ج الحــــــــلامحمد سامي البوهي

الكتـــــــــــــاب:

المــــؤلـــــــــف:

تصميم الغــــلاف:

المراجعة اللغوية:

الحــــــــــــــــــــــــــــــلاجمحمد �سامي البوهي

مروة فتحيموؤ�س�سة اإبداع للترجمة والن�سر والتوزيع

2016/ 0000

978 - 977 - 779 - 072 - 7

موؤ�س�سة اإبداع للترجمة والن�سر والتوزيع

طبع، �إع���ادة �أو تقليد، �أو �قتبا�س و�أي مكتوبة قانونية م��و�ف��ق��ة دون ن�شر �أو �لقانونية، للم�شاءلة �شاحبه يعر�س �لملكية �ل��و�ردة وحقوق و�لآر�ء و�لمادة فقط بالموؤلف بالكتاب خا�شة �لفكرية

ل غير.

العنوان: 40 �ش محمد فريد، و�سط البلد، القاهرة

هاتف: 0223952354 - موبايل: 01142050403

www.prints.ibda3-tp.com :الموقع الإلكتروني

info@ibda3-tp.com:البريد الإلكتروني

جميع الحقوق محفوظة

رقــــم الإيــــداع:

الترقيــم الدولــي:

الإخــراج الفنـــي:

المدير العام: عيد اإبراهيم عبدالله

�لكيو �آر

ج الحــــــــلامحمد سامي البوهي

5

إهداءاإلى "العتق" الذي كلما ابتعد عني؛

لني... كب

اإلى الحنين واليا�سين

7

"ليس الطريق وحده ما يأخذك إلى حيث المنتهى

فهناك من الطرق ما لا ينتهي

لكنه النور وحده ما يجمع كل النهايات"

الكاتب،،

9

)# خارج النطاق(

والله ما طلعت �سم�س ولا غربت

اإلا وحبـك مقـرون باأنفا�سـي

ولا خلوت اإلى قوم اأحدثهــم

اإلا واأنت حديثي بين جلا�ســي

ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا

اإلا واأنت بقلبي بين و�سوا�ســـي

ولا هممت ب�سرب الماء من عط�س

اإلا راأيت خيالا منك في الكـــاأ�س

10

11

انطلق ملاك من ال�سماء الرابعة يحمل قمرا مكتملا على جناحه الاأيمن "الفرات"، به في �سبعا، ثم قذف الاأر�س ليلة ظلماء، طاف حول في فنفذ �سعاع من جوف النهر مخترقا �سفحة الماء المنحدر من ال�سماء، ان�ساب فقط ذلــك، اإثــر على م�سطربة موجات اأو حلقات، تخلق لم الاأرفلون، ف�سة من طويل خط اإلــى له فحو النهر مجرى في ال�سعاع واحــدة، غرفة هم باأكف منه يغترفون الفي�س على العارفون فتهافت �سربوا منها، وتو�سئوا، فثار الفي�س، وا�سطرب، زاد النور توهجا، وعلا ي�سعد منها كم خطانا، نح�سي الخطى، بين )من الذاكرين �سوت تحجل خطوة �سوى نجد فلا الاأر�سين؟، تجذبها منها وكم لل�سما؟ الوريد، بين ترتجف العنان، وخطوة حائرة يكبلها نا، وخطوة الد بين

وم�سارب الاأنفا�س(.

فا�ست المرتجى، الملكوت نحو يتدفق ال�سماء اإلــى ال�سوت ارتفع

الدموع تندما، �سقت مجراها نحو النهر، امتزجت بثرى "الحلاج" فبلغ لحما، فك�سيت العظام، حوله جمع منفجرا، القلب دق بى، الر ال�سيل ور�سم اللحم ملامحا، فلما اكتمل انت�سل ج�سده من نهر الفرات، نظر �سوب متجها غادرهم ثم لهم، ابت�سم في�سارا، يمينا، العارفين، نحو انفلق الذي النور فاأخذه ال�سرقي، ال�ساطئ على المت�سابكة الاأحرا�س

و�سط الظلمة الحالكة من اأحد اأكواخ ال�سيادين المهجورة.

لم يكن م�سباحا ي�ساء، ولا نارا ت�ستعل، ولا بلورة تبرق، بل كان نورا، الاآفــاق، وتجلى نبع من وا�ستنار، حتى فاأنار، نور، نور، فوق انبثق من بعد ال�سنين مئات منذ الب�سر هجرها التي ال�سغيرة البقعة تلك في كلها المنطقة فبدت المتناثرة، الم�ستنقعات على الجفاف �سيطر اأن كمحارب قديم لم يخلو ج�سده من الندبات، فتقدم "الحلاج" اإلى داخل وجلبابا خ�سراء، وعمامة م�سبحة، جواره مفتوحا كتابا فراأى الكوخ اأبي�س، وبردة �سوداء، وع�سا، ورجلا عجوزا ينام في فرا�سه يحت�سر، ثم فارتوى، جرعة كفه من ف�سقاه نحوه فاأ�سرع الحو�س، ماء يطلب الكتاب، �سوب المرتع�سة بيده واأ�سار فانت�سى، العاري ل�سدره �سمه وقبل اأن تخرج من فمه الكلمة الاأخيرة، انقطعت الاأنفا�س، كف القلب

ليدق دقاته الخالدة في العالم الاآخر، �سمت الرجل، مات الرجل.

13

التي الاأخيرة بالحقيقة يف�سح اأن بها؛ ينطق "الحلاج" اأن ا�ستحلفه رحل من اأجلها، فهبط ملاك ال�سماء الرابعة وحمله، وارتفع.

"الحلاج" ج�سده العاري بالجلباب، وراأ�سه بالعمامة، وزاد �ستره �ستر واأ�ساءت، اأحرفه، فلمعت الكتاب، يلتقط يده مد ال�سوداء، بالبردة قلب الاأحــرف جميعها، اختفت واحدة، كلمة بقراءة يهم اأن قبل لكن ال�سفحات، ال�سفحة تلو ال�سفحة، لا �سيء �سوى بيا�س ي�سبه النقاء، �سعدت، لكنها اختفت، ثم جهرا، نف�سه على قراأها اأخيرة وحقيقة �سارت نجما يبرق في اأعين العارفين حول النهر، فاهتزت قلوبهم وجلا، وذابت بين حنايا الذكر، فارتفعت حناجرهم بالذكر )نحن العازفون على اأنواط القلب، الراق�سون بين ثقوب الوجع، متعللون باآلامنا وما بنا كغ�سة تزاحمها ال�سعادات، من وتقطع تمزقنا فالذنوب خناجر األم، حمقاء علقت بالملذات، فلا الجراح تجعلنا نرق�س طربا، ولا المعازف تجعلنا نرق�س ولها، بل هو الوجل من لقياه، نجر ثوب الخطايا( فعا�سوا

هائمين بين �سوق، وع�سق.

اتكاأ "الحلاج" على ع�ساه، وقب�س على م�سبحته بيمناه، واتخذ طريقه على �سوته باأعلى نادى بالله"، "المقتدر بق�سر طاف بغداد، �سوب �ساكني الديار، لكن لا مجيب، فال�سلطان اليوم ل�ساحب ال�سلطان، فلا

"كهرمانة" بقيت، ولا اأمه "�سعب"، فاأيقن اأن الحكاية قد اأ�سبحت في جعبة الطي، يرويها من جاء طالبا ذكرى، لكن على اأطلال الديار راأى زهرة �سديقه التي اأتته من و�سط حجارة الرجم قد نبتت، ف�سعر بوجع غائر في القلب "فزهرة من �سديق اأ�سد من رجمة اإبلي�س"، فقطفها، واحتفظ بها معلقة في عمامته، وطاف بها في المدينة ينادي على من كانوا هنا، وما هم هنا، فلا حي يجيب، ولا ميت، وعلى باب "خرا�سان" الذي لم يكفر ال�سليب- الثقيل، -فيا ويح الحمل ال�سليب من �سرخ ا، فعليه ظنوا ا، واأذنبوا، حق اأبدا، ولم يذنب اأبدا، لكنهم من كفروا حقعي�سى قد قتل، وعليه كان ابن الزبير �ساربا قلوب الجاحدين، فاأعر�س

الطير عن اأكل لحمهم، وخر ال�سليب �ساجدا ل�ساحب الروح.

على عبرة فت�سربت منفطرا، النهر �ساطيء على "الحلاج" وقــف من تو�ساأ ثم لحده، يوما تكون اأن ر�سيت نارا اأخمدت الاأيمن، خده فاأ�ساء، يديه بين الكتاب ن�سر ثــراه، يطوي قبرا ظل الــذي الفرات العارفين �سوت فتدفق األقاه، النهر في ثم جهرا، بالحقيقة فتمتم وها في اأنف�سهم، و�سبح الكتاب اإلى بالذكر )الله. الله. الله. الله( فاأ�سرحيث المنتهى، وتلا�سى "الحلاج" في النهر بعدما اأيقن اأن المدن قد هرمت، واأ�سبحت تعج ب�سواهد الن�سيان، لكن بقيت زهرته تطفو على

15

اإلا وع�سق الله الماء تحمل الاأوجاع، فوالله ما طلعت �سم�س ولا غربت مقرون بذكراه.

16

17

)1- تشاكي(اأقتلوني يا ثقاتـــي ** اإن في قتـلي حياتــــي

ومماتـي في حياتـي ** وحياتي في مماتـي

اأخيرا.

وقع اختياره على الدمية "ت�ساكي"، ف�سحبها البائع برفق، وناولها اإياه، التقطها من بين يديه، واحت�سنها بقوة، ثم التفت اإلي بحذر، فاأوماأت وطلب البائع على فتجراأ خجلة، ر�سا بعلامة م�س�س على براأ�سي له الدمى بين الهدايا، فالحرية تكمن يلفها في ورق اأن بلهجة قوية منه التي تقف عند رغبات اأطفالنا، حملها على كتفه و�سبقني اإلى ال�سيارة، وكعادته األقى بج�سده �سريعا في المقعد الخلفي، ثم ان�سغل عني باإزاحة اأرقب نظراته البائع في لفها كما يجب، كنت الورق عنها مبددا عناء

واأنا الداخلية، المراآة من بالدماء والملطخة الم�سوهة، الدمية اإلى يق�سم وظل اأقوله، بما يعباأ لم الواحات، اإلى القريب ب�سفري اأخبره ثنايا بين اأ�سابعه ويعمل يع�سقها، التي ال�سوداء ال�سيكولاتة قالب الدمية القاتلة، زهدها �سريعا، ثم اأ�سندها على ركبتيه واأخذ ينظر اإلى المزدحم ال�سارع في طريقي اعتر�ست التي الحمراء المرور اإ�سارة و�سط �سجيج اأبواق ال�سيارات التي تحثني على الانطلاق، لكن حا�ستي مكبح ورفعت مكاني، في ت�سمرت ذلك، من منعتني "ال�ساف�سترية" ثم ابت�سمت، الخلفي، الزجاج عبر وجوههم في دميته فرفع اليد، انطلقت محدثا �سفيرا قويا بالاإطارات تعبيرا عن الغ�سب من كل �سيء

يدور هنا.

لم يكن �سفري اإلى اأر�س "واهي" بالفعل الهين، بل هي رحلة بحث عن المجهول الذي يطاردني منذ عثرت على تلك المخطوطة الناق�سة التي بدلت حياتي وحولتها اإلى ا�ستغراق في الف�سول، ثم الف�سول الذي يتبعه ف�سول اأعمق يجرني اإلى لحظة اأغلق فيها الدائرة الكبيرة التي األقتها لي�س كل الكهوف، المدفون في فالتاريخ البحتة، ال�سدفة في طريقي التاريخ الذي ناأمله، وتلك الجدران القديمة التي نراها منت�سبة حولنا ما هي اإلا اإ�سارات ب�سيطة لحيوات انق�ست بالفعل، لنبني فوقها تواريخ

19

اأخرى تبداأ منذ اأن ننتهي نحن، لذلك قررت اأن اأغ�سب، واأنطلق لاأعلن لهوؤلاء الب�سر اأن الحياة لي�ست مجرد �سربة، وبولة، نقيم عليها كل هذا على الطريق هدهدة اأجبرته الذي المدلل طفلي اإلى التفت العبث، قبحها، بكامل اأمامي ال�ساخ�سة الدمية على عيني فوقعت النعا�س، من غ�سبي فزاد ملامحها، على الاأمريكيين اأحد نحته الذي و�سرها لا قاتلة، وحو�سا ف�سرنا براءتنا لطخ الــذي الغريب التناق�س هــذا نعباأبكل نظم الحياة، توقفت عند لوحة الاإعلانات الم�سيئة التي تعر�س "اأفي�سا" همجيا لم�سل�سل تلفزيوني، ي�سهر فيه البطل �سلاحه في وجهي بقرف م�ستفز، فرحت اأهرب بانعطافة �سريعة اإلى �سارع جانبي، تقف م�سحكة، اأبهة في يجل�سون العجائز، من روادهــا مقهى نا�سيته على ي�سحبون دخان "ال�سي�سة"، ويحت�سون الم�ساريب على مهل خ�سية نفاذ اأقداحهم، فيتكبدون خ�سارة مح�سوبة من قوتهم اليومي الذي ح�سلوا عليه بعد عناء، اأو من دون عناء، حدقت في وجوههم ال�سمراء الذابلة، جوار ي�سكن الــذي اإمام" "الدكتور عنوان عن اأحدهم اأ�ساأل ورحــت م�سجد قديم، ذات مئذنة وحيدة، وقبة من طراز ع�سوائي غير معلوم، للاإتجاه، معاك�س اآخر طريق في واأ�سير الطريق، اأبدل اأن فن�سحني الفارهة، ل�سيارتي م�سفط وجــود عــدم اإلــى نبهني ما �سرعان لكنه

20

فهناك "التكاتك" ت�سيطر على كل �سيء، وربما يتبرع واحد من �سائقيها بنزع "علامات" ال�سيارة ليدقها على مركبته المتوا�سعة ذات العجلات الثلاث، ف�سكرته، فابت�سم كا�سفا عن اأ�سنان اأهلكها التبغ الرديء، عدت اإلى الخلف واأنا اأفكر في اأمر الدمية التي تحملق في كل اأفعالي وتنتظر اأنني اأجره معي "يا�سين" يدري بعد اللحظة المنا�سبة لقتلي، لم يكن على مقبل اأنني ما يوما يت�سور يكن ولم المرعب، القاهرة قلب اإلى حياة اأكثر تق�سفا بعد اأن اأفقدتني اأبحاثي كل ما اأمتلك، وكل ما ورثته دميته "ت�ساكي" هي اأن يعلم يكن لم اأنه كما الخليج، في عملي من الاأخيرة التي يمكن اأن اأ�ستريها له، فالعودة اإلى الخلف دائما ما تحتاج

اإلى ت�سحيات جمة، قد تطول اأو تق�سر، لكنها ممتعة على اأي حال.

الم�سجد عند اإمام" "الدكتور منزل اإلى الو�سول عناء رحلة انتهت عن يبحث عجل على ف�سحا العميق، نومه من ابني اأيقظت القديم، دميته التي �سقطت في قاع ال�سيارة بفعل الحفر، المطبات، والبالوعات، لكن ال�سارع القديم �سرفه عن البحث، فطفق يتطلع لوجوه النا�س يمينا، في�سارا، لي�ستوعب المكان الذي اأوقعته فيه اإجبارا لا اختيارا، ان�سرف عنهم ليتتبع المئذنة القديمة، وانتظرته اأن ي�ساأل، اأو ي�ستف�سر، لكنه لم يفعل، اأمرته باأن ينزل معي اإلى ال�سارع، فحمل دميته وان�ساع للاأمر،

21

قب�س على راحة يدي اليمنى، و�سار معي في �سمت، كنت م�ستاء جدا ل�سكوته، ف�سمت الاأطفال في ح�سرة تلك الاأماكن التي تثير الت�ساوؤلات في واأ�سرخ اأمــل، وي�ساأل حتى ي�ساأل، اأن عليه فيجب بالخير، ينذر لا وجهه باأن يتوقف، فهكذا كنت اأفعل مع اأبي الذي رحل، وتركني وحيدا الموت اأن اأيقنت حتى وفاته، تلت التي الكثيرة لاأ�سئلتي اإجابات دون في حد ذاته هو اإجابة اأخيرة لاأي �سوؤال قد يطراأ على بالي، فاأبي الذي كان يعمل مدر�سا للغة الاإنكليزية فك لي طلا�سم حجر "الروزتا" الذي كم واأخبرني ال�سمال، قرى اإحدى "�سامبليون" في الفرن�سي اكت�سفه نحن مدينين للاإغريق لاأن اأحدهم هو من نق�س على الحجر مقطوعة عن الجهلاء ن�سجها التي الاأ�ساطير بكل اأطاحت ثلاث، بلغات نثرية لهم، يحلو كما ال�سبعمائة رمــوزهــم قـــراأوا عندما الفراعنة، حياة واأوهموا النا�س بملوك لم يروها، لكنني عندما اعتر�ست على مدر�س التاريخ خلال �سرده للق�سة ب�سكل مغاير، نعتني بالغباء، و�سخر مني، ثم �سفعني بع�ساه مرتين على راحة يدي تلك التي يقب�س عليها ابني "يا�سين" الاآن، حتى �سارت كالكبد المهتريء، لكنه اعتذر لي بعد �سنوات التمثال تحت حرب" "طلعت ميدان في �سدفة التقيته حينما طوال "�سامبليون" باأن راأيه، زال م�سرا على ما اأنه اكت�سفت لكنني تماما،

22

الفرن�سي هو �ساحب الف�سل الاأكبر في خلق حكايات، واأ�ساطير محبوكة واأردده قلب، ظهر عن ذلك اأحفظ اأن ويجب الفراعنة، اأجدادنا عن ذاتها، باليد ف�سافحته اعترا�س، اأو مناق�سة دون من مــرات ع�سر وقبلت اعتذاره عن فعل ال�سرب، بعد اأن اأ�سفقت عليه، ولم اأف�سح له "تكنولوجيا المعلومات والمخطوطات"، اأرمم اأ�ستاذا في باأنني �سرت و�سطاء، دون علمهم من واأنهل الرقاع، على ال�سابقة الاأمم دونته ما اأو اأو�سياء، اأو ع�سا �سريرة تجبرني اأن اأقبل التابوهات المعتوهة دون مناق�سة، فتركته كما هو على ظنه القديم، الذي عا�س عليه، و�سيموت دون اأن يفارقه، لكنه قبل اأن يغادر �سد على راحة يدي بقوة وهم�س في

اأذني قائلا:

التي الحقائق كل تن�سى اأن فيجب الحقيقة اإلى ت�سل اأن اأردت -اإذا و�سل اإليها الاآخرون.

ارتطمت العبارة براأ�سي، فكانت كموجة هوجاء، خلقت كبيرة جدا ثم تلا�ست، واختفت، ولا اأعلم لم قفزت تلك الحكاية اإلى ذهني الاآن؟ ربما التي النا�س لكن حكايا تذكر"، بالحكاية الحكاية "اإن قال �سدق من واحد وجه متفرقة من اأجزاء اأنها تماما يعلمون وهم كتبوها نقروؤها

علينا اأن نكمله �سريعا قبل فوات الاأوان.

23

ا�ستقبلني "الدكتور اإمام" بوجه ب�سو�س بعد اأن �سمح لنا خادمه بالدخول "الاأرابي�سك" فمكتبه فريدا، اإ�سلاميا طــرازا تحمل التي �سقته اإلى المطعم بال�سدف، ومقاعد المنزل الوثيرة ال�سخمة التي تاأخذ طابعا اأيوبيا، وجدرانه المر�سو�سة بالتابلوهات التي ت�سجل تاريخا عتيقا من ت�سع التي الطبيعي البخور ورائحة قديمة، وقاهرية نابليونية، لوحات بماآ�سي المحمل الجميل الما�سي من بين جدرانه، تمنحك عالما من ال�سعب الذي ولد مقهورا وعا�س، ويعي�س مقهورا، حتى اللوحة الوبرية التي تج�سم على خلفية الم�سهد الذي يت�سدره "الدكتور اإمام" بوجهه للثورة عظيما حدثا تر�سم الاأ�سيلة، الربانية وملامحه الب�سو�س، الاأزهر "عمر مكرم" بعمامة اأمامه با�سا" الذي يقف "خور�سيد على ا مطالب ال�سعب التي تفر�س نف�سها بقوة على الجال�س ال�سخمة، عار�سفي مواجهة رجل اآثر على نف�سه العزلة، وقرر اأن يعي�س بين كتبه المهذبة التي تغ�سل الاأدمغة بماء طاهر نزعته فتاة طيبة بجرتها الفخار من بئر �سحيقة، فاأ�سبح وحده من ي�ستطيع اأن يفهم اللغة القديمة، التي لا تبدو كرموز، اأو نقو�س، ولا تظهر كخطوط مكتوبة، بل هي لغة خفية تتحدث بها الاأرواح التي مازالت تحلق فوق تلك الاأماكن، في�سمع، ويرى، ويتكلم وحدق ترحيبه قطع تكتمل، لم التي حياتهم بناء في ي�سترك وربما

24

"يا�سين" وا�ستدعى �سوؤالا، يوجه لم "ت�ساكي" لكنه وجه في بذهول اأن يتقدم نحوه، م�سح على �سعره، وغطاه بعبائته للحظات، ثم ك�سفها �سيكولاته، ف�سكره، وناوله قالب اأحد جوارير مكتبه، �سريعا، فتح عنه وقبله من خده، وعاد يجل�س منزويا في مقعده، فابت�سمت له واأنا اأهم بفتح حقيبتي لاأخرج المخطوطة، و�سعتها اأمامه، واأخبرته اأنني عثرت عليها مع اأحد الاأطفال يلعب بها بين اأنقا�س اأحد البيوت القديمة، فقام اأنفه وا�ستن�سقها بعمق، اأنامله، ومن ثم قربها من باإلتقاطها باأطراف واأردف اإلى بحذر �سديد، المكبرة، ثم ردها واأخذ يتفح�سها بعد�سته

قائلا:

-بحثت عني كثيرا. األي�س كذلك؟

-دلني الم�سجد القديم على مكانك.

-لن تجد عندي �سالتك.

-ربما لم اأفقد الاأمل بعد.

-تحتاج اإلى رحلة طويلة.

- �ساأبداأ من اأر�س "واهي".

-لن تعثر على اأي �سيء بين �سكان المدائن.

25

- اأريد اأن اأعرف فقط الطريق ال�سحيح.

- تلك المخطوطة الناق�سة تحتاج اإلى قلب مكتمل.

�سمت لهنيهة، ثم نه�س من مكانه، وجذب كتابا �سخما لا يحمل عنوانا، ناولني اإياه، قلبت �سفحاته الفارغة اإلا من نقطة توقف �سوداء و�سعت

في نهاية �سفحته الاأخيرة، فرفعت راأ�سي م�ستغربا:

الطريق في ت�سير اأنــك �ستدرك �سفحاته يكتب من يقابلك -حينما ال�سحيح.

- ماذا تق�سد؟

-عندما تعود �ساأ�سع لكتابك عنوانا منا�سبا.

جل�ست اأمامه اأحلج لحظات من ال�سمت، فان�سغل عني بت�سفح مجلد المقابلة، انتهاء معلنا خادمه فجاء عنوانه، بقراءة اأهتم لم �سخم حملت الكتاب الاأبي�س، وخرجت في هدوء م�سطحبا ابني الذي انفجر باأ�سئلة عديدة، لم اأجب عنها ربما لاأنني لم اأكن اأ�سمع اإلا �سوت واحد فقط جاء ي�سيطر على كل م�ساعري، من العظام حتى العظام، لكنني ومنحني ر�سالتي على اأ�سرف اإمام" الذي "الدكتور اأن اأدري اأكن لم درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة ال�سرف، واأو�سى بطباعتها على نفقة

26

ا الجامعة �سي�سعني في تلك الحيرة، بعد اأن جئت األتم�س منه ب�سي�سنحن وعلينا مغربها، ت�سرق من ما دائما المعارف ف�سم�س النور، من يتمناها التي المرجوة، اللحظة لن�سهد �سباح كل في اإليها نلتفت اأن ال�سبيل اإلى تهدي فالنجوم تكتمل، اأن لها اآن حقيقية عن باحث كل ال�سحيح لحتميتها التي طبعها الله عليها، لكن مثلي لا يهتدي بالنجوم، ويف�سل اأن ي�سير عك�س الاتجاه اإيمانا منه باأن ال�سدف دائما ما تكمن

هناك على قارعة الطرق المظلمة.

جل�ست في منزلي في ركن ق�سي اأتاأمل "ت�ساكي" واأنتظر اأن تهداأ الجلبة حينما الذهبي وخاتمها المياه، خرير ب�سوت زوجتي ت�سنعها التي عندما يتوقف لا الذي "يا�سين" واإلحاح الفارغة، بالاأواني ي�سطدم تناول بعد فالنوم الحا�سمة، رغباتها مع الطفولية رغباته تتعار�س فالهدوء علي، ي�سري قانون لا لكن منزلنا، في مقد�س قانون الع�ساء ان�سلخ التي الجنونية لاأبداأ رحلتي ليلة فيه كل اأرتمي الذي هو عالمي بها عن الواقع الملفوف في ورق الهدايا، لا تروق لي اأوراق الهدايا، ولا اإلى رائحة الاأ�سياء الجديدة، فالقديم هو ع�سقي الاأول، اأنتمي بطبعي الحياة، عبثية اأغير علني ب�سغف، اأثره واأقتفي خلفه، األهث والاأخير، كل واقفة، ترك�س واأج�ساد و�سور، واأ�سوات، واألــوان، واأثاث، جدران،

27

ذلك يقف في مواجهتي كعدو اأزلي، اأخ�سى مواجهته ب�سيفي الخ�سبي، فاأحاول الهرب منه �سريعا، اأو الا�ست�سلام �سريعا، كلما ا�ستيقظت على اأمانيها الهوجاء في القتل، لكن القديم �ساكن لا يقتل اأبدا، فقط يتفرج الكاملة برغبته اإليه ياأت من وينتظر يتدخل، اأن دون بعيد من علينا لي�ساهد ال�سور المعكو�سة التي ت�سنعها اأرواح ذهبت، وبقيت ت�سخر من

كل اأفعالنا.

"ت�ساكي" اللعينة تحملق في كل �سيء، تراقب ال�سكون الذي عم منزلي الع�سكري الرجل فاأبوها زوجتي، فر�سته الــذي الق�سري النوم بعد اأن ين�س لم لكنه منها، مفر لا التي ال�سرامة بتلك قلبها على ختم اأعترف اأن اأبــدا اأخجل ولا اأحبها، فاأنا لذلك الحب، قلبها في يزرع لل�سعادة، وقتا يمنحني لا الاآن بالي ي�سغل ما لكن لـ"ت�ساكي" بذلك، فالحب يحتاج اإلى تفرغ لفتح كل ال�سقوق المحرومة، والم�ستاقة لروؤية عناق فلولا الجمود، اأمثلة ب�سرب ظلموه ال�سوان فالحجر الله، نور لذلك المتما�سكة، ال�سورة بتلك علينا خرج ما ا بع�س بع�سها ذراتــه الحب عندي هو عناق كبير لا ينتهي، فهو الوجه الجميل لكل قبيح �سعى من فقط فيهبط الح�سن اأمــا الاأر�ــس، باطن من لاإخراجه ال�سيطان ال�سماء، فالحب كالمطر،يمنح، فيمنح، يمزج، ولا يمتزج، يحتوى، ولا

ي�سكن، ويطهر، طاهر، يذاب، ولا يذوب، ي�سكل، ولا يت�سكل، يحتوي، وي�سكن، يحد، ولا يحد، ي�سمي، ولا ي�سمى، الحب، ي�سف، ولا يو�سف، لذلك فزوجتي تعي�س جواري تحت �سماء واحدة وهي تدرك تماما اأنها ت�سافر معي في كل وقت كما القمر الذي يطل علينا من الجهات الاأربع، ورغم م�ساعرها ال�سحيحة اإلا اأنني على يقين باأن الماء الدافق لا يخرج اإلا من بين ال�سخور الجامدة، لكن ال�سخور هي وحدها من ت�ستطيع كثيرا وينتظر مكان اأي في ويهبط باأحلامه، يقفز مثلي، رجل تحمل ليجمع من بين الحجارة حكايات، وعبارات، وق�سا�سات، وبقايا طعام

واأقوات.

اختفت "ت�ساكي" من فوق الطاولة، لم اأتفاجاأ بتلك الاأفعال التي ت�سبه اأنها قد يبدو اآخرها المفتوحة عن الاأميركية، فالنافذة الرعب اأفلام اأر�سية على لت�سقطها الداخل اإلى بالاإندفاع الهواء من لكتلة �سمحت عقارب �سوت وو�سوح النور، وغياب الكهرباء انقطاع لكن المنزل، ذلك كل ال�ستائر، �سرا�سف واهتزاز تك(، تك. الحائط )تك. �ساعة دف التي هياأت جوا منا�سبا جاء ليكمل ال�سيناريو، ف�سحكت لتفاقم ال�سللقتل، اأغم�ست عيني، ورددت ظهري اإلى الخلف محاولا التنف�س بعمق، فالاأمر كله يحتاج اإلى راحة خا�سة اأن الكتاب الاأبي�س الذي اأهداني اإياه

29

اأنا اأو ينتظرني، وينطوي على مجهول فارغا، زال اإمام" ما "الدكتور من اأحتاج الو�سول اإليه ب�سغف، فالمجهول هو مجهول بالن�سبة للجاهل لا الكاملة فالحقائق اإليه، و�سل من ولكل لذاته فمعروف هو اأما به، تحتاج اإلى اأحد بل نحن من نحتاج اإليها دائما، انت�سب ظهري �سريعا عندما راأيت ال�سوء الذي انبثق في الظلام فجاأة كعيني قط يطوف في ال�سالة بحركات دائرية بطيئة، بينما ازداد اندفاع الهواء من النافذة، وعلت �سرا�سف ال�ستائر اأكثر، فاأكثر، وبرزت ملامح "ت�ساكي" الم�سوهة

اأماآمي في برود:

-مرحبا. اأنا ت�ساكي هل تريد اللعب معي؟

ا�ستريتها دمية مجرد فـ"ت�ساكي" اأ�سمعه اأو اأ�ساهده، ما اأ�سدق لم هو مجرد الاأميركية الاأفلام في يحدث ما وكل اليوم، �سباح بنقودي ال�سريرة، بــــالاأرواح م�سكونة كانت اإذا اإلا تقتل لا فالدمى خــيــال، "ت�ساكي" مجرد دمية اختارها "يا�سين" وطلب من البائع اأن يلفها في ورق الهدايا، وقد ا�ست�سلمت لذلك تماما دون اأدنى اعترا�س، "ت�ساكي"

مجرد دمية لا تنطق، اأو تتحرك، اأو تقتل، اأو؟ :

- لا ت�ستطيع روؤيتي فالقتل يحدت تحت الخفاء هيهيهيهيهاي!

30

اأما الطعنة الثانية فقد اخترقت قلبي، األم، تلقيت الطعنة الاأولى دون وراأيت خيوط الدماء تنفجر من كل مكان في ج�سدي، فحاولت اأن اأردها

عني لكنني كنت اأتعثر بالفراغ:

- �سوف نقتل من يقوم بتعديب الدمى. هل اأنتم معي اأيها المجندين؟

اأ�سعر وبــداأت المنزل، واأثــاث كلها، واأوراقــي الكتاب، الدماء غمرت ببرودة �سديدة وكاأنني �سقطت في �سندوق من ثلج، لكنني كنت مازلت اأ�سعر بكل ما يحدث، بينما لم اأ�ستطع اأن اأقاوم، اأو اأغير رغبة "ت�ساكي" مــاآرب عــن تنف�سل لا اأخـــرى حقائق فللدمى القتل، فــي المحمومة

�سانعيها.

-مازلت اأ�سعر بالجنون هيهيهيهيهاي!

اأخيرا، انتهيت �سيء، بــاأي اأ�سعر اأعــد ولــم الاأخــيــرة، الطعنة تلقيت وتخل�ست من كل عذاباتي في تلك اللحظة.

انتهيت الاآن تماما.

في ال�سباح كان كل �سيء على ما يرام، ابني، وزوجتي، و"ت�ساكي" واأنا، حكى لي يا�سين ق�سة حلمه الذي راآه ليلة اأم�س عندما �ساهد "ت�ساكي" تقتله، وكذلك زوجتي ق�ست علي الحلم نف�سه، اأو "الكابو�س" بلغة العامة

31

من ال�سعب، الم�سكين، المطحون، لكن ما كان ي�سغل بالي هو الر�سالة التي األقاها هذا "الكابو�س"، فالر�سائل الخفية تاأتي مع اأحلام المنام اإلا "اإ�سماعيل" ذبح على يقدم لم الخليل" فـ"اإبراهيم المت�سابهة، عندما تكرر حلمه، فعلم اأنه من عند الله، ولي�س من تراهات ال�سياطين، �سردت بعيدا حيث تكمن روؤو�س العمارات التي تطل علينا من النافذة، فتفاجاأت بـ"يا�سين" يقذف "ت�ساكي" اإلى الخارج بعد اأن مزقها اإربا. اأرجع ورحت عنهما حلمي فاأخفيت بالجلد، القطن اختلط حتى اإربــا ليلة "نهاد" لنا قدمتها التي الد�سم الع�ساء اأطباق اإلــى �ساهدوه ما وليا، ل�ست الاأقطاب، ولا النجباء، ولا الاأبــدال، من ل�ست فاأنا اأم�س، ولا راهبا، ولا نا�سكا، اأنا ب�سر عادي جدا يتعلق بكلمة، بها يحب، وبها �سيمفونة اإلى القتل م�ساهد فانقلبت يموت، وعليها يحيا وبها يكتب، �سحك ه�ستيري قلبت اأرجاء المنزل الم�سكون بال�سمت الدائم، وبينما اأفكر في المخطوطة ذات الملامح اأفكر، اأفتعل ال�سحك، ظللت كنت الناق�سة، واأتهيب النظر في الكتاب علني اأ�سطدم بحقيقة لا تروقني، اإلى ت�ساف جديدة بت�ساوؤلات يومي ــداأ واأب ال�سباحي مزاجي فتغير "نهاد" ت�ساأل لم القديمة، باأحلامي المثقل الذي يجره عقلي القطار عن �سر نومي خارج غرفتنا، فهي على علم تام باأفعالي الخارجة عن

32

العادة، واأ�سارت لي باأن الحمام جاهز لاأ�سفع ج�سدي المنهك بزخات من الماء البارد، ثم اتجهت اإلى المطبخ لتجهز الاإفطار، والقهوة المرة التي اعتدت اأن احت�سيها مع �سفحات الجرائد، التي لا اأقراأ منها �سوى �سفحتها الاأولى، والاأخيرة اأما "يا�سين" فقد اختفى في غرفته ليكمل

نومه بعد اأن تخل�س من دميته المزعجة.

الاآن اأ�سبحت وحيدا مرة اأخرى، اأنتظر الفرج الذي �سيهبط على منزلي في اأي لحظة، اأ�سعر باأن �سيئا ما �سيحدث، �سيء ياأتي بتبا�سير جديدة تقودني اإلى خو�س غمار الرحلة التي لم تبداأ بعد، فاأر�س "واهي" التي اأ�سارت اإليها بع�س رموز المخطوطة ربما تكون هي النهاية الو�سطى، اأو الاأخيرة، فما لوح به "الدكتور اإمام" خلال المقابلة الق�سيرة منحني �سندوقا كبيرا من المفاتيح، وعلني اأعثر لكل مفتاح على باب منا�سب منها مر ع�ستها التي حياتي لكن الهدف، اإلــى اأ�سل حتى منه اأعــرج الكثير، لذلك اأتمنى اأن ما تبقى من عمري يكون كافيا حتى اأ�سل اإلى الباب الاأخير، فالباحثون عن الحقائق كما الملوك، دائما ما تطاردهم من نحبهم يق�سون اأو "ت�ساكي"، الدمية تقتلهم اأن فاإما اأعمارهم، قتله القي�س" و"امروؤ كتبه، قتلته فـ"الجاحظ" يــذكــر، �سبب دون �سعره، و"زرقاء اليمامة" قتلها ب�سرها، و"فرج فودة" قتلته ب�سيرته،

33

اأن قبل مات و"ال�سعراوي" ذاتها، الحقيقة قتلته حمدان" و"جمال يكمل تف�سير الجزء الثلاثين، اأما اأنا فلا اأعلم م�سيري بعد.

جنبات على المطبق ال�سمت من قطعة ليلتقط الباب جر�س انطلق يحمل العمارة بــواب بـ"ر�سوان" فــاإذا الباب زوجتي اأزاحــت البيت، ر�سالة �سلمها له �ساعي البريد �سباح اليوم، والر�سالة طبع عليها ا�سمي بريد طابع المر�سل عليها األ�سق كما مهمل، ع�سوائي بخط وعنواني و�سلمتني "نهاد" الباب اأغلقت راأ�سا على عقب، الهول" مقلوبا "لاأبي الر�سالة دون اأن تهتم، فلي�س من المعقول اأن تو�سع ر�سالة غرامية في "ميري" واأن يقع اختياري على فتاة م�ستهترة تكتب عنواني، مظروف المقزز، ال�سكل بهذا بالاأختام المو�سوم البريد وتل�سق طابع وا�سمي، اأ�سلا فما يحويه قلبي من اأقيم علاقة مع فتاة اأن ولي�س من المعقول م�ساعر، واأحا�سي�س، وعثرات، وفرحات م�سخر لانت�سار اأ�سعى لتحقيقه باأعلى واأقول الدنيا �سراخا، واأملاأ فاأفرح النور، اإلى لحظة بالو�سول في فاأقع فقدته، خيط ب�سبب اإحباطا اأعي�س اأو "وجدتها"، �سوتي دهاليز الظلام، فاأحزن واأملاأ الدنيا بكاء وح�سرة، هكذا هي م�ساعري اأو حزن للحقيقة، الو�سول تنزوي ولا تحيد، ولا تنحرف عن فرحة لا لفقدها، فتحت الر�سالة فعثرت على قطعة �سغيرة من الرقاع، وكاأنها

)اذهب قديم ملحمي بخط عليها كتب المخطوطة، من نزعت مزقة اأ�ساريري عندما انفرجت انتظارك(، �ستجده في الاأ�سفر الدرب اإلى انتهيت من قراءة الر�سالة، ولم تكن مفاجاأة �سادمة اأو غريبة، بل هذا منذ مات قد يكون ربما لاأنه اأر�سلها من يعنيني ولا اأنتظره، كنت ما هناك؟ ينتظرني الذي من اأعــرف اأن الاآن المهم يزيد، اأو عام األف المتمنعة، الجميلة كالمراأة الاألغاز باأن يقين لكنني على يريد؟ وماذا لكنها راغبة في ك�سف �سترها �سريعا، فكل �سيء على وجه الاأر�س ي�سعى نحو الامتلاء، فتلك هي الغريزة الكبرى التي زرعها الله فينا منذ علم المزيد، يريد بل ي�سبع، لا بالمعرفة المنهوم لكن كلها، الاأ�سماء اآدم

والمزيد، كاأر�س الرمال التي كلما ارتوت بالماء، ازدادت عط�سا.

�ساألتني زوجتي عن الكتاب الذي تعثرت فيه خلال اإعادة ترتيب ال�سقة اإليها م�ستغربا فتلك هي المرة اأم�س، فالتفت "ت�ساكي" ليلة من عبث الاأولى التي ت�ساألني فيها عن �سيء يخ�س عملي، لكنني تقبلت �سوؤالها

ب�سدر رحب:

-اإنه "ماكيت" اأثري على هيئة كتاب.

ال�سالة في مكانا له اأفرغت لكنها مقتنعة، غير يديها بين فحملته

35

ثم يديها بين قلبته المحنطة، البرية الــزهــور �سلة جــوار الرئي�سة اأما الاأولــى، �سفحاته في منقو�سة كلمات هناك بــاأن تخبرني عــادت باقي �سفحات الكتاب فقد خلت من الكتابة، ده�ست لما اأخبرتني به، فالكتاب عندما �سلمني اإياه "الدكتور اإمام" كان فارغا تماما من اأوله والتقطه من يدها �سريعا، الر�سالة، تاركا لاآخره، فنه�ست من مكاني بيتك متداخل: )طهر بخط �سفحاته �سدر في نق�س ما اأقراأ واأخذت

من اآثار القتل(.

التهمت الكلمات المكتوبة بعناية بحبر اأ�سود، وابت�سمت للعلامة الاأولى فـ"من للتو، اأفلتها من يدي التي الر�سالة المجهولة انتهت بن�س التي "الدرب اإلــى يذهب واأن بد لا القاتلة اأحلامه من يتخل�س اأن يريد م�سيره من الكتاب انت�سلت ينتظره"، من هناك و�سيجد الاأ�سفر" المعد م�سبقا جوار الزهور وعدت اإلى مقعدي لاأجد قطعة الرقاع وقد الاآخر جانبها على قلبتها تماما، خاوية �سارت لقد معالمها، اختفت فراأيت وجه عجوز يبت�سم في طريقه للزوال، ارتعبت، بل انتف�س ج�سدي كله، وت�سبب من جبهتي العرق، تقدمت زوجتي التي ظلت تراقب توتري

بقلق بالغ:

- "مازن" اأنت بخير؟

36

.-

و�سعت يدها على جبهتي برفق ثم غابت لاإح�سار الماء، فالماء يطفئ بال�سحر اأوؤمن اأعد لم اأينما حلت، ال�سياطين ويطرد والنار، الده�سة منذ ابتلعته ع�سا مو�سى، واأ�سبح لا مكان له على الاأر�س، لكن الهواج�س مازالت هي الم�سيطرة على اأفعالنا، فنحن من ن�سنع ال�سحر لاأنف�سنا، ونعي�س فيه قانعين بال�سرر، والحقائق القاتلة مازالت ترتع بيننا، تاأكل،

ت�سرب، تنام، ت�سحو، وتطرق اأبوابنا المغلقة.

-"مازن" تعلم اأنني لا اأتدخل في عملك لكن....

- لكن. لا �سيء. تاأكدي اأنني بخير.

-اأتمنى ذلك.

انتهى "يا�سين" من بناء مزرعته وزينها ب�سياج من الاأ�سجار، والزهور، وزع داخلها البيوت، والمزارعين، والبقر، والغزلان، والخيول، والجمال، فقد للوحو�س، ــرا اأث اأجــد لم لكنني للحرا�سة، كلبا اأمامها و�سع ثم تخل�س منها جميعها كما تخل�س من "ت�ساكي"، نظر اإلى لي�ساألني عن ا، فاأعجب راأيه فيما اأبدعه، فاقترحت عليه اأن يخليها من الب�سر اأي�س

جدا بالاقتراح:

37

-المزارعون ياأكلون اللحوم األي�س كذلك؟ .

ردد تلك الجملة ثم قذف بهم من النافذة، وعاد ي�ساأل:

-اأبي. متى ت�سافر؟

-عندما ت�سبع جمالك �ساأ�سافر معها.

-جمالي لا ت�سبع يا اأبي.

-اإذا �ساأ�سافر ب�سيارتي.

-هل تلعب معي؟ .

-تعلم اأنني لا اأجيد اللعب.

اأيقنت الاآن اأن عباءة "الدكتور اإمام" قد انت�سرت على ال�سر الكامن في "هابيل"، وعلمه الغراب الدفن، فزرع فـ"قابيل" قتل "يا�سين"، راأ�س في قلوبنا بذرة ال�سر الاأولى، فاأنبتت اأ�سجارا ملعونة من "الغرقد" نمت كان الاأول، ال�سر من محمومة ظلالا فوقنا ونثرت وتكاثرت فروعها، الاإن�سان ارتكاب يبكي على زال ما الحجر "ت�ساكي" اأن تعي اأن يجب لتلك الجريمة ال�سنعاء، لكننا �سيعنا الحقائق بيننا فاأ�سبحنا لا نب�سر اإلا الدماء، والدماء فقط، دماء في كل مكان، في ال�سوارع، والميادين،

اللعنة التي ة، والو�سائد، فكانت وفي البيوت، والحجرات، وعلى الاأ�سرل، والبق، وال�سفادع، ون�سينا اأن الخير ابتلانا بها الله مع الجراد، والقم

لها. يكمن في بقلها، وقثائها، وفومها وعد�سها، وب�س

بنظام المتناثرة الكتب بين ناظري اأعملت مكتبي، غرفة اإلى دلفت زائغة بعين فتحتها ال�سوداء، الجلدية حقيبتي من اقتربت مق�سود، التي محيت، فتعثرت يدي بالمخطوطة، نزعتها برفق، الر�سالة لاأ�سع ا�ستاأذنت بينما المكتب، على اأمامي ن�سرتها ثم مهل، على وفتحتها بادرتني بكلمات اأمامي ثم القهوة، و�سعتها "نهاد" بالدخول لاإح�سار اأنني بخير، فالجبال تخ�سع ق�سدت منها الاطمئنان على، فاأكدت لها لكلام الله، والعلماء يخ�سون الله ذاته، ابت�سمت، ثم قبلتني من جبيني زوجته، فراق على المقبل الرجل يفهمه ما منها فهمت خفيفة قبلة الغرفة، باب عنها حجبه الذي بب�سري ب�سرها تعلق وهي غادرتني �سغلتني مهما لنف�سي بها اأ�ستاأثر اأن يمكن لا الم�ستركة فالرغبات قد بمعالمها فتفاجاأت المخطوطة، تفح�ست المبهمة، المجاهيل عد�ستي اأخرجت اآخــر، لغز وظهر القديم، اللغز اختفى لقد تغيرت، المكبرة لاأتاأكد اأن ما اأ�ساهده لي�س وهما اأو خيالا، وددت لو اأ�سرخ، اأو اأ�سحك، اأو اأبكي، اأو اأرق�س، لكنني تما�سكت واأقنعت نف�سي باأنني مقبل

39

على مزحة كبيرة �ساأنهيها بنف�سي، واأر�سم الطريق اإليها لمن يريد اأن ي�سحك معي، اأو يبكي معي، اأو يرق�س معي.

نه�ست من مكاني لاأبحث بين دفاتري القديمة عن برهان ربما غفلت اأن اأحطته بدائرة �سغيرة بقلمي الر�سا�س دون اأو عنه في لحظة ما، التي طفقت الرموز تلك اإبهام لاأزيل ما، يوما اإليه �ساأعود اأنني اأعلم التقيته في دفاتري الغزل، لكن كل ما تغازلني في لحظة �سئمت فيها لا ي�سبه اأبدا ما وقع في يدي الاآن، �سحيح اأن الما�سي هو قامو�س كبير لكننا الم�ستقبل، دروب على حائرين فيها نقع لحظة في اإليه نعود نف�ست عن لكونها قديمة، القديمة، التفا�سير تلك نرف�س الغالب في دفاتري الغبار، واأعدتها كما كانت، واأنا اأفكر في الخلا�س الكبير من تلك العقدة التي اأحكمت وثاقها حول رقبتي، فبت لا اأعلم من اأين يبداأ الخيط، واأين ينتهي، بعد اأن ت�سابكت كل البدايات بالنهايات، فتوحدت حتى �سارت كتلة واحدة، لا انعتاق منها �سوى بالبتر، اأو بالموت، م�سحت اأرفف المكتبة بب�سري �سريعا، فلمعت كل ال�سفحات التي ق�سيت ن�سف عمري عاكفا على قرائتها، وعدت اإلى مقعدي، اأحت�سي قهوتي بتمعن،

واأرتب اأقلامي، واأفتح كل الجوارير المغلقة، واأبحث.

40

41

)2-الدرب الأصفر(غبت وما غبت عن �سميري ** و�سرت فرحتي و�سروري

وانف�سل الف�سل بافتـــراق ** ف�سار في غيبتي ح�سوري

عند حدود �سور المملكة القديمة، وقفت حائرا، فمن اأي باب يجب اأن لرحلتي اأختار اأن وعلي الاآن اأمامي مفتوحة الثمانية فالاأبواب اأعبر؟ ما دائما المقت�سبة فالر�سائل هناك، ينتظرني من اإلى اأمر منه بابا تاأتي بمحاولات الموت، لكنها في النهاية ت�سبح اأ�سحوكة عندما نكمل �سطورها باأنف�سنا، رجعت خطوتين اإلى الوراء محاولا ا�ستعادة التاريخ اإلى �سير�سدني الذي الكتاب اإمام" عن "الدكتور وتذكرت كلام كله، اإذا "زويلة"، فمنه اإلى العبور من باب الطريق ال�سحيح، ثم اهتديت

42

دخلت العان�س تزوجت، واإذا دخلت العاقر اأنجبت، وربما اإذا دخل منه "المعز" بركة ومعي هنا من �ساأمر لذلك تحققت، الاأحلام اأ�سحاب التي ماتزال عالقة بين الجدران العتيقة، م�سيت خطوتين اإلى الاأمام، اأنا لكنني ن�سيت كل �سيء حتى ثم توقفت قليلا، حاولت اأن اأتذكر من لكنها علامات، عن داخلها اأفت�س واأخذت ذاكرتي اعت�سرت ا�سمي، يدي، بين اأحمله الــذي هذا الكتاب اإلا اأتذكر اأكــن لم مل�ساء، كانت طفل اأنا الاآن الداخل، اإلى تجذبني بقوة و�سعرت ال�سوداء، وحقيبتي هزيل يم�سك بجلباب اأمه، يحمل في يده ك�سرة خبز، وباليد الاأخرى لوحا من "الاإردواز" كتب عليه بحجر الجير الاآية الثالثة من �سورة "يو�سف": م�س والقمر )اإذ قال يو�سف لاأبيه يا اأبت اإني راأيت اأحد ع�سر كوكبا وال�سالباب، اأمــام يجل�س الــذي الرجل نحو اأ�سير �ساجدين(، لي راأيتهم يفتر�س اأوراقا، و�سكوكا واأختاما �سخمة ي�سعها في حجر جلبابه، يختم بها على قلوب العابرين اإلى الداخل، فمنهم من يحمل على كتفه قمحا، ومنهم من يحمل على راأ�سه خبزا، ومنهم من يحمل دابته على كتفيه، فلا اأحد يمر من هنا راكبا اإلا "المعز"، ولا اأحدا يمر من هنا اإلا ب�سك الدخول، فلا مكان للعامة بين �ساكني المملكة من الاأمراء، كانت اأمي الاأ�سود، تحملني حينا، ماتزال تبكي، وتجفف دموعها بطرف نطاقها

43

مزقة ونزع يده "المتولي" مد اآخــر، حينا بخطواتي اأحجل وتتركني عديدة مزق و�سط ال�سخمة البوابة على بم�سمار ودقها جلبابي من التي انكبت على يده وقب�ست اأمي اأخرى، فنهر اأ�سحابها بماآرب جاء رها عليها تقبلها، خطفها �سريعا من بين راحتيها، وا�ستغفر ربه، ثم ب�سقد كانت الذهب من دينارين داخلها فاألقت عمامته خلع بال�سفاء، الماء اأقرب باألا ن�سحها �سفائي، على لتح�سل قوتها من اقتطعتهما فرفعت رويدا، رويدا، عروقي اإلى تت�سلل بقوة اأ�سعر الاآن كامل، ليوم اأمي على ظهري، و�سط ت�سفيق، وتهليل من جاءوا يطلبون منه البركة، دفعتني يد خفية انطلقت من بينهم اإلى الخارج، فعدت كما اأنا، تذكرت لحظة في اأمامي الما�سية الاأحــداث كل ومرت حياتي، عن �سيء كل هذا لعل �سريعا الكتاب في نظرت واختفى، فجاأة برق بومي�س اأ�سبه اإلا من الحقيقة الاأولى التي قبعت في ما ينتظرني فتفاجاأت به خاويا قاعه، فاأيقنت اأنني قد دخلت في طريق خاطئ األقاني في حكاية اأخرى اآخر ربما جاء يبحث مثلي عن حقيقة غائبة في زمن ا تخ�س �سخ�سكل حقيقة ولي�ست الحقيقة، اإلى تقودنا الحكايا كل فلي�ست اإذا اآخر، ت�سلح لكل من يبحث عنها، فعلى هذا الباب علق "قطز" روؤو�س ر�سل باي"، "طومان الاأ�سرف الاأول" ال�سلطان "�سليم �سنق وعليه المغول،

44

الوهم، اأو القتل، يع�سق من تنتظر هنا، "ت�ساكي" تحلق فروح لذلك الباب، بناء لتحديد موعد يت�ساورون المغاربة المنجمون فبينما وقف وقبل اأن يهم اأحدهم بقرع الاأجرا�س المتدلية من الحبل الم�سدود في المكان لبدء العمل في اللحظة المنا�سبة، حط طائر على طرفه فدقت الاأجرا�س وانطلق العمال اإلى عملهم، تزامنا مع �سعود "المريخ القاهر" ورمز الحرب، فكانت "قاهرة المعز"، اأما ما اأبحث عنه فلا يحتاج اإلى

�سدفة عابرة تخرج من تحت اأقدام غراب مجهول.

بالاأمل، الجيو�س قوية محملة "الفتوح"، فمنه خرجت باب دخلت من العتيق، الباب د�سر على المعلقة باأحلامهم الكبير حلمي يلتقي لعل ف�سريح "ح�سن الذوق" الذي يقبع في الداخل على جانبه الاأيمن، يقف ت�سكن الف�سيلة فبقيت ال�سنين، مئات منذ الطيبة للاأحلام حار�سا اأبدا، فحينما ف�سل في ال�سلح بين اثنين للمرة "القاهرة" لا تغادرها الاأولى خلال حياته التي ق�ساها داخل الاأ�سوار ال�ساهقة ين�سر الخير، والحب، والجمال، اأراد اأن يرحل بعيدا، لكن نف�سه اأبت الرحيل، ف�سقط

ومات على م�سارف هذا الباب.

- "الذوق لم يخرج من م�سر".

