

والزكاة والوالية.ــه، والصــوم للســيطرة على ــع الل ــاط م ــدوام االرتب فالصــالة لــإن ــرور، ف ــيرات والش ــح أن النفس مبعث الخ النفس، ومن الواض

جوهر النفس إذا صلح

144

صلحت النفس والبدن والمحيط االجتماعي والمحيط الطــبيعي، والحج الجتمــاع المســلمين حــتى يحلــوا مشــاكلهم ويتشــاوروا فيمــا يقدمهم ويهــيئوا األســباب إلنقــاذ المستضــعفين وإلعالء كلمــة اللــه، والزكاة مال البد للنظام منه، والوالية بشــقيها قيــادة األصــلح، فــإن القيادة إذا كانت صالحة رشــيدة صــلحت األمــة، وإذا لم تكن كــذلك

وقعت األمة في مهاوي الضالل واالنحطاط. والمراد بشقيها: الشــق المعين الــذي انتهى دوره الظــاهر، وإن بقيت القيادة في حال ســتار، لفلســفة مــذكورة في مســألة اإلمــام الغائب )عليه السالم(، والشق المنطبق على كل واحد توفرت فيــه المواصفات الشرعية ورضاية أكثرية األمــة، كمــا ذكرنــاه في كتــاب

)الحكم في اإلسالم(. ــاني لإلســالم، ظهــر كيــف وإذ قــد ظهــر المنطلقــان األول والث تكونت األمة اإلسالمية التي نحن بصددها، فاألمة هي كل من يــؤمن بالله الواحد، ويتمســك بشــريعته المنزلــة على خــاتم أنبيائــه محمــد

)صلى الله عليه وآله(. وقد قرر في الشريعة أن األقليات الـتي تعيش في بالد اإلسـالم ملتزمة بشروط اإلســالم، تعيش في أمن وســالم، من جهــة نفســها

وعرضها ومالها. ــوق ــوة، ولهم حق ــلمون كلهم أخ ــاس، فالمس ــذا االس وعلى ه وواجبات متساوية، إال ما خرج لفلسفة خاصة، كالرجل والمرأة ومــا أشــبه في بعض األحكــام. فال فضــل للغــة على لغــة، وال للــون على لـــون، وال لقطـــر على قطـــر، وال لعـــرق على عـــرق، وال لمكانـــة اجتماعيـــة على غيرهـــا، فـــالعربي والعجمي، واألبيض واألســـود، والعراقي والمصري، وبنو تميم وبنو ساسان، ورئيس الدولة وكناســالتقوى، ــانون اإللهي، والمفاضــلة ب ــام الق ــة، كلهم ســواء أم البلدي وليست تلك المفاضلة في أن يشــمل القــانون أحــدهما دون اآلخــر،ــبة إلى ــد الحكم بالنس ــا متح ــه، فكالهم ــد الل ــلة عن ــا المفاض وإنم

العبادات والمعامالت واألحوال الشخصية والجنايات

145

والكفــاءات، أليس إلههم واحــد، وأليســت شــريعتهم واحــدة، ،(1)لها ما كسبت وعليها ما اكتسبتفلماذا التفاضل بغير الكسب،

.(2)لهن مثل الذي عليهن بالمعروفو

حكومة واحدة لكل المسلمينــل ــدة لك ــالمية الواح ــة اإلس ــون الدول ــق تتك ــذا المنطل ومن ه

.(3)إن هذه أمتكم أمة واحدة«مسلمي العالم، حيث قال سبحانه: ــال ســبحانه: و ــد ق ــوة، وق ــاد ق ــاحيث إن االتح ــدوا لهم م وأع

.(4)استطعتم من قوةــلإلى غير ذلك من األدلة المذكورة في محلها، فالمسلم في ك

بالد اإلسالم مواطن، له جميع حقوق المواطنة، ال تفصله عن ســائرالمسلمين حدود جغرافية وال لغة وال لون وال غير ذلك.

إمــابل اإلسالم يقول فوق ذلك: إن كل البشــر في كــل األرض أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق ، فالتفرقــات: لغــة وقومــا

وحدودا كلهــا مصــطنعة، وإنمــا الفــارق الوحيــد هــو الــدين، وذلــك ال إكراه فيه، وإنما منطــق واســتدالل واتبــاع لألفضــل الــذي دل عليــه

ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظةالبرهان، ولذا قال سبحانه: غيرهـــا من اآليـــات إلى ،(5)الحســـنة وجـــادلهم بـــالتي هي أحسن

والروايات بهذا الصدد. ــادئ ــة الواحــدة ذات المب ــ ضــمن هــذه األم ــرد المســلم ـ والف

المنطقية ـ حر

. 286 :( سورة البقرة?)1. 228 :( سورة البقرة?)2. 92 :( سورة األنبياء?)3. 61 :نفالأ( سورة ال?)4. 125 :( سورة النحل?)5

146

في أخذه وعطائه، وسفره وإقامته، وإبداء رأيه بمختلف وسائل اإلظهار، وعمله أي عمل شاء، من زراعة وصناعة واكتساب وعمــل

جسدي أو فكري، أو غير ذلك. كما أنه حر في أن يملك مــا يشــاء من األرض وغيرهــا، بشــرط عدم الغصب وعــدم الضــرر بــاآلخرين بــأي نحــو من ألــوان الضــرر، وعدم أخذ الفرصة من اآلخرين على مــا ذكرنــا تفصــيله في )كتــاب

االقتصاد(. وال يخفى أن هذا المنطلق الصحيح المبني عليــه تلــك الشــريعة الكاملة، والذي انطبق كثير من بنودها في زمان اإلسالم األول، كان هو سر دخول الناس في دين الله أفواجا، وامتداد دولة اإلسالم إلى أقاصــي األرض، صــحيح أن األمــويين والعباســيين وأشــباههم كــانوا اليطبقــون اإلســالم على أنفســهم وذويهم، إال أن الخــط العــام في البالد كان اإلســالم، مثال لم يكن الحــد الجغــرافي واللســان واللــون والعرق مفرقا بين لون ولون، وكان العلماء حفظــة الشــريعة، ولــذا كــانوا مضــطهدين من قبــل الخلفــاء )الملــوك(، وكــذا كــان القضــاءــاب ــه مســتقى من الكت ــان الحكم على عموم ــديهم، وك ــوه بأي ونح والســنة واإلجمــاع والعقــل، أي من اإلطــار اإلســالمي، على اختالف االجتهادات داخــل هــذا اإلطــار، وكــانت الحريــات متــوفرة، فالنــاس

يتحــرك أحــدهم من أقاصــي،(1)مســلطون على أنفســهم وأمــوالهم البالد اإلسالمية إلى أقاصيها بدون مــانع أو رادع، يعمــر كيــف شــاء،

وكذلك كانت شؤونه التجارية والزراعية والصناعية وغيرها.

. 11ح 272ص 2نوار: جأبحار الراجع ( ?)1147

التقدم اإلسالمي ولما رأى الناس احــترام اإلنســان تحت لــواء اإلســالم، بينمــا لم تكن توفر لهم هذا االحترام ســائر األديــان واألنظمــة الموجــودة في ذلك الوقت، ورأوا صحة العقيــدة والشــريعة باالســتدالل والمنطــق،

أخذوا يتهافتون على اإلسالم.ــل المناقشــات ولم يقف دون الناس في دخولهم في اإلسالم ك العقائدية التي صاغها علماء سائر األديـان والمـذاهب ضـد اإلسـالم،ألنها كانت مناقشات واهية ال يتمكن االلتزام بها حتى من أصحابها.

وكذلك لم تنفع كل االتهامــات السياســية الــتي صــاغها سياســوا الدول الكافرة لتوقيف مد اإلسالم، أمثال االتهــام بأنــه دين الســيف ونحوه، ألن االتهام ـ كمــا يقــال ـــ ســهل، ولكن إقامــة الــدليل عليــه صعب، فقد رأى النــاس أن حــروب النــبي )صــلى اللــه عليــه وآلــه( كانت كلها دفاعيــة، وبعض الحــروب األخــر بعــده )صــلى اللــه عليــه وآله( وإن كانت هجومية إال أنهــا كــانت هجومــا على الحكــام الــذين كانوا ضد الشعوب، ألجل منعهم عن الظلم، والمعيار في كل زمــانــذا ــام، ول هم الشعوب ال الحكام الظلمة، فرأت الشعوب كذب االته

لم تمتنع عن الدخول في اإلسالم. وبعــد أن كــان المســلمون يأخــذون بزمــام البالد، لم يكونــوا يظهرون التعصب، بل يجعلون نفس أهــل البالد حكامــا، كمــا صــنعه الرسول االعظم )صــلى اللــه عليــه وآلــه(، وبعــده كــان كــذلك على األغلب، وإذا كــان الحــاكم يــأتي من طــرف الدولــة كــان يحتــف بــه العلماء والشعراء والمثقفــون من أهــل البالد، ليكونــوا جهــاز ضــغط

على الحاكم إن أراد بالمسلمين أو بغيرهم من الشعب سوءا. ــان ــد ك ــاس على اإلســالم، فق ــبرون الن ــام يج ثم لم يكن الحك

ال إكراه قانون:

148

هو الحاكم في هذا السبيل، أخذا من النبي )صــلى (1)في الدين الله عليه وآله( حيث لم يجبر ال أسارى بدر، وال أهل مكــة، وال أهــل طائف، وال غيرهم من الذين وقعوا تحت ســلطته على أن يســلموا،ــاموا بل كانوا يدعون األمر للشعوب أنفسهم، إن شاؤوا أسلموا وأق الصالة وأدوا الزكاة، وإن شاؤوا بقــوا على دينهم وأدوا الجزيــة، في قبــال توفــير الدولــة لهم الحريــة واألمن، الحريــة واألمن الــذين لم

تحلم الشعوب بمثلهما قبل ذلك. ــير كما لم يكن الحكام يجبرون الناس على تغيير لغتهم، وإنما غ بعضــهم لغتهم كأهــالي العــراق ومصــر ومــا أشــبه تلقائيــا، حبــا لهم باإلســالم ولغتــه، وإنمــا لم يغــير البعض اآلخــر لغتــه كأهــالي إيــرانــالمية، والهند، ألنهم رأوا بإمكانهم الجمع بين اللغتين: المحلية واإلس ولذا نبغ فيهم حفظة لغة اإلسالم على غرار ما نبغ فيهم من حفظــة

دينه، أمثال صاحب القاموس والكليني )رحمه الله(. هــذا كلــه باإلضــافة إلى أن الشــعوب رأوا أن اإلســالم فتح بــابــادية ــة واالقتصـ ــوالهم االجتماعيـ ــن أحـ ــاء وحسـ العلم وربى العلمـ والعائلية، باإلضافة إلى تحسين أحوالهم السياسية، بما بهر األبصار،

ومن الطبيعي أن الناس يلتفون حول النور أينما وجدوه. فقد كان رسول الله )صلى الله عليه وآلــه( بحــر العلم الــذي ال يـــنزف، والقـــرآن يفتح على اإلنســـان آفاقـــا بعيـــدة من المعرفـــة

ســلونى قبــل أنالمتجددة، واإلمام علي )عليه السالم( كان يقول: قد أحصى التاريخ أن إمامــا واحــدا من األئمــة )عليهم و،(2)تفقدوني

الصالة والسالم( ألقى من العلم على أربعة آالف

. 256( سورة البقرة ?)1. 189( نهج البالغة الخطبة: ?)2

149

تلميذ، أو عشرين ألف تلميذ، ما تمكن التالميذ بسببه من تأليف أربعمائة كتاب في مختلف العلــوم، والــتي منهــا الكيميــاء والفيزيــاء والطب والنجوم وغيرها، كمــا أحصــى التــاريخ أن تالميــذ األئمــة من اإلمــام علي )عليــه الســالم( إلى اإلمــام العســكري )عليــه الســالم( ألفوا ما ال تقل من ستة آالف وستمائة كتـاب، أي مـا يقـارب كتـاب واحد في كل عشرة أيام لمدة مائتي سنة، هذا باإلضافة إلى ســائر

الكتب التي ألفها آخرون من العلماء. وهكــذا وبهــذه األوصــاف وتحت هــذه الظــروف، تكــونت األمــة

اإلسالمية الواحدة.

150

واختفاؤها األمم ظهور الثــاني من األمــور األربعــة في مــادة )ب( بحث(:14)مسألة

ظهور األمم في طول التاريخ، والتي شكلت المسرح السياسي فيكل زمان ومكان، وبهذا الصدد نقول:

إن تأسيس األمم ابتدأ منذ زمان آدم )عليــه الســالم(، حيث إنــه جــاء إلى العــالم بحضــارة ســماوية، كمــا اتفقت على ذلــك األديــان،

.(1)خالفا لغيبيات دارون وماركس وأتباعهماــاني التكامــل في حيث زعم األول التطور في الخلقة، وزعم الثــدون أســاس، ألن ــات ب الحضــارة، فكال المــذهبين غــارق في الغيبي دارون قال بكيفية خلق اإلنسان، كمــا قــال بمــا ينتهي إلى اإلنســان من الشكل، حسب نظريته في التطور، وهل هذان إال أمران غيبيان

بدون دليل. وماركس قال بتدرج الحضارة، ثم جمودهــا في المســتقبل على الشيوعية العالمية، وهـل هــذان إال أمــران غيبيــان بــدون دليــل. بــل األدلــة العلميــة نســفت كــل مــا ذكــره هــذان االثنــان حــول ماضــي

اإلنسان وحضارته وحول مستقبل اإلنسان وحضارته. ــالوا باإلنســان األول، والحضــارة األولى، ــذي ق ــون ال ــا األلهي أم ويقولون بانتهاء الحضارة واإلنسان، فقد أقاموا لذلك أدلة علميــة الــني تستند إلى الغيب فقط، واألدلة العلمية تنتهي إلى المنطــق المب

على أوضح البديهيات، وهي )قانون

( المراد بالغيبيات هنا تخرصاتهم حيث قالوا ما لم يشاهدوه، وبال دليــل، بــل الــدليل?)1على خالفهم.

151

التناقض( المبني عليه )استحالة ظهور المعلول بدون علة( ألنــهيستلزم كون الشيء واجبا ممكنا في آن واحد.

فالفرق بين غيبيات دارون ومــاركس، وبين علميــات المتــدينين، كالفرق بين من يقول: ألف الكتاب الفالني حصــاة ال شــعور لهــا وال علم وال قدرة، وبين من يقول: ألفه عالم قدير، فمــع أن كليهمــا لمــاني وفــق يــرا المؤلــف إال أن قــول األول خالف العقــل، وقــول الث العقــل، وحيث إن هــذا البحث خــارج عن مــرمى النظــر السياســي

نتركه لمحله. وإنما نرجع لنقول: ال شك أن الحضارة التي نعيشــها اآلن، الــتيــده التــدرج، وال ــة، إنمــا هي ولي تشــمل األمم بهــذه الصــورة الفعليــات ــة لحضــارة، وبين أن الجزئي ــاة بين وجــود الخطــوط العام مناف

والتفاصيل كانت والئد األزمنة المتتالية.

))تاريخ عهود البشر(( وقد قســم بعض علمــاء التــاريخ عهــود البشــر إلى أربعــة أدوار: )العهد القديم( و)القــرون الوســطى( و)العصــر الحــديث( و)العصــر

الحاضر(.ــد ــة، إذ )العه ــوع من األناني ــه ن ــيم في ــذا التقس وال يخفى أن ه القديم( الذي جعلوه عصر التوحش قول بدون دليــل، بــل قــد ظهــر في الحفريات ما ينســف هــذا الــرأي، حيث دل على وجــود حضــارة

راقية للبشر في نفس األزمنة التي ذكروا أنها عهد قديم. كما أن )القرون الوسطى( والتي قالوا عنها مظلمة، إنمــا يصــح بالنسبة إلى الغربــيين، ال بالنســبة إلى أجــزاء آخــر من العــالم كــان يحكمها المسلمون، وبــذلك ظهــر أن التقســيم المــذكور، نــاش عن

كل حزب بما لديهم فرحونرأي أناني يرى النفس فوق األخرين، و(1).

نعم هنالك اصطالح على جعل العهد القديم، مبتدئا من عشرين قرنا قبــل ميالد المســيح )عليــه الســالم( أي قبــل أربعــة آالف ســنة

تقريبا، وعدم وجود

. 53( سورة المؤمنون: ?)1152

الحضارة القوية في هذه الحقبة يدل على التاريخ. ( بعد الميالد، ثم395وكيف كان، فالعهد األول ينتهي إلى سنة )

( حيث موت )تئودوز( وتنتهي في395تبتدئ القرون الوسطى من )ــام ) ــة بواســـطة1492عـ ــا لمـــرة ثانيـ ( م حيث اكتشـــفت إمريكـ

)كرستوف كولمبس(، حيث إن إمريكا اكتشفت قبل ذلــك بواســطة رجــل يســمى )أحمــد(، كمــا ذكــره جمــع من العلمــاء المنقــبين في التــاريخ، ولعــل المكتشــف الثــاني مشــى على خريطــة المكتشــف

األول. ( م1789أما العصر الثالث فيبتدئ من ذلك العام وينتهي بعام )

حيث الثورة الفرنسية، حيث يبتدئ الزمان المعاصر والــذي دام إلى اآلن، وكما كان األمر بالنسبة إلى )القديم والوسطى( مشــتمال على األنانية كما عرفت، كــذلك األمــر بالنســبة إلى )الجديــد والمعاصــر(، حيث قد عــرفت كيــف أنهم أسســوا األســاس على كشــف إمريكــا(

وثورة فرنسا. ــه لتقســيم األدوار وعلى هذا، فاألمر بحاجة إلى بحث علمي نزي التاريخيــة حســب الحضــارات واألمم، وقــد تعــرض لــذلك جمــع من علماء المسلمين، وتقســيمهم أقــرب إلى الــنزاه التــاريخي والبحث العلمى، وحيث إن تفصــيل ذلـــك خـــارج عن مهمـــة البحث نتركــه لمظانه، وإنما نقول: إن )األمة( والتي نحن بصــددها اآلن، مفهومهــا في الحال الحاضر غير مفهومها في األديان، حيث إن العهد الحاضر ال يقيم للدين وزنا، ولذا فاألمة عبارة عن القومية الخاصة، أو الذينــة في يعيشون في مكان جغرافي خاص، أو ما أشبه ذلك، بينما األم اصطالح األديان هو كل من قبل ذلك الــدين، مثــل األمــة المســيحية

واألمة اإلسالمية.

153

والدول(( ))األديان األديان السماوية عامة، وخصوصا اإلســالم، الــذي يكــون أقــرب إلى المطالعة لقرب عهده، كــانت تكــون األمم، وتغــير جــذور حيــاة اإلنسان، التي كانت ناشبة في عــروق الفــرد والمجتمــع، وذلــك ألن الدين السماوي بطبعه، حيث يبــنى على المصــلحة اإلنســانية، يقلــعــدود ــة أو الح ــوم أو اللغ ــلحة الق ــة على مص ــاهج المبني ــذور المن ج

الجغرافية. فمثال جاء اإلســالم حيث األمم المتشــتتة، الــتي حكم التشــت ال بين اللغات والحدود والقوميات واأللــوان فحســب، بــل وحــتى حكم بين األمة الواحدة أيضا، فالعرب قبائل متحاربــة مــع وحــدة قوميتهــا

ولغتها وحدودها األرضية. والفرس طبقات حتى في تحصيل العلم، حتى أن ســواد النــاس كان يحظر عليهم التعلم، كما يظهــر ذلــك من قصــة )درفش كــاوه( وغيرها، والعلماء مضطهدون حتى أن ألف ســنة من تــاريخ فــارس،ــم منذ تأسيسه إلى ظهور اإلسالم لم يظهر فيه إال رجالن لهما االس والشهرة الواسعة، واضطهد كالهمــا، أحــدهما نــبي المجــوس الــذي ورد عن علي )عليــه الســالم( إنهم قتلــوه وأحرقــوا كتابــه، والثــاني )بوذر جمهــر( الحكيم المشــهور الــذي ســجنه )هرمــزد( ســنتين في

صندوق داخله محددات ثم أمر بصلبه عاريا. ــطهاد من ولم يكن حال الروم أحسن، فقد كانت التفرقة واالض

أظهر سماتهم، كما ذكرت أحوالهم في تواريخ بهذا الشأن. وقد جاء اإلســالم بكــل المعــايير اإلنســانية، بــالعكس تمامــا من الجاهلية، ولذا انضوى تحت لوائه مختلف األديان والشعوب بسهولة فائقة، فأول ما انضوى تحت لوائه قبائل العرب، ثم الفرس وأهالي

سوريا وفلسطين والحبشة ومصر والبربر وغيرهم، أي العالمان

154

المتحضران، حيث ذهبت الدولة الفارسية بكاملهـا وتحـولت إلىالدولة اإلسالمية.

أما الروم فلم يتحول كله، وذلك ألنهم اعتزوا بما كــان فيهم من إثارة علم، باإلضافة إلى أن األمويين وقــد تســلموا أريكــة الحكم لم يهتمــوا باإلســالم بــل ضــربوه، فلم يعــرف العــالم الغــربي ال رونــقــوا اإلسالم المنهاجي، وال أسوة اإلسالم العلمية، فإن الناس قــد جبل ــليما ــإذا كـــان المنهج سـ ــبيق، فـ على النظـــر في المنهج، ثم التطـ والتطبيق جــذابا انجــذب النــاس إليــه، أمــا إذا لم يكن أحــدهما كــان

االنجذاب ضعيفا، فكيف إذا ما كان كالهما مفقودا. وقد أورثت الثقافة األموية الدخلية بواسطة علماء البالد، ســلب اإلسالم رونقه، أما العمل األموي فكان نسخة أخــرى أو أقســى من نسخة ما عند الــروم وغــيرهم، فلمــاذا ينجــذب النــاس إلى اإلســالم

والحال هذه. ولــذا فقــد تشــتت األمــة الواحــدة في زمــان األمــويين، وإن لمــة يظهر التشتت على السطح لشدة بأسهم، وقامت السلطة الزمني مكان السلطة الدينية، وإن تزيت أحيانــا زي الــدين للخــداع، وبــذلك هيأت الظروف للثورة الداخليــة الــتي قــام بهــا العباســيون، وللغــزو الخارجي من الغرب تارة تحت لواء الصليب، ومن المشــرق أخــرى تحت لواء اإللحاد، وهكذا تحولت تلــك األمــة الواحــدة النقيــة المنهج

والسيرة إلى أمة في ثنايا التاريخ وأوراق الكتب. ولوال محاولة األئمة )عليهم السالم( إيقاف الثقافــة الدخليــة من األمويين والعباسيين داخال، والغرب والشــرق غــزوا، لكــان اإلســالمــان الســماوية ــوم غــير ظــاهر المالمح، وأصــابه مــا أصــاب األدي الي السابقة، وقــد تقــدم أن تالميــذهم أخرجــوا إلى العــالم كتبــا بمعــدل كتــاب واحــد في كــل عشــرة أيــام تقريبــا مــدة قــرنين من الــزمن،

ومحاوالت

155

التجديــد من العلمــاء والــدول وإن تعــددت إلرجــاع اإلســالم إلى حالته األولية وإرجاع المسلمين إلى األمة الواحدة، إال أنها لم توفــق إلى اآلن لذلك، وعمدة السر في عدم التوفيـق عــدم وجـود الـوعي

الكافي بين المسلمين إلى اآلن. ولقد كان هذا مثاال من أمثلــة تكــوين األمــة الواحــدة، كمــا كــانــاال لتفتت األمــة الواحــدة إلى أمم، فقــد كــان الــذين دخلــوا في مث اإلســـالم أممـــا، ثم تحولـــوا من جهـــل الـــداخل وكيـــد الكفـــار والمستعمرين من الخارج إلى أمم تجمع أفرادها لواء القومية تارة، ولواء الشيوعية أخرى، ولواء الحدود الجغرافية ثالثة، ولواء اللغــات المختلفة رابعــة وهكــذا، فبينمــا كــان علي )عليــه الصــالة والســالم( يحكم رقعة شاسعة من األرض بلغات وقوميات وما أشــبه، تحــولت

تلك الرقعة اآلن إلى خمسين دولة. ولم يكن التجمع تحت لواء العرب، حيث يحلو للشــرق والغــرب

تسمية اإلسالم بالعرب، إال ألمرين: ــرىاألول: إحياء األصل العربي في قبال سائر األصول، حتى ي

المسلم العربي أن األصل هو كونــه عربيــا ال كونــه مســلما، فيــدافععن العرب ال عن المسلمين.

الفصل بين المسلمين بعضــهم عن بعض، فلمــاذا يحنالثاني: الباكســتاني واإلندنونســي واإليــراني والــتركي وغــيرهم على الــدين الذي جاء لمجد العرب ولتحطيمهم، وأخيرا ال روابــط وال وحــدة بين

المسلمين حسب هذا المنطق.ــة ــوع األم ــان رج ــوا إمك ــلمين أن يع ــالالزم على المس ــه ف علي الواحدة إذا وفروا في أنفسهم عناصر اإلرجاع، وأمامهم منــذ نصــف قرن تالحم األمة الروسية ذات حكومة تســتوعب مــائتين وخمســين

مليونا، وتالحم األمة الهندية ذات حكومة تستوعب

156

ثمانمائة مليــون، وتالحم األمــة الصــينية ذات حكومــة تســتوعب ألــف مليــون، مــع وجــود التناقضــات الهائلــة بين محتــوى كــل هــذه الحكومــات، واألمــة اإلســالمية ذات ألــف مليــون مســلم، ليس لهم

حتى عشر تلك التناقضات.

157

األمم تشكل التي العناصر الثالث من األمــور األربعــة في مــادة )ب( بحث(:15)مسألة

العناصر التي تشكل األمم، ورؤوس هذه العناصر أمران: األول: العنصر المعنوي. الثاني: العنصر المادي.

ففي األول: يكون سبب تكون األمــة وحــدة العقيــدة، فال اعتبــارــدة ــان، حيث إن العقي ــد في األدي ــا يوج ــذا م ــوازين، وه لســائر الم

الواحدة تكون األمة الواحدة. نعم قد يكون أهل الدين يعتقدون بقومية الدين، فالدين ال يكون الوحدة الجامع بل الدين والقوم الخاص يكونان معا جامعا، كمــا في اليهوديـــة المنحرفـــة، حيث إنهم يـــدعون أن دينهم خـــاص بهم، فال يقبلون دخول إنسان في دينهم، وال شك أنه تحريف، حيث إن األدلة دلت على أن دين موســى )عليــه الســالم( كــان عالميــا، ولــذا كــان )عليه السالم( من أولي العزم، كما ثبت في علم االعتقاد، والظاهر أن هذا التحريف دخــل في دينهم ألجــل شــدة إرادة انطــوائهم على أنفسهم، حيث إن مبادءهم الــتي وضــعوها في التــوراة والتلمــود لم تكن تنسجم مــع النـاس، فاضــطروا إلى االنطـواء، وأورث االنطـواء زعمهم قومية الدين حتى ال يدخل فيهم داخل يطلع على أسرارهم،

وربما كان الدخول بعنوان التجسس، فرأوا من

158

االفضل اختراع مبدأ قومية الدين.

كيف تتكون األمة على العنصر المادي أما في الثاني، أي كون سبب تكون األمة العنصر المــادي، فقــد

اختلفوا فيه على أقوال: : كون األصل الواحد هو سبب تكون األمة الواحدة، فالمشــتق1

من األصــل العــربي مثال أمــة، والمشــتق من األصــل الحبشــي أمــة أخرى وهكذا، وهذا ما ذهب إليه جماعة من علمــاء فرنســا وألمانيــا

قبل هتلر، ونفخ فيه هتلر لألغراض سياسية. : كون االقتصاد المشترك هو سبب تكون األمة الواحدة، سواء2

كــان منبــع االقتصــاد المــاء أو المعــدن أو الــزرع أو غيرهــا، فالنــاسالمجتمعون على هذا االقتصاد والمنتفعون به يشكلون أمة واحدة.

أليس إلى ملــك مصــر وهــذه األنهــار تجــري منقال فرعــون: كان سد مأرب سبب وحدة أمــة ســبأ فلمــا انهــدم الســد و،(1)تحتي

تفرقوا أيادي سبأ، إلى غيرهما من األمثلــة بالمصــلحة الواحــدة إلىأن تتجمع لديها أناس.

وهؤالء حيث البد لهم من الــتزاوج وتنظيم العالقــات االجتماعيــة واالقتصـــادية والجنائيـــة والعائليـــة وغيرهـــا بينهم، هـــذه العالقـــاتــذا واألنظمة تصهرهم في بوتقة واحدة وتجعل منهم أمة واحــدة، ول إذا انهدمت تلك المصلحة االقتصادية تفرقوا، وتفككت األمة إلى أن تزول من الوجود، لتجمــع أشــالؤها في أعضــاء أمــة جديــدة، أم أممــماتها، جديدة، إذ ليس معنى تحطم األمة عدمها، بل معنى ذهاب س

ولذا لم ينعدم اآلشوريون

. 51 :( سورة الزخرف?)1159

والفينقيون والكلدانيون وغيرهم، بل اضمحلت وحــدتهم ودخلــواتحت وحدات جديدة.

: كون تجمع عوامل متعددة سببا لتشكيل أمة واحـدة، وهـؤالء3 بين من يرى أن القومية واللسان والدين هي المقومــات األساســية لتكوين األمــة الواحــدة، وهم جملــة من علمــاء السياســة، وبين من يرى عدم كفايــة تلــك فقــط، بــل الالزم إضــافة العامــل االقتصــادي والتــاريخي ونحوهمــا إلى تلــك العوامــل، وهم جملــة من علمــاء السياســة الفرنســيين، فــإنهم يــرون المســير المشــترك والمصــيرــارات ــراح واالنتص ــاد واألف ــزان واألعي ــروب واألح ــترك، والح المشــتي توحــد األفــراد والمجتمعــات وتجعــل منهم واالنكســارات هي ال

وحدة واحدة. وال يخفى أن عوامل متعددة تتجمع حتى تشكل األمــة الواحــدة، أهمها المعنويات، حتى عند المنكرين للمعنويـات كالشـيوعيين، إذ ال نقصد بالمعنوية إال المثل التي يؤمن بها جماعــة من النــاس، ســواء كــانت تلــك المثــل مســتمدة من العقــل والبرهــان، أو من األوهــام

والسفسطات.ــات، كــاألمور المتقدمــة في ) (،3و2وبعد المعنويات تأتي المادي

لكن ليس كل واحد من تلك األمور مما البد منه، بــل يتبــادل بعضــها مكان بعض، مثال قد تكون القومية، وقد تكون اللغة، وقــد تجتمعــان

من باب منع الخلو، على اصطلالح المنطقيين. ولذا فاألقليات التي تريد االستقالل السياسي قــد توفــق لــذلك،ــون حيث تتجمع فيهم عوامل األمة الواحدة، وقد ال توفق حيث ال تكــا كذلك، ولذا نشاهد أن بعض األمم الكبيرة التي تتجزؤ بعض أجزائه تستقل في أمة واحــدة ذات اســتقالل سياســي، وبعضــها ال تســتقل كذلك، وربمــا تســاعد العوامــل األجنبيــة في إضــفاء األمــة الواحــدة

وعدم إضفائها على الجزء المذكور، وانفصال جزء عن أمة

160

واحدة إلى االستقالل أصعب من انضمام جـزء ضـعيف مسـتقل إلى أمــة كبــيرة، ألن األمــة الكبــيرة بإمكانياتهــا الكثــيرة تتمكن من هضم األمة الصغيرة في نفسها، بينما قد ال يتمكن الجزء الذي يريــد

االنفصال من االستقالل لعدم توفر إمكانيات األمة المستقلة لها. فمثال الجزء الذي يريد االستقالل بحاجة إلى المثقفين والســالح والمال والمراكز وغيرها، وكثيرا ما ال تتوفر لهـا كــل ذلــك، بينمــا إذاــل ــيرة هضــم عضــو ضــعيف، تمكنت أن تشــمله بك ــة كب أرادت أم

المقومات المذكورة. وأحيانا ينفصل عضــو من أمــة، لكن عــدم تــوفر اإلمكانيــات لهــا يجعلهــا ضـعيفا في سـيرها إلى االسـتقالل الـذاتي، ولـذا يسـير إلى الفناء حتى تصطادها أمة قوية فتهضم في داخل تلك األمــة القويــة، وبــالعكس فأحيانــا يتصــل عضــو قــوي بأمــة كبــيرة، لكن إمكانياتهــا

المتوفرة تجعلها تنفصل عن األمة الكبيرة بعد مرور زمان. وفي العصــر القــريب انفصــلت فيتنــام إلى جــزأين ثم اتصــلت، واتصــلت ســوريا بمصــر ثم انفصــلت، وكوريــا، واليمن، وألمانيــا المجــزءات، تحــاول الرجــوع إلى الوحــدة، كمــا أن البالد اإلســالميةــا المنهضــمة في روســيا والصــين، وايرلنــدا المنهضــمة في بريطاني

تحاول االنفصال. ــون عن ــزم أن تك ــال يل ــاوالت االتص ــرف أن مح ــك يع ومن ذل تخطيط تحتي للوحدة، كمــا أن محــاوالت االنفصــال يجب أن تكــون عن تخطيــط تحــتي لالنفصــال، ومن الواضــح أن كال القســمين من التخطيــط يشــتمل على جــانبين، إيجــابي إلى الهــدف، وســلبي عن األمر المرغوب عنه، فالالزم في محاولة االتصــال التخطيــط إليجــاد عواملهــا، وكــذلك التخطيــط إلزالــة عوامــل الفرقــة، وبــالعكس في

محاولة االنفصال.

161

التفكير السياسى الموحد ونوعيــة التفكــير السياســي هي أهم عامــل إلضــفاء التوحيــد أو االنفصال، إذ التفكير السياسي هو الــذي يســتوعب جميــع مقومــات

التوحيد، ومقومات التجزئة، سواء المقومات اإليجابية أو السلبية. ــتقامة ــل االس ــدة األمم، عام ــل وح وال يخفى أن من أهم عوام الفكرية والرفاه المادي، كما أن من أهم عوامل وحدة تجــزأة األمم عامل االنحراف الفكري والجشوبة المادية، فإن حال االجتماع حــال الفرد، فكمــا أن الفــرد يتطلب دائمــا صــحة الفكــر ورفاهــة الحيــاة، كذلك االجتماع، ولذا األمم الكبيرة التي تريــد هضــم األمم الصــغيرة في نفسها تسبغ عليهم أوال نوعيــة ثقافتهــا وكيفيــة تفكيرهــا، وثانيــا تعدهم بالتحرير، فإن صدقت التفت حولها األمم الصــغيرة بســرعة، وبقوا في داخلها بل انصهروا فيهــا انصــهارا كــامال، وإن كــذبت كــان

األمر بالعكس.

))دخول األمم في اإلسالم(( ولذا نرى األمم دخلت في اإلسالم بسرعة، حيث إن فكره مبني على المنطــق والعقــل، والقــرآن الحكيم أشــار بالعقــل ودعى إلى التعقل، وطلب من الناس إعمال فكرهم ورويتهم، ضاربين بالتقاليدــاه وتحكيم ــة والرف عرض الحائط، وفي نفس الوقت دعا إلى الحري

الكفاءات. يضـــع عنهم إصـــرهم واألغالل الـــتي كـــانتفقـــال ســـبحانه:

.(1)عليهم من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبــاتوقال سبحانه:

.(2)من الرزق .(3)إن أكرمكم عند الله أتقاكموقال تبارك وتعالى:

. 157 :عرافأ( سورة ال?)1. 32 :عرافأ( سورة ال?)2. 14 :( سورة الحجرات?)3

162

وقد كان سبب تحطم العالم المســيحي هــو عكس ذلــك تمامــا، فتعقد الفكر المســيحي المحــرف الــذي يبتــدئ بكــون الواحــد ثالثــة وبكون الثالثة واحدا، وضغط الكنيسة على كل أنواع الحرية والرفاه

والكفاية كان سبب تحطمه السريع. ــؤ ونفس هذا السبب موجود اآلن في العالم الشيوعي، حيث تنب

عن تحطمه السريع مما يظهر بوضوح من: : تنازالته الكثيرة عن مبدأ ماركس. 1: وإنقاذ الغرب له في الحرب العالمية الثانية. 2: وتقوية إمريكا له بالتكنولوجيا والقمح لبقائه إلى اآلن. 3: وأخذ رومانيا ويوغسالفيا وبولندا والصين في االنفالت. 4 : واالضطرابات الداخلية التي أخذت تهــددها باالنفجــار، وذلــك5

بسبب توفر عاملي التجزئة فيه. أ( حيث ابتنـــاء عقيدتــه على مصــادمة العلم والعقــل، بصــحة التناقض وبالالءات الخمســة: ال دين، ال أخالق، ال عائلــة، ال حريــة، ال

ملكية. ب( وحيث إن مثل هذه العقيــدة المطبقــة بكــل قســوة، ال تــدع

مجاال ألبسط أنواع الرفاه والحرية والكفاءة.

163

لألمة الجغرافية الحدود الرابــع من األمــور األربعــة في مــادة )ب( هــو(:16)مســألة

بحث المكان الجغرافي لألمة الواحدة، ونقول بهذا الصدد:

))أمة بال دولة(( : إنـــه من الممكن أن تكـــون األمـــة الواحـــدة بـــدون مكـــان1

جغرافي، وذلك لعوامل سببت تشتت األمــة الواحــدة، ســواء كــانت تلك العوامل نابعة من داخل األمــة أو من خارجهــا، كمــا في اليهــود الذين عاشوا زهاء أربعين قرنا بال مملكة واحدة، وقد كان ذلك نابعاــازيون، فال يتمكن أن يعيش ــ ــهم، حيث إنهم انته ــ ــل أنفس ــ من داخ بعضهم مع بعض في مكان واحد، إذ من طبيعة االنتهــازي المســتغل التصادم، والتصادم يخالف وحــدة المكــان الجغــرافي، وبســبب هــذا األمر نفسه أيضا كانوا يعيشــون بين األمم في قواقــع، وكلمــا ظهــر استغاللهم لتلك األمم الــتي عاشــوا بينهــا أخــرجهم أهــل البالد، كمــا أخرجـــوا من روســـيا وبريطانيـــا وألمانيـــا، وبعض البالد اإلســـالمية

وغيرها. أمـا تجمعهم الحــالي في فلسـطين المغتصـبة فشـيء ال يـدوم، وقــد ظهــر اآلن ولمــا يمــر على دولتهم ثلث قــرن، آثــار االنشــقاق والنفــاق والتخاصــم بينهم، وأثــر ذلــك على هجــرتهم من هــذه البالد

زرافات، ولوال الضبط الشديد للدولة

164

الغاصبة لهم، لكانت الهجرة بأعداد أكبر، باإلضــافة إلى انضــمام الغرب والشرق بكــل وســائلهما لبقــائهم هنــاك، ليكونــوا رأس رمح

االستعمار في جسم األمة اإلسالمية. لكن القسر ال يدوم، واليهود ما داموا متمسكين بمبــادئهم تبقى

إال بحبل من اللهطبيعتهم التجزئية، وصدق الله سبحانه حيث قال: فإذا غــيروا مبــادءهم إلى مبــادئ اللــه، خرجــوا ،(1)وحبل من الناس

عن الذلـة، وكـذلك إذا قـواهم النـاس فيمـا لـو بقـوا على مبـادئهم، فالواو في اآليــة المباركــة بمعــنى )أو(، مثــل: )الكلمــة اســم وفعــل

وحرف(.

