الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

75
رة ش ع ادسة س ل ا مة ك ح ل ا ء؟ ي ش ل ك ر ه ظ ا ي! و الذ ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل ك ب ر ه ظ ي! و الذ ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل ك ي! ف ر ه ظ ي! و الذ ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل لك ر ه ظ ي! و الذ ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل ك ود ج ل و ب ق ر ه ا و الظ ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل ك, ن م ر ه ظ و ا ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش عة م س لي ي! واحذ الذ ل و ا ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء ؟ ي ش ل ك, ن مI ك ب لK ا رب ق و ا ه ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك ء؟ ي ش ل ك ود جكان, وة ما ولا ل ء و ي ش ة ب ج ح ي, ن ور ا ص ت ي! ف ي ك

Upload: imam-masngud

Post on 03-Dec-2015

46 views

Category:

Documents


15 download

DESCRIPTION

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطيولد عام 1929 م في قرية (جيلكا) قرب جزيرة ابن عمر الواقعة في شمال شرقي سورية، والداخلة في حدود تركيا حالياً، وهاجر والده المرحوم ملارمضان إلى دمشق وله من العمر أربع سنوات.أنهى دراسته الثانوية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق، التحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على هذه الشهادة عام 1965م.عين مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1965, ثم وكيلاً, ثم عميداً لها، وهو الآن رئيس قسم العقائد والأديان في جامعة دمشق.اشترك في كثير من المؤتمرات العالمية، والندوات العلمية، وهو عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمان، وهو يتقن اللغة التركية والكردية إلى جانب العربية، ويلم باللغة الإنكليزية.له ما يقارب أربعين مؤلفاً في علوم الشريعة الإسلامية وآدابها والفلسفة والإجتماع ومشكلات الحضارة وغيرها، ترجم بعضها إلى الإنكليزية والألمانية والفرنسية.الإهداءإلى كل تائه عن الله, لم تجذبه عنه عصبية لذات أو مذهب, وإلى كل جاحد بالحق لم يحجبه عنه استكبار أو عناد, أقدم هذا الكتاب الجامع بين موازين العقل ونفحات الروح, عسى أن يجدوا فيه من شعاع النور والهداية مالم يجدوه فى المجادلات المنطقية والصراعات الفلسفية.والله ولي كل هداية وتوفيق

TRANSCRIPT

Page 1: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

الحكمة السادسة عشرة كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي

أظهر كل شيء؟ كيف يتصور أن بحجبه شيء وهو الذي

ظهر بكل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي

ظهر في كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي

ظهر لكل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر

قبل وجود كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر

من كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد

الذي ليس معه شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب

إليك من كل شيء ؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء ولواله

ماكان وجود كل شيء؟يا عجبا9 كيف يظهر الوجود في العدم أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف

القدم؟

Page 2: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

لعل� ه��ذه أط��ول حكم��ة لإلم��ام ابن عط��اء ا لل��ه السكندري. وهي دعم وتأكيد للحكمة ال��تي قبله��ا

والتي فرغنا من شرحها وتحليلها. منها:الفقرة األولىفنبدأ بشرح

كيف يتصور أن يحجبCCه شCCيء وهCCو الCCذيأظهر كل شيء؟

إن أي شيء مما قد يخطر في البال أن يكونأي A عن ا لله عز وجل، إنما هو مخلوقات الل��ه، حجاباA علي��ه. فكي��ف A كانت التكون إال دليال ومخلوقاته أياA ل��ك عن رؤي��ة يك��ون ال��دليل على ا لل��ه ححاب��ا

وإدراك وجوده؟ : ماوجه داللة الموجودات علىبعضهمقد يقول

وجود خالق لها؟ : أن الموجودات التي تمأل رح��اب ه��ذهوالجواب

الدنيا، كانت مس��بوقة بع��دم، فيم��ا يق��رره س��ائر العلم��اء على اختالف م��ذاهبهم، إال الماركس��يين أصحاب نظري��ة المادي��ة الجدلي��ة ال��ذين يص��رون على أن ه��ذه الموج��ودات متوال��دة بعض��ها من

بعض بدون بداية وإلى غير نهاية. فإذا تجاوزنا هذا الوهم الذي ليس�ت ل�ه أي قيم�ةA في كت��ابي )نقض علمي��ة، كم��ا ق��د بينت��ه مفص��ال أوهام المادية الجدلية( وعلمنا أن هذه المكون��ات كله��ا ك��انت معدوم��ة فيم��ا مض��ى، في عه��د من

Page 3: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

العه��ود الغ��ابرة، ثم وج��دت، ف��إن من البداه��ة بمك��ان أن انتقاله��ا من الع��دم إلى نقيض��ه وه��و الوجود، يتوقف على عامل خ��ارجي يتس��بب عن��ه هذا االنتقال، إذ األص��ل بق��اء ماك��ان على ماك��ان إلى أن يظهر هذا العام��ل الخ��ارجي ال��ذي يح��ول ماكان إلى نقيض الح��ال ال��تي ك��ان عليه��ا. وه��ذا معنى القاعدة العلمي�ة القاع�دة العلمي�ة القائل�ة:

يسCCتحيل رجحCCان الشCCيء على غCCيره))((.بدون مرجح

فإذا عرفنا هذه القاعدة وفرض�نا أن الخ�الق ج�ل جالله غير موجود، إذن فالمفروض أن تبقى ه��ذه الع��والم الموج��ودة في طي الع��دم، وأن اليوج��د منها شيء. إذ إن كفة الع�دم المطل�ق ك�انت هي الس��ابقة والراجح��ة، ومن ثم ف��إن األص��ل ه��وA، على حال��ه A وراجحا استمرار هذا الذي كان سابقا وأن اليعت��وره أي تح��ول إلى النقيض، ألن ال��ذي

سيدفعه إلى ذلك غير موجود. لكن��ا نظرن��ا فوج��دنا أن الع��دم ألغي وح��ل محل��ه الوجود، أي أن العدم تحول إلى وج��ود. إذن الب��د أن يكون ذل��ك بفع��ل فاع��ل، وإال لبطلت قاع��دة:

األصCل بقCاء ماكCان على ماكCان مCادام))((.العامل الخارجي غير موجود

Page 4: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ونحن عندما نجابه الملحد بال��دليل األبلج الواض��حA ه��ذا ال��دليل ال��ذي على وجود ا لله ن��ذكر ل��ه أوال اليستطيع أن يتجاهله أو يمتري ب��ه أي عاق��ل. أيA م��ا إننا نتخذ من هذه الموجودات التي كانت يوماA، وإال لم���ا A على أن له���ا موج���دا معدوم���ة، دليال

وجدت.A فكيف يكون هذا الذي نراه بالعق��ل وب��العلم دليالA في الوقت ذات��ه يقص��ي على وجود الخالق حجابا

اإلنسان عن رؤية الخالق؟!.. إذن فالبد� أن نردد مع ابن عطاء ا لل��ه اس��تفهامه

كيCCفالتعج��بي واإلنك��اري، وأن نق��ول مع��ه: )) يتصور أن يحجبه )أي ا لله تعCCالى( شCCيء

((؟!..وهو الذي أظهر كل شيء والنتيجة هي أن��ه اليمكن ألي� من الموج��ودات أنA عن ش��هود ا لل��ه واإليم��ان ب��ه، إذ إن يكون حجابا وجوده أثر من آثار وجود ا لله ع��ز وج��ل، فكي��ف

A دون شهود المؤثر؟ يكون األثر حجابا :الفقCCرة الCCتي تليهCCاولننتق��ل بع��د ذل��ك إلى

كيف يتصور أن يحجبه شيء وهCCو الCCذي))((؟..ظهر بكل شيء

ما الفرق بين هذه الفقرة والتي قبلها؟- الفق��رة الس��ابقة تع��ني، كم��ا عرفن��ا، أن س��ائر المكونات التي من حولك إنما وجدت بإيجاد ا لله

Page 5: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

إياها، إذن فداللتها على ا لله عز وج��ل، من حيثإنه الموجد لها من العدم.

أما هذه الفقرة، فتعني أن كل شيء بع��د وج��وده ينهض بوظيفة هادفة ذات قصد إلى غاية تتوق��ف عليها مصالح الحي��اة اإلنس��انية. وذل��ك ي��دل على وجود القاص��د ال��ذي س��خر تل��ك األش��ياء لقص��ده واس��تخدمها لمش��يئته، وه��و ا لل��ه ع��ز وج��ل. فظهوره الثاني هنا، تم باألشياء، أي بواس��طة م��ا تجلى فيه��ا من الحرك��ات الهادف��ة إلى تحقي��ق

المصالح، وهو مايعبرون عنه بالعلة الغائية. شرحا9 علميا9 مفصال9 لهذا البيCCانوإليك اآلن

.الموجز إن كل ماتراه عيناك من الموجودات، يدل على ا لله عز وجل من حيث أصل وجوده الذي الب��د� أن يتوقف على موجد.. ويدل على الله عز وجل من خالل اسمتمرار وجوده، وذلك من خالل الوظيف��ة ال��تي عه��د ا لل��ه به��ا إلى ذل��ك الش��يء، إذ إنه��ا�رة مم��ا ي��دل وظيفة هادفة تسير ظبق خطة م��دب

على وجود مدبر أخضعها لتدبيره.A، تدل� على وجود إن األرض التي نعيش فوقها مثال الخالق، بسبب أن كل مخلوق البد� له من خ��الق. وق��د أوض��حنا ه��ذه الدالل��ة في ش��رحنا للفق��رة

األولى من هذه الحكمة..