45

في ال�سريح اأمــام ووقفت م�سموع، ب�سوت ال�سعبي المثل هذا رددت خ�سوع وقراأت الفاتحة، ثم غادرته اإلى الداخل لاأكمل رحلة بحثي التي لا اأعلم نهايتها، فالحقيقة التي تنتظرك لا تعلم نهايتها، اإذا فعلي اأن اأ�سير واأتفرج، واأ�سمت، فال�سمت هو الفعل الوحيد الذي لا يوؤذي الاأ�سوات اأو اأو تمل، اأن تهداأ، اأبدا ال�سابحة في الملكوت القديم، والتي لا تريد اأننا نعلم كي اإليها، ون�ستمع جميعا ن�سمت اأن تتمنى فقط تنقطع،

نحتاج اأن نعي�س طويلا لن�سنع من الاأحجار اأرواحا خالدة.

الذي الاأعظم ال�سارع على المتعامدة الحجرية ال�سوارع اأغزل ظللت حوافر فرقعة اأ�سمع وكــاأنــي مهل على �سرت ال�سيف، كحد ي�سقها وتنزوي تقفز، ترك�س، حينا، وتحمحم حينا، ت�سهل �سارحة، لخيول المت�سلل من ال�سوء يكن لم وتختفي، ال�سماء، وتطير في الاأزقة، بين نحو ي�سدني ما هو والاأ�سبلة، الــمــاآذن، ظل مع والمتقاطع ال�سم�س، الحقيقة، بل ن�سيت الحقيقة، واأهملت ما جئت اأبحث عنه، فمن ي�سقط في قلب الرحا ين�س ماآرب الدنيا، ولكن ماآرب الاأر�س تظل تطارده، فاإن طالته بمخالبها يهوي في النار، اأما من ينج فاإنه دائم التحليق، ودائم الحياة، ودائم الحب، فتت�سرب رائحته الطيبه مع التوا�سيح الاأندل�سية الهندي، وزخات ماء البخور ال�سقوق، ومع دخان بين تنبعث من التي

46

اقترب المملكة، اإلى العابرين اأنوف ي�سد الذي ال�سام، وعطر الورد، مني طفل �سغير يرتدي جلبابا اأزرق، يعلق على كتفه كي�سا من القما�س، ويح�سو راأ�سه في قبعة قما�سية بي�ساء، واأخذ يرمقني بملامح واجمة، ثم �سار خلفي متاأخرا بخطوتين ظل يحافظ عليهما كم�سافة منا�سبة بيني وبينه، ثم بداأ في الاقتراب حتى اأ�سبح موازيا لي تماما، خطف الكتاب من يدي، ورك�س اأمامي �سريعا، فانطلقت اأعدو خلفه لكن ج�سدي كان اأثقل بكثير من اأن األحق به، فتباعدت الم�سافة بيني وبينه، توقف فجاأة والتفت اإلى الخلف، ثم األقى بالكتاب داخل حانوت �سغير لبيع الاأ�سياء القديمة، التقطه �ساحب الحانوت بعد اأن �سب الغلام الذي طار واختفى يقلب واأخذ الكتاب، البائع حمل اأرزاقهم، خلف اللاهين النا�س بين اأغرا�سه، توقفت باإلقائه و�سط اأن يهم �سفحاته يمينا، في�سارا، وقبل اأمامه لاأخبره باأن هذا الكتاب ملكي اأنا، لكنه نظر اإلى من خلف نظارته

ال�سميكة، وقبل اأن اأنطق بكلمة واحدة تحدث هو:

-لماذا تاأخرت يا فتى؟

- لم يكن هناك موعد بيننا كي اأتاأخر.

-تعلم اأنني اأفتح الحانوت بعد �سلاة الفجر.

47

-اأعتذر. لم اأكن اأعلم.

-هيا! اأقبل فهناك عمل كثير في انتظارك.

- عمل؟

-هيا. رتب الاأغرا�س القديمة كل �سنف مع ما ي�سبهه.

-لكني لم اأطلب عملا.

-خذ هذا الكتاب و�سعه على الرف وحيدا فلن تجد ما ي�سبهه.

حائرا، القديمة الاأ�سياء اأكــوام و�سط ووقفت يده، من الكتاب اأخذت ف�سرخ في وجهي يحفزني على العمل �سريعا، فو�سعت الكتاب على رف ا من اأجله، ومددت يدي اأ�سع مطاحن خال تماما وكاأنه �سنع خ�سي�سالعنب، معا�سر مع العنب، ومعا�سر البن، مطاحن مع العتيقة، البن واأ�سع الكتب، وال�سحائف، و�سكوك الحرية، وال�سور، كل في مكانه، ثم اأم�سكت بالمق�سة الم�سنوعة من خي�س النخيل، واأخذت اأكن�س الاأر�سية اأن واأردت الماء، ر�س�ست كله، ج�سدي اإلى الغبار ذرات ت�سللت حتى

اأ�سرب جرعة واحدة، فنزع البائع الكوب من اأمام فمي:

-كدت اأن تف�سد كل �سيء.

-اأ�سعر بعط�س �سديد يا �سيخ.

- الماء لن يطفيء ظماأك الاآن.

اأمرني اأن اأح�سر الكتاب من حيث و�سعت، منحني اإياه نظير عملي:

-اأح�سن ترتيب اأ�سيائك القديمة، و�ساأ�ساعف لك الاأجر.

وحيدا، وتركني ثم رحل الحانوت، واأغلق فنه�س من مكانه ابت�سمت، اأقب�س على كتابي، واأداعب ده�ستي.

ع�سيقها اأح�سان في بعيدا لتنام المغيب، نحو تتبختر ال�سم�س كانت اأما النار، بلون الحجارة وت�سبغ ت�سيء القناديل وبــداأت المجهول، �سرت الخارج، في الجديدة القاهرة باأ�سواء م�سرقة فظلت الماآذن بلا هدف، فالرجل الذي ينتظرني رحل عني دون اأن ينق�س حكايته في الكتاب، وعلي الاآن اأن اأ�سدق حد�سي باأن الحكاية لم تنته بعد، وبينما

اأنا غارق في حيرتي تلك اأتاني �سوت من بعيد ينادي:

قرب. قرب... تعـال اتفرج

قرب �سوف �سندوق الدنيا

نا�س بتغني. ونا�س بتهرج

49

ونا�س تانية حاجة تانية

نا�س بت�سرق. نا�س بتنهب

نا�س ياعمي وكلاها والعة

ونا�س بت�سقى، نا�س بتتعـب

م الفقر ياعينى عينها دامعة

قرب. قرب تعـال اتفرج

لـ)عاطف على عبد الحافظ(

دلفت من بوابة "الدرب الاأ�سفر" ورحت اأبحث عن ال�سوت، وبينما كان ظهره م�سندا يجل�س كتابي �سرق الذي الل�س الغلام �ساهدت يقترب براحة ال�سنبور من وي�سرب خبز، ك�سرة من "قيطا�س" ياأكل ل�سبيل يده بع�س الماء، �سدد اإلي نظراته الثاقبة في �سمت، فعدت اإلى م�سهد الغلام المري�س الذي اأتت به اأمه تطلب �سفائه من "المتولي"، فاكتملت الاقتراب منه كاأنني عثرت على كنز، حاولت راأ�سي ال�سورة، فهززت لكنه اأ�سار اإلى زقاق مظلم، ثم كور ج�سده مختبئا في الجدار، فقادتني حا�ستي اإلى زقاق اآخر غير الذي اأ�سار اإليه، فراأيت مهرجا يرتدي حله والاأ�سود، والاأحمر، بالاأبي�س، كله وجهه وي�سبغ بــالاألــوان، مزرك�سة

50

"�سندوق العجب"، لكن لا مجيب، فالاأطفال باأعلى �سوته على ينادي لا يقتربون من الظلام، ولا يلعبون في الاأزقة ال�سيقة، ولم تعد تجذبهم "�سناديق الدنيا"، ولا األوان المهرج، فت�سمرت اأمامه بعد اأن قب�س على مع�سم يدي، و�سحبني معه اإلى منزل قديم، دفعني داخله بقوة، وعاد

اإلى الزقاق لي�سعل الظلام بندائه.

ا�ستقبلني رجل اأ�سقر اللون يرتدي ملاب�س اأ�سطورية تعلوها قبعة الدلو، الاأخرى يده وفي الاأ�سود، الاأبانو�س من ق�سيرة ع�سا يده في يم�سك اأجل�س، اأن زهرة بي�ساء، فبدا ك�ساحر ار�ستقراطي عظيم، طلب مني جرعات منه اأحت�سي اأن اأمرني فرف�سته، الاإبــل لبن من كوبا ناولني الاأربعة بمقاعده الدنيا" "�سندوق اإلى بع�ساه اأ�سار ثم فقط، ثلاث

الم�ستديرة:

- لا بد واأن تكون رابع ثلاثة.

- �ساأنتظر كثيرا.

- اليوم ال�سندوق لك وحدك.

اأوماأ لي باأن اأجل�س على الكر�سي الرابع، اأم�سك راأ�سي برفق، د�سه داخل ال�سندوق، اأ�سدل عليه قطعة �سوداء من الحرير، وطلب مني اأن اأغم�س

51

ا اأعرفه، ثم اأهم بفتحمها في اللحظة التي اأ�سعر عيني، واأتخيل �سخ�سعلى اأمامي ا �ساخ�س و�ساأ�ساهده النور، روؤية في جامحة برغبة فيها اأ�ستح�سر اأن ا على مقلتي دون حالته حيثما يكون، لكنني ظللت قاب�سفي ذهني اأي اإن�سان، لقد ن�سيت كل من عرفتهم خلال حياتي في تلك اأقف نف�سي فراأيت فجاأة، عيني فتحت �سريعا، �سبري نفد اللحظة، و�سط حلقة كبيرة من اللهب، واأ�ستغيث باأنا�س لم ي�سبق اأن راأيتهم من بالبكاء، اأجه�ست كله، ج�سدي اللهب ياأكل بينما بقوة واأ�ستغيث قبل، واأخرجت راأ�سي ببطء �سديد وغادرت مقعدي، اإلى مقعد اآخر بعيدا عن "ال�سندوق"، األقيت عليه ج�سدي المنهك، واأخذت األهث بقوة، فناولني اأ�سرب منه ثلاث جرعات اأخريات، ثم اأن الرجل كوب اللبن، واأمرني

هداأ من روعي، خلع قبعته، فبانت �سلعته الف�سيحة، األب�سني اإياها:

- ما زال قلبك يحمل �سغائن للنا�س، لذلك لن ترى نف�سك على �سورة تر�ساها.

- لم اأرتكب ذنبا عظيما قط.

جذب من على المن�سدة �ساعة "رملية" وقلبها على وجهها الاآخر فبداأت الحبيبات في النزول ببطء �سديد:

اإلى - تلك ال�ساعة تحوي حفنة رمال لم تطاأها قدم قط عندما تنفذ الجانب الاآخر �ستختفي من اأمامك اأحوال الاأمم ال�سابقة، فطهر قلبك،

واأ�سرع خطاك نحو من ينتظرك قبل فوات الاآوان.

فاأتى مظلمة، حجرة اإلى ودخل مكانه، من ال�سندوق �ساحب نه�س اإلى خارج بقوة زجني ثم اأخــرى، مرة مع�سمي على وقب�س المهرج،

المنزل:

-لا تزال اأمامك األعاب اأخرى.

- تعلم اأنني لا اأجيد اللعب �سيدي.

تح�س�ست راأ�سي فوجدت اأن القبعة ما زالت تعلوه، لكن يدي كانت خاوية اإلا من حقيبتي ال�سوداء، ففزعت لن�سياني الكتاب في الداخل، فاأردت حاولت الدخول، من المهرج منعني لكن المظلم، الزقاق اإلى العودة اأن اأقاومه لكنه لم يكن مهرجا عاديا، بل ك�سف عن ع�سلاته المفتولة،

و�سدد اإلى لكمة قوية قذفتني اإلى الخارج، فنه�ست مترنحا:

-كتابك مقابل القبعة.

- لكن الكتاب؟

-حافظ عليها فوق راأ�سك دائما.

53

ا�ستدار بوجهه، عاد ينادي على �سندوق الدنيا، ثم تلا�سى في الظلام، الكتاب، فقدت اأن بعد �سيء فعل اأ�ستطيع لا م�سدوها، وقفت بينما العودة دلائل فقد اأ�سل طريقي كطفل �سغير اأن في رعب من ووقعت اإلى منزله، ف�سعر بال�سياع، فكرت اأن اأجل�س مكاني حتى تحين لحظة ال�سروق، واأعاود محاولتي لدخول المنزل، لكن انفجرت في اأذني فجاأة بي�ساء ملاب�س ترتدي بيتها، �سباك في تقف لامــراأة خليعة �سحكة محت�سمة، وت�سير لي ب�سبابتها اأن اأ�سعد اإليها، فزاد رعبي، بل ون�سيت اأمر الكتاب تماما، كما ن�سيت اأن هناك قبعة �سوداء على راأ�سي، التفت اإلى كلب �سخم ينبح في ركن بعيد، وقطة ترد عليه بمواء غا�سب من الركن المقابل، حدقت في عينيها اللامعتين، وتذكرت اأن الخزعبلات القديمة تقول "اإن من ينظر طويلا في اأعين القطط ت�سيبه بالعمى"، واأ�سحت بوجهي عنها، فقفزت من مكانها، �سحبت عيني من عينيها، المفاجئة، الذي ظل يبحث عن ملاذ من هبتها الكلب ورك�ست خلف فاأيقنت اأن الاأحداث ت�سير ب�سكل معكو�س، ربما اأ�سبه بالنح�س، واأقرب ال�سباب و�سط ال�سير واأوا�سل المكان، اأغادر اأن فف�سلت اللعنة، اإلى د�سه ما اأن فيبدو بعد، بتعب اأ�سعر ولم هدف، بلا اأ�سير المتكاثف، اأو اأمر�س، ولا اأغفو، فلا خارقة، قوة يمنحني عروقي "المتولي" في

54

بالر�سائل اإيماني على واأقب�س الخوف، اأنــازع فقط اأتعب، اأو اأتاألم، في بها اأتعثر التي الرائعة ال�سدف لكل نف�سي واأ�سلم المجهولة، طريقي، فالاأقدار كما فقاقيع الهواء ن�سطدم بها، وتنفجر في وجوهنا،

لكنها لا ت�سيبنا باأذى.

خرجت من باب "الن�سر" اإلى ال�سارع الف�سيح، بحثت عن �سيارتي كثيرا �سائقه "تاك�سي" ا�ست�سعر مني فاقترب مكانها، في اأجدها لم لكنني حاجتي اإليه، فاأخبرته عن وجهتي، جل�ست على المقعد الاأمامي جواره، ومن و�سط ال�سمت غير المعتاد اأدار موؤ�سر الراديو ببطء �سديد، توقف به عند اأغنية �سباحية لـ"ليلى مراد"، فابتهجت لتلك الطاقة الاإيجابية التي منحني اإياها من دون ق�سد، وبعد لحظات لم تطل توقف بي اأمام العمارة التي اأقطن فيها، اأخرجت من جيبي بع�س النقود وناولتها اإياه، فبادرني بر�سالة قديمة كتب عليها عنواني وا�سمي واأل�سق عليها طابع بريد لاأبي الهول بالطريقة نف�سها التي جاءت به الر�سالة الاأولى، حب�ست

اأنفا�سي، وابت�سمت له بود:

-من الذي ير�سل اإلي تلك الر�سائل؟

-دلتني عليك قبعتك ال�سوداء.

55

-لقد فقدت كتابي.

- �ستاأتيك الر�سائل من حيث لاتعلم.

لا هو ربما وافية، اإجابات يعطيني اأن دون التاك�سي �سائق ان�سرف يمتلك اأي اإجابة، فقد جاء من اأجل اإنجاز مهمة محددة وانتهت، فتحت

الر�سالة وجذبت قطعة الرقاع:

-" اقترب من اأر�س "نبو" واغ�سل قدميك من ماء النهر قبل اأن تخو�س رحلتك، اجل�س بين بيوتها البي�ساء، و�سياأتي من يخبرك عن الرحيل، فمن هناك نبداأ، ومن هناك تبزغ كل زروع الاأر�س، وكل قلوب الب�سر،

والحجر".

اأتممت قراءة الر�سالة مرتين، ولم اأفكر كثيرا، بعد اأن اأ�سبح اللغز الاأول وهما، وتغير م�سار رحلتي من الواحات اإلى النوبة، لكن بادرني ال�سك اإلى ذهني �سوؤال عن ثقتي في تلك للحظات في كل ما يحدث، وتبادر كيفما ويحركني العالم، نهاية في يجل�س رجل يحلجها التي الر�سائل تفح�ستها المخطوطة، واأخرجت الحقيبة، في الر�سالة و�سعت �ساء، لتلك اأنده�س، لم اأخــرى، مــرة تغير قد اللغز بــاأن فتفاجاأت جيدا، الاأحداث الرتيبة المبهرة، بل اأيقنت اأن كل �سيء ي�سير بح�سبان، واأن كل

56

الاأحداث ت�سير نحو هوة �سحيقة تكمن فيها كل حقائق الدنيا، وعلي اأن اأختار الاآن، فاإما اأن اأعود اإن�سانا عاديا، ياأكل، ي�سرب، يق�سي حاجته، وينام، ثم يموت دون اأن يذكره اأحد، واإما اأن اأكون اإن�سانا ي�سلم نف�سه لحكايا النا�س، يتفرج، يبحث، يكتب، ثم ينحت وجهه على جدار حجري لتبقى حكايته خالدة، يق�سها القا�سي والداني، ويحفرها الاأطفال على

األواح الاإردواز، ويغزلها المريدون على جدران المقامات.

�سعدت اإلى منزلي فا�ستقبلتني زوجتي بترحاب �سديد، وتعلق "يا�سين" التي الحفاوة لتلك فده�ست ال�سفر، هدايا ويطلب يقبلني، رقبتي في خلفها غياب يوم واحد، لكنني �سعقت حينما اأخبرتني زوجتي باأنني قد غبت عنها لعام كامل، واأن ر�سائلي ال�سهرية المرافقة للتحويل البنكي كانت هي ال�سبيل الوحيد الذي بث في قلبها الطماأنينة على زوج خرج ابني نظرات اأ�ستوعب لم اأنني كما تقوله، ما اأ�ستوعب لم يعد، ولم فيه ع�ست كامل لعام دام فراق قلبه في تركها التي الحارة وقبلاته على جرعات قليلة من لبن الاإبل، ولم اأقرب الماء والطعام، ظللت اأ�ساأل نف�سي عن هذا الوقت الطويل الذي اأم�سيته هناك، ومر علي كما يوم اأرتديها، التي الغريبة القبعة عن "يا�سين" ي�ستف�سر فقاطعني وليلة، لو كلفني ذلك اأبدا، حتى راأ�سي اأخلعها من األا اأنني لا يجب فتذكرت

57

على من خلعها في محاولاته واأف�سلت ا�ستف�ساره، فتاجهلت حياتي، راأ�سي، ورحت اأحكي له ق�سة تخيلية عن طفل مري�س اأخذته اأمه اإلى بوابة "المتولي" ت�ستجدي العلاج، فعاد الطفل قويا جدا يحمل اأمه على �سيع لكنه الماء، اأو الطعام يقرب ولا الاإبــل لبن على ويعي�س ظهره، كتابه و�سط زحام الحكايات، ف�سار يعي�س في حكايته هو فقط، جل�س "يا�سين" ي�ستمع اإلى ق�ستي باإن�سات، ثم ت�سلق على كتفي وخلع القبعة كانت الذي الرف ناحية اأ�سار ثم الغبار، ونف�س عن ملاب�سي بهدوء، فراأيت الجافة، البرية الزهور جوار الكتاب لو�سع اأعدته "نهاد" قد

الكتاب في مكانه:

- الاآن يمكن للطفل ال�سغير اأن ياأكل وي�سرب الماء يا اأبي.

وجهه، في اأ�سرخ اأن واأردت ب�سدة، نحوي وجذبته يدي، بين فحملته اأن فاأيقنت �ساحكا، وانفجر عة، القب وارتدى جبهتي، من لني قب لكنه مكاني من ونه�ست برفق، يدي من فاأفلته الحكاية، من جزء ابني قد الثانية الحقيقة باأن فتفاجاأت متلهفا فيه نظرت الكتاب، لاأح�سر

نق�ست داخله بحكايتها الكاملة:

الاأجر". لك و�ساأ�ساعف القديمة اأ�سياءك ترتيب "اأح�سن

للاأطفال، �سنعوه الدنيا و�سندوق مثلي، تنا�سب اأن يمكن لا فالقبعة وحياتي كلها اأعي�س فيها بفو�سوية غريبة، لذلك فاأ�سيائي القديمة كلها

لا بد واأن اأ�سعها اأمامي كي اأح�سن ترتيبها قبل فوات الاأوان.

�ساألتني زوجتي عن رحلتي التي خ�ستها، فلم اأجد ما اأق�سه عن رحلة قطعتها في �ساعات معدودة، ف�سمتت قليلا، ثم اأعادت على ال�سوؤال:

- اإن رحلتي الطويلة لم اأعد اأذكر منها اإلا بيتي هذا.

والدها قد مات خلال غيابي، باأن باأ�سى اأخبرتني ثم بعيدا، ف�سردت لذلك هي تحتاج اأن تتحدث اإلي، وتف�سح عما في داخلها، مددت اإليها م�سحت كثيرا، فبكت ب�سدة، وعانقتها �سدري، اإلــى و�سممتها يدي دموعها، واأحنيت راأ�سي على �سدرها، واأخذت اأ�سرد عليها ق�سة رجل، كلما حل بمدينة مات فيها، واأقاموا له قبرا، لكنه ما زال يحيا في مكان الكرامات من �ساخرا في�سحك النا�س، ل�سان على حكايته ت�سله ما، الغام�س، فالموت الرحيل �سيئا �سوى به وهو لم يفعل التي يل�سقونها لي�س هو النهاية التي ننتظرها في كل مرة، بل هو بداية كبرى ن�سعى اأن نخو�سها جميعا، ومن قال "باأن من مات فات" ن�سي اأنه �سيموت يوما ما ليبداأ من جديد حياة اأخرى لا موت فيها، رفعت راأ�سها ونظرت لي نظرة

59

طويلة، ثم عانقتني مرة اأخرى، وطلبت مني بهم�س األا اأرحل، واألا اأموت، ت على ظهرها، و�سادت بيننا لحظات �سمت. فرب

دخلت اإلى غرفة نومي، واألقيت بج�سدي على ال�سرير، اأخرجت هاتفي المغلق واأو�سلته بال�ساحن الكهربائي، وطلبت من "نهاد" اأن تغلق علي واأ�ساءت عــادت لكنها مناق�سة، دون لطلبي فان�ساعت لاأنــام، الباب الاأنوار الخافتة، ثم جل�ست اأمام المراآة تتزين، لم اأفهم ما ترنو اإليه، اأو ما يدور بخاطرها، حتى عاد الظلام يحلق حولنا، اإلا من �سوء الهاتف الذي ظل يبعث اإ�سارات وجلة باأن ال�ساحن الكهربائي يوؤدي عمله على ما يرام، كما اأديت واجباتي الزوجية على ما يرام، انتهت لذة الج�سد، وبقيت اأحتاج اإلى لذة اأكبر بكثير من كل ملذات الدنيا، اأ�سندت ظهري الذي داومت على الاحتفاظ ال�سندوق لل�سرير، و�سحبت �سيجارة من تاريخ اإلــى نظرت جــواري، الخ�سبي "الكومود" جوارير اأحــد في به ال�سلاحية المنقو�س على ال�سندوق، فتفاجاأت باأنه لم يمر اأ�سبوع واحد على تاريخ ال�سناعة، فكيف تثبت اأعمار الاأ�سياء من حولي، اأما اأعمار ال�سخو�س فتم�سي اإلى مبتغاها؟ رددت ال�سيجارة اإلى مكانها في ذهول،

وا�ست�سلمت للنوم.

المرة، الاإفطار، قهوتي العادة، ت�سير كما الاأحداث ال�سباح كانت في

60

المزرعة ببناء من�سغلا زال ما الذي و"يا�سين" "نهاد"، ال�سحيفة، الفا�سلة، فجل�ست اأراقب اأفعاله في �سمت، لا �سيء جديد، فقد انقطعت كل العلامات التي انتظرها، ويبقى اأن اأفكر في الرحيل، فـ"المخطوطة" �سريعا، حقيقتها اإلــى لاأ�سل والزمن الم�سافات، اأ�ــســارع اأن تحتاج و"نهاد" اأ�سبحت وحيدة الاآن، "ويا�سين" اأ�سبح جزءا من رحلتي، اأما اأنا فقد اأ�سبحت اأكثر اإيمانا بر�سالتي التي ولدت من اأجلها، �ساألت ابني عن القبعة، فالتفت اإلي م�ستغربا من �سوؤالي، فاأخذت اأذكره بما قاله لي

بالاأم�س، فان�سرف عني، وعاد يرتب حيواناته الاأليفة:

-تلعب معي؟

-تعلم اأنني لا اأجيد اللعب.

- �ستجيده يوما ما يا اأبي.

Private" ،انتف�ست على �سوت هاتفي، فحملته لاأرى ما الذي يخبئهفك�سف عن �سوت �س، بتوج الاإجابة زر على Number"، �سغطت امراأة تخبرني باأنه يجب اأن اأحدث بياناتي لاأنني لم اأ�ستخدم �سريحة الات�سال لوقت طويل، واإلا �ست�سطر �سركة الات�سالات لاإيقاف "�سريحة" القومي، ورقمي ميلادي، وتاريخ ا�سمي، عن ت�ساأل واأخــذت الهاتف،

61

وعنواني، ثم �سكرتني �سريعا، لكنها قبل اأن تنهي المكالمة غيرت من نبرة �سوتها الرقيق وقالت بلهجة جادة:

-�سينتظرك القارب هناك وقتما ت�سل.

-من اأنت؟

-لا بد اأن تبداأ رحلتك �سريعا.

انقطع الات�سال، لكن عقلي ظل متقدا، فما اأواجهه لا يتحمله ب�سر قط، اأجمد كل م�ساعري واأ�سعها في ثلاجة، فلا ت�سدر عني اأن بل يحتاج انطباعت غريبة، اأو كلمة واحدة تعبر عن اندها�سي، التفت اإلى "نهاد"

التي جل�ست ترتل �سورة "يو�سف"، توقفت فجاأة، ونظرت اإلي مبت�سمة:

- اأع�سق تلك ال�سورة يا "مازن".

- طلبت منك اأن ن�سمي ابننا "يو�سف".

- اأولها حلم ونهايتها حقيقة.

- اأبوك هو من اختار ا�سم "يا�سين".

- اأبي كان حلما وانق�سى.

- يكفيني اأنك مازلت "حقيقة".

62

- ارحل يا "مازن" كما ت�ساء.

- الرحيل اإلى الحقيقة يحتاج اإلى حلم طويل.

طوت الم�سحف، واأخرجت من جيبها مفتاحا، ناولته لي:

-لن تحتاج اأن تطرق علينا الباب بعد ذلك.

- لا اأحتاج اإلى مفتاح لمنزلنا طالما اأنت بداخله.

- ربما تاأتي يوما ولا تجد من يفتح لك الباب.

توقفت لكنها النوم، غرفة اإلى واتجهت اأمامي، الطاولة على تركته وحدقت في وجهي طويلا، ثم غابت في الداخل، واأبقت الباب مفتوحا.

الحكاية، خيوط يحلج الــذي الغريب التحالف هــذا في اأفكر بقيت فال�سخ�سيات تتقافز حولي وفي كل مرة ين�سجون غزلا لي�س له بداية اأمامي كرة �سغيرة من �سوء خافت ثم يرحلون عني اأو نهاية، فيلقون �ساخرين من واقعي المجنون، ون�سوا اأن ع�ساق الحقيقة لا يملون حتما األما يعي�سون لكنهم المجهول، تت�ساقط في طريقهم التي الاألغاز تلك كبيرا لا منا�س منه، فلذة الاألم تلك كلذة المخا�س التي تنتهي ب�سرخة اأن تريد التي الثانوية الاأفعال تلك بكل اأبدا اأعباأ لا اأنا لذلك الحياة، علينا كتبتها التي فالرغبات اأتــحــرك، لا مكاني في را�سخا تبقني

63

اأن يريد منا الكاملة، فقط كل الروؤية ت�سرفنا عن ما دائما غرائزنا الو�سول بمجرد �سريعا يزول ا عار�س األما داخله لي�سبع يبغيه ما يرى الدنيا، تعا�سة فلهم الكبرى الماآرب اأ�سحاب اأما التافهة، ماآربنا اإلى

ولهم خلود الاآخرة.

جل�ست في مكتبي اأن�سر اأمامي الكتاب والمخطوطة والر�سائل الخالية، واأخذت اأقلبها، اأبدلها، اأرتبها، اأبعثرها، اأنظمها، لكن �سيئا لا يحدث، لذلك منا، غفلة في اإلا ــدا اأب تخفيه بما تبوح اأن يمكن لا فالاأ�سياء لملمتها، وو�سعتها في حقيبتي ال�سوداء، و�سعرت باأنني مقبل على عالم ف�سيح، اأ�سير فيه كنقطة �سوداء لا يعلم بوجودها اإلا الله، فما اأجمل اأن يكون الله هو �سديقك حينما تتخلى عنك كل الاأج�ساد الاآدمية! ويبقى يحرقك، ولا ي�سلك، ولا يخونك، لا الذي المخل�س رفيقك هو النور طيب" "اإن�سان باأنني اأذني في ويهم�س قلبي، على يربت من فجائني م�ساكين تعانق التي ال�سر اأطواق كل ويواجه ويقاوم، يعي�س، اأن يجب الاأر�س، فاألفت ال�سوت البعيد، وراأيت دربا طويلا من زهور برية انفلق و�سط الملح، اأ�سير فيه متكئا على الهواء، تحفني الفرا�سات، كطفل لم

تلده اأمه بعد.

64

65

)3-أرض نبو(و اأي اأر�س تخلو منك حتى ** تعالوا يطلبونك في ال�سمـاء

تراهم ينظرون اإليك جهـرا ** وهم لا يب�سرون من العماء

اأ�سوان، في ال�سم�س منابع عند بي توقف الــذي القطار رحلة انتهت جاءت فامراأة قط، يع�س لم كمن الثالثة الدرجة �سكان بين فع�ست تحمل على راأ�سها جرة فارغة من ع�سل، ورجل مل الحياة فظل يتحدث مع رفيقه يائ�سا عن مدينة خالية من ال�سر، وطفل ظل يوزع علينا كتبا لمواعظ �سغيرة في �سمت، ووقف ينتظر من يبتاع، اأما اأنا فكنت اأقب�س على كتابي بكلتا يدي، واإلى جواري ق�سي�سا يحمل في يده �سليبا �سخما، يبادرني بابت�سامة ودودة اأراد منها حديثا يهون علينا الطريق، لكن لم

66

تكن عندي رغبة في الكلام، اأخذ ينظر اإلى الكتاب بتمعن، وير�سم على من من حولي كل في اأ�سك فبت اإجابات، لها اأملك لا اأ�سئلة ق�سماته اأ�سخا�س، اأنظر اإليهم واأنتظر من ياأتي لي�سب فوقي دلو الثلج، فمعالم الطريق الطويل لا تاأتي اإلا من بين هوؤلاء الب�سطاء، فقررت اأن اأن�سرف وكاأني جواري، تلهو التي والجبال، والــزروع، الاأ�سجار، بمتابعة عنهم معلق في طرف فر�ساة ر�سام مجنون ي�سخبط لوحته ويمزجها بالاألوان دون تمهل، اأخرجت الكتاب فغا�ست عينا الق�سي�س في �سفحاته، لكنه واأجل�س فتاة اإليه، فقام من جواري انتبهت بالهرب كلما كان يتظاهر باأن ال�سك ف�ساورني المتهالكة، الخ�سبية المقاعد من حظها تنل لم تحركاته اأتابع واأخذت الكتاب، فاأخفيت الحكاية، اأ�سحاب من يكون الهادئة حتى اختفى بعيدا عند نهاية العربة، لم تكن رفيقتي الجديدة جواري، النافذة من ب�سرها تمد �سامتة فجل�ست الثرثرة، هواة من وتتاأمل العالم الف�سيح في الخارج، �سعرت بالجوع للحظات، فاأن�سغلت باإخراج الطعام الذي اأعدته لي "نهاد" من الحقيبة، ف�سقط الكتاب من يدي، اأ�سرعت والتقطته من الاأر�س، واحتفظت به حتى انتهيت، ناولتني اإياه بوجوم غريب، ف�سكرتها، وعزمت عليها اأن ت�ساركني الطعام، مدت تناول في تبداأ اأن وقبل اعترا�س، دون لها قدمته ما واأخــذت يدها،

67

اأنه يحوي مذكرات �سخ�سية، فاأخبرتها الكتاب، �ساألتني عن طعامها وجومها من زادت حا�سمة، بلهجة فرف�ست تتفح�سه، باأن ا�ستاأذنت منحتها الذي الطعام علي وردت الرقيقة، ملامحها ينا�سب لا الذي جواري، اإلى يجل�س "الق�سي�س" با�سما وعاد مكانها، غادرت ثم اإياه، في حدق �سريعا، طعامي األتقم ورحت الحقيبة، في الكتاب فاأخفيت

وجهي للحظات:

ا بطن الاأ�سرار فيحتاج". كل ل�سبع نف�سه، اأم يق ياأ د -"ال�س

-اأاأنت جزء من الحكاية؟

لوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم". -" ا�ساأ

اأتمت نه�س من مكانه، وعادت الفتاة وفي يدها رغيف خبز كانت قد "الق�سي�س" األقاه التهام ن�سفه، ولم تعطني فر�سة واحدة لاأفكر فيما

على م�سامعي:

-تركت لك الن�سف الاآخر لتاأكله.

-لا اآخذ طعاما ممن رد علي طعاآمي.

- �ستتمنى مني ك�سرة خبز يوما ما.

68

و�سعت ن�سف الرغيف اأمامي، وغادرت مكانها، وغابت و�سط الزحام، وبقي المقعد �ساغرا لا يقربه اأحد حتى نهاية الرحلة.

�ساطئه، على تم�سيت لل�سر، مكان لا حيث العظيم النيل من اقتربت اأتفح�س وجوه النا�س، واأمد ب�سري ناحية دير "الاأنبا �سمعان" في البر الغربي، حيث مرا�سم الموت، وخزائن الحياة، فوقعت عيني على راهب الدير، مكررا ذلك اإلى بالماء، ثم يعود النهر، يملاأ هدرته اإلى ينزل لكنه بيننا يحيا زال ما ال�سومعة �ساحب اأن فاأيقنت ومــرات، مرات بعيدا عن ين�سحبون الذين العط�س، فهوؤلاء هم اإذا لحقه اإلا لا يظهر الدنيا ويف�سلون العي�س بين ال�سماء وال�سماء، بعد اأن تهافت ال�سر على قلوب بني الب�سر، اأما النجاة من ال�سر فتحتاج اإلى المزيد من التاأمل اأما لمبتغاه، خير هو فال�سر ال�سيطان، منها يت�سلل لا التي والمعرفة الخير فهو خير حتى اأمد الدهر، فلا ال�سر ياأ�سرك اأبدا، ولا بالنفع اأنت نبي مرتجى، فالهاربون من الخيط الاأحمر الذي غزلته جموع "القبالا" الحياة، عن بعيدا يهربون ما دائما النا�س، لي�سحروا جباهنا على ليبتعدوا عن كل ما جاءوا به من اأرواح �سريرة، لكنهم يعلمون اأن تلك العالم من بعيد، ويحركون الجموع تجل�س في مكان ما يتفرجون على كل اأحداث الحكاية الكبرى كما ي�ساءون، ثم ي�سحكون على كل اأفعالنا

69

العظيمة، اأو ما نظنها عظيمة، فـ"هرم�س" النبي تح�سن بالقلم، فكان اأول من خط به على الرمال، واأول من خاط الثياب، واأول من اهتدى فتعلم الكبرى، المعرفة عن يبحث الطويلة حياته فعا�س بالنجوم، كعام و�ستين عاما مروا عليه �سيء، وعا�س ثلاثمائمة وخم�سة لغة كل واحد جمع فيه خير النا�س جميعا، حتى حا�سره ال�سر من كل جانب، فاأ�سكنه للحياة، يعود ثم الموت، ما في ليعلم الموت يذوق اأن فف�سل الله �سماء الاأرفلون، ليظل اأ�سطورة عظيمة لكل �ساع اإلى الخير، لذلك فثوب الحقيقة ما يزال �سائعا بعد اأن ف�سل هوؤلاء الان�سحاب من تلك الدنيا، وما اأنا اإلا رجل ولد في اآخر الزمان ليجمع �سيئا من خيوطه ثم يموت، ثم ياأتي من بعدي رجل فقير ليكمل الرحلة، لكن اأ�سئلة كانت لا فاأعي�س لحظات يره غيري؟ مالم اأرى تمور في وجداني، فكيف تزال بل بعد، الم�ستقبل اأر لم لكنني الحا�سر، في ولحظات الما�سي، في المجهول هو ما يقودني اإلى رحلتي الطويلة التي �ستنتهي مع اآخر حبة روؤية اإلى دائما يدفعني ما فاليقين هو الاآخر، الجانب اإلى تنفذ رمل

ب�سي�س النور الذي ير�سله الله مع طلوع الفجر.

الاأخير، مثواها اإلــى المتدفقة المياه تيار عك�س اأ�سير مازلت كنت الخارقة فالطاقات لااأعلم، اإلى حيث �سياأخذني الذي القارب واأنتظر

70

تتولد دائما من ال�سير عك�س الاتجاه، فاأ�سرعت الخطى، واأخذت اأدندن من المزيد اإلــى تحتاج التي اللحظات تلك في لي راق قديما، لحنا الجنون، اأو اإلى المزيد من الرحمة، فـ"وقوع الموت اأهون من انتظاره"، مقعد على المنهك بج�سدي األقيت الموت، كما المجهول هو وكذلك حجري، واحت�سنت حقيبتي، و�سلمت نف�سي لغفوة لم اأ�ستطع مقاومتها، ي�سحك من منهم حولي، من يطوفون الحكاية �سخو�س كل �ساهدت ب�سدة، ومنهم من يبك ب�سدة، ومنهم من وقف يحمل كتابا، ومنهم من يحمل خنجرا ويريد قتلي، فنه�ست من غفوتي مفزوعا، فما راأيته لي�س واحدا بيدي لم�سهم واأ�ستطيع اأنفا�سهم، اأ�سعر دفء كنت فقد حلما، تلو الاآخر، حتى اإن "�ساحب ال�سندوق" اقترب من اأذني وهم�س فيها،

واأ�سار بع�ساه:

-القارب هناك في انتظارك على بعد اإحدى ع�سرة خطوة.

القارب فراأيت المحددة، الخطوات بقدمي وخطوت حقيبتي، حملت ثم �سريعا، اأ�سفل اإلى الدرج هبطت ال�ساطيء، على را�سيا ال�سراعي "اأر�س نبو"، فحركت قفزت داخله، وجل�ست حيث لا اأحد يقودني اإلى مجاديفه يحرك قائد دونما الماء في يمخر ــداأ وب �سراعه، الــريــاح البر على الحياة اأطالع النهر، منت�سف في اأ�سبحت حتى الخ�سبية،

71

المياه في اأ�سابعي واأمــد الغربي، البر على الموت وقبور ال�سرقي، "اأر�س القارب بقوة، نحو اندفع ال�سابقون، لاأنحت ما عجز عن نحته "اإيزي�س"، معابد كهنة ا�سطفت حيث "فيلة" بجزيرة فمررت نبو" تت�سح و"حتحور" و"اإمحوتب"، و"ماندولي�س"، و"اأري�سنوفي�س"، اأج�سادهم بالبيا�س، وهم يحملون في اأياديهم �سموعا م�سيئة، يلوحون بها في �سمت، فهنا يعبد ال�سمت المقد�س، ويحرم الكلام، وال�سحك، و�سيد الطيور، وكل �سيء حي، فانطلقت روح "اأوزوري�س" الذي �سحى "�ست" تما�سيح من تحر�سه القارب فوق تحلق الاأر�ــس هذه اأجل من اإله ال�سر، التي ق�سدت تغيير م�ساره لاأ�سقط في بحيرة النار، ويحترق الكتاب، واأحترق معه وتموت الحقيقية التي اأبحث عنها قبل اأن تولد، ثم يتبخر ج�سدي واأهوي في العالم ال�سفلي ال�سحيق حيث يعذب المذنبون، فينقطع اأثري وتزول رائحتي الاآدمية، ويموت قريني الم�سكين، واأ�سبح و�سرخ عالية، �سخرة "�سوبيك" اإلى كبيرهم فزحف اأكــن، لم كاأني فيهم بقوة باأن يف�سحوا الطريق للقارب، ويتركوني اأمر ب�سلام اإلى حال �سبيلي، فـ"�سوبيك" الذي اأ�سفق على "اأن�س الوجود" حينما جاء يبحث ليمنعها المعزولة الجزيرة في الوزير اأبوها حب�سها التي حبيبته عن من زواجه، فحمله على ظهره واأخذه اإليها، ما زال قلبه عامرا بالخير،

72

رفعت له حقيبتي لاأعلى تعبيرا عن �سكري وامتناني، لكنني لم اأكن اأعلم اأن فرحتي �ستكون �سببا في انزلاق كتابي في الماء محدثا دوامة كبيرة، بذيلها ت�سنع وبــداأت بقوة، و�سرخت التما�سيح، اأثرها على هاجت خطوطا دائرية حول القارب، فتوقف في مكانه و�سط النهر لا يتحرك، ال�سباح، اأتــى حتى المجاديف، تحريك في اليائ�سة محاولاتي رغم فتفاجاأت باأنني اأطفو فوق �سطح الماء بلا قارب، وتحيط بي التما�سيح

من كل جانب، تك�سر عن اأنيابها.

الكتاب، على لاأطمئن حقيبتي فتحت مفزوعا، نومي من ا�ستيقظت فوجدته في مكانه، نظرت حولي فلم اأجد اأثرا لـ"�سوبيك" اأو تما�سيحه ال�سر�سة، ازدردت ريقي، وقمت من مكاني واأنا اأحمل حقيبتي، و�سرت على را�سيا قــارب على عيني فوقعت لــلاأمــام، خطوة ع�سرة اإحــدى ال�ساطيء، يجل�س على راأ�سه �سيادا اأ�سوانيا يلقي ب�سباكه، بينما اأم�سكت زوجته بالمجاديف وجل�ست على راأ�س القارب في الاتجاه الاآخر، هبطت باأن لزوجها واأومــاأت الحقيبة، اإلى المراأة فالتفتت اأ�سفل، اإلى الدرج ينتبه للقادم المنتظر، انت�سل الرجل �سبكته �سريعا، ومد لي يده لاأ�سعد نف�سي عن لاأف�سل يده راحة وقب�ست على فابت�سمت، مرحبا، القارب فقط خطوة ع�سرة اإحــدى لي وترك للتو، انتهى الذي الطويل الحلم

73

هو بل حلما لي�س بالجنة، ينتهي الذي فالحلم الواقع، نحو اأخطوها ال�سياد في القارب، فانطلق القلب، قفزت في هدية من الله يتلاقها اتجاه "اأر�س نبو" غير عابئ ب�سيده، مررنا بمعبد "فيلة" فق�س علي اأ�سطورة "اأن�س الوجود"، وحبيبته "زهرة الورود" والتم�ساح "�سوبيك" الذي تخلى عن ال�سر عندما غلبه الحب ال�ساكن في قلب العا�سق، وقرر اأن يخلد ا�سمه كحيوان نبيل، ثم راح يحكي عن "اإيزي�س" واأوزوري�س"

ولو �سئت فاإنه لن يكف عن حكاياه التي لا تنتهي.

ت "جزيرة الع�ساق" من جوارنا كفتاة عظيمة جل�ست تنتظر حبيبها مربعيد من �سمبل" "اأبو معبد ا�ستقبلنا تطل لم �ساعات وبعد الغائب، النظر اأطيل األا ن�سحني ال�سياد لكن مهيب، قا�س �سحراوي كعجوز اإليه، لاأنه وعاء كبير لتجبر ال�سلطان، فقد بناه اأ�سرى الحرب، و�سكنته تماثيل الملوك بعد اأن �سخروا لها ال�سم�س التي باتت ت�سرق على وجوههم وحدهم، ون�سوا اأن هناك �سعبا يجل�س في الظلام على �سفاف النيل منذ اآلاف ال�سنين، ي�سعر بالبرد والحرمان، هم�ست زوجة ال�سياد بكلمات البيوت روؤو�س ببزوغ تب�سرني اأنها بعد ذلك اأيقنت لكنني اأفهمها، لم البي�ساء في "اأر�س نبو" حيث يكمن اأ�سل كل �سيء، نفخ ال�سياد في بوق �سخم قديم، فخرج اأ�سحاب الدفوف بالجلاليب البي�ساء، والجرجار،

ر�سي اإن وما الجميل، النوبي بالغناء الدنيا ويملاأون دفوفهم، يدقون القارب على ال�ساطيء حتى ارتفع الغناء، وتناثرت الورود، والاألوان التي اختلطت بلون الطمي الذي غلف اأج�سادهم، فبدت ملاب�سهم البي�ساء، وقبعاتهم ال�سغيرة الملونة كنجوم تبرق في عز النهار، كنت منده�سا لحفاوتهم ب�سخ�س لا يعرفونه، ولم ي�سبق له زيارة تلك الاأر�س، لكنني علمت من "ال�سياد" باأن حلما ا�ستركوا فيه جميعا جاء يب�سرهم برجل كتاب داخلها �سوداء، حقيبة يده في يحمل اأيــام خلال اإليهم �سياأتي �سيخلد ذكراهم حتى نهاية التاريخ، فحدقت في وجهه طويلا وهبطت

من القارب لتطاأ قدماي اأر�س "نبو" للمرة الاأولى في حياتي.

خلالها من اأرى �سغيرة تلة اأعتلي وحيدا وبقيت جميعهم ان�سرفوا البيوت البي�ساء �ساكنة، فلا �سوت يخرج من اأي باب، ولا حركة تنبيء النيل، خرج التي تجري نحو محافل المياه عن حياة هنا �سوى حركة عجوز من منزله ال�سغير متكئا على ع�ساه، اقترب مني حيثما اأقف،

رفع راأ�سه لاأعلى فبرقت لحيته البي�ساء في �سوء ال�سم�س:

-مرحبا "اآمي دوات".

- ا�سمي "مازن".

75

-جئت حاملا قطعة من كتاب الموتى؟

-اإنها مخطوطة كتبت فيها حقيقة ناق�سة.

-لا توجد على اأر�س "نبو" حقائق ناق�سة.

-هل اأعثر على �سالتي وتنتهي الرحلة هنا؟

-اغ�سل قدميك من ماء النهر اأولا يا "اآمي".

-ا�سمي "مازن".

-ارك�س برجلك هذا مغت�سل بارد و�سراب.

- �ستبداأ رحلتي من هنا األي�س كذلك؟

-احذر الخيط الاأحمر لاأنه �سيحرقك.

-الخيط الاأحمر لم ينج اأحد منه قط.

-اإذا �ساورك ال�سك فارفع يديك اإلى ال�سماء كي تحملها عنه.

ان�سرف الرجل وعاد يغلق عليه بابه، خلعت نعلي ونزلت اإلى ماء النيل، غ�سلت قدمي، ثم عدت لاأكمل رحلتي حافيا اأدو�س رمال الاأر�س الاأولى اأهل فخرج بي�ساء، حرير من قطعة في اأخطو وكاأنني �سعرت حتى بيت اأمــام حد�سي ا�ستقر حتى هــدوء، في حياتهم يمار�سون المدينة

76

كبيرهم، طرقت الباب على مهل، فبانت فتاة �سمراء تفتحه لي وتلفع وجهها الاأ�سمر خجلا، اأذنت لي بالدخول، األقيت عليها ال�سلام، فاأمرتني اأن اأجل�س في فناء الحديقة جوار البئر اأنتظر حتى ياأتي من ي�سطحبني يوؤذن اإلا حينما اإلى الداخل، ثم حذرتني من الاقتراب من ماء البئر، لي بذلك، فجل�ست اأتاأمل اأ�سجار الب�ستان التي لحقها الجفاف، وتناثرت اأوراقها ال�سفراء في الاأر�س فبدت كب�ساط من رماد، وبينما اأنا كذلك توقف اأمامي طفل �سغير يرتدي جلبابا، وي�سع على راأ�سه قبعة بي�ساء، خبز بك�سرة الي�سرى يده في ويم�سك قما�سيا، كي�سا رقبته في يعلق يجتمع حولها الذباب، اأما باليد الاأخرى فكان يحمل لوحا من "اإردواز"، كتب عليه بالحجر الجيري اأحرفا هيروغلوفية ت�سير اإلى الحياة الاأبدية الاأخرى، اإنها عبارات من كتاب الموتى، كما اأظن لكن الكتابة البدائية

لم توؤكد لي ما ظننته:

-اأخرج كتابك واأقراأ مما جاد به عليك الاآخرون.

- �سبق واأن راأيتك في ال�سارع الاأعظم.

-اأنا م�سغة تكمن داخلك يا "اآمي".

- اأنا "مازن" ولا اأدعى "اآمي".

77

-لكل منا ا�سم لا يعلمه، وحياة لم يع�سها.

-اأخرجت الكتاب واأخذت اأقراأ ما بدا لي من حكايات، حتى انتهيت، بل توقفت، لينك�سف لي المزيد من النور:

-تنق�سم رحلتك اإلى اثنتي ع�سرة �ساعة تق�سيها في العالم الاآخر.

-لقد مللت اللعبة يا طفلي ال�سغير.

- لكل �ساعة ا�سم مميز ومكان معين.

- متى تنتهي اللعبة اإذا؟

-عليك اأولا اأن تدرك كل تلك الاأ�سماء لتهزم الوحو�س.

خلع الطفل كي�سه القما�سي، واألقى بك�سرة الخبز، وبلوح "الاإردواز" على الاأر�س، �سعد اإلى حافة البئر، ثم قفز في اأعماقه، هرعت من مكاني كي انت�سله لكنه ذاب �سريعا، واختفى في الظلام، وظل ينادي في الاأعماق:

-حافظ على اأ�سيائي حتى نلتقي يا "اآمي".

اإلى الدخول الاأزرق، وطلبت مني النطاق ال�سمراء ذات الفتاة ظهرت المنزل بعد اأن اأذن لي كبيرهم بلقائه، فحملت كتابي، واأ�سياء الطفل التي تركها خلفه، و�سرت وراءها اإلى بهو المنزل الكبير، اأجل�ستني على

اأريكة من �سيقان البامبو، وقدمت لي التمر والماء، والخبز ال�سم�سي، والع�سل، فاأكلت ما يكفيني، واحتفظت بباقي الطعام في الكي�س القما�سي ليكون لي بع�س الزاد، خرج كبيرهم من حجرة جانبية مرتديا زي ملوك "�سولجان" من الذهب، وي�سع النوبة القدامى، يحمل في يده اليمنى على راأ�سه تاجا من ال�سل�سال الاأحمر، جل�س على مقعد خ�سبي ق�سير:

-راأيتك في منامي ليلة اأم�س.

-جئت لاأبداأ رحلتي من هنا.

-كل �سيء يبداأ من هنا.

- �ستكتبون حقيقتكم في كتابي هذا.

-بل اأنت من �ستكتب كل �سيء.

ينة من قن اأمامه، فاقتربت منه بحذر �سديد، فناولني اأمثل اأن اأمرني الذئبق الاأبي�س، وطلب مني اأن اأتجرع ثلاث جرعات، ففعلت ما اأمر به:

-لقد جاء "قارون" اإلينا طالبا منا اأك�سير الحياة، فاأعطيناه ما يحول به التراب ذهبا.

-لكن "قارون" خ�سفت به الاأر�س.

79

-نحن لا نمنح الطامعين الخلود.

- اأنا جئت لاأغزل ما نق�س من ثوب الحقيقة.

- ازرع ما تبقى من بذورك في حديقتي و�ستثمر اأ�سجارا تظل خ�سراء ماحييت.

-الموت قد ي�سبق الحقيقة.

- لكنك اإن مت �سنعلم عندما تتحول اأ�سجارك اإلى رماد.

- الموت هو عدوي الذي لا اأتمنى مواجهته.

-�سنبحث عن رجل اآخر يكمل رحلتك.

يغلق اإلى غرفته واأ�ساح بوجهه عني، ثم عاد الكبير من مكانه، نه�س عليه بابه، اأمرتني الفتاة بالخروج اإلى المدينة، لاأعي�س بين اأهلها واألا تختلط اأن يجب فلا القما�سي، كي�سي في اأثرهم من ب�سيء اأحتفظ اآثارهم باآثار الاأمم الاأخرى، زرعت ما تبقى من بذور التمر في الحديقة،

وغادرت المكان.

بنى لي اأهل "نبو" بيتا من الطين، وقاموا بطلائه باألوان مبهجة، ف�سار عر�سا لي اأقاموا ثم لاأتزوجها، فتاة لي واختاروا بيوتهم، عن مميزا

80

اآكل بينهم فع�ست الفخار، اأوانــي �سناعة اأحدهم وعلمني اأ�سطوريا، واأ�سرب من عمل يدي، حتى اأتى يوم ب�سرتني فيه زوجتي "مانو" بحملها مدينتهم، م�سار ليغير قريبا �سياأتي الذي المولود تنتظر واأنها الاأول، فهي تحلم اأن يكون يوما ما كبيرهم، خا�سة اأنه الطفل الذي �سيولد من رحم الحقيقية، كما جاء في مخطوطة الخلود، التي عثروا عليها معلقة من طفل "�سيولد المجهولين، الملوك خــدام اأحــد مقبرة �سقف في رحم امراأة تتزوج من رجل يحمل كتابا فارغا جاء يب�سرهم بالخلود، ين�سر الف�سيلة بينهم لكن �سرعان ما تقتله الوحو�س ال�سارية، و�ستبقى ف�سيلته بينهم لا تموت"، فتحت حقيبتي واأخرجت المخطوطة فتفاجاأت من تاأتي ر�سائل عن اأبحث فرحت بالدماء، خطت قد جديدة برموز مكان ما، لكن يبدو اأنني اأعي�س تلك الر�سالة بالفعل، فهناك ر�سائل تقراأ على الرقاع، ور�سائل اأخرى تعا�س على الاأر�س، ور�سائل نحلجها باأيدينا ون�سدقها، فحملت فاأ�سا وخرجت لاأزرع �سجرة لابني ليقتات منها بعد

اأن اأرحل، لكنني توقفت ورحت اأ�ساأل "مانو" عن ا�سمه، فابت�سمت:

-�ساأ�سميه "يو�سف".