))أمة ودول متعددة(( : كمــا أنــه من الممكن أن تكــون لألمــة الواحــدة عــدة أمــاكن2

ــة ــة كقل ــة، كمــا في المســلمين اآلن، وذلــك لعوامــل داخلي جغرافيالوعي، أو خارجية كتشتيت القوى الكبرى الخارجية لألمة الواحدة.

وقد اجتمع كال األمرين في الــوقت الحاضــر بالنســبة إلى األمــةاإلسالمية الواحدة، مما لسنا نحن اآلن بصدد تفصيله.

أما كيف يتحد المكان الجغرافي لألمة حتى تكــون أمــة واحــدة، فذلك ألن من عادة اإلنسان أن يــتزاوج للشــهوة وللنســل وللتقــوي باألوالد، وللتعاون وللـدين ولغـير ذلـك ممـا ذكـر في علم االجتمـاع، وتكون العائلة ينتهي باآلخرة إلى وحدات قبائلية، كبــيرة أو صــغيرة، إما ثابتة في مناخ مالئم ذي ماء وهواء وعشــب، على ســيف البحــار وضــفاف العيــون واألنهــار غالبــا، وهــذه المقومــات للحيــاة العائليــة والقبلية إن دامت طول السنة سكنوا ذلك المحل في بيــوت طينيــة ونحوها، وإن كانت المقومات فصيلة صاروا رحال لالستنفاع بالمكان المناســب، لكن كــونهم رحال ال يــدوم، فحيث توجــد الثقافــة للحيــاة

ذللوا الطبيعة حتى

. 112 :( سورة آل عمران?)1165

تالئم بقاءهم في المكان الواحد دائمــا، حيث إن الســفر بطبعــهصعب، فينزع اإلنسان إلى االستقرار.

فإذا صارت هناك في رقعة فســيحة من األرض وحــدات عائليــة ثم قبليــة تأخــذ في النمــو البشــري والــزراعي ومــا أشــبه، ثم تأخــذــل في النمــو والتشــابك، وهــذان ــل والقبائ العالئــق بين تلــك العوائ األمران: النمو المــادي والنمــو المعنــوي، أول نــواة لألمــة الواحــدة، فإن تلك القدرات الصغيرة والمتجمعة في شكل وحــدات عائليــة أو

قبلية تتبدل تدريجيا إلى قوة واحدة لها مقومات خمسة أساسية:

مقومات الدولة األول: إن حدود المناطق تتبدل إلى حــدود الدولــة، فبينمــا كــان لكــل قــدرة صــغيرة حــدود خاصــة بهــا، في القريــة أو في المدينــة الصغيرة أو ما أشبه، تتخد تلك القدرات في وحــدة جغرافيــة كبــيرة

تضم كل تلك الحدود. الثاني: إن قوانين تلك المناطق، والتي كان لكل منطقة قــانون خاص بها، في باب العائلة وباب الجنايــات وبــاب المعــامالت وســائر

األبواب، تتحول إلى قانون واحد يعم الجميع.ــد في ــانون الواحــد أن يفــرض نفســه كوحي وربمــا ال يقــدر الق الميدان، فيكون القانون العام الجديد إلى جانب القــوانين الســابقة، فلكل من المتخاصــمين أو المتعــاملين أو نحوهمــا أن يرجــع إلى أي قانون يشاء من القانون العام أو القانون الخاص، كما هو الحال في

بعض القوانين، مثال

166

في اإلســالم يحــق لألقليــات الرجــوع إلى قــوانين أنفســهم في أمــورهم، كمــا يحــق لهم أن يرجعــوا إلى القــانون العــام لألمــة

اإلسالمية. الثــالث: إن اقتصــاديات القــدرات الصــغيرة تتحــول إلى اقتصــاد عام شـامل للجميـع، فـالبحر الـذي في جــانب، والمعـدن الـذي في جانب، والغابة التي في جانب، وهكذا ال يختص بأهل جانبه، كما كان كذلك قبل تكون الحدود الجغرافية الموسعة، بل الجميــع يشــتركون في الجميــع بكيفيــة أو بــأخرى، حســب المــوازين االقتصــادية الــتيــيوعية أو ــتراكية أو ش ــمالية أو اش ــوم من رأس ــا للعم جعلت منهاج

إسالمية أو غيرها. الرابــع: إن المجتمعــات الصــغيرة تتحــول إلى مجتمــع كبــير في تقاليده وأعرافه وعاداته، مثال كان بعض المجتمعات الصغيرة تجعلــا تحــول إلى ــا، ولم ــام أبطاله ــا ومناســباتها في أي ــا وأحزانه أعياده المجتمــع الكبــير لم يعــد لتلــك المناســبات معــنى، ألنهــا أصــغر من مناسبة األمة الكبــيرة، فــوالدة ابن رئيس القبيلــة ليســت قابلــة ألن يحتفــل الشــعب كلــه ألجلهــا، وكــذلك مــوت أخ الــرئيس، أو انتصــار القبيلة على قبيلة أخرى ليس له أهميــة على مســتوى األمــة، فكــل هذه تلغى تلقائيا، ويأخذ مكانها يوم االستقالل ويوم إخــراج األجنــبي

من كل تلك الرقعة الكبيرة من األرض، إلى غير ذلك. كما أن تلقائية االندماج لكل بعض في المجموع يجــدد العالقــات في مناسبات أخرى، فــالزواج من بنــات القبيلــة ليس احتكــارا على شباب القبيلة، كما أن دعوة التــأبين للمــوت ال يكــون خاصــا بــأفرادــدد على ــا تج ــات كله ــراف والعالق ــد واألع ــذا فالتقالي ــة، وهك القبيل

مستوى المجموع، ال على مستوى كل قطعة قطعة. الخامس: توسيع الشبكات اإلدارية، فالجباية للمــال، واالنخــراط

في

167

الجيش، ودوائر القضــاء، وكيفيــة صــرف المــال على المشــاريع العمرانية والثقافية والصحية وغيرها، تكون على مســتوى األمــة فيــتويات حدودها الجغرافية الجديدة، بينما كانت في السابق على مس أصغر، إذ العقل المفكر وهي الدولة يكون عقال لكل الجســم ويــدير كل الجسم، ال كالسابق الذي كانت لكل قبيلة ونحوها دائرة صغيرة تهتم بشؤون القبيلة مثال، وحينئذ يكــون التقســيم حســب العــدل، ال حسب قدرة القبيلة وضعفها، مثال كانت موارد قبيلة كذا تمكنهــا من جعل قاض واحد أللف إنسان، بينما القبيلة األخــرى لكــثرة مواردهــا تتمكن من القاضي الواحــد لكــل خمســمائة إنســان، وحيث صــارتــل ــدد القضــاة، فلك ــوس وع ــون التقســيم حســب النف ــدة يك الوح

سبعمائة وخمسين قاض واحد. هذه هي أهم المقومات التي تتبــدل حســب التبــدل الجغــرافي،ــا ــا تنتهي لتعطي مكانه فاإلطارات الصغيرة للجماعات الصغيرة كله

لإلطار الكبير لألمة في حدودها الجغرافية الجديدة.

))تحوالن جديدان في األمة((ــرعة ومن الجدير بالذكر أن نقول: إنه حسب النمو البشري وس االتصاالت، مما ســببت ســرعة اتصــال البشــر بعضــهم ببعض وتفهمالبشر بعضهم لبعض، البد وأن يحدث تحوالن جديدان عند الشعب:

))الفهم األصلح(( األول: التحول إلى الفهم األصلح، فإذا كــان أحــدهم يعتقــد أن ال رب، واآلخر يعتقد بأن هنالك ربين، والثالث يعتقد بــرب واحــد، البــدــل ــة إلى العق ــذه اآلراء الثالث ــرب من ه ــوع األق وأن ينتخب المجم

والمنطق، حيث إن اإلنسان بطبعه ميال إلى األخذ باألصلح. وكذا الكالم في سائر الشؤون، كالمناهج االقتصادية والسياســية واالجتماعية والتربوية وغيرهــا، وكمــا يحــق ألديســون يــوم اكتشــفــة ــوق طبيع ــالم، ألن تف ــاء الع ــتغزو الكهرب ــول: س ــاء أن يق الكهرب

الكهرباء على المصباح

168

النفطي يوحى بــذلك، وهكــذا بالنســبة إلى تقــدم الطــائرة على الدابة، والباخرة على القوارب الشراعية، إلى غير ذلك، كذلك يحق للفكر األصلح أن يقول: بأن فكره سيغزو األفكــار األخــر، حيث إنهــا تعطي مجالها للفكر األصلح، ومن هنا يكون مفهــوم اآليــة الكريمــة:

ــدين كله ــا، وفي (1)ليظهــره على ال ــه غيبي ــا إلى جــانب كون طبيعياألحاديث الشريفة كثرة تدل على ذلك.

))العالم والحكومة الواحدة(( الثــاني: توحــد العــالم في حكومــة واحــدة، بكــل مقومــات تلــك الحكومة الواحدة من اقتصــادية واجتماعيــة وسياســية وغيرهــا، ألن بلدان العالم اليوم مثلها مثل تلك القبائل المتنــاثرة الــتي تنتهي إلى حكومة واحدة، فكما أن اإلطــارات الصــغيرة تتحطم لتعطي مكانهــاــدول تتحطم لتعطي لإلطار الكبير الذي هو الدولة، كذلك إطارات ال

مكانها لإلطار الكبير الذي هو العالم. وليست المحاوالت الكثيرة من األمم لجمعها في وحدات، مثــل جامعة الدول العربية، والوحدة اإلفريقية، ورابطة العالم اإلســالمي،ــا في وحــدة واحــدة كــاالمم ــاز، أو لجمعه وتجمــع دول عــدم االنحي المتحدة، إال طريقا إلى تلك الوحدة الحقيقية، وقد بشر بذلك الدين اإلسالمي في أحاديث متعددة، ومســألة قــرب ذلــك اليــوم أو بعــده منوطة بالرشد الفكري لإلنسان، فحينما حصل ذلك الرشــد تحــولت

الدول إلى دولة واحدة. وحين هذا التحول الواسع تكون األمور الخمسة السابقة حســب اإلطــار العــالمي، فال حــدود لبلــد، وتكــون القــوانين لكــل البالد، واالقتصاد الموحد للجميع، والمجتمع يكون بسعة العالم، والشـبكات

اإلدارية تستوعب كل الكرة األرضية.

. 9: الصف، سورة28: الفتحسورة ،33: ( سورة التوبة?)1169

ولنرجع إلى ما طرحناه في أول المسألة من المكان الجغــرافي لألمة، فنقول: إن المكان الجغرافي الواحد لألمة لــه حــدود خاصــة،

توجب أمورا ثالثة:

))الحدود المائية والفضائية(( األمر األول: إن الحدود ليست خاصة باألرض، بل الحدود تشمل الفضاء أيضا دائما، وقسما من البحر فيما كانت الدولة مطلة عليــه، وتعين الحدود الدولية بواسطة القوانين الدولية الــتي تطبقهــا لجــان

خاصة من العلماء.

))ال حدود بين بالد اإلسالم(( وبعد أن عرفنا سابقا أنه ال حدود بين المســلمين إطالقــا، فكــل أرض اإلســالم بلـد لكــل مسـلم، وأن هــذه الحـدود كلهـا مصـطنعة، عاملها الجهل الداخلي واالستعمار الخارجي، نقول: كل مسـلم البـد له أن يهتك هذه الحدود حسـب إمكانــه، ألنــه من بــاب دفــع المنكــر والنهي عنه، فالواجب على المسلمين خرق قــوانين الحــدود، وليس من يدخل بلدا آخر من بلده بدون المراسيم متسلال، وإنما هو فاعل لما هــو حقــه الطــبيعي، كمن يــدخل من غرفــة من غــرف داره إلى غرفة أخرى، والالزم تخصيص التقيــد بالمراســيم الحدوديــة بصــورة االضطرار، وإال كان المقيد بها فــاعال للمنكــر، حالــه حــال من يأكــل

الميتة في حال االختيار.

الحدود بين بالد اإلسالم وبالد الكفر وأمــا بالنســبة إلى الحــدود بين بالد اإلســالم وبالد الكفــر، ففيــه

أمران: ــه وهــو من بالد اإلســالم، األول: مــا كــان الكفــار ســيطروا علي كروســـيا المســـيطرة على الجمهوريـــات اإلســـالمية، وكـــاليهود المسيطرين على فلسطين، وهنا حال القطعة المغتصبة المســيطر عليها االستعمار حال سائر قطع بالد اإلســالم، فال حــدود بين األردن

وفلسطين المستعمرة بالفتح، وكذلك ال حدود بين

170

أفغانستان وتاجكستان المستعمرة بالفتح، فإن حــال القطعــتينحال غرفتين لعائلة واحدة غصب إحداهما غاصب.

الثاني: ما لم يكن كــذلك، أمثــال لنــدن وبــاريس، وفيــه تختلــف األحكام فهــو )باعتبــار( أرض الكفــر، لهــا أحكــام أرض الكفــر، مثــل أحكام اللقطــة وأحكــام األمــوات وأحكــام اللحــوم ومــا أشــبه ذلـك، و)باعتبار( أرض الله الفسيحة الــتي منحهــا لعبــاده المؤمــنين، فلهم التمتع بما يشــاؤون منهــا، وال احــترام لقــوانين الكفــار بالنســبة إلى

تجزئتها. نعم يستثنى من ذلك مــا لــو كــانت بين الكفــار وبين المســلمين معاهدة، فالالزم على المسلمين احترام تلــك المعاهــدة، وذلــك ألن دليل الوفاء بالعهد بين الحكومـة اإلسـالمية وبين الحكومــة الكــافرة

دليل: )كل شــيء مطلــق( و،(1)وارد على دليل: )حل ما في األرض( وغيرهما من األدلة، كما هو واضح. ،(2)

ومما تقدم ظهر أن الحدود الفضــائية والحــدود البحريــة حالهمــا حــال الحــدود األرضــية، الــتي تعين من قبــل الــدول، ال احــترام لهــا إطالقا إال في مورد المعاهدة فقط، مع قيد أن تكــون المعاهــدة من قبل الدولة اإلسالمية المشـروعة، ال مــا يسـمى بالـدول اإلســالمية،

فإن اإلسالم ال يقبل كون الدولة إسالمية إال بشرطين من: : كون قانون الدولة قانون اإلسالم. 1 : وكــون رئيس الدولــة رجال يرضــاه اإلســالم وترضــاه أكثريــة2

األمــة، كمـا ذكرنـاه في كتــاب )الحكم في اإلسـالم(، وبـدون هـذين الشرطين فكل أعمال الدولة غير نافــذة، والمســلمون أحــرار فيمــا

يفعلونه في نطاق األحكام اإلسالمية

. 18ح 384ص 6( الوسائل: ج?)1من صفات القاضي. 12 الباب127ص 18( انظر: الوسائل: ج?)2

171

أي إنهم ال يقيدون بمقــررات الدولــة، وفي مثــل هــذه الدولــة ال احترام ألموال الدولة، بل هي من قســم مجهــول المالــك المرتبــط

بالحاكم الشرعي.

مقررات الدولة اإلسالميةــا، وإن ــالواجب اتباعه أما مقررات الدولة اإلسالمية الشرعية، ف كــان بعضــها خالف بعض األحكــام األوليــة، ال من جهــة إطالق واليــة الفقيه، فإن واليــة الفقيــه ليســت مشــرعة، بــل الالزم على الفقيــه كغيره أن يسير في النطاق اإلسالمي، وإنما يلزم االتباع في ما كان خالف األحكام األولية من جهة الحكم الثانوي النــابع من االضــطرار،

ومالحظة األهم والمهم، وما أشبه ذلك. مثال يحرم عمل العشار، ويحرم العشر والمكوس في اإلســالم، فإذا رأى الفقيه الرئيس للدولــة جعــل الحــدود على االقتصــاد الــذي يدخل من الخارج أو يخرج من الداخل، ألنه إذا لم يجعل ذلك ســبب تهــاجم االقتصــاد األجنــبي ممــا يســبب تضــرر بالد اإلســالم وإفالس

وقاعــدة األهم،(1)ال ضــررالمسلمين، جاز أن يجعل ذلك من بــاب ، وغيرهما(2)والمهم وحينئذ يجب اتباعه وكان المال المــأخوذ عشــرا

حالال للدولة، ويدل عليه األدلة المذكورة والــتي منهــا مــا قالــه علي )عليه الســالم( كمــا في الكــافي، من أنــه لم يتقيــد ببعض األحكــام،

خوفا من انهدام عسكره. لكن مثــل هــذا الحكم الثــانوي ال يكــون قانونــا، بــل يبقى حكمــاــإذا ــدرها(، ف ــدره، لقاعــدة: )الضــرورات تقــدر بق ــا مقــدرا بق ثانوي ارتفعت الحالة الثانوية لزم على الفقيه إرجــاع األمــر إلى مــا كــان،

ولو لم يرجع الشتباه ونحوه انتهى مفعول

. 8ح292ص 5( انظر: الكافي: ج?)1نوردي. ج للب،( انظر: القواعد والفوائد?)2

172

ــا إذا علم اشــتباه أمره بالنسبة إلى الحكم الثانوي، حاله حال م فقــد اقتطعت لــه قطعــةالفقيه، وقد قال )صلى الله عليــه وآلــه(:

.(1) كما في كتاب القضاءمن النار ومما تقدم يظهر أنه يلزم أن يكون القانون الثانوي مجعــوال من قبل الفقيه أو نائبه، فحكم النائب حكمه، كمــا أن حكم والي اإلمــامــوانين ــد األمــر في جعــل الق ــام، فال يتقي ــه الســالم( حكم اإلم )علي

الثانوية بمباشرة الفقيه بنفسه.

))الحدود بين الدول(( األمــر الثــاني: إن الحــدود الجغرافيــة للدولــة، تمــيز الدولــة عنــة )المكــوس( ــة األخــرى في ســيادتها على أراضــيها، من جه الدول و)حدود الدخول والخروج( و)المنابع( و)الميــاه( و)إمكانيــة العمــل(، حيث يصح لها أن تزرع هنــا دون هنــاك، وتبــني هنــا دون هنــاك، إلى

غير ذلك. واذا أرادت أن تؤجر قسما من حدودها أو تعطيهــا مجانــا لدولــة أخرى مدة من الزمان، لقاعدة عسكرية أو ما أشبه، كان لهـا ذلـك،

وال يضر ذلك باختيارها إذا كان اإليجار ونحوه مأل إرادتها.

))الحدود والتميز بين الشعوب(( األمــر الثــالث: إن الحــدود الجغرافيــة تمــيز الشــعب عن بــاقي الشعوب، فالساكن فيها خاضع ألوامر هذه الدولة سواء كان مواطنا

أو ال. وقد تقدم أن اإلسالم ال يجعل الناس درجات، فالمسلمون كلهم إخوة، واألقليات كلها لها حكم واحد، فليس هناك مسلم لــه الدرجــة األولى، وآخر له الدرجة الثانية، وثــالث أجنــبي مقيم في البلــد، كمــا هو الحال في الدول، سواء منها ما يسمى بالدولة اإلسالمية أو التي ال تسمى بهذا االسم، فإن هذه القوانين قوانين كافرة، يجب محوها

عن بالد اإلسالم.

: ج الوسائلمستدرك ومن صفات القاضي، 2 الباب157ص18الوسائل: ج انظر: (?)1. كيفية الحكم أبواب2 ب366 ص17

173

وقد عرفت أن الحدود الجغرافيــة ال قيمــة لهــا في بالد اإلســالمــد اإلســالمي إطالقا، وإنما القيمة الوحيدة للمعاهدة التي يبرمها البلــودة اآلن إلى الشرعي مع البلد الكافر، ولم تكن هذه الحدود الموج قبــل القــرن الســابع عشــر المســيحي، وإنمــا نظمت الحــدود بهــذا الشكل منذ ذلك الزمان، وذلك تبعا لضيق النظر الغــربي في تحطم

الحريات اإلنسانية. ولو رجع الغرب إلى العقل، ولــو لم يأخــذ باإلســالم، يجب عليــه إلغاء الحدود في وجــه اإلنســان، وإنمــا يجــوز عقال الحــدود إذا كــانــور اضطرار، وإال فلماذا تقيد حريات اإلنسان، ويكون أسوأ من الطي والبهائم وما أشبه، فالالزم أن يكون اإلنسان حرا أينما سافر وسار،ــة أن تأخــذ وكيفما استفاد من األرض وخيراتها، وحيثما تاجر، وللدول

ممن وجدته في بالدها عند حيلولـة وقت الضـربية، ومن(1)الضرائبالواضح أن )بالدها( غير )الحدود(.

وحيث لســنا اآلن بصــدد االســتدالل لبطالن القــانون الغــربي بتحديد البالد، وإنما مهمـة هـذا الكتـاب الموضـوع السياسـي فقـط، نترك األمر في الحدود صحة وبطالنـا إلى موضـعه، ويكفي أن نلمـع أن الحــدود منــذ القــرن الســابع عشــر الميالدي قــد أوجــد لإلنســان

مشاكل جمة، لم يكن لها قبل ذلك عين وال أثر.

أي الشرعية منها، ال كالضرائب الكثيرة في عالم اليوم.(?)1174

السياسي الحقل في وآثارها اإلنسانية القدرة البحث حــول القــدرة بحث طويــل، ال يهمنــا في(:17)مسألة

هذا الكتاب إال بقدر ارتباطه بالسياسة، فنقول: البحث في القدرة حول أمور:

))القدرة اإليجابية والسلبية((األول: أن القدرة تنقسم إلى إيجابية وسلبية.

فالقدرة السلبية عبــارة عن المقاومــة، وهــذا مــا يــأتي من كــلــة: اإلنســان ــاة اإلرادي ــا كــان بقســميه: )ذي الحي شــيء يقــاوم، حي ــا ــات( أو لم يكن حي ــة أي النب ــير اإلرادي ــاة غ ــوان، وذي الحي والحي كالجماد بأقسامه الثالثة: )السيال، وغير السيال، سواء كان السيال كالماء، أو كان كالهواء( فإن في كــل هـذه األمــور قــدرة المقاومــة، وحتى السيال األولى كالهواء، يقــاوم النــور ونحــوه بنحــو من أنحــاء

المقاومة. ووجه تسمية هذا القسم من القدرة بالســلبية واضــح، حيث هي

حالة في الشيء لوالها لم تحصل تلك المقاومة. ومما ذكرنــا يظهــر أنــا لم نصــل إلى جــوهر القــدرة ولم نعــرف حقيقتهــا، ولــذا كــان تعريفنــا لهــا بمنزلــة )الرســم( ال )الحــد( على االصطالح المنطقي, وتدخل حقيقة القــدرة في ضــمن دائــرة جهــل اإلنسان، حيث إن عرفان حقــائق األشــياء من أصــعب األمــور، فــإنــه الوجود الذي هو من أوضح األمور في نفس الوقت معرفــة حقيقت

من أصعب األشياء، وكما قال السبزواري )رحمة الله عليه(:

175

مفهومه من أعرف األشياءوكهنه في غاية الخفاء

فكيف بمثل القدرة، التي ليس لها من الظهور ما للوجود. ــا أما القدرة اإليجابية، فيمكن أن تعرف تعريفا رسميا أيضا، بأنه

التأثير في األشياء، والتأثير تجمعه أنحاء ثالثة: ــا أ( تأثير إرادي، كما في اإلنسان والحيوان، وإن كان فرق بينهم أيضا، بأن اإلنسـان يعمــل القــدرة عن إرادة وتعقــل، بينمــا الحيــوان يؤثر عن إرادة بدون تعقــل، ويظهــر الفــرق بين اإلرادة والتعقــل أنــاس واالســتنتاج والتصــاعد، بخالف األول ــاني متطــور حيث القي الثــا، حيث إنها مجردة عن التعقل، وليست إال عمال روتينيا يؤدى غريزي ولذا ال تطور فيــه، ومن هــذه الجهــة لم نــر تصــاعد عــالم الحيــوان، فعالمه اآلن مثل عالمــه قبــل ماليين الســنوات، إن فــرض أن عمــر

الحيوان هذا المقدار المديد. نعم هناك بعض العلماء يفترضون إمكان تصــاعد عــالم الحيــوان إلى التعقل إن صرفت له الطاقات الكثيرة، كمــا تطــورت الوســائلــا، وهــذا البحث خــارج عن مهمــة ــة، بعــد صــرف الطاقــات له اآللي

الكتاب، ولذا ندعه لموضعه في علم الحيوان. ب( تأثير حيوي غير إرادي، كما في النبــات، حيث إنــه يــؤثر فيــأثيره التقدم واالطراد، فيأخذ من الماء والهــواء والضــوء واألمالح بت فيها فيجعلها جزءا من نفسه، ثم ينمو ويشـق األرض والفضـاء، كـل

ذلك تأثير، وقد عرفت أن التأثير هو القدرة اإليجابية. ــدرة ــاد، لكن بضــميمة ق ــير إرادي، يصــدر من الجم ــأثير غ ج( ت أجنبية إليه، كما في تأثير السكين في الشق، والحجــر المــرمي في الخــرق، ومــاء الشــالل في التخــريب أو البنــاء، والهــواء ونحــوه في

جملة من األشياء، لكن هذه األمور بدون

176

المحرك ال تتحرك حتى تؤثر، وحتى في الشالل المحرك جاذبيةــا، ــد الحــرارة له ــواء تمدي ــة عن المــاء، وفي اله األرض، وهي أجنبي

وتقليص البرودة إياها، كما هو واضح.

درة اإلنسانيةالق وكالمنا في هذا المبحث في )القدرة اإلنسانية( التي هي مرمى

نظر السياسي فنقول: األمر الثاني: إن القدرة في اإلنسان عبارة عن األمــر والطاعــة، فهي داخلة في قسم التــأثير والتــأثر، فهمــا من قبيــل المتالزمين أو من قبيل الكسر واالنكسار، حيث إن المتالزمين أمران، أمــا الكسـر واالنكسار فهما وجهــان لعمــل واحــد، إذا نســب العمــل إلى المــؤثر

سمي كسرا، وإذا نسب إلى المتأثر سمي انكسارا. والقدرة هكذا، فوجههــا في طــرف المــؤثر )أمــر(، ووجههــا في طرف المتأثر )إطاعة(، ولوال أحــدهما لم تعقــل قــدرة، فهمــا اثنــان

في الذهن ال في الخارج.والغالب أن اآلمرين قلة والمطيعين كثرة، ولماذا األمر هكذا.

ــهم فهل إن الناس سواء في القدرة، وإنما بعضهم يعلمها وبعض ال يعملها، حتى أن القدرة مثل قابلية العلم والكتابــة والصــنعة بعض يكتسبه وبعض يتركه، فإذا اكتسبها الكــل كــانوا ســواء في الفعليــة،ــو فتقسم القدرة بينهم حينئذ فال آمر إال وهو مطيع، وال مطيع إال وه آمر، حتى إن بعض علمـاء الغـرب قــال: إن الديمقراطيــة الحقيقيــة هي ذلك، وإنه كلما تصاعد اإلنسان اقـتربت أعــداد اآلمــرين وأعــداد المــأمورين، أو أنــه ليس كــذلك فكمــا في الحيــوان، يكــون حيــوان

مسلطا على حيوانات أخر،

177

وان كانوا إخوة عن أب وأم واحد، كذلك في اإلنسان. ولماذا يطيع المطيعون، فهل عامل ذلــك الخــوف من اآلمــر، أو عن فوت المصلحة التي يتوخونهــا، لكن الكالم في أنــه كيــف تمكن اآلمر من جمع القوة حتى يخشى منه المطيعون، أليس تلــك القــوة

تنتهي إلى القوة البشرية الذين هم أعضاء تنفيذ إرادة اآلمر. وننقل الكالم إلى أولئك البشر الــذين هم أعضــاء تنفيــذ إرادتــه، وأعوانه على المطيعين، فهل أولئك خافوا فوت مصلحتهم فانضمواــال أن ــلحة، والح ــك المص ــا هي تل ــه م ــأتي الكالم في أن ــه، وي إلي مصالحهم توجد بدون أمر اآلمر، وبدون تعــاونهم مــع اآلمــر، وبــدون

إطاعتهم لآلمر. إننا يجب أن نطالع القــدرة بمــا هي هي، ثم نالحظهــا في إطــار الدولة، حيث إن هذا اإلطار هو مــرمى نظــر السياســي، الــذي نحن

بصدده في هذا الكتاب. إنه ال شك في وجود القدرة في جميع أفراد اإلنسان بما هو هو،ــاوتهم كما أنه ال شك في تفاوت أفراد اإلنسان في هذه الصفة، كتف في الشــجاعة والكــرم وســائر الصــفات، كمــا ال شــك في أن هــذهــا ــد م ــو إلى ح ــور وللنم ــة للظه ــة في اإلنســان قابل الصــفة الكامن

فســالت أوديــة بقــدرها(1)،الغــالب أن أهــل القــدرة في الخــارج و يصلون إلى هذه المرتبة الظاهرة من قدرتهم، بأحد سببين:

: كــونهم في ظــروف القــدرة، كمــا إذا ولــد في عائلــة تملــك1 القدرة، كأبناء السالطين، ومنه ما إذا وصل نفسه بالقدرة المهيئــة،

كما إذا صار موظفا عند ذي القدرة كوزراء السالطين. ــا أو مــا2 : كونهم استمروا في إنماء قدرتهم، كما إذا كــون حزبأشبه.

حيث يكون األول كابن التاجر الذي ولــد في مــال أبيــه، والثــانيكالذي يتجر

. 17 :( سورة الرعد?)1178

حــتى يصــل إلى المــال، ومــا ذكرنــاه هــو الــذي يجــده اإلنســانبالفطرة.

وعلى أي حال، البد لآلمر في كال القســمين أن تكــون لــه حالــةآمرية، وهي ما تسمى بالقدرة الطبيعية.

وإلى هنا ظهر الجواب عن السؤال األول، وهو هل الناس سواءفي القدرة؟

والمتحصل من الجواب: عــدم اســتوائهم، وإنمــا كلهم ذو قــدرة في الجملة، وبعضهم يكون في ظرف حسن، وبعضهم ينمي قدرته،

وبعضهم ال يكون في ظرف حسن، وال ينمي قدرته.

أسباب الطاعةأما الجواب عن السؤال الثاني، وهو لماذا يطيع المطيعون؟

فحاصله: إن األطاعــة ألحــد ســببين، إمــا لجلب النفــع، أو لــدفعالضرر.

ــانب لكن تزايد القدرة في جانب اآلمرين، وتزايد اإلطاعة في ج المطيعين، ناش عن جهــل المطيعين، فــإن القــدرة كــالثروة، فكمــا أنها مشتركة بين الجميع، وإنما الرأســمالي يظلم العمــال باســتيالئه على أكثر من حقه في حقوق العمال، وإنهم إنما يتركونه واستيالءه لجهلهم بقــدر حقهم وبقــدر حقــه، إذ ليس حقــه إال بقــدر عملــه، أي الفكري والجسدي، كما ذكرناه في كتاب )الفقه: االقتصــاد(، كــذلك الكالم في القدرة، فــإن القــدرة مشــتركة بين الجميــع، وإنمــا جهــلــأن أي قــدر منهــا حــق اآلمــر، وأن أي قــدر منهــا حــق المطيعين ب المطيعين، يسبب أن يتركوا اآلمر يستولي على قــدراتهم، بينمــا إذا لم يكن هذا الجهل أعطــوا اآلمــر بقــدر قدرتــه الذاتيــة، وكــانت لهم

باقي القدرات. فإذا فرضنا أن التفاوت الذاتي من القــدرة في نفس جملــة من

الناس

179

( كان حق من في الدرجة الثالثــة نصــف مجمــوع3 و2 و1بين ) القدرات، فلـه أن يـأمر يقـدر النصـف، ويـأتمر من االثـنين اآلخـرين بقدر النصف، بينما يــوجب جهــل األول والثــاني أن يســتولي الثــالث على قدرتهما، فالثالث يستولي على ست درجات من القدرة، بينما األوالن ال يحصالن حتى على حقهما، أي النصف من مجموع القــدرة

التي فرضناها ستة. ويظهــر ذلــك جليــا إذا فرضــنا أن كــل قــدرة تتحــول إلى درهم مجسم، فإذا استولى الثالث على ستة دراهم كــان معــنى ذلــك أنــه ســرق ثالثــة دراهم، أمــا إذا اســتولى على ثالثــة دراهم وبقي درهم لألول ودرهمان للثاني، كان معنى ذلك أن أحدا لم يسرق من اآلخر

شيئا. وكون الحكم استشاريا كما في اإلسالم، أو ديمقراطيــا كمــا في رأي علماء السياسة الغربــيين، وقــد ذكرنــا الفــرق بينهمــا في بعض المسائل السابقة، معناه هو توزيع القدرة، حسب المــواهب الذاتيــة الــتي يظهرهــا اإلنســان القــادر في طاقاتــه الخارجيــة، حــتى يكــونــدر درجــتين، ــاني ق ــدر درجــة، وللث ــال: أن لألول ق الحــال في المث وللثالث قدر ثالث درجات، فإذا ترجمت القدرة وجسمت في المــال أو في السالح أو في صالحية اآلمر وإطاعــة النــاس، كــان لألول من

الحاصل السدس، وللثاني الثلث، وللثالث النصف. ــداس، أو أما أن يستوعب الثالث على الكل، أو على خمسة أســتولى األول على أربعة أسداس، فذلك ظلم لآلخرين، وكذلك إذا اس

على أكثر من السدس، أو استولى الثاني على أكثر من الثلث. وإذا علمنــا هــذا القــانون في القــدرة، كونهــا مثــل الــثروة لكــل بقدره، وجب أن نســير إلى أن يطبــق القــانون في الخــارج حــتى ال

يكون ظلم.

180

القدرة الذاتية والعرضية األمر الثالث: تنقســم القــدرة إلى قــدرة ذاتيــة، إي إن اإلنســان بنفسه له قدرة، سواء كان هنــاك من يمــده أم ال، وال كالم في هــذا

القسم.ــل وإلى قدرة عرضية، وهي ما يستمده اإلنسان من الخارج ألج السيطرة على اآلخرين، وهــذا هــو محــل البحث، وقــد اختلفت فيــه

أنظار السياسيين إلى أقوال، أهمها اثنان: األول: إن قدرة اآلمر مستمدة من اللــه ســبحانه، بمعــنى أنــه ال

حق ألحد أن يتسلط على أحد إال بإجازة الله تعالى. الثاني: إن القدرة مستمدة من الشعب.

ــتى أن ــطى، ح ــرون الوس ــة في الق ــر الكنيس ــان نظ واألول ك الملــوك والرؤســاء عنــدهم كــان عليهم أن يســتمدوا ســلطانهم من البابــا األكــبر الــذي كــانوا يــرون أنــه خليفــة عيســى المســيح )عليــه

السالم( والواسطة بينهم وبين الله تعالى. والثاني هــو نظــر الــديمقراطيين، حيث يــرون وجــوب اســتمداد

القدرة من الشعب. ــه ــتمدة من الل ــدرة مس ــام الق ــالم: إن بعض أقس ــر اإلس ونظ سبحانه فقط، كمــا في الرســول واإلمــام )عليهمــا الســالم(، وبعض أقسام القدرة مستمدة من الله ومن األمة، حيث إن الــرئيس يلــزم

فيه شرطان: : أن يكون فقيها عادال جامعا للشرائط. 1 : أن تختاره أكثريــة األمــة، لمــا دل على وجــوب الشــورى في2

الحكم، كما ذكرنا دليله في كتاب )الحكم في اإلسالم( ـ. وعليــه فــإذا انتخبت أكثريــة األمــة إنســانا ال توجــد فيــه شــروط اإلسالم، لم يكن ذا سلطة بنظــر اإلســالم، بــل كــان غاصــبا، وكــانوا

أعوانه في اغتصابه للمنصب.

181

كما أنه إذا لم ينتخبوه وإن كان بشروط اإلسالم، لم يكن لــه أنيزاول السلطة والقدرة.

وإذ يوجد الشرطان في إنسان، الشرط الشرعي ورضى األمة،ال يفرق أن يجعل المرضى ملكا ما دام عمره، أو لفترة معينة.

ــة فــور وفي كال الحالين إذا فقد أحد الشرطين سقط عن األهليفقده.

كما ال فرق بين أن يجعل ميزان رضى األمة رضى نوابهم الذين هم في مجلس الشورى، أو رضى األمة مباشرة، ففي األول أكثريةــاني مجلس الشورى إذا اختارت إنسانا كان له الحكم، بينمــا في الث

تختار نفس األمة مباشرة الرئيس لها. وال يخفى أن كل النظريات الثالثة )اإللهية( و)األمية( و)المركبة( إنما يمكن تطبيقهــا في الخــارج إذا آمن بتلــك النظريــة النــاس، مثال في أمة ال تؤمن بأن القوة إلهية، ال يمكن أن يسيطر عليهم إنســان باسم اإلله، وكذلك ال يمكن ذلك بالنســبة إلى النظريــتين األخــريين،ــا نعم يمكن أن يرى الرئيس نفسه مؤهال وإن لم ير رأي الناس، كم إذا كان الشعب ينتخبه حسب مــيزان الديمقراطيــة، بينمــا يــرى هــو

)اإللهية( أو )المركبة(. ومما ذكرنا تبين أن )واليـة الفقيــه في الحكم( الـتي نقـول بهـا، ليست خالف )االستشــارية( في الحكم، بــل تزيــد على االستشــاريةــة ــرط الفقاه ــدا لش ــون المنتخب واج ــو أن يك ــدا، وه ــرطا جدي ش والعدالة وسائر األوصاف المذكورة في كتاب التقليد، ويكون حينئــذ على الحكم التنفيــذي والقضــائي واإلداري رقيبــان من قبــل األمــة، رقيب هو نوابهم في مجلس الشـورى، ورقيب هـو الفقيـه المنتخبــذ أقــرب إلى الصــواب من الحكم ــدهم، ويكــون الحكم حينئ من عن

الديمقراطي الذي اخترعه الشرق والغرب. وإنما نقول أنه شرقي غــربي، ألنــه ورد في التــواريخ انتهــاج كال الجانبين هذا النهج في برهة ما من الزمان فقــد، ســن هــذا النظــام

( 521داريوش األول عام )

182

ــا، نعم قبل الميالد، كما أنه سن في الهند، وفي الصين، وفي آثن اختفى النظــام االستشــاري في كــل العــالم حــتى أظهــره اإلســالم،

وأخذ بــه الغــرب،(2)أمرهم شورىو ،(1)وشاورهمبقوله سبحانه: في العصر الحاضر.