Page 6: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ثم إنها ت��دل على وج��ود الخ��الق، بس��بب النظ��ام الدقيق الذي أقامها ا لله عليه، وال��ذي تع��ود إلي��هA إمكاني��ة اس��تقرار اإلنس��ان على األرض متمتع��ا بمقومات عيش��ه وأمن��ه وطمأنينت��ه. فهي تتص��ف من وزنه��ا بثق��ل معين ل��و زادت علي��ه أو نقص��ت من��ه الخت��ل ق��رار اإلنس��ان فوقه��ا والض��طربت جاذبيتها له، والغالف الجوي الذي يحيط بها ي��وفر لإلنس��ان األكس��جين الك��افي، وي��رد� عن��ه أخط��ار الشهب والنيازك، وذلك طبق مواصفات وشروط دقيق��ة. والنبات��ات ال��تي تخض��ر على وج��ه األرض تمتص� م����ايزفره اإلنس����ان من ث����اني أكس����يد الكرب��وني لتحيل��ه من جدي��د إلى أكس��جين، كي اليطغى األول على الث���اني فيخت���ل ش���رط من شروط حياة اإلنسان على األرض، هذا إلى جانب�ربة وم��ا أودع فيه��ا من قابلي��ة االس��تنبات، إلى الت ج��انب المي��اه الجوفي��ة ال��تي خ��زنت في داخ��لyتz }ث األرض، إلى ج��انب المع��ادن المختلف��ة ال��تي ب عروقه��ا في تجاويفه��ا، ك��ل ذل��ك ض��من حس��اب دقيق يتفق وحاج��ة اإلنس��ان في توف��ير مقوم��ات

الحياة اآلمنة والعيش الرغيد. وبوسعك أن تتبين ه��ذا النظ��ام اله��ادف في بني��ة اإلنسان: أعضائه الظاهرة من سمع وبص��ر وش��م ولسان ودماغ، وأجهزته الخفي��ة الباطن��ة من ك��ل

Page 7: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

م��ا يتناول��ه ب��البحث والدراس��ة علم��اء التش��ريح..A ت���ؤدي وظ���ائف في غاي���ة الدق���ة فهي جميع���ا واالنتظ��ام، تتج��ه إلى غاي��ة واض��حة تتمث��ل في تحقي��ق م��ا ب��ه دوام الحي��اة وانتظامه��ا لش��خص

اإلنسان. ق��ل مث��ل ه��ذا عن األفالك والك��واكب والري��اح الس���ارية والس���حب األمط���ار وع���الم األغذي���ة واألقوات.. كل ذلك يتحرك طب��ق نظ��ام.. ويتج��ه النظ��ام إلى ه��دف، ويتمث��ل اله��دف في توف��ير الشروط التي البد� منه��ا لتوف��ير مقوم��ات الحي��اة

اآلمنة الرغيدة لإلنسان. هذه الظاهرة ال��تي تتح��رك المكون��ات كله��ا على أساس��ها، تس��مى ظ��اهرة ))العل��ة الغائي��ة(( أو ظاهرة الحكمة في األشياء. وهي دليل من أقوى

األدلة العلمية الناطقة بوجود ا لله. فا لله عز وج��ل ظ��اهر للعق��ول، به��ذه الوظ��ائف الهادفة التي يتحرك على أسأسها ك��ل ش��يء من األش��ياء، ف��أنت وإن لم ت��ر الل��ه بعين رأس��ك، إذ قضى بأن التدرك��ه األبص��ار، ولكن ه��ذه األنظم��ة الدقيق��ة الهادف��ة ال��تي تعك��ف عليه��ا األش��ياءA بعين الموج��ودة كله��ا، تري��ك ا لل��ه تع��الى يقين��ا بصيرتك. وهذا هو معنى قول ابن عطاء ا لله في

كيف يحجبه شيء، وهو الذيهذه الفقرة: ))

Page 8: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

(( أي وهو ال��ذي ظه��ر بس��ببظهر بكل شيء الوظيفة الهادف��ة ال��تي تس��ير وفقه��ا وبك��ل دق��ة

أشياء الكون أجمع.A لمن يعلم هذه الحج��ة ويعتم��د عليه��ا في وياعحبا اإليمان ب��أمم وش��عوب مض��ت ودخلت في ع��الم الغيب، ثم اليعلم هذه الحجة ذاتها وال يعتمد عليها

ة الكونية وموجهه��اجهزفي اإليمان بخالق هذه األ إلى ه��ذا النظ��ام اله��ادف ال��ذي التحي��د والتش��رد

عنه!!. ينظ��ر أح��دهم إلى أطالل باقي��ة من بن��اء، أو إلى كتابات أو نق��وش مهترئ��ة على بعض الج��دران أو الصخور، فيعمل عقله، ويتبين مما تدل عليه تل��ك النقوش أو األطالل، من أهداف كانت ترمي إليها ومقاص��د تس��تخدم له��ا، أن تل��ك البق��اع ش��اهدتA أمم��ا ذات حض��ارة وق��درة علمي��ة، وق��وة يوم��ا راسخة.. ثم اليعمل عقله ليدرك من خالل رؤيت��ه ألض�عاف ه�ذه الظ�واهر الهادف�ة والمنتش�ره فيA أجزاء هذا الكون كله، أن وراء هذا النظام منظماA، ه��ذا وأن وراء المقصد الذي ته��دف إلي��ه قاص��دا باإلضافة إلى دليل الخلق واإلبداع الذي قرره ابن

عطاء ا لله في الفقرة األولى.A ألولئ��ك ال��ذين الدلي��ل الخل��ق واإلب��داع ياعجب��ا يوص���لهم إلى اليقين بوج���ود الخ���الق المب���دع،

Page 9: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

والدليل النظ��ام اله��ادف ينبههم إلى اليقين ال��ذيالبد� منه بوجود المدبر والمنظم!!..

***، وهي:الفقرة الثالثةوننتقل اآلن إلى

كيف يتصور أن يحجبه شيء وهCCو الCCذي))؟((.ظهر في كل شيء

قبل كل ش�يء إي�اك أن تفهم مع�نى الحل�ول من هذه الفقرة بأن يخي��ل إلي��ك أن معناه��ا أن��ه ج��ل جالله موجود بذاته في داخ�ل ك�ل ش�يء... مع�اذ الله!!. لو قلنا ذلك لعاد الكون وع��اء ح}جب� ا لل��هA في داخله!! تعالى ا لله عن مثل هذا الوهم عل��وا

.A كبيراإذن ما معنى هذه الفقرة؟

معناه��ا: كي��ف يحجب��ه ش��يء وه��و ال��ذي ظه��رتصفاته كلها في كل شيء. وإليك البيان:

م��ا من ش��يء ت��راه عين��اك إال وتج��د في��ه ص��فة اإلب��داع والحكم��ة والجم��ال والق��وة واإلرادة إلى آخر ماينعت به ا لله عز وجل من صفات الكمال،

أليس كذلك؟ اختر من المخلوقات ماش��ئت، تأم��ل في��ه واس��بر غوره تجد هذا ال��ذي يقول��ه لن��ا ابن عط��اء ا لل��ه. انظر إلى الزهرة تأم��ل في عبقه��ا.. في ألوانه��ا، وجمال األصباغ العجيبة التي تالقت منسجمة فيها

Page 10: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

أال تراها تفيض بص��فات الل��ه ع��ز وج��ل؟ أال ت��رىفي داخلها صفة الجمال صفة الحكمة؟

صفة القدرة الباهرة؟ صفة اإلبداع؟ ص��فة العلم؟ عندها تعبق بالرائحة الزكي��ة ال��تي يش��مها أنف��ك، أمسلث بيدك واحدة من أوراقها واسحقها بضغط من أص��ابعك ثم ابحث بأنف��ك عن تل��ك الرائح��ة الزكي��ة، لن تج��د في س��حاقتها إال النقيض ال��ذي يش��مئز من��ه أنف��ك!!.. ض��ع ي��دك على أوراقه��ا الخضراء وابحث فيها عن هذا العب��ق المنعش، أو تلمسه في الجذور أو في ش��يء من الع��روق لن تجد إال مايشمئز منه أنفك وتكرهه نفس��ك، ح��تى إذا وقفت على الزه��رة مفتح��ة بالش��كل ال��ذي أبدعها ا لله، سرت منه��ا إلى أنف��ك رائح��ة زكي��ة منعشة التق��وى اللغ��ة وال العب��ارات على وص��فها

والتعبير عنها. ألس��ت من ه��ذه الزه��رة، بك��ل م��اتراه عين��اك ويشمه أنف��ك، أم��ام ص��فات ا لل��ه الب��اهرة ال��تي

د بها من دون كل شيء؟ تفر� عندما تترك النواة الصغيرة بين التراب، ثم تع��ودة� yر� ع�ي إليها بعد أيام، فتجد أنها ق��د تفج��رت عن ش��}ة� أخ���رى اتجهت yر� ع�ي هبطت إلى األدنى، وعن ش���} إلى األعلى، وتتأم������ل في ك������ل من ه������اتين الش���عيرتين، فالتش���ك أن���ه من الين والرخاوي���ة

Page 11: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

بحيث ل��و لمس��ته بين إص��بعيك الض��محل وذاب،A ولكنك تنظر فتجد أن األول منهما قد مخر هابط��ا صالبة األرض وكأنه مسمار من الصلب، وتجد أنA كل س��د� في طريق��ه مهم��ا الثاني قد مخر صاعدا كانت قسوته وصالبته.. فهده األعجوبة التي تراها عين��اك أال ت��رى فيه��ا مجموع��ة من ص��فات ا لل��ه الباهرة؟ أال ترى فيها قدرت��ه.. حكمت��ه.. إبداع��ه..