- اأوله حلم ونهايته حقيقة؟

81

-اآخره حقيقة وبدايته حلم.

ا اأمامي، لكن يبدو اأنها لم اأ�سته اأن اأعي�س ذلك الحلم، اأو اأراه �ساخ�سالرمال فحفنة بقدرها، قانعين اإليها نن�ساع اأن يجب التي الاأحــلام النهر، قاع من هنا. من خرجت قد اأنها حتما ت�سابقني التي الطيبة وحتما اأنه ما زال هناك مكان على تلك الاأر�س لا يحمل ال�سر للنا�س، واأ�سيائي حقيبتي، حملت �سوء، غير من بي�ساء اأيدينا تخرج فمنه "نبو" حا�سروني من اأهل اأهــرب، لكن اأعــود، بل اأو اأرحــل، اأن واأردت كل جانب، فـ"اآمي دوات" لا يجب اأن ين�سحب من الحكاية قبل بدايتها، بابه علي واأو�سدوا للذهب، منجم في بي واألقوا علي، قب�سوا لذلك الكبير، فلا قيمة للذهب في يد ال�سجناء، ولا قيمة لحكاية مات بطلها

دون اأن يذكره اأحد.

اأخذت اأنحت كل ما حفظته من حقائق ع�ستها طوال حياتي على جدران الكهف المظلم، وقررت اأن اأهرب اإلى نوم طويل، اأرى فيه حياة اأخرى تمر التي الع�سيبة اللحظات تلك في الواقع اإلى اأحوجني فما قريبة، من حولي كق�سبان النار، ا�ستيقظت من نومي بعد اأن فقدت الاأمل في اأ�ساءت، باأظافري وقد التي نحتها الحقائق اأي �سيء، فراأيت اأرى اأن وملاأت المكان بالنور، اإلا حقيقة واحدة كانت لا تزال مظلمة، حقيقتي

82

اأنا التي طالما ظللت اأجهلها، فاأبي الذي علمني لغات العالم، وو�سع يده في يدي ذات يوم، وطلب مني األا اأنبهر بما تك�سفه لي األ�سنة الاآخرين، الانبهار �سطوة واأعي�س مــا، يوما عهده �ساأخون اأنني يعلم يكن لم ال�سجن بين جدران اأنا هنا لذلك رغما عني، فيها �سقطت التي تلك الذهبي، اأعي�س على زاد احتفظت به في كي�س قما�سي اأهداني اإياه طفل "يو�سف" البئر، لكن قمي�س انتحر في جاء ي�سرفني عن طريقي ثم الملطخ بدماء الكذب ما زال لا يحمل رائحتي، ومازلت اأهم بكل ذنوب العالم التي تغرقني من راأ�سي حتى اإخم�س قدمي، و�سيظل اأبي فاقدا بيتي، التي تركتها في خزانة األقوا عليه قم�ساني كلها ولو للنور حتى كتابي هذا على الحقيقة نق�س اأكمل اأن بعد تنتظر عودتي روحه لكن الذي اأحمله خلال رحلتي الطويلة، واأعي�س تحت رحمته علني اأ�سل اإلى النهاية، بكيت كثيرا ودعوت الله بدعاء "يون�س" حينما التقمه الحوت، لكنني ل�ست نبيا ينتظر رحمة الله، بل اأنا ب�سر عادي اأراد اأن ي�سنع من الما�سي طرفا لخيط يت�سبث به الجميع قبل ال�سقوط في الهاوية، ربما اأنا الاآن من �سقطت في الهاوية واأنتظر من ياأتي ويمد لي هذا الخيط لاأ�سعد اإلى الحياة، فالحمد لله الذي جعلني روحا ت�ستاق، وعينا تدمع، ت�سبح في ي�سبح، وعينا يتاألم، و�سوتا تلوم، وج�سدا ونف�سا وقلبا يرق،

83

ال�سماء.

اأو بعد غد، اأو غدا، انتهى الزاد. حتما �ساأ�سعر بالجوع والعط�س الاآن، �ساأموت في هذا القبو دون اأن ي�سعر بي اأحد، فبماذا يفيد الذهب الاآن واإن ق�سمه جائع اأو �سرب �سيله ظماآن؟ غريب اأمر هذا الاإن�سان الذي يقد�س اأ�سياء لا تنفع ولا ت�سر، لكنها تظل تبرق في عينه فيقدم كل ما التالي، وزاد عليه العط�س يمتلكه قربانا لها، �سعرت بالجوع في اليوم بعد يومين، ثم اقترب الموت بعد مرور اليوم ال�سابع اأو الحادي ع�سر، اأبواب ج�سدي تنتظر لحظة تنفذ منها من واأ�سبحت روحي تقف على حبي�س ف�سيظل ج�سدي اأمــا ال�سماء، اإلــى وت�سعد الحجارة تلك بين

الاأر�س.

)"اأيتها الاآلام ارحلي عني �سريعا، اأترجاك اأيها القلب األا تخدعني في العالم الاآخر(.

لقد كانت تلك هي كلمات "اآمي داوت" الفرعون القديم الذي �سعى نحو الخلود، وطمح في عالم �سفلي اأجمل من عالمه الذي عا�س فيه، لذلك خط بيده ال�سطور الاأولى في كتاب الموتى، واأو�سى باأن تدفن مع ج�سده الاأبي�س بالذئبق وحقنه الدنيوية، المتعة اأوعية كل من جــرده الــذي

84

واأ�سدقائه اأهله فيعرفه بها، عا�س التي الاإن�سانية بهيئته خالدا ليظل بل "اآمي" الفرعون، ل�ست لكنني الاآلام، الخالي من الاآخر العالم في اأنا "مازن" الذي جاء يبحث عن الحقيقة، واأيقنت اأخيرا اأن الحقيقة الكبرى تبداأ من الموت، لم تكن بوابة �سجني كبوابات القبور بل يمكنني الاإقتراب منها واإزاحتها من طريقي لاأخرج من جديد اإلى اأر�س "نبو" بقلب اآخر اآن له اأن ي�سدق كل ما جاءت به الاأ�ساطير الاأولى، لكنني لم اأفكر اأن اأهرب اأبدا، بل �ساأظل اأنتظر حتى ياأتي الرجال، ويفتحون علي الباب ويمنحونني حريتي التي حرمني منها ارتيابي، فلا يمكن اأن اأفكر في الهرب من العقاب، واأتحول في نظرهم اإلى مذنب، وجبان، فبعد اأن انتهى زادي من التمر، والخبز ال�سم�سي، والع�سل، بت اأركن اإلى الفناء في عالم لا يوؤمن اإلا بالخلود، لكن اأك�سير الحياة الذي تجرعته من كاأ�س

كبيرهم، �سيجعلني اأعي�س حتى النهاية.

في ال�سباح جاء الرجال واأزاحوا الباب، حتى ذاب بين اأيديهم، وان�سهر تماما، منحوني طعاما و�سرابا، فاأكلت و�سربت، ثم خرجت من جديد اأنجبت طفلنا "مانو" قد باأن زوجتي بيتي، فاأخبرني الجيران قا�سدا "يو�سف"، وذهبت مع موكب ال�سبوع اإلى النيل لتغ�سل قلبه من مياهه، حياته، طــوال بالظماأ ي�سعر لا كي فمه في ــى الاأول القطرات وتد�سن

85

ف�سكنت في قلبي فرحة غريبة، لم اأ�سعر بها من قبل قط، رك�ست �سريعا اإلى �ساطيء النيل، لاأتفرج على من يحمل ابني، ويغمره بالماء، وي�سب في جوفه بع�س القطرات، فلوحت لي "مانو" من بعيد، وعلت الدفوف، معهم واأردد اأرق�س وقفت ال�سماء، تملاأ ــوان الاأل فقاعات وانطلقت "مانو" ال�سماء، فخرجت اإلى عنان الاأمنيات واأطلق والدعاء، الغناء، من النهر وعانقتني ب�سدة، ثم األقت ب�سبع لقيمات من "الع�سيدة" في اتجاه مجرى النهر، وتركت الباقي للاأطفال الذين تهافتوا لالتقامها، بينما اندفع قارب من ق�س القمح، و�سع على راأ�سه �سعلة من النار ي�سبح في النهر و�سط ابتهاج الحا�سرين، فاأيقنت اأن للفرح طعما اآخرا حينما

يولد عند بداية العالم.

حملت "يو�سف" و�سممته اإلى �سدري، وقبلته من جبهته، فانخرط في بكاء حزين، رفعته عاليا ليرى النهر، ف�سقطت لفافة رقاع �سغيرة من مهده على الاأر�س، اأعدته لاأمه التي حجبني عنها ال�سجن ل�سبعة اأ�سهر،

وفتحت اللفافة:

-"اآن لك اأن ترحل اإلى "واهي"، فهناك ال�سم، والترياق".

وكاأنها مبت�سمة، عينيها فاأغم�ست الاأ�سمر، "مانو" وجه في حدقت

86

اأخذت اللفافة من تعرف كل �سيء عن رحلتي، وعن ر�سائلي، وكتابي، يدي، واأعادتها اإلى مهد "يو�سف" فكف عن البكاء، �سقت طريقها اإلى المنزل، والدفوف من خلفها تزف الر�سيع الذي باركه النهر، فتوقفت اأمام البيت خجلان، فالبيت الذي فكرت اأن اأن�سحب منه واأغادر رحلتي فترددت الدخول، على الجيران حثني بالدفوف، الاآن ابني ي�ستقبل �سريره "يو�سف" في زوجتي و�سعت الداخل، اإلى دلفت ثم للحظات، الم�سنوع من الجريد، ونزعت من مهده اللفافة، رمقتني بنظرة طويلة:

-"يو�سف" ي�سبهك تماما.

- ب�سرته �سمراء رائعة.

- خذ ر�سالته و�سعها في حقيبتك.

-لقد محيت معالمها.

-لكن كتابك ما زال بين يديك.

�سحبت الحقيبة من يدي، واأخرجت الكتاب، واأم�سكت براحة "يو�سف" اليمنى وغر�ستها داخله، ف�سع منه نور قوي، اأ�ساء في كل مكان، حتى اأمام وجهي لاأحجبه، فراأيت تقو على تحمله، رفعت يدي لم اإن عيني نف�سي اأرتدي زيا �سحراويا غريبا، اأمتطي جملا، اأ�سع في ظهري �سيفا،

87

التلال في الغارق ال�سم�س قر�س ن�سف خلف ال�سحراء في واأرك�س ناحية الغروب، انطفاأ النور فجاأة، وعادت الغرفة اإلى طبيعتها، اقتربت مني "مانو" وناولتني الكتاب، وطلبت مني اأن اأفتحه، فراأيت الحقيقة

الثالثة مكتوبة بين اأحداث رحلتي التي خ�ستها في "اأر�س نبو":

- )في "واهي" �ستجد ال�سم والترياق(.

والخبز والب�سل، والع�سل، بالتمر، القما�سي الكي�س زوجتي مــلاأت الاأع�ساب وو�سعت المجفف، وال�سمك والليمون، والملح، ال�سم�سي، وقنينات الطمي لمواجهة المر�س الطارئ ، ثم علقت في رقبتي " مفتاح الحياة " واأو�ستني بالاحتفاظ به دائما، فبهذا المفتاح الذي ي�سبه رحم المراأة، �ستفتح لي كل خزائن الخير، وتغلق كل �سقوق الحيات والعقارب، تعانقني وعادت المنزل، باب على القما�سي الكي�س علقت والثعابين، ب�سدة، ثم حملت "يو�سف" بعد اأن قبلته من جبهته، ودخلت اإلى الغرفة

الداخلية لتنام، فاأتاني �سوت "نهاد" من الظلام:

-�سترحل عند الفجر؟

البيت معالم ليزيل جــاء الــذي الخافت ال�سوء مع وجهها لي فظهر في "يا�سين" من�سغلا يجل�س حيث الاأول بيتي بمعالم ويبدله النوبي،

تن�سيق مزرعته، فدارت بي الاأر�س، ومن عليها، ووقفت مذهولا اأتخبط بين حياة، تلو حياة، ثم تعود حياتي الاأولى تلوح لي من بعيد باأ�سواتها و�سورها المتداخلة لتذكرني اأنني ما زلت في مكاني لا اأتحرك، اأردت اأن اأقترب منها، لكن حاجزا من زجاج ظل يف�سلني عنها، وعن "يا�سين"،

فلا ي�سمح لي اإلا بالتفرج من بعيد، دون اأن اأحرك �ساكنا:

-قلت لك لن تحتاج اأن تطرق علينا الباب.

-لا يمكنني الدخول.

-تزوجت؟

-اأجبرتني الرحلة على ذلك.

-اأنجبت طفلا؟

-ب�سرته �سمراء قاتمة.

-حقيبة طعامك علقتها عند الباب هناك.

في ال�سباح وقفت "مانو" في �سباك الغرفة تمد ب�سرها ناحية الجبال، وتتاأمل ال�سروق، ثم رفعت يديها لل�سماء، تدعو الله، في خ�سوع، فوقفت جوارها اأتفح�س وجهها الاأ�سمر بكل ق�سماته المتو�سلة، ثم رددت خلفها

89

الدعاء الذي يجلب بركة ال�سم�س:

احفظني ال�سم�س هــذه رب يـــارب، بالخير. �سم�س يــا )اأ�سـرقى -وعزوتي. احفظ ما لزوجى. احفظ ما لجارى. احفظ ما لجيرانى حتى الجار ال�سابع، احفظ ما للم�سلم، وما للم�سيحي، واليهودي. احفظ ما

للع�سافير واليمام ولكل ما خلقته، يارب(.

كي�س وعلقت ال�سوداء، حقيبتي وحملت وجنتيه، من "يو�سف" قبلت جــدران طالعت طويلا، عناقا "مانو" عانقت ثم كتفي، على ــزاد الياأخذني حيث اإلــى ورحلت خلفي، الباب جذبت للحظات، المنزل

�ساحب الحكاية.

90

91

)4-الطريق إلى واهي(يا �سم�س يا بدر يا نهار** اأنت لنا جنـة ونـار

ية العار فيك عار تجنب الاإثم فيك ثم اإثم **وخا�س

كان يجل�س في الميدان تحت تمثال "عبد المنعم ريا�س" يرتدي حلته الرمادية، ويرفع نظارته الطبية على جبهته، ويم�سك في يده ورقة اأخذ ن فيها ما كتب على قاعدة التمثال من عبارات ثورية، ترددت قليلا يدوبـ"�سامبليون"، اأنبهه بوجودي، فرمقني بنظرة طويلة وذكرني اأن قبل ف�سحكت لتكرار الحكاية التي ارتبطت في ذهنه بذكرى �سيئة لا ين�ساها، لم اأناق�سه، ولم اأتطرق اإلى تفا�سيل جدلية، لكن ما لفت انتباهي الخيط لاإخفائه المتكررة ورغم محاولاته يغزله حول مع�سمه، الذي الاأحمر

92

تحت �سوار قمي�سه، اإلا اأن الاأمر لم يمنعني من الا�ستغراب، فكيف لم يتبادر اإلى ذهني للحظة واحدة باأن يكون مدر�س التاريخ الذي اأ�سر اأن تكون ح�س�سه كماكينة الخياطة التي تر�سف الخياط في الثياب، ولا تخطيء ر�س العقد في برود، واحد ممن اأ�سابتهم لعنة "القبالا" التي لا م�ستقبل مجرد اإلى الاإن�سان فتحول فيها، جدال لا معلومات تطلق يفهم، بل يحفظ، ويحفظ فقط، لم يتحول �سعوري اإلى ارتياب، بل كنت واثقا باأنه مجرد �سخ�س يملى اإليه، وعليه فقط اأن يطيع من دون تفكير، اأبدى راأيه ال�سريع في الثورة، لكنني لم اأهتم، لاأن عقلي المتمرد لا يقبل اأقوالا مكررة، واآراء هي مح�سومة في الاأ�سا�س، يرددها هوؤلاء المر�سى بال�سر، فالثورة هي الثورة مهما تفل�سفنا وتكلمنا هي ثورة، فتمادى في مبينا الع�سكري، التمثال قاعدة المكتوبة على للعبارات الممل �سرحه اأوجه التناق�س الذي يعي�س فيه ال�سعب، واأن تلك التناق�سات هي التي وفكرت يقوله، ما اأعــار�ــس لا �سامتا فوقفت للتاريخ، راأ�سين تخلق للحظات اأن اأخرج المخطوطة التي اأعي�س تحت رحمتها واأمزقها اأمامه، لاأن لا قيمة لها اأمام �سعوري باللاجدوى، لكنه عاد ي�سرد ن�سيحته التي

اأدلى بها خلال مقابلتنا الاأولى:

التي الحقائق كل تن�سى اأن فيجب الحقيقة اإلى ت�سل اأن اأردت -اإذا

93

و�سل اإليها الاآخرون.

اأتاأمل فوقفت جيبه، في الورقة د�س اأن بعد الان�سراف، في ا�ستاأذن خطواته الحثيثية في الميدان حتى اختفى و�سط ال�سيارات العابرة، واأنا

اأفكر في كلماته المتناق�سة، كما تلك ال�سعارات التي تملاأ الجدران.

في الحافلة التي تقلني اإلى "الواحات" جل�ست في المقعد رقم "11"، اأما المقعد رقم "12" فظل خاويا، ابتهجت لذلك، فاأ�سحاب المقاعد يدم لم ابتهاجي لكن المحيرة، بالر�سائل ياأتون ما دائما المجاورة موعد المتخلفين عن الركاب لاأحد الباب ال�سائق اأزاح طويلا عندما اأحد في يجل�س اأو يمر، حتى وانتظرت عيني، اأغم�ست الانــطــلاق، من ال�ساخنة برياحه اأتــى القادم لكن ال�ساغرة، الاأمامية المقاعد حقيبة اإلا اأر فلم �سديد، ببطء عيني فتحت جواري، ليد�سها الخارج �سغيرة �سوداء ت�سبه حقيبتي تماما، التفت اإلى الاأمام والخلف، لا �سيء غير اعتيادي يجري من حولي، فكل الم�سافرين يجل�سون في مقاعدهم كما تركتهم قبل اأن اأقرر اإغما�س عيني، مددت يدي اإلى الحقيبة واأردت اأن اأفتحها، لكنني تراجعت، اطماأننت اأن حقيبتي في مكانها، ثم هممت اأن اأنه�س من مكاني لاأخبر ال�سائق عنها، لكن "ق�سي�س" القطار �سبقني بابت�سامته، حمل حقيبته وو�سعها في مكانها المخ�س�س اأعلى المقاعد،

94

وجل�س جواري، فاأيقنت اأن �ساحب الحكاية اعتاد اأن يجعل لي حرا�سا في حلي وترحالي، فا�ستدرت بج�سدي ودفنت وجهي في زجاج النافذة، وظللت �سامتا واأنا اأتفرج على اأك�ساك ال�ساي المتهالكة، واأكوام القمامة المنظر من م�ستاء فتحدث الطريق، جانب على المتناثرة ال�سلبة

القبيح، فلم اأعلق اأو األتفت اإليه، ف�سعر بتوتري، ربت على كتفي:

الاأفكار تغلبنا قد جميعا فاإننا رفيقك على القلب قا�سي تكن -لا ال�سريرة.

-لقد �سئمت اللعبة.

- عندما تجيد اللعب �ست�ستمع به.

نه�س من مكانه، اأخذ حقيبته، ابت�سم لي، غادر الحافلة، وظل مقعده �ساغرا.

ده�ست من مغادرته ال�سريعة، دون اأن يترك لي ر�سالة جديدة، فما قاله في تدوينها يمكن ولا عادية، منا�سبات في تقال عادية، عبارات هي الر�سائل الم�سيرية التي ينتظرها رجل مثلي، يحتاج دائما اإلى وخزات ي يجب اأن يرحل اإليه �سريعا خفية تنبهه باأن �سيئا يحدث في مكان ق�سلي�سهد لحظة ميلاده، فلا يمكن اأن اأكون متفرجا اأبلها ياأتي بعد النهاية

95

يعلق في عنقه كاميرا، ويلتقط ال�سور لما اأ�سبح ما�سيا تليدا، بل يجب اأن اأكون جزءا من ال�سورة ذاتها.

ما يوؤرقني الاآن هي اأر�س "واهي" التي تجمع تلك البقع الخ�سراء التي عن لتحدثنا بها األقت وكاأنها القاحلة، ال�سحراء و�سط في انبثقت هي فال�سحراء ا، اأي�س الموت و�سنع الاأر�ــس، جنان �سنع في قدرتها ومن المزن، منها نلتم�س اأن دون نم�سها اأن يمكن التي الاأر�س �سماء يق�سدها كاأنما ق�سد امراأة �سريحة، تك�سف عن مفاتنها دون خجل، مزرك�سا ثوبا واألب�سها المطر هطل اإذا اإلا تموت لا جــدا قوية لكنها يداري �سوءتها، مددت ب�سري اإلى الفراغ، والربا البي�ساء التي األتهمتها لتها اإلى نمال بي�ساء �سخمة تقف م�سلوبة تحمل في فمها الرياح، فحوكتلا من ال�سكر، تبيعها للعابرين، ورحت اأ�ستعير من ذاكرتي بع�س رموز المخطوطة التي تحكي عن حقيقة اأخفاها قومها من اليهود في اإحدى ع�سر كهفا، وبقيت الحقيقة الاأخيرة يحتفظ بها محارب قديم ي�سكن كوخ �سغير تحت �سجرة في ال�سحراء، �سيظل حيا حتى ي�سل اإليه من يمنحها اإياه، ثم يموت، اأو يحيا من جديد، لذلك يجب اأن اأكون اأول من في ت�سعني المخطوطة تحركها التي الكثيرة الاألغاز لكن اإليه، ي�سل المتحركة، الرمال من بحر في حقيقة عن اأبحث وكاأني كبير، ماأزق

في بالحقيقة وتحتفظ الاإبل ترعى لاإمــراأة المخطوطة ت�سير فاأحيانا بالذهب، جرابها ملء اإلى يحتاج عليها والح�سول الجلدي، جرابها والح�سول اأح�سائه في بها يحتفظ �سحراوي طفل اإلى ت�سير واأحيانا فار�س لثام في مدفونة اأنها اإلى ت�سير واأحيانا قتله، ي�ستوجب عليها "ال�ساموراي"، ب�سيف مبارزته ي�ستوجب عليها والح�سول اأمازيغي،

وقطع راأ�سه.

مكانها، من حقيبتي ف�سحبت "بنتا" اأر�ــس على الحافلة ا�ستقرت قدومي تنتظر كانت وكاأنها برفق حملتني التي الرمال على لت وترجاأو بالاغتراب، ال�سعور يباغتني فلم الطيبة، حناياها بين لتتلقفني الوح�سة، بل كان �سعوري غريبا يت�سلل اإلى باأنه كان لي بيت هنا، وزوجة اأملاأ رئتي ا، خرجت من المحطة واأنا "يو�سف" اأي�س وولد ثالث ا�سمه بالهواء الجاف، فطوته دمائي داخل �سراييني �سريعا، حتى انتهى رحيقه بحلاوة في القلب، �سعدت بوجوه �ساكنيها كمن اآن�س نارا و�سط الظلام، لكن األغاز المخطوطة مازالت تتدفق على عقلي كخرير ماء فوق راأ�س حليق، لتنحت حفرة عميقة تتجمع فيها كل اآلام الج�سد المخدر بالزئبق الاأبي�س، الذي دفعه ملك اأر�س"نبو" اإلى عروقي ليحظى بدوره الخالد في حكايتي التي لا اأعلم متى اأو اأين تنتهي، وقفت على الر�سيف اأنتقى

97

عربته لركوب يغريني من فجاء قريب، فندق اإلى تقلني "كروزة" المعدلة التي حلت فيها الدراجة النارية، محل الحمار الاأعرج، ف�سارت ما كله الكون في يوجد اأنــه اأظــن ولا كله، الكون "كروزة" في اأ�سرع ي�سبه "الكروزة" فحمل الرجل حقيبتي، وم�سح �سندوقها ال�سغير بكم جلبابة، ومد يده لي�ساعدني على ال�سعود اإليها، لكن قبل اأن اأ�ستجيب له، واأمد يدي تدخلت "كاريتة" بدائية يجرها فر�س "باغاوي" اأبي�س �سائقها نزل الم�سهد فجاأة، اإطار القرمزية داخل اللون، قفزت غرته

وتقدم نحوي وبلهجة لطيفة وجه اإلى ترحيبه:

-اأهلا. دكتور "مازن".

التفت اإليه منده�سا، فمد يده ي�سافحني:

-مرحبا.

-اأر�سلني اإليك �ساحب الحكاية.

وجهه في وحدقت ل�ساني، طرف على توقفت التي الاأ�سئلة اندثرت الملفوفة البي�ساء عمامته تحت من بــدا الــذي الاأ�سمر ال�سحراوي اأخذ النهار، �سماء في فجاأة �سقطت م�ستديرة ليل كقطعة باإتقان حقيبتي من �ساحب "الكروزة"، ودفع له ح�سابه، وا�ستاأذنه في الرحيل،

98

اإلى ركبت اأن بعد خفيفة، �سفعة الخيرزان بع�ساه فر�سه �سفع ثم اإلا من "الكاريتة" نحو ال�سحراء المظلمة اأثرها جواره، فطارت على بقع النار التي ت�سيء من بعيد، حاولت اأن اأ�ستف�سر منه عن وجهتنا، عن اأي �سيء، لكنه كان قد اأوقف حوا�سه كلها، مركزا ب�سره في الطريق، ي�سعر بوجودي، فنزع حقيبتي، وكي�س ي�سمع، ولا ينطق، ولا فاأ�سبح لا حاولت لم�سيري، وتركني "الكاريتة" من بنف�سه واألقى بقوة، الزاد التقطت �سيئا ما منعني من فعل ذلك، لكن به، لاألحق اأقفز خلفه اأن لجام الفر�س الجامح، ف�سارت كل الاأ�سياء من حولي لا ت�سبه اأي �سيء، وبدا اأمامي نهر طويل من الليل حالك ال�سواد يحده خيطان حمروان، ي "القابلا"، قاومت كثيرا، حتى فاأيقنت اأنني الاآن قد �سقطت بين فكانقطع اللجام، فزاد الفر�س من جنونه، �سهل حتى تحول ال�سهيل اإلى اإلى يجرني ذئبا فراأيته الملائكية، وهيئتة بيا�سه، من وتجرد عواء، عوالم ال�سر، لم اأجد بدا اإلا اأن اأ�ست�سلم، واأتنحى عن مقاومتي حتى لا اأنك�سر، فعلت "العربة" وانخف�ست، اهتزت ب�سدة، حتى ا�ستقرت اأمام لتبتلع فمها تفتح الرمال وبداأت "الذئب"، اختفى "التنبوؤات"، معبد اأمام الباب، نه�ست "العربة" في جوفها، ثم لفظتني بعيدا، ف�سقطت من مكاني، حينما �سمعت فرقعة عظام ج�سدي وهي ترتد في اأماكنها،

99

في انتهيت حتى وجهي، على هائما وم�سيت الحجري ال�سلم �سعدت ال�سم�س، بـ"ت�ساكي" تجل�س تحت�سن الاأقدا�س" تفاجاأت "قد�س غرفة

ومن اأمامها حقيبتي ال�سوداء التي كنت قد فقدتها، وكي�س الزاد:

-مرحبا. اأنا ت�ساكي هل تريد اللعب معي؟

هدوء، في ركبتي على ركعت فاخترقها، راأ�سي، نحو �سعاعا �سوبت لكن قبل اأن اأكمل الطقو�س بال�سجود، اأمرتني اأن اأفتح الحقيبة واأخرج ومن داخلها، بالفراغ ا�سطدمت يدي لكن للاأمر فان�سعت الكتاب، قلبها اإلى ال�سعاع ارتد كله، الذي غمر ج�سدي و�سط ذهولي، وعرقي كقذيفة برق، فاحترقت في لمح الب�سر، وارتفعت ال�سم�س في ال�سماء،

ت�سق طريقها نحو ال�سروق.

لوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. - ا�ساأ

اأن قبل الكلمات، بتلك فجاأة، خلفي من قفز الــذي نطق"الق�سي�س" ي�سمني اإليه بقوة، وهو يناولني حقيبتي ال�سوداء، حيث يقبع كتابي.

-ا�سكن "جبل الموتى" فهناك الملجاأ والملاذ.

-لماذا ا�ستبدلت الحقيبة؟

لوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. - ا�ساأ

خرج حتى خلفه، من ال�سلم درجــات مزيحا الكلمات، تلك يردد ظل الاأقدا�س، قد�س في اأنا وبقيت الخارج، في واختفى المعبد، باب من غمرت حتى حدث، ما ا�ستيعاب محاولا فقدتها، التي قواي اأ�ستجمع

ال�سم�س المكان، واأ�سبحت كل طرق الخروج وا�سحة.

الرملية الكثبان فو�سط ــع، رائ كحلم اأر�س"بنتا" بــدت الــخــارج في اأن �سوى ت�ستطيع لا المتداخلة، الزيتون واأ�سجار النخيل، ي�سقها التي نحو راأ�سي رفعت ــدا، اأب منه ت�ستيقظ األا وتتمنى الحلم، في تتمادى الفتيات العابرات نحو اأرزاقهن ال�سغيرة، و�ساألت نف�سي، متى تختفي "ت�ساكي" من هذا العالم لاأرى نف�سي بين هوؤلاء؟ علقت كي�س الزاد على اأ�ستن�سق علني اتجاههن في و�سرت ال�سوداء، حقيبتي وحملت كتفي، يلتفتن لم المدن، بقطران المتخم �سدري به اأ�سرح ما عطرهن من نحوي، فاأحنيت راأ�سي ودفنت ب�سري في الرمال، وانتظرت حتى توارت التي ظلت تتلفت بدلال من خلف الاأغ�سان الخ�سراء، الفتاة الاأخيرة تفتحت على وكاأنها زهور المزرك�سة فبدت براقعهن التي تداخلت مع ي�ستعد حيث قليلة خطوات بعد على "جوبا" عين كانت ا�ستحياء، في جميعهم قفزوا البارد، بالماء اأج�سادهم ل�سدم العراة الاأطفال اإلى اأن�ست واأخذت عيني اأغم�ست البلل، وجهي فطال واحدة لحظة

101

ما تهم�س به الطبيعة في اأذني، فزقزقة الع�سافير التي ابتهجت بالنور يجمع فظل القنابر �سوت اأما التلال، على المتناثرة بالفرحات ت�سي الحزن من بين حبيبات الرمال، ويقذفه على اأوراق الاأ�سجار ال�سفراء المت�ساقطة، فتحت عيني و�سرت نحو "�سالي" بعد اأن خلعت نعلي لاأ�سعر بالاأر�س، وت�سعر بي، واأعرفها، وتعرفني، فحينما اأتى "الاإ�سكندر" اإلى الذي الكبير، "اآمون" بال�سر الاإله له واأف�سى المعبد اإلى و�سعد هنا، الكهنة ليحكم الاإله الذي باركته ابن اإلا لاأمه، �سار به اأن يبوح رف�س باأي له يبح "اآمون" لم لاأن خدعهم، اأنه هــوؤلاء يعلم يكن لم البلاد، التي الاأر�س وحدها هي "الاإ�سكندر" اأي �سيء، لكن ي�سمع �سيء، ولم النا�س، فتبقى تحمل الحقيقة اأن ت�سمع، وترى وتطلع على نوايا يمكن

حتى واإن لم ي�سدقها اأحد.

د�س العقرب الاأبي�س �سمه داخل دمائي، فلم اأقاوم الاألم كثيرا، كما لم اأقاوم روحي التي ت�ستاق اإلى ال�سعود لاأتخل�س من ذنوب الاأر�س �سريعا، فالروح دائما ما تحمل دلائل الرياح؛ في هدوئها وعقلها، وا�سطرابها هي فهكذا بال�سماء، وتعلقها دنوها في وفرحها، حزنها، في وقلقها، تدور في اأج�سادنا منذ نفخها فينا الله، لذلك يجب اأن نقد�سها ونجاري في اأحملق واأخذت زيتون، �سجرة تحت ارتميت الاأ�سجار، كما ثورتها

102

الملونة ال�سم�س وفقاعات حولي، ويحوم جناحيه يفرد الذي ال�سقر تبدد، وقد حولي من العالم فراأيت اأغ�سانها، بين من تت�ساقط التي يتجول الرائع فال�سم وتنطفئ، ت�سيء، زرقاء بقعا واأ�سبح وتلا�سى، كائن اإلــى فيحولها تقابله، حمراء ذرة بكل ويمتزج �سراييني، في تخل�ست الب�سر، ببقايا المنهكة الاأر�س تلك بعيدا عن يرفعني وديع، كائنات تراه لا ما اأعلى يرى من واأ�سبحت ملاكا الاآن اأثقالي كل من الاأر�س، فلي�س الموت هو ما يحيق بي، بل هو �سيء اأ�سبه بغلالة رقيقة اإنها حقا متعة التخل�س من الاأحلام ال�سيئة، تهدهدني بين غ�سنين، اأمامي، تتبدل، تعلو، تنخف�س، تتكاثر، تنفجر فرموز المخطوطة تلهو اإلى �سظايا �سغيرة، وتنت�سر كزهور برية �سغيرة تطفو على �سطح غدير من عطر، اأيقنت الاآن اأن الحقيقة تولد من اللاموت، واأن ال�سر ي�سكن بين حنايا الحياة، فالموت لا يتعار�س مع الحياة، لكنه عك�س الميلاد، اأما الحياة فتتجاوز اأ�سكال العي�س، الحياة لا وقتية واأبدية، اإنها ما يكمن اأ�سفل هذا العالم الجلي، فال�سم الذي ا�ست�سلم له "�سقراط" لذيذ جدا وعاء كل من ج�سده اأفــرغ دوات" فقد "اآمي اأما بالخلود، ينزف لاأنه

يحوي ال�سر، اأو ال�سم، فبقي ج�سده وماتت حكايته.

الما�سي من اأهازيج تتلو تماما قلبي فوق تقف بي�ساء قنبرة كانت

103

على فانفتح متتالية، نــقــرات ثــلاث �ــســدري على نــقــرت ال�سحيق، م�سراعيه، التقطت قلبي بمنقارها، ثم طافت به في ال�سماء، فاأ�سبحت اأرى الاأر�س كمن يعلم كل �سيء عن اأخبارها، عادت �سريعا وردته اإلي، تلا�ست، ثم عيني في وم�ست �سوء بــوؤرة في اختفى كملاك وحلقت �سعرت بفتاة الواحة تبت�سم، و�سط حلقة العتمة الكبيرة، خلعت برقعها المزرك�س ف�سرح �سعرها الاأ�سود الطويل يطوقني، ربطته على �سرايين جبهتي على �سبت ال�سغيرة، حجراته اإلى ال�سم و�سول ليمنع القلب جواري وو�سعت الزاد، كي�س اأخذت بالملح، واأحاطتني الزيت، بع�س

ثلاث تمرات، التفتت اإلي قائلة:

فظل للاأج�ساد، الحياة مفتاح وجعله الدماغ، قبل القلب الله -خلق اأع�ساء على ب�سمتها تركت خلايا، منه خلق ثم يديه، بين ينب�س الدماغ الله خلق ثم حــرا، نورانيا قلبا الاإن�سان فخلق كله، الج�سم لي�سيطر على الج�سد، ويرو�سه، ليميز بين خير و�سر، اإلا اأن القلب ظل في عالم معزول عن �سلطته، فهو الع�سو الوحيد الذي يتلقى اأوامره من وما للتراب.. العقل واجعل ت�سمو، قلبيا فكن فقط، وال�سماء ال�سماء،

للتراب يفنى.

بدا الذي الجميل، الاأ�سمر وجهها لاأطالع بالاألم المثقل راأ�سي رفعت

104

اأن وهممت الن�سوج، مكتملة رائــعــة، كثمرة الزيتون اأ�سجار و�سط اأ�سكرها، لكنها بادرتني قائلة بلهجة محذرة:

-لا ت�سعد اإلى "�سالي" فلن تعثر على �سالتك بين اأهل المدائن.

لل�سماء، حيث يحوم اأمد ب�سري تركتني وحيدا ورحلت عني، فاأخذت �سقر ال�سحراء، ينتظر فري�سته التي يخلفها الموت، لكنه لملم جناحيه، وعاد من حيث اأتى بعد اأن راأى روحي وقد ردت اإلى، اأ�سندت ظهري على تاأتي دائما الخاطئة فالطرق اأنفا�سي، لاألتقط الزيتون، �سجرة جذع بالم�سائب الكبيرة، �سعرت بالجوع فجاأة فبحثت عن كي�س الزاد، فلم اأجده معلقا في عنقي، لكنني تعثرت بالتمرات الثلاث، التهمت الاأولى بنهم، والثانية بوجع، اأما الثالثة فلم تكن ت�سلح للاأكل لاأنها كانت تحوي

ر�سالة الرقاع:

الملاك" لفافة في العالم نجاة على �ستعثر الموتى جبل "في

حملت حقيبتي، ونزعت ج�سدي من بين مغازل ال�سم الحانية، تقياأت كل ما في جوفي من لعنات �سوداء، فاأدركت اأن الترياق كان يكمن ها هنا في التمرات الثلاث، اهتزت الاأغ�سان المت�سابكة قبل اأن اأغادر المكان، فلم األتفت اإليها، وتظاهرت بعدم اكتراثي بمن يقف يرقبني من بعيد،

105

ليطمئن اأنني ما زلت حيا.

القبور بين جل�ست الموت، من النجاة حيث الموتى جبل اإلى �سعدت اأن تلك المرة لن ياأتي من غير موعد، لكن يبدو اأنتظر القادم، الذي تتوقف الملاك" لن فـ"لفافة بنف�سي، �سالتي اأجد وعلني اأحد، ياأتي الموتى، م�ساجع بين تنتهي اأن يمكن لا فالحقيقة الحقيقة، عندها ا�ستلقيت بظهري فوق مقابر "الرومان"، ونظرت لملامح القمر الذي والم�ستقبل الف�سة، تك�سوها فالذكريات م�سى، ما بكل يذكرني جاء يخفيه التبر، اأما حقائق التاريخ فيغلفها النحا�س والفخار، لذلك فهي باقية لا ينظر اإليها الل�سو�س، طالعت قبور الجبل التي ت�سبه م�ستعمرة اإليها اأتو�سل لو واأردت الفتحات، مئات بين اأتجول واأخــذت النمل، اأمنيات واهية فتحة تلو الاأخرى باأن تك�سف لي عما في باطنها، لكنها جدرانها �سعت اآمون" التي "�سي مقبرة �سوب اتجهت ك�سول، لرجل �سديد، ببطء دخلت عليها، المنعك�س القمر �سوء بفعل حيوي، بنور �سجرة تحت "نات" تقف الاآلهة عليه نق�ست الذي الجدار وتح�س�ست يدها الخبز، وفي اليمنى �سحيفة قرابين من يدها جميز، تحمل في الي�سرى اإناء تن�سب فيه المياه في بركة �سغيرة، بينما تن�ساب فتتحول اإلى مفاتيح الحياة، واإلى الي�سار "�سى اآمون" يتعبد لـ"اأوزيري�س"، وطائر

106

"البنو"، قب�ست على مفتاح الحياة المتدلي من عنقي، والذي كانت قد اأهدتني اإياه "مانو"، فاأ�ساءت مفاتيح الحياة ال�سغيرة في بركة المياه، وتحركت النقو�س على جدران المقبرة، فراأيت معركة كبيرة دارت بين جنود "نات"، وتما�سيح "�سوبيك"، �سقط فيها "�سي اآمون" م�سرجا في اأن طعنه طفل �سغير يرتدي جلبابا ويحمل في عنقه كي�سا دمائه بعد ب اإلى الطفل خنجرا فاأ�سابه قما�سيا، وبينما يلفظ اأنفا�سه الاأخيرة �سوفي قلبه، فهرعت "نات" نحو الفتى و�سمته ل�سدرها حتى فارق الحياة، روحه ف�سعدت �سديدا، بكاء تبكي وظلت ركبتيها على راأ�سه و�سعت كملاك يحلق في ال�سماء، ينظر لوجوه النا�س بعد اأن اأنجاهم من ال�سر، انتهت المعركة، وعادت "نات" تقف اأمام �سجرة الجميز تخاطب قنبرة بي�ساء تحمل بين منقارها قلبا لرجل مجهول، جل�س تحت �سجرة زيتون

يقراأ لفافة و�سعتها فتاة بين �سقي تمرة.

خرجت من المقبرة اأتنف�س ال�سعداء، و�ساألت نف�سي عن جدوى ر�سالة قد تحققت قبل اأن ت�سل اإلي؟ فـ"لفافة الملاك" ع�ست اأحداثها بالفعل، فراأيت العالم كله يلهو في لحظة واحدة كمن يعلم كل �سيء، لكنني لم اأتذكر �سوى �سيحة عالية انطلقت من مكان ما، باأي �سيء، ولم اأحظ انتف�س لها كل الب�سر ثم عادوا كل اإلى حال �سبيله، فالر�سائل المقد�سة

107

لا تمنع التنبوؤات، ولا ت�سق الوقائع، والاأحداث، لذلك فنحن فقط نقراأ �سطورها دون اأن نزيد اأو ننق�س منها، فقد دفن جي�س "قمبيز" العظيم نحو التقدم "اآمون" من كهنة نبوءة تمنعه ولم الرمال، بحر في حيا ال�سحراء، ولم ي�ستطع اأن ينجو بنف�سه من الموت، رغم علمه الم�سبق بالنبوءة، وقفت اأمام مقبرة "�سي اآمون"، فوقعت عيني في المقابل على مقبرة التم�ساح "�سوبيك"، وقد علق على بابها لافتة حديثة، ت�سير اإلى على جدرانها ،1944 عام جيدة، خلال بحالة عليها عثر مقبرة اأنها مجهول، لطفل الجرانيت من �سغير تابوت وداخلها زاهية، نقو�س �ساحب يعلم من وحدي لاأنني وابت�سمت، اللافتة، قراءة من انتهيت التابوت الاآن، قلبت اللافتة الاإر�سادية راأ�سا على عقب، وغادرت المكان، رحت اأبحث عن مقبرة توؤويني حتى ال�سباح، بعيدا عن ذئاب الواحة،

ووحو�سها المفتر�سة التي تخرج من جحورها ليلا لت�سطاد فرائ�سها.

وخرج القبور، فتفتقت الكبرى، ال�سيحة انطلقت ال�سم�س �سروق مع �سطح على حياتهم يمار�سون واأطفال، ون�ساء، رجــال، من اأ�سحابها الجبل وكاأن �سيئا لم يكن، اختباأت في مقبرتي التي خرج منها �ساكنوها كان الذي وزوجها اأبنائها، اأحد اأنه يبدو �سغير وطفل امــراأة، وكانت يرتدي لبا�س الحرب، واأخذت اأرقب ما اأ�ساهده من بعيد، فالقيامة لا

108

واآكل الطعام، الماء، اأ�سرب اأرزق، واأنا رجل حي الموتى، اإلا ي�سهدها واأدب على الاأر�س بقدمي، واأرتكب الحماقات، واأ�ستغفر الله، ثم اأعود لارتكابها مرة اأخرى، نظرت اإلى ملامحهم الذابلة، وملاب�سهم البالية اأ�سعر به من التي تهدلت من اأج�سادهم كجلد فا�سد، وع�ست رعبا لم قبل، لكنهم كانوا يغادرون الجبل، وينزحون في اتجاه "�سالي" المدينة زائف، موت اإلى وال�سعي زائلة، حياة على الحر�س حيث الح�سينة، اأوقفوا لكنهم بالحقائق، لاأت�سبث كتابي واأخــرجــت حقيبتي، فتحت تجاهي، م�سارهم وغيروا اأختبئ، الخلف حيثما اإلى التفتوا تقدمهم، تجمعوا خارج المقبرة، واأخذوا ينحتون باأظافرهم على ال�سخر رموزا �سبه اإغريقية بملامح وقــف فقط، واحـــدا اإلا تراجعوا، ثم غريبة، مكتملة، يحمل �سيفا، ودرعا نحا�سيا، حدق في وجهي طويلا، ثم �ساح باأعلى �سوته، ف�ساح خلفه الموتى جميعهم، األقى بدرعه عاليا، وتراجع عندما جميعا اختفوا بينهم، اختفى حتى حوله فالتفوا الخلف، اإلى

ابتلعتهم الرمال.

هذا من اأهرب اأن اأردت �سريعا، المقبرة من فخرجت اأختنق، كدت الواقع الذي ي�سبه هذيان رجل اأقبل على الموت، لكن يبدو اأن لحظات يراها التي الاأخيرة اللحظات بتلك اأ�سبه اأعي�سها هي التي الانك�ساف

109

المقبل على الموت، �سرت نحو الفراغ الجا�سم من حولي علني اأقابل من يرحمني من هذا العذاب، كنت اأفكر جديا في العودة بعد اأن �سعرت باأن الطرق ال�سغيرة تت�سعب اإلى طرق اأخرى اأ�سغر، فاأ�سغر، حتى اأ�سبحت اإليها الهواء، وقعت اأنابيب �سفافة دقيقة جدا لا ينفذ اأ�سير في كاأنني عيني على الدرع النحا�سي، فانت�سلته من الرمال، ورحت اأقراأ النقو�س، والر�سوم التي حفرها اأحد العارفين، فتفاجاأت بما كتب بلغة اإغريقية

مندثرة، و�سيئة جدا:

"جزين" تحت �سلالم كهف علوي، "كوكهليت"، على جبل "هناك في عند ف�سة، تالين �ستين من ومحتواه �سندوق، يوجد الاأر�ــس تحت الذهب من واأوعية الف�سة، من اأوعية توجد "بت�سام" ينبوع مدخل من الهبات، والف�سة، ويبلغ مجموعها مائتي تالين، في المجرى العظيم المجموع فاإن الدفن، حجرة بيت باتجاه الدفن لحجرة الاأر�س تحت

يبلغ اأحد و�سبعين تالينا، وع�سرين مينا�س".

محيت كل نقو�س الدرع، فتحول اإلى قطعة نحا�س خربة بمجرد انتهائي من فك طلا�سمه، األقيته من يدي، فابتلعته الرمال حيث دفن �ساحبه، وبقيت اأنا على وجه الاأر�س اأ�سبح في لغز كبير، األهو معه ويلهو معي، لم اأكن اأعي�س متعة كبيرة، بل المتعة الحقيقية تكمن هناك عند النهاية،

110

فما قراأته على تلك المخطوطة النحا�سية هو خريطة لكنز �سخم دفن والف�سة، الذهب من بكنز لي�س عنه اأبحث جئت ومــا مــا، مكان في ناق�سة حقيقة لتكمل كتبت تائهة، رقاع قطعة هي عنه اأبحث ما بل الموتى تركوها اأعمال الب�سر لا بموتهم، فالكنوز هي من تتعلق بحياة مخبوءة في كهوف مظلمة كي نظل نعي�س في وهم البريق، فنن�سرف بد عن الحقائق التي قد تغير م�سائرنا، بجمع الوهم الكبير، لكن الزاأبدا عن الثمينة، فالحجارة لا تكف اأحيانا من باطن ال�سخور يخرج البوح بالاأ�سرار الغائبة، لذلك خلقت اأنا لاأفهم تلك اللغة، فـ"�سليمان" الترجمان اأراد ذبح هدهده لولا اأنه افتدى نف�سه بالنباأ العظيم، وها اأنا

اأبحث عن نجاتي و�سط الاأحياء والموتى.

في مقبرتي كان "يا�سين" يرتب مزرعته الفا�سلة، ويق�سم ال�سيكولاتة، اأما "الدكتور اإمام" فجل�س يقراأ الحقائق التي جمعتها في كتابي، بينما ان�سغلت "مانو" في اإر�ساع "يو�سف"، لكن "نهاد" لم تظهر في الم�سهد، ربما األهتها اأعمال المنزل عن الح�سور، اأغلق "الدكتور اإمام" الكتاب بعد اأن اأوماأ براأ�سه را�سيا، ابتهج لح�سوري، لكنه امت�س ده�ستي قائلا:

-دائما ما اأمنح ثقتي لاأهلها.

-لكنني.

111

-تعبت؟

-بل مللت الذهول.

-الدماء لي�ست �سيئا مفجعا للقتلى.

-لكنني ل�ست بقاتل.

-من لا ي�سل للحقيقة فقد قتلها.

بة. -حيرتني الطرق المت�سع

-الحقائق دائما ما يدفنها اأ�سحابها اأ�سفل الكنوز.

-هل اأعود اإلى "كوكهليت"؟

-ام�س في طريقك ولا تنظر اإلى الخلف، فطرق العودة م�سللة.

-لكن الذكريات دائما ما توؤرقني.

-حينما ترغم نف�سك على الت�سكع داخل مدائن الذكريات فلا يمكن اأن تغادرها اختيارا، فدع نف�سك تن�ساب طوعا اإلى حيث تبتغي، ف�سرعان

ما تزول اآلامك حينما تعلم اأن عند الله المنتهى.

اإمام" "الدكتور بهم ولحق و"يو�سف"، و"مانو"، "يا�سين"، اختفى وبقي كتابي مفتوحا اأعلى ال�سخرة.

عادت اإلي فتاة الواحة تحمل كي�س الزاد، منحتني اإياه بعد اأن اأ�سافت ينة ماء من "عين اآمون"، ثم تحدثت بكلمات اأمازيغية مقت�سبة اإليه قنجل�ست ثم الموتى، جبل اأ�سفل اإلى اأ�سارت ملهمة، لكنها اأفهمها لم راع ق�سة بها تحكي �ساحرة اأغنية حجري ب�سوت ي تغن القرف�ساء على �ساردة �ساة فدلته غنمه، يرعى الجبل اإلى �سباحا خرج �سغير ثلاث جرات من النحا�س في كهف مظلم، لكنه ف�سل في فتحهم، فجل�س خدم، حوله ومن ي�سكنه، كبير بق�سر يحلم الثمين، بكنزه فرحانا النجارين اأحد �ساعده المدينة اإلى نزل ولما وعبيد، وجــوار، وح�سم، اأمله حينما عثر لكن خاب الجرار، الخ�سبية عن ال�سدادات نزع على داخلها على رقاع ماعز، تحمل ر�سائل قديمة كتبها قوم اعتزلوا النا�س، الطبيعة عن لهم الاأ�سياء، وعندما ك�سفت للبحث خلف حقيقة و�سعوا في تركوها ثم الرقاع، على عا�سوها التي حقائقهم وا خط اأ�سرارها، كثيرا يبكى ظل الاأحمق الفتى لكن ال�سعيد، الحظ ل�ساحب الجرار ل�سياع حلمه، فحمل الجرات الثلاث، وبعثر ما فيها على قارعة الطريق، حتى جاء من اأق�سى المدينة رجل، جمعها، وحزمها برباطه الاأحمر، من الباقية الحقائق ليجمع الجبل اإلى �سعد ثم رحله، في واأخفاها اإلى المدينة ليحكم العالم، لكن بقيت حقيقة اأحد ع�سر كهفا، وهبط

113

ناق�سة، من دونها تموت كل الحقائق.

اأخذت الفتاة تردد اأغنيتها مرات، ومرات، حتى ظننت اأنها لن تكف اأبدا، اأنتهي من غزل اأن لكنها كانت ر�سالة طويلة لا بد واأن اأفهمها، فيجب ثوب الحقيقة كاملا قبل اأن ي�سل اإليه اأ�سحاب الخيط الاأحمر، ويكملوا نوؤمن فاإما الدنيا، عر�س على فيتربعوا الخادعة، بحقائقهم غزله ليلتقمها الجبال وينثروا جثثنا على قمم يقتلونا اأو فير�سوا عنا، لهم الطير، ونح�سر في حوا�سله، �سفقت لها حينما انتهت، ف�سكرتني، ثم والتفتت توقفت لكنها القبور، اتجاه في و�سارت مكانها، من نه�ست التهمتها التي للرمال ا�ست�سلمت ثم طويلا، وجهي في قت حد نحوي، ببطء �سديد حتى اختفت تماما، فنبتت من قبرها �سجرة زيتون وارفة لها، ا�ست�سلم اأن الوقائع يجب فتلك اأبدا، التدخل اأحاول لم الظلال، لاأنها �ستنتهي �سئت، اأم اأبيت، نظرت اإلى �سجرة الزيتون التي اأ�ساءت في و�سح النهار، فزادته نورا على نور، واأيقنت اأن الله قد تجلى ها هنا،

فخر ج�سدي �ساجدا، اأما روحي فقد ظلت معلقة بين �سماء، و�سماء.

حملت حقيبتي، وعلقت كي�س الزاد في عنقي، وهبطت من جبل الموتى بينهم؟ �ساأذهب اأيــن اإلــى اأعلم لا لكنني الاأحــيــاء، يقطن حيث اإلــى فالعي�س مع الاأحياء ي�سير كما العادة، اأما مع الموتى فكل �سيء مختلف،

114

والحقائق الغائبة دائما ما تقفز من الطرق التي لا نتوقعها، لكن تلك تها تختفي �سريعا، وتنطوي الطرق كالفر�س لا تاأتي كثيرا، لكنك اإن فواإلا مرة واحدة، المن�سود لا يقابلك الاأبد، فالطريق اإلى على حقيقتها ولي�س اأمامك اإلا اأن تفوت فيه، اأو تن�ساه، وتبحث عن طريق اآخر ياأتي لك بحقيقة مختلفة تماما، لكنني لا اأملك الاختيار فقط اأ�سير في الدروب خلف مختبئا بعيد من يراقبني الــذي الرجل هذا ر�سمها خطة وفق باأنني اأ�سعر اأجل ذلك وجــوده، ومن لي عن يك�سف اأن الاأغ�سان دون مجرد هامة من هوام الاأر�س، تنتظر روؤية بوؤر النور لتتهافت عليها علها تعثر على �سالتها، فتخو�س الرحلة دون اأدنى مقاومة، لكنها اإن حادت

عن الطريق ال�سحيح نالت العقاب الذي يدفعها اإلى الجنون.

-انتهت رحلة الموت، فمرحبا بك في رحلة الحياة.

