تقريراتالشيخ معتصم سيد أحمد

الشيخ الحسين أحمد السيدلسلسة محاضرات ألقاها

آية الله السيد مرتضى الشيرازيفي الحوزة العلمية الزينبية

هـ1432 -هـ 1431

دار المحجة البيضاء

1

2

3

4

5

6

7

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيماللهم صل على محمد وآل محمد

نسبية المعرفة .. الممكن والممتنع الظاهرة الفلسفية التي تصنف ضمن النسق الفكري

اإلنساني , ال تقيم فقط ضمن اإلبداع الفكري, وال باعتبارها مجرد إرث أوجده العقل البشري بعد طول عناء وتأمل، كما ال يمكن وصفها برؤية إيجابية مطلقة تتجاوز قصور التجربة،

وال سلبية بحيث ال ترى كل الخبرات المتراكمة التي ساهمت في تفعيل العقل اإلنساني؛ وإنما ال بد من حصرها وتحديدها ضمن مسارات محددة ال تتجاوز المحظور العقلي وال تتوهم الحقائق، فلكي يكون العقل البشري مبدعا يجوب آفاق الحقيقة ال بد أن يتحرك ضمن حدود تفصله عن الوهم

واالستغراق في الجهل .8

والتميز الذي يحققه اإلنسان ويجعله كائنا متفردا، إنما لكونه صاحب علقة معرفية تؤسس لعملية الفهم التي

تربطه باآلخر، فالمعرفة واإلدراك والفهم هي من لوازم اإلنسان العاقل، والتخلي أو التشكيك في القدرة المعرفية

اإلنسان، هو تخلي أو تشكيك في حقيقة اإلنسان لدى العاقل، وهي النقطة التي تنعدم فيها المسافة الفاصلة بين اإلنسان وبقية الكائنات، وبرغم الوضوح الذي تتمتع به هذه

الحقيقة إال أن الفكر البشري أصطدم بموجات تشكيكية زعزعت الثقة في ما ينتجه العقل من معرفة، فقد ابتلى

الفكر بنزعات مثالية حاولت إما التشكيك في الوجودالخارجي وإما في إمكانية الوصول إليه وإدراكه وفهمه.

فهناك اتجاهات أقرب إلى السفسطائية أنكرت من األساس الوجود الخارجي، حاولت زعزعة أي قيمة

للمعرفة. وقد ظلت آثار تلك النظرة السفسطائية في اتجاهات اعترفت بوجود واقع خلف الشعور، ولكنها شككت

في قيمة المعرفة، التي تثبت ذلك كما هو حال المثالية.1 (753 - 1685الذاتية عند)باركلي

,آيرلندي بريطاني فيلسوف, George Berkeley1685 – 1753, باركلي جورج 1 العشر الثامن القرن في الجوهرية الرؤية مساندي أهم من يعتبر, أنجليكاني وأسقف

البشر يراه وما, اإلطالق على مادة إسمه شيء يوجد ال أنه ادعى الميالدي، العقل وأن, الله عقل في فكرة مجرد يكون أن يعدو ال, المادي عالمهم ويعتبرونه يكون أن يعدو ال, البشري المتطرفة رؤيته تركت وقد, للروح بيانا من قلة عند قبوال األكثر وهو الجوهر هو اإلنساني، العقل أن فكرة لكن, اليوم فالسفة علوا من, ورقيا

في ونسفت آراؤه هوجمت وقد. واسع بشكل مقبولة تزال ال دماغية، وظائف مجرد وله, الكثيرين نظر .واإلبستمولوجيا الرياضيات في أعمال أيضا

9

1وقد ساهم كانط بمثاليته النقدية في فتح الباب واسعاأمام النسبية

المعرفية، عندما فرق بين الشيء لذاته والشيء ألجلي، وحدد بذلك نصيب اإلنسان من المعرفة، بحيث ال يمكنه

، هو نفس الموجودجالحكم بأن ما يتصوره عن الخاردرك نسبي بالخارج أو الشيء في ذاته، وكل ما يمكن أن ي

يتعدى رمزا يشير إلى كلي الحقيقة، فلم يكن الشيء في ال هو ذو قيمة بعيدا عن انطباعات النفس ذاته أو الشيء كما

العالقة التي تفرضها المدركة لذلك الشيء، ولوال تلك الذات المدركة لما كان يحمل الشيء في ذاته أي تصور

معرفي، هذا هو حاصل التفريق الذي قام به كانط بين بالنسبة لنا، حيث جعل المعرفة الشيء لذاته والشيء

بكل ما البشرية نتاج عالقة تفاعلية بين الذات الفاعلة تحمله من تجارب والذات المنفعلة، وحاصل النسبة بينهما

عن طريق الحاسة(اإلنسانية، يقول كانط هي المعرفة ألنفسنا األشياء على أنها الخارجية وهي صفة لذهننا، نمثل

عمانوئل)) بالعربية يكتب وقد , Kant Immanuel 4271- 4081, ,كانط إيمانويل 1 في, الكانتي للفكر المصدر هو, ألماني عشر الثامن القرن من فيلسوف ,((كانط

وعالم ذاته في العالم وبين, والفنومن النومن بين أو, والظاهر الواقع بين التفريق لنظرية الكالسيكي التسلسل في الحديثة أوروبا في مؤثر فيلسوف آخر كان. الذهن

وديفيد, بركلي جورج لوك، جون)) بالمفكرين بدأ الذي, التنوير عصر خالل المعرفة ,((روسو)) عند خاصة, عشر الثامن للقرن األنوار بفلسفة تأثر وقد, ((هيوم

بمعنى, الدغماتي رقاده من أيقضته أنها عنها عبر التي, ((هيوم)) عند والتجريبية أسس. العقل وتحجر التفكير انغالق من تحرره منظورا واسعا

ونشر. والعشرين الواحد القرن حتى فيها وأثر, الفلسفة في وجديدا ,عديدة أعماال المعرفة، نظرية عن منها أعماله أكثر ومن. والتاريخ والقانون بالدين متعلقة وأعماال

وبنية محدوديات عن واستقصاء بحث هو الذي ،((المجرد العقل نقد)) هو شهرة أعماله من المعرفة، ونظرية التقليدية الميتافيزياء فيه هاجم الذي, نفسه العقل

((الحكم نقد((و األخالق، على ركز الذي, ((العملي العقل نقد)): األخرى الرئيسية.والغائية الجمال استقصى الذي

10

اإلنسان فكل ما يدركه1( خارجية عنا، وموجودة في المكان هو ظاهر، أو بمعنى أن ليس لإلنسان نصيب من معرفة

ما يقع خلف الظاهر فليس أماممظواهرها أما األشياء إال موقف الال أدري أو المجهول تمام اإلنسان إال أن يتخذ حياله

تصور يتجاوز الجهالة، وبعيدا عن ما يحمله هذا الطرح من حدود المنطق، أو محاولة إدخال الال منطق في المنطق، إال

تمكن من فتح تساؤالت جديدة أصبحت مدار لكثير من أنه ما نحتاجه هنا كشاهد فلسفي أن كانط الفلسفات، وأهم

دائرة الال مطلق أسس للنسبية المعرفية التي تتحرك في والنهائي، ألن لكل إنسان تجربته الحسيه في إطاره

والمكاني وبالتالي يستحيل افتراض عقل نموذجي الزمانيمنحصرة. في ظل وجود تجارب غير

وقد فتح هذا الطرح الباب أمام خطوات واسعة نظرية المعرفة ارتكزت على كون لفلسفات مختصة في

ألن الكينونة الظاهر هو األساس الموضوعي للمعرفة الحقيقية للشيء هي كينونة الظاهر ال كينونة الشيء في

الواضحة الذي2 فكانت هنا إسهامات هوسرل ذاته، أسس منهجية تعترف بالظاهر على3 أسس الفمنولوجيا

وتقترب منه باعتباره المحصلة الحقيقية للمعرفة77 ص لإلنسان الطبيعي والموقف المعرفة نظرية – زكريا فواد. د 1 ، Edmuad Gustav Albrecht Husserl ,1938 - 1859, هوسرل إدموند 2

تشيكوسلوفاكيا في موراویا في ولد, الظاهريات لمذهب مؤسس, ألماني فيلسوف في الرياضيات درس, المسيحي اللوثري المذهب على عمد ثم, يهودية أسرة في

درس كما, وبركر كرونكر ولئوبولد وایستراس كارل على, وفيينا وبرلین اليبزغ من الفالسفة من مجموعة على أثر, شتومف وكارل برنتانو فرانتس على الفلسفة

ومارتين یفيناس وإيمانويل شوتز ألفرد سارتر، بول جون شیلر، ماكس بينهم خالله من أنشأ والذي, ((منطقية أبحاث)) كتابه أصدر. هايدغر اتجاها في جديدا

على القائمة الفلسفة وهي الظواهرية أو, الفينومينولوجيا إسم عليه أطلق الفلسفة.للمعرفة المحايد المجال لكونه وذلك, المحض المجرد الشعور اساس

11

اإلنسانية، وأنطلق وهوسرل في تأسيسه المنهجي الذي ساد في أوربا في نهاية معارضا المذهب الطبيعي

أصحاب القرن التاسع عشر والتطرف الذي صاحب العلوم الطبيعية الذين اعتبروا العلم الطبيعي قادر على

على كل المجاالت حتى األدبية ومجاالت النفس االنطباق هذا االعتراض إلى درجة يتنكر البشرية، ولكن لم يصل

يؤسس فيها على وجود العالم الطبيعي ، مما جعله طريقة في الوقت الذي ال ينكر فيه الواقع يتجاهله أو

والسبب في ذلك أن كل المشاكل الفلسفية يستبعده، الطبيعة، حتى مثالية يعتبرها نتاج التوجه اإلنساني نحو

كانط لم تخرج من هذا التصنيف باعتبارها نتاج توجه نحو الطبيعة، ولذا افترض ضرورة تعطيل الواقع الطبيعي أو

ألنها الطريقة التي يعيد الوعي فيها ذاته جعله بين قوسين الطبيعي جعله يضيع التي غيبت في الطبيعة ألن الموقف

في األشياء وموضوعات العالم وعالقاتها، وطالما كان الوعي مرتبط بالواقع الطبيعي فسوف يكون أسيره وفي

واالستسالم للطبيعة وال يمكن أن يعاد حالة من السذاجة العالم ووضعه بين قوسين للوعي اعتباره إال إذا تجاهل هذا

الشيء لكي يعاد فهمه من جديد ، ولذا يفرق أيضا بين

أقامها التي الفلسفة هي, الظواهرية أو , Phenomenology الفينومينولوجيا 3 المجرد الشعور أساس على ، 1938 1859 هوسرل أدموند)) األلماني الفيلسوف

القصدية بصفة والتصافه اليقينية، للمعرفة المحايد المجال لكونه وذلك, المحضIntentionality الفلسفة في وأساسية جوهرية الصفة وهذه وبالضرورة، دائما

يتجه إنه, الشعور خصائص فمن الظواهرية، من وذلك, تواجهه التي األشياء الى قصدا األساس هي تكون ثابتة، ماهوية طبيعة ذات ظواهر الى فيحولها, يدركها أن أجل استعارها قد, الشعور قصدية في الفكرة هذه وإن يقينية، معرفة كل منه تبدأ التي

1838 برنتانو فرانس)) النمساوي النفس وعالم الفيلسوف أستاذه من ((هوسرل)) تخطيط لوضع محاولة وهو, ((النفس كشف)) كتابه في إليها أشار الذي , 1916

باعتبارها, الذهنية للتصورات منطقي تمهيدا .تجريبي نفس علم ألي ضروريا12

لذاته والشيء ألجلي ، فهذه النسبة الجديدة التي تفهم دائرة اإلنسان- ألجلي- تكسب الوجود قيم الوجود ضمن

ويتحول الوجود الطبيعي إلى جديدة تعاد معه األنا المفقودة من علم شعور ال يكون فيه الوجود أكثر من معطى

معطيات الشعور ال بوصفه حقيقة في ذاتها. وبالتالي التأسيس الفلسفي للنسبية يرتكز على التفريق

وما هو مطلق أي خارج عن حدود التجربة، بين ما هو نسبي بالمعنى العلمي وإنما التجربة وليس المقصود التجربة

الحياتي وما الشعورية التي يعيشها اإلنسان ضمن المعطى يؤثر فيها من بعد اجتماعي وتاريخي وسياسي أو بمعنى

الفعل الشعوري للحياة، وأما المطلق باعتبار أنه عام هي بالتالي خارج حدود المعرفة، وهذا خارج حدود التجربة فهو

إلثبات ضرورة هو المرتكز الذي تنطلق منه الهرمنيوطيقا تعدد الفهم، وبذلك تدخل الفلسفة النسبية في إطار فهم

النصوص مستبعدة أي فهم محدد يتحاكم لديه النص، يقول إن للمعنى واقعا أوسع من) شبستري محمد مجتهد

ألن اآلفاق التاريخية المعنى الذي قصده المؤلف، وذلك عن ذاته لألشخاص متفاوتة ، بمعنى أن لكل شخص تجربته

وعن العالم تختلف عن تجارب اآلخرين ... وهذا ما يساعد على تباين المعاني التي ينتزعها األفراد من النص بدوره

.1( الواحد وأهم ما نحتاجه في هذه المرحلة وبهذا المقدمة المقتضبة

هو اثبات أن هناك جذور فلسفية أسست لنسبية المعرفة مما فتح الباب أمام

وجعلها ال تخرج عن دائرة النسبية حتى كل أشكال المعرفة دالالت النص وما من تلك المعرفة التي يمكن أن تحصل

68- شبستري محمد مجتهد – قضايا إسالمية معاصرة ، اإلجتهاد الكالمي ص 1

13

يهمنا بالتحديد النص الديني، وما يحمله من فهم نسبي باعتبار أن األفق المعرفي غير محصور ما دامت المعرفة

تاريخية ال نهائية، كما تؤسس لذلك حياتية وليدة تجارب ان الهرمنيوطيقا ومن هنا يجب أن نفهم1 الهرمنيوطيقا

ليست باعتبار كونها دعوة إلثبات وجود قراءات متعددةوإنما دعوة لحتمية ذلك التعدد.

هذه النظريات النسبية تمثل حاجزا حقيقيا أمام أي تأسيس على إمكان الوصول إلى الحقيقة، كما أنها معرفي قائم

مستنبط من النص تقف أمام أي تأسيس لبناء معرفي الديني، طالما أن فهم القرآن ال يخرج عن إطار الفهم

البشري المحكوم عليه بالتحول، وبالتالي ال يمكن أن نحتكمثابت أو معلومات قطعية الصدق. على أي فهم

مبادئ يدرس الذي, الفلسفة علم من فرع , Hermaneutics الهيرمينوطيقا 1 علم أو الميثودولوجيا في معروفة نظرية إسم تحمل والكلمة ,واإلدراك التأويل الكتاب)) في وباألخص وتفسيرها المقدسة النصوص تأويل أسلوب في, المنهج

قواعد تحليل عبر الخطاب بتأويل وتقوم, ((والقديم الجديد)), بعهديه ((المقدس بتحليل معني علم وهو, النصوص لمعاني المولدة اللغوية الصيغ كافة وإجراءات

عن لغة وهي. اإلنسانية أو التطبيقية, العلوم وفي اآلداب، في الكتابة أشكال وتأويل بمعنى التأويل أو, والترجمة والكالم النطق وهي, التعبير بمعنى القديمة اليونانية التأويل وإن ,واأللفاظ والتعويض النقل بمعنى الترجمة أو, إيضاح أو التفسير

واستبدال النص ترجمة ألن الداللة، نفس لهما القديمة، اليونانية في والترجمة، ما بفهم وتهتم. لمضامينه وإيضاح لمحتوياته تأويل بالضرورة هو, ومنطوقاته ألفاظه في نظرية عن عبارة وهي, بأفعالهم ذلك وعالقة به، يفكرون وما البشر يقوله

يتخذ عملي نشاط حول ,فينومينولوجي وتفكير فلسفي تأمل أنها بمعنى التأويل، من مستوعبة وغير غامضة مقاطع إيضاح هو والتأويل. التأويل أو التفسير طابع

إلى يحتاج وقد تأويل، أو تفسير إلى يحتاج ال, والواضح الجلي المعنى ألن النصوص، ليكون تأويل فتدور ,معقوال مفهومه لتصبح األشياء وتفسير إيضاح حول أساسا

جملة على, الهيرمينوطيقا مشكل تعميم هو التأويل نظرية وهدف, ومعقولة تهدف إنها بمعنى والمقاصد، واألفعال والتصورات واالجتماعية الفردية الممارسات

.برمتها اإلنسانية للتجربة صحيح فهم إلى14

وقد تحول هذا النمط من التفكير إلى عقدة حقيقية عندما في الوسط اإلسالمي، وتأثر به بعض الكتاب أصبح له وجود

المسلمين الذين حاولوا الترويج

له بشتى الوسائل، وببعض العناوين الجاذبة مثل ))نزعة النص الديني (( و ))قراءة حديثة للكتاب تجديدية في فهم

والسنة (( و ))رفض التعصب في تفسيرالمصادر الدينية (( و ))إحياء اإلسالم (( وغيرها من العناوين التي تمر تحتها

التشكيكية التي ال تبقي للدين معنى وال رسما، مما النزعة للمؤسسة الدينية وبخاصة الحوزة خلق نوعا من االستفزاز

الطرح بوصفها العلمية، ما جعلها ملزمة للوقوف أمام هذا المؤسسة المسئوولة والجهة المقصودة لرفع ما التبس

ما أشكل. وتوضيح ورغم خطورة هذا الطرح الذي يفضي في النهاية إلى تمييع

الكتاب والسنة من الهداية المقصد النهائي الدين وتفريغ انتبه إلى هذا الخطر للكتاب والسنة، إال أن القليل قد

وتعرض له بالنقد والتوضيح، وقد كان من بينهم سماحة األستاذ آية الله السيد مرتضى الشيرازي، الذي عمل على

وبيان ما يترب عليها من توالي فاسدة. تعرية هذه األفكار وقد عمل سماحته على مناقشة هذه األفكار بمنهج يوائم

والفكرية في بعض الكتب والتأليفات النخب العلمية من بعض النقاشات الخاصة، كما لم يحرم عامة الناس

العلمية بعد تبسيط الحقائق وتقريب المفاهيم من خالل محاضرات ودروس لعامة الناس، ورغم أن المستمعين

جميعهم من أهل االختصاص، إال أن لمحاضراته لم يكن بأسلوب سهل ال يفتقد سماحته تمكن من إيصال الحقائق

15

دالالتها الدقة والعمق، وقد حاصر فكرة النسبية بكل ومعانيها المفترضة ولم يمنعه نقده الشديد لفكرة النسبية

منصفا في تبيين بعض المعاني المقبولة. من أن يكون )نسبية النصوص والمعرفة .. الممكن والممتنع(هذا الكتاب

نتاج تلك المحاضرات التي تفضل بها سماحته في درسه هو )عليهاالناس من جوار السيدة زينب المفتوح أمام كل

هذه الدروس ، وقد يستغرب البعض إذا قلنا أن(السالمهي حول تفسير القرآن وبالخصوص تفسير قوله تعالى:

﴾اهدنا الصراط المستقيم وقد انطلق سماحته من هذه﴿ منهجي في قبال التأسيس الذي يرتكز اآلية لتأسيس بناء

هذه اآلية هذا البعد على النسبية، ومن هنا شمل تفسير كتابتها المعرفي، وقد قام بعض األخوة في مكتبه الشريف

ونشرها لكي تعم الفائدة، وقد خصني بلطفه الكبير وخلقه والشيخ الحسيني أحمد السيد من بعض النبيل بأن جعلني

المشاركين في هذا العمل النبيل.

الشيخ معتصم سيد احمد

16

ل األولصالف

المعرفة بين إدراك الواقع والنسبيةالمطلقة

اهدنا الصراط المستقيم

..داللة الكلمة ومواردها:(النسبية)اهدنا ﴿قبل الحديث عن مدلوالت هذه اآلية الشريفة

1 ﴾الصراط المستقيم

وداللتها المؤكدة على ضرورة اإليمان بالحق والحقيقة يعتبر الخطوة األولى لتأسيس أي الواحدة المطلقة، الذي

.6سورة الفاتحة: 117

تبعا ألمكانية بناء معرفي؛ لبداهة القول بأن المعرفة تأتي.(النسبية)المعرفة، ال بد أن نشير إلى معاني

بشكل عام أو الهرمنيوطيقا(نسبية المعرفة)الحديث حول إلى النسبية بشكل خاص، أصبح من كفلسفة تؤدي

في بعض األوساط المباحث التي تحظى بحضور واضح اإلسالمية، بخاصة عند المتأثرين بالفلسفة الغربية الذين

بدأوا يقرعون أسماع الخلق بهذه البحوث متصورين أنهم إسالميا حديثا، مما يضطرنا للوقوف أتوا بما يحقق فهما

على هذه البحوث وتقييمها شرعيا، بحيث يشمل خطابنا كال الغربية، من المسلم المتدين وغيره من أصحاب التوجهات

فنحتج على المتدين ونستدل له بما هو ضروري من الديناهدنا الصراط المستقيم والذي يقطع مثل قوله ﴾تعالى ﴿

بالنسبية، ونستدل لغيره بما الطريق كما سنبين على القول من هو ضروري من العقل، بحيث نجمع كال النمطين

االستدالل، إضافة إلى الوجدان والفطرة اللذين يدالن علىذلك أيضا.

نسبية الحقيقة أو المعرفة أو اللغة وقبل التفصيل في األمر ال بد أن نحصر المعاني التي يمكن

النسبية، أي متعلقات النسبية، أو المضاف إليه أن تشملها تشير النسبية إلى أحدى فيها، وبحسب تتبعي يمكن أن

المعاني التالية: ،(نسبية الحقيقة): أن النسبية يمكن أن يراد بها ألف

بمعنى نسبية المعلوم أي ما هو موجود في عالم العين وبالتالي نسبية الحقائق

الحقائق النفس األمرية الخارجية المتمثلة في ، أي نسبية(نسبية المعرفة) - كما يمكن أن يراد بها ب

نسبية المعلوم، وهو ما يتحقق في عالم العلم في مقابل

18

عالم الوجود العيني، الوجود الذهني الذي يكون في قبال ما )ومن هنا يقصد بالنسبية نسبية المفاهيم الذهنية، وهي

.(علم) أو (معرفة) ويطلق عليه (يعرفه اإلنسان - كما يمكن أن يراد بها نسبية الكواشف والجسورج

تربط عالم الوجود العيني بعالم الوجود والنواقل التي الروابط، العبارات، اإلشارات، الذهني، ويقصد بالجسور..

مما(الدوال)من الرموز، العالمات، النصب... وغير ذلك يدل على تحقيق صلة بين النفس اإلنسانية وبين المفاهيم

والمداليل. وحينها تكون النسبية في األلفاظ أو الدوال التي عالم ما في الذهن وعالم ما في العين تشكل الرابط بين

والخارج. كل تلك الوجوه، أي(النسبية) -كما يمكن أن يقصد ب د

في تناقض بين المبتدأ والخبر،(مطلقة النسبية)بمعنى إنه ليس في الواقع أيضا نسبية أي(الحقيقة)بحيث تصبح

الخارجي حقيقة واحدة نبحث عنها، كما أن معارفنا أيضا نسبية بحيث ال يمكن أن يكتسب اإلنسان علوما ومعارف

خاطئة أو كاذبة، بل كلها صحيحة على قول صادقة، وأخرى على قول آخر ، أو كلها مما في النسبية ، أو كلها ظنية

معادلة الصحيح يخضع لعامل الزمن والظروف، فقد تنقلبوالخاطئ، على رأي ثالث.

األلفاظ أيضا ذات دالالت ومفاهيم متحركة ليسوكذلك لها معنى ثابتا نحتكم لديه، فكل شخصا له فهمه الذي غالبا

مدلوالت األلفاظ في حالة من ما يختلف عن فهم غيره، بلالتغير والتشكل الدائم.

هذه هي األقسام التي يمكن أن ترد فيها النسبية، أي يمكن . للنسبية أن تقع متعلقا

معاني كلمة النسبية19

أما معنى النسبية في حد ذاتها، فبحسب تتبعي الناقص، ما ذكر للنسبية من معان أو ما يمكن أن نجد أن مجموع

ذكرتها في كتاب تحت يذكر لها هو خمسة عشر معنى وقد نقد الهرمنيوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة))الطبع بعنوان

وأذكر منها هنا معاني ثالثة ترتبط بالمقام والمعاني((واللغةآخر. األخرى لها بحث

من النسبية هو أحد المعاني التالية أو إثنينالمقصودمنها، أو كلها:

: صوابية معتقدات الجميع:1 أ - المعنى األول للنسبية هو التنكر للحقيقة الموضوعية،

تدور المعرفة مدار الفهم الذي يتحقق لدى كل واحد بحيث أنا، وأنت، وهو، من الحقيقة الواحدة وإن منا، فما أفهمه

متضادة أو متناقضة، فإنها بأجمعها كانت األفهام متغايرة أو أي بمعنى مطابقتها مصيبة في الوقت نفسه1 صحيحة

ليس ولكن(مصيبة)للواقع، وهذه الفكرة هي في الواقع من باب مطابقة الواقع وإنما من باب كونها مصيبة من

المصائب،

ذلك أنها تشكل تبريرا لالنحراف الفكري والعقدي بحيث الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخالئق، فالذي يعبد تصبح

وكذلك الذي يعبد الصنم، البقر معتقدا أنها الله، فهو محق، والمسيحي والذي ال يعبد شيئا، فالكل محق: المسلم

واليهودي والبوذي، وال يمكن ترجيح كفة الحقيقة نحو أي موضوع أن الى يذهب - هوسيرل أي - إنه): هوسيرل رأي من هذا ويقترب 1

نتيجة ويخلق يكتشف الموضوع إن عليه، المركز الذات وعي خارج يوجد ال المعرفة الموسوعة (الحقيقة معايير هي لفرد الشخصية واالنفعاالت عليه، يتركز الذي الحدس

.564 ص 2 ج الفلسفية20

طرف من األطراف، كذلك الحال في أصحاب التوجهات واللبرالية والشيوعية وهلم جرا، فإنه ال الفكرية العلمانية

ليس في مرحلة يمكن تحديد المصيب من المخطئ، اإلثبات فقط، بل إنه في مرحلة الثبوت فإن الكل مصيب

هذا الرأي. على : أن كل ما يتصور، أو كل ما(النسبية) تارة يقصد من إذا

كل ما يعتقد به، فإنه صحيح، وإن كان االعتقاد يصدق به، أو يعتقد باجتماع النقيضين فإنه بالضدين والنقيضين، فمن

ومن يقول أن محق، وكذلك من يعتقد باستحالة اجتماعهما، الدور والتسلسل محال محق، وكذلك من يقول بالنقيض،

وهكذا ليس هناك ثبات في الحقيقة حتى يحتكم لديه وتكون وذلك مع تعميم ذلك في كل شيء حتى له المرجعية،

الذرة تتكون من الكترون الحقائق المادية: فمن يقول أن صحيح، وبروتون وااللكترون يدور حول البروتون، فقوله

واآلخر الذي يقول بالجوهر الفرد المصمت الذي ال يتكون شيء وال ينقسم إطالقا كما كان يقول به بعض قدماء من

قول صحيح. الفالسفة، فهو أيضا يتجلى هذا الخيار المعرفي عند بعض الذين لم يعترفواوقد

واحد مستقيم وإنما ذهبوا إلى وجود بوجود صراط الحد حيث وقفوا صراطات مستقيمة، وقد تجاوزوا بذلك

في مواجهة القرآن الكريم، حيث يصرح القرآن بوجوداهدنا الصراط المستقيم أما بزعمهم ﴾صراط مستقيم ﴿

فليس هناك صراط واحد، بل كل الطرق وخالفا للقرآن والمغضوب عليهم أيضا لهم توصل إلى المقصود، فالضالين

حسب-صراط وكلها طرق إلى الله، شئت

21

ين وال- رأيه الضال ﴾أم أبيت، بل ال يوجد على هذا ﴿ ذين ﴾1 عليهم ﴿المغضوب صراط ال ﴿بل الكل صراطهم

حتى المبتدئ، مناقض ﴾ وذلك، كما يالحظ 2 أنعمت عليهماألديان. م، بل ولما أجمعت عليه كافةيصريح للقرآن الكر

ومن هنا فإنه ال يوجد سبيل إلى إثبات حقيقة واحدة فقط، أي ليست الحقيقة)السالبة بانتفاء الموضوع من باب

بل إن الذي يؤمن بأن الحق( واحدة ليوجد سبيل موصل لها ومتحجر العقل واحد، يتهم بكونه دوغمائيا أي منغلق التفكير

ورجعيا وما أشبه ذلك من التهم غير العلمية، بل إن هذه التهم تنقض نفسها بنفسها، إذ ما دامت كل األفكار مهما

كانت متناقضة، صحيحة وواقعية، فلتكن الدوغمائية أيضاصحيحة وواقعية.

. صوابية معتقدات الفرد المتناقضة2 المعنى الثاني للنسبية هو أن ما يعتقد به الشخص هو ما

مع قطع النظر عن اآلخرين، بحيث تصبح( الحقيقة)يمثل قناعات اإلنسان متبدلة المعرفة حالة شخصية، وبما أن

وفي حالة من التغير الدائم، فالمعرفة كذلك نسبية وفي حالة من التشكل الدائم، بحيث ال يمكن أن يحكم على

الفكرية إنها عين الصواب واألفكار مرحلة من مراحله هو الحق، وإذا األخرى الطارئة مخطئة، فما يعتقده اآلن

حدثت عنده قناعة جديدة مخالفة للقناعة األولى فهي حق كما أن القناعة السابقة حق ايضا، فمثال لو كان هناك

هو باب)عليه السالم(علي بن أبي طالب شخص يعتقد بأن وهو )صلى الله عليه وآله وسلم(مدينة علم رسول الله

األول بنص السماء، فهو على حق، ثم إذا تغير رأي الخليفة.7سورة الفاتحة: ? 1.7سورة الفاتحة : 2

22

(سابقا يعتقد عكس ذلك ثم تغير رأيه أو كان)هذا الشخص فهو أيضا حق، إذن الشخص لو تغير

رأيـــه وتغـــير معتقـــده وتنـــوعت عقائـــده وآراؤه ومذاهبـــه جميعـــا على حـــق وصـــواب ومشـــاربه ومســـالكه، فإنها

وصحيحة. هذا عن المعنى األول: أن المعنى الثاني يتحدث عنوفرق

لدى الشخص الواحد، أمــا المعــنى األول المعرفة المتخالفةعدة أشخاص. فيشير إلى المعارف المتخالفة لدى

إضافة قيد للمعنى الثاني ليتحول إلى معــنى ثــالث،ويمكن أي(يعتقد به الشخص هو ما يمثل له الحقيقة إن ما)هكذا : وعلى هذا فالحديث(له)بإضافة ليس عن كون معتقده حقا

هذا أنــه ال لكن يرد على(حق عنده)في نفس األمر، بل إنه يصح له أيضا أن يعد كلتا معرفتيه المتناقضتين سابقا والحقا

فإنه وإن فرض أنــه قــاطع بصــحة رأيــه، إال أنــه عنــدما حقا، فإنه هو أيضا ليس بمقدوره أن يرى يحدث له قطع بالخالف

ــه صحة رأيه السابق أيضا، والحال أنه مؤمن حاليا بصحة رأي ثنائيــة الالحق. هذا إضافة إلى ما سيأتي لــدى الجــواب على

.(كانط). ال مقولة مشتركة عالمية3

التعريف الثالث للنسبية والذي ذكره بعض مشــاهيرهم هــو: تعــني أن ال وجــود لمقولــة مشــتركة عامــة بين أن النســبية

23

قاسما مشتركا بين الخليقة، الجميع، فال وجود لمعرفة تمثل المعــرفي، بحث فالبحث عن حقيقة تمثل حالة من اإلجمــاع

عن المحال. سوف نخص هــذه المعــاني الثالثــة للنســبية بــالبحث إضــافة

الثالثة األولى: للمعاني األساسية ليست مطلقة(المعرفة) ليست مطلقة أو أن (الحقيقة)أن

ليســت(والكواشــف والجســور إلى الحقــائق الدوال)أو أن مطلقة.

الصراط المستقيم .. ونسبية المعرفة نعود إلى1 بعد أن اتضح وجود عدد من المعاني للنسبية

اهدنا الصراط المستقيم فإن هذه الكلمة ﴾قوله تعالى: ﴿ جملة واحدة من ثالث النورانية القرآنية المباركة وفي

الثالثة، كلمات، تبطل وتهدم أس بنيان هذه النظرياتوذلك: : ألنها تكشف عن أن عالم الحقائق مطلق، أي بمعنىأوال

الخارجية لها تحقق ونحو من الثبات، بحيث أن الحقائق في الواقع، ولذا جرى يمكن التعرف عليها كما هي عليه

طلب الهداية من الله تعالى إليها، فال يبقى هناك وجه. إهدنا ﴾لنسبية الحقائق، وهي متعلق ﴿

: كذلك عالم المفاهيم والمعاني والمعرفة والعلم،ثانيا وإنما هي مطلقة؛ وإال لم يتحقق معنى أيضا ليست نسبيةإهدنا ﴾أو مفهوم ل ﴿2 .

األكثر التفصيل وأما القادمة، البحوث مطاوي في ستأتي أخرى معان وهناك 1 الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا نقد)بعنوان الطبع تحت كتاب في فإنه استيعابا

.للمؤلف( واللغة والمعرفة.النظرية والهداية العملية للهداية الشامل 2

24

: عالم الجسور والكواشف والدوال وهي أدواتثالثا إليها والدوال عليها أيضا ال يمكن أن تكون الهداية والطرق

معنى وال يتحقق بذلك نسبية، إذ حينئذ ال يستقيم للفظ. 1 طلب ممكن التحقق، من اآلية الشريفة

أما كيف تأتي هذه اآلية القرآنية الكريمة بنيان هذه القواعد ﴿فتنسفها، كما قال تعالى: فأتى الله بنيانهم من األساس

من القواعد فخر عليهمقف المعرفي الذي بنوه في أوهامهم وهذا تفسير2 ﴾ الس

يخفى فتوضيحه: بالمصداق كما ال الصراط المستقيم في عالم الواقع-1

الله سبحانه وتعالى في هذه اآلية القرآنية الكريمة يقول: ﴿اهدنا الصراط ﴾المستقيم مما يدل على أن هناك صراطا

في عالم الواقع مستقيما له نحو من التحقق والثبوت وعالم العين والخارج، واالعتراف بوجود صراط مستقيم

عالم الواقع، هو اعتراف بكونها حقيقة مطلقة وليست في يعني الطريق الواضح المتسع وليس نسبية؛ ألن الصراط

ولكنه غير واضح مجرد الطريق؛ إذ تارة يكون هناك طريق المعالم كما في بعض الصحاري حيث تكون فيها معالم الطريق غير واضحة. أما الصراط المستقيم فالوضوح

أنه متسع يسع خالئق الله لو شاءوا مأخوذ في مفهومه، كما 1(: والشرائط لألجزاء المستجمعة الصالة )ب نمثل الثالثة، هذه بين الفرق لتوضيح 1

والسعادة سبحانه الله رضى نحو مستقيم صراط والقلبية الخارجية األفعال تلك فإن اعتبرناه سواء( الصالة )ومفهوم 2. الخارجية العينية الحقائق عالم هو وهذا. والجنة هو وهذا والمعاني، المعارف سنخ ومن المفاهيم، عالم من هو ال، أم شرعية حقيقة يكون قد وهو الذهني، الوجود عالم حصل ما إن أي اليكون، وقد األول، للعالم مطابقا يكون قد كمفهوم الذهن في .ل. ص ) ولفظ 3. يكون ال وقد العيني، للواقع مطابقا

كان سواء( ة. ا أو ملفوظا كاشف بدوره هو الذي المفهوم لذلك الجسر هو مكتوبا الدوال عالم أو والكتبي، اللفظي الوجود عالم هو وهذا الخارجي، الواقع عن

.والكواشف .62سورة النحل: 2

25

السماوات أن يمشوا ويهتدوا ليصلوا إلى جنة عرضها واألرض أعدت للمتقين؛ وذلك ألن الصراط من خصائصه أن

يوصل إلى المقصود. فقد قرر الله سبحانه وتعالى، في مرحلة الثبوت، وجود

صراط واضح متسع يوصل للجنة، فاعتبر وجوده أمرا ﴾اهدنا فلو لم يكن له وجود ﴿مسلما مفروغا عنه، فقال:

قة بالصراط مما لكانت الهداية للمجهول، فالهداية متعل يعني أن هناك في عالم العين والوجود الخارجي وفي

صراطا ينتهي باإلنسان السالك سبيل الله، إلى الواقع،ورضوان ﴿رضوانه تعالى فهذا الصراط ينتهي1﴾ برمن الله أك

وتعالى، هناك إذن إلى رضا الله وإلى القرب منه سبحانه أمرنا الله أن نطلب منه(صراط واحد)في مرحلة الثبوت

الهداية إليه.

اهدنا هو ما له تحقق وثبوت في العينفإذا ﴾ كان متعلق ﴿ األمر، ثبت أن هناك حقيقة مطلقة ال تحتمل والخارج ونفس

بالمعنى الثاني. في المعنى النسبية ال بالمعنى األول وال كل األول للنسبية يعتقد أن الواقع متعدد بحيث تكون

االفهام المتباينة مصيبة بمعنى كونها حقا ومطابقتها للواقع. أنه يوجد هناك حق ويوجد صدق، أما الحقوال يخفى)

الحظت الواقع مقيسا لما في ذهنك، وألي فهو فيما إذا فهو فيما إذا الحظت ما في عالم إثباتي آخر، وأما الصد

واحد ال ، وبناء على ذلك فإن الحق(الذهن مقيسا للخارج

.27سورة التوبة: ? 126

يتعدد بتعدد األنظار واألفكار واالجتهادات ولذا فقد اشتهر.(مصوبة) ولسنا (مخطئة )عنا أنناكم الحق﴿وقل ب هذا في الثبوت، أما في اإلثبات: 1﴾ من ر

فالمؤمن مصيب2 ﴾فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴿فمن شاء واحدة ال تتأثر بأيمان والكافر مخطئ، وتظل الحقيقة

تظل المؤمن وكفر الكافر، فمثال النار في الواقع الخارجي نارا سواء اعترف بها اإلنسان أم كفر بها، فلو كان مثال

حقيقة النار فإذا أدخل يده في النار فهل ال هناك من ينكر وبذلك ظهر)بوجود النار؟ تحرقه تلك النار ألنه غير مؤمن

يتعدد أن القول بأن الواقع يتبدل بتبدل القناعات أو ، هو ادعاء سوفسطائي ال يصمد إذا اصطدم 3بتعددها( وقد تفنن بعض العرفاء في إنكار حقائق بالحقيقة،

الشيرازي في األسفار الموجودات، كما يقول صدر الدينالمجلد األول:

أو عكوس في مرايا كل ما في الكون وهم أو خيال أو ظالل

وهو كالم موغل في السفسطة وإنكار لحقائق األشياء، إذ ما في الكون من حقائق يدركها اإلنسان فهي يقولون: كل

وهم وخيال وال حقيقة لشيء

إال شيء واحد هو الله، أي يرون أن كل ما هو موجود فهو غيره) والعياذ بالله (ليس في الدار)سواه الله وال شيء

للسفسطة فهناك قول ينكر ، وهذا القول هو وجه آخر(ديار ولكنه الوجود رأسا، أما هذا الرأي فإنه يؤمن بالموجود

.92سورة الكهف: 1 .92سورة الكهف: 2 في البدأ والحدوث، أي في كال جانبي؟(التعدد) في البقاء واالستمرار، (التبدل ) 3

العلة المحدثة والمبقية.27

يقول كله هو الله والعياذ بالله، وذلك سواء قال بوحدة قال بوحدة الموجود، والذي أوصلهم لهذا األمر الوجود أم

سواء وجود)القائل بأن الوجود هو ذلك المبنى الفلسفي ، 1 مقولة مشككة حقيقة واحدة وهي(الخالق أم المخلوق

وإنكار الحقائق الواضحة للوجدان، هو نوع من التطرف الفكري؛ ألن الحقائق غير خاضعة لإلنكار وال ينكرها إال

جاهل متطرف. في اإلجابة عن نسبية الحقائق الخارجية، اإلشارةويكفينا

اللطيفة المعبرة عن ذلك، يقال: إن أبا إلى بعض الشواهد بهمنيار، درسه فترة من علي بن سينا كان له تلميذ لعله

وبدأ الزمن، ثم انطلق به إلى النهر، وجلسا عند الشاطئ أبو علي يحدث تلميذه مستعرضا مجموعة من األدلة حتى

سبعين دليال على أن الماء الذي في النهر ما هو أوصلها إلى بالعارف الذي يستدل على أن وهذا شبيه)إال محض خيال

عما يقول هذا الماء وسائر األشياء هي الله، تعالى الله ، ثم قال له ابن سينا لقد درست(الظالمون علوا كبيرا

من الزمن وأريد منك اآلن الجواب عن هذه عندي فترة لم يتعرض لمناقشة السبعين السبعين دليال، ولكن بهمنيار

تحت الماء دليال وإنما جابهه بالحقيقة مباشرة، فقد مد يده ورمى كفا من الماء في وجه أستاذه وقال: هذا جوابي

السبعين دليال، وهو بمفرده كفيل بنسفها على األقوى أقرب طريق إلى تنبيه الغافل جميعا!، ذلك إن الوجدان هوعن الحقائق أو المتنكر لها.

مع وضوح أن الوجودات، حقائق متباينة، فوجود المخلوق ليس مرتبة من وجود 1الخالق، تعالى

الله أبعد من ذلك، بل وجودات الممكنات، متباين بعضها مع بعض، كما هو وجداني تنزيه المعبود في الرد على وحدة)ذلك والبراهين عليه في كتاب وقد فصل بيان

.(أحمدي الوجود لألستاذ المحقق السيد قاسم على28

وقد استخدم الله سبحانه هذه الطريقة في القرآن الكريم لتنبيه اإلنسان

للحقائق الواضحة التي قد يغفل عنها مثل قوله تعالى: فالمعرفة حقيقة فطرية، وال يستدل على1 ﴾ الله شكفي﴿أ ثابت ومغروس في هو وإنما ينبه ويذكر بما(الضروري)

واقع الفطرة. إذن كشفت هذه اآلية عن أن الحقيقة مطلقة والواقع له

وبالتالي نتجاوز المعنى األول للنسبية الذي تحقق وثبوت، متعدد وال يوجد هناك والحق(الحقيقة نسبية)يقول إن

يصرح صراط واحد مستقيم بل هي صراطات مستقيمة، إذ. اهدنا الصراط المستقيم ﴾ربنا جل اسمه ب قوله تعالى ﴿

. الصراط المستقيم في عالم المعرفة2 أما النسبية بالمعنى الثاني، أي أن المعرفة وما في عالم

فقد كشفت هذه اآلية أيضا عن بطالن الذهن هو النسبي، بمعنى أن كل ما يعتقده ذلك؛ ألن المعرفة إذا كانت نسبية

هناك معنى الناس صحيح وإن كان متناقضا، حينها ال يكوناهدنا ألن الكل مهديون عندئذ وكلها طرق صحيحة، ﴾لقوله ﴿

فالسفسطائي كالمه صحيح، والعارف كالمه صحيح والذي ويلتزم بتعاليم )عليهم السالم(طريق أهل البيت يسير على

أي إن كل صحيح السماء أيضا كالمه صحيح، ومخالفهم بان المسالك صحيحة فالذي يعتقد بأنه عبد لله والذي يعتقد

.!الخلق كلهم الله، كالهما محقاهدنا الصراط المستقيم وهذا يعني أن في ﴾يقول تعالى: ﴿

، وفي مرحلة اإلثبات(صراط مستقيم)هناك مرحلة الثبوت

.10سورة ابراهيم: 129

العلمية والهداية العملية، ، مما يشمل الهداية(هداية)هناك وهداية العقل النظري والعقل العملي.

أن يتطابق العالمان الذهني والعيني بأن يكونوالحاصل: المعرفي، مصيبا، صائبا مطابقا للواقع، هذا العالم الذهني

.(المأمور به )ل( العمل المأتي به)إضافة إلى مطابقة

أما إذا قلنا المعرفة نسبية وأن عقيدتي اليوم المناقضة والغد، أو عقيدتي المناقضة لعقيدتك، كلها لعقيدتي األمس

اهدنا على حق، فال يكون هناك ﴾محصل من قوله تعالى: ﴿ محال، ألن الكل وال يتعدى كونه تحصيل حاصل وهو

سيكونون كما ذكرنا مهديين إلى صراطات مختلفة ثبوتا، مليارات من الصراطات المستقيمة ومليارات من اآلراء

واحد منها لصراط ثبوتي معين. بل المتناقضة المطابق كل المخدرات التي حتى ذلك اإلنسان الذي يستخدم بعض

تجعله في حالة من الهلوسة، فيسبح في عوالم متخيلة، ما يتصوره ويتخيله حقيقة، بناء على نسبية المعرفة يصبح

بهذا المعنى.اهدنا يكشف عن أن في عالم ﴾إذن: قول الله تعالى ﴿

عالم الذهن أو في عالم الوجود المعرفي أو أو في)اإلثبات ضالل، وال ريب في ذلك توجد هناك هداية ويوجد(العلمي

في والشك. هذا هو المعنى الثاني للنسبية أي النسبيةالمعرفة.

. الصراط المستقيم في عالم اللغة والكواشف3 أما المعنى الثالث للنسبية، أي نسبية الجسور والدوال

كشفت اآلية الكريمة عن بطالنه أيضا، والكواشف، فقد؛ اهدنا ﴾ويستفاد ذلك من كلمة ألن الجسور الذهنية ﴿

30

والدوال وعالم األلفاظ الموصلة للحقيقة لو كانت نسبية بمعنى أن الكلمة تحمل المتناقضين وأن اللفظ بأي شكل)

صحيح، أو بمعنى نظرية موت المؤلف، وبأي نحو فسر فإنه المفسر كما تزعم وأن األلفاظ تتبع في داللتها شخصية

ثابت فحينها ال يوجد هناك نص(بعض مدارس الهرمنيوطيقا يحتفظ بمعنى أو داللة محددة بل تصبح النصوص في حالة

الدائمة، وتصبح قراءة النصوص قراءة منفتحة من الحركة وهذا التصور الخاطئ ينسف كل على معاني غير متناهية،

النصوص بل جسور التواصل المعرفي الذي يتحقق عبر الذي يتحقق عبر أي نوع من أنواع الدوال واللغة بالمعنى

األعم

الشامل لإلشارة والعالمة وغيرها، وبالتالي يعد نســفا ألصــلإثباتا لنسبيتها. المعرفة وليس

من الواضــح بالضــرورة أن األلفــاظ تخــتزن معــانيثم إن ويقـــوم على أساســـها التفـــاهم خاصـــة يفهمهـــا الجميع

ــترتب على ــذي ي ــنى ال ــان المع ــا إذا ك ــاطب، أم ــل والتخ كاهــدنا هــو معــنى يشــكله ــل حــتى على لفــظ ﴾األلفــاظ، ب ﴿

بعيدا عن معنى خاص تحتفـظ بـه الكلمـة، المفسر كما يريد على الشــيئي ونقيضــه أو فحينها تكون الكلمة الواحــدة دالة

أضداده وكافة المتغايرات، وهذا ما ال يستقيم، ألنه:أوال: يلغي جسور التواصل المعرفي بين البشر.