لكن يجب أن نعــترف بــأن الغــرب خلــط الشــورى بمـــادتينساميتن:

األولى: مــادة االقتصــاد في الــداخل، فــإن االقتصــاد هــو اآلخــذ بزمام الحكم باآلخرة، حيث ذكرنا في كتــاب )الفقــه: االقتصــاد( في أعداد أضرار الرأسمالية مــا يوضـح ذلـك، فـإن الرأسـماليين: القلـة بيدهم اإلعالم واالنتخابات، وتلقائيا تقع في أيديهم السلطة التنفيذية

والسلطة القضائية، التابعة للقانون الموضوع حسب أهوائهم. ــدون أن ــارج، حيث إنهم يري ــتعمار في الخ ــادة االس ــة: م الثاني يفتحوا األســواق في الخــارج، وفتح الســوق مالزم لالســتعمار، كمــا

ذكرنا تفصيل ذلك في الكتاب اآلنف ذكره.

طغيانالقدرة وال إناألمر الرابع: القــدرة من طبيعتهــا الطغيــان، قــال ســبحانه:

من وقال علي )عليه السالم(: .(3)اإلنسان ليطغى أن رآه استغنى .(4)ملك استأثر

. 159 :( سورة آل عمران?)1. 38 ى:( سورة الشور?)2. 6 :( سورة العلق?)3. 7754 رقمالو غرر الحكم: ،16 ( انظر نهج البالغة: الحكمة?)4

183

وقال الشاعر: الظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة ال يظلم ولذا فكــر عقالء العــالم منــذ القــديم في تــرويض القــدرة، كمــا فكروا في الوقوف أمام طغيان البحر والكــوارث الطبيعيــة، وهنــاك

مناهج لهذا الترويض نذكر منها ثالثة:

))مناهج ترويض القدرة(())الترويض الديني((

األول: الترويض الديني، ويعتمد على عاملين: ( العامل الداخلي، بتهذيب النفوس وتخويفهــا من عــذاب اللــه1

سبحانه. يزكيهم ويعلمهموهذا مقدم على كل شيء، ولذا قال سبحانه:

.(1)الكتاب والحكمة هذه الرقابة إذا حصلت، فهي من أشد الرقبــاء دقــة ومحاســبةو

وكيــف أظلم أحــدا بنفس يســرع إلىوضبطا. قــال عليــه الســالم: .(2)البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها

والله ألن أبيت على حسك الســعدان مســهدا وأجــر فيوقال: األغالل مصــفدا، أحب إلي من أن ألقى اللــه ورســوله )صــلى اللــه عليــه وآلــه( يــوم القيامــة ظالمــا لبعض العبــاد وغاصــبا لشــيء من

.(3)الحطام إلى غير ذلك من اآليات والروايات الــتي تــدل على جريــان آثــارــا عن الظلم، ــا، بحيث تكفه ــة على جوارحه ــاة المؤدب النفس المرب

بخالف النفس غير المرباة التي تنضح منها األنانية والكبرياء. رب قــد آتيتــني من الملــكقال يوسف النــبي )عليــه الســالم(:

وعلمتني من تأويل األحــاديث فــاطر الســماوات واألرض أنت ولــييفي الدنيا واآلخرة توفني مسلما وألحقني

. 3 :( سورة الجمعة?)1. 224 ( نهج البالغة: الخطبة?)2. 224 ( نهج البالغة: الخطبة?)3

184

.(1)بالصالحين أليس لي ملــك مصــر وهــذهوبالعكس من ذلك قــال فرعــون:

.(2)األنهار تجري من تحتي فالملك له ومبعث الخيرات من تحته، أما يوسف )عليه السالم( فملكه من الله، وعلمه من الله، والملك كله لله ألنــه فــاطره، وهــو المشرف عليه في الــدنيا واآلخــرة، ومنتهى رغبتــه أن يبقى مســلما

صالحا إلى حين الممات. ــد حــده،2 ( العامل الخارجي، بالقوانين التي توقف اإلنســان عن

وقوانين عقوبــات الجنايــات، وقــوانين األمــر بــالمعروف والنهي عنالمنكر: )الرقابة االجتماعية(.

وعدم تطبيق الناس لهذه القوانين ـ حــتى طغت قــدرة الحكــام وفعلوا ما يشاؤون، وبمعاونة نفس الناس الذين كان من المفروض أن يكونوا عونا على الحكام، ال للحكام على الناس ـ ذنب النــاس ال ذنب القانون، كما أن عدم تطبيق الناس لقوانين الديمقراطيــة عنــد من يؤمن بها، حتى صار االستغالل الــداخلي واالســتعمار الخــارجي،

ذنب الناس ال ذنب الديمقراطية. ــو أن مع فارق بين الدين االستشاري التربوي، والديمقراطية، هــد ــانب الجس ــد، وفي ج ــروح والجس ــانبي ال ــتوعب لج ــدين مس ال مستوعب لكل ما يصلح، بينما الديمقراطية خاصــة بجــانب الجســد، فليس لهــا جــانب روحي، وفي جــانب الجســد أيضــا حكمهــا نــاقص وليس بمستوعب، فالديمقراطية تعطي ربع اإلصــالح بينمــا الــدين ـ ونقصد األديــان الســماوية غــير المحرفــة ـــ يعطي الوحــدة الكاملــة

لإلصالح.

))الترويض الديمقراطي(( الثاني: الــترويض الــديمقراطي، حيث إن الــديمقراطيين فكــروا

أن يقفوا

. 101 :( سورة يوسف?)1. 51 :( سورة الزخرف?)2

185

ــد النــاس، سدا أمام طغيان القدرة، وذلك بجعل زمام القدرة بي ومن الطبيعي أن اإلنسان ال يطغى على نفسه، فال يقتل نفســه، وال

ينتهك عرض نفسه، وال يتلف أموال نفسه، إال شاذا. إال أن الديمقراطيين أخفقوا في ترويض القدرة، فالــذين اســتند الزعماء إليهم في القدرة أصبحوا هم عبيد القدرة، حـالهم في ذلـك حال العمــال حيث أوجــدوا هم المــال، لكنهم أصــبحوا عبيــد المــال،ــلوها من حيث يتصـــرف فيهم الرأســـماليون بقـــدرتهم الـــتي حصـ

أموالهم كيف شائوا.ــر( و)موســيليني( و)الشــاه( ــد )هتل ــة ول وفي ظــل الديمقراطي و)إســرائيل( واالســتعمار، وقــامت الحــرب الجزائريــة، كمــا قــامتــون جــائع الحربان العالميتان، وفي ظل الديمقراطية أصبح ألف ملي في العالم، وأصبح بمعدل حرب إقليمية في كل شهرين ونصف منذ ستين سنة، وقــذفت القنابــل الذريــة على بالد اليابــان، كمــا أن في

ظلها تصاعدت الطبقية في نفس بالد الرأسمالية بصورة حادة.

من أخطاء الديمقراطيةوسبب ذلك أمران:

ــا إذا أ( إن الديمقراطية لم تضع برامج لتهذيب النفس، فهي كمــوم أن اإلنســان ليس نظر إلى الشيء من زاوية واحدة، ومن المعل كالطين والخشب يستجيب لداعي التغيير حيث يأخذ اإلنســان فأســا فيقطع الخشبة، أو معــوال فيهــدم البنــاء، أو يصــنع من الطين آجــرا، ومن الخشب بابا، بل اإلنسان عواطف وأهواء وشهوات إلى آخرها،

وبدون التهذيب ال يخضع للقانون، مهما كان القانون

186

نزيها، ووضعه العــدول المســتقيمون، وعليــه فمــاذا يحــول دون حماة الديمقراطية أن يكونوا هــادمين لهــا، كمــا حــدث بالفعــل، من غير فرق بين أن يكون الحماة من قبيل المشرعين أو المنفــذين أو

الدعاة أو القضاة. ب( إن الديمقراطية الغربية، اسـتغلها رأس المـال في صــالحه، ولذا فهي رأسمالية في قالب الديمقراطية، والرأسمالية ال تعمل إال لصالح نفسها، أما األمة فهي ليست في مــرمى تفكـير الرأسـمالي،ــاس ــل الن ــو بقت إن همــه أن يحصــل على أكــبر قــدر من المــال ول

وإشعال نار الحروب. وإليك شاهدا من الشواهد لهذه الحقيقة، قالها إيزنهاور الرئيس

( م: 1961اإلمريكي عند انتهاء واليته الثانية عام ) )إن الواليات المتحدة لم تعرف صــناعة األســلحة حــتى نشــوب آخــر حــرب عالميــة... وأصــبحنا منــذ ذلــك الحين مكــرهين على أن نخلق صناعة لألسلحة ذات أبعاد شاسعة، وأضفنا إلى هذه الصــناعةــة ــون بالمؤسس ــاء يرتبط ــال والنس ــف من الرج ــة ماليين ونص ثالثــنويا على األمن ــق سـ ــبحنا ننفـ ــرا، وأصـ ــا مباشـ ــة ارتباطـ الدفاعيـــة. وهــذا العســكري أكــثر من الــدخل الصــافي للشــركات اإلمريكي التواتر بين مؤسسة عسكرية ضخمة، وبين صــناعة كبــيرة لألســلحة هو تجربة إمريكية جديدة، ولذلك فــإن كــل مدينــة وكــل مجلس من مجلس الواليات وكل إدارة من إدارات الحكومــة الفدراليــة، تشــعر بالتأثير الكلي لهذه البدعة الجديدة، سواء كان هذا التــأثير اقتصــاديا أو سياسيا أو روحيــا، ونحن نقــر بحاجتنــا لمثــل هــذا التطــور، ولكن علينا أن ال نغفل عن مضاعفاته، ألن هذه المضــاعفات تــدمر عملنــا ومواردنا وحياتنا، أي إنها تمر بنية مجتمعنا، فيتوجب علينــا أن نحــذر

من اكتساب المركب العسكري الصناعي لقوة تأثير في مجالس

187

ــأثير أو الحكومة، سواء أسعى المسؤولون عنه الكتساب هذا الت لم يسعوا إليه، ويكمن في مثل هذا التأثير خطر كارثي، وهــو خطــر نشوء قدرة تحل محل جميع القــدرات األخــرى، وهــو خطــر موجــودــركب ــذا الم ــوة ه ــا لق ــتيح مطلق ــا أن الن ويمكن أن يســتمر. فعلين الجديــد، أن تهــدد حرياتنــا وعملياتنــا الديمقراطيــة، والبــد أن يكــون المواطنــون في حالــة يقظــة وبصــيرة، تمكنهم من إكــراه اآللــةــاليبنا ــعة ألس ــل خاض ــكرية، على أن تظ ــناعية العس ــة الص الدفاعي وأهــدافنا الســليمة، وتــؤمن لهم أن يضــمنوا نمــو ســالمتنا وحرياتنــا

معا(. ولذا فالديمقراطية، أصبحت جوفاء ال وسيلة للحــد من القــدرة،ــة من بل آلة بيد المقتدرين ضد المستضعفين، وال عالج للديمقراطيــع الغض من هذه المشكلة إال بالحد من سيطرة رأس المال، هذا م

نقص الديمقراطية بذاتها، حيث تفقد مناهج للروح كما تقدم. وقد ذكرنا في كتاب )الفقه: االقتصاد( أنه البد وأن يكون المــالــواد ــري، والجســدي، والم ــل الفك ــإزاء خمســة أشــياء هي: )العم ب األولية، وشرائط الزمان والمكان، والعالقات االجتماعية(، ومثل هذا المال ال يتكون منه رأس المــال بــالمعنى الغــربي، حــتى يتبــع ذلــك

القدرة الموجبة لألخذ بأزمة الديمقراطية. ــة وقــد أصــبحت القــدرة االقتصــادية المســتظهرة بالديمقراطي المزيفة ذات حدين، حد الــتزييف إلرادة الشــعب في الــداخل، وحــد

االستعمار في الخارج. ثم إن هذا االستعمار للخارج، حيث إنه صار من منهج من بيدهم

القدرة السياسية االقتصادية،

188

وحيث إنه ال تزدوج طبيعة اإلنسان بأن تكون ظالمــة في مكــان دون مكان، أثرت تلك الطبيعة في الداخل أيضا، حيث الظلم لنفس الشعب إال بقدر الخوف من األحزاب المناوئــة الــتي لهــا شــيء من الحرية، ولذا فقد تحول ما يسمى بالبلدان الديمقراطيــة إلى بلــدانــق ــات تتقلص إلى أن يخن ــذت الحري ــا، وأخ ــها ولغيره للظلم لنفس

الحبل عنق صاحبه.

))الترويض الشيوعي(( الثالث: الــترويض الشــيوعي، حيث فكــر الشــيوعيون أن يقفــوا سدا أمام طغيان القدرة التي بيــد الرأســماليين بتوزيــع المــال على العمال، فمن كل بقدر طاقته، ولكل بقدر حاجته. وإذا ســقطت آلــة المــال عن يــد الرأســماليين، لم تكن هنالــك قــدرة طاغيــة، ويعيش ــه األولى إال ــذا ال يمكن في مرحلتـ ــالوا: إن هـ ــالم، وقـ ــل بسـ الكـــة، فيعيش ــا، حــتى ينتهي إلى ســقوط الدول ــة البروليتاري بديكتاتوري

الناس بدون دولة، كما تقدم تقريب وجه سقوط الدولة. لكن انعكس األمر فصارت القدرة في هــذا المنهج أطغى: حيث جمــع أولئــك الــذين صــارت بيــدهم القــدرة السياســية بين )المنهج الديكتاتوري( إذ قد عرفت أنهم انتهجوا منهج ديكتاتورية البروليتاريا، وبين )القدرة السياسية( وبين )القدرة االقتصــادية(. أمــا في المنهج الرأســمالي فقــد أصــبح القــانون ديمقراطيــا ظاهريــا، والقــدرة السياسية بيد الدولة، والقدرة االقتصادية بيد التجار، ولذا عجت بالد

الشيوعية بمظالم لم يسبق لها مثيل. ولنسمع ذلك من لسان المفكر اليوغسالفي )دجيالس( على مــا

كتبه )حسن صعب( بالنسبة إلى الطبقة السياسية الماركسية: )فجميع التغييرات التي يحدثها الزعماء الشيوعيون تمليهــا قبــل كل شيء مصالح الطبقة الجديدة وأمانيها، شــأن هــذه الطبقــة اآلن شأن أيــة فئــة اجتماعيــة أخــرى، فهي تعيش وتتصــرف وتــدافع عن

نفسها وتتقدم، تحدوها الرغبة في أن

189

تزيد قدرتها(. قال الصعب: )وبلغ نقد القــدرة السياســية الشخصــية المطلقــة أشــد مــا يمكن أن يبلغــه في الحملــة الــتي شــنها خروشــوف على ســتالين، في التقريــر الــذي قدمــه للمــؤتمر العشــرين للحــزب الشيوعي السوفياتي، وقد استهل خروشوف التقرير بقوله: عمدت اللجنة المركزية بعد وفاة ســتالين إلى تنفيــذ سياســة تــرمي إلعالن اسـتنكار التعـاليم الماركسـية اللينينيـة إلعالء فـرد مـا ورفعـه فـوق البشر، ونعته بصفات خارقة للطبيعة تشبه صفات اآللهــة، وتفــترض في هذا اإلنسان أنه يعرف كل شيء ويرى كــل شــيء ويفكــر بكــل شيء ويستطيع أن يفعل أي شيء، وهو معصوم عن الخطأ في كل

ما يفعل(. وال نريــد أن نطيــل البحث بــذكر األرقــام والشــواهد على أن الشــيوعية في كــل مكــان لم تحــد من طغيــان القــدرة، بــل زادتهــا أضعافا مضاعفة، حتى أن كوبا البلــد ذا التســعة ماليين نســمة، فيــهــدة نصف مليون سجين، وأن )ماو( الصين قتل في ثورة ثقافية واح مليــوني إنســان، وأن روســيا قتلت إلى اآلن في أفغانســتان مليــون إنسان، وشردت زهاء ثالثــة ماليين، مــع العلم أن الشــعب األفغــاني زهاء عشرين مليونا، إلى غير ذلك من مآسيهم في أوروبا الشــرقية

وفي غيرها.

مناقشة فكرة )راسل( ومما ذكرنا تبين وجه النظر في فكرة )راسل( حيث قــال: )وإن الديمقراطية الكالسيكية والديمقراطيــة الماركســية الجديــدة أرادتــاــا سياســية ــك، أخفقت األولى ألنه ــا في ذل ــرويض القــدرة وأخفقت ت صـرفة، وأخفقت الثانيــة ألنهـا اقتصـادية صـرفة، وال يمكن أن تحـل

المشكلة إال بالجمع بين االثنين(.. وجه النظر أن الجمع بينهما

190

أيضا ال ينفــع حيث ال يكــون تهــذيب للــروح، إذ االهتمــام بنصــفاإلنسان ال يصلح اإلنسان.

ــون هذا مع الغض عن أن أي قانون يضعه إنسان ال يمكن أن يك كامال، حيث إن اإلنسان البد وأن يعيش في شرائط وظروف خاصــة وهي تكون وراء وضع القــانون مهمــا كــان نزيهــا، والقــانون الصــالح لشرائط وظروف ال يصلح لغيرهــا، فيكــون في غــير تلــك الشــرائط

والظروف جائرا، فإن معنى عدم الصالح الجور. ــان ــدا لطغيـ ــا لم يتمكن أن يضـــع حـ ال يقـــال: واإلســـالم أيضـ السياسة، ولذا نشاهد الظلم بعد الرســول )صــلى اللــه عليــه وآلــه(

وإلى اآلن، إال في فترات؟ ألنه يقال: فرق بين كون القـانون منحرفــا، وبين كــون التطـبيق منحرفا، فقد يكون الطريق ملتويا وقد تسـير السـيارة فيــه بــالتواء، والنقص في الديمقراطية الغربية والشيوعية في نفس القانون، أما

الحكام الظلمة في بالد اإلسالم فقد انحرفوا عن القانون. إذ قد عرفت أن الديمقراطية الغربية ال تقــف دون كــثرة المــال عند الرأسمالي وإن كان يجمعه من مجهود اآلخرين، وإذا زاد المال في أيـــدي قلـــة، ونضـــب عن أيـــدي الكـــثرة، تالعب أهـــل المـــال بالمقدرات كلها، وطغت قدرتهم بســبب المــال، كمــا أن الشــيوعية أرست دعائمهــا على جمــع المــال والقــدرة وإضــفاء الشــرعية على الديكتاتورية، ومن الواضــح أن جمــع هــذه الثالثــة في مكــان يــوجب

أبشع أنواع طغيان القدرة. أما في اإلسالم فـ )المال له ضوابط( و)ال ديكتاتورية( و)القدرة

من الله لمن فيه الشرائط ممن تنتخبه األمة(.

191

القدرة االجتماعية األمر الخامس: في القدرة االجتماعيــة، الــتي يحصــلها اإلنســانــة الضــعف، من ربط نفسه بالمجتمع، وذلك ألن اإلنسان ضعيف غاي حتى من أضعف الحيوانات بل النباتات، إذ الحيوان مهما كان ضعيفا يتمكن من تحصيل شؤون نفسه بنفسه بــدون مســاعدة الحيوانــات األخر، بينما اإلنسان ال يتمكن من ذلك إال بمســاعدة اآلخــرين، ولــذا

فكل إنسان البد له من ربط نفسه برابطتين: ــة األولى: الرابطة االجتماعية، حيث يجتمع من اآلخرين من عائل أو نحوها، وحتى إذ كان يعيش في األكواخ وبيوت الطين والكهــوف، حيث يتعاون الجميع في تحصيل اللباس والمسكن والمأكل ونحوها، وإذا شذ إنسان فعاشر وحده في جزيرة، ألنـه انكسـرت سـفينته أو

ما أشبه، فذلك اضطرار أو انحراف فردي. الثانية: الرابطة السياسية، فيما إذا كان هناك حكم أي لــون من الحكم كان، حيث إن اإلنسان له مصالح عالية، وتلك المصالح تؤمن بواسطة الدولة، فيربــط اإلنســان نفســه بالدولــة، حيث يتفيــؤ تحت

ظاللها، وفي قبال ذلك يطيع أوامرها كرها أو طوعا. وقد يكون االرتباط بجماعة سياسية ارتباطا عضويا، كما إذ صار عضوا في حزب أو منظمة أو ما أشبه، وقد يكون االرتباط بجماعــة غير سياســية ألجــل وحــدة الهــدف بين هــذا الفــرد وتلــك الجماعــة،ــات ــا من الجماع ــة أو نحوه ــادية أو تربوي ــة أو اقتص ــة ثقافي كجمعي

الكثيرة ذات األهداف المختلفة. وبهذا تبين أن االرتباطات على أربعة أقسام، ألنها إما تلقائية، أو تعمدية، وعلى كل حال إما سياســية أو غــير سياســية، والنتيجــة في

الكل واحدة، هو كسب القدرة.

192

ثم أهداف اإلنســان الــذي انضــم إلى جماعــة إمــا معنويــة مثــلــة مثــل كســب المالبس والمآكــل كســب الشــهرة والحكم، أو ماديــرين، والثروة أو إرضاء الشخصية بإبداء رأيه أو إمكانية الخدمة لآلخ

إلى غير ذلك.

العالقة بين الفرد والجماعة ثم إن الجماعة كما تعطي للفرد المنضم إليها قدرة فوق قدرته الفرديــة، تأخــذ منــه قســطا من حريتــه، حيث إن الــواجب عليــه أن يترك بعض آرائه وقدراتــه الفرديـة إزاء رأي الجماعــة وعملهـا، فلـوــه أن كان فردا مثال استراح في أيام العطلة، بينما إذا انضم لزم علي يعمل، وكـذلك لـو كـان فـردا انتخب زيـدا للنيابـة في مجلس األمــةــة ــة وصــار رأي الجماع ــا حيث صــار منضــما إلى الجماع مثال، بينمــرأي ــه ل ــترك رأي ــروا وي ــه أن ينتخب عم ــزم علي ــرو، ل انتخــاب عمــة وبين ــه الفردي ــوازن بين حريت ــان ي ــه، لكن حيث إن اإلنس جماعت

قدراته االجتماعية، ويرى أن الثانية أهم، يرجح األهم على المهم. وبذلك يقع الفــرد المنضــم إلى الجماعــة في كثــير من األحيــان، بين تناقض آرائه وآراء الجماعة، ويقع في داخله تدافع في اتخاذ أي المسلكين، أيترك مسلك نفســه وفي ذلــك وخــز ضــميره، أو يــترك مسلك الجماعة وفي ذلك تأنيب الجماعة وأحيانا عقابهم له بــالطرد

أو اإلهانة أو ما أشبه ذلك. وفي بعض األحيان يجد اإلنسان والجماعة في مفترق اآلراء حال

وسطا، وبذلك يكون تنازل من كل جانب عن بعض آرائه. ــة، ــرأي الجماع ــه ل ــازل عن رأي ــرد التن ــل الف ــد ال يتحم لكن ق

والجماعة تصر

193

على رأيها، فيخرج الفرد عن الجماعة، ملتزما بكل عواقب ذلكــة، أو إلى ــداء الجماع ــم إلى أع ــد يتخطى إلى أن ينض ــيئة، وق الس تشكيل جماعة جديدة تكون بالنتيجة في قبال الجماعة األولى، وقــد يحدث االنشقاق في الجماعة فتصبح كتال تعــادي بعضــها بعضــا، وإنــك اجتمع الكل في إطار عام يحترم الكل ذلك اإلطار، كما يحدث ذل

في غالب مجالس األمة ولهيئة الوزراء وما أشبه ذلك. وفي النظــر الفلســفي: اختالف اآلراء رحمــة، إذ لــواله لجمــدت الحياة، فإن الحياة تتقدم باالبتكار الموجب الختالف المبتكر وغــيره، باإلضافة إلى أن االختالف دافع إلى التناقس الموجب لتقــدم عجلــة الحيـــاة، نعم الالزم أن ال يخـــرج االختالف عن موازينـــه العلميـــة

والعملية إلى موازين التخاصم والتحارب. ثم إنه كلما كان االنسجام بين أفراد الجماعة أكثر، كــان التقــدمــان ــالعكس كلمــا ك ــثر، وب ــان النفســي فيهم أك الخــارجي واالطمين

التخاصم وعدم االنسجام أكثر. ولذا فالواجب على الجماعة أن يقرروا ضوابط للعمــل تحــد من نشاط التخاصم والنزاع، أمثال الشورى بأخذ أغلبية اآلراء، والقرعــة إن تعادل الجناحان، وقرار الحلول الوسطى فيما لو أمكن فيه ذلك،

إلى غير ذلك.ــال: ــدد، أمث ــذا الص ــيرة به ــوابط كث ــالم ض ــرهموفي اإلس أم

إنصــاف النــاس من و،(2)القرعــة لكــل أمــر مشــكل و،(1)شــورى مما قد ذكر في كتاب ،(4)أحب لغيرك ما تحب لنفسك و،(3)نفسك

العشرة، وفي كتب األخالق بإسهاب.

. 38 ى:( سورة الشور?)1من كيفية الحكم. 13 الباب 191ص 18( الوسائل: ج?)2. 52( نهج البالغة: الكتاب?)3. 7من العشرة ح 121 الباب544ص 18( الوسائل: ج?)4

194

وتعلق الفرد بالجماعــة قــد يكــون شــديدا، إمــا طمعــا أو خوفــا، بحيث يتنازل اإلنسان عن كل ارتباطاته العائليــة واالجتماعيــة ألجــل ذلك االرتباط، فيضحي بمصالحه الطبيعيــة ألجــل مصــلحة جماعتــه، وأحيانا يضحي بنفســه في ســبيل ذلــك االرتبــاط، خصوصــا إذا كــان

معتقدا بالثواب واألجر في اآلخرة. وال يخفى أن إطاعة الفرد لجماعته الــتي انضــم إليهــا ال تــوجبــدون المــوازين أوجب ــه دائمــا، فــإن األمــر إذا كــان ب الضــغط علي الضغط، أما إذا كان بالموازين التي قررت لألفراد واعتقد الفرد بها، لم يكن األمر ضاغطا عليه، بل كثــيرا مــا يــوجب الســرور والبهجــة،

حيث يرى الفرد في اإلطاعة راحة ضميره ووصوله إلى هدفه. ولذا فالالزم أن يكون للجماعة هدف ووسيلة واضــحان، وتعمــل الجماعة لتهيئة الجو العام لذلك الهدف ولتلك الوسيلة، وكلمــا كــان جو الحرية أوفر لألفــراد في الجماعــة وكــان اإلنصــاف أكــثر ســيادة وكانت الشورى حقيقية، كان تعلق الفرد بالجماعــة أوثــق، وتحققتــير ــان يع ــل، إذ اإلنس ــا الكام ــع الرض ــة م ــورة تلقائي ــة بص اإلطاع المعنويــات احترامــا بمثــل مــا يعــير الماديــات اهتمامــا، ولــذا وضــع اإلسالم خطوط الشـورى، وكـان الرسـول )صــلى اللـه عليــه وآلـه(

غير ذلك مما تقــدم اإللمــاع إلى ،(1)أيها الناس أشيروا علييقول: .(2)يسعى بذمتهم أدناهمإليه، وقد قال )صلى الله عليه وآله(:

فكل فرد كــان يــرى نفســه كغــيره في الجماعــة اإلســالمية، فال يحس بثقل األوامر عليــه، ولــذا ذكــروا في فن القيــادة أن الــرئيس الناجح هو الذي يشعر جماعته بأن ما يفعله هو رأي الجماعة، ال أنــه

استبد باألمر.

. 51من العشرة 24 الباب32ص 18( الوسائل: ج?)1. 4من القصاص في النفس ح 30 الباب56ص 19( الوسائل: ج?)2

195

أنواع انتماء اإلنسان ثم إن انتمــاء اإلنســان قـــد يكـــون إلى جماعـــات متكافئـــة أوــة ــادية وجماع ــة اقتص ــوا في جماع ــان عض ــا إذا ك ــلة، كم متسلس

سياسية، وكما إذا كان عضوا في جماعة، وفردا في دولة. وفي مثل هذا الحال قد يتصارع رأي الطرفين، ويكون لكل رأي تطلب النضمام هذا الفرد إليــه، فــإذا كــان رأي الجماعــة السياســيةــادية ــة االقتص ــدر على اإلدارة، ورأي الجماع ــه أق ــد ألن ــاب زي انتخ انتخاب عمرو ألنه أكفــأ في تقــديم االقتصــاد، أو كــان رأي الجماعــة عــدم الحــرب ألنهــا جماعــة ســالم، ورأي الدولــة الحــرب باعتبارهــا ضرورة لهيبة الدولة، وقع العضو في تضــاد هــل يطيــع هــذا أو ذاك، وفي كل إطاعة خسارة الطرف اآلخر، بل أحيانا عقوبته، كما إذا لم

يطع الدولة حيث يكون معرضا لعقوبة المخالفين. نعم أحيانـــا يكـــون هنـــا فرجـــة يتمكن الفـــرد من الفـــرار عن المحذور، لكن الفرجة ليست دائمــا، فعلى الفــرد أن ينتخب أحســن الطريقين بنظــره، ألن المقــام من بــاب األهم والمهم، وهي قاعــدة

عقالئية. ثم إن كال من الجماعة والفــرد ينقســم إلى )أهــوج( و)معتــدل(، فاالقسام المتصورة أربعة، إذ مع كال حــالي الجماعــة حـاالن للفـرد،

وخير األقسام ما كانا معتدلين. فالجماعة الهوجاء هي التي تفرض رأيها على الفرد، وإذا خــالفــا في رأي أو عمل، تجعله محل الضغط أو تفصله، ويكون الرأي فيه بيد فرد أو قلة يفرضون آراءهم على المجموع، وكانت آراؤها بــدون

االستقاء من الشرائط والظروف. والفرد األهوج هو الذي يدخل الجماعة بدون مالك، ويخرج منهــا

بدون

196

مبرر، ويكثر المخالفة، ويستبد برأيه وإذا خالف الجماعة اشتغلبالتخريب.

وبالعكس من الجماعة الهوجاء والفرد األهوج، الجماعة والفــرد المعتــدالن، فليس كــل إنســان يــدخل في الجماعــة أو يخــرج عنهــاــه في ــل رؤيت ــة أعم ــان في الجماع ــة، وإذا ك ــدون رؤي ــا وب اعتباط القرارات، وال يغتر باالنتصارات، وال ييأس من االنتكاسات، بل يعالج األمر بالواقعيـة والرؤيـة الرزينــة، سـواء في صـنع القـرارات أو فيــل ــة تعم ــل جماع ــه ليس ك ــا أن ــار، كم ــار واالنكس ــة االنتص مقابل

الديكتاتورية في قبال الفرد. نعم هناك بعض الجماعــات تعمــل الديكتاتوريــة، فال تحــترم رأي الفرد، وال تجنح إلى االستشارة، وتخلط الحق بالقوة الباطلة، ومثل

هذه الجماعة تكون خطرا على الفرد.

197

الجماعات تقدم شروط

حيث انتهى بنا الكالم في المسألة السـابقة إلى(:18)مسألة الفرد في ضـمن الجماعـة، وإلى الجماعـة المشـتملة على األفـراد، من جهــة تبــادل القــدرات، واســتفادة كــل منهمــا من اآلخــر امتــداد قدرته نحو األهداف التي يتوخاها كل منهما، نعطف عنان الكالم في هذه المسألة إلى المؤهالت الــتي تؤهــل اإلنســان ألن يكــون عضــوا

صالحا في الجماعة، سواء كان رئيسا أو غيره. فإن الجماعة إنما تــتركب من األفـراد، كمـا أن المجتمـع الكبــير إنما يتركب من الجماعات، فإن صلح الفرد وكان بالمســتوى الالئــق في اإلطــار الفكــري المناســب، صــلحت الجماعــة، ألنهــا ليســت إالــير، والعكس ــع الكب ــات صــلح المجتم ــرادا، وإذا صــلحت الجماع أف بالعكس، وإذا تــوفرت في العضــو هــذه المــؤهالت كــان أقــرب إلى

بلوغ أقصى القدرة مما يقربه إلى الهدف. ومن المؤهالت:

أ: الهدوء والتوازن الهدوء والصفاء والتوازن الفكري والعملي، فإن القلــق والهيــاج

والخلط

198

فيهما خليقة بأن تجعل من اإلنسان عضوا فاســدا مفســدا، فهــوال يبتعد عن القدرة فقط، بل يسقط قدراته أيضا في الوصول.

وكما يلزم أن يكون العضو بنفسه متصفا بتلك الصفات الحسنة اآلنفة الذكر، كــذلك يلــزم أن يكــون لــه اإليحــاء بهــذه الصــفات إلى غيره، فإن لإليحاء أيضا تأثيرا كبيرا في كبح جماع الهيجان الذي قــد

يحدث عند النقاش في االجتماعات. وعلى العضــو إذا رأى من نفســه هياجــا ال يتمكن من كبحــه، أو رأى ذلك في النقاش، أن يعتزل انعزاال بسالم، ال بشــدة ليهــدئ منــان ــال يعطي اإلنس ــذا الح ــزال في ه ــرين، واالنع ــه ومن االخ نفس

الهدوء الذي يهيؤ المناخ المالئم للتفكير وتحري المخرج. ومما يؤثر سلبا على الهدوء الدخول في الجانبيــات، فــإن المهم عند النقاش أن ينظر اإلنســان إلى الهــدف ويســير إليــه، وال يــدخل

فيما ال يهم األمر. والالزم أن ال يقول السياســي القــدير أبــدا أن لــه أتعابــا كثــيرة، وأنه مشغول الذهن، وأنه ال يستجيب ذهنه، أو ال يسعه عملــه، فــإن كل ذلك يوحي إلى النفس بما يقوله اإلنسان، وينتهي بــه األمــر إلى

االعتقاد بصحة ما يقول.

ب: الصبر في المشاكلــه من أقــوى الصبر على المشاكل وعلى السير إلى الهدف، فإن

ولمن صبر وظفــر أن ذلــك من عــزمسمات القدرة، قال سبحانه: والصــبر ضــمان لحفــظ النظــام ولحفــظ الهــدوء، ولتبصــر،(1)األمر

العواقب ولمعرفة ارتباط األشياء بعضها ببعض.

. 43 ى:( سورة الشور?)1199

ــذا ورد: ــه ،(1)والصــبر من اإليمــان كــالرأس من الجسدول فإن المســيطر المســير لألمــور، كمــا أن الــرأس هــو المســير لألعضــاء

والمسيطر عليها.ــال أحــد الفالســفة: )أخضــع نفســك لتســتطيع إخضــاع ــد ق وق اآلخرين، فإن لم تفعل ذلك لم تســتطع أن تســطير على اآلخــرين(،ــعون لهش النفس ــاس ال يخض ــإن الن ــح، ف ــك واض ــه في ذل والوج الضــعيف اإلرادة، أمــا إذا تمكن اإلنســان من جمــع نفســه وتقويتهــا صلحت للسيطرة على اآلخــرين، ومن بعض علــل الصــوم هــو هــذا، حيث إن الصوم يوجب تقويــة اإلرادة والســيطرة على الــذات، وفي

فمن يعرف فن الصبر ،(2)واستعينوا بالصبر والصالةاآلية الكريمة: يعرف فن اإلصبار، ومن يقدر على الخضوع، فإن الصالة خضوع لله

سبحانه، يقدر على اإلخضاع. ــول لهم: ــبر، فيق ــاء بالص ــو إلى األعض ــوحي العض والالزم أن ي

يــااصبروا وثقوا وكونوا مثابرين تتذلل لكم الصعاب، قال ســبحانه: أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحــون

(3)،المرابطة والتقوى أيضا نوعان من الصبر. و

ج: معرفة الناس والعضــوية تتطلب أول مــا تتطلب معرفــة النــاس، حــتى يتمكن اإلنسان أن يضع كل أحــد موضــعه، ويعامــل كــل فــرد وكــل جماعــة

المعاملة الالئقة به وبها.

. 82 ( نهج البالغة: قصار الحكم?)1. 45 :( سورة البقرة?)2. 200 :( سورة آل عمران?)3

200

يجب أن يعرف اإلنسان أن الناس ال يطلبونــه لحــل مشــكالتهم، وإنما يريدون منه االستماع الجيد لمشكالتهم، ثم حــل الميســور من تلك المشكالت، وهذا ما يقــدره العضــو غالبــا بقــدره، وقــد ورد عن

إنكم لن تسعوا الناس بأموالكمرسول الله )صلى الله عليه وآله(: .(1)فسعوهم بأخالقكم

األخطاء التي تصدر عن العضو اآلخر أو عن سائر الناس، يجبوــا الظــروف المحيطــة على اإلنســان السياســي أن يالحظهــا مراعي بالخطأ، ولــذا قـد يكــون خطـأ واحـد من إنسـان واحــد، مختلفــا في درجات البشاعة بين زمان وزمان وشرط وشــرط، وهكــذا بالنســبة

إلى الخطأ الواحد من نفرين.

د: مستويات مختلفة تختلف درجة العضو في الجماعة باختالف فهمه وحزمه وهمتــه، بالنسبة إلى الهدف، فقد يكون عضو فــاتر الهمــة ال يــؤمن بالهــدفــد إيمانا كامال، وقد ال يفهم الهدف حق فهمه، وقد ال يكون حازما عن سيره إلى الهدف، وكل ذلك مما يقلل قيمة العضو، ويجعله سياسيا

فاشال. ولــذا فــالالزم أن يجتنب العضــو عن األقــوال المثبطــة، والــروح السلبية، والفكرة التشائمية، فإن السياسي الناجح هــو الــذي يكــون إيجابيا، ويخلـق في نفسـه مزيـدا من القــدرة، فمثـل )هـذا األمــر ال يفيد( و)لن نقدر عليه( و)ال نصل إلى الهدف( و)ليس هنالك مخــرج من المشكلة( و)ال أجد مــا يمكن عملــه(، إلى غــير هــذه الجمــل، ال

تفيد العضو إال تأخرا، والجماعة إال انحطاطا.

. 8من العشرة ح 107 الباب513ص 8( الوسائل: ج?)1201

ــائر ــه إلى س ــدف وإمكان ــه باله ــو إيمان ــل العض والالزم أن ينقاألعضاء، وبذلك يكون االقتراب إلى القدرة أكثر فأكثر.

ه: القدرة والقدرة أمانة في ذمة اإلنسان، ال يحق له تبذيرها وال تجميدها. فاألول: أن يصرفها في غير مصرفها، سواء كان مصــرفا بــاطال،

أو مصرفا أقل من المصرف المقرر. والثاني: أن ال يصرفها.

واألول كما إذا صرف ديناره المقرر صرفه في كتاب درسه فياألفيون أو في كتاب دون درسه.