ردد الرجل ال�سبعيني تلك الجملة ثم اأمرني اأن اأتبعه اإلى بيته المحفور م لي ثلاثة اأحجار زرقاء في قلب ال�سخور حيث يعي�س في ال�سحراء، قدعلى طبق من فخار، وطلب مني اأن اأبتلعها ببع�س من ماء "اآمون"، لم اأحجاره، فحمل ذلك، اأفعل اأن قاطعا ا رف�س ورف�ست لطلبه، اأن�سع غير الاأمازيغية الكلمات بع�س يقراأ واأخذ جلبابه، جيب في وو�سعها جوفي اإلى تنزلق واأحجارا فمي، في يتدفق بماء ف�سعرت المفهومة،

115

باأ�سابعه لــي اأ�ــســار حينما فــاهــي، فــاغــرا اإلــيــه فنظرت عني، رغــمــا يجري، نهرا فراأيت المغارة، في الوحيدة النافذة ناحية المتجعدة وفتاة البي�ساء، البرية الغزلان بع�س تتقافز حولها وب�ستانا من زهور وتغني مبهجا، لحنا "الماندولين" تعزف اآلة يدها في تم�سك تجل�س بالكلمات يتمتم عاد لكنه منده�سا، اإليه التفت م�سموع، غير ب�سوت

الاأمازيغة نف�سها، فاختفى الم�سهد، وعادت ال�سحراء:

-يمكنك الاآن اأن ترى وهج الاأماكن.

-الحقيقة هي كل ما اأريد اأن اأراه.

لاأكمل بيته، اأغــادر اأن مني وطلب م�ستهزئة، �سحكة الرجل �سحك رحلتي، لكن قبل اأن اأمرق من الباب نادي علي قائلا:

-اأح�سن ترتيب اأ�سيائك القديمة.

-جئت لاأغزل ثوب الم�ستقبل �سيدي.

فتها الرياح يعي�س قوم ينتظرون -على �سفح �سخور قديمة فوق ه�سبة جفالثعلب ال�ساحب الذي يمتلك موهبة روؤية الم�ستقبل، لكنه نتيجة فقدانه الغروب قبل يغزل العراف العرافين، عبر النا�س مع يتوا�سل �سوته على الرمل جداول م�ستطيلة، مزرك�سة برموز تت�سمن اأ�سئلة بالاإ�سارات

فقط، ثم ينثر فوق الجداول حبوب الفول ال�سوداني التي يحب الثعلب ال�ساحب اأن يتلذذ بطعمها، وعند الفجر يعود العراف اإلى رموزه ليتلقى

اإجابات على جميع الاأ�سئلة، من خلال اآثار الثعلب ال�ساحب.

ال�سوداني، الفول ناولني بع�س حبوب بابت�سامة عري�سة حينما بادرته اإلي ير�سل ما دائما الــذي الحكاية �ساحب في اأفكر واأنــا عته ود ثم حكمته على ل�سان هوؤلاء، لكن اأين اأ�سيائي القديمة تلك؟ فاأنا لا اأمتلك الزاد وكي�س الرقاع، ر�سائل وبقايا والمخطوطة، هــذا، كتابي �سوى الذي يحوي خبز ال�سعير، والتمر، والب�سل، والع�سل، وال�سمك الجاف، ت�سكن التي الزرقاء والحجارة ال�سوداني الفول ات وحب "اآمون"، وماء جوفي، غادرت المغارة هائما في ال�سحراء ال�سا�سعة حيث اللا�سيء، فاأ�سياء من حولي اأ�سبحت لا ت�سبه الاأ�سياء التي نت�سبه بها اأو ن�سبه بها الاآخرين، جل�ست على الرمال، واأفرغت ما في حقيبتي، وكي�س الزاد، واأخذت اأرتبها، لكن لا �سيء ي�سبه الاآخر، فالحقيبة تحوي ورقا، والكي�س يحوي طعاما، اأعدت كل اأغرا�سي اإلى مكانها، واأخذت اأفكر في اأ�سيائي القديمة تلك؟ لكنني لم اأ�سل اإلى اأي اإجابة، فقررت اأن اأن�سى، اأو اأنتظر، وتمنيت ال�سماء، حيث ولاأعلى في�سارا، يمينا، بب�سري اأطوف اأخذت اأن كثيرا دعوته الله، ي�سكن اأعلى حيث اإلى الجديد يكون طريقي اأن

117

خلق �سيء كل اأن اأعلم لكنني روحــي، تهداأ به الــذي اليقين يمنحني بقدر، وها اأنا اأ�سبح في ف�ساء الاأر�س كما النجوم، وكاأنني كتب علي اأن

يء �سقوق الاأر�س. اأعي�س من اأجل اأن اأ�س

هطل المطر الغزير حتى خ�سب الرمال بالبلل، فراحت ترق�س فرحا، الذرة كحبوب مكان كل في وتتناثر بحرها، في الاأ�سماك كما وتقفز عندما تم�سها النار، فارتوى الظماأ، وا�ستعلت الاأر�س بالحياة، فانت�سر وال�سدر، النبق، اأ�سجار واخ�سرت الاإقــحــوان، زهــور ونبتت الــكــلاأ، وال�سبار، فا�ستلقت القوافل على ال�سهل، ت�سرب اأعمدة الخيام، وتدق الاأوتاد، وتجدل الحبال، وتبني موائد النار، وتحفر الاآبار، حيث لا مكان للظماأ، ولا مكان للجوع، ولا مكان للموت، ف�سربت الاإبل اأولا، ثم الماعز والرجال، والاأطفال الن�ساء دور جاء ثم الخيول، واأخيرا والاأغــنــام، وحينما اكتمل بناء مدينة القما�س، وجف عرق الرجال من تعب العمل مار، عاري ال�سدر، حاد الملامح على والترحال، وقف رجل �سديد ال�سب�سوت الحياة قانون عليهم يقراأ واأخــذ �سيفه، �ساهرا البئر، فوهة اإلى والجرذان الجرابيع، الطيور، وهربت انتف�ست على وقعه جهوري

الجحور:

اأو اأو ي�سرق خبزا من فم جائع، اأو يمنع ماء، -القتل لمن يردم بئرا،

118

ا، اأو يذبح حلوبا، اأو يقتل نف�سا بغير نف�س. يهتك عر�س

ثم �ساح بنبرة اأعلى"الموت للخائن، والحياة لنا" فردد خلفه الرجال: "الموت للخائن، والحياة لنا"، "الموت للخائن، والحياة لنا"، "الموت

للخائن، والحياة لنا".

رد الرجل ال�سيف اإلى غمده، بينما عاد قومه يجمعون فتات الحياة داخل جحورهم قبل انق�ساء ال�ستاء ليعي�سوا عليها في ال�سيف، بينما تاأهبت دواب الاأر�س لتنهل من اأطلالهم في ال�سيف لتعي�س عليها في ال�ستاء، الرحمات، يــوزع كما عباده على العدل الله يوزعها الــرزق فديمومة اأنف�سنا، فندور نن�سى بينما نحن من ين�سى خلقه، والحقائق، فالله لا وخرج خيمته، اإلــى الرجل دخل المطر، عن نبحث كما عنها نبحث حقيبة يحمل من على عينه وقعت حتى وي�سارا يمينا، يتلفت خادمه

ي وبلهجة هادئة تحدث: �سوداء، ويعلق في عنقه كي�س الزاد، اقترب من

-�سيدي القا�سي يريدك في خيمته.

التي الخيمة، قلب اإلى دلفت فتبعته حتى �سريعة، بخطى اأمامي �سار �سغيرة وجرة ب�سيط، بدائي فرا�س من اإلا الحياة، مظاهر من خلت �سورة خواتيم يرتل خلفه، جل�س خ�سبي وحامل الماء، بع�س تحوي

119

"يو�سف"، توقف فجاأة عندما األقيت ال�سلام، رد �سلامي، واأردف قائلا:

-مرحبا ب�ساحب الكتاب.

-مرحبا. �سيدي القا�سي.

-علمت اأنك في �سباق مع �ساعة الرمل.

-الوقت لا ينتظر الحمقى.

-الوقت لا يظلم اأبدا

.-

-ا�سعد اإلى جبل الجنون لتهداأ �سحيفتك.

-تلك هي الر�سالة؟

- لا ت�ساأل كثيرا فتظلم نف�سك.

-الاإجابات تطفيء النيران.

-ناقتي في الخارج في انتظارك.

-ناقتك؟

-تلك هديتي لك. وهدايانا لا ترد.

بوجودي، عابئ غير القراآن يرتل عاد لكنه اإليه، اأتحدث اأن حاولت تغزوها �سوى �سحراء قاحلة �سيء اأي اأجد فلم الخيمة، فخرجت من الب�سر، مرمى على هناك وحيدة تقف �سفراء وناقة النمل، جحافل الرمال، افتر�ست ال�سيف، وعاد المطر، وامتنع جميعا، اختفوا لقد واأخرجت كتابي فراأيت الحقيقة الجديدة وقد كتبت، ولغز المخطوطة

قد تغير.

121

)5- جبل الجنون(�سكنت قلبي وفيه منك اأ�ســــرار ** فليهنك الدار بل فليهنك الجـار

ما فيه غيرك من �سر علمت بـــه ** فانظر بعينيك هل في الدار ديار

تلال ليبيا.

الذي ال�سيخ باإعدام لجنوده الاإ�سارة الكبير الاإيطالي ال�سابط اأعطى وقف في ثبات غريب، يبت�سم ل�سعبه، وينظر اإلى وجوه الاأطفال، ويحدق في التلال التي تحيط بال�ساحة الكبرى، تدلى ج�سده �سريعا بين ال�سماء "�سيدي بحياة الرجال وهتاف الن�ساء، زغاريد فانطلقت والاأر�ــس، بعيدا عن واختفوا �سيارة �سندوق في الجنود جثته األقى عمر" الذي اأعين النا�س، بينما رك�س طفل ناحية الم�سنقة والتقط نظارته الطبية

122

�سقطت وهنا ال�سماء. اإلى روحه �سعدت بعدما يده من �سقطت التي النهاية.

اأمرنا اأبي باإغلاق التلفاز واللحاق بركب النائمين، لكنني لم اأنم ليلتي قط فقد ظلت اأحداث الفيلم المهيب تمور في وجداني، وتعيد ذاكرتي �سرد �سورها لحظة بلحظة، فاقترحت على اأخي ال�سغير اأن تكون لعبتنا فاأ�سر الجيران، اأبناء مع المثير الفيلم التالي محاكاة هذا اليوم في "عمر المختار"، فرف�ست ب�سدة، لكنه �سرعان ما لطخ اأن يج�سد دور لاأبي، جلبابا وارتــدى اأبي�س، غطاء راأ�سه على وو�سع بالدقيق، ذقنه ي�ست�سلم الاأخير، فوجدته الم�سهد اأتى فائقة، حتى بمهارة واأدى دوره الحبل حول عنقه، وعلقته اأحكمت وثاق المحتوم، حينما تماما لقدره "بنغازي" اأبي في لنا ا�ستاأجره الذي كالذبيحة في م�ست�سرف منزلنا خلال عمله مدر�سا في اإحدى مدار�سها، حتى انتهى دور اأخي العظيم

الذي اختاره لنف�سه اإلى الاأبد.

)يرحمهم الله من ماتوا يتاأرجحون بين ال�سماء والاأر�س(.

لا اأعلم لم تذكرت تلك الحادثة الموؤلمة الاآن؟ لكنها الحقيقة التي لم حينما بنف�سه حياته اأنهى من هو اأخي اأن رغم منها، الهرب اأ�ستطع

123

قذف الكر�سي من تحت قدميه ليكمل تمثيل الم�سهد الاأخير بكل براعة، ليبيا يرقد اإلى الاأبد، ففوق تلال اللعبة اأنه �سينهي لكنه لم يكن يعلم ج�سد "يو�سف" في �سلام بين قبور ال�سهداء، اأما اأنا فبقيت حيا كاأ�سرار الحروب لا تفارقني م�ساهد القتل، كما لا يفارقني الذنب الكبير الذي ع�سته مع كل نظرة ترمقني بها اأمي، اأو كل ارتعا�سة في �سوت اأبي حينما البريء المذنب واأنا يقتل، لم الذي القاتل فاأنا اأخي، ذكرى تداهمه الذي لم يذنب، واأنا الطفل الذي تمنوا موته حيا، لكنهم ماتوا جميعا اأفت�س عن الحقائق ال�سغيرة بعدما فقدت حقيقتي اأنا وحيدا، وبقيت الكبرى، نعم. اأنا الطفل الذي اأق�سم لهم مئات المرات باأنه الذئب الذي لم يقتل اأبدا، واأنه البئر العميقة التي �ستلفظ اأخيه حيا يوما ما، ورغم ذلك لم ي�سدقوني، بل ظللت اآكل واأ�سرب بينهم، واأ�سعر اأنني لا اأ�ستحق الحياة. فقد اختار مو�سى لل�سامري العقاب باألا يحدثه اأحد واأن يعتبره ال�سامري ل�ست فاأنا العقاب. اأ�سد هذا ما –يالله- موجود قومه غير الذي خدع قومه بخوار العجل ليعبدوه من دون الله. اأنا لم اأ�سنع عجلا ذهبيا خاويا اأبدا بل هم من �سنعوا داخلي ن�سف حياة تاأبى اأن تن�سرف عن روحي التي تحلق فوق حدائق من �سبر، ومر، واأثل، وقليل من �سدر، فلا يوجد ما ي�ستحق اأن اأقف اأمام هذا الاختيار، ولا يوجد ما يبرر اأن

124

اأ�سكوهم اإلى الله.

تركتكم جميعا، تركتهم قلائل. اأيــام بعد اأبي موت نباأ تلقيت حينما جميعا، وهرعت لاأبحث عن الركن الغائر بين كنبات ال�سالون، فهناك اأثاث بها يقرع التي ع�ساه، من لاأهــرب ال�سئيل ج�سدي اأح�سو كنت المنزل محدثا �سوتا جنونيا، يطير معه قلبي، وعقلي، ويق�سعر بدني. اأظل مختبئا اأنني كنت اإلا اأبدا اأن ع�ساه لم تم�سني بدني كله، ورغم واأبكي. واأبكي. اأبكي. كله، الق�سير عمري من اأطول طوال، ل�ساعات اأبكي كثيرا حتى يغلبني النعا�س، فتاأتي اللحظة التي يمد فيها لي يده من دون ع�سا، لاأخرج من جديد، واأرتكب الحماقات ال�سغيرة، التي كانت تدفعني في كل مرة اأن اأهرب اإلى هناك. اإلى الركن الغائر بين الكنبات

المخملية الحانية.

لم باأنني له واأق�سمت هذا، الفادح خطئي ارتكبت بعدما اأنني اأذكــر اأقتل اأبدا، رك�ست �سريعا لاأقفز من م�ست�سرف المنزل قبل اأن يلحقني بع�ساه، لكنني تفاجاأت باأنه قد ذهب اإلى هناك، اإلى جثة اأخي، انحنى وعدلت عن اأبــدا، اأبك لم لكنني كثيرا، اأمي بكت كثيرا، وبكى عليها فكرة الانتحار، ثم هرعت اإلى الكنبات لتوؤويني من نظرات اأمي، وع�سا

اأبي، بينما لم اأكن اأعلم اأنها لن تاأتي لتلاحقني اأبدا بعد هذا اليوم.

125

اأهداني القا�سي ناقته ال�سفراء، ومنحني �سيفه البتار، فالجان يخ�سى قطع الحديد اللامع، كما يخ�سى مواجهة القتلة، فانطلقت الناقة تعدو في ال�سحراء، تعبر الوديان ال�سيقة، وغابات الاأقاحي، وال�سبار، حتى رقدت عند "جبل الجنون"، وقفت اأمامه من بعيد، ورفعت راأ�سي نحو من حفظته ما اأتلو واأخــذت النجوم، من خلت التي ال�سافية ال�سماء القراآن، حتى اأنني تخليت عن حوا�سي كلها، ف�سعرت بج�سدي وقد اأ�سحى كمزقة ورق بي�ساء تطيرها الرياح في الاتجهاهات الاأربعة، لكن برودة الجو هي ما كانت تثقل ما تبقى من عظامي الهيكيلية، فنزعت الغطاء ال�سوفي من فوق ظهر الناقة التي ت�سمرت في الرمال، وتدثرت به لعل المخروطي الجبل اتجاه في وم�سيت �سيفي، اأ�سهرت يزورني، الدفء الكبير، اأحلج الخطوات اإلى حيث ي�ستقر اللغز، وتتحول المخطوطة اإلى تفوق فالمغامرة قلبي، تملاأ الرعب األيف، قفزت خلايا كائن هاديء ل في كل لحظة تمر حتى �سار �سبحا كبيرا يقف التحمل، والمجهول يتغوبها اأ�ستعيد عميقة زفرة زفرت ه�ستيرية، �سحكات وي�سحك اأمامي قوتي، فتبدلت على اأثرها اإلى رجل �سجاع جدا، لكن الفار�س الذي هبط من اأعلى ممتطيا جواده، ي�سابق الريح قطع علي الطريق، فخط برمحه

في الرمال خطا طويلا، ثم اأمرني بلهجة �سريعة:

126

-لا تتجاوز هذا الخط حتى يمر يومان لا تطلع فيهما �سم�س واإلا �ستحترق قبل اأن تخطو خطوتك الاأولى.

عدت لاأجل�س جوار ناقة القا�سي، بعد اأن اأيقنت اأنني كنت اأ�سير في اتجاه ية من عنقها، تح�س�ستها في خاطئ، فا�سطدمت يدي بالتميمة المتدلالظلام، ف�سعت بالنور، ثم خرج منها طائر �سخم حلق ناحية "غات"، فعلمت اأنه اآن اأوان ال�سفر اإلى هناك قبل اأن تدركني ال�سم�س فامتطيت ظهر الناقة، وبدلت طريقي اإلى المدينة التي فتحت يديها لتحت�سنني بها يزين التي الم�سابيح نــور من ا بع�س اإلا منها تلمح لا اأنــك رغــم بنى وعمران، وطرقا، وكاأنني اأ�سرارهم ال�سحراوية، فراأيت الطوارق الاأخ�سر، بردائها متم�سكة لازالت فالمدينة ال�ساحل، مدن اأغادر لم وعاداتها وتقاليدها القزحية، ف�سارت قبلة ل�سواح البحيرات الكبرى، وجبال اأكاكو�س، والرمال الحرة، فبت ليلتي في فندقها الوحيد، لاأنعم �سوقي ني فهز الطويل، ليلي في النوم زارني اإن ناعمة رقيقة باأحلام باأن الفندق يدير الذي الوحيد النادل من فطلبت �سيجارة، لتدخين

احة، فقال لي مبت�سما: يح�سر لي قد

-"غات" مدينة لا ي�سعد منها الدخان �سيدي.

127

نظرت اإليه م�ستغربا لكنه علل ذلك قائلا:

-الدخان هو لعنة تقذفها ال�سياطين.

ناقة على لاأطمئن الفندق من وخرجت التدخين، فكرة عن اأعر�ست القا�سي التي تركتها عند اأطراف الطريق بعد اأن ا�ستقت اإلى الفرا�س ومنافع، واأخ�سا�س اأع�سا�س به مخيم اإلــى قدماي فقادتني الوثير، نظمت ب�سكل رائع وجميل، لي�سكنها ال�سواح من كل مكان. براح تتمنى اأن يطول بك المقام لت�ستمتع بحلاوته وعذوبته و�سحره، فراأيت الناقة تفرد ذراعيها اأمام كوخ قديم، وتاأكل من خ�سا�س الاأر�س، فعلا رغاوؤها بمجرد اأن راأتني، ودمعت عيناها معاتبة، اأو غا�سبة، فاأخذت بنا�سيتها، ي�سكن من فخرج وجهي، تلعق واأخــذت فنه�ست �سنامها، على وربت اأحجار الكوخ، وكانت امراأة، فحدجتني بنظرة ثاقبة، ثم راحت تزيح فوق نزلت التي بع�ساها ي�سراها ورفعت بيمناها، ال�سوداء �سبحتها لاأنني واحدة اآهة ت�سدر عني لم الدماء، �سالت ف�سقتها حتى راأ�سي، التي تركتها للناقة القتل لاإهمالي باألم، لكنني �سعرت بذنب اأ�سعر لم

وحيدة بعد اأن اأخذتني حياة المدينة، ف�ساحت ب�سوت عجائزي قوي:

-عد من حيث اأتيت فالناقة لا ت�سير اإلا على الرمال.

128

-لكنها اأمانة في عنقي.

-عد عند ال�سروق و�ستجدها في انتظارك.

رقم الغرفة اإلى و�سلت حتى �سريعا الطريق وطويت للاأمر، ان�سعت النادل فانزعج ملاب�سي، الــدمــاء �سبغت وقــد الفندق، فــي )11(يبحث واأخذ والقطن، ال�سا�س فاأح�سر تلك، حالتي على راآني عندما عن جرحي لي�سمده، لكن لا اأثر لجرح في ج�سدي كله، اختفى الجرح، وترك الدماء الحمراء القانية لتذكرني بالفاجعة، فاجعة القتل، فارتاب النادل في اأمري، وت�سرب اإليه ال�سك بعد اأن تحولت في نظره من جريج اإلى جان، فاأق�سمت له باأنني لم اأقتل اأحدا، لم اأقتل اأبدا، تو�سلت اإليه اأن

ي�سدقني، لكنه رفع راأ�سه عاليا ثم اأردف قائلا:

-كل من �سكن تلك الغرفة خرج منها قاتلا، اأو مقتولا.

-لم اأقتل. �سدقني.

- المهم اأن ت�سدقك ال�سحراء �سيدي.

التي الر�سائل اأن اأيقنت بعدما اأرتجف، ال�سرير منت�سف في جل�ست ير�سلها الله يتلقاها القلب، اأما ر�سائل الرقاع فلا مكان لها داخلي �سوى اأنها علامات تاأتي وتختفي، فظللت اأق�سم لاأبي، واأمي باأنني بريء من

129

دم اأخي، لكن لا اأحد ي�سمعني، فقط اأنا الاآن مع اأنا، ولا بد اأن اأ�سدق روعي، من هــداأت كله، العالم كذبني واإن حتى الله، ور�سائل نف�سي رفع اأكف عن األا فيجب قلبا طاهرا اأر�سم اأن اأردت اإذا اأنني واأيقنت

فر�ساتي عن ال�سماء حتى اأنتهي.

ا جديدا، وطلب مني اأن اأحتفظ بالقمي�س عاد النادل يحمل لي قمي�ساأحتفظ باأنني فاأخبرته الطعام علي عر�س ثم حقيبتي، في المدمم اإلي فنظر ف�سكرته، خبيثة، ابت�سامة ابت�سم الزاد، كي�س في بطعامي

قائلا قبل اأن ين�سحب مغادرا الغرفة:

لتك اإن�سانا. -لا تجزع من الماآ�سي فهي كما المطر كلما انهمرت حو

حقيبتي في القديم بقمي�سي واحتفظت الجديد، القمي�س ارتديت ماء، مع جرعة تمرات، والتقمت ثلاث الزاد كي�س اأخرجت ال�سوداء،

و�سعت راأ�سي على الو�سادة، ثم اأخذني النوم اإلى جوار الملائكة.

في ال�سباح لم تاأت ال�سم�س، بل ا�ستيقظت على ليل فاحم وقف ي�سخر فا�سطدمت كتابي، فتحت الزجاجية، النافذة خلف اأفعالي كل من ظل غائرا وجها لكن واحــدا، حرفا فيها يكتب لم �سوداء، ب�سفحة �سريعا، الكتاب اأغلقت لل�سواد، النظر في اأمعنت كلما علي يطل

130

وفتحت المخطوطة فوجدت اللغز قد تغير اإلى لغز اآخر، لعنتها، ولعنت نف�سي، ولعنت اللحظة التي لفظتني فيها اأمي اإلى الدنيا، لكنني عدت وا�ستغفرت الله، دلفت اإلى الحمام واغت�سلت، بل اأزحت عن ج�سدي كل جنون الاأر�س لاأ�ستقبل حفنات الجنون الجديدة بكامل اأناقتي، تو�ساأت، وارتديت ملاب�سي، ثم �سجدت لله فراأيت نف�سي اأخرج من حلقة النار، وي�ستقبلني اأنا�س لا اأعرفهم بالدفوف والمزامير، عانقني بع�سهم، اأما في الحمراء خيوطهم ن�سج في وان�سغلوا عني فابتعدوا الاآخر البع�س ر، واآن لي اأن اأرى نف�سي ب�سورة طرق اأخرى، فاأيقنت اأن قلبي قد تحر

اأر�ساها.

اأخبرني النادل م�ستغربا باأن هناك من اأتى وترك لي ر�سالة، ثم رحل، اختفائها، اأو لفقدها، متاأ�سفا راأ�سه فاأحنى يبرزها، اأن منه فطلبت عن يتحدث عاد لكنه وحيرتي، ب�سمتي، واحتفظت غيظي، فكظمت

براءتي قائلا:

- الاأبرياء ت�سلهم الر�سائل متاأخرا �سيدي.

- لكن ر�سالتي قد و�سلت بالفعل.

- هل قراأتها؟

131

- ر�سائل الله لا تقراأ بل تح�س.

هز كتفيه، وعاد يعتذر، ثم رحل عني بوجه ك�سته الحمرة، ويد مرتع�سة، وعرق غزير غزا ج�سده كله، فبدا وكاأن اأ�سابه الم�س.

فوق وقفت غرفتي، اإلى ت�سللت قد ال�سم�س كانت التالي ال�سباح في يراها التي الحقيقة على فا�ستيقظت جبهتي، تدغدغ تماما راأ�سي الجميع، لكنهم اعتادوها ف�سارت �سوءا عاديا جدا ي�سرق كل يوم وهم تهم باأج�سادهم، لكن �ساء �ساحب الحكاية اأن يحرمني يفتر�سون اأ�سرمنها ليومين كي اأنتبه باأن هناك حقائق كبيرة جدا تنمو حولنا كل يوم فبدا الجدار �سقت التي الزجاجة النافذة اإلى التفت غفلناها، لكننا في مزرعته يرتب بعيدا يجل�س "يا�سين" فراأيت النور، من كطاقة على م�سحت كالملاك، �سريرها في نائمة "نهاد" فكانت اأما هدوء، فعاد ال�سحاب، اأدو�س وكاأنني م�سيت مكاني، من نه�ست ثم �سعرها، اإلي ال�سوق، ال�سوق الاإلهي المفعم بالنور الذي ي�سع من قناديل الاأولياء، فلي�س للعا�سق �سوى فوؤاد واحد يجل�س به مع الله حينما تنف�س من حوله المجال�س، اقتربت من النافذة، اأردت اأن اأمد يدي للمت�سحين بالبيا�س، طويل الراأ�س، اأ�سعث تماما ي�سبهني وجها فراأيت اأ�ستطع، لم لكنني اللحية، اأ�سمر الوجه، وكاأنه وجه لاإن�سان اأول، اإنه اأنا. ف�ساألت نف�سي كم

132

ت الدفوف تحيطني من كل جانب، مكثت؟ كم م�سيت؟ كم نمت؟ فالتفجثوت على ركبتي في منت�سف الغرفة وتركت روحي تن�ساب، تت�سر�سب، ال�سوت، وتخطى نفذ اأ�سكنه، حتى الذي ال�سر وتن�سحب عن �سندوق المنتهى، ف�سار ج�سدي يرق�س بيني وبين الذي يفرق الوقح، العازل نحو يجذبني ما قاومت ارتفعت. �سعدت. ال�سماء. مو�سيقى وقع على الاأر�س. �سكنت بين ال�سحاب، ولم اأر�س ال�سقوط اإلا كقطرة تهمي على نبتة عط�سى، عانقتني، �سعدت بي، ثم �سكرتني، فكيف لي اأن اأهرب من

نار ال�سوق والبخور لا يفوح عطرا اإلا بالنار؟.

وحدي اأنا وحدي قد مللت القرب والبعد

�ساحك بنهاري وبليل من الهجران

يبكي بع�سي على بع�سي

تهت بين الزحام والج�سد ينعي من �سبق باللحد

ي�سكو اإلى الروح والروح ت�سكو القلب للج�سد

وال�سوت ناداني اأيا عبدي

اأقبل ولا تدبر فاإني قد مددت اإليك بالعفو يدي

133

ا�ستغفر الله من ع�سياني ومن ذنبي

فامنن علي رب العلا واأجرني وخذ بيدي

وحدي اأنا وحدي

لـ)اإبراهيم يو�سف(

ناقة ترقد الــكــوخ حيث عــن لاأبــحــث اأخـــرى مــرة المدينة ــى اإل نــزلــت �سائق لكن الجنون"، "جبل ــى اإل رحلتي بها �ساأكمل التي القا�سي قد ال�سياحي بالفوج لاألتحق طريقي اعتر�س الذي ال�سياحية الحافلة الذي كان في اغر ال�س الوحيد المقعد األهاني عن هدفي، فجل�ست في اأتها من قبل، فجاب انتظاري ولا يحمل رقما، كما مقاعدي تلك التي تبوتوقف ثم مافو( الما، اأم مندرة، عــون، )قبر الكبرى البحيرات بنا اأمام الجبل من بعيد واأخذ مرافقنا ال�سياحي ي�سرد علينا ق�سة "كهف الجنون" حيث اأكد لنا باأن �سائحين غربيين دخلا الكهف تحديا، فغاب ا من هول ما راأى، اأحدهما واختفى، وخرج الاآخر م�ستغيثا �سارخا فارالكهف عن ال�سائحين وا�ستف�سارات اأ�سئلة، فكثرت راآه، ما يذكر ولم والجبل، اأما اأنا فظللت �سامتا عن كل �سيء، فقط كنت اأفكر في اأمور اأخرى اأعمق من مجرد نزهة عابرة، نظرت الفتاة التي كانت تجل�س في

134

المقعد الموازي اإلى ال�سيف الذي اأحمله، فحاولت اإخفائه، لكنها ظلت ال�سر، فكرة خلدها عن لاأزيــح لها ابت�سمت بالغ، بقلق تحركاتي تتبع

ف�ساألتني ب�سوت هام�س:

-اأين الكتاب؟

اأيقنت للتو اأنها من اأ�سحاب الحكاية، تاأملت ملامحها التي تبدلت قليلا، فكانت هي فتاة الرغيف التي قابلتها في القطار، نظرت لمع�سمها علني اأتعثر بالخيط الاأحمر، لكن وقعت عيني على اأ�سورة ذهبية نق�س عليها

مفتاح الحياة، فعادت ت�ساأل باللهجة ذاتها:

-اأما زلت جائعا؟

-معي كي�س الزاد.

- �ستتمنى مني ك�سرة خبز يوما ما.

اأخبرنا قائد الحافلة عبر مكبر ال�سوت باأن الرحلة قد انتهت، غادرت وانطلقت جميعا، رحلوا مقعدها، في رت فت�سم الفتاة اأمــا الحافلة، الحافلة اإلى حيث لا اأعلم، ولا يهمني اأن اأعلم، لكن الفتاة ظلت تر�سل وكي�سي حقيبتي، رفعت الزجاجية، النافذة عبر الحادة نظراتها اإلي و�سيفي، وم�سيت حائرا بلا هدف، بل كنت اأفكر في الفتاة التي برقت

135

في ذهني فجاأة ثم اختفت، عن اأي ك�سرة خبز تتحدث؟ لا اأعلم. حقا لا اأعلم! رفعت راأ�سي اإلى التلال التي ا�سراأبت من قلب ال�سحراء فراأيت

اأخي "يو�سف" يلوح لي من بعيد، وينادي باأعلى �سوته:

- اللعبة لم تنته بعد يا "مازن"؟

- لا اأجيد اللعب يا اأخي.

-�ستاأتيني يوما لنكمل اللعبة.

لكنني �سئمت اللعب، �سئمت الحياة ذاتها، واآن لي اأن اأ�ستريح، اآن لي اأن اأبكي، اآن لي اأن اأموت بعيدا عن الجنون الذي خيم على حياتي، فبت اأرى كاأني لا اأرى، واأ�سعر بكل �سيء كاأني لا اأ�سعر باأي �سيء، غاب "يو�سف" و�سط التلال وتركني على قارعة الطريق اأكمل رحلتي الطويلة، فاآتاني رغاء الناقة من خلف ال�سخرة التي برزت من باطن الاأر�س، فرك�ست نحوها، عانقتها بقوة كاأني اأعانق اأمي التي خرجت من منزلنا يوما ما ولم تعد، بحثت عنها كثيرا، ناديتها كثيرا ولم تعد، امتطيت الناقة التي �سقت طريقها في الظلام اإلى جبل الجنون، لم يكن ال�سوء يت�سلل من اأي مكان اإلا من بريق ال�سيف الذي ظل ي�سع كق�سيب الكهرمان، توقفت الناقة اأمام الجبل الذي بدا كقطعة من الفحم الحجري، اأخرجت كتابي،

136

بالحكايات المفعم الخيال اأو الجديد، الواقع لا�ستقبال نف�سي وهياأت لت قلبي الذي كان يخفق و�سط رمال الجديدة، ذكرت الله كثيرا، وكبتلو واحــدا اأمامي مــروا الحكاية، �سخو�س كل وتذكرت ال�سحراء، �سوداء، هلامية ك�سلالات جميعا غابوا ثم ابت�سامة لي تركوا الاآخر، ظلت تتبعني حتى �سعدت اإلى القمة، لا �سيء فوق الجبل �سوى الحجارة لغة تاأتيني ولا نف�سا، ى اأتلق لا �سوتا، اأ�سمع لا وهناك، هنا المتناثرة �سوى ال�سمت الغارق في الظلام، تح�س�ست الطريق المنحوت ك�سريان، لكنني كنت الموح�س، الكون فراغ نحو العدم، نحو وان�سابت خطواتي تحت تلهو من فقط فالاأر�س اأتحرك، لا مكاني في ثابت باأنني اأ�سعر

قدمي، اأين اأنا بحق الله؟

ظللت اأقاوم النتوءات التي تحا�سرني كم�سامير النع�س حتى انتهى بي اأن ي�سعد ال�سوء الاأحمر الذي اإلى الكهف، توقفت قليلا قبل الطريق ي�سع من العين البازغة من ال�سخور، تراجعت للخلف، ارتجف ج�سدي اآتاني حينما كله، ج�سدي �سعر وانت�سب بل اأ�سناني، ت وا�سطك كله،

�سوت خفي:

- اأنت الاآن في ح�سرة "اإن-ها-رع".

137

.-

- اأ�سمد اأيها الاإن�سي ال�سقي.

.-

- "رازيل" �سيخرج عليك الاآن من كل مكان.

.-

- لا ترتجف اأيها الم�سكين ال�سعيف.

قاومت رائحة الخوف التي تهافتت م�سام ج�سدي على اإفرازها، فتحت واأ�سهرت باليمنى، اأم�سكتها المخطوطة، واأخرجت �سريعا الحقيبة كل من تحا�سرني بــاردة باأنفا�س ف�سعرت بالي�سرى، القا�سي �سيف يده في يحمل ع مقن كفتى الكهف جــدران على دخــان ارت�سم جانب، حرباء معقوفة، انتفخت �سرايين ج�سدي، �سيء ما يدور في كياني كله، يلفني في �سرنقة من حرير، ينخر كل �سيء خلقه الله داخلي، اإنه الزئبق

الاأبي�س التي انت�سرت رائحته النفاذة تملاأ المكان:

-اأنا "رازيل" لن اأ�سجد لك اأبدا يا كتلة الطين.

ن�سرت المخطوطة في وجه الظل الذي تكاثر من حولي، فاأخرج جي�سا

138

كبيرا من حاملي الحراب الذين ا�سطفوا ك�سرية ع�سكرية ت�ستعد لقتل كعداد تتابعت انت�سرت، تجمعت، تبعثرت، الرموز، تناثرت الب�سر،

الحياة:

الم�سكين، الاإن�سي اأيها لي ا�سجد الهابط... ال�سيطان "رازيل" -اأنا و�ساأمنحك الخلود.

ت�سمرت في مكاني، لم اأهتز، ارتع�س �سيف القا�سي، فتحولت اإلى تمثال ف�سي يبرق في الظلام، انت�سر نوره ي�سارع �سوء النار، يختلط ب�سوء في راأ�سي حول تدور حولي، من ال�سخور ارتفعت البريق، زاد النار، توهج البريق، زاد ال�سم�س، حول تطوف كواكب كاأنها كبيرة، حلقة

ال�سوء الاأحمر، تكاثر الخيال اأكثر فاأكثر:

-بحق قلوب الب�سر ا�سجد لعين ال�سر.

رفعت راأ�سي عاليا، فزاد البريق، ت�سبثت في المخطوطة التي اأ�سبحت كجمرة نار بين يدي، فات�سعت حدقة، �سالت منها الدماء:

-ا�سجد اأيها الاإن�سي لتحكم العالم.

اقتربت من "اإن-ها-رع"، اقتربت. اقتربت حتى اأ�سبحت في منت�سف البريق ال�سيف، فتدفق الاإب�سار، حدقت فيها بقوة، غر�ست فيها بوؤبوؤ

139

الاأبي�س ي�سكنها، انح�سر الدخان، عادت ال�سخور ت�ستقر على الاأر�س، اللغز، جنون توقف تماما، تجمدت ثلج، كقطعة المخطوطة �سارت

تغيرت نبرة ال�سوت:

- على �ساطيء المحيط �ستجد المحارب الاأعمى يجل�س تحت ال�سجرة في انتظارك.

انهزم ال�سوء الاأحمر، غا�ست العين في الرمال ابتلعت البريق، اختفى جثوت المف�سل، عطري رائحة ج�سدي من فاحت الظلام، في الظل ال�سماء من �سقط الذي البدر اأتاأمل عاليا راأ�سي رفعت ركبتي، على اأمي في ليك�سف لي عن كل الوجوه الجميلة التي عرفتها، فراأيت وجه الخلف يتدثر بال�سوء الخافت، يرتع�س اأحيانا، يكتمل اأحيانا، يتلا�سى،

ارتفعت التكبيرات من مكان ما، اأغ�سي علي:

-نحن لا ننهزم ولا نموت اأيها الم�سكين.

.-

-�سنظل نلاحقك حتى الحلم.

اندملت الجبل، هــداأ اأبيتها، خمر ينة كقن تك�سر ال�سوت. تلا�سى الذي القا�سي قدمي على عيناي فتحت ال�سباب، وانق�سع ال�سقوق،

140

برمحه ويغزل ال�ساي، ويحت�سي النار، ركوة ي�سعل ناقته جوار جل�س اإلى بعودتي يبتهج لم الرمال، خطوطا طولية وعر�سية متقاطعة على تجاهي، داخله في عما ينم انطباع اأي يبد لم بل �سالما، الجبل ظل كيف وتعجبت تماما، العاري تح�س�ست ج�سدي يحدث، لم �سيئا وكاأن وحاولت المتناثرة، اأ�سيائي لملمت اأمــي؟ ولدتني كما هنا اإلى اأتيت و�سروال، اأزرق، بجلباب القا�سي لي فقذف بيدي، �سوءتي اأداري اأن اأهم اأن قبل الكتاب من الثاني الف�سل اأقــراأ اأن واأمرني اأ�سود، ولثام ال�ساي، من كوبا ناولني �سيء، كل "نبو" يبداأ اأر�س فمن بارتدائهم، ومع اأول ر�سفة غمر ج�سدي كله دفء غريب، كاأن اأمي عادت من جديد لتر�سعني في فرا�سي، �سرب القا�سي بيده على الاأر�س وطلب مني اأن اأجل�س جواره حيثما ا�ستقرت �سرباته، ثم اأخذ يحدثني عن "القبالا"، التي لم اأخ�سع ل�سطوتها، وا�ستطعت بما ا�سطفاه لي اأن اأنجو بعقلي من اأن اأبدا اأقبل فلم كله، العالم تفر�سها على التي الوجودية �سيطرتهم اأن�ساع، اأو اأ�سجد للنار التي ت�سكن عين ال�سر، فهبطت من جبل الجنون بعقل مكتمل، اآن له اأن ي�سل اإلى الحقيقة الكبرى التي هي اأكبر بكثير من فك لغز �سغير حملته مخطوطتي الناق�سة التي كان يلهو بها طفل

على اأنقا�س بيت منهار، وهنا �سد القا�سي على يدي قائلا:

141

-اأنت الاآن موؤهل للهو وراء العالم الدنيوي يا فتى!!.

بحوا�سهم التقليدية الحدود داخــل يبحثون من هم فقط فالحمقى الخم�س، لكنهم جهلوا اأن هنالك عالم اآخر خفي، لا ي�سعرون بوجوده، لاأن له قوانين خا�سة تعلل وجود اأبداننا على تلك الاأر�س، ووجود اأرواحنا

في ال�سماء، لكن تلك القوانين لا يدركها اإلا �ساحب الحد�س الاأكبر.

-نعم هناك عالم اآخر يفوق الخيال يا فتى.

اإلى "القبالا" اأن تخ�سع كل باحث عن حقيقة ما لت�سمه لذلك ت�سعى جيو�سها، لت�سطيع اأن تمتلك كل الحقائق التي اأوجدها الله، لكن القليلين ينجون من حربة "رازيل"، ونار "اإن-ها-رع"، التي تخلق �سوءا �ساحرا،

خلابا، يحرمنا من نور الله، فلا نب�سر اأبدا اإلا ما اأرادوا لنا اأن نراه.

نظرت اإليه م�سغيا لما يقوله، فت�ساءل قائلا:

- قل لي يا فتى ماذا ت�سعر حينما تفكر في كلمة "�سوء"؟

اأوغلت في �سمتي لاأ�ستمع اإلى الاإجابة:

والبهجة، الفرح هو ال�سوء الظلام، من الخروج هو اإنما ال�سوء -ال�سوء هو ال�سعور بالمحبة. ولا عجب اإننا نفكر هكذا، لاأن ال�سوء ح�سب حكمة القبالة هو الم�سدر لكل الطيب والخير في الخليقة، هم ي�سنعون

142

ا، يلهم، ي�سحر، يخ�سع، يجذب اإليه كل الكائنات لاأنف�سهم �سوءا خا�سال�سعيفة، لكنه في النهاية يحول الكوكب اإلى اأر�س محروقة.

ا�ست�سلمت اإلى ال�سمت تماما بعدما راق لي حديثه، فعاد يتحدث:

- ال�سوء هو القوة الفعالة ما قبل الخليقة، بل هو الذي خلقها، وقد قال الحاخام القبالى "اإ�سحاق لوريه اأ�سكنازي" في كتابه "�سجرة الحياة": اعلم اأنه قبل اأن يلهم الملهمون وقبل اأن تخلق المخلوقات، كان هناك

النور. النور اللانهائي الاأزلي الذي يملاأ الوجود".

تنهد القا�سي متململا من �سمتي –ربما-، واأردف قائلا:

- ال�سوء هو القوة الفعالة التي تفعل فعلها ح�سب قاعدة ب�سيطة وهي: المطلق الخير يمنحنا لكي خلقنا ال�سوء فقط. والاإعطاء الاإعطاء، كما والاأبــدي المطلق الخير على ح�سلوا الذين والقباليون والاأبــدي. الوفرة كل لحظات يمنحنا في لكي ال�سوء حا�سر اإن يقولون: يظنون والغزارة والمتعة اللانهائية ولكننا لا نعرف كيف نت�سلم هذه الح�سنات؟.

ولكي نعرف كيف نت�سلمها، لا بد واأن ننجو باأنف�سنا من خطة القبالة.

مد يده نحوي، وقب�س على مع�سمي قائلا:

- انه�س يا فتى. امتط هديتي وام�س في طريقك ولا تلتفت اإلى الحقائق

143

ال�سغرى.

- لقد اختلطت الحقائق �سيدي وبت لا اأعلم عما اأبحث.

- من الاآن و�ساعدا �ستبحث عنك الحقيقة التي تبتغيها.

- ت�سير المخطوطة اإلى محارب اأعمى ينتظرني عند المحيط.

- ربما تجده هناك اأ�سفل ال�سجرة قبل اأن يداهمك الوقت.

- ماذا يحمل لي هذا الرجل �سيدي؟

- لا ت�ساأل كثيرا فتجني ثمارا عجافا قبل اأوان الح�ساد.

اأن فعليهم جميعا، ظهورهم خلف من العالم اأتاأمل اأن الاآن اأحتاج ا اأن ت�سمت دون ي�سمتوا، ولو للحظات وعلى الع�سافير، والاأمواج اأي�ساأن اأفتعل ال�سمم، امتطيت الناقة، وو�سعت اللثام على وجهي، ود�س�ست ما، بعظمة �ساعرا لاأعلى راأ�سي ورفعت ال�سوفي، الخرج في اأ�سيائي القا�سي ــي اإل نظر طــولا، الجبال واأبلغ الاأر�ـــس، اأخــرق اأنني �سعرت

مبت�سما:

و�ستجدونها مماتي بعد يدي "افتحوا الاأكبر الاإ�سكندر قال فتى -يا خاوية"

144

�سفع الناقة على فخذها الاأيمن، فانطلقت تمخر في رمال ال�سحراء، خريطة لي تر�سم التي الر�سائل انقطعت اأن بعد اأعلم، لا حيث اإلــى كما اأ�ساءت قد الجديدة الحقيقة فراأيت الكتاب، فتحت الطريق، الحلم، فالاأحلام هي هبة الله التي يمنحها لعباده كلما �ساق بهم الواقع ة، واإن ظلت معلقة؛ فهي رحمة، واأحكم عليهم وثاقه فاإذا تحققت فهي منواإن ا�ستحالت فهي؛ حقيقة اأخيرة نح�سل عليها يوم ن�سعد اإلى ال�سماء.

بين من يرقبني النهر، عند يقف كخيال بعيد من وجهه اأرى لازلــت اأنا اأما ي�ساء، ما به يكتب وحبرا يده قرطا�سا، ويم�سك في الاأ�سجار، فما زلت اأحمل الكتاب الذي الت�سق بي كما القدر، لاأكون نقطة ال�سوء الجديدة التي ي�سد اإليها العارفون الرحال، فلم يكن حلما، اأو وهما، بل هو رجل اختار لنف�سه الرحيل بعيدا بعدما اأ�سفق على حال قاتله، وظل

يرقب من يحمل كتابه من بعيد عله ي�سل اإلى ما لا يعلمه .

145

)6- إلى حيث لا أعلم(م�سافر اإلى الله وزادي الهوى

وبع�س اأ�سياء من هو على اأنا

فلي�س في عمري �سوى �سجدة

وت�سبيحة ع�سق. ودمعة خ�سوع.

على الاأر�س المتحركة اأمواج الرمال لا تهداأ، تعلو، وتعلو، تقذفني بعيدا اإلى حيث المنتهى، تاأخذني اإلى اآخر نقطة في ال�سماء، وتغو�س بي اإلى نقطة التقاء القلوب في باطن الاأر�س، حيث الثرى الاأول، فاأ�سمع، واأرى، اأحرا�س واأ�سارع المغلقة، الاأبــواب اأطــرق الكائنات، بهياكل واألتحم اأعي�س المهزوم، بالكون فاأ�سطدم منت�سرا اأخــرج ال�سفلي، العالم

146

للحظات بين الاأبي�س والاأ�سود، ثم اأعود اأخط خرائطي باألوان لا يعرفها الب�سر، اأمزق الطرق القديمة، واأمحو اآثار اأقدام �سبقتني اإلى هنا، فلا يبقى اإلا اأثري اأنا، ترتفع الهالة الكبيرة، تنتفخ كفقاعة، تحتويني لكنها المقد�سة التماثيل كل لاأ�ساهد الجبال، قمم اإلى بي تطير تنفجر، لا فاأ�سبح تنفجر، ثم تهبط، تهبط، برفق، تهبط الاإن�سان، ن�سبها التي اإلى حيثما كنت، اأعود اإن�سانا عاديا، يحب، يكره، يبكي، ي�سحك، يطعنه المر�س، وي�سفيه الدواء، ينزف الدماء الحمراء، ويموت اإذا توقف قلبه.

انتهت العا�سفة.

ن�سبت الــعــروق، وجفت الظماأ، ا�ستد ينته، لم ال�سحراء لفح لكن الحياة، وفرغ كي�س الزاد، طوحه الهواء بعيدا، فراأيت كل الفراغ ماء، راأيته حقولا خ�سراء، راأيته فتاة جميلة تحمل فوق راأ�سها �سلة من فواكة �سوى عليه اأتكئ �سيء لا قــواي، خــارت ي�سارا، يمينا، اأهــرول الجنة،

الرمال، والرمال، الرياح، والرياح، ثم الموت:

- �ستتمنى مني ك�سرة خبز يوما ما.

-الاآن اأنا اأتمنى كل �سيء �سيدتي.

-اذبح ناقتك وا�سرب من قربتها الماء لتعي�س.

147

-بل اأموت اأنا وتعي�س الاأمانة.

-�ستعي�س اإذا.

نب�ست الناقة الاأر�س بقدميها، فثارت دوامة الغبار، انفجر الماء، لي�ست �سيء كل فيه �سار زمن في تاأتي لا فالمعجزات تظنون، كما معجزة ممكنا، بل هي الحياة التي تاأتي على حين غرة، فنعيد بها �سيرتنا الاأولى عندما نقف على حافة الموت ننتظر الفرج، �سربت حتى ارتويت، �سربت المكان على تهافتت التي البي�ساء والثعالب الطير، و�سرب الناقة، الماء اختفى �سبعت، حتى فاأكلت التين، اأ�سجار نبتت األيفة، كقطط �سريعا، و�سارت الاأ�سجار حطبا ت�ستعل فيه النيران، فامتطيت الناقة، واأكملت رحلتي الطويلة، غير عابئ بما حدث، فربما هو ال�سراب، وربما هو الحلم، وربما هي الحكايات الاأ�سطورية التي قراأتها في كتب طويتها اإلى واأ�سل الفناء، لاأقــاوم الاآن تحدث حقيقة لكنها طويل، زمن منذ

النهاية حيث تتوقف الاأر�س عند المحيط.

جل اأم�سى الــذي "ديوجين" الاإغريقي كما اأعي�س اأنني الاآن اأ�سعر يوقد م�سباحا في و�سح وكان له، واتخذه م�سكنا برميل حياته داخل النهار، ويم�سي في �سوارع "اأثينا" مدعيا اأنه يبحث عن الاإن�سان الفا�سل الحكيم، الاإن�سان الذي لا يوجد بين �سكان المدائن، فاختار اأن يعي�س

148

حرا، رغم اأنه �سجن وعذب، وبيع مرة للقرا�سنة في �سوق العبيد، لكنه تهكم من بائعيه وقال لهم:

-خذوني اأيها العبيد فاأنتم في حاجة ل�سيد.

والتق�سف النف�س �سبط على معتادا وكــان �سيء، اأي يمتلك يكن لم فارتدى عباءة خ�سنة وحمل والحر، البرد اإلى نف�سه ا معر�س ال�سارم ليثبت البرميل! في لي�ستلقي ليلا يعود وكان �سغيرة، ومحفظة ع�سا يطلقها وثرثرة وكلمات، نظريات، مجرد لي�ست الف�سيلة اأن للنا�س الفلا�سفة، فذهب يوما اإلى الفيل�سوف اليوناني "انتيثين�س" اأحد اأتباع األح وعندما الاأ�ستاذ، فرف�س كتلميذ يقبله اأن منه "�سقراط" وطلب

عليه بطلبه �سربه الاأ�ستاذ بع�ساه فقال "ديوجين":

اأ�سلب من ت�سميمي اأبدا ع�سا لن تجد ولكنك ت�ساء ا�سربني كما -على البقاء.

لم يهتم بالاأفلاك والنجوم كما اهتم قومه لاأنها حقائق زائلة، فكان اإذا �سمع رجلا يتكلم عنها �ساأله:

-متى كان نزولك من ال�سماء؟

ثم يلتفت �ساخرا اإلى من حوله، قائلا:

149

تحت ما حقيقة يعرفون لا وهــم الكواكب، عن يتكلمون ــوؤلاء ه -اإن اأقدامهم.

فظل يتمرد على قوم يقدمون القرابين للاآلهة، ويتطيرون بها ، ون�سوا ابتغاها، دون اليقظة، لكنه ظل يبحث عن حقيقة اآلام يعانونه من ما اأن يحمل �سيفا ولا قلما، ودون اأن يمتطي ناقة يهيم بها في ال�سحراء، يحمل والمدائن المعابد ويدخل وال�سوارع، الاأ�سواق في ي�سير كان بل قنديلا في و�سح النهار يبحث به عن الحقيقة، لكنهم لم ي�ستمعوا اإليه، فقتلتهم موته، من �سخروا النهاية وفي اأجلهم، من كله عمره فاأفنى حقيقته، بينما قدر الله لمو�سى النبي ماآربه الاأخرى التي لم يذكرها، فاألقى بع�ساه ف�سارت ثعبانا، و�سرب بها البحر ف�سطرته، و�سك بها الحجار فتفجرت عيونا من الماء، لكنه مات قبل اأن يدرك مبتغاه، فراأى الاأر�س من بعيد دون اأن يطاأها، فاأخفى الله موته كي لا يقد�سه قومه،

وين�سرفون به عن حياتهم.

�سوداء، زرقــاء، �سفراء، حمراء، لونها، فاقع بيوت بين الناقة نزلت بي�ساء، بلا ر�سوم، اأو �سور، لكنها مليئة بالتعاريج، والنتوءات، والحفر، فانتازي �ساخر ب�سكل جدرانها تنحرف متداخلة، ع�سوائية بيوت ا، حينما ت�سبه مفاتن الن�ساء، م�سحك، واأحيانا مخجل وم�سحك اأي�س

150

واأع�ساء الرجال الذكورية، اأما البع�س الاآخر فلم يكن ل�سبهه اأي معن، فقط هي اأبــواب، للبيوت يكن لم والحجر، الرمال من كتلة اأنه �سوى ا�ستئذان، كما تنتظر من يدخل ويخرج دون مفتوحة على م�سراعيها للزائر الجديد، يلتفت �سكانها ال�سماء، والاأر�س، لم اأو كهوام الهواء، اأتاأمل بينهم �سرت وجــودي، �سبب ي�ساأل عن اأو اإلي اأحدهم ينظر لم عين فلا لامعة، مل�ساء وجــوه الموت، بملامح تت�سح التي وجوههم ترم�س، ولا �سفة تنب�س، ولا اأنف ت�سم، ولا دماء تحجل في عروقهم، تعثر اأحدهم بج�سدي، ف�سقطت على الاأر�س، �سقط جواري، ت�سمم رائحتي، وتح�س�س وجهي، و�سع اأ�سابعه فوق اأنفي، ود�س اأ�سبعيه داخل تجويف

عيني، م�سى باأ�سابعه برفق على ج�سد الناقة، ثم �ساح باأعلى �سوته:

-دنيء بيننا. كائن دنيييييييييء.