وثانيا: يجعل عملية التعليم لغوا وباطال.ــل ــدنا ب اه ــذا الطلب ــوم حقيقي له ــا: يلغي أي مفه ﴾وثالث ﴿

يجعله طلبا بائسا. اهدنا في اآلية كلفظ، ال تحتمل إال معنى أصــليا ﴾إذن: كلمة ﴿ وهو المعنى الذي ينطبق مــع الصــراط الثبــوتي، ومــع واحدا31

ــذي تحمله ــنى ال ــوائب، أي المع ــافية عن الش ــان الص األذه في عــالم الواقــع، المعــنى الــذي يشــير إلى حقيقــة واحــدة

وبالتالي ليســت األلفــاظ نســبية بــل هي ألفــاظ ذات دالالت إال أنهــا1 حقيقية تطابق الحقيقة، وقد تكون أصلية أو فرعية

وعلى األصول العقالئية، بخاصة األلفاظ التي تبقى متوافقة،ــا اســتخدمت استخدمت في القرآن ورواياتالمعصومين؛ ألنه

بدقة متناهية لتدلل على معاني محددة.اهدنا الصراط المستقيم تنســف ﴾والنتيجة: أن قوله تعالى: ﴿

ــة نســبية ــة نســبية نظري ــة، وتنســف نظري ــة الثبوتي الحقيقأربعة: العوالم الحقيقة اإلثباتية بمعنييها؛ ألن

عالم الوجود العيني وهو ما يتعلق بنسبية الحقيقة.1 .1 وعالم الوجود الذهني وهو ما يتعلق بنسبية المعرفة.2 .2 . وعالم الوجود اللفظي، وعالم الوجود الكتبي، وقد4و 3. 3

أدرجنا

هذين األخيرين في ســياق واحــد ومســاق واحــد وســميناهماالدوال أو الكواشف أو ما أشبه ذلك. الجسور أو

هل الحقيقة نسبية؟.(نسبية الحقيقة)وهنا نتوقف عند النقطة األولى وهي: هل الحقيقة أو الحقائق الخارجية نسبية؟ الجــوابنقول:

هوهو وليس غيره، ولمزيدا التوضيح نقــول ال، ألن كل شيءالحقائق تنقسم إلى أقسام قسم:

الحائط أو) مثل (جواهر)التقسيم األول من الحقائق تسمى (هــذا حائط) فعنــدما أقــول (أو الــذئب ... الحجر أو الشــجر

ال تتــأثر بإنكــار المنكــر؛ فأنا أشير إلى حقيقة واقعية واحدة،ــاختالف وال تتغــير هــذه الحقيقــة بتغــير التصــورات عنهــا وب ــا ــط تحقق المسبقات الفكرية والخلفيات النفسية، ألن للحائ

األصلية: الداللة المطابقية والتضمنية. والفرعية: الداللة االلتزامية، وداللة االقتضاء 1واإلشارة وغيرها، وكلها لها قواعد وأصول ودالالت محددة. والتنبيه

32

وكــذلك الــذئب فإنــه ذئب في مرحلــة في مرحلــة الثبــوت، نهــار، الظلمــة ظلمــة، الثبوت وليس شيئا آخر، وهكذا النهار

يمكن أن الحلو حلو، والحامض حـامض، كمــا هــو واضــح ، ال يقبل النقيض، إذن: على مستوى الجواهر فالحقيقــة واحــدة

بما هي حق، وكل شيء هو هــو وال يتغــير عمــا هــو ومطلقةعلى حاله. عليه في الحين الذي هو

) نوع آخر من الحقــائق تســمى وهناك مثــل الكم(أعراضــا والكيف، فالمترمتر وليس غير المتر، والمــتر والنصــف مــتر

مترين في الوقت الذي هو ونصف، وال يعقل أن يكون المتر واألقــل، متر واحد، يعني بما هو مــتر وبشــرط ال عن األكــثر

وكذلك اللون لون فاللون األحمر أحمر، حتى لو أنكرنا وجود األلوان فــإن الحقيقــة مطلقــة، وبتطــور أو بتغــير معلومــاتي

ــذا بقيـــة تظـــل الحقيقـــة كما ــا هي هي، وهكـ ــانت وكمـ كـالمقوالت:

فعل مضاف وانفعال ثبتا كم وكيف وضع أين له متى الحقيقة ال تخضع للتغير بتغير األفهام عنها، بل هي هيإذن

وليست بغيرها

على اإلطالق في عالم الجواهر وفي عالم األعراض.هل الحركة أمر نسبي؟

إلى تقسيم آخر، وقد يكون هو منشأ الشبهة:لننتقل اآلن التقســيم الثــاني: إن من الحقــائق مــا هي حقــائق قــارة أو

المنطقي، وما هي غير قارة، ذلك أنه يوجد متواطية بالتعبير ، وذلــك(كم متصــل غــير قــار ) وعندنا(كم متصل قار)عندنا

الحركـة أمــر مثل الزمــان ومثــل الحركــة، فربمـا يتــوهم أن نسبي، الزمان أيضا أمر نسبي أي أنه أمر غير ثــابت بــل هو

متغــير، اآلن الســاعة مثال ثمانيــة وربــع لكنــك بعــد متحــرك33

ثمانية وربع، بل يلــزم أن تقــول دقيقة ال يمكنك القول: اآلن ثمانيــة وســت عشــرة دقيقــة مثال، فلعــل متوهمــايتوهم أن

الحقائق فيها ما هو نسبي. كال.. الحركة هي هي وليست غيرهــا وليســت شــيئانقول:

آخر. ان الحركة بما هي حركة وليست شيئا آخر، ذلــك أن الواقــع

أمــر محــدد واضــح، لكن نحــو وجــوده هــو ســيال، الخــارجيــذي فســرت وكون وجوده سياال ال يعني النسبية بالتفسير ال

بعضــهم أن بــه النســبية؛ ألن النســبية كمــا ذكرنــا تعــني عند اإلنسان المعتقد بأن هذه حركة، مصيب، واآلخر الذي يقول:

هذه سكون، فهو مصيب أيضا. وهذا هو مــا نرفضــه، ألن كال في عالم الثبــوت واحــد من األمــرين إمــا حقيقة هذا الشيء

متحرك أو هو ســاكن وال حركة وإما سكون، والشيء إما هو األمــر كـذلك، يعقل اجتماعهما من جهة واحدة، وفي الزمان

فإن اليوم إمــا يــوم الســبت أو يــوم الخميس أمــا أن يكــون يوم السبت وال يوم السبت من جهــة واحــدة فهــذا اليوم هو

مما ال يمكن. إن الشيء هو هو سواء أكان قــارا أم غــير قــاروالحاصل:

إن شـــئت فـــأطلق عليهـــا مثـــل الحركـــة والزمـــان، أو التدريجيات، فهناك أمور تدريجية في الحقيقــة لكن ال يمكن

أن

34

وقل ــق﴿تكون نسبية؛ إذ : الواقع هو الواقع وال غير، منالحكم ب وهــذا الواقــع الخــارجي هــو الواقــع نفســه غــير، ﴾وال1ر

ــدنا وذاته، سواء تعددت األنظار أم لم تتعدد، اه ﴿ولذا نقول: راط المســتقيم والنتيجــة أن الصــراط صــراط واحــد ﴾الصــ

وليست صراطات مستقيمة، بل هو صــراط واحــد مستقيم،وما أشبه ذلك. في مقابله صراطات ضالل وظلم

نــدعو اللــه ســبحانه وتعــالى أن يهــدينا إلى الصــراطونحن بالدعاء والبحث والطلب، ومن الواضــح المستقيم كما أمرنا

محدد في الواقع، أو وجــد أنه إذا لم يكن هناك صراط واحد إليــه صراط ولكن يمكن الوصـول إليـه، فـإن طلبنــا بالهداية

سيكون طلبا محاال، وإن الوصول إلى معرفة الحق لــو كــان كلفنــا اللــه عندئــذ شــططا، نعــوذ باللــه من محاال نكــون قد

التفوه بذلك.

.29سورة الكهف: 135

الفصل الثاني

معاني النسبية وإجابات عامة فيمدركاتها

الحديث حول الحقول التي تثيرها النسبية، يتضمن ابعادلكن ما نأمله هنا هو تسليط الضوء على بعض وتفاصيل،

الطريق للباحثين عن المفاصل المهمة لعلها تضيء الحقيقة، وسوف نستعين في بحثنا هذا بأدلة عقلية، وشواهد عقالئية، إضافة إلى ما استنبطناه من اآلية

الصراط المستقيم ﴿الشريفة: اهدنا ﴾ 1 .العلم والمعرفة

إن التعبير بنسبية المعرفة، أو نسبية العلم، يكشف عن عنى العلم والمعرفة، واالعتراف بوجود بين وجود تداخل

مسار البحث، فلو كانت النسبة بين تداخل ال يلزمنا بتغيير لعموم كانت النسبة هي العلم والمعرفة هي التساوي، أو

المطلق، أو حتى والخصوص من وجه أو العموم والخصوص التباين، فكل هذه التقادير في النسبة بين العلم والمعرفة، بعيدة عن أصل البحث عن النسبية، ولذا ال يهمنا التحقيق

القائم حول تلك النسبة، فسواء قلنا بأن لحسم الجدل بأن العلم يباين المعرفة، العلم يساوي المعرفة، أم قلنا

6 سورة الفاتحة : 136

الحقلين، سيكون بحيث يغطي كال(النسبية)فالحديث عن فالحديث عن أحدهما – حتى مع غير التساوي - هو حديث عن اآلخر في الغالب، نعم قد توجد أدلة خاصة بالمعرفة،

بناء على أنها

غير العلم، وسنتطرق لها أيضا بإذن الله تعالى، وربما في هو الحق في المقام، أما اآلن فحديثنا لما المستقبل نتطرق

متساويين أم عن نسبية المعرفة ونسبية العلم سواء كانا متباينين ال فرق، وإذا كانا متساويين فالعالقة هي الترادف

.1 لتطابقهما في المقام بينهمامعاني النسبية

والسؤال المحوري الذي يحدد مسار البحث هو السؤال المقصود من النسبية، وماذا يعني القول الذي يبحث عن

بنسبية المعرفة؟ أشرنا في بحث سابق، وبحسب االستقراء الناقص، إلى

، وقد ذكرت2للنسبية تصل إلى العشرة وجود معان عدة عدد من فالسفة بشكل مباشر أو غير مباشر في كلمات

الغرب أو الشرق، وهناك معان يمكن أن تستنبط من أيضا، وقد أضفت معنى آخر فصارت المعاني أحد كالمهم

نتطرق له في هذا البحث هو أربعة أو عشر معنى، لكن ماخمسة من المعاني.

: المعرفة الناقصة1.المفاهيم بلحاظ والترادف والمصاديق األفراد بلحاظ التساوي 1 الهرمنيوطيقا نقد )بعنوان الطبع تحت كتاب في للنسبية معنى عشر خمسة وذكرنا 2

(.واللغة والمعرفة الحقيقة ونسبية37

. 3 المعرفة الناقصة في قبال الكاملةالمعنى األول: أن يكون القصد من النسبية هو كون المعرفةيحتمل

اإلنسانية ناقصة واليمكن أن تحيط بكل الحقائق، أي الغيب، أو حقائق بحقائق عالم الطبيعة، أو حقائق عالم)

النفس اإلنسانية أو حقائق عالم التشريع وحكم ومالكات

ففي كل هذه الحقول ال ترتقي معرفة اإلنسان(األحكام،... الكمال، وبالتالي المعرفة ليست مطلقة وال بها إلى حد

والشمول. يمكن أن تصل إلى حد الكمال وهنا ال بد لنا أن نفكك المعاني ونحدد المراد حتى نميز بين

والخطأ، وأصل هذا المعنى يرجع إلى أن المدعى الصحيح إنسان وحيوان المعرفة قد تكون متعلقة بالطبيعة من

وجماد وما أشبه، وقد تكون متعلقة بعالم الغيب أو بأغوار النفس اإلنسانية، والحاصل: إن كل المعارف التي لها عالقة

يمكن تصنيفها ضمن هذا المعنى، كما أن بعالم التكوين حكم ومالكات األحكام الكالم يشمل عالم التشريع من

كلها مما ال الشرعية من أحكام تكليفية ووضعية أيضا، هذه تحيط المعرفة بها وال يستطيع بشر أن يحيط بكل جوانب

، بالتعبير(الال متناهي األبعاد)المتالطم الواسع هذا الكون الفلسفي، هذا هو المعنى العرفي وليس بالتعبير الدقيق

األول المراد أو المحتمل إرادته. راجع المعنى، هذا ذكر المصادر من الكثير 3 -466 ص 2 ج الفلسفي المعجم: مثال

.وغيره هاملتون الرأي هذا تبنى وقد ، 46738

المعرفة الكاملة بين اإلمكان والوقوع إن هذا المعنى للنسبية صحيح من جهة وخطأ من جهة

أدق: أخرى، وبتعبير أ - صحيح بالنسبة إلى أشخاص وخطأ بالنسبة إلى أشخاص

آخرين. وخطأ بالنسبة(في الجملة)ب-وصحيح بالنسبة إلى الوقوع

إلى اإلمكان.(بالجملة)

ذلك باختصار بأن القول بالنسبية ضمن هذاوتوضيح ، واإلمكان(الوقوع) و(اإلمكان)يشمل المعنى يمكن أن

جوهره، أي أن العقل ال بحث عقلي يتعلق بماهية الشيء أو استحالة يرى أن اإلحاطة بحقائق األشياء أمر مستحيل، ال

ذاتية وال استحالة وقوعية، أما الوقوع فهو بحث استقرائي الوجود والجانب العملي وحدوث مثل هذا العلم راجع إلى

بالفعل للبعض.

نســأل من يقــول بالنســبية ضــمن هــذا المعــنى الــذيوهنا المعرفة، هل تعني: اإلمكان أم الوقوع؟ في(اإلطالق)ينفي

أنه يستحيل على البشر فإن كان المراد اإلمكان، أي بمعنى فمن أن يحيط بكل الحقــائق الكونيــة، فهــو واضــح البطالن،

ــذا العلم؟، والعقــل أي طريق يمكنك أن تنفي إمكان مثل ه باالستحالة إال إذا رجع األمــر إلى اجتمــاع النقيضــين ال يحكم

القول بإمكانيــة العلم واإلحاطــة بحقــائق أو ارتفاعهما، وهل أو اجتمــاع الضــدين؟ األشياء يلزم منــه التسلســل أو الــدور

وهل يستحيل على الخــالق أن يجمــع العلــوم كلهــا في قلبــرة ــمن دائ ــديث عن اإلمكــان ض ــه؟ فالح رجــل من أوليائ39

عن الصــواب؛ ألن اإلمكــان متحقــق النســبية، حــديث يبتعد هذا الكون يســتطيع أن واالستحالة منتفية دون ريب، فخالق

يجمـــع حقـــائق هـــذا الكـــون الغـــريب العجيب المـــترامي، ويستودع معارفه في مخلوق ما. ذلك أنــه إذا كــان اإلنســان

قادرا على أن يجمع معلوماته في مكان وهو البشر الضعيف إجراء أعقد العمليات ما ويخزنها مثال في كمبيوتر قادر على

الخــالق ، أال يمكن أن يكــون1 ويتسع لحفظ معلومــات هائلة قــادرا أن يــودع حقــائق الكــون في بشــر خلقــه وكرمــه

واصطفاه؟. هل االستقراء يثبت عدم الوقوع؟

أمــا إذا كــانت النســبية بمعــنى الوقــوع وليس اإلمكــان، أي ال يوجــد فيهم من يحيــط بكــل معلومــات بمعــنى أن البشر

المدعى يرتكز على حقيقــة الكون خبرا، فإننا سنجد أن هذاــا ال تثبت إال باالستقراء، وهو ما ال يتم لهم، ألن االستقراء هن

ناقص ال يرتقي إلى مســتوى الحجــة، فعلى أقــل التقــدير ال ، إلنهم )عليهم السالم(هذا االستقراء األنبياء والرسل يشمل

ليسوا في دار الدنيا. فمن الذي يستطيع أن يقطع بأن الله لم يجمع علوم الكــون

شخص بأجمعها في

م آدم وعل ﴿اسمه آدم مثال، كما يؤكد القرآن الكريم: ها األسماء ال يقع البعض في إشكال عدم وحتى ،2﴾ كل

و )عليه السالم( العموم في العلم الذي منحه الله آلدم ﴾ جمع محلى بأل وهو ظاهر األسماء﴿في شبهة أن الوقوع

كمبيوتر اخترع كما الثانية، في عملية (تريليون) مليار ألف يجري اآلن كمبيوتر يوجد 1.بكثير وأقوى ذلك من أسرع آخر

.31سورة البقرة: 240

في العموم في العموم، أكد الله تعالى على و ليس نصا، ويمكن ها كل ﴾العموم بقوله: ﴾ األسماء﴿ أن نستشف من ﴿

وعالم الوجود العلوم وذلك ألن األسماء تشكل عالم اإلثبات لذهني وهو العلم، وفي مقابله عالم الثبوت أي الواقع، كما

االسم: المسمى، فمثال في الرياضيات هناك يقع في مقابل اسم ولهما مسمى، وفي والمقابلة فالجبر اسم ومسمى،

كل العلوم هناك اسم ومسمى،المسمى هو الواقعم وعل آدم ﴿الخارجي، واالسم هو هذه العلوم والمعارف،

ها األسماء أي علمه كل المعارف والعلوم. 1 ﴾كل أن(لم يقع) أنه ال يمكن أن يجزم اإلنسان بأنه والنتيجة:

الله سبحانه وتعالى قد جمع كل المعارف والعلوم التي ترتبط بكل األفالك

لنفس اإلنسانية وبأمثال ذلك، في والمجرات وبأغوار الغائب، وعلى إنسان، إذ ال يمكن أن يحكم اإلنسان على

أمر لم يجربه ولم يردع عنه حكم العقل الوجداني الصريح، وهذا شبيه بالذي ينكر وجود كواكب أخرى خارج المنظومة

يدعي عدم وجود كواكب صالحة ألن يسكنها الشمسية، أو لم يثبت لديه ذلك، وهذا ما ال كائن حي، ألنه لم ير ذلك أو

يمكن الركون إليه علميا ألنه ال يعدو اإلدعاءمن دون برهانودليل.

ومن هنا نحن نصدق بالغيب إذا أخبرنا به الله تعالى أو من أو ألهمهم، أما غير ذلك فال سبيل إلى معرفته أوحى إليهم

أخبرنا القرآن ببعض األمور إثباتا أو نفيا، عادة، وعندما بوجود الغيبية صدقنا بها، فهل هناك طريق إلى اإليمان

مالئكة مثال أو جن غير إخبار الله تعالى بها؟. نعم قد يفتح الله تعالى

.31 سورة البقرة: 141

نافذة للحواس الباطنة، نحو عالم الغيب، أو حتى الحواس الظاهرة أحيانا. ومن هنا جاز لنا التصديق بعلوم األنبياء

كما اخبرنا بذلك القرآن، وكما)عليهم السالم(والمرسلين بعلوم)صلى الله عليه وآله وسلم( أخبرنا الرسول الكريم

كما قال في حق اإلمام )عليهم السالم( ومعارف أهل البيت ))أنا مدينة العلم( : عليه السالم )علي بن ابي طالب

، وقال علي1 وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب(( ))علمني رسول الله ألف باب( :عليه صلوات الله وسالمه)

وفي رواية أخرى:2من العلم يفتح كل باب ألف باب(( هنا(العلم) ، و3 ))يفتح لي من كل باب ألف ألف باب((

مطلق يشمل جميع العلوم مثل الهندسة والطب والفلك، فإن الهندسة باب والفلك باب والطب باب والجيولوجيا باب

والفسيولوجيا وعلم وظائف األعضاء باب وكذا الفلسفة واألصول والفقه وما أشبه ذلك، وهذا ما يدل عليه كالم

عندما يقول:(صلى الله عليه وآله وسلم )الرسول األعظم ))أنا مدينة العلم(( والعلم هنا مطلق ألن المفرد المحلى

)بأل يفيد اإلطالق، فينتج أن هو باب كل( عليه السالمعلياالعلوم.

وهذا النوع من االستدالل، كما ال يخفى، يعد مناسبا لمن يؤمن بالله وبالرسول، أما إذا كان المخاطب غير مؤمن وال

م آدم وعل ها فهو علىاألسماء﴿يصدق مثل قوله تعالى: ﴾ كل أقل تقدير ملزم بعدم الرفض، وذلك لعدم إمكانه بأن يقطع بخالف ذلك، وكل ما يمكن أن يكون باستطاعته هو قوله: ال

أعلم، وحينها ال يمكنه تكذيب ما لم يحط به علما، وعندها في (وآله عليه الله صلى) وقال . 4 11 ح ضمن 91 ب 87 ص 40 ج: األنوار بحار 1

من فليأتها المدينة أراد فمن بابها (السالم عليه) وعلي الحكمة مدينة انا: آخر حديث .20 ح 7 ب 5 22 ص 25 ج: األنوار بحار . بابها

.10 ح ضمن 104 ب 183 ص 69 ج: األنوار بحار 2.اآليات من فيها وما الواقعة سورة 635 ص: الطاهرة اآليات تأويل: ينظر 3

42

ينتقل البحث معه إلى الحقل الكالمي إلثبات التوحيد والنبوة وما يترتب عليهما من التصديق بما جاء في الرسالة، ومن

ثم إثبات وقوع المعرفة المطلقة الشاملة لبعض األنبياءواألولياء.

ــبيةوالخالصة: إنه إذا كان المقصود من المعنى األول لنس التي بحــوزة اإلنســان هي غــير كاملــة المعرفة المعرفة: أن

اإلمكــان، وأخــرى وشاملة، فإنه يقع البحث عندئذ تارة حول حول الوقوع، أما اإلمكان فهو ثابت مما ال ريب فيه كما بينا، وأما الوقــوع فليس لــه ســبيل إلى نكرانــه، بالنســبة ألمثــال

.(عليهم صلوات الله وسالمه )األنبياء واألوصياء. تغير المعرفة بتغير الزمن والظروف2

الثاني: تغير المعرفة بتغير الزمان:المعنى هذا المعـنى يرتكــز على كـون المعرفـة اإلنســانية محكومـة

فليست هناك معرفة يمكنهــا اخــتراق ومتأثرة بعامل الزمن، حــاجز الــزمن لتكــون مهيمنــة عليــه، بــل هي منفعلــة دومــا

بحسب الظروف التي تفرض شروطا جديدة للمعرفة، ومن كان ال بد من الحكم بنسبية المعرفة، لعدم وجود معرفة هنا

األزمنة، فالصحيح والخطــأ محكومــان تكون صحيحة في كل األزمنــة وإنمــا هي بالزمن، يعني أنها ليست صحيحة في كل

صحيحة في زمــان دون زمــان، فالمعرفــة الموجــودة اليــوم نحكم عليهـا بالصـحة، ال يمكن أن تكـون صـحيحة في والتي

حالة من التغير الدائم، لتعلق المعرفة كل األزمان، ألنها في يـــدعون: أن ، بل1 بإطـــاري وبشـــرطي الزمـــان والمكـــان

لهذه النظرية مدارس متعددة: منها: 1 مدرسة )النسبية األاخالقية وإن فكرة الخير والشر مرتبطة بالمكان والزمان وليس

لهما أية أخالقية(43

التشريع القرآني، كما صرح بعض أصحاب النسبية، محكو م للذكر مثل حــظ أيضا هــو تشــريع1 (األنثيين﴿بعامل الزمان،

(بحسب هذه النظرية) صالح لزمان دون زمان، فمع تغير األحوال ال يمكن أن

للذكر مثل حظ ، بل يكون للذكر مثال مثل ﴾األنثيين ﴿يكون ألن الحكم محكوم حظ األنثى أو لألنثى مثل حظ الذكرين،

عندهم باألجواء والظروف الزمنية الخاصة، فما كان في مكة واألعراب والجاهلية ال يكون صالحا في زمن من

كما يزعمون، فتكون األحكام المدنية والتقدم والتكنولوجيا من أشكال الشرعية بذلك نسبية أيضا، وقد يعد هذا شكال

التمرد على واقع الدين والتشريع ولكن بغالف النسبية، - وقد عصمه الله تعالى -الصريح بخطأ النبي فبدل القول

حق اإلرث يقول ذلك في عدم مساواته المرأة بالرجل في صحيح بطريقة غير مباشرة، بأن حكم النبي في ذلك الزمن

مراعاة لظرفه الزماني، لكنه في هذا الزمن غير صحيح، استمرارية الشريعة وتخطئة ))حالل محمد مما يعني تخطئة

.2 إلى يوم القيامة(( حالل إلى يوم القيامة، وحرامه حرام

466 ص 2 والمعجم الفلسفي ج 560الموسوعة الميسرة ومنها: مدرسة نسبية المعرفة التابعة لنسبية ) الممارسة االنتاجية االجتماعية(

و)إمكانيات االنتاج ومستواه الفني( - كما جاء بالتفصيل في ) الموسوعة الفلسفية / لمجموعة من األكاديميين السوفيات2 (84معرفة /

وقد نقدنا كالمهم بالتفصيل في كتاب تحت الطبع بعنوان )نقد الهرمنيوطيقيا ونسبيةالحقيقة والمعرفة

واللغة(..11سورة النساء : 1.7 ح 13 ب 148 ص: الدرجات بصائر 2

44

المعنى الثاني للنسبية هو: أنه قد تكون معلومة أوإذن في عالم اإلثبات صحيحة في زمن خاطئة علم أو حقيقة

ذلك بإذن الله تعالى. في زمن آخر. وسيأتي الجواب عن. ال توجد حقيقة واحدة معرفية3

المعنى الثالث:ليست هناك حقيقة واحدة: النسبية بهذا المعنى تنفي أن تكون الحقيقة مطلقة في حد

وأنه قد ينالها إنسان دون آخر، فال توجد هناك حقيقة ذاتها، يسعى اإلنسان للتعرف عليها فتارة يصيبها موضوعية كي

ا لموضوعية هي مقياس وتارة يخطئ، فتكون الحقيقة النمط الصحة والخطأ، بل الحقيقة نسبية، أي إن هذا

التفكيري يتنكر على تلك الحقيقة العينية الخارجية، ويرجع المعرفة

، فتصبح بذلك1 بالتالي إلى اإلنسان ونظرته الشخصية كلها صحيحة وعلوم اآلخر التي تناقض علومي ومعارفي

فلو كان اإلنسان يعتقد بأن علومي ومعارفي أيضا صحيحة، فضمن هذه الله ليس بجسم ويستحيل أن يكون جسما،

بأن النظرية فإن عقيدة هذا اإلنسان صحيحة، والذي يقول الله جسم وينزل من السماء راكبا حمارا والعياذ بالله

صحيحة! والذي يقول بالتوحيد صحيح والذي أيضا عقيدته فالكل صحيح والكل على حق، يقول بالتثليث أيضا صحيح!

بأي شيء وآمن هذا الطرف وذاك الطرف، حتى وإن اعتقد بأية خرافة فهو محق، فمن اعتقد بأن البقر هو اإلله أو

حكم كل أرجعوا حيث الذاتية أو الذاتي المذهب انصار المعنى هذا الى ذهب 1 وجوديا أو كان ص 1 ج الفلسفي المعجم: راجع, فردية شعورية أفعال أو أحوال الى تقديريا

583 - 584. 45

والمدر والصنم ومن اعتقد بالله الواحد األحد الفرد الحجراإلصابة، أي أن الكل مصيب!!. الصمد، سيان من حيث

. ظنية العلوم والمعارف4 الرابع: العلوم والمعارف ظنية، وليست قطعية:المعنى

بهذا المعنى تقوم على كون المعرفة اإلنسانية(النسبية) ظنية ال ترقى إلى مستوى القطع مهما تكاملت فهي

على مجرد واليقين، فالمعرفة ضمن هذا التصور قائمة إدراك ظواهر األشياء بحيث ال يستطيع اإلنسان أن يدرك

األمور إال ظنا، بل لعل بعضهم يقول: إن إدراك حقائق ومن هنا ال يستطيع إنسان أن يحكم أيضا ظني،(الظواهر)

اآلخرين، والحاصل: جازما بصحة معارفه في قبال معارف أن إن كافة علومه ومعارفه صحيحة تحتمل الخطأ، كما

علوم ومعارف اآلخرين خاطئة تحتمل الصواب. ويحتمل في هذا الرأي: إرادة الثبوت، وإن الواقع هو كذلك،

العارف أو العالم أنه على حق مائة بالمائة، وإن تصورفي وتصور غيره على باطل مائة

المائة، كما يحتمل إرادة اإلثبات وأنه ال يوجد عارف وعالم بأن علومه ومعارفه ال تتعدى حد الظن، وأن إال وهو مذعن

التخطئة الظنية. تخطئته لآلخرين ال تتجاوز وعلى الرأي األول فإنه توجد ضبابية مطلقة ال يكاد اإلنسان

فيها الحقائق واضحة، والبشر على هذا الفرض ال أن يرىوالظواهر. يعيش إال على الظنون

احتمال آخر،وإن كان مستبعدا أن يكون مقصودوهنالك أنه يقصد بنسبية المعرفة: أن المعرفة النسبيين وهو

تختلف درجاتها ليست مطلقة من حيث درجة اليقين وإنما

46

ولكن ال يمكن أن تصل إلى اليقين الكامل كحق اليقيناليقين. وعين الشخص في تلك الحادثة، جاء لذاك المسمي نفسهذلك

وسأله: هل أنت من أهل الجنة أم من خليفة المسلمين إلى أمير المؤمنين أهل النار؟ قال له: ال أعلم، ثم ذهب

وسأله نفس السؤال )عليه السالم(علي بن أبي طالب ما مضمونه بأنه مطمئن )عليه السالم(المؤمنين فقال أمير

الحق وليس ظانا، بأنه من أهل الجنة، ألنه عالم بأنه على وهذا هو الفرق بين الجاهل والعالم: إن العالم بالحقيقة

))لو )عليه السالم(متيقن تماما كما يقول اإلمام علي . 1(( كشف الغطاء ما ازددت يقينا

إذن المعنى الرابع لنسبية المعرفة هو أن المعرفة نسبية االطمئنان أو االنكشاف بها فال توجد معرفة من حيث درجة

أي ظنية، أو شكية أو وهمية، يقينية بل المعارف كلها نسبيةيعني مشكوكة أو موهومة أو مظنونة.

. ال معرفة مجمع عليها5 عدم االتفاق على العلوم والمعارف أوالمعنى الخامس:

حتى مفردات منها

بين البشر: هنا بمعنى عدم وجود معرفــة انعقــد عليهــا إجمــاعالنسبية

بحيث أنهــا تكــون محــل اتفــاق جميــع البشــر، جميع العقالء، .2086 ح 2 ف 5 ب 1 ق 9 11 ص: الكلم ودرر الحكم غرر 1

47

الخالف والــنزاع في كافــة فالمعرفة نسبية هنا بمعنى وجود.1 العلوم والمعارف وفي جميع المسائل بين البشر

أجابات هذه المعاني المختلفة للنسبية ال يمكن سوقها بعصى

عليها جميعا بحكم واحد، فإن البعض معرفية واحدة والحكم والبعض منها في أصوله منها إطالقه محكوم عليه بالبطالن،

نظر وجهة نتيجة هي وأذواقنا وقيمنا معارفنا أن عالمية مطلقة لحقيقة وجود ال 11052اإلنسانية العلوم معجم) عالمية عقلية لمقوالت وجود ال) (بنا خاصة

48

بأدلة تأمل ونظر، ولكي تتضح الصورة نبدأ باالستشهادوأمثلة من المعارف والعلوم في مختلف الحقول.

أ: االستدالل بعلمي الحساب والهندسة المثال األول من العلوم: المثلث مجموع زواياه تساوي

مطلقة أم نسبية(المعلومة) و(الحقيقة)هذه قائمتين، فهل والحاالت؟، وهل يعقل تختلف باختالف الزمان أو الظرف

القول: إن في زمن دقيانوس مثال كانت زوايا المثلث تساوي ثالث قوائم، أما في الغرب المتطور فالمثلث زواياه

قائمتين!!، تساوي إن المثلث مثلث سواء صعدت إلى السماء أو نزلت إلى

زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين، األرض ومجموع بضرب الضلع في وكذلك مساحة المربع التي تكتشفها

تخضع نفسه وهكذا وهلم جرا، هذه حقائق ال ريب فيها وال للزمان بل هي فوق الزمان، كما أنها ال تخضع للمكان وال

تخضعلمؤثرات الطبيعة والظروف، وليست محكومةباختالف وجهات النظر،

كما أنها ليست ظنية، بل هي قطعية، كما أنها ليست حقائق مختلفا فيها،بل هي إجماعية، ومن هنا فإن من أصاب هذه

وإال فمخطئ، فإذا زعم أحدهم الحقيقة وعلم بها فهو محق عشرين، نحكم بأن حاصل ضرب أربعة في أربعة يساوي

بجهله؛ ألنها حقيقة مطلقة وهي مقولة علمية عالمية ال فيها اثنان إال الجاهل بقول مطلق، وهي حقيقة يختلف

ومن حيث األشخاص واألحوال مطلقة من حيث الزمان،والظروف، واألمر كذلك في كافة مسائل

49

العلوم والمعارف اليقينية مثل علم الحساب والهندســة ومــانوع من األمثلة. هذا1أشبه ذلك

ب: االستدالل على المؤثر بآثاره أنــا أفكــر إذا أنــا )2نوع آخر من األمثلة عندما يقول ديكــارت

يستدل ببرهان المعلول واألثر وهــو االنتقــال ، فإنه3( موجود عقلي فطري وجداني من األثر للمؤثر، وقانون العلية قانون

الشك فيه، كما ال يختلف باختالف األزمنة وال باختالف األنظار وهو بــديهي، وال يوجــد منصــف ينكــر كــون األثــر داال

، وال 4 األثــر معلــوال للمــؤثر الحقيقي على المــؤثر، أو كــون والمعلــول غــير يمكن أن تكون العلة بما هي علة غير علــة،

االستدالل سيأتي 1 .تعالى الله بإذن( العقلية المستقالت)و( الفطريات )ب أيضا رموز من فرنسي، وفيزيائي ورياضي، فيلسوف، ، 1650 – 1596 ديكارت رينيه 2

ويعتبر, العلمية الثورة الفلسفية األطروحات من للكثير والمرجع, الحديثة للفلسفة أبا حتى تدرس زالت ما التي ألطروحاته، انعكاسات وهي بعده، جاءت التي الغربية اليوم، النص يشكل زال ما الذي ((األولى الفلسفة في تأمالت)) كتاب خصوصا

وله الرياضيات، علم في واضح تأثير له أن كما, الفلسفة في للتدريس القياسي في األولى النواة شكل الذي الديكارتية، باإلحداثيات المعروف الرياضي النظام

السابع القرن في العقالنية لمذهب الرئيسية وهوالشخصية ،((التحليلية الهندسة)).عشر

علما بأن ديكارت لم بصنع معجزة فقد قالت هذه الفكرة تلك العجوز في البيداء 3 قبل ألف سنة أو أكثر عندما سئلت عن وجود الله قالت: )البعرة تدل على البعير(،

فوجود البعرة كأثر يدل على المؤثر أفال فجاج ذات وأرض أبراج ذات أفسماء المسير، على يدل السير أثر)و البعير، وهو

أنا إذن أفكر أنا )إذا بالبداهة، ثابت فطري أمر وهو ؟(الخبير اللطيف على تدالن مصاديق من مصداق هذا فإن لديكارت، فكرية معجزة وليس فطري قانون( موجود

أفكر أنا )مقولة فإن واالستدالل الفكرة حيث من أما بينهما، والعالقة والمؤثر األثر على متفرعة أو تابعة ليست( موجود أنا )النتيجة هذه إذ ضعيفة، مقولة( موجود فأنا

المحمول أخذ فقد فيها، مستبطنة هي بل( أفكر أنا) ضمن في عنه مفروغا وإثبات(. موجود أنا )في لألنا إثبات هو( أفكر أنا )القول مجرد إذ الموضوع،

( موجود)ل .الموضوع رتبة في أيضا اإلنكار أو والنقاش 4 ال؟ أم ذاك أثر هذا أن وهل المصداق في يكون أحيانا

50

معلول، ويستحيل صدور المعلول بدون علــة، كمــا يســتحيليكون هنالك علة تامة العلية دون معلول. أن

ج: األوليات والفطريات الكل أعظم من) آخر لعله أوضح عند البعض وهو قانون

ال يخضع لنسبية الزمن وال تتحكم فيه فإنه قانون(الجزء األمكنة، هو مورد اتفاق الجميع، واليمكن اإلتيان بمثال

ينقض هذا القانون. وقد يخطئ البعض في الحكم بذلك في بعض األمثلة لكنه

فهم هذا القانون، كمن يقول جهال إذا يكشف عن عدم أكبر من بقية الجسم، فرضنا وجود إنسان له يد كبيرة جدا

في فيكون حينها الجزء أكبر من الكل، وهذا خطأ واضح فهم القانون، ألن الكل هنا هو جميع جسم اإلنسان بما فيه

وبالتالي هو حتما أكبر من الجزء، وهكذا في بقية هذه اليد، منها، مثال القول بأن التسلسل القوانين لو تم فهم المقصود

واستحالة أن محال وكذلك اجتماع النقيضين، أو الضدين، يكون الجزء أعظم من الكل، أو يوجد المعلول بدون علة،

كل هذه القوانين فإنه ال يمكن أن(فهم) و(إدراك)لو تم التصور فيها)وبحسب تعبير العلماء يرتاب فيها أحد،

على حقيقته فإنك فإنك إذا تصورته(مساوق للتصديق تصدق به بدون كالم، وبهذا نكتشف أن هنالك علوما ومعارف مطلقة بأكملها كالرياضيات، وهنالك مسائل

أخرى كالكالم والفلسفة. مطلقة، من علومد: المستقالت العقلية

في المستقالت العقلية وهو باب واسع، وقدمثال آخر العشرات(األوامر المولوية واإلرشادية )ذكرت في كتاب

مختلف األبواب، من من نماذج المستقالت العقلية في وهذه اجتماع وسياسة واقتصاد وحقوق وعقيدة وشريعة،

51

المستقالت العقلية هي أيضا أمور مطلقة وليست المعرفة بها نسبية،وذلك مثل العدل حسن بقول مطلق في كل

والظلم قبيح مهما تغيرت األزمنة وفي كل األمكنة، الظروف، فما صدق عليه أنه عدل فهو حسن

وما صدق عليه أنه ظلم فهو قبيح، وهو أمر يقيني بديهي إال أن هناك من ال يعرف معنى العدل والظلم فلنــا إذا افترضنا

يعرف حقيقــة العــدل يحكم بحســنه معه كالم آخر، وكل منــه، ــة الظلم يحكم بقبحـ ــرف حقيقـ ــرف ومن يعـ ومن ال يعـ

المعــنى تمكنــه المعرفــة باألمثلــة، وذلــك ك: ســحق حقــوق وتعذيب األبرياء وغيرها من األمثلة الكاشــفة عن قبح الناس

شــخص ســليم العقــل يحكم بحســن هــذه الظلم، فال يوجد مطلقــة وال تقبــل النســبية، األفعال، وبالتالي هذه الحقــائق

ــدوانا ــا وع ــعيف ظلم ــرب الض ــبح ض ــادرة وإال فسيص ومص حقوقــه في زمن، حســنا وفي زمن قبيحــا، وضــرب المــرأة

في زمن جيــدا بــل يكــون قتلهــا والعيــاذ باللــه ألنهــا امــرأة المــوءودةوإذا في الجاهلية حسنا، كما كانت البنات يقبرن

كل ذلك يمكن1 بأي ذنب قتلت*سئلت ــبريرا ــه ت أن نجد ل تحت مظلة النسبية، التي تشمل حــتى القيم األخالقيــة، كما يحــاول البعض أن يجــد فيهــا تــبريرا لعمليــة اإلجهــاض وهــو

األطفال. شكل آخر لوأدــاوهكllذا ــيع معه ــوان، تض ــذا العن ــمن ه ــبية ض ــإن النس ف

عنــدها األفكــار في حلقــات مفرغـة، فعلى الحقــائق، وتـدور.9 8سورة التكوير: 1

52

ينــادون بحقــوق المــرأة سبيل المثال يمكن أن نقول للــذينــزام ومســاواتها مــع الرجــال: إن هــذه الفكــرة نســبية، وإل اآلخرين بأمر نسبي ال يصــح، فكمــا تعتقــد أنت بــذلك يعتقــد

المساواة بناء على نسبية المعرفة حسب العديد اآلخر بعدمــانت ــواء ك ــا، أي س ــة من معانيه ــة ظني ــنى أن المعرف بمع

وليست يقينيــة، أم بمعــنى أن كــل المعــارف صــحيحة حــتى المتضــاد منهــا والمتنــاقض، أم بمعــنى أن المعرفــة تختلــف

.األزمان واألماكن والظروف صحة وبطالنا باختالف

ه - بين القرآن ووثيقة حقوق اإلنسان التي(وثيقة حقوق اإلنسان) يكون الحال حتى في وهكذا

المتنورون من المسلمين من األهمية – ويا يعطيها أولئك والدليل على ذلك أن للغرابة - أكثر من القرآن الكريم،

القرآن أصبح عرضة لتفسيرات بالرأي ولتأويالت من القاصي والداني، وأصبحت معارفه في منطقهم خاضعة

وثيقة حقوق اإلنسان فهي ال يمكن أن لقانون النسبية، أمامطلق تمس أو تناقش وكل ما فيها حق

ال يقبل المساس!. نقول: لماذا ال يجري عليها قانون النسبية؟! فتكون الوثيقة

ظنية غير قطعية، أو أنها صالحة لزمان دون مجرد أفكار كل اآلراء المتناقضة حولها زمان أو مكان دون مكان، أو أن

للوصول إلى حق، أو أنه ال يوجد منهج علمي أو غير علمي فيها وهكذا، لماذا توجه سهامهم دائما إلى(النص)حقيقة الكريم إلى درجة أن يفتري أحدهم بالقول أن هذا القرآن

وليس ربانيا، فيقول: إن المعاني القرآن هو إنتاج إنساني )صلى الله عليه وآله وسلم(من الله والكالم من محمد

53

بعباراته وفقا للطبيعة العربية، وتبعا لحاالتهم وقد صاغه ثقافاتهم، وإن صياغته هذه ومستوى أفكارهم وشكل

كل ذلك تحت خاضعة لمسبقاته الفكرية وخلفياته النفسية!، حتى يكون خاضعا لقانون(أنسنة الكالم اإللهي)مظلة والمكان، وذلك مما يفتح الباب أمام خلق فوضى الزمان

الحقائق، ومثاال على ذلك قوله الله فكرية تغيب معها كلللذكر مثل حظ يقول: إن هذه اآلية لم 1﴾األنثيين﴿تعالى

الذي تنزل من الله بهذا الشكل أو النص، وإنما نزل المعنى يؤكد العدالة وهي قاعدة عامة يختلف تطبيقها من زمان

وزمان الجاهلية وكان من المناسب لمرحلة النبي إلى آخر، موضوع المرأة ضمن هذا السياق أن تتحقق العدالة في

الحاكمة في ذلك ﴾ وفقا للثقافةاألنثيين﴿للذكر مثل حظ الزمن، أما اآلن وقد تغير الزمن وتبدلت الثقافة فال بد

من إنشاء حكم جديد وفق سياق جديد يتناسب مع المرحلة إلى غير ذلك من(للذكر مثل حظ األنثى )فتكون النتيجة

توضع له حدود، والذي يعني أنواع التالعب الذي ال يمكن أن أنها(الصالة )اإلجهاز على الدين كله، إذ يقال حتى في (ذكر الله)بأجزائها وشروطها كانت تطبيقا لقاعدة

به، ومع تغير الزمن والثقافات يمكن أن يتبلور واالرتباطحتى الموسيقى!! االرتباط بالله بأشكال أخرى

﴾قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ﴿2 . ولو طبقت هذه النظرية لما استقر حجر على حجر في كل

العالمية، ولكان لكل أحد أن يتجاوز الدساتير والقوانين كافة القوانين بحجة روح القانون، وأنه له أن يطبقه تطبيقا

كما عصريا أو تطبيقا مناسبا لثقافته و نفسيته وخلفياته!. الدولة والشركة)يلزم من هذه النظرية فسح المجال للكل

.11سورة النساء : 1 .93سورة البقرة : 2

54

بالتحلل من كافة العهود والمواثيق الدولية( واألسرة هي(المستقالت العقلية)إذن والعائلية والعملية وغيرها.

من المسائل تماما كعلمي الهندسة والحساب، وكالكثير العلمية والقطعية في العديد من العلوم، من القضايا

تتبدد معها النسبية المطلقة، وهي أفكار المطلقة التي بل هي أمور قطعية خارجة عن إطار الشك أو الريب،

والتفت بديهية واضحة يتفق عليها كل من تصورها كما هي،إليها على ما هي عليه.

مالمح الصراط المستقيم:اهدنا الصراط المستقيم ﴾هنا نتوقف عند قوله تعالى: ﴿ 1

الشريفة تكشف عن وجود صراط مستقيم ال فإن هذه اآلية و ال تغيره الظروف، وكونه يتحكم فيه الزمان وال المكان

﴾الصراط المستقيم الذي طلبنا من الله هدايتنا ﴿ إليه يعني تعاليه وسموه على الزمان والمكان، فلو تلون

بالزمان وتعرج مع اختالف األذهان لما كان صراطامستقيما.

إنه الطريق الذي يصل العبد بالرب المتعالي علىثم أن االهتداء للصراط المستقيم الزمان والمكان، كما

المطلوب مطلوب في كل زمان ومكان؛ ألنه دعاء المؤمناهدنا فلو لم يكن هناك طريق ﴾منه دائما في كل األزمنة ﴿

الواقع واحدا ومعروفا ومشخصا لكان طلبنا لغوا، في متن ذلك في الصلوات الخمس وكان توجيه الله لنا بطلب

بمعنى نسبية وغيرها، محاال وقوعيا، بل لو كانت المعرفة وكلها صحيحة، فإن طلب(الصراطات كلها مستقيمة)أن

للصراط المستقيم، يكون طلبا للمحال، ألنه تحصيل الهداية.6سورة الفاتحة : 1

55

كان اإلنسان فيه على هذا الرأي حاصل، إذ كل صراط على عدم التحقق فهو صراط مستقيم! والطلب متوقف

الفعلي للمطلوب مع رجاء نيله.الصراط الذي أشارت إليه اآلية القرآنية له شموليةوهذا ﴾ ﴿

عريض، فإنه يشمل أوال المعتقدات، وثانيا الملكات وعرض والصفات، وثالثا الخواطر واألفكار، ورابعا يشمل أمورا

أخرى نوكلها إلى عنوان آخر.

(المعتقدات). الصراط المستقيم يشمل 1الصراط المستقيم الذي أمرنا الله أن ﴾وتوضيح ذلك أن ﴿

يهدينا إليه دائما، ال بد أن يشمل: نطلب منه أن المعتقدات، فإن العقيدة قد تكون مطابقة للصراطأوال:

عقيدة مطابقة(الله واحد)تكون، إذ إن: المستقيم وقد ال فهو عقيدة مخالفة( الله ثالثة)للصراط المستقيم، أما

للصراط المستقيم، وهكذا األمر في مرحلة الثبوت، فهل الله مجرد أم جسم؟ هل الله سبحانه وتعالى عادل كما

كما يقول البعض؟ وهكذا.. نقول، أم ليس بعادلهل يعقل صدور حديث أصحابي كالنجوم؟!

وهنا مثال آخر أكثر ابتالء وتداوال وهو مورد جدل ونقاش المسلمين وهو موضوع عدالة الصحابة، فهناك قسم بين

بأن الصحابة كلهم على حق من المسلمين يعتقدون )صلى اللهالرسول ومصيرهم جميعا الجنة كما ينسب إلى

أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم)) قوله: عليه وآله وسلم( حكم هذا الفريق على مرحلة تاريخية وقد1 اهتديتم((

باب جزاء السد على طريق التفصيل،538 ص 2انظر: كشف القناع للبهوتي: ج 1 النذر فصل في أحكام تتعلق بالفتيا. والفوائد البن مندة باب388 ص 6وج

فصل الصحابة كالنجوم.29األصفهاني: ص 56

يحتمل فيهم خطأ واحد ال كاملة بالقداسة والعصمة بحيث ال األعظم لشيء إال لكون وجودهم توافق مع وجود الرسول

، وأنهم قد شاهدوه أو صاحبوه)صلى الله عليه وآله وسلم( عن ما جرى بينهم من خالف وصل فترة من الزمن، متغافال

قسم من المسلمين من إلى حد الحروب والقتال، وهناك يحكمون ببطالن(عليهم السالم )أتباع مدرسة أهل البيت

العقيدة؛ ألن الحق ال يمكن أن يتعدد والحق أحق أن هذهاكم ا أو إي وإن والنظرة1 ﴾ لعلى هدى أو ضالل مبين ﴿يتبع:

على كل الصحابة بحكم الموضوعية تقتضي عدم الحكم واحد، وإنما هو مجتمع فيه الصالح والطالح، ولكلمنهما

درجات ومراتب، وذلك كأي مجتمع بشري وإن كانت له مفرداته، وقد أكد القرآن هذه النظرة في آيات كثيرة بعض

مجموعة من الصحابة الذين كانوا كما كشف القرآن عن ظاهرة(النفاق)شكل حول النبي ووصفهم بالمنافقين، وقد

الله بسورة كبيرة في مجتمع الرسول إلى درجة أن خصهم كاملة في القرآن باسم المنافقون مضافا إلى آيات أخرى

إذا جاءك شمل ﴿ذ كرهم، فلنالحظ مثال قوله تعالى: ك قالوا نشهد المنافقين ك لرسول الله والله يعلم إن إن

* لكاذبونالمنافقينلرسوله والله يشهد إن ة خذوا أيمانهم جن فآمنوا ظاهرا بعد غلبة اإلسالم لكي2 ﴾ات

فاتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيله. ماءهم يعصموا هذا مضافا لما جاء في األحاديث التي تثبت ارتداد بعض

الصحابة كما في البخاري كتاب تفسير القرآن: أن قسما ارتدوا )صلى الله عليه وآله وسلم( من أصحاب الرسولويساقون إلى النار.

.381 ح الصاد مع الهمزة حرف 133 ص 1 ج: للعجلوني الخفاء وكشف .24سورة سبأ : 1.2- 1سورة المنافقون : 2

57

)صلى الله عليهفعن ابن عباس قال: خطب رسول الله محشورون إلى الله فقال: ))يا أيها الناس إنكموآله وسلم(

حفاة عراة غرال(( ، ثم قال: ))كما بدأنا أول خلق نعيده علينا إنا كنا فاعلين((، إلى آخر اآلية ثم قال: ))أال وعدا القيامة إبراهيم، أال وإنه يجاء وإن أول الخالئق يكسى يوم

فأقول: يا برجال من أمتي فيؤخذ بهم إلى ذات الشمال، رب أصحابي؟ فيقال: إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول

قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم كما الرقيب عليهم، فيقال: إن هؤالء لم فلما توفيتني كنت أنت

1يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.

وإذا استطردنا في هذا المثال الذي يكشف عن حجم وانقسام األمة إلى مذهبين إلى الخالف بين المسلمين،

أعتقد البعض أن اليوم، نجد أن سبب الخالف وقع عندما الله، كل الصحابة يمكن أن يكونوا وسطاء بيننا وبين حكم

ولهذا تغاضى هذا الفريق عن كل الخالفات التي وقعتبينهم

وعن كل خطايا وجرائم وجنايات بعضهم حتى يجد المبرر إلتباعهم، بينما يعتقد المذهب اآلخر بأن أهل بيت والمصحح

هم الذين أمرنا الله ورسوله(عليهم صلوات الله)النبي ميزها الله تعالى واصطفاهم بإتباعهم باعتبارهم النخبة التي

كتاب195 ص 7 كتاب تفسير القرآن، ورواه أيضا في ج 192 ص 5البخاري: ج 1 كتاب الفتن.87 ص 8الرقاق، ورواه أيضا في ج

)صلى اللهوروى مسلم في صحيحه كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة... قال : وليصدن عني طائفة منكم فال يصلون، فأقول: يا رب هؤالء منعليه وآله وسلم(

أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ باب في صفة يوم القيامة: في رواية قال157 ص 8و أيضا مسلم في صحيحه ج : فأقول يا رب أصحابي، فيقال إنك ال تدري ما أحدثوا)صلى الله عليه وآله وسلم(

بعدك.. . ح النحر يوم الخطبة باب 1016 ص 2 ج: سننه في ماجة ابن: أيضا مثله ورووا

، 5 321 ح األنبياء، سورة من 4 ص 5 وج 2539 ح: سننه في والترمذي ، 3057 ورواه غير إلى. القبر على الجريدة وضع 7 11 ص 4 ج: سننه في النسائي أيضا

.ذلك58

وطهرهم من على بقية الصحابة بل وعلى الخالئق كافة،جس يريد الله ليذهب عنكم الر إنما أهل ﴿كل رجس ودنس:

، واآليات والروايات التي تثبت1﴾البيت ويطهركم تطهيرا كثيرة ال حصر لها في هذا المقام. ذلك

هم مورد إجماع هذه وعلى أقل تقدير فإن أئمة أهل البيت واتباع المجمع عليه أولى من اتباع من اختلف فيه، األمة،

، وبخاصة2يريبك إلى ما ال يريبك(( وفي الحديث: ))دع ما إلى درجة أن قتل بعضهم أن الصحابة وقع االختالف بينهم

في مصادر البعض اآلخر وكفر بعضهم بعضا كما هو ثابت الفريقين، وهذا ال يمنع من وجوب وضرورة احترام الصحابة

الذين ثبتوا على العهد ولم يكونوا من المرتدين. وإن كلالصحابة تكشف عن هذا القسم. اآليات التي مدحت

( الملكات الفاضلة) ويشمل -2 (الملكات الفاضلة) الصراط المستقيم يشمل أيضا ثانيا:

الفاضلة على صراط مستقيم، وذلك مثل فإن ذا الملكة الفسق...فاإلنسان الكريم ملكة الكرم والبخل والعدل

ملكة العدل ملكته الكرم، والبخيل ملكته البخل، وكذلك والفسق، والشجاعة والجبن، فمن منهم على الصراط

المستقيم؟ ال يعقل أن يكون الجميع على صراط مستقيم، كما ال يمكن

أن يرتاب أحد

.33سورة األحزاب : 1 3 ج : الآللي غوالي في وكذلك 33526 ح 21 ب 173 ص 27 ج : الشيعة وسائل 2

.4 21 ح النكاح باب 330 ص59

في أن ملكة الجود والعدل والشجاعة هي التي تمثل ، والعقل والفطرة3 األخالقية الملكات الفاضلة والقيم

األزمان شاهدة على ذلك بحيث لو سئل الجميع في كلوكل األمكنة لكانت اإلجابة واحدة.