علمه... تدبيره... عندما تبحر، وتتوسط بك السفينة ع��رض البح��ر، وتتأم���ل فيم���ا يحي���ط ب���ك، ع���الم من المي���اه المتالطم��ة، ينط��وي في��ه ع��الم من الحيوان��ات المتنوعة العجيب�ة، أال ت�رى نفس�ك من ذل�ك كل�ه أمام سطور تنط��ق بآي��ات ا لل��ه الب��اهرة، تنط��ق بص���فات جبروت���ه وس���لطانه وقه���ره، وأحديت���ه

وصمديته؟ عندما تتوغ��ل في األدغ��ال، أو تش��رف عليه��ا من كثب، وتتأمل منها في عالم الطي��ور العجيب��ة في أش��كالها وأص��واتها ونظ��ام حياته��ا، ثم في ع��الم الزواحف، المتنوعة الغريبة، ثم في عالم الس��باع الض��ارية، ثم في النهج الث��ابت ال��ذي يلتزم��ه ك��ل منها، والضوابط المعيش��ية ال��تي تش��كل الق��انون الص��ارم في حياته��ا، أال ت��رى أن��ك أم��ام ص��فحة

Page 12: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

�ر أخرى من باهر صفات الله المبدع القيوم الم��دبالمحيط المتعالي القدير؟

تأم��ل في الري��اح الهاب��ة ن حول��ك ومن فوق��ك، وانظ��ر كي��ف ت��ؤدي وظيفته��ا الدائم��ة في إث��ارةA السحب وسوقها من مكان إلى مكان، تبددها آن��اA آخر، وانظر إليها كيف تتمازج وتكثفها وتجمعها آنا مع الرطوبة النس��بية، ثم كي��ف يص��در األم��ر إلى تل��ك الحب في اللحظ��ة المعين��ة ب��أن تمط��ر في المك��ان المعين، بق��در معين!.. أال ت��رى في ذل��ك كل��ه ص��فات الت��دبير واللط��ف واإلنع��ام والفض��ل

اإللهي! إذن؛ فالكون كله مظهر، بل م�عين� لص��فات ا لل��ه عز وجل. فكيف يكون فيه مع ذلك ما يحجبه عن

ا لله؟ كيففه��ذا ه��و مع��نى ق��ول ابن عط��اء ا لل��ه ))

((يحجبه شيء وهو الظاهر في كل شيءأي وهو الظاهر بصفاته في كل شيء.

إن��ك لن تج��د في الك��ون مايقطع��ك عن ا لل��ه.. ولكن الكون مع ذلك مليء بأناس مقطوعين عن ا لله، لماذا؟ أألن في األكوان ما حجبهم وقطعهم عن الله؟.. معاذ الل��ه!.. إنم��ا ال��ذي حجبهم عن ا لله قهره عز وجل. كما ذكرنا في ش��رح الحكم��ة

السابقة.

Page 13: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

وإنما حجبوا عنه بقهره، لما اهتاجت بهم أهواؤهم فاستكبروا عليه وتناس��وا ذل� عب��وديتهم ل��ه. وق��د علمت أن المعاص���ي على اختالفه���ا ليس���ت هي ال���تي تحجب اإلنس���ان عن���ه إنم���ا ه���و العت���و�

واالستكبار.*** من هذه الحكمة فهي قول��هالفقرة التاليةأما

كيف يتصور أن يحجبه شيء وهCCو الCCذي))((.ظهر لكل شيء

أم�����ا ظه�����ور ا لل�����ه للعقالء من اإلنس والجن والمالئكة فال إشكال فيه ألن عق��ولهم من ش��أنهارهم ب��ه، فه��و يظه��ر أن ته��ديهم إلي��ه وأن تبص���

بصفاته لمداركهم بهذا المعنى. ولكن كيف يكون ظهور الله لألش��ياء األخ��رى من

الجمادات والنباتات ونحوها، وهي كلها ال تعقل؟ والجواب: أن الخطأ يكمن فيم��ا ق��د نتوهم��ه، من أن وسيلة معرفة الله واليقين بوج��وده، إنم��ا هي ه��ذا العق��ل ال��ذي يتم��يز ب��ه اإلنس��ان عن س��ائرA إلى أن م��ا ع��دا المخلوق��ات األخ��رى... ونظ��راA بقطع النظر عن الجن والمالئك��ة( اإلنسان )طبعا اليتمت��ع بالعق��ل، إذن ف��إن ماع��داه غ��ير مؤه��ل

لمعرفة ا لله واإليمان به والشعور بوجوده.

Page 14: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

وهذا خطأ.. فإن سبل معرفة الله والديونون��ة ل��ه ليست محصورة بهذا الذي جهز ا لله به اإلنس��ان

ومتعه به، مما يسمى العقل: ولتق��ريب ه��ذه الحقيق��ة إلي��ك أق��ول: أرأيت إلى المالئكة، إنهم اليتمتعون بالوسيلة اإلدراكية ذاته��ا ال���تي نتمت���ع به���ا نحن البش���ر، ليس لهم في رؤوسهم األدمغة التي في رؤوسنا وال��تي يش��رق عليه��ا ذل��ك الس��ر الرب��اني ال��ذي ب��ه يتم العلم واإلدراك والذي نس�ميه العق�ل. ولكنهم م�ع ذل�ك يعلمون ما النعلمه من أسرار الملك��وت الرب��اني، ويعرفون ا لله ويعرفون عبوديتهم له، ويدينون له

التبتل والوالء. وه��ذا ي��دل دالل��ة قاطع��ة على أن لهم إلى ذل��كA أخرى متعهم ا لل��ه به��ا. وه��ذا ال��ذي يص��دق سبالA على المالئكة يصدق على المخلوقات األخرى أي��ا كانت.. إن حصر سبيل معرفة ا لل��ه واإليم��ان ب��ه وبصفاته في العقل، حصر سليم وصحيح بالنس��بة للمجتمع اإلنساني والنظام الذي أقام ا لله حيات��ه علي���ه، أم���ا ف���رض ه���ذا الحص���ر على س���ائر المخلوقات األخرى فق��رار غ��ريب أع��زل، يع��وزه

البرهان والدليل. أضف إلى هذا بيان ا لله عز وجل الذي أنبأن��ا من خالله بما يدل على أن سائر المخلوق��ات األخ��رى

Page 15: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

تتمتع يما يبصرها بالخالق عز وجل، وبم�ا ي�دعوها إلى الوالء والدينونة ل��ه. أال ت��رى إلى ق��ول ا لل��ه

�ك�نy ال� عز وج��ل: د�ه� و�ل yح�م��� �ح} ب ب }س��� �الz ي يyء� إ �نy م�نy ش��� و�إyيح�ه}م� ب yس� �فyق�ه}ون� ت ( وقوله تعالى:17/44)اإلسراء: ت

�يح�ه} )النور ب yس� �ه} و�ت ت �م� ص�ال� }ل� ق�دy ع�ل (.24/41ك إنما نخاطب بهذا الدليل المؤمنين با لله عزونحن

وجل، وبأن هذا الكالم إنما هو كالمه، وأما من لم يؤمن بوجوده بعد، فالبحث كله غ��ير ذي موض��وع بالنسبة إليه، ويوشك أن يأتي يوم يفي��ق في��ه من خ�د�ر عقله ويوقن بما لم يكن يوقن ب��ه الي��وم، إالA عن ا لل��ه بعنان��ده واس��تكباره، إن ك��ان محجوب��اA في فأغلب الظن أن هذا الفري��ق س��يبقى س��ادرا

غيه إلى أن يلقى ا لله عز وجل. إذن فلتعلم أن ا لله كما ظهر لك بن��ور من إدراك عقلك، فقد ظهر للمخلوقات كلها بنور رباني آخر العلم لنا به، فهي تظل في دينونة دائمة لحكم��ه، وفي تسبيح دائم لذاته العلي��ة. ب��ل إن في ص��نف اإلنس والجن من حجبوا عن ا لله فلم يتجل� و لم يظهر لهم، بحجاب من قهره وعاجل بطشه، أم��ا األصناف األخرى من المخلوق��ات فليس فيه��ا م��اA يخضعه للوالء الكامل ل��ه لم يتجل� الله عليه تجلياA على الس��جود لذات��ه العلي��ة، ك��ل ويحمل��ه طوع��ا

بطريقته ولغته.

Page 16: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

�نzوتأمل في هذا، قول ا لل��ه ع��ز و ج��ل: ر� أ �مy ت��� �ل أ

رyض�� yف�ي األ yم�او�ات� و�م�ن zف�ي الس�� yه} م�ن ج}د} ل��� yس��� ه� ي zالل��

ج�ر} و�ال��دzو�اب� zال} و�الش� ب yج� �ج}وم} و�ال yق�م�ر} و�الن مyس} و�ال zو�الش

}ه�ن� ذ�اب} و�م�نy ي yع�� ه� ال yي��� قz ع�ل ير� ح�� �ث��� اس� و�ك zم�ن� الن�� ��ير �ث و�كاء} �ش��� ا ي �فyع�ل} م��� zه� ي �نz الل � إ yر�م �ه} م�نy م}ك zه} ف�م�ا ل (الحج: الل

22/18.) فقد نسب البيان اإللهي السجود الذي هو أثر من آثار ظهور ا لله وتجليه، إلى كل المخلوقات التي في السماوات واألرض دون اس��تثناء، ولكن��ه لم��ا نس��ب الس��جود ذات��ه إلى الن��اس اس��تثنى منهم،

.فقال: yع�ذ�اب} yه� ال �ي �ير� ح�قz ع�ل �ث و�كA للخليق��ة اإلنس��انية ال��تي متعه��ا ا لل��ه في��ا عجب��ا بالعقل والرشد وكرمه��ا وفض��لها على كث��ير ممن خلق، كيف يكون فيها كثير ممن لم يستفيدوا من عق��ولهم ورش��دهم وعاش��وا محج��وبين عن ا لل��ه بغ���ير حج���اب، في حين أن س���ائر المخلوق���ات األخ��رى نعمت بل��ذة ظه��ور ا لل��ه له��ا، ثم نعمت

بوالئها لسلطانه وسجودها الدائم لذاته العلية!.. ثم أن هذا الذي يخبرنا ب��ه بي��ان ا لل��ه ع��ز وج��ل، من تس��بيح ك��ل ش��يء لل��ه ع��ز وج��ل، بم��ا في��ه الجم��ادات والنبات��ات والحيوان��ات العجم��اوات،A عن ا لله نوقن ونؤمن به، وإن لم تظهر نتلقاه نبأ

لنا دالئل مادية منظورة على ذلك.