اأنفا�سهم كانت �ــســواء، حفلة على مقبلون وكاأنهم حولي من التفوا بحذر مني اقتربوا ت�سطك، واأ�سنانهم ترتع�س، واأناملهم تترجرج، �ساح اإليهم، ال�سحراء جرفته الذي الاإن�ساني الم�سخ على ليتفرجوا

رجل منهم:

-لا تلم�سوه. اللعنة. اللعنة.

151

وبينما كانوا يت�سابقون للابتعاد عني، توقفوا فجاأة وكاأن على روؤو�سهم انحنى بع�ساه، ج�سدي د�س كبيرهم، لمرور طريقا �سقوا ثم الطير، علي، تح�س�س ملامح وجهي، و�سع اأ�سبعيه في تجويف العين، ثم ب�سط

راحته على مو�سع القلب:

-اإنه رجل م�سكين يحتاج اإلى العطف.

بيوتهم، وخرجوا داخل انت�سروا ثم وكبروا، وهللوا، وماجوا، فهاجوا، �سريعا، ي�سعون اأمامي الخبز، والتين، والتمر، واأوعية الع�سيدة، وجرار الع�سل، واللبن، ربت كبيرهم على كتفي واأمرني اأن اأ�سبع جوع يومي، ولا اأدخر من الطعام ما يكفيني لليوم التالي، �سادت لحظات �سمت خلال كبيرهم ا�ستدعى وهناك، هنا، من همهمات تبعتها الطعام، تناولي اأحدهم تبرع ثم الاآخر، تلو واحدا اأذنهم في الحكماء، هم�س مجل�س

ل�سوؤالي:

-لماذا اأتيت اإلى هنا؟

- اأتيت باحثا عن الحقيقة.

- الحقيقة لا ي�سل اإليها مب�سر اأبدا.

-الخرائط �ستدلني على الطريق.

152

-نحن نوؤمن بالاأ�سياء دون اأن نراها.

-ونحن نوؤمن بالله دون اأن نراه.

لهجة فاحتدت اأفهمها، لا اأمازيغية بهمهمات المتفرجين �سجيج ثار الرجل:

-نحن نرى الله. نرى العالم كله بقلوبنا.

ال�سم�س �سفراء، الرمال زرقــاء، فال�سماء �سيئا تــرون لا اأنتم بل -برتقالية، القمر ف�سي، البحر؟

-اأنت ت�سف وهما كبيرا يا هذا.

- اأ�ستطيع اأن اأ�سف لكم العالم كله.

-العين ترى ولا توؤمن، فترى النور ولا ت�سيء، وترى الظلام ولا ترى ما ي�ستره، لكن القلب يرى كل �سيء ولا نراه، ولكنه وحده من يوؤمن بما يراه

ولا نراه

اإلى جميعهم ان�سحبوا ال�سمت، ف�ساد بع�ساه الاأر�ــس كبيرهم دق منازلهم، وبقيت اأنا معه وجها لوجه، اأمرني باأن اأقترب منه، فان�سعت

لاأمره:

153

-هل تراني جيدا؟

-نعم �سيدي.

-اأت�سطيع اأن ت�سفني الاآن.

-اأنت رجل مم�سوق القوام، اأ�سمر الوجه، �سرب البيا�س...

- مهلا. مهلا. اأنت لا ترى �سيئا.

-وكيف اأرى اإذا؟

-افتح كتابك وناولني اإياه.

ده�ست للحظات من طلبه، ثم اأح�سرت الكتاب، فالتقطه من بين يدي، واأ�سار اإلى ال�سفحات الخاوية و�ساألني:

- هل ترى �سيئا هنا؟

- ال�سفحات فارغة.

- اأنا اأرى كل �سيء، اأرى كل ما تبحث عنه.

- اأتو�سل اإليك اأخبرني بالحقيقة.

-لي�س كل ما تختاره بعينيك فقط يمكن اأن تراه، فهناك ما يفر�س نف�سه

154

دائما على ال�سورة رغما عنك.

اإلى طريق طويل، تدلت منه مئات الاأجرا�س اأخذني اأم�سك بيدي، ثم اليمين، على الخيط يق�سر فاأحيانا ع�سوائية، ب�سورة روؤو�سنا فوق واأحيانا يمتد على الي�سار، واأحيانا اأخرى يواجهك في المنت�سف، فكنت اأتخبط بها فتقرع، وتقرع، وتقرع، فيعلو �سوتها اأكثر فاأكثر، اأما الرجل الاأعمى فكان يعبر الطريق في �سلام، واثقا من نف�سه، فلا ي�سطدم باأي ة الجبل، نظرت اإلى منها، اأفلت يدي حينما انتهى بنا الطريق عند حاف

اأ�سفل الوادي ال�سحيق، فابت�سم قائلا:

واجل�س تماما، التفكير عن توقف تفكر. ولا عينيك. اغم�س الاآن! -حيثما اأنت.

و�سع كفيه على راأ�سي وا�ستطرد حديثه:

- خذ نف�سا عميقا. �ست�سحبك الحقيقة اإلى رحلة فريدة، رحلة �ستغير حياتك المليئة بالماآ�سي، رحلة �ستغنيك، وتجعلك على علم بكل �سيء، اأبدا. اأنت الاآن برفقة الحقيقة الكونية التي لا تكذب وت�سعر بال�سلام، نف�سا خذ التافه. ال�سغير العالم في التفكير اقطع تماما، معها كن عميقا. اإنها لك فقط. في هذا الكون كله نحن مجرد مظهر �سغير من

155

مظاهره، كل واحد منا في بحث عن ال�سحة الجيدة، ال�سلام، المعرفة، الوفرة، التناغم، وقبل كل �سيء ال�سعادة، والحياة الاآمنة في كل الاأوقات والمواقف، كل �سخ�س يحاول جاهدا لي�سل اإلى تلك الحالة، ولكن هل يمكن تحقيق ذلك حقا؟ نعم، يمكن تحقيق ذلك بفهم الطاقة الكونية، ومعرفة الذات، اأنت الاآن ت�سمو اإلى كل مكان في الكون، بين المجرات اإنه الف�ساء في كل �سيء، الذي يعدل والكواكب، بين الب�سر والذرات، فترى كل ت�سير التي تجعلك الحياة، قوة القوة، اإنها المخلوقات، بين ت�سعر اأو ت�سقط، اأن دون اللا�سيء في وت�سبح ترى، اأن دون العوائق، من تحرر الدنيء، ج�سدك عن تخل الاآلام، كل من اأقــوى اأنــت باألم. الاأثقال، وتقدم. انه�س. اعبر اإلى الجانب الاآخر، �سيحملك الهواء لاأنك اأ�سمى منه، اقب�س على بوؤرة ال�سوء اأمامك، اهتدي بها، فلن تخدعك

اأبدا لاأنها الحقيقة.

نه�ست من مكاني وتقدمت اإلى الاأمام، حملتني و�سادة حانية، تركتني اأطير، قفزت اأخرى تحملني، تركتني، حملتني اأخرى، واأخرى، واأخرى، عبرت اإلى الجانب الاآخر، العالم كله يحتويني، يعانقني، يرحب بروحي كاأنما اأنا كوكب دري رائع، جميل، عدت �سريعا كدفقة برق اإلى حيثما اأ�سطدم اأن دون الطويل الطريق عبرت الاآخـــر، الجانب على كنت

156

اأطلال �سوى منازلهم من اأر فلم عيناي، فتحت المتدلية، بالاأجرا�س تاأكل من بقاياها الطير، اختفوا جميعا، وبقيت اأنا اأرى كل الاأ�سياء من حولي كاأنما لم اأر من قبل. اأجه�ست بالبكاء بعدما راأيت الله. ولاأنه خالق الحب وخالقني، فلم اأ�ستح اأن اأق�سده طالبا حبا. اأمنحه لمن اأحب لاأن

ما �سكن فوؤادي لا يكفي اأن اأرده اإياه.

اأم�سكت بلجام الناقة، و�سحبتها خلفي اإلى ال�سحراء ال�سا�سعة، التفت عن يعزلني كجدار وقف الذي المتكاثف ال�سباب لاأودع الخلف اإلى الما�سي، فما فات ي�سكن في الخلف، لكنه لم ينته بعد، بل يلت�سق بنا كثقل نجره باأقدامنا، ليذكرنا بخطانا الما�سية، اأما خطى الحا�سر فهي قرار يدفعك اإلى الاأمام، اأو يعود بك اإلى الخلف، اأو يجعلك را�سخا في مكانك كما اأنت، لكن قراري الاآن �سار وا�سحا و�سوح القلب، والعودة اأما اإذا توقفت ف�ستغمرني الرمال اإلى الخلف اأ�سحت اأمرا م�ستحيلا، واأختفي تماما كاأني لم اأكن، ولن ينبت مني �سوى تلة �سغيرة ت�سي باأن اأنه ظن اأحمق كوتد توقف ثم الطويل الطريق مل هنا، كان ما �سيئا �سريعا تجمدوا �سكنوا اإذا الثلج تلال بين فالعابرون الرياح، �سيهزم و�ساروا كتلا بي�ساء م�سحكة تحطمها ال�سواعق اإذا اأرادت، لذلك كان يجب اأن اأرك�س للاأمام، اأرك�س، واأرك�س لاأ�سابق الموت، واأقاوم الزمن

157

الذي يت�سرب من �سم الخياط دون اأن اأدري، لم اأعد اأهاب الموت، ولا ارية، اأو القوار�س ال�سخيفة، بل ما يزلزل قلبي الاآن حتى الوحو�س ال�سهو كل ما يبحث عني ويرقبني من بعيد دون اأن اأراه، فمن ينتظر مجهولا لا يعرف ملامحه، هو كاإن�سان يرتكب كل فواح�س الدنيا وينتظر ولا يعلم

متى �سيحل به العقاب.

تلتحم النهايات، فكل الــفــراغ، غير �سيء ولا الــفــراغ، لاأعــانــق عــدت نعومة الناعمة، الرمال تدحرجها �سوداء حبة اإلا اأنا وما باللانهاية، ال�سر النبيل، فبت وكاأنني اأنزلق على جلد اأفعى مل�ساء، لكنني تفجاأت

ب�سوت ياأتيني يخرج من قبو، اأو قبر، اأو �سيء من هذا القبيل:

-"الاآن فقط اأيقنت اأن ال�سحراء كالموت تعدل بين الجميع".

مجنونة اأنثى وكاأنها كله ج�سده الرمال عانقت اأن بعد البدوي قالها فظل اأح�سائها، في بدفنه همت ثم للحظات معها يرق�س اأن تجبره محتفظا باحدى يديه مرفوعة اإلى اأعلى منتظرا يدا اأخرى ت�سحبه اإلى حياته، اإنقاذ عن عاجزا وقفت بل �سيء، اأي اأمتلك اأكن لم ال�سماء، جلبابي، خلعت الناقة، لجام يدي، له مددت وتكرارا، مــرارا حاولت ولثامي، لكنه كان بعيدا جدا، لم اأ�سعر بالذنب، لاأنني اأردت له الحياة، اأردت لو اأمنحه ن�سف حياتي ليعي�س، لكن اأخي مات دون اأن اأحاول اأن

158

اأمد له اأي �سيء، ليته كان اأخي، ليتني كنت، وليت ما حدث لم يكن، اإنه ال�سق المظلم الذي ي�سكن قلبي ولا يغادره، ارتديت جلبابي، واأحكمت حياتي، من اللحظات تلك واأ�سقطت الناقة امتطيت ثم لثامي، وثاق وغادرت دوامة الفراغ، بعد اأن فطنت اللعبة، فالبدوي هو من افتداني اأ�ستطيع المطوية فالر�سائل الطريق، عثرات في اأ�سقط لا كي بروحه قراءتها الاآن، واأنا على يقين تام باأنني اأ�سبحت اأكثر علما من �ساحب الحكاية، الذي ما زال يجل�س في نهاية الفراغ، ويظن اأنني لن اأ�سل اإليه اأبدا يوما ما، لكنني اأرى مقعده تماما كما اأرى اأ�سابع يدي، واأ�سعر به كما اأ�سعر باأح�سائي، واأ�ستطيع اأن اأقب�س عليه كما اأقب�س على الهواء، فر�سائله المده�سة �سارت عادية جدا، اأ�سبحت اأكتبها له حرفا حرفا

قبل اأن ت�سلني منه اإلي.

فيعدل الهواء، يحملها الرائحة، تتدفق ال�ساهق الجبل خلف هناك ت�سيف لكنها �سيئا، ت�سبه لا الرائحة الاأربعة، الاتجهات بين الق�سمة اإلى الحياة حيوات اأخرى، تنت�سر كعطر فواح، وتفي�س كماء جار و�سط الرمال ترو�س المجهولة، اأ�سماءها ال�سخور تمنح زهر، من ب�ستان ع، ت�سحبني معها اإلى مكان معلوم، لا المتوح�سة فتجعلها ك�سل�سال طييبدو للناظرين، ولا يتدثر بطقو�س ال�سحراء، لي�س بواحة تتجمع حولها

159

القبائل لتعي�س اأياما ثم ترحل بعد انق�ساء الخير، ولي�س بقفر موح�س المطر، هطول مع جحورها اإلــى تفر التي والعقارب الاأفاعي ت�سكنه رائحة لا ي�ستن�سقها اإلا الحالمين لتر�سدهم اإلى الطبائع الخفية العالقة

بين الم�سافات.

عند عوار�سها فاأرخت الرائحة، بي ا�ستقرت حيث بالناقة توقفت الخيام بين تجولت بالترحاب، اأهله ا�ستقبلني الــذي الحي م�سارف �سخمة اأوان تعلوها التي الحجرية، الطعام مواقد وبين المتناثرة، ب�سحون جوعهم ي�سد ما وينتظرون النيران، تحتها ي�سرمون فارغة الكثيف، ال�سباب الاأواني مع الرائحة كانت تت�ساعد من فارغة، لكن الذي تهافتوا عليه يغرفونه باأيدهم وياأكلون منه لحما، وخبزا، وي�سربون الق�سوة قناعة الوهم، اأطفالهم، لقد منحتهم لبنا، وع�سلا، ويطعمون لهم واأ�سار طبقا اأحدهم ناولني الحياة، فانتازيا الوهم منحهم وقد دورهم، ينتظرون لا فالغرباء ن�سيبي، لاأنال الطريق لي يف�سحوا باأن فقب�ست على ال�سباب، وتظاهرت بم�سغه بين اأ�سناني، وبعدما انتهيت �سعرت باأنني ملاأت معدتي ب�سرائح اللحم الم�سوي التي اأع�سقها، مذاق لم اأ�سعر به من قبل، اأردت اأن اأعود لاأخذ المزيد، لكن اأحدهم اعتر�س

طريقي قائلا:

160

-الوهم كالحقيقة لا يتكرر اأبدا.

باآخر، بانت حدقت في وجهه طويلا ثم تراجعت للخلف، فا�سطدمت ملامحه من تحت لثامه الاأ�سود كوح�س تبرق عينيه في الظلام، دفعني اأخرى وو�سع ن�سله على نحوه بقوة بيد، وا�ستل خنجره من غمده بيد

نحري، وبلهجة خ�سنة تحدث:

-ماذا ت�سعر الاآن واأنت على م�سارف الموت؟

-اأ�سعر باأن عمري اأطول من عمر قاتلي.

-وماذا لو تركتك تعي�س؟

-�سي�سداأ خنجرك في غمده اإلى الاأبد.

- تنتظر حقيقة جديدة في كتابك اإذا؟

-بل تبحث عني الحقيقة.

رفع الخنجر من على رقبتي برفق، ثم �سافحني بقوة، واأهداني اإياه:

-اأح�سن حمل �سلاحك ولا تقتل اإلا اإذا اأردت اأن تاأكل، ولا تاأكل اإلا اإذا اأردت اأن تعي�س.

التي ن�سبها في موؤخرة خيام قومه، جمع اإلى خيمته ا�سطحبني معه

161

الحطب، واأ�سعل فيه النيران حتى �سار جمرا متوهجا كقطع العقيق، ثم اإبريقا نحا�سيا قديما لي�سنع ال�ساي ف�سار الم�سهد خلابا و�سع فوقه لرجل ملثم ت�سدرج وجهه بحمرة النيران، و�سط ظلام ال�سحراء، رفع

الاإبريق لي�سب ال�ساي في كوبي قائلا:

- لا بد اأن تعلم �سيدي اأن ال�ساي الاأخ�سر يجري في عروقنا كما الدماء، فا�ستمتع باحت�سائه، وا�سفق على جمرات النار التي حولته اإلى م�سروب لذيذ لا ن�سيف اإليه ال�سكر، فقط ن�سفي عليه من اأحلامنا الممتدة كما

الرمال، لنرى اأنف�سنا كما نحن، لا كما ترونا اأنتم.

في حياتهم كما ومــرا قويا، مذاقه فكان الاأول ال�ساي كوب احت�سيت الحب، كما عنيفا فكان الثاني الكوب ناولني انتهيت ولما ال�سحراء، اأما الكوب الثالث فخفيف كاآخر رمق في الحياة، رمقت عينيه بنظرة فابت�سم اللثام، غطاها التي ملامحه اأكمل اأن بها حاولت طويلة،

ابت�سامة لم اأ�ساهدها، لكنني �سعرتها جيدا:

ملثمين �ستراهم لذلك اأفواههم، من ي�ستحون الرجال �ستجد -هنا ون�ساءهم كا�سفات، فاأفواه الرجال يجب األا تكون بوابات مفتوحة تدخل

منها قوافل الجان وال�سياطين، ولا تخرج منها اأبدا روائح ال�سوء.

162

مد يده اإلى لثامي، لف به وجهي كله، واأحكم وثاقه:

امراأة لا رجلا عظيما بيننا تظل كي ملثما دائما فمك على - حافظ يت�سلل من ثغرها ال�سر وال�سيطان.

- اأين اأنا الاآن؟

- الاأماكن المجهولة تمنحك القوة.

- لكن الوهم يحا�سر رحلتي الطويلة.

- ا�ستفت قلبك فلي�س كل النور حقيقة.

-اإنني اأهتدي بخالق القلوب.

-�سع يدك على قلبك وحتما �ستراه.

رحلة في واأرافقه ناقتي اأمتطي باأن اإلــي واأ�سار جــواده، �سهوة اعتلى طويلة اإلى مدينة الخوف، فمن الخوف تخرج الحقائق نقية كما اأحجار الاألما�س البلجيكي الرائعة، قطعنا ال�سحاري ال�سا�سعة، مررنا من فوق روؤو�س الذئاب، ومن بين ثنايا الاأفاعي، ود�سنا بقايا العظام والجماجم المتناثرة، ف�سرقت �سم�س، وغربت �سم�س، وتبعنا قمر، وودعتنا نجوم، وا�ستلقينا مطر، وهطل نهار، علينا وطل اآخــر، ليل ورحل ليل، وجاء

163

اأياما، يوم، وجعنا اأكلنا بالع�سب، دنا وتو�س الميتة، الاأر�س �سقوق بين وانزوينا معا، رق�سنا وهبطنا، ارتفعنا، نيران، ولفحتنا برد، جمدنا وافتداني، بروحي، افتديته الاآخــر، دموع اأحدنا ير فلم لنبكي بعيدا ملامحا فراأيت الظلام، في وجهه عن لي فك�سف واأحبني، اأحببته، ت�سبهني تماما، ت�سبه اأبي، ت�سبه اأمي واأخي، ت�سبهنا جميعا، حتى جاء اأخرج اأبواب المدينة المغلقة الاأبواب، اأخبرني فيه بالفراق، عند يوم اأذكره الاآن، لكنه �سكن قلبي كحمائم بي�ساء كتابه وقراأ علي كلاما لا

اطماأنت ل�سكناها فبنت ع�سا، وو�سعت بي�سها في �سلام، غاب بعيدا.

ال�ساهقة، اأ�سوارها لاأطالع راأ�سي رفعت المدينة، اأبــواب اأمــام وقفت لثامي عن وجهي، ورفعت راية اأزحت اأفكر في حيلة للدخول، واأخذت اأنفي، تزكم "الاإدرنالين" رائحة ففاحت اأنتظر، جل�ست ثم بي�ساء، البوق �سوت ارتفع بقوة، حينما يخفق بقلبي و�سعرت العرق، فغمرني يعلن عن وجود غريب جاء قا�سدا المدينة، فتحوا بابا جانبيا خرج منه غزالا بريا جاء يت�سمم رائحتي، فاألقيت خنجري على الرمال، فالتقطه

بفمه وعاد به �سريعا اإلى الداخل. فتحوا الاأبواب جميعها.

الخوف، ال�سمت، ال�سمت. حيث اإلى بهدوء، ودخلت الناقة اعتليت اإلى الاأطفال رك�ست والخوف، ال�سمت، �سوى هنا �سيء لا الخوف،

164

لي�ست جدران الجدران، خلف فتواروا الرجال اأما اأمهاتهم، اأح�سان انت�سر خلفها، من تحدثوا للاختباء، �سنعوها حواجز لكنها لبيوت، المكتوبة، حقائقه ت�سفحت الحقيبة، من الكتاب فاأخرجت الهم�س، اإلى نظرت "الاإدرنالين"، رائحة زالت اأوكارهم، من جميعا فخرجوا ظهر على من ترجلت اأحداقها، ات�سعت بعيون امتلاأت التي وجوههم الناقة، وحملت طفلة جاءت تهديني دميتها، وترد اإلي خنجري، م�سحت لتها، وقبلت الهدية التي ت�سبه طائرا مفتر�سا، وابت�سمت، على �سعرها، قبالفتيات وعــادت الطيور، حلقت اأ�سواتهم، �سمعت ال�سوت، فارتفع اأو ي�ساألني، اأو اإلي، اأو يتحدث اأحدا لم يرحب بي، تن�سج غزلها، لكن اإلى ي�ستف�سر عن وجودي، ف�سرت مع جموع الرجال في طريق لا اأعلم اأين ينتهي، اأو متى ينتهي، لكن طائرا �سخما كان يهبط فوق روؤو�سهم، ي�ست�سلمون له تماما، ويرفعون له اأياديهم فيقب�س على اأحدهم ويحلق به بعيدا، فيبكون لاأنهم لم يقع عليهم اختيار الخلا�س، اإنهم يبحثون عن

الخلا�س من الخوف اأكثر من بحثهم عن الحياة.

احتواء عيني ت�ستطع فلم هــوؤلاء، يعمل حيث اإلــى الطريق بي انتهى ال�سرح العظيم الذين انهمكوا في بنائه، �سرح يعلوه ع�س �سخم اقترب من اكتماله و�سعوا فيه كل ما يمتلكون؛ طعام، �سراب، وذهب، ده�ست،

165

ت�ساءلت، �ساألت اأحدهم لم يجب، �ساألتهم جميعا عما يبنون لم يجيبوا، لكنهم اأجابوا بعبارة واحدة، في وقت واحد:

-الطيور قادمة من الخلف.

ال�سماء فلم اإلى اإلا تلال الرمال، نظرت اأجد اإلى الخلف فلم التفقت األمح اإلا �سحبا غائمة:

-طيور "القطر�س". قادمة.

-لم اأنتم خائفون؟

-من لا يخف لن ينجو، ومن يمت فقد نجا.

-ا�سنعوا من العيدان �سهاما ورماحا. واقتلوا عدوكم.

-الخوف اأنفى للموت.

-الخوف يموت اإذا اأردنا له الموت.

�سعدت اإلى ال�سرح، ركلت الع�س بقدمي فهوى على الاأر�س، وقفت على قمته، فاأخذ الرجال يقذفونني بالحجارة، حاولوا اأن يلحقوا بي، لكنهم األقيت القمة، من اقتربوا كلما المبثوث كالفرا�س يت�ساقطون كانوا بخنجري لاأعلى ف�سقط الطائر م�سرجا في دمائه، تناثرت الدماء على

166

وجوههم، هبطت �سريعا، فانهار البناء، �سحت فيهم بقوة:

-ابنوا بيوتا. ازرعوا �سجرا. فقد ولى زمان الخوف.

عم ال�سمت، تح�س�سوا قلوبهم، �ساقت اأحداقهم، بانت ملامحهم كما خلقها الله، األقى الرجال ما في اأيدهم من عيدان، �سجدوا جميعا لله رحبوا اآخرها، عن فتحوها المدينة. اأبــواب ناحية رك�سوا ثم �سكرا. وجودي يكت�سفون كاأنهم بي يرحبون اإلي التفتوا ثم اإليهم، بالعابرين ملاب�س ارتــدوا الذبائح، ذبحوا النار، حلقات اأ�سعلوا ــى، الاأول للمرة الطفلة اأتتني جميعا، رق�سوا يرق�سون، الاأطــفــال خــرج مبهجة، بابت�سامتها تحمل في يدها عرو�سا �سنعتها لها اأمامي ال�سغيرة تقف جبهتي، من فقبلتني �سعرها على م�سحت والق�س، القما�س من اأمها اعتليت ناقتي ووقفت اأتاأملهم من بعيد، ثم رحلت عنهم في �سمت، على

وقع الاأغاني الاأمازيغية، ويد طفلة �سغيرة ظلت تلوح لي من بعيد.

حاولت اأن اأفتح كتابي لاأقراأ. لكني لم اأ�ستطع، فقد الت�سقت �سفحاته، وتكرارا مــرارا حاولت الفائدة، عديمة حجرية ككتلة �سار تجمدت، لكن ال�سفحات اأبت اأن ت�ستجيب لرغبتي، قلبت الكتاب يمينا، ي�سارا، اآخر كتاب يوجد ولا الكتاب، هو اأنه لاأتاأكد حقيبتي فتحت هدهدته،

167

غيره، لم اأخطئ اإذا، لم اأرتكب ذنبا عظيما، لم اأفقد يقيني، لم اأجزع، لم اأفزع، اأو اأ�سجد ل�سيطان قط، اإذا فلماذا يعاقبني �ساحب الحكاية؟ وتبت�سم، دموعي تنتظر هناك تجل�س من يا بعذاباتي ت�ستمتع لماذا الذي كلما عثرت عليه الاأمل اأو؟ لماذا تحرمني اأو تبكي، اأو ت�سحك، ر باألف �سراب، ثم ينفجر من حيث لا اأعلم، انتهى، وغاب، واندثر، وتدث

فاأ�سير اإلى حيث لا اأعلم؟ حتما �ساأ�سكوك اإلى الله يوما ما.

�سارت اأنها اأو التعب، اأعياها ربما منهكة، بالاأر�س الناقة ارتطمت مثلي تقف و�سط بوؤرة �سوداء لا ترى منها اأي �سيء �سوى خطوط منزوية ال�سواد، ينبت منه البريق، تقطع كل بريق، ويبقى احتدام تتقاطع مع

بقعا عديمة اللون، وعديمة الرائحة.

مددت المنزل، مفتاح عن ت�ساألني ظهرت"نهاد" بالاأر�س. ارتطمت �سلمته اإيــاه، وناولتها بالغة ب�سعوبة فتحتها الحقيبة، و�سحبت يدي كان "اإمام" الذي للدكتور ف�سلمه خلفها، يقف كان لـ"يا�سين" الذي ففا�س النيل، مجرى في به األقت التي لـ"مانو" ف�سلمه خلفه، يقف ا اأر�س اآخره، ربتت على �سطحه بيديها فجف ماوؤه وبانت الاأعماق عن منب�سطة، فتقدم ابني "يو�سف" الذي كان يم�سي على وجل، فكلما قابله حجر تعثر به، ف�سقط، ونه�س، نه�س، و�سقط، حتى و�سل اإلى المجرى،

168

التقط المفتاح وعاد به يرده اإلي:

- اأنت الاآن وحدك من يمكنه قراءة الحقيقة يا اأبي.

حدقت في ملامحه ال�سغيرة، لم�ستها باأ�سابعي المرتع�سة، فعاد يردد:

- الاآن وحدك من يقراأ الحقيقة يا اأبي.

اختفوا الب�سر، لمح في اختفى ثم فابت�سم، يده، من المفتاح اأخذت جميعا، اأخرجت الكتاب من الحقيبة، و�سعت المفتاح في ثقبه، فانفتح ال�سندوق الحجري الذي ا�ستقر الكتاب داخله، انتزعته ببطء �سديد، �ساحب ها خط وقــد الجديدة الحقيقة فــراأيــت �سفحاته، فتحت ثم الذي ج�سدي �سرايين بين تــدور روحــي فعادت ع�ستها، كما الحكاية نثرت واإذا �سجنت، هبطت واإذا �سجدت، ارتفعت اإذا فالروح د، تجمفت برقت، واإذا اندثرت، واإن مالت ملت، واإذا ا�ستاقت رانت، واإذا تلهيبت زهدت، واإذا �سعدت اأحبت ا�ستكانت، واإذا كرهت �سقطت، واإذا اأ�ساأن قبل رحلتي في اأ�ستمر اأن يجب كان لذلك فنت، بقت واإذا نجت، الرحمة ممن اأ�ستجدي الزمن فاأظل حبي�سا في قمقم الوقت، يفنيني

�ستلقيه الحكاية من جديد ليكمل الرحلة من بعدي.

169

)7- ارتداد(حقيقة الحق م�ستـنـير**�سارخه بالنبا خبيــر

حقيقة الحق قد تجلـت**مطلب من رامها ع�سير

ركد الغبار يتراكم على الجثث المتناثرة، جمع قطاع الطريق غنائمهم، قلوبهم، في رماحهم �سدور زرعــوا ثم الــرمــال، في قتلاهم ودفنوا قائدهم، مقتل بعد اأمرهم �سيتولى من اختيار في يت�ساورون وجل�سوا اأول رجل يدخل �سين�سبون باأنهم اختلفوا، بعدما بينهم فيما فاتفقوا عليهم زعيما عليهم، واإذا اأبى قتلوه، حتى ياأتي غيره وير�سى بما ق�سموه له، فيمنحونه �سيفا، وفر�سا، وفرا�سا وثيرا، وخيمة كبيرة، تحفها ن�ساء بالخير، المحملة القوافل رائحة وي�سم الخطط، لهم فيرتب بي�س، ويرتب لهم لحظة الهجوم، لقطع الطريق، وربما يقتل خلال المواجهة، لكنه اإن اأقام بينهم العدل، ودعا اإلى الف�سيلة قتلوه، فلا حياة بينهم اإلا

170

لقوي ظالم، ا�ستلقى الل�سو�س على الرمال بعد اأن اأقاموا حلقة تلتقي فيها اأ�سنة ال�سيوف، في انتظار القادم المنتظر، فاأثرت الغبار خلفي، امتطيت الناقة، واأحكمت لثامي، وانطلقت نحوهم كالعا�سفة، فنه�س

اأحدهم �سائحا:

-الزعيم قادم.

اأمــام واأ�سهرته �سيفا، التقطت حــذائــي وبــطــرف اأمــامــهــم، توقفت اأماكنهم، فارت�سمت على ملامحهم يثبتوا في باأن واأمرتهم وجوههم، يكبلهم، باأن اأحدهم اإلى واأوعزت ملفوفا، األقيت حبلا فرحة غريبة، وي�سد على اأيديهم فلا منا�س من الهرب، اأو المقاومة، فمن يرفع راأ�سه �ساأطح بها في ال�سحراء، فا�ست�سلموا كا�ست�سلام الحمل الوديع، فنزلت ين�ساع لن ومن عليهم، قائدا نف�سي بت ون�س الناقة، ظهر على من اأن بعد لحمه من تاأكل ال�سواري، للوحو�س فري�سة �ساأجعله لاأوامــري

ت�سويه ال�سم�س، ف�ساحوا جميعهم:

-عا�س الزعيم. ملك ال�سحراء.

عت عليهم القليل من الغنائم، واأ�ستاأثرت ا�ستوليت على �سلاحهم، ووزبالباقي لنف�سي، ف�سربوا لي خيمة كبيرة، وو�سعوا عليها راية �سوداء،

171

بع�س عليها ونــثــرت رملية رقعة ف�سنعت للحرا�سة، �سر�سا وكلبا �ساأب�سط التي ال�سحراء لدروب وهمية خطوطا ر�سمت ثم الح�سى، عليها �سلطاني، واألعب الدور الذي ر�سمته لنف�سي كما يجب، فاأنا الاآن الحاكم المتجبر، القوي، الظالم الذي تمنوه لين�سر الف�ساد في الاأر�س، اأنا، باأن كل �سيء هنا ملكي بلهجة خ�سنة واأخبرتهم اأمامي فجمعتهم حتى اأرواحهم التي ت�سكن اأج�سادهم اأنا الذي اأملكها، اأقتل من اأ�ساء، لا عروقهم في ت�سري ماء جرعة فلا باأمري، يحيا ي�ساء من واأتــرك علم لي بها، فاأحنوا روؤو�سهم على �سدورهم معبرين عن طاعتهم لكل باب لهم واأف�سحت نف�سا عميقا، واأخذت لاأعلى راأ�سي رفعت اأوامري، وي�سارا يمينا فحركته الح�سى، رقعة حول جل�سوا للدخول، الخيمة ووزعت عليهم الاأدوار، ف�سخ�س للا�ستطلاع، و�سخ�س لقيادة الهجوم، وما تبقي منهم فلخو�س المعارك، اأما الغنائم فلي وحدي، لا ياأخذون منها اإلا ما ي�سد جوعهم، فتبادلوا النظرات التي تخفي غ�سبا مكتوما، واأن بد الحياة لا ومانح الحياة، يمنحهم اأنا من باأني ف�سحت فيهم، ب�سفعة فلحقته يعتر�س اأن اأحدهم فحاول �سيء، بكل لنف�سه ي�ستاأثر

قوية اأردته على الاأر�س فاقدا للوعي، فخروا جميعهم طائعين.

و�سمعت الكلب، فنبح بعيد، من للقافلة يغني الحادي �سوت اأتاني

172

اإليهم وذكرتهم جلبة تقطع ال�سمت المحدق خارج الخيمة، فخرجت اأخبرتهم حينما الذهول تملكهم لكن اإياهم، منحتها التي باأدوارهم في مت�سمرين فوقفوا �سلاح، دون من معركتهم �سيخو�سون باأنهم

اأماكنهم، و�سعرت خوفا يت�سلل اإلى قلوبهم، ف�سحت فيهم:

-من يخف يمت، اأو يقتل.

اأخبرنا التي القافلة على الطرق منافذ ي�سدون بخيولهم فانطلقوا وب�سائعها وهوادجها، وكلابها، واإبلها، فر�سانها، عدد عن الم�ستطلع اأ�سم لم لكنني ورغاء، و�سهيلا، و�سياحا، �سراخا، ف�سمعت الوفيرة، انتظرتهم طويلا حتى �ساد، من هو الهدوء كان فقط الدماء، رائحة

عادوا محملين بالغنائم، والن�ساء.

-األقوا اأ�سلحتهم وفروا �سريعا. لم نكن في حاجة اإلى القتل.

ه اأحدهم بتلك العبارة، حينما وقف اأمامي يعطيني التمام، فنظرت تفواإلى يحتاجوا لم فهم التدبر، اإلى يحتاج قاله فما طويلة، نظرة اإليه القتل اأبدا، فقد �سيعوا حياتهم لهثا خلف الدماء لا خلف الغنائم، فبم تفيدهم غنائمهم و�سط �سحراء قاحلة، الغني فيها هو غني ب�سربة ماء، اأن اإلى الن�ساء، واأمرتهم والفقير فيها هو فقير بظمئه للحياة؟ التفت

173

يختار كل واحد منهم فتاة بكرا ليتزوجها، اأما الثيب فيتركوها لخدمتي، فانت�سرت بينهم لغة حانقة لم اأفهمها، لكنني كنت اأعي جيدا ما اأفعله، اإليهم من الغنائم ما يعينهم على العي�س لاأيام، وا�ستوليت على األقيت فان�سقوا على ال�سوت، وارتفع بينهم، النقا�س فاحتدم كاملا، الباقي

اأنف�سهم فريق معي، وفريق علي، وهنا قطعت اللغط قائلا:

- من لا ير�س بق�سائي فال�سحراء ق�ساوؤه.

ف�سمتوا جميعهم، وبقيت اأنا اأ�سهر �سيفي، واألقي باأوامري، هنا، وهناك، والحجارة، الرمال من كبير، بق�سر خيمتي ي�ستبدلوا اأن اأمرتهم بما يكنزونه نهار، وي�سنعون لي عر�سا مر�سعا ليل بنائه يعملون على واأمنحهم جــدارا يبنون يوم كل ف�ساروا وف�سة، وذهب، جواهر، من القليل من غنائمهم نظير ما ي�سنعون، فاأنجبوا بنينا، وبناتا، يفتحون منها اآبــارا وحفروا ياأكلون، منها اأ�سجارا فزروعوا للطعام، اأفواههم ي�سربون، بعد اأن �ساق بهم العي�س، وانقطعت عنهم الغنائم لان�سغالهم

في البناء، ف�سارت �سحراءهم واحة وارفة الظلال.

مرت �سهور طويلة حتى اكتمل بناء الق�سر، فاعتليت عر�سي، وقررت اأن اأ�سع لهم قانونا �سارما، فكل ما تثمره اأ�سجارهم لي، ومن يمد يده على قيد زيتونة دون اإذني فعقابه اأن ي�سلب وتاأكل من راأ�سه الطير، اأو يدهن

174

عليها، ومن الاأر�ــس مالك فاأنا للذباب، طعاما ليكون بالع�سل ج�سده ا قاطعا، وذكرتهم اأن الظلم في فجاءوا يطلبون العدل، فرف�ست رف�س

ح�سرتهم هو نجاة من القتل.

القتل؟

كم كانت تلك الكلمة غريبة على م�سامعهم، فما نطقت به �سار غريبا اأبــدا، بل هو اأبــدا، ولا يظلم وياأكل من زرعه لا يقتل حقا، فمن يزرع اأقوات عن يبحثون عا�سوا الذي هــوؤلاء من حياة على النا�س اأحر�س غيرهم. مرت اأيام علا فيها نباح الكلب، واكتمل القمر حتى �سار بدرا ف�سعرت الاأمــل، رائحة منها تنبعث نورانية كنافذة ال�سماء في معلقا اأبحث التي جئت الكبرى بالحقيقة اأ�سبه �سيئا �سيئا ما، اأنهم يدبرون اإلى اإليها، اإلا منها ولا هرب منها منا�س لا التي الحقيقة اإنها عنها، والمطر، والجمال، والحب، بالخير، الاأر�س تملاأ التي الرائعة الحياة اإنها "الثورة". الثورة على ما �سنعوه لاأنف�سهم وعبدوه، وظنوا اأنه اإلههم الاأعلى الذي يطعمهم لحما بريئا، وي�سقيهم الدماء، فلا ي�سعرون بذنب، ولا بقتل، ولا ب�سراخ امراأة، اأو بكاء طفل، بل ا�ستاأثروا لاأنف�سهم ظلما ي�سبه الوهم، اأو ي�سبه الحق، فزرعوا في الاأر�س �سيوفا ينتظرون منها

175

الرزق، حتى ثقلت جلودهم، وماتت قلوبهم وملاأتها الحجارة.

�سيوفهم وطاحت تتمزق، كادت حتى الخارج في حناجرهم ارتفعت تلمع بالحياة لا بالموت، بل هم الاآن يرغبون في الموت من اأجل الحياة، ال�سماء، له ت�ستجيب الذي ال�سوت هذا اإلا ي�سهره لا الظلم ف�سيف والاأر�س، فتهافت النا�س من كل حدب و�سوب، بعد اأن خلق منهم الماء، التي الحكاية بيد �ساحب ثابته، وفروعه كبيرا جذوره وال�سجر رهطا نعي�سها جميعا، وقفت في م�ست�سرفي اأمعن في النظر لق�سمات وجوههم اأبــدا. تنطفئ لا التي الم�سيء الحق م�ساعل تعلوها التي الغا�سبة، حملت عقب، على راأ�سا وقلبته بالجواهر، المر�سع عر�سي اإلى عدت حقيبتي، وكتابي، وارتديت جلبابي، واأحكمت رباط لثامي على وجهي، ثم امتطيت ناقتي و�سققت �سفوفهم، واآثرت الرحيل اإلى ال�سحراء دون اأن ي�سعروا، وكاأن �ستارا اأ�سدله الله بيني وبينهم، األهاههم عن روؤيتي، الم�سرعة عن الق�سر اأبواب يتدفقون من وهم بعيد اإليهم من التفت

اآخرها. وابت�سمت.

وماذا بعد؟

فالحيوات التي اأعي�سها لا تمنحني ما جئت اأبحث عنه، بل اأنا من يمنح الاآخرين ما ينق�سهم، اأما مخطوطتي المبهمة فما زالت ناق�سة، ولن

176

تكتمل اإلا اإذا طويت كل تلك الجبال، والتلال، وال�سقوق، والرمال خلفي، اأعلم اأنني اأرتكب خطاأ فادحا بالتفكير في مثل تلك الاأمور، فذلك منافي اأم عاجلا، اآجلا اأتلقى عقابا �سديدا �سياأتيني لقواعد الحكاية، وربما التي المطوية الر�سائل اأنتظر اأعد ولم العقاب، اأخ�سى اأعد لم لكنني فالحقيقة اإلي، في حملها اخت�سروا حياتهم الذين الحمقى بها ياأتي التي �سئت اأن اأ�سل اإليها، لن تنتظرني كثيرا، لذلك يجب اأن اأقرر الاآن فاإما اأن اأعود واأتركها ت�سبح في المحيط، واإما اأن اأوا�سل الرحلة واأعود وحملت الحقيبة فتحت ذيله، من الذئب على قب�س من عاد كما بها الكتاب بين يدي، قراأت الحقائق المدونة واحدة تلو الاأخرى، فلم اأجد جديدا فتلك الحقائق ع�ستها بالفعل، ولا اأجد فيها ما ي�سبع رغبتي على الموا�سلة، فيمكنني الاآن اأن اأخط باقي الكتاب بيدي، واأغزل حكايات طويلة وممتعة من ن�سج خيالي بعد اأن زال عني الاإنبهار، فكل الاأحداث من حولي �سارت عادية جدا، حقا اأ�سعر اأنني بت اأبحث عن اللا�سيء، اأو اأنني اأبحث عن �سيء هو في قب�سة يدي بالفعل، قلبت الكتاب يمينا، حته في ال�سحراء، واألقيت حقيبتي بكل ما فيها، فحملتها وي�سارا، ثم طو

الرياح بعيدا اإلى حيث اأرغب، اأو اإلى حيث يرغبون هم.

اأنا حر هبت رياح خفيفة منع�سة، احتفيت معها بتخل�سي من قيودي،

177

عليه يقع مكان اأي وفي مكان، كل في اأ�سير اأن اأ�ستطيع الاآن، طليق الذي يحكم، ويتحكم اأ�سبح هو �سيدي اختياري، فعقلي، وعقلي فقط في كل اأفعالي، اأ�سنع خرائطي، وكتبي، كيفما �سئت، وحيثما اأ�ساء، فما ال�سماء من هبطوا قد والب�سر غائبة حقيقة عن البحث من الجدوى ليملوؤا الاأر�س بالف�ساد؟ فال�سر هو قرين للخير حتى النهاية، واأنا بكتبي، ودفاتري، واأقلامي، وحقائقي مجرد نقطة �سغيرة لن تمزج ماء ال�سر الم�ست�سري في القلوب، والمتربع على عرو�س العالم، فال�سيوف لن ت�سق اأنهارا، والر�سا�س لي�س بذورا تنبت اأ�سجارا، وكل كلمات ال�سا�سة الكبار لن تخلق الحكمة التي ننتظرها لن�سعد اإلى الجنة، فلا معن للخير من دون �سر، ولا قيمة للثواب من دون عقاب، ولا للاأبي�س من دون الاأ�سود، من خالد عالم هي اأجلها، من واأجاهد اإليها، اأرنو التي التي والجنة ذكريات جميلة م�ست ولم تاأت بعد، واأمنيات اكتملت وانقطعت، واأحلام مبهجة واألــوان الخيال، طاقة فاق وخيال عليها، اأح�سل ولم تحققت ا�ستن�سقتها وروائح وافتقدتها، بها تلذذت ومذاقات اأرها، ولم راأيتها جنته له فكل قط، بعدها اأظماأ لا تجرعتها اإذا ماء وحفنات تمل، لا اإلى مدر�س واأعود اأتخلى عن حلمي هذا اأن يبتغيها، لذلك يجب التي التاريخ اأنحني اأمامه، واأقبل يده، واأعتذر له عن تمردي، فيجب اأن اأكون

178

جرة فارغة اأ�سلم له نف�سي ليملاأها بحقائقه الزائفة، كي اأ�سبح ب�سرا عاديا، ياأكل الطعام، وي�سير في الاأ�سواق، ويموت، ويموت، ثم يموت، فلا حياة لمن يحيا كائنا عاديا، ولا حياة لمن يتعلق قلبه بماآرب الب�سر التي

يعي�سون فيها دون اأن ي�سعروا باأن هناك من ي�سعى اإلى ماآرب اأخرى.

اأخذتني، مكان، كل في بي دارت بعيدا، حملتني عا�سفة، ريح هبت ال�سخور، نخرت ارتفعت، وحطت، غا�ست، غا�ست، وجابت، راحت، حمراء، خيوطا ج�سدي حول ن�سجت الاأر�ــس، مزقت ال�سدور، �سقت لفته كمومياء فرعونية متمردة، لم اأ�ستطع الخلا�س، بل �سرت كفري�سة اأقاوم لم الاأخير، م�سيرها وتنتظر فخها، في وقعت التي العنكبوت قفزت �سريعا، انطلقت القدر، اأو للعقاب، تماما ا�ست�سلمت بل اأبــدا، بي اإلى اأعلى، �سقت رتق الحكاية وال�سفحات المدونة، وقذفتني و�سط و"يا�سين" ابني الزحام، اأقاوم �سيارتي اأقود المدينة، حيث �سو�ساء يجل�س في المقعد الخلفي ي�سهر "ت�ساكي" في وجه العابرين، ولا اأحد اأي اأعيرها اأن دون �سريعا عبرت اأنــا حتى الحمراء، للاإ�سارة ينتبه اهتمام، واأخذت اأتمل�س من بين ال�سيارات كحية رقطاء ناعمة، واأقفز بجلدي نفدت حتى والجزر، الخ�س، على الح�سول يريد بري كاأرنب الجديد اإلى منزلنا، لم تكن "ت�ساكي" بالن�سبة لي كائنا غريبا، بل كانت

179

اإن�سان ومبتكرة، �سنعها رائعة جدا دمية القتل �سيمياء تحمله من ما ملهم.

الم�سعد، و�سيانة والماء، الكهرباء، بفواتير العمارة بواب ا�ستقبلني �سهورا عنها غاب كــزوج ت�ستقبلني "نهاد" فلم اأمــا الاإيــجــار، ل وو�سوربما �سنينا طويلة، بل اأملت علي اأوامرها الع�سكرية بمجرد اأن راأتني، فمعطفي لا بد واأن اأنزعه واأعلقه على م�سجب جوار الباب، وحذائي لا بد واأن اأطهره واأ�سعه في خزانة الاأحذية، اأما حقيبتي فمكانها المكتب، توج بل الوحو�س، منها ي�ستثن ولم مزرعته "يا�سين" يبني عاد بينما اأو المعدول، اتجاهها في الاأحــداث كل ف�سارت عليها، ملكا الاأ�سد اإلى كتبي اأبدلت ملاب�سي، ونظرت اإلى مكتبي بعدما ال�سحيح، دلفت القابعة في المكتبة الكبيرة، وانفجرت �ساحكا، فتلك العقول الحمقاء قد �سيعت عمرها هدرا، وبقينا نحلم اأن نتغير، فالاإ�سارة الحمراء هي ي�ستطيع الذي للاأقوى والغلبة المتقاطعة، الطرق يزين �سوء مجرد تعلن الحائط الفو�سى، دقت �ساعة رايته فوق ركام ينت�سر ويرفع اأن قطاف �ساعة جديدة من عمري الق�سير، فالتفت اإلى عقرب الدقائق فتفاجاأت باأنه يتبختر في الاتجاه المعاك�س، فرك�ست اإلى غرفة النوم، "الكمود" وقراأت تاريخ ال�سلاحية الذي ال�سجائر من واأخرجت علبة

180

والزمن ثابتة باتت الاأحداث اأن فاأيقنت كاملة، �سنوات �سبع عليه مر هو من تغير، الاآن اأنا اأرى كل �سيء عاديا جدا، بعد اأن تخليت عن بحثي بج�سدي واألقيت متباطئة، بخطوات مكتبي اإلى عدت الحقيقية، عن �سريعا على الكر�سي الهزاز، ثم �سغطت زر الريموت لتنطلق مو�سيقى " ت�سايكوف�سكي" لم اأفكر بعدها اإلا في "اأنا"، نعم اآن لي اأن اأفكر في "اأنا" فقط على وقع تلك الدقات التي ت�سرب الجدران برفق، وعنف، وحمق، ودهاء، لم اأذكر اأي �سيء مما م�سى، اأو مما �سياأتي، فاللحظة الحالية هي ملكي، ويجب اأن اأقب�س عليها بكل قوة قبل اأن تنحدر اإلى وديان الما�سي، فت�سبح ملكا للجميع، فلماذا اأقطع كل تلك الم�سافات، واأنا ما زلت هنا؟ لماذا لا اأعي�س ككائن بوهيمي يفكر فقط في قوائم الفواتير الطويلة التي تنتظره كل يوم، وتمر من اأمامه كل الاأحداث وهو لم�سارع وي�سفق �ساق على �ساقا ي�سع المتفرجين مقاعد في يجل�س الثيران الغبي؟ لماذا اأحمل قلما دائما في جيبي جوار القلب تماما واأظل اأدون من ي�سقط، ما ي�سقط من بني الب�سر ليقروؤوه وهم م�ستلقين على

ظهورهم ويحت�سون القهوة ويدخنون ال�سجائر، والغليون والنرجيلة؟

انتهت المقطوعة.

كان؟ عن عملي كيف يومي الت�ساوؤلات عن "نهاد"، عزف وبداأ عزف

181

وطلابي؟ وعن بائعة الكتب الفاتنة التي تعتر�س طريقي كل يوم لتبيع لي كتبا اأتخم بها مقعد ال�سيارة الخلفي دون اأن اأقراأها؟ لم تترك لي م�سافات ولو قليلة للاإجابة، بل ظلت ت�ساأل، وت�ساأل، وت�ساأل، وتحدثني عن والدها �سابط الجي�س المغوار، الذي �سحى بحياته، وبيته من اأجل ف منزلنا على موؤدبة الغداء، الوطن، ثم في النهاية تخبرني باأنه �سي�سرمتوا�سع، رجل حقا اإنــه الع�سكرية، ونيا�سينه حرا�سه، من متجردا يف�سح قلبه للجميع، وين�ست للجميع، ويتحدث قليلا، كم تمنيت موته، مقعدي يحتل الذي حياتي لكل المنغ�س هذا حياتي، من اختفائه اأو على راأ�س الطاولة، ويجل�س بكل قرف ينتقد كل اأفعالي، وكل كتبي، وكل �سنعوا من هم فالع�سكريون �سانعها، نف�سه يعتبر التي مخطوطاتي

التاريخ كله، بل هم من يمنحونا الحياة.

في ميدان "طلعت حرب" وتحت التمثال تماما قابلت الاأ�ستاذ "اإدري�س" �سريعا، تذكرني المعهود، بقرفه اإلي فالتفت ناديته التاريخ، مدر�س وقبلتها، يــده على انحيت العظيم"، "ب�سامبليون يلقبني كــان حيث واعتذرت له عن كل ما �سدر مني واأنا طالب �سغير لا يعي اأن الفرن�سيين لمئات ر�سيد ظل الاإغريق، فحجر ولي�سوا الف�سل علينا، اأ�سحاب هم طلا�سمه، يفك اأن يحاول اأو اإليه يلتفت اأن دون مكانه في ال�سنين

182

لم و�سعها رجل نعلم ولا نعبر من جوارها التي تماما المرور كاإ�سارة �سخيف اأراد اأن يعطل بها طابور الفو�سى الجميل؟ و"�سامبليون" وحده من جذب انتباهنا باأن في هذا المكان حجرا ي�ستطيع به اأن يغير مجرى التاريخ، فربت على كتفي مبت�سما وقبل اعتذاري، ثم ان�سرف منت�سرا

على الولد الغبي الذي اأراد اأن ي�سبح بطلا ي�سفق له زملاوؤه الموتى.

في الجامعة جل�ست اأمام طلابي اأتاأملهم، فالمحا�سرة اليوم لن تكون كما الاأيام ال�سابقة، فلي�س هناك ما ي�ستحق اأن اأقطب وجهي من اأجله، ولا داعي اأن اأتظاهر بجدية لا تتعدى رابطة العنق، واأظل اأكبت داخلي مهرجا �سخما ظللت اأقب�س عليه ل�سنوات طوال دون جدوى، فالحقائق يكتمون واأهازيج ا ق�س�س اإلا هي ما الغلمان هــوؤلاء عوالم في الثابتة �سحكاتهم اأمامها، واأمامي، فلا طائل من �سردها طالما اأنها لا ت�سيف �سيئا جديدا اإلى حياتهم العبثية، ف�سمحت لهم باإلقاء الاأ�سئلة والحديث للمرة الاأولى، فما اأوؤمن به لم يعد له مكان الاآن بينهم، فاأخبرتهم باأنني اأعتبر "الجاحظ" اأول ر�سام "كاركتور" في العالم عندما ر�سم بورتريه رائع في "ر�سالة التربيع والتدوير" ل�سديقه "محمد بن عبد الوهاب" بالكلمات والو�سف الدقيق، واإنه في النهاية مات موتة اأ�سطورية يتمناها اأي مثقف عندما �سقطت الكتب فوق راأ�سه فاأردته قتيلا، فانده�س طالب

183

قائلا:

-اأيعقل اأن تقتله الكتب بهذه ال�سرعة؟

فاأجابه طالب اآخر: ربما من ي�سجل التاريخ خ�سي اأن يكتب باأن الاإ�سعاف اأتى متاأخرا.