هل الخليفة يتجسس؟ وهنا نجري مقارنة بسيطة بين شخصيتين عرفهما الواقع

كمثال يدل على أن الملكات النفسية تنقسم إلى اإلسالمي، يتميزون بين من هو على حق الحسن والسيئ وإن أصحابها

ويشهد به صريح ومن هو على باطل وإن كل ذلك فطريالعقل وال مجال لتوهم النسبية أبدا.

وحتى يكون الشاهد أكثر وضوحا نتجنب ذكر اسم صاحب حتى ال تتدخل العصبيات واألهواء وتحرف القصة األولى

الحقائق. والتجربة واالستطالع أكبر شاهد فلو ذكرت هذه القصة ألي

في أي زمان وأي مكان فإنه سيرى أن صاحب إنسان سوي بطل القضية الثانية على القصة األولى على باطل، وأن

حق.القصة األولى

كان هناك من يدعي خالفة المسلمين وأنه أمير المؤمنين، الرجل في آخر الليل على دار فسمع من داخل وقد مر هذا

يتحدثان، فتسلق الجدار ودخل إلى بيت صوت رجل وامرأة جالسين، فأغلظ عليهما داخل البيت، فرأى رجال مع امرأة

فالن إن أنا في القول، وهددهما، إال أن ذاك الرجل أجابه: يا أخطأت مرة فأنت أخطأت مرتين: فإن الله سبحانه وتعالى

ولكي نغلق الباب على أي معترض، نضيف في )الكرم والشجاعة(: )إذا كانت 3ألهداف نبيلة( أما )العدل( فليس بحاجة إلى قيد.

60

﴾وأتوا البيوت من أبوابها وأنت تسلقت سطح البيت، يقول: ﴿ بذلكوخالفت

جسسوا وأنت وال ت ﴾نص القرآن الكريم، ويقول تعالى: ﴿ فإذا عرضت هذه القضية على أي فرد مع 1تجسست علينا.

الشخص، فهل من الممكن أن قطع النظر عن اسم هذا صحيح وبأنه يصلح يصدق عاقل حكيم بأن عمل هذا الرجل

القصة لخالفة المسلمين؟ وبخاصة إذا قورن مع صاحب الثانية والذي كان يتجول في ظالم الليل البهيم في

واألزقة باحثا عن محتاج أو فقير لكي يسعفه أو الطرقات أكياس الطعام، وقد اشتهر لدى يطعمه حامال على كتفه

يعرفوا شخصه إال الفقراء واأليتام والمساكين من غير أن هذا بعد أن افتقدوه فترة ثم بان لهم أنه قد استشهد، فكان

الرجل مثاال لملكة الرأفة والرحمة والعطف بالفقراء، وكان اآلخر مثاال لملكة التهجم على الناس والتجسس عليهم ذلك

!، فأيهما الذي(الدرة)وضرب الناس بالعصا وتسور البيوتكان على صراط مستقيم؟

وفيه: ما رواه ابن أبي الحديد وغيره أن عمر23 ب 661 ص 30بحار األنوار : ج 1 كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فوجد رجال عنده امرأة و زق خمر، فقال يا عدو الله أ ظننت أن الله يسترك و أنت على معصيته. فقال ال تعجل يا

وال ﴿أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثالث، قال الله وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت، وقال: فإذا جسسوا وتجسست، وقال ﴾ت ﴿ ﴾

دخلتم بيوتا فسلموا، وما سلمت. قال: فهل عندك من خير إن عفوت عنك. قال: نعموالله ال أعود.

فقال اذهب فقد عفوت عنك. وفي رواية أخرى فلحقه الخجل. وقد حكى تلك القصة في الصراط المستقيم، عن الطبري، والرازي، والثعلبي، والقزويني، والبصري، وعن

الراغب في محاضراته، والغزالي في اإلحياء، والمالكي في قوت القلوب. وسيرته عمر كالم في نكت 3 22 ب 17 ص 12 ج : البالغة نهج شرح: وانظر

.وأخالقه61

﴿أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على 2 ﴾صراط مستقيم

إن هذه قضية فطرية بديهية ال مجال للنسبية فيها، بل هي عليها كل عاقل، وقضية مطلقة ال مجيع أمر مقطوع به

تختلف باختالف األزمنة وال باختالفالبالد واألمكنة.

إن الصراط المستقيم الذي نطلب من اللهوالحاصل: سبحانه وتعالى هدايتنا له،هذا الصراط المستقيم يشمل

العقائد والمعتقدات، ويشمل أيضا الملكات النفسانية.. ويشمل خطرات القلوب3

الصراط المستقيم الخواطر أيضا، بمعنىثالثا: ﴾ يشمل ﴿ اإلنسان خاطر، وطاف بذهنه طائف، فهو أنه إذا خطر ببال

صراط مستقيم، وقد يكون أيضا قد يكون في ذلك علىعلى ضالل.

دليل ضعيف لمنكري كسر الضلع وأجوبة ستة هذا المثال من واقعنا اإلعالمي اليوم، الذيوإليكم

الفضائيات متاحة لكل من هب ودب، فقد أصبحت فيه إحدى الفضائيات تحدث أحد متعصبي السلف في

المسمومة أخيرا، وكأن المستمع ال يملك عقال وال حكمة، وقد حاول جاهدا إنكار حادثة الهجوم على بيت الزهراء

وكسر ضلعها الشريف، مستدال على ذلك عليها سالم الله، قمة في الغيرة كان)عليه السالم(بقوله: إن اإلمام علي

وفي الشجاعة وفي الفتوة فكيف يمكن أن يرى بأن زوجته أمامه، وال يحرك ساكنا؟ وكان استدالله كله يدور تضرب

يتجاوز العقل والنقل، فينكر كل حول هذا المحور الذي

.22سورة الملك: 262

عن غاية الوقائع التاريخية بأمر استحساني يكشفالسطحية.والجواب:

وكما هو معروف، وقد دل عليه الروايات الصحيحةأوال: كان مقيدا بأمر الله(صلوات الله عليه)اإلمام الثابتة، أن

)صلى الله عليه وآله وسلم(الله تعالى، وبوصية من رسول تمنعه عن قتال القوم، وقد كان في ذلك امتحان عظيم

وقد خرج منه وكما هي عادته وديدنه بأعلى درجات لإلمامالنجاح. وكجواب نقضي نقول:ماذا تقول عن الرسول األكرمثانيا:

يرى أصحابه يعذبون في وهو)صلى الله عليه وآله وسلم( ذلك لم مكة أمام ناظريه وقد عذبوا بسبب إسالمهم، ومع

يجرد سيفه وال أمر أصحابه بالدفاع المسلح عنهم، أو حتى اليدوي، وكان من بينهم النساء المؤمنات مثل الدفاع

)صلى الله عليه وآله وسلم( سمية، بل اكتفى النبي

وهو بذلك1بقوله: ))صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة (( ، وعلى التسلح بسالح المظلومية،(الصبر )يؤكد على معادلة

)صلى الله عليه وآلهالنبي وهل يصح أن يعترض أحد بأن الذي كان شجاعا بل أشجع الشجعان وصاحبوسلم(

سكت، ولم يفعل شيئا؟ غيرة وحمية : إنه يصل شعاع إشكال هذا الجاهل إلى اللهبل نقول

فالله هو خالق الغيرة والحمية والبطولة سبحانه وتعالى، ال يتدخل الله عندما يرى وكل الكون بيده سبحانه، فلماذا

السجون؟ المؤمنات الطاهرات يعذبن وتنتهك أعراضهن في 13 ج : البالغة نهج شرح وانظر. ياسر بن عمار 409 ص 1 ج: النبالء أعالم سير 1

وخصائص كل(عليه السالم) القول في إسالم أبي بكر وعلي 238ب 255 صمنهما.

63

اس أن أحسب الن ﴿إن الله تعالى خلق الدنيا دار امتحان ا وهم ال يفتنون كرواريت وهكذا كان امتحان 2أن يقولوا آمن

امتحانا في الصبر، )عليه السالم(بن أبي طالب اإلمام علي األكرم، إذ لو جرد اإلمام وذلك تحفظا على رسالة النبي كله للخطر، خاصة إذا سيفه وحاربهم لتعرض اإلسالم

التجربة ما زالت الحظنا أن إسالم القوم كان حديثا، وأن طرية وقد أحاطت بها المخاطر من كل صوب، فخطر المنافقين من جهة، وقبائل الموتورين من جهة أخرى،

إمبراطوريتي الفرس والروم التي كانت باإلضافة إلىالتجربة اإلسالمية الوليدة. تتحين الفرصة لكي تنقض على

أن الدفاع عن بضعة الرسول ضروري جدا بل منصحيحأهم الضروريات، يضحي بنفسه ألجل الحفاظ )عليه السالم(ولكن المعصوم

الذي هو أشد ضرورة، ويقدم بأكمله،(اإلسالم)على يزال أو المصلحة العامة في حفظ أصل الدين من أن

يمحى، على مصلحة حفظ نفسه، كما أن فيه إيثارا وتضحية.سبيل حفظ القيم والمبادئ في

يضــحون بأنفســهم ألجــل )عليهم الســالم(ولذا كان األنبيــاء )عليــه الســالم(ضحى اإلمام الحســين حفظ رساالتهم، وقد

ألجل الحفاظ على الدين كله: إال بقتلي يا سيوف إن كان دين محمد لم يستقم

خذيني كما صبر نوح وموسى(الصبر) قد تكون في والتضحية

عليهم السالم) )واإلمام الحسن

.2سورة العنكبوت : 2

64

)صلى الله وقد تكون في الجهاد والثورة، كما صنع الرسول صنع اإلمام الحسين فترة المدينة، وكماعليه وآله وسلم(

بعد عشر سنوات من إمامته. (عليه السالم) إن القضايا التاريخية تثبت حسب بناء العقالء بالروايةثالثا:

فهم فلسفة بعض الوقائع التي ثبتت في والخبر، وعدمالتاريخ ال يصلح مبررا إلنكارها.

: هناك حكم معينة قد تفرض نفسها على بعضرابعا سلبا أو إيجابا، وعدم معرفة وجه األفعال والممارسات،

تقييم األفعال، الحكمة هو الذي يخلق نوعا من الضبابية فيوقد يقود إلى اإلنكار.

للدفاع )عليه السالم( : إن عدم تصدي اإلمام عليخامسا كان(عليها السالم)الصديقة فاطمة العسكري وبالقوة، عن

ومن أقوى أسباب من أكبر عوامل فضح أولئك الطغاة، دافع وذلك ألنه لو(عليها السالم)إظهار مظلومية الزهراء

وحصل قتال أو نشب صراع، ألمكن ألبواق أولئك الطغاة يصوروا كسر الضلع وإسقاط الجنين المحسن الظلمة، أن

والقتال الذي دار على أنه نتيجة ذلك التدافع)عليه السالم( داخل البيت، وبذلك كانت تحترق أكبر وثيقة إدانة ألولئك

المنقلبين على األعقاب والسارقين للسلطة. للدفاع )عليه السالم(: إن عدم تصدي اإلمامسادسا

فيه حاشاه، وهو الذي ناوش العسكري ال يدل على جبن في ذؤبان العرب وقتل أبطالهم وكان المثل األعلى

الشجاعة، وإنما يدل ذلك على عظيم االبتالء الذي كان فيه وعلى عظمة صبره وسيطرته على )عليه السالم( اإلمام

وعن زوجته إال أنه ذاته، فمع قدرته على دفع األذى عنهاختار جانب الصبر والتسلح بسالح المظلومية الخالد.

ألن خطور مثل هذا(الخواطر)وقد أوردت هذه القضية في المعنى في الذهن

65

دليل نقص في المعرفة، وقد يسقطه عن درجة الحواريين، لهذه الخواطر أو اإليمان بها، والظاهر أن فكيف باالستسالم

(عليه صلوات المصلين )بعض من كان حول أمير المؤمنين قد خطر في بالهم ما يضارع هذا األمر.

هذا الخاطر يكشف بقدره عن مجانبة للصراطونفس عدم معرفة الحكمة منه، بل إنه ال يتوقف المستقيم، نتيجة

اإلمام فقط وإنما يمتد إلى خطور االعتراض بالبال على اعتراض النبي كذلك، كما أنه يتموج ليتحول إلى خطور

على الله تعالى حيث أنه يرى ظلما وهتكا لألعراض في األماكن والبقاع وال يتدخل. فلو خطر مثل هذا كثير من

للحظة واحدة فقط فحينها الخاطر على بال إنسان ولو يكون على غير الصراط المستقيم من هذه الجهة،

وللتوضيح نمثل: إن ذلك كمن يخطر بباله ولو للحظة أن يزني والعياذ بالله، أو أن يأكل العذرة يشرب الخمر أو

الخاطر دليل نقص والغائط مثال، إن نفس خطور هذا وأمارة انحراف النفس أو الذهن وعدم طهارتها بنفس

القدر، وهو أمارة دناءة النفس بنفس النسبةاهدنا الصراط كذلك.والخالصة: إن الله تعالى ﴿يقول:

﴾المستقيم والصراط المستقيم في عالم الثبوت له مصاديق وأقسام عديدة منها: الصراط المستقيم في

ناهيك عن عالم(الخواطر)و( الملكات) و(المعتقدات)األفكار، وعن واقع األعمال.

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وثبتنا بالقول الثابت يا أرحمالراحمين.

66

67

الفصل الثالث

واألديان النصوص والمناهجنسبية النصوص :

قبل الحــديث عن نســبية النصــوص والجســور الكاشــفة عن الحقــائق، ال بــد من التأكيــد على قولــه تعــالى: المفاهيم أو

راط المســتقيم ﴾اهــدنا الصــ وصــفها تأسيســا لمنهج قــرآني ﴿ اإلثبــات، وكــذلك يؤكد على وجود صراط مستقيم في عــالم

في عالم الثبوت ونفس األمر أي كما هــو في عــالم الواقــع،ى، وال يتكــرر، وال يتعــدد، ويتصف ذلك الصراط بكونــه ال يتثن

في حد ذاتــه، كمــا يــك.شــف المنهج القــرآني عن وال يتضاد المتكــرر من اللــه ســبحانه ضــرورة الــدعاء الــدائم والطلب

ــتقيم، أي لمعرفة ــراط المسـ ــذا الصـ ــة لهـ ــالى للهدايـ وتعـالصراط المستقيم. نســبية، بمعــنى صــحة- بقــول مطلــق -ولو كانت المعرفــة

ــا، أو بمعــنى صــحة رأي الفــرد مهمــا اآلراء المتخالفة جميع عــدم إمكــان الوصــول تناقض في امتداد الــزمن، أو بمعــنى

للحقيقة مطلقا، نظرا لتلون المفــاهيم وتشــكلها بالخلفيــات ــا ــذا الطلب طلب ــان ه ــة، لك ــبقات الفكري ــية والمس النفس

ــاد للمحال.. وذلك لو أن األمور كانت نسبية فال يمكن االعتق68

إليهـــا، ومن هنـــا بوجـــود حقيقـــة في الواقـــع يمكن الهداية تكشف اآلية عن وجود صراط محــدد في أرض الواقــع وعن أن الطرق والجسور التي توصل إلى ذلك الصــراط، ممكنــة

أيضا. وموجودة ومطلقة أنه لو سلمنا بوجود صــراط في الواقــع ولكننــا شــككناذلك

ــرق في إمكانية ــل الط ــار ك ــه باعتب ــول إلي ــاهيم)الوص مف نسبية فحينها يكون وجوده(ولغات

وعدمه متساويا، وال يوجد مبرر للطلب من الله من أجل سيكون ذلك لغوا تماما، فقد شاء الله أن الوصول إليه بل

والظاهرية ممكنة، لكنها تكون الهداية عبر سبلها الطبيعيةتحتاج إلى سعي وطلب.

وقد أوضحنا هذه الحقيقة في ما تقدم وسيأتي توضيح أكثر الحقا.

ماذا يقول فالسفة الهرمنيوطيقا؟ أما اآلن فلنتوقف عند كلمات بعض الفالسفة الجدد من

نسبية النصوص، ونسبية المعرفة، ونشير الذين ذهبوا إلى اللغوية، الهرمونيوطيقا إلى بعض كلماتهم في

69

والهرمونيوطيقا النفسية، ونتكلم على ضوء ما قاله بعض، ومن أشبه..2، وغادامير1 من أمثال هيدغر مشاهيرهم

وأرى من األنسب جمع كلماتهم وأفكارهم ضمن نقاط أربع ذهبوا إليه، ثم الرد عليها، وليس بالضرورة أن تلخص ما

في كالم أحدهم، إذ أنك ستجد تجد كل هذه النقاط مجتمعةقسما في كالم هيدغير، وقسما منها في كالم

غادامير، وقسما آخر في كالم بعض اإلسالميين، ونحن األربعة، لكي نرى ما هو وجه الحق في نجمعها بهذه النقاط..3 كل واحد واحد منها

. ال يوجد نص موضوعي محايد1 عن تخلى الالهوت، علم درس أن بعد الذي هو ، 1 )976 – 1889 ( هيدغر مارتن 1

.للفلسفة وأخيرا الطبيعية، والعلوم للرياضيات نفسه فكرس كاهنا، يصير ألن تطلعه دونز عند ومعانيه األنواع مذهب حول أطروحته بتقديم قام ، 1916 العام وفي

جامعة في لهوسرل كمساعد عمل ، 1923 و 1920 العامين بين وما. سكوتوس ؛ 1934 العام في العامة الحياة اعتزل . 1928 العام في محله حل ثم فريبورغ،

حول رسالة الشهيرة مقالته فكتب ، 1945 العام في الفلسفة تدريس إلى عاد لكنه الذي ،1 )957 ( تقاعده حتى يكتب وتابع. 1 )947 ( بوفريه لجان اإلنساني المذهب

الدراسية الحلقات وعقد المحاضرات تقديم دون حال عائقا يكن لم ، العام1900هانز جورج غادامير: من أهم الفالسفة األلمان المعاصرين ولد سنة ? 2

الذي شهد وفاة فردريتش نيتشه، شهد والدة أشهر فالسفة الهيرمينوطيقا في العصور الحديثة،درس في جامعة ))اليبيزج (( ثم في جامعة فرانكفورت، وفي سنة

خلفا لكارل ياسبيرس، وقد(( شغل كرسي الفلسفة في جامعة ))هايدلبرج 1949 شكل مفهوم التأويل أو )) التأويلية )) نقطة محورية في إسهامه الفلسفي، نتج عنها

فيما بعد إسقاطات هامة في مجاالت معرفية متعددة كالعلوم اإلنسانية والنقد من أهم المؤلفات الفلسفية األلمانية في((األدبي، يعد كتابه )) الحقيقة والمنهج

المرحلة المعاصرة. ولعقود طويلة، ظلت فلسفة غادامير التأويلية محل قراءات مختلفة، وتأويالت متضاربة، في خصوص تصوره للغة، غالبا ما نعتت تأويلية غادامير

بأنها هيرمينوطيقا لغوية، من حيث أنها تعطي األولوية والصدارة لعامل اللغة كبعدكوني وشامل يشترط

..للكائن كلها واألنثروبولوجية األنطولوجية األبعاد سيرى المدقق أن كما 3 هما إذ والثالث، األول كالمعنى المعاني، بعض بين تداخال

النص أن إلى أحدهما معنى بإرجاع تفكيكهما، أمكن وإن واحد، معنى عن تعبيران (المؤلف موت) نظرية يقبل فال والمؤلف، المتكلم وقابليات شخصية حسب يتشكل والقارئ، السامع وخلفيات شخصية حسب يتشكل النص: يقول واآلخر بنظرية مؤمنا

.(المؤلف موت)70

ال وجود لنص موضوعي محايد، وال وجوديقولون: للنصوص، أي أن كل نص فإنه متلون، لشخصية مستقلة

وإطار المفسر والمفكر ومتشكل، ومتأطر، بلون وشكل..1 والقارئ والسامع له

يعني أنني كمتكلم وأنتم كمستمعين أو ككاتب لبعضوهذا أو قارئ لها، فليس لهذا الكالم أو لتلك النصوص، النصوص

شخصية مستقلة وليس لها حقيقة بحسب دعواهم، وهذه النصوص موضوعية أو ذاتية، بل هذه الكلمات،

الملفوظة أو المكتوبة تتلون على حسب السامع، أو القارئ لها.. وبما أن المستمع أو القاري يختلف من إنسان إلى آخر

كل واحد منهما، فكل واحد حينها يفهم أو باختالف نفسية بعده الشخصي، فبحسب لونه يفسر أو يترجم النص بحسب

ويستنتج منه يلونه، ويشكله ويأطره ويعطيه بعدا خاصا، نتيجة خاصة كما يفهم تبعا لمسبقاته الفكرية وخلفياته

النفسية. المعرفية آخر؛ ال يوجد نص معياري، وإنما النصوص كلهاوبتعبير

ومختلفة ومتشكلة بحسب المتلقي لها، والنصوص متلونة الذي(أو الشمع)االصطناعي بهذا الوصف أشبه بالطين

يمكن تشكيله بما ال نهاية له من الصور واألشكال لعدم وجود شكل ذاتي له، وهذا المثال لتقريب

فحتى الطين االصطناعي في أية حالة من الصورة وإال ووجه المقاربة بين المثال حاالته له شكل من األشكال،

وبين دعواهم هو: كون النصوص ليس لها شكل من األشكال أو لون من األلوان، بوصفها فاقدة للشخصية

تجربة عن وليس الداخلية الحياة تجربة عن تعبر التي األدبية األعمال: دلثاي يقول 1 الرموز كل تغدو حيث) فقط الحياة داخلي هو عما يعبر خارجي شكل مجرد كانت، ايا

المؤلف باطن مع تطابقه تحقيق هو دلثاي نظر في الفهم يريده ما إن) (نفسي أو .33 ص القراءة نظريات الى التأويل فلسفات من (معه والتوافق

71

وإنما يتشكل النص ويتأطر، ويتحدد الموضوعية والذاتية أو المفسر، أو اتجاهه، على حسب شخصية المتلقي،

المعبر، أو المؤول، أو ما أشبه ذلك.. وسيأتي تفصيلالجواب

الحقا. لوال أن رأى برهان ربه

وتتضح الصورة بمثال قرآني كقوله تعالى في سورة يوسف)عليه السالم( :

ه كذلك ﴿ولقد همت به وهم بها لو ال أن رأى برهان ربه من عبادنا المخلصين لنصرف وء والفحشاء إن .1 ﴾عنه الس

فهذه اآلية ضمن التصور النسبي للنصوص ليست لها فلو كان القارئ والمفسر لهذه اآلية من شخصية مستقلة،

سيفسرها بناء على تصوره أتباع مدرسة عصمة األنبياء فإنه عصمة األنبياء الفكري والعقدي، ولو كان من الذين ينكرون

فقد يجعلها دليال على عدم العصمة، وبالتالي يفسرها مختلفا عن التفسير األول. تفسيرا

فالذي يقول بعصمة األنبياء، فإنه يفهم المقصود من قوله ﴾وهم بها بعيدا همت ﴿ ﴿عن كونه هم بالفاحشة، بل المعنى:

﴾هم بها أي هم بضربها إذا ﴾به وأرادت الفاحشة، ويوسف ﴿ ولكنه عدل عن أرادت بالفعل أن تقترب منه، وتعتدي عليه،

ذلك، فلو ضربها فلربما أدعت عليه بأنه ضربها لكي يعتدي عليها ال لكي يبعدها عنه، فلذا رجح يوسف الفرار، ألنه ال

فإن الذي يفر غير الذي يهاجم، ويكون مجال بعد لالتهام،برهان المسألة : أنها هي كانت المهاجمة

.24سورة يوسف : 172

همت به يعني ﴾وهو الفار منها، وبالتالي يفهم من النص ﴿ همت باالعتداء هم بها أي بضربها دفاعا ﴾عليه أخالقيا، و ﴿

ومثله. عن نفسه وعن طهارته وقيمه بحسب نسبية النصوص فإنها قابلة للتشكل بهذاأما اآلية

األشكال، فأولئك الذين ال يقولون الشكل وبغيره منوهم بها يعني ﴾بالعصمة؛ يقولون والعياذ بالله هم ﴿

هم بها همت به أي بالفاحشة،فإن ﴾بالفاحشة، كما أن ﴿ ﴾ ﴿ عند هذا الفرد لها نفس اللون ونفس التفسير، ألن عينه

وليست على العصمة، وال على متحجرة على الكلمةالسياق، وال على سائر األدلة.

ال تبقى الشبهة عالقة في األوهام أشير إشارة وإنوحتى ليست هي محط الحديث ولكن كانت هذه اإلشارة

المتقولين، نستعجل في الجواب هنا لقطع الطريق على نقول: أن من األجوبة عن هذا السؤال وعلى هذا التوهم

ه إن هناك ﴿ولقد ﴾همت به وهم بها لو ال أن رأى برهان رب اآلية تؤكد ما ذهبنا إليه من التفسير، واضحة في1 مرجعية

لو حرف لو ال ف ﴾وهي قوله ﴿ ﴾ لو ال ﴿ ﴾امتناع المتناع، و ﴿ لو ﴾حرف امتناع لوجود، وهذا هو الفرق بين لو ال ، ﴿ ﴾و ﴿

الله لفسدتا فسبحان الله لو كان فيهما آلهة إال ﴿فتقول: لو حرف امتناع المتناع؛ 2﴾العرش عما يصفون رب ﴾، ف ﴿

، فإذن لو3- وهو البرهان اإلني-فال آلهة يعني حيث ال فسادهم المقدم لو يكون ﴾استخدم ﴿ ﴾ (لو رأى برهان)ممتنعا، و ﴿

التالي لفظا والمقدم(لو فرض أن لو حلت محل لوال) معنى كذلك ممتنع، وهذا مرجعية نصية فليس النص محايدا

.تعالى الله بإذن قادم مبحث في (المرجعية) عن سنتحدث 1.22سورة األنبياء: 2 معنى ليس لكنه فساد، فال آلهة ال حيث: وهو اللمي، البرهان أي عكسه، يمكن كما 3.اآلية في (لو)

73

(لو جئتني ألكرمتك)والمثال األوضح لو قلت: كما يدعون،تجئني. والمعنى لم أكرمك ألنك لم

ــة ــذه اآلي ــود، وفي ه ــاع لوج ــرف امتن ـو ال فهي ح ـ ل ــا ﴾أم ﴿ لو ال أن هم ﴿الشريفة ه هو المقــدم معــنى و ﴿رأى برهان رب ﴾

ــع ﴾بها هو المؤخر معنى والنتيجة: أنه لم يهم بها، أي قد امتنــة ذلك لوجود مانع، وهو أنه رأى برهان ربه، فألنه رأى عظم

ربه، واستحضر هيمنة القــادر القيــوم المتعــال؛ لــذا فإنــه لملو ال هي حرف امتناع لوجود، ولتوضيح ذلك لو يهم بها، ﴾ف ﴿

عليك: (لوال حلمي لضربتك) فإنه يعني: ما قلت لمن اعتدى وهو المانع، أي ما ضربتك لوجود ضربتك ألن حلمي موجود،

حلمي.. هذا كله إضافة لألدلة القرآنية والروائية الدالة على مرجعيــة

وأهــل الــبيت(صلى الله عليه وآله وســلمم )األعظ الرسول في فهم القــرآن الكــريم وتفســيره، كقوله)عليهم الســالم(

تعالى: ــك الــذكر لتب ــا إلي ل إليهمين﴿وأنزلن ــز اس مــا ن وقــول1﴾ للن

.2أنا مدينة العلم وعلي بابها(()) النبي نقول أن النص له اتجــاه، ولــه شــكل، ولــه لــون،وبالتالي

ــدود، وله ــه ح ــياقه او في ول ــه أو في س ــة في داخل مرجعي

.44سورة النحل: 1 .33146 ح 5 ب 34 ص 27 ج: الشيعة وسائل 2

74

ــه أســباب، القرائن المحيطة به، وله ضوابط، وله أسس، ولوله نتائج..

. ال توجد منهجية توصلك للحقيقة:2 يقولون: ال وجــود لمنهجيــة علميــة أو غــير علميــة توصــلك

حقيقة النص، أو توصلك إلى شيء محدد ثبــوتي للحقيقة أي ال يوجــد أي منهج علمي أو: )أحــدهم ال ريب فيه، كما يقــول

.1(إلى حقيقة النص غير علمي يستطيع أن يضمن الوصول

ال إكراه في الدين ومنهج كشف المراد 2 بمثال على رأي هؤالء الذين يقولونولنمثل

التي هي)الهرمنيوطيقا النفسية(و بالهرمنيوطيقا اللغوية، و اللفظي، فإنه من الجذور المعرفية لهذا التوهم اللغوي

ال إكراهفي ﴿حسب رأيهم فإن اآليات القرآنية كقوله تعالى: الدين شد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمنينقد تب الر

بالعروة الوثقى ال انفصام لها والله بالله فقد استمسك علمي أو غير محايدة تماما، وال يوجد منهج3﴾ع عليمسمي

ال إكراه في﴿علمي للوصول إلى المراد من قوله تعالى: ألنه ليس للنص حقيقة معينة يمكن الوصول إليها، ﴾الدين ،

اآلية بأشكال وأنواع ال نهاية لها وبالتالي يمكن أن تفهم هذه الداللة على من المعاني المختلفة، بل قد يستند عليها في

ال إكراه ﴾ الدين بناء في﴿نسبية النصوص والحقيقة، فيفسر أنه ليست هناك حقيقة في الواقع تسمى بالدين يلزم على

يتحقق اإلكراه من األساس، اإلنسان بإتباعه ومن هنا ال في اختيار وعدم اإلكراه هنا غير مستند على حرية اإلنسان

القراءة نظريات الى التأويل فلسفات من. غادامير ذلك الى ذهب كما 1 والنوازع األهواء إن - العكس على - غادامير ويرى( ،طكان عن ذلك تفصيل سيأتي 2

والحاضر الماضي لفهم منه ننطلق الذي الراهن الوجودي موقفنا تؤسس التي هي )المعرفة ونسبية النص حقائق بين اإلسالمي الواقع في الهرمنيوطيقيا: راجع )معا

.أحمد السيد معتصم للشيخ .256سورة البقرة: 3

75

دين أو آخر أو العدم مطلقا، وإنما استند على عدم وجود كي تكون موضوعا لإلكراه،)الدين(واقعية اسمها حقيقة

فهي سالبة بانتفاء الموضوع. أنه قد تتحول هذه اآلية إلى مستند لصاحب التوجهكما

،1قد تكون مستندا للحاكم الديكتاتوري الديمقراطي، كما األفكار ألن داللة اآلية وال نحتاج هنا أن نناقش بعد هذه

واضحة بالبديهة والوجدان. الجواب بالتفصيل عن النسبية بهذا المعنى،و سيأتي

وإجماله: وجود مناهج

ــا: النكــرة وقواعد عديدة تضمن الوصول لحقيقة النص، منه ، ومنهــا األصــل في األلفــاظ2 العمــوم تفيد في سياق النفي

،4 للتخصــيص قابل ، ومنهــا: أن المطلــق أو العــام3 الحقيقة ومنها: أن السالبة بانتفاء الموضوع خالف األصل، ومنهــا: أن نفي اإلكراه ال يستلزم صحة ما نفي اإلكراه عنه، ومنها: مــا

الهامش. ذكرناه في : الخلفيات الفكرية والنفسية والعادات هي التي3

تشكل النص

إذ قد يستدل الدكتاتور بأن اآلية خصصت الالإكراه بدوائر الدين، فله أن يكره 1 شامل لكل)الدين(الدولة خارج دائرة الدين. والجواب: أوال: الناس في كافة شؤون

ال)اللقب( بل )الوصف(إيجابي معاكس لها، إذ نواحي الحياة. ثانيا: اآلية ال مفهوممفهوم له.

.اإلكراه نفي عموم فتفيد النفي، سياق في نكرة (إكراه) 2.(الدين) وكذا الحقيقي، ظاهره (اإلكراه) من فالمراد 3ال إكراه بدليل معتبر آخر كالدال على التعزير لدى 4 ﴾فيمكن أن يخصص دليل ﴿

.التوبة على يجبر الملي المرتد أن على وكالدال مخالفة بعض القوانين،76

بــأن الخلفيــات الفكريــة، والنفســية، والعــادات،يقولllون: هي الــتي تشــكل النص، وهي الــتي والتقاليــد عنــد المفسر

واستنتاجا معينا.. تعطيه اتجاها، ولونا، وطعما، ونكهة، هناك معنى يحمله النص، وإنما المعــنى وليــد األفــقفليس

المفســر أو المــؤول للنص، وبمــا أن المعــرفي الــذي يحمله والمســـبقات اآلفـــاق تتبـــاين بتبـــاين الظـــروف والحـــاالت

المختلفة، فال يمكن أن يكون هناك معنى واحدا يمثل مرجعاللنص.

ينفتح المفســر على النص فإنمــا ينفتح عليــه بذاتــهفعندماــع المشبعة بطابعه الشخصي، فيتلون النص ويتشــكل ويتطب

وبالتــالي تتحــول المعرفــة إلى بالطابع الشخصــي للمفســر، هنــاك نســبية مطلقــة ومتغــيرة ومتجــددة، وعليــه فال تكــون

حقيقة واحدة وإنما الحق ما تفهمه أنت وما أفهمــه أنــا ومــاــار لفهم محــدد يفهمه اآلخر، لعدم وجود نص معياري أو معي

ال ثبوتا وال إثباتا. في الواقع يتعاملون مع النصوص كما يتعامل الرسامفهم

النحات مــع الصــخور، باعتبــار أنهــا مــواد خــام مع األلوان أوقابلة للبناء والتشكل كما يشاء،

لعدم وجود حقيقة معيارية وراء ذلك، فليس هناك حقائق يستبطنها النص يجب البحث عنها، وليس هناك معنى محددا

ما يوجده المفسر بناء هو يشير إليه النص، وإنما المعنعلى ما يحمله من أفق ثقافي ومعرفي.

وهذا يعني إلغاء أية مرجعية ألي نص، كما يعني إغالق باب واالحتجاج ألي مولى على عبده، أو رئيس على الحجة

77

تالميذه، أو العكس، بل أو صديق موظفيه، أو معلم علىعلى صديقه.

أمثلة من الواقعاس حج ولله على الن ﴿أ: ونمثل هنا للتوضيح بقوله تعالى:

ي عنناستطاع إليه سبيال ومن كفر فإن الله غ البيت من.1 ﴾نيالعالم

﴾البيت في هذه اآلية بحسب هذا المذهب ليسفلفظة ﴿ الله الحرام؛ ألن اللفظ عندهم ال يختزن فيها داللة على بيت

اآليات األخرى تفسر معنى محددا، وال يهمهم إن كانتالبيت حسب2 المراد ﴾، مضافا إلى أن ال في كلمة ﴿

البيت المعهود ﴾المنطقيين واللغويين هي العهدية، أي ﴿ بالعهد الذهني، إال أنهم ينكرون هذا والمعروف لديكم

الباب بذلك إلى إي المعنى المستبطن في اللفظ، ويفتحون مفسر آخر لكي يجد بل لكي يخلق أو يصنع المعنى الذي

حج البيت ﴾يناسبه، وليس مستغربا أن نجد أحدهم يقول: ﴿ الطاعة، فإذن ينبغي علينا أن نحج لبيت يعني حج بيت

الطاعة وليس للمسجد الحرام!!.. أية فوضى صوفية تترتب على هذا الرأي! والحظوالحظ

بدون ضابطة)التأويل(الصوفية والعرفاء في أن منهج بعض منهج أو قاعدة أو مرجعية، هو نفس

الهرمينوطيقيين تماما.)النسبيين(

.97سورة آل عمران: 1ن ﴿: تعالى كقوله 2 اس في وأذ سورة﴾... ضامر كل وعلى رجاال يأتوك بالحج الن

.27: الحج78

على هذا الرأي: أنه تتدفق المعاني بال حدود أماموالنتيجة بحسب األشخاص وما يحملونه من خلفيات كل نص،

إفقاد كافة الوثائق فكرية ونفسية وما أشبه مما يعني واللوائح والقوانين والدساتير والعهود والمواثيق، قيمتها

وحجيتها ومرجعيتها.وأقم الصالة لذكري ﴾ب: وقوله تعالى: ال يكون المقصود1﴿

على مذهب النسبية الصالة المعهودة والمعروفة لدى منها يمكن أن يجد المعنى الذي يناسبه الجميع، وإنما كل واحد

بأنها لغة تعني التذرع من الصالة، حتى من غير حاجة إلى الميل أو العطف؛ إذ التذرع واالستناد للغة ال حاجة إليه، بناء

على أن المعنى والمعرفة تتشكل وفقا لألفق المعرفي أكانت اللغة مؤكدة أم مناقضة أم والنفسي للمفسر، سواء

محايدة!. وهذا هو ما يصنعه التأويليون من العرفاء والصوفية تماما،

القرآن الكريم كما يحلو لهم!. إذ يفسرونيد الله فوق أيديهم ﴾ج: وعندما يقول الله تعالى: ﴿2 يد ﴿ فإن

تعني القدرة أو القوة ، كما عليه العدلية وأهل الحق، ﴾اللهليس كمثله شيء إذ صريح اآلية ﴾األخرى هو: .. ولكن3 ﴿

الجارحة والعياذ بالله وتقول يفسرها اآلخر باليد بمعنى كال منهما هذه المدرسة النسبية: كال التفسيرين حق، ألن

قد تشكل وفقا للخلفيات الفكرية والمسبقات النفسيةللطرفين.

.14سورة طه: 1 .10سورة الفتح: 2.11سورة الشورى: 3

79

لكن الحق هو أن الفيصل والحكم بين التفسيرات المختلفة يحمل معنى محددا، ودليله أنه يمكن هو كون النص

مقارنته مع نصوص الوصول إليه بعدة طرق، من بينهاميع ليس كمثله شي ء وهو الس ﴿أخرى كقوله تعالى:

قال لن تراني ولكن انظر إلى﴿، وقوله تعالى: 1﴾البصير ه الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى رب

ا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك للجبل جعله دك تتضافر في ما ، وآيات أخرى2 ﴾تبت إليك وأنا أول المؤمنين

بينها لتكشف عن الحق الصراح، وهو أمر بعيد عن الحالة النفسية والمسبقات الفكرية التي يحملها المفسر، وإن

اعترفنا بوجود تأثير لهذه ليست3 النفسيات لكنها: أوال ببعض النصوص حتمية، وثانيا: ليست شاملة بل محدودة

، كما أنها ثالثا ال تشرع وتبرر القبول بكل اآلراء)المتشابهة( المختلفة بوصفها الحق والصواب وإن تباينت، إذ ال ريب في

النقيضين أو الضدين في وقت واحد، وهل استحالة صحة في نفس الوقت؟ أو أن يمكن أن يكون الليل ليال ونهارا

يمكن يكو العدل حسنا وقبيحا في ذات الوقت؟ وكل ما القبول به أن كل هذه النفسيات المختلفة هي السبب

.4 األخطاء المباشر لكثير من ولكن بعض الفالسفة الجدد وبعض المؤولين من الصوفية

يتجاوزون كل ما هو بديهي عندما يصفون والعرفاء.11سورة الشورى: 1 .143سورة األعراف: 2 سيأتي 3 أوسع بشكل المحاضر األستاذ سماحة فصلها وقد النقاط، هذه تفصيل الحقا

والمعرفة الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا نقد(( بعنوان الطبع تحت كتاب في وأعمق .((واللغة

المتناقضين، الرأيين كال صوابية من) الخطأ(وأين 4 هذا في )الخطأ( أين: وأيضا جعله من الطرف بالقبليات محكوم )والمبطل المحق( الطرفين كال أن على دليال

!.والخلفيات80

من المعنى، في انتظار النصوص على أنها قوالب فارغة المفسر لكي يوجد ذلك المعنى بحسب ما يقتضيه أفقه

الفكري والثقافي والنفسي. وال يجدون جوابا عنها)النسبيين( التي تواجه والمعضلة

سيال وال يتوقف عند حد معين، وإذا تعامل هي: أن البحثالناس بهذا المنهج وساروا عليه

فإنه ال يستقر حجر على حجر، فليست القضية مجرد نظرية أطلقت في مبحث لغوي معزول، ثم أعطيت بعدا فلسفيا

تتدخل في كل آية معرفيا معينا، كال وإنما هذه القضية كل ورواية، وبكل فهم، وبكل تشريع، وبكل تقنين.. وفي

عائلة ومدرسة وشركة ودولة، وبتعبير آخر تستلزم الفوضى المطلقة.. ويبدو أن هذا ما يريده بعضهم أو يهدف المعرفية

إليه!.. دين كل أحد هو فهمه للدين4

ضوء ما تقدم؛ فإن بعض النسبيين يقولون: ال يمكنوعلى ،(الدين)حقيقة واحدة في الخارج تسمى ب الجزم بوجود

أمام البحث عن الطريق فالفهم المتباين بين البشر يسد حقيقة واحدة تكون عنوانا للدين، وعلى حسب تعبير أحد

فما من(ودين كل واحد هو عين فهمه للشريعة)اإلسالميين أديان كثيرة بعدد األفراد، فأي شيء هي دين واحد بل

الله بأن تطيعه، وال فهمته من القرآن فهو الدين الذي أمرك يوجد في الواقع الخارجي شريعة شرعها الله، وشرعها

الشارع، وإنما الدين هو ما أنت تراه وتفهمه من النصوص..(قرآن وسنة)

81

المسلك شبيه بمسلك المصوبة لكن بلغة عصرية،وهذا ويقابلهم المخطئة.

يقولون: هناك في عالم الثبوت شيء حقيقيفالمخطئة مصيب، وإن لم يطابق رأيك الواقع فأنت إن أصبته فأنت

في الواقع يسعى مخطئ، وبمعنى آخر أن لله أحكاما الفقيه للوصول إليها عبر طرق االستنباط فأما أن يصيبها

وإما أن يخطئ.1 بخالف المصوبة الذينوهذا ال يرون أن لله تعالى حكما

بل إن حكم الله تصنعه فتوى المجتهد، وبناء في الواقع، والفتاوى صحيحة لعدم وجود على ذلك تكون كل األحكام

حكم خارجي يكون معيارا للصحة والخطأ،

وذلك يعني أنه ال الخمــر حــرام، وال الصــالة واجبــة في متنل لوجــوب الواقع، وإنما يدور األمر مدار المجتهد، فإذا توصــ

فمســتحبة، أو محرمــة، الصــالة فتصــير الصــالة واجبــة، وإال حســـب مـــا توصـــل إليـــه، أي أن حكم اللـــه يتبـــع اجتهـــادــة تامـــة للحكم ــبح فتـــوى المجتهـــد علـ المجتهـــدين، وتصـ

ــاينت، فيصــبح حكم اللــه الشرعي، وإن اختلفت الفتاوى وتبــون في ــا، إذ يكـ ــه متناقضـ ــاذ باللـ والعيـ وقت واحـــد حالال

وحراما، أو مستحبا ومكروها. الهرمنيوطيقي ال علم له بهــذا الــرأي، لكنــه يؤســسولعل

هــذه المقولــة ولكن ضــمن إطــار أوســع بلغة عصــرية لمثل علم في مذكورة أقسام على التصويب أن ذلك تطرفا، المصوبة أشد رأي هو هذا 1

.األصول82

عند هذا الهرمنيوطيقي يشمل كل الدين، فدين كل شخصــل تجــد بعضــهم يصــرح ــذلك هــو عين فهمــه للشــريعة، ب ب

ليس هنالك صراط مســتقيم)بعبارات أخرى، مثل القول ب ، وذلك ألنه ينكر الواقــع،(بل هناك صراطات مستقيمة واحد

يوجــد تشــريع1تشــريع ثبــوتي، أو يقــول ويقول: ليس هنــاكــة، أو ثبوتي ولكن ليس هناك نص له طعم، أو رائحة، أو دالل

معنى، أو يقول: للنص داللة ومعنى، لكنه ليس ثابتــا راســخا بل هو خاضع للتغيير، بمعنى أن هــذه النصــوص تتشــكل كما

تريد لها أنت بخلفياتك الفكرية، والمعرفية، والنفسية..مناقشة وردود:

ــؤالء ــ ــية في كالم ه ــ ــة الرئيس ــ ــاط األربع ــ ــذه هي النق ــ ه ونفســيا ومعرفيــا، وســنتطرق ههنــا الهرمنيوطيقــيين لغويــا

.2 نقضية وحلية لإلجابة على هذه اإلشكاالت بطريقة: النظرية تنقض نفسها بنفسها1

الجواب األول نقضي، وهو يتضمن االعتراض التقليدي على الشبهات التي تثير النسبية في األمور المعرفية مثل هذه

من هذه النسبية، وهو أن هذه على اآلخر، وتبري نفسها الكلمات النظرية تنقض نفسها بنفسها، فنفس هذه

والبحوث التي ينشرها علماء الغرب وأذنابهم وأتباعهم، هي تخضع لهذه الضابطة الكلية التي ابتدعوها، فنصوصهم أيضا

لنظريتهم نفسها، ال تملك طعما وال رائحة، وكتاباتهم، طبقا مضمونا، وال شخصية مستقلة. بل وال داللة، وال معنى، وال

.التصويب من أخف درجة وهذه 1.األجوبة مجموع فليالحظ سيأتي، ما وإلى سبق، ما إلى إضافة 2

83

وضبابي وهيولي، وقد كالمهم أيضا كالطين االصطناعي كلي كما أطلق في الفضاء وال عالقة لهم به، وبالتالي نشكله

نشاء، فأنا أفسر كالمك أيضا بنقيضه، أليس لي شخصيتيلكالمك؟ وفهمي

: هذه النظرية تنقض نفسها بنفسها، ألن صاحب نقولأو يمتلك قبليات فكرية، وحاالت نفسية، وهناك النظرية أيضا

فتصبح هذه النظرية والدة طبيعية أعراف وتقاليد تحيط به، رحم الحقيقة، وال لتلك الحاالت الخاصة جدا ولم تخرج من

لكل تصلح إذن كضابطة كلية، وكمقياس عام، وكمسطرةالمفاهيم لتعتبرها نسبية.

: نسألهم فنقول: هل هذه الكلمات وهذهوبعبارة أخرى الدعاوى، وهذه المتون، وهذه النصوص العبارات، وهذه

مطلقة، أم هي نسبية؟ تناقضوا مع أنفسهم ونقضوا غزلهم من(مطلقة)فإن قالوا

بعد قوة أنكاثا، ألنهم يقولون ال وجود لنص مطلق، أو محايد، أو موضوعي،

وال يوجدنص يكشف الحقيقة، فكيف أصبحت نصوصكمومطلقة؟ وموضوعية؟ كاشفة عن الحقيقة؟

: إن قالوا بأن هذه الضابطة الكلية الوبعبارة أخرىتنطبق على نصوصهم

وكالمهم، فنقول: أوال: إنكم اعترفتم بجزئية واحدة،والموجبة الجزئية

نقيض للسالبة الكلية، وهذا النوع من النقض يواجه جميععباراتهم.

84

ما الذي حصن (نصوصكم) من (النسبية)؟ وما الدليلثانيا:على ذلك؟

وما هي ميزة وخصوصية نصوصكم لتكون مطلقة دوننصوص اآلخرين؟

هذا. فنقول: إذن ال(نسبية) إن نصوصهم أيضا وإن قالوا: شمول وال تشكل قاعدة أو ضابطة إطالق لها وال

وخلفياتكم، فال حجية باعترافكم، وهي خاضعة لقبلياتكم مطلقة أو كاملة لها، بل هي حجة عليكم فقط ال على

تتغير بتغير ظروفكم(نسبية)غيركم، بل حجيتها عليكم أيضا فكيف يمكن االعتماد على (النسبية) كقاعدة وأحوالكم،

تتغير بتغير األفهام واألذهان علمية؟ وهل القواعد العلميةوالظروف واألزمان؟

. النظرية تحطم البنى االجتماعية2 ما من منهجية علمية أو غير) نعيد قولكم الجواب الثاني:

إليكم، وننقض(الوصول إلى حقيقة النص علمية تكفل ما منمنهجية علمية أو غير علمية)كالمكم بكالمكم، إذا

؟.(يمكنها أن توصلنا إلى مرادكم أننا نورد ههنا بعض الردود والنقوض، كلوازموالحظوا يلتزمون بها: لنظريتهم ال

فإن كان محتوى النظرية هو عدم وجود نص موضوعي في معنى يمكن استخالصه من النص فهو صناعة حد ذاته، وكل

والنفسية، وليس للنص أية المفسر بحسب قبلياته الفكرية حالة موضوعية بالنسبة للمعنى، كما أنه ليستهناك منهجية، وسبل، وطرق، ومعايير للوصول إلى معاني هذه النصوص

في حالة فرض وجود معنى خاص للنص، ومن ثم تكون

85

إن دين كل)لهذه النظرية هو القول ب الخالصة الطبيعية..(شخص هو عين فهمه للدين

بالنقض عليكم(النقضي األول)فإننا نقول في الجواب مجاالت ثالثة: بثالثة ردود في

ماذا تقول بالنسبة إلى النصوص والمواد التعليميةاألول: في كافة المدارس االبتدائية، والمتوسطة، التي تدرس

التعليمية بشكل عام وغيرها؟ والثانوية، والجامعة، والمعاهد ماذا تقول بالنسبة للوائح الداخلية واألنظمة المكتوبةثانيا:

الصادرة في المؤسسات والشركات وما أشبه والقراراتذلك.؟ ماذا تقول بالنسبة للوزارات وقيادة الجيشثالثا:

ذلك.؟ واالتفاقات الدولية وغير فهل هذه النظرية مختصة بالقرآن الكريم والنصوص

منها نصوصكم وسائر النصوص في كل الدينية، وتستثنىبوصفها ضابطة عامة.؟ المجاالت، أم هي شاملة لكل نص

ومن الواضح أنهم يتكلمون عن ضابطة عامة، ومنهج عام،وعباراتهم واضحة جدا ومطلقة في ذلك. وقاعدة عامة،

: إلغاء المداس واالمتحانات1 : يلزم من هذه النظرية تعطيل المدارس التعليميةنقول

الجامعة، إذ على أي أساس يتم التعليم من االبتدائية إلى والتخاطب والشرح والتوضيح؟،وعلى أي أساس تقوم

االمتحانات؟ وعلى أية قاعدة يتم تحديد الخطأوالصواب؟،

86

وإال يحق للتلميذ حينها القول بعدم وجود نص محايد وأنه يحق لألستاذ أن يفهم بحسب شخصيته وخلفياته، يحق كما

شخصيتي وقبلياتي، وحينها ال يمكن أن لي أن أفهم بحسب نسبية! وألنه ليست نميز بين الناجح وغيره، ألن المعرفة

منهج هناك حقيقة موضوعية يمكن التحاكم لديها، وما من.علمي أو غير علمي للوصول إلى واقع النص والمراد منه!