Page 17: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ولكن الخ��وارق ال��تي قض��ى ا لل��ه ع��ز وج��ل أن نخ���ترق نواميس���ه وس���ننه الكوني���ة، بين الحين واآلخر، تضعنا أمام الدليل الم�ادي المنظ�ور على

مايقوله ا لله عز وجل. من ذلك مارواه البخاري في ص��حيحه من ح��ديث جابر رضي ا لله عنه قال: ك��ان ج��ذع يق��وم إلي��ه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضع له المن��بر

ح��تى ن��زل1سمعنا للجذع مث��ل أص��وات العش��ار النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه إلى

أن سكن. فحنين الجذع إلى رسول ا لله نتيحة لش��عوره ب��ه�ه له، وهو بدوره نتيجة لش��عوره بوج��ود ا لل��ه وحب وحبه له. وللجذع إلى ذل��ك س��بيله ال��ذي جه��زه اA أو لله به. واليشترط فيه ان يك��ون كس��بيلنا ن��وراA ينعكس على حجيرات ال��دماغ فيتك��ون من��ه سرا

العلم واإلدراك. وليس لك أن تقول: إن هذه واقعة خارق��ة ج��رت في ث��وان مع��دودات ثم انتهت وع��اد الج��ذع إلى شأنه وطبيعت��ه الجام��دة، ألن حنين��ه ال��ذي الريب فيه، ك��ان من آث��ار ش��عوره الس��ابق ب��القرب من رس��ول ا لل��ه إذ ك��ان يس��تند إلي��ه عن��دما يق��ف

العشار جمع عشراء، وهي الناقة التي أتى على 1حملها عشرة أشهر.

Page 18: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A، ثم تبد�ل ذلك القرب إلى بعد. فحنينه إنم��ا خطيبا هو نتيح��ة ش��عور م��تراكم يع��ود إلى م��اض اليعلم

مداه إال الله. ولكن الجديد والمفاجئ في األم�ر إنم�ا ه�و ب�روز ه��ذا الش��عور وظه��ور أث��ره ب��ذلك الص��وت ال��ذي انبعث منه. وإنما كان ذلك )وا لله أعلم( ليستبين الناس أن مايعدونه من الجامدات التي التعي، لها إحساس بالقدر ال��ذي يناس��ب وض��عها ال��ذي هي فيه، ومن ثم فإنها ليست محجوبة عن ا لل��ه ع��ز وجل. وا لله ظاه�ر� لها باإلحس��اس الخ��اص ال��ذي بثه فيه�ا، كم�ا ه�و ظ�اهر لإلنس�ان بالعق�ل ال�ذيA مارأين��ا من يتم��يز بالعق��ل م��يزه ب��ه. ب��ل كث��يراA عن عقل��ه وإدراك��ه ورأين��ا في واإلدراك، محجوب��اA من الجم���ادات والحيوان���ات المقاب���ل أص���نافا العجماوات، تدرك ما ال يدرك�ه كث�ير من أص�حاب

العقول. ويرحم ا لله اإلمام البوصيري فقد أب��دع وأج��اد إذ

قال في همزيته المشهورة:�هyد�ي به��ا من }ك� نور� ت رب� إن الهدى هداك وآيا # ت

تشاءyس� �ي yه�� # ���م� م��ا ل ل} ق��د أل �عyق��� كم رأين��ا م��ا ليس ي

yه�م} العقالء }ل ي

Page 19: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ع yف��� إذ أبى الفيل} ما أتى صاحب} ال� # �فيل� ولمy ينالح�ج�ا والذكاء

}خ�y # ���ر�س� عن��ه ح�تy بال��ذي أ والجم��ادات} أفyص���ألح�مد� الفصحاء}

�اء} }ها والظ�ب �اب yه} ض�ب �ف�ت ل� A بأرض� # أ �ا � ج�ف�وyا نبي ويح قوم

�وyه} و�و�د�ه الغرباء �وyه} و}حنz ج�ذyع� إليه # وق�ل ل وس�***

كيCCف يتصCCور أنثم يق��ول ابن عط��اء ا لل��ه )) يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجCCود كCCل

((؟!شيء من أبرز صفات ا لله تعالى القدم، والقديم لغ��ة،A: من ال أول ل��ه. أم��ا م��ا يقص��ده كث��ير من العرفا الناس من أنه الش��يء ال��ذي تط��اول أم��ده، فه��و معنى ع��رفي ال لغ�وي. تق��ول: دار قديم�ة وث�وب

قديم، أي ليست أو ليس بجديد. أما المعنى الحقيقي لصفة القديم، فه��و الكينون��ة التي ال أول لها. وهذا هو معنى القدم الث��ابت لل��ه

ر}تعالى. دليله ق��ول ا لل��ه تع��الى: خ��� yل} و�اآلzو� yو� األ ه��}

اط�ن} yب��� اه�ر} و�ال z(، إذ ))األول((57/3 )الحدي��د: و�الظ�� أصلها ))أوأل(( على وزن أفعل، صيغة تفضيل أي أوأل من ك��ل ش��يء، إذن فه��و قب��ل ك��ل ماق��د

تتصور أنه قبله.

Page 20: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A قول ا لله تع��الى: �ق}يدل على ذلك أيضا ال ه} خ��� zالل�� يyء� ل� ش��� (، إذ إن خالقيت��ه لك��ل13/16 )الرعد: ك��}

ش��يء تس��تلزم أن يك��ون قب��ل ك��ل ش��يء، وأن يك��ون وج��وده من ذات��ه البعام��ل أو بس��بب من

غيره.A قول رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه كما يدل عليه أيضا علي��ه وس��لم فيم��ا رواه البخ��اري في كت��اب ب��دء الخلق: ))كان ا لله تعالى ولم يكن شيء غ��يره(( وفي رواية أبي معاوية في الكتاب ذات��ه: ))ك��ان ا لل��ه تب��ارك وتع��الى قب��ل ك��ل ش��يء(( وه��و به��ذاA من حديث أبي اللفظ من رواية اإلمام أحمد أيضا

معاوية.A ولم يكن ش��يء وإذا ثبت أن ا لل��ه ك��ان موج��وداA غيره، فإن ذل��ك يس��تلزم أن ا لل��ه ك��ان موج��ودا والشيء قبله من باب أولى. وقد ورد حديث بهذاA في البخ��اري من ح��ديث عم��ران بن اللفظ أيض��ا حصين )ك��ان ا لل��ه والش��يء قبل��ه وك��ان عرش��ه

على الماء(. إذن فق��د ثبت أن ا لل��ه ك��ان والش��يء مع��ه أو والشيء غيره، وأنه عز وجل كان والشيء قبله..

ل�وهذا مما يقتضيه قول ا لله تعالى: �ق} ك��} ال zه} خ��� الليyء� (.13/16 )الرعد: ش�

Page 21: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A فنق��ول: إن الم��ادة وتزي��د ه��ذه الحقيق��ة بيان��ا بمعناها النوعي الذي توالدت منها األشياء، داخل��ة

ء�فى عموم ق��ول الل��ه تع��الى: )... yي ل� ش��� ( والك��} شك أن خالقية الله لكل شيء، بإرادة واختيار، ال

ماعدابتسبب فكل إذن اضطرار. أو بفيض وال بعضها الله حادث، مهما سبقت الحوادث

A؛ ومهم��ا قس��مت الح��وادث إلى أجن��اس أو بعض��اA تدخل تحت أنواع أو أجزاء أوجزيئات، فإنها جميعا اسم )ما عدا الله( وقد ثبت بنص الق��رآن وب��أكثر من نص من حديث رس��ول الل��ه أن ك��ل م��ا ع��دا

الله مخلوق ومن ثم فهو حادث. إذن فقد سقطت قيم��ة الكالم ال��ذى تط��وح في��ه كثير من الفالس��فة عن��دما ق��الوا بالق��دم الن��وعي لألشياء، أي بقدم المادة الخام التي تشكل جنس األش��ياء أو نوعه��ا الع��الي. إذ إن الجنس الم��اديA عن م��دلول كلم��ة لألشياء المتكاثرة ليس خارج��ا

يyء�(الشيء في قول��ه تع��الى: ) ل� ش��� �ق} ك��} ال ه} خ��� zالل�� وفي قول رس��ول ا لل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم

)كان ا لله تعالى ولم يكن شيء غيره(. وليس الغ���ريب أن يتط���وح الفالس���فة في ه���ذا الوهم المناقض لكالم ا لله عز وجل، فإن شأنهمA أن يت��ورط على األغلب ذلك.. ولكن الغريب ج��دا ابن تيمية رحمه الله في هذا اللغو، وأن يجنح إلى

Page 22: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A أن المس��لم ما ي��راه الفالس��فة في ذل��ك، مق��ررا اليكفر إن اعتقد بالقدم النوعي للع��الم وب��أن في