ف�سحكوا جميعا، و�سحكت معهم، واأيقنت اأخيرا اأنني قد اأ�سعت عمري كله خلف وجه عاب�س لن يغير في روؤو�سهم اأي �سيء، فمن اأردت اأن اأبحث

له عن الحقيقة قد مات، اأو قتل، اأو اأنه لم يولد بعد.

اقتربت مني طالبة ت�ساألني عن ا�سمي، اأو هيئ لي ذلك، فمحا�سرة اليوم لم يكن "مازن" هو من يلقيها، بل �سخ�س اآخر ا�ستيقظ �سباحا، وارتدى بدلته الرمادية، وذهب اإلى الجامعة لي�ستمع اإلى طلابه، ولا يثرثر هو، اأنا�س لم تخرج نظراتهم عن اإليهم بحقائق خطها اأن ظل يقذف بعد فاأجبتها الخيال، تفوق التي حقيقتهم، يتلقى اأن ون�سي الماعز، رقاع

بابت�سامة عري�سة:

-اأنا متفرج جديد.

هزت كتفيها م�ستغربة، وان�سرفت تتلفت خلفها، وكاأنها تبحث عن �سيء ما، ربما تبحث عن "مازن" ذاته، لكن كيف لها اأن تعثر عليه وهو ما زال

184

يبحث عن نف�سه و�سط ركام العالم كله؟ لكنه لا يعلم اأين يكون، اأو كيف تاأخذه بل والاأفعال، والاأماكن، الاأ�سياء، لنف�سه يختار لا فهو �سيكون؟ ريح، وتذهب به اأخرى، اأما اإذا قرر اأن يختار طريقه عاد من حيث بداأ، وفقد كل حيله التي يعي�س بها حياته كما يريد، الاآن تجبره كل الاأ�سياء على ي�سير اأ�سبح حتى والتعاريج، الاإنحرافات من مجردة يراها اأن خط م�ستقيم، فالاأغبياء وحدهم هم من ي�سلكون الخطوط الم�ستقيمة، لنف�سي فاأ�سنعه اأعي�سه الذي النعيم اأما نعيم، في يعي�سون لذلك هم كما �سئت، فبيتي اأعي�س فيه كما اأريد اأن اأعي�س، وعملي اأركن اإليه كما اأ�ستهي، لكنني غفلت اأن لكل هذا وجه واحد فقط، يراه النا�س جميعا، معها ويتعامل بينها، ويعي�س كثيرة، وجوها ير�سم من وحدي لكنني وي�سايرها، فمن يبحث عن الحقائق البعيدة لا ت�سغله حقائقه القريبة التي لا تنفع، ولا ت�سر، لاأنها �سهلة المنال، لذلك اأتركها لمن ين�سغل بها، لكنني اليوم فقدت كل �سيء اختيارا، بعد اأن اأ�سعت كتابي بيدي، وتركته

يذهب هباء.

على �ساطيء النيل جل�ست على المقعد الخ�سبي لاأ�ستمتع باللحظة قبل اأن ت�سبح في عداد الما�سي، لكن دفقات البرد بداأت تطاردني، فزاد من ت�ستيقظ بــداأت قد عود دندنات كانت الموا�سلة، على اإ�ــســراري

185

في جال�سا �سيخا فراأيت النغمات، تقبع حيث اإلى فالتفت ما، مكان المقعد الموازي لمقعدي، اأخذت اأتاأمل الحلقة المنعقدة حوله من باعة )الترم�س والحم�س، والذرة(، وهم يرددون خلفه بان�سجام ي�سفي على وعنيا(، بروحي اأفديه عليا، فر�س الوطن )حب وحياة بهجة النف�س مقاومة، ــى اأدن دون من معهم اأن�ساب وبـــداأت الحلقة، اأمــام توقفت اختيار اإلى اأحنو الاآن لكني اأحد، يمتلكها لا الع�سافير كما فالاأوطان مثقل بالحجارة، لاأن حياتي لم يعد بها �سيء اأراه، ولم تعد في �سوارعنا حفنة دفء اأكتب في اأح�سانها كلمة وطن، فالوطن الاآن لبطل م�ستعار،

الوطن الاآن ي�سدقهم، وينخدع بهم، اأما هوؤلاء في�سدقوه.

اأخذ الكورني�س، على بداأتها التي رحلتي لا�ستكمال ال�سيخ رافقني يحدثني عن زمن الطرب الاأ�سيل، و"�سارع محمد علي، وعماد الدين واأم الوهاب، وعبد حجازي، و�سلامة المهدية، منيرة عن حدثني ثم كلثوم"، ثم توقف لي�ساألني عن �سبب وجودي في مثل هذا الطق�س على

�ساطئ النيل، فاأجبته دون تردد:

- اأتيت لاأدندن معك.

رمقني بنظرة ا�ستغراب، ثم ربت على كتفي، مبت�سما:

186

- ومن ي�ستمع اإلى نغماتي لا بد واأن يعود اإلى حقيقته يوما ما.

- لقد فقدت كل �سيء.

ال�سباب، خلفه عني طارحا ان�سرف ثم للحظات في ملامحي حدق كثيرا، بف�ساحته اإعجابي يدم لم جــدوى، دون لكن يعود باأن ناديته علي األقاها مبهمة كلمة مجرد من اأهــم هو بما م�سحونة فخواطري رجل تجاوز ال�سبعين عاما وان�سرف، وقفت وحيدا اأمام �سفحة النيل ا�ستيقظت لكنني بالروعة، �سدري وملاأت القاهرة، باأ�سواء العامرة على �سوت من ي�ستغيث بي من الغرق، ودون اأدنى تردد خلعت �سترتي، على قب�س لكنه اإنــقــاذه، مــحــاولا النيل مجرى فــي بنف�سي واألقيت لم الخارج، اإلى بقوة دفعني ثم �سحيقة، هوة اإلى مع�سمي، وجذبني ال�سحراء في كانت بل ينتظرني، الذي واقعي النيل هو �ساطيء يكن يها، وتقف ا�ستقبالي، نظرت حولي فراأيت ناقتي تحمل حقيبتي بين فكفي انتظاري، تح�س�ست ج�سدي العاري، ونظرت حولي لاأ�سطدم بالفراغ، الفراغ مرة اأخرى هو من يربح، ارتديت جلبابي، واأحكمت وثاق لثامي، في و�سرت بقوة، �سدري اإلــى الكتاب اأ�سم واأنــا الناقة، امتطيت ثم طريقي لاأكمل رحلتي التي لم تنته بعد، لكن دندنات العود كانت لا تزال تتردد في اأذني، واأ�سياء اأخرى من هنا، وهنا، وهناك، لم اأن�سع لل�سم�س

187

ف�سقطت يغادرني، اأن ياأبى الذي واقعي اأو الجديد، لونت حلمي التي اأنا�س يعتليها �ساهقة راأيت من خلالها جبالا زرقاء، اأمام عيني هالة وينادون ب�سوت البعيد، للقادم من بها يلوحون يحملون رايات �سوداء اأ�سلك طريقي اأن اأعلم- لكنني قررت اأتقدم- لا اأو اأن توقف، مقطوع الطويل، فالحقيقة تنتظر على اأي حال عند خط النهاية، وما المنع اإلا

رحمة يبتغى منها عطاء خالدا.

فتحت الكتاب فراأيت حقيقة كبيرة كتبت لم اأع�سها، لكنها �ساخ�سة بكل اأحداثها، اأخذت اأقراأ بنهم عن ملك اأحاط مدينته باأ�سطورة خرافية، ل عقولهم اإلى �سناديق خاوية، فمن حكم بها �سعبه �سنوات طويلة، فحومن يحرم ما �سيئا يبتكر اأو عقله، يعمل اأو يفكر، اأن نف�سه له ت�سول العي�س بينهم، فيطردونه خارج الاأ�سوار لته�سمه معدة الوح�س ال�سخم من فرائ�سه منتظرا المدينة ليحت�سن الطويلتين زراعيه يمد الذي ففتحوا مات، قد يحكمهم من اأن اأخيرا اكت�سفوا لكنهم الملعونين، الاأبواب، وتدفقوا اإلى الخارج، فا�سطدموا بحماقتهم، عندما اكت�سفوا اأن الوح�س الراب�س في الخارج، ما هو اإلا ريح هوجاء ت�سرب التلال، المنتفخة، وبطونهم روؤو�سهم الخوف، فتح�س�سوا ي�سبه فت�سدر خوارا

ال�سامرة، و�ساحوا باأ�سوات متواترة:

188

-ع�سنا كثيرا، لنموت طويلا.

فاأيقنوا اأخيرا اأنهم بلهاء، فخروا �ساحكين، عندما راأوا مدينة اأخرى اآخر ملك يحكمها بالموت، عليهم حكم من ي�سكنها مدينتهم خارج مدينتين، بين معلقين حياتهم من تبقى ما فق�سوا الاأغبياء، يمقت لهم واحــدا حجرا اأهلها يترك لم واأخــرى باأيدهم، هدموها مدينة

ليقيموه.

اأن ينفذ من واأراد األقى بكتابه للريح، اأحمق �سحكت كثيرا على رجل عوالم الحقيقة، اإلى عالم ف�سيح ي�سبه الحلم الطويل الذي ينتهي بالموت، فندمت لاأنني لم اأع�س تلك الحقيقة الرائعة، وظننت اأنني لا طاقة لي بتلك الرحلة التي ا�سطفاني من اأجلها �ساحب الحكاية، فطويت كتابي، لت�سق الخطى ت�سرع بــاأن الناقة اإلــى واأوعــزت �سدري، اإلــى و�سممته الطريق، فما بداخلي من نهم للمقبل اأ�سحى اأقوى بكثير من رغبتي في العودة �سفر اليدين، فجموع "القبالا" التي تتخم راأ�سي بالاأفكار اللزجة اأبلي�س على اأق�سم اأن تغويني بالحياة الزائلة، كما اأق�سمت على نف�سها نف�سه اأن يغوينا جميعا لنبقى مخلدين في الاأر�س، لكنه ن�سي اأننا ننفذ من قبورنا لل�سماء مرة اأخرى، لذلك اأنا على يقين باأن ناقتي النحيفة �ستقودني اإلى الجنة، هناك تحت ال�سجرة، على حافة المحيط، حيث

189

يجل�س المحارب الاأعمى في انتظاري يحمل في حجره حقيقتنا جميعا، خاوية، طرقا الله لها يجعل لا فا�سلة بمدينة تنتهي التي فالهجرة م�ستقيمة، بل يجب على كل مهاجر اأن يخو�س حربا طويلة حتى ي�سل اإلى مبتغاه، فما قيمة الو�سول اإلى النهاية من دون حكمة كبيرة تت�سرب اإلينا من دون وعي؟ نظرت اإلى الهالة الزرقاء التي �سقطت اأمامي مرة اأخرى لاأرى اأنا�سا يحملون نع�سا يطوفون به ال�سحراء، ويخرجون منه ج�سدا باليا، يوارونه الرمال في حفرة �سغيرة، مرت لحظات رفعوا فيها اأكفهم لل�سماء يدعون الله، فخرج منها رجل فتي قتلهم جميعا، واألقى بهم في مكانه، واأهال عليهم التراب، فده�ست لما تاأتي به تلك الهالة ده�ستي اأرجــاأت ثم الحكاية، �سياق عن خارجة متقطعة اأحــداث من لربما اأمر بتلك الاأمم في طريقي، يوما ما، واأ�ستعير منهم �سربة ماء،

اأو ك�سرة خبز.

دخلت في واد بين جبلين اأ�سودين، يجري من تحتهما نهر من جليد، اأما على الجانبين فكانت اأبوابا �سخرية مغلقة، توقفت الناقة عند المدخل المظلم الذي تت�سابك فيه الحجارة، واأبت التحرك، فاأيقنت اأنني يجب الينابيع بين و�سرت كتابي، تاأبطت وحــدي، الرحلة تلك اأخو�س اأن وطاأت حتى خفي، �سوء اأثر على تبرق ك�سلالات حولي من المتدفقة

190

قدماي طريقا نحيفا كال�سراط، من تحته تت�ساعد الاأبخرة من بركان ات�سع قدم، حتى قدما، خلف اأنقل الخطى، اأعد وكاأنني م�سيت ثائر، تنتهي بن�سف �سم�س �سفراء تنحدر بي الطريق ف�سار ك�ساحة كبيرة مالحة بركة في اأ�سبح كاأنني ف�سرت العرق، غمرني الغروب، نحو و�سل ماوؤها اإلى الاأذقان، فرفعت كتابي لاأعلى خ�سية اأن ت�ساب اأحباره �سبحت. يحميه، درع للكتاب بــاأن تذكرت ما �سرعان لكنني بالبلل، الاأر�ــس، تطال قدماي تعد فلم ينتهي، �سيء لا لكن كثيرا، �سبحت وفقدت ال�سعور بج�سدي الذي يحمل راأ�سي، فطفت على ال�سطح خيوط حمراء، تت�سابك، تلتف، تتلوى كاأفعى، حا�سرتني من كل جانب، حتى �سدت علي كل �سبل الماء، نظرت اإلى اأعلى فلم اأر �سوى �سماء حجرية تملاأ الفراغ العلوي، لقد اختفت ال�سماء الزرقاء، واختفت معها النجوم وال�سم�س والقمر، �سقط الكتاب من يدي محدثا حلقة كبيرة وكاأن حوتا �سفع ذيله بالماء، ليبقى هو وليغرق من يغرق، فت�سبثت به بكلتا يدي، عن ال�سر ينح�سر متى ال�ساطيء، نحو يحملني ورق من قاربا ف�سار هذا العالم، وتكف "القبالا" عن غزلها؟ لكن الفوز بالنهاية يحتم علينا ال�سباحة و�سط النيران كي نحتفي بلحظة الو�سول، غرفت حفنة بيميني من الماء، فراأيت رموزا من الحقيقة تظهر في كفي وتختفي، فاأدركت

191

المطر اأ�ستقبل الكتاب فوق وقفت ال�سحيح، الطريق نحو اأ�سبح اأنني بالاأمل، لتتخم �سدري اأخــرى، مرة تعتليني �سماء الله اأن ظهرت بعد بينما ظلت تقترب ملامح جزيرة من بعيد، يبرق منها �سوء خافت، فاأنا "الحلاج" الذي غزل بيديه اأخبار مدائن قد م�ست، فا�سطفاه �ساحب اأن ظن الجاهلون يوما الاأ�سرار ليكمل غزل حكايته التي لم تنته، بعد اأن اأحرفه قد طم�سها الماء، اأنا الواثق، الموثوق بوثاق العهد الذي عقده واقتربت، الم�سافات فتباعدت واأدنــى، واأدنــى، واأق�سى، اأق�سى، بين وق�ست، ولانت، فبت اأجمع كل الخيوط نحو نقطة واحدة ي�سعى اإليها من امتلاأ قلبه باليقين، فبات يرى الله في نف�سه، اأكثر مما يرى نف�سه، ويرى وال�سماء، الاأ�سجار، في ويرى الله يرى غيره، مما اأكثر في غيره الله قلبه واأ�سبح الــورى، فزهد يرى، ما يرى مما اأكثر والمطر، والاأنهار

معلقا بالذكر.

192

193

)8- حقائق مهملة(�سر ال�سرائر مطــوي بـاثـبات **في جانب الاأفق من نور بـطيات

فكيف والكيف معروف بظاهــره ** فالغيب باطنه للذات بالـــذات

والحكمة، بالعقل المو�سوف اأيها و�ساهد، وتمعن الاإن�سان، اأيها ا�سمع الحياة معجزة ظهرت منذ اأربعة مليارات من الاأعوام، واأنت لم يم�س لكنها اإنها حقبة ق�سيرة الاأعــوام، األف من مائتي �سوى على وجودك الكوكب على باتت حياتكم الاأر�ــس، حتى تــوازن كافية لاختلال كانت اآثار ن�ساأتكم الاأولى، في البداية الاأزرق مهددة بالزوال، هنا �ست�ساهد لم يكن كوكبكم �سوى كتلة نارية م�سطربة تكونت من ال�سم�س وانف�سلت �ساأن و�ساأنها الف�ساء، في ت�سبح غبارية جزيئات من �سحابة عنها،

194

العديد من المجموعات المماثلة في الكون، لكن هنا حدثت المعجزة، معجزة الحياة.

هذه الحياة التي تعي�سها اليوم-حياتكم- لي�ست �سوى حلقة من �سل�سلة لا تح�سى، ولا تعد ولا تنتهي من الكائنات الحية التي توارثت الكون على مدى اأربعة مليارات عام، فحتى اليوم مازالت البراكين الجديدة ت�سكل ميلادها في الاأر�س ن�ساأة من ا بع�س معها فت�ستعيدون اأر�سكم معالم الاأول، �سخور من�سهرة تفور من باطنها ت�سبح �سلدة، تت�سقق تعتليها الزمان، من ردحا تخمد ثم نحيفة ق�سرة هيئة في تنب�سط النتوءات في وتتلوى ت�سبح، رقيقة الاأر�ــس جوف من الدخان �سحب تت�ساعد الاأثير لت�سبح �ساهدا حيا على جو ذلك الزمان، جو خال من كل معالم الحياة ومثقل ببخار الماء، كانت الاأر�س قفرا، لكنها وعدت بم�ستقبل دنوا تدنو فلا ال�سم�س، تغازل الاأر�ــس ظلت الماء، لها خباأه مده�س يحرقها، ولا تبعد بعدا يجمدها، توازن عجيب حفظ لها ماءها �سائلا ال�سماء، فانهمر المطر، اأو�سالنا، تبخر الماء، وتكاثف في يجري في جرت الاأنهار، ف�سكلت بان�سيابها معالم �سطح الاأر�س، �سقت القنوات، ياب�سة، تدفقت بمياهها، حتى الوديان، وتركت الجزر كما هي حفرت من المعادن انتزعت طريقها في المحيطات، فتكونت البقاع، اأدنــى

195

ال�سخور، و�سيئا ف�سيا، اأ�سبحت مياه المحيطات العذبة مثقلة بالملح.

من اأين اأتيتم؟

واأين قدحت اأولى �سرارات الحياة؟

معجزة من معجزات الحياة هي حقيقة الحياة.

اأن قبل كله، وكياني روحــي، علي مــلاأ الــذي الرخيم ال�سوت �سمت الجوز باأ�سجار الملتفة الجزيرة اأر�س على واحدة بقدمي خطوة اأطاأ اأن عاد بعد المياه، كتابي من انت�سلت الاأر�س، الدانية من الق�سيرة، كما كان كتابا عاديا قديما، ربما لا يلفت اإليه اإلا اأنظار هوؤلاء المغرمين يبد لم اأنه ورغم �سمعته، فيما اأفكر وظللت الغابرة، الاأزمــان بحقب اإلا واقعا علميا ربما �سمعته، وقراأته اآلاف المرات، اإلا اأنه جعلني اأعيد التفكير مرة اأخرى في تلك المعجزة التي ان�سطرت عنها كل الحقائق ة الغائبة، لكن اأخذتني �سهيتي اإلى ثمار الجوز فرحت اأقطف منها، حب�سخمة، وانهلت عليها بحجر حتى انفلقت، ف�سربت من ع�سيرها الذي �سبعا �سبعت الثمار حتى اأكلت من ثم الن�ساء، في مذاقه مذاق ي�سبه �سوى اأحد، لا كتابي حيث اأحمل م�سيت اإليه منذ زمن طويل، ا�ستقت يقيمون كع�ساق اأوراقها فبدت غريب، بنظام تقاطعت قائمة اأ�سجار

196

حفلا للتزاوج اللطيف، رفعت راأ�سي اإلى اأعلى، فراأيت ثمار الجوز وقد نحتت عليها رموز متتالية من المخطوطة، فتلك ال�سجرة تحمل حقيقة "جون "بناء الاأهرام"، وتلك ال�سجرة تحمل بين ثمارها حقيقة مقتل حقيقة تحمل وهذه المقد�س"، "الكتاب حقيقة تحمل وتلك كندي"، بحيرة حقيقة"وح�س تحمل هناك المائلة وال�سجرة برمودا"، "مثلث التي هذه وال�سجرة هتلر"، "نهاية حقيقية فتحمل تلك اأما لوكن�س"، بجواري تحمل حقيقة "وح�س الثلج"، اأما ال�سجرة التي تنت�سب اأمامي لغز تحمل "التي وتلك وتلك، وتلك، �سليمان"، "هيكل فتحمل حقيقة الجوز على ثمار بين اجتمعت العالم قد والموت" اإنها حقائق الحياة كل من الحجارة جمعت الــرمــال، �سحراء من انبثقت نائية جزيرة مكان بعد اأن حاولت جاهدا اأن اأ�سعد الاأ�سجار المل�ساء، واأخذت اأقذف الثمار، واأحطمها واحدة تلو الاأخرى، لكنها كانت خاوية، فبزغت ثمار اأخرى مكانها تحمل الحقائق ذاتها التي اأ�سبتها حجارتي، فاأدركت اأنها اأتيت من اأما حقيقتي التي اإلا لمن جاء يبحث عنها، اأبدا لن تنك�سف تلك الحكاية على �سطح ربما قذفني �ساحب لكن فلي�ست هنا، اأجلها للعالم باأن لكل لغز �ساحبه الذي �سياأتي الجزيرة فقط ليطمئن قلبي كله بلحظة الاإنك�ساف، الاآن اأيقنت اأن اآثارنا الغريبة على تلك الاأر�س لا

197

يمكن اأن تنتهي حتى ن�سل اإلى الحقيقة الكاملة.

دارت بي الجزيرة حول نف�سها، مرة تلو الاأخرى حتى تبدلت كل الاأماكن، الاأر�س، تملاأ اأخرى طرق وت�سعبت والثمار، والاأ�سجار، الحقائق، كل قليلا ابتعدت فاأ�سغر، اأ�سغر طريقات اإلــى فت�سعبت منها، اقتربت وقديم، جديد، ونــور، ظل، بين ممتدا ج�سرا �سارت حتى فاندمجت عذب ومالح، حياة، وموت، حار، وبارد، حقيقة، ووهم، جمال، وقبح، ت�سكننا التي التناق�سات اإنها و�سر، خير وحزن، �سعادة، وكره، حب، واأحايين بر�سا، اأحيانا فن�سعر اإليها، منها نعبر حياتنا طوال فنظل عن عدلنا ذلك قررنا اإذا ثم الانتحار، اأو الموت، في برغبة اأخــرى الفكرة �سريعا، وعدنا نوا�سل العبور مرة اأخرى، حتى تتخلى التناق�سات عن ثنائيتها، وتبقى معلقة في اتجاه واحد فقط، فاإما نور يملاأ الدنيا، واإما ظلام يواري من اختار العي�س فيه، فلا تبقى له ذكرى تحكى ولا اأثر يرى، فيعبر اإلى الجانب الاآخر كاأنه لم يعبر، ويعود كاأنما لم يعد، الجانب اإلى اأعبر واأن لابد لذلك بغيابه، اأحد ي�سعر اأن دون وي�سقط يد واألف اإلى هناك اأ�سل لتبقيني، حتى قمي�سي تقد يد واألف الاآخر

تمتد اإلي ت�ستقبلني، هكذا يعي�س من كتب عليه اأن يغير وجه العالم.

الجوز اأ�سجار ودعــت بعدما الجزيرة، من الاآخــر الجانب اإلــى نفذت

198

المل�ساء، فا�ستقبلتني �سحراء قاحلة بي�ساء مليئة بالنباتات ال�سائكة، كروؤو�س فتناثرت الرياح، قذفتها التي الجافة الجوز ثمار من وبع�س اآدمية دفنت اأج�سادها في الرمال، قلبت نظري هنا، وهناك علني اأجد ما ياأخذني معه اإلى حيث يجب اأن اأكون، لكنني لم اأ�سطدم باأي �سيء، اأثرا خلفي اأتــرك اأن دون كتابي حاملا البي�ساء الاأر�ــس على ف�سرت واحدا، وكاأنني طيف عابر، كانت الاأر�س نا�سعة كالملح، وناعمة كالثلج، ومائعة كاللبن، و�ساخنة كرتق الفرن، لكنها لم تكن موؤلمة، فاأخذتني المتلاطمة باأمواجه البحر اأمــام انتهيت حتى معي، �سارت اأو معها، الهوجاء، مددت ب�سري حتى اعتر�سني خط النهاية، فجل�ست اأفتر�س المكافاأة هو فالبحر المهاجرة، النوار�س اأ�سراب اأراقــب ال�ساطئ، الكبرى التي ير�سلها الله لمن �ساق �سدره لهثا خلف الحقيقة، اأمعنت على تباعا تنعك�س اأخــذت والتي عرفتها، التي الوجوه لكل النظر في �سفحة الماء الم�سطربة، حتى جاءني وجه واحد لم ي�سبق لي اأن راأيته، كان وجها �ساحبا، تقاطعت فوقه خطوط �سوداء تركها الزمن، لكنه ظل مبت�سما، ابت�سمت له، فغا�س في القاع، ثم قفز يحمل فوق راأ�سه كتابي، اإلى �سدري، و�سممته بقوة، فاأخذته يدي، كان لايزال في كتابي لكن الرياح، تحركه ماء وكاأنها داخله تتلوى الحقائق فراأيت فتحته ثم

199

فاأخذت اأقراأ منه، واأتمتم، واألتهم ال�سطور، واأحفظها في �سدري، لكن يدا كانت تمتد اإلى كتفي وتربت عليه من الخلف، فالتفت، فاإذا بناقتي تقف ت�سرب بقدميها الاأر�س، وتاأكل من خ�سا�سها، فابتهجت لوجودها، اأمتطيها واأكمل رحلتي، لكنها اتجهت ناحية البحر اأرخت قوائمها كي القرف�ساء، اأجل�س فوقها واأنا من الاأمــواج، وت�سارع الماء، في تمخر الحكاية، �سخو�س بكل حولي اجتمع الذي الاأزرق العالم على واأتفرج الكل يغرق اأما اأنا فاأطفو كقطعة فلين مغرورة، توقفت الناقة، انتف�ست، تمزقت، حتى �سارت جبلا �سخريا �ساهقا خرج من باطن البحر، رفعت �سوء، بي�ساء من غير اإلى ثم عادت ال�سماء، في فاختفت لاأعلى يدي فاأيقنت اأنه الوعد الاإلهي العظيم، فالرزق معلق ها هنا، يهبه الله لمن ي�ساء، والحقيقة التي جئنا نبحث عنها كما الرزق لا تنقطع اأبدا، حملت

كتابي لاأعلى فتلقفته اأياد من نور، و�سمعت �سوتا يقراأ علي في خ�سوع:

اأنت اأيها الاإن�سان حقيقتك فيك وما تبـ�سـر، وحقيقتك منك وما ت�سـعـر، هذه بعد واأنــت الاأكبر، العالم انطوى وفيك �سـغير، جرم اأنك تزعم الحياة الق�سيرة تظن اأنك خالد لا تبيد، تحيا، وتن�سر الف�ساد، فتموت اإن �سئت على الخير، اأو ال�سوء، فتبعث وتح�سر، وت�ستاأنف حياة الكرامة الوجود، في مهمتك �سر اأدركــت كنت اإن والمقامة، النعيم دار في

200

ا اأنت فيه من فاأخل�س العمل للملك المعبود، وما هذا الج�سم اإلا قف�سالم�سجونين، وثوب تخلعه اإلى حين، ثم يعود لك يوم الح�ساب، فام�س عند الاأر�ــس تنتهي حيث هناك الدنيا جنان تجد حيث طريقك في

المحيط، اإلى المحيط".

وتطوف ال�سماء، تبتعد حيث ال�ساطيء، اإلى �سريعا الناقة بي عادت النوار�س، فجل�ست منهكا تحت ظل �سجرة، اأحاول اأن اأ�ستوعب ما �سمعته، وما لم�سته بيدي، لكن لا وقت لدي للتوقف اأمام اأحداث الحكاية، فكل الاأفعال لا بد واأن تم�سي كما يجب اأن تنتهي، الاآن يجب اأن اأبحث من حولي عن طريق طويل يخت�سر رحلتي، ويهديني اإلى ما جئت من اأجله قبل اأن تعبر ت�سقط حبة الرمل الاأخيرة اإلى الجانب الاآخر، وينتهي كل يلتفت لا جدا، عاديا �سيئا الحقيقة وت�سبح اإليه، اأ�سل اأن قبل �سيء األا يجب لذلك الو�سول، مقومات كل هوؤلاء منحني فقد العالم، اإليه اأخذلهم، فربما هناك من ينتظر ما �ساآتي به كي يحيا من موت محقق، اأو ي�سفى من مر�س ع�سال، فالحقيقة التي لا تغير ما بقوم هي كثمرة

جوز فارغة، �سقطت من فوق �سجرة عاقر.

اجتمعت مجموعة من الفتيات �سبه العاريات يغت�سلن بدلال من عين ماء على بعد خطوات مني، فاأ�سحت بنظري عنهن، فلما اكت�سفن وجودي،

201

اختفين جميعهن في الهواء اإلا فتاة واحدة، ظلت تقترب مني بخطوات حثيثة، فواريت عيني بكفي خجلا، لكنها جل�ست اأمامي، واأزاحت كفي ببطء �سديد، فاأب�سرتها وقد اكت�سى ج�سدها بغطاء لامع ي�سبه اأ�سداف بحمرة ب المخ�س بال�سمار المتموج لوجهها النظر في اأمعنت البحر،

الطبيعة، فابت�سمت، ثم قالت بلهجة بربرية �سريعة:

-اأتيت من رحلة طويلة، واآن لك اأن ترتاح.

- لا وقت لدي للراحة فالوقت لا يرحم مثلي.

- ثق اأن في ح�سرة الجمال يتوقف الزمن.

-رحلتي لم اأبتغ منها متعة اأبدا.

-اإن الحقائق تحتاج اإلى القليل من المداعبة يا رجل.

-بل الحقائق لا تنتظر من يداعب فتيات الطريق.

- نحن حقيقة اإن ع�ستها لن ترحل عنها اأبدا.

- لذلك لن اأ�ستجيب اإلا لمتعة الطعام وال�سراب.

-فتاة في يدك خير من األف حقيقة على ال�سجرة.

�سحكت كثيرا، فما قالته ي�ستوجب ال�سحك، ثم �سرت معها على حافة

202

واإلى حينا، الاأعماق ي�سكنون الذين قومها حكايا اإلى اأ�ستمع الماء، غنائها ال�سجي حينا اآخر، حتى انتهى بنا ال�ساطيء عند �سل�سلة جبال قرمزية رائعة ت�سربها الاأمواج، للحظات ثم تتركها لت�ستلقي عليها اأ�سعة �سريعا، الفتاة فوقه قفزت كبير، كم�سرح حجري بدت ال�سم�س، حتى تغني، واأخــذت وي�سارا، يمينا، المفتر�س جمهورها تحيي وانحنت ا غجريا مثيرا، تقاطع مع هدير الاأمواج وترق�س حافية القدمين، رق�سالمتك�سرة تحت قدميها، فتظاهرت بعدم اكتراثي بما تفعله، لكنها ظلت ت�سحبني اإليها رغما عني، تبعثر بع�سي، وبع�سي، فاح ال�سوت من بين �سفتيها كما العطر، قاومت وجهها الثمل بالجمال، تراجعت، ارتع�ست اأو�سالي، ف�سالت اأنوثتها �سحرا على ال�سخور، غنج ودلال، وتوابل تنك�س براكين الجنون، اأفلتتني من بين يديها، فنظرت اإلى ج�سدها الاإن�سيابي في ذهول بينما تحولت قدميها اإلى زعنفة كبيرة دفعتها اإلى القفز في اأفعال اإلى تتحول ظهورنا لها ندير عندما الغواية اأن فاأيقنت المياه، جميلة، تعود بها اإلى �سيرتها الاأولى، اأما اإذا ان�سعنا اإليها نتحول معها اإلى اأقبح حقيقة في الوجود، فدماء العا�سقين التي تمر في العروق هي األوانا من اأنبتت فاإن فا�ست بالحب �سيل من عقيق طاهر مزجه الله الجنة وبقي جرحها بابا يعبر منه المحبون اإلى مدائن الف�سيلة، لذلك

203

كان يجب األا اأفقد ف�سيلتي اأبدا .

اأن تختفي التي خلفتها وراءها قبل المتتابعة الماء اإلى فقاقيع نظرت تماما في القاع، و�سعرت للمرة الاأولى بوح�سة قا�سية، فما اأحوجني الاآن اإلى رفيق يحدثني فاأ�سمعه، واأحدثه في�سمعني، فتلك ال�سحراء القاحلة �سارت لي وحدي، ولا �سيء اآخر �سوى ال�سماء، والرمال، والجبال، وحداء ففتحت للفراغ، ال�سمع اأ�سغيت كلما بعيد من ياأتيني الــذي القوافل كتابي للحظات، ثم طويته في بطء، و�ساألت من يقف بعيد يراقبني في �سمت دون اأن اأراه، عن كل هذا الذي ي�سعه في طريقي كي اأراه، بعد اأن ت�سابكت الاأحلام بواقعي الذي انحدر من راأ�سي ككرة وبرية تلتقط الحابل، والنابل، حتى اأ�سبحت كل الاأحداث كخيوط متداخلة لا تلتقي، فبت لا اأفهم، ولا اأعي، ولا اأ�سدق ما اأنا فاعله، �سرخت باأعلى �سوتي عله ي�سمعني، لكن �ساع �سوتي، و�سعرت ب�ساآلتي التي بت اأمقتها، فلا عودة مجدية، ولا طرقا ت�سيء، اأو تنتهي، فقط اأ�سير نحو الماء كحجر تدحرج من فوق جبل لا �سيء يعتر�سه، �سوى �سظايا تتطاير من حوله، قوانين وي�ساير فيتفتت، اإحداها، ت�سدمه اأن ويتمنى عليها، يتفرج الطبيعة؛ �سماء تنادينا دائما، واأر�س تجذبنا، نحوها بقوة، حتى نن�ساع المطر، فاأعود الرياح، وي�سقطنا ترابا تحملنا اإليها فنتلا�سى ون�سبح

204

فطنها عا�س مرتاحا، اأروعها من حقيقة، من اأتيت، ما معه من حيث في البالية الاأوراق األقته كبير فمجنون اأنا اأما بعقله، محتفظا ومات كتابا، راأ�سه اإلا من جاء يحمل فوق فيها ي�سير الوهم، لا ت�سبه دروب اأهداها له رجل طارقي، ويم�سك في يده حقيبة �سوداء، ويمتطي ناقة النهاية وترك بنف�سه، بدايتها غزل التي حكايته عقر في فجاأة قفز كاد جدار جوار وي�سعها قبلته، عليها يطبع الاأخير، التوقيع ل�ساحب اأن ينهار، وعلي اأن اأ�سل قبل اأن ينق�سي كل �سيء، وت�سبح حكايتي كلها في عداد العدم، وكاأنني فاأر �سغير، األقوه في متاهة و�سعوا في نهايتها

قطعة جبن، على �سبيل المكافاأة.

اأتت اأنازع وقع الاأقدام المتتابعة التي وطاأت الاأر�س الحجرية ال�سلبة اآثار بقيت بعدما األفتها، لكنني لاأ�سحابها، وجــود ولا دقاتي تزاحم وقع اأقدامي را�سية في اأماكنها كلما غادرتها، فتلك ال�سخور الوفية لا وكاأنها غريب، تناغم في الخطى كل فتجتمع يطاأها، من اأبــدا تن�سى �سيمفونية ع�سق تحمل لحنا خالدا لا يزول اإلا بالموت، توقفت الدقات فجاأة وبقي �سوت العكاز الذي جاء يتكئ عليه رجل ي�سعى من اأق�سى ال�سمال متدثرا ببردة بالية، وغطاء للراأ�س اأحنى داخله راأ�سه فاأخفى لي�س للخلف، بخطواتي فتراجعت وجــل، في اأمامي توقف ملامحه،

205

اأجبرني على التقهقر، ولكنها المهابة من اللغز الذي خوفا هذا الذي رت في الاأر�س تنطوي عليه ماآرب القادم الغريب، لملمت جاأ�سي وت�سماأ�سار لل�سخور بع�ساه لاأقراأ الر�سالة التي بانت من عنوانها الغام�س، فعادت تعج دقاتها بقوة، ثم مر جواري غير عابئ بوجودي، لكنه التفت اإلي ياأمرني اأن اأتبعه اإلى حيث ينمو الع�سب خلف الجبل المنت�سب في كلها الاأحــداث وكاأنما �سريعا و�سلنا قد كنا وهناك ال�سحراء، قلب اأ�سبحت في عداد الما�سي في التو واللحظة، حتى اأنني لم اأ�سعر متى على المر�سوم الوقت لاأح�سي بعد، يرتد لم فب�سري هنا، اإلى اأتيت جبين الطريق الممتد نحو تلك الغابة ال�سا�سعة، لم يتحدث الرجل �سوى بكلمات معدودة، اأو اأنه لم ينطق اأبدا بكلمة واحدة، جثى على ركبتيه، م�سندا عكازه على �سخرة نتاأت جواره، ثم اأخذ في خلع بع�س الاأع�ساب ا من الغبار، ها في خرجه القما�سي، ثم نثر عليها بع�س من جذورها، د�سالتفت اإلي واأمرني اأن اأفعل مثلما فعل هو، فان�سعت للاأمر، لكنني قبل

اأن اأبداأ في عملي، قب�س على يدي بكلتا يديه قائلا:

- دع عيدانك تنمو بين كفيك قبل اأن تقتلعها.

- لكنها �ستموت اإذا خرجت من اأر�سها.

206

- اجعل من الموت حياة يا فتى.

- الموت هو الموت يا رجل.

- اإذا ف�ستموت الحقيقة بين يديك قبل اأن تولد.

- علمني كيف تكون الحياة.

- كن دائما الاأقوى و�ست�سل اإلى مبتغاك.

الربيع جاء العيدان، فظلت تزهر وكاأن مددت يدي وبداأت في اقتلاع فاقتلعت واأثــمــر، جنيته، الــذي بهذا كثيرا �سعدت كفي، بين يتربع التراب، العيدان على نثرت ثم حقيبتي واأتخمت والمزيد المزيد تن�ساب بخطوات اأتبعه فرحت الناقة، وامتطى الرجل ع�ساه، ناولني لمعرفة ولهي وي�سدني رغبتي، تجذبني ، علي من المنحدر الماء كما المقبل المغمور بين طيات المجهول، فراح ي�سدح، وينادي على الحياة، الاأر�ــس، بين طبقات المر�س اأرداهــم ممن القبور اأهل على ينوح ثم �سجيرات فوقهم نبتت من اأع�سابه عن علاجهم، حتى زيوت فعجزت من �سبار، تطعن باأ�سواكها قلوب الاأحياء، لتنذرهم باأن مالهم اليوم، ا، اأما اإذا �سيكون عليهم غدا، وما اأتع�س الاألم اإذا ما اأ�ساب قلبا مري�س

ق�سد قلوب الطيبين؛ فنجاة.

207

حط بقدميه اأمام النهر، غ�سل اأع�سابه في الماء الجاري، واأخذ يع�سرها في قارورة �سغيرة دواء ي�سفي ال�سقيم بمقدار، وقدر، هكذا قال الرجل حينما بادرته بال�سوؤال، لكنه ن�سحني اأن اأتعلم �سنع دوائي من اأع�سابي،

فكل اإن�سان اأدرى بدائه، وبدوائه، �سمت قليلا ثم تحدثت:

ا �سيدي. -ل�ست مري�س

باألوان الماء فانفجر النهر، في بقارورته األقى ثم �ساخرا، لي ابت�سم الدنيا ال�سبعة، فمرت الاأحداث من اأمامي كوم�سة �سريعة، ثم عاد كل في فاأمعنت جار، ونهر زاهية، وزهور �سافية، �سماء كان، كما �سيء النظر لوجهه الذي تو�سطه الظل، فراأيت عالما ي�سبح بين عينيه، فيه الكثير والكثير من الحقائق والب�سر، لكنني لم اأر نف�سي بينهم، فاقترب

مني قائلا:

-المر�س الذي ي�سادقك لا ت�سعره، لكنه حتما �سيقتلك.

-وكيف اأ�سنع له دواء واأنا اأجهله؟

ناولني قارورة �سغيرة من زيت داكن، ثم اأردف قائلا:

-في تلك القارورة يكمن دواء كل �سيء، انثره على اأع�سابك، واطحنها على و�سوء بحجر ي�سبح با�سم الله، ثم �سب عليها من دموعك ما يكفيك

208

من البكاء، واتركها فوق هذا الجبل �سبع ليال يكتمل فيهن القمر، ثم انتظر حتى تمطر ال�سماء، خذ الخليط و�سب عليه من مهجتك قطرتين، ينبع من الذي النهر اأ�سقامك من ج�سدك كما هذا �ستندفع كل وهنا قلوب الاآملين، وعندما ت�سعر باأنك ت�ستهي كل النعم، اقترب من النا�س واحمل عنهم الاآلام، كن حكيما بف�سائل الدواء، واإياك اأن تظن اأنك اأنت ال�سافي، واإياك اأن تن�سى اأن الدواء يف�سد لو طال قلبك مر�س، اأو موت.

ازه ورحل، مرت الاأحداث �سريعا، اأخذت بما ن�سح، بعدما ترك لي عكالليلة في الخليط من انتهيت حتى عجيب نظام في توالت تتابعت، ال�سابعة، فو�سعت زيت اأع�سابي ممتزجا بدموعي، ودمائي في القارورة، لينهم العليل على واأنادي القرى، اأخبار من اأجمع الوادي اإلى ونزلت من دوائي في�سفى باإذن الله، لكن لا مجيب، فظلوا ينظرون اإلي باأعين يائ�سة، غير عابئين بدوائي، فتلك القرى دائما ما ت�سكنها دمعة طفل فالمر�سى تنتهي، ولا الاأمد منذ لها ننتف�س امراأة و�سرخة تجف، لا هنا اأ�سحاء يموتون من دون اأن ي�سيبهم مر�س، فقط ي�سقطون كحبات البرد، ويختلطون بالتراب، ثم ي�سبحون لا�سيء مع طلوع ال�سم�س، اإذا فلا حاجة لهم لل�سفاء من مر�س لا يعلمونه، ولا قيمة للدواء طالما اأنه لا ينقذهم من الموت، فنثرت عليهم من غبار اأع�سابي، ورفعت العكاز

209

ج اأتفر فوقفت والحجر، والنا�س، الاأر�س، غ�سل المطر، فانهمر عاليا عليهم من بعيد وهم يرك�سون باأرجلهم في حلقات الماء، فكانت لهم فعي�سى داء، لكل ذي ي�سلح الدواء كل فلي�س و�سرابا، باردا، مغت�سلا النبي نزل في قومه يحيي الموتى، ويبرئ الاأبر�س، والاأكمه، والاأعمى، باإذن الله، �ساحب الاأمر، لكنهم تجبروا، واأغ�ستهم اأب�سارهم، فظنوا اأنهم قتلوه م�سلوبا، فظلت قلوبهم ي�سكنها المر�س، فالمر�س الذي لا يجعل منك اإن�سانا اآخر هو �سيطان، والدواء الذي لا ي�سفي قلبك هو �سم

يقتلك، ويقتل فيك كل من حولك.

كانت الناقة ت�سير على غير هدى بين الدهاليز المحدبة، حتى انتهى بها الم�سير في قلب قرية خاوية اإلا من اأكواخ متناثرة ن�سجت من ق�س، وج�س، و�سوت الاأنين الذي يلف الفراغ، خرج منها الاأطفال تباعا حفاة عراة، ت�سمخ من اأفواههم رائحة الموت، فتقدم طفل من بينهم، توقف المتجعدة، اأ�سابعه بين كا�سفا عن ك�سرة خبز يده لي ثم مد اأمامي، يده في قــارورتــي من ف�سببت خجلا، وجهه احمر عليه، فرددتها

قطرتين، حدق في وجهي قائلا:

- �ستتمنى مني ك�سرة خبز يوما ما.

210

-ل�ست في حاجة للخبز يا �سغيري.

-واأنا ل�ست بحاجة اإلى دوائك.

-لكن المر�س ي�سكنك.

-كلنا مر�سى �سيدي الحكيم.

-�ستموتون جميعكم اليوم، اأو غدا.

-الدواء لا يمنع قدرا.

-اأعطني خبزك، وخذ دوائي.

-خبزنا لا نمنحه لمحتاج �سيدي.

ال�سغيرة، راحته و�سط و�سعته ما اإليها ورد يدي، من القارورة اأخذ ورفعها اأ�سبعيه بين نق�سان، ح�سرها الخليط كما هو من دون فعاد لاأعلى لتتقاطع مع اأ�سعة ال�سم�س، ثم األقاها اإلي، فتلقفتها دون اأن اأنب�س بنبت �سفة، وبعد لحظات من النظرات الطويلة المتبادلة، اأوماأ براأ�سه التي الاأكواخ اإلى رفاقه من الاأطفال، فتتباعت خطواتهم الحثيثة نحو اختفى بب�سري حتى ب�سره معلقا مبت�سما ان�سحب ثم ي�سكنون، فيها

تماما وكاأنه لم يكن.

211

اأ�سبه �سيء قلبي وفي هــدوء في ورحلت بيدي، القنينة على قب�ست نوع طوال اأي من بتعب اأو قط، باإجهاد اأ�سعر لم الم�سنون، بالخنجر رحلتي، بل كان قلبي هو ما يوؤلمني دائما بهذا ال�سعور الذي يهاجمني اأنظر كالاأبله الاأخير بابه وقفت على م�سهدا غير مفهوم، اأنهيت كلما المفتوحة الــفــرج تلك ي�سد ما اإلــى اأ�سل علني خلفي الاأحـــداث لكل الغبار عنها اأزيل اأن بعد بالحقيقة اإلا ينتهي �سيء لا لكن من حولي، وتجرعتها الدواء قنينة فتحت ال�سنين، اآلاف منذ عليها تراكم الذي اأنا الاآن، فاأنا اإلا اآخرها فبعدما عافتها قبائل المر�سى فلي�س لها عن المري�س الذي لا داء له، واأنا ال�سحيح الذي لا يفيد مع اآلامه نكران، دارت بي الجبال وال�سموات، والاأر�سين معا، فحلق الطير ي�ستهي ج�سدي اإياها، وبت بلا حياة اأمي اأر�سعتني التي بعد مماته، فتجمدت دمائي ميلادي، يوم باأوجاعه �سرخت الذي األمي فهدني وجداني، في تدب وتجردت من حياة تبعث في النف�س حياة، فياليتني كنت ترابا، ياليتني

كنت حجرا �سقط من جبل اإلى قبر �سقائي.

ا�ستيقظت من موتي الطويل فكانت تقف خلف النافذة الزجاجية تتابع ندف الثلج المت�ساقطة في الخارج، فغزا ج�سدي �سعور بالبرودة، مددت ا من حبيبات الدفء، ناظري نحو المدفاأة الم�ستعلة، جذبت منها بع�س

212

نقحته الرتو�س، من بع�س منها بقي الخارج، في اللوحة ر�سم اكتمل لوزات الجليد في تتابع، كرة من اأع�ساب برية دحرجتها الرياح من اأعلى البيانو ت�ساعدت، اللوحة، نغمات اإلى اأ�سافت �سكلا جديدا اله�سبة، بمقطوعة 'البجعات' من مو�سيقى 'ت�سايكوف�سكي'، التفتت نحوي فبان لي وجهها الجميل الذي تتو�سطه عينان زرقاوان ينع�س فيهما لون الغدير،

ثم قالت في هدوء:

-اأنت هنا في ماأمن من اأوجاعك �سيدي.

- من اأنت بحق الله؟

-لا ت�ساأل كثيرا فتاأتي الاإجابات بما لا ي�سرك.

-لا وقت لدي. فيجب اأن اأ�سل قبل فوات الاأوان.

-هنا يتجمد الزمن �سيدي.

فتحت خزانة ملاب�سها واأخرجت منها عكاز الحكيم، وحقيبتي ال�سوداء، وناولتني اإياها، واأردفت قائلة:

-كل �سيء على ما يرام، فقط عليك اأن تنعم بوقتك هنا.

-هل فقدت ال�سحراء �سيدتي؟

213

- الحقائق دائما ما تكمن بين اللاحار واللابارد، واللاعذب، واللامالح �سيدي.

بعد ورحلت بت�ساوؤلاتي، اإليها لاألقي الوقت من المزيد تمنحني لم من فنه�ست �سكنت، ثم النغمات، تقطعت الباب، خلفها اأو�سدت اأن فرا�سي لاألقي بنظرة على الم�سهد في الخارج، فراأيت ناقتي تقف و�سط �سديد، برد ج�سدي فطال الغرفة اإلى عدت انتظاري، في ال�سحراء المدفاأة اإلــى فاأ�سرعت جديد، من الت�ساقط في الثلج ندف وعــادت البورتريه على عيني وقعت بينما الــدفء، منها اأ�ستجدي الحجرية المعلق على الجدار اأعلى ال�سرير المعدني، حيث كان يجل�س المحارب في اآخر اللوحة التي ك�ساها البيا�س يمد ب�سره نحو الاأمواج المتلاطمة في المحيط، غير عابئ بالفتى ال�سارد الذي يقف جواره متاأبطا كتابه، ومم�سكا بلجام خاو، اأما على الجانبين فكانت ظلال متداخلة مع �سوء �سم�س لا وجود لها، ومعالم اأخرى غير وا�سحة تبدو كروؤو�س غير مكتملة الجدار، من فاقتربت ال�ستاء، غيوم و�سط ملامحهم �ساعت لب�سر اأتح�س�س الخطوط الزيتية ال�سفافة، فدبت في اللوحة الحياة، واأخذت الاأعداء، فيها اختلط بحرب اأ�سبه ع�سوائية حركات تتحرك و�سارت والاأولياء لكن خلت نهايتها من الموت، وقف الفتى ي�سيح باأعلى �سوته

214

في وجوههم جميعا، فانفجر المحيط يمزج كل �سيء، وبانت الحقيقة فعادت اللوحة عن يدي رفعت النهايات، كل و�سعت اأجلها من التي

الاألوان كلها اإلى �سيرتها الاأولى.

عدت اإلى فرا�سي، وعادت مقطوعة "البجعات" تملاأ المكان بمو�سيقاها ت�ساوؤلات كثيرة، ولا الهادئة، و�سرت مخلوقا وديعا يطرح الكلا�سيكية ينتظر الاإجابة، فقط يريد اأن تنتهي الحكاية في وقتها المحدد، فيلقي ا�ستراحوا متى الحقائق عن الباحثين لكن وي�ستريح، الثقيل بحمله تنهار كل البديات، وي�سبح العالم كله نحو نهاية النهاية، فتتلا�سى كل الاأحداث، ويتحطم اللوح الكبير الذي يحمل م�سائرنا، فيفقد الما�سي خيط الم�ستقبل، ويفقد الم�ستقبل خيط الحا�سر، وت�سبح كل الجمادات هلامية ينفذ منها ذباب الاأر�س، لذلك فنحن من خلقنا الله لنمنح كل

الاأ�سياء خوا�سها، ون�سفي على الاأ�سماء كلها معانيها.

بالجميل، له اأدين فبت والكثير، الكثير الحكاية �ساحب منحني لقد بعد اأن علمني كيف اأف�س ختام الر�سائل المغلقة، وكيف اأبداأ حكايتي، وكيف اأ�سلك الطريق، كما ا�ستبدل ب�سري بالب�سيرة، وخوفي باليقين، الاأحياء، قلوب في تنمو �سغيرة ببذرة وقلبي الحياة، باإك�سير ودمائي وعقلي بحجر لين لا ينبهر بالاأ�ساطير، لذلك يجب اأن اأمنحه اأنا النهاية

215

التي يرت�سيها، كما جاءت في الكتاب، كم اأتمنى اأن اأ�سل للنهاية كما جاءت في الكتاب.

ركلت امراأة خم�سينية باب الغرفة، اأدارت وجهها ت�سق اأجواء المكان، نظرت اإلى نظرات ثاقبة، اتجهت �سوب النافذة الزجاجية، اأخذت تقلب المت�ساقطة، الجليد لوزات من ا بع�س �سهرت في�سارا، يمينا ب�سرها ملامحها ات�سحت اللوحة، اأطراف من اقتربت البرية الاأع�ساب كرة يمتطي القادم، بال�سخ�س اللوحة تباعدت الجليد، بذرات الممتزجة زحافات للتزلج، مخلفا وراءه خطين من ال�سواد، لوزات الجليد قامت البريد �ساعي بدا المعالم انك�ساف مع والتنقيح، التلوين من بدورها الت�سفح من لحظات بالر�سائل، المنتفخة وجعبته المخملي بمعطفه بوجه الاأر�س وترقب للقادم ثم اختفاء في النف�س تبعته دقات على باب

الغرفة الحبي�سة.

- من؟

- الخادمة: ر�سالة يا �سيدتي

- ادخلي ودعيها على المن�سدة.

فتحت الخادمة الباب في هدوء، دلفت الحجرة، وو�سعت الر�سالة كما

216

اأمرتها.

- الخادمة: تاأمرين ب�سيء اآخر �سيدتي؟

- اخرجي ولا تاأخذي معك حفنات من الهواء الدافئ.

الباب جذبت للوراء، بتراجع الزجاجية النافذة نحو الخادمة نظرت اأم�سكت المن�سدة، مــن ال�سيدة اقتربت الاآخـــر، وجهه مــع وغــابــت

بالر�سالة، تفح�ستها بعناية، ثم التفتت نحوي قائلة بلهجة حادة:

- الر�سالة تخ�سك، لا تفتحها اإلا بعد خروجك من هنا.

- لا اأعلم كيف اأتيت اإلى هنا، كما لا اأعلم متى �ساأرحل؟.

- عندما ت�سعر اأنك في حاجة اإلى المغادرة. ارحل فورا.