فهل يوجد هناك عاقل يقبل ذلك.؟ إنه ال يمكن تحقيق قاعدة للتفاهم ألي خطابوالحاصل:

أو أي نص،حتى أصحاب هذه النظرية، ونسألهم: ألي غرض ألفهام الناس ما يقصدون؟ في كتبوا هذه الكتب؟ أليس

إطار حين أن هذه النظرية تؤكد عدم وجود نص في موضوعي لفهمه، إذ إنه قد يقصد شيئا بحسب ظرفه

وبعده الشخصي، وأنا أفهم شيئا آخر وخلفياته وقبلياته والرابع والخامس...، كل خالف ما أراد وقصد، وهكذا الثالث

أي أساس يفهم بحسب بعده الخاص، وعندئذ نتساءل: على يتحقق التفاهم؟ إذا كان كل واحد يعيش ضمن عالمه

وال يوجد جسر رابط بين هذه العوالم، وال منهجية الخاص، للوصول إلى حقيقة النص؟ وكل ما في علمية أو غير علمية

مفاهيم أخرى، والثالث األمر أنك تخلق مفاهيم، وأنا أخلق يخلق مفاهيم ثالثة، كجزر منعزلة متباعدة!

. إغالق الشركات والمؤسسات2 كذلك يصيبها ما أصاب المدارس، فهل يستقروالشركات

ذلك أن لكل شركة قراراتها الخاصة حجر على حجر؟ موظف بهذه النظرية وطريقتها في العمل، فلو تمسك كل

وأصبح كل واحد منهم فيلسوفا يؤمن بالهرمنيوطيقا، لتوقفت عجلة هذه الشركة، بل انهارت وتحطمت كافة

87

حينها يحق للموظف أن يقول: إن القرار شركات العالم، إذ أو من رئيس الشركة يعد الصادر من مجلس إدارة الشركة،

مستقلة له، ال أكثر، والنص ال شخصية(نصا من النصوص) وال معنى خاص له، وال داللة موضوعية له، وال منهج

إليه فأنا ال أقدر أن أصل إليه، وإنما يتشكل النص للوصول هذا القرار بشكل آخر، وليس بحسب قراءتي، فأنا أقرأ

علي أن أتبع تعليمات الشركة!.. وبذلك تنهار كل البنى االجتماعية واالقتصادية والسياسية

(النسبية)وكل المؤسساتبشتى ألوانها وأشكالها، وذلك ألن نظرية عامة سيالة تسري في كل

مفاصل الدولة وفي كافة شرائح المجتمع وطبقاتهالهرمنيوطيقيون هو ذلك؟. ريده ومؤسساته، وأليس ما

. عبثية كل االتفاقيات الدولية3 وهكذا تتجلى المعضلة التي تواجه الهرمنيوطيقيين في

فلو عقدت دولة اتفاقية مع دولة أخرى االتفاقيات الدولية، فإذا كانت النصوص: ليس لها كصلح أو معاهدة أو غير ذلك،

موضوعية، وليس لها محورية، وليس لهاشخصية ذاتية، وكل الدولة يشكلها على حسب قبلياته الفكرية والنفسية، فهذه

تستطيع أن تضع تحت أرجلها بنود الصلح، كمعاوية الذي.1 تحت رجله)عليه السالم(صلح اإلمام الحسن وضع بنود

بل الهرمنيوطيقيون زادوا على معاوية، فإنه لم ينكر وجود وتمامية داللتها، إال أنه صرح باستهتاره بالحقوق الشروط

النسبيين تجاوزوا الحد، إذ حسب والعهود والمواثيق، لكن منبر على األخير وقول معاوية مع( السالم عليه )الحسن اإلمام صلح إلى إشارة 1

ج: البالغة نهج شرح انظر.. به أفي ال قدمي تحت للحسن شرطته شرط كل:الكوفة :األنوار بحار: وانظر. أخباره وبعض) السالم عليه (الحسن اإلمام ترجمة 46 ص 16

.5 ح 19 ب 48 ص 44 ج88

محددة، أو كالمهم فإنه ال توجد في الواقع بنود للصلح ضوابط أو مواثيق، إذ كيف تكون هناك بنود وهي ال تحمل

وال شكال وال داللة؟ أو: أنه قد خلقت تلك البنود في معنى وأما في ضمن ظروف أخرى أو حسب آفاق معرفية خاصة،

لكن في زمن آخر، مفسر آخر، أو حسب المفسر نفسه فإنه سيخلق لها معاني تتناسب مع الظروف الجديدة

واألهواء المستجدة!.

التشريع(مصدر) أو (المصدر)اإلسالم هو

بمثال لطيف وهو في نفس الوقت يعد جوابا حليا،ولنمثل أن النصوص لها دالالتها الخاصــة المحــددة، وعلى يؤكد على

ضــوابط ومنــاهج علميــة للوصــول إلى وجود مرجعية ووجود ضــبابيا أو هالميــا أو حقيقتها، وليس األمــر عبثــا واعتباطــا أو

مجهوال كما تزعم الهرمنيوطيقا، وهو ذلك الجدل الكبيرالذي يحدث في معظم برلمانات العالم اإلسالمي حول الدســتور،

والتعبــيرات الــتي تفــرض على صــياغة القــوانين، والضوابطــات، فإنه لدليل على أن هناك معاني محددة مقصودة للكلم

ــوقت، فمثال: هل ــا الكــل بنفس ال مصــدر)اإلســالم ويفهمه

89

ــا بين1 ؟(المصــدر للتشــريع)، أو (للتشــريع ــاك فرق ، إن هنهاتين الكلمتين!

وهذا النزاع الكبير بين كــل عقالء العــالم، متــدينين كــانوا أم نزاع موضوعي حقيقي، على اختيار هــذا النص غير متدينين،

ذلك إال لوجود فــوارق ذاتيــة بين أو ذاك أو تركهما معا، و ماالنصين، وتوضيحه:

ــد التعميم، وأمــا (مصــدر)إن فهــو(المصــدر) نكــرة فال يفي (مصـــدر) فيفيـــد التعميم، فاإلســـالم (أل )مفـــرد محلى ب

(المصــدر)التشريع، أمــا للتشريع يعني أنه واحد من مصادرفيعني أنه هو المصدر الوحيد للتشريع وال غيره..

وذلك مما يكشف عن وجود دالالت محددة للنصــوص تكــونأو خالف العقالء حول اعتماد أي منها. هي مدار اتفاق

ال نبي بعدي! وهنا قصة طريفة تكشف عن أن النصوص واضحة الداللة،

عن التالعب في كثير من الموارد، وال تقبل وهي عصية جاء رجل إلى أحد المعاني المنفتحة بغير حدود، فقد

سالطين المسلمين مدعيا النبوة، ومن المعروف أن مدعيالنبوة يقتل..

فقال له: أنت نبي؟ قال له: نعم أنا نبي.. )صلى الله عليه وآلهقال له: ألم تسمع أن الرسول

، يقول: ال نبي بعدي ؟وسلم(قال: نعم سمعت.

أو ال هذا وال ذاك كما يراه العلمانيون. 1

90

قال: إذا كيف ادعيت النبوة.؟ )صلى الله عليه وآله وسلم( والنبي(ال)قال له: أنا اسمي

كان )صلى الله عليه وآله وسلم(قال: ال نبي بعدي ، فالنبير بي فيقول: ال نبي أي هناك نبي بعدي اسمه ، وهذا(ال)يبش

إثباتا لنبوتي.. يكفي ذلك(الهرمنيوطيقا) هذا المدعي للنبوة سندا من ويستمد

برأيهم يتلون ويتشكل حسب شخصية المفسر،( النص)ألن هنا(ال)ينكر بداهة وضوح أن وهكذا نجد هذا المدعي للنبوة

.2 وهي مبتدأ( اسم) هنا (ال)، ليدعي بأن 1 نافية للجنس أن لهذا المدعي أن يحتج بالمنهجوالحاصل:

النصوص ال تحتوي على معاني الهرمنيوطيقي ليقول أن إلى حقيقة النص، محددة وليس هناك منهج يمكن أن يوصل

وإنما المعنى وليد حالة اإلنسان الخاصة وخلفياته وقبلياته، وبالتالي ما أفهمه من هذا النص ال نبي بعدي هو أنه دليل

أال يرى العقالء ذلك نوعا من االحتيال على نبوتي!،والتالعب؟ بل أال يرونه مهزلة

فكرية واستخفافا بالعقل البشري، بل مع انتخاب هذاعلى حجر في الحياة؟. المنهج هل يستقر حجر

. هدم المجتمع ونسف القوانين4 بهذا المعنى الذي ال يؤسس ألية حقيقة أو معرفة حقيقية

أيضا األسس األولى للمجتمع، ذلك أن تكوين مطلقا ستنهار والعائلة مبنية على جملة من المجتمع يبدأ من العائلة،

االرتكازية الشروط المحددة في عقد الزواج، أو الشروط

.الفتح على مبني (نبي) فإن ثم ومن 1.مرفوعة (نبي) فإن ثم ومن 2

91

عادة(وإنها)أو القانونية، أي أن كل زوج يتزوج امرأة فإنه يتزوجان بدون شروط أو قيود ولو ارتكازية. ال

أن من الواضح وجود قوانين دينية أو مدنية أو أعرافذلك تؤسس للحياة الزوجية، وتضع شروطا وضوابط أو تقاليد

أنواعا من العقوبة بناء على هذه للحياة الزوجية وتفرض بالشرع بأنه القوانين، فهناك قانون شرعي لمن يعتقد

)صلى الله عليه وآلهيتزوجها على كتاب الله وسنة رسوله في الدول العلمانية، بل حتى ، وهناك قوانين مدنيةوسلم(

ملزما عندهم، الدينية، وهناك أعراف وتقاليد منها ما يعد كما يمكن أن تكون بينهما شروط معينة فيشترطها أحدهما

على اآلخر.. وبناء على: إنه ال شخصية محددة للنصوص، و: القراءات

ومتعددة بتعدد البشر، و: ما من منهجية معينة مفتوحة النصوص، و: دين كل شخص هو عين للوصول إلى حقائق

أيضا: فقانون كل شخص هو فهمه للشريعة، تكون النتيجة هذه أن تقوم عين فهمه للقانون!، فكيف يمكن والحال

لألسرة قائمة؟ بل إن ذلك سيفتح األبواب لكل السراق والمدلسين

القانون،وال يستطيع القضاء أو المظلوم أن والخارجين علىبحق.. يدين أحدا بجرم، وال أن يطالبه

تلغي القانون.(النسبية)وذلك يعني أن يحاكم من؟- نسألكم -والقاضي

المجرم بإمكانه أن يقول في مقابل النص القانونيألن المجرم، أن هذا النص ليست له داللة الذي يقضي بمحاكمة

كل واحد منا، خاصة وإنما هو مما يتشكل بمقتضى فهم92

فالقاضي يفهمه بحسب قبلياته الفكرية والمعرفيةوأنا أفهمه بطريقة ثانية! والنفسية،

يصح أن يتذرع المجرم بسالح الهرمنيوطيقا ليقول:وهل قراءة جامدة، قراءة متحجرة ودوغمائية، أنت تقرأ القانون

يقول: أذهب إلى روح القانون وأنا أقرأها قراءة عصرية! أو يمكن التالعب بكل وال تتجمد عند نص القانون؟، وهكذا

الحقائق الواضحة، وينفتح الطريق أمام كل المشعوذين، والدجالين في المجتمع فتصبح كل الحقائق قابلة للتأويل

وكل شي قابال للجدل والنقاش، فال يستقر حجر على حجر؛ ألن من البديهي أن

إال على ضوء أطر وضوابط وجسور الحياة ال تستقيم حقائق تعارف عليها الناس كاشفة عنها، ودالة عليها، ووجود

األسس وتحولت إلى أسس للتعامل، وإذا بدأت هذهباالنهيار فسينهار معها كل شيء.

جالوإليكم الر ﴿ المثال القرآني الثاني، إذ يقول تعالى: ساء بما فضل الله بعضهم على بعض قوامون على 1﴾الن

على المرأة كانت ضمن يقول البعض إن قوامية الرجل الثقافة، ظرف زمني خاص وتبدلت اآلن الظروف واختلفت

فتختلف معها إذن داللة اآلية، فال يكون للرجل أية قوامية المرأة، فليس هناك معنى ثابتا لآلية، وإنما المعاني على

وهكذا يمكن أن تتطور الداللة حتى متحركة بتحرك الزمن، وهذا في طرف يصبح للمرأة حق القوامية على الرجل!

التفريط، وأما في جانب اإلفراط، فإن البعض قد يفهم من هذه اآلية أن من حق الرجل أن يصادر حقوق زوجته،

ويفرض عليها حصارا .34سورة النساء: 1

93

ــارة والــديها ضــمن حــدود المــنزل، ال يســمح لهــا حــتى بزي ــافال ــا، متغـ ــالى وأرحامهـ ــه تعـ ــرهن )عن قولـ عاشـ

أن بــل ومتغــافال عن2 والمعــروف معــروف(بــالمعروف وفيمــا من(القواميــة بــالحق) تعــني عقال وعرفــا (القوامية)

قوامــا فيــه ال القواميــة بــالظلم والقواميــة شــأنه أن يكــونبالباطل.

ال يتحملــه(النص) الواضح أن كال المعنيين، خروج عن ومن يرتضيه صاحب النص، وإذا كــان المعــترض ممن وال(النص)

ــه ال ال يؤمن بالقرآن الكريم، أو بوجود الباري جــل وعال، فإن يحملـــه من يســـتطيع رغم ذلـــك أن يحمـــل النص غـــير ما

ــل النص ــر في أن ال يقب ــه ح ــال بأن ــا يق ــزون، نعم ربم مخال ﴾إكراه الدين لكن ليس له أن يتالعب بالنص. ﴿والحكم إذ

وبالجملة إذا تركت النصوص بغير معاني منضــبطة وواضــحة الباب أمام كل تأويل فإن ذلك يؤسس لمعاني الداللة، وفتح

عندئذ بل ال تستقيم الحياة غير متناهية، وال تستقيم المعرفةبمجملها.

وكثيرة هي النتائج الفاسدة التي تترتب على هــذه النظريــة،ــة إلى هــذه التــوالي فهل يا ترى التفت أصحاب هذه النظري

الفاسدة؟

وقد ذكر السيد الوالد )قدس سره(: ثمانية معان للمعروف في موســوعة الفقــه، 2واألشربة. كتاب األطعمة

94

95

الفصل الرابع

المعرفة بين اليقين والظن كثيرة هي المعاني التي أثرنا حولها الحوار في ما يتعلق

، وذلك بسبب ما تختزنه هذه(المعرفة نسبية)بالمراد من وقد تمكنت من الكلمة من احتماالت ومن تفسيرات،

مما أريد من النسبية أو ما يمكن1إحصاء اثني عشر تفسيرا أن يراد منها، بالتالي يجب الدقة في تحديد المعنى المراد

البحث ضبابيا أو هالميا، ولكي ينصب يكون مناقشته حتى ال أنه ربما ال ينصب الحوار الجواب على موطن اإلشكال، ذلك

غير والخالف على معنى واحد، بل قد يريد أحدنا معنى المعنى الذي يذهب إليه اآلخر، وبالتالي قد يكون النزاع

لفظيا.ز هذه المعاني ثم نحكم عليها. فلنفرز ونمي

المعارف بأجمعها ال تفيد قطعا: إن المعارف ) يمكن أن يراد بنسبية المعرفة هذا المعنى

بل إنما هي تفيد في أحسن الفروض بأجمعها ال تفيد قطعا، من ، أي أن المعرفة البشرية تسبح في بحر 2(الظن

الظنون، أو الشكوك، أو األوهام، لعدم وجود ما هو قطعي كتابه في وناقشها للنسبية أكثر معاني ذكر المحاضر األستاذ سماحة أن ذكره جدير 1(.واللغة والمعرفة الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا نقد)

96

أو يقيني كاشفعن الحقيقة، ذلك أننا نعيش في هذا العالم فيه للوصول إلى حقائقه وهو عالم الظواهر، وال طريق

بضرس قاطع.. هذا المعنى لو أريد من النسبية كما ذكره البعض،بقوله: أنه

اإلمكان، أو في عالم البشر، على األقل ال يوجد في عالم والمعارف هي في معلومة قطعية، بل كافة المعلومات

أحسن الفروض ظنون، أو في مرتبة نازلة هي شكوك، أو فيمرتبة أدنى هي أوهام.. وهذا المعنى سنتوقف عنده قليال

لخطورته. : الجواب الصغروي والكبروي1-2

والكالم حول مناقشة هذا المعنى ينقسم إلى حوار حول والصغرى المصداقية، مضافا إلى مالحظة الكبرى الكلية

ضمن هذا المعنى.(النسبية)لوازم القاعدة تنقض نفسها بنفسها

كل المعارف والعلوم ظنية، وال) الكبرى الكلية، وهي أوال: توجد معرفة غير تامة وغير صحيحة،(أو علم قطعي أبدا

عدم وجود معرفة يقينية، أو ذلك أن المدعى يرتكز على بنفسه معلومة يقينية، لكن ثبوت المدعى يشكل نقضا

أنه ال توجد)لنفس الدعوى؛ ألن هذه القاعدة التي تقول إما أن تكون يقينية أو ظنية؟(معلومة يقينيةا إطالق

القول هي المنطقية االحتمالية: )االحتمال مذهب المدرسة هذه من وقريب 2 الواقعية الموضوعات ذات العلوم في المطلقة الحقيقة الى الوصول باستحالة

هذه مثل في بلوغه المرء يستطيع ما أقصى ألن والتاريخ، كالطبيعيات المتشخصة، ص الميسرة الموسوعة( اليقينية بالحقائق ال المحتملة بالحقائق الظفر هو العلوم فراجع قراءاتها بإحدى( الظاهراتية )مدرسة المدرسة هذه من يقرب كما 542

.وغيره 554 ص الميسرة الموسوعة97

أ: فإن كانت يقينية، فقد ثبت وجود ما هو يقيني، وبالتالي لمضمونها، بعبارة أخرى: الدعوى قائمة على ثبوتها نقض

يقينية، وليس هناك طريق عدم وجود معلومة أو معرفة يعدو كونه للنفوذ إلى حقائق األشياء، وكل ما هو متاح ال

ظنونا وشكوكا وأوهاما، فثبوت هذه الدعوى دليل على ولو معرفة واحدة يقينية، والموجبة الجزئية نقيض وجود

السالبة الكلية. والحاصل: إن الذي يحاول االرتكاز على هذه الدعوى للعبور

بها إلى

ما هو دونها من المعارف حتى يثبت نســبية المعرفــة بقــول ذلك، فمجرد االرتكاز على هذه الدعوى له مطلق، ال يتحقق

يقيني وعلى أقل تقدير: هــذه يمتنع هذا العبور لوجود ما هو القاعدة نفسها، وإال تناقض أول الكالم معــآخره وآخــره مــع

أوله.ــد أبطلت ــها، فق ــملت نفس ــدة إن ش ولب الكالم: إن القاع

وإن لم تشمل كان إطالق القاعدة كاذبا. نفسها بنفسها، وإن كانت ظنية، فهــذا الظن ال يكــون حجــة على األخــرب:

كونــه حالــة شخصــية ال تغــني عن الحــق شــيئا، وال وال يعدو العلــوم، وبتعبــير آخــر إن كــانت يصــلح كقاعــدة علميــة في

ــير المعرفة ظنية فهي في صقع النفس، وفي واقع الذهن غ متيقن منهــا، فكيــف يمكن أن يحتج بهــا على األخـر وهي لم

يقينا لصــاحبها؟ ومن الواضــح أن من غــير الممكن إن تورثتتعدى لألخر لتولد له اليقين. لم تورث المعرفة يقينا أن

98

وهذا إشكال جــدلي، وســندخل بعــده إلى دائــرة اإلشــكاالتــوير الحقيقية، وإن كان اإلشكال الجدلي صحيحا، ويمكن تط

حكم)حقيقي عبر هذه اإلضــافة وهي الجواب من جدلي إلى ، فإذا أمكن أن تكون(واحد األمثال فيما يجوز وفيما ال يجوز

أي هــذه القاعــدة نفســها، وهي ))ال-قاعــدة توجــد إطالقــاــة- معلومة يقينية مطلقة((، أمكن أن تكون نظائرها مطلق

ال) النافيــة للجنس، ك (ال)خاصة القواعد التي تبدأ ب أيضا، ظنية وهي في الــوقت نفســه مشــكوكة توجد إطالقا قاعدة

ك(في الجملة ) بـــل والقواعـــد الـــتي إطارها(أو موهومةدر ب(اإلنسان فهو شــاعر في الجملة) أو فقــل كــل مــا صــ ،(بعض اإلنســان المعاصــر فيلســوف أو طــبيب)ك ( بعض)

ومطلقة. فإن هذه القاعدة صحيحةاألنواع الستة للقطعيات

، فنقول: كال، بل توجد معرفة1 : ونجيب عن الصغرىثانيا وعلوم قطعية؛ إذ أن من البديهي أن هنالك معلومات يقينية

الشك، تسمى البديهيات بأقسامها؛ قطعية ال يرقى إليها ومحسوسات، من فطريات، وأوليات، ومشاهدات،

ومتواترات، وتجريبيات..وهذه النقطة أشرنا لها في بحوثنا السابقة، ولقد أشرنا إلى أمثلة سابقة من علوم شتى

من حساب، وهندسة، وغير ذلك.. فالرياضيات كلها يقينية، ولدينا مجموعة من القضايا العقلية؛ مثل استحالة الدور،

التسلسل، وبداهة كون الجزء أصغر من الكل، واستحالة

والعلوم المعارف من عدد وجود ويثبت المصاديق، في يناقش الصغروي الجواب 1.اليقينية

99

وأن المعلول أو الحادث وكون الكل أعظم من الجزء،يحتاج إلى محدث وعلة، والترجح بال مرجح محال..

ومن القضايا التي أشرنا إليها سابقا الكثير من مسائل إن الذرة تتشكل من النواة ومن العلوم الطبيعية، ك:

ذرتين هدروجين الكترونات تدور حولها، والماء يتكون من وذرة أوكسجين، وإن األرض تدور حول الشمس وحول

نفسها، والقمر يدور حولها، وأن المد والجزر تابع لحركةالقمر، وغير ذلك..

اليقينيات في العلوم االجتماعية فهناك قضايا كثيرة يقينية ال يرقى إليها الشك وفي شتى

من طبيعية وغيرها، ونسوق اآلن بعض األمثلة أنواع العلوم هو ونظائره محط الكالم األساسي؛ من علم االجتماع الذي

التاريخ، والعلوم اإلنسانية ألن قضايا علم االجتماع، وقضايا نظرية بشكل مطلق هي القضايا التي تدور عادة حولها

ال1 النسبية، فال يوجد فيها بنظرهم قضية قطعية، فالبعضيشكك في

ما هو يقيني في العلوم الطبيعية التي تخضع للتجربة، ولكنه اإلنسانية التي ترتكز على التأمل يشكك في العلوم

سبيل إلى تجربتها والتحليل فكل قضاياها ألنها نظرية الفإنها ال تورث علما قطعيا.

التعميم القاضي بعدم وجود ما هو يقيني في العلوملكن يصطدم بكثير من القضايا اليقينية المسلم بها اإلنسانية،

درجة البداهة، وإذا ثبت ذلك ال وهي بمثابة كليات تصل إلى نسبية، بشكل مطلق، يمكن التسليم بكون العلوم اإلنسانية

فالسالبة الجزئية تنفي الموجبة الكلية، فكيف إذا كانت سوالب جزئية كثيرة؟ ويمكن بعد ذلك معالجة ما يقع

.قطعية الطبيعية والعلوم الرياضيات أن يرى حيث( كانط ) مثل 1100

اإلنسانية، في إطار معرفي آخر االختالف فيه في العلوم المطلقة التي يعالج االختالف بعناوين بعيدة عن النسبية

تورث التشكيك في المعرفة وال تدع مجاال للوثوق بها.أ: وتلك األيام نداولها بين الناس

ونحن هنا نبدأ ببعض األمثلة التي تثبت وجود ما هو يقيني اإلنسانية وهو بمثابة قواعد كلية، يقول تعالى: في العلوم

ام نداولها ب اسين﴿وتلك األي .1 ﴾ الن فالله تعالى يشير في هذه اآلية القرآنية الكريمة إلى قاعدة

كل عاقل متأمل، من أية ملة أو نحلة كان، قطعية يدركها القطعية بما هي هي وهل هناك من ينكر هذه الحقيقة

ام داولها ﴿وتلك األي ؟ينب اس ﴾ الن فإن التقلب الذي يشهده المجتمع وتغيره من حال إلى

على صدق هذه القاعدة، بل حتى على حال، لخير دليل وكل هياكل المجتمع، مستوى الفرد واألسر واألنظمة

الشخص فجميعها في حالة من التغير والتبدل، فتارة يكون حاكما ثم يموت، فيحكم غيره، أو أن تكون هناك أسرة

بالعلم فيتحول أبناؤها نحو الجهل، أو العكس، إذ قد معروفةتكون أسرة انحراف،

أو)ثم يتحولون إلى أسرة صالحة، وهكذا يتحول الفقير إلى غني، والغني إلى فقير، ويتحول( أوالده أو أحفاده

أحفاده وهكذا إلى الحاكم أو أبناؤه أو أحفاده أو أحفادحاكم محكوم، والمحكوم بشخصه أو بصنفه أو بنوعه إلى

ام نداولها ب ، هذا التداول في العلم، فيين﴿وتلك األي اس ﴾ الن المال، في الشهرة، في الرياسة، في مختلف القدرة، في

140سورة آل عمران: 1101

اجتماعية، وقاعدة تاريخية هذه العطايا اإللهية؛ لهو قاعدةفهل هي ظنية، أم يقينية.؟

هل يوجد من يشك فيها وهو ملتفت إليها.؟ إال أن يكون الخلل في قواه اإلدراكية، ونحن ال نخص إنسانا يعاني بعض

مثله بالحوار، ولكن أستبعد أن واحدا من العلماء الذي نخاطبهم من الذين يقولون بنسبية

التي أشرنا إليها، والتي المعرفة يشكك في هذه القاعدة ام نداولها ب وتلك األي ين﴿لخصها القرآن الكريم بأبلغ عبارة

. اس ﴾الن

ب: الخير والشر في اإلنسان توجد في داخل اإلنسان قوتان قوة نزاعة للشر وأخرى

وهذه قضية قطعية، فكل إنسان يجد في باعثة للخير، يدفعه للشر، كما أن بعض نفسه عامال يدفعه للخير، وآخر

تردد، الناس في مصداق معين قد يندفعون للخير بدون فكل والبعض اآلخر قد يندفعون للشر دون تردد أيضا..

إنسان يحس في واقع نفسه أنه مميز على األقل لبعض والشر، بل يرى في عمق وجدانه أن هناك من أنواع الخير

وهناك من يجره للشر، كما يأمره في داخل نفسه بالخير حتى وإن يرى أنه قادر على مخالفة هواه ومتابعة الحق

كان مخالفا لمصلحة آنية بحيث تعجز كل التفسيرات المصلحية فيفهم موقفه، هذا اإلحساس الذي يعيشه كل

والشر كما هو كاشف عن إنسان كاشف عن وجود الخير بعض إمكانية وصول اإلنسان إلى تحديدهما ولو في

بشكل يقيني قطعي ال يقبل(كالعدل والظلم)أنواعهما الشك.

102

كان يقول: إنه هناك رواية )رحمه الله( والسيد الوالد كل إنسان مركزان للشرطة، مركز مضمونها: أنه في قلب

ويدفعونك نحوه، للمالئكة يعسكرون فيه فيبعثونك للخير وفي ومركز آخر للشياطين، حيث يحاولون اجتذابك للشر،

أحد المركزين لعله مركز المالئكة يوجد ثمانية وعشرون مركز الشياطين فيضم سبعة وعشرين شيطانا، ملكا، وأما

أو بالعكس، والتردد مني.. وآثار تلك القوتين يجدها اإلنسان في ثنايا نفسه وبحسب ما

في الواقع الخارجي فأحيانا يريد اإلنسان أن يترتب عليهما لصالة الليل في قلب الليل يعمل عمال صالحا، كأن يقوم

فيشعر وكأن البهيم، أو يبذل ماال ضخما لمشروع خيري، واحدا يقول له افعل ويأمره أن يقتلع نفسه من الفراش،

ينفق ماله حتما، وهؤالء هم المالئكة، كما يشعر في وأن له: ال تفعل، وليس من الضروري الوقت نفسه بآخر يقول

سبيل الله، وأولئك أن تصلي صالة الليل أو تدفع ماال فيهم الشياطين.

واألمثلة تمتد بامتداد فعل اإلنسان، والشاهد منها هو بدافع الخير والشر في أعماق نفسه احساس اإلنسان

ترتبط بمحور من وذاته، وهذه القضية هي قضية يقينيةمحاور علم النفس..

وغير خفي أننا عندما نستشهد بالقرآن ، فإنه ليس بعنوان على الفيلسوف الغربي بالقرآن، حتى يعترض بأنه االحتجاج

اآلية الكريمة قامت بصياغة هذه ال يؤمن به، وإنما ألن بحركة التاريخ القاعدة وهذه القضية االجتماعية التي تتعلق

103

والتي يدركها اإلنسان بالوجدان، أفضل وأدق صياغة،وسنجد ذلك بارزا أيضا في المثال التالي:

ج: إن اإلنسان ليطغى ففيما يتعلــق بطبيعــة اإلنســان ودراســة أعماقــه ومجاهليــه،

ورصد تقلباته في الظروفان ﴿المختلفة نالحــظ عمــق وروعــة قولــه تعــالى: إن إالنســ

آه*ليطغى أن ر .1ى استغن

وهذه القضية إجماال يقينية، وهي كاشفة عن حالة نفسية فإن كثيرا من الناس لو استغنى لطغى، فإذا يعيشها الكثير،

اآلخرين، وكذلك لو أصبح صاحب ثروة فقد يطغى على ﴾ليطغى ﴿أصبح صاحب علم أو قوة عسكرية إن اإلنسان

وهذه قاعدة قطعية ال شك فيها.إن ﴿وإذا أردنا أن نعبر بتعبير أدق، فإن اآلية الشريفة:

تكشف عن أن اإلنسان بطبعه وحسب ﴾اإلنسان ليطغىآه ليطغى أن ر ﴾استغنى نعم ذلك بنحو ﴿مقتضى ذاته األولية

الناس قد المقتضي وليس العلية التامة، لذا فإن كثيرا من يسيطر على مقتضى طبعه، وعبر االستعانة بعوامل معنوية

كالدعاء واإليحاء الذاتي وترويض النفس وغير )أو مادية.(ذلك

وهكذا وهلم جرا في الكثير من القواعد والقوانين القطعية النفس، وفي علم االجتماع، وفي علم المسلمة في علم

التاريخ، وفي سائر العلوم اإلنسانية.د: قانون العرض والطلب

7 6سورة العلق: 1

104

ففي حقل االقتصاد نجد مثال أنه يتحكم قانون العرض العالم، فهناك عرض، وهناك طلب، وهناك والطلب بأسواق

األسعار، فكلما قل الطلب وازداد نسبة تفاعلية بينها وبين بكثرة – فإن العرض - أي إذا توفرت البضاعة بالسوق

األسعار تنخفض، والعكس صحيح، وهذه قاعدة طبيعية ال يشك فيها إنسان يعرف أوليات االقتصاد إذ يعرف أن هذه

وذلك في إطار تثبيت سائر العوامل وبما لو قاعدة قطعية أن زيادة العرض وانخفاض لم تتدخل عوامل أخرى.. بمعنى

كافة العوامل القيمة لو لوحظا كعاملين متقابلين، مع عزل األخرى الدخيلة، فإنه ال شك أن العالقة بينهما إيجابية بمعنى أنه كلما ازداد العرض، مع ثبات الطلب أو قلته، فإن القيمة

ستنخفض. والحاصل: إنه في كافة مجاالت العلوم اإلنسانية كاالقتصاد

واالجتماع والحقوق والتاريخ واإلدارة وغيرها فإن والسياسةهناك قضايا يقينية قطعية

ال يرقى إليها الشك، وقد مثلنا في األبحاث الماضية في اإلحسان، وحسن العدل، وحسن الحقل المعرفي بحسن

فيها، أي في أصل أن حتى نختلف(الشورى)االستشارة، ال يستشير اإلنسان أهل الخبرة فيما ألم به وفيما أهمه مما ال

يحيط بابعاده خبرا، هذا أصله حسن بال كالم، وهكذا وهلمجرا..

. الجواب بدراسة لوازم الكبرى3 ويريد بها: أن هذه(نسبية المعرفة)إن من يقول ب

المعارف بأجمعها ظنية وليست قطعية.. نوجه له سؤاال يترتب على ذلك؟ دقيقا وهو: ثم ماذا؟ أي ما الذي يمكن أن

فلو آمنا وسلمنا أن كافة القضايا في العلوم اإلنسانية، والعقدية، والميتافيزيقية، ليست قطعية، فيحق لنا أن نسأل

105

والنتائج التي تنجم عنه؟ فهل يريد النسبيون عن مؤدى ذلك في هذه العلوم والمعارف أن يوصلوا اإلنسان إلى التشكيك

إللغاء التي تؤسس(عدم الحجية)وعدم االعتناء بها يعني ترتيب األثر الخارجي على هذه العلوم؟ إذا كان ذلك

فإنه مما يرفضه كافة العقالء، ومما يوجب مقصودهم، أسس المجتمع المدني اختالل نظام الحياة، بل وهدم

كلمة وغيره، وذلك يتضح مع وقفة قصيرة لنا هنا مع معاني وهو بحث منطقي أصولي، وقد ذكرنا في كتاب(الحجة)

أن الحجة لها عشرة من1 معانيها ومصاديقها الحجة، ومنها اإلنكشاف، ومنها المعنى المعاني، منها الكاشفية،

أو العبد على اللغوي وهو ما يحتج به المولى على عبده مواله، ومنها المنجزية والمعذرية ومنها لزوم الحركةواإلتباع،ومنها األوسط في القياس..ومنها غير ذلك..

الحجية بمعنى الكاشفية-1المعنى األول: الحجية تعني الكاشفية:

فإن كان المقصود من أن كافة العلوم اإلنسانية ظنية، وهيليست حجة..

بمعنى: أنها ليست كاشفة كشفا تاما مائة بالمائة عن ،(ظنية)األقرب لما تحمله كلمة المعنى الواقع، وهذا هو

هذه النظرية، فإننا نكتشف حينها االشتباه الذي وقعت فيه كونها أهملت الحالة العقالئية التي يقوم عليها التفاهم

وااللتزام، ذلك أن حياة العقالء كافة تدور مدار واإللزام

وهــو كتــاب يبحث عن أحــد )المبــادئ التصــورية والتصــديقية لعلم األصــول( وهــو 1ــه ــة( لكون المشــتركة الحجة )أنه من إليه ذهبنا ما على األصــول علم موضــوع)الحج

(.الفقه في القريبة106

، أي2 ، أو الفقهي1 أو األصولي بالمعنى اللغوي،(الحجة) أو المنجزية( ما يحتج به المولى على عبده)تدور مدار والمعذرية أو لزوم اإلتباع، حيث إن العقالء ال يشترطون أبدا

ذلك الكشف التام عن الواقع، وإنما تسالموا فيه على في النوعي الذي يشترطه العقالء، بل درجة من الظهور والظن

كما هو مفروض : الكاشف،(الحجة)ولو أراد العقالء ب المعنى األول، فإن العقالء ال يريدون الكاشف كشفا تاما عن الواقع، بل الكاشف الظني العقالئي، وعليه يبنون

حياتهم. وذلك مثل حجية الظواهر فإن المولى إذا ألقى لعبده كالما

ملزما له، وال يجوز للعبد عدم االلتزام مدعيا أن كان كالمه بمراده، وهكذا يتحقق التفاهم كالم المولى لم يورثه القطع

بين الحاكم واإللزام وااللتزام المبني على الظنون النوعية والرعية، وبين مدير الشركة والموظفين، والوالد واألبناء،

م، أو متول، أو جار أو صديق أو مكافئ. وأي ولي، أو قي إن بناء الحياة االجتماعية والعقالئية في شتى مجاالتها من

ودولة وشركات ومدارس وأسر وغير ذلك، تعليم وقضاء بالمائة، بل ال يشترط فيها ليس على كشف الواقع مائة

ذلك في سيرة العقالء أبدا، بل إن حياتهم مبنية

على )الحجج( أي يكفي فيها أن تكون )حجة( أي الكاشف حسب المعنى األول، أو الحجة اللغوية وهي النوعي الظني

يحتج به الحاكم على المحكوم، معنى آخر أي ما يصلح أن الحاكم، أو أو المولى على عبده، أو يحتج بها المحكوم على

العبد على مواله، فكما أن الموظف في الشركة ملزمبقرارات

وهو المنجزية والمعذرية، وقد يقال أنه كالمي، واألصولي هو )الطرق واالمارات 1أشبه ما أو( الشرعي الجعل بحسب متعلقاتها الثباتالتي تقع أوساطا

وهو لزوم اإلتباع. 2107

صاحب الشركة كذلك صاحب الشركة، رغم أن )العبارات( هي ظواهر ال تفيد إال ظنا، ملزم بالفهم الذي و)القرارات(

القرارات إذا كان الفهم على يفهمه الموظف من هذهطريقة العقالء.

الحجية بمعنى لزوم اإلتباع2 المعنى الثاني: الحجية تعني لزوم اإلتباع، أو لزوم الحركة

الظواهر أو تلك األوامر، وهذا أمر عقالئي على طبق هذه الثاني أوضح من األمر في الشك فيه، واألمر في المعنى

المعنى األول، فإن العقالء يرون لزوم اإلتباع على ترتبا الظواهر النوعية، وال يشترطون القطع والعلم أبدا، اللهم إال

شأنه ذلك كبعض الشؤون االعتقادية فقط. فيما من

الحجية بمعنى استحقاق العقاب3 والمعنى الثالث: استحقاق العقاب وعدمه، والمنجزية

لو أصاب، أو أخطأ، وهذا هو المعنى والمعذرية باإلتباع للحجة، أي المنجز إنأصاب والمعذر إن أخطأ..1 األصولي

والحاصل: إننا نقول: لو سلمنا بأن الدوال المعارف ليستمع ذلك تعد )حجة( أي: قطعية، لكنها

. يمكن أن يحتج بها المولى على عبده والعبد على مواله.1. . ويجب الحركة على طبقها2 . وموجبة الستحقاق العقاب بالمخالفة.32 . وتعد كاشفة كشفا نوعيا عن الواقع4

فإن العاقل إذا ظن ظنا معتبرا، بوجود عقاب،أو بوجود سبع بوجود نار فيجب أن يسير على طبق هذا الظن، وإن ، أو

لم يكن قاطعا..الله رحمه الخراساني كاآلخوند األصوليين بعض ذكره الذي أي 1فهذه إذن معان أربعة للحجة 2

108

بل وأحيانا على طبق الوهم، أي االحتمال المرجوح، فإن في صورة بروز الخطر المحتمل فيما لو كان عليه أن يسير

ذلك االحتمال المرجوح الضرر أو الخطر كبيرا، على ضوء (المحتمل )حتى لو لم يكن االحتمال قويا فإن مع خطورة

يكون االحتمال الضعيف منجزا، فعلى اإلنسان أن يتجنب.1 والمحظور والمضر المحذور

. اختالف طبائع العلوم4 إن طبيعة العلوم مختلفة، كما أن ما يتوقع من المعارف

بعض العلوم أو بعض المعارف يشترط مختلف، ذلك أن فيها القطع واليقين، وبعض المعارفوالعلوم ينبغي أن تطلب

الظن، للزم فيها الظن ال أكثر، إذ لو تطلبت فيها األكثر منالهرج والمرج واختالل النظام والوقوع في مطبات عظام..

فعلم الرياضيات يتوقع منه اليقين وال يقبل من عالم الرياضيات غير ذلك، كما أن علم المنطق يتوقع منه أيضااليقين، ولكن:

ألف: علم الطب كيف تطلب منه اليقين.؟ ذلك أن علم الطب في معظم حاالته يرتكز على الظن أي

فيه العلم الكاشف عن الواقع والحقيقة بمعنى أنه يتعذر المريض أم الطبيب، فال مائة بالمائة، سواء أكان من جانب

أن يوجد عادة مريض يقطع بأن الطبيب الفالني يمكن يشفيه من كل أمراضه، ولكنه رغم عدم توفر العلم

الكاشف القطعي، يتجه نحو الطبيب طالبا العالج، ولو انتظر حتى يحصل له

أو مات قبل أن يتحقق لديه هذا العلم. العلم لتفاقم مرضه والحاصل: إنه بناء على هذا الظن يذهب كل مريض إلى

الشفاء، وعلى هذا الظن قامت الجامعات الطبيب راجيا وزارات للصحة، وكذلك وأنشئت المستشفيات وأسست

معانيها الحجة، كتاب في المرجوح االحتمال حجية عن الحديث فصلنا لقد 1 .ومصاديقها

109

الطبيب فإنه عادة ال يصرف للمريض الدواء بناءعلى علم قطعي بمعنى أنه ال يعلم علما يقينيا أن هذا الدواء يحقق

وإنما يكتفي بالظن الذي يتعامل على أساسه الشفاء حتما يحصل له العلم لمات العقالء. ولو انتظر الطبيب لكي

المريض بين يديه من غير أن يفعل له أي شيء. والنتيجة: إن الظن هنا هو الممكن، والعمل بمقتضاه هو

النهارت الحياة؛ ألن باب العلم في أكثر الواجب، ولواله برصد الحاالت، والعالئم، مسائل الطب مغلق، وال طريق إال

والمؤشرات، التي تورث الظن الراجح عادة. كذلك، فإنه مبني على الظنون(الفقه اإلسالمي): وب

القوانين حتى الوضعية منها كذلك، فإن المعتبرة، بل كل ليس المتوقع منها هذه القوانين وتلك األحكام الفقهية

القطع، لكي تتبع ولكي نسير على هديها، وإنما مجرد الظن المعتبر الذي اسمه الظواهر فيها كاف، وإال لما استقر حجر

الحياة، وللزم الهرج والمرج واختالل النظام على حجر في االجتماعي كله..

: ولنمثل أيضا بمثال اجتماعي، فهل يصح لشخص أنج أتزوج امرأة إال لو قطعت بصالحها من كل يقول: أنا ال

الجهات.. فهل يستطيع أحد أنيقطع بصالح هذه الزوجة التي ومستقبال، من يريد أن يتزوجها من جميع الجهات حاضرا

أو حيث صفاتها النفسية بأن ال تنطوي على حسد، أو حقد،عجب، أو رياء، أو غرور، أو كسل، أو ما أشبه ذلك.؟

أو هل يصح للمرأة أن تقول: ال أتزوج إال لو حصل لي القطع بأن هذا الزوج هو المثالي من جميع الجهات حاضرا

ومستقبال.. وهل تزدهر الحياة أو تستمر لو قال الناس: بما أن المعرفة

نسبية وال طريق

110

للقطع، إذن ينبغي أن ال تتزوج امرأة وال يتزوج رجل، هل عاقل؟ إنه مما ال يمكن أن يلتزم به عاقل هذا مما يقول به

من عقالء العالم.. د: وفي علم الرجال، لو طلب فيه اإلنسان القطع، لما

على حجر سواء في ذلك علم الرجال الذي استقر فيه حجر عندهم، وكل في حقله؛ إذ عندنا أو علم الرجال الذي

بالنتيجة فإن الجميع يستندون في غالب معلوماتهم وعلومهم على مجموعة من الرجاالت في السياسة أو

ذلك. االقتصاد أو ما أشبه إذن مجموعة من العلوم تقتضي وتتطلب اليقين والقطع،

العلوم ال تقتضي ذلك، بل لو تقيدت بمعادلة ومجموعة منحصلت إال على الضرر األكبر.. القطع لتجمدت الحياة، وما

. الكمال بين الظن واليقين:5 إن نسبية المعرفة بمعنى عدم وجود معارف يقينية، قول

من المغالطات كما بينا سابقا، مضافا إلى يشتمل على كثير تستبطن القول بأن كونه يرتكز على مقدمة خاطئة

المطلوب في المعرفة أن تكون يقينية، وهو توصيف إذا قصد به اإلطالق، حيث إنه ال يراعي تنوع العلوم خاطئ

فال تقاس كل العلوم بمقاس واحد وظروفها وشرائطها، أن الكمال أبدا في وهو القطع وكشف الواقع، ولو اعتبرنا

العلم والقطع والكشف التام، وحاولنا محاكمة كل العلوم طبقا لهذا الوصف لخرجنا بنتائج تخالف بديهيات المعرفة؛

كثير من األحيان يكون الكمال في )الظن( وذلك ألنه وفيعكس ما يتصور. ويكون )النقص( في )القطع( على

111

شواهد من عالم التكوين ونورد هنا بعض الشــواهد التكوينيــة الــتي تلقي الضــوء على

)كمال العلم بين الظن والقطــع(، ففي هــذا العــالم موضوع الكمــال في كثــير من القضــايا الــذي نحن نعيش فيــه، فــإن

ال في )القوة(:(الضعف)يكون في أ: الطفل

فإن الطفل مثال قوته في ضعفه، فإذا كان يولد وهو أقـوى ال يكــون بمقــدور أبيــه تربيتــه وتهذيبــه، بــل من أبيه فسوف

إذ ليس لــه عقــل يــدرك يمكن أن يتطاول الولد بضرب أبيهــون ــر.. فلكي يك ــير من الش ــأ والخ ــحيح من الخط ــه الص ب الطفل محط االهتمام والمداراة وقـابال للتهــذيب والتربيــة ال

وهذا هو مصدر قوتــه وســر حب النــاس بد أن يكون ضعيفا،له.

ب: المرأة وضمن هذا التصور يمكن معالجة كثــير من القضــايا العالقــة

الفكر والثقافة، فالجــدل القــائم حــول المــرأة على مستوى يمكن أن يحســم ضــمن هــذا والمطالبة بمساواتها بالرجــل،

ــذي يالحظ الشــيء بمــا الفهم، بوصــفه الفهم أو التصــور ال يحتويه من خصوصيات ومن ثم محاولــة فهم كــل خصوصـية

إطارها الطبيعي، فالمرأة بما تحتويه من خصوصــيات ضمن112

األمــر ســر كمالهــا، فالخشــونة مثال في خاصة هي في واقعــرأة المرأة نقص وفي الرجل كمال، كما أن النعومة في الم

التي كمال وفي الرجل نقص، وهكذا كل خصوصيات المرأة تحدد ضمن إطار األنوثة، فكلما كانت المرأة أكثر أنوثة كلما كان ذلكوصفا لكمالها، ومن هنا نكتشف الخطأ الذي ارتكبته

تحاول أن تساوي بين الرجــل والمــرأة؛ بعض الثقافات التيألنها أهملت المرأة وما يميزها من

خصوصيات، ولم تر إال الجانب الشكلي الذي تضيع معه المرأة في واقع األمر كمال لها كما أن الحقيقة، فضعف

ذي ال ﴾أتقن كل شيء ﴿القوة كمال للرجل قال تعالى ومحاولة المساواة مع إهمال نقاط القوة أو الضعف لكل1

طرف تجاوز على المرأة والرجل في نفس الوقت.ج: الغضروف

وكثيرة هي األمثلة في عالم الخلق التي تكشف عن حقائق ضعفها، كالغضروف مثال فلو كان تكمن قوتها في

لما تمكن جسم الغضروف كالعظم صلبا وقويا وصلدا،اإلنسان من الحركة.