.2أشياء المادة ما لم يخلقه الله عز وجل ف��إذا ثبت وص��ف الق��دم لل��ه ع��ز وج��ل وأن��ه ه��و الخالق لك��ل ش��يء، إذن فق��د ثبت أن ك��ل م��اهو موجود إنما وج��د بخل��ق ا لل��ه ل��ه، فه�و بعض من آث��ار وج��وده وص��فاته، إذ المخل��وق ي��دل على الخالق والمصنوع يدل على الصانع. فكي��ف يص��ح أن يقال إن في المخلوقات الدالة على خالقها ماA يمن��ع التبص��ر بش��هوده يص��ح أن يك��ون حجاب��ا والوقوف على دالئل وجوده. كي�ف يك�ون ال�دليل

A يصد� عن رؤية المدلول؟.. حجابا فإن قلت: ولك��ني أعتق��د أن الع��الم ق��ديم ال أول له، ومن ثم فهو غير مخل��وق ح��تى نبحث ل��ه عنA خ��الق، وح��تى نجع��ل من وج��وده أي الع��الم دليال عليه، أي على ا لله عز وجل، أقول: إن هذا الذي تعتق���ده أوغ���ل في البطالن ممن يق���ول إن في مخلوقات ا لله ما يصد� عن ش��هود الل��ه واإليم��ان به. ذلك ألنا أوضحنا من قبل} أن هذه الموج��ودات هي أض��عف من أن توج��د نفس��ها، إذن فوجوده��ا

168انظر كتاب نقد مراتب اإلجماع البن تيمية ص 2 ومابعدها، وانظ��ر التحقي��ق ال��ذي كتبت��ه في ذل��ك في

ومابعدها.164كتابي )السلفية( ص

Page 23: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

متوق���ف على موج���د؛ ف���إن قلت: هي سلس���لة مخلوقات دائمة يتوالد بعضها من بعض، قلنا: هذا مثل قول��ك إن الص��فر ول��دت قيمت��ه من الص��فر الذي إلى يساره، والصفر الث��الث ك��ذلك، وهك��ذا إلى م��ا النهاي��ة. ف��إن ك��ان في العقالء من ي��ؤمن ب��أن مجموع��ة ماليين األص��فار ال��تي النهاي��ة له��ا توال��دت قيم��ة ك��ل منه��ا من الص��فر ال��ذي يلي��ه وهك��ذا، فإن��ه ق��د يوج��د في ه��ؤالء العقالء من يصدق بأن هذه الموجودات التي اليقدر كل منه��ا أن يوج��د نفس��ه، إنم��ا س��رت فيه��ا الق��درة علىA من ك��ل موج��ود منه��ا إلى الموج��ود ذلك، م��رورا

اآلخر الذي تفرع عنه!... وال أتصور أن في العقالء من يعتقد أو ي�ؤمن ب�أي

من هاتين الخرافتين. إذن فل��نردد م��ع ابن عط��اء ا لل��ه قول��ه: ))كي��ف يتصور أن يحجبه شيء وه��و الظ��اهر قب��ل وج��ود

كل شيء((.***

كيCCف يتصCCور أنثم يق���ول رحم���ه ا لل���ه: ))((يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء

ستقول: إني أرى ضوء الكهرباء أمامي، وال أرى ا لل��ه.. أرى خض��رة األش��جار والبس��اتين وال أرى ا لل����ه.. أرى األفالك والنج����وم واألرض والبح����ار

Page 24: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

والن��اس وال أرى ا لل��ه.. فكي��ف أص��دق أن ا لل��ه ال��ذي ال أراه أظه��ر من ك��ل ه��ذه األش��ياء ال��تي

أراها؟!.. وأنا أسألك بدوري: هذه األشياء التي تراه��ا، ب��أي وسيلة رأيتها وأدركتها؟ ستقول: بوس��يلة اإلبص��ار

وهي العين، وبوسيلة اإلدراك وهي العقل. ولكن ماهي العين التي تكسبك الرؤي��ة؟ ه��ل هي القرني��ة أو الش��بكية أو اللزوج��ات والرطوب��ات الدهني��ة ال��تي فيه��ا أو األوردة ال��تي تص��ل م��ابين

؟. العين ومؤخرة المخ�A إن غ��اب عن كل ذلك ال قيمة ل��ه وال يفع��ل ش��يئا

عينيك النور اإللهي الذي ينسكب فيهما. والعقل!.. ما الذي تعني��ه به��ذه الكلم��ة؟ ه��ل ه��و ال��دماغ ال��ذي يص��فه بعض��هم بأن��ه م��ادة عالي��ة التنظيم؟!.. ولكن للحيت����ان والحم����ير وس����ائر الحيوانات العجماوات أدمغة، وربما كان فيه��ا م��ا هو أضعاف الكم الذي يتمتع به اإلنسان من ذلك، ومع ذلك فإن أدمغتها لم تسعفها ب��اإلدراك ال��ذي

يتمتع به اإلنسان. والسبب أن اإلدراك إنما يتم بنور رب��اني يقذف��ه ا

لله إلى الدماغ. ال بجوهر الدماغ ذاته. إذن فأنت ترى ما ت�راه ض المرئي�ات وت�درك م�اذف تدركه من المعنوي��ات ب��النور اإللهي ال��ذي ق��}

Page 25: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

، وو}ج��ه من��ه إلى دماغ��ك yمنه في بص��رك ف��رأيت . yفأدركت� وعلمت

وإني ألس���ألك: أيهم���ا أجلى وأظه���ر: الش���يءك أم وس��يلة اإلدراك؟ أيهم��ا أجلى وأظه��ر: المدر� المص�باح ال�ذي تبحث بواس�طته أم المت�اع ال�ذي

تبحث به عنه؟ ولعلك لم تنس بعد، الحكمة السابقة ال��تي يق��ول ابن عطاء ا لله فيها: ))الكون كل��ه ظلم��ة، وإنم��ا

أناره وجود الحق فيه((.A من الن��اس يقع��ون تحت س��لطان غ��ير أن كث��يرا القاعدة القائلة: من شدة الظهور الخفاء. فيغيب عنهم أظه���ر م���ا في الك���ون ال لش���يء إال ألن ظهوره كامل واسع ال ترتسم ل��ه أبع��اد والح��دود. وأعيدك إلى المثال الذي سبق أن ذكرته.. عن�دما تنظر إلى األش��ياء المتن��اثرة من حول��ك، وتتأم��ل في أهم م��اورد في الع��دد الجدي��د من الجري��دة ال��تي وص��لتك لتك��ون من خالل المنظ��ار المثبت على عينيك، إنك لتعلم أن��ك به��ذا المنظ��ار تت��بين كل ما حولك. ومع ذلك فإنك ال ترى المنظار، ولو رأيته لقام أمام عينيك من ذلك حاجز يقصيك عن رؤية ماكنت تراه. ولربم��ا ج��اء من يس��ألك عن��ه، فتبحث عنه في كل زوايا ال��دار، وتفتش عت��ه في أدرج مكتبك، ثم تيأس من العث��ور علي��ه، دون أن

Page 26: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

تتذكر أنه مثبت على عينيك وأنك ب��ه تفتش عن��ه، وبه تبحث عن��ه في ك��ل الزواي��ا والجه��ات. ولق��دA ه��ذه الحال��ة في إح��دى انت��ابتني أن��ا شخص��يا

.3المراتA وعلى كل، سواء أتذكرت أن على عينيك منظ��ارا ترى به دقائق األشياء، أم نسيت ذلك، فإنك ت��رى به، ولكنك التراه. والريب أن األداة التي ترى به��ا

أظهر وأجلى من مرئياتك ذاتها. إذن فلنقل مع ابن عطاء ا لله: ))كيف يتص��ور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء(( وس��بحان من حجب عنه عباده المحجوبين مع ذلك بحج��اب

قهره.***

كيCCف يتصCCور أن يحجبCCه شCCيءثم ق��ال: ))((؟وهو الواحد الذي ليس معه شيء

ه�ل ه�ذا تعب��ير عن وح��دة الوج��ود ال��تي اليقره�اعقل والشرع؟

تأم��ل في كلم��ة ))مع��ه(( تعلم الج��واب عن ه��ذا السؤال: ذلك ألن ابن عطاء الل��ه ينفي أن يك��ون ألي شيء آخ��ر غ��ير ا لل��ه وج��ود ذاتي ث��ابت م��ع وجود ا لله. وماينبغي أن يغيب عنك الفرق الكبير

A لهذا الكالم مر� في شرح بعض الحكم 3 لعل موجزاالسابقة.

Page 27: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

بين وجود األشياء با لله ووجودها م�ع الل��ه. وإنم�ا ينفي ابن عط��اء ا لل��ه وج��ود األش��ياء م��ع ا لل��ه،

الوجودها با لله.فما الدليل على أنه اليوجد )مع( الله شيء؟

الدليل على ذلك أن األشياء الموج�ودة، كم�ا أنه�ا مفتقرة إلى من يوجدها من العدم وهو ا لل��ه ع��زA في اس��تمرارية وج��ل، فإنه��ا مفتق��رة إلي��ه أيض��ا

وجودها لحظة فلحظة.. فليس معنى خلق ا لله الكائن��ات أن��ه أب��دعها من العدم وأقامها على النسق ال��ذي أقامه��ا في��ه، ثم إنه تركها وتخلى عنه��ا لتس��تقل بالمحافظ��ة على ذاتيته��ا ومقوم��ات وجوده��ا.. ل��و ك��انت له��ا ه��ذه القدرة الذاتية، إذن لكان وجودها من ذاته��ا ولم��ا احتاجت إلى موجد. ولكن مما الريب في��ه أنه��ا ال تتمت��ع به��ذه الق��درة الذاتي��ة، ب��دليل أنه��ا ك��انت معدومة، ثم س��رى في الع��دم الوج��ود يمش��يئة ا لله وقدرته.. إذن فكما أنها فق��يرة إلى من يحي��ل ع��دمها إلى وج��ود ابت��داءA، فهي فق��يرة إلى منA، بحيث إن تخل�ى عنه��ا يمتعها به��ذا الوج��ود دوام��ا الموجد فال ب��د� أن يع��ود به��ا الض��عف ال��ذاتي إلى

وضعها الذاتي القديم وهو العدم.هذا دليل منطقي وعلمي اليتأتى الريب فيه.