التي الزرقاوين العينين ذات الفتاة ا�ستدعت ثم الر�سالة، ناولتني ا�ستقبلتني للمرة الاأولى في هذا العالم الثلجي الغريب، واأمرتها اأن تقدم ا من ق�س�سهم، ثم تتركني لي الطعام، وال�سراب، واأن تحكي لي بع�سوتطفيء الاأنوار، وتغادر الغرفة، فغابت الفتاة للحظات ثم عادت تدفع اأما مذهبة، اأوروبية اأطباق في و�سع فخم، اأر�ستقراطي طعام عربة طاقم ال�ساي فكان ي�سير اإلى الع�سور الو�سطى، جل�ست جواري تطعمني

217

بيديها �سطائر التوت الاأزرق، ولحم البقر، مع �سراب القيقب اللذيذ، ثم �سردت بعيدا وبداأت تحكي:

لي وير�سل ليلة كل اإلــى ينظر الثلج رجل يقف كان منزلنا �ساحة في قبلتين قبل اأن اأخلد اإلى النوم، كانت قد نحتته جدتي منذ �سنوات طوال، واأوهمتني اأن هذا الرجل الذي ينتظر في الخارج هو اأبي بعد اأن ك�ست ج�سده بمعطفه الاأزرق، وغطت راأ�سه بقبعته الفرو ال�سوداء، واألقت فوق اإليه كل �سباح من تلك اأنظر رقبته �سملته ال�سوفية الحمراء، فظللت ولا الغليون يدخن لا لماذا هكذا؟ اأبي يقف لماذا واأت�ساءل النافذة، ي�سرب القهوة، ولا ياأكل الطعام؟ حاولت اأن األم�سه في غفلة من جدتي التي حرمت على الاإقتراب منه لاأي �سبب من الاأ�سباب، لكنني �سعقت حينما اكت�سفت اأنه يعاني من البرد، فاأتيت له بالخ�سب واأ�سعلت النار من حوله كي ي�سعر بالدفء، لكن عندما اأتى ال�سباح كان قد ان�سهر، جرفتها فقد قبعته اأما الحمراء، و�سملته معطفه، �سوى منه يتبق لم الرياح بعيدا، فاأ�سارت اإليها جدتي واأخبرتني باأن اأبي قد رحل غا�سبا لاأنه يكره النار، ووعدتني باأنها �ستبني لي اأبا غيره في اليوم التالي، لكن عندما دخل الليل حكت لي ق�سة جندي خرج اإلى الحرب، وترك فتاته ال�سغيرة في اأح�سان جدتها بعدما فقد زوجته تحت ركام الثلج هناك

218

اأ�سفل الجبل الذي انهار عندما لام�سته ال�سم�س، ف�سار من يومها يكره النار، ويع�سق الثلج الذي طوى جثمان حبيبته فكان اأحن عليها من كل �سم�س، لكن الجندي الذي وقف على باب منزله يقبل ابنته، وراأ�س اأمه لن اأنها دموعها تم�سح وهي جدتي لي فاأق�سمت يعد، لم رحيله، قبل ت�ستبدله برجل اآخر بعد اليوم، وعلى اأن اأعي جيدا اأن اأبي قد مات، اأو قتل، اأو ربما �سل طريقه اإلينا و�سط البيا�س، اأنهت الفتاة ق�ستها، ثم

تنهدت قائلة:

-اإنها الحقائق المهملة �سيدي.

-اإنها اأوجاع لا بد واأن تنتهي.

-الموتى فقط هم من لا ي�سعرون بالاألم.

نه�ست من مكانها واتجهت �سوب النافذة الزجاجية، ثم ت�ساءلت:

و�سط انتظارك فــي ناقتك راأيـــت النافذة تلك مــن نظرت -حينما ال�سحراء األي�س كذلك؟

-نعم. راأيتها بالفعل.

في الثلج تلال بين هناك يقف اأبــي اأرى منها اأنظر حينما لكنني -

219

انتظاري.

�سمتت للحظات، وبعين زائغة عادت تتحدث:

-كل له حقيقته التي يبتغيها �سيدي.

اأ�سدلت ال�ستار، واأطفاأت الاأنوار، فعم الظلام، وارتفع وقع اأقدامها على الاأر�سية الخ�سبية في الخارج، لم اأعد اأرى اأي �سيء، اأو اأ�سمع اأي �سيء، كله �سديد غزا ج�سدي ببرد ف�سعرت النافذة، اأمر في للتفكير فعدت بعدما خمدت نار المدفاأة و�سارت رمادا، فتمنيت لو اأغادر هذا المكان، اإلى مكان اآخر، فاأطبقت جفوني، وتح�س�ست فرا�سي، فا�سطدمت يدي اإلى من كل يت�سرب الرمال، و�سعرت بدفء الدواء خاوية على بقنينة ناحية، فعدت اأفتح عيني فراأيت قر�س ال�سم�س يتو�سط ال�سماء، وناقتي من نحن اأننا الاآن فاأيقنت ال�سا�سعة، ال�سحراء و�سط جواري تجل�س ن�سنع الحقائق كما ن�سنع الداء، والدواء، فما اأجملها حياة بعد موت، ونجاهد اإليها، نرنو التي فاإن جنة الله بحياة، ينتهي اأروعه موت وما تاأت ولم اأنف�سنا هي عالم خالد من ذكريات جميلة م�ست اأجلها من عليها، نح�سل ولم تحققت واأحلام وانقطعت، اكتملت واأمنيات بعد، ولم نرها، ومذاقات راأيناها واألوان مبهجة الخيال، وخيال فاق طاقة

220

اإذا ماء تمل، وحفنات لا ا�ستن�سقناها وروائح وافتقدناها، بها تلذذنا تجرعناها لا نظماأ بعدها قط، و�سخو�س، وحكايات ناأن�س بها بعد وح�سة

اأرهقتنا في دنيا اأ�سبه بقبر كبير، دفنا فيه بعد ذنب.

عثرت على الر�سالة التي �سلمتها لي امراأة الثلج في حقيبتي ال�سوداء، فتحتها �سريعا، فراأيت الرموز نف�سها وقد بدت تحدثني بما تحمله لي من م�سير خط لي مقدما" �سر مع القافلة ولا تلتفت لنباح الكلاب"، اعتدنا قديم مثل اإلى اأعادني الذي الهزلي الر�سالة لفحوى ابت�سمت اأحدهم، يمار�سها التي ال�سيا�سية، الفذلكة لحظات خلال نطلقه اأن عميقا نف�سا ويجذب القهوة، ويرت�سف �ساق، فوق �ساقا ي�سع حينما يعي اأن دون ويعتر�س، ويحلل، يبرر، وياأخذ المحلية، �سيجارته من اأن ون�سي بوجوده، تعباأ اأو اإليه تلتفت اأن بالفعل دون ت�سير القافلة اأن تبددت حينما ابت�سامتي انتهت هو، يق�سده الاأول ن�سفه في المثل رموز الر�سالة، واأ�سبحت قطعة الرقاع خاوية تماما اإلا من بقعة �سغيرة اأن �ساحب فاأدركت رويدا حتى اختفت، رويدا، تتلا�سي �سوداء، ظلت اأ�ستعد اأن الحكاية عاد يمار�س هوايته المف�سلة في الكر والفر، وعلي

جيدا لرحلتي الجديدة.

221

)9-القافلة الأخيرة(عجبت منك ومنــي**يا منـيـة المتـمنـي

اأدنيتـني منك حتــى**ظننت اأنـك اأنـــي

بعيد، اإليه من الدائرة لاأرى ما و�سلت اأقف قليلا خارج اأن بد كان لا بعد اأن �سحبني �ساحب الحكاية اإلى حيث يريد، ولي�س اإلى ما اأردته اأنا، فقد جئت لاهثا خلف حقيقة مبهمة لا اأعلم كنهها، ولا �سكلها، ولا هدف كل وتكاثرت الاأحــداث، وامتزجت الطرق، فاختلطت اإليها، الو�سول ال�سخو�س من اأ�سلع كل ال�سخو�س التي عرفتها، فتركت نف�سي لجرف الرمال ياأخذني اإلى حيث يحلو له علني اأعثر على �سالتي، فالمخطوطة لحقيقة بداية تكن لم القديم المنزل اأطــلال بين عليها عثرت التي رقاع مزقة مجرد هي بل اإليها، اأ�سعى التي النهاية تكن ولم اأردتها،

222

بالية لا تحمل بين رموزها اأي �سيء، بل خطها طفل عابث لتاأخذني معها اإلى اأبعد مدى، وكتابي هذا ما هو �سوى لعبة اخترعها اأحدهم لت�سعني اأكمل واأن بد لا لكن جيدا- ذلك اأعلم - الجميلة، الحيرة تلك في وجل�ست قواعده، خالفت الذي الدنيا ف�سندوق النهاية، حتى الرحلة وحيدا على مقعده الرابع اأ�ساهد نف�سي كما نف�سي، ما زال ينتظر عودتي اأ�سطحبته التي ال�سغير الطفل اأرت�سيها، وهذا الاأ�سياء كما لاأرى كل و"الدكتور ينتظر عودتي، زال باب"زويلة" ما اآماله على لي�سلب اأمه اإمام" الذي اأهداني هذا الكتاب الخاوي ما زال ينتظر عودتي، وابني "نهاد" وزوجتي ينتظر عودي، زال ما لعبته يكمل لم "يا�سين" الذي التي مانو وزوجتي عودتي، تنتظر مازالت بيتنا مفتاح منحتني التي مازلت اأنا حتى انتظاري، في ماتزال الحياة مفتاح رقبتي في علقت في انتظار عودتي منت�سرا بالحقيقة التي ت�سبه حقيقتنا جميعا، لذلك كان يجب اأن اأعود �سريعا اإلى مركز الدائرة لتحملني الدوائر ال�سغيرة

برفق كدومات الماء اإلى حيث اأبتغي.

امتطيت ناقتي و�سرت نحو القافلة التي لاحت معالمها من بعيد لاأكمل بنف�سه يعرفني جــواري و�سار اأحدهم فتلقفني اأجدتها، التي اللعبة

ويعرفني بهم:

223

-اأنا "اإبراهيم" حامل الماء وال�سلاح.

-اأنا "مازن" جئت باحثا عن الحقيقة.

ملامحه، فانك�سفت وجهه، عن لثامه اأماط ثم منده�سا، اإلى التفت فبدت ماألوفة لنف�سي، اأعرفها جيدا كما اأعرف ملامحي التي اأخبرتني بها مراآتي الاأولى التي داومت على التحديق فيها في منزلنا القديم قبل اأن اأه�سمها لاأنني اأيقنت اأنها تخدعني، فبادلته ما فعله باإماطة لثامي

عن وجههي، فابت�سم قائلا:

-هكذا تكون الحقيقة.

فرد لثامه اإلى وجهه، واأمرني اأن اأرد لثامي، ثم اأ�سار اإلى القافلة متحدثا في �سرود:

- اإنهم قادمون من مناجم الملح النائية م�سى �سهر وهم يرتحلون على القيمة الملح باأحمال محملة العام تتجاوز لا اأعمارها جمل �ستمائة

ومازال اأمامهم اأربعين يوما لي�سلوا اإلى الاأ�سواق.

- لكنهم ي�سيرون كاأن على روؤو�سهم الطير.

- اإنها قد�سية ال�سحراء والرزق يا �سديقي.

224

- وكيف يلزمون الطريق من دون دليل؟

- اأ�سعة ال�سم�س تقتل اأي اإ�سارة على الحياة، والرياح ال�سرقية المتقدة تمحو اأي اأثر لاأي درب، لا يتواجد هنا �سوى الاأجمة ال�سائكة وهي اإ�سارة على قرب ال�ساحل من هنا، العذاب انتهى الاآن وي�ستطيعون تتبع الاآثار

التي تركتها القوافل �سنة تلو الاأخرى على مر القرون الما�سية.

- حتما �ستنتهي رحلتي معهم عند المحيط.

- ربما تنتهي رحلتك اأنت، اأما رحلتهم لا يمكن اأن تنتهي اأبدا.

القاهرة، من خرجت منذ فقدته الذي ظلي "اإبراهيم" كما رافقني وي�ساري، ومن يميني، اأمامي، وعن راأيته ممدا من اأن اأذكر مرة فلم الاأ�سياء كل اأرى ظل فقط ال�سا�سعة، ال�سحراء تلك رمال على خلفي من حولي كما ال�سور القديمة الباهتة، اأما اأنا فقد تحولت اإلى اإن�سان لا ت�سطدم به ال�سم�س، ولا ترتد اأ�سعتها منه اإليها، تحولت اإلى اإن�سان الاأر�س اأق�سى من الحكاية �ساحب بهم اأتى الذين هــوؤلاء اإلا يراه لا �ساطيء على ويتركوني العالم، هذا من الاآخــر الجانب اإلــى ليعبروا المحيط وجها لوجه مع حقيقتي، توقفت القافلة واأناخ التجار جمالهم عندما لاحت قلعة "تهودة" من بعيد باأبراجها العالية، قب�س "اإبراهيم"

225

على حفنة ملح واأخذ ينثرها في الهواء، فبانت اأ�سباح واختفت �سريعا، فكبر التجار، وعلا رغاء الاإبل، وانخف�س نباح الكلاب، وظهرت "كاهنة جبال اأورا�س" بمعطفها الاأ�سود المخملي، تحمل في يدها الي�سرى رمحا مك�سورا، ت�سير اإليهم من بعيد وتاأمرهم باأن يرحلوا �سريعا من هنا واإلا اأن "اإبراهيم" بمع�سمي قبل اإليهم جنودا لم يروها، فاأم�سك اأر�سلت

تهب عا�سفة �سديدة اأثارت رمالا �سوداء، ك�سفت عن قبور قتلاها:

- باأمر الله، وبقوة �سيدي "عقبة الفهري" اثبت يا فتى.

هكذا ردد "اإبراهيم" قبل اأن تختفي القافلة تماما، وبقيت اأكيا�س الملح المتناثرة تحيط بنا، فت�سبثت بيده، وفتحت كتابي �سريعا واأخذت اأتمتم بحقائقه الناق�سة، فاكتمل الرمح في يد "الكاهنة" التي كانت تقترب انهال علينا كالر�سا�س، الذي الغا�سب، ت�سرب الح�سى منا بوجهها "اإبراهيم" يده من يدي، اأفلت لكن قوة ما كانت تطيح به بعيدا عنا، ثم اأ�سار اإلى طريق طويل قبل اأن يغادر حلقة الملح، ويغادرني، وب�سوت

تقاطع مع اأنفا�سه اللاهثة قال:

-ا�سلك هذا الطريق، واإذا واجهك وح�س في ال�سحراء، �سع عينك في عينه وابت�سم، وارفع راأ�سك لل�سماء، ثم ارحل عنه كما يرحل الفر�سان،

226

ب�سدر منتفخ، وهامة منت�سبة، وقلب يقرع كما طبول الحرب، وام�س اإلا من تفتر�س لا فالوح�س للوراء، تلتفت اأن دون الممتد في طريقك ي�سل م�سلكه، واعلم اأن الوحو�س التي نفر منها في ال�سحراء تحمل في قلوبها حبا لا نعلمه، فقط نحن لا نرى منها �سوى وجه ملفع بال�سر الذي

لولاه ما عرفت الحب.

اأخذت اأنادي عليه بكل قوة، لكنه كان قد تلقى الطعنة الاأولى من رمح دماء قطرة اأول �سقطت حينما العظيم، الم�سهد وانتهى "الكاهنة"، تخ�سب الرمال، ف�ساقت ال�سحراء ال�سا�سعة، واأ�سبحت كبوؤرة �سوداء

لم اأر منها �سوى طريقي الذي انب�سط اأمامي كما النهر الحالي.

امتطيت ناقتي التي اأهداني اإياها القا�سي الطارقي، وظللت اأفكر في اأمر "الكاهنة" التي ظنت اأنها انت�سرت على الم�سلمين بقتلها لـ"عقبة معاركهم، ا�ستكمال عن المحيط اأوقفهم الذين وجنوده نافع" بن ون�سيت اأن تقتل الفكرة التي انت�سرت على خدعتها التافهة، فالم�سلمون التي هويتها اأجل من تحارب فكانت هي اأما الله، اأجل من يحاربون اأبقاها الاإ�سلام كما هي، ولو علمت ذلك ما حملت رمحها اأبدا لتقتل، وت�سفك الدماء، فـ"اإبراهيم" قتل وكاأنه لم يقتل، وعقبة وجنوده قتلوا وكاأنهم لم يقتلوا، لكن تبقى الحقيقة التي ير�سلها لنا الله من ال�سماء

227

حتى اأبد الدهر.

�سعرت اأن ناقة القا�سي قد هرمت، رغم اأنه لم يم�س من رحلتي �سوى ما لكنني تحديدا، اأعلم عددها لا قلائل، �ساعات اأو �سهور، اأو اأيام، زجاج على منعك�سا مرة اآخــر راأيته اأن منذ جيدا وجهي اأذكــر زلت النافذة في فندق "غات"، تح�س�ست خ�سلات �سعري الذي تهدل على وانده�ست! ب�سري، امتداد الطويل �سعرها لام�س التي وذقني كتفي، اأن لكنني اعتدت منذ والوقت؟ الاأيام لبثت هنا؟ وكم م�سى من فكم خ�ست رحلتي األا اأ�ساأل، فربما تكون الحكاية هي من فر�ست على هيئتي كتابا، ويحمل ناقة �سفراء، يمتطي الفر�سان، ي�سبه ملثم، تلك، رجل وحقيبة �سوداء متربة، فكل واحد لا بد واأن يوؤدي دوره على اأكمل وجه، واإلا اأهملته �سطور الكتاب في�سبح كاأن لم تلده اأمه، فكتابي هذا لا يكتب فيه اإلا هوؤلاء الذين �سقوا لاأنف�سهم طرقا طويلة تنتهي بحقائقهم التي في هباء تذهب اأن واإمــا بها نلحق اأن فاإما الدنيا، �سفهاء عنها غفل ماء المحيط، الاآن بعد اأن فقدت الناقة قوتها حتى اأنها لم تعد قادرة اأ�سل واأ�سير حتى واأحملها، الجميل لها اأرد اأن على حملي، كان يجب اإلى مبتغاي مهما كلفني ذلك، فالحقائق لا تخرج على جاحد اأبدا، ولا

مذنب اأبدا.

228

لحم كقطعة الرمال على فان�ساب ج�سدها اأحملها، اأن الناقة رف�ست دموعي، لعقت دموعها، م�سحت بقوة، عانقتها نيئة، جل�ست جوارها، حمل على تقدر فلم عوار�سها، اأرفع اأن حاولت وجهي، من ظهر وما اأمامها الطعام، فعافته، تح�س�ست ج�سدها، فعادت كما كانت، و�سعت �سنامها، فتجمدت �سارت حجرا، �سارت جليدا، �سعدت الروح تودعني، وتعدني بال�سعود، ماتت ناقتي، ماتت رفيقة الدرب، وال�سهل، والوعر، �سارت اأن بعد ثقلها من تخل�سني كي �سديقتي ماتت وال�سحراء، وتركتني الطريق، ينتهي اأن قبل انتهت لقد الفائدة، بمر�سها عديمة وحيدا اأحمل بع�سي على بع�سي، واأ�سع نف�سي فوق نف�سي، انحنيت على قبرها وغطيت الرمال، واريتها البكاء، في واأجه�ست الهامدة جثتها لملمت مياه، من معي تبقى ما اآخر فوقها ونثرت خ�سراء، باأع�ساب اأ�سيائي ال�سغيرة، ولم اأ�ساأ اأن اأ�سيح بوجهي عنها، فظللت معلقا ب�سري بالوراء، و�سرت على قدمي اأزيح الاأر�س من تحتي علني اأ�سل اإلى حيث

اأريد، اأو اإلى حيث يريد.

الدرب طال …. فماذا بعد يا رجل؟

اأاأنت في الدرب اأم �سلت بك ال�سبل؟

229

األم تزل �سائرا تم�سي على وجل؟

في تلك الحياة "كما يم�سي القطا الوجل"؟

اأما تعبت من الدرب الطويل غدا

عذابك المر في اأيامك الاأول

اأما اأكتفيت من الاأوجاع تحملها؟

اأما مللت ال�سرى يا اأيها الرجل؟

بلى. مللت. ولكن اإنه قدري

اأيدفع القدر الما�سي بي الملل؟

اأ�سير في درب اآمالي اأعللها

بال�سبر لكن �سبري �سوف ينبزل )منقول(

ظلت الوحو�س تدنو من خطواتي، تلاحقني اأينما �سرت، تحيط بي من كل جانب، ابت�سم لها، تبت�سم لي، تحر�سني من ال�سر، ثم ترحل اإلى حال اأجمع ال�سنتميترات حتى ت�سبح اأن تم�سني باأذى، فظللت �سبيلها دون اأمتارا، ت�سبح اأميالا، والطريق طويل، طويل جدا لا اعوجاج فيه، ممتعة حقا تلك اللحظات التي تقترب من النهاية، اأما النهاية فتعني الفناء،

230

تعني بداية اأخرى لل�سقاء الاأبدي، قلبي يخفق، يدق، يدق، يدق، يهداأ، ي�ستقر بين �سلوعي، يثبت، ويمتليء باليقين، فاأ�سير اإلى حيث المنتهى، حقيقة ذكرياتي ومن عطرا، ذنوبي ومن فرحا، �سجوني من اأغــزل قاطعة، اأحبو نحو النور، نحو مهاو ال�سم�س، اأهوى ال�سقاء النبيل، واأبعد اأناجي لقدري، وم�ست�سلما بن�سيبي، را�س الراحة، ويلات بدني عن

�ساحب الحكاية، واأطلب منه المزيد، والمزيد بعد اأن اأدمنت اللعبة.

الاأخــرى الحافة اإلــى اأنظر الاأر�ـــس، حافة على توقفت الــفــراغ ــام اأموا�ستجدي العبور، لكن الهوة ال�سحيقة كانت تفتح لي فمها عن اآخره، تخبرني بما اأريد اأن اأ�سمعه، ولا اأطيق �سماعه، فعقبات الطريق دائما ما ت�سعنا اأمام حقيقتنا وجها لوجه، كي نعلم مقدار اأنف�سنا جيدا، لكننا دائما ن�سعى للعي�س في اأج�ساد �سخمة لا تتنا�سب مع اأرواحنا ال�سئيلة، فن�سعر اأننا اأكبر، واأكبر، واأكبر بكثير، فنقف عاجزين عن قهر الفراغ، ونظل كما نحن لا نحرك �ساكنا، ون�سيع على اأنف�سنا فر�س العبور من دون ال�سقوط المريع الذي ن�سبح معه اأ�سياء تافهة، تحتاج اإلى المزيد لتكمل الفراغ في�ستوي مع الاأر�س، اأغم�ست عيني، وتخليت عن ب�سري، عن واقعي، عن حوا�سي التي بها اأتيت اإلى الدنيا، وت�ساويت مع ال�سماء، ت�ساويت مع اأنا، ود�ست الفراغ، حملني كما �سئت له اأن يحملني، فكان

231

اأمي، من قلب زوجتي، وابني، من قلوبكم جميعا، اأحنى على من قلب عانقني، رفعني لاأعلى، �سرت �سحابة، �سرت دفقة هواء عليلة، �سرت �سرت العالم، قلب ت�سكن التي ال�سواد لبقع ــرا اأث اأرى لا اأتيت، كما ا نا�سعا كراحة طفل، كاأنملة نبي حملت اإلينا حرفا، وكلمة، عبرت بيا�سالاأر�س فان�ساعت الاأر�س، تطال اأقدامي الاآخر، وحطت الجانب اإلى لخطواتي الجديدة، وكاأنها ت�سير من تحتي، ولا اأ�سير اأنا عليها، تاأخذني الرمال في اتجاهها، تحتفي بعبوري، وبالكائن الجديد الذي منحه الله حدائق من بنف�سه وينجو الاأ�سياء، بكل لي�سعر كلها، الاأ�سياء خوا�س ال�سوك العقيم، ليزرع زهرة بي�ساء على قمة جبل جدب، ترتوي بخيرنا الذي �سيعناه بيننا وظننا اأنه انتهى، وتنمو على وقع ق�س�س الحب الذي ا�ستبدلناه ب�سرخات ال�سر، ون�سينا اأن بين حنايانا قلب ي�سعر، ويحب، يحب فقط ولا يكره اأبدا، فاأبدا نحب، ونحب اأبدا، وبالحب نحيا اأبدا، واإلى الاأبد يبقى الحب فينا ولا يموت اأبدا، فبه نعبر الهوات ال�سحيقة، ر�سا ولحظة بابت�سامة، ينتهي الذي الكبير، الانت�سار اإلى ن�سل وبه تملاأ الفراغات، وت�سد فرج القلب الم�سرعة على عوالم اأخرى لا ت�سبه التراكيب التي بها خلقنا، وعليها نموت، وما نحن اإلا دفقة حب ان�سابت اإلى الاأر�س ف�سار الحب اأن يهبط من بين يد باريها، فمنا من اختار

232

ترابا، ومنا من اأبى ال�سقوط ف�سار �سموا .. وال�سمو �سار نورا .. والنور كتابا، اأو روحــا، اأو عر�سا، يحمل عبدا �سار والملاك ملاكا.. �سار ي�سرع �سفحاته اأمامي بالنور الذي فقدته كي اأعود لاأكمل رحلتي بعد اأن

امتزجت روحي باأرواح من �سبقوني اإلى هنا.

اأر�سم المتقاطعة الخطوط بين الحكاية، �ساحب كــف على اأ�سير اأجمع والنا�س، الكائنات، من خالية جديدة وق�سة م�سيرا، لنف�سي اأنق�س غزل الاأ�سرار قبل اأن ي�سير ثوبا كبيرا كل الخطوط واأعقدها، يك�سونا، فنعي�س في مناأى من كل كا�س، اأطوح بكاأ�س النديم ليعود كما اأبيات، الاأحبة اأن�سد من �سعر اأنه بمكان، اإلى مكان يحده في�سعر كان واأرنو اإلى بيت، واأبيات، بنيت من �سعف النخيل الاأول، فتطمئن جوانحي لكل وح�س مقيم في فرا�سي، فليت من يحمل ر�سائلي يعلم اأنني لم اأعد في حاجة اإلى حرف يخطه يحيرني، ويهيج اأفكاري واأحرا�سي، فها اأن لقائي، الحقائق لا تقوى على اأن اأيقنت الاأكف قد العليم بكل خطوط لاأني بروحي الندية بين الحجار غير عابيء بجفاف، اأو بجوع، ولا اأ�ستاق اإلى ر�سفة حمقى من يد اأتت تمتد اإلى بلا اأمل، وبلا يقين، وبلا ماء، المتنا�سي، الم�سافر يظن كما بعبث، لي�س ال�سحارى فقرع واأنفا�س، وهجر المكان الاأول لا يحتاج اإلى �سفر طويل، ولا زاد، ولا خرائط، ولا

233

ق�سائد تتغنى على اأطلال الديار التي انطوت على ذكرى، وذنب مهمل لا ينتظر عقابي.

باقتراب وتنذر بالرمال، تختلط حولي، من تلمع الاأ�ــســداف ظهرت مكان كل في تنت�سر فكانت ال�سغيرة الجرابيع ثقوب اأمــا المحيط، فبدا اللمم، وبع�س ال�سفراء، الاأ�سجار واأوراق باليرقات، تمتليء حبة رهن اأ�سحت كلها حياتي لكن الموؤجلة، بالحياة منقطا الطريق زمن لتنهي الاآخر الجانب في ما يوما �ست�سقط التي الاأخيرة الرمال الحكاية الطويلة التي اأرهقتني، واأتت على كل ما في داخلي من منطق الطريق علامات الاأر�ــس من لاأنهم الاأ�سداف اأجمع انحنيت معقول، فاأعلم الاأربعة، الاتجاهات لاأخط حدودا حول ا�ستجديتها التي طالما النهاية ولتكون المبهمة، الاأزمــان تبداأ اأين ومن الاأماكن، تكمن اأين �ساهدة على اأنني لم اآت اإليها �سفر اليدين، حملت حقيبتي على كتفي بعد اأن علقتها في عكاز الحكيم، واأخذت اأتاأمل التعاريج الممدة اأمامي كبقايا القهوة بعد نفادها من فنجان تركه �ساحبه على الطاولة فغفل �سيئا، اأخبارهما عن اأحد يعلم اأن دون جــواره مات حتى النادل عنه الاأر�ــس، رتق ي�سق ك�سرايين، ويت�سعب اأمامي يرق�س ظل خطا لكن من تخرج الاألغاز عادت لقد المريع، كالو�سم غوغائيا نق�سا ويحفر

234

وت�ستوي الاأ�سداف، نور وتطفيء الجرابيع، �سقوق تغلق الدليل، رحم على الرمال، حتى �سارت كل الرمال، كالرمال، اختفت الخطوط وبقي ووتد ن�سيب، كغر�س تبدو التي المتعبة، على خطواتي يتكيء الطريق اأبى اأن يخرج من باطن الاأر�س لينعم بالحراك، فلم يكن اأمامي �سوى اأن اأقاوم، واأ�سير كالمطاط، الذي يخ�سى لحظة خاطفة للاإرتداد، كان �سواهد من جمعته وما الاأر�ــس، من جنيته ما على اأحافظ اأن يجب اأق�سم عليها اإذا عجزت عن الو�سول، اأنني قد حاولت الو�سول، لكنني القبالاالتي فجماعات واحدة، بخطوة ال�سر اأ�سبق �سرت اأنني اأيقنت معالم اأ�سبحت عاجزة عن محو تتركني األا نف�سها على قطعت عهدا الطريق، واإ�سارات الحقائق، بعد اأن �سرت اأ�سبقها بخطواتي البطيئة،

اأوما اأظنها بطيئة.

اأ�سقط اأن قبل اأخرى مرة يتلقفني "اإبراهيم" راأيت حينما ابت�سمت بين براثن التيه، لاألحق بركب القافلة التي كانت تتدفق من بين التلال وكاأنها تبعث من جديد بعد موت، عانقته ب�سدة، ثم �سكرته على عودته،

ف�سكرني على �سبري، اأخبرته بموت ناقتي، ف�سد على يدي قائلا:

-لكل منا مهمته يا �سديقي.

-لكن للفراق لوعة يا "اإبراهيم".

235

-تذكر هدفك الكبير حينما تذكرك الاأوجاع.

-الاأوجاع اأبدا لن تنتهي.

محتاجا يمنع فمن �سديقي، يا والعط�س الجوع في تكمن -اأوجاعنا يحرم من الحياة.

- وماذا عن اأوجاع النف�س؟

- نكويها بالنار.

اإلى طريقها ت�سل لا التي ال�سريعة، لاإجابته منده�سا اإليه نظرت م�سامعي، فكانت تنقر راأ�سي كما المطر، فعاد متحدثا، اأو مت�سائلا:

-ماذا تنتظر من قوم يحملون منازلهم فوق ظهورهم، ويرتحلون بها يا �سديقي؟

اأن بعد واحــدة، بكلمة �سفتي اأحــرك ولم للحظات، عينيه في حدقت اإجابات الاأ�سئلة اأنني عاجز عن الاإجابة، وعن كل اأ�سبحت على يقين التي طرحها، ويطرحها على �ساحب الحكاية طوال الرحلة، فلم اأذكر كدلو راأ�سي فوق ت�سقط التي اإجاباته في في راجعته اأو اأنني جادلته، الثلج حينا، ودلو الزيت المغلي حينا اآخر، وربما تنتهي الحكاية واأنا على هذا الحال، اأعي�س حياتي بين �سوؤال، وجواب، جواب يحتاج اإلى اإجابات

236

اإلى فتحولني ذاتي على تن�سطر وكبيرة، �سغيرة، اأ�سئلة منها تتولد اإن�سان طيب جدا، يخطيء عد الاأيام، ويح�سي الح�سى على الرمال ولا يخطيء، وينثر الماء على اللظى فيخمد، اإن�سان يرى فيكتب ولا يكتب، ال�سم�س له وتر�سل والاأقمار، والكواكب، النهار، في النجوم له تظهر اأ�سعتها فلا يرى �سوى النور المتيم بال�سحاري والجبال، حتى �سرت اأنا الجبال، والرمال، والماء، �سرت �سهلا، ووعرا، ووديان، �سرت ك�سقوق الاأر�س العط�سى، والحجر الريان، هذا هو اأنا الفار�س الذي ي�سع على راأ�سه عمامته الزرقاء فتهابه الوحو�س، والاأفاعي، والجرزان، �سرت اأنا

الاإن�سان.

اإبلها وتطعم لت�ستريح، المنب�سط ال�سهل على خيامها القافلة �سربت على المتكاثف الــنــدى مــن وتــرتــوي الاأر�ـــس، خ�سا�س مــن وت�ستطعم الاأج�ساد، فا�ست�سافني "اإبراهيم" في خيمته، علمني كيف اأ�سعل النار من وال�سلاح اأ�سلي وكيف مــاء، بقطرة اأتــو�ــســاأ وكيف ال�سرر، مــن واأن�سى للنا�س الخير الله من لاأطلب بالدعاء، كفي واأرفـــع خلفي، "اإبراهيم" عن يحدثني اأخــذ ثم الــدعــاء-، ي�ستجاب نف�سي-هكذا الذي األقاه قومه في النار، وخرج منها دون اأن تم�سه، فتوقف عن �سرد عن يبحث خرج "مازن" الــذي عن يحدثني واأخــذ للحظات، الق�سة

237

حقيبته في وحمل جميعها، الحقائق عليه فاختلطت يبتغيها، حقيقة ال�سحاري، بين �سائعه حقيقته وبقيت يبتغيها، لا التي الحقائق كل بها، العارف يكون حتى اأخبارها من لينهل اأبوابها المدن له ففتحت اجتمعت حوله كل �سخو�سه تحمل اإليه الر�سائل، والعلامات، ف�سل عن ملامحهم، وبقي لا يرى �سوى معالم الطريق، ون�سي اأن في الما�سي لنا نظائر بعيدة من اأنف�سنا، نكرر حياتها القديمة كما هي باأزياء، واأ�سماء �سوارع بين يطارده الذي ظل فالطفل اختيارنا، عليها يقع لم جديدة "نهاد"زوجته التقاها هي فتاة وكل "ي�س" ابنه، ومدنها هو الحكاية، هي �سوؤالا عليه طرحت امــراأة وكل ال�سارم، الع�سكري الرجل بنت "اأمه" التي غابت عنه، وظل يبحث عنها �سنوات طوال، وكل رجل التقاه يطرح نف�سه على الطريق هو "اأبوه" الذي مات وترك له ع�ساه ينهل من ماآربها، وكل �سيخ علمه الحكمة هو "الدكتور اإمام" الذي اأهداه كتابه هذا وينتظر عودته لي�سع له العنوان، وكل من راآهم على هيئتهم فقد الماء "اإبراهيم"فهو"مازن" و"مازن"هو"اإبراهيم" حامل اأما راآهم،

وال�سلاح، توقف عن حديثه، ثم نه�س من مكانه قائلا:

- اإنها حقيقة ما قبل الحقيقة يا �سديقي.

-اأنت مازلت لا تعلم اأين تكمن الحقيقة يا اأنا.

238

-اأنا العليم الذي ي�سكن داخلك، والعالم الذي يحدثك عن نف�سك.

-لكني لا اأ�سعر بوجودك داخلي.

-�ست�سعر بي حينما ترى ظلك منعك�سا على الرمال.

-الظل لا يمثل دورا في حيوات من �سبقونا يا �سديقي.

ال�سماوي الذي النور "اإبراهيم"، �سمت كثيرا، كان يحملق في �سمت ا�ستطال اأمام باب الخيمة من الداخل، ف�سبغ كل �سيء هنا بلون ثامن لم اأره منذ خلقني الله، لم نره قط، �سارت معه وجوهنا اأ�سبه بروح ت�ستعد للقاء الاأبدي، اخترق "اإبراهيم" هواج�س ال�سباب المت�سرب اإلينا من اأفواه الجبال في الخارج، دنا مني حتى �سعرت بحرارة ج�سده الحاني تاأتيني على حين غرة لته�سم حائل البرد الذي عزلني عن الدفء في اللحظات، مد يده نحوي قب�س على يدي، عانقني بقوة، عانقته، تلك �سد على ظهري حتى تقاطعت �سلوعي، اأحاط بي من كل جانب، ذاب بين يدي، ت�سرب داخلي كدم دافق، غمرني، ت�سعب في �سراييني، �سار اختفى "مازن"، وبقي "اإبراهيم"، اختفى اأنا. �سار قلبا، �سار نورا،

معا. بقينا "مازن"وبقي"اإبراهيم"،

المت�ساعد الدخان اأعلن اأن بعد خيامها القافلة لملمت ال�سباح في

239

الماء حاملا خلفها ف�سرت الرحيل، عن المحت�سرة النار اأعين من بكوني يعباأوا ولم بينهم، غريبا اأكن لم وكتابي، وحقيبتي، وال�سلاح، ناداني يريدون، حتى ما لهم اأحمل اأنني المهم "مازن"اأم"اإبراهم"، لكن الجديد، قدرهم �سرت اأنني فاأدركت "مازن" با�سمي اأحدهم �سرعان ما ناداني �سخ�س اآخر با�سم "اإبراهيم"، لم األتفت اإليه، نادى ن�سيبهم عليهم اأوزع ورحت النداء، فقاومت "اإبراهيم" كثيرا، على من جرعات الماء، حتى ارتوا بعد ظماأ، ف�ساروا يروني كما يروني، لا "مازن"، ولا "اإبراهيم" بل اأ�سبحت لديهم مجرد رجل قوي يحمل لهم

الماء وال�سلاح.

بين الاإبــل، ومن اأقــدام الرمال تحت الممدد على الظل اأتاأمل اأخــذت الذي ظلي اأنــه لي فخيل الملح، كتل من المتهدلة الكتانية الاأربــطــة التي غادرتني منذ طويت افتقدت ملامحي افتقدته منذ زمن طويل، اأبواب المدائن خلفي وق�سدت ال�سحراء ال�سا�سعة، وها اأنا اأراها كاأنما التي الاإبل واأقدام الرمال، على اأ�سفقت لقد متك�سرة، مراآة اأنظر في ناأت بعيدا ليبدو وجهي مكتملا، �سافيا، خاليا من ال�سوائب، والرتو�س، والذنوب، لقد كان ظلا ي�سبهني تماما، يبت�سم، ويقطب جبينه، ويحزن، اأ�ساريره، لكنه لم يتبعني، بل ظل مت�سمرا في مكانه، ويفرح، وتنفرج

240

ي�ستجب، لم يدي، كلتا رفعت اليمنى، يدي رفعت بالرمال، ملت�سقا هنا اأ�سباهي اأحد تركها الما�سي، �سور من باهتة �سورة اأنه فاأيقنت وذهب يبحث عما لا اأعلمه، نظرت اإليه نظرة طويلة، اأودع بها ملامحي ورك�ست خلفي، طويته ثم اليوم، هذا بعد اأبــدا األتقيها لا ربما التي �سريعا كي األحق بالقافلة قبل اأن اأفقد اأثرها، واأعي�س معلقا بين مفارق اأخرى قوافل على وعثرت بالفعل، فقدتها لكنني جديد، من الطرق ال�سيقة والم�سالك الــدروب، في تت�سرب البعيد، الــوادي نحو تنحدر كما الماء، فقافلة تحمل حريرا، وقافلة تحمل تبغا، وقافلة تحمل كتانا، وقافلة تحمل بخورا، وقافلة تحمل بهارا، واأخرى خاوية لا تحمل �سيئا، فوقفت اأعلى التلة ال�سغيرة واألقيت ب�سري بعيدا فراأيت قافلتي تاأخذ طريقها الم�ستقيم نحو المحيط، قفزت من اأعلى التلة �سريعا، وعدوت نحوها، لكن تداخلت القوافل، امتزجت، اختلط الحرير بالكتان، والتبغ تلاقي نقطة نحو ت�سير واحدة كتلة �ساروا بالبهار، والملح بالبخور، الم�سهد اأتاأمل فوقفت الع�سور، مر على المفقودة العالم طرق كل كل فيها تتوحد التي الانك�ساف لحظة تحين حتى واأنتظر المهيب، اأجله الذي من الكبير الوعد اأمام الدنيا، تلك الحالمين من اأغرا�س �سقطت كل الاأحداث من اأج�ساد الب�سر، فت�سعبت في الاأر�س تبحث عن الطريق، و�سللنا افترقنا مهما بالاآمال، الاآمال تلتقي حيث اأهدافها،

241

فاإن النهاية الحتمية تنظرنا جميعا هناك حيث تنهي ال�سم�س غروبها المائة والثمانين فوق �سطح المحيط.

قا�سدة التلاحم تلا�سى بعدما �سيء كل تحمل جديدة قافلة انبثقت الطريق، فلحقت بها �سريعا لعلها القافلة الاأخيرة التي لن تمر بعدها قوافل اأبدا، ترجلت خلفها حاملا الماء وال�سلاح، م�سيت كثيرا، قطعنا الطريق، اأمامنا من اأف�سحت التي الجبال معنا وتقاطعت الم�سافات، فجاءت ال�سم�س تتعامد فوق روؤو�سنا، دنت، اقتربت، �سعد البخار من حولنا، فقدت طاقتي على التحمل، توقفت. ابتعدت ال�سم�س. اقتربت. ملامح ظــهــرت المطر. فهطل توقفت. ـــرى، اأخ مــرة ال�سم�س دنــت "اإبراهيم" بينما كنت اأبحث عن اأثر القافلة على الرمال قبل اأن ت�سيع

معالمه، �ساألني "اإبراهيم" الذي بدا ج�سده كرذاذ متقطع:

-لماذا اأتيت اإلى هنا يا فتى؟

-اأتيت لاأبحث عن حقيقة الحب، والخير، والجمال.

- الاأ�سياء الجميلة تكمن داخلك ولي�ست في اأحداث الحكاية.

-لكني اأدمنت اللعبة يا �سديقي.

ابت�سم "اإبراهيم" ومد يده ليحمل عني الماء وال�سلاح، ثم تلا�سى بين

242

كالحياة يبرق �سحري ك�سوء جلية، الطريق معالم فظهرت المطر، الاأولى، فوق النور الاأول، مددت ب�سري �سوب اأدبار القافلة من بعيد، ورفعت راأ�سي لل�سماء، ثم �سحبت نف�سا عميقا اأجدد به روحي القديمة من تجري كثيرة �سورا فراأيت الحكاية، لنهاية ت�ستعد اأخــرى بــروح لاأقراأ كتابي فتحت الما�سية، حياتي من متوالية قطع وكاأنها اأمامي، على اطماأننت بعدما طويته ما �سرعان لكنني الجديدة، الحقيقة وجودها، فحملت حقيبتي ال�سوداء، و�سرت في طريقي مهتديا بمعالمه اإياها، بينما كانت رائحة اليود تقترب، كلما الربانية التي وهبني الله

اقتربت اأنا.

243

)10-مآرب أخرى(برهــان اآيـــات ولا دلــيــل ولا ** تبيانـي الــحــق وبــيــن بيني يبق لــم

هذا تجلى طلوع الحق نائــرة ** قد اأزهــرت في تلاأليها ب�سلطـان

المحيط.

وتغيب والم�سافات، الرحلات، وتنتهي اأوزارهـــا، القوافل تحط هنا والكتل، والعنا�سر، الــمــعــادن، وتتحلل ال�سيل، وينجرف ال�سم�س، والكميات، والاأوزان، هنا تتوقف الاآمال حيث وقف الفر�سان يت�سرعون اإلى الله، وي�سكون اإليه عجزهم عن موا�سلة الانت�سارات التي حجبتها والعادات، والطبائع، واللهجات، والاأ�سماء، اللغة، تنتهي هنا الاأمواج، هنا تتوقف العروق عن نزف الدماء المهدرة، حيث لا يجد الر�سا�س

244

اإلى المدائن نور الحقائق كلها ويغيب تلتئم الفراغ، هنا اإلا يعانقه ما ت�سقط الذي المحيط الاأر�س، هنا بنور الم�ستنجدين العابرين ظلام على �ساطئه حبة الرمل الاأخيرة التي يلفظها الزمن، ثم يموت منتحرا

على ظلال ال�سفر الكبير، ولا�سيء يجدي بعد فوات الاأوان.

وخ�ست الماء، في بقدمي وخطوت ال�ساطيء، على حقيبتي تركت الحلم واأ�سفع اأ�سعر بوجودي، الاأمواج حتى اأ�سارع فيها رحلة جديدة الطويل، حتى غمرني الماء، فاأيقنت اأنني ما جئت اإلى هنا اإلا من اأجل خلفي، الما�سية الحقائق كل اأرفل واأنا المحيط من خرجت الحياة، كانت تت�ساقط من ج�سدي كما الذنوب، فالحقيقة الاأخيرة حتما تحتاج األقاها اأتطهر من كل الاأحداث العابرة التي لا تنفع، ولا ت�سر، كي اأن قطرات ج�سدي عن نف�ست �سوائب، ولا فيها، �سية لا �سافية، نقية، ع�سرة اثنتي وراءهــا خلفت ثم الرمال، على فتناثرت الاأجــاج، الماء النمال، والعقارب، والطيور اأ�سراب عينا من ماء مهين جمعت حولها المهاجرة تنهل منها، وتملاأ حوا�سلها، وتبلل اأريا�سها، ووردتها ال�سباع ت�سرب جوار الظباء فلا هي تطارد الطيور، ولا هي تحطم النمال، ولا الذي الاأخير ال�سقم من براأت قد باأنني ف�سعرت بالظباء، تفتك هي في يف�سد لا عــاديــا ب�سرا ف�سرت الله، خلقني منذ قلبي ا�ستوطن

245

الاأر�س، ولا ي�سفك الدماء، م�سحت بيدي على �سدري، ومددت ناظري كقلبي المحيط و�سار وا�ستكانت، فهداأت، المتلاطمة ــواج الاأم نحو �سفحة زرقاء خط فوقها اأحدهم كتاب ال�سلامة، لقد تخلى العالم عن ال�سر الاآن، واندثر الدخان، و�سكنت الاأوجاع، واأ�سبحت ال�سم�س ت�سرق على وجوهنا وتغرب من دون ندم، التفت خلفي حيث ت�سرد ال�سحراء البعيد، وحدثتها عن حكايتي القريب، والداني القا�سي حكاياها على عل الرمال، والتلال، والجبال، والوديان تذكرني، وترحم اآثاري الرياح الاأطفال، قلوب ي�سبه ور�سم الفرح، ي�سبه و�سم كما را�سخة فتبقى نزعتني روحي لاأنحني على ج�سدي، واأمرمغ هامتي فوق الثرى �ساجدا النهاية، �سجدت طويلا، البدايات، ومانح ل�ساحب الروح، وواهب كل الت�سقت بال�سل�سال، حتى راأيت اللحظة التي نفتقدها جميعا، لحظة ت�سابكت فيها العظام، و�سارت هيكلا ه�سا يطوي داخله خيرا، و�سرا،

ي�ستره لحم ينتظره التراب.

كانت الفتاة الطارقية ال�سمراء تخرج من كوخها كل �سباح تحمل دلوين وت�سير بهما على حافة ال�ساطيء، ثم تعود مخلفة وراءها خطا طويلا المعطوب بدلوها الفتاة تلك تحتفظ لماذا نف�سي ف�ساألت الماء، من ثم بالغباء- كوخها؟!-نعتها اإلى ت�سل اأن قبل فيه ما كل يفرغ الذي

246

ان�سرفت عن متابعتها، واأخذت اأبحث عن ما اأتيت اإليه، بحثت كثيرا، لكنني لم اأعثر عليه، لم اأر �سوى تلك الفتاة التي ظلت تلاحقني بدلويها غريبة نظرات لي تر�سل فظلت �سطوتها، من هرب اأن حاولت كلما بمثل بالي اأ�سغل األا عودتني فرحلتي بها، اأعباأ لم لكنني مرة كل في لكن الحقائق، طرق على المطروحين الحمقى من فائدة فلا هوؤلاء، اقتربت لكنها اأقربهم، اأن دون بينهم اأعي�س اأن عودتني هنا الحياة مني، ومثلت اأمامي، ثم و�سعت اأمامي دلو الماء ال�سحيح، ورحلت عني بدلوها المعطوب الذي ترك خلفها خطا طويلا ينتهي في كوخها، وقفت عبرت منذ فارقتني التي الكبيرة الاأ�سئلة اأطرح مكاني، في مت�سمرا اإلى الدلو، وغرفت منه حفنات من الماء الهوة ال�سحيقة، مددت يدي احت�سيها، ثم خلعت ملاب�سي واغت�سلت، وتو�ساأت، لكنه كان كلما فرغ من الت�ساوؤلات كل وطرحت تركته، بل اأبهت ولم اأنده�س، لم امتلاأ، ينتظر لا الذي ال�سائل واأنا التافهة، الاإجابات المنزه عن فاأنا خلفي،

�سوى الحقيقة، والحقيقة فقط.

الاأخيرة، الحقيقة وبيده ال�سجرة ينتظرني تحت اأبحث عن من ظللت لكن لا وجود له بين الفراغ والماء، فال�ساطيء �سا�سع جدا، وطويل جدا، والمحيط لا ينتهي اأبدا، واأنا مجرد نقطة �سوداء ت�سير على رقعة كبيرة

247

ين�سرها �ساحب الحكاية على الرمال اأمامه، ويجل�س في خيمته متكئا يتفرج، ويحت�سي القهوة المرة، وياأكل الف�ستق المملح، ولا يعتني بالاأ�سياء ال�سغيرة التي تنزلق بعيدا عن رقعته، فماذا بعد اأن انقطعت الر�سائل؟ وماذا بعدما انتهت كل الاأ�سياء ال�سغيرة؟ وماذا بعد اأن اأ�سبحت وجها لوجه مع المحيط؟ لم يعد اأمامي �سوى اأن اأن اأكتب له ر�سائله واأ�سعها في حقيبتي كي ت�سلني منه اإلى، فلا اأعرف اأين اأنا؟ واإلى اأين �ساأذهب؟ ولماذا اأتيت اإلى هنا؟ اإن الاإجابات التي اأنتظرها اأعرفها جيدا، لكنني اأبحث اأعــرف ما الــذي اأيــن تكمن الحقيقة الاأخــيــرة، لا اأعــرف بت لا فوقي، من وال�سماء تحتي، من الاأر�س باأن اأوقن لكنني تحديدا، عنه وال�سحراء من خلفي، والمحيط من اأمامي، وعلى اأن اأ�سلم بكل الحقائق القريبة التي تفر�س نف�سها بلا رحمة، فقد وقع �سواري "ك�سرى" في يد "�سراقة"، ولم تكن تلك باأ�سطورة ولكنه وعد نبوي واجب الوفاء، لكن اأهله. ورثهما من "�سرقة"؟ ومن بهما اأبدا ماذا فعل ي�سجل لم اأحدا فدائما لكتب التاريخ نهايات مفتوحة تتركك للاإحتمالات التي تجعلك الابت�سام لاأن اأبت�سم اأعد لم وتبت�سم. بكف كفا وت�سرب قلمك تترك يجلب الحظ ال�سيئ وال�سحك يجلب الموت، والحقيقة كائنة لا محالة، مهما �سعينا اإليها، لكنني مهما �سعيت خلف حقيقتي الاأخيرة اأعود اإلى

248

حيثما كنت، كاأني لا اأتحرك، بل اأ�سير في مكاني، مهما حاولت الفرار اإلى مكان اآخر، بعيد عن الكوخ الفتاة اللعين التي لا تكل، ولا تمل من

العودة بدلوها المثقوب فارغا.

كانت اأوراق خ�سراء قد بداأت في البزوغ من �سقف الكوخ، واأزهار تنبت بطول ال�ساطيء حيثما �سقط الماء من الدلو المثقوب، لقد عادت اإلى الاآن حكاية الفتاة ال�سينية القديمة التي �سخر منها قومها لل�سبب ذاته الذي جعلني اأنعت فتاتي بالغباء –يا الله- كم هي غريبة حكايا النا�س اأفعالها، وتبقى الحكمة كما هي لا تتكرر، ولا تتغير، لكنها التي تتكرر لا المعارف بــاأن كبيرا در�سا لمثلي لتعطي الذاكرة في را�سخة تظل األف محيط، ومهما حملنا في حقائبنا اأبدا مهما بلغنا برحلتنا تنتهي من كتب، فعقلي هذا ال�سغير كيف هياأ لي باأنني قد اأ�سبحت اأكبر بكثير من كل اأفعال الب�سر، نعت نف�سي بالغباء، واأخذت اأفكر في اأمر الفتاة على هزيمتي اأربح اأن واأردت تغادره، اأن دون كوخها في اختفت التي بالاإعتذار لها، لكن من ي�سع دائما للفوز يع�س في تعا�سة، ويمت بعد اأن تقتله حكمة جدوى الحياة، تاركا في جيبه �سهمه الاأخير لاأحمق ياأتي من بعده ليعيد المحاولة، فجل�ست اأمام الكوخ اأنتظر عودتها، لكنها اأطالت الغياب، فخ�سيت اأن ينتهي وقت الحكاية واأنا على حالي هذا، فقررت اأن

249

اأطرح كل تلك الاأحداث من خلفي واأعود للبحث عن المحارب الاأعمى الذي ينتظرني هنا، اأو ربما اأنا من اأنتظره لتهداأ روحي، ويرتاح الفتى لا اإليه، ياأخذني واحدا اأثرا لا لكن الاأمد، منذ ي�سكنني الذي ال�سقي ر�سائل، ولا خرائط، ولا معالم، واإ�سارات، لقد تجردت من كل الدلالات، والرموز، والتكهنات، لقد اأ�سبحت بلا �سيء الاآن، يبحث عن اللا�سيء، في اللا�سيء، خلف اللا�سيء خلف اللافراغ، اأ�سبحت اأوؤمن الاآن باأنني اأما نهاية اأن ي�سعها لي الاآخرون، اأ�سنع نهايتي بنف�سي، قبل اأن يجب الحكاية فهي ل�ساحب الحكاية وعلى اأن األقي �سريعا بنقطتها الاأخيرة اليوم قبل الغد، بعد اأن احتطلت على الاأيام وال�ساعات وبت اأعي�س على حافة الزمن خارج طقو�سه الغوغائية اللعينة، اأخرجت المخطوطة من الر�سم، تزاحم التي وال�سوداء الحمراء، البقع اأتاأمل واأخذت حقيبتي وال�سكل، فظهرت بارزة كدوائر ال�سوء، لم اأكترث بهذا العبث المنظم، وف�سلت اأن اأعي�س على اأر�س مخطوتي الكبيرة، فهي الاأولى باهتمامي بعد اأن فقدت ثقتي في كل الاأحداث الاأحادية التي خطها الاأغبياء في هذا العالم، باأعينهم التي لا ترى �سوى ما يريدون، وتهمل كل ما نريده نحن، لذلك يجب اأن اأبحث، واأبحث، واأبحث بكل قوة، حتى ولو لم اأعثر على اأي �سيء، فيكفيني اأنني قد عثرت على نف�سي ال�سائعة و�سط زخم

250

وفطرها الملائكة الله خلق فقد بال�سواد، الملوث الزائف، المدائن فقد الب�سر نحن اأما الدنيا، تلك في مهامها لها وحدد الطاعة، على ح�سرنا بين الخير وال�سر، وللخير متعة ت�سبه متعة القهوة المرة، ولل�سر كل المتع بطعمها الحلو الذي تطوق اإليه النف�س، لكنها في النهاية تتوه بنا على تلقي التي المت�سعبة الطرق بين وت�سل طريقها الغنج، و�سط �ساطيء المحيط الاأعظم، فمن عثر على �سالته قبل اأن تجرفها البقايا اإلى اإلى الاأعماق ال�سحيقة نجا، ومن ظل فاقدا لحقيقته جرفته معها حيث اللاذكرى، فيخرج من العالم دون اأن يترك اأثرا واحدا يخبر به

النا�س اأنه كان هنا يوما ما.