ومن أهم مفاتيح فهم الحياة هو معرفة حقيقة هذا التوازن والضعف، وهو سر الكمال لهذه الحياة، وهذا بين القوة

مكتفين بهذه اإلشارة التي تؤكد بحث مفصل نتركه لمحله،ضعفها. على أن كثيرا من الحقائق قوتها وكمالها في

ونجد أن األمر في عالم التشريع، وعالم االجتماع، كذلكبأمثلة فطرية يدركها الجميع: أيضا.. ولنمثل

د: االمتحانات .88سورة النمل: 1

113

فمنها: معادلة االمتحانات التي يقوم بها الطلبة في الروضة إلى االبتدائية فمتوسطة من(المدارس كافة

واحد من هؤالء فإن كل)فثانوية فجامعة ومعاهد وغيرهاعادة غير قاطع بأنه سينجح في االمتحان، ولو قطع اإلنسان بأنه سينجح في االمتحان فإن هذا القطع يعتبر في كثير من

سلبية، ذلك أنه يجعل الطالب يتكاسل في األحيان حالة فقط بالنجاح)الظن(هنا هو التحضير والقراءة، والمطلوب

والذي يشكل حالة من الدافع والحافز للجد

والمثابرة لكي يحقق النجاح.ط، وهو ضد إذا اليقين أو القطع في كثير من القضايا مثب

غيره الذي هو على درجة من درجات الضعف الكمال، وإنمااإلنسان على الحركة األقوى. كالظن، فإنه الذي يبعث

ه : الموت إذ نسأل: لماذا لم يعلمنا الله(الموت)ومنها: مثال آخر هو

الذي نموت فيه؟ قد يكون من الحكم في تعالى بالوقت هذا المرض الذي ابتلي ذلك أن اإلنسان إذا قطع على أثر

فأكثر، به أنه بعد شهر سيموت مثال، فإنه سيتحطم أكثر وستختل حياته بالكامل وحياة من يحيط به في غالب

األحيان. ألن اإلنسان ليس بمقدوره العيش والسعي والعمل في

باألمل، فلو علمت - أطال الله عمرك – أنك هذه الحياة إال علم أنه بعد شهر تصدمه سيارة تموت بعد أيام، أو لو أحد

بالشارع، فهل سيعيش طبيعيا؟ والحاصل: إن الجهل بوقت الممات كمال للحياة، قال

تعالى:114

كم أحسن عمال وهو ذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أي ﴿ال.1 ﴾الغفور العزيز

وبالعكس، فإن العلم بتاريخ االصطدام أو الجلطة أو الموت،يعد نقصا وعامال سلبيا. كثيرا ما

فهذا العلم هو نقص: أن تعلم بمتى وكيف تموت، واالمتحان القبيل، وقضية الحياة والممات والصحة والمرض من هذا

والغنى كذلك، فإذا علم ذلك اإلنسان والدائرة تتسع والفقر فإنه سيبقى فقيرا، الفقير أنه حتى لو عمل خمسين سنة

فهل يسعى؟ وإذا ذاك اإلنسان الغني علم أنه سيبقى غنيا وبنفس المستوى مهما عمل، فهل سيسعى؟ إن المتاجر

كلها والحال هذه

ستتعطل ألنه يدري بأنه غني على أي تقدير.. إن الله سبحانه وتعالى جعل هندسة الكون على هذه

على أن يكون الكمال والحراك الشاكلة، فقد بني الظن إذا هو االجتماعي وغيره في ضمن هذا الظن، فهذا

كمال، وهو حجة، وهو معتبر، وعلى اإلنسان أن يسلكالمسالك على ضوئه، وعلى طبق هذا الظن المعتبر.. فكثيرا ما يكون الكمال في النقص ككمال المرأة في

الغضروف في نقصه، بمعنى مقابل نقصها، كما أن كمالللصالدة والصالبة وما أشبه ذلك..

و: البداء مثال آخر للمتدينين ويمكن أن يستشهد به على غيرهم

، إذ نسأل: ما هي فلسفة البداء؟)البداء (أيضا؛ وهو

.2سورة الملك: 1

115

إن إحدى الحكم في البداء هي هذه القضية، أي إن ذلك هو لوح المحو واإلثبات، فعلى الرغم من أن اللوح أحد حكم

اآلخر: لوح محو وإثبات، المحفوظ موجود، يوجد اللوح بعد والذي يعني أن الله قدر بأن أجل زيد مثال سيحل

عشرين سنة، حسب ما هو مكتوب في لوح المحو واإلثبات فإن الله سيمد في عمره خمسينحمهوصل ر لكن لو

سنة، ولو قطع رحمه فإنه غداسيموت، إن من فلسفة لوح المحو واإلثبات هي هذه..

أن يلجأ اإلنسان إلى الدعاء، وإلى)البداء(ومن فوائد وأن يلجأ اإلنسان إلى صلة الرحم.. ذلك أنه تطهير النفس،

بدون وجود لوح محو إذا كان كل شيء مفروغا منه، إذ كان سينعدم عند أكثر الناس،)الحافز(وإثبات، فإن

سيقول اإلنسان: سواء أوصلت رحمي، أم لم أصل فإننيالسنين سأموت، إذ قد انتهى األمر. بعد كذا من

وقد ظهر بذلك أن الله سبحانه وتعالى جرت حكمته في أن ال تكون القضايا بالنسبة لنا قطعية، بل هذا الكون على

،)البداء(تكون خاضعة لمعادلة فإنه إذا كانت هذه القضايا التي ترتبط بمصيرنا في مختلف

تجد بعدها أغلب الناس يحسن للناس، فلن األبعاد قطعية،كما سيفقد كثير من الناس الباعث

والحافز على أن يهذب نفسه، وسوف لن يلجأ األغلب إلىالتضرع والدعاءوما أشبه ذلك.

ز: المحكم والمتشابه وكما أن فلسفة البداء من ذلك، كذلك فإن فلسفة المحكم من ذلك، والبداء عند ما يسند لله تعالى والمتشابه أيضا

يعني مسامحة يبدو لنا وعند نسبته إلينا)اإلبداء(فإنه يعني

116

األمر على وفق الظواهر أنه كذا، لكنه في واقعه على خالفها، ولكن األمر عند الله واضح وجلي، وكذلك عند

. )عليهم السالم(المعصومين والنتيجة: إن الكمال قد يكون في هذا الظن، وهذه الظنون

ينبغي يمشي اإلنسان على ضوئها، وعلى المعتبرة التي ، ولنرجع إلى)القطع( هديها.. وإن المشكلة قد تحدث من

منطلق البحث، فنقول: التي تشكك في المعارف لكونها)النسبية(كذلك القول في

يمكن أن تفهم أيضا ضمن هذا اإلطار، فالظن ظنية، فإنها هو الذي يتصف بالحجية المعتبر في كثير من المعارف

ولو كلف والتي يسير اإلنسان بحكم عقله على وفقها، اإلنسان بالعلم الكاشف عن الواقع كما هو، لتعطلت الحياة

واضطربت، ما يجعل الكمال في هذه الظنون المعتبرة. ومن أوضح البراهين على ذلك أن أكثر بل لعله ما يقارب

المطروحة في علم النفس واالجتماع كل النظريات على ظنون معتبرة، ولو والسياسة واالقتصاد وغيرها، تقوم

الحياة انتظر البشر حصول القطع في هذه العلوم، لتوقفت ولعدنا إلى العهد الحجري، كما أن هذه الظنون بما فيها من

هي التي تفتح الطريق أمام التنوع والتعدد وتجعل اختالف خيارات متسعة. ولذلك كان من الحياة أمام اإلنسان ذات

على مر التاريخ: فتح باب)الشيعة(مذهب

)صلى الله عليه وآلهاالجتهاد، وهذا لعله من وجوه قوله.1 :)) اختالف أمتي رحمة ((وسلم(

بل هو السبيل لفتح الباب أمام اإلنسان لكي يتكامل في فأكثر، فإذا قطع اإلنسان فإنه عادة يتوقف عن معارفه أكثر

ال(حين أن القرآن الكريم يؤكد السعي وطلب العلم، في .33425 ح 11 ب 140 ص 27 ج : الشيعة وسائل 1

117

إلى السعي األبدي مما يدعو)تناهي درجات وحدود العلموفوق كل ذي علم عليم ﴾نحو العلم قال تعالى: وقد1 ﴿

عن أن هناك من هم متصفون2تكشف لنا هذه اآلية أيضا وبالتسديد اإللهي مثل األنبياء واألئمة، كما قال بالعلم

وجعلناهم 3 أئمة يهدون بأمرنا ﴿تعالى: م آدم األ وعل ﴿ و ﴾ هاسم يهم4 ﴾اء كل يزك مهم الكتاب وا لحكمة ﴿ و مما5﴾ويعل

سائرا على هداهم. يجعل اإلنسان يسعى دوما ألن يكون الظنون النوعية الذي أشرنا إليه،)كمال(تنبيه: ال يخفى أن

أو السقوط في)الجمود( و)التوقف(إلى كان بالقياس)العلم(كان باب هاوية الشكوك واألوهام، أما لو منفتحا

نظام أو بنفسه، ولم يلزم من طلبه عسر وحرج واختالل تعطيل حياة، كما نعتقد أنه سيكون في زمان ظهور ولي

المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الله األعظم األفضل وأن هو)العلم(الشريف، فال شك أن

سيكون مرجوحا.)الظن( ، فلعل( عليهم السالم )وأما في زمن األئمة األطهار

كخبر(الظنون النوعية المستظهر أنهم أجازوا الرجوع إلى حتى مع انفتاح باب العلم بسؤالهم)الثقة، والظواهر

مباشرة ، حتى مع عدم لزوم عسر وحرج، ولعله لمصلحة وضربا للقانون، وعلي أي فتحقيق هذه التسهيل النوعية

المسألة في علم األصول.

.76: )عليه السالم(سورة يوسف 1 درجة بعضهم يبلغ أن إلى متصاعدة درجات على العلوم، ذوي أن منها يستفاد إذ 2

.فتأمل. تعالى الله علم إال فوقها ليس .73سورة األنبياء : 3 .31 سورة البقرة : 4 .164سورة آل عمران : 5

118

كما ينبغي التنبيه على أن كمال الطفل والمرأة في ضعفها، إنما هو لباب التزاحم والغضروف، والذي تجلى

خلق ضعيفا. أجله وأشباهه، كمالحظة الغرض الذي من قد يكون معرفة ما في اللوح)البداء(كما أن في مثل

(المحفوظ نفوس(في النفوس القوية الكاملة كما)كماال وكون الكمال(األنبياء واألوصياءعليهم السالم

إنما هو في النفوس الضعيفة، التي ال تتحمل)الجهل(في في ورطة أشد لو رفع عنها غطاء العلم، والتي ستقع

الجهل، وتمام تحقيق المقام في علم الكالم.

إهدنا الصراط المستقيم:اهدنا الصراط المستقيم كما تعودنا ﴾نستنير باآلية الشريفة ﴿

السابقة، ونتساءل هنا عن المراد من في كل بحوثنا وقبل اإلجابة، نجمل ما ذكرناه في الصراط المستقيم.؟

في الحقائق التالية: البحوث السابقة، مع بعض اإلضافة، : إن هناك صراطا مستقيما في عالمالحقيقة األولىاإلنسان أم لم يصل. الثبوت، وصل إليه : إن باب العلم والعلمي إلى تلك الحقائقالحقيقة الثانية

لو كان مغلقا لكان هذا الطلب من الله لغوا، أيضا منفتح، إذاهدنا الصراط ﴾المستقيم والباب مغلق، ﴿إذ كيف تقول:

الصراط لالهتداء إلى- إذن -واالهتداء مستحيل؟ فالباب المستقيم مفتوح، وإذا كان الصراط المستقيم، في مكتوم

ال يستطيع اإلنسان معرفته والوصول إليه، علم الله مما وتعالى بأن يهدينا الصراط فيكون الطلب من الله سبحانه

المستقيم طلبا لغوا، وغير واقعي، فمن المحال أن يكلفنا الله أن نطلب منه أن يعطينا ما ال يعطيه أبدا لنا،

أخرى. بدون جهة راجحة

119

: إنه ليس كل أحد ممن يهتدي إلىالحقيقة الثالثة الصراط المستقيم، بل البعض الحقيقة وإلى الواقع وإلى

هداهم الله ﴾فقط، وهم أولئك الذين تعالى، وهدايته لهم 1﴿هم سبلنا ذين جاهدوا فينا لنهدين وال ﴾بلحاظ ﴿ 2.

: إن لالهتداء شروطا، ومن الشروطالحقيقة الرابعة وتهذيبها، والدعاء بإلحاح والتضرع، وبعض تصفية النفس

بتفصيل أكثر الحقا إن شاء هذه الشروط ربما سنأتي عليهاالله.

:األقوال في الصراط المستقيم ﴾ ﴿الصراط ﴿كثيرة هي األقوال أو الروايات في معنى

تناقض بينها، وذلك بوصفها مصاديق ﴾المستقيم من غيرالصراط . فلنشر اآلن ﴿متعددة تعبر بأجمعها عن ﴾المستقيم

لعدد منها.. : الصراط المستقيم هو القرآن الكريم كتابالقول األول

الله.. : الصراط المستقيم هو اإلسالم فإنالقول الثاني

اإلسالم صراط مستقيم.. : الصراط المستقيم دين الله الذي ال يقبلالقول الثالث

من العباد غيره.. :الصراط المستقيم هو صراط األنبياء فإنالقول الرابعمستقيم.. صراط األنبياء

: الصراط المستقيم هو (اإلمام) عليه منالقول الخامسوالسالم.. الله الصالة

: الصراط المستقيم هو معرفة اإلمام..القول السادس : المراد بالصراط المستقيم هو أميرالقول السابع

المؤمنين اإلمام علي بن فإهدنا الصراط المستقيم يعني إهدنا صراط أبي طالب

صراط محمد في الوقت نفسه.. وهو علي .18سورة الزمر: 1 .69سورة العنكبوت: 2

120

: المراد بالصراط المستقيم هو جسر فيالقول الثامنعالم اآلخرة يوصلك

..1 إلى الجنة هذه ثمانية أقوال في الصراط، وقد وردت في عدد منها

معنى الصراط المستقيم، وإليكم اآلن بعض روايات حولالروايات:

﴾اهدنا الصراط المستقيم في تفسير اإلمام عن الصادق ﴿ للزوم الطريق المؤدي إلى : ))أرشدنا)عليه السالم(

أن نتبع و جنتك والمانع من)رضوانك(محبتك والمبلغ إلى .2أهواءنا فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك((

: قال)) أدم لنا توفيقك )عليه السالم(وعن أمير المؤمنين أيامنا حتى نطيعك كذلك في الذي به أطعناك في ماضي

3 مستقبل أعمارنا...((

: ))هو )عليه السالم(وفي المعاني عن اإلمام الصادق وجل، وهما صراطان: صراط الطريق إلى معرفة الله عز

في الدنيا فهو في الدنيا وصراط في اآلخرة؛ وأما الصراط اإلمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه

الصراط الذي هو جسر جهنم في اآلخرة، ومن لم مر على عن الصراط في اآلخرة فتردى يعرفه في الدنيا زلت قدمه

4في نار جهنم..((

: ))الصراط أمير المؤمنين)عليه السالم( ورواية أخرى عنهوفي رواية أخرى: 5علي((

.وغيرها البيان مجمع وتفسير القرآن، تفسير في والبرهان الصافي، تفسير يراجع 1 .33179 ح 6 ب 49 ص 27 ج: الشيعة وسائل 2.4 ح الصراط معنى باب 33 ص: األخبار معاني 3.1 ح الصراط معنى باب 32 ص: األخبار معاني 4.2 باب معنى الصراط ح 32معاني األخبار: ص 5

121

وفي 2 وفي رواية أخرى: أنه معرفة اإلمام.. ..1 ومعرفته3المستقيم.. أخرى: نحن الصراط

وفي تفسير العياشي: إن الصراط المستقيم هو صراط إلى آخر هذه األقوال. 4أنعم الله عليهم.. األنبياء وهم الذين

بأجمعها صراط مستقيم)الثمانية( وفي بحث تطبيقي لما ذكرناه وعلى ضوء هذا البحث،

أن هذه المعاني بأجمعها صحيحة، نقول: إن الظاهر هو المستقيم: القرآن وذلك ألنها بأجمعها مصاديق للصراط

بن الكريم صراط مستقيم، واألنبياء صراط مستقيم، وعلي أبي طالب صراط مستقيم، واإلسالم صراط مستقيم،

الله ويرفض وال يقبل أن ندينه إال به والدين الذي يأبى مستقيم، والدليل صراط مستقيم، ومعرفة اإلمام صراط

على ذلك من القرآن الكريم: ذين آمنوا ها ال يا أي ﴿فمن اآليات قول الله سبحانه وتعالى:

سول وأولي األمر منكم فإن أطيعوا الله وأطيعوا الر سول إن كنتم تؤمنون اللهلىتنازعتم شيء فردوه إ والر

يربالله واليوم اآلخر ذلك خ .5 ﴾ وأحسن تأويال )صلى اللهإذا إطاعة الله صراط مستقيم، وإطاعة الرسول

)عليهوإطاعة اإلمام صراط مستقيم،عليه وآله وسلم( أي إطاعة ولي األمر صراط مستقيم.السالم(

وقد يشكك البعض في المقصود بأولي األمر؟ لكن ال شك )عليهم السالم( هم األئمة األطهار(األمر أولي)في أن

.3 ح الصراط معنى باب 32 ص: األخبار معاني انظر 1 .الفاتحة سورة 28 ص 1 ج: القمي تفسير انظر 25 باب معنى الصراط ح 35معاني األخبار: ص 3 .17 ح الكتاب ام سورة من 22 ص 1 ج: العياشي تفسير 4 .59سورة النساء: 5

122

باألدلة المذكورة في محالها، وإحداها هذه إ ﴿اآلية الشريفة جس أهل البيت ويطهركم يريد الله ليذهب عنكم الر نما

فهم صراط مستقيم بال شك حسب هذا اآلية1﴾تطهيرا واآليات األخرى.. إذ قد طهرهم الله القرآنية الكريمة

تطهيرا من كل زيغ وانحراف أو خطأ أو

2 خطل، في القول والفعل والتقرير والذات والصفة.اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت ﴿ومن اآليات: قوله تعالى:

تينعم عليكم ، فهناك تواتر في3﴾ ورضيت لكم اإلسالم دينا 4هذه اآلية نزلت في يوم ))غدير خم(( الراويات على أن

)عليه السالم(.طالب في بيعة الناس لإلمام علي بن أبي وبذلك يظهر بوضوح أن معرفة علي بن أبي طالب مولى

وااللتزام بأوامره هو الصراط )عليه السالم( الموحديناليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم ﴿المستقيم، ألنه

لكمتينعم ﴿ ورضيت وبدون هذا ال رضا فليس دينا اإلسالم ﴾ وهذا يعني أنه لوال ذلك فهذا اإلسالم ال يقبله الله ﴾دينا

إذن كالعدم المحض منكم، فهو والحاصل: إنه عندما تصرح هذه الروايات في تفسير

؛ بأنه هو علي بن أبي طالب ﴿الصراط )عليه﴾المستقيمفإن دليلها من القرآن الكريمالسالم(

موجود، وفي السنة متواتر..

.33سورة األحزاب: 1 (عليه السالم) أن صفات المعصوم ((الحجة، معانيها ومصاديقها))أوضحنا في كتاب 2

.الحجة معاني من عدد حسب على كذلك، حجة وذواتهمحجة أيضا، .3سورة المائدة: 3 السيد العظمى الله آية لسماحة ، القرآن في (السالم عليه) علي اإلمام: راجع 4

.167ص 1 ج:الشيرازي صادق123

بعون هذا ن بها وات اعة فال تمتر لس ه لعلم ل وإن ﴿ومن اآليات: هذا أي إتباع النبي1﴾مستقيم صراط ﴾ إذن )صلى الله عليه﴿

..وآله وسلم( صراط مستقيم ﴾ ﴿ي إ صراط قل إن هداني رب ﴿ومن اآليات: قوله تعالى: ة إبراهيم حنيفا وما كان من مستقيم دينا قيما مل

.2 ﴾المشركين هذه اآليات وآيات أخرى عديدة، وروايات كثيرة يعضد بعضها

بعضا.

طريق نجاة النسبيين: الصراط المستقيم وهنا نخاطب من يقول بالنسبية إن كان مؤمنا بالقرآن

كان أم شيعيا، ونقول له: هذه اآلية القرآنية الكريم سنيا الكريمة قد أورثتنا القطع الصراط ال ،مست﴿بالمراد من ﴾قيم

حجة يحتج)الظن(وهذا وعلى أقل تقدير فإنها تورث الظن، لم تلتزم بما به المولى جل وعال على عبده، فما عذرك إن

حجة)الظن(يحتج به المولى على عبده؟ كما أن هذا يلزم الحركة على طبقه. بمعنى ما

وبناء العقالء في التفهيم والتفهم، واإللزام وااللتزام على بل إن ما استعرضناه كانت نصوصا فوق الظاهر،)الظواهر(

األقل ظواهر كاشفة عن حقيقة مراده ولو تنزلنا فهي على الصراط ال ، ألنمس﴿تعالى من الله تعالى يشرح لنا ﴾تقيم

بعون هذا صراط مستقيم وات ﴾الصراط المستقيم وفي ،3 ﴿أطيعوا الله وبال شك فإن إطاعة الله ﴾مكان آخر يقول: ﴿

مستقيم للجنة ولرضوانه، وقد شفع أطيعوا تعالى صراط

.61سورة الزخرف: 1 .161 سورة األنعام: 2 .61سورة الزخرف: 3

124

سول وأطيعوا الر إذا إطاعة1﴾وأولي األمر منكم ﴿الله ب: صراط مستقيم بال)صلى الله عليه وآله وسلم( الرسول

أيضا صراط مستقيم )عليه السالم(وإطاعة األئمة شك،كذلك.

والقول بالنسبية ال يعفيك من المسؤولية وال يخلصك من لك، فلو التزمت بكلمات حجج الله إلزام الحجة البالغة

الواقع فذاك تعالى، وإن كانت ظواهر، فلو طابق عملك . ولو لم تلتزم2 الفوز الكبير، وإن خالف فأنت معذور

فما هو المؤمن لك من العقاب؟، والحاصل أنه لو بكلماتهم وظنيتها فإن ذلك ال يعفيك من التزمت بنسبية المعرفة

وال يعفيك من صحة االحتجاج عليك بهذه اآلية ونظائرها،نتائج بحث التنجز واستحقاق العقاب بالمخالفة، كما ال

يعفيك من مفاد بحث لزوم الحركة على طبق هذه ، )عليه السالم(ولنتدبر اآلن ما قاله اإلمام الرضا الظواهر..

لذاك الرجل: ))أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا

شرعا سواء، ال يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وإياكم وإن)عليه السالم(قال أبو الحسن وأقررنا؟ فسكت، ثم

3ونجونا؟(( كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم

وليس غريبا أن نالحظ في حياة كل من المؤمن والفاسق، جوهرية، فإن حياة المؤمنين المتقيدين بالطاعات فوارق

عن اآلخرة أسعد وأهنأ من وترك المعاصي بقطع النظر األجنبيات حياة الفاسقين، فهذا الذي ال ينظر إلى النساء

حياته مع زوجته أسعد ويتمتع بحياة مستقرة هادئة هانئة، .59سورة النساء: 1.فمعذرة وإال منجزة، فهي الواقع، الظاهرية الحجج طابقت ولو 2.3 ح المحدث وإثبات العالم حدوث باب 78 ص 1 ج: الكافي 3

125

أن نسبة الطالق في أمثال هذه العوائل أقل بكثير، وأما كما أحدهم عندما ينظر والعياذ بالله في البعداء المنفلتون فإن

أو حتى في التلفاز، قالشارع، أو في الجامعة، أو في السو لألجنبيات فهذا يحطم حياته العائلية، ويسلبه سعادته في

المنزل.

االستدالل بسياق سورة الحمداهدنا الصراط المستقيم ﴾إننا لو الحظنا هذه اآلية الشريفة ﴿

بسيط في سياق سورة الحمد، ومفردات سورة مع تدبر الصراط المستقيم هو كل هذه الحمد، نجدها تدل على أن

بسم الله ﴿المعاني وليس واحدا دون آخر: حيم حمن الر الرإذن الله هو الحقيقة المطلقةلله * الحمد ﴾رب العالمين

وهو رب كل العوالم على اإلطالق، وليس ربا لعالم دون الرب على اإلطالق لكل العوالم باالستغراق، ثم عالم، وهو

لنالحظ التسلسل: إذا أي شيءلله ﴿الحمد حيم حمن الر ﴾رب العالمين * الر

يشرعه لنا فهو

من الرحمة، من رحمة الله بك، فإن مصلحة البشرية في المستقيم الذي أمرهم به الله سبحانه إتباع هذا الصراط

الحمد رب العالمين حيم *﴿وتعالى حمن الر *الر مالك يوم (من معانيه الجزاء والدين)﴾الدين إذا اآلخرة بيده، والجزاء

أي بقول مطلق بيده، فكل ما تقوم به، وكل إنسان يعمل شيء فجزاؤه بيد الله، إذا الله تعالى هو المبدأ والخالق

فهو الذي خلقها وهو ربها ومربيها ثم لطلق العوالم كلهاالحمد المعاد كله بيديه، تأملوا اإلطالقات ﴿الشديدة القوية

126

حيم *رب العالمين حمن الر * الر ﴾الدين فإذا كان مالك يوماك نستعين ال بالسلطان، اك نعبد وإي إي ﴾ذلك كذلك أو ﴿

اك نستعين في كل ما اك نعبد وإي إي ﴾الحاكم، أو الثروة، بل ﴿ وبكل شؤوننا وشجوننا في حياتنا الشخصية، يرتبط بنا،

في شؤون الدنيا واآلخرة، وهذه والعائلية، واالجتماعية،اك اإلطالقات واضحة ضمن هذا التسلسل اك نعبد وإي ﴿إي

..*نستعين ﴾ اهدنا الصراط المستقيم ومن ذلك كله نستنتج أن هذا الصراط المستقيم ينطبق

)صلى الله عليهوينطبق على رسول الله على اإلسالم، )عليه، وينطبق على اإلمام علي بن أبي طالب وآله وسلم(

)عليهم السالم(وينطبق على صراط األنبياء ،السالم( سائر ما ذكرنا وينطبق على القرآن الكريم، وينطبق على

من تلك المعاني، فهذه كلها هي الصراط المستقيم إلى الله سبحانه وتعالى، فلكي يكون ذلك الجزاء جزاء مرضاة

الفرد عقوبة مؤلمة ونار محرقة عليه حسنا، وكي ال تالحق. اهدنا الصراط المستقيم ﴾أن يتمسك ب ﴿

والخالصة: إن هذه اآلية القرآنية الكريمة تدلنا على معاني وتفيدنا: أن المعرفة ليست نسبية ال ثبوتا، وال إثباتا، كثيرة،

الثبوت صراط مستقيم بقول مطلق، ألن هنالك في عالم وتعالى أن يهديك وفي عالم اإلثبات تطلب من الله سبحانه

له، فالباب ليس منسدا وإنما الباب منفتح ولله الحمد لكن بشرطها وشروطها ومن شروطها وطريقها معرفة اإلمام

ونختم الحديث برواية رائعة وردت في) عليه السالم( الكافي الشريف، وهي:

عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنت عند أبي منصور أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا المتطبب فقال:

127

المقفع في المسجد الحرام وابن أبي العوجاء وعبد الله بن موضع فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق وأومأ بيده إلى

الطواف ما منهم أحد أوجب له اسم اإلنسانية إال ذلك يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما الشيخ الجالس

فقال له ابن أبي السالم فأما الباقون فرعاع وبهائم.هؤالء؟! العوجاء: وكيف أوجبت هذا االسم لهذا الشيخ دون

قال: ألني رأيت عنده ما لم أره عندهم.فقال له ابن أبي العوجاء: البد من اختبار ما قلت فيه منه.

قال: فقال له ابن المقفع: ال تفعل فإني أخاف أن يفسدعليك ما في يدك.

فقال: ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي فيالمحل الذي وصفت. إحاللك إياه

فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ من الزلل وال تثني عنانك إلى استرسال ما استطعت

عليك؟ فيسلمك إلى عقال وسمه ما لك أو قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين،

إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما فلما رجع هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا

ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا.فقال له: وكيف ذلك؟

قال: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن على ما يقول هؤالء، وهو على ما يقولون يعني يكن األمر

وعطبتم، وإن يكن األمر على ما أهل الطواف فقد سلمواوهم. تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم

128

فقلت له: يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شيء يقولون،ما قولي

وقولهم إال واحدا؟ فقال: ))وكيف يكون قولك وقولهم واحدا؟! وهم يقولون:

إن لهم معادا وثوابا وعقابا ويدينون بأن في السماء إلها أن السماء خراب ليس فيها وأنها عمران، وأنتم تزعمون

أحد؟!! ((. قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان األمر كما

لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى ال يختلف يقولون أن يظهر وأرسل إليهم الرسل، ولو منهم اثنان، ولم احتجب عنهم

باشرهم بنفسه كان أقرب إلى اإليمان به؟ فقال لي: ))ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في

نشوءك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد نفسك: بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك ضعفك، وضعفك

غضبك، وغضبك بعد رضاك، بعد سقمك، ورضاك بعد وحبك بعد بغضك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك،

عزمك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك، وأناتك بعد وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد

رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت رجائك،

129

زال يعدد علي قدرته التي هي معتقده عن ذهنك(( ، ومافي نفسي التي ال أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر

1فيما بيني وبينه.

الفصل الخامس

حجية الظنون النوعية ونسبية األديانضوابط عامة للمعرفة الظنية:

كما بينا في العناوين السابقة فإن بعض الحقــائق قطعيــة أو إليهــا الشــك، واســتندنا في ذلــك إلى بعض علمية ال يــرتقي

ــاذج، ففي ــة والنم ــة الشــواهد واألمثل علم االقتصــاد (معادل فهــذه العرض والطلب والقيمة)، والتناسب العكســي بينهــا،

قضية حتمية قطعية ال شك فيها.. بين(التفاعــل االيجــابي أو الســلبي)ونضيف مثاال آخر؛ وهــو

والسياسة واالجتماع، وهــذه أيضــا حقيقــة ال يــرقى االقتصاد متبــادل بين االقتصــاد والسياســة إليها الشــك، فهنــاك تــأثير

يــؤثر الكثــير منهــا واالجتمــاع، فــالقرارات السياســية للدولة على الوضع االقتصــادي ســلبا أو إيجابــا.. وهكــذا التطــوراتــا بالســلب أو ــؤثر على الوضــع االقتصــادي إم ــة ت االجتماعي

العلمي والتكنولــوجي يــؤثر على الوضــع اإليجاب.. والتطــور وينجح سوق بضائع أخــرى، االقتصادي: فيحطم سوق بضائع

فهذه إذا قاعدة في علم االقتصاد بال شك..2 ح المحدث وإثبات العالم حدوث باب 74 ص 1 ج: الكافي 1

130

قضايا قطعية في العلوم اإلنسانية إذن هنالك قضايا حقيقية، قضايا يقينية قطعية،وليســت كــل

قضايا ظنية، بل بعض القضايا قطعية بال شــك، ففي القضايا نجد قاعدة: علم االجتماع مثال

إن اإلنسان ليطغى ﴾أ لف: ، يعني إن طبيعته بنحو1﴿ التامة إن يطغى أن رآه استغنى، المقتضي وليس العلة

تقتضي هذه قضية قطعية بنحو المقتضي، أي القدرة الطغيان بدون شك، لكن المانع من الطغيان وهو تقوى الله

وتعالى والسيطرة على هذه األهواء والشهوات سبحانه الدنيوية واألخروية، إذا وجد والتفكير في عواقب الطغيان

فإنه ال يطغى. في المجتمعات من الحقائق(االختالف)ب: كما نجد قاعدة

تأثيرات االختالف فقد تكون سلبية إن لم القطعية، وأما تكون إيجابية إذا كان في إطار يضبط ولم يؤطر بإطار، وقد

على أحد علمي وأخالفي ألن اختالف أمتي رحمة ، فاالختالف هو من أسباب اإلبداع واالبتكار لكن2 التفسيرين

.6سورة العلق: 1 عن ورد فقد ، األصح هو التالية، الرواية إليه أشارت الذي الثاني التفسير لكن 2

عليه الله عبد ألبي قلت: قال األنصاري، المؤمن عبد عن عمير، أبي بن محمد أمتي اختالف إن((: قال واله عليه الله صلى الله رسول أن يروون قوما إن: السالم :قال عذاب؟ فاجتماعهم رحمة اختالفهم كان إن: قلت ، ))صدقوا)): فقال ((رحمة

﴿: وجل عز الله أراد إنما وذهبوا، ذهبت حيث ليس(( منهم فرقة كل من نفر فلوال طآئفة يتفقهوا الدين ل إذا قومهم ولينذروا هم إليهم رجعوا أن فأمرهم﴾ يحذرون لعل إلى يرجعوا ثم فيتعلموا إليه ويختلفوا واله عليه الله صلى الله رسول إلى ينفروا ال البلدان من اختالفهم أراد إنما فيعلموهم، قومهم الدين إنما الله، دين في اختالفا

التفسيرين بين الجمع ويحتمل . 19 ح 7 ب 8 22 ص 1 ج: األنوار بحار . ((واحد .منه السلبي ، االختالف من والمراد ، إضافي الرواية هذه في الحصر أن بالقول

131

في ضمن األطر المعقولة، ألن االختالف الفوضوي سلبي، اإليجابي يعني فتح باب االجتهاد بتعبير آخر لكن االختالف

وهو إيجابي ألنه يثري الحركة في أي حقل من الحقول، قسمين؛ العلمية في أي حقل كان، واالختالف على

إذا كان في اإلطار العقالئي وحسب الضوابط ،(إيجابي)إذا لم يكن في اإلطار وال على حسب الضوابط..( سلبي)و

نعم كثيرة هي العلوم الظنية، كعلم الفقه، وعلم الطب، واالجتماع، وعلم االقتصاد، إال أننا أوضحنا أنه وعلم النفس،

توجد في داخل دائرة هذه

العلوم الظنية، مسائل قطعية ال شك فيها..هل كل الظنون حجة؟

ولكن إذا كانت هنالك مسائل كثيرة ظنية في العلوم فهل يستلزم أن نرخي الحبل على غاربه، ونطلق ذلك يعني أو

يستلزم ذلك إعطاء الشرعية لكل األمر على عواهنه؟، وهل حصل، وبأية درجة ظن، من أي طريق حصل، وبأية كاشفية

كانت تلك الحالة النفسية المسماة بالظن؟ الجواب: ال، وهذه نقطة مهمة وهي نقطة نقاش مع الذين

أن المعارف)المعرفة وأرادوا من النسبية: ادعوا نسبية المعارف ظنية لكن هل ، نعم؛ بعض(ظنية ليست قطعية

فيها إلى كونها ظنية يعني أنه ال يوجد بشر يستطيع أن يصل درجة القطع واليقين والعلم.؟ وهل كونها ظنية يعني أنه ال

وال إطار، وال ضوابط بل فوضى في الظنون المتعبة؟ منهج،.فتأمل

132

الجواب: ال؛ كل العقالء يقبلون أن بعض المعارف ظنية لكن تقع ضمن منهج، ويحدها إطار، فعندئذ ستكون حجة حجيتها

عند العقالء.. فإذا كان هذا الظن ناشئا من طريق خاص، وبمنهج معين،

معينة، يكون حجة، ولذا ال يصح القول: كل الظنون وبدرجةفي الطب أو االقتصاد أو الفيزياء حجة؟ حجة، فهل األحالم

ولكي يكون اإلنسان طبيبا عليه أن يدرس الطب سنين المختصة كي يكون طبيبا، أما أن يأتي طويلة في الجامعات

الطب أو الفقه فهل قارئ فنجان أو قاري كف ويدعي ال يمكن أن يثق به أحد؟! وهكذا كل العلوم والمعارف فإنها

بد أن تخضع لمناهج علمية منضبطة فعلم السياسة وكل العلوم اإلنسانية ال يقبل فيها واالجتماع واالقتصاد

أسس علمية مطلق الظن، وإنما الظن الذي يقوم علىفقط.

: أن بعض العلوم ظنية، أو أن بعض مسائلهاوالحاصلالقضية منفلتة وبال ضوابط. ظنية، لكن ليست

هل فهم كل أحد للشريعة هو دينه؟ دين كل شخص هو عين فهمه)ومن هنا فإن القول: بأن

قول غير صحيح؛ ألنه قول يتعامل مع مطلق1( للشريعة فإنه يشكل تجاوزا لكل الظن بأي طريق كان، وبالتالي

السبل والمناهج العلمية في المعرفة. فتحقيق فهم منضبط للدين ال بد أن يخضع لمنظومة من

والعلمية، كما يشترط فيه المرور الضوابط المنهجيةالقبض والبسط في الشريعة ترجمة د. دالل . 1

133

الخبرة بمجموعة من المراحل التعليمية بإشراف أهل واالختصاص، ومن هنا ال يصح عقال تكوين فهم للدين ينطلق

األحالم مثال أو الذوق الخاص، والمنهجية االجتهادية من الضوابط، وال يسمح العقالء فيها لمن تخضع لمنظومة من

مقومات االجتهاد. يحاول االجتهاد من غير أن يمتلك والغريب أننا نجد كثيرا من الناس يأتي ويطالع القرآن

الشريفة ثم يعلن رأيه واجتهاده!، وهو لم الكريم والروايات التي تعتبر أساسية في عملية يدرس بعد كثيرا من القضايا

واألصول الفهم وحيوية ومقدمات لالجتهاد مثل المنطق وعلم الكالم، وعلم النحو والصرف والبالغة وما أشبه،

يصح له أن يقول: أنا اجتهدت، أو أنا فقيه ومجتهد؟!. فكيف إن ذلك أمر غير مقبول ألنه خالف شروط االجتهاد

دين كل أحد هو عين فهمه)يمكن القول: العقالئية، لذلك ال وهذا الدين محكوم عليه، ، كال هذا الدين مدان،(للشريعة

وهذا الدين باطل باعتراف كل العقالء. ومن األمثلة على ذلك: إن الظن الناشئ من القياس، في

شؤون ،1 أول من قاس إبليس (())الشريعة غير حجة إطالقا، ألن

، ألن مالكات( عليه السالم )الصادق كما يقول اإلمام بعض الحكم األحكام مجهولة لنا، غاية األمر أننا قد نعرف

فقط. والحاصل: إنه ليس كل ظن حجة وإنما الظن المؤطر بإطار

الممنهج، أو المنهجي، أو الظن العقالئي، خاص، فالظن الشرعية، والعقالئية الظن الذي اجتمعت فيه الضوابط

عيسى عن ، 20 ح والمقاييس والرأي البدع باب 58 ص 1 ج: الشريف الكافي في 1 :له فقال السالم عليه الله عبد أبي على حنيفة أبو دخل)): قال القرشي، الله عبد بن إبليس، قاس من أول فإن تقس ال: قال نعم،: قال! . تقيس؟ أنك بلغني! حنيفة أبا يا

قاس ولو والطين، النار بين ما فقاس طين، من وخلقته نار من خلقتني: قال حين .اآلخر على أحدهما وصفاء النورين، بين ما فضل عرف النار بنورية آدم نورية

134

يكون حجة، ال مطلق الظن وهذا لنا كالم فيه سيأتي إنشاء الله..

الظن من الشعوذة! من المهم اإلشارة إلى أن بعض الناس، بل الكثير منهم مع

وفي الكثير من الدول، يسلكون طرقا ذمها العقالء، األسف في قضايا حياتهم، ففي فرنسا فيرجعون إلى المشعوذين

يرجعون على سبيل المثال هناك عشرة ماليين إنسان للعرافين، الذين يقرؤون الفال، وكذلك الحال في بالدنا

وبخاصة في وسط بعض النساء، وهذه الطرق اإلسالمية، فهي خاطئة ألنها استغراق حتى وإن أصابت الواقع اتفاقا

يقبلون هذا في الجهل، والعقالء –كما الشرع الحنيف – الالطريق.

وغيره)صلى الله عليه وآله وسلم( وفي عهد النبي األكرم وكان لبعض الكهنة تعامل ،(الكهانة)كان هناك شيء اسمه

قد تكون مع الجن الذين كانوا يخبرونهم ببعض األمور التي صحيحة حتى تكون طريقا إلى إضالل الناس بعد ذلك،

الحق بالباطل، لذا نجد األئمة واألنبياء والرسل فيلبسون وقفوا أمام هذا الطريق،)عليهم السالم(

والعاقل بما هو عاقل ال يراجعهم وإن نازعته نفسه من باب االستطالع، ألنه ملزم بالسير وفق هدى الفضول وحب

يخاف الضرر األكبر لو الطرق الشرعية والعقالئية، وألنه الجن، سلك هذا الطريق، وال أقل من أنه سيصبح أداة بيد

يوجهونه حيث شاؤوا.135

الظن المنهجي في العلم الحديث ووفقا للبناء المنهجي الحديث فإن المعرفة تتحقق بعد

الفكرة بمجموعة من التحوالت: مراحل تمر فيها: تسمى الفرضية..المرحلة األولى: تسمى النظرية..المرحلة الثانية: ربما نصل إلى القاعدة..المرحلة الثالثة

يبدأ(بيولوجية، سيكولوجية...)فإذا رصدت ظاهرة معينة، عن السبب المحرك لهذه الظاهرة، ومن ثم تقترح البحث

لهذه الظاهرة، وربما تكون فرضية يظن كونها المسبب الباحث بالتتبع الفرضية ال قيمة لها إطالقا، وبعد ذلك يبدأ

والبحث والتنقيب بحثا عن شواهد تعزز هذه الفرضية، وبعد الحصول على الشواهد البدوية ترتقي الفرضية إلى مستوى

ذلك تأتي مرحلة التجارب المخبرية أو نظرية، ثم بعد بحسب طبيعة المعملية، أو التجارب الميدانية وذلك

النظرية، فإذا اكتملت األدلة والشواهد واكتشفنا المناط أوالعلة

أو الجامع المشترك، فالنظرية تتحول إلى القاعدة. وهذه ظنية في العلوم اإلنسانية. القواعد هي غالبا

وغيره في العلم الحديث، ومناهج أخرى في(المنهج)هذا وفي الشرائع وفي غير الشرائع، هي الطرق العلم القديم

ومع الوصول لها(النوعية الظنون)العقالئية للوصول إلى يصح القول فال(حجة ظاهرية عقالئية)نكون قد وصلنا إلى

حتى إذا) إذن: حيث إن المعارف عادة ظنية فكل ظن حصل من

فهو حجة، وال(طرق غير عقالئية كالرمل والفنجان واألحالمــك الشــريعة )يصح القول (فهم كل أحد للشريعة هو عين تل:(الفهم)وذلك ألن

136

ــا بــالظنون غــير المعتــبرة لــدىأوال : قــد يكــون فهمــا ظني فهما ظنيا بالظن المعتبر كما أشرنا إليه العقالء، وقد يكون

هو لغو. واألول ال قيمة له، لديهم، أبدا بل : إن هذا الظن وإن كان معتبرا بــل حــتى لــو ارتقىوثانيا

إلى درجة ــا ــه مطابق ــني بالضــرورة كون ــه ال يع القطــع، فإن بين البشر، وعــالم الثبــوت للواقع، فإن الجهل المركب كثير

قطـع والواقـع ال يتغــير عمـا هــو عليــه لمجـرد تعلــق ظن أو فهم كل أحد للشريعة هو)خاطئ به، ولذا ال يقبل القول ب

إن فهم) بــل الصــحيح القــول فقــط ب (الشــريعة عين تلك الطرق العقالئيـة وحصـل بهـا الشخص للشريعة إن كان من

، أي(الظــان الظن النوعي، فإن هذا الظن هو حجة في حقإنه منجز إن أصاب، ومعذر إن أخطأ، وال تعني الحجية هنا:

.1 عن الواقع(التامة) األكيدة (الكاشفية) وبعبــارة أخــرى: هنالــك ضــوابط لألمــور، وضــوابط وطــرق

للوصول إلى الحقيقة، والمعرفة التي ال ترتكــز على وقواعد مرفوضــة من قبــل العقالء، ومن قبــل هذه الضوابط معرفة

اإلنســان الســعي نحــو الوجــدان، ومن قبــل الضــمير، وعلى حينهــا حتى لو كان طريــق العلم مغلقــا، إذ(الحجة)تحصيل

يبقى طريق الظن مفتوحــا ولكن ليس مطلــق الظن حجــة،ــا الظن ــ ــع وإنم ــ ــؤطر، والظن الخاض ــ الممنهج، والظن الم

في األصوليون لذلك تطرق كما للمؤلف، القطع األصول مباحث: راجع للتفاصيل 1.(القطع )باب

137

ــة ال يمكن ــذه حقيقـ ــوابط، هـ ــا أو للضـ ــرف عنهـ غض الطـإهمالها..

(الشيء كما يبدو لي) و(الشيء لذاته) الشيء كما) يختلف عن (الشيء لذاته) إن (كانط)يقول

وهذا يعني: أن أي شيء له اعتباران، أو حيثيتان، 1( يبدو لي الشيء لذاته، والشيء كما يبدو لي، أو وجودان، وهما

أنه يوجد أمران: 2وتوضيحه

أ: هناك عالم الحقيقة، وعالم الثبوت، وعالم الواقع، سواءأمرا غيبيا أم ظاهريا. أكان الشيء

ب: كما أن هناك اإلنسان الذي يريد أن يتعرف على هذا تتشكل المفارقة كما يزعمون بين أ اإلنسان العالم، وهنا

وانطباعات شخصية تكونت وما يحمله من أفكار سابقة سير حكمت در)حول هذه المقولة لكانط وسائر كلماته التي نقلناها عنه يراجع 1

، وصفحات230-240 ، 8 21 7 21 ، -204-0 21 197 196- ص2 ج (أورباأخرى.

وقد 560 466 - 462 ص واالجتماعي الفلسفي الفكر في الميسرة والموسوعة .467 ص 2 ج: منها عديدة مواضيع في الفلسفي المعجم في بعضها الى أشار

من الضروري أن نعرف أن هذه الكلمة يمكن أن تفسر بطريقتين: 2 وال طريق لنا إلى معرفة(الشيء في ذاته)الطريقة األولى: إن أفهامنا ال تصل ل

ذات الشيء وحقيقته وعمقه، بل إن ما الشيء كما يبدو)نعرفه عن الشيء هو مجرد ظواهر كشكله ولونه وما أشبه، وهو

.(لنا بل إن(الشيء في حد ذاته) ال يتطابق مع (الشيء كما يبدو لنا)الطريقة الثانية: إن

ما نفهمه عن الشيء أمر يتغاير مع أن نجد ولذا ،(نفسه في الشيء) طريقته، وعلى خاص بنحو الشيء يفهم منا كال

لنا صحيحة األفهام وكل المعرفة، في الكوبرنيكي باالنقالب (كانت) أسماه لما نظرا الحديث فصلنا وقد .العكس ال مداره، تدور (الحقيقة)و األصل هو (الفهم) اعتبر حيث تحت كتاب في عليه الرد وجوه وعن بالضبط (كانت) مقصود وعن التفسيرين كال عن

فقد هنا أما (واللغة والمعرفة الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا نقد )بعنوان الطبع.فقط الثاني التفسير على الردود بعض على اقتصرنا

138

تربية وبيئة بسبب انفعال اإلنسان بالظرف الخارجي من ومحيط اجتماعي وسياسي واقتصادي وغيرها أثرت في بناء

شخصيته، وكل هذه العوامل تشكل وسيطا بين اإلنسان وب وبين ما يريد إدراكه، فتتلون الحقائق وبين مدركاته،

بحسب شخصيته، فال يرى الخارجية بلون اإلنسان وتتشكل.يراها الحقيقة كما هي في الواقع وإنما كما يريد هو أن

في الميزان(الشيء لذاته)مقولة لكن هذا الكالم ال يمكن القبول به.

إذ أوال: لو سلمنا بهذا الكالم على إطالقه لتعددت المعارف بعدد نفوس البشر، فلكل إنسان ظرفه الخاص به والحقائق

البديهي أن الحقيقة تبقى هي وشخصيته التي تميزه، ومن ومن هنا كانت الحقيقة وال تتغير بتغير إدراكات الناس لها،

هناك شروط إلدراك الحقيقة بحيث تخرج المعرفة من المطلقة إلى الموضوعية، حتى تمنع من تدخل الذاتية

الواقع. النفس والهوى في التأثير على ثانيا: إن الله سبحانه وتعالى قد فتح أمام اإلنسان، طرقا

الحقيقة، ونوافذ تطل على الواقع، رغم كل توصله إلى الفكرية والمعرفية، وتعد هذه الخلفيات النفسية والقبليات

فيوصلك للمجاهيل الطرق كالنور الذي يقشع سحب الظالموينير لك الحقائق.

وهذه النوافذ هي التي تطل بك على الحقيقة مباشرة، الخلفيات والقبليات، أو فقل: خلق الله لنا متجاوزة كافة

تستطيع الخلفيات والقبليات مصابيح كشافة قوية جدا ال أن يصل مهما كانت قوية وراسخة أن تحجب نورها من

139

مما يذعن(الفطريات) و(األوليات)لإلنسان، ولذا نجد أن ، وإال(المستقالت العقلية)العقالء، وكذلك كافة بها كافة

دائما، وقد تعرف العقالء على هذه أصبح باب العلم مغلقا المعرفة، وبالتالي المفاتيح والطرق التي جعلت شرطا في

فإن أي معرفة تخرج عن حدود هذه الشروط، فإنها تمثلرؤية خاصة ال تتجاوز صاحبها. الزلزال ونوافذ الحقيقة

ومن المفيد كمدخل لذلك أن نمثل بالزلزال أو الزلزلة، التكوينية المعينة، فهل هناك نافذة بيننا وبين هذه الظاهرة

هذه الحقيقة؟ أي النافذة التي

من حيث(الزلزلة كما تبدو لنا) و(الزلزلة لذاتها)تصل بين يره؟ التوقيت أو

إن النافذة موجودة، لكن الكالم في أن العلم قد يتطور ال يصل، بل إن العلم في حركته فيصل إليها وربما

ثانية، ثم ثالثة إلى التصاعدية قد يصل إلى مرتبة، ثم مرتبةأن يكتشفها كاملة.

،1 وقبل حوالي أكثر من ألف سنة اخترع في الصين جهاز بساطة العلم في ذاك الزمن، زمن حدوث يكشف عن

ذلك أن الزلزلة حقيقة كونية لها الزلزلة واتجاه حركتها. بجذورها ضاربة) القبة تشبه (القبة وهذه كبيرة، قبة شكل على الجهاز وكان 1

وكان األرض، باطن في للزلزال حركة أدنى تتحسس حتى األرض، عمق في وأسسها موضوعة الكرة هذه وكانت كرة، منها كل فم في تنينات ثالثة القبة أعلى في يوجد

أفواهها فاتحة ضفادع ثالثة هناك كانت األسفل وفي حركة، بأدنى تسقط بشكل التي الكرة تلك فإن كانت جهة أي من الزلزال فحركة تسقط، التي الكرة لتلقي

هذه اتجاه ألن الزلزال حركة اتجاه عن تكشف الضفدع فم إلى التنين فم من تسقط 29 عام في أنه واعتقد نافذة، هذه بسيطة، علمية طريقة هذه مختلفا، كان األفواه..الصيني االختراع هذا كان ميالدية

140

شدة، والعلم الحديث وضع قانون، متى، وأين، وكيف، وبأية يحسب شدة الذي(الريختر)مقاييس جديدة مثل مقياس

الزلزال، وإلى أية درجة سيدمر، وإلى أية مدة يستمر؟ إنه تكويني خارجي، وهو ما يسمى (الحقيقة لذاتها)، قانون

متاحة لإلنسان عبر منافذ محددة، إذا وتلك الحقيقة أصبحت.(الشيء في حد ذاته )اتبعها اإلنسان يمكن أن يتعرف على

كما أن العلم الحديث اكتشف نوافذ جديدة للحقيقة إذ هم حركة الزلزال وتفاصيلها من التغيرات التي اآلن يكتشفون

المجال الكهربائي تحصل في المجال المغناطيسي، وفي لألرض، ويكتشفون حركة الزلزال وقوته وضعفه من التغير

الذي يحدث في مجال جاذبية الكرة األرضية، ويكتشفون ،(القشرة األرضية)دراسة تغيرات الزلزال بتفاصيله عبر

المياه الجوفية، كما يكتشفون حركة الزلزال وتفاصيله من فيدرسون تغيرات درجة حرارتها، ووجود بعض المواد فيها،

وتكاثرها وضعفها مثل الراديوم هذا العنصر المعين، كل الزلزال كيف، ومتى، وأين يحدث ذلك يكشف لهم أن

وسيضرب أية دولة وأي بلد؟ أما في الزمن السابق فكانوا يكتشفون الزلزال من

فإن الله(الحيوانات) سبحانه خلق في هذا الحيوان جهازا يهرب بمجرد يكتشف الزلزال فيضطرب الحيوان، أو

استشعار حدوث الزلزال بعد ساعات أو أقل أو أكثر، إذ أن بعض الحيوانات قبل ثالثة أيام تكتشف الزلزال، الغريب

تكتشف، كما أن بعض الحيوانات وبعضها قبل ساعات الله تعالى أودع البحرية لها مؤشر على الزلزال وقد أودع

فيها ذاك الجهاز الذي هو أكثر تطورا من هذه األجهزة.