Page 28: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

أم���ا ال���دليل على ه���ذا من كالم ا لل���ه وبيان���هفنصوص كثيرة، نذكر منها:

وم}- قول ا لله تعالى: yق�ي��� yح�ي� ال و� ال �الz ه��} ه� إ �ل��� ه} ال� إ zالل�� ( إذن فإن من أسماء ا لله تعالى2/255)البقرو:

))القيوم(( والكلم��ة على وزن ))فيع��ول(( ص��يغة مبالغ��ة، ومعناه��ا الق��ائم ب��أمر المخلوق��ات على الدوام. ومعنى ذلك إن وجودها ال��ذاتي وعكوفه��ا على أعمالها الوظيفية، إنم��ا ه��و ب��دوام قيومي��ة ا

لله عليها. - وقد فص�ل البيان اإللهي ه��ذا المع��نى في قول��ه

�نyع��ز وج��ل: رyض� أ� yم�او�ات� و�األ zك} الس�� }مyس��� ه� ي zالل�� zن� إ

وال� �ز} و�م�نy(، وفي قوله عز وج��ل: 35/41 )فاطر: تمyر�ه�

� أ رyض} ب����� yم�اء} و�األ zوم� الس��� �ق���} �نy ت ه� أ �ات���� )ال���روم:آي

( ومن المعل�����وم أن إمس�����اك ا لل�����ه30/25 السماوات واألرض، هو إمدادها بالوجود المستمر ورعايته لها وهدايته إياها للقي��ام بم��ا توج��ه إليه��ا من األوامر التكوينية، وهذا اإلمساك مستمر دائم

يتجدد لحظة فلحظة.�ه}مy- ومنها قول ا لله تعالى: zت ي ا ذ}ر� yن��� zا ح�م�ل �ن �ه}مy أ �ة� ل و�آي

ح}ون� yم�شy yف}لyك� ال (.36/41 )يس: ف�ي الو�اح�ومثله قول ا لله تعالى: - yل��� �اه} ع�ل�ى ذ�ات� أ yن و�ح�م�ل

ر� ) ر�13و�د}س��} }ف��� ان� ك �م�نy ك��� اءA ل ز� ا ج��� �ن��� }ن عyي� �أ ر�ي ب yج��� ( ت

(.14-54/13)القمر:

Page 29: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

فقد أبطل البي��ان اإللهي وج��ود أي فاعلي��ة ذاتي��ةzه إلى أن مايبدو أن الفلك تقوم به من للفلك، ونب وظيفة الحمل والطفو على سطح الماء، إنما ه��و بفاعلية مباشرة من ا لل��ه ع��ز و ج��ل، ول��ذا ف��إن الحامل الحقيقي لها ولمن هم على ظهره��ا إنم��ا

هو ا لله. وهذا هو معنى الكلمة القدسية التي علمنا إياها -

رسول ا لله صلى الله عليه وسلم وهي: ))الحول والقوة إال با لل��ه(( فق��د انتفى إذن أي ح��ول وأي�A، أال أن قوة ألي شيء في الك��ون، ابت��داء ودوام��ا يمد�ه ا لله من عنده با لحول والق��وة، إن لإليج��ادA، أو لقي���ام ابت���داء، أو لبق���اء الوج���ود اس���تمرارا الموجود بالوظيفة التي عهدت إلي��ه. إذ ك��ل ذل��ك يحتاج إلى حول وقوة، والحول والقوة إال ب��ا لل��ه، أي فليس لجنس الق��وة الس��ارية في أي ش��يء من األشياء، أي مصدر إال مصدر واحد الثاني ل��ه،

.4هو ا لله عز وجل إذن فهل بقي وجود� م��ع وج��ود ا لل��ه ع��ز وج��ل؟ ليس في العقالء من ي��ؤمن ب��ا لل��ه ثم يعتق��د أنA يتمتع بمعنى المعي��ة إلى A مستقال لغير ا لله وجودا جانب وجود ا لله. بل المنطق البدهي والنص��وص

A في بيان هذه الحقيقة في 4 A موسعا انظر تفصيال فما بعدها.176كتابى: )السلفية( ص

Page 30: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

القاطعة، كل ذلك يعلن على سمع الدنيا وبصرها، أن الوجود الذاتي الحق إنما ه��و وج��ود ا لل��ه ع��ز وجل، أما ما تراه عيناك من الموج��ودات األخ��رى فبا لله وجدت، وبا لل��ه يس��تمر وجوده��ا، وب��ا لل��ه

تودي وظائفها التكوينية التي عهد بها إليها. وأقرب مثال إلى ما أق��ول، و لل��ه المث��ل األعلى، حال طفل صغير لم يكمل بعد} السنة من عم��ره،A ويمسكه بعضديه، فترى الطفل ينهضه أبوه واقفاA على قدميه. أفتقول: إنه يق��ف م��ع أبي��ه أم واقفا تقول: إن��ه يق��ف بأبي��ه؟ الش��ك أن الطف��ل مهم��ا طال وقوفه على قدميه به��ذا الش��كل، فه��و إنم��ا يقف لحظة فلحظة بعون من أبي��ه، البق��وة ذاتي��ة منه مع أبيه. فلتعلم أن الكون كله بالنس��بة إلى ا

لله كذلك. فقد صح إذن ما قاله ابن عطاء ا لله من أنه ج��ل

جالله الواحد الذي ليس معه شيء. ف��إذا ثبت أن ا لل��ه ليس )مع��ه( ش��يء فكي��ف يحجبك عنه ما ال وجود له؟ كيف يك��ون المع��دومA يص��د�ك عن رؤي��ة الموج��ود؟ وال ريب أن حجاب��ا المكونات كلها معدومة بذاتها أي ليس له��ا وج��ود باتي، وإنم��ا هي موج��ودة بموج��دها ال��ذي أم��د�هاA، وه��و ا لل��ه بالوجود ابتداء، ويمد�ها بالوجود دواما

Page 31: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

عز وجل. فهي إذن دال��ة على موج��دها، وليس��تA عن موجدها. ححابا

*** كيCCف يتصCCور أنثم يق��ول ابن عط��اء ا لل��ه ))

يحجبCCه شCCيء وهCCو أقCCرب إليCCك من كCCل؟((.شيء

أجل.. هو أقرب إليك من كل شيء، ألم يقل ع��زه�وج��ل: و�س} ب��� yو�س��{ ا ت �م} م��� �عyل ان� و�ن yس��� �ن yا اإل �قyن��� ل دy خ� �ق��� و�ل

yو�ر�يد� yل� ال ب yه� م�نy ح� �ي �ل ب} إ �قyر� �حyن} أ ه} و�ن �فyس} (50/16 )ق: ن}مyألم يقل: yت }ن ا ك yن� م��� �ي }مy أ و� م�ع�ك (57/4 )الحدي��د: و�ه��}�ع}ه}مy و�ال�ألم يقل: اب و� ر� �الz ه��} ة� إ ث��� �ال� و�ى ث yج��� }ون} م�نy ن �ك م�ا ي

zال� ر� إ yث��� �ك ك� و�ال� أ �ى م�نy ذ�ل��� �دyن ه}مy و�ال� أ اد�س} �الz ه}و� س� ة� إ خ�مyس�}وا )المجادلة: �ان yن� م�ا ك �ي (.58/7ه}و� م�ع�ه}مy أ

والتقولن إنها آيات مؤولة، ف��المراد ب��القرب فيه��ا المعنى المجازي وهو العل، أي إن الل��ه يعلم من اإلنسان — أينما ك��ان ومهم��ا خال بنفس��ه — ك��ل خافية.. فنحن مع السلف الذين يفسرون ص��فات ا لله تعالى في آي��ات الص��فات بمعناه��ا الحقيقى له دون تكييف وال تش��بيه، ولس��نا ممن ينتقي م��ا ي���روق ل���ه أن يفس���ره من ذل���ك على حقيقت���ه فيقول: نحن نتبع ماكان عليه السلف، وينتقي م��اA: ال يصلح المعنى يروق له أن يؤوله من ذلك قائال

إال بالتأويل.

Page 32: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ونحن نقول: إنن��ا نجنح إلى ماك��ان علي��ه الس��لف دون انتقاء. وم��ادامت الحقيق��ة ممكن��ة فالتأوي��ل تمح�ل. وإنما تمتنع الحقيقة بسبب إلحاق الكيفي��ة به��ا، والكي��ف في الص��فات اإللهي��ة كله��ا غ��ير

معقول، إذن فال داعي إلى التأويل. على أن ال��ذين أوzل��وا الق��رب في قول��ه تع��الى:

yو�ر�يد� yل� ال yه� م�نy ح�ب �ي �ل ب} إ �قyر� �حyن} أ وأوzل��وا المعي��ة فيو�ن}مyقوله تعالى: yت }ن ا ك yن� م��� �ي }مy أ بمع��نى العلم:و�ه}و� م�ع�ك

A يتس��امى عن��ه نسبوا بذلك إلى بي��ان الل��ه تك��رارا المعه��ود من كالم الع��رب، فكي��ف ب��المعجز من

كالم ا لله عز وجل. فلقد صح البيان اإللهي في أماكن كثيرة أن ا لل��ه يعلم حال كل إنسان ويعلم س��ره وجه��ره. وذل��ك

ض� في مثل قوله: yر� yم�او�ات� و�ف�ي األ zه} ف�ي الس��z و�ه}و� الل

}ون� ب yس��� �ك ا ت �م} م��� �عyل }مy و�ي ك ر� yو�ج�ه�� yم{ ك zر �م} س��� �عyل )األنع��ام:يون� )النم��ل:( وقوله: 6/3 �ن��} }عyل ا ت ون� و�م��� }خyف��} �م} م�ا ت �عyل و�ي

هبت تؤو�ل القرب في قوله تعالى:(. فإن ذ27/25yو�ر�ي��د� ل� ال yح�ب�� yه� م�ن yي��� �ل ب} إ �قyر� �حyن} أ بهذا العلم ذات��ه،و�ناوتؤو�ل المعية في قوله تع��الى: yن� م��� �ي }مy أ و� م�ع�ك و�ه��}

yم{ yت }ن Aك بالمعنى ذاته، فقد حملت القرآن ب��ذلك حمال على تك��رار متكل��ف الم��برر ل��ه، وأعرض��ت عن التأسيس الذي هو األص��ل في الكالم، لتس��تعيض

Page 33: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

عنه بالتكرار الذي الداعي له، وهو م��ا يت��نزه عن��هبيان ا لله عز وجل .