طويت المخطوطة ود�س�ستها في حقيبتي، ون�سيتها، اأو تعمدت ن�سيانها، واأكملت رحلتي نحو الحقيقة الاأخيرة، ففتاة الطوارق التي اختفت كان لها ماآربها التي غفلت عنها، واأنا لي ماآربي التي لا يجب اأبدا اأن اأفقدها، فعدت لل�سير اأقتفي اأثر ماء المحيط، قبل اأن ير�سل القمر بالمد الذي يهدم كل �سيء، فتعثرت بطفلين يبنيان مدينة كبيرة من الرمال، كانا باأن مني فطلبا منهما، فاقتربت بعيد، من اإلــى وي�سيران ي�سحكان، اأ�ساركهما البناء، فاأخبرتهما اأنني لا اأجيد اللعب، فزادا من �سحكهما،

ثم تحدث اأكبرهما قائلا:

251

- لقد اأخذنا بن�سيحتك واأخلينا مدينتنا من الوحو�س والب�سر.

فابت�سمت له متذكرا ما م�سى، واأخذت اأعيد ما اأخبرني به "اإبراهيم" عن �سخو�س الحكاية، فرق قلبي لفراق ابني، الذي تركته قبل اأن ينتهي

من لعبته، م�سحت على �سعرهما قائلا:

- المهم اأن يكتمل البناء قبل اأن يلحق بكما المد.

- مدينتنا لا ياأكلها الماء �سيدي.

- الماء كما ال�سحراء يعدل بين الجميع.

نه�س ال�سغير من مكانه، وهدم المدينة بقدميه حتى ا�ستوت وال�ساطيء، لكن بقاياها كانت لا تزال قائمة، ثم التفت اإلى قائلا:

-هكذا ننهي كل �سيء، ثم ناأتي في الغد لنعيد البناء اإذا اأردنا.

-ربما لا ياأتي الغد يا �سغيري.

ا لن ناأتي. - اإذا لم ياأت فنحن اأي�س

-تلك هي النهاية التي لا نختارها.

-لكننا حتما �سنختار بدايتنا في العالم الاآخر.

نظرت اإلى قر�س ال�سم�س البعيد، بينما كان المد قد بداأ يغزو ال�ساطيء،

252

فان�سرف ال�سغيران، وتركا لي �سحكة �ساخرة، بها اأعدت التفكير في كل حياتي الما�سية، فلو علمنا نهايتنا ل�سحكنا كثيرا على ما اقترفناه

من اأفعال م�سحكة، وبحثنا عن بدايات جديدة.

اللوز �سجرة بــداأت حيث القديم، الكوخ جــوار كنت. حيث اإلــى عدت الخ�سراء تفرد غ�سونها من بين عيدانه، ي�سكنها ع�سفور �سغير يبني اأع�سا�سنا اأقمنا -هكذا الغائبة، �سريكته مع للتزاوج وي�ستعد ع�سه، الاأولى-، وبينما اأنا كذلك انت�سر عطر الزهور يملاأ على المكان، ويزكم اأنفي بحقيقته الرائعة، فعلمت اأنه ربيع الحياة قد اأتى، حيث تبداأ ف�سول العام، اأو تنتهي، فالاأمر متروك ل�ساحب البدايات والنهايات، وعلينا اأن نختار، ونطلق الاأ�سماء كلها على الاأ�سياء، بعد اأن علمنا اإياها منذ خلقنا، فجل�ست جوار الكوخ اأتاأمل الم�سهد الخلاب، الذي اأزينه بوجودي على هيئتي تلك، فراأيت الفتاة تخرج من بابه، تحمل �سلة �سغيرة ت�سطفي الجبلي النحل لاأ�سراب الاأخرى الزهور وتترك البي�ساء، الزهور فيها التي تهافتت لجمع الرحيق البحري الطازج، لقد اأ�سبح الكل يعمل بجد ون�ساط، ولم يعد لديهم الكثير من الوقت لي�سعروا بوجودي، اأما اأنا فقد تظاهرت بقراءة كتاب الحقائق الذي ينتظر الحقيقة الحادية ع�سرة، الحكاية �ساحب باأن يقين على ولكنني ناق�سة، الحقائق تظل وربما

253

يدبر �سيئا ما في الخفاء، ليفاجيء به الطبيعة التي تغزل الاأحداث في الاتجاه ال�سحيح، لقد �سعرت بملل للحظات، فعدت للبحث عن الرجل الذي ينتظرني هنا على �ساطيء المحيط، لم اأجزع بعد، لم اأ�ست�سلم، بين ذرات اأفت�س عنه �ساأظل لذلك الاأخيرة، بالحقيقة اأبدا اأكفر ولن ي�سارعني الــذي الوقت �ساأقاوم والح�سى، ال�سخور وبين الرمال، لينهي رحلتي هو في لحظة يختار لي فيها الهزيمة، انتهت رحلة البحث، ففكرت اأن اأعود اإلى اأدواتي التي ادخرتها في الحقيبة، اأفرغت محتويات الحقيبة على الرمال. قطع رقاع بالية، مخطوطة، كتاب، مفتاح منزلي، بع�س الاأع�ساب، قنينة دواء فارغة، قمي�سي الملطخ بالدماء، �سندوق

�سجائر، حبات من الفول ال�سوداني، وقلمي.

�سديدة �سعلة �سعلت ثم الرمال، على دائــرة ر�سمت بالقلم، اأم�سكت ف�سار واأنــفــا، عينتين �سنعت جوفي من الزرقاء الاأحجار فتناثرت الر�سم وجها �سامتا بلا فم، �سققت الفم ب�سببابتي، بدا وجها حزينا، كما ي�سبهني وجها يكن لم الدنيا، ماآ�سي كل تقاطيعه بين يحمل تتوقعون، اأو كما توقعت، بعثرته �سريعا، ور�سمت وجها اآخر اأكبر حجما، ا عري�س فما وخططت اأماكنهم، في الثلاثة الاأحجار بتثبيت قمت ثم ب�سبباتي، فبدا وجها مبت�سما، �ساخرا من الحياة، حدقت فيه طويلا،

254

ونثرت فوقه حبات الفول ال�سوداني، ثم غر�ست جواره عجاز الحكيم، ورحلت مع الرياح ال�سمالية العليلة، -هكذا ن�سنع المعالم على الطرق اأثمرت، وقد اللوز �سجرة فراأيت القديم، الكوخ اإلى المبهمة-، عدت ترقد على وليفة هادئة، رافقته فقد الحب اأما طائر ثمارها، واأينعت تزال لا الفتاة كانت بينما الميلاد، لحظة وتنتظر �سلام، في بي�سها تجمع في �سلتها الزهور البي�ساء، اقتربت منها بلا تردد، اعتذرت لها،

فالتفتت اإلى ببطء �سديد، ثم خرجت العبارات من بين �سفتيها:

-الحمقى لا يجب اأن تعتذر لهم �سيدي.

-كنت اأظن ذلك.

-من يرد الحقيقة لا يبحث عن مبررات.

-لقد �سنع دلوك المثقوب حديقة غناء.

-ال�سدف لا تاأتي عمدا.

-لكن ال�سدف لم تمنحني الكثير.

-هل جئت تبحث عن المحارب الاأعمى؟

- اأ�سعر باأنني �ساأمنى بالهزيمة قبل اأن األقاه.

255

-لا تحاول اأن ت�سع لنهايتك م�سماها الاأخير.

-لم اأعتد اأن اأطلق م�سميات اأخرى على نهاياتي.

-ما زلت تحتاج اإلى تدريب طويل اأيها العارف.

-لقد �سئمت اللعبة.

-حقا. )خلق الاإن�ساأن من عجل(. )�سورة الاأنبياء: 37(

-لم اأعد في حاجة اإلى تلقي الن�سائح.

-انظر اإلى اأ�سفل ربما تجد الحقيقة ملقاة تحت قدميك.

األقت الفتاة بن�سيحتها الاأخيرة، ثم ان�سرفت عني بملامح اآ�سفة تحمل �سلتها التي ظلت تتناثر منها الزهور البي�ساء حتى بلغت كوخها.

اأرهقتني الرحلة كثيرا، اأ�سعر بالجوع، والعط�س، وبرغبة في نوم عميق، وتذكرت ما قالته لي فتاة القطار:

-�ستتمنى مني ك�سرة خبز يوما ما.

�سعير رغيف من �سغيرة مزقة اإلى الاآن، خبز ك�سرة اإلى اأ�ستاق كم جاف، وجرعة ماء اأ�سق بها ظماأي، ذهبت على عيون الماء مررت بها اأرتو بعد واحدة تلو الاأخرى، اأغرف منها حفنات، وحفنات، لكنني لم

256

اأن تحول ماوؤها اإلى محلول قلوي بين مر، وملح، قب�ست على الح�سى بكلتا يدي، ونمت نوما عميقا، راأيت فيه فتا ملثما يمد يده اإلى �سجرة لوز ياأكل من ثمارها، ويع�سر منه لبنا، وماء، فا�ستيقظت �سريعا حينما القديم، الكوخ ناحية عــدوت الموت، من تقترب اأنها روحــي �سعرت ال�ساحب" حيث "الثعلب لي �سنعها التي الطريق بمعالم فا�سطدمت عكاز الحكيم، والوجه ال�ساخر الذي اأيقنت اأنه القدر، الذي ر�سمته على اأطلال زمني العاب�س لاأح�سل على اإجابات على كل اأ�سئلتي، فنحن من ن�سنع الم�سائب العظام لاأنف�سنا، وننتظر من ياأت اإلينا بالفرج ملفوفا المحيط، في واألقيته مكانه، من العكاز خلعت ال�سوليفان، اأوراق في اإلى الخلف اأتقهقر بينما ظللت الوجه كثيرا، علت �سحكاته، ف�سحك مرتعدا، حتى تعثرت بالكوخ القديم، فامتدت يد حانيه تجذبني داخله، فا�ستد جوعي، وعط�سي، قدمت لي الفتاة ثمار اللوز، وع�سرت لي لبنا، وماء، فاأعادتني اإلى الحياة، اأكلت حتى �سبعت، و�سربت حتى امتلاأت، �سكرتها كثيرا، فاعتذرت لي ثم اأ�سارت ب�سبابتها اأ�سفل ال�سجرة، فراأيته ت�سمم يراني، يكن لم لكنه ينتظرني، من راأيــت ا، متقرف�س يجل�س

رائحتي، تح�س�س ملامحي، ثم و�سع يده على �سدري، قائلا:

-انتظرتك كثيرا يا فتى.

257

باللبن الممتزج ريقي اأحت�سي اأمامه وجل�ست �سفة، بنبت اأنب�س لم والماء، فو�سع راحته على كتفي وهزني بقوة، فت�ساءلت متلعثما:

-هل نفذ الوقت اأم؟

فمد يده يهديني حبة الرمل الاأخيرة قبل اأن ت�سقط في الجانب الاآخر، قب�ست عليها بكل قوة، ثم تنف�ست ال�سعداء، واأخذت اأبحث في حقيبتي اأجدها، فلم ال�سغيرة، اأ�سيائي بين كثيرا فت�ست المخطوطة، عن عادت قد الغائبة الر�سائل اأحبار بــاأن فتفاجاأت الرقاع قطع فتحت بكل التفا�سيل التي فقدتها، لمع الوجه ال�ساخر اأمامي يبت�سم، لم اأعباأ بوجوده، ورحت اأفت�س عن �سالتي- اأين ذهبت تلك الخطوطة بحق الله؟

-، ف�ساألتني الفتاة في قلق:

-هل فقدت �سيئا ما؟

- المخطوطة. اأين ذهبت؟ اأين؟

-يا �سيدي ما خط على الرمال تمحوه الرياح.

فاأخرجته المدمم، ت�ساألني عن قمي�سي لاأتنف�س، فعادت قليلا �سمت من حقيبتي وناولتها اإياه بلا اهتمام، قائلا:

-لاحاجة لي به الاآن.

258

فاألقته على وجه اأبيها فعاد ب�سيرا، نظر يمينا، في�سارا، حدق في ملامح ابنته، في ملامحي، جال بناظريه بين اأركان الكوخ، نه�س واقفا معانقا ابنته التي ا�سطحبته اإلى خارج الكوخ، ثم تحدثت اإليه وهي ت�سير اإلى

درب الزهور:

-اأبيت اأن تكون ال�سحراء هي اأول ما تراه بعد ملامحي.

حملت �سلتها ال�سغيرة، واأخذت تنثر فوق راأ�سه الزهور البي�ساء، فتوقف اأمام المحيط، والتفت اإلى قائلا:

-اأتيت لتبحث عن الحقيقة؟

-الحقيقة؟

ت�ساءلت وكاأنني اأ�سمع تلك الكلمة للمرة الاأولى، فدار حولي مرتين، ثم ال�سماء، فراأيت تو�سطت التي ال�سم�س بها �سوء ليواجه بيدي، اأم�سك ومرات، مرات، فحركتها يدي، ترك الرمال، على لظله معانقا ظلي الرمال، على ا�ستلقيت فقفز ظلي، لاأعلى، قفزت معها ظلي، فتحرك فانعك�س في ال�سماء، نه�ست من مكاني مفتخرا به كالاأطفال، فاهدتني اللثام، وجهي عن اأميط اأن بود مني وطلبت بنف�سيجة، زهرة الفتاة فا�ستجبت لطلبها، وهممت اأن اأقبلها بين عينيها، فاقترب اأبوها قائلا:

259

-ملامحك لا ت�سبه ال�سحراء يا فتى.

-ملامحي ت�سبه ملامحي يا �سيدي.

-منحتني النور فمنحتك الحقيقة التي تبتغيها.

-لكنها لا تزال ناق�سة.

- منحتك الوقت وهذا يكفي.

-كيف اأعود بكتابي هذا وقد خلا من ف�سله الاأخير.

-لا بد واأن تنهي رحلتك من حيث بداأت.

-الطريق لا تزال معكو�سة �سيدي.

-اقذف بحبة الرمل الاأخيرة حيث ي�ستلقي النهر.

-لقد تخطيت كل الحقائق المبهمة، فكانت رحلتي اأقوى من كنز مفقود.

-لكنك تحتاج اإلى عنوان تغلق به كتابك.

-هي رحلة جديدة اإذا.

-بل هي بداية ت�سنعها اأنت لكل من اأراد اأن يحيك نهايته.

-وما الذي اأجنيه من ذلك �سيدي؟

260

اأحنى الرجل راأ�سه على �سدره، وزاغ ب�سره �سوب المحيط، ثم التقط عكاز الحكيم الذي قذفته الاأمواج اأمامه، وجل�س يحكي عن فار�س قوي خرج مع قومه اإلى الحرب يوما ما، تاركا خلفه ابنته، وزوجته، خا�س يقاوم كان مرة كل في لكنه وطعنات، �سربات، وتلقى كثيرة، اأهــوالا اأعادئه، وكثرة قوته، خذلته لكن منت�سرا، يعود اأن اأجل من الموت فنجا بنف�سه، لكنه عاد مهزوما، يحمل راية �سوداء، ون�سي اأن الهزيمة هي حقيقة لا تدوم كحقيقة الن�سر، فظل ينظر اإلى مدينته التي لاحت معالمها من بعيد، ثم اأغم�س عينيه متظاهرا بالعمى لاأنه لا يقوى على اأ�سد عليه من وقع التي �ستكون بال�سفقة المخ�سبة اللوم روؤية نظرات الطعنات، وال�سربات، وال�سحجات التي تلاقاها خلال حروبه الما�سية، فلم يجد ملاذا له اإلا الظلام، الذي �سيثاأر لهم به من هزيمته النكراء، اأن يعي�س بعيدا في كوخ �سغير يوؤويه على فهجر بيته، واآثر على نف�سه لا التي والنهاية بعده، فــراغ لا الــذي الفراغ حيث المحيط �ساطيء نهاية �سواها، ماتت زوجته كمدا على �سياع هيبة زوجها، وفراق اأهلها، اأن فــاأراد منزلها، جــدران على حفرتها التي الانت�سارات وذكريات يفتح عينيه ليلقي على وجهها نظرة الوداع، فتفاجاأ باأنه قد فقد ب�سره بالفعل، فحرمه العقاب الذي اختاره لنف�سه من نظرة الوداع الاأخيرة،

261

جواره، تكبر فظلت للحظات، ولو الوحيدة ابنته بروؤية يحلم وعا�س وتقوم على خدمته دون اأن تتركه اأبدا، فت�سرب األمها ال�سديد اإلى قلبه اإلى كائن �سعيف كلما ا�ستيقظت على عجزه وا�ست�سلامه، الذي حوله يوم اأتى و�سرابه، حتى ليتناول طعامه، ثغره يكمن اأين يعرف يعد لم دعا فيه ربه باأن يرد عليه ب�سره لي�سعد ابنته ولو للحظات قليلة، قبل اأن ينتهي اأجله، فيحررها من عجزه الذي اأ�سرها جواره �سنوات طوال، حتى كاد اأن يقطف منها �سبابها، �سلى الع�ساء، ونام على و�سوء، فاإذا به يرى فتا ملثما يحمل م�سباحا، وعكازا، وكتابا، وحقيبة �سوداء، خرج من مدينته ي�سير في طريق طويل، يبحث عن حقيقة هي داخله، وي�سابق زمنا مقتولا، قا�سدا كوخه ال�سغير على �ساطيء المحيط، الذي اأقامته ا قمي�س وجهه على فاألقى عجزه، لتخفي الخيرزان عيدان من ابنته م�سباحه، يحمل ظل الفتى لكن ب�سره، اإليه فارتد بالدماء ملطخا وي�سير �سوب ظلام المحيط، فاأراد الرجل اأن يرد اإليه الجميل، فخط له طريقا م�ستقيما للنهاية هناك حيث ي�ستلقي النهر، ويتوحد الزمن، وتهداأ كل نف�س حائرة، فلي�س للعا�سق �سوى فوؤاد واحد يجل�س به مع الله

حينما تنف�س من حوله المجال�س.

البلل، فربت على كتفي، الدموع من عيني، حتى طال لحيتي انهمرت

262

و�سمني اإليه، ثم اأم�سك بكتابي قائلا:

-اقب�س على كتابك هذا ولا تفقده اأبدا.

-وماذا عن قلبي؟

-�سيظل ينب�س في كل نف�س تريد الحياة.

رفعت راأ�سي اإلى ال�سماء، بينما اتكاأ الرجل على عكاز الحكيم، مم�سكا بيد ابنته، ورحلا معا �سوب المدينة، حيث ينتظره قومه، وبقيت وحيدا ومتدثرا بكتابي، متو�سدا اللوز، �سجرة تحت فنمت الكوخ، اأ�سكن العيدان، فاأ�ستيقظت على ال�سم�س من بين بالرمال، حتى ت�سلل �سعاع لحظة ميلاد الع�سافير التي اأتى الله لها بلقيمات من خبز ال�سعير الذي طالما ا�ستهيته، وحرمته على نف�سي، حملت حقيبتي، وكتابي وغادرت الحكاية على اأر�ساه �ساحب الذي الف�سي القارب اإلى الكوخ مبت�سما، اأنظر فظللت البداية، تنتهي حيث اإلــى بي ليبحر المحيط، �ساطيء اإلى الكون حيث ي�سكن الله في كل مكان كان ولم يكن، واأبحث لنف�سي اإليه، تحدثت معه كثيرا...فهو وحده من يمتلك كل اأفر به عن مهرب الحلول، وهو وحده من يغير ولا يتغير، وهو وحده من يبت�سم لي، ويحنو

علي، وياأ�سرني لاأتحرر من قيودي بالنهاية الكبرى.

263

)11- عتـق(تجاريب واأهليها وللعلـــــوم ** ترتيــــب وللاإيمان اأهــل للعلم

والعلم علمان منبوذ ومكت�ســب ** والبحر بحران مركوب ومرهوب

اأدرت المفتاح في باب منزلي، ثم دلفت اإلى ال�سالة، ا�ستقبلتني "نهاد" ب�سوتها الهادئ تجل�س في مقعدي المف�سل، تم�سك بالم�سحف وترتل خواتيم �سورة "يو�سف"، اأما مزرعة "يا�سين" فما تزال في مكانها اأمام الطاولة لكنها كانت قد امتلاأت بالوحو�س، لم اأ�ساأ اأن اأقاطعها بوجودي، هم �س لكنها كانت قد انتهت من ترتيل الاآية الاأخيرة )لقد كان في ق�سعبرة لاأولي الاألباب ما كان حديثا يفترى ولـكن ت�سديق الذي بين يديه وتف�سيل كل �سيء وهدى ورحمة لقوم يوؤمنون (، اأغلقت الم�سحف ثم

264

حدقت في وجهي طويلا، لكنها اأعر�ست عني �سريعا، واختفت في غرفة مكتبي، لم ت�ستوعب وجودي بعد! هذا ما اأدركته جيدا، فذهبت اأفت�س دمت عندما راأيت �سورة تحمل ملامحه عن ابني في غرفته، لكنني �س"يا�سين"؟ مات هل اأ�سود، ب�سريط زواياها اإحــدى "نهاد" زيلت قد م�سدوها، وقفت الحكاية؟ �ساحب تنباأ كما حقا "يو�سف" قتل هل عن الرحيل قــررت ثم الاأيمن، خدي على دافئة دمعة �سقطت بينما اأنه لم يعد لي مكان اأيقنت ي�ستوعبني، بعدما الذي لم القديم واقعي فيه، خرجت من الغرفة، فالتقيت بـ"نهاد" وجها لوجه، فوقفت اأمامي مت�سمرة، فاأف�سحت لها الطريق كي تعبر اإلى اأحزانها فربما تجد فيها لوى، والملاذ- لقد بدل الحزن ملامحها كثيرا- فبدت كاأ�سطورة ال�سقديمة لم تكتمل، هممت اأن اأعانقها واأدفن حزني داخلها، لكن �سيئا ما منعني، فان�سحبت في هدوء، وفي راأ�سي اأ�سئلة كثيرة، لكن الحزن هو اأتلقاها الاآن، بعد اأن انفطر قلبي واأ�سبح كحبة اأن اأق�سى اإجابة يمكن ثم بقوة ونقرها غراب فاأتاها تنفلق، اأن فاأبت للحظات الماء طالها رحل، فظلت في جوف الاأر�س وحيدة لا هي اأنبتت زرعا، ولاهي تحللت

و�سارت ترابا.

عند باب المنزل اأوقفتني �سورة اأبيها بزيه الع�سكري، تفح�ست زواياها

265

الذهبية الخالية من ال�سرائط ال�سوداء، فتلك ال�سور لا يم�سها الموت اأبدا، بل �ستظل �ساخ�سة على اأبوابنا حتى قيام ال�ساعة، لم اأهتم كثيرا بوجودها من عدمه، فلم اأعد اأمتلك ما ياأ�سرني، ويجعلني خانعا لمثل تلك الاأ�سياء الكبيرة ال�سخمة، فالتفت اإلى التاريخ المتاأرجح بعيدا اأ�سفل �ساعة الحائط، اقتربت منه لاأتحقق من الما�سي الذي طويته خلفي-يا الله- لقد لبثت في رحلتي اإحدى ع�سرة �سنة، اأو يزيد قليلا، اأخرجت �سندوق �سجائري من الحقيبة، وتفح�ست تاريخ ال�سلاحية فتفاجاأت باأن التاريخ يطابق التاريخ، فاأيقنت باأن اأحداث الحكاية �سارت تتحرك الف�سيح، ال�سارع اإلى وخرجت الباب مقب�س اأدرت الاآن، اتجاهي في فراأيت �سورة ابني باهتة تحمل �سعارا كبيرا لثورة قامت وانتهت، تتهدل من المباني ال�ساهقة، ومن جدران المحال، واأعمدة الكهرباء، لقد �سار ثورة قامت هل نف�سي ف�ساألت اأعينهم، فن�سته النا�س، اعتاده �سهيدا اأخرى غير التي غادرتها وتحتاج اإلى ثورة اأخرى لتنتهي؟ لكن الفخار الذي ملاأني �سمد كل اأحزاني بعد اأن خلد "يا�سين" ا�سمه في مخطوطة الملوك خــدام اأحــد مقبرة �سقف في معلقة عليها عثر التي الخلود المجهولين، لقد تحقق حلم "مانو"، و�سدق "اإبراهيم" فـ "يو�سف" هو "يا�سين"، و"يا�سين" هو "يو�سف"، �سققت �سفوف ال�سيارات، والنا�س،

266

لي لي�سع اإمام" "الدكتور بيت قا�سدا والم�سافات، ال�سوارع، اأزحت بابه، لاأطــرق يدي قب�سة اأمد اأن قبل لكنني وعد، كما لكتابي عنوانا اأخذت اأخمن ماذا يكون العنوان الذي انتظرته طويلا؟ طرقت الباب، اأمامي، ا�ستقبلني خادم طرقته كثيرا، وبعد غياب لي�س بطويل، انفتح �ساألته �سغيرا، خ�سبيا �سندوقا ويحمل بي، يرحب اإمام" "الدكتور قبل الدنيا عن رحل قد باأنه فاأخبرني المنزل، �ساحب �سديقي عن مجيئي اإلى هنا للمرة الاأولى باثنتي ع�سرة �سنة، وترك لي كتابا اأهداه ال�سندوق لي هذا وترك اأخــرى، مرة عالمه اإلى ثم غاب بنف�سه، لي الذي يحوي ر�سالة، وقالب �سيكولاتة لابني "يا�سين"، ثم ن�سحني باأن اأفتحه هناك حيث ي�ستلقي النهر، فهناك فقط اأ�ستطيع اأن اأقراأ ر�ساتي الاأخيرة، لم اأكن اأفهم ما يرمي اإليه هذا العجوز ال�سرقاوي الطيب، هل اأهداني هذا الكتاب رجل ميت بالفعل؟ هل من ترك لي هذا ال�سندوق الر�سائل؟ ويكتبون ال�سيكولاتة؟ الموتى يتبادل بالفعل؟ هل رجل ميت هل حقا مات "الدكتور اإمام" قبل اأن اأخو�س رحلتي تلك الطويلة التي وتركني الباب الخادم اأغلق بينما بال�سندوق اأم�سكت اإياها؟ اأر�سلني

م�سرجا في حيرتي.

عدت اإلى ال�سارع حيث تكمن مواخير العوادم اللعينة، باألوانها القاتمة

267

الجمال ف�سار والقلوب، والتقا�سيم، والوجوه، بالجدران، علقت التي والمر�س، والجهل، والفقر، والقهر، الاأ�سى، اأوبار تغطيه اأزليا قبحا القبور حيث الموتى، وال�سيوخ ال�سيوخ، الاأطــفــال حيث والحرمان، الدخان حيث والروث، بالقمامة، المكد�سة النا�س باأح�ساء المتحركة الذي يمتزج بالاأنفا�س، والاأكباد، والاأرواح، حيث انجلى، العطر، والاأمل، اللقيمات، وجرعات المياه، فباتوا ي�ستطعمون القمامة، الياأ�س وزاحم والملاعق بالتوابيت، ال�سحون فا�ستبدلوا والكمد، الهم، ويتجرعون بالخناجر الطاعنة في العدم، فاأي حقيقة يبغيها هوؤلاء بعد اأن تحولوا الاأر�س، حلال عنهم غاب اأن بعد الجيف؟ على تت�ساجر وحو�س اإلى وتقل�ست في اأفواههم نعم ال�سماء، حتى اأ�سحى كل واحد منهم لا يبتغي �سوى ب�سعة �سنتميترات تحتويه، يعي�س فيها، ويموت م�سلوبا عليها، اأي حقيقة يبتغيها هوؤلاء ال�سكارى؟، المغيبون عن كل الحقائق التي اأوجدها

الله، الطوفان.

الاأر�ــس، ليغ�سل الاآن، اأتمناها التي الوحيدة الحقيقة هو الطوفان جديدة �سفينة من تهبط طاهرة، بــاأزواج الم�سوهة الم�سوخ وي�ستبدل ثم باأيديهم الاأ�سنام ي�سنعون الذين هــوؤلاء روؤو�ــس على الله ير�سيها يعبدوها، بعد اأن انت�سر ال�سجيج في كل مكان يملاأ عليهم اأ�سماعهم،

268

حتى امتزج بالترانيم، والتراتيل المقد�سة، فقد�سوه، وغفلوا عن بلابل حقيقة اأي هــوؤلاء؟ يبتغيها حقيقة اأي بالجمال، ت�سدح التي الــدوح

يقد�سها هوؤلاء بعد اأن باعوا اأنف�سهم للطواغيت، الجرذان التافهة؟

قادتني قدماي تجاه "الدرب الاأ�سفر" فقد ا�ستهيت اأن اأرى نف�سي كيف بدت الاآن بعد اأن اقتربت الرحلة من نهايتها، دخلت من باب "الن�سر" دلفت الاتجاه، اعتدل اأن بعد العبور الحكاية من اأحداث تمنعني فلم اإلى الداخل، ف�سادفت �ساحب الحانوت يجل�س اأمام دكانه، بينما وقعت عيني على �ساب و�سيم يقوم بترتيب الاأغرا�س القديمة المتكد�سة على تخ�سك- لا اأخرى حكاية على بعيد من تتفرج اأن اأروع الاأرفف-فما "�سندوق على ينادي المهرج يقف المظلم حيث الزقاق اإلى ، عبرت لي نظر الــدخــول، على يت�سابقون الاأطــفــال حوله فاجتمع الدنيا"، المهرج نظرة طويلة، ثم اأف�سح لي الطريق مبت�سما، فرحب بي �ساحب اأن �سغل بعد اأجل�س، الاأخير كي المقعد اإلى واأ�سار بع�ساه ال�سندوق،

الاأطفال المقاعد الثلاثة، اأطفاأ النور، و�ساح ب�سوت بهلواني جذاب:

- الاآن اكتملت المقاعد. هيا بنا نبداأ اللعب.

نف�سي فراأيت ويكبر، يكبر، الذي ظل البعيد النور اإلى مددت ب�سري

269

اأقف خارج دائرة من النار تحيط بكل من عرفتهم خلال رحلتي الطويلة الاآخــر، تلو واحــدا، واأخرجهم يــدي، لهم اأمــد كنت بينما ي�ستغيثون، ال�سوء، وعــاد �سبيلهم. حال اإلــى جميعا رحلوا النار، دائــرة خمدت اختفى الم�سهد تماما وتلا�ست بوؤرة ال�سوء، ف�ساح �ساحب ال�سندوق:

-الاآن افرغوا المقاعد للمنتظرين. انتهت اللعبة.

حدقت في وجهه، وهززت راأ�سي معبرا عن اإح�سا�س بالر�سا، وغادرت المكان، بينما هم بقلب ال�ساعة الرملية على جانبها الاآخر، لتبداأ رحلة

جديدة لا علم لي بها.

في الخارج كان المهرج ما زال ينادي في الاأطفال على �سندوق الدنيا، فوقفت اأتاأمل وجهه الملطخ بالاألوان، واأفكر فيما راأيته داخل ال�سندوق، التي القلب �سغائن اإنها وخذلوني؟ بهم ا�ستغثت اأنا�سا، اأغيث فكيف اأنا على حالي هذا وبينما تع�س�س في �سمائرهم، وهجرتني، ما زالت بيتها، م�ست�سرف في تقف لامــراأة خليعة �سحكة اأذنــي في انفجرت ترتدي ملاب�س �سبه عارية، وت�سير لي ب�سبابتها اأن اأ�سعد اإليها، فارتعب قلبي من هول الذنب العظيم، اأعر�ست عنها �سريعا، بعدما راأيت برهان اإلى كلب �سخم ينبح في ركن بعيد، وقطة ترد التفت ربي في الاآفاق،

270

عليه بمواء غا�سب من الركن المقابل، حدقت في عينيها اللامعتين، وتذكرت اأن الخزعبلات القديمة تقول "اإن من ينظر طويلا في اأعين بوجهي واأ�سحت عينيها، من عيني �سحبت بالعمى"، ت�سيبه القطط عنها، فقفزت من مكانها، حينما رك�س الكلب خلفها، لتبحث عن ملاذ في ت�سير عادت قد الحكاية اأحــداث اأن فاأيقنت المفاجئة، هبته من الخروج قا�سدا �سيء حولي كل على اأتفرج �سرت ال�سحيح، اتجاهها

من باب الفتوح، فهكذا تخرج الجيو�س، وتعود منت�سرة.

اأخذ يثرثر التاريخ الذي اأتاأمل مدر�س في ميدان طلعت حرب، وقفت و�سط طلابه قائلا: كان الخديوي اإ�سماعيل يحلم باأن يحول القاهرة اإلى مدينة ت�ساهي باري�س في جمالها، فقام بجلب العديد من المهند�سين الاأوروبي، الطراز على العمارات تلك لت�سييد والفرن�سيين الاإيطاليين ميدان با�سم والميدان ال�سارع ت�سمية تم الت�سييد من الانتهاء وعند "�سليمان با�سا الفرن�ساوي" موؤ�س�س الجي�س "�سليمان با�سا" ن�سبة اإلى و�سط في له تمثال اإن�ساء وتم با�سا، على محمد عهد اإبان الم�سري الميدان. وظل هذا الميدان يحمل ا�سمه حتى قيام ثورة يوليو، فقررت تمثال بنقل فقامت جميعها، الملكية الرموز من التخل�س الحكومة �سليمان با�سا اإلى المتحف الحربي في القاهرة، وو�سعت بدلا منه هذا

271

التمثال للاقت�سادي الم�سري طلعت حرب.

ا، لكنهم نظرت اإلى الطلاب، وانتظرت اأن يخرج عليه اأحدهم معتر�سظلوا يدونون ما كان يلقيه عليهم بدقة متناهية، غير عابئين بم�سلمات �سحكت بل ابت�سمت، عليها، بالاعترا�س اأبــدا ي�سمح لا التي التاريخ لان�سياعهم التام لما يقوله هذا المدر�س المخبول، ورحلت عنهم واأنا اأعيد في ذاكرتي اأحداثا عا�سها الطالب المتمرد، الذي اعتذر لمدر�سه على م�س�س تحت هذا التمثال يوما ما، فهكذا تتبدل التماثيل، وتجف �سموخا، اأكثر اآخر تمثالا ي�سنع من ياأتي ثم وتموت، قواعدها، على ن فيها اأفكاره وعنفوانا، فيظل واقفا في الاأعلى، يحمل في يده وثيقة دوالتمثال اأن يغلبه اإلينا ب�سبابته لن�سير على نهجه قبل القديمة، وي�سير

الجديد.

فقاطعتني ومدر�سهم، الطلاب، اأتابع "جروبي" مقهى على جل�ست ما اأكتب اأن بيدها لي واأ�سارت وقلما، ورقة اأمامي وو�سعت النادلة،

اأريده، فاأحجمت عن الكتابة وقلت لها:

-اأريد قهوة مرة.

للاأمر، ا�ست�سلمت اأريده، ما اأكتب باأن لي ت�سير وعادت راأ�سها فهزت

272

وكتبت م�ستغربا، التقطت الورقة في �سمت، وغابت للحظات، ثم عادت الحقائق كتاب بقراءة واأتظاهر قهوتي، اأحت�سي فجل�ست طلبت، بما فيها مكثت �ساعات مرت الاأخيرة، الحقيقية من خاليا يزال لا الذي عن يحجبني زجاجي جدار خلف من الجائلين والباعة ة المار اأتاأمل �سخبهم، بعدما ان�سرف المعلم وطلابه دون اأن يحدث اأي �سيء غير لافتة وترفع المقابل الر�سيف على تقف "النادلة" فراأيت اعتيادي، ها باأمها كتبت عليها وجهتها ل�سائقي التاك�سي، حتى توقف اأحدهم و�سبواأبيها ولعن التظاهرات، والثورة، فاأيقنت اأنه لا يقراأ، ولا يكتب، نه�ست من مكاني م�سرعا تاركا خلفي الكتاب، وثمن القهوة، وخرجت لاأبحث تذكرت بعدما المقهى اإلى عدت مكانها، في اأجدها لم لكنني عنها، بين بها تجل�س على طاولتي تحمل فتفاجاأت �سيئا ما، ن�سيت اأنني قد

يديها الكتاب، جل�ست اأمامها، و�سمت للحظات، ثم تحدثت قائلا:

-بحثت عنك كثيرا.

-لن تعثر علي اأبدا.

-ظننتك بكماء.

-وعمياء اإن اأردت.

273

-اإذا فما حاجتك اإلى ورقة وقلم ولافتة؟

-�سمت الحقائق يا �سديقي لا يحتاج للكلام.

- لكننا في زمن يقد�س الكلام.

-لا تجعل الاأحداث التافهة تفقدك كتابك.

-هل عدت من اأجله؟

-من اأجلنا عدت.

وكاأنها على موعد ال�سارع م�سرعة، اإلى ان�سرفت ثم الكتاب، ناولتني تلتفت خلفها، اأن دون الزحام، بين اختفت اأراقبها حتى فاأخذت ما، الذي الرجل هذا اأمر في واأفكر قهوتي، اأحت�سي طاولتي في فجل�ست ي�سكنني منذ اآلاف ال�سنين، والذي يجبرني على تقم�س دوره ببراعة، حتى اأجبرني على حمل �سندوق �سجائر في حقيبتي رغم اأنني لا اأهوى التدخين، وقعت عيني على رجل يجل�س وحيدا بمحاذاتي، فبقيت اأرمقه المقهى، عرج بالخروج من يهم اأن قبل لكنه لغرابة ملامحه، طويلا اإلى طاولتي، وانحنى علي �ساربا كلتا يديه اأمامي، ثم �ساألني بع�سبية:

- لماذا كنت ترمقني طوال هذه الفترة؟

274

فاأجبته واأنا اأحاول اأن اأخفي خجلي ب�سعوبة:

-لم اأنتبه اإليك �سوى الاآن.

-لقد اأف�سدت علي احت�ساء قهوتي.

-ا�سمح لي اأن اأعو�سك بفنجان غيره.

جحود عن يحدثني اأخذ ثم طاولتي، لي�ساركني وجل�س مقعدا جذب اأبنائه الذي اأفنى عمره كله من اأجلهم، ورف�س اأن يغادرهم، اأو يرحل عنهم ولو للحظة واحدة حينما كانوا اأطفالا، لكن حينما ا�ستد عودهم، تركوه وحيدا، وهاجروا اإلى اأوطان اأخرى، فظل يترجى منهم الر�سائل حتى انقطعت، اغرورقت عيناه بالدموع، فاأخرج منديلا ورقيا، وجفف

ما �سقط منها خلف نظارته الطبية، ثم تحدث اإلي بلهجة هادئة:

-راأيتك ت�ستبدل وجودي بكتابك هذا فاأردت اأن اأقول لك اأنا هنا.

-اأعتذر لاأنني لم اأكن اأ�سعر بوجودك.

-لا تجعل كتابك ي�سرفك عن من يحتاجك.

-لم اأكن اأعلم.

علق ب�سره بين عيني للحظات ثم اأردف قائلا:

275

-ليت بالكتب وحدها نعلم كل �سيء.

الح�ساب فاتورة ب�سداد قام بعدما عني ان�سرف ثم بح�سرة، تنهد كاملة، حاولت اأن اأثنيه، اأن اأبقيه معي، ناديته كثيرا، لكنه لم ي�ستجب كتابي، يقاوم دموعه، طويت ال�سارع وحيدا لا ي�سير في لندائي، وظل ورددت ظهري اإلى الخلف، محاولا ا�ستيعاب تلك الاأحداث التي تتقافز اأثرا �سوى في من حولي، وتذوب �سريعا كحبات ال�سكر، دون اأن تترك نف�سي التي تحولت اإلى جفنة �سخمة تجمع داخلها كل الفتات، والبقايا، المقهى، غــادرت ثم طاولتي، على �سمعة ي�سعل اأن النادل من طلبت

وتركتها لمن �سياأتي بعدي قبل اأن تنتهي.

تمنيت كثيرا اأن اأعي�س في فيلم من كرتون، األوانه زاهيه، �سوارعه نظيفة، يمتلئ باأبطال لا يطالهم الموت مهما اخترق ج�سدهم الر�سا�س، لكنني ولدت في فيلم طويل اأقوم فيه بدور �سرير اأحمق يحمل م�سد�سا كبيرا، ويطلق النار على كل ال�سخو�س حتى بقى وحيدا لا يجد من يكتب له كلمة النهاية، فظل يعيد دوره مرات، ومرات، ف�سفق له الجميع، و�سار بطلا تت�سدر �سوره "الاأفي�سات"، والجرائد، ويتقم�سه الاأطفال، لكنه ظل لا يعرف دوره في الحياة، فعا�س يتقم�س كل ال�سخو�س ون�سي نف�سه، فخرج يبحث عن نهاية ينقذ بها النا�س جميعا، لكنه عاد بنهايات ناق�سة لم

276

يتممها اأ�سحابها.

المقعد رقم البحرين"، جل�ست في "مرج المتجهة �سوب الحافلة في الذي ما لكن العادة، كما �ساغرا فظل )12( رقم المقعد اأما )11(يبتغيها؟ التي النهاية اإلى طريقي في واأنــا الحكاية �ساحب �سيقذفه ف�سعد ال�سبي يوزع علينا كتبا لمواعظ �سغيرة في �سمت، ووقف ينتظر ب�ساعته، نفدت بعدما كثيرا ينتظر فلم ال�سجائر بائع اأما يبتاع، من الميكرفون عبر بتعليماته األقى المبتاعين حتى يمهل لم ال�سائق لكن الداخلي بالاإقلاع عن التدخين، لملم ال�سبي مواعظه كاملة، ثم هبط اإلى ال�سارع غير عابئ بخ�سارته، اأخذت اأتابعه حتى قفز بج�سده ال�سئيل اإلى حافلة اأخرى، التفت اإلى مقعدي ال�ساغر فتفاجاأت بالق�سي�س يجل�س مبت�سما، حدجت ملامحه طويلا، وانتظرت اأن يلقي اإلي بر�سالته، لكنه ظل �سامتا لا يتكلم، ثم نه�س من مكانه متجها اإلى المقاعد الخلفية، فاأتت فتاة القطار تحمل في يدها ك�سرة الخبز، وتجل�س مكانه، فنظرت ثم �سامتة، ظلت لكنها طلبها، علي تعيد اأن وانتظرت طويلا اإليها "نهاد"، اأتت ثم الخلف، في اآخر بمقعد مقعدها وا�ستبدلت نه�ست وتلتها "مانو"، وفتاة "الواحة"، والقا�سي، وفتاة الثلج، ورجل المحيط، المتهافتين، من �ساغرا المقعد عاد النهاية في لكن "اإبراهيم"، ثم

277

اللحظة اأنتظر مقعدي في وحيدا وبقيت والواجمين، والمبت�سمين، التي �سيعلن فيها ال�سائق عن حقيقة الو�سول، التفت اإلى الخلف فراأيت تعد لدي فلم هيئ لي ذلك، اأو الم�سافرين، تماما من الحافلة خاوية لا التي الثانوية الوجوه كل �سئمت اأن بعد اإن�سان اأي روؤيــة في رغبة ت�سمن ولا تغني من جوع، فما اأبتغي روؤيته الاآن هو وجه جديد يحمل لي ب�سرى النهاية، وي�سعني في بوؤرة النور الاإلهي المتجلي في النفو�س التي النافذة عن ال�ستار اأزحت الملونة، الفرا�سات كما النور �سوب ت�سعى واأ�ساأل الخارج، في المتحركة الكتل على اأتفرج واأخــذت الزجاجية، نف�سي كطفل �سغير يجل�س في حجر اأبيه في القطار، لماذا تتحرك تلك الاأ�سياء، واأنا ما زلت هنا؟ لوكان يعلم الطفل ال�سغير اأنه هو من يرك�س الكبيرة، الخدعة له منحتها التي المتعة بتلك �سعر ما النهاية نحو فالحقائق، والقوانين، والم�سائل، والمعادلات، والم�سلمات، لا تعي بعد ما يرنو اإليه طفل مثلي، عا�س يوؤمن باأن ال�سجر يلوح له من بعيد، ويودعه، ف�سحقا لكل الحقائق التي تمحو فرحات الاأطفال، و�سحقا لكل القوانين ا جامدة تقتل الم�ساعر، وت�سدم المعنى والمعادلات التي تحكي ق�س�سخيول �سخمة، اأفيال برية، اأرانــب هي ال�سماء في فال�سحب الجميل، اأبخرة وغازات، ومن بي�ساء، فتيات ح�سناوات، ووجوه ناألفها، ولي�ست

278

اإن�سان مجنون لا محالة، جاء يقول باأن القمر مجرد حجر مظلم، هو فما اأجمل اأن نعي�س حقائقنا كما نبتغيها.

التي هي ذكرياتي بل طويلا، البحرين" "مرج اإلــى الطريق يكن لم مظلم، قمر ون�سف �سفراء، �سم�س بن�سف اأ�سبه دنيا اإلــى اأخذتني و�سهاب اأخطاأ هدفه، فظللت اأجر خلفي كرة كبيرة من ال�سوف واأ�سير فطري بنظام الرا�سية ال�سيد مراكب اإلــى فنظرت ال�ساطئ، على عجيب، واإلى الاأطفال الذين جل�سوا م�سطفين على �ساطئ المياه، واإلى ملامحهم الواحدة التي ت�سبه حلقة كبيرة انفرجت في مياه راكدة خلفها حجر األقاه رجل �سارد في همومه، ورفعت راأ�سي اإلى ال�سماء ال�سافية منت�سيا، بل متهيبا اللحظة التي �ستجتمع فيها كل النقاط المتفرقة في ج�سد واحد، وكاأنني �ساأرى "اأوزري�س" مكتملا في ذلك المكان بعد اأن مزقه الاأ�سرار، فاقتربت من الاأطفال لاأ�ساألهم عن منتهى النهر لكنهم كانوا قد رحلوا جميعهم اإلا طفلا واحدا جل�س ي�سطاد ال�سمك ب�سنارته البو�س، فوقفت جواره، وطرحت عليه ال�سوؤال التفت نحوي، وهز راأ�سه ا ولم يجب، فاأعدت عليه ال�سوؤال لكنه لم يعاود الالتفات نحوي، ممتع�س

ولم يجب، فجل�ست جواره فت�ساءل قائلا:

- هل تجيد �سيد ال�سمك؟

279

- لم اأجرب اأبدا من قبل؟

- اإذا فكيف تقب�س على حقائقك؟

- اأبحث عنها في كل مكان.

- وهل تاأتيك خا�سعة؟

- بل اأذهب اأنا اإليها.

- اإذا فما تح�سل عليه هو ما ظهر فقط من جبل الجليد.

- اأين تكمن نهاية النهر يا فتى؟

- ابحث عنها كما اعتدت اأن تبحث عن حقائقك.

-�ساأح�سل عليها بكل تاأكيد.

-لقد �سعد مو�سى اإلى الجبل واأراه الله الاأر�س ثم مات دون اأن يطاأها.

في �سنارته وترك كتفه، على مقطفه مكانه، حمل من ال�سبي نه�س بوجودي، يعباأ اأو نحوي، يلتفت اأن دون قريته، �سوب رحل ثم الماء، فقب�ست على ال�سنارة وجل�ست لاأكمل ال�سيد، فاأخرجت �سمكة كبيرة،

فرحت بها فرحا �سديدا، ثم اأعدتها اإلى النهر قبل اأن يلحقها الموت.

مجمع ــى اإل اأ�ــســل علني ال�ساطئ بمحاذاة و�ــســرت حقيبتي، حملت

280

عن وي�ساألني طريقي، يعتر�س بال�سبي تفاجاأت لكنني البحرين، �سمكته، فاأجبته منده�سا:

-األقيتها في النهر.

-األم تكن في حاجة اإليها؟

-جئت اأبحث عن منتهى النهر.

-لن تح�سل على �سالتك حتى تعيد اإلي �سمكتي.

اأخــرى، مــرة له اأ�سطادها اأن اأمرني ثم �سنارته، ال�سبي اأعطاني فا�ستجبت لطلبه، وجل�ست على ال�ساطئ، ثم األقيت بطرف الخيط في النهر، وانتظرت حتى التهمت �سمكة الطعم، فنزعتها �سريعا، ومنحتها

اإياه، فمد يده ليقب�س عليها، ثم األقاها في النهر قائلا:

-لي�ست تلك �سمكتي يا هذا.

فري�سة وقعت قد باأنني تام يقين على واأنــا اأخــرى مرة لل�سيد فعدت التقطت ال�سنارة الكثير حتى الوقت ل�سبي مخبول، لكن لم يمر من

�سمكة اأخرى، فعر�ستها عليه، قلبها يمينا، في�سارا، بادرته بال�سوؤال:

-األي�ست هي؟

281

-كاأنها هي.

و�سع ال�سبي ال�سمكة في مقطفه، ثم اأ�سار لي �سوب البحر، قائلا:

-هناك ي�ستلقي النهر.

-لم اأعد في حاجة اإليك بعد اأن دلني ال�ساطئ.

- لقد علمتك �سيد ال�سمك وهذا يكفي.

الت�سقت في الاأر�س للحظات، واأنا اأتابع ال�سبي الذي حمل مقطفه على ظهره، ورحل �سوب قريته، مبت�سما ابت�سامة �ساخرة.

كان الغروب ي�ستعد لاإ�سدال �ستائره على نافذة العالم، فنزلت اإلى القارب اأمخر واأخــذت ال�ساطيء، على الحكاية �ساحب اأر�ساه الذي الف�سي اللقاء الاأبدي، هناك عند بين مفار�س ورد النيل، متجها �سوب نقطة المربع الوجودي الاأعظم، حيث يتقاطع النور بالظلام، والملح بالعذب، وال�سوت بال�سمت، توقف القارب حيث �ساء �ساحب الحكاية، اأخرجت ال�سندوق لاأقراأ الر�سالة الاأخيرة، واأهدي قالب ال�سيكولا لمن غاب عني وجهه فراأيت الكبيرة، المزرعة في ال�سر يموت كيف وعلمني طويلا، والمالح، العذب الفا�سل بين "اإبراهيم" ويتو�سط الخط يمتزج بوجه فاألقيت اإليه بهديته، فابت�سم لي ثم ذاب في الماء، فتحت الر�سالة التي

282

فاإنما اإليها، اأ�سعى التي فوجدتها خالية من حقيقتي انتظرتها طويلا التي الطويلة وع�ست معها خلال رحلتي اأخرى" التقيتها، "ماآرب هي غزلتها بالرمال، والحجار، والثلج، والماء، والاآن يعتقني منها �ساحب الحكاية، لتبقى خالية من حقيقة خرجت اأبتغيها دون اأن اأعي اأن هناك العنوان نق�ست للحظات، ولو بها ليحيا غيري يبتغيها اأخــرى، حقائق بقلمي على غلاف الكتاب الذي خلا من ف�سله الاأخير، فاأ�ساء، األقيت واهتز الاأمــواج، وعلت البحر، فهاج الماء، في الاأخيرة الرمل بحبة بال�سمت، وال�سوت بالظلام، والنور بالمالح، العذب امتزج القارب، اأمي راأيت الماء، غمرني الاتجاهات، تبدلت حولي، من الدنيا دارت تقف هناك في الجانب الاآخر، تنادي من بعيد، راأيت اأبي، اأخي، ابني، ال�سم�س غروبها بلغت الحكاية، راأيت �ساحب و"اإبراهيم"، و"مازن"، المياه �سطح على الكتاب وطفا الاأمــواج، �سكنت البحر، هداأ الاأخير،

ي�سيء في الظلام، وي�سبح من جديد �سوب المدينة ال�ساخبة.

-تمت-

دمياط الجديدة

19يناير 2016

283

شكر وتقدير

اأقدم �سكري وامتناني اإلى كل من �ساعدني على و�سع هذ الكتاب بين الحبيبة، والاأ�سدقاء )نهلة بكر، بالذكر زوجتي واأخ�س القاريء يدي مي عادل، محمد �سليم، د.ولاء محمد، د.عيد اإبرهيم، �ساحبة العتق، معاذ عمران، ح�سام عبد الغني، رباب اأبو بكر، محمد عماد محي�سن".

284

محمد �سامي البوهي

�سحافي وروائي م�سري �سدر له :

1-لوزات الجليد مركز الح�سارة 1لعربية 2008

2-رائحة الخ�سب �سم�س للن�سر والاإعلان 2009

3-اأوطان بلون الفراولة دار العين 2009

4-�سكترما دار اأكتب 2010

5-بلوتوث دار اأكتب 2010

6-الثورة 2552 كتاب كوميك�س مع )اإ�سلام جاوي�س( دار اأكتب 2011

7-الرئي�س لا ياأكلها تفاحا طنطا بوك هاو�س 2012

8-الاأ�سماك ت�سيء اأي�سا دار نون 2015

: facebook للتوا�سل عبر

www.facebook.com/mohammed.s.elbohy

email: blkbohy@hotmail.com

285

للاطلاع على اأحدث اإ�سدارات موؤ�س�سة اإبداع

يرجى زيارة الموقع الإلكتروني

www.prints.ibda3-tp.com