والثاني كما إذا جمد الدينار فلم ينتفع به، واإلنسان القدير ليس ملكا لنفسه بل للمجتمــع، إذ القــدرة مســتمدة من الجمــع، فــإذا لم

يستعمل القدرة حق قدرها كان قد خان. إن عرضــنا األمانــة على الســماوات واألرضقال الله سبحانه:

والجبال فأبين أن يحملنا وأشــفقن منهــا وحملهــا اإلنســان إنــه كــان ليظلم نفســه واآلخــرين، ويجهــل قــدر نفســهنــه إ ،(1)ظلوما جهــوال

واآلخرين، فال يرد األمانة أصال، أو ال يؤديها حق أدائها. والقــدرة كالشــجرة، كلمــا صــرفها اإلنســان نمت أكــثر فــأكثر،ــا في ــدة، بينمــا إذا لم يصــرفها، أو لم يجعله وجــاءت بقــدرات جدي

المكان الالئق بها، تقلصت و

. 72 :حزابأ( سورة ال?)1202

ذبت حتى تموت..(1)أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيهقال سبحانه:

وفي الحــديث: إن ملكــا ينــادي ويــدعو: اللهم أعــط كــل منفــق .(2)خلفا، وكل ممسك تلفا

والالزم على ذي القدرة أن ينمي قدرته، فإن القدرة أيضا قابلة للنمو، فالقدرة السياسية واالقتصادية والعلميــة وغيرهــا كلهــا قابلــة

للنمو، وإنما نمو كل قدرة حسب موازين تلك القدرة.

و: الفكر المتكامل الفكر المتكامــل والجــرأة والمبــادرة واتخــاذ القــرار من األمــور الضــرورية لإلنســان ذي القــدرة، وعليــه فــالالزم على القــدير أن ال يقدم بدون تفكر في جوانب األمـر، وإال كـان مــا يفسـده أكـثر ممــا يصلحه، ثم إذا فكر لكنه تجبجب وتردد لم ينفعه تفكره، والسابقون

هم الفائزون فالالزم المبادرة. .(3)والسابقون السابقون أولئك المقربونقال سبحانه: .(4)سارعواوقال تعالى:

.(5)استبقواو: .(6)في ذلك فليتنافس المتنافسونو:

يقــول أحــد الحكمــاء: )الجــريء من فكــر في األشــياء بهــدوء،ودرسها بدقة، ووازن بين

. 7 :( سورة الحديد?)1. 1نفاق حإباب ال 42ص 4( الكافي: ج?)2. 10 :( سورة الواقعة?)3. 133 :( سورة آل عمران?)4. 148 :( سورة البقرة?)5. 26 :( سورة المطففين?)6

203

األمور واختار األصلح، ثم بادر وأسرع، ال يلوى على شيء(. ولذا يكون الروتين أضر شيء بالقــدرة، وإذا رأى ذو القــدرة أن أمره يسير بروتين، لزم عليه أن يخترع أمرا جديدا يمكنــه المبــادرة في نطاقــه، فــإذا فتح مدرســة وتجمــد، فكــر في فتح مكتبــة ثم

مستشفى ثم مطبعة وهكذا. وكذلك يجب أن يكون دائما على أهبة االستعداد للعمل، ويفكــرــة لكل ظرف في رد فعل حسن وسريع، فالحياة عبارة عن مجموع قرارات وإنجازات، وكل من كانت قراراته وإنجازاته أكثر، كان أكــثر

حيوية وأجدر باالحترام والتقدير. ولذا فال يجوز انتظار الوقت األفضــل إال في مــوارد خاصــة، أمــاــا من المســؤولية في بعض من يقول إنه ينتظر ذلك، فليس إال تهرب األحيــان، ومثلــه من يقــول: إنــه يتحــرى العمــل األفضــل، وليتــذكرصاحب القدرة المثل المشهور: )من لم يحطم المتاعب حطمته(.

ز: اإلرادة الفوالذية ليتذكر صاحب القدرة دائما أن إرادة التنفيــذ عامــل من عوامــل النجاح، والمريد للتنفيذ إذا أوصد أمامــه ألــف بــاب دخــل من البــاب الواحد واأللف، فليس الجو مهما كان خانقا بدون فرج، كما أن الجو

لمن ال يريد التنفيذ ال يوجد فيه وال كوة، فاألعذار تلبد األجواء. وإذا أراد ذو القدرة أن يعــالج معضــلة مستعصــية كــان عليــه أن يحللها، فإن المعضالت الصعاب عبارة عن أمــور صــعبة تجمعت في صورة واحــدة، كالعقــد في الخيــط تحــل عقــدة عقــدة، وكلمــا كــان

اإلنسان أكثر

204

نفوذا وعمال وحال للصعاب كان أجدر بالحياة وبأن يكون سياسيا بارعا، فإن السياسة كالبناء له أحجار توضع بعضها فــوق بعض حــتى يكون بناء متكامال، وإذا لم يقدر اإلنسان من عمل كبير، فخير له أن يعمل أعماال صغارا، فــإن بتجميــع القطــرات يكــون البحــار، وبجمــع

الذرات يكون الصحاري.

ح: االنضباط ومهما كان االنضباط رائد اإلنسان القــدير في كــل شــأنه، ازدادــان قدرة على قدرة، وهو عبارة عن وضع العمل المناسب في المك المناسب وفي الزمان المناسب، وكذلك بالنسبة إلى وضــع األفــراد في أماكنهم، فالشجرة قد تعطی ألف برتقالــة إذا كــانت في مكــان

مناسب، بينما ال تعطى حتى مائة في المكان غير المناسب. واالنضباط ال يأتي إال بعد رؤية مستقبلية وحالية، ليعرف مقادير األشياء ومواضعها، فهو العمل ضمن فكرة مدروسة بإتقان، بعــد أن يفهم القــدير بســبب الدراســة المشــاكل ويضــع الحلــول وكيفيــة رد الفعل لها، واالنضباط يجب أن ينفذ في جو مرح، وال يكــون قاســيا،ــروح والجســم ــة التقــدم، فــإن ال ــوجب قل ــروح ممــا ي وإال حطم ال يشتركان في تقديم األمور، فــإذا انســحب أحــدهما من الميــدان لم

يقدر اآلخر على أمر.

ط: رفع المستحيل وليعلم السياســـي القـــدير أن ال مســـتحيل إال مـــا ينتهي إلى

النقيضين، جمعا أو

205

رفعا، فكــل شــيء ممكن حــتى مــا إذا أراد توحيــد ألــف مليــون إنسان تحت حكومة واحدة، ولقد فعل مثــل ذلــك غــيره قبلــه، فــإذا قال: إنه ال يمكن فتح مدرسة أو تشكيل منظمة أو إنقــاذ بلــد، كــان

ذلك منبئا عن عدم جدارته بنفسه، ال عن عدم إمكان العمل. والالزم في السير أن يجعل برنامجين برنامج الطريــق وبرنــامج المتاعب، فإذا فعل ذلــك وارتطم بالمشــكالت لم يــؤثر ذلــك عليــه،

حيث قد أدرجه مسبقا في برنامجه العام. ــدير، وهناك قد تأتي حواجز استثنائية، وال يهتم بها السياسي الق حيث إنه هضم أمثالهــا، وقــد قــالت الفالســفة: )حكم األمثــال فيمــا

يجوز وفيما ال يجوز واحد(. وكلما قــوى العضــو نفســه كــان أجــدر بالوصــول إلى األهــداف، فمهما قويت النفس قل ضغط االنفعاالت واالضطرابات عليها، ولذا

المؤمن أصلب من الجبل، فإن الجبل يقتطع منهورد في الحديث: .(1)والمؤمن ال يقتطع منه

ي: التخطيط السليم أما األمــاني فهي بضــائع النــوكى، أي الحمقى، كمــا يقــول علي

، فالقدرة ال تأتي باألماني، وإنما بالتخطيط السليم،(2))عليه السالم( ووضــوح الرؤيــة المســتقبلية، وتحــري الوســيلة الــتي تنتج الهــدف،

بأيسر الطرق وأقربها. وما من شك في أن كل أسباب السعادة ليس بيد اإلنسان، بــل

منها ما بيد التقدير، ولذا

. 37 ( انظر: نهج البالغة: الخطبة?)1 عليهوقال أمير المؤمنين وفيه: 5834 ح384 ص4انظر: من ال يحضره الفقيه: ج( ?)2

ــهالسالم ه عن ي الل ة رضــ ته البنه محمد بن الحنفي ــال على : في وصي ك اك واالت ــا بني إي يوكى وتثبيط عن اآلخر،األماني ها بضائع الن . فإن

206

.(1)أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعونقال سبحانه: .(2)وما رميت إذ رميت ولكن الله رمىقال: و

.(3)نبلوكم بالخير والشر فتنةوقال: وإنما الكالم فيمن ينال السعادة، إنه هو الذي يهيؤ كل األســباب الممكنة، مثله في ذلك مثل من ينال الصيد، فإنه ليس كــل أســباب الصيد بيد اإلنسان، لكن مــع ذلــك الــذي ينــال الصــيد هــو الــذي هيــأ

أسبابه الممكنة، وإلى غير ذلك من األمثلة. ــد وأن يفهم ــدم الب ــق في التق ــه ذو ح ــان أن ــمع اإلنس فمن س السامع أن ما جناه من الثمرة الطيبــة إنمــا هــو نتيجــة جهــد وعمــل طويلين، قد يضرب بجذوره إلى ما قبــل خمســين عامــا، فالماشــي

على الدرب باستمرار يصل كثيرا ما. وإذا أصابه نوع من اليأس لما يجده من عدم الثمرة، فليعلم أنــان، األعمال وإن كانت ثمر مضنية وثقيلة وبال نتيجــة في بعض األحي إال أن الواقع غير ذلك، فالجهد ال يكون ضــائعا، والتعــثر ليس دائمــا، وإنمــا بعض األشــجار يعطي الثمــرة بعــد حين، وقــد قــال ســبحانه:

ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبــة أصــلها ثــابت وفرعهــا في الســماء .(4)تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها

ــذرة ــف الب ــذلك تختل ــاج، وك ــف في اإلنت ــذور تختل ــا أن الب وكم الواحدة في اإلنتاج حسب شروط الزمان والمكان، كــذلك األعمــال السياسية وبذل الطاقات والقدرات تختلف اختالفا إنتاجيــا، واختالفــا

زمنيا.

. 64 :( سورة الواقعة?)1. 17 :نفالأ( سورة ال?)2. 35 :( سورة األنبياء?)3. 35و24 :براهيمإ( سورة ?)4

207

يا: اغتنام الفرص إضاعة الفرصةومن أهم ما ينتج القدرة اغتنام الفرصة، فبينما

انتهزوا الفرصيكون انتهازها قوة، وقد ورد في الحديث: ،(1)غصة.(2)فإنها تمر مر السحاب

ــابو الفرصة ال تطرق أبواب كل أحد، كما ال تستمر في طرق ب أحد، فالالزم أن يكون السياســي ذكيــا، ينتهزهــا أينمــا وجــدها، ولــذا يقول أحد الحكماء: )انتهز الفرصــة كلمــا وجــدتها، وال تجعــل وقتــك يذهب بتعلل، فإذا تذكرت في نصف الليل في الفــراش الوثــير أنــك

لم تفعل ما كان ينبغي عليك أن تفعله فانهض واعمله(. والحياة كلهــا قــدرات وفــرص، كــالبحر كــل جوانبــه مــاء، وإنمــا ــيرك فال تلم إال ــترف غ ــترف واغ ــإذا لم تغ ــترف، ف الكالم فيمن يغ

نفسك، واعلم أن اللوم ال ينفع.ــان، وال وال يزعم اإلنسان أن غدا أيضا وقت، فهــو وقت عمــل ث يستوعب غدا عمل نفسه وعمــل اليــوم الماضــي، وانتهــاز الفرصــة يحتاج إلى يقظة دائمــة، واستشــارة مســتمرة، وعمــل دائب، وتحــر

لألفضل في كل لحظة.

يب: التواضع والقــدرة تالزم التواضــع، والسياســي القــدير هــو الــذي يعلم أن األراضــي المرتفعــة محرومــة من ميــاه األنهــار، فالمتواضــع مصــب

القدرات، وألن البحر

. 188 ( نهج البالغة: الحكمة?)1. 21 حكمةال: نهج البالغة( ?)2

208

ذو تواضع يجمع مياه األمطار المستعلية، أما الربى فيسيل عنها الماء حتى ال يبقى فيها منه قطرة، والحركــات إنمــا تنجح بتجميعهــا قطرات القدرة، حيث تتواضع للقدرات، بينما الحكومات إنما تفشلــرة ــا قط ــرات إلى أن ال تبقى فيه ــا القط ــدر عنه ــتعالئها، فتنح الس

فتسقط. وإذا أراد اإلنســان أن يعــرف ســر ســقوط حكومــة مــع قــدراتها الكثيرة، وبدء حكومة مع أنه ال قدرة لها إطالقــا في حــال الشــروع، فلينظـر إلى مجنـون الغـرور والتواضــع، فقبــل الوصــول إلى الحكم تواضع وأخذ في الصعود، ولما وصل إلى الحكم أخذه الغــرور فأخــذ

في الهبوط، وهكذا حتى يسقط ويأخذ غيره مكانه. ــرين ــ ــان آراء اآلخ ــ ــترم اإلنس ــ ــع أن يح ــ ــرق التواض ــ ومن ط

أعقــل النــاس من جمــع عقــلويستشيرهم، فقد ورد في الحديث: .(1)الناس إلى عقله

وترى قفاك بجمعوفي شعر منسوب إلى علي )عليه السالم(: .مرآتين

فإذا فكر السياسي القدير أنه إنســان، وكــل إنســان ـــ باســتثناء المعصوم عليه السالم ـ معرض للخطأ، لم يمتنــع أن يتحــرى الــرأي األصوب في أموره، كمــا لم يمتنــع أن يعــترف بالخطــأ إذا ظهــر لــه ذلــك، وفي المثــل: )االعــتراف بالخطــاء فضــيلة(، وهــذان األمــران، الشورى واالعــتراف بالخطــأ، يزيــدان اإلنســان قــدرة، كمــا يزيــدان

الناس به ثقة.

. 4المجلس السادس ح 27 ص:مالي للصدوقأ( انظر ال?)1209

يج: البحث عن النقدــات، أن ال ــاح المهم ــدرة إلنج ــذي يتطلب الق ــان ال وعلى اإلنس يتطلب المديح وال يقبله من أحد، بل بالعكس يجب عليــه أن يفحص

عن النقد، ويتطلب النقد البناء عن أصدقائه وعن اآلخرين. فكــل ،(1)خــير األصــدقاء من أهــدى إلي عيــوبيوفي الحديث:

معرفــة بــالنقص تــوجب إكمــال النــاقص، وهــو خطــوة جديــدة إلىالقدرة، فإن القدرة والكمال متالزمان.

أما إذا انتظــر اإلنســان مــدح اآلخــرين لــه بمــا هــو كــذب وهش لمدحهم إياه بما ليس فيه، فهو أخذ في الســقوط، والقــدرة تنحــدر

عنه انحدار الماء من الشالل.ــه، وإذا أراد أن ــدح نفس ــان أن يم ــقوط اإلنس ــباب س ومن أس يتحــدث بمــا عملــه ألجــل مصــلحة في الحــديث مرتبطــة بالمهمــة، فالالزم أن يترك كلمــة )أنــا(، وإنمــا يســتبدلها بـــ )نحن(، فــإن )أنــا( يعني إنه وحده عمل، بينما )نحن( معناه إنه جزء في العمــل، وإنمــا

كانت جماعة عاملة هو أحدهم، وفي ذلك تواضع واكتساب قدرة. كما أن الالزم اجتناب كلمات تدل على الغرور، مثل: )لقــد قلت لكم(، )لقد تنبــأت(، )لقـد كنت أتوقــع(، )ســترون إصـابة رأيي(، )أال تذكر أني قلت هذا قبل مــدة(، إلى غيرهــا ممــا يعطي تبجحــا، فــإن

أمثال هذه األلفاظ توجب انفضاض الناس، والزمه تقليل القدرة.

. 2من أبواب أحكام العشرة ح 12الباب 413ص 8 ج:( انظر الوسائل?)1210

يد: اإلنسان الواقعي وأخيرا، فليعلم الذي يريد تحصيل القدرة أن حل األمور ال يمكن باألقوال المجردة والتأفف، وإظهار النفس بمظهر الجد مــع الفــراغــل عن العمل، بل القدير هو اإلنسان الواقعي الذي يالحظ األمور بك

واقعية، وبدون أن ينظر إليها بمنظار غير صحيح. فإن عدم االنسجام مــع الواقــع في الفكــر والعمــل أول خطــوة للعجز، فالتشائم والتفائــل ورؤيــة األمــور صــغارا أو كبــارا بمــا ليس

بواقع، كل بدوره ينقص القدرة.ــواد، ــات الم وال يخفى أن الكالم في هذه المسألة ينتهي إلى مئ

نكتفي منها بهذا القدر، تمشيا مع وضع الكتاب، والله المستعان.

211

والقدرات الحقوق بين في الشريعة اإلسالمية )الحق( يقال لما يطابق(:19)مسألة

الواقع من جانب الواقع، و)الصدق( يقال له من جانب الخارج، فــإذا قيل: زيد قائم، فإن لوحظ كونه خارجا قيــل لــه )حــق(، وإن لوحــظ الكالم المطابق لذلك الخارج يقال له )صدق(، فهما وجهــان لشــيء

واحد. و)المشروع( يقال لما شرع من قبل اللــه ســبحانه، ولــذا يكــون ــرع إال ذلك خاصا باألحكام، ويكون أخص مطلقا من )الحق(، وال يش مــا يطــابق المصــلحة، عنــد العدليــة حيث يــرون أن األحكــام تابعــة للمصـــالح والمفاســـد الموجـــودة في متعلـــق األوامـــر والنـــواهي. والمصــلحة مـــا تعطي نفعــا دينيـــا أو دنيويـــا للفـــرد أو الجماعـــة،

والمفسدة بعكس ذلك، والنفع ما يالئم اإلنسان. أما في االصطالح السياسـي فــ )الحــق( يقـال لمـا اختــاره كـل الناس أو أكــثريتهم قانونــا ألنفســهم، وال يختــار النــاس شــيئا قانونــا ألنفسهم إال فيما كانوا شركاء في وضعه، وبقوا على رؤيتهم حسنة، أما إذا لم يشتركوا في وضعه بأنفسهم أو بنوابهم فهو )باطل(، كماــوا من أنه إذا وضعوه ثم وجدوا ضرره، لم يروه مشروعا، فإن تمكن إزالته أزالوه، وإال أسندته القوة الديكتاتورية وســقطت مشــروعيته،

فال يكون حقا. ولـذا فـالحق والمشـروع شــيء مــترجرج عنـد السياسـة، بينمـا

كالهما شيء ثابت عند اإلسالم، وسر الفرق أن االستناد إلى

212

الله ســبحانه الثــابت يــوجب ثبــات المســند، بينمــا االســتناد إلىاإلنسان المتقلب األحوال يوجب ترجرج المسند.

وبما ذكرنا تبين أن النسبة بين )القدرة( و)الحق( في االصطالحالسياسي:

إن كل قدرة استندت إلى القانون الموضــوع من قبــل األكثريــة ابتداء واستدامة فهي قدرة حقة، وما عداها قدرة باطلــة، بينمــا في االصطالح اإلسالمي القدرة الحقــة مــا كــانت مســتندة إلى القــانون

اإللهي. وبـذلك تـبين، أن القـدرة الـتي تريـد النفـوذ على اإلنسـان على

قسمين: األول: مــا يثقــل على كاهــل األفــراد والجماعــات، وهي القــدرة

التي يراها الفرد أو الجماعة غير حقة. الثاني: ما ال يثقل، بــل أحيانــا يكــون مــوجب الراحــة والســرور،

وهي القدرة التي يرونها حقة. وعليه فاذا تضادت القدرات، سواء كانت في العــرض كقــدرتينــد وأن لجمعيتين، أو في الطول كقدرة الجميعة وقدرة الحكومة، الب يرى اإلنسان حقيــة إحــداهما، فــإذا كــان اإلنســان حــرا في االختيــار اختار ما رآه حقا. أما إذا كان اإلنسان مضطرا، فهو يختار ما يضطر إليــه وإن رآه بــاطال، كاختيــار فــرد المرشــح من قبــل الجماعــة المعارض لسياسة الدولة الديكتاتوريــة، حيث إن الفــرد الخـائف من الدولة المنضم إلى عضوية تلك الجماعة يقع بين أمــرين متضــادين،

إلى غير ذلك من األمثلة. والحقـــوق والقـــدرات في المجتمـــع، تـــوجب تنظيم الروابـــط، واإلنسان في هذا الــدرب المعقــد البــد وأن يختــار في كــل خطــوة، ويرجح األهم على المهم إذا لم يتمكن من حل االختالفــات بــالحلول

الوسطى، وفي صورة تضاد القدرات

213

البد وأن ينتهي اإلنسان إلى ما ينفع جانبا ويضــر الجــانب اآلخــر، وكثيرا ما يطيع اإلنسان األجواء الضاغطة وإن لم يرهــا حقــا، وذلــك خوفا من عواقب عدم اإلطاعة، الذي يكون ضرره بنظــره أكــثر من

ضرر سلوك الباطل الذي ليس بحق.ــا يجــدون في أن يلبســوا قــدراتهم والجماعــات السياســية غالب لباس الحق حــتى الــديكتاتوريين منهم، وذلــك لئال يقــاوموا من قبــل األمة من ناحية، وحتى يحصلوا على أكبر قــدر ممكن من النفــع منــوجب ــانبهم ي ــق إلى ج ــاس الح ــة الن ــرى، حيث إن رؤي ــة أخ ناحيــدة ــبر الفائ ــك أك ــة السياســية، وفي ذل ــا للجماع اســتجابتهم تلقائي

للجماعة. ــا وإن لم ومما تقدم يظهر أنه كثيرا ما يستجيب اإلنسان ألمر م يكن قانونــا، ألنــه يــراه حقــا، بــل ويحــاول أن يقدمــه إلى مشــرعي القانون ليجعلوه قانونا، حيث إن القانون الموضوع من قبل األكثرية أيضا البد وأن يســتند إلى روح القــانون الــذي هــو عبــارة عن وجــود

المصلحة في نظرهم. وغــني عن الــذكر أنــه إذا تكافــأت المصــلحتان أو المصــلحة والمفسدة، سرت تلـك الـروح إلى هيكـل القـانون، وتكـون النتيجـة

تقديم األهم، وإذ ال أهمية فالنتيجة التخيير. كما أنه قد تتعارض القدرات في مقام التشــريع، ويكــون الغلب لمن خرج رأيه باالقتراع، فالقرعة قدرة هائلة سرية، ال ضوابط لها، تــوجب ثقــل الكفــة بــدون مــبرر خــارجي، يســتند إليهــا العقالء حال

للتضاد، إذ ال عالج لهم سواها. أما كيف تستند القدرة العاقلة في اإلنسان إلى قدرة غير عاقلة في القرعة، فإلنه إنصاف يقرره العقل أيضــا، أو ألن تقــديم هــذا أو ذاك مجهول غير قاطع، يحال إلى القرعــة الــتي هي مجهولــة لكنهــاــاالت ــط، إلى غيرهمــا من االحتم ــطة فق ــان واس ــة، واإلنس قاطع

الفلسفية والتي لسنا بصددها اآلن، ولذا لم

214

نتعرض إلى فلسفة القرعة المذكورة في الروايات.

أقسام قدرة الجمعية ثم إن أية جمعية مرتبطة بعضها ببعض البد لهــا من قـدرة، فهي كــالروح الســارية في الجســم، وتنقســم القــدرة الموجــودة في

الجماعة إلى قسمين: األول: القدرة غير المتمركزة.

الثاني: القدرة المتمركزة.

))القدرة غير المتمركزة(( أما األولى: فهي القدرة الموزعة على أعضــاء الجماعــة، ســواء كانت بنسبة واحدة أو بنسب مختلفة، وهذه القــدرة هي المنحصــرة في الجماعة، وال ربط لهــا بالخــارج عن الجماعــة، كمــا ال رئيس وال

مرؤوس فيها. وفيها النظــر إلى القــدرة ال من حيث ذاتهــا الموجــودة، بــل من حيث ظهورهــا في الجماعــة، وهــذه القــدرة تســود الجماعــة بــدون تركيز لها، وبدون جعــل ضــوابط لهــا من قبــل الجماعــة، بــل أفــراد الجماعــة حيث اســتقوا اآلداب والرســوم من غــيرهم، ســواء كــانت الجماعــة مغلقــة، أو تعيش في جــو اجتمــاعي، أخــذ يعامــل أحــدهم

اآلخر حسب تلك اآلداب والرسوم.ــا )ســواء( ألن الجماعــة قــد تعيش في جــو صــاخب، وإنمــا قلن

كالجماعة في المدينة والقرية وما أشبه، وقد تعيش منعزلة. أما استقاء اآلداب والرســوم في الجماعــة الــتي تعيش في جــو صاخب فواضح أنها كيف استقت من المجتمع آدابا ورسوما تأتي بها إلى الجماعة، فكــل فــرد فيهــا يعامــل اآلخــر كمــا عــرف أن يعامــل

المجتمع. وأما استقاء اآلداب والرسوم في الجماعة الــتي تعيش منعزلــة،

ولنفرض رجال

215

وامرأة ذهبا إلى غابة وتوالدا وتناسال هناك منعزلين عن العالم إطالقا، كما يــذكرون في جماعــة تــازاري الــتي تعيش في غابــة من

ــام ) ــات إندنوســيا، حيث وصــل إلى ع ــا1967غاب ــدد أفراده ( م ع خمسة وعشرين فردا منقطعين عن العالم إطالقا، فإنــه ال شــك أن للجماعة آدابــا ورســوما اســتقيت أوال من االجتمــاع الصــاخب الــذيــدان، ثم ســرت تلــك اآلداب والرســوم إلى األوالد ــه الوال عــاش في واألحفــاد، مــع خلطهــا بشــيء من اآلداب والرســوم الجديــدة الــتي اقتضتها حياة الجماعــة وســط الغابــة، حيث التعــاون المشــترك في تهيئــة الثمــار لآلكــل، وتنظيــف المكــان، والطبخ، واســتعمال اآلالت

األولية، ثم قضايا الزواج، وعالج مرضاهم، وإلى غير ذلك. والبــد وأن يحــدث بينهم سلســلة مــراتب في االحــترام، وفي الرئاسة والمرؤوسية وفي السيطرة، فقد تحقــق في علم االجتمـاع وفي علم النفس وفي علم الحيوان أن اإلنسان والحيوان وإن كانوا لوحدهم، البد وأن يحصل بينهم سلســلة مــراتب ومســلط ومســلط عليه، فالدجاجة تفرخ عشرة أفراخ، فــإذا كــبروا خــاف بعضــهم من بعض، وسيطر بعضهم على بعض، وهكذا في سائر أفــراد الحيــوان،

وفي أفراد اإلنسان. إن القدرة في مثل هذه الجماعة غير مركــزة، حيث إن القــدرة الطبيعية تسير الجماعة، كما أن القدرة غير المركزة تسير الجماعة التي ينضــم أعضــاؤها لهــدف واحــد، بــدون أن تقســم القــدرات بين األفراد، كما في الجماعات السرية غالبا، حيث إن اآلداب والرســوم المستقاة من المجتمع هي السائدة بينهم، بدون أن يســمى أحــدهم

رئيسا واآلخر معاونا وهكذا، فإنه من غير الشك أن سلسلة

216

ــوان موجــودة في الجماعــات ــتي ذكرناهــا في الحي المــراتب ال السرية، كمــا أن ممــا ال شــك فيــه أن الجماعــة الســرية قــد تجعــل لنفســها ضــوابط فــتركز القــدرة في بعض أفرادهــا أو بعض فئاتهــا،

فهذه الفئة للمال، وتلك للقرارات، والثالثة للثقافة وهكذا. إال أن الكالم في أنه قد تعيش أيضا بدون تركــيز قــدرة، فتكــون القدرة السائدة فيهــا قــدرة غــير مركــزة، فال ضــوابط وال قــرارات، وإنما يربط الجماعة بعضها ببعض القــدرة الخفيــة بســبب الضــوابط واآلداب والرســوم التلقائيــة الــتي اســتقاها أفــراد الجماعــة من

المجتمع الصاخب المدني أو القروي.

القدرة المتمركزة الثــاني: القــدرة المتمركــزة، حيث إن الجماعــة تجعــل لنفســها ضوابط وتوزع القدرات، وتكتب فيمــا بينهــا وثيقــة العمــل والحركــة

والتقدم. فيوبذلك تتمركز القدرة في وحدات خاصة، فردا كانت أو فئة

ضمن الجماعة، وهذا هو المظهــر الثــالث من مظــاهر القــدرة، بعــدــا ــة، كم ــدرة الظــاهرة في الجماع ــة والق ــة الكامن ــدرة الطبيعي الق

ذكرناها في القسم األول. وهذه القــدرة المركــزة قــد تكــون ضــعيفة، فيمــا كــانت حســب المقررات للجماعة فقط، وقد تقوى وتشتد إذا حصــل االرتبــاط بين هــذه الجماعــة وســائر الجماعــات البشــرية، ســواء حصــل االرتبــاط بواسطة الحرب أو بواسطة الصــداقات والتعاونــات أمــام كارثــة، أو

ألجل زواج هذه من تلك، أو بواسطة المعامالت. وبهذه االرتباطات بين الجماعة يحصل أمران:

أ: تمركز واشتداد القدرة في الجماعة أكــثر فــأكثر، فــإن رئيسالجماعة

217

يكون أقوى عند الحرب ـ حيث لزوم السمع والطاعــة وصــرامة النظام الحربي ـ من الرئيس حال السلم، وكذلك سائر الفئات التي تمركزت فيها القدرة عند الحرب، وكــذلك عنــد أقســام االرتباطــات

األخر. ب: استفادة كل جماعة من الجماعة األخرى اآلداب والرســوم، حيث إنه لدى المقايسة بين الضوابط الموجودة عند هــؤالء وهــؤالء، ينتخب كل جانب األفضل من اآلداب والرسوم، وهذا هو سر عــدوى

صفات األمم إلى األمم األخرى. وقد ذكــروا في علم االجتمــاع أن التجــار والســواح والمحــاربين والعيــون ومن إليهم هم طالئــع تغيــير األمم، حيث إنهم يــرون آدابــاــون آداب ورسوما جديدة، فينقلونها إلى أمم أنفسهم، كما أنهم ينقل

ورسوم أمم أنفسهم إلى سائر األمم التي يحتكون بها.

))أسباب تمركز القدرة((ثم إن تمركز القدرة له سببان أساسيان:

( السبب الداخلى. 1( السبب الخارجي.2

من غير فــرق في كــون الجماعــة عائلــة، أو حزبــا، أو نقابــة، أوحكومة، أو غيرها.

ــابع من داخــل الجماعــة،1) ــداخلي هــو األمــر الن ( فالســبب ال الموجب لتمركز القدرة، كالعلم والدين والمال والســالح ومــا أشــبه ذلك، فالعالم في الجماعة قدرته أكثر من قدرة غيره، وذلــك لحس االحتياج إليه في الهداية واإلرشاد وفي رفع المشكالت الناشــئة عن الجهل، فإن الجهــل يوصــل اإلنســان إلى الطريــق المســدود، بينمــا العلم يهدي اإلنسان إلى الطرق السالكة التي تنتهي إلى المطلوب،ــرق بين علم الحــرب أو علم الطب أو علم الهندســة أو ــير ف من غ

سائر العلوم، ومن أقسام العلم العلم الديني.

218

الدين قسمانفالدين على قسمين:

ــه، أ( الدين الصحيح، أي الهادي لإلنسان إلى مصالح دنياه وآخرت ــا ــدنيا إذا كــان موجب ــادي إلى مصــالح ال ومن الواضــح أن العلم اله لتمركز القدرة يكون العلم الهادي إلى كلتا المصــلحتين أكــثر إيجابــا

لتمركز القدرة. والدين غريزة فطرية في اإلنســان وال يرتبــط بتحــول االقتصــاد كما زعمه ماركس وأتباعه، ولذا نجد الــدين يرافــق البشــر منــذ مــا حفظ التاريخ وإلى اآلن، وقوله )الدين البناء الفوقي لالقتصاد( يشبه قــول من يقــول إن الشــجاعة والجبن والــذكاء والغبــاء بنــاء فــوقي لالقتصاد، وقد ذكرنا في جملة من كتبنـا االعتقاديـة األدلـة الفطريـةوالعقلية للدين في مستويات مختلفة، أمثال: )كيــف عــرفت اللـه؟(

)القــول و،(3))العقائــد اإلســالمية( و،(2))هل تحب معرفة اللــه؟( و،(1)غيرها. و(4)السديد في شرح التجريد(

ب( الدين المزيف، وكمــا للنقــد صـحيح ومزيـف، وللمصــنوعات ــا صحيح ومزيف، وللمعجونات صحيح ومزيف، كــذلك للــدين، فأحيان يلبس الزيف لباس الــدين، ألن الالبس جاهــل، أو ألنــه دجــال، فقــدــيزعمون أنهم ــة، ف ــالكوارث الطبيعي ــاس ب ــل الن ــتغل بعض جه يس قادرون على رفعها بسبب االتصال باآللهة، وبذلك يستدرون القــدرةــيرا مــا يرافــق هــذا الزيــف ذكــاء ــة، وكث ــاس الجهل والمــال من الن المستغل فيعطي لزيفه مثال الواقــع، ممــا يســتدر قــدرة متمركــزة

من الجهلة

( طبع في بيروت مؤسسة الوفاء. ?)1( طبع في العراق مطبعة اآلداب. ?)2ودار الصادق. ( طبع في بيروت مؤسسة الوفاء?)3يران قم دار القرآن الحكيم. إوفي ( طبع في العراق مطبعة النعمان،?)4

219

كمــا ينقــل أن أحــدهم كــان راكبــا في الســفينة، ولمــا تالطمت األمواج وأشرفت الســفينة على الغــرق، قــال لجماعتــه: إنــه اتصــل باآللهة طالبا منها أن ال يغرقوا واتفق لهم السالمة، فقال له بعضهم وكان يعلم أنه مزيف: كيــف قلت ذلــك، قــال: إن الســفينة ال تخــرج من حالين، فإن غرقت لم يبق أحد يخــبر عن كــذبي، وإن لم تغــرق

استفدت من قوة اعتقاد الجماعة بي بهذا النبأ الغيبي. وكان آخر ينبئ عن المستقبل في جماعة جهلة، وأحيانــا يطــابق خبره الواقع، فلما سأله بعض أصدقائه عن مصدر علمــه، قــال: إني

الواقع،أخبر أخبارا إجمالية، واألخبار اإلجمالية تطابق أحيانا ــه ــتزوج، ولكــل محــارب أن ــاة تراجعــني: إنهــا ت مثال أقــول لكــل فت سينتصر، والبد في الفتيات من الزواج وللمحاربين من االنتصار، أماــة كالمي، من لم تتزوج ولم ينتصر فإذا استفسرني عن عدم مطابق أقول له: إنه فعل ما يــوجب ســوء حظــه، إلى غــير ذلــك من طــرق

الزيف. ــة ــدين في المــزيفين خليطــا مــع الســحر والكهان ــذا كــان ال ول والقيافة وما أشــبه، حيث إنهم كــانوا يســتمدون دينهم المزيــف من هذه األسباب، كما استمد ماركس طريقته من الغيبيــات حيث جعـلــال: إن ــذلك ق ــه، وك ــل يســتند إلي ــدون دلي ــابر أدوارا ب ــاريخ الغ الت الشـيوعية هي الصـيغة المسـتقبلية للبشـر، حيث إذا وصـل التـاريخ إليها يتجمد وإلى األبد، وكال الغيبيين ظهر زيفه كمــا حققــه العلمــاء، وقد ذكرنــا طرفــا من ذلــك في كتبنــا االقتصــادية، وفي كتب أخــرى

أمثال: )ماركس ينهزم( وغيره. ولذا فالماركســية تعــد دينــا مزيفــا، اســتمدت قــدرتها من جهــل الناس، فسردت لهم الغيبيات في ظالم، فلما ظهــر الزيــف اســتمد القائمون بها قدرتهم من السالح والسلطان، حالها حال كل دكتــاتور يأتي إلى الناس باسم تهيئــة مصــالحهم، فلمــا اســتولى على الحكم

جعل السالح حاكما.

220

المال والقدرة والمال أيضا من أسباب تمركزة القدرة، فالملكية الصحيحة هي التي تكون في قبال األشياء الخمسة، وهي توجب توزيع الثروة بين الجميع، وال يكون هناك محتــاج يضــطر إلى إتعــاب جســده وإعطــاء قدرته لألثرياء، كمــا ال يكــون هنــاك رأســمالي بــالمفهوم الغــربي أو الشرقي ـ فإن األول يجعل المال في أيــدي التجــار الكبــار كمــا في إمريكا، والثاني يجعل المال في يد الطبقــة الحاكمــة كمــا في البالد

الشيوعية ـ يكون محل تمركز القدرة. وبهذا ظهر أن الملكية الخاصة الصــحيحة، ال تــوجب إال تمركــزة القدرة بقدر االستحقاق، مثل العلم الذي يمركز القــدرة بقــدر تعب العالم، وإنما الملكية الخاصــة الموجبــة لتمركــز القــدرة االعتباطيــةــاء، هي سيطرة فئة أو فرد على المال سيطرة مطلقة تفعل ما تش والالزم أن ال ينخدع اإلنسان بالدعاية الشيوعية، حيث يذكرون أنه ال ملكية خصوصية في بالدها، فالقلة الحاكمة في تلك البالد أقدر علىــدرة ــابهم، من ق ــتي هي نتيجــة أتع ــاس ال ــوال الن التصــرف في أم

الرأسماليين في الغرب.

لقدرةالسالح وا والسالح هو اآلخر من أسباب تمركز القدرة، ولذا يعتمد الحكام

الديكتاتوريون عليه في ضرب الداخل وحرب الخارج. فهذه أمور داخلية توجب تمركــز القــدرة، ســواء كــان من بيــده

هذه األمور حصل عليها بالحق

221

أو بالباطل، سواء كان داخال في حزب سياسي أو نقابة صناعيةأو زراعية أو غير تلك، كما إذا كان فردا في أمة.

السبب الخارجى للقدرة ( أما السبب الخارجي لتمركز القــدرة، فهــو أمثــال الحــروب2)

والكــوارث» نحــو هيجــان البحــر والســيول والجفــاف ونحوهــا، فــإن التي تعيش في سالم، ال تحتــاج إلى الــرئيس المتمركــزالعائلة مثال

فيه القدرة، أما لدى محاربــة جماعــة لهم، أو جفــاف ميــاههم أو مــا أشبه، يحتاجون إلى رئيس يمركزون فيه قدراتهم، ألجل إزالــة تلــك المشكلة، إذ المشكالت ال تزال إال بقدرات كبيرة، والقــدرة الكبــيرة

إنما تكون وليدة تمركز القدرة. وقد تبين مما سبق أن تمركز القــدرة يالزم التخصــص، حيث إن القدرات المنتشرة في األفراد يتجمع كل نوع منها في فرد أو فئــة، مثال توزع في الجماعة السياســية الــتي هــدفها الوصــول إلى الحكم القدرات، ففئة لإلعالم، وأخــرى لالتصــال بــالمجتمع، وثالثــة للمــال، وهكــذا، وكــذلك القــدرة الدينيــة لــدى تشــكلها، فجماعــة للخطابــة، وأخرى للدراسة، وثالثة لبناء المؤسسات، فإن الــدين يســيطر على

الناس من ناحيتين:

))مقومات سيطرة الدين(( : ناحية الوالية الشرعية، حيث إن حق التصرف في الكون لله1

ولرســوله ولخلفائــه )عليهم الســالم( وألمنــائهم، بشــرط أن يكــون األمين مرضيا من قبل األكثريــة، فــإذا كــان هنــاك أمينــان واختــارت

األمة أحدهما، كان هو الولي.