لذا فإننا نج�زم ب�أن البي��ان اإللهي يق��رر أن ا لل��ه أقرب إلى اإلنس��ان من حب��ل الوري��د، وينبغي أن نعلم هذا ونستيقنه دون أن نقيده بأي كيفية مم��ا ه��و من ش��أن المخلوق��ات ك��التحيز. والحل��ول واحتواء المكان.. كذلك نج��زم ب��المعنى الحقيقي

}مyلقوله تعالى: yت }ن yن� م�ا ك �ي }مy أ دون أن نف��رغو�ه}و� م�ع�ك في ه��ذه المعي��ة المع��نى ال��ذي ه��و من ش��أن المخلوقات. إنها معية وقرب كما قال ا لله تعالى

..5بدون كيفب}انظر ماكتبه في تفسير قوله تع��الى: 5 ر� yق��� �حyن} أ و�ن

yو�ر�يد� yل� ال yه� م�نy ح�ب �ي �ل ك��ل من اإلم��ام الط��بري واإلم��امإ النيسابوري. راجع تفس��ير الط��بري وبهامش��ه تفس��ير

، وانظ���ر96 و90-25/89النيس���ابوري ط الميمني���ة ط دار17/9تفسير القرطبي الجامع ألحك��ام الق��رآن

الكتب. ومن الغ��ريب أن الحاف��ظ ابن كث��ير رجح في تفسير القرب في ه��ذه اآلي��ة أن��ه ق��رب المالئك��ة منA على ذلك بأن اإلنسان ال قرب ا لله عز و جل مستدال اآلي��ة ج��اءت بض��مير الجم��ع: ))ونحن..(( البض��مير المفرد ))أنا..(( ولم يصوب الرأي القائل بتأويل قرب.الذات، بمعنى علمه سبحانه وتعالى أقول: بناء على الدليل الذي اس��تند إلي��ه الحاف��ظ ابن كث��ير رحم��ه ا لل��ه في تأويل��ه ق��رب ال��ذات بق��رب

Page 34: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ومن المهم أن نعلم أننا نض��طر إلى تأوي��ل آي��ات الصفات عندما نقرنه�ا في أذهانن�ا بالكيفي�ة ال�تي تقف���ز إلى أذهانن���ا عن���دما نتح��دث عن ص��فات المخلوقين. ولكنا عندما نتذكر أن ا لله م��نزه عن الكيفية من حيث هي، نعلم عندئذ أن الحاجة إلى التأويل، تنسب إلى ا لله عز وجل كل ماقد نسبه إلى ذات��ه العلي��ة من ص��فات األفع��ال وص��فات ال��ذات، بمعناه��ا الحقيقي ال��ذي أراده ا لل��ه ع��ز وجل دون أي تكييف يزجنا في تن��اقض م��ع قول��ه

المالئكة، وهو التعبير بضمير الجم��ع )نحن( ينبغي إذن أن بجنح إلى الرأي ذاته في كل ما نسبه ا لل��ه تع��الى

دyإلى ذات�ه بض�مير الجم�ع، فيك�ون مع�نى قول�ه ) �ق�� و�ل � و�م�ا zام �ي zة� أ ت �ه}م�ا ف�ي س� yن �ي رyض� و�م�ا ب

� yم�او�ات� و�األ zا الس� �قyن ل خ�وب� }غ��} �ا م�نy ل ن zولق��د خلقت المالئك��ة الس��مواتم�س�� )

واألرض و مابينها... و لم يمسها لغوب، ويكون مع��نى( )قوله تعالى: ير} yم�ص��� �ا ال yن �ي �ل }م�يت} و�إ �ي و�ن }حyي �حyن} ن zا ن �ن إنإ

.المالئكة تحيي وتميت واليها المصير والش��ك أن الحاف��ظ ابن كث��ير اليق��ول به��ذا التفس��ير الباطل، إذن فضمير الجمع أو المف��رد اليلعب أي دور في تفس��ير مع��نى الق��رب، ومن المعل��وم أن ض��ميرA للفرد على وجه الجماعة كما يأتي للجماعة يأتي أيضا.التعظيم والتبجيل

Page 35: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

تع��الى: ليس كمثل��ه ش��يء؛ وقول��ه: ولم يكن ل��هكفوا أحد.

فإذا تبين هذا، وعلمنا أن ا لله أقرب إلى اإلنسانA في من كل شيء، القرب ال��ذي اليس��تلزم تح�يزاA في جه��ة وال أي كيفي��ة مم��ا مك��ان وال انحص��ارا يالزم المخلوق���ات، فق���ل لي: كي���ف يتص���ور أن يحجبه عن اإلنس�ان ش�يء؟ ..إن من ش�رط ه�ذا الشيء ليحجبك عنه أن يكون الشيء أقرب إليك منه. وليس في أشياء الكون كله��ا م��ا ه��و أق��رب

إليك منه، أي من ا لله عز وجل. رب قائل يناقش فيقول: ألس��نا نس��تعين بالعق��ل لمعرفة ا لله واإليمان به؟ ونقول له في الجواب:

بلى. من حق��ه أن يق��ول إذن: فالعق��ل أق��رب إلي� إذن من ا لله ع��ز وج��ل، ألن ال��دليل اذي أس��تعين ب�ه البد� أن يكون أق�رب إلي� من الم�دلولت، وإال لم�ا

A. فما الجواب؟ صح أن يكون دليال الجواب هو أن العقل الذي تستدل ب��ه على ا لل��ه تع��الى إنم��ا ه��و ن��ور يقذف��ه ا لل��ه في كيان��ك، ويعكس منه ماشاء على حج��يرات دماغ��ك، وق��د أوضحنا هذه الحقيقة من قب��ل... وه��ذا من بعض

ه}مايعنيه قول ا لل��ه تع��الى: ه} ل��� zل� الل�� �جyع��� �مy ي و�م�نy ل

Page 36: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

}ور� �ه} م�نy ن ا ف�م�ا ل Aور{ ( إذن ف��أنت ب��ا24/40 )الن��ور: نلله تستدل على ا لله، ولكن من حيث ال تشعر.

إذن فقد عدنا إلى الحقيقة التي الريب فيها، وهي أنه ليس في المكونات كلها ماهو أقرب إليك من

ا لله.***

ثم يق���ول ابن عط���اء ا لل���ه في نهاي���ة أس���ئلته كيCCف يتصCCور أن يحجبCCه شCCيءاإلنكاري��ة ))

((.ولواله ماكان وجود كل شيء سبق أن قلنا وأوضحنا أن وجود ا لله ه��و الوج��ود الذاتي المطل��ق، أم��ا الموج��ودات األخ��رى فإنم��ا انبعثت من العدم بإيج�اد ا لل��ه له�ا، وقلن��ا إن من أوض��ح األدل��ة العلمي��ة على ذل��ك أن الموج��ودات الكونيةعلى اختالفها كل� منها فقير بح��د� ذات��ه إلى الموجد، لذا فمهما تف��رع بعض��ها عن بعض، ف��إن مجموع��ة ه��ذه السلس��لة المتوال��دة بعض��ها من بعض، مفتق��رة إلى ذي وج��ود ذاتي مطل��ق يبثA وجودها على الدوام. فيها الوجود، بل يرعى أيضا ومن أنكر هذا الدليل العلمي الب��دهي، وادعى أن سلسلة الموجودات ال��تي تفتق��ر ك��ل حلق��ة منه�ا إلى التي قبلها، متوال��دة من بعض��ها ب��دون بداي��ة وإلى غير نهاية، وبدون حاجة إلى موجد ذي وجودA أن سلس��لة ذاتي مطل��ق، الب��د� أن ي��دعي أيض��ا

Page 37: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

أصفار طويل��ة غ��ير متناهي��ة تس��اوي قيم��ة مالي��ةا!.. والش��ك أنه��ا دع��وى باطل��ة بالبداه��ة، ألن م��� الص��فر ال يحم��ل في داخل��ه أي قيم��ة رقمي��ة أو رياضية، وإنما ه��و يكتس��ب القيم��ة من رقم ذاتي يك��ون عن يس��اره، فمهم��ا تراص��فت األص��فار الكثيرة التي النهاية لها، فإن كثرتها التستولد له��اA كالواح��د أو A ذاتي��ا أي قيم��ة إلى أن تض��ع رقم��اA، عن يس��ارها. فعندئ��ذ تس��ري الق��وة األربع��ة مثال من ه��ذا ال��رقم ال��ذاني إلى األص��فار الفق��يرة، متجاوزة من الواح��د إلى ال��ذي يلي��ه فال��ذي يلي��ه

وهكذا إلى نهاية األصفار. فمن ذا الذي يجه��ل أن سلس��لة المكون��ات ال��تي يتوالد بعضها من بعض، إن هي إال كهذه األص��فارA الوج��ود ل��ه، في يقين A بل وهم��ا A، تظل خياال تماما العقل وق��راره، إلى أن ي��برز على س��احة العق��ل الكائن الذي يتمتع بوجود ذاتي ينبث��ق وج��وده منA من غ��يره. وعندئ��ذ ي��ؤمن ذاته واليفد إلي��ه فيض��ا العقل بأن وجود سلسلة المكونات حقيقة ال وهم أو خيال.. وهذا الكائن الذي يتمتع بالوجود الذاتي المطلق إنم��ا ه��و ا لل��ه ع��ز وج��ل. فه��و الش��رط الذي البد� منه ليقين العقل بوجود ه��ذه السلس��لة المتوالدة من المكونات. أي إن من أنكر وج��وده،

Page 38: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A وجود ه��ذه المكون��ات وال ب��د فال بد أن ينكر أيضاأن يجزم بأنها مجرد أخيلة وأوهام.