141

والحقيقة أن العلم كلما تطور أكثر ازدادت نوافذه واتسعت والحديث طويل لكن كانت هذه كإشارة موجزة أكثر،

للموضوع.. أنه توجد بيننا وبين الحقائق نوافذ وليسوالخالصة:

قد تكشف لنا(النوافذ)الحقيقة، وهذه الطريق مغلقا أمام وذلك(مظاهر الشيء ) كما أنها قد تكشف(جوهر الشيء)

العلمية على حسب نوعية األدوات واألجهزة أو السبل الظاهرة أو الشيء الذي(نوعية)المستخدمة، وعلى حسب

رصده ومعرفته واكتشافه. نريد وكما يمكن لألجهزة المتطورة أن تكشف جوانب من

كتوقيت)مكتشفة أو معروفة من قبل الشيء لم تكن قوته وطاقته حدوث الزلزال واتجاه حركته ودرجة

كذلك فإن مزيدا من تطور العلم واألجهزة(التدميرية يمكن أن تقربنا إلى(الكمبيوتر فائق السرعة كجهاز) فأكثر، ومن جهة أخرى فإن وجوهره، أكثر(أعماق الشيء) عن التأمل العميق المنضبط بضوابط قد يكشف أيضا كما يوجد طريق آخر هو(الشيء في ذاته وجوهره) للشيء، ولكل ذلك تفصيل لعلنا نتطرق( الشهود المباشر)

له في كتاب قادم بإذن الله تعالى .

الطب ومنافذ الحقيقة

ولنالحظ علم الطب أيضا إذ هناك نوافذ وقد تكون ظنية إال ولها ضوابط، فمثال نالحظ - وهذه إشارة لطيفة أنها معتبرة

في حد ذاتها لها جانب

موضوعي ولها جانب طريقي – أن الطب الحديث انطلق انطالقة جيدة، ولكن ظلت انطالقته علميا وتكنولوجيا

142

الطب الشعبي ضعيفة، ولو جمع العلم بين(الطبيعية)والطب الحديث لكان الوضع الصحي أفضل بكثير..

وهنا تحضرني قصة معبرة، أحد أصدقائنا يقول: ذهبت إلى وهناك سمعت أن هناك طبيبا يكتشف األمراض الهند،

النبض، يقول: ذهبت إليه وسألته بشكل عجيب بمجرد جس أضع يدي عليه عن السر، فقال: إن هذا النبض عند ما

أحس بسبعين نوعا من ضرباته، إن النبض ليس شيئا عاديا، بل إن الله تعالى جعل فيه قوانين، وجعل إليها طرقا،)

الشيء)تعرفت عليها أكثر تطابق وهنالك نوافذ، وكلما.( (الشيء كما يبدو لي) مع (لذاته

يقول صاحبنا: وقد جربت ذلك الطبيب إذ كان يضع إصبعه السبابة على موضع النبض وكان يكتشف أمراضي واحدا

ما ربط)عندك الدسك في الظهر، بعد اآلخر، فيقول: أنت (بالنوافذ ال يدري الدسك بالنبض؟ هناك ربط ولكن الجاهل

وعندك في الكلية كذا، وفي الكبد كذا.. يقول: سألته كيف وصلت إلى ذلك؟ قال: في البدء أنا في الطب القديم، ثم قمت بتجارب كثيرة، درست كثيرا

أصبعي حساسا جدا وضعته وإضافة إلى ذلك ولكي يكون ولذا في دهن معين كل ليلة عندما أنام لمدة سنة كاملة،

عندما أضع هذه اإلصبع على النبض اكتشف نوع النبض، نوع المرض، من االهتزازات الخفية وأنواعها وغير واكتشف

ذلك. إن الله سبحانه وتعالى قد جعل للحقيقة في عالم الطبيعة

جعل كذلك نوافذ لعالم الشريعة، مثل علم نوافذ، كماوعلم المنطق وعلم الكالم. األصول وعلم الدراية والرجال

األصول مثال هو العلم الذي ينظم القواعد العامةفعلم من استنباط الحكم الشرعي، وبدونها التي تمكن الفقيه

لم يدرس الطب، سيفتقد المرء البوصلة، ويكون كطبيبوسيكون مخطئا وإن أصاب اتفاقا.

143

وبالتالي هناك ضوابط عقالئية وشرعية لالستنباط يجب حجية الظواهر، وحجية خبر الواحد، االلتزام بها مثل

التعارض، وغيرها من ومعرفة قواعد باب التزاحم وبابالقواعد كما هو مفصل في محله.

مقولة: دين كل أحد هو عين فهمه للشريعة! بناءونعود مرة أخرى إلى هذه المقولة فنضيف:

أن دين كل أحد)هذه المقولة على ما تقدم ال يمكن قبول تؤسس لمطلق ألن هذه المقولة(هو عين فهمه للشريعة

الفهم الفوضوي، وتستبعد أي نوع من الفهم المنظم الذي يرتكز على منهجيات خاصة منضبطة وعلمية، فلحظة

العلمي في المعرفة هي ذاتها اللحظة االعتراف بالمنهج تلك المنهجية، التي تحاكم فيها أفكار اآلخرين بناء على

بالتالي ال يصح القبول أو السماح بمطلق الفهم طالما هناك سبل علمية وضوابط وقيود موضوعية لعملية الفهم

نصحح هذه العبارة بناء على هذه والمعرفة، وإذا حاولنا أن أحد هو عين إن دين كل): 1 المالحظة يمكننا أن نقول

وذلك يعني أن هناك(الفهم المقنن والمنضبط للشريعة واقعامحفوظا للشريعة وأن هناك طرقا متاحة شرعية

الحقيقة يجب االلتزام بها حتى وعقلية للوصول إلى تلكيعرف اإلنسان شريعة الله ومراده، ويكون

بذلك قد ابتعد عن رسم دين خاص به ال يصح نسبته لله. أن هذا الدين الذي هو حجة عليه، قد يكون ويبقى مع ذلك

منجز، وإال فهو معذر. مطابقا للدين الواقعي، فهو ،(إن دين الله) يختلف عن (إن دين كل أحد)وبذلك نعرف

إن دين الله هو ما أنزله الله على)حقا أن يقال: والصحيح المحفوظ، وهو ما بينه الرسول رسوله، وهو ما في اللوح

أما )عليهم السالم( وأوصياؤه)صلى الله عليه وآله وسلم(.قليل بعد سيظهر كما أيضا، مسامحة القول وفي 1

144

فإن ما يناله(كل أحد) من الدين إن كان صحيحا وواقعا فدينه هو نفس دين الله، وإن كان مخطئا

فدينه ليس دين الله الواقعي، نعم هو معذور بشروطه وليس دينا واقعيا، ويمكن(في حقه حكم ظاهري)فهو

هذا(حقه الظاهري في إنه دين الله)التعبير مسامحة ب إذا كان غير مقصر في المقدمات، وكان قد سلك السبل

التي أمضاها الشارع للوصول إلى الشريعة العقالئية)والدين، وإال لم يكن حتى دينا أو حكما ظاهريا.(ظاهريا

ولنوجه سؤاال ألصحاب هذه النظرية: لماذا خصصتم النظرية، وفتحتم الباب فيها لكل فهم، بهذه(الشريعة)

وسواء أكان فهم المتخصص سواء أكان فهما منهجيا أم ال، يشاء ويعتبر أم ال؟ فإذا كان من حق اإلنسان أن يفهم كما

هذا الفهم هو عين الواقع والحق، فلماذا ال نفتح هذا الباب العلوم والمعارف، فيكون فهم اإلنسان في الطب، في كل

هو عين الطب وعين علم النفس وعلم النفس والقانون... على حجر بذلك؟ وعين القانون، وهكذا؟ وهل يستقر حجر

أن هناك وهل يقبل شخص عاقل ذلك؟ كال، ألن من الواضح واقعا لعلم الطب والقانون وغيرها من العلوم وقد يكون

مطابقا لذلك الواقع وقد يكون مخالفا، فكما ال يحق( الفهم) علم الطب أن يمارس مهنة إلنسان ليس مختصا في

وما أراده الطب، كذلك ال يمكن أن يقبل أن يكون الدين الله من البشر وما وضعه من مناهج ودساتير وأحكام، هو

يراه اإلنسان ويريده وإن كان فهمه غير منهجي وال عين ما العقالئية، وكما أن هناك ضوابط على األصول والقواعد

الطب، كذلك توجد ومناهج خاصة توصل اإلنسان إلى علم

145

هناك مناهج في المقابل توصل اإلنسان إلى فهم الشريعةفهما مطابقا للواقع مائة بالمائة أو في أغلب األحيان..

تخالف ما اتضح من قوله تعالى:1 كما أن هذه الدعوى ﴾المستقيم الكاشفة عن وجود صراط واحد ﴿اهدنا الصراط

(هداية)عنه، وأن هناك ومحدد يجب على المكلف البحثأن )إليه محددة، ال بد من طلبها من الله تعالى والقول

يعني وجود صراطات(دين كل أحد هو عين فهمه للشريعة بعدد نفوس الخالئق، فكل صاحب دين ال حصر لها تتعدد

مسلم أو يهودي أو مسيحي أو بوذي أوحتى الالديني، فدينه هو عين فهمه للدين، وهذا يعني أن كل هذه االختالفات

والتناقضات هي حق، ما دام الجميع محقا في فهمه، وكما إلى الجنة في نهاية المطاف، وهذا يعني مصيرهم جميعا

الكثيرة الدالة األمر مخالف للبديهة العقلية ومخالف لآلياتفماذا بعد الحق ﴿على وجود جنة ونار، ولآليات الدالة على

ين2 ﴾الضالل إال بي اس أمة واحدة فبعث الله الن كان الن ﴿ ؟ ورين ومنذرين فال يحق لإلنسان أن يصطنع لنفسه ،3 ﴾مبش

أفرأيت من ا تخذ إلهه ﴿دينا، أو يتخذ من نفسه وهواه إلها ه الله على علم .4 ﴾هواه وأضل

ويحاول5 وهذا األمر شبيه بالذي يخالف قوانين الدولة (القانون هو عين فهمي للقانون)العقوبة بقوله التهرب من

فهمي الخاص أيضا، وبالتالي وللقاضي فهمه الخاص ولي.(للشريعة فهمه عين هو أحد كل دين) دعوى أي 1 .32سورة يونس: 2 .3 21 سورة البقرة: 3 .23سورة الجاثية: 4ولنفرضها شرعية أو قانونية. 5

146

فهم محدد على أي فهم يمكن محاكمته، ما لم يكن هناكومنضبط؟

إن من الواضح أن هنالك واقعا محفوظا هو دين الله، أو هو يصلح الجسد أو يفسده في علم الطب، ما القانون، أو هو

حركة الزلزلة في كشف أو هو ما يسبب حركة الزلزلة، أوجم هم يهتدون وعالمات وبالن ﴾علم الجيولوجيا، أو في1﴿

علم الفلك، وهكذا هنالك حقائق في الخارج والوصول إليها وأما ما أغلق فيه طريق العلم فطريق متاح في الجملة،

الظن المعتبر الذي يعد الظن فيه مفتوح، والظن هنا هو حجة، وهو كل الظنون الممنهجة التي تسير على طبق

القواعد. والحاصل: إن الذي يكون لنفسه فهما للدين بناء على

واألهواء، فإنه ال يقبل منه ألنه لم يسلك األوهام واألحالم مؤمن له من العقاب الطرق العقالئية والمناهج العلمية، فال

اآلخرة في اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو ير ﴿ومن يبتغ غ وحتى الذي يمارس عملية االجتهاد ضمن2﴾من الخاسرين

المعروفة فإنه يجب عليه أن يبذل الجهد حتى الضوابط أن المقصر غير معذور إذا يخرج من دائرة التقصير، ذلك

تجاوز أخطأ الطريق ولم يصيب الواقع، أما القاصر الذي األمر إمكاناته فإذا وصل إلى قناعة مخالفة للواقع ولكن

الوسع بينه وبين ربه ومشى على طبق استفرغ بعد أن ذلك لم يصل للحقيقة؛ الطرق العقالئية الطبيعية ولكنه مع

امتحانه يوم فإنه معذور، ولكنه ال يذهب للجنة أيضا، بل يعاد القيامة من جديد حسب المستفاد من بعض الروايات

فلو اجتهد إنسان وسلك كل الطرق المنهجية الشريفة، للباري فهل يدخل الجنة وتوصل إلى أن هناك شريكا

.16سورة النحل: 1 .85سورة آل عمران: 2

147

إن الله ال يغفر أن يشرك ﴿والحال هذه؟ والله تعالى يقول: به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد

ا افترى إ اثم لكن اإلنسان الجاهل القاصر . 2 1 ﴾عظيما الحقيقة فإذا يمتحنه الله تعالى يوم القيامة من جديد ليريه

آمن بها دخل للجنة، وإذا لم يؤمن بها دخل للنار، فإذا كان إن ديني هو عين)األمر إلى هذا الحد فما بال الذي يقول:

سواء كان مقصرا أم قاصرا في ،(فهمي للشريعةالمقدمات؟

والخالصة: إن هناك واقعا لهذا الدين سواء توصلنا إليه بهذا نتوصل، فمن سعى لفهمه كما هو وضمن الفهم أم لم

يكن مقصرا، لكن ال الشروط وأخطأ فهو معذور إذا لم تتغير الحقيقة بذلك وال تتحول الحقيقة إلى ما تصوره

هو بنفسه، ألن الواقع يبقى كما هو.هل االقتناع بالخرافات يحولها إلى حقيقة؟

ولنمثل هنا بمثال واضح الداللة، فإننــا نــرى اليــوم كثــيرا منــون )الخرافات والكثير من الناس في الشرق أو الغرب مبتل

، فهل هذه(بهذه الخرافات الخرافــات يمكن أن تعــد طريقــاــدما ــانوا عن ــديم ك ــرب في الق ــة.؟ فبعض الع ــد للحقيق يري

ــة ــدفة على قارع ــد ص ــإذا وج ــفر ف ــرج للس ــدهم أن يخ أح الطريق أو عنــد بــاب المــنزل أو غــيره تمــرا ملقى و مقصــا

(ال تمر)يفســره ب مفتوحا بالقرب منه، كــان يتشــاءم، ألنه مع عدم وجود أي عالقــة بين المقص المفتــوح والتمــر وبين

.48سورة النساء: 1 والظاهر أن المراد الشرك عامدا أو مقصرا ، أما القاصر فيمكن غفران الله له لو 2

ليس القاصر أن لدليل نجح الحقا إثما ىافىر فقد بالله يشرك ومن﴿: تقول واآلية آثما .عظيما ﴾

148

هذه النتيجة، وال يمكن معرفة الواقع واكتشاف األخطار عبرهذه الخرافات.

، لذا فإن13واآلن نجد في الغرب أنهم يتشاءمون من رقم بــل13والبنايات عندهم ال يوجد فيها طابق بعض العمارات

عشــر مباشــرة إلى الطــابق الرقم يقفز من الطابق الثــاني كمــا هــو الرابع عشر، وهكــذا يتشــاءمون منهــا، وهي خرافة

يولد الشــؤم ويســتجلب13واضح، فهل السكن في الطابق هو كذلك؟(فهمهم)لمجرد أن البالء

وبعض النــاس في مصــر القديمــة كــانوا يتصــورون أن اللــه عنــدما يغضــب يـأمر النيــل بالطغيــان فكي سـبحانه وتعــالى

يقول دين كل أحد هــو عين هذا الذي)يرضوا الله في دينهم (فهمه للشريعة هل يقبل هذا الكالم منهم؟

ــاة بريئــة تلقى في فإنهم يقدمون له القربان!، والقربــان فتــه عندئذ ــل فالل ــر الني سيرضــى عنهم!. فهــل هــذا الفهم نه

يتحول إلى طريقــة المنحرف، عن طريقة إرضاء الله تعالى فهم كل) وإن (فهمــوا ذلك)إرضائه بالفعل لمجرد أن قومــا

؟!(أحد للدين هو عين ذلك الدينوهل هي حرب على القرآن؟

نقــول لهم: إذا كــانت النســبية حقيقــة ثابتــة ال مخــرج منهــا،ــا فالبد أن تكون كل المعارف والحقول العلمية نسبية، ولكنن

ــد أن ــرا إال بع ــد للنســبية أث ــرآن ال نج ــون الكالم عن الق يك بدون(يفهم)وشريعة اإلسالم، حيث يسمح عندئذ للجميع أن

يحق ضوابط، وأن يتحدث عن الدين كما يشاء، حتى الجاهل149

له أن يستنبط من القرآن ما يشاء، وما يفهمه هــو الصــوابمستقيم. وهو صراط

أولئك الذين فهموا من شــريعة اللــه(فهم)وهل يقبل هؤالء (فيضــان النيل)وتعــالى أنــه يغضــب بتلــك الطريقــة سبحانه

البريء؟ ويرضى بتقديم ذلك القربان عنــدما حضــرته الوفــاة- أحد الملــوك الطغــاة -وذاك اآلخر

بســبعين فتــاة مســكينة من أجمــل الفتيــات أمــر بــأن يــأتوا وحصانا بأن تدفن معــه، ويدفنوهن معه، وأمر بسبعين جوادا

وهــذا دينــه ودين كــل أحــد هــو عينفهمــه)ألنــه كــان يعتقــد أنه عندما يدفنوه سيحيى في القبر أو المحشــر،(للشريعة! ســيكون غريبــا هنــاك ويحتــاج إلى الحصــان حــتى فإذا أحيي

ويحتاج إلى زوجات، وســبعين يمتطيه في صحاري المحشر،زوجة هن الحد األقل الذي يرضيه!.

إذا كــان هــذا الطــاغوت يعتقــد هكــذا، فهــذه كــانت عقيدتــه وجوده كان مقتنعا بذلك.. فهــل هــو معــذور حقيقة، أي بكل

؟(للشريعة دين كل أحد هو عين فهمه)ألن إذن هــذه المقولــة وكــل دعــوات النســبية فــإن نتيجتهــا

قصد وعمد أو عن جهل وغفلة تحريف والمقصود منها عن وفتح البــاب أمــام كــل مســار الرســالة المحمديــة الخالــدة،

تفســيره متالعب ليفسر القرآن كما يشــاء ويهــوى، وليمتلك( ــرعيا ــاء ش ــو (غط ــاء ه ــذا الغط ــا وه ــة) أيض ــبية اللغ نس

!.(الهرمنيوطيقا)و( والمعرفةمعادلة القوة والضعف

150

قوة الشــيء)وفي الخاتمة البد أن نشير إلى أن العالقة بين تتصور(وضعفه

على األنحاء األربعة التالية:.1 . أحيانا تكون قوة الشيء في ضعفه1. أحيانا تكون قوة الشيء في قوته..2. أحيانا يكون ضعف الشيء في ضعفه..3ــه.. هــذه الصــور4 ــا يكــون ضــعف الشــيء في قوت . وأحيان

األربعة كلها موجودة في العالم الخارجي، كما أن لهــا فروعــا وتفريعــات

ــا ســنفرد عديدة، والحديث عنها يستدعي مبحثا خاصا، ولعلن في هذه العجالــة أن الــذي له دراسة كاملة، إال أن المقصود

في فانطلق يقول بنسبية المعرفة تصور صورة واحدة فقط حديثه متصورا بأنه أدرك الحقيقــة كلهــا، والحــال أن الصــور

مصاديق وأحكام تختلف عن األخرى. أربعة ولكل منها

كانت الصورة وهذه( الظن )وب والغضروف، والمرأة بالطفل لذلك التمثيل سبق 1.الشاهد موطن هي

151

الفصل السادس

في النسبية المعرفية(كانط)تقييم نظرية كانط والنسبية الذاتية:

152

أشرنا في معرض البحث السابق إلى نظرية كانط في يمكن أن تؤسس للنسبية، حيث ترتكز ، وكيف1 المعرفة

الشيء كما( و)لذاته الشيء(تلك النظرية على التفريق بين عارفة ، فهناك نوع من الصلة بين اإلنسان كذات2 )يبدو لنا

وبين الموضوع المراد معرفته، وبذلك تتحقق المعرفة بين اإلنسان وبين الموجودات األخرى، الروابط وتتشكل

أمينا لنقل الموضوع كما ولكن تلك الصلة ال تمثل وسيطا تصورات هو في الخارج، وإنما تتدخل النفس وما تحمله من

لتقوم بعملية تلوين الخارج بما ينسجم مع هذه النفس، وبين)الشيء كما يبدو لنا(تنعكس المفارقة بين ومنها

أي الشيء لذاته وفي نفسه.) الشيء كما هو في الواقع( تمثل هذه النظرية الجذر الفلسفي لكثير من النظريات

النسبية، بوصفها النظرية التي تعطي للذات اإلنسانية الهامش األكبر من

الموضوعية إلى درجة يمكن تتقلص ، بحيث3 المعرفة بعض مدارسها الحكم عليها باالستحالة، فالهرمنيوطيقا في

وذكرنا هنالك المصادر 1 ، وهنا سنشير إلى)كانط(أشرنا في البحث السابق إلى وجود تفسيرين لنظرية 2

الخلفيات الفكرية والقبليات النفسية، ومن قضية تأثير كلتيهما وسنركز على كفيلسوف غربي،)كانط(محاكمة الضروري أن يلتفت القارئ الكريم إلى أننا ال يهمنا

خطأ سواء بكال تفسيريه)الشيء كما يبدو لي( أي نقول )الفكرة(بل يهمنا محاكمة قال كانط بذلك أم ال، وإن كان الظاهر من كلماته ذلك، بل لعلها نص فيه، لكن هذا ال

يهم، إذ ال مشكلة لنا في البحث العلمي مع األشخاص بل مع األفكار، وعلى هذا فلو الجملتين معنى آخر ينسجم مع الحق، فال مشكلة لنا معه في هذه أراد كانط من

إسنادات النسبيين النسبية لكانط قد تكون الفكرة، ونقول هذا ال لكي نستنتج: إنخاطئة أو صحيحة، إذ ما يهمنا أن من فهم هذه المعاني النسبية،

فإن رأيه مما يعارضه البرهان واألدلة القطعية، سواء صحت نسبتها لكانت أم ال، وقدنقلنا نصوص

.)واللغة والمعرفة الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا نقد( كتاب في )كانط( كلمات كانط يقول كما مدارها، يدور والواقع المعرفة، محور هي النفس تجعل بل 3 معبرا

.الكوبرنيكي انقالبه عن153

مثال تفتح الباب أمام المؤول وما يحمله من أفق ثقافي1 يفهم النصوص بعيدا عن أي معنى يمكن أن يكون له لكي

وبالتالي التعامل مع النص بناء على وجود سابق في النص، معرفية تجعل نظرية موت المؤلف، وهكذا فكل نظرية

للذات األهمية في قبال الموضوعية، ترجع بشكل أو بآخر التفريق الذي أسس له كانط بين الشي لذاته والشيء إلى

كما يبدوا لنا. وبتعبير آخر هناك فارق بين عالم العين، وعالم الذهن، و

الثبوت، وعالم اإلثبات..أي أن هناك فارقا بين بين عالم الجهل المركب بها..وهكذا الحقيقة، وبين العلم بها، أو

تجعل ترتكز النظرية على الفارق بين العالمين، إال أنها المحورية لعالم الذهن والقبليات الفكرية والخلفيات

النفسية. ونحن اآلن ال نريد الدخول في البحث الفلسفي لحقيقة

الفالسفة القدماء والجدد، والحكماء، العلم،وأقوال حول حقيقة العلم وأنه والكالميين، واإلسالميين، المتعددة

مقولة من مقولة الكيف؟ أو من مقولة اإلضافة؟ أو من االنفعال؟ أو غير ذلك؟ كما سوف لن ندخل في تفاصيل

.2ما هي علقة الوجود الذهني بالوجود العيني؟ اآلراء حول: فقد تطرقنا لبعضها في بحث األصول، وفصلنا هنالك

للوجود الذهني، وبين من يقول باألشباح، األقوال بين منكر والحلول، أو يقول باالنقالب أو يقول بالتفريق بين القيام

وغيرها من الماهوي لألشياء بعد الحصول في الذهن،

وهناك 1 .النص وموجد للمؤلف األصالة تعطي مقابلها في أخرى مدرسة مثال.)مناط الصدق في القضايا(بل سيكون بحثنا فقط حول جانب من 2

154

األقوال، كما أن للفالسفة الجدد وجهات نظر مختلفة معبعضهم

البعض ومع ما هو مطروح من القدم، بحيث يصل الخالفبعضهم كالم البعض اآلخر. إلى أن ينقض

جون(، نظرية )كانط(فهناك في مقابل نظرية والديالكتيك،أو)هيجل(ونظرية والماديين من جهة،)لوك

فلسفية أخرى الجدل من جهة ثانية،وهناك نظريات كثيرة في هذا الحقل بالذات،تبحث عن هذه المسألة؛ ما هي

الذهن بالخارج؟ علقة فلنترك هذا البحث التخصصي لمحله من الكالم والفلسفة،

من األصول، ولكن لنتوقف عند النظرية أو بحث القطع..)كانط(بنفسها ل

أكثر تفصيال من هذا الذي)كانط(وفي الواقع فإن كالم ، ولكننا)في ذاته، والشيء كما يبدو لنا الشيء(نقلناه عنه

فقط، ونحن عندما سنتوقف عند بعض مفاصل كالمه من نستعرض بعض النقاط ألفكاره سنجد خمسة نقوض

كالمه على نفسه،هذا عدا نقوضنا عليه وإشكاالتنا وأجوبتنا،فالذي وجدته أن نفس كالمه ينقض بعضه بعضا

ولكن سوف نقتصر في والذي سجلته عليه عشرة نقوضهذه العجالة على خمسة فقط..

وأما رؤوس نقاط كالمه فهي:1 )الفنومن( و)النومن(. 1

المرتكزات عن يعبر حيث, والظاهر الواقع عن تعبير وهو, والفنومن النومن 1 الى باإلشارة, والظاهر الواقع بين بالتفريق, الكانتي النموذج في والالهوتية المعرفية يعني , Phenomnon الفنومن فإن اللغة وفي, والفنومن النومن بين التفريق بينما, الظواهرية مذهب أو التمظهر تعني التي , Phenomenology ومنه, الظاهرة قبول عن ويعبر, المفردة لمعنى اإلسمية الحالة تعني, لغة Nominal أو النومن

الذهن مطابقة وإنكار, ((لي تبدو كما الحقيقة))و ((هي كما الحقيقة)) بين االختالف.العلمية النسبية في ما أبرز وهو النومن، مع الفنومن تطابق بعدم الخارجي، للواقع

155

النقطة األولى: هناك حقيقة في الخارج؛ إن شئت فسمهاالحقيقة المطلقة

.)جون هيك(كما سماها وكما أن االعتراف بإنكار الحقيقة الخارجية يعد مفارقة

محدودة للفكر

السفسطائي الذي ينكر وجود أي حقيقة في الخارج من االعتراف بالنسبية فإنه يشكل مفارقة كذلك 1األساس

الذاتية في إمكانية محدودة، للتشكيك الذي تثيره النسبية أو ، فالنتيجة واحدة بشكل2 الوصول إلى نفس هذه الحقيقة

بأخر. والحاصل: إن النسبية الذاتية تعترف بوجود حقائق في

حقائق عينية موجودة في الخارج، هذه الخارج، فهناك وجود، مثل الحائط له الحقائق في ذاتها، وفي نفسها لها

به أم وجود في نفسه، له وجود في حد ذاته، سواء علمت لم تعلم به.. وكذلك األشجار والبحار، وكذلك األفالك

والله موجود علمت به وبعدله وبسائر صفاته والمجرات، لم تعلم به، وهكذا الرسل الثبوتية الجمالية والجاللية أم

والقبح موجودون علم بهم اإلنسان أم لم يعلم؛ الحسن وهذه(العقليان موجودان علمت بهما أم لم تعلم،

.)ألصل كالمه توضيحات )النومن(يقول: هنالك لألشياء حقائق في حد نفسها يسميها

(الفنومن)، فإذا الشيء في حد ذاته له وجود في مقابل

منكر أنه ألنكر وإال إنكارها، يمكنه ال الحقائق من حقيقة هو للحقيقة )إنكاره( أن مع 1.حقيقية مهزلة وهذه للحقيقة،

فستكون هذه(حقيقة أن الحقائق نسبية )إذ من الحقائق نفس هذه الحقيقة: 2وستنقض نفسها بنفسها، وسيأتي توضيح ذلك. الحقيقة بدورها نسبية،

156

أريد أن أتوقف عند نقطة واقعي خارجي.. علما أنني الفلسفية؛ هي أن الحقائق على أقسام..

فمنها حقائق عينية.. •ومنها حقائق انتزاعية.. •ومنها حقائق اعتبارية ألن االعتباريات هي حقائق أيضا.. •

وهناك فوارق بينها، توضح قصور تفريقه بين.1 )النومن( و)الفنومن(. لكل شخص إدراك معين2

والنقطة الثانية؛ أنه لنا نحن أيضا إدراكات معينة عن تلك الخارجية، فأنا أفهم هذا الحائط بشكل من الحقائق

وأفهم وجود الله سبحانه األشكال، وأفهم وجود المجرة، وأن وتعالى، وأفهم أن الظلم قبيح وأن العدل حسن،

اإلحسان حسن وما أشبه ذلك..فالحقيقة موجودة ولنا نوعلتلك الحقيقة.. من اإلدراك

. ال ندرك إال الظاهر3 النقطة الثالثة؛ تلك الحقيقة الخارجية مستترة خلف سلسلة

ونحن ال نرى إال الظاهر فقط، فالذي أراه من من الظواهر، عمق الحائط فال أراه حتى هذا الحائط ظاهر الحائط وأما

بل نرى) عمقه وباطنه(إذا كسرت الحائط فإنني ال أرى الشكل واللون فقط، فما الذي تراه من التفاحة.؟ ال ترى

أي(لونها وشكلها وطعمها ولكن عمق التفاحة منها إال ليست في الرؤية)كانط(ومشكلة ما هو؟ ال ندري..)باطنها

ال(بأننا أيضا، إذ هو يرى)اإلدراك(البصرية بل في

نقد الهرمنيوطيقيا ونسبية الحقيقة)توضيح ذلك في كتاب تحت الطبع بعنوان 1 .للمؤلف.(والمعرفة واللغة

157

تفاحة كانط أم حقيقة( باطن األشياء، )ندرك أصال.)ميتافيزيقية

الحقيقة في حد ذاتها أمر موجود خارجي، وهي مستترة في ولبها، وعمقها عنا، و ال نعرف منها إال الظواهر، جوهرها،

ولون وما أشبه ذلك. من شكل، وطعم،

. الباطن علة الظاهر4 : هذه الحقيقة الكامنة التي)كانط(النقطة الرابعة؛ يقول

، أي ذلك الواقع الخارجي)للفنومن(العلة هي)النومن(هي فالظواهر تعود للبواطن، الثبوتي هو العلة لتلك الظواهر،

والبواطن علل للظواهر.. فإن هذا المظهر الخارجي ال يستطيع أن يكون في الفراغ، بل إنه يستقر في شيء

تشكلت، أو قد تصورت، أو قد تلونت مادي، فهناك مادة قدتلك الظواهر. بشكل مع .ني. وهذه المادة هي علل

. إدراكنا للحقيقة متلون5 النقطة الخامسة: إدراكنا لتلك الحقيقة متلون بقناعاتنا

وبأفكارنا وبالظروف المحيطة بنا، الفكرية المسبقة، وبحاالتي النفسية، فإدراكي للحقيقة ليس شفافا

صافيا،وبتعبير آخر ليس كالمرآة التي تكشف الحقيقة مائة هي مرآة ملطخة بألوان، فالحقيقة تنعكس بالمائة، وإنما

برة, متغيرة ..فيها مشوهة، مغ فمعرفتنا لألشياء هي مزيج إدراكنا لتلك الحقيقة، ومن

تضفيها النفس على الحقيقة المدركة من التلوينات التيذلك.. القناعات الفكرية المسبقة، وما أشبه

أي أن ثالثة أشياء تفاعلت فصنعت المعرفة اإلنسانية،هي:

158

هناك واقع خارجي قد وصل إلي بطريق ما كطريق • علما بأن بواطن الحقائق(من الطرق.. الحواس أو غيرها

طريق الحواس لذا فإنها ليست لديه، ال تصل لإلنسان عن.)مدركة لنا

وهناك لدينا معرفة وهذه المعرفة، ليست هي عين •الوجود الخارجي

وهناك تلوين نفسي لهذه المعرفة.. • .2 و )النفس( الداخل .1 هي وليدة )معرفة(فالنتيجة أي هي معرفة هي حصيلة مجيء الخارج ،)الحقائق(الخارج الفكرية والخلفيات زائدا التلوينات بالمسبقات.3للذهن

النفسية.

تقييم كلمات كانط هذا موجز كالمه مع بعض التوضيح منا، وقد استعرضنا منه

نقاط، لكن كالمه ينقض بعضه بعضا: خمس الموجبة الجزئية نقيض السالبة(إذ توجد هناك قاعدة تقول:

زيد( موجبة كلية والقول )ال أحد في الدار(فالقول 1 )الكليةوهي ناقضة لتلك الموجبة الكلية. سالبة جزئية)في الدار

. األجوبة النقضية1 تنطبق على نظرية كانط:)النقائض(فأوال: نقول: إن قاعدة

يقول:(الشيء في حد نفسه) ولكنه هو ما ال يمكن إدراكه الحقيقة المطلقة ال ندركها،ألن الحقيقة حسب رأيه، إذ شيء)تبدو لي هي كما( شيء و)حد ذاتها(المطلقة في

آخر، فإن الشيء كما يبدو لي يعني بتلوين نفسي وقناعاتي المسبقة والضغوط االجتماعية والنفسية واالقتصادية

هذه قاعدة منطقية .. 1159

الحقيقة والشيء بشكل معين غير والسياسية فتتصور لي ما هو عليه في الواقع.

أ: إذن هو بنفسه يذعن بأن الشيء في حد ذاته ال نستطيع إنما المدرك لنا هو الشيء كما يبدو لي فقط، أن ندركه،

ألنها ترتكز على علمه والتناقض واضح في هذه المقولة وذلك ألن بالشيء في ذاته ونفسه وحكمه عليه بهذا الحكم،

الحكم على شيء هو فرع إدراك ذلك الشيء، إذ كيف على شيء بحكم وأنت ال تعرفه بالمرة؟ فقد أدرك تحكم

ثم يقول حظ اإلنسان من إدراك ، ومن)نومنا(أن هنالك أو)كما يبدو لي الشيء( بل هو )النومن(الخارج ليس هو

الفنومن فقط. شيء في(نقول له: فمن أي طريق حصل له العلم بوجود

،)ال نستطيع أن ننال الحقيقة بنفسها(أننا مع)حد ذاته اإلنسان من معرفة حظ( و)الحقيقة بنفسها مستترة(و

الخارج هو الحقيقة المتلونة، المتشكلة، بأشكالنا النفسية،أو؟.)الفكرية

ب: ثم ما دام األمر كذلك فعندما يريد اإلنسان التعرف مثالعلى

1 أصل وجود الله تعالى أو كونه واحدا أحدا، أو كونه مجردا بشكل بشر، أو بقر والعياذ بالله أو سائر صفاته أو متشكال

فإنه 2والجاللية كعدم كونه جسما الجمالية كالقدرة والعلم،.تعالى الله بوجود يؤمن كانط ان والمفروض 1 :أخرى وبعبارة محال، الماهية على التعرف إذ فقط، (اإلنية)على التعرف المقصود 2

محل هو عنه، سلبية أخرى صفات سلب أو له إيجابية صفات ووجود الله وجود إن ال والمحدود منها أسمى ألنها األفهام، تنالها فال حقيقته و الله كنه أما بنظرنا، البحث.بالالمحدود يحيط

160

أبدا وبأي وجه في الواقع لم يتعرف على الحقيقة في ذاتها من الوجوه، إذ الحقيقة أي الشيء في ذاته ال يستطيع

ينالها، وبالتالي ال تصبح هناك حقيقة توحيدية البشر أنواحدة يرجع الجميع إليها،

بل كل مذهب يصور الله كما يناسبه، فالمسيحي الذي قال: البقر الذي يقول الله هو البقر والعياذ الله ثالثة، وعابد

الحقيقة جاءت هنا بالله، كل له سهم من الحقيقة، ألن فتشكلت في نفس اآلخر بشكل البقرة والعياذ بالله وتشكلت في نفسه بشكل ثالثة، وتشكلت في نفس

يستطيع أي واحد منا أن ينسب المسلم بشكل واحد، والمعارفه بشكل مطلق للحقيقة،كأن يقول:

الحقيقة أدركتها أنا .. وذلك ألن ما يمكن إدراكه شيء يحق للمسلم أن يقول: الله واحد، وإنما ملوث، مشوه، فال

يفترض أن يقول: أنا يبدو لي أن الله واحد، واآلخر يرى شكل بقر، وهذا يرى شكل حجر فيعبده،

آلهة الخير)األهرمن( و)اليزدان(ثالثة، وذاك يرى وذاك يرى والشر، وهذا يرى اإللهعادال، وذاك يرى اإلله ظالما، والعياذ

بالله. والحاصل: إن الحقيقة في الخارج ال يمكن إدراكها بحسب

وإنما هي تابعة بشكل مطلق لذات اإلنسان تفريق كانط، ذلك يستلزم نسبية المتغيرة والمتبدلة والمختلفة، وبالتالي

بال حدود، يخالفها صريح الوجدان .

يخالفها صريح الوجدان قالوا: ال يستطيع أي شخص أن يدعي أن الحقيقة المطلقة

ملك له، وال

161

يمكن أن توصف جهة بأنها على الحق واألخرى على باطل، أن نعرفها بأي شكل من األشكال، وكل ما فالحقيقة تأبى

والمتشكلة بحسب يمكن معرفته هو الحقيقة الملونةالنفوس.

ونقول: إن التفريق الذي أسسه كانط بين الشي في ذاته يبدو لي وألجلي، يشكل مفارقة جوهرية والشيء كما

(أن هناك تؤسس لنقض النظرية، فالقول أي)نومنا في حقيقة،أو شيئا في حد ذاته، يؤسس لتساؤل منطقي

،)الشيء في حد ذاته( أي )نومن(كيفية إدراكك أن هناك مطلق، وفي مرحلة معارفنا هناك تلون، وتشكل، وهو شيء

، بل إن قبليات)نومن(الواقع وتشتت. فقد اليكون في هي التي كانط وخلفياته الفكرية والمعرفية والنفسية

؟!.)النومن(صورت له وجود

كما أنه في كل قضية أخرى: قد ال يكون الواقع كما تقول، يكون متعددا طالما ليس لنا سبيل إلى معرفته، ويمكن أن

فالله واحد، ألن قوما تصوروه كذلك، وثالثة ألن قوما وبالتالي تصوروه كذلك، والله موجود، وغير موجود،

سفسطة بال حدود.

ومن هنا يمكننا أن نجزم أن هذه النظرية تؤمن بإمكانية ذاته ولو في الجملة، وإن تنكرت له معرفة الشيء في

بوجود باأللفاظ وفي الكتب، والدليل هو االعتراف أي شيء في حد ذاته، فإن هذا الوصف راجع إلى)النومن(

بذاك الشيء، وإذا فتح الباب أمام معرفة الشيء في العلم قضية فال يوجد مانع من معرفته ذاته، وآمنا بإمكانه ولو في

أيضا في ضمن قضايا أخرى عديدة

162

مستتر وراء)النومن(ج: يقول كانط: الشيء في حد ذاته وراء الظواهر. أي)الفنومن(

ونقول له: إن هذا حكم على الحقيقة، بل إنه يحكم على أي)كل نومن(مطلق، فعندما يقول كانط الحقائق بشكل

ظاهر، فهذا حكم عام ومطلق وراء)فإنه مستتر(كل باطن ولم يقل كما يبدو لي، أو كما أتصور ،أو

يمكن أن يكون رأيي خطأ، كال بل هو يعتقد أن كالمه مرآة للواقع، والواقع كل واقع فإنه صحيح، وأن كالمه

شيء حقيقي، ولكنه في كافة مصاديقهمستتر خلف الظواهر، فمن أين لك هذا؟

، فنقول له: هذا)الفنومن( علة ل )النومن(كما يقول: بأن كيف أدركته؟ هذا شيء)واقع علية هذا لذاك أي(الواقع لك هذا؟ من أين)نفس أمري(ثبوتي

والحاصل: إنه يعترف بأن الحقيقة المطلقة موجودة،ومن هذه الحقيقة بكونها مستترة، كما يحكم عليها ثم يحكم على

نفسه مدخلية في هذه بالعلية أيضا وال يرى لتلويناتاألحكام!.

د: ويقول: بأن الذهن البشري عاجز بنحو ال يمكنه إدراكهو، وال ينال منه إال ما كان مشكال وملونا. الواقع كما

ونقول: هذا أيضا حكم من األحكام، فكل األذهان البشرية الظروف، وفي كل األزمنة وفي أي مكان كنت، في كل

الذهن بكونه عاجزا عن درك يشملها الحكم الذي يصف األمور.. وهذا حكم أي باطن األمور، وحقائق)النومن(ونيل

هذه على كل األذهان البشرية، فكيف أستطاع أن يمتلكالحقيقة المطلقة؟

163

أو لعلي أكون مخطئا، فحينها ال تعتبر)يبدو لي(وإن قال: هي حالة خاصة ال تتجاوز قائلها . وإنما نظرية عامة

. نظرية كانط تحطم السلم األهلي:2 ثانيا: إن الدعاة لهذه النظرية يتصورون أن النسبية تؤسس

إلى نزع أسباب االختالف والتناحر بين البشر؛ ألن سبب كل اختالف يرجع

وجهات النظر، ورؤية كل واحد أنه المحق إلى التباين فيواآلخر هو المخطئ، في حين أن

هذه النظرية تجعل الجميع محقا، فالمسيحي على حق، والسني على حق، واليهودي على حق، والشيعي على حق،

والجاحد المنكر له على والذي يقبل بوجود الله على حق ال حق..فالكل محق والمعرفة نسبية، والشيء في حد اته

يمكن أن يدرك، وإنما الشيء كما يبدو لي.. وكل واحد يبدو ولكن الحق أن هذا تزوير للموضوع وتشويه له بشكل ..

كذلك. بل على العكس تماما، إذ أن للحقيقة،إذ األمر ليس هذه النظرية تحطم السلم األهلي،وتزعزع استقرار البالد،

وتستلزم الفوضى المطلقة.توضيح ذلك:

لو أن كل شخص حق له أن يقول: إن المصالح العليا للبلد بل)النومنات(مما ال ندركه كما ال ندرك كل في حد ذاتها هذا فإن المصالح العليا فعلى)كما يبدو لنا(المدرك هو

ما (للبلد هي كما تبدو للحكومة تختلف عما يبدو لي، ف هو الحق بالنسبة لي، فإن الحقيقة)يبدو لي من المصالح

وتبدو لي المصلحة بشكل آخر، فهل يسمح تبدو لكم بشكل جيش الدولة مثال؟ أو له بأن يشكل جيشا في مقابل

يؤسس وزارة؟ أو يعين قضاة ؟ أو ينصب منفذين؟

164

أم إن هذا معناه الهرج والمرج واختالل النظام، وفساداألمور كلها؟

وهل يحق لكل أحد أن يقول: قوانين الدولة تبدو للدولةقوانين

صحيحة، ولكنني يبدو لي العكس تماما، فلي أن أخرق كل في السياسة الداخلية والخارجية، واالقتصاد هذه القوانين

والعائلة وغيرها؟. واألسواق والمال، واالجتماع ومن المعروف أن دولة إسرائيل غاصبة لحق اآلخرين، وهي

استعماريا كبيرا أمام المسلمين، ولكن وبحسب تمثل تحديا حقيقة واحدة وإنما الحقيقة هذه النظرية ليست هناك

يبدو(و أن إسرائيل مغتصبة)يبدو لنا(متعددة، وبالتالي إنها صاحبة حق، إذا معركتنا معها ومع أي غاصب)إلسرائيل

آخرليس لها وجه على هذا الرأي إذ هي على حق! ونحنعلى حق، فدعهم

يعيشون على أرضنا، ونحن نقبل بفهمهم للحقيقة حسب مايقبل إنسان عاقل هذا الكالم؟ يبدو لهم!. هل

إن هذه النظرية تنسف السلم األهلي، ألنها تفتح المجال يتالعب بالحقيقة، فالعدل يبدو لي هكذا، لكل واحد ألن

أو الكذب يبدو لي هكذا.. والوفاء يبدو لي هكذا، والغدر الحياة، حتى وتستمر هذه التداعيات السلبية في كل شون

على مستوى األسرة، فهل يصح أن يقول الرجل: أنا أضرب زوجتي، أو ابني، ضربا جارحا مبرحا، بل حتى أقتلهما إن

يبدو لي أنه هو الحق، وتبدو لي هي المصلحة، شئت، وهذا االعتراض بالقول إن فليس من حق المشرع أو المقنن

الظلم والضرب والقتل أمر مرفوض وقبيح ويعد جريمةكبرى، كال ألنني يبدو لي الضرب والقتل حسنا وجيدا.

165

وال يخفى: إننا هنا ال ندين النوايا وإنما ندين النظرية، فليس بل حول تقييم النظرية، وهذا)كانط(محاكمة كالمنا حول

هو الجانب السلبي في النظرية فلماذا تغافلوا عنها، وأبرزوا الوجه اإليجابي فقط؟ على ما

فيه من المغالطةفي حد ذاته!

: هنالك حقائق عصية على التلون..3 نقول: هناك حقائق واضحة يتفق عليها الجميع، بحيث ال

أن تتالعب فيها، مهما كانت الخلفيات تستطيع النفس أن الله سبحانه وتعالى النفسية والمسبقات الفكرية، ذلك

فجعل من حكمته: أن مزج بين االثنين في عالم االمتحان، هناك حقائق عصية على التلون، أي أن النفس ال تقدر أن

وال تشكلها أبدا، بل إنها تخترق الحواجز، وتدخل في تلونها ذهن كل بر وفاجر، ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما

حق1 ﴾عاقبة المفسدين وعلوا فانظر كيف كان وقل ال ،﴿ كم فمن شاء فليؤمن ومن شاء ب من ر

.2 ﴾فليكفر فالحق إذن موجود في أعماق النفوس، وإن كفر به أو

حاول ستره ذلك الجاحد الكافر، ولكنه يبقى تهرب منه أووقل موجودا في نفسه، وتأمل ﴿الدقة في التعبير القرآني

كم إذن الواقع والثبوت موجود ب فمن ﴾الحق من ر ﴿وحتمي ﴾شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والكفران هو الستر، وما

سمي الكافر كافرا إال لستره للحقيقة. والحاصل: إن الله تعالى قد فطر البشر على معرفته، كما

من الحقائق مثل قبح الظلم وحسن فطرهم على كثير ستر تلك الفطرة مع العدل، وبرغم ذلك قد تجد من يحاول

.14سورة النمل : 129سورة الكهف: 2

166

جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ﴾علمه اليقيني بها فيحاول ﴿بل اإلنسان على نفسه بصيرة ولو*﴿أن يبرر لضالله ولكن

أي ولو جاء باألعذار وتبليس إبليس لكن1﴾معاذيره ألقىموجودا ومعروفا لديه، شاء أم أبى.. يبقى الحق في نفسه

وأؤكد: أن هناك حقائق عصية وأبية على التلون بالقناعات أو بما أشبه ذلك،بل الله يغرسها في ذهن كل أو بالنفسيات

عليه الحجة، ولوال ذلك لم إنسان شاء أم أبى، لكي تكونتتم الحجة على أحد..

و لعل من أبرز الشواهد على ذلك أنك ترى يصاب بتأنيب الضمير؛)المجرم(

ألن الحقيقة تبدو له واضحة، حتى إذا اختلق لنفسه أعذارا،وكذلك المحتكر،

أو المرابي، أو الذي يتجسس لألجانب أو على الناس وكل التبريرات والحجج فإن األبرياء، ورغم كل شيء من المجرم في قرارة نفسه يعلم أنه مجرم،ولذا ترى كثيرا

القتلة يأتي برجليه و يسلم نفسه لماذا؟ ، أي2 ﴾ ولو ألقى معاذيره*﴿بل اإلنسان على نفسه بصيرة

ولو جاء بمعاذيره كلها، فإنه مع ذلك يعرف نفسه، وظلمه أو كفره ،

أو ما أشبه. حتى أنك تجد كثيرا من هؤالء الملحدين ومنكري وجود الله

وتعالى، في آخر عمره يرجع للحقيقة لماذا؟ ألن سبحانه نفسه، أبية عن أن يغيرها أو فطرية مغروسة في(الحقيقة)

تجده آخر يلونها أو يشكلها بأي شكل من األشكال، نعماألمر يرجع إلى الحق ألنه مغروس في النفس.