222

قال عليه السالم: .(1)فإني قد جعلته عليكم حاكما.(2)أمرهم شورىقال سبحانه: و حذف المتعلــق يفيــد العمــوم، هــذا باالضــافة إلى قولــه )عليــهو

إياكم... أن تحاكموا إلى أحد من هــؤالء الفســاق، اجعلــواالسالم(: الحديث. (3)بينكم رجال قد عرف حاللنا وحرامنا

إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب )الحكم في اإلسالم(. : ناحية اإلدارة الدينية، فإن اإلدارة الدينية ببيان أحكام اإلسالم2

وفهم تطبيقها على الخارج ال يمكن إال للعالم الديني. والحاصــل: إن القــدرة تتمركــز عنــد جعــل الجماعــة الوظــائف االقتصادية والعسكرية والدينية وغيرها، لفرد أو لفئة منهم، ووصول

فرد أو جماعة إلى نوع من القدرة المتمركزة يحتاج إلى أمرين: أ( شرائط المجتمع الــذي يعيش فيــه، فــإن المجتمعــات تختلـف

في شرائط الوصول إلى القيادة، أي نوع من القيادة. مثال في المجتمــع اإلســالمي ال تشــترط الوطنيــة أو القوميــة أوــأطير اللون للوصول إلى المراتب الراقية في السلطة التشريعية )ت القــانون اإلســالمي(، أو الســلطة التنفيذيــة، فكــل من اكتملت فيــه شروط اإلسالم كان قــابال للحكم، كــان من أي قطعــة جغرافيــة من األرض، أو من أي قــــوم، أو من أي لــــون، أو لغــــة، بينمــــا في المجتمعات القومية أو الوطنية أو العنصرية أو ما أشــبه ال يصــل إال

من كان له تلك اللغة أو ذاك اللون إلى آخره. ــول ــام قب ــالفرد إلى مق ــدفع ب ــتي ت ــؤهالت النفســية ال ب( الم الجماهير له، إذ من الواضح أنه ليس كل فرد تــوفرت فيــه شــرائط

القومية أو غيره تقبله الجماهير

. 5من صفات القاضي ح 1 الباب4ص 18( الوسائل: ج?)1. 38 ى:( سورة الشور?)2. 4من صفات القاضي ح 1 الباب4ص 18( الوسائل: ج?)3

223

قائدا مرشدا.

))شروط اإلسالم في منح القدرة((واإلسالم ال يعطي القدرة إال لمن اجتمع فيه شرطان:

: شرط الكفاءة، فإن اإلسالم دين الكفاءات، وقولــه ســبحانه:1إن أكرمكم عند اللــه أتقــاكمإشــارة إلى الكفــاءة، فــالتقوى وهي

ــاءة ــان الكف ــة تعطي لإلنس ــة والدنيوي ــق الديني ــذر عن المزال التح الفائقة، التي ال تماثلها الكفاءات الدنيويــة الــتي تشــترطها القــوانينــة الموجــودة في المتقي دون الوضعية، وأقل الفرق الرقابة الداخلي غيره من أصحاب الكفاءات، ومن المعلوم أهميــة الرقابــة النفســية

في تسيير األمور على النحو األصلح. : شــرط أن تكــون القــدرة المعطــاة لــذي الكفايــة قــدرة2

مشروعة، آي بقدر الحق ابتداء واستمرارا، فإن القــدرة المتمركــزة ديكتاتوريا ال يعترف بها اإلسالم، فال تجمع القدرة في نظــر اإلســالم بالديكتاتورية، كما أن القدرة المتمركــزة بالعــدل تــزال إذا مارســتــدل الديكتاتورية، ولذا فتمركز القدرة في القادة إسالميا تمركز بالع

ابتداء وبقاء.

قدرة الحقة بقی شيء، وهو أن ذا القدرة المتمركزة، فردا كــان أو جماعــة،

ويســتمدون،يلتف حوله جماعة آخرون، يعطونه مزيــدا من القــدرة منه القــدرة، إذ أنهم يــرون نجاحــه نجــاحهم، وســقوطه ســقوطهم، فالتفافهم حوله يزيده قدرة، كما أنهم بقدرته المتمركزة يســتمدون منه القدرة، مثله ومثلهم مثل ماء البحر وقطرات األمطار، حيث إن البحر يستمد منها مزيدا من القدرة، بينما تلك القطرات تصبح ذات

224

قدرة كثيرة باستهالكها في البحر، وكذلك في قدرة الجيش فإن األفراد الذين ينضمون إلى الجيش يزيدونه قدرة، كما أنهم يتقــوون

به. وتصاعد القدرة باالنضمام هندسي ال عددي، فإن تفاحة وتفاحــةــثر من ــون أك أخرى ال تزيد على تفاحتين، أما قدرة وقدرة أخرى تك قــدرتين، ولــذا الجيش يقــدر على فتح المــدن، بينمــا ال توجــد هــذهــراد ــرد من أف ــرد ف ــل ف ــدة بســبب االنضــمام في ك ــدرة الجدي الق

الجيش. فالقــدرة كالبــذرة إذا زرعت، حيث إنهــا تنمــو وتعطي األغصــان واألوراد واألزهار والثمار، وعليه فالقدرة ذات نماء وأطوار، وليست

جامدة محدودة كسائر الجوامد.

225

القدرة أقسامــألة القـــدرة قـــد تكـــون بالســـلطة، وقـــد تكـــون(:20)مس

بالشخصــية، وقــد تكــون بالســندية، فــإن كلهــا قــدرات وإن اختلفتأسبابها:

: السلطة1 فالسلطة هي القدرة التي توجب خضوع الضعفاء أمام األقوياء،

والخضوع إنما يكون لرغبة أو لرهبة.ــون بالباطــل، ــد تك ــالحق، وق ــون ب ــد تك ــة ق ــة والرهب ثم الرغب فالــديكتاتور يكــون مرهــوب الجــانب، مرغوبــا فيمــا عنــده، وتكــون سلطته بالباطل، بينما الحاكم العـادل يرهبــه الفسـاق والمجرمـون،

ويرجوه الضعفاء والمحرومون وسلطته بالحق.وقد مر في مسألة سابقة موضوع الحق والباطل.

والسلطة قد تأتي بواسطة المال، وقد تــأتي بواســطة الســالح،وقد تأتي بواسطة السياسة والحكم، وإلى غير ذلك.

ثم قــد تكــون السـلطة حاصــلة بالتــدريج، كمن يجمــع السياســة قطــرة قطــرة، وقــد تــأتي فجئــة، كمن ينصــبه الســلطان أمــيرا، أو

يختاره الناس رئيسا. والقدرة لها مصادر، ولها مراكز، ولها موارد، فــإن كــانت الثالثــة

بالحق، كانت القدرة

226

في مجراهــا الصــحيح، وإال كــانت باطلــة، مثال قــد تكــون اآلراء مصدر السلطة، ويكون المركز الذي فيه اآلراء له الكفاءة والقابليــة والشرائط وتصرف السـلطة في إقامــة العـدل وإعطـاء كـل شــيء

حقه. كما أنه بالعكس قد ال تكون آراء، بـل قفـز إلى الحكم بواسـطة السالح، وقد تكون آراء لكن حصلها غير الكفوء بالتزوير، وقد يجتمع الشرطان لكن يصرفه ذو السلطة في ما ليس بموردهــا، وفي كــل

هذه الموارد يكون األمر باطال.

: الشخصية2 والشخصــية هي القــدرة الــتي تعطي لفــرد أو أمــة رفعــة على اآلخرين، سواء كانت من ناحية العلم أو المــال أو الســالح أو اإلدارة أو الصناعة أو الفن أو غيرهــا، فــالخطيب البــارع، والكــاتب القــدير، والعالم المتفوق علما، والفنان الماهر، والصناعي المتقدم، والبطل القــوي، واإلداري الحســن اإلدارة، وغــيرهم من أمثــالهم، لــه قــدرةالشخصية، ولذا يقال: فالن له وزن، فالن له ثقل، فالن له شخصية. وهذا يجري في األمم واألحــزاب والمنظمــات والجميعــات، كمــا يجرى في األفراد أيضا، والمحتفون حول مثــل هــذه القــدرة ينــالون منها عادة، كالذي في أمة قوية، أو ولد عالم عادل، أو زوجة خطيب

بارع، أو ما شاكل ذلك. ، وذلك ليس عطاء من(1)المرء يحفظ في ولدهوفي الحديث:

االجتماع اعتباطيا، بل هــو نــوع تشــجيع للفضــيلة، فــإن اإلنســان إذا عرف أنه تكون له الشخصية لنفسه ولذويه إذا حصــل على الكمــالــام من يعلم أن ــثر من اهتمـ ــيله أكـ ــه بتحصـ ــان اهتمامـ الفالني، كـ

شخصيته ال تتعداه إلى ذويه.

حديث فدك. 35( انظر دالئل اإلمامة: ص?)1227

واحترام الناس لمثل هذه القدرة، له عامالن: األول: التشجيع على الكمال.

الثاني: اســتفادتهم منهــا، فالعــالم يفيض علمــا، والفنــان يعطي الرفــاه، إلى غيرهمــا، وهــذا هــو ســر انجــذاب النــاس إلى ذوي

الشخصية.ــة ســرور ــه يعيش حال ــد ال يســتفيد بنفســه إال أن والمنجــذب ق وغبطة، كاإلنسان الذي ينزح إلى بلــد قــوي ليجــد الســرور النفســي

في كونه من أتباع تلك الدولة.

: السندية3 والسندية قسم ثالث من القدرة، قد يحصلها الفــرد أو الجماعــة أو األمة بسبب ما، مثال يقال: المحقق سند فقهي، والطريحي حجــة في اللغة، والكليني مطلــع على مــوازين الحــديث، وإلى غــير ذلــك،

والمقصود أنه إذا قال أو كتب أصغي إليه وأخذ قوله مدركا. وهــذه الســندية تعطي لإلنســان نــوع قــدرة، وإن لم تكن قــدرة السلطة وقدرة الشخصية، إذ بين هــذه األقســام الثالثــة عمــوم من وجــه، على االصــطالح المنطقي، وإنمــا نســميها قــدرة ألن مفهــوم

القدرة )وهو الخضوع للمقتدر( حاصل للسند. ثم قــد يكــون الســند فــردا، وقــد يكــون جماعــة، مثال الجريــدة الفالنية سند، والحال أن هيئــة تحريــر عشــرون إنســانا، وحيث إنهم سند فالمنتسب إليهم وهي الجريــدة أيضــا ســند، كمــا أن األمــة قــد تكون سندا مثال يقال أن هذا الكتاب صــدر من النجــف، أو فالن من أهالي كربالء، ومجرد ذلك يكفي في اعتماد الناس عليهمــا، بعــد أن

عرفوا القاطنين في البلدين بالعلم والنزاه والخبرة. والسندية ال تزول بــالموت، بــل تبقى إلى األبــد إذا مــات ســندا،

أمثال

228

ــانحراف ــزول ب ــا ال ت ــا أنه ــبههم، كم ــام ومن أش ــاء العظ العلم السلطة عنهم، بينما ال تكون السندية بالسلطة، فموســى بن جعفــر )عليهما السالم( في الســجن وتحت الكبت ســند، بينمــا هــارون في

قمة السلطة ليس سندا. نعم قد يسقط السند إذا سقط مستنده، مثال إذا فســق العــادل سقط عن صحة ســنديته في الشــهادة، وإذا ابتلي العــالم بالنســيان سقط سنديته في ما يقــول، وإذا خــان األمين ســقطت ســنديته في

ائتمان الناس عنده. ومن الواضح أن السندية إنما تكون إذا كانت واقعية ال بالتزوير، وإال كان الشخص غير سند واقعا، وإن زعم بعض النــاس أنــه ســند،

كالذي ليس بطبيب ويرى نفسه طبيبا.

كيف تدوم القدرة؟ثم إن كل األقسام الثالثة من القدرة، إنما تدوم بشرطين:

األول: أن تكون القدرة قد حصلت من مجاريهــا الطبيعيــة، فــإذا حصلت بالتزوير أو القفز أو الصدفة أو ما أشــبه ذلــك لم تــدم، كمــا أن العكس أيضا كذلك، فإذا خرج من له قــدرة حقيقيــة عن مجــرىــدم وســار إلى القدرة بالديكتاتورية أو التزوير أو ما أشبه ذلك، لم ي

االنعزال. ففي األول: لو وصل إنسان إلى السلطة صدفة، أو حصــلت لــه الشخصية بالتزوير، كما إذا زور شهادة دكتوراه لنفسه، والحــال أنــه لم يحصل عليها حقيقة، أو جعل نفسه سندا بالدعاية، فإنه ســرعان ما ينكشف زيفه، وتنفلت القدرة من يده، ولذا أجــاب اإلمــام )عليــه

، وفي(1)في تــرك الحيلةالســالم( لمن ســأله: مــا الحيلــة، بقولــه: المثل: )سريع النمو سريع الزوال(.

وقد أشار الشاعر إلى هذه

. 382 ص35( بحار األنوار: ج?)1229

الحقيقة بقوله: ومن أخذ البالد بغير حرب

يهون عليه تسليم البالد فالنمو يجب أن يكون طبيعيا.

وفي الثاني: البد أن يظهر الحق، وقد قالت الحكماء: )القسر ال يدوم(، إذ القسر باق ما دام القاسر، فــإذا زال القاســر ظهــر األمــر

على حقيقته. وفي قصص القــرآن الحكيم والتــاريخ الغــابر أمثلــة وعــبر، قــال

ونريد أن نمن على الذين استضــعفوا في األرض ونجعلهمسبحانه: أئمــة ونجعلهم الــوارثين * ونمكن لهم في األرض ونــري فرعــون

.(1)وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون فطالما ادعى فرعون ونمرود الربوبية، وطالما اضطهد موســى وإبراهيم )عليهما السالم(، لكن لم يدم الباطل في عرشه، ولم يبق الحق في مخبئه، بل ورث موسى )عليه الســالم( ملــك مصــر، كمــا دمر فرعون، وظهر ابراهيم )عليه الســالم( مســيطرا على التــاريخ،

بينما ذهب نمرود )إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم(. ــذي غصــب الســلطة أو ــدرة ال ــالالزم على صــاحب الق ــذا ف ولــه أن الشخصــية أو الســندية إن كــان أحب نفســه وأراد بقــاء قدرت يحــول الزيــف حقيقــه، فــإذا زور شــهادة الطب، درس الطب حــتى يســتحق الشــهادة، وإذا زيــف االنتخابــات فوصــل إلى الســلطة، أن

يهيئ آراء العام لنفسه بمختلف الوسائل والسبل الصحيحة. كما أنه في العكس الالزم لذي القدرة الحقيقية أن يظهر زيــف الغاصب بما يسقطه عن قدرته المغتصبة، لــيرجع الحــق إلى أهلــه، وفي الشــريعة اإلســالمية األمــر بـــالمعروف والنهي عن المنكــر،

وإحقاق الحق وإبطال الباطل واجبات، والزيف

. 6ـ 5: ( سورة القصص?)1230

مبغوض حتى في الدرهم، ولذا قــال اإلمــام )عليــه السـالم( في فــإن جــزاء الزيــف(1)اكســره وألقــه في البالوعةالنقــد المزيــف:

الكسر والتلويث. الثـاني: إدامـة مقومـات القـدرة، فمثال )السـلطة( الـتي جـاءت باالنتخابات المشـروعة، إنمــا حصـلت للسـلوك الحسـن، فـإذا تغـير ســلوك المنتخب، ســقطت ســلطته عن القلــوب أوال، وعن األبــدانــا، فــإن تمكنت الجمــاهير من إســقاطه أســقطوه، كمــا ســقط ثاني نكســون في فضــيحة ووتــرغيت، وإن لم يتمكنــوا من اإلســقاط لم

ينتخبوه مرة ثانية. وكــذلك حــال )الشخصــية( الحاصــلة من أســبابها، فــإن صــاحب

الشخصية إذا لم يدم األسباب سقطت شخصيته بما يذهب قدرته.ــا دام ــندا م ــند يبقى س ــندية(، فالس ــبة إلى )الس ــذا بالنس وهك يستمر في تحفظـه على مقومــات السـندية، فـإن زالت المقومــات السندية، مثال السياسي الفالني حجة في آرائه وتنبئاته المســتقبلية، التصاله الدائم بالعالم عن طريق وسائل اإلعالم، فإذا قطــع اتصــاله

بالعالم تدرج إلى ضعف آرائه وتنبئاته، إلى حين يسقط نهائيا. بل قسم من القدرة بقاؤهــا بحاجــة إلى تصــعيدها الــدائم، فمثال الطبيب المشــهور إنمــا يبقى كــذلك إذا أضــاف كــل علم جديــد إلى علمه، أما إذا جمد واقتنع بما تعلمه عند تخرجــه من المعهــد، تقــدم عليه غيره وانتزع منه الشــهرة، فتــأخر إلى الصــف الخلفي بعــد أن

كان في الصف األمامي. وكـذلك الدولــة القويــة ذات السـالح المتطـور، إذا جمـدت على سـالحها السـابق، تقــدمت عليهــا غيرهــا ممن اسـتمرت في تطـويرــدول، واآلن رجعت السالح، فبريطانيا قبل نصف قرن كانت أقوى ال في الصف الثــالث، بينمــا قفــزت غيرهــا إلى الصــف الثــاني واألول،

ــدهولذا قرر اإلسالم أن: من ساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان غ، أي مطرود من الخير. (2)شرا من أمسه فهو ملعون

ــر, فيــه: )3 بــاب الغش ح160 ص6( راجع الكافي: ج?)1 ى بن بك ــال،عن موســ ا: ق كنــده، فإذا دنانير مصبوبة بين يديهعليه السالمعند أبي الحسن فنظر إلى دينار فأخذه بيى ال يباع شيء فيه غش: ثم قال لي،ثم قطعه بنصفين (. ألقه في البالوعة حت

. 5من أبواب جهاد النفس ح 95 الباب 376ص 11 ج:( انظر الوسائل?)2231

وأخيرا: فاألقسام الثالثة )السلطة والشخصــية والســندية( تالزمبعضها بعضا خارجا غالبا، وإن كان بينها تفاوت مفهوما كما عرفت. ثم إن لكل من الفرد والمجتمع نوعا من القــدرة، وقــد تتعــارض القدرتان، ويقدم أقواهما، كما إذا أراد الفرد انتخاب رئيس أو نائب، وأرادت جماعتــه انتخــاب غــيره، فــإن قــدرة الفــرد قــد تطغى على الجماعـــة، وقـــد يكـــون العكس، وال يلـــزم طغيـــان قـــدرة الفـــرد الديكتاتورية، إذ قد يكون الطغيان من جهة حب الجماعة للفرد، بما

يوجب ترجيح رأيه على رأيهم.ــدرة ــذه الق ــدي يســتفيد من ه ــزعيم الهن ــدي ال ــان غان ــد ك وق )المحبوبية( في فرض آرائه على حزب المؤتمر، وكان الحــزب رغم

أنه يخالف رأى غاندي، يخضع له لطغيان محبوبيته عليهم. وهذه القدرة التي تكون للفرد أو الجماعة، قد تكون قــدرة غــير مقيدة بالحقوق، وقد تقيد بها، فإن القــدرة بــذاتها مطلقــة وحشــية، وإنما الروابط بين الفــرد في ضــمن الجماعــة، وبين الفــرد بالنســبة إلى سائر أفراد المجتمع هي التي تقيد القدرة وتحــددها، مثال الفــرد له قدرة إبداء آرائه، لكن ربطه بالجماعة يحدد ذلـك، حيث إن إبــداء رأيه يوجب ضرر الجماعة، وكذلك فقد تكون الجماعــة ذات القــدرةــداء على إبداء رأيها، تتقيد برابطتها بالرئيس أو نحوه، فتكــف عن إب

رأيها، ألن اإلبداء يضر ذلك الفرد. وهذه الروابط التي توجد بين الفرد وبين جماعتــه، أو بينــه وبين سائر أفراد المجتمع، تســمى بــالحقوق، ومن هنــا يتــبين الفــرق بين )الشخص الطبيعي( و)الشخص الحقوقي(، فاألول هــو الفــرد بــدون

مالحظة روابطه، والثاني هو الفرد مع مالحظة روابطه. ــا شخصــية ــة، كمــا أن له ــا شخصــية طبيعي والجماعــة أيضــا له

حقوقية.ومن

232

آثار ذلك، أن الفرد في ضمن الجماعة كل التزاماته تحت غطـاء الجماعة، ال ترتبط به، وإنما ترتبط بمن له هــذا المقــام، فــإذا تبــدل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو غيرهما، وحتى في الجماعات الصغيرة، ال يكون لهذا الفرد بعد خروجه عن ذلك المنصــب، أي من تلك االلتزامات، بل كان الملتزم بها الفــرد الجديــد الــذي خلفــه في مقامه، وكذلك إذا تبدل كل أعضاء الجماعة، كانت األفــراد الجديــدة التي تشكل الجماعة مكان الجماعة األولى، لهــا كــل تلــك الحقــوق،

كما أن عليها كل واجبات الجماعة األولى. فإن الفرد في ضــمن الجماعــة، أو بالنســبة إلى ســائر األفــراد،ــائر ــراد، أو س ــائر األف ــا، أو س ــال أفراده ــة في قب ــذلك الجماع وك الجماعات، له ولها حقوق وواجبات، والحــق أخــذ والــواجب إعطــاء، فإذا تعادال كان الفــرد أو الجماعــة في حالــة جمــود وركــود، أمــا إذا كـانت الحقـوق أكــثر كــان الفـرد أو الجماعــة في حالــة تــأخر، كمنــأن كــانت ــالعكس ب يســتهلك أكــثر ممــا يحصــل، وإذا كــان األمــر ب الواجبات أكثر، كان الفرد أو الجماعة في حالة تقــدم، كمن يحصــل

أكثر مما يستهلك.

))التكامل والتطور((ثم إن للحقوق والواجبات تكامال وتطورا:

أمــا التكامــل، فهــو أن اإلنســان في مســيره التــاريخي يكشــف حاجات جديدة، هي بحاجة إلى ضوابط جديدة، وهــذه الضــوابط هيــا، حيث الروابط، ولذا كلما سارت األمة أو الجماعة ازدادت روابطه تكشــف لهم األيــام حاجــات جديــدة هي بحاجــة إلى جعــل ضــوابط

جديدة. وال فرق في ذلك بين أن يكون الســائد على الجماعــة الــدين أو القانون، ففي األول يطبقون الحاجة الجديدة على الكليات الدينيــة،ــه وفي الثاني يضعون قوانين جديدة، إن لم يكن قانون يمكن تطبيق

أمــا الحــوادثعلى الواقعــة الجديــدة، ولــذا قــال )عليــه الســالم(: راوي الحديث فإن ،(1)الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا

. 9ح من صفات القاضي 11 الباب 101ص 18( الوسائل: ج?)1233

يعرف كيف يطبق الكلي على الواقعة الجديدة، وقد قال اإلمــام.(1)علينا األصول وعليكم الفروعالرضا )عليه السالم(:

ــا فيو قد قرر في محله أن اإلسالم ذكر كل حاجات البشــر، إم صور الجزئيات أو في صور القوانين الكليــة، راجــع )هكــذا اإلســالم(

و)األصول األصلية للبشر(. وأما التطور، فألن الجماعة تواجه ظروفا مختلفة، كل ظرف له حقوق خاصة، وبتطور الظروف تتطور الحقوق، فمثال ظرف الحربــاس في في الحقوق والواجبات غير ظرف السلم، وظرف تكاثر الن المدينـــة غـــير ظـــرف قتلهم، حيث إن تقســيم المدينــة في حــال االنتخابات تختلف في باب السياســة،كمــا أنهــا تختلــف بالنســبة إلى المجتمــع، حيث صــعوبة المــرور في حــال الكــثرة ممــا يحتــاج إلى

قوانين جديدة، وكذلك في حال تطور االقتصاد، وإلى غير ذلك. ثم إن مجموعة الحقوق الــتي توضــع من جهــة الروابــط، ســواء لالمة أو للجماعة، تسمى بالضوابط، مثل ضوابط اإلدارات وضوابط الجيش وضوابط المــدارس وضــوابط المقاومــة الشــعبية وضــوابط

الحزب أو المنظمة أو الجمعية، وهكذا. وهذه الضوابط قسم منهــا مقدمــة على األمــة والجماعــة، حيث

سبق أن وضعت، وقسم منها تضعها نفس األمة والجماعة. وهكذا تسير الضوابط على طول التاريخ كنهر جار، يتسع ويكــثر

ماؤه بروافد العيون التي تنصب فيه على طول الطريق.

. 52من صفات القاضي ح 6 الباب 41ص 18( انظر: الوسائل: ج?)1234

القدرة تجاه السياسة علم مهمة القدرة حقيقة واحــدة حالهــا في المجتمــع حــال(:21)مسألة

ــار وفي الطاقـــة في الكـــون، فكمـــا أن القـــدرة في أمـــواج البحـــك هي واحــدة، ــير ذل ــار وفي غ العواصــف وفي الشــالالت وفي الن تعطي تارة البناء وأخرى الهدم، كذلك القــدرة في المجتمــع، ســواء

كانت في السالح أو الثروة أو العلم أو الدين أو الدعاية. وكما أن النــار إن قيــدت بقيودهــا أعطت طبخ الطعــام أو صــهر الحديد المفيد لإلنسان وغير ذلك، وإن أطلق ســراحها قتلت، كــذلك الثروة مثال إن زمت بزمام الصالح كانت مفيدة ومنعشــة للمجتمــع، بينمــا إن أطلــق كــونت الرأســمالية الــتي تضــر الرأســمالي، وتضــر

الطبقة الكادحة. وكذلك العلم إن صرف في الصــالح نفــع، وإن صــرف في صــنع القنابل الذرية وما أشبه من أجل الفتك والتــدمير ضــر، وقــد قــالتــوهر جملة من الفالسفة القدماء: إن الماء والنار والتراب والهواء ج

واحد، تتبدل صورها بهذه األمور األربعة. وهنا يمكن أن يأتي هذا الكالم في القــدرة، فهي حقيقــة واحــدة تظهر في مظاهرها المختلفة، ولذا يتمكن اإلنسان أن يبــدل بعضــها ببعض، فالمال يجعله سالحا، أو دعايــة، والســالح يبدلــه إلى المــال،

والدعاية يبدلها إلى المال، وهكذا.

235

ولوال الروح الواحدة السائدة في الجميع لم يكن إمكان التبديل، وهكذا يقال في عالم االقتصاد، فلوال أن الدهن والصــوف يشــتمالنعلى روح واحدة اقتصادية، لم يبدل الرجل الريفي أحدهما باآلخر.

ــروح العامــة في نعم هناك خطأ وقع فيه بعض، حيث زعم أن ال أنواع القدرة المتعددة الروح العســكرية، وزعم آخــر أنهــا االقتصــاد، وزعم ثالث أنها الدعاية، ووجــه الخطــأ في ذلــك أنــه ال وجــه لجعــل أحدها أصال والبقيــة أشــكاال، بــل الجميــع أشــكال، والــروح الســائدة

تختفي، فإن الشيء المشكل ال يمكن أن يكون جوهرا. ــاقي المقــوالت ــف وب ــالوا في الفلســفة: إن الكم والكي وقــد ق التسع ال يمكن أن تكون جـواهر، وإال لم يتحــول الجـوهر من أحـدها إلى اآلخر، فالمربع ال يمكن أن يكون مثلثا وهكذا، وعليه فالشمع ال شكل له بنفسه إطالقا، وإنما يتبــادل عليــه األشــكال، وإن لم يمكن

رؤية الشمع خاليا عن شكل. ــة، ــروع السياس ــو من ف ــذي ه ــاعي وال ــة العلم االجتم ووظيف

اكتشاف طاقة القدرة، وقوانين القدرة، سواء في: ( أسبابها. 1( أو مسبباتها. 2( أو أسباب تحولها من شكل إلى شكل. 3

وعلى هــذا فــإذا عــرفت القــدرة بمــا هي نتمكن من أن نعــرف قوانينها، وإذا عرفت قوانينها أمكن ترويضــها بمــا يــوجب اســتعمالها في الصالح، والوقوف دون استعمالها في الفساد، فنقف دون هــدر

القدرة، كما نقف دون طغيان القدرة،

236

ســواء في علم السياســة حــتى ال تظهــر الــديكتاتوريات، أو فيــماليات ــر الرأس ــتى ال تظه ــاد ح ــا من(1)علم االقتص ، أو في غيرهم

أشكال القدرة، حال القــدرة في المجتمــع حــال النــار في الطبيعــة،ــف ــار، وكي ــف يســتخرجها من الزن ــرف كي ــإن اإلنســان إذا لم يع ف

يحوطها باالحتياجات، إما لم ينتفع بها، وإما أحرقته، إلى غير ذلك. ــا، واســتقرأنا ــا في مزاياه ــدرة، ودققن ــواع الق ــا أن وكلمــا عرفن خصوصياتها، نكتشف قوانينها أكثر فأكثر، ولذا يقول )راســل(: يجب إلقاء النظرة الفاحصة إلى أشكال القدرة الرئيســية، أمثــال القــدرة الكهنوتية، والقــدرة الملكيــة، والقــدرة الغاشــمة، والقــدرة الثوريــة، والقدرة االقتصادية، والقدرة على التــأثير في الــرأي وغيرهــا، حــتى نتمكن من ترويضــها، وذلــك بعــد أن نعــرف أن القــدرة في الجميــع

شيء واحد وهي تحقيق النتائج المطلوبة. وإذا كان للقــدرة جــوهر واحــد ولهــا أشــكال، فكــل فئــة تتطلب القدرة في شــكلها المطلــوب لهــا، فاإلنســان السياســي ينــدفع في طلب هذه القدرة في شــكلها المــوجب بقبــول النــاس أمــره ونهيــه ونفــوذه فيهم وإطــاعتهم لــه، بينمــا اإلنســان االقتصــادي ينــدفع فيــورة طلب هــذه القــدرة )الجــوهر( في شــكلها المــوجب لجمــع الث والوصول إلى نتائج الثروة من الشخصية الخاصة، إلى غير ذلك من

أشكال القدرات. وليس معنى ذلــك أن اإلنســان يحصــل على شــكل من أشــكال القدرة فقط بحيث يمكن عزلــه عن ســائر األشــكال، بــل معنــاه أنــانت ــك، وإن كـ ــكل دون ذلـ ــذا الشـ ــذات هـ ــه أوال وبالـ المهم لديـــدم ــا تق األشــكاالت متشــابكة ال يمكن عــزل بعضــها من بعض، كمالكالم في مثل ذلك في القدرة السلطوية، والشخصية، والسندية.

( أي الباطلة منها. ?)1237

ويظهر من النصوص اإلسالمية أن القــدرة واحــدة في جوهرهــا، حيث إن كونه سبحانه قــديرا، يفســر بالقــدرة على الخلــق والــرزق واإلعطاء والمنع واإلحياء واإلماته وغيرها، كمـا أن اكتشـاف أســباب

ــل: ــل في مث ــدرة داخ ــل انظــرواالق ســخرو ،(2)ســيرواو ،(1)ق.(3)لكم

ــه، أما ترويض القدرة في النظر اإلسالمي فقد سبق الكالم حولفي مسألة سابقة.

األمور التي هي محور علم السياسة وإذ قد عرفت أن السياسة هي عبــارة عن أعمــال القــدرة، وأن القدرة حقيقة واحدة لها مظاهر، وأن بعض أقســام أعمــال القــدرةــه في علم ــا يجب أن يبحث عن ــأهم م ــد، ف ــه مفس ــلح، وبعض مص

السياسة أمور ثالثة: األول: ما هو نوع السياسة الذي يجب أن يســود المجتمــع حــتى يوفر أكبر قدر من الخير ألكبر كميــة من أفــراد المجتمــع، وإنمــا لم نقل كل أفراد المجتمع ألن الغــالب ـــ إن لم يكن الــدائم ـــ تضــارب مصالح المجتمع حقيقة، وال أقــل من زعم التضــارب عنــد جماعــات

من الناس، فال يمكن أن يعم الخير في المفهوم العرفي الجميع. مثال في الحال الحاضر، النظام الرأسمالي تتضارب فيه مصلحة كبار األثرياء مع مصلحة الطبقة العاملة، والنظام الشيوعي تتضارب

فيه مصلحة الطبقة

. 101 :( سورة يونس?)1. 11 :نعامأ( سورة ال?)2. 65 :( سورة الحج?)3

238

الحاكمة )المالكة للـثروة والقــدرة( مـع مصـلحة بقيــة الشـعب، والنظــام الــديمقراطي تتضــارب فيــه مصــلحة األحــزاب بعضــها مــع بعض، إذ كــل يريــد تنفيــذ برنامجــه والوصــول إلى الحكم، والنظــام الديكتاتوري تتضارب فيه مصلحة الديكتاتور ومصــلحة الشــعب، إلى

غير ذلك. ــاني: مــا هي الوســائل الــتي تصــطنعها الدولــة لتنفيــذ هــذه الثــو السياسة، إذ قد تختلف الوسائل مع وحدة الهدف، فمثال الهدف ه كبت العدو، فهل الوسيلة إلى ذلك السلم والحــرب، أو في مــا نحن فيــه الهــدف مشــاركة أكــثر األمــة في صــنع القــرارات، أي حكومــة الناس على الناس للناس، لكن هــل الوســيلة إلى ذلــك كــون األمــةــون رئيس تنتخب رئيس الجمهورية مباشرة، أو أن نواب األمة ينتخب الجمهورية، إلى غير ذلك من أمثلة تتعدد الوسائل مع وحدة الهدف. الثالث: ما هو نوع التــأثير الــذي يمكن أن يكــون لنــا في اختيــار هذه السياسة واختيار هذه الوسائل، إذ كمــا أن علال متعــددة تعطي أثرا واحدا كذلك تكون حال الواسطة مع األثر النهائي الــذي يتوخــاه

بــل المهم نتيجــة إذ ليس المهم غالبــا الســبب والمســبب، اإلنسان، إذا فالبحث السياســي قــرار وكيفيــة تنفيــذ ونتــائج تــترتب المسبب،

ولـــذا يجب أن يبحث على القـــرار، وكال من الثالثـــة لهـــا أشـــكال، السياسي عن ما هو القرار المالئم، وعن ما هو التنفيذ المالئم لهــذا

القرار، وعن ما هو األثر الذي يتوخاه من هذا القرار.

239

السياسية المؤسسات األمة هي التي توجد السياسة، والسياســة تكــبر(:22 )مسألة

وكلما كبرت السياسة كبرت المؤسســات بمرور الزمان كما وكيفا، المرتبطــة بهــا، ســواء المؤسســات السياســية أو االقتصــادية أو

االجتماعية أو اإلدارية أو غيرها. واإلدارة السياســية للدولــة أكــبر اإلدارات السياســية في البالد، مثل دوائر األحزاب والمنظمات والجمعيــات السياســية، فإنهــا كلهــاــغيرة، وبين اإلدارة ــة إدارات صـ ــية للدولـ في جنب اإلدارة السياسـ السياسية للدولة وتلك االدارات تجاذب وتدافع، فحيث إن كال منهما يستفيد من اآلخر ويستند إليه يكــون بينهــا تجــاذب، أمــا حيث إن كال

منها يريد التوسع على حساب اآلخر يكون بينهما تدافع. ــزة، ثم إن اإلدارة السياسية للدولة أكمل اإلدارات، وأكثرها أجه وأشــدها تعقيــدا، فــإن اإلمكانيــات المتــوفرة للدولــة تــوجب تكميــلــا تشــكو من اإلدارة السياسية، بينما الدوائر السياسية الصغيرة غالب نقص في العنصــر البشــري، ومن نقص في العنصــر المــادي، بينمــا الدولة ال تشكو أي النقصين، نعم في الــدول الديكتاتوريــة نقص في العنصر البشري للدولة، حيث إنها ال تقــدر على جــذب ذوي الخــبرة

والحصافة.

240

وحيث كثرت أعمال الدولة يجب تكثير األجهرة لتكــون األجهــزة كما أن الكثرة المرتبطــة تــوجب التعقيــد، كافية للحاجات المتكثرة،

حيث إنه كلما كثر االرتباط كثر التعقيد، وقد تقدم أن االثــنين بينهمــا فــإذا صــار العــدد عالقتان، فإذا صار العدد ثالثة كانت العالقــة ســتة،

ــة أربعة صارت العالقة اثنتي عشرة وهكذا، ولذا تجعل الدول الحديثإدارة للتنسيق بين دوائرها المختلفة.

وفي هذا اإلطار المكمل المعقد الكبير، يجرب السياســي حظــه في القــرارات والحلـول والتــأثير، إذ كلمــا اتســع األمــر أكـثر وتعقــدــا وكثرت أجهزته يكون القرار أخطر، وحل المشكلة أصعب، وكالهم بحاجة إلى شدة االنتباه، مع كثرة العلم وطول التجربة، فكلما كــان الطريق أطــول وأكــثر شــوكا، يكــون المســير فيــه بســالم إلى آخــر الطريق أخطر وأصــعب، خصوصــا إذا كــانت حريــة الصــحافة وكــان

حزب منافس يتربص بأخطاء السياسي. ذ كــل خطــأ صــغير خليــق بإســقاط السياســي عن عليائــه إلىإ

ــع أسفل سافلين، كما يشاهد في فضائح الحكام في البالد التي تتمتبشيء من الحريات.

والغالب أن القرار في الدول ال يكون إال بأكثريــة آراء الساســة، فال موضع ـ في غير الدول الديكتاتورية ـ للقرارات الفرديــة، وحــتى الذين يأخذون القرار فرديا يجــبرون أصــدقاءهم على اإلمضــاء على

القرار، أو يعلنون في أجهزة اإلعالم أن القرار باألكثرية. والقرار الصحيح هو الذي يعالج موضــوعا طبيعيــا بأحســن عالج، فقد ال يحتاج األمــر إلى قــرار، وقــد يحتــاج إليــه، فوضـع القــرار في

األول كعدم وضعه في الثاني كالهما غير مالئم للواقع. كما أنه في صورة وضــع القــرار حيث االحتيــاج إليــه، قــد يكــون

وقد يكون أكثر، وقد يكون مساويا، وقــد يكــون أفضــل، القرار أقل،ولنفرض الواقع

241

طيرا، فهــو قــد ال يحتــاج إلى الحب، وقــد يحتــاج، فإعطــاؤه فياألول كعدم إعطائه في الثاني كالهما غير صحيح.

وإذا احتاج فقد نعطيه أقل من حاجتــه، وقــد نعطيــه أكــثر، وقــد نعطيه بالقدر الالزم كما، لكن ليس أحســن حب نوعــا، وقــد نعطيــه أحســن الحب نوعــا، ومن الواضــح أن خمســة من األقســام الســتة

ليس على ما ينبغي. مثال في األمور االجتماعية، الرابط الجنسي أمــر طــبيعي، وهــذا األمر الطبيعي يحتاج إلى قــرار وضــع اآلداب والرســوم والضــوابط، فعدم الوضع كوضع األقل مما يتطلب أو أكثر منــه أو غــير األحســن

كله خروج عن استقامة القرار.ــق ونحن في هذا الكتاب إنما نقصد القرارات السياسية، ال مطل القــرارات في األمــور االقتصــادية أو االجتماعيــة أو نحوهمــا، وإنمــا

ــا الــزواج من بــاب المثــال، ففي عــالم السياســة مثال توســيع ذكرن فعــدم تقريــر الدولــة ذلــك أو تقريــره العاصمة أمر يتطلبــه الواقــع،

مثل توســيعه من بأكثر أو أقل مما يتطلب أو توسيعه بما ال ينبغي ـ كــل طرف واحد مثال بينما الذي ينبغي توسيعه من كــل الجــوانب ـــ

ذلك خبال في القرار السياسي. ــير، ال يمكن اســتقامتها ثم إن األمة وهي المجتمع اإلنساني الكب

ــدرة السياســية المتشــكلة، ــدون الق ــدون ب ــا ال يمكن صــحتها ب كمــر ــة. واألم ــة في األم ــية الكامن ــدرة السياس ــحيح للق ــكل الص التش

حيث إن القدرة السياسية المتشكلة ال يعقل وجودها بالعكس أيضا، فـاالمران متالزمـان اسـتقامة، وإن كـان الثـاني بدون وجـود األمـة،

بينما األول يعقل بدون الثاني. بدون األول ال يعقل،نعم يصبح األمر حينئذ فوضى ويكون كما قال الشاعر:

سراة لهم ال يصبح الناس فوضى السراة إذا جهالهم سادوا وال

242

التفاعل بين األمة والمؤسسات السياسية األمة والقدرة السياسية المتشكلة تتفاعل إحداهما مع األخــرى،

ــكلة، ــة المتش ــنع السياس ــتي تص ــة هي ال ــة فاألم ــا أن السياس كم ال في سياســتها المتشكلة هي الــتي تقــرر مصــير األمــة ومســيرها،

فحسب بــل في كــل الحقــول االجتماعيــة واالقتصــادية والعســكريةوالثقافية وغيرها.

وكذلك حال األمة والفــرد، فــإن األمــة وإن تكــونت من األفــراد، لكن لألمة واقعيــة غــير واقعيــة كــل فــرد، كمــا أن للغابــة والمدينــة والبحر واقعيــة غــير واقعيــة الشــجرة والــدار والقطــرة، وإن كــانت

والســر في ذلــك الثالثة األول مكونة من وحدات من الثالثة الثانيــة. والغابة لها صورة باإلضافة إلى كــل شــجرة أن الصورة غير المادة،

وكذلك في المدينة والبحر واألمة. شجرة، وكما تتفاعل المادة والصــورة إحــداهما مــع األخــرى، فالصــورة تتقوم بالمادة، والمادة ال تكــون خارجيــة إال بالصــورة، كــذلك الفــرد

فالمجتمع يحمل الفــرد قراراتــه، كمــا أن واألمة في عالم السياسة، وبالنتيجــة فــالفرد الفرد بانضمامه إلى غيره يحمل المجتمع إرادتــه،

فاعل ومنفعل، وأقصى امنية السياسة أن تصل إلى هذه الحالة بأن يكون كل فرد فاعال للسياسة، ومنفعال بها، إذ الغالب أن األمة محل تنفيذ قرارات األقلية، ســواء األقليــة الــتي قفــزت إلى الحكم بــدون رضاها، أو األقلية الــتي اختارتهــا نفس األمــة، لكن وقعت األمــة في

شباكها، حيث إن قراراتها ليست في صالح األمة مائة في مائة. وقد تقدم في مسألة سابقة، لزوم الوصول إلى طــرق تــرويض

على األمة، وقد ذكرناها هنــاك أن ذلــك ال القدرة بما تكون لألمة، اليمكن إال في اإلسالم الصحيح وحده.

243

وما تقدم من أن للفرد شخصية عادية وشخصية حقوقية، يجريــة، ــع الغض عن في األم ــة م ــة هي ذات األم ــة شخصــية عادي فلألم

القرارات الشاملة لهــا، وشخصــية حقوقيــة هي األمــة مــع مالحظــةالقرارات المحملة عليها.

كـذلك يمكن وكما أن قـرارات األمـة تـؤثر على كـل فـرد فـرد،ــاألحزاب ــات الصــغيرة ك ــا أو في ضــمن المجتمع ــ انفرادي ــرد ـ للف

وهــذا مــا أشــرنا إليــه من والمنظمــات ـــ أن يــؤثر على القــرارات،التفاعل بين األمة والفرد.

وأخــيرا تــؤثر القــرارات على األفــراد، ســواء كــانوا داخلين فيــات، ــؤثر في الجماع ــة ت ــرارات الدول ــا أن ق ــا أو ال، كم ــة م جماع

وقرارات الجماعات تؤثر على الدولة، وتؤثر بعضها على بعض.

244

السياسية المؤسسات أكبر الدولةــية، وهي من أكـــبر(:23 )مســألة الدولـــة مؤسســـة سياسـ

أمثــال األحــزاب المؤسســات السياســية الــتي تعمــل داخــل البالد،والمنظمات السياسية وما إلى ذلك.

وهي المؤسسة السياسية التي تعمل داخل البالد وخارجها بكــل بينما ســائر المؤسســات ال مســرح لهــا خــارج البالد إال بقــدر حرية،

ومسرح سائر المؤسســات في الــداخل جزئي وتحت أغطية أخرى،هو القدر الذي تسمح المؤسسة الكبرى الدولة بمزاولة أعمالها.

ــبرى من ــ ــة الك ــ ــه إلى المؤسس ــ ــغوط تتوج ــ ــحيح أن الض ــ ص إذ لكــل حــزب ومنظمــة وجماعــة سياســية المؤسســات الصــغيرة،

ضــغط على الدولــة تــوجب أحيانــا منــع الدولــة عن المســيرة الــتيــدها، ــغط ال تري ــاب الض ــك من ب ــع إال أن ذل ــرار ووض ــاب الق من ب

الضوابط، أمــا الــذي يتمكن من وضــع القــرار والضــابطة فإنمــا هــوالدولة وحدها.

ومثل ذلك الكالم في مزاولة المؤسسات الصغرى أعمالهــا في حيث إنهــا قــد تشــتري الصــحف وتتســتر بــاألحزاب خــارج الدولــة،

إال أنهــا ال شــرعية لهــا وإنمــا تتســتر المجازة هناك وإلى غــير ذلــك،ــة، ــل بالشــرعية المحلي ــة في العم ــا شــرعية ذاتي ــة له ــا الدول بينم

السياســي خــارج بلــدها، بواســطة الســفارة في حــدود فســح تلــكالدولة األجنبية للعمل في بلدها.

245

))مقومات معرفة الدولة(( أي ثم إذا أردنا معرفة المؤسسة السياســية الكــبرى في البلــد،

الدولة، كان الالزم معرفة أمرين: ألن الدولــة معرفة المؤسسات التي تحتوي الدولة عليها،:األول

ليست إال تلك المؤسسات، فكما أن معرفــة جســم اإلنســان عبــارة كـذلك معرفـة الدولـة ليسـت إال عبـارة عن عن معرفة أجزاء بدنه،

معرفة المؤسسات. نعم ال تكفي معرفــة المؤسســات بــانفراد كــل منهــا، بــل الالزم معرفة المجموع من حيث هــو مجمــوع أيضــا، كمــا تقــدم في مثــال

الغابة وكل شجرة شجرة. الثاني: معرفة الواقع السياسي لكل دولة، إذ المؤسســات إنمــا توضع بإزاء واقع يتطلبها، والواقع السياســي إنمــا يعــرف إذا عــرف اإلنسان تاريخ األمة واعتقاداتها وتقاليدها، والضوابط الحقوقية التي تجري في الدولة، والتي بحسبها يكون األخــذ والعطــاء، وتكــون هي

ولواجب كل فرد وجماعة. اإلطار لحق كل فرد وجماعة، بل يظهر من بعض علماء السياسة، وجوب معرفة شــيء ثــالث

ــارد أو لمعرفــة الدولــة، وهي معرفــة األرض والمنــاخ، وطقســه الب مع نوعية التربة وموقع البلد وحجم الســكان ومــا الحار أو المعتدل،

ــذا ــل ه أشبه ذلك، حيث إن القوانين ال توضع إال للذي يعيش في مثــزم أن الجو، فإذا لم يعرف الجو لم يعرف ما يلزم أن يوضع، وما يل

ال يوضع. مثال السياسي الناجح هو الذي يعطي الرفاه للمجتمــع، والرفــاه له شعب، منهــا تهيئــة المــرور المــريح، وتهيئــة الراحــة في مختلــف

ومن الواضح أن المرور يتأثر بكثافــة الســكان وقلتــه، كمــا األزمان، أن من الواضــح أن المكــان المــريح ـــ في المــدارس والمؤسســاتــاخ حــارا أو والمستشفيات وما إلى ذلك ـ يختلف من جهة كون المن

حيث إن األول بحاجة إلى وسائل التبريد، والثاني باردا أو معتدال،

246

ــا، إلى إلى وسائل التدفئة، بينما الثالث ال يحتاج إلى شيء منهمغير ذلك من األمثلة لسائر ما ذكر للسياسي.

الشخصية الحقوقية للدولةــان مســتمر، كــانت وســتكون ما ــارة عن جري ــة عب ثم إن الدول

أما األفراد الــذين يتقــدمون في صــف الدولــة دامت األمة موجودة، من رئيس ومدير ووزير وسفير، فإنمــا هم أفــراد وقــتيون لهم مــدةــل: ــذا جــاء في المث ــور ثم يختفــون، ول محــدودة، يظهــرون في الن

)الكراسي عواري(. وهـــؤالء األفـــراد لهم صـــفتهم الشخصـــية قبـــل وصـــولهم إلى مؤسسات الحكم، فإذا وصـلوا إليهــا كـانت لهم شخصـية ثانيـة، هي شخصية الدولة، وما يسمى بالشخصية الحقوقية، وهــذه الشخصــية

حيث إنها جزء من شخصية الدولة تكون باقية ببقاء الدولة.والشخص الواصل إلى مؤسسات الدولة يعامل معاملتين:

1 ( معاملة فردية، مثل أن يشتري لنفسه طعاما، أو يقتل إنسانا خطــأ أو مــا أشــبه، وعلى عملــه هــذا تــترتب القــوانين الشخصــية، فسواء كــان في الحكم أو لم يكن كــانت لمعامالتــه الشخصــية آثــار خاصة، فهو ملــزم ببيعــه وقتلــه، كمــا يلــزم بهــا ســائر من ليس في

الحكم. ( ومعاملــة بشخصــيته الدوليــة، حيث إن إمضــاءاته ومعامالتــه2

وغيرهما كلها ليست من جهــة أنــه فــرد، بــل من جهــة ألجل الدولة، الشخصية الحقوقية، التي حصلها بواســطة الكرســي، ولــذا لم تكن لــه هــذه الصــالحية قبــل وصــوله إلى الحكم، كمــا أنــه إذا تنحى عنــأتي بعــده، الحكم لم يكن مسؤوال عما فعله، وإنما المســؤول من ي

فإذا اشترى رئيس الدولة ألف طن من القمح، كانت الدولة

247

ذا تنحى عن الحكم كـان الـرئيس الـذيإفـ ،مسئولة عن الوفـاء عن ذلك ال الرئيس المنحى. والؤ بعدد مسييأت

رأي الدين في الشخصية الحقوقيةــدل وال بأس في المقام باإلشارة إلى موضوع تاريخي إسالمي ي على أن اإلسالم مقر بالشخصــية الحقوقيــة، وهــو أن النــبي )صــلى الله عليه وآله( لما أراد الوصية طلب من عمه العبــاس ذلــك، لكنــه لم يقبل ألنــه ال يقــدر على ديونــه، وطلب من علي )عليــه الســالم(

.(1)أنت تقضي دينيفقبل، فقال )صلى الله عليه وآله( له: وقد قرأ بعض العلماء الدال مكســورا، كمــا في شــرح التجريــد، فــالمراد أن مــا لم أقلــه من الــدين أنت تقولــه، وال ينــافي ذلــك أن النبي )صلى الله عليه وآله( أكمــل، حيث إن اإلكمــال بمــا في ذلــك الوصي، فكل ما يحتاج إليه الناس قاله )صلى الله عليه وآله( حــتى ال يبقى الناس بدون مرشد في أحكــامهم، ســواء كــان المرشــد مــا

قاله )صلى الله عليه وآله( أو من عينه من بعده. أما من قرأ الدال مفتوحا، فقد يقال إن المراد ديونه الشخصية، بما في ذلك مواعيده )صلى الله عليه وآلــه(، ألن الوعــد عنــد الحــر دين كما يقال، لكن إباء العباس ينفي ذلك، وأقلــه أنــه يبعــده، حيثــام ــة ال تمكن قي ــه( لم تكن بمنزل ــه وآل ــه علي ــه )صــلى الل إن ديون

العباس بذلك. وقد يقال إن المراد ديونــه الحكوميــة أي معاهداتــه، فــإن النــبي )صــلى اللــه عليــه وآلــه( بمــا أنــه رئيس دولــة، كــانت لــه مواعيــد

ومعاهدات وما أشبه ذلك

. 1 ب469 ص22( انظر بحار األنوار: ج?)1248

ممــا هــو من شــؤون رئيس الدولــة، وبهــذا المعــنى يكــون علي )عليه السالم( الخلف الــذي يتحمــل الشخصــية الحقوقيــة للرســول )صــلى اللــه عليــه وآلــه(، وهــذا المعــنى أنســب بقرينــة الحكم والموضوع، فيكون قد ألبس الرسول )صلى اللــه عليــه وآلــه( عليــا

)عليه الصالة والسالم( شخصيته الحقوقية. ويؤيد وجود الشخصية الحقوقيــة في اإلســالم قــول علي )عليــه

فالخالفة شخصــية حقوقيــة شــبهت ،(1)لقد تقمصها فالنالسالم(: باللباس.

هذا باإلضافة إلى أن مقتضى األدلة الشــرعية وجــود الشخصــية أوفــواالحقوقيــة، حيث إنــه أمــر عقالئي في المعــامالت، فيشــمله

فإنه ال يالزم وجود الموضوع في زمــان الشــارع، كمــا ال ،(2)بالعقودــات يلزم وجود الطيب الخاص في زمان الشارع، فيشمل حل الطيب

الطيب المستحدث بعده. وكذلك في سائر الموضوعات التي لم يكن لها بعض المصــاديق

، ثم(3)كــل مســكر حــرامفي زمان الشارع، كما إذ قــال الشــارع: أحدث مسكر بعده، إلى غير ذلك.

، يشــمل(5)أوفــوا بــالعقودو (4)أوفــوا بالعهدفقولــه ســبحانه: العهد والعقد مما يعهد ويعقد مع الرئيس بما أنه شخصــية حقوقيــة، ال بما أنه شخصية خارجيــة، وقــد ذكرنــا في )الفقــه( شــرح العــروة

الوثقى في كتاب الحج ما يؤيد ذلك.

ي )عليهما السالم(وحدة المواقف بين الرسول وعل وقــد قــام علي )عليــه الســالم( بالشخصــية الحقوقيــة للرســول

)صلى الله عليه وآله(

. 3 ( نهج البالغة: الخطبة?)1. 1 :( سورة المائدة?)2.1 ح407 ص6الكافي: ج( ?)3. 34 :سراءإ( سورة ال?)4. 1 :( سورة المائدة?)5

249

وحذى حذوه، بدون زيادة أو نقيصة، وربما توهم أن عليا )عليه السالم( كان له تكليف غير تكليف الرسول )صلى الله عليــه وآلــه(،

لكنه ال دليل عليه، وإن كان ربما يستدل له بقول عمار: إنا ضربناكم على تنزيله

(1)واليوم نضربكم على تأويله لكنه ال داللة لــه، بـل ظــاهره أنــه جـاء وقت التأويــل، كمـا قـال

فلو كان الرسول )صلى الله عليه وإال ،(2)يوم يأتي تأويلهسبحانه: وآله( حيــا، ثم حاربتــه فئــة من المســلمين ألم يكن يحــاربهم، فعلي )عليه السالم( حارب كما حارب الرســول )صــلى اللـه عليــه وآلــه(، وعفى عن أهل البصرة كما عفى الرسول )صلى اللــه عليــه وآلــه(،ــه وقال: مننت على أهل البصرة كما من رسول الله )صلى الله علي

وآله( على أهل مكة. اذهبــواوكما قال الرسول )صلى الله عليــه وآلــه(: ألهــل مكــة

أطلق علي )عليه السـالم( سـراح مـروان وغـيره ،(3)فأنتم الطلقاء من أقطــاب أهــل الجمــل، مــع أنهم يســتحقون القتــل، ألنهم كــانوا

مجرمي حرب. والرسول )صلى الله عليــه وآلــه( لم يســترجع داره الــتي بيعت في مكة لما فتحهــا، وعلي )عليــه الســالم( لم يســترجع فــدك الــتي أخذت بعد أن وصل إلى الحكم، وقال كالما بهذا الشأن كما في نهج

.(4)البالغة أما خطبة علي )عليه الســالم( بعــد مقتــل عثمــان في قطائعــه، فالظاهر أنهــا لم تكن إال مجــرد تهديــد، وإال فلم ينقــل أنــه اســترجع

شيئا مما اقتطعه عثمان، فحال

. 391ص 2( مروج الذهب: ج?)1. 53 :عرافأ( سورة ال?)2. 1 من أحكام األرضين ح72 الباب120ص 11( الوسائل: ج?)3. 45 ( نهج البالغة: الكتاب?)4

250

حيث ،(1)جاهــد الكفــار والمنــافقينالخطبة حال قوله سبحانه: إن الرسول )صلى الله عليه وآلــه( لم يحــارب مــع المنــافقين، فهــو

مجرد تهديد بأن له )صلى الله عليه وآله( حق حربهم. أما حمل )جاهد( على أعم من الحرب ليشمل مــا فعلــه )صــلى الله عليه وآلــه( بالمنــافقين، فهــو خالف الظــاهر، حيث إن المتبــادر من الجهاد الحرب، وكون عــدم حربــه )صــلى اللــه عليــه وآلــه( مــعــل ــدا، ب المنافقين قرينة على إرادة األعم ليس بأولى من كونه تهدي

الثاني أقرب إلى الذهن العرفي. والرسول )صلى الله عليـه وآلـه( كـان يقسـم بالسـوية وكـذلك

فعله علي )عليه السالم(. والرسول )صلى الله عليه وآله( كان يعزل األمراء، وكذلك فعلــد دليال على االختالف علي )عليه السالم( بمعاوية، وبالجملة فلم نج بينهما )عليهما السالم( حتى يقال إنه كان له )عليه السالم( تكليــف

خاص. ثم إن العفو كان لهما رخصة ال عزيمــة، كمــا يــدل عليــه تمثيــل الرسول )صلى الله عليه وآله( أهل مكة بإخوة يوسف، وقــول علي

، حيث إن يوسف كــان لــه العقــاب، وظــاهرمننت)عليه السالم(: لفظ )المن( أن له خالف المن.

بل الظاهر أن هــذا الحكم جــار في الدولــة اإلســالمية، حيث إنــه لرئيسها العفو عن كل ما سلف، ولم يكن عفو الرسول )صلى الل عليه وآله( عن أهل مكة، لقاعدة جب اإلسالم عما قبلــه، فــإنهم لم يسلموا، ثم بماذا يجاب عن عدم تغيير علي )عليــه الســالم( أحكــام من سلفه، بل يدل على ذلك ما رواه الكافي، عن العباس بن هالل،ــه الحكم عن أبي الحسن الرضا )عليه السالم( ذكر أنه لو أفضى إلي ألقر الناس على ما في أيديهم إال بما حدث في ســلطانه، وذكــر أن

النبي )صلى الله عليه وآله( لم ينظر

. 73 :( سورة التوبة?)1251

ــا ــره على م في حدث أحدثوه وهم مشركون، وأن من أسلم أقفي يده.

ولهذا األمر الذي فعله الرســول )صــلى اللــه عليــه وآلــه( وعلي )عليه السالم( وقال الرضا )عليــه الســالم( وجــه عقلي أيضــا، حيثــدم ــف دون تق ــجة تق ــوجب ض ــابق ي ــبة إلى الس ــير بالنس إن التغي

اإلسالم، فقاعدة األهم والمهم تقتضي عدم التغيير. ال يقــال: إذا اقتضــت قاعــدة األهم والمهم ذلــك لم يكن تــركهم

اإلســالموشأنهم منة، فلمــاذا قــال علي )عليــه الســالم مننت(، ثم فكيف كان للرسول )صــلى اللــه عليــه وآلــه( حــق ،(1)يجب ما قبله

األخذ؟ ألنه يقال: قد يكون األهم إلى درجــة الوجــوب، وقــد يكــون إلى

درجة الفضل، وقد كان المصداق في أهل مكة من القسم الثاني. وعليه ففي الدولة اإلسالمية المعيــار درجــة أهميــة العفــو، فــإن كانت إلى حد المنع عن النقيض وجب العفو، وإال كــان فضــال ونــدبا. و)اإلسالم يجب( بالنسبة إلى غير مــا كــان للحــاكم األخــذ، فالصــالة والصيام وما أشبه مجبــوب، أمــا قتـل مجــرم الحــرب واسـترداد مـاــه، أخذه من المال الذي عينه موجودة ونحو ذلك فليس اإلسالم يجب بـل للحــاكم اإلســالمي األخــذ، إال إذا تفضــل عفــوا، أو انطبــق عليــه

قانون األهم والمهم اللزومي، فيترك الحاكم الجزاء وجوبا. وحيث إن تفصـــيل البحث التـــاريخي والفقهي من هـــذا الحيث، خارج عن موضوع الكتــاب، أجملنــا المقــام بمــا ارتبــط بــالبحث في

الجملة.

. 166ص 1 كنز العرفان: ج،30ص 40نوار: جأ( انظر: بحار ال?)1252

الدولة في بحوث الدولة في الحكومات الديكتاتورية غير مرتبطــة(:24)مسألة

ــائب بالشعب، ولذا إذا تحدث الناس عن الحكومة، جاؤوا بضمير الغفقالوا: هم فعلوا، هم قرروا، هم منعوا.

بينمـا الحكومــات االستشـارية مرتبطـة بالشـعب، بـل هي جـزء منهم، ولذا حين التحدث يأتي النــاس بضــمير المتكلم، فقــالوا: نحن

فعلنا، نحن قلنا، نحن عملنا.ــل ــون العم ــتبدادية ال يك ــة االس ــح، إذ في الحكوم ــر واض والس للناس فلماذا يقولون نحن، بينما في الحكومــة االستشــارية النــاســاب رئيس ــا في انتخ ــة اآلراء مباشــرة، كم ــرار بأكثري يصــنعون الق الجمهورية والنواب، أو نوابهم يصنعون القرار، وصــنع الوكيــل صــنع األصيل، ولذا يقولون انتخبنا، قررنــا، واألقليــة الــتي لم تنتخب أيضــاــالحكم ــة إذا حكمت ف ــأن األكثري ــا قبلت ب تنســب إلى نفســها، ألنه

حكمها، فالمنتخب باآلخرة انتخب حسب قبولها لألكثرية. وبهذا ظهر أن إحساس الناس بالدولــة إمــا إحســاس بالجزئيــة،ــة في ــاس بالجزئيـ ــة، وال يخفى أن اإلحسـ ــاس بالغربـ ــا إحسـ وأمـ الحكومات االستشارية ال يكفى فيه أول االنتخابات، فإن النــاس قــد ينتخبون إنسانا، ثم يسيء التصرف فيعزل عنــه النــاس، فــإن أمكن

نحوه، وإال تنحوا عنه، وحينئذ ال يقولون قررنا، بل يقولون

253

قرر، كما أن الناس قد يبقون مع الحاكم لكنهم يخالفون قراره،وحينئذ أيضا ال يقولون قررنا، بل يقولون قرر.

إذا فالشرط في رؤية القرار قرارهم أمور: ( أن يكون الحكم استشاريا. 1( أن يبقوا مع الحاكم. 2( أن يكونوا مع القرار.3

والحاكم إذا فقد أحد هذه الثالثة، فهو غاصب لحق األمــة، مهمــا تــردى بــرداء الــنزاه، ألن الحــق حــق األمــة فكيــف يــأتي أو يبقى أو يتصرف بــدون رضــاهم، وفي اإلســالم شــرط رابــع، وهــو أن يكــون الحاكم مرضيا لله ولرسوله، أمــا اشــتراط أن يكــون حكمــا برضــى

الله فمستدرك، إذ لو حكم بما ال يرضي الله فقد الشرط الرابع.

آثار وجود الشخصية الحقوقية للدولةثم إن األمر بالنسبة إلى السياسة يكون في ثالثة أمور:

( الدولة. 1( الحكومة. 2( األمة.3

والكالم في هذا الباب في أمرين: )الدولة والحكومــة( و)الدولــةواألمة(، والكالم في هذه المسألة في الدولة والحكومة، فنقول:

للدولــة )شخصــية حقوقيــة( و)حاكميــة(. والشخصــية الحقوقيــة نمت حتى صارت بهذا الشـكل المعـترف بـه اآلن، ولـوال الشخصـيةــروري ــو ض ــا ه ــة من بعض م ــة لم تتمكن الحكوم ــة للدول الحقوقي

لصالح األمة، كما في بعض األمور المرتبطة بالدولة

254

والحكومــة بال تغيــير، فــإن الشخصــية الحقوقيــة للدولــة تفســر )التداوم( وتــبرر )التعامــل(، والتعامــل لــه شــعبتان، شــعبة التعامــل

الخارجي، وشعبة التعامل الداخلي، فالكالم في ثالثة أمور:

))التدوام للدولة((ــة لم أ( التداوم للدولة، إذ لو لم تكن للدولة الشخصــية الحقوقي يكن تداوم واسـتمرار، فــإن األشــخاص القــائمين بــالحكم يتغــيرون، فلماذا تبقى التعهدات على الدولة، إن ذلك دليل على فرض العقالءــه وإن شخصية مستمرة للدولة كاستمرار النهر، فإن قطــرات مياه تغيرت في كــل لحظـة إال أن وحدتــه باقيــة مــا دام الجريــان، وبهــذا االعتبار العقالئي يجوز للرئيس عقد االتفاقات، ال عن نفسه بــل عنــذكور ســاري ــاق الم ــان االتف ــة ك ــة جاري ــا دامت الدول ــة، وم الدول

المفعول، وبتبدل الرئيس ال يتبدل االتفاق. والشخصية الحقوقية ليست خاصة بالدولة، بل كــل رئيس وكــلــة أو ــادية أو ثقافي ــية أو اقتص ــة سياس ــة أو جماع ــو في جمعي عض اجتماعية أو غيرها، تكــون لــه هــذه الشخصــية، فــإذا اشــترى مــدير المدرسة شيئا بما أنه مدير كــانت المعاملــة على المدرســة ال على المـدير، ولــذا بتبــدل المــدير ال يصـيب المعاملـة شـيء، وهكــذا في

األحزاب والجمعيات ومن إليهم. أمـــا مـــا يشـــاهد أحيانـــا، من نقض الـــرئيس الثـــاني االتفـــاق والمعاملة، فليس ذلك نقضا بما أنه شــخص، وإنمــا النقض بمــا أنــه ممثل للدولة، حيث يرى الرئيس الثاني الغبن، وذلك بما يجر النقض حــق للــرئيس األول، أو يــرى الخيانــة، والخيانــة خارجــة عن تخويــل األمة ومصلحة الشعب، فهو كمن أجــرى عقــدا بعنــوان الوكالــة من

زيد، فظهر أنه لم يكن وكيال.

255

حجم النقد أم القوة الشرائية؟ نعم هناك مســألة اقتصــادية يتبعهــا نقض بعض االتفاقــات، وهي

هل أن المعيار )حجم النقد( أو )قوته الشرائية(. مثال يأخذ المقاول مليون دينار لبناء مطار في البلد، ثم تتصــاعد األســعار تضــخما إلى الضــعف، حيث ينقض المقــاول االتفــاق إال إذ

أدت الدولة الفرق. وبالعكس قــد تتــنزل األســعار إلى النصــف، حيث تنقض الدولــة االتفاق، إال إذا استعد المقاول ألخذ نصف مليــون فقــط، وهــل هــذا صحيح شرعا أم ال. الظاهر أن يقال: إنه إذا كان المركوز في أذهان المتعاملين عند المعاملة، مركوزا بني عليه العقد من قبيل الشــرط الضمني، القيمة العادلة من حين العقد إلى حين اإلنجاز، كــان نقض االتفاق صــحيحا، إذ المعاملــة حينئــذ في الحقيقــة بين صــنع المطــارــد، وألـــف طن من ــة طن من الحديـ ــل مائـ ــواد، مثـ وبين ذات المـ اإلسـمنت وهكـذا، والنقـد حينئـذ ليس إال بمنزلـة الواسـطة العادلـةــعد إلى ــون يص ــد، الملي ــبر حجم النق ــواد يك ــاع الم ــواد، فبارتف للم مليونين، وبانخفــاض المــواد يصــغر حجم النقــد، المليــون يــنزل إلى

نصف المليون. وإن كان االتفــاق على ذات النقــد بــدون مالحظــة المــواد، كــان

نقض االتفاق باطال. وهذه المسألة سيالة في اإلجارة والمهر والوقــف وغيرهــا، كمــا إذا استأجر الدار عشر سنوات كل سنة مائة دينــار، أو جعــل المهــر الغائب بعد عشرين سنة مائة دينار، أو وقفه ليكــون لكــل فقــير من

ريعه دينار. بــل وتــأتي المســألة في القــرض أيضــا، فهــل القــرض حجم أو قيمة، فعلى األول إذا أخذ دينارا رد دينارا، وعلى الثــاني يكلــف بــردــة ــار بقيم ــد مثال، واالعتب ــو طن من الحدي ــذي ه ــدينار، ال ــة ال قيم

متوسطة بين قيم المواد، فأحيانا يجب عليه أن يرد

256

نصف دينار في التنزل، وأحيانــا يجب عليــه أن يــرد دينــارين في التضــخم، وال يلــزم الربــا إذا كــان المــيزان القيمــة، ألنــه علــل في األحاديث حرمة الربا بأنــه فســاد في المــال، وهنــا ليس فســادا في

مال، بل عكسه فساد للمال. وكيــف كــان، فهــذه مســألة اقتصــادية لســنا اآلن بصــدد الكالم

حولها، وقد ألمعنا إليها في )الفقه: االقتصاد(.

))التعامل الخارجي(( ب( التعامــل الخــارجي، فــإن الــدول بعضــها تتعامــل مــع بعض باعتبــار الدولــة، ال باعتبــار أشـخاص الرؤســاء، فــالحقوق المجعولــة لألمم بعضها مع بعض الحظت الشخصية الحقوقيــة للدولــة، ولــذا ال يهم الدول تغير الرؤساء، بل وحتى األنظمة، والنظام الجديد ال يحق

له نقض االتفاق دوليا، إال إذا ثبت الغبن أو خيانة النظام السابق. نعم هنا مســألة مطروحــة أخــذت األمم المتحــدة بطــرف منهــا، بينما الطرف اآلخر هو الصحيح الذي ينبغي األخذ به دوليا، وذلك أن األمم المتحدة تعامل الدول بمــا أنهــا دولــة من غــير نظــر إلى عــدد أفرادها، فدولة ذات مئات الماليين لها صــوت، بينمــا دولــة نفوســها مائة الف إنسان كبعض بالد الخليج لها صوت، فالشخصية الحقوقيةــل عقال، للثانية كالشخصية الحقوقية لألولى، بينما هذا التساوي باط إذ القرار الذي تعترف به الشعوب الحــرة، واإلســالم في الشــورى، األكثرية الحقيقية، ال األكثريــة االعتباريــة، وإال إذا لــوحظت األكثريــة االعتبارية كان معناه تصرف األقلية أحيانا في األكثرية، فــإذا قــررت أكثرية دول األمم المتحدة قرارا نفذت في كل البشر، بينمــا أكثريــة

الدول قد ال تكون ممثلة ألكثرية البشر. نعم إذا كانت كل الشعوب هي الــتي تختــار بأنفســها حكوماتهــا،

وحكوماتها

257

الممثلة لها قررت بأكثرية الحكومــات عنــد التصــويت في األممالمتحدة، صحت أكثرية الدول بينما الواقع ليس كذلك.

مع أن شعوب معظم الدول في العصر الحاضر ليست هي التي اختارت حكوماتها، بل الحكومات تسلقت إلى الحكم بديكتاتورية، أو نصف ديكتاتورية، أو تزوير، أضـف إلى ذلـك أن فـرض إرادة شـعب مهما كــثروا على شــعب آخــر مهمــا قــل عــددهم ليس صــحيحا في

نفسه.

))التعامل الداخلي(( ج( التعامل الداخلي، ويظهــر ذلــك في األمــور الماليــة وغيرهــا، فإن للدولة مــاال مســتقال ال يرتبــط بــأموال أفــراد األمــة، وال أمــوال أفـــراد الحكومـــة، ويصـــرف الـــرئيس واألعضـــاء هـــذا المـــال في

المحتاجين ومصالح البالد وألجل تقديم األمة إلى اإلمام. وهذه األموال لها موارد خاصة، كما لها مصــارف خاصــة، وحــتى رئيس الدولــة ال يتمكن من الزيــادة والنقيصــة، إال حســب القــوانين المقررة، فلو لم تكن للدولة شخصية حقوقية لمن كــان يجمــع هــذا

المال، والحال أنه ال يجمع في كيس فرد من األمة أو الحكومة. وفي اإلسالم سمي ذلــك بـــ )بيت المــال(، فــاألموال تجمــع في بيت المــال، ويصــرف من بيت المــال في األمــور الالزمــة، كــرواتب الموظفين والمصالح العامة وغير ذلك، أمثال خطأ القضاة ودية من ال يظهر له قاتل، وقــد أمــر علي )عليــه الســالم( في أن يجــري من بيت المــال راتب لمن كــان يتكفــف في الكوفــة، كمــا أودى المــرأة وولدها حيث قتال من الزحام في البصرة، إلى غير ذلك مما ذكرنــاه

في كتاب )الفقه: االقتصاد( وكتاب )القضاء( وغيرهما. لكن اإلسالم زاد على متعارف الــدول مصــرفا جديــدا على بيت المال، هو أنه كلما زاد شيء قسم على كافــة المســلمين، من غــيرــه فرق بين غنيهم وفقيرهم، كما كان يفعله الرسول )صلى الله علي

عليه السالم( بيت مال المدينة بعــد أن بويــع)وآله(، وقد قسم علي له بين الناس، وكذا قسم بيت مال البصرة وكان يقسم

258

بيت مال الكوفة كذلك. والســبب في ذلــك أن المســلمين أعــوان اإلســالم، في صــالتهــان لهم وصيامه وحجه وجهاده وغير ذلك، فكما أن عليهم الواجب ك الحق، وذلك يوجب شدة ارتبــاطهم باإلســالم وتعلقهم بــه وتفــانيهم

في سبيله. أما سائر تفاصيل بيت المال فليس الكتاب محــل ذكرهــا، وإنمــا

يرجع بشأنها إلى الكتب التي ذكرناها على ما تقدم.ــه خمس وال وحيث إن مــال بيت المــال ليس ألحــد، ال يتعلــق ب

زكاة.

الشخصية الحقوقية أمر اعتباري أو متأصل بقي الكالم في أن الشخصــية الحقوقيــة للدولــة، حيث ذكرنــاــية، أي إن ــية افتراض ــل هي شخص ــا، ه ــف، ب، ج( عليه ــرتب )أل ت العقالء افترضوا لها هذه الشخصية مثل سائر األمــور االعتباريــة، أم أن االفــتراض إنمــا كــان بــإزاء أمــر واقعي، فليســت أمــرا مجعــوال

لواضعي القوانين. وقد اختلف السياســيون في ذلــك، والفــرق أنــه لــو كــانت أمــراــركات ــية للش ــون الشخص ــا تك ــل، كم ــدر الجع ــانت بق ــوال ك مجع والجمعيات والمنظمات أمرا مجعوال، ويكــون ذلــك األمــر المجعــول بقدر الجعل، وكذلك الحال في كل أمر مجعول فإنــه بقــدر الجعــل، بينما لو كانت الشخصية أمرا واقعيــا لــزم أن يكــون الجعــل بقــدره،

فإذا كان الجعل أقل أو أكثر كان نقصا فيه، ولزم تكميله. والــذي تقتضــيه مالحظــة الواقــع، أن الشخصــية الحقوقيــة أمــر خارجي، بل هو كذلك بالنسبة إلى الشركات واألحزاب وغيرهمــا، إذ العالقات التي توجد في الشركة والمنظمة وما أشبه تقتضي فــرضــك الشخصية الحقوقية، فإن الدولة عبارة عن مجموعة عالقات، وتل

العالقات ال ترتبط بالفرد، بل ترتبط بالمجموع

259

بما هو مجموع. وفي إزاء تلك العالقــات تكــون الشخصــية الحقوقيــة، وحيث إن

ما أشبه، مطلق و(1)ال يتوى حق امرئ مسلمقوله )عليه السالم(: يشــمل حــق المســلمين يشــمل المقــام أيضــا، كمــا يشــمل الحــق

الفردي، بل شموله للحق االجتماعي باألولوية. وهذا بخالف ما لــو كــان أمــرا مجعــوال، فــإن األمــر المجعــول ال يكون حقا عرفيا، حتى يشمله الدليل المــذكور، فــإن األدلــة تشــمل

الموضوعات الحقيقية ال الموضوعات الفرضية. فإذا قال الشارع: الماء طاهر، أو التراب يصح به التيمم، كــانت الطهارة وصحة التيمم حكما للماء الواقعي والتراب الحقيقي، ال مــا فـرض مـاء وترابـا، ولـذا فـإذا فـرض إنسـان لنفسـه أن حقـه أن ال يمشي أحد إلى جنبه بمسافة ذراعين مثال، لم يكن ذلك حقا يشمله

ال يتوى حق امرئ مسلم. ومنه يعلم أن الرأيين في موضوع الشخصية الحقوقيــة بالنســبةــا إلى الدولة، يؤثران في األمر الشرعي أيضا، باإلضافة إلى تأثيرهم في األمر الخــارجي، حيث إن كونهــا حقيقيــة تكــون بقــدر الحقيقــة،

بينما كونها فرضية تكون بقدر الفرض. وحيث قد ظهر أن الشخصية الحقوقية التي يعتبرها العقالء إنما هي أمر بإزاء الواقع، كــان الالزم أن تختلــف بــاختالف قــدر الواقــع، فشــركة أفــراد البشــر في التعــاون والتعامــل لجلب المنــافع ودفــع المضار، وكل قسم من الشركة مركــز من مراكــز الجــذب والــدفع، الجذب للمنفعة والدفع للمضــرة، وكلمــا كــانت الشــركة أكــثر كمــا، وأعمــق كيفــا، كـانت الشخصــية الحقوقيــة كــذلك، فــإذا كـان هنــاك تجمعان كــانت شخصــيتان حقوقيتــان، وفي ثالثــة اجتماعــات تكــون

ثالث شخصيات

. 5من الشهادات ح 46 الباب215ص 3( المستدرك: ج?)1260

وهكذا، وكذلك األمر بالنســبة إلى األعمــق كيفيــة، إذ قــد تكــونالشركة معقدة وقد تكون بسيطة.

ــانت الشـــركة بيـــد األفـــراد، والشـــركة مبعث ــال: إذا كـ ال يقـ الشخصية الحقوقيــة، فليســت أمــرا واقعيــا وقــد فرضــتم أنهــا أمــر

واقعي. ألنه يقال: ما نفيناه أن يكون اعتباريا بحتــا وفرضـيا صـرفا، ومـاــاه هــو أن يحقــق اإلنســان الموضــوع الخــارجي، فــإن تكــوين أثبتن الموضوع الخارجي بيد اإلنسان، وتتبعــه الشخصــية الحقوقيــة، مثــلــد اإلنســان ويتبعــه الحكم الشــرعي لوجــوب الوفــاء ــبيع بي كــون ال

والخيار وغير ذلك.

الشخصية الحقوقية بين الدولة والتكتالت وكيف كــان، فالدولــة حيث إنهــا أكــبر مركــز للتجمــع اإلنســاني،ــات الصــغيرة في داخلهــا، كتجمــع األحــزاب ــبة إلى التجمع بالنســة لتلــك ــات وغيرهــا، تكــون الشخصــية الحقوقي والشــركات والنقاب التجمعات الصغيرة، والدولة كتلك التجمعات الصغيرة بيــدها توســيع واقعها وتعميقها، فتكون الشخصية الحقوقية لها أوسع وأعمق، كمــا

أن لها التضييق والتبسيط، فتكون الشخصية أضيق وأبسط.ــغيرة في ــات الص ــة والتجمع ــناعة والثقاف ــا زادت الص مثال كلم باطن الدولة، وما أشبه ذلك، توسعت وتعمقت الشخصية الحقوقيــة

أكثر فأكثر، والعكس بالعكس. ثم إن كال من تجمعي الدولة والجماعات في باطنها، يــؤثر على الشخصــية الحقوقيــة لآلخــر، ألن الشخصــية الحقوقيــة تكــون بقــدر الواقع كما تقدم، واألحزاب والمنظمات تحد من واقعية الدولة، مثال

تمنع من صنع األسلحة النووية،

261

وبقدر الحد من الواقعية تحد من الشخصية، كما أن الدولة تحــدــا من من نشاطات الجميعات واألحزاب إما بالقوة الديكتاتورية، وإم ألجل المصلحة في الحكومات االستشارية، والحد من النشاط يقلل

الواقعية، وبقدر التقليل يكون التقليل من الشخصية الحقوقية. وبهذا تبين أن حد إحداهما عن نشاط األخرى قد يكون مشروعا بنظر اإلسالم، وقد ال يكون مشروعا، لكن في كلتا الصورتين إذا لمــدم ــورة عـ ــد في صـ ــان التحديـ ــق، وإن كـ ــع لم يكن حـ يكن واقـ المشروعية محرما شــرعا، فيكــون كمن يقتــل إنســانا ظلمــا، حيث ينتفي حق المقتول في الخمس والزكاة وما أشبه تلقائيــا، من بــاب

انتفاء الموضوع. وكما أن الجمعيات والمنظمات تحل الدولة إذا خالفت القــوانين التي عينت لها، وبذلك تســقط الشخصــية الحقوقيــة لهــؤالء األفــراد ليأخذ مكانهم أفراد آخرون، وذلك عن طريــق اإلســقاط أو الضــغط حتى االستقالة، كذلك للدولة حل الجميعات والمنظمات إذا خــالفت القوانين المرعية، فتسقط الشخصية الحقوقية لها، لكن في اإلطار

يكــون،(1)اإلسالمي، وحيث الناس مسلطون على أموالهم وانفسهم حل األمة للدولة سهال، إذ الدولة تابعة لألمة ونائبة لها، فــإذا لم يــرد

الموكل الوكيل عزله. أما حل الدولة للمنظمة والجمعية، فال تــؤثر إال إذا انطبــق عليــه ميزان إسالمي، مثل بــاب النهي عن المنكــر، أو قاعــدة ال ضــرر، أوــل في ــؤثر الح ــذا ال ي ــك، ول ــا أشــبه ذل ــدة األهم والمهم، أو م قاع الحكومــات الــتي ال تتــوفر فيهــا المــوازين اإلســالمية، ألنهــا غاصــبةومثلها الوالية لها، فألفراد الجمعية المنحلة رسميا العمل كما كانت

. 272ص 40نوار: جأ( بحار ال?)1262

تعمل سابقا. ثم إن الشخصية الحقوقية للدولة ليس معناها أن كــل قــوة من قواها )المقننة والمنفدة والقضائية( لها شخصية حقوقية، مثال القوة القضائية ليس لها تلك الشخصية، بل المــراد أن الدولــة بمجموعهــا لها الشخصــية الحقوقيــة، كمــا أن التقســيم إلى القــوى الثالث غــير مهم في نظر اإلسالم، حيث يمكن أن يكون إنسان نائبا وقاضيا في

وقت واحد، وهكذا. نعم يجب أن يقــدر على إدارة األمــرين، وإال شــمله الحــديث:

لعن الله من ضيع من يعول(1) ــة وتفريطــا ، بل يكون ذلك منه خيانبحق األمة، وذلك محرم في الشريعة اإلسالمية.

. ، وفيه: )ملعون ملعون من ضيع من يعول(9 ح12 ص4 انظر الكافي: ج(?)1263

الصالح الغرض تحري الدولة علىــول(:25)مسألة وإذ قد تقدم في المسألة السابقة البحث ح

الشخصــية الحقوقيــة للدولــة، وهي الشخصــية الــتي قررهــا العقــل وال تفســدوا في األرض بعــدوالمنطق والدين، ولعل قوله سبحانه:

نحوه يلمع إليه أيضا. و،(1)إصالحها نقــول: الالزم على الدولــة )الحكومــة( تحــري الغــرض الصــالح، لحفظ مصالح األمة، والتقديم بها إلى األمــام، وجعــل القــوة وســيلة للعـــدل والمســـاواة في موضـــعها، وإنمـــا قلنـــا في موضـــعها ألن المساواة في كل موضوع قد يكون خالف العدل، ولذا قال سبحانه:

إن الله يأمر بالعدل واإلحســان(2)،قــد ألمعنــا إلى ذلــك في هــذا و الكتاب، وفي )الفقه: االقتصاد(.

والغرض الصالح يتجلى في ثالثة أمور: ــة ــق، وفي الدول ــل والمنط ــا للعق ــدف مطابق ــون اله األول: ك اإلسالمية أن يكون مطابقا لإلسالم أيضا، بــأن تكــون الدولــة عاملــة للحسن في كل الشؤون، مجتنبة عن القبيح، فيــوجب عملهــا حفــظــاط، وال ــل، فال اســتبداد، وال اعتب ــوال للك ــراض واألم األنفس واألع

ترفيع أو تخفيض لفرد أو لجماعة على حساب اآلخرين،

. 56 :عرافأ( سورة ال?)1. 90 :( سورة النحل?)2

264

ومن خــــرج عن القــــانون العقلي والشــــرعي، في الدولــــةالمتشرعة عوقب بقدر خروجه، بما يقتضيه العقل والشرع فقط.

وقد ألمعنا هنا وفي بعض كتبنا اإلســالمية أن اإلســالم ال يخــالف في قوانينه وتشريعاته حتى قانونا واحدا عقليا، فكل قانون قرر في اإلســالم ليس مخالفــا للعقــل، العقــل الــذي هــو األســاس للقــانون الطبيعي، نعم قد يوجد في اإلســالم مــا ال يصــل إليــه العقــل، ال مــا يخالف العقل، ولذا ورد في الشريعة اإلســالمية مــدح العقــل بمــا ال

يشبهه دين أو قانون. ففي الكافي: قــال ابن الســكيت ألبي الحســن )عليــه الســالم(، إلى أن قــال: فمــا الحجــة على الخلــق اليــوم، قــال: فقــال )عليــه

العقل يعــرف بــه الصــادق على اللــه فيصــدقه، والكــاذبالسالم(: .(1)، قال ابن السكيت: هذا والله هو الجوابعلى الله فيكذبه

ــافي ــا في الك :وقال موسى بن جعفر )عليه السالم لهشام( كميا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهــل العقــل والفهم في كتابــه

فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحســنه أولئــكفقال: يــا هشــام إن اللــه ،(2)الذين هداهم اللــه وأولئــك هم أولــوا األلبــاب

تبارك وتعالى أكمــل للنــاس الحجج بــالعقول ونصــر النبــيين بالبيــان. (3)ودلهم على ربوبيته باألدلة

العقل غطاء ستير،وفي الكافي، عن علي )عليه السالم( قال: والفضل جمال ظــاهر، فاســتر خلــل خلقــك بفضــلك، وقاتــل هــواك

بعقلك، تسلم لك المودة، وتظهر

. 20ح 47ص 1( الكافي: ج?)1. 18 :( سورة الزمر?)2. 12ح 20ص 1( الكافي: ج?)3

265

.(1)لك المحبة وفي الكــافي، قــال الحســن بن جهم: ذكــر عنــد الرضــا )عليــه

ال يعبــأ بأهــل الــدين ممن الالسالم( العقل، فقال )عليــه الســالم(: ، قلت: جعلت فداك إن ممن يصف هذا األمر قوما ال بــأسعقل له

ــاطببهم عندنا وليست لهم تلك العقول، فقال: ليس هؤالء من خ .(2) الحديثالله

وفي الكافي، عن أبي عبد الله )عليه السالم(، قــال: كــان أمــير بالعقــل اســتخرج غــور الحكمــة،المؤمــنين )عليــه الســالم( يقــول:

.(3)وبالحكمة استخرج غور العقل وقال ابن عباس كما عن روضة الواعظين: )أساس الــدين بــني على العقل، وفرضت الفــرائض على العقــل، وربنــا يعــرف بالعقــل،ــدين ــع المجته ويتوسل إليه بالعقل، والعاقل أقرب إلى ربه من جمي بغير عقل، ولمثقال ذرة من بر العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف

.(4)عام(ــه، وال دينوقال النبي )صلى الله عليه وآله(: قوام المــرء عقل

. (5)لمن ال عقل لهإلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

آليــاتبل وقبل الروايــات اآليــات المباركــات، كقولــه ســبحانه: .(6)لقوم يعقلون

.(7)لعلكم تعقلونو: .(8)ما يذكر إال أولوا األلبابو:

.(9)إن كنتم تعقلونو.(10)آليات ألولي األلبابو

.(11)أفال تعقلونو:

. 13ح 29ص 1( الكافي: ج?)1. 32ح 51ص 1( الكافي: ج?)2. 34ح 52ص 1( الكافي: ج?)3. 4ص 1( روضة الواعظين: ج?)4. 4ص 1( روضة الواعظين: ج?)5. 164سورة البقرة: ( ?)6.73سورة البقرة: ( ?)7.7، سورة آل عمران: 269سورة البقرة: ( ?)8.28، سورة الشعراء: 18سورة آل عمران: ( ?)9

.190سورة آل عمران: ( ?)10.44البقرة: سورة ( ?)11

266

إن شر الدواب عنــد اللــه الصــم البكم الــذين الوقال سبحانه: .(1)يعقلون

.(2)ويجعل الرجس على الذين ال يعقلونوقال: إن في ذلك آليات ألولي و:

.(3)النهى.(4)قد بينا لكم اآليات لعلكم تعقلونو:

سائر اآليات. إلى موقف الدولة تجاه التكتالت المفسدة

وقد ظهر مما تقدم أن القراصنة الــذين يتخــذون حصــنا طبيعيــا من غابــة أو جبــل أو جزيــرة أو مــا أشــبه منطلقــا للســلب والنهب، وليس لهم هدف طيب، وإن زين لهم سوء عملهم فــرأوه حســنا، ال يشكلون دولة، ولذا جعل اإلسالم جزاءهم أحد األمور األربعــة، قــال

إنمــا جــزاء الــذين يحــاربون اللــه ورســوله ويســعون فيســبحانه: ــديهم وأرجلهم من ــوا أو يصــلبوا أو تقطــع أي األرض فســادا أن يقتل

.(5)خالف أو ينفوا من األرض وقد ذكرنا في كتاب الحدود إجراء الحاكم اإلسالمي العادل أحــد

األمور المذكورة عليهم حسب ما يراه صالحا.ــرون ـ وقد تبع القانون الدولي الحديث ـ بعد أكثر من عشــرة ق قانون اإلسالم، فاستباح مطاردتهم والقضــاء عليهم لخــروجهم على

القانون العقلي والدولي. ))من أخطاء القانون((

لكن هناك نقصا في القانون الــدولي، حيث إن القــانون الــدولي لم ينظر إلى األمر من الزاوية اإلنسانية، بل نظــر إليــه من الزاويــة القانونية فقط، ومن الواضــح أن القــانون إن لم يســتمد من العقــل والمنطق ليس قانونا صالحا لإلنســان، فقــد أبــاح القــانون المــذكور

قانون مطاردة القراصنة، لكن القانون

. 22 األنفال: ( سورة?)1. 100 :( سورة يونس?)2. 54 :( سورة طه?)3. 17 :( سورة الحديد?)4. 33 :( سورة المائدة?)5

267

حرم مطاردة الدولة التي تستبيح دم وعرض ومــال األمــة الــتيــة عليهــا، وفي نفس الــوقت الــذي يســتبيح القــانون تســيطر الدول الدولي لالستيالء على الحكم بالســالح، ويســمى ذلــك حــدثا داخليــا،

لكن القانون اإلنساني يقول: ( ال حق ألحد الجارين في االعتداء على اآلخر. 1 ( وال حــق ألحــد من أفــراد العائلــة في دار الجــار أن يســتولي2

بالسالح على العائلة وينحي رئيس العائلة بالقوة. ( وأنــه إذا ظلم رئيس العائلــة عائلتــه وجب إنقــاذ العائلــة عن3

ظلمه، فكيف إذا كان الظالم هو المســتولي بــالقوة، فإنــه قــد ظلمالرئيس المنحى، وقد ظلم العائلة الذين اضطهدهم.

))حق الفيتو خطأ آخر(( وما ذكرناه في العائلة ينطبق على الدولة تماما، فإذا انضم إلى المواد الثالث في الدولة )رابعــة( هي حــق الفيتــو لألمم القويــة في مجلس األمم المتحدة، كان للقانون الدولي ثالثة أخطاء كبــار، كلهــا

خالف العقل والمنطق واإلنسانية. بينمــــا اإلســــالم جعــــل واجب النهي عن المنكــــر، وإنقــــاذ المستضــعفين، عامــا ال فــرق فيــه بين أهــل هــذه الدولــة أو الدولــة األخرى، وجعل االستيالء بالسالح على األمة ـ بــدون رضــى األكثريــةــتمد ــالم يجب أن يس ــاكم في اإلس ــروع، فالح ــير مش ــ غ ــاكم ـ للح

صالحيته في الحكم من )الله( ومن )األمة(. ثم إن األكثرية في النظر اإلسالمي، حيث ما يســتفاد من إطالق

أدلة الشورى، ال فرق فيها بين: : أمة واحدة. 1: أو األمم. 2: أو كل البشر.3

بينما القانون الدولي ال يقول إال باألول فقــط، حيث قــد عــرفت في مسألة سابقة أن القانون الدولي يجعل األمة الصغيرة في حكم

األمة

268

ــدا، ــا واح ــدة رأي ــا في األمم المتح ــل منهم ــيرة في أن لك الكب فالدولة ذات مائة مليون، كالدولة ذات مائة ألــف، لكــل منهمــا رأي واحد، وحيث قد عــرفت جعــل حــق الفيتــو لبعض الــدول فال اعتبــارــانون ــاذا أراد الق ــل بشــر في منطــق األمم المتحــدة. ف ــة ك ألكثري الدولي أن يكون مســتقيما حســب العقــل والمنطــق يجب أن يأخــذ

برأى اإلسالم. ( فالحكم ال يكون بالسالح، بل باألكثريــة، حــتى مــع الغض عن1

رأي اإلسالم في لزوم كون الحاكم برضى الله ســبحانه والحكم فيإطار القوانين اإلسالمية.

ــا2 ( والظلم يجب أن يرفع، سواء في داخل األمة أو في خارجهحيث كان، وإن كان بسبب أن حكومة أخرى تظلم شعبها.

( وأكثرية األمم المتحدة يجب أن تكون حسب أفراد الناس، ال3 حسب أفراد الحكومات، فلحكومة مائة مليون مائة رأي، ولحكومــة مليون رأي واحــد، إذا كــانت الشــعوب هي الــتي تختــار بكــل حريــة

حكوماتها. ( وال حق للنقض )الفتيو( ألحد من الحكومات مهما كانت قوية4

وصناعية، ومن الواضح أن حق الفتيو إنما أماله االســتكبار وشــريعةالغاب.

( كمــا أن تصــديق االســتيالء بالســالح أملتــه إرادة الــدول1)ــة لألمم ــدخلهم في الشــؤون الداخلي ــك ذريعــة لت الكــبرى، حيث ذل المستضــعفة، فييبــدلون الحكومــة الصــغيرة ليــأتوا مكانهــا بحكومــة

موالية لهم. ــة3 و2) ــار أكثريـ ــة أخـــرى، واعتبـ ــا الظلم داخـــل حكومـ ( أمـ

ــك الحكومات المعاصرة فقد أمالهما على القانون الدولي جهل أولئ المقننين بالموازين العقلية، ولذا ال تجــد حــتى مــبررا واحــدا لهــذين

القانونين في كل كتب القوانين المدونة.

269

هدف الدولة وصالح الفردالثاني: أن يتجه الهدف الطيب للدولة لصالح الفرد.

ــأمين المأكــل والمشــرب والمســكن والملبس والمــركب1 : بتوالدواء والزواج له إلى سائر حاجاته، وحفظه من الخوف والقلق.

ــدي2 وحفظ حقوقه بعدم تعدي اآلخرين عليه، سواء كان المتعفي الخارج كالدولة األجنبية، أو في الداخل كالسراق ومن إليهم.

: وتهيئة وسائل اإلنماء والتقدم بما يكفل النهوض به، فقد قال3 ليثيرواعلي )عليه السالم( في حكمة بعثة األنبياء )عليهم السالم(:

.(1)لهم دفائن العقولــةو ــة من األدل ــه باإلضــافة إلى العقــل، جمل ــك كل ــدل على ذل ي

ــه من ضــيعالشرعية، مثل أن خالف ذلك تضييع، وقد ورد: لعن الل كلكم راع وكلكمأنـــه خالف الرعايـــة، وقـــد ورد: و،(2)من يعـــول

إلى،(4)من ساوى يوماه فهو مغبونورد: و،(3)مسؤول عن رعيتهغير ذلك.

باإلضافة إلى ما روي عن رسول الله )صلى الله عليه وآله( منــه: ــو وال يعلى عليهقول فيمــا إذا كــان الكفــار في ،(5)اإلســالم يعل

تقدم، وقد استدل به الفقهــاء على عــدم جــواز بنــاء الكفــار بيــوتهمــو ــاهر )عل ــإن الظ ــام، ف ــل المق ــف بمث ــلمين فكي أعلى من المس اإلسالم( بطبعه، فيشمل )عــدم ارتفــاع حجــة غــيره عليــه( و)لــزوم

ترفيع ما يرتبط به(،

. 1( نهج البالغة: الخطبة?)1. 4من مقومات النكاح ح 89 الباب122ص 14( الوسائل: ج?)2. 75 ف 119، جامع األخبار: ص184 ص1إرشاد القلوب: ج( ?)3. 5من جهاد النفس ح 59 الباب376ص 11( الوسائل: ج?)4. 11رث حإمن موانع ال 1 الباب376ص 17( الوسائل: ج?)5

270

وليس هذا من باب الجمع بين اإلخبار واإلنشاء، حــتى يقــال: إنالجمع بينهما محال أو خالف الظاهر فال يصار إليه إال بالقرينة.

))هدف الدولة وصالح جماعات األمة((ــواء الثالث: أن يتجه الهدف الطيب للدولة لصالح الجماعات، س كانت جماعات سياسية أو اقتصــادية أو ثقافيــة أو صــحية أو غيرهــا،

والدليل في المقام هو الدليل في الثاني. نعم، هناك فــرق بين اإلســالم وبين القــوانين الوضــعية في هــذا االمر، فاألصل في اإلسالم )الحرية(، فإنهــا المســتفادة من )النــاس

لــذا فلكــل إنســان أن ينضــم و،(1)مسلطون على أنفسهم وأموالهم( إلى اآلخرين، لبناء الحياة وتقدمها، وال يحد هذه الحرية إال ما يوجبــه شــرعا، الضــرر على اآلخــرين أو على النفس بمــا ال يجــوز تحمل فليس للدولة في نظــر اإلســالم التــدخل في شــؤون الجماعــات، أو

وضع الدساتير والقوانين لها، وتقييدها بقيود إطالقا. نعم، إذا أخطأ فردها أو كل الجماعة، حــق للدولــة إيقافهــا علىــأه المقرر الشرعي، وذلك كالفرد حيث إنه حر ال يقيد وإذا ثبت خط أوقف عند حده حسب المقرر شرعا، بينما القـوانين الوضـعية تقيـد الجماعة بقيود كلها مناف للحرية، ولذا كانت كل تلك القيــود باطلــة

في نظر اإلسالم.

. 272ص 2البحار: جانظر ( ?)1271

وحاكميتها الدولة سيادة لقد سبق أن ذكرنا الشخصية الحقوقية للدولــة،(:26)مسألة

وفي هذه المسألة نذكر سيادة الدولة أي حاكميتها. والسيادة والحاكمية معناها رابطــة األمريــة واإلطاعــة، فالحــاكم آمر واألمة مطيعة، وبهذه الرابطة تجري األمور على موازينها، ولوال هذه الرابطة لم تكن السيادة، وهذه السيادة تكون في ثالثة موارد:

: في المجتمع الصغير، كالعائلة والحزب والمنظمــة والجمعيــة1ــة من وغيرها، فهناك تكون آمرية ممن قرر أن يكون آمرا، ومأموري سائر األعضــاء، وقــد يتحــد اآلمــر والمــأمور كمــا إذا قــرر أن تكــون

األكثرية آمرة ويطيع الجميع. : في المجتمع الكبير، كالدولة حيث إن الدولة آمــرة والشــعب2

مأمور، ولوال هذه السيادة لم يستتب النظــام ولم تتقــدم األمــة إلىاألمام.

ــل )األمم3 ــا، مثـ ــو بين األمم كلهـ ــبر، وهـ ــع األكـ : في المجتمـ المتحدة(، أو بين جماعة من األمم، مثل )رابطة الدول اإلســالمية(،ــا حيث إن لمثل هذه المنظمات السيادة على تلك الدول، حســب م قرروا في ما بين أنفسها بإطاعة ما يصدر من األكثرية، فيما لو كان

نظامها بموازين عدل. لكن السيادة في كل هذه األمور الثالثــة ليســت مطلقــة، وإنمــا

هي محدودة حسب

272

ــانون، ــون في إطــار الق ــا يك ــوانين الموضــوعة، فحقهم إنم القوخارج ذلك اإلطار ال حق.

هذا حسب كثير من األعراف الدولية، لكنك قد عرفت في بحث متقــدم أنــه ال حــق للقــانون التــدخل في شــؤون النــاس إال بالقــدرــان خالف قاعــدة )تســلط ــرر في الشــريعة اإلســالمية، وإال ك المق

الناس على أموالهم وأنفسهم(. وعلى أي حال، فكل من الشريعة الســمحة، واألعــراف الدوليــةــة الصــغيرة المشددة، قد جعل إطارا للتصرفات الفردية واالجتماعي في نطاق الدولــة والــدول الكائنــة في ضــمن الوحــدة، مثال تصــرف الفرد مشروط بـ )البلوغ( و)العقل( و)عــدم كــون التصــرف المــاليــل ــك، ومث إسرافا( و)عدم كون التصرف العملي حراما( إلى غير ذل

هذا األمر جار في الجماعة والدولة والدول الموحدة. وال بأس باإللماع الســريع، إلى أن جعــل اإلســالم قــانون البلــوغ أحد األشياء الثالثة المعروفة في الفقه مسايرة للطبيعة، بينما جعل العرف الدولي القانون ثمــاني عشــرة ســنة، ال يــدل عليــه عقــل أو منطـــق، ولـــذا فـــالالزم تـــرك العـــرف الســـائد اآلن إلى القـــانون اإلســالمي، وقــد ثبت حســب االســتقراء أن كلمــا يخــالف القــانون

المقرر في الشريعة كان األوفق بالعقل والمنطق الثاني.

))الغالب في وضع القانون((والغالب أن القوانين توضع مع مالحظة تساوي األفراد:

( في العالقات، فتكون عالقــة زيــد بعمــرو وبــالعكس، كعالقــة1 خالد ببكــر وبــالعكس مثال، أمــا أن تكــون العالقــة من طــرف أقــوى ومن طرف أضعف، أو تكون عالقة أقوى وعالقة أضــعف، فالقــانون ال يتحمله، فال يكون للشريك األغنى أن يفرض إرادته على الشــريك الغني، وال يحق للشريك الغني فرض إرادتــه على الشــريك األغــنى، بــل حــق فــرض اإلرادة متســاو من الجــانبين، كمــا ال يكــون قــانون الشركة بين األغــنى والغــني إال كقــانون الشــركة بين فقــيرين مثال،

وهكذا

273

الحال في قوانين العائلة والجرائم وسائر المعامالت إلى غيرها. ( وفي النتائج، فالدولة مكلفة بإنماء كل فــرد من غــير تــرجيح2

لفرد على فرد.

نقص القوانين البشريةلكن هذا الغالب منخرم بأمرين:

األول: إن القوانين ال تنظر إلى البشر كعائلة واحــدة، بــل تنظــر إلى البشر من زوايا الوطنيــة والقوميــة واللــون واللغــة ومــا أشــبه، ففي إمريكا لإلمريكي حقوق ليست تلك للفرنسي الــذي يعيش في إمريكــا، وفي مصــر ناصــر للعــربي حقــوق ال تتــوفر للهنــدي، وفي

روديسيا لألبيض حقوق ليست تلك لألسود، وهكذا. وهذه التفرقة البشرية ال يقرها عقل وال منطق، فكما أن العقل ال يقر الفرق بين اإلمــريكي واإلمــريكي في القــانون، كــذلك ال يقــر

الفرق بين اإلمريكي والفرنسي وهكذا. وهذا األمر تابع لضيق النظرات حول البشر، وعدم سعة الفكرة حتى تشمل اإلنسانية، بينما اإلسالم يجعل األمر يدور على الكفــاءة:

إن أكرمكم عند الله أتقاكم(1). أما التفاوت بين المسلم وغــير المســلم، فلم يقــره اإلســالم إال ألجل اختالف الكفاءة، حيث إن المســلم دل العقــل والمنطــق على صحة طريقته في العقيدة والشريعة دون من سواه، واالختالف بين األفراد من جهة الكفاءة مما يقره العقل والمنطق، بل التساوي مع

االختالف في الكفاءة ظلم يأباه العقل. الثــاني: إن القــوانين حيث يضــعها ذوو النفــوذ )نفــوذا خاصــا

رأسماليا، أو

. 13 :( سورة الحجرات?)1274

عماليــا، أو مــا أشــبه( تنحــرف إلى حفــظ مصــالح تلــك الطبقــة الواضعة للقوانين، فترجع كفــة جماعــة ذوي النفــوذ، فــالقوانين في إمريكا توضــع لصــالح الطبقــة الرأســمالية، بينمــا توضــع في روســيا لصالح الحزب الحاكم، وفي بريطانيا توضــع لصــالح هــذا مــرة وهــذا مــرة، حســب أخــذ أحــد الحــزبين المتصــارعين على الحكم الزمــام

بيده. هــذا مــع الغض عن محــذور التطــبيق في القــوانين، حيث إن

التطبيق ال يكون إال في صالح األكثر قدرة.

إشكال القانون الوضعي في الجماعات وبمقدار ضعف القــانون ونقصــه في مــوردي الجعــل والتطــبيق بالنسبة إلى األفراد، للقانون ضعف جعال وتطبيقا في مورد األحزاب والمنظمات والجماعات داخــل الدولــة، وفي مــورد الــدول بالنســبة إلى القوانين بين الدول، فالمنظمة المرتبطــة بجعــل القــانون تضــع القانون لصالحها، كما أن المنظمــة المرتبطــة بتنفيــذ القــانون تنفــذــوانين القانون لصالحها، والدولة األقوى في األمم المتحدة تضــع الق وتنفذها لصالح نفسها، ومن هنا نشأ )حــق الفيتــو( و)حــق إســرائيل

في أراضي فلسطين( إلى غير ذلك. ــانون تحت ظــل الوضــع ليس إال ــال: الق ــا يصــح أن يق ومن هن

مخلب نمر في قفاز حرير.

حاكمية الدولة ذاتية ومطلقة وإذ قد تقدم أن حق السيادة والحاكمية يتجلى في )الجماعــات(

و)الدول( و)بين الدول( نقول: إن حق الحاكميــة في الــدول لــه خصوصــيات ال توجــد في حــق المالكيــة في الجماعــات وبين الــدول، وتلــك الخصوصــيات تجمعهــا

أمور: ــة ذاتي، أي إن األمــر ينتهي ــة في الدول األول: إن حــق الحاكمي

إليها، فالدولة

275

ــل ــير في فص ــع األخ ــون المرج ــوانين وتك ــع الق ــتي تض هي ال الخصومات، فهي المنبع وغيرها األنهر الــتي تســتقي منــه، فقــوانينــوق ــوماتهم وحق ــل خص ــزواج والطالق واإلرث وفص ــة في ال العائلــل ــوعة من قب ــا موض ــا، كله ــن فيهم وإلى غيره ــار الس األوالد وكب

الدولة. ــات ــات والجمعي ــوانين األحــزاب والمنظمــات والنقاب ــذلك ق وك والشركات وغيرها، وقد ذكرنا ســابقا الفــرق بين الدولــة اإلســالمية وسائر الــدول، بــأن األولى ال تضــع القــوانين وإنمــا تــؤطر القــوانين اإلسالمية المستفادة من الكتــاب والســنة واإلجمــاع والعقــل، بينمــا

الثانية تضع القوانين. وبــذلك يظهــر أن المــراد بكــون الدولــة المصــدر والمرجــع فيــير اإلســالمية، الدولة اإلسالمية، معناه )في التأطير(، وفي الدولة غ معناه في )التشريع(، وهــذا االختالف بينهمــا، ال يهم في هــدف هــذا

البحث. ولــذا فالعائلــة والحــزب ومــا إليهمــا، يكــون لهم رئيس وقــانون داخلي يضمن الحقــوق وكيفيــة اإلجــراء، إال أن واضــع هــذا القــانون ومنظم االرتباطــات والمرجــع لــدى المخاصــمات الــتي ال تحــل في داخل العائلة والحزب وما إليهما، هي الدولة، وهكــذا األمــر في كــل

تجمع صغير في داخل الدولة. فالسلطة في الدولة مستقلة قائمــة بــذاتها، بينمــا الســلطة فيــة التجمعــات الصــغيرة الــتي في داخــل الدولــة مســتقاة من الدول ومنتهية إليها، وال تســتمد الدولــة الســلطة من قــدرة أخــرى ـــ غــيرــانت قدرة األمة كمجموع، وقدرة الله سبحانه في اإلسالم ـ سواء ك تلك القدرة داخلية أو خارجيــة، وحــتى دولــة المؤسســات، فيمــا لــو تحولت األمــة إلى أمــة عصــرية، هي مجموعــة مؤسســات صــناعية وزراعية واقتصادية واجتماعية وثقافيــة وغيرهــا، تكــون الدولــة ذات

سلطة مستقلة

276

قائمة بذاتها، أي ليست كالتجمع الصغير الــذي يســتمد الســلطةوالقدرة من الدولة.

ــة أما إذا استمدت الدولة سلطتها من دولة أجنبية، فليســت دول مستقلة، بل تكون حينئذ إقليما تحت الحماية أو مســتعمرة أو واليــة

أو مقاطعة.ــا ولذا لم تكن دول )الدومينيين( في الدولة البريطانية دوال، ألنه لم تكن تملــك حــق التصــرف في شــؤونها الداخليــة والخارجيــة، إال بقدر ما يملك تجمع صغير داخل الدولة، فكانت تستمد ســلطتها من البلد األم )إنكلترا(، فكان برلمــان تلــك الــدول وحكومتهــا وحكامهــا

يؤدون وظائفهم بمعونة خارجية. أمــا )الكومنــولث( الــذي حــل محــل )الــدومينيين( فهي دول مستقلة ذات عالقة متبادلة مع انكلــترا، باســتثناء أن بريطانيــا تأخــذــا، ــدة وغيره منها أكثر مما تعطي لها، أمثال كندا وأستراليا ونيوزيالن

ويصح أن يسمى مثل ذلك بـ )االستعمار الحريرى(. وهكذا يكون الســتعمار بريطانيــا مــراتب: الســافر، كالهنــد إبــان االحتالل، والخفي كــالعراق في الحــال الحاضــر حيث يحكمــه البعثــو الـــدومينون، وعلى نحـــو ــة، وعلى نحـ ــا حقيقـ ــاهرا وبريطانيـ ظـ

الكومنولث، وعلى نحو إيرلندا. وبينما القسمان األوالن ال استقالل لهما إطالقا، بل هما كجمعية داخل دولة أو أسوأ، تكـون األقسـام الثالثـة األخـيرة ذات اسـتقالل،

ولكنها ترتبط بخيط االستعمار بشكل أو بآخر. أما البالد اإلسالمية داخــل روســيا فهي مســتعمرة بــالفتح، بكــل معنى الكلمة، وليست لها حتى مــا للجمعيــة في داخــل حكومــة من الحقوق، بينما الواليات األكثر من الخمســين في الواليــات المتحــدة اإلمريكية كل منها دولــة باعتبــار قوانينهــا الداخليــة، ولهــا برلماناتهــا وحرية تشريعها وقضائها وبوليسها وما إلى ذلك، وكلها دولة واحــدة

باعتبار سلطات الدفاع والسياسة الخارجية وإعالن

277

الحرب وعقد الهدنة والصلح وإبرام االتفاقات والمعاهدات.

صالحيات الدولة ثم إن حــق الحاكميــة في الدولــة يعطيهــا صــالحيات كثــيرة، كالتشريع وسن القانون )تأطير القانون في اإلســالم(، ويكــون ذلــك حسب رأى األكثرية في البرلمــان، وقــد يبــنى البرلمــان على صــحة العادات في األمــة، فال يكــون القــانون مســطورا كمــا في الدســتورــك االنكليزي، حيث إن جملة من العادات لها قوة القانون، وليس ذل

بمسطور في الدستور. وكذلك تنظيم المحاكم وتنفيذ األحكــام، وحــق فــرض الضــرائب وجبايتها، والمنع عن جباية المال لألفراد والجماعات إال بإذن الدولة، وأخذ الناس للخدمة العسكرية بجعل قوانين لها، والنفير العام لــدىــف ــة على األمن بمختلـ ــوليس والمحافظـ ــال البـ ــاج، وأعمـ االحتيـ الوسائل، وسن قانون العقوبات وتنفيــذها بحــق المجــرمين، وجعــل الوقايات والــتي هي خــير من العالج، خصوصــا في ظــروف الحــربــة إلى ــد تصــل العقوب ــع التجــول، وق والفوضــى واالضــطراب، ومنــدم من أهم اإلعدام، ولكن الالزم االحتياط والتثبت في ذلك، فإن الــه اإلنســانية، ومن تلــك االحتياطــات ربــط التوقيــع على مــا تعــتز ب اإلعــدام بلجنــة عليــا من أنــزه النــاس العــارفين بمــوازين القــانون

وأعراف االجتماع، أو برئيس الدولة النزية مباشرة. وجعل القوانين المراعية لحق الملكية الفردية والجماعيــة، ممــا ال إجحاف فيه وال إضرار، فلكــل حقــه البــدني والفكــري ومــا يقابــل المواد وشروط الزمان والمكان والعالقــات العامــة، وال يكــون حــق

نزاع الملكية إال في الحاالت النادرة

278

جدا، فإنه كحق القتل وكحق إباحة العرض في رتبة واحدة ممــاال يبيحه عقل أو دين إال في قصوى حاالت االضطرار.

واالســتيالء على أرض الغــير في حــاالت االضــطرار، كالشــؤون العسكرية في حاالت الحرب والحصار مــع تعــويض أصــحابها، ببــدل

اإليجار أو بدل الملك تعويضا عادال. ومصادرة ما تصح مصادرته كأدوات الجريمة، مثل مــا يســتعمل في االعتــداء، أو يهــدد أمن وســالمة المجتمــع، ومن ذلــك كســر

المعازف ونحوها وإراقة الخمر ونحوها في الشريعة اإلسالمية. وتشريع قوانين الســجون وتنفيــذها بحــق بعض المجــرمين، مــع

االحتياط الكامل، ألنه خالف حرية الناس المقررة عقال وشرعا. وحق صك النقود وإصدارها، وقد يخول ذلك إلى البنك المركزي أو غرف التجارة أو ما أشبه. وإدارة االشياء التي ال مالك لها، أو همر ال ولي خــاص لهم، وإعطــاء العقــود الصــيغة الرســمية وذلــك قصــ

بوضع الدولة خاتمها على المعامالت. والوقــوف دون نقــل بعض األمــور، كاآلثــار العتيقــة والحيوانــات النادرة والكتب المخطوطة ونحو ذلك، كــالوقوف دون هــدم وتغيــيرــار القديمــة، إلى غــير ذلــك ممــا ينبثــق عن ســيادة الدولــة من اآلث مجموعة التصرفات السياسـية واالجتماعيـة واالقتصـادية، لمكافحـة

المشكالت ولتوجيه الحياة ولتنميتها. وكذلك تقوم الدولة بالجهود للسالم العــالمي، وللســالم المحلي إذا قــامت الحــرب بين دولــتين، أو نشــبت حــرب أهليــة في دولــة، وبــالجهود إلزالــة التفرقــة العنصــرية واللونيــة واللغويــة ومــا أشــبه، وكذلك بــالجهود ألجــل تحســين الجــوار بين الــدول، وألجــل تخفيــف أعباء دولة على شعبها، وألجل تخفيــف المــرض والجهــل والجريمــة

وما أشبه الكائنة في بعض األمم.

279

))من الفروق بين الدولة اإلسالمية وغيرها(( وال يخفى أن الدولة اإلسالمية تعمل بكل هذه األمور لكن بثالثــة

فوارق، بالقياس إلى الدولة غير اإلسالمية: ( مالحظة قانون: )الناس مسلطون على أمــوالهم وأنفســهم(1

أبعد حد، حيث إن الحرية أصل كبير من األصــول اإلســالمية، إلى (1) وهذا الفارق وإن كان داخال في الفارق الثاني، إال أن أهميته أوجبت ذكره مستقال، باإلضافة إلى أن هذا األصل مسحوق في الدول التي تدعي الحرية، فكيف بالــدول الــتي بــنيت على الديكتاتوريــة كــالبالد

الشيوعية. ( لزوم كون كل القوانين تشريعا وتنفيذا في اإلطار اإلســالمي2

الذي استقي من األدلة األربعة. ( لزوم كون التنفيذ مشتمال على شرطين: 3

أ: والية الفقيه، أي إن الرئيس األعلى للدولة هو الفقيه الجــامع للشرائط، فهو وحده الذي له الحـق في إدارة البالد وتوجيـه العبــاد، فإدارة البالد ـ ولو على نحو اإلسالم مائـة في مائـة ــ ال يجـوز لغـير

فإنهم حجــتي عليكم، وأنــا حجــةالفقيه، قال اإلمام )عليه السالم(: .(2)الله عليهم

ب: كون الفقيه الصالح منتخبا من قبل أكثرية األمــة، فــإذا كــان هناك فقيهان جامعان للشرائط انتخبت األمة أحدهما ال يحــق لآلخــر تولي الشؤون كما هو مقتضى دليل الشورى، وقوله )عليه السالم(:

...انظروا إلى رجل منكم(3)،قد ذكرنا تفصيل دليل الشــورى في و كتاب: )الحكم في اإلسالم(، ولعله يأتي لــه مزيــد توضــيح في بعض

المسائل اآلتية إن شاء الله تعالى.

. 272ص 2نوار: جأبحار الانظر ( ?)1. 1من صفات القاضي ح 11 الباب99ص 18( الوسائل: ج?)2.1من صفات القاضي ح 11 الباب99ص 18( الوسائل: ج?)3

280

وبـذلك تـبين أن ال واليــة للفقيــه خــارج اإلطــار اإلســالمي، فــإن الفقيه هـو المــراعي ألحكــام اإلسـالم، ال الــذي يعمــل خــارج نطــاق اإلسالم، كما تبين أن ال والية للفقيـه خــارج انتخـاب األمــة، بالنسـبة

إلى التصرف في شؤون البالد واألمة.

بين سيادة الدولة وسيادة األمم المتحدة الثــاني: إن ســيادة الدولــة على داخلهــا أقــوى من ســيادة األمم

المتحدة على داخل الدولة. ( إذ ال قــدرة عســكرية لألمم المتحــدة حــتى تنفــذ إرادتهــا في1

داخل البالد، إذا لم ترضخ الدولة لمطاليب األمم المتحدة، وال تخرج قــدرة األمم المتحــدة عن القــدرة الدبلوماســية، وأحيانــا تصــل إلى المقاطعــة االقتصــادية ونحوهــا، ومثــل هــذه القــدرة ليســت كافيــة إلخضاع الدولة في شأن من الشــؤون، ولــذا كــثر في التــاريخ عــدمــا لم ترضــخ روديســيا ــدة، كم ــة لمطــالب األمم المتح ــول الدول قبــه األمم ــا اتخذت ــر لم ــدول األخ ــرائيل وال بعض ال ــرية وال إس العنص

المتحدة من القرارات. ــبرى العاصــية عن2 ــدول الك ــود ال ــذا باإلضــافة إلى أن وج ( ه

األوامر، والمتآمرة ضد القرارات، والجاعلة حــق )الفــتيو( ألنفســها، قد قلل من قدرة األمم المتحدة، وكثــيرا مــا تمشـي األمم المتحـدة

وراء الدول الكبرى في جعل القرارات وتنفيذ األوامر. ( وحــتى إذا قــدرت األمم المتحــدة عســكريا من التــدخل في3

داخل البالد حيثما عصت الدول الصغار، وكــانت بعض الــدول الكبــار موافقة فإن شلل األمم المتحدة من جهة )توازن القــوى( يمنــع عن

سلطة األمم المتحدة على الدول الصغار،

281

ــاف بينما سلطة الدولة الصغيرة على داخلها ال مانع لها، مثال تخ األمم المتحدة من التــدخل إلنقــاذ لبنــان أن تتــدخل روســيا في بلــد آخر، حيث إن تدخل األمم المتحــدة يكــون لحســاب إمريكــا، وهكــذاــد ــالعكس، هــذا كلــه مــع العلم أن األمم المتحــدة اليــوم جهــاز بي ب

االستعمار ليس غير.

بين سيادة الدولة وسيادة التكتالت الثالث: ال تعادل أية من المنظمات العالمية، حتى ما كــانت لهــا فروع داخل الدولة، قدرة الدولة على داخلها، وسيادتها على شــعبها

وأراضيها.ــة مثال الحــزب الشــيوعي العــالمي، ومنظمــة اليونســكو، ونقاب العمال العالمية، والهالل األحمر الـدولي، وجمعيــة حقـوق اإلنسـان، وغيرها، ال تقدر على ما تقدر عليــه الدولــة، فــإن كــل تلــك خاضــعة لسياسة الدولة على داخلها، فــإن تلــك وإن كــانت عالميــة إال أنــه ال قدرة تحميها في قبال قدرة الدولة، نعم إن تلــك القــوى تقــدر على

إيجاد الضغوط العالمية على الدولة التي تسيء التصرف.

السيادة المتكافئة الرابع: قد سبق أن الدول تكافئ بعضها بعضا، من جهة الحقوق والواجبات واألصوات ولو غالبا، كمــا ســبق أن المكافئــة المعاصــرة خالف العقل والمنطــق، لكن ال يخفى أن هــذا النــوع من الســيادة ـ أي السيادة المكافئة ـ ال تكون إال بالنسبة إلى الــدول الــتي يعــترف

بعضها ببعض، أما إذا لم تعترف بعض الدول لم تكن مكافئة

282

بالنسبة إلى الدول غير المعترفة، ومن آثار عدم االعتراف عدم التبادل الدبلوماســي والعالقــات التجاريــة ونحوهــا، لكن ربمــا يصــل عدم االعتراف إلى عدم دخول دولة في األمم المتحدة، وأحيانا إلى

عدم االعتراف بها داخل األمم المتحدة. فاألول: كالصين، حيث إنها دخلت تحت لــواء الشــيوعية، عــام )

( م، بعد مجازر رهيبة، فاستغلها العامــل السياســي العــالمي1949 ذريعة جعلت لمقاطعتها، فلم يأذنوا لها بدخول األمم المتحدة، حــتى

ــام ) ــدة عـ ــذا1970دخلت األمم المتحـ ــف أن هـ ( م، ومن المؤسـ الشعب الذي يبلــغ عــدده مليــارا من البشــر تقريبــا، أحيانــا تســتغله حكومة موسكو، وأحيانا تســتغله حكومــة واشــنطن، كمــا حــدث في الحــال الحاضــر، والســبب أنــه ال كفــاءة ذاتيــة لــه عقيــدة ونظامــا

واقتصادا، وال رشد فكري له حتى ينقذه من االستغالل. والثــاني: كإســرائيل، حيث إنهــا وإن دخلت األمم المتحــدة تحت مظلة أمريكــا وروســيا، إال أن كثــيرا من البالد اإلســالمية بقيت على عدم االعتراف بها، ألنها دولة غاصبة، واالعــتراف بالغصــب ال يصــدر

إال عمن ال يهتم بالعقل والمنطق. بقي شيء، وهو أن الدولة ذات السيادة يلزم أن يكــون لهــا من األراضي وأفراد الشعب مــا يتمكن بســببها من القيــام بنفســها، وإال كــانت ســيادتها اصــطناعية، وكــانت شــبح دولــة، إذ كيــف يمكن أن

تسمى دولة ما ال تتمكن من القيام بنفسها. وقد حدث أن كان من مصلحة االستعمار أو غيره تكــوين أمثــال هذه الدول، إما ألمر روحي كدولة الفاتيكان، فإنها ليست إال رمزية، كونت ليتمكن الدين المسيحي من السيطرة التامــة على مصــالحها الروحية، في كل العالم المسيحي الخاضــع لتلــك الكنيســة، بينمــا ال

مقوم لهذه الدولة من حيث األراضي وال السكان،

283

وإمـــا ألمـــر مـــادي كبعض دول الخليج، حيث أراد االســـتعمار استغالل منطقتها االستراتيجية، وثروتها المعدنية، فجعلها في صورةــة الواحــدة ــة في المدين ــة، بينمــا هي في حقيقتهــا بقــدر المحل دول

المتوسطة.

284

الدولة سيادة شعاع لقد تقـدم أن سـيادة الدولـة سـيادة مطلقــة، ال(:27)مسألة

تشابهها في القدرة سيادة أخرى، سواء السيادة الداخليــة لألحــزابــيادة ــدة أو السـ ــة لألمم المتحـ ــيادة الخارجيـ ــات، أو السـ والجمعيـــة العمــال العالميــة، لألحــزاب والمنظمــات العالميــة، كســيادة نقاب

وسيادة حقوق اإلنسان، وغيرهما. ونقــول: إن للدولــة ســيادة داخليــة وســيادة خارجيــة، والســيادة الداخلية هي المطلقة نوعا ما، حيث إن الدولة قادرة على التشــريع والتنفيذ، ضمن إطار ما تســالم عليــه الشــعب كلــه من الدســتور أو الدين أو العادات الــتي هي كالدســتور وإن لم تكن مدونــة كمــا في

بريطانيا. والــذي يحفــظ هــذه الســيادة المطلقــة في الــداخل هــو المــال والسالح، حيث إن المال يعطى للمــوظفين، ولــواله لم يكن خضــوع وضــبط أمــور، والســالح إلســناد القــانون وعقوبــة المجــرم بســبب

الجيش والشرطة والنجدة وما أشبه. وال تقدر أية جماعــة أو منظمــة غالبــا على مقابلــة مــال الدولــةــند ــان يس ــة، وإن ك ــاوم إرادة الدول ــتى تتمكن أن تق ــالحها، ح وس الجماعة مال كبير وأسلحة كثيرة، حيث أن ال تنظيم لمال الجماعــة وسالحها كما للدولة، ولذا أحيانــا نجــد الســالح بيــد الشــعب لكنــه ال

يقدر على مقاومة الدولة، كما نجد أحيانا

285

ذلك ال تقدر أن تقاوم الدولة. ــا في أما في الخارج، فقدرة الدولة محدودة وليست مطلقة كم الداخل، وذلك ألن الحرية متكافئة، فالحرية إنما تقدر على االنطالق إذا لم تكن حريــة أخــرى إلى جانبهــا، وإال فكــل حريــة تأخــذ نطاقــا لنفسها تمنع نفوذ الحرية األخرى إلى تلك المنطقــة، كحــال األفــراد في داخل الدولــة، فــإن حريــة تصــرف زيــد محــدودة بشــعاع حريــة عمــرو، وبــالعكس، وحريــة حركــة منظمــة محــدودة بحريــة حركــة منظمة أخرى، وكذلك حال الدولة، فلكل منها شعاع سيادة لنفسها،ــك ــط ذل ــة األخــرى في محي ــدي الدول ــع من تع ــك الشــعاع يمن وذل

الشعاع. فإذا أرادت دولة فتح األســواق لهــا في خــارج بالدهــا، لم تتمكن من ذلك إال بقدر ما تسمح الدولة األخرى ذات السـوق، وكـذلك في مجال الثقافة واإلعالم والدبلوماسية وغيرها، بينما الدولة في داخــل بالدها تقدر من كل ذلك بدون أن يكون لها مقاوم، وإذا قاومها فــرد

أو جماعة سحقته بقواها المسلحة. ثم إنه كما ال تسـاوي في شـعاع حريـة األفـراد والجماعــات في داخل الدولة، حيث إن الفرد المقتدر ماليا أو علميا أو مــا أشــبه لــه شعاع حرية أكبر من الفــرد الـذي ليس كـذلك، وهكـذا بالنسـبة إلىــطح األمم، ــتين في س ــبة إلى دول ــر بالنس ــذلك األم ــاعتين، وك جم فالدولة األقدر ماال وعلما وما أشبه لها من شــعاع الحريــة مــا ليس للدولة التي ليســت بتلــك القــدرة مــاال وعلمــا، هــذا بــالرغم من أن القانون الدولي يعطي لكل الدول قــدرا واحــدا من الشــعاع، فلكــل دولــة صــوت في القــرارات، كــبرت الدولــة كمــا وكيفــا أو صــغرت، باستثناء مثل حق الفتيو ونحوه، وقد عرفت فيما تقــدم عــدم صــحة هذا القــانون، بــل الالزم إعطــاء حــق األصــوات حســب كــبر الدولــة

وصغرها، ألن الدولة تمثل األفراد فليس من الحق

286

تساوي ألف مليون مع مليون واحد، فيمــا لــو تــوفرت الحريــاتللشعبين.

ضرورة التعادل بين الكفاءة والشعاع نعم ليس من الحــق أن يكــبر الشــعاع حســب كــبر اإلمكانيــاتــاس ــالالزم قي للدولة، إال إذا كانت اإلمكانيات نابعة عن الكفاءات، ف الدولة باألفراد من هذه الجهة، فإذا كان فــرد أعلم أو أقــوى جســما أو ما أشبه ذلك، كان شعاع حريته بقــدر كفاءتــه، بينمــا ليس كــذلك

األقل علما أو قدرة. مثال الذي يعمل كل يوم عشر ساعات لــه خمســة دنــانير، بينمــاــل الذي يعمل ثمان ساعات له أربعة دنانير، في صورة تساوي العم من حيث الكيف، وتبعا لألقدرية ماليا يكون الفرد األول أقدر انطالقا

وأوسع دائرة لشعاع الحرية. وإذا صـح هـذا الشـيء عقال ومنطقــا في الفــرد، صـح مثلـه في الدولة، فالدولة األقدر المستندة قدرتها إلى الكفاءة في أفرادها، إذ كفاءة الدولة بمعنى كفاءة أفرادها، يحق لها أن يكون شعاع حريتها وانطالقها أكثر من شعاع حريــة وانطالق الدولــة الــتي ليســت بتلــك

المثابة من الحرية. أما أن يكون الشعاع حسب األمر الباطل، كما في إمريكــا حيث إن قدرتها بحسب الرأسمالية المستغلة بالكســر، وفي روســيا حيثــة المســتبدة، فــذلك خالف مــوازين إن قــدرتها بحســب الديكتاتوري

العدالة التي هي إعطاء كل أحد بقدر كفاءته. وبما ذكرناه تبين:

: موقف اإلسالم من التساوي بين الدول في األمم المتحدة. 1

287

ــعف2 ــوة وض ــارجي في ق ــانوني والخ ــأ الق ــبين الخط ــا ت : كماألعضاء في األمم المتحدة.

أما األول: فألن اإلسالم ال يرى التساوي بين الدول بهذا الشكل الموجود حاال، بل يرى التفاوت حسب أفــراد كــل دولــة وكفــاءاتهم،ــراد، ال من ــكل من األف ــة تش ــراد حيث إن األكثري ــب األف ــا حس إم الوحدات الدوليــة المجعولــة، إذ مثال هــذه المائــة ألــف دولــة، وتلــك المائــة مليــون دولــة، أم جعلي حســب المقــررات، ولــذا كــان قــابال للتغيير عند تغيير خرائط الدول. وإما حسب الكفاءات، فالعــالم مثال حيث إنه خبير مسموع الكالم في شهادة تحتــاج إلى الخبــير، بخالف

ــالى: ــال تع ــه، ق ــمع كالم ــير حيث ال يس ــير الخب ــلغ ــألوا أه فاســذكر ــرهم و،(1)ال ــدم في أم ــير الق ــاد على كث ــديث: االعتم في الح

)عليهم السالم(، إلى غير ذلك من أدلــة االحتيــاج إلى الخبرويــة فياألمور المحتاجة إلى أهل الخبرة.

وأما الثاني: فألن قانون األمم المتحدة يجعل لكــل دولــة صــوتا، مهما كانت كبيرة أو صــغيرة، ويجعــل حــق الفــتيو لبعض الــدول من جهة القانون، كما يجعل المكانة االقتصادية والسالح وما أشبه مبررا للسير في ركاب تلــك الدولــة والســماع لكالمهــا، وإن كــان مخالفــا

للمنطق والعقل من جهة التطبيق. فالحالة في األمم المتحدة كالحالة في أفراد دولة واحــدة، حيث إن الفرد الـذي لـه مكانـة اجتماعيــة أو مــال أو مـا أشـبه يتمكن أن يفــرض على الفــرد الضــعيف إرادتــه بــدون أن يكــون مــبرر لــذلك الفرض، وكل ما يجري في األمم المتحدة من عدم العدالة، مثل ما

يجري بين األفراد والجماعات في الدولة الواحدة،

. 43( سورة النحل ?)1288

ــة الممنوحــة لإلنســان حســب المنطــق والعقــل، مخــل بالحري وحسب الشريعة اإلسالمية، فالالزم أن يكون شــعاع الحريــة للفــرد والجماعة والدولة حسب الكفاءة، ومعلــوم أن ســير األمم المتحــدة

. بهذا الشكل الموجود ال يدعمه عقل وال منطق كما ذكرنا سابقا

توسيع شعاع الحريات بقدر الكفاءات وعلى هذا فسيادة الدول في المجال الخارجي، يجب أن تكــون حســب كفاءاتهــا، وكلمــا تقــدمت الــدول في النضــج واالقــتراب من العقل والمنطق، توسع شــعاع الحريــات للــدول، وبــاآلخرة لألفــراد، وذلك ألن كفاءة األفراد كلما وجدت المجاالت المفتوحة تمكنت من

االنطالق حسب سعة ذلك المجال. فإن االنطالق العملي الناشئ من الكفاءة الذاتية، مثله مثل نورــه المجــال أبصــر بمقــدار العين، كلمــا صــد وقــف، وكلمــا فســح ل

استعداده اإلشعاعي. فقد كان في القديم حكومــات القبائـل، وفي ذلــك الـوقت كـان مجال كــل قبيلــة خاصــا بمقــدار ســيادتها المحــدودة بشــعاع ســيادة القبيلة الثانية، وإذ توحدت القبائـل تحت حكومــة صـار مجــال عمــل كل قبيلة بمقدار شعاع الحكومة، أي في منطقة كــل تلــك القبائــل،ــل ــع انطالق عم ــر يتس ــدول في أم ــواجز بين ال ــترفع الح ــا ت وكلم

الحكومة بقدر ما يتسع أمامها المجال. ولنفرض أن دولتين، مجــال عمــل كــل واحــد منهمــا في مليــون هكتار من األرض على أمــة ذات مليــون إنســان، فــانطالق إحــداهما على األخرى، يجعل كفاءات أفرادها تنطلــق بقــدر أرضــها وســكانها

فقط، بينما إذا تصافقتا على فتح المجال

289

االقتصادي، صارت الكفــاءة االقتصــادية تجــد مجــال العمــل في مليوني هكتار ومليوني إنسان، وهذا نــوع من الحريــة كــانت الدولــة

تقف أمامها قبل فتح هذا المجال. ــافي ــاعي والثق ــي واالجتم ــال السياس ــذا الكالم في المج وهك

والسياحي وغيرها.ــوق ــة( و)السـ ــدة اإلفريقيـ ــدة( و)الوحـ ــت )األمم المتحـ وليسـ األوروبيـــة المشـــتركة( و)نقابـــة العمـــال العالميـــة( وأشـــباهها، إال

إرهاصات لتوسيع مجال الكفاءات في كل الميادين. نعم الصــيغة النهائيــة للتوســيع إنمــا تكــون بتوحيــد العــالم تحت

وإن هذه أمتكم أمــة واحــدة وأنــاحكومة واحدة، كما قال سبحانه: .(1)ربكم في آية أخرى ذكرت طريقة الوصول إلى ذلـك، قـال سـبحانه:و

إنا خلقناكم من ذكر وأنــثى وجعلنــاكم شــعوبا وقبائــل لتعــارفوا إن فالشعوب والقبائل للتعــارف، والمعيــار ،(2)اكرمكم عند الله أتقاكم

في التقدم الكفاءة )التقوى(. ــذا كــانت المهمــة اإلســالمية أن يســعى كــل فــرد لتضــعيف ول الحاكمية المحليـة لتقويــة الحاكميـة العالميــة، إذ الحاكميـة المحليــة قوقعيــة، بينمــا الحاكميــة العالميــة انطالقيــة، وكلمــا ضــعفت األولى

قويت الثانية، وبالعكس. ومن الواضــح أنــه ليس المــراد بالتضــعيف الفوضــى، بــل تكثــير الحريات واالنطالقات، وتوسيع مجال عمــل الكفــاءات، فــإذا تمكنتــك ســقوط الكفــاءات من العمــل بأقصــى قــدرتها، كــان معــنى ذل

الحكومات المحلية، وقيام الحكومة الواحدة العالمية.

. 92 :( سورة األنبياء?)1. 13 :( سورة الحجرات?)2

290

االنغالق سبب تخلف العالم الثالث ومما تقدم ظهر ســبب التنــاقض بين البالد الصــناعية وبين البالد المتأخرة، والتي وصــلت جملــة منهــا إلى االســتقالل، حيث إن البالد الصناعية أخذت ترفض القومية، وتوسع الحريات الحدودية، وتسهل حركة الكفاءات، في مختلف المجاالت الثقافية والصناعية والتجارية واالجتماعية ونحوها، بينما البالد المتــأخرة بعكس ذلــك، تشــدد على

القوميات واإلقليميات والحدود وما أشبه ذلك. وجه الظهور أن البالد الصناعية بما تقدمت في رشدها الفكري، وعرفت أن التقدم إنما يكــون إلطالق الكفــاءات، أخــذت تســير في اتجاه توسـعة نطـاق العمـل، ومن الواضـح أن كـل الحـدود الماديـة كالحدود الجغرافيــة، ومــا يســمى بالمعنويــة كالحــدود القوميــة، من أكبر العوائق للتقدم، ولذا فقد أدركت تلك الدول وجوب إزالــة تلــك العوائق، وأخذت تزيلها بخطى بطيئة، ولــوال أنانيــة تلــك الحكومــات وكبريائها على األمم الضــعيفة، وعــدم خروجهـا عن سـباق التسـلح،

لكان السير في إزالة العوائق بخطى سريعة. ولذا لم تكن مسألة نزع السالح، مسألة )سالم( فقــط، بــل هيــدة، مسألة )انطالق( أيضا، فإن السالم واالنطالق وجهان لعملة واح حيث إن السالم إلزالة القلق، وحينما يــزال القلــق ينطلــق اإلنســان إلى أهدافه الرفيعــة، وعليــه فالســالم يــؤمن الجــزء الســلبي، بينمــا

االنطالق يؤمن الجزء اإليجابي. أما البالد المتأخرة، سواء ما استقل منها وتسمى مجاملة بالبالد النامية، أو ما ال تزال بعــد تحت االســتعمار الظــاهر أو الخفي، فهي

بالعكس من تلك تماما،

291

إنما تمر في مرحلة الطفولــة وحالــة القبليــة واالنغالق، وبعبــارةألين: الملوك الطوائفية.

وهذه الحالة تالزم الديكتاتورية، والديكتاتورية ضد الكفاءات كما هو واضح، ولذا تتمسك بالقومية، وتشدد في أمر الحــدود، وتعــارض أي انطالق، فالقومية تقول: قومي، واإلقليمية تقول: حدودي، بينمــاــيرهم، اإلنسانية تقول: أينما وجدت الكفاءات، سواء في قومي أو غ أو في حــدودي أو غيرهــا، والقاعــدة اإلســالمية المعروفــة: )النــاس

لتعــارفوا...اآليــة الكريمــة: و،(1)مسلطون على أنفسهم وأموالهم( ، تشــكالن األســاس األولى لصــرح الكفــاءات واالنطالقــة(2)أتقــاكم

العالمية.

القومية العربية وسيلة للتقدم أم عامل لالنحطاط ال يقال: إن تم ما ذكر بالنســبة إلى القوميــة في الجملــة، ال يتمــة ــد العـــرب )مائـ ــة، حيث إن توحيـ ــة العربيـ ــبة إلى القوميـ بالنسـ وخمسون مليونــا( في حكومــة واحــدة يعطي النتــائج المطلوبــة في

القدرة، وهو خير من تبعثر العرب في حكومات متعددة. ألنه يقال: لم تكن الدعوة إلى القومية العربية إال خــداعا، قصــد بها الجانب السـلبي من القضــية، أي عــدم قيــام اإلسـالم الـذي هــو المنقذ الحقيقي في هذه البالد، ولم يقصــد قيــام وحــدة عربيــة، بــل

الذين دعوا إلى القومية العربية علموا بأنه

. 7ح 272ص 2نوار: جأ( بحار ال?)1. 13 :( سورة الحجرات?)2

292

ال يعقل توحيد البالد تحت هــذا اللــواء، وذلــك لمــا تنطــوي عليــههذه الدعوة من بذور المقاومة والفرقة والمشكالت.

( مثل أن القومية تقــاوم من قبــل كافــة المســلمين، حيث إن1.(1)المسلمين يعتقدون باألمة اإلسالمية، ويرون حرمة أي تجمع آخر

( وتقاوم من قبل جملة من األقليات القاطنــة في هــذه البالد،2 مثل األقلية المسيحية في مصر ولبنان وغيرهمــا، واألقليــة الكرديــة

في العراق وغيرها، وسائر األقليات الموجودة في هذا البالد. فالمســيحيون عرفــوا اإلســالم بالســماح لهم، لكنهم لم يعرفــوا القومية بالســماح لهم، بــل عرفــوا عــدم ســماح القوميــة، حيث قــدــان ــه إذا ك ــالوا بأن ــراد ق ــاءة، واألك ــد الكف ــة ض ــرفت أن القومي ع الموضــوع اإلســالم فالكــل ســواء وإخــوة، أمــا إذا كــان الموضــوع القومية، فنحن قوم، كمــا أنتم قــوم، وبــأي مــبرر يكــون لكم الحكم

والسيادة، ونحن نكون شعبا تحت نفوذكم، إلى غير ذلك. ( وتقـــاوم من قبـــل اإلقليميـــة، حيث إن األقـــاليم المرتفعـــة3

اقتصاديا ال تستعد أن تتنازل من اقتصاديات ألجل التوزيع تحت لواءال تؤمن به، وقد حدثت كل هذه المقاومات بالفعل.

ــة4 ــة لم تكن تتمكن من مقابل ــافة إلى أن القومي ــذا باإلض ( ه إسرائيل الــتي تجمعت تحت لــواء الــدين، إذ الــدين أعمــق أثــرا في النفوس من القومية، فكــانت الــدعوة إلى القوميــة العربيــة مكيــدة استعمارية، لترسيخ إسرائيل في المنطقــة أكــثر فــأكثر، كمــا حــدث

بالفعل. ثم إن القوميــة حيث تالزم إيجــاد االعــتزاز بــالنفس في النــاس اعتزازا مكــذوبا، واالعــتزاز بــالنفس ضــد التواضــع، الزمت القوميــة

الديكتاتورية.

. أي التجمع الذي يحارب األمة الواحدة اإلسالمية( ?)1293

وهذا ما حــدث في البالد العربيــة الداعيـة إلى القوميـة بالفعـل، كما الزمت القومية انطالقا من اعتزازها المكــذوب بــالنفس، إحيــاء آثار اآلباء ولو كانوا كفرة، كما أحيت قومية مصــر فرعــون، وقوميــة العراق آثار بابل، وقومية إيران آثار المجوس إلى غــير ذلــك، وذلــك استلزم انفضاض أهل البالد عن الحكومة، فضال عن انفضاض ســائرــا المسلمين في البالد األخر، فضعفت كل من الحكومة والشعب بم جعلهما ال يقدران على التقــدم في أي مجــال، بــل جنحت البالد إلى

التأخر أكثر فأكثر.

294

المحتويات7...................................................................................................تمهيد

10..........................................................................للحكومة الثالثة العناصر12..........................................................الحكومة عن الصغيرة الجماعات غنى

14.......................................................................الكبيرة والجماعة الحكومة15..........................................................واالستجابة واألهواء المواهب اختالف

15.........................................................................................: المواهب116...........................................................................................: األهواء216................................................................والنفسية الجسدية : االستجابة3

17....................................................................................الماركسية خطأ18................................................................................العصرية الحكومات

18..............................................................................اإلسالم تقديم وجوب19..............................................................المعاصرة الحكومات تعقد أسباب

19....................................................................المختلفة األقوام : استيعاب120..........................................................................والصناعة العلم : تقدم220...................................................................المجتمع في الدائم : التحول3

21........................................................................المعاصرة الحكومات خطأ22...........................................................................المؤسسات زيادة نتائج

24...................................................................................الموظفين جمود25......................................................................................المجتمع جمود27.........................................................الشخصية الشؤون في الحكومة تدخل29......................................................................والمؤسسات التجارة تأميم30...............................................................................الدولة تدخالت نتيجة31...............................................................األعمال على الدولة استيالء خطأ32.................................................................................التسعير جواز أدلة

34...........................................................................اإلسالم في دكتاتورية ال34................................................................................الشيوعية دكتاتورية

35.............................................................................الرأسمالية ديكتاتورية36..................................................................................الحكام أنانية نتائج

38........................................................................المرارات تعرف الشعوب39......................................................................اإلسالم صميم من السياسة

39...................................................................................السياسة؟ هي ما40..............................................................................السياسة حدود تهلهل

41...................................................................................النسبية إطالقات42...........................................................اإلسالم صميم من السياسة أن كيف

42..............................................................................عامة شرعية نصوص44.......................................................................................خاصة نصوص44...................................................................................سياسيون األنبياء46...............................................................................الديني العالم واجب

48.......................................................................واجب بالسياسة االضطالع295

49................................................................والدين السياسة بين : االرتباط150............................................................................والعملي العلمي الدين51........................................................................................الباطل جولة

51.............................................................واالقتصاد السياسة بين : االرتباط252..........................................................................الرأسمالية في السياسة

53...........................................................................الماركسية النظرة وفي54............................................................................المزيف األدوار تقسيم

56................................................................................األربعة األدوار تفنيد57.........................................................................بالسياسة الحقوق ارتباط59............................................................للدستور المصدر فقط األربعة األدلة60.................................................................الحقوقية للنظم الساسة انتهاك

62..............................................................................المجتمع في التدقيق62......................................................االجتماع علم وبين السياسة بين االرتباط

63........................................................................العلمين بين االحتياج تبادل64.............................................................والسياسة النفس علم بين االرتباط

65...............................................................أربعة أمور في يؤثر النفس جوهر66.....................................................................التاريخ إلى السياسي احتياج

66....................................................................................الفقهية المعرفة67.......................................................................والسياسة المعاصر التاريخ67............................................................................استيعابي تاريخ معرفة69............................................................................وتطبيقه التاريخ ترجمة

71......................................................................ومعرفة وفن علم السياسة72..........................................................السياسي الوعي النعدام اليهود تركيز

73................................................................................ملوثة السياسة هل73.................................................................اإلسالم من ليست السياسة هل

74................................................................................الثالث العلم ميزات74.................................................................................والمحاسبة الضبط76..................................................................................المستقبلية الرؤية77..........................................................................للمستقبل الرؤية انعدام78....................................................................والمشكلة الخرافة من اإلنقاذ79..................................................................السياسة في الميزة هذه وجود

80.............................................................وخارجية ساحتان: داخلية للسياسة80.....................................................................................شعبتان للداخل80.....................................................................................شعبتان للخارج

82..........................................................................ومعانيها الدولة إطالقات82.................................................................................التعاريف بعض نقد

86..................................................................................األمة وحدة ميزان86...................................................................الدول وتدخالت الخارج مسرح87....................................................................................الحيلولة عوامل88.......................................................................................النفوذ عوامل

88.....................................................................................الدين : عامل189.................................................................................القدرات : عامل289...................................................................................الثقافة : عامل3

296

91..................................................................................المتحدة : األمم492........................................................................للحكومة السياسة مسرح94..................................................................اإلسالمية الدولة سياسة توحيد

94.................................................................................التجاري لالحتكار ال96....................................................................المستوعبة اإلسالمية النظرة97...........................................................................والتاريخ اإلنسان تفاعل98............................................................................ماركس مدرسة نسف

99..........................................................................األخرى الغربية المدرسة100............................................................................العليا: الدولة الوحدة102..................................................................الوسطى: الجماعات الوحدة103.....................................................................القاعدية: الجماهير الوحدة

104............................................................................الدين عن النبعاث: 1105......................................................السياسي الوعي لنقص الثورات تحطم106..........................................................................التحرير حركات واجب

107............................................................................العام الرأي استطالع107..............................................................العام الرأي في الشريعة نصوص

109...................................................................العامة والعاطفة العام الرأي110...............................................................................العام الرأي مردود

110.............................................................والوطنية القومية عن : االنبعاث2111.........................................................................التجمعات انقسام أنواع114...........................................................................اإلسالمي العالم يقظة

115........................................................................االقتصاد عن : االنبعاث3116...................................................................................الثالثي التفاعل

117.......................................................التاريخ وشالل اإلنسانية الشخصية بين118............................................................................للسياسة ماركس: ال

120..........................................................................والتاريخ الشخصية بين121...................................................................الشخصية مركزية في أقوال

123....................................................................السياسية الشخصية سمات127...............................................................والسياسي السياسة أقسام من

129..........................................................................علوم أم علم السياسة133........................................................................واألمة الدولة في بحوث134................................................................................الدولة إلى الحاجة

135........................................................ونقدها الدولة في الماركسية النظرية137...........................................................السالم عليه علي منظار في الدولة142..................................................................................األمة في بحوث142........................................................................والناس األمة بين الفرق144............................................................................المسلمة األمة تكون

146.................................................................المسلمين لكل واحدة حكومة148.................................................................................اإلسالمي التقدم151...........................................................................واختفاؤها األمم ظهور152................................................................................البشر عهود تاريخ

154....................................................................................والدول األديان158......................................................................األمم تشكل التي العناصر

297

159........................................................المادي العنصر على األمة تتكون كيف162.......................................................................الموحد السياسى التفكير162........................................................................اإلسالم في األمم دخول

164.........................................................................لألمة الجغرافية الحدود164........................................................................................دولة بال أمة165................................................................................متعددة ودول أمة

166...................................................................................الدولة مقومات168.......................................................................األمة في جديدان تحوالن168......................................................................................األصلح الفهم169.......................................................................الواحدة والحكومة العالم

170.......................................................................والفضائية المائية الحدود170.........................................................................اإلسالم بالد بين حدود ال

170...........................................................الكفر وبالد اإلسالم بالد بين الحدود172.......................................................................اإلسالمية الدولة مقررات173................................................................................الدول بين الحدود173...................................................................الشعوب بين والتميز الحدود175...............................................السياسي الحقل في وآثارها اإلنسانية القدرة175.......................................................................والسلبية اإليجابية القدرة

177..................................................................................اإلنسانية درةالق179....................................................................................الطاعة أسباب181........................................................................والعرضية الذاتية القدرة183.................................................................................طغيانوال القدرة184............................................................................القدرة ترويض مناهج

184..................................................................................الديني الترويض185...........................................................................الديمقراطي الترويض

186.........................................................................الديمقراطية أخطاء من189..............................................................................الشيوعي الترويض190..........................................................................)راسل( فكرة مناقشة192................................................................................االجتماعية القدرة193....................................................................والجماعة الفرد بين العالقة

196.............................................................................اإلنسان انتماء أنواع198.........................................................................الجماعات تقدم شروط

198...............................................................................والتوازن أ: الهدوء199........................................................................المشاكل في ب: الصبر200.................................................................................الناس ج: معرفة

201.............................................................................مختلفة د: مستويات202..........................................................................................ه: القدرة203...............................................................................المتكامل و: الفكر

204..............................................................................الفوالذية ز: اإلرادة205......................................................................................ح: االنضباط

205..............................................................................المستحيل ط: رفع206............................................................................السليم ي: التخطيط

208.................................................................................الفرص يا: اغتنام298

208......................................................................................يب: التواضع210.............................................................................النقد عن يج: البحث

211.............................................................................الواقعي يد: اإلنسان212..........................................................................والقدرات الحقوق بين

215............................................................................الجمعية قدرة أقسام215..........................................................................المتمركزة غير القدرة217................................................................................المتمركزة القدرة218............................................................................القدرة تمركز أسباب219.....................................................................................قسمان الدين221....................................................................................والقدرة المال

221...................................................................................لقدرةوا السالح222........................................................................للقدرة الخارجى السبب

222.........................................................................الدين سيطرة مقومات224................................................................القدرة منح في اإلسالم شروط

224........................................................................................الحقة قدرة226.....................................................................................القدرة أقسام

226........................................................................................: السلطة1227......................................................................................: الشخصية2228........................................................................................: السندية3

229..............................................................................القدرة؟ تدوم كيف233.................................................................................والتطور التكامل

235..............................................................القدرة تجاه السياسة علم مهمة238..........................................................السياسة علم محور هي التي األمور

240..........................................................................السياسية المؤسسات243...................................................السياسية والمؤسسات األمة بين التفاعل245............................................................السياسية المؤسسات أكبر الدولة

246..........................................................................الدولة معرفة مقومات247.....................................................................للدولة الحقوقية الشخصية

248............................................................الحقوقية الشخصية في الدين رأي249.......................................السالم( )عليهما يوعل الرسول بين المواقف وحدة253.................................................................................الدولة في بحوث

254.........................................................للدولة الحقوقية الشخصية وجود آثار255....................................................................................للدولة التدوام

256................................................................الشرائية؟ القوة أم النقد حجم257.................................................................................الخارجي التعامل258..................................................................................الداخلي التعامل

259..................................................متأصل أو اعتباري أمر الحقوقية الشخصية261....................................................والتكتالت الدولة بين الحقوقية الشخصية

264.............................................................الصالح الغرض تحري الدولة على267........................................................المفسدة التكتالت تجاه الدولة موقف

267...............................................................................القانون أخطاء من268..............................................................................آخر خطأ الفيتو حق

270......................................................................الفرد وصالح الدولة هدف299

271............................................................األمة جماعات وصالح الدولة هدف272.........................................................................وحاكميتها الدولة سيادة273........................................................................القانون وضع في الغالب

274..........................................................................البشرية القوانين نقص275......................................................الجماعات في الوضعي القانون إشكال275...................................................................ومطلقة ذاتية الدولة حاكمية

278..................................................................................الدولة صالحيات280.....................................................وغيرها اإلسالمية الدولة بين الفروق من281.....................................................المتحدة األمم وسيادة الدولة سيادة بين282............................................................التكتالت وسيادة الدولة سيادة بين

282................................................................................المتكافئة السيادة285..............................................................................الدولة سيادة شعاع

287.........................................................والشعاع الكفاءة بين التعادل ضرورة289........................................................الكفاءات بقدر الحريات شعاع توسيع

291............................................................الثالث العالم تخلف سبب االنغالق292.........................................لالنحطاط عامل أم للتقدم وسيلة العربية القومية

295.........................................................................................المحتويات

300