فإذا تذكرنا هذه الحقيقة التي سبق أن أوض��حناهاA، علمن���ا أن ه���ذه A وض���وحا وزدناه���ا اآلن بيان���ا. المكونات كلها من آثار وجود المك��و�ن ع��ز وج��ل� وه���ل في العقالء من ي���زعم أن األث���ر يمكن أن

A عن رؤية المؤثر؟ يكون حجابا ه��ل في العقالء من ي��زعم أن أش��عة الش��مسA يقص��ي العق��ل عن اإليم��ان بوج��ود تشكل حجاب��ا الشمس، أو هل فيهم من يزعم أن الشبع حجاب ينسي العقل وجود الطعام، أو أن الش��فاء يحجب صاحبه عن اإليمان بما قد اسننعمله قبل ذلك من

دواء؟A على فطرت��ه ألم يق��ل ذل��ك األع��رابي، اعتم��ادا العقلية وحدها: البعرة ت��دل على البع��ير، وأق��دام الس��ير ت��دل على المس��ير؛ فس��ماء ذات أب��راج،

وأرض ذات فجاج، أفال تدل على العليم الخبير؟ فإذا كان الكون كله أثرا لوجود المب��دع والص��انع، فمن أين ي��أتي الحج��اب ال��ذي يقص��ي العق��ل

ويحجبه عن رؤية ا لله وشهوده؟ ال��تي ينهي به��ا ابنالخاتمCCةواآلن، تأم��ل في

ياعجبCCا9 كيCCفعطاء ا لله حكمته هذه. يقول: ))

Page 39: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

يظهCCر الوجCCود في العCCدم، أم كيCCف يثبت((.الحادث مع من له وصف القدم

إن���ه بع���د تل���ك الطوف���ة الطويل���ة من األس���ئلة اإلنكاري��ة، ال��تي الت��ترك لمرت��اب في وج��ود الل��هA، يلتفت في عجب الينتهي إلى ووحدانيت���ه ع���ذرا التائهين عن وج��ود ا لل��ه، الف��ارقين في ظلم��ات تأليههم لكل من عدا ا لله، المحج��وبين عن رؤي��ةA كي�ف يظه�ر الل�ه ب�دون حج�اب، فيق�ول: ياعجب�ا الوج��ود في الع��دم!.. أي لق��د ع��رفت من ك��ل مامضى ذكره وبيانه، إن هذه المكونات كله��ا في حكم المع��دوم ال��ذي ال وج��ود ل��ه. إذ إن وجوده��اA إنم��ا ه��و ب��ا لل��ه ع��ز وج��ل، فهي ابت��داء ودوام��ا مس��بوقة بع��دم وآيل��ة إلى ع��دم. ف��الوجود ال��ذي تتمتع ب��ه إنم��ا ه��و في الحقيق��ة وج��ود ا لل��ه، أي وجود من أوجدها ثم جعل من رعايته الدائمة له��اA الستمرار وجودها، فهل هو إال كوجود الظل سندا التابع ألصله؟ ومن الذي يعقل ثم يزعم أن الظل

له وجود من ذاته؟! فإذا ثبت هذا وتبين لنا أن هذه المكونات إذن في حكم المعدوم فالعجب كل العجب ممن يتي��ه عن وج��ود الموج��ود ذي الوج��ود ال��ذاتي الحقيقي، ثم يضفي صفة الوجود الحقيقي على هذا ال��ذي ه��و في حكم المع��دوم!.. يس��بح بحم��د وج��ود الظ��ل

Page 40: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

ال���ذي ليس ل���ه أي وج���ود ذاتي، وينك���ر وج���ود الشاخص الذي انبثق منه الظل وامتد من��ه وج��ود

وهمي خيالي!!.. ثم يب��دي ابن عط��اء ا لل��ه عجب��ه اآلخ��ر، فيق��ول: ))أم كي���ف يثبت الح���ادث م���ع من ل���ه وص���ف

القدم((؟A ثم وج��د، وإنم��ا الح��ادث ه��و ال��ذي ك��ان مع��دوما أوج��ده الق��ديم ال��ذي ال أول ل��ه، وه��و ا لل��ه ع��ز وجل، وهذا يعني أن الحادث موجود با لل��ه ع��ز و ج��ل، ال م��ع ا لل��ه ع��ز وج��ل، إذ المعي��ة تس��تلزمzة ال��تي تع��ني التالقي والتس��اوي على ص��عيد �د�ي الن

واحد. أليس من العجيب إذن أن يك���ون في العقالء من ينظ���ر إلى الح���ادث على أن���ه ذو وج���ود ذاتيA كوج��ود من ق��د ثبت ل��ه مس��تقل بنفس��ه، تمام��ا

وصف القدم وهو ا لله عز وجل. أقول: ولكن العجب ي��زول إن ع��دنا إلى الحكم��ة السابقة التي تم شرحها وهي قوله رحم��ه ا لل��ه:

مما يدلك على وجود قهCCره سCCبحانه أن))((.حجبك عنه بما ليس موجودا9 معه

فعلى الرغم من أن كل ماقد ذكره هنا ابن عطاء�ة� فيه، مما عبر عنه بقول��ه: كي��ف ي yا لله حق ال م�ر يتصور أن يحجبه شيء.. إلخ. إال أن القه��ر اإللهي

Page 41: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A عن��ه، A ومن العدم حجاب��ا يجعل من الالشيء شيئا إذا حاق غضبه بالعبد، وإنما يحي��ق غض��به بالعت��اة والمس������تكبرين، تبقى لهم عق������ولهم، ولكنهمA، ويتمتع��ون ب��أعينهم ال��تي اليستفيدون منها ش��يئا.A تتحرك في محاجرها، ولكنهم ال ي��رون به��ا ش��يئا

zم�أولئك هم الذين قال ا لله عنهم: �ج�ه�ن ا ل yن��� أ �ق�دy ذ�ر� و�لyه}م� �ه�ا و�ل �فyق�ه}ون� ب �ه}مy ق}ل}وب� ال� ي yس� ل �ن yج�ن� و�اإلy ا م�ن� ال Aير� �ث كك� �ئ��� }ول ا أ �ه��� م�ع}ون� ب yس� �ه}مy آذ�ان� ال� ي �ه�ا و�ل ون� ب yص�ر} }ب }ن� ال� ي �عyي أ

}ون� اف�ل yغ���� �ك� ه}م} ال �ئ }ول �ض�ل� أ �لy ه}مy أ � ب yع�ام �ن yاأل� )األعراف:ك7/179.)

ف��إذا ع��وفي اإلنس��ان من حج��اب ك��بره وعن��اده والركون إلى عصبيته، وأخذ نفس��ه ب��زاد دائم من ذكر ا لله ع��ز وج��ل، لم يج��د بين��ه وبين ا لل��ه أي حجاب يصد�ه عن معرفته وشهوده، بل إنه الي��رىA هادي��ة إلى المكوzن��ات على اختالفه��ا إال س��طورا الله، وآيات تنطق بباهر صفات الله.. وكلما ازدادA A إلى ا لله باألذكار والطاع��ات، ازداد ش��هودا تقربا لله عز وجل بعين بصيرته، إلى أن ي��رقى إلى م��ا سماه رسول ا لله باإلحسان. وعبر عنه الربانيون بوح���دة الش���هود.. إذ ي���رى المكون���ات وي���ؤمن

بوجودها، ولكنه اليرى فيها إال المكو�ن عز وجل. واليق���وى الخي���ال وال البي���ان على التعب���ير عن النش��وة الي يش��عر به��ا أص��حاب ه��ذا الش��هود!..

Page 42: الحكم العطائية شرح وتحليل الحكمة 16

A م���ا من المش���اغل وحس���بك أن تعلم أن ش���يئاض��ون الدنيوية إذا ألمت أو ط��افت بهم )وهم معر�ل إليهم أنهم A من الن��اس( خ}ي��� لذلك ماداموا بش��راج� بهم من تلك الحالة في س��حن، واع��ترتهم قد ز}

من ذلك وحشة وأي� وحشة.A عن تل��ك وكم ك��ان الواح��د منهم ي��ردد، تعب��يرا

A من هذه الوحشة قول القائل: النشوة، وخوفافما عذابي إال حجابي # وما نعيمي إال وصالي

اللهم التقطعن��ا عن��ك بقواط��ع ال��ذنوب والبقب��ائح العيوب، يامن علي��ه العس��ير يس��ير، واه��دنا اللهم واه��د� بن��ا إلى س��واء ص��راطك المس��تقيم، واختم حياتن��ا ب��أحب األعم��ال إلي��ك، ح��تى نلق��اك وأنت

راض عنا، يارب العالمين.