شواهد وأمثلة .15 _ 14سورة القيامة: 1 .15 _ 14سورة القيامة: 2

167

وهناك الكثير من الحقائق األبية على التلون ولنمثل بأمثلةالتي يفهمونها. من معادالتهم

أ: فمن معادالتهم في علم االقتصاد ما أشرنا إليه سابقا: ؟ إنه قانون حقيقي1 هل يتلون((والطلب قانون العرض(

معين بين العرض يؤكد وجود تناسب طردي وعكسي والطلب واألسعار، إذ كلما زاد العرض وقل الطلب كلما انخفضت األسعار، والعكس بالعكس، (وال يخفى أن من

كي نكشف 2 العاملين: العلة والمعلول الالزم أن نثبتالتأثير وذلك مع قطع النظر عن مدخليةالعوامل األخرى، المزاحمة أو المضادة.

كالفواكه الكثيرة في والنتيجة: كلما ازداد العرض للبضاعة األسواق وزهد الناس فيها، فإن األسعار ستنخفض، وهذا أمر بديهي، فهل يستطيع كانط بعبقريته أن يعكس هذه

انقالبه المعرفي الكوبرنيكي؟ المعادلة على حسب ب : كما أن هناك قوانين اجتماعية واضحة ممتنعة على

مثل: أن األفراد يمرون بمرحلة طفولة، ثم التغير أو التلون، يتلون بتلون األفراد وتوزعهم شباب، فالشيخوخة، هل هذا

جغرافيا، في أفريقيا، أو آسيا، أو أوروبة؟، واألمم كذلك والحضارات: تبدأ بمرحلة طفولة، وتمر

ترجع إلى مرحلة شيخوخة. بمراهقة، وشباب ثم : كما توجد حقائق أخرى كثيرة عصية على التلون،ج

والظلم قبيح، والعدل حسن، والتعاون كاإلحسان حسن، تحديد المصداق على البر حسن، مع قطع النظر عن

وتشخيصه، وهكذا وهلم جرا، مثال: اإلساءة إلى الغير بما

إذ خصوصياته، ال يتغير، وال يتلون ال )القانون أصل( أن حول الحديث: هامة مالحظة 1فال الخصوصيات أما والخلفيات، القبليات تأثيرات أمام منيع)األصل(.األسعار رخص: والمعلول الطلب، وقلة العرض زيادة: العلة 2

168

هي هي سيئة.. والتنازع بما هو تنازع في حد ذاته يعد قيمةسلبية.

إذن هنالك حقائق تعصى على التلون والتشكل وتبقى كماوتدخل إلى الذهن بال استئذان. هي هي

يعترف بهذا حيث يقول: بأن)كانط(بل اللطيف أن نفس الموجود في أذهاننا على قسمين: القسم أول المعلومات

يأتي من الخارج إلينا، ثم موجود معنا، والقسم الثاني.1 المعرفة تتشكل من مجموع هذين

ونحن نتوقف عند الشق األول من كالمه إذ أنه يقبل بأن من العلوم، أو القضايا مودعة في أذهاننا وهي هناك سلسلة

فنقول له:هذه الحقائق التي مغروسة فينا وموجودة معنا، فقد اتحد معنا ال شك أنها عصية على التلون والتشكل،الشيء كما يبدو لنا مع الشيء في حد ذاته .

)المرجعيات المعرفية(. وجود وتوفر 4 رابعا: حتى الحقائق القابلة للتشكل بحسب أهواء النفس أو

وأطرها أو بحسب المسبقات الفكرية، فإن الله ظروفها موثوقة أكيدة، وذلك نظرا لمعرفته)مرجعية(تعالى جعل لها

ونمثل لذلك بمثال بالنفس البشرية ومكامن ضعفها.تكويني، ثم تشريعي، ثم معرفي..

المرايا المحدبة والمقعرة:.أ أ: المثال التكويني؛ المرايا إذا كانت مسطحة مستوية فإنها

كما هو بحسب حجمه الطبيعي وحسب تعكس الشيء أو محدبة فإنها تجعل بعده، ولكن المرآة إذا كانت مقعرة

يكون الجسم يبدو أصغر من الواقع أو أكبر، فإن الشيء أصغر أو أكبر بحسب كونها محدبة أو مقعرة أو كونها أبعد

بحث في )التركيبية القضايا(و )التحليلية القضايا( عن كالمه عند ذلك تفصيل تجد 1.)القبلية القضايا(

169

األشياء(ولذا نجدهم في مرآة السيارة يكتبون: أو أقرب، وذلك يعني وجود)عليه في الواقع تبدو أصغر وأبعد مما هي

المرآة لونت الواقع مرجعية ومقياس، وصحيح أن هذه وغيرته ولكن العقل يرشد إلى أن هذا الواقع الذي تلون

)الحقيقة( لتعرف )المعادلة(بحاجة لتصحيح، كما أنه يعطيك هذه المرآة مثال تصغر الشيء خمسين بالمائة، بالضبط وأن

بمقدار خمسين بالمائة وعليك نظريا أن تقوم بتكبيرهلتعرف الحجم الواقعي.

والحاصل: إن الله تعالى يعلم هذه المعادلة وأن القبليات ما تلون وتغير الحقائق، فإنه الذي خلق والخلفيات كثيرا

سبحانه لكل داء دواء، البشر ويعلم ما خلق.. وكما جعل ومشكلة) المرجعيات(خلق لهذه المشكلة عالجا أسميناه

أي تعميم كالمه كقاعدة( أن إطالق كالمه )كانط( نظر، ونحن ال نقول:أنه ليس هناك شيء اسمه محل)كلية

من الواضح أن الكثير من الناس التلون والتشكل أبدا، إذن وزي يطان ﴿يتلون تفكيرهم وقد قال تعالى: لهم الش

بيل فهم ال يهتدون .1 ﴾أعمالهم فصدهم عن الس وبعبارة أخرى: إننا نقبل وجود )التلون( في الجملة، وفي

والمعارف، ولكننا ننكر على النسبيين تعميم بعض المسائل إن الموجبة الجزئية نقيض النسبية كقاعدة دائمة، ونقول:

الكلية، وهو السالبة الكلية، والسالبة الجزئية نقيض الموجبة يقول: كل شيء يتلون ويتأثر بالقبليات والخلفيات، ونقول:

متلونا؛)أي كل معرفة وعلم(أوال: ليس كل شيء كال، إذ:إذ أن كثيرا من األشياء

24سورة النمل: 1170

ترد للنفس وال تتلون أبدا.طبع الله على قلوبهمثانيا ﴿: إن بعضها وإن كان يتلون

بعوا أو ما أشبه ذلك، إال أن في(ختم)و1﴾أهواءهم وات الله تعالى قد جعل مقاييس مواطن التلون نجد أن

مرجعيات، ومرجعيات، فإنه كما جعل في عالم الطبيعةكذلك جعل في عالم المعرفة.

الخطان المتوازيان:.ب الرؤيا البصرية ترى الخطين المتوازيين يلتقيان علىب:

يقول كال، ال التقاء أبدا ما دام الخطان البعد، لكن العقلمتوازيين حقا، وهذا يعني أن المعرفة

البصرية تلونت والعلم البصري قد تلون بخطأ الباصرة، لكن العقل باعتباره المرجعية قاد عملية التصحيح وأرشدنا قطعا

.)يلتقيان المتوازيان ال(إلى قاعدة

كما أن الباصرة ترى البعيد صغيرا كالسفينة في البحرج: السماء، ولذا نرى الشمس صغيرة وهي أكبر والنجم في

وثالثمائة ألف مرة تقريبا . من الكرة األرضية بمليون والحاصل أن الله سبحانه وتعالى ألنه يعلم مدى محدودية

الظاهرة، وفي حواسه الباطنة، وفي البشر في حواسه فجعل هناك يخطئ قدراته العقلية، ويعلم أنه يتلون أو

.)مرجعية(أنواع المرجعيات

والمرجعيات على قسمين: •مرجعيات باطنية في الداخل وهي العقل، والفطرة ،

ومالئكة القلوب16سورة محمد: 1

171

)عليهم•ومرجعيات ظاهرية هم األنبياء والرسل واألوصياء وفي هذا العصر هوالسالم(

عجل الله تعالى(سيد الكائنات اإلمام المهدي المنتظر .)فرجه الشريف

فبما أن اإلنسان معرض للهوى الذي يغير ويلون له الحقائق أن غالب الناس أسرى الخلفيات الفكرية كذلك، وبما

داخلية وهي العقل والمعرفية، فقد جعل الله له مرجعية خارجية والفطرة، والمالئكة، وأحيانا اإللهام وجعل مرجعية

فالبد إذن من رسول أو وصي له، إذ أن نفس البرهان الذي يدلعلى وجوب وجود الرسول،يدل على وجوب وجود اإلمام.

.1 )اللطف(المسمى ببرهان وهو البرهان هي المرجع والمحك الذي يصفي المعرفة2 وهذه الخمسة

الصحيحة، تارة من حيث يشعر المرء وأخرى الخاطئة من من حيث ال يشعر

عجل) ظلمنا أنفسنا فحرمنا مرجعية ولي الله(الله تعالى فرجه الشريف

وإذا عرفنا ذلك سنعرف كم ظلم البشر أنفسهم بحرمانهم هذا الفيض اإللهي العظيم، إذ غاب عنهم اإلمام أنفسهم من

وذلك ألن المشكلة أننا ال توجد والمرجع اإللهي األعظم، الظلم واالنحراف لدينا قابلية.. هذا البشر بهذا الوضع من

والجهل واالبتعاد ليست له قابلية لالستفادة من ولي الله األعظم أو االستضاءة بنور الله سبحانه وتعالى كي يتجلى

لهم.. هم إذ ظلموا ولو أن ﴿وذلك ألنهم ظلموا أنفسهم

اللطف برهان في مفصل حديث )والتقوى البر على التعاون فقه( كتاب في 1.متعددة بتقريبات

.واإلمام والرسول والمالئكة والفطرة العقل 2172

سول أنفسهم جآؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الر حيما .1 ﴾لوجدوا الله توابا ر

للنفس، ولألهل، وللجار،)الظلم(إن مشكلة البشر وللبعيد، وللقريب، وللعدو، وللصديق.. ثم إنه بعد وللشريك،

حقا وال يتوب إليه صدقا. ذلك ال يستغفر الله

ولكي نعرف حقا أننا لسنا بمستوى عهد الظهور وأننا ال ذلك النور اإللهي، لنراقب حركة فكرنا قابلية لنا الحتضان

األطهار عليهم سالم اليومية، ليل نهار، كم نفكر باألئمة الله، وبصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجهالشريف، وبعظيم حقوقهم علينا، وخطير نعمهم إلينا؟

وكم فكرنا في تطبيق تعاليمهم ومناهجهم في شتى مناحي فكرنا في ظالماتهم وحقوقهم المضيعة، وكم الحياة؟ وكم

نفكر في البقيع، وال نفكر في عملنا على استرجاعها؟ أننا ال وشعائر سامراء، وال نفكر في مختلف حرمات ومناهج

وال نفكر في القرآن)عليهم سالم الله(وأوامر أهل البيت الذي تنتهك حرماته، وحرمات كثير من قوانينه في الكريم

واالجتماع والحقوق كل يوم، ومن تلك السياسية واالقتصادإن الله يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي ﴿القوانين: قانون:

أمرهم شورى بينهم2﴾القربى يضع ﴾3 ﴿وقانون ﴿وقانون ﴾ والتي تؤسس4 عنهم إصرهم واألغالل ال كانت عليهم

إنما المؤمنون ﴿للحريات اإلسالمية الواسعة النطاق، وقانون

.64سورة النساء: 1 .90سورة النحل : 2 .38سورة الشورى : 3 .157سورة األعراف: 4

173

و ذلك فليتنافس المتنافسون ﴾1 إخوة ﴾ التي2 ﴿وقانون أطيعوا الله تؤسس للتعددية السياسية ﴿وغيرها، وقانون

سول وأولي األمر منكم تؤسس إلطاعة ﴾ التي3 وأطيعوا الر في عهد الحضور والغيبة في)عليه السالم(اإلمام المعصوم

.4 الحياة كافة مناحي إن المشكلة هي أن كل ما نفكر به في غالب األوقات أو

والمشرب والمطعم والملبس، والمسكن كلها: هو المأكل والمنصب و... ليلنا والمنكح والمال والرئاسة والشهرة

ونهارنا، ولعل أحدنا باليوم الواحد ال يفكر في المنقذ حتى مرة واحدة، وإذا فكرنا فهوعليه السالماألعظم

بمرور عابر.. ولنرجع إلى محور البحث، فنقول: إذا باب المعرفة

بالمباشرة عن طريق مقياس عقلي بالحقائق منفتح إما لكننا نحن الذين داخلي، وإما عن طريق مرجع خارجي

حرمنا أنفسنا من الفيض ومن االستضاءة، وذلك مثل تلميذ لديه أستاذ عظيم لكنه يتكبر عن الذهاب إليه وسؤاله

في جهله ويرتطم في ضالالته، واالهتداء بهداه.. فيبقى..5 فهذه مشكلته هو وليست مشكلة المعرفة

وقفة تدبر قرآنية:

.10سورة الحجرات: 1 .26سورة المطففين: 2 .59سورة النساء: 3 والسالم والرفاه والحرية اإليمان لعالم الجديدة الصياغة كتاب يراجع للتفاصيل 4

إنهاض إلى السبيل: مثل األخرى وكتبه الشيرازي، محمد السيد اإلمام الفقهاء لسيدالنجاة طريق: الفقه و المسلمين

ومع ذلك يبقى باب المعرفـة بالحقـائق األساسـية المسـماة بالمسـتقالت العقليــة 5ــدثنا ــد تح ــل، وق ــا بالعق ــاب في العقلية المســتقالت حــولمنفتح المولوية األوامر كت

.واإلرشادية174

ونتوقف هنا للتدبر في كلمة من كلمات اآلية القرآنيةاهدنا الصراط ، ﴿الكريمة اهدنا ﴾المستقيم وهي كلمة ﴿ ﴾

ر الكامن وراء هذا الطلب الذي نلح به ونسأل ما هو الس على الله سبحانه وتعالى يوميا في صلواتنا وغيرها، كفريضة

إلهية؟

الهداية بنحو العلة المحدثة والمبقية أن من األسباب األساسية في ذلك أن اإلنسان يحتاج إلى

وتعالى، بنحو العلة المحدثة أوال، كما أنه هداية الله سبحانه بنحو العلة المبقية يحتاج إلى هداية الله سبحانه وتعالى

ثانيا، وبما أن للهداية درجات ومراتب ولها عرض عريضومصاديق كثيرة فنحتاجها للزيادة واالزدياد ثالثا..

فهناك ثالثة وجوه للحاجة إلى طلب الهداية، وهي:

..المحدثةالعلة •العلة المبقية.. •الزيادة الكمية أو الكيفية .. •

، ثم إن)الخالق(فالهداية حدوثها وبدؤها من الله تعالى وديمومتها منه سبحانه، كما أن الهداية استمرارها

ومصاديق كثيرة فنحتاج لها درجات، ولها مراتب)مشككة( و في إلى الزيادة منها زيادة كمية أو كيفية أو حتى جهوية

كل حين.. وبذلك نكتشف الجواب عن السؤال التالي، وهو أن اإلنسان

اهدنا الصراط المستقيم وهو يصلي، كيف عندما ﴾يقول: ﴿ الحاصل؟ إذ قد تحققت الهداية فيه؛ ألن يطلب تحصيل

الواجبات يكون قد هداه الذي يصلي الفرض ويؤدي أعظم

175

يكون الله سبحانه وتعالى إلى الصراط المستقيم، فهلطلبه لغوا،أو تحصيال للحاصل؟

والجواب: كال، ال لغوية وال تحصيل للحاصل، إذ صحيح أن اإلنسان قد حصل على الهداية بنحو العلة المحدثة فهو هذا

من يضمن له الدوام واالستمرار؟ وهل مهتد بالفعل، لكن إيمانه مستقر أو مستودع؟

فمستقر ومستودع ﴾ذلك أن اإليمان على قسمين ،فبعض1﴿ صلحاء لكنهم فجأة وبامتحان في هذه الحياة الناس تراهم

بالله - إلى أسفل جهنم.. ينقلب وتزل به قدمه – والعياذيريد الهداية بنحو العلة اهدنا ﴾واإلنسان عندما يقول: ﴿

ديمومة الهداية أيضا.. وكأن اإلنسان ليستشعر المبقية أي-ولله الحمد -اآلن مهتديا الخطر دوما وأنه وإن كان حتى

عليهم(إلى اإلسالم، إلى الدين المبين، إلى والية أهل البيت ، ولكنه ال يعرف هل سيتعرض)الصالة وأزكى السالم

المتحان

عسير اقتصادي، أو اجتماعي، أو سياسي، أو غير ذلك يقلبعقيدته أم ال؟ كيانه ويزلزل

وما أكثر أولئك الناس الذين تغيروا وتنكروا لدينهم أولوطنهم ؟

(الهداية)إذن عندما يطلب المرء من الله لو كان مهتديا مهتد بالفعل فإنه يطلب الديمومة عليها، كما أن المؤمن

هذا أوال. وكما أنه يطلب الزيادة منها ثانيا، إذ قد يكون اإلنسان

المحدثة، ثم إنه استمرت هدايته، واستمر مهتديا بنحو العلة وجوه أحد أن لمالحظة التفاسير مراجعة ويمكن األنعام، سورة من ) 98 ( اآلية من 1

شاء فإن صاحبه عند مستودع هو ما ومنه مستقر هو ما منه اإليمان أن هو تفسيرها..ذلك في الروايات من عدد ولدينا عليه، أبقاه شاء وإن منه سلبه الله

176

لحظات االحتضار سيره على الصراط المستقيم حتى والموت، ولكن في كل تلك المراحل هناك درجات فقد

يكون اإلنسان إيمانه إيمانا عاديا، وقد يكون إيمانه إيمانا وقد تكون هدايته في حقل معين، وقد قويا كزبر الحديد؛

تكون دائرة هدايته أوسع. ولنمثل إليضاح الصورة أكثر بمثال لطيف من الفقه؛ فكتاب

وهذا تخمين- يحتوي ما ربما يزيد على 1الكالم(( جواهر)) من كتاب الطهارة والصالة ثمانين ألف مسألة،-طبعا

إلى والزكاة والخمس والحج إلى المعامالت إلى النكاحاإلرث والقضاء وما أشبه ذلك..

، موسوعة الفقه للسيد الوالد رحمة الله2الفقه(( ))وأما الجواهر وعلى الوالد وعلى علماء المؤمنين على صاحب

ألف مسألة..320على فإنه ربما تزيد مسائله جميعا وإذا الحظنا الجانب الكمي، فإننا سنجد االختالف الكبير بين

إذ تارة اإلنسان يكون مهتديا إلى معرفة عشرة الناس، أو وضعي، ولعل بعض الناس ال آالف مسألة وحكم تكليفي

يعرف حتى مائة مسألة، كما أنه تارةتكون دائرة اهتداء بعض العلماء مترامية األطراف تستوعب مائة ومائتي ألف

مسألة.

كما أن البعض قد يكون مهديا في حقل الصالة والصوم المعامالت البنكية أو المصرفية يكون غير لكنه في حقل

وال في عقله العملي.. مهتد أصال،أي ال في عقله النظري سره قدس الجواهري النجفي حسن محمد للشيخ ))الكالم جواهر)) موسوعة 1

43 تضم الشريف .مجلدا ( ،)الشريف سره قدس( الشيرازي محمد السيد المجدد لإلمام الفقه موسوعة 2

165 ..اليوم إلى اإلسالمي بالفقه كتب ما أعظم )مجلدا177

ولذلك فإننا نطلب من الله سبحانه وتعالى يوميا عشر بمعنى توسعة دائرتها ونطاقها)الهداية(مرات على األقل

الشدة والعمق واالزدياد وحدودها أيضا كميا، كما نطلبا أيضا، فأمير المؤمنين اإلمام علي وأزكى عليه الصالة(كيفي

.1 يقول: ))لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا(( )السالم وهذه درجة من اإليمان ليس فوقها درجة، وأما سائر الناس

في درجات مختلفة، كما هو واضح. فإنهم عادة ولذا نجد بعض الناس عندما يذهب إلى الغرب ليدرس مثال

أو غيرها، أو حتى إلى دول الحضارة)السوربون (في جامعة يتصفح االنترنت، أو يقرأ بعض الكتب أو الشرقية؛ أو عند ما

يتزلزل إيمانه وتزل قدمه يسمع بضع الشبهات، وإذا به ثم هاوية فجأة ليسقط في الهاوية: هاوية التشكيك أوال،

االنحراف والضاللة، إن مثل هذا الشخص يحتاج إلىاهدنا الصراط التمسك ﴿بالدعاء بوعي أعمق، ب

.. ﴾المستقيم والمفارقة أننا نجد شخصين يذهبان إلى الغرب ويدرسان

ويختلف موقفهما تجاه ما يتعلمانه من في جامعة واحدة، التي)المعرفة نسبية(علوم، أو نظريات شتى كنظرية

نحن بصدد بحثها فأحدهما يستمع إلى هذه النظرية أو إلى والقراءات المفتوحة)الهرمنيوطيقا(مختلف مدارس

البشرية، فيزداد إيمانا على إيمانه للنصوص بعدد األذهان صلى الله عليه) )بحقانية القرآن الكريم والرسول العظيم

، وأما )عليهم السالم( وآله وسلم وأهل البيت الكرام النظرية تجده اإلنسان اآلخر، فعند مواجهة نفس هذه

يسقط في شراكها، ويقع في شباكها، ويتخبط في متاهاتها.

.2086 ح 2 ف 5 ب 1 ق 9 11 ص: الكلم ودرر الحكم غرر 1178

إن التعامل بحذر شديد مع أمثال هذه النظريات، باعتبارهامكامن

خطر ومزال األقدام، بل باعتبارها أخطر من مختلف اإلنسان في الصحاري والغابات من المجاهيل التي يواجهها

واالهتداء، والتدبر في جهة، واالستعانة بالله تعالى للهداية السجادية، اآليات والروايات، وفي نهج البالغة والصحيفة

واالحتجاج وتحف العقول، وكتاب العشرة من البحار وغيره،ويزيد الله ﴿كل ذلك يجعل اإلنسان مصداقا لقوله تعالى:

ذين اهتدوا هدى الك ثوابا وخيروالباقيات الصا لحات خ ير عند رب .1﴾ مردا

ذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم وال ﴾وقوله تعالى: ﴿2. ومن النافع أن نذكر شاهدين من مجال آخر لكي يكون

البحث أعم فائدة:موقف المؤمن في مواجهة االمتحان

اإلنسان المؤمن إذا حضر في مجلس غيبة، أو تهمة، أو ظلم ، أو مجلس دفاع عن حاكم جائر نميمة، أو مجلس

هما؛ فإن موقفه قد يكون على أحد نمطين االنسياق مع األجواء؛ بل إن البعض يعتبر: الغيبة فاكهة*

والعياذ بالله والحال أن الغيبة كما في الرواية مجالسهم أعاذنا الله وإياكم منها.. 3))إدام كالب أهل النار((

واعتزال المجلس وتركه؛ فبمجرد ما يسمع بعض*المقدمات التي تنم

.76سورة مريم: 1 .17: )وآله عليه الله صلى( محمد سورة 2 :قال البكالي نوف عن ، 16315 ح 152 ب 283 ص 12 ج الشيعة وسائل وفي 3

ها الغيبة أجتنب...)): )السالم عليه( المؤمنين أمير ار، كالب إدام فإن يا: قال ثم النه زعم من كذب نوف أن .((بالغيبة الناس وحلم يأكل وهو حالل من ولد

179

عن انجرار الحديث للغيبة أو تأييد الظالم، وإذا بإرادته وروح التحدي تتصاعد فيترك ذلك المجلس اإليمانية تتجلى

يرغب بشدة؛ ألن النفس األمارة فورا مع أنه ربما كانترغب في المعصية والنفس بما هي

ونفس وما سواها *﴿نفس راغبة وسبحانه وتعالى يقول: فأاها *فجورها وتقواها لهمها وقد خاب من* قد أفلح من زكاها إن هذا المؤمن يجد نفسه في امتحان، بل في .1 ﴾دس

المعصية صغيرة أو مشوقة معركة كبرى مهما بدت فيتحفز لها بشدة، ويشهر أسلحته كلها في مواجهة

الشيطان، وذلك كالجندي في الجبهة الذي يطلع فجأة على فإنه ينتفض لمواجهة العدو المهاجم و ال يفكر هجوم معاد،

أبدا، وكذلك المؤمن فإنه في االستكانة أو الخضوع للعدو لهذه في مقابل هذا االمتحان يشهر أسلحته فورا فيقف

الغيبة بالمرصاد فيوقفها أو يمنعها إن كان بمقدوره ذلك،من المجلس فورا وال يشاركهم معصيتهم. وإال فسيخرج

واالمتحان اإللهي يتجلى أيضا في السوق حيث قد تأتي مربحة جدا بالمنطق المادي.. أو قد يرى معاملة ربوية

وبأرباح كبيرة جدا، وإذا الفرصة سانحة للغش والتدليس، صهرته بإيمانه يتجلى ويتألق، فإن المؤمن كالذهب كلما

بالنار كلما ازداد بريقا وتألقا، فبمجرد ما يرى مجاالت الربا مساحات الغش متوفرة، تتحفز قواه اإليمانية فتمنعه من أو

ويبتعد ويفر بإيمانه؛ وفي المقابل تجد االقتراب للحرام، الدنيوي المؤقت شخصا آخر ينهار ويستسلم لهذا اإلغراء

الذي من ورائه عذاب غليظ. .10- 7: الشمس سورة 1

180

طريق؟ أم تهذيب النفس؟(اإلسطرالب)هل كان هناك ولي من األولياء ولعل القضية حدثت في مشهد

التفكر في ولي النعم، ووسيط الفيض المقدسة كثير عجل)المنتظر اإللهي على الخالئق كافة، اإلمام المهدي

وكان يبحث باستمرار عن(الله تعالى فرجه الشريف تيسر له التشرف بخدمة سيد الكائنات، ألن السبل التي

نظرة واحدة من أو إلى سيدالكائنات لإلنسان، قد تحدثفيه تحوال جوهريا، وتغييرا كبيرا، ذلك أنه إذا

كما في الرواية،1كان ))النظر إلى وجه العالم عبادة(( )صلى الله عليهحفيد رسول الله فكيف بالنظر إلى وجه

اإلمام الثاني عشر، وخاتم األوصياء، والذيوآله وسلم( والذي كل)عليه السالم( خلفه عيسى المسيح يصلي

بيمنه رزق)الخالئق بإذن الله مرهونة به ومنوطةبإشارته؟ .(الورى، وبوجوده ثبتت األرض والسماء

لهذا كان هدفه الذي يسعى إليه وهو هدف سام ومقدس، طريق وبوابة واسعة إلى رضوان الله سبحانه كما أنه

عجل الله)بخدمة اإلمام وتعالى هو الوصول والتشرف . ولعل المستظهر أنه سلك(تعالى فرجه الشريف طرقا

عديدة للتشرف بمشاهدة اإلمام عجل الله فرجه الشريف، يصل إلى مبتغاه، حتى خطر بباله أنه قد يستطيع إال أنه لم

علم الرمل واإلسطرالب، أن يصل إلى ذلك عن طريق ربما حيث إن المعروف أن المرء عن طريق هذا العلم

يستطيع أن يكتشف بعض المجهوالت، كمكان الغائبالضائع. وموضع الشيء

وأهله بالعلم المتعلقة األحاديث في الثانية الجملة 73 ص 4 ج: الاللي غوالي 1 .52 ح وحامليها

181

بعد سماحهم له)المهم إنه استعان بهذا العلم إلى أن عرف موقع(عالم الغيب لهذا اإلنسان وإذنهم له أي سماح

؛(تعالى فرجه الشريف عجل الله)ومكان اإلمام المنتظر وأنه في اليوم الفالني، في الساعة الفالنية، في المكان

الفالني سوف يتواجد اإلمام الحجة المنتظرعليه السالم( . ويبدو أن هذا اإلذن كان لكي تصل الرسالة التالية لنا جميعا،

أنها اآلن تصل للماليين من الناس، فهذا الرجل الصالح كما واإلسطرالب ظاهرا، وبعد إذن الله عن طريق الرمل

سيكون في اليوم سبحانه وتعالى واقعا، عرف أن اإلمام الفالني ولعله كان التاسع من المحرم في الساعة

في الشارع الفالني، في المحلة الفالنية، عند الفالنية،المحل والدكان الفالني، في مشهدالمقدسة..

انطلق الرجل بكل شوق ولهفة نحو ذلك المكان، وإذا بهيرى في ذلك

الدكان المتواضع، رجال بسيطا تظهر عليه أمارات الصالحوالورع والتقوى..

)عليهفي هذه األثناء شاهد هذا الرجل الباحث عن اإلمام عجوزا كبيرة السن فقيرة ، شاهد امرأةالسالم(

بال والقفل)مستضعفة، وبيدها قفل قد فقدت مفتاحه، ، جاءت إلى هذا صاحب(مفتاح ليست له قيمة تقريبا

والقفل وحده)اشتر مني هذا القفل.. المحل، وقالت له: بالعملة اإليرانية، واحدريال قيمته مثال فلس واحد أو

فإن والمفتاح وحده قيمته فلس واحد، ولكنهما لو كانا معا قيمتهما ستكون عشر رياالت.. ألن القفل وحده ال ينفع،

والمفتاح وحده ال ينفع،ولكنهما لو اجتمعا لكونا شيئا مفيدا

182

امتحان يتكرر باستمرار في األسواق ثمنه عشرة.. وهذا ،(أقدام الكثيرين التي هي محال الشياطين إذ هنالك تزل

وكان بمقدور صاحب المحل بكل بساطة أن يشتري القفلريالبفلس أو واحد ويأخذه منها .. من غير أن يكون ظالما

السوقية، لكن الغريب أنه قال لها: هذا لها، ألنها القيمة فما هو رأيك أن أبيع القفل قيمته فلس وأنا عندي مفتاحه

لك المفتاح بفلس واحد؟قالت: ال أمتلك شيئا.

قال لها: سوف أبيع لك المفتاح قرضا، فيكون بحوزتك مفتاح فتكون قيمته عشرة فلوس، ثم إنني عندئذ قفل مع

فلوس، أدفعها لك نقدا، ثم سأشتري منك المجموع بعشرة للمفتاح، فتبقى تعيدين لي الفلس الذي أقرضتك إياه ثمنا

لديك تسعة.. قالت: نعم؛ فباعها المفتاح بفلس قرضا في ذمتها وسلمه

اآلن مادام المفتاح عندك والقفل عندك لها، ثم قال: خذي هذه العشرة فقيمتهما معا عشرة فلوس فتفضلي

فلوس وأعطني المفتاح والقفل وفلسي!! إن هذا الموقف على بساطته يكشف عن مدى سمو

يتحلى به صاحب الدكان، وأن الكثير النفس الذي كان حيث يبتلى بربا، يسقط في المحرمات في دائرة االمتحان،

أو تزوير، أو تدليس، أو ما أشبه ذلك من هذه المعامالت، أو يتورط ببيع الكالي بالكالي الذي مأل أسواق البالد

بيع باطل، وهو يعني بيع النسيئة اإلسالمية اآلن وهو مؤجال، فإن البيع بالنسيئة، بأن يكون كل من الثمن والمثمن

على أربعة صور، والصورة الرابعة أن يكون كالهما مؤجال وهذا باطل، والمشكلة أن األسواق في العالم تتعامل كلها

وهو من أسرار انهيار االقتصاد العالمي األخير، وإن به اآلن،

183

لم يكونوا يفهمونها إال بعد مخاطر بيع الكالي بالكالي الله سبحانه االنهيار الكبير في السنتين األخيرتين، ولكن

)صلى الله عليهوتعالى خالق البشر منع ذلك عبر رسوله فقهاؤنا العظام، كما تجد وقد أفتى بذلكوآله وسلم(

أن بيع الكالي1الفتوى في كتاب ))شرائع اإلسالم(( .2 بالكالي باطل

المهم أن هذه المعاملة كشفت لصاحبنا عن جوهر هذاالمحل ومدى صفاء روحه وتألق نفسه. اإلنسان صاحب

وحيث استوقفه هذا المنظر، وإذا به في تلك اللحظات يرى ،(عجل الله تعالى فرجه الشريف )المنتظر اإلمام الحجة

)عليهإلى جوار صاحب المحل، وحينئذ التفت له اإلمام له ما مضمونه: إذا أصبحت مثل هذا الرجل وقالالسالم(

تعود بعدها بحاجة لنظائر هذه فإننا نحن الذين سنأتيك وال إلى، ثم قد للوصول(الرمل واإلسطرالب)السبل والطرق

ال تجدني.. إن الدنيا ساحة صراع وامتحان دائم، وعلى اإلنسان أن يجد

لكي ينجح في

بن جعفر الدين نجم القاسم أبى للشيخ والحرام الحالل مسائل في االسالم شرايع 1 في المتوفى الحلي بالمحقق الشهير الهذلي سعيد بن الحسن بن يحيى بن الحسن

وفقهاء الشيعة رجال أساطين وأحد وأستاذه الحلي العالمة خال هو (ه 676 ) سنة وأجمعها ترتيبا الفقهية المتون أحسن من هذا وكتابه (السالم عليهم) محمد آل

الكتب من يزال وال اآلن، إلى مؤلفه عصر لدن من األصحاب به ولع وقد للفروع القرون هذه خالل الفقهاء عليه اعتمد وقد الشيعية، العلم عواصم في الدراسية عليه وللعلماء عليه، وحواشيهم وشروحهم فيه، وتدريساتهم أبحاثهم فجعلوا العديدة .161 بالرقم 47 ص 13 ج :الشيعة تصانيف إلى الذريعة انظر.. كثيرة حواشي

دام الشيرازي الحسيني صادق السيد العظمي الله آية شرح اإلسالم شرائع انظر 2.3 رقم الهامش 42 ص 2 ج: ظله

184

االمتحان دائما، فبمجرد أن رأى امرأة أجنبية، عليه أن وعليه أن يخاطب نفسه: بأية مناسبة يستجمع قواه اإليمانية

خطر المرأة انظر إلى امرأة أجنبية؟ بل ما أعظم األجنبية؟، فهذه النظرة ))سهم من سهام إبليس مسموم((

إن اإلنسان لو غض طرفه لخلق))مضمون الرواية: وفي1 .2الجنة(( الله له حورية تنتظره في

وكذلك عندما يكون هناك مجلس غيبة عليه أن يبتعد ويفر لو تعرض إلغراء التهمة، أو النميمة، أو بإيمانه، وكذلك

الحديث السلبي عن إنسان مؤمن، أو رأى أن في قلبه قليال من الحسد - ال سمح الله - أو ما أشبه ذلك من هذه

السيئات، ومن ذلك ما لو أثيرت قوته الغضبية في منزله كي يصرخ على أوالده وزوجته، وقد ووسوس له الشيطان

يتواضع لله سبحانه أخذته العزة باإلثم، فهنا يجب أن وتعالى، فإذا نجح اإلنسان في أمثال هذه االمتحانات فإنه

عجل الله تعالى)ستتوفر لديه القابلية للتشرف بلقاء اإلمام سيفيض(عليه الصالة والسالم)واإلمام ،(فرجه الشريف

الوضعية األخرى، أكثر عليه من بركاته، إضافة إلى اآلثار المرجعية)فأكثر فأكثر.. وعندئذ سينفتح له باب إلى

وسيفتح له باب العلم(الكبرى: مرجعية وسيط السماءالصافية، أكثر فأكثر فأكثر. وباب المعرفة النقية

اإلنسان بحاجة إلى هداية الله سبحانه وتعالى بنحوإذن بحاجة إلى هدايته جل اسمه بنحو العلة المحدثة كما هو

أو الكيفية.. العلة المبقية، في كال جانبي الزيادة الكمية )السالم عليه( الله عبد أبي عن. 12 ح النوادر باب 559 ص 5 ج : الكافي في 1

.طويلة حسرة أورثت نظرة من وكم مسموم، إبليس سهام من سهم النظر: قال الصادق اإلمام ،عن النكاح نوادر في 10 ف 8 ب 236 ص:األخالق مكارم في 2 يرتد لم بصره غمض أو السماء إلى بصره فرفع امرأة إلى نظر من: )السالم عليه(

.العين الحور من الله يزوجه حتى بصره، إليه185

اهدنا الصراط المستقيم نقصد في ما نقصد ﴾فعندما نقول ﴿ ارتكازنا هذه المعاني الثالثة: حدوثا، وبقاء، وزيادة كمية في

وكيفية..

الفصل السابع

186

الشيء كما يبدو) و (الشيء في ذاته)(لي

(1)

حقائق من العلوم اإلنسانية عصية على التلوين في هذا الفصل نتناول–بتفصيل–ما ذكرناه سابقا من أن

عصية على التلوين، منيعة عن التأثر بالقبليات هناك حقائق الحقائق تخترق الحواجز لتصل النفسية، أو الفكرية، وهذه

ألنها هي إلى عمق وجدان اإلنسان وعقله، وينفعل عنها الحاكمة عليه، وال تكون محكومة بأية عوامل سابقة نفسية،

فكرية، أو اجتماعية، أو محيطية، أو غير ذلك.. أو وقد أقمنا على ذلك العديد من الشواهد واألمثلة في حقول

العلوم(، وفي مجاالت )األوليات(و) الفطريات( بوصفه حقيقة ال)حسن العدل( أيضا، من قبيل )االجتماعية

ونفسياته، تتلون بما هي حقيقة مهما كانت قبليات اإلنسان الشيء كما يبدو(، و)الشيء في حد ذاته(وبالتالي يتطابق

.)لي إن من الصحيح أنه يوجد هناك عالمان: عالم الشيء في

كما يبدو لي، أو بالتعبير األدق: عالم حد ذاته، والشيء العالم كثيرا ما يطابق ذاك األعيان وعالم األذهان، لكن هذا

العالم..صحيح أن هذه الحقيقة الخارجية ال تنتقل بنفسها تنتقل صورة منها على رأي، أو وبإنيتها إلى الذهن، وإنما

في نظرية1 شبح، أو أي شيء آخر على األقوال المختلفة العلم وحقيقة العلم، لكن هذه الصورة أو الشبح مطابقة

للواقع وقد

األذهان لدى بنفسه كون األعيان في الكون غير للشيء: ب كالقول 1187

عصت عن أن تتلون وتتشكل، وهذا هو ما ذكرنا له أمثلة السابق، وسنضيف هنا شواهد وقواعد كثيرة في البحث

اإلدارة، وعلم االقتصاد، وهي أخرى من علم االجتماع، وعلم باألساس محط هذا جميعا من العلوم اإلنسانية التي هي

البحث.

أ: اإلنسان اجتماعي بالطبع اإلنسان(من الشواهد على ذلك القاعدة المعروفة:

فهذه قاعدة في علم االجتماع حقيقية، )اجتماعي بالطبع في(الخارج، فالشيء بمعنى أنها تطابق الخارج، وتعكس

وهو كون الناس في الخارج اجتماعيين بالطبع،)حد ذاته يركن بعضهم إلى بعض، ويألف بعضهم بعضا، ويحتاج

سيكولوجيا، وسوسيولوجيا وفي سائر بعضهم إلى بعض الخارج موجودة وقد األبعاد، هي حقيقية أيضا ألنها في

انعكست في أذهاننا، وكل القبليات المختلفة لم تؤثر في هذه الحقيقة، أي من يعيش في الهند، أو في أمريكا،

والمسلم أو الملحد، والمتحضر أو غير والشرقي أو الغربي، أصل وجود الله المتحضر، والبدوي أو القروي، ومنكر

سبحانه وتعالى والعياذ بالله أو المؤمن.. كلهم يقبل هذه بما هي(الحقيقة، فهذه الحقيقة عصت عن أن تتلون

ما هي(الحق ما نقصد ب وسنوضح في بحث)هي عندما نجيب على شبهة الحقة بإذن الله)هي

سبحانه وتعالى، فاإلنسان إذن اجتماعي بالطبع في حدأيضا. ذاته وكما يبدو لنا

ب: قيمة كل امرئ ما يحسنه

188

هذه1نه(( يحس ))قيمة كل امرىء ما القاعدة الثانية ، وهي قاعدة)عليه صلوات المصلين(الكلمة ألمير المؤمنين

قيمة كل امرئ ما(ال شك فيها إذ

يحسن من علم اقتصاد، أو علم سياسة، أو علم فقه، أو علم أصول،أو إدارة، أو ما أشبه). فإن أحسن علم اإلدارة

علم اإلدارة، وإن أحسن علم فقيمته بمقدار ما أحسنه من الحقوق، أو الطب السياسة، أو االقتصاد، أو االجتماع، أو

فكذلك، فإن الطبيب مثال قيمته على قدر ما يحسنه من معرفته بالطب، والمحامي كذلك، ف قيمة كل امرئ ما

هي هي قاعدة بديهية وتعصى على يحسنه هذه قاعدة بما أنه يمكن أن أن تؤثر فيها القبليات بما هي قاعدة، فمع

وهذه نقطة(يكون هناك نقاش في الحدود أو المصاديق هي)كما تبدو لنا(أن كالمنا هو أن بعض الحقائق إال)الحقة

، فهذه المرآة إذن مرآة)هو كما هو(مطابقة للواقع صادقة..

2 ج: البخل عار والجبن منقصة

)عليه السالم(القاعدة الثالثة: هي قول أمير الفكر والكلمةمنقصة(( . البخل عار والجبن))

)عليه السالم(ونحن ال نستشهد بكلمات أمير المؤمنين هو استشهاد عقلي، إذ أننا استشهادا نقليا بل استشهادنا

اجتماعية، في نستشهد بكالمه ألنه لخص قاعدة عقلية، أو عبارة موجزة جدا، وبليغة جدا ورفيعة حقا، لذا فإنه ليس

ألنه )عليه السالم(االستشهاد لغير المتدين بكالم األمير )صلىالعقالء بعد رسول الله أمير المؤمنين، بل ألنه أعقل

.3نهج البالغة قصار الحكم: 1.3نهج البالغة قصار الحكم: 2

189

وألن هذه الكلمات متفق عليها عندالله عليه وآله وسلم( الحجى.. ذوي

))البخل عار(( أال تجدون أن هذه )عليه السالم(يقولمسألة بديهية بما هي هي؟

أي إنسان تعطيه هذه الكلمة يرى أن الكالم صحيح، فالبخلعار.. بما هو هو

منقصة(( وهذه قاعدةلجبن ))وا)عليه السالم(ويقول واضحة أيضا، فالجبن بما

هو هو، نقيصة، وهذا ال يتناقض مع إمكان أن يأتي مزاحمآخر فيغير الحكم

البتالئه بالمزاحم األهم، إذ أن الجبن بما هو هو منقصة دون قاعدة، كما أن البخل عار قاعدة أخرى مسلمة. شك، وهذه

د: الفقر يخرس الفطن 1وقاعدة رابعة هي: ))الفقر يخرس الفطن عن حجته((

فقير من حيث اإلعالم، فإنه ال يقدر على أن فإذا كان هناك وإذا كان فقيرا ماليا فإنه غير يوصل صوته إعالميا للناس،

وذلك مثل أن قادر على ترجمة قناعاته إلى عمل خارجي، يبني حسينية، أو مسجدا، أو جامعة، أو ميتما أو مستشفى

أو صندوقا لإلقراض الخيري، إذن: الفقر يخرس الفطن عن قاعدة واضحة، وال نريد اآلن أن ندخل في حجته هذه

هذه اإلشارات اإلجمالية.. تفاصيل هذه القواعد، إذ تكفينا

ه: والمقل غريب في بلدته

.3نهج البالغة قصار الحكم: 1190

كما نجد في علم االقتصاد واالجتماع قاعدة خامسة هي: وهذه أيضا قاعدة واضحة،)غريب بلدته - الفقير-والمقل (

أو إذا كان فقيرا ماليا فإنه فإذا كان أحدهم فقيرا علميا، يصبح غريبا من تلك الجهة وإن كان في بلده، أماإذا كان متمكنا علميا فإن كل من يقدر العلم أو يحتاجه يتهافت

والقضية مالحظة(الحضارات تخطب وده، إن كل عليه، بل النظر عن موانع أو حواجز بما هي هي، مع قطع

الناجحون وكذلك إذا كان غنيا إداريا، إذ المدراء)أخرىتتهافت عليهم الشركات الناجحة .

في الجملة( ال(وال يخفى أن هذه القضايا الكلمة، ألنه جواب عن وسيأتي توضيح هذه)بالجملة(

إشكال قد يورد..

و: الكرامة االقتصادية توجب الكرامة االجتماعية الكرامة االقتصادية( كما توجد لدينا قاعدة أخرى واضحة:

وهذه قاعدة مسلمة بما هي)الكرامة االجتماعية تستوجب والشيء كما يبدو لي متطابق هي، والقبليات ال تؤثر فيها،

كل أذهاننا مع الشيء في حد ذاته، ولقد حدث اآلن في وسنجد أنها)الكرامة االقتصادية(انطباع عن هذه الكلمة

هي هي، مع قطع النظر عن التفاصيل وكعامل محدد بما.)توجب الكرامة االجتماعية(العوامل، مع فرز وعزل سائر

فلو)المهانة األخالقية(نعم هناك عامل آخر مزاحم له ك ، ولكن لم تكن)مال(الكرامة االقتصادية وجد من يمتلك

أي المهانة أو(عامل مزاحم فهذا)أخالقيات المال(عنده هذه قاعدة ،)الرذيلة األخالقية توجب المهانة االجتماعية

أخرى صحيحة. ويبقى أنه: لو تطاحنت هاتان القاعدتان فالمحصلة النهائية

ما هي؟

191

تتبع الكسر)كرامته االجتماعية(إن المحصلة النهائية من علم(هذين العاملين، وهذه قاعدة أخرى في واالنكسار بين

.)اإلدارة

ز: نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر في كل حدث اجتماعي وفي كل(ولدينا قاعدة تقول:

هذه)نقاط قوة وضعف وفرص ومخاطر مشروع، هناكة وعصية على التلوين بما هي هي، فهي حقيقة القاعدة أبي

الشيء(و ،)الشيء في حد ذاته(واضحة، ونجد بوضوح أن قد تطابقا، إذ هناك في كل حدث اجتماعي،)كما يبدو لي

كل مشروع، أو مؤسسة، أو عمل نقاط قوة، ونقاط وفي ومخاطر، هذه التي يرمز لها بهذه الحروف ضعف، وفرص،

(SWOT)..)سوات(األربعة فأي مجلس عام أو خاص، أو مكان صغير أو كبير، نجد فيه

ونقاط ضعف، وفيه فرص ومخاطر، ومن نقاط نقاط قوة،القوة: اإلضاءة الجيدة،

والميكرفون: تغطيته ووضوحه و...، والتهوية، فإذا كانت وهذه(نقاط قوة، وإال فهي نقاط ضعف، مناسبة فهي

إلى كتب، ودراسات المحارو األربعة يمكن أن تتحول مستقلة في دراسة أوضاع مدارسنا وحسينياتنا

ومكتباتناوجامعاتنا وعوائلنا وغيرها، ومن المحبذ أن تتولى متخصصة، لكل نوع من المؤسسات أو مثل هذا جماعات

اه من قبل لكي لكل شريحة اجتماعية، إضافة إلى من تبن.)تتطور باستمرار

192

نقاط قوة، ونقاط ضعف،)الطفل(كما أنه يوجد في وفرص، ومخاطر..

نقاط قوة وضعف وفرص ومخاطر..)المرأة(وفي نقاط قوة وضعف، كما توجد أمامه فرص)التاجر(وفي

ومخاطر.. توجد نقاط قوة وضعف وفرص ومخاطر:)العالم(وفي

والعالم، و... سواء كانت قبلياته قبليات المفكر، والتاجر، الحقيقة(بربرية، أو قبليات حضارية، أوأي شيء آخر، فإن

تطابقتا في هاتان قد)الحقيقة كما تبدو لي(، و)في نفسهاأصل هذه القاعدة، وهكذا وهلم جرا..

وما أكثر هذه القواعد حقيقة، في البداية كنت أخمن هذه بالعشرات، أو بالمئات، وأما اآلن فأراها باأللوف.. عد القوا

يقر كل العقالء بها، أي بأصولها وإن أي تلك القواعد التياختلفوا فرضا في حدودها ومصاديقها..

ة على أن تخالف إدراكاتها ة والعصي أي تلك الحقائق األبيالواقع، وأن تتشكل

على خالف الواقع، بل هي مطابقة للواقع شاء اإلنسان أمأبى.

هذه هي النقطة األولى، والجواب األول على هذه النظرية إلى نسبية المعرفة، وهي جذر فلسفي لمعادلة التي تذهب

الهرمنيوطيقا. تعدد القراءات، ونظرية)2(

البرهان اإلني يكذب الدعوى193

والبرهان اإلني يكذب هذه الدعوى على إطالقها، هذه إذ كان إشكالنا)بالجملة( صحيحة، ال )الجملة في(الدعوى

أي)البرهان اإلني(ونقول: إن على تعميم هذه النظرية، اآلخر على هو الدليل)االنتقال من المعلول إلى العلة(

إبطالها، فإذا أردنا أن نعرف أن هذا الشيء، أو هذه صحيحة أو ال، فعلينا أن نعمد لآلثار لنرى اآلثار ماذا النظرية، األثر دليل على الصدق أو(، و)علينا إن آثارنا تدل(تقول؟ التي تدعي بأن فلنبحث عن آثار هذه النظرية)الكذب

،)الشيء كما يبدو لي(، و)الشيء في حد ذاته وفي نفسه(هما أمران متغايران، قالوا:

ألن الشيء في حد ذاته هو حقيقة مطلقة، أما الشيء كما مزيج من تفاعل تلك الحقيقة مع أفقي يبدو لي فهو

المعرفي، والقبليات المعرفي، وقبلياتي النفسية، فاألفق تتفاعل النفسية، أو الضغوط النفسية، والضغوط االجتماعية

مع الصورة الحاصلة من الشيء لدى الذهن فتنتج معرفة،المعرفة نسبية وليست مطلقة.. فهذه

والجواب: إن العلم يكذب ذلك، والبرهان اإلني يكذب ذلك، و سنستشهد بشاهدين فقط، أحدهما: من عالم الطبيعة

واآلخر من علم النفس.. ،1 والفيزياء

1 فاالعتراض قطعية، علوم هي والرياضية الطبيعية العلوم بأن يعترف كانط بأن علما.الطبيعية للعلوم حتى النسبية يعمم من على وعام االجتماعية، بالعلوم خاص عليه

194

قوانين عالم الطبيعة والفيزياءأ: في عالم الطبيعة والقوانين التي تتحكم فيها كأصل وجود

الطاقة والمادة وغير1 من معادالت الجاذبية ومجموعة مطابقة لواقعها كما ذلك، أليست أفكارنا وتصوراتنا عنها

هي؟ إن خير دليل على ذلك هي اآلثار والبناءات التي تبنى على

فكلما كانت اآلثار متطابقة دوما والبناءات تلك القوانين، متوافقة، كلما اكتشفنا أن المؤثرواحد، وأن ما عرفناه عنه

يتطابق مع ما هو عليه. والذين ال يزالون(فمثال: الطائرة التي صنعت، وصانعوها

بشرولهم قبليات نفسية، وقبليات فكرية، وآفاق)يصنعونها الطائرة وهو في الهند معرفية مختلفة؛ فشخص قد يصنع

بطريقة التفكير المعهودة من ذاك البلد، وشخص آخر في الصين، وشخص آخر في أمريكا، وشخص آخر في البالد

جرا.. العربية وهكذا وهلم فهؤالء لهم آفاق معرفية وخلفيات نفسية مختلفة جدا، بل

يسكنون في بلد واحد فإن خلفياتهم حتى الناس الذين والضغوط المعرفية وأفقهم المعرفي وحاالتهم النفسية،

األسرية، واالجتماعية، والحكومية، والقانونية، عليهممختلفة،

لكن مع ذلك نجد أن النتيجة واحدة، وهي: تسيير الطائرة وهبوطها، طبق قوانين محددة: في الجاذبية، وإقالعها

الرياح، وقوانين االصطكاك وطريقة التغلب عليها، ومقاومة أو تيارات والضغط الجوي وتوازن الضغط، وأنهار الهواء

الرياح في السماء، ونوعية الطاقة الدافعة وكيفية هندسة وحتى ذيل الطائرة لتوفير االنسيابية في الهواء األجنحة

وتقليل الضغوط.. ، وما)الطاقة(إن هؤالء قد يكون لديهم تصور مختلف عن

وقد يكون عندهم تصور مختلف عن الجاذبية، هي حقيقتها؟.)المعادالت كل( ال )معادالت من مجموعة( ذكرنا أننا الحظ 1

195

يكون عندهم تصور مختلف عن وما هو جوهرها، وقد ، وقد)المقاومة (، وقد يكون لهم تصور مختلف عن)األثير(

تكون هناك قبليات معرفية، ونفسية، وتجارب سابقة تؤثر

في ما أفهمه من مفهوم المقاومة، أو من مفهوم األثير، أو كلها قد تكون صحيحة لكن النتيجة أن غير ذلك.. وهذه

بإيجابية مع كل تلك الطائرة هندست بطريقة تتفاعل أن القوانين وصار بمقدورها أن تطير في الفضاء، والنتيجة

الماليين من الناس يركبون في هذه الطائرة ويصلون إلىبر األمان بسالم..

-هذا هو البرهان اإلني؛ فلتكن في ))كثير من األحيان(( بل نقول ))في كثير من(كل)إذ ال نقول والعبارة دقيقة

المعرفي، وغير ذلك األحيان(( القبليات النفسية، واألفق وأنتجتها مختلفة، ولكن النتيجة هي أن الطائرة التي أفرزتها

وصنعتها هذه القبليات المختلفة واآلفاق المعرفية المختلفة، الفضاء وتتحدى قوانين الجاذبية، وبدقة أكبر: لحتق في

وبعبارة قرآنية دخلت في قانون تدخل في إطار قانون آخر،ماوات واألرض ﴿إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار الس

.1 ﴾طانلإل بسافانفذوا ال تنفذون إن السلطان هو قانون آخر إلهي يحكم القانون األول

الطائرة طارت وأوصلتك إلى المقصد بسالم، طبيعيا، فهذه النسبية بشكل مطلق ويقول: وهنا نسأل من يتبنى النظرية

أن يقوله بأن هذه القبليات مؤثرة، نسأله: ما الذي يريد لنا؟، أي ما الذي يريد أن يستنتج من أننا ال نستطيع أن

(الشيء كما يبدو لي)كبد الحقيقة أبدا؟ وان نصل إلى؟(الشيء في نفسه)يختلف عن

.33 سورة الرحمن: 1196

)ونقول: إذا كان فكيف أن(االختالف، على فرضه مؤثرا اختالف خلفياتهم الفكرية وقبلياتهم النفسية الجميع رغم

وصلوا إلى نتيجة واحدة؟ وانتجوا وصنعوا منتجا يتعاطى مع عشرات بل المئات من

والفيزياء والكيمياء والفلك وغيرها، بدقة قوانين الطبيعة أن تأثير الخلفيات فائقة ونجاح كبير؟ إن ذلك يعني

كما بدت لمختلف(المعادالت)والقبليات كان صفرا، وإن المعادالت في ذاتها، وإال لكانت النتائج(طابقت)الناس

مختلفة. : إن القبليات المعرفية ولو كانت موجودة لكنهاوالحاصل

ال تؤثر في كثير من

األوقات في إصابتك لكبد الحقيقة، وفي معرفتك الصحيحة للجوهر الذي تحتاج إليه أو إلى مائة بالمائة للقانون أو

الحدود. آثاره، وإن كانت مؤثرة في الهامش أو في بعضب: قوانين علم النفس

في علم النفس هناك قضية االستجابة واالنعكاس بافلوف المعروفة، وهي تتناقض مع الشرطي، ونظرية

ظاهر كالمه، وبحسب حسب ما هو) وتكذبها (كانط)نظرية ال ما هو منقول في الموسوعات والترجمات، والمهم: إننا

مها)، فظاهر كالمه نحاكم الشخص، بل نحاكم الفكرة ونقي سواء في شؤون الميتافيزيقيا(حد ذاته الشيء في)أن

الشيء في)هذه كلها ،1 والغيبيات، أم في العلوم اإلنسانية أمر آخر.. إن هذه(الشيء كما يبدو لنا) أمر و(حد ذاته

العبارات ليست صحيحة.توضيح ذلك:

الهرمنيوطيقا نقد في كالمه فصلنا والرياضيات الطبيعيات فقط يستثني كانط ألن 1والمعرفة الحقيقة ونسبية

197

معروفة،(االستجابة الشرطية)في علم النفس، معادلة فسواء كانت خلفيات

(االستجابة الشرطية)البشر متساوية أم مختلفة، فإن الشك، ومن األمثلة الواضحة: قاعدة حقيقية ال يرقى إليها

أن تطعمه ما لو كان لديك طفل صغير وكلما جاع وأردت إلى مثير لسيالن(الجرس)تدق جرسا، وهكذا يتحول

تماما كما يقوم به استشمام رائحته أو رؤيته، كما اللعاب، على المجيء إليك فورا، كما أن الجرس سيحفز الطفل

كانت رائحة الطعام أو رؤيته من بعيد محفزا. وحاصل النظرية: إنه إذا اقترن العامل الطبيعي أو الحقيقي

المؤثر في شيء بعامل آخر لفترة طويلة من الزمن، فإنه حتى وإن كان هذا

أجنبيا في ذاته عن األثر، إال أنه بمجرد تكرر العامل الجديدالمصاحبة كثيرا سيكون له نفس

المفعول، وذلك نتيجة لكثرة تكرار هذا العامل ومصاحبته االستجابة)وتسمى هذه العملية ب للعلة المؤثرة،

القضية في علم النفس ، والحاصل: إن أصل هذه(الشرطية أو مما الشك فيه. ذلك أن اإلنسان من أي أفق معرفي كان

أية قبليات نفسية كان يحملها، فإنه يذعن لهذه الحقائق كماهي.

االنتقال) أي (البرهان اإلني)إذن: خلصنا إلى أن ما أسميناه يصلح دليال قويا لرفض تعميم(لى العلة امن المعلول ، وفي(الشيء كما يبدو لنا)و( الشيء في ذاته)التفريق بين

إلى مثالنا فإننا ننتقل من قاعدة االنعكاس الشرطي المعلول، مهما كانت الخلفيات والقبليات.. والدليل هو

وبذلك يظهر أنه كثيرا ما تكون الحقيقة( البرهان اإلني)198

هي في الخارج وإن لم مطابقة للحقيقة كما(كما تبدو لي)تشعرني بكافة تفاصيلها األخرى..

(3) المرشحات والمصافي والمرجعيات في الكون

واإلنسان وإليكم أيضا بعض التفصيل كما أشرنا في البحث السابق

،(المرجعية المعرفية الداخلية والخارجية)قضية إليه أعني البشر وهو يعلم بأنه سيبتلى فإن الله سبحانه وتعالى خلق

ولذا لمعرفي، في كشفه للحقائق بتأثره بقبلياته وبأفقه (مرجعيات)فإنه من لطفه وجوده وكرمه جعل له

199

بتجريد الفكرة عن الشوائب وتطهيرها من تقوم(مصافي)و التي خلقها(المرشحات )الملوثات، وهذه المرجعيات أو

التعبير الله تعالى لإلنسان هي ما يسمى بالفطرة حسب للتنقية مثل(فالتر )القرآني، وكما أن لكثير من األشياء

المياه من الشوائب، أو عزل الذهب عما لحق فالتر تنقية أيضا فإن الله قد خلق فيه به من معادن، كذلك في العقل

الجوهرية وجعل كثيرا من المعارف(فالتر) و(مرشحات) (سواء في العلوم اإلنسانية، أم العلوم الغيبية)واألساسية

كمرشحات ومصافي فكرية.. وعندما تقتحم الذهن تعمل فيها السليم من السقيم، تقوم هذه أية فكرة غريبة ال نعلم

وباطل، وتكشف لك المرشحات بالفرز بين ما هو حقيقة هو الشيء كما) عن (الشيء كما يبدو لي)درجة انحراف

، فتحدد لك نسبة الخطأ وموقعه، وتكشف(في الواقعتطرأ على الحقيقة. التي(التلوينات)

وفي شاهد تكويني؛ نجد النور أو الضوء الذي له نسبة ما يمر عبر الماء، فإن هنالك مرجعية انكسار معينة عند

خطأ الباصرة. علمية تحدد نسبة االنكسار وتصحح

مرجعيات أخرى ومن الضروري اإلشارة إلى أن الله تعالى أوجد مرجعيات

فإننا نمتلك المرجعيات المختلفة، ولذلك أيضا عديدة، ولذا العقل فقط في كل شيء، ال يمكن االعتماد على مرجعية

200

وحده ال وال بد من مرجعيات خارجية مساعدة، ألن العقل كمالكات أحكام الشارع، وكالقضايا)يكفي في بعض القضايا

، وال(العلمية التي ال تنال إال بالتجربة أو الفحص واالستقراءومسدد له.. بد من هاد

ومن هنا نكتشف حدود صالحيات العقل وأن اإلنسان إذا بالعقل وحده، فإنه قد يصاب في غير أراد أن يكتفي

الملونات، أو القبليات، المستقالت العقلية ونظائرها بهذه ألن العقل أيضا يحتاج إلى مرجعية في الجملة.. أي في الكثير من القضايا ولذا خلق الله تعالى إلى جوار العقل

فإنها من المرجعيات،(الفطرة )مرجعيات أخرى مثل يعد من(النفس تهذيب) أيضا من المرجعيات، و(اإللهام)و

سبل االتصال ببعض المرجعيات.. وهناك مرجعيات عديدة تحتاج إلى بحث مستقل وقد اكتفينا ههنا باإلشارة فقط.

فالكثير قد يتصور الله بشكل(الله موجود)فعندما نقول: نجد أن هناك من يعبد الله والعياذ بالله على معني ولذا

أنه يعتقد أن الله على صورة صورة صنم أو شاب أمرد أو الناس، شمس أو قمر أو بقر، وهكذا تختلف اعتقادات

والكثير قد يتأثر بشكل من األشكال، بالقبليات المعرفية وانخفاض األفق المعرفي لإلنسان، أو ارتفاعه، والنفسية،

الناس ولكن: هنا لنا كلمتان.. كل ذلك له تأثير في أغلب

الفرق الجوهري بين األصل والتفاصيل الكلمة األولى: أن أصل وجود الله، الخالق، أمر فطري

مغروس في فطرة

201

اإلنسان، وهذه حقيقة ال تستطيع التلوينات والقبليات أن يمكن أن تبهت تأثيرها في اإلنسان لكن ال تؤثر عليها، نعم

تستطيع أن تزيلها.. وهذا هو ما يشكل محور الجواب الرابع، والذي سيأتي، وهو

الجوهري بين األصل أي أصول الحقائق والمعارف الفرقوبين تفاصيلها وحدودها.

رت هذه القبليات في االعتقاد بهذا الكلمة الثانية: فيما إذا أث إن)المفهوم ، فإن الله خلق(الله سبحانه وتعالى جسم مثال

بما هي، فعندما تأتي إلى مرجعيات أخرى لهذه القضية ولكن هناك الذهن القبليات المعرفية والنفسية، تؤثر أثرها،

مرجعيات أخرى، منها مرجعيات ومعادالت علمية، أرشد اإلنسان إليها لو التفت، فإنه يستطيع أن يعزل الغث الله

ما هو الحق.. من السمين، ويعرف كدليل على تجرد الله(الحاجة)مرجعية برهان

تعالى في تمحيص(مرجعية العقل)ولنذكر شاهدا على

وتشذيبها من الشوائب، فإن الله االعتقادات أو األفكارسبحانه وتعالى لو كان جسما أو شابا أمرد،

ز، وفي مكان، واحتاج إلى ذلك المكان، وألحاط لكان في حيبه الزمان..

فكان محدودا محتاجا إلى غيره، وكيف يكون خالق كلشيء وواجب الوجود

بالذات، محتاجا لغيره أو محدودا؟ برهان استحالة حاجة الواجب للممكن أو)إن هذا البرهان

من مرجعيات العقل، وبه يثبت أو(مرجعية ) يعد(لغيره وجاللية، وكذلك سائر األدلة التي ينفى صفات كثيرة جمالية

وأنه ليس مكانيا، يستدل بها على تجرد الله سبحانه وتعالى

202

كيف وال زمانيا، وال محدودا، إذ هذا الذي يحتاج إلى المكان يكون خالقا لكل شيء بما فيه المكان والزمان؟، وإذا كان

شاب فكيف يستطيع أن يكون هو الخالق للمكان، الله بهيئةوالخالق للزمان، والحال

ز، ومن هو في ز فإنه محتاج إلى ذلك الحي أن من هو في حي ذلك المكان، والحيز، ثم كيف يكون مكان فإنه محتاج إلى

في حيز أو جهة خالقا لما يحتاج هو إليه؟ كما أن من هو فإنه قد خلت منه سائر األماكن؟ إلى آخر البراهين التي

في محلها من علم العقائد والكالم.. وليس كالمنا هنا تبحث حتى نشبعها بالبحث والتحليل في كل مفردة مفردة

والدليل.

حوار العلماء يكشف عن وجود مرجعيات من أين ينشأ؟ ومن أين(حوار العلماء): برهان آخر

وشرعيته؟ فإن العلماء والخبراء على يكتسب عقالنيته األماكن امتداد األزمان وفي كل المجاالت وفي شتى

يتحاورون فيما بينهم.؟ ولكن إذا قلنا بأن القبليات الحاكمة فذلك يعني حتمية إلغاء الحوار، إذ والخلفيات هي

وأنت أفقك المعرفي ، أن أفقي المعرفي هو بشكل معين نتحاور بشكل متميز آخر، فعلى أي شيء نتحاور؟، وكيف

إذا كانت القبليات والخلفيات قسرية ولم تكن توجد لنحتكم إليها ونتحاور على أساسها؟ إن التحاور مرجعيات لنا

والنقاش(المرجعيات)بوجود يكشف عن اإليمان الفطري األطفال مبني يدور على أساسها، فحوار العلماء بل وحتى

في ارتكازهم، على وجود مرجعيات معينة، تلك المرجعيات

203

، وهذا1تستطيع أن تقضي على الشوائب، ولو في الجملةيكفينا..

،(العلم) هناك مرجعيات معينة قد تكون المرجعية، هي إذن فالله يتدخل مباشرة، وقد(اإللهام)المرجعية هي وقد تكون

.. فإن كثيرا من الحقائق(النفس تهذيب)تكون المرجعية بذلك قادرا على تتلون، فإذا هذب اإلنسان نفسه فإنه يكون

إزالة ذاك التلوين، ولنمثل بغسيل المالبس عندما تتسخ، فإن أفكار اإلنسان أيضا قد تتلوث فيكون تهذيب أفكار

اإلنسان عن طريق

تهذيب النفس، وهذا له بحث مفصل ولعلنا نوفق لكتابةكتاب خاص عنه..

قانون باريتو في االقتصادولننطلق إلى شاهد آخر:

(باريتو) نجد قانون (علم االقتصاد واإلدارة)ففي مثال من معروف، ولقد كان قاعدة أساسية في علم وهو قانون

إلى مختلف الحقول االقتصاد ثم سرى وجرى وعمم ثمانين يقول: في االقتصاد نجد أن(باريتو)اإلنسانية، قانون

بالمائة من الناتج االقتصادي لإلنسان ينشأ من عشرين االقتصادي الذي يبذله،(الفكري والعملي)جهده بالمائة من

االقتصادي ينشأ من ثمانين وعشرين بالمائة من ناتجه االقتصاد بعد بالمائة من جهده.. وهذا قانون واضح في علم

أدنى تأمل.

تأثيرها لكان الموانع عن المرجعيات هذه خلت ولو 1 .دائما204

وفي علم االجتماع نجد األمر كذلك، فثمانون بالمائة من عشرين بالمائة من المعارف، وعشرون بالمائة الوقت تنتج

من أوقاتك تنتج ثمانين بالمائة منمعارفك.. وتوضيحه بمثال الذهني، مبسط واضح؛ أن اإلنسان يختلف استحضاره

وشدة حضور ذهنه، أو قدرته على اإلبداع على امتداد اليوم، كما لك أن تالحظ ذلك في الذين يدرسون والذين يؤلفون،

المعلومات تتدفق عليه كالسيل المنهمر، فأحيانا يجد المرءوأحيانا أخرى يشعر أن ذهنه أصبح

بليدا وأغلقت عليه اآلفاق، وأحيانا يجد إنتاجه كثيرا جدا،ضعيفا، والقانون يجري عليه.. وأحيانا يجده

وفي حقل التربية نجد أن ذلك الذي ينشغل بتربية التالميذ، بالمائة من وقته ينتج عشرين بالمائة من فإن ثمانين

الكفاءة، والعكس بالعكس، عشرونبالمائة ينتج ثمانين بالمائة.. حسب هذا القانون..

181

مرجعية قواعد المنطق لهذه الفكرة وأشباهها،(المرجعية)وحيث إن كالمنا عن

(منطقية)وسنجد أن الله قد جعل مرجعية فلنبحث عنها قد ذكروا إحدى المرجعيات، لها، وعلماء األصول والمنطق

السالبة الكلية، وهي: أن تحذف سور الموجبة الكلية، وسور فتحولها إلى موجبة جزئية، أو سالبة جزئية، إذ هذا القانون

قد ال يكون تاما على إطالقه إذ قد يقول قائل: ال ينتج205

بالمائة دوما، بل قد تكون تسعة ثمانون بالمائة العشرين أو أقل أو أكثر. وسبعون بالمائة تنتج واحدا وعشرين بالمائة

ولكن لكي تكون القضية صادقة دوما وشاملة فإن علينا أن نحذف سور الموجبة الكلية، وسور السالبة الكلية، وأن

الموجبة الكلية إلى موجبة جزئية. نحول القضية من والحاصل: إن كثيرا من المعلومات والمعارف تكون مطابقة

وبتحويل القضية من الثانية(بالجملة) ال (الجملة في)للواقع الشيء في) يتطابق مع (يبدو لي الشيء كما)لألولى، فإن

مخالفة من أي ال تكون بينه وبين الواقع عندئذ(حد ذاتههذه الجهة..

تحويل الكلية الموجبة إلى قضية جزئية)فهذه القاعدة وهي صحيحة، والله سبحانه(مرجعية)هي إذن(موجبة

اجتنبوا كثيرا من الظن وتعالى في القرآن الكريم ﴿يقول: وعند دراسة(الظن إثم كل) وليس 1﴾إن بعض الظن إثم

فإن القول هذه القضية نجد األمر كذلك مائة في المائة، ، معرفة ال(كل الظن إثم)في علم االجتماع وعلم النفس:

إن بعض الظن إثم فهل هناك ﴾تطابق الخارج لكننا لو قلنا ﴿ العالم يستطيع أن ينكر هذه القضية؟ كال.. وإن شخص في

و اآلفاق المعرفية ال تزحزح هذه كافة القبليات النفسية،بعض الظن إثم ﴾الحقيقة، فإن ﴿

مطابق للواقع في حد ذاته قطعا، وبدون(كما يبدو لي) كذلك عند كل العقالء.. شك، كما هو

والنتيجة: إنه توجد هناك مرجعيات معرفية فكرية علمية قد سبحانه وتعالى تعد بمنزلة المرشحات في عالم وضعها الله

12 سورة الحجرات: 1206

التفكير، وعالم الوجود عالم(مصافي)الطبيعة، وهي العيني. الذهني، وهي تعادل وتناظر مصافي عالم الوجود

ومن الضروري أن ننبه على أنه: كما أن المصافي الطبيعة أحيانا تكون ناقصة، كذلك والمرشحات في عالم

نقصها كثيرة، وقد األمر في عالم الذهن أيضا، وأسباب الضوابط الكلية لضمان)فصلنا الحديث عنها في كتاب

مناشئ خطأ) في مبحث (اإلصابة في األحكام العقلية سبال وطرقا لمعالجة نواقص المصافي كما أن هناك(العقل

عشر عامال في ذلك أو تلوثها، وقد تطرقنا ألكثر من أربعة الخلل في الكتاب، وبذلك نكون قد خلصنا إلى بعض مكامن.1 كلمات كانط سواء في أصولها أم في تعميماتها

(4)

وال بأس هنا أن أشير إلى أن هذه األجوبة واألجوبة األخرى التي أضفناها، وهي 1 مجموعا حوالي خمسة عشر جوابا ذكرناها في كتاب )نقد الهرمنيوطيقا ونسبية

الحقيقة والمعرفة واللغة( على هذه الشبهة وقد ذكرنا منها حزمة في هذا البحث والبحث الماضي، هذه األجوبة ال نروم منها وال نقصد منها أن يقتنع القارئ بكل هذه

األجوبة، إذ من الواضح أن بعض الناس قد ال يقتنع بالجواب األول، أو الثاني منها، ولذا قمنا بعملية تنويع في األجوبة، وتكثير فيها، وأنا على قطع بأن واحدا من هذه األجوبة

على األقل سيقتنع به القارئ اللبيب، ذلك أننا نريد أن نخترق الحواجز المعرفية للناس والقبليات النفسية، عن طريق مرجعية اإلجابة على مختلف المستويات، ولذا تجدون بعض هذه األجوبة مبنية بناء فلسفيا على مبنى غير ما بني عليه جواب آخر،

وبالتدقيق في الكالم يتضح أنه ال تهافت في هذه األجوبة، ألننا الحظنا اختالف األفق المعرفي للناس، واختالف القبليات والمباني، وأن الجواب الواحد قد ال يستطيع

أن يخترق حجاب الظلمات في مختلف الناس، فدعانا ذلك ألن نجيب على مختلف المباني لكي يكون في أحدها الكفاية، وذلك مثل ضوء البصر فإنه قد ال يستطيع أن

يخترق الظالم، لكن األشعة تحت الحمراء تخترق الظالم، إذا نحن علينا أن ننوع، وأنا ال أطمح إلى أن يقتنع الكل بكل هذه األجوبة، وإنما تكفينا بعض هذه األجوبة، وأكرر

بأن أفق الناس ومستوياتهم مختلفة، ومبانيهم الفكرية والفلسفية، لذا كان التنويع في األجوبة. نعم من المحتمل أن يقتنع قارئ كريم بكل األجوبة، ولعل البعض يفيدنا

مشكورا أجوبة جديدة.

207

الخلط بين القواعد والحدود واألصولوالفروع

خطأ جوهري ناشئ من الخلط بين(كانط)حدث في نظرية في الميتافيزيقيا، وعلوم ما وراء الطبيعة،(القواعد أصول)

..وهذه نقطة مهمة(التطبيقات)وبين وفي العلوم اإلنسانية،جدا..

في سلسلة من(أصل الحقيقة)ولذا نجده يعترف بأن والشيء في حد ذاته، قد طابقه الشيء لم تتلون،1 القضايا

كما يبدو لنا. نعم كثيرا ما تكون األصول سليمة ولكن في التطبيق قد

تلويث، وتشوش، كما قد يحصل في اإلرسال يحدث هناكاإلذاعي مثال..

فينبغي أن يفرز بين المطلبين، وحتى ال نبقى في دائرة كمال)بمثال حيوي وهو أن العلم الفكرة المجردة سنمثل

كمال بما هو هو، ، وهذه القاعدة بديهية: العلم(في حد ذاتهلكن عند ما نأتي للمصاديق قد تحدث بلبلة واضطراب

وعدم وضوح في الرؤية، فهل السحر كمال أو ال؟، والسحرم في الشريعة كما هو واضح، فهل السحر كمال؟ محر

هنا الناس قد يختلفون حسب اختالف أديانهم أو مشاربهم، يعتبره منقصة وبين من يعتبره كماال، فهم بين من

(المصداق )فالمشكلة نشأت عند النزول إلى مستوى والتطبيق، وفي المصاديق كثيرا ما تكون اآلفاق المعرفية

والقبليات النفسية مؤثرة، فهي تتدخل في المختلفة أو نقص، لكنها لم تكن المصداق، وإن هذا المصداق كمالرة على مستوى أصل القاعدة.. مؤث

airior . (القضايا القبلية)وهي التي أسماها 1208

ومن تبعه، حيث لم يالحظ التفريق الدقيق(كانط)ولكن والواضح في

، ابتلي(المصاديق) وبين (الكلي الطبيعي)الوقت نفسه بين بالخلط بين الكلي

الطبيعي، وبين مصاديق الكلي الطبيعي، فالكلي الطبيعي للواقع مئة بالمائة، ولكن المصداق قد قد يكون مطابقا

فيه تغاير في يكون فيه تلون واختالف، وقد يحدثالقبليات، واآلفاق المعرفية، والنفسية..

ولنمثل بمثال آخر في علم الطبيعة؛ فعند ما نقول بأن ، وهذا الشيء واضح لكن(يكون بالتوالد التكاثر كثيرا ما)

بين العالم والجاهل، في في المصاديق يختلف التشخيص بأن التكاثر ال أنواع الحيوانات، واإلنسان األكثر علما يعرف

ينحصر بالتوالد وأن القضية الصحيحة ليست مسورة بسور الموجبة الكلية، وإنما قد يكون التكاثر باالنشطار كما في

أو بالبيض وإلى غير ذلك من أنواع بعض المخلوقات،التكاثر..

209

(5)

الذهن إما يؤكد أو يزيف حسب نظرية كانط: فإن المعرفة هي حصيلة وجود حقيقة

أو بأي)انتقلت إلى ذهن اإلنسان عبر الحواس، في الخارج، القبليات النفسية واألفق المعرفي قد ، ثم إن(طريقة أخرى

فتولدت معرفة معينة، عجنت بهذه الحقيقة، وامتزجت بها، فليست ،(الشيء كما يبدو لي)هذه المعرفة صار اسمها .(الشيء في حد ذاته)إذن مطابقة للخارج، أي

ولقد أجبنا عن ذلك بأجوبة عديدة، ومنها: قلنا إن كثيرا من تتأثر بهذه الخلفيات والقبليات، وهي عصية على القضايا ال التكوين: بعض السوائل التي تأبى ومثاله من عالم)التلوين،

.(االمتزاج مع غيرها ومنها: قلنا: إن هناك مرجعيات ومرشحات تستطيع أن تفرز

الباطل، وتفصل الغث عن السمين، واألصل عن الحق عنوالفطرة، واإللهام، وتهذيب النفس.. التلوين، مثل العلم،

والجواب اآلخر الذي نضيفه هنا هو: هذه الحقيقة عندما تتأثر بهذه القبليات على حسب الفرض، تأتي إلى الذهن،

القبليات على قسمين: ولكن المفارقة الهامة هي أن هذه وقد إذ قد تكون هذه القبليات مما يعضد الحقيقة ويؤكدها، تكون معاكسة للحقيقة ومعاندة ومغايرة، فليست كل

والخلفيات النفسية مضرة بالحقيقة، بل القبليات الفكرية

210

مساعدا الكتشافك كثيرا ما تكون هذه القبليات عامالالحقيقة بشكل أفضل..

و األفق المعرفي أحيانا يؤكد التطابق ثبوتا ويوصل إليه أعمق، وأحيانا يكون سببا في االختالف بشكل أسرع أو

واحد سلبي وإنما يوجد واالنحراف، فليس هناك جانبجانبان: إيجابي وسلبي.

بين الطفل والمعرفة ولنوضح ذلك بالمثال؛ فلنالحظ طفال تربي في جو احتيال،

والعياذ بالله وكان المحيط الذي نشأ فيه وجو سرقات سلسلة من قصص محيطا قاسيا جافا مرا وكانت حياته

الفقر والتشريد، وكان يراقب ويشهد دوما كيف يتمتع األغنياء في دنياهم بالبذخ واإلسراف والترف؛ إن هذه

شخصية الطفل سلبيا وبعمق، مما تجعله التجربة تؤثر على ينحرف نحو السرقة وال يرى فيها قبحا شديدا أو عيبا كبيرا

بحسب تلك النفسية، وهذا يعني أن األفق المعرفي والتجارب السابقة والقبليات كان لها الدور والتأثير في عدم

للحقيقة كما هي عليه في(كما يبدو له الشيء)مطابقة حسنة أو قليلة القبح، فإن السرقة(كما يبدو له)نفسها، ف

توجد لكن الحقيقة في حد ذاتها هي أن السرقة قبيحة، إذن هناك آفاق معرفية من هذا القبيل تلون المعرفة بلون مضاد

أو مغاير. للحقيقة، ولكن وفي االتجاه المقابل نجد أن هناك قبليات معرفية

تسهم في جالء الحقيقة وتوضيحها بالعكس تماما حيث سليمة نقية نزيهة، أكثر، وذلك مثل شخص تربي في بيئة

أو فإنه عندما يكبر تجده يعد السرقة منقصة وعيبا ونقصا، تجده يحترم األبوين، واحترام األبوين قيمة في حد ذاتها،

211

الفطرية، تعضدها تربيته المنزلية السليمة، هذه القيمة وإكرام الزوجة، وفي وكذلك الحال في احترام األم،

: ))ما أكرم)صلى الله عليه وآله وسلم(الرواية، يقول النساء إال كريم، وماأهانهن إال لئيم(( .

فالقبليات المعرفية والخلفيات النفسية ليست سلبية دائما، تسوق باتجاه المعرفة الصحيحة، وتكشف عن بل إنها قد

فتسهم في تكريس معادلة وجه الحقيقة كما هي هي،تطابق عالم اإلثبات مع عالم الثبوت.

والحاصل: إن القبليات المعرفية واألفق الثقافي والتجارب اإلنسان، قد تكون تجارب سلبية تشوش على التي مر بها

اإلنسان فهمه للحقيقة، وقد

تكون بالعكس تضيء له الدرب أكثر فأكثر وتكشف له وجهأوضح وأجلى. الحقيقة بشكل

(6)

البرهان اللمي

الذي يعني االنتقال من المعلول(البرهان اإلني)حيث تقدم الذي يعني االنتقال من(البرهان اللمي)فلننتقل إلى للعلة،

العلة إلى المعلول: إن الله سبحانه وتعالى هو المكون والخالق لعوالم الذهن،

والوجود اللفظي، والوجود الكتبي.. كما هو الخالق أيضا ذلك فإنه جل اسمه عند ما شرع لعالم العين، وبناء على

(آخر وكذلك أي مشرع حكيم)الشرائع لإلنسان كان ملتفتا بالضرورة إلى أن كثيرا من القبليات واالنفعاالت النفسية،

212

واآلفاق المعرفية تؤثر في الذين سيصدر القانون في عليه، بالنظر لحكمته وألنه يريد إيصال حقهم، ومن هنا كان

األمان، أن يضع عباده للمصالح الواقعية ولشاطئ مؤشرات تدل هذا اإلنسان إلى أي عامل فساد وانحراف

وتلوين يشوه مراده من المنهج أو الرؤية الكونية التي أراد إليها، فال بد إذن من أن يضع عالمات للبشر أن يصل

كتلك التي توضع في ودالالت توصل إلى كبد الحقيقة،الطرقات للتوجيه واإلرشاد ..

والحاصل: إن الله المكون القادر العليم الحكيم الذي نحن حتى ذلك المدير الناجح، والذي يسعى ألن نعتقد به، أو

الذي يريد أن يدير أسرته بشكل يكون مديرا كفؤا، أو األب عليه أن يضع جيد، أو المقنن في البالد - البرلمان أو غيره

القوانين وأن يصوغ رساالته ومناهجه بشكل يفسح الطريق لكي تناله أفهام كافة الناس، رغم ما قد يتحكم في الناس

من قبليات في

عملية الفهم، فال بد إذن من أن يضع خرائط وموجهات تقودفي متاهات القبليات والخلفيات. عملية الفهم

؛ إن الحكمة(البرهان اللمي)وهذا هو ما عبرنا عنه ب الخالق، أو من المشرع، أو من المدير أن تستدعي من

تلك الضوابط التي تفرز يضع الخرائط أو البوصلة، وأيضا لك لك الحقيقة عن غيرها، لكي يكون الشيء كما يبدو

وهذا البحث يتميز بكثرة مطابقا للواقع كما هو في حد ذاته جدا، فلنذكر وعمق مباحثه وتفريعاته، وله مصاديق كثيرة

اآلن مثاال واحدا في ما يرتبط بالغيبيات: فإن من الضوابط،213

(المفاجأة)ومن المنبهات التي وضعها الله سبحانه وتعالى: تعد طريقا معبدا إلزاحة األتربة عن والتي(الصدمة)أو

العقول المغبرة ، كما ورد في الحديث:.1 ))ويثيروا لهم دفائن العقول((

قصة بهلول الحكيم يسجل لنا التاريخ هذه الوثيقة العلمية في ثنايا القصة

الذي كان من كبار العلماء في زمان التالية، فإن بهلول على المنبر ذات يوم وهو اإلمام الصادق؛ رأى أبا حنيفة

يتحدث للناس مؤكدا النقاط التالية: النقطة األولى: إن الله تمكن رؤيته، ألنه إذا لم يكن يرى

نصدق بشيء ال يرى؟ فكيف نحن النقطة الثانية: إننا مجبورون على أفعالنا، ألن الله يعلمها

نفعلها!. من قبل أن والنقطة الثالثة: إن إبليس ال يعقل أن يعذب بالنار وقد خلق

ولقد كان بهلول متكلما قديرا وعالم نفس أيضا، من نار!فاستخدم أسلوب

إلزاحة األتربة والتلوينات عن عقل أبي حنيفة(الصدمة) شاهده الناس يأخذ فجأة قرميدة أو والسامعين، وهكذا

على الناس يخطب حجرا ويرمي به أبا حنيفة الذي كانفشج رأسه، وسال الدم على لحيته وثيابه..

السماء خلق ابتداء فيها يذكر( السالم عليه )له خطبة من 1: الخطب البالغة، نهج 1 )عليه السالم(وآدم واألرض

214

فامسك به بعض جماعة أبي حنيفة وجاؤوا به إلى الحاكم، حنيفة والدماء تسيل منه، وهنا قال له الحاكم: وشكاه أبو

فعلت ذلك بأبي حنيفة؟ أجاب بهلول برباطة جأش: ال يحق ألبي حنيفة أبدا أن

بشيء، إذ أنني أحاكمه بكلماته هو يشكوني إليكوبمعتقداته هو.

قال الحاكم: وكيف ذاك؟ قال بهلول: إن أبا حنيفة كان يقول: بأنه الله يرى إذ لو لم

كان موجودا، واآلن يا أبا حنيفة أسألك هل يكن يرى لماقال: نعم رأسي يؤلمني. يؤلمك رأسك أو ال يؤلمك؟

فقال بهلول: كال هذا كالم غير صحيح! أين األلم، إننا ال تقول الذي ال يرى غير موجود، فكيف تشكوني نراه!، وأنت

فاأللم غير موجود حسب من ألم ال يرى؟، وبالتالينظريتك!.

ثم إنك قلت: إن الله قد أجبرنا على األفعال، إذن أنا كنت أجبرني الله حسب نظريتك على أن أمسك مجبورا ولقد

تحاكمني؟ اذهب وناقش الله لم الحجر وأرميك بها فكيفأجبرني على ضربك!.

وأيضا أنت تقول: إبليس خلق من نار فكيف يعذب بالنار، أنت خلقت من تراب وهذا الحجر هو من التراب، وأقول:

أو هذا الحجر، وهي من نفس فكيف آلمتك هذه القرميدةجنسك وسنخك، إذن كيف تشتكي علي؟

فدعواك باطلة وال حق لك عندي.. فسكت أبو حنيفةوانقطع.

إن هذا هو ما نعنيه بمنطق الصدمة، إذ حينها تتجلى األقنعة وتنزاح الخلفيات النفسية الحقائق، وتتساقط

والقبليات الفكرية لتظهر الحقيقة كما هي في

215

مع(الشيء كما يبدو لي)نفسها، لألذهان، فيتطابق .(الشيء في حد نفسه)

والحاصل: إن الله سبحانه وتعالى وهو الخالق يعلم واقع - ودقق في كلمة في(في الجملة)أن هناك عبيده، ويعلم

لفكر اإلنسان، وهناك الجملة - ملونات وهناك مشكالت عوامل تحول دون أن يتلون الحق أو أن يكون الشيء

كما هو هو، وفي نفسه، مما ينعكس في ذهني بشكل آخر. نعم لقد خلق الله أدوات ووسائل عديدة وكان منها

خلق الله لإلنسان (مرجعيات) كما خلق له كما(الصدمة) كلها وغيرها أيضا تعيد اإلنسان مصافي ومرشحات، وهذه

الملونات بالقوة، إلى أحضان الحقيقة، وتقضي على تلك يقول الذي يقضي على الجراثيم،(األنتي بيوتيك)وذلك مثل

اك نستعين نعم نستعين اك نعبد وإي إي ﴾الله سبحانه وتعالى: ﴿ أن تكون الحقائق مكشوفة لنا كما هي، وفي الدعاء به على

.1 هي(( ))رب أرني األشياء كما

اللهم اهدنا الصراط المستقيم واجعلنا من المهديين.2 مجيب المهتديين إنك سميع

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على الطاهرين، واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين، محمد وآله

العلي العظيم. وال حول وال قوة إال بالله

.واإليمان الواقعية 14 ص 12 ج : المنزل الله كتاب تفسير في األمثل 1 الهرمنيوطيقا )حول محاضراته سلسة المحاضر، األستاذ يواصل أن المقرر من كان 2

أن إال محاضرة، عشرة أربع إلى لتصل( والنسبية هذه فكانت ذلك، دون حالت ظروفا أكثر مستقل كتاب بتأليف ذلك عن عوض سماحته أن على السبع، المحاضرات عمقا

والمعرفة الحقيقة ونسبية الهرمنيوطيقا عنوان تحت نفسه الموضوع حول وتفصيال.الطباعة قيد وهو واللغة

216

صادرالم أهمخير ما نبتدئ به:

القرآن الكريمنهج البالغة

( )قدس سرهالكافي الشريف للشيخ الكليني()قدس سرهبحار األنوار للعالمة المجلسي

()قدس سرهوسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي.....................................

. األوامر المولوية واإلرشادية - للمؤلف١ في القرآن للمرجع الكبير السيد( عليه السالم) . اإلمام علي ٢

)دام ظله(صادق الحسيني الشيرازي . األسفار لصدر الدين الشيرازي٣ . الهرمنيوطيقيا في الواقع اإلسالمي بين حقائق النص ونسبية٤

المعرفة - معتصم السيدأحمد - دار الهادي الطبعة األولى

. الحجة معانيها ومصاديقها - للمؤلف٥ . الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي واالجتماعي - الدكتور٦

كميل الحاج - مكتبةلبنان – ناشرون

. المعجم الفلسفي - الدكتور جميل صليبا٧ . الصياغة الجديدة لعالم اإليمان والحرية والرفاه والسالم للسيد٨

محمد الحسيني()قدس سرهالشيرازي

. الفقه: كتاب األطعمة واألشربة للسيد محمد الحسيني٩()قدس سرهالشيرازي

()قدس سره بصائر الدرجات محمد بن الحسن بن الصفار .١٠ مباحث األصول - القطع - للمؤلف. ١١()قدس سرهمعاني األخبار للشيخ الصدوق. ١٢()قدس سره مكارم األخالق للشيخ الطبرسي. ١٣ من فلسفات التأويل الى آليات القراءة عبد الكريم شرفي. ١٤

الدار العربية للعلوم- ناشرون217

معجم العلوم اإلنسانية - إشراف جان فرنسوا دورتيه ترجمة:. ١٥د جورج كتورة

فقه التعاون على البر والتقوى - للمؤلف. ١٦ تأويل اآليات الظاهرة للسيد شرف الدين علي الحسيني. ١٧

()قدس سرهاالسترابادي النجفي()قدس سره تبيين القرآن للسيد محمد الحسيني الشيرازي. ١٨()قدس سره تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني. ١٩ )قدس تفسير الصافي للشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني. ٢٠

(سره()قدس سره تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي. ٢١()قدس سره تفسير القمي للشيخ علي بن إبراهيم القمي. ٢٢()قدس سره تفسير العياشي. ٢٣ تنزيه المعبود في الرد على وحدة الوجود - السيد قاسم. ٢٤

على األحمدي شرائع اإلسالم في مسائل الحالل والحرام مع تعليقات. ٢٥

المرجع السيد صادق الحسيني )دام ظله(الشيرازي

شرح نهج البالغة البن أبي الحديد. ٢٦()قدس سره غوالي الآللئ إلبن أبي جمهور األحسائي. ٢٧ غرر الحكم ودرر الكلم للشيخ عبد الواحد اآلمدي. ٢٨

()قدس سرهالتميمي سير حكمت در أروبا - د محمد علي فروغي. ٢٩

218

المحتويات

.................................................................تقديم .9

الفصل األول المعرفة بين إدراك الواقع والنسبية المطلقة

..............................17 اهدنا الصراط المستقيم

...............................................17 ..داللة الكلمة(النسبية)

17ومواردها:....................................... نسبية الحقيقة أو المعرفة أو اللغة ..........................................18

معاني كلمة النسبية ....................................................19

219

: صوابية معتقدات الجميع:1 ............................................19

. صوابية معتقدات الفرد المتناقضة2 ......................................21

. ال مقولة مشتركة عالمية3 ..............................................22 الصراط المستقيم .. ونسبية المعرفة

........................................23 الصراط المستقيم في عالم- 1

24الواقع ...................................... . الصراط المستقيم في عالم2

27المعرفة....................................... . الصراط المستقيم في عالم اللغة3

28والكواشف.............................. هل الحقيقة

30نسبية؟ .................................................... هل الحركة أمر

31نسبي.................................................... الفصل الثاني

معاني النسبية وإجابات33........................................... عامة العلم

33والمعرفة.......................................................... معاني

32النسبية ......................................................... : المعرفة1

34............................ .الناقصة ........................220

المعرفة الكاملة بين اإلمكان35والوقوع.......................................

هل االستقراء يثبت عدم36الوقوع؟.........................................

. تغير المعرفة بتغير الزمن249والظروف......................................

. ال توجد حقيقة واحدة340معرفية ........................................

. ظنية العلوم441.................... .والمعارف...........................

. ال معرفة مجمع542عليها................................................

أجابات..............................................................44

أ: االستدالل بعلمي الحساب44والهندسة ...................................

ب: االستدالل على المؤثر45بآثاره ........................................

................ج: األوليات والفطريات ...............................46

د: المستقالت46العقلية ..................................................

ه - بين القرآن ووثيقة حقوق48اإلنسان....................................

. الصراط المستقيم يشمل150 .................................. (المعتقدات)

هل يعقل صدور حديث أصحابي51كالنجوم؟! ..............................

الملكات). ويشمل 253 .......................................... (الفاضلة

221

هل الخليفة54يتجسس؟ ..................................................

القصة األولى .........................................................54

. ويشمل خطرات356القلوب ............................................

دليل ضعيف لمنكري كسر الضلع وأجوبة56ستة..............................

الفصل الثالث النصوص والمناهج

61................................... . .......واألديان نسبية

61النصوص :...................................................... ماذا يقول فالسفة

62الهرمنيوطيقا؟ .......................................... . ال يوجد نص موضوعي1

63محايد ........................................ لوال أن رأى برهان

64ربه.................................................. . ال توجد منهجية توصلك2

66للحقيقة: ................................... ال إكراه في الدين ومنهج كشف

67المراد..................................... : الخلفيات الفكرية والنفسية والعادات هي التي تشكل3

68النص ............... أمثلة من

69الواقع ....................................................... . دين كل أحد هو فهمه4

72للدين ........................................

222

مناقشة73وردود: ........................................................

: النظرية تنقض نفسها173بنفسها.........................................

. النظرية تحطم البنى275االجتماعية........................................

: إلغاء المداس176واالمتحانات ...........................................

. إغالق الشركات277والمؤسسات.........................................

. عبثية كل االتفاقيات378الدولية..........................................

(مصدر) أو (المصدر)اإلسالم هو 78التشريع ...............................

ال نبي بعدي! ........................................................80

. هدم المجتمع ونسف481القوانين..........................................

الفصل الرابع المعرفة بين اليقين

85................ ...............................والظن المعارف بأجمعها ال تفيد

85قطعا: .......................................... : الجواب الصغروي2-1

86والكبروي....................................... القاعدة تنقض نفسها

86بنفسها ........................................... األنواع الستة

88للقطعيات ................................................ 223

اليقينيات في العلوم88االجتماعية ..........................................

أ: وتلك األيام نداولها بين89الناس .........................................

ب: الخير والشر في90اإلنسان.............................................

ج: إن اإلنسان91ليطغى .................................................

د: قانون العرض92والطلب ...............................................

. الجواب بدراسة لوازم393الكبرى .........................................

الحجية بمعنى194................................ ..الكاشفية .............

الحجية بمعنى لزوم295.............................. .اإلتباع ..............

الحجية بمعنى استحقاق395العقاب........................................

. اختالف طبائع496العلوم ..............................................

. الكمال بين الظن598واليقين:...........................................

شواهد من عالم99التكوين................................................

أ: الطفل.............................................................99

ب: المرأة ............................................................99

224

ج: الغضروف ......................................................100

د: االمتحانات......................................................100

ه : الموت..........................................................101

و: البداء...........................................................102

ز: المحكم103والمتشابه...................................................

بأجمعها صراط(الثمانية)108مستقيم ......................................

طريق نجاة النسبيين: الصراط110المستقيم ..................................

االستدالل بسياق سورة111الحمد.........................................

الفصل الخامس حجية الظنون النوعية ونسبية

115....................... .األديان........... ضوابط عامة للمعرفة

115الظنية: .......................................... قضايا قطعية في العلوم

115اإلنسانية........................................ هل كل الظنون

117حجة؟ ............................................... هل فهم كل أحد للشريعة هو

118دينه؟ .................................... الظن من

119الشعوذة! ..................................................

225

الظن المنهجي في العلم120الحديث........................................

الشيء كما يبدو) و(الشيء لذاته)122.................................. (لي

في(الشيء لذاته)مقولة 123الميزان.........................................

الزلزال ونوافذ123الحقيقة .................................................

الطب ومنافذ125الحقيقة.................................................

مقولة: دين كل أحد هو عين فهمه127للشريعة!............................. هل االقتناع بالخرافات يحولها إلى

131حقيقة؟ ................................ وهل هي حرب على

132القرآن؟ ..........................................

معادلة القوة133والضعف................................................

الفصل السادس في النسبية(كانط)تقييم نظرية

135 .............................. المعرفية كانط والنسبية

135الذاتية: ............................................... (النومن). 1137.............................................. (الفنومن)و . لكل شخص إدراك2

139معين ......................................... . ال ندرك إال الظاهر...............................................3

139226

. الباطن علة4139الظاهر ...............................................

. إدراكنا للحقيقة5140متلون ............................................

تقييم كلمات كانط ..................................................140

. األجوبة النقضية .................................................1141

يخالفها صريح142الوجدان ..............................................

. نظرية كانط تحطم السلم2144األهلي: ..................................

: هنالك حقائق عصية على3146التلون.. .................................

شواهد وأمثلة .......................................................148

المرجعيات(. وجود وتوفر 4149 .................................... )المعرفية

المرايا المحدبة.أ149والمقعرة:................................................

الخطان.ب151المتوازيان:................................................

أنواع المرجعيات .....................................................

151 والمرجعيات على

151قسمين: ............................................. عجل الله تعالى)ظلمنا أنفسنا فحرمنا مرجعية ولي الله

152........ فرجه الشريف(

227

وقفة تدبر154.................. .قرآنية: .................................

الهداية بنحو العلة المحدثة154والمبقية .......................................

موقف المؤمن في مواجهة158االمتحان .....................................

طريق؟ أم تهذيب(اإلسطرالب)هل 159النفس؟ .............................

الفصل السابع الشيء كما يبدو) و (الشيء في ذاته)

165.................. . ..........(لية على(1) حقائق من العلوم اإلنسانية عصي

165التلوين ....................... أ: اإلنسان اجتماعي166............................ .بالطبع...............

ب: قيمة كل امرئ ما166يحسنه ..........................................

نلجبج: البخل عار وا167منقصة .........................................

د: الفقر يخرس168الفطن ...............................................

ه: والمقل غريب في168بلدته.............................................

و: الكرامة االقتصادية توجب الكرامة169االجتماعية.........................

ز: نقاط القوة والضعف والفرص169والمخاطر...............................

البرهان اإلني يكذب(2)171الدعوى......................................

228

أ: قوانين عالم الطبيعة172والفيزياء ........................................

ب: قوانين علم174النفس ...............................................

المرشحات والمصافي والمرجعيات في الكون(3)176واإلنسان ................... .........................................مرجعيات أخرى.............

177 الفرق الجوهري بين األصل

177والتفاصيل ................................... كدليل على تجرد الله(الحاجة)مرجعية برهان

178تعالى ........................ حوار العلماء يكشف عن وجود

179مرجعيات .............................. قانون باريتو في

180االقتصاد.............................................. مرجعية قواعد

181المنطق ................................................. الخلط بين القواعد والحدود واألصول(4)

183والفروع.........................

د أو(5) الذهن إما يؤكف ........................................ 185يزي

بين الطفل186والمعرفة ..................................................

البرهان اللمي...................................................(6)187

قصة بهلول188الحكيم ..................................................

229

أهم المصادر........................................................193

المحتويات...........................................................